قوله عز وجل: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده (34)}
قال محمد بن كثيرٍ العَبْدي (ت:223هـ) حدثنا همّام بن يحيى البصري قال: (وعن قوله عز وجل: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده} وكانت هذه جهدا عليهم لا تخالطوهم في المال ولا في المأكول ثم أنزل الله عز وجل الآية التي في سورة البقرة {وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح} فرخص لهم أن يخالطوهم ). [الناسخ والمنسوخ لقتادة: 1/44]
قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (باب ذكر الآية الثّانية قال اللّه جلّ وعزّ: {ولا تقربوا مال اليتيم إلّا بالّتي هي أحسن حتّى يبلغ أشدّه} [الأنعام: 152]
حدّثني جعفر بن مجاشعٍ، قال: حدّثنا إبراهيم الحربيّ، قال: حدّثنا عبيد اللّه، قال: حدّثنا يزيد، عن سعيدٍ، عن قتادة، {ولا تقربوا مال اليتيم إلّا بالّتي هي أحسن} [الأنعام: 152] : " فكانوا من هذا في جهدٍ حتّى نزلت {وإن تخالطوهم فإخوانكم} [البقرة: 220] "
قال أبو جعفرٍ قال مجاهدٌ أي: {لا تقربوا مال اليتيم} فتستقرضوا منه {إلّا بالّتي هي أحسن} التّجارة لهم
وقال ربيعة، وزيد بن أسلم، ومالكٌ: «الأشدّ الحلم»
قال أبو جعفرٍ: وقد قال جماعةٌ من أهل التّفسير وبلغ أشدّه ثلاثًا وثلاثين سنةً وليس هذا بمتناقضٍ يكون أوّل الأشدّ بلوغ الحلم فعلى هذا يصحّ القولان وقد ذكرنا أمر اليتامى في سورة البقرة بأكثر من هذا ).[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/497-497]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {ولا تقربوا مال اليتيم إلاّ بالّتي هي أحسن حتّى يبلغ أشدّه}.
قال مجاهد: كانوا من هذه في مشقة وجهد حتى نزل: {وإن تخالطوهم فإخوانكم} [البقرة: 220]، يريد أنه نسخ بذلك، وقيل: بل نسخه قوله: {فليأكل بالمعروف} [النساء: 6].
والذي يوجبه النظر وعليه جماعة من العلماء أنه غير منسوخ، لأنه قال تعالى: {إلاّ بالّتي هي أحسن} [الإسراء: 34]، ففي هذا جواز مخالطتهم بالتي هي أحسن، وهو قوله: {والله يعلم المفسد من المصلح} [البقرة: 220]، فكلا الآيتين يجوّز مخالطة اليتيم، فلا يجوز أن تنسخ إحداهما الأخرى لأنهما بمعنى واحد . وقوله: {فليأكل بالمعروف} [النساء: 6]، معناه: يستقرض ويردّ، وقيل: هو أمر لليتيم يكون ماله قليلاً - وقد مضى شرح ذلك كله -.
وإنما يجوز أن يكون: "وإن تخالطوهم"، ناسخًا لقوله: {ولا تقربوا مال اليتيم} [الإسراء: 34] لو كان نهيًا حتمًا، ولم يقل: {إلاّ بالّتي هي أحسن}، فقوله: {إلاّ بالّتي هي أحسن}، هو إجازة مخالطتهم، وجواز مخالطتهم لا يكون إلا بالتي هي أحسن لقوله: {والله يعلم المفسد من المصلح}، أي يعلم من يخالطهم بالتي هي أحسن من غيره، فلا نسخ يصح في هذا ).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه: 339]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية الثّالثة: قوله تعالى: {ولا تقربوا مال اليتيم إلاّ بالّتي هي أحسن}.
