جمهرة العلوم

جمهرة العلوم (http://jamharah.net/index.php)
-   توجيه القراءات (http://jamharah.net/forumdisplay.php?f=1080)
-   -   توجيه القراءات في سورة الأعراف (http://jamharah.net/showthread.php?t=27810)

جمهرة علوم القرآن 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م 10:17 PM

توجيه القراءات في سورة الأعراف
 
توجيه القراءات في سورة الأعراف

جمهرة علوم القرآن 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م 10:17 PM

مقدمات سورة الأعراف
 
مقدمات توجيه القراءات في سورة الأعراف
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (سورة الأعراف). [معاني القراءات وعللها: 1/400]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (ومن السورة التي تذكر فيها (الأعراف) ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/176]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (ذكر اختلافهم في سورة الأعراف). [الحجة للقراء السبعة: 4/6]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (سورة الأعراف). [المحتسب: 1/240]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : (7 - سورة الأعراف). [حجة القراءات: 279]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (سورة الأعراف). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/460]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (سورة الأعراف). [الموضح: 521]

نزول السورة:
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (مكية إلا آية نزلت بالمدينة في قول قتادة قوله: {واسألهم عن القرية} «163» الآية). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/460]

عد الآي:
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (وهي مائتا آية وست آيات في المدني والكوفي). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/460]

ياءات الإضافة:
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (واختلفوا في هذه السورة في سبع ياءات إضافة:
{ربي الفواحش} [33].
قرأ حمزة وحده غير مفتوحة، والباقون يفتحون.
و {معي بني إسرائيل} [105].
فتحها حفص عن عاصم وحده.
[و] {إني اصطفيتك} [144].
فتحها أبو عمرو وابن كثير.
[و] {حقيق علي} [105].
فتحها نافع وحده، وجعلها ياء إضافة وقد ذكرته قبل.
[و] {عذابي أصيب به} [156].
فتحها نافع وحده.
[و] {ءايتي الذين يتكبرون} [146].
أسكنها حمزة وابن عامر). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/220]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (68- فيها سبع ياءات إضافة:
قوله: {ربي الفواحش} «33» أسكنها حمزة، {إني أخاف} «59» {من بعدي أعجلتم} «150» فتحهما الحرميان وأبو عمرو، {معي بني إسرائيل} «105» فتحها حفص. {إني اصطفيتك} «144» فتحها أبو عمرو وابن كثير. {آياتي الذين} «146» أسكنها حمزة وابن عامر. {عذابي أصيب} «156» فتحها نافع). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/488]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (فيها سبع ياءات إضافة اختلفوا (فيهن)، وهن:
{حَرَّمَ رَبِّيَ الفَوَاحِشَ {إنِّي أَخَافُ {إنِّي اصْطَفَيْتُكَ {آيَاتِيَ
[الموضح: 571]
الَّذِينَ {مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ {عَذَابِي أُصِيبُ {مَعِيَ بَنِي إسْرَائِيلَ}.
ففتحهن ابن كثير وأبو عمرو إلا اثنتين: {عَذَابِي أُصِيبُ {مَعِيَ بَنِي إسْرَائِيلَ}.
وفتحهن نافع إلا قوله {إنِّي اصْطَفَيْتُكَ} و{مَعِيَ بَنِي إسْرَائِيلَ}.
وفتح عاصم والكسائي ويعقوب حرفين: {حَرَّمَ رَبِّيَ الفَوَاحِشَ} و{آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ وأسكنوا البواقي.
وزاد- ص- {مَعِيَ} ففتحها، ولم يتابعه عليها أحد، وكان يفتح ياء {مَعِي} في جميع القرآن، أتت بعدها ألف أو لم تأت،
وفتح ابن عامر واحدة: {حَرَّمَ رَبِّيَ الفَوَاحِشَ} وأسكن الباقي.
ولم يفتح حمزة منهن شيئًا.
قد ذكرنا قبل أن الأصل في هذه الياءات أن تكون مفتوحة كالكاف من غلامك وإنك وضربتك، إلا أن إسكانها جائز للتخفيف، ولتشبيه الياء بالألف، فالألف لا تكون إلا ساكنة.
فأما تخصيص ابن كثير وأبي عمرو {عَذَابِي أُصِيبُ} و{مَعِيَ بَنِي إسْرَائِيلَ} بالإسكان، فلأن بعد الياء من {عَذَابِي} همزة، والهمزة تزداد ظهوراً إذا كان قبلها مدة، فأسكنت الياء لذلك، وأما إسكان ياء {مَعِيَ بَنِي إسْرَائِيلَ} فلأنها إذا حركت تتابعت خمس متحركات فأسكنت لذلك.
[الموضح: 572]
وأما ياء {إنِّي اصْطَفَيْتُكَ} فإنما أسكنها نافع ليبين أن ألف {اصْطَفَيْتُكَ} ألف وصل، إذ لو فتح الياء أمكن أن يظن أن فتحة الياء نقلت إليها من ألف هي ألف قطع، كما تقول: من أخوك، فأسكن نافع الياء وحذفها لالتقاء الساكنين، فبقي {إنِّي اصْطَفَيْتُكَ} بغير ياء. وأما فتح ياء {رَبِّيَ الفَوَاحِشَ} و{آيَاتِيَ الَّذِينَ فلأن بعدهما لام التعريف وهي ساكنة، فإذا سكنت وجب حذفها لالتقاء الساكنين فقلت: رب الفواحش وآيات الذين، ففتحوها كراهة حذفها.
وأما فتح من فتح ياء {مَعِيَ} في جميع القرآن، فيمكن أن يقال إنه لما كان مع على حرفين وأدخل الياء عليه قوي الياء بالحركة إذ كان الاسم ضعيفًا بكونه على حرفين). [الموضح: 573]

الياءات المحذوفة:
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (حذفت منها ياءان وهما قوله {ثُمَّ كِيدُونِي {فَلا تُنظِرُونِي}، أثبتهما يعقوب في الوصل والوقف، وأما الآخرون فقد اختلفوا في قوله {ثُمَّ كِيدُونِي فأثبتها أبو عمرو ونافع- بل- في الوصل دون الوقف، وحذفها نافع- ش- و- ن- في الحالين، وكذلك الباقون.
وقد سبق الكلام في أن إثبات هذه الياء أصل، وحذفها تخفيف واكتفاء بالكسرة في النون). [الموضح: 573]

الياءات الزائدة:
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (69- فيها من الزوائد ياء قوله: {ثم كيدون} «195» قرأ هشام بياء في الوصل والوقف، وقرأ أبو عمرو بياء في الوصل خاصة، وقد اختلف فيها عن ابن ذكوان، والأشهر عنه الحذف في الوصل والوقف، وروي عنه إثباتها في الوصل خاصة، وبالحذف في الحالين قرأت له). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/488]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م 10:19 PM

سورة الأعراف

[ من الآية (1) إلى الآية (9) ]
{المص (1) كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (3) وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ (4) فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (5) فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (7) وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَظْلِمُونَ (9)}

قوله تعالى: {المص (1)}

قوله تعالى: {كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2)}

قوله تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (3)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
قوله عزّ وجلّ: (قليلًا ما تذكّرون (3)
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وأبو بكر عن عاصم ويعقوب (ما تذّكّرون) مشددا، وقرأ حفص وحمزة والكسائي (ما تذكّرون) مخففة الذال.
وقرأ ابن عامر (ما يتذّكّرون) بياء وتاء.
قال أبو منصور: من قرأ (ما تذّكّرون) بتشديد الذال والكاف فالأصل تتذكرون وأدغمت التاء الثانية في الذال وشددت، ومن قرأ (تذكّرون) بتخفيف الذال فالأصل أيضًا تتذكرون، فحذفت إحدى التاءين، وتركت الثانية على حالها، والذال خفيفة في الأصل والتاء المحذوفة هي الثانية؛ لأنهما زائدتان، إلا أن الأولى تاء على معنى الاستقبال، فلا يجوز حذفها، والثانية إنما دخلت على معنى فعل الشيء على مهل، نحو قولك: تفهّمت وتعلّمت، أي: أخذت الشيء على مهملٍ). [معاني القراءات وعللها: 1/400]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (1- قوله تعالى: {ما تذكرون} [3].
قرأ حمزة والكسائي بتخفيف الذات.
وقرأ الباقون بتشديدها، إلا أن ابن عامر قرأ: {يتذكرون} بياء وتاء، وقد بينت علة ذلك). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/176]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في تشديد الذال وتخفيفها وزيادة ياء في قوله تعالى: قليلا ما تذكرون [الأعراف/ 3].
فقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، ونافع، وعاصم في رواية أبي بكر قليلا ما تذّكّرون مشدّدة الذال والكاف.
وقرأ حمزة، والكسائي، وعاصم في رواية حفص: تذكرون خفيفة الذال شديدة الكاف.
وقرأ ابن عامر: قليلا ما يتذكّرون بياء وتاء. وقد روي عنه بتاءين.
من قرأها: تذكّرون أراد: تتذكرون، فأدغم تاء تفعّل في الذال، وإدغامها فيه حسن، لأن التاء مهموسة، والذال مجهورة، والمجهور أزيد صوتا، وأقوى من المهموس، فحسن
[الحجة للقراء السبعة: 4/5]
إدغام الأنقص في الأزيد، ولا يسوغ إدغام الأزيد في الأنقص ألا ترى أن الصاد وأختيها لم يدغمن في مقاربهنّ لما فيهنّ من زيادة الصفير.
و (ما) في قوله: ما تذكّرون موصولة بالفعل، وهي معه بمنزلة المصدر، والمعنى: قليل تذكّركم. ولا ذكر في الصلة يعود إليها كما لا يكون في صلة أن ذكر.
وقراءة عاصم وحمزة والكسائي في المعنى مثل قراءة من تقدم ذكره، إلّا أنّهم حذفوا التاء، التي أدغمها هؤلاء، وذلك حسن لاجتماع ثلاثة أحرف متقاربة. ويقوي ذلك قولهم:
اسطاع يسطيع، فحذفوا أحد الثلاثة المتقاربة.
وقول ابن عامر: تتذكّرون بتاءين كقراءة من قرأ: تذّكّرون، وتذكّرون إلا أنه أظهر ما أدغمه من قال: تذّكّرون وما حذفه من قال: تذكرون.
وقول ابن عامر: يتذكّرون بياء وتاء، وجهه أنه مخاطبة للنبي صلّى الله عليه وسلّم أي: قليلا تذكّر هؤلاء الذين ذكّروا بهذا الخطاب). [الحجة للقراء السبعة: 4/6]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قليلا ما تذكرون}
قرأ حمزة والكسائيّ وحفص {قليلا ما تذكرون} بتخفيف الذّال
وقرأ الباقون بالتّشديد والأل تتذكرون من خفف حذف إحدى التّاءين وهي الثّانية وهما زائدتان إلّا أن الأولى تدل على معنى الاستقبال والثّانية إنّما دخلت على معنى فعلت الشّيء على تمهل نحو قولك تفهمت الشّيء أي أخذت على مهل ومن شدد أدغم التّاء في الذّال لقرب مكان هذه من مكان هذه
[حجة القراءات: 279]
وقرأ ابن عامر (قليلا ما يتذكرون) بياء وتاء أي قليلا ما يتذكرون هم وكذلك مكتوب في مصاحفهم). [حجة القراءات: 280]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (1- قوله: {وما تذكرون} قرأه ابن عامر بياء وتاء، وقرأ الباقون بتاء واحدة، وخفف الذال حفص وحمزة والكسائي، وشدد الباقون وقد ذكرنا علة هذا.
وحجة من قرأ بياء وتاء أنه أخبر عن غيَّب، أي: قليلًا يا محمد ما يتذكر هؤلاء الذين بعثت إليهم.
2- وحجة من قرأ بالتاء أنه رده على الخطاب قبله في قوله: {اتبعوا ما أنزل إليكم}، وقوله: {ولا تتبعوا} ). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/460]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (1- {قَلِيلًا مَا يَتَذَكَّرُونَ} [آية/ 3] بياء وتاء:-
قرأها ابن عامر وحده.
والوجه أنه على الغيبة، والمعنى: قليلاً ما يتذكر هؤلاء الذين ذكروا بهذا الخطاب {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ}، فهذا على خطاب النبي صلى الله عليه (وسلم) كالآية التي قبلها.
وقرأ حمزة والكسائي وعاصم -ص {تَذَكَّرُونَ} بتاء واحدة، مخففة الذال.
[الموضح: 521]
والوجه أن أصله {تّتَذَكَّرُونَ} بتاءين على خطاب المخاطبين بقوله {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ}، فحذف التاء الثانية، وهي تاء تفعل لاجتماع ثلاثة أحرف متقاربة، وهي تاءان وذال، والذال مقاربة للتاء، كما حذفت تاء من اسطاع لذلك أيضًا، وأصله: استطاع، فاجتمعت ثلاثة أحرف متقاربة، فحذفت التاء.
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم -ياش- ويعقوب {تَذَكَّرُونَ} مشددة الذال.
والوجه أن الأصل: تتذكرون، فأدغم تاء تفعل في الذال، وإدغامها فيها حسن؛ لأن التاء أنقص صوتًا من الذال، لأنها مهموسة، والذال أقوى صوتًا، لأنها مجهورة، وإدغام الأنقص صوتًا في الأزيد صوتًا يحسن، سيما وهما متقاربان في المخرج). [الموضح: 522]

قوله تعالى: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ (4)}

قوله تعالى: {فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (5)}

قوله تعالى: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6)}

قوله تعالى: {فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (7)}

قوله تعالى: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8)}

قوله تعالى: {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَظْلِمُونَ (9)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 07:54 AM

سورة الأعراف

[ من الآية (10) إلى الآية (18) ]
{وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (10) وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11) قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12) قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13) قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (15) قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17) قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (18)}

قوله تعالى: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (10)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (معايش... (10).
روى خارجة عن نافع (معائش) بالهمز.
[معاني القراءات وعللها: 1/400]
قال ابن مجاهد: هذا غلط.
وقرأ الباقون (معايش) غير مهموز.
قال أبو منصور: الهمز في (معايش) لحن، لأنّ الياء فيها أصلية، الواحدة: معيشة، الهمز يكون في الياء الزائدة؛ لأنه لاحظّ لها في الحركة، وقد قربت من آخر الكلمة، ولزمتها الحركة، فأوجبوا فيها الهمزة). [معاني القراءات وعللها: 1/401]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (2- وقوله تعالى: {لكم فيها معايش} [10].
قرأ نافع في رواية خارجة {معش} بالهمزة.
وقرأ الباقون بترك الهمزة.
فقال النحويون: إن همزه لحن؛ لأن الميم زائدة والياء أصلية، واحدها معيشة، والأصل: معيشة، فنقلوا كسرة الياء إلى العين، والياء أصلية متحملة للحركة، فكسروا للجمع، وإنما يهمز من الياءات ما كان زائدة نحو قوله: {في المدائن حاشرين} [111]، والميم أصلية، من مدنت المدن، فلما وقعت الياء بعد ألف فاجتمع ساكنان لم يجدوا بدا من حركة أحدهما فقلبوا من الياء همزة؛ لأنها أجلد من الياء وأحمل للحركة، وكسرت لالتقاء الساكنين. ولا يجوز همز نظير {معايش} وإن كان من ذوات الواو إلا حرفًا واحدًا: «مصائب» وأصله مصاوب. وإنما همز تشبيهًا بصحيفة وصحائف إذ كان لفظهما يشبه لفظهما. وكذلك {معايش} من همزها شبهها بمدائن، ومدائن أجمع القراء
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/176]
على همزها. وذكر الجرمي رحمه الله في كتاب «الأبنية« أن من العرب من يدع همزها.
فإن سأل سائل فقال: قد همزوا الياء في بائع وسائر وهي أصلية؟
فالجواب في ذلك: أن اسم الفاعل مبني على الفعل فلما أعلوا الماضي والمضارع في باع يبيع أعلوا الدائم. فأما قوله تعالى: {إذ يبايعونك تحت الشجرة} فلا يجوز همز الياء؛ لأن الماضي منه غير معتل وهو بايع يبايع، فلما صح الماضي صح المستقبل. والوقف على {معايش} ثم تبتدئ {قليلاً ما تشكرون}؛ لأنه {قليلاً} ينتصب بـــ {تشكرون} ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/177]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (وكلّهم قرأ: (معايش) [الأعراف/ 10] بغير همز.
[الحجة للقراء السبعة: 4/6]
وروى خارجة عن نافع: (معايش) ممدود مهموز، وهذا غلط.
قوله: وجعلنا لكم فيها معايش.
معايش فيه جمع معيشة، واعتل معيشة لأنه على وزن يعيش، وزيادته زيادة تختصّ الاسم دون الفعل، فلم يحتج إلى الفصل بين الاسم والفعل، كما احتيج إليه فيما كانت زيادته مشتركة نحو الهمزة في: أجاد، وهو أجود منك. وموافقة الاسم لبناء الفعل، يوجب في الاسم الاعتلال، ألا ترى أنّهم أعلّوا بابا ودارا ويوم راح لمّا كان على وزن الفعل، وصحّحوا نحو:
حول، وعيبة ولومة لما لم يكن على مثال الفعل، فمعيشة موافقة للفعل في البناء، ألا ترى أنه مثل: يعيش، في الزّنة، وتكسيرها يزيل مشابهته، في البناء؛ فقد علمت بذلك زوال المعنى الموجب للإعلال في الواحد في الجمع، فلزم التصحيح في التكسير لزوال المشابهة في اللفظ، ولأن التكسير معنى لا يكون في الفعل، إنما يختصّ به الاسم وإذا كانوا قد صححوا نحو الجولان والهيمان والغثيان، مع قيام
[الحجة للقراء السبعة: 4/7]
بناء الفعل فيه لما لحقه من الزيادة التي يختصّ بها الاسم؛ فتصحيح قولهم (معايش) الذي قد زال مشابهة الفعل عنه في اللفظ والمعنى لا إشكال في تصحيحه، وفي وجوب العدل عن إعلاله، ومن أعلّ فهمز؛ فمجازه على وجه الغلط، وهو أن معيشة على وزن: سفينة، فتوهّمهما: فعيلة؛ فهمز كما يهمز مصائب، ومثل ذلك ممّا يحمل على الغلط قولهم في جمع مسيل: أمسلة، وقد جاء ذلك في شعر هذيل. قال أبو ذؤيب:
وأمسلة مدافعها خليف فتوهموه فعيلة. وإنّما هو مفعلة؛ فالميم في أمسلة على هذا ميم مفعل، وقد حكى يعقوب وغيره مسيل ومسل، فالميم على هذا فاء، ومسيل: فعيل وليس بمفعل من سال.
ومن همز: مداين، لم يجعله: مفعلة، من دان ولكنّه
[الحجة للقراء السبعة: 4/8]
فعلية، يدل على ذلك: مدن ولا يجوز أن يكون: مفعلة، من دان يدين، ومن أخذه من ذلك، كان مدينة مفعلة عنده، وجمعها: مداين بتصحيح الياء). [الحجة للقراء السبعة: 4/9]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (2- {مَعَائِشَ} [آية/ 10] بالهمز:-
رواها خارجة بن مصعب عن نافع.
والوجه أنه على وجه الغلط؛ لأن القياس أن تكون غير مهموزة؛ لأنها
[الموضح: 522]
جمع معيشة وهي مفعلة من العيش، فالياء عين الفعل، فوجب أن تصحح ولا تعل، وتصحيحها أن تبقى ياء، وإعلالها أن تقلب همزة، إلا أنهم شبهوها بما الياء فيه زائدة كسفينة، فهمزوها في الجمع، كما همزوا سفائن، وتشبيهها بها تشبيه غلط؛ لأن ياء معيشة أصل، وياء سفينة زائدة؛ لأنها فعيلة، ومثل هذا الغلط قولهم في جمع مصيبة مصائب فهمزوها، والقياس مصاوب، إلا أنهم أعلوها على التشبيه المذكور.
وقرأ الباقون {مَعَايِشَ} بالياء.
وهو الأصل المنقاس؛ لأنه جمع معيشة، والياء فيها عين الفعل، فلا يجوز إعلالها بالهمز في الجمع، فإن كانوا أعلوها بالإسكان في الواحد؛ لأن الإعلال في الأسماء إنما يكون لموافقة أبنية الأفعال، وجمع التكسير يزيل موافقة الفعل في البناء، فقد زال المعنى الموجب للاعتلال، فوجب التصحيح؛ لأن الجمع لا يكون في الأفعال.
وأما سفاين فإنها تهمز؛ لأن الياء في سفينة مدة زائدة، فوجب أن يقلب في الجمع همزة؛ لأن تحريك المدة همز). [الموضح: 523]

قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (من ذلك قراءة أبي جعفر: [ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةُ اسْجُدُوا] بضم الهاء.
قال أبو الفتح: هذا مذهب ضعيف جدًّا؛ وذلك أن الملائكة مجرورة، ولا يجوز أن يكون حذَف همزة "اسجدوا" وألقى حركتها على الهاء من موضعين:
أحدهما: أن هذا التخفيف إنما هو في الوصل، والوصل يحذف هذه الهمزة أصلًا إذ كانت همزة وصل، فيا ليت شعري من أين له همزة أصلًا في الوصل حتي يُلقي حركتها للتخفيف على ما قبلها، وليست كذلك الهمزات التي تُلقى للتخفيف حركاتهن على ما قبلهن؛ لأن لك أن تثبت هذه الهمزة قبل حذفها للتخفيف؟ ألا تراك أنك إذا خففت همزة أنت من قولك: مَن أنت جاز منَ انت؛ لأن لك أن تحققها قبل التخفيف فتقول: من أنت؟ وليس لك أن تثبت همزة "اسجدوا" في الوصل فتقول: للملائكة أُسجدوا، فيجوز تخفيفها فيما بعد.
وهذا واضح، وهو أذهب في الفحش من قول الفراء: مَنْ فتح "ميم" من قوله تعالى: "ألف لام ميم الله"، إنه حذف همزة "الله" وألقى حركتها على ميمِ "ميمَ"؛ لأن له أن يقول: إن الهجاء عندنا على الوقف، فإذا وصل فإنه مع ذلك ينوِي الوقف، والوقف يجوز معه قطع همزة "الله"، وليس كذلك [ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةُ اسْجُدُوا]؛ لأنه ليس من حروف الهجاء فيُنوَى فيه الوقف عليه ثم تخفيف همزته، وعلى أن مذهب الفراء هناك أيضًا مدفوع عندنا لأنه لا يُخَفَّفُ إلا في الوصل، والوصل يُسقط همزة اسم الله تعالى، فالطريق في الفساد واحدة وإن كان فيه في قول الفراء ذلك القدر من تلك الشبهة الضعيفة.
فإن قال الفراء: قولهم: [نون وَالْقَلَمِ] بترك إدغام النون في الواو يدل أن نية الوقف
[المحتسب: 1/240]
في هذه الحروف مع الوصل موجودة؛ إذ لو كانت موصولة ألبتة لوجب الإدغام، وأن يقال: [نووّ القلم]، كما تدغم النون في الواو من قوله عز وجل: {مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ}.
قيل له: ولو كانت في وصلها على حكم الوقف ألبتة عليها لوجب إظهار النون فقيل: [نونْ والقلم] بإظهار النون؛ لقولك في الوقف: [نون] بإظهار النون، فترْك إظهار النون من قوله تعالى: [نون والقلم] يدل على نية الوصل، وإنما لم يكن هناك إدغام لعمري تعقبًا لما كان عليه من الوقف، وإلا فهو موصول لا محالة، وإذا كان موصولًا وجب حذف الهمزة أصلًا، وإذا حذفت أصلًا لم تجد هناك لفظًا تحقِّقه أو تخففه.
ويؤكد ذلك عندك قراءتهم [كاف ها يا عين صاد] بإخفاء النون من عين عند الصاد، كما تُخفى في الوصل إذا قلت: عجبت من صالح، ونحو ذلك.
فقد ترى إلى جريان هذا مع أنه حرف هجاء كجريانه في حال وصله نون عين وسين قاف من قوله: عين سين قاف، فأُخفيت النون من عين عند السين، والنون من سين عند القاف، كما تُخفيان في: عين سالم، ومن قاسم.
ويؤكد أيضًا عندك إدغام الدال من صاد في الذال من [ذِكْر] في قوله: [عين صاد ذِكْرُ رحمةِ ربِّك]، كإدغامها فيها في غير الهجاء، كقولك: تعهد ذلك الباب.
وهذا ينبهك على أن ترك إدغام النون من قوله: [نون والقلم] إنما هو لئلا يجتمع هناك ثلاث واوات، فثقل عليهم أن يقولوا: [نووَّالقلم]، ولو كان لنية الوقف ألبتة لظهرت الدال من [صاد ذكر رحمة ربك]، هذا أعلى القراءة وإن كان بعضهم قد أظهرها، إلا أن الإدغام أقوى رواية وقياسًا، فهذا أحد وجهي قبح قراءة أبي جعفر: [ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةُ اسْجُدُوا لِآدَمَ].
والآخر: أن التخفيف في نحو هذا إنما يكون إذا كان الحرف الأول قبل الهمزة ساكنًا صحيحًا نحو: "قد أفلح"، فإذا خففت الهمزة ألقيت حركتها على الساكن قبلها فقَبِلَها لسكونه، ثم حذفت الهمزة تخفيفًا، فقلت: [قَدَ فْلَحَ]، وكذلك: مَن أبوك إذا خففته قلت: مَنَ بُوك؟
فأما إذا كان قبل الهمزة حرف متحرك وأردت تخفيفها فإنك لا تلقى حركة الهمزة عليه، ألا تراك لا تقول: فلان يضربَ خَاه، تريد: يضربُ أَخاه؟ لأن باء يضرب متحركة، فما
[المحتسب: 1/241]
فيها من حركتها لا يسوِّغُ نقل حركة أخرى إليها عوضًا من حركتها؛ ولذلك ضعفت عندنا قراءة الكسائي: [بما أُنْزِلَّيْك]؛ لأن اللام من أُنزل مفتوحة، فلا ينقل عليها كسرة همزة إليك ثم يلتقي المثلان متحركين، فيسكن الأول منهما، ويدغم في الثاني كما جُعل ذلك في قوله: {لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي}؛ إذ كانت النون من لكن ساكنة فساغت حذف همزة أناء وإلقاء حركتها على النون قبلها، فصارت [لكنَنَا]، فكُره التقاء المثلين متحركين، فأُسكن الأول منهما وأُدغم في الثاني، فصار لكنَّا كما ترى.
وقد ذكرنا هذا في غير هذا الموضع من كلامنا مصنفًا وغير مصنَّف.
فإن قلت: فما تصنع بما أخبركم به أبو علي عن أبي عبيدة من قول بعضهم: دعه في حِرُمِّه -بضم الراء- وهو يريد: في حرأُمه؟ ألا ترى كيف أَلقى حركة همزة "أم" على الراء وقد كانت مكسورة ثم حذف الهمزة، وإلى ما حكاه أحمد بن يحيى من قول أبي السرار في خبر ذكره عند سعيد بن سليم وابنُ الأعرابي حاضرٌ من قول امرأة رأت أبا السرار عند بناتها، فأنكرته: أفي السَّوَتَنْتُنَّه؟ وهي تريد: أفي السَّوْءةِ أَنْتُنَّه؟ فحذفت همزة "أنتنه" وألقت حركتها على تاء "السوءة" وهي مكسورة.
قيل: هذا من الشذوذ؛ بحيث لا يقاس على ضعفه، فضلًا عنه على قلته.
وأيضًا، فإنه حذف همزة ثابتة موجودة في الوصل، وليست كذلك همزة "اسجدوا"؛ لأنها بلا خلاف معدومة في الوصل أصلًا، وما هو معدوم في اللفظ لا يعْرِض فيه تخفيف ولا تحقيق.
فإن توهَّم متوهم أنه يرى قطع همزة "اسجدوا" على ضعف ذلك، ثم فعل من بعد نحوًا من حكاية أبي عبيدة: دعه في حِرُمِّه، فإن هذا أفحش، من حيث كانت همزة "اسجدوا" مما لا يجوز في القرآن قطعه أصلًا؛ لخبث ذلك في الشعر فضلًا عن التنزيل، وما يجب فيه من تخير أفصح اللغات له.
ويزيد في قبح ذلك أنه إن نوى قطع همزة "اسجدوا" فإنما ذلك للوقف قبلها، والوقف هنا قبلها لا يجوز من حيث كان قوله: {اسْجُدُوا لِآدَمَ} معمولَ قوله: [قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ]، ولا يحسن الوقف على الناصب دون منصوبه؛ بل لا يجوز الوقف على العامل دون معموله؛ لاتصاله به، وكونه في بعض الأماكن كالجزء من العامل فيه، نحو: لا رجل في الدار، ومررت بي، والمال لي
[المحتسب: 1/242]
فيمن أسكن الياء، فهذا كله وما تركناه من نحوه يشهد بفساد قراءة أبي جعفر: [لِلْمَلائِكَةُ اسْجُدُوا] ). [المحتسب: 1/243]

قوله تعالى: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12)}

قوله تعالى: {قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13)}

قوله تعالى: {قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14)}

قوله تعالى: {قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (15)}

قوله تعالى: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16)}

قوله تعالى: {ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17)}

قوله تعالى: {قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (18)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الزهري: [مَذُومًا مَدْحُورًا].