قد زعم من قلّ فهمه، من نقلة التّفسير أنّ هذه الآية لمّا نزلت امتنع النّاس من مخالطة
اليتامى فنزلت: {وإن تخالطوهم فإخوانكم}. وهذا يدلّ على جهل قائله بالتّفسير ومعاني القرآن أيراه يجوّز قرب مال اليتيم بغير الّتي هي أحسن حتّى يتصوّر نسخٌ وإنّما المنقول عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما وغيره من المفسّرين أنّهم كانوا يخلطون طعامهم بطعام اليتامى، فلمّا نزلت هذه الآية عزلوا طعامهم عن طعامهم، وكان يفضل الشّيء فيفسد، فنزل قوله: {وإن تخالطوهم فإخوانكم} فأمّا أن تدعى نسخٌ فكلا....).[نواسخ القرآن: 392-393]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (الثاني: قوله عز وجل: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن} الآية [الإسراء: 34].
قالوا: هو منسوخ بقوله عز وجل: {وإن تخالطوهم فإخوانكم} الآية [البقرة: 220]، وقال آخرون: هو منسوخ بقوله عز وجل: {فليأكل بالمعروف} الآية [النساء: 6]، وليس ذلك بصحيح.
فإن الله عز وجل قال: {إلا بالتي هي أحسن} الآية [الإسراء: 34]، وقال في الأخرى: {والله يعلم المفسد من المصلح} الآية [البقرة: 220]). [جمال القراء: 1/330]
قوله تعالى: {وأوفوا بالعهد إنّ العهد كان مسؤولاً (34)}
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {وأوفوا بالعهد إنّ العهد كان مسؤولاً} [الإسراء: 34]:
روي عن السّدّي أنه قال: هذا منسوخٌ بقوله: {إنّ الّذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنًا قليلاً} [آل عمران: 77] الآية وقال: كان هذا الحكم يوم نزل: {إنّ العهد كان مسؤولاً} أن يسأل الرجل عن العهد ثم يدخل الجنة حتى نزل: {إنّ الّذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنًا قليلاً} الآية.
والذي عليه الجماعة ويوجبه النظر أن هذا غير منسوخٍ لأنه خبرٌ لا يجوز نسخه، ولو نسخ هذا لصار المعنى: إن الله لا يسأل عن العهد، لأن نسخ الشيء: رفع حكمه، وهذا الحكم لا يجوز أن يرفع. فالآيتان محكمتان يسأل الله عباده عن الوفاء بالعهد، ثم يعاقب من باعه ولم يف به بما شاء ويعفو عمّن شاء من أهل الإيمان.
والعهد: قد يكون التوحيد، ويكون ما عهد به إلى أهل الكتاب ليبينوا ما فيها للناس من أمر محمدٍ صلى الله عليه وسلم ومن غير ذلك من الدّين ).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه: 342]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (الخامس: قوله عز وجل: {إن العهد كان مسئولا} الآية [الإسراء: 34]، قال السدي: هذا منسوخ بقوله عز وجل: {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا} الآية [آل عمران: 77]، قال: فاقتضى قوله عز وجل: {إن العهد كان مسئولا} الآية [الإسراء: 34] أن من يسأل عن العهد يجوز أن يدخل الجنة، ثم نسخ ذلك بقوله عز وجل: {أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم} الآية [آل عمران: 77] وليس الأمر كما قال؛ فإن قوله عز وجل: {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم..} الآية [آل عمران: 77]، نزلت في اليهود، وعهد الله عز وجل ما في كتابهم من نعت النبي صلى الله عليه وسلم {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا} الآية [آل عمران: 187].
وقيل: إن قوما من اليهود اشتدت عليهم معيشتهم فلجأوا إلى المدينة، فلما رجعوا سألهم رؤساؤهم عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: هو الصادق ولا شك فيه، فقال رؤساؤهم: حرمتم أنفسكم برنا ونفعنا.
فحكوا من كتبهم صفة النبي صلى الله عليه وسلم وأثبتوا صفة غيره، وقالوا لرؤسائهم: إن كنا لغالطين، وقالوا: إن الأمر فيه كما تقولون، وأخرجوا ما غيروه وبدلوه، فنفعوهم وبروهم.
وأما قوله عز وجل: {وأوفوا بالعهد} الآية [الإسراء: 34] أي: إذا عاهدتم الناس على شيء فأوفوا به، فإن العهد مسئول، أي مطلوب أو مسئول عنه، وليس بين الآيتين تعارض). [جمال القراء: 1/331-332]
روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين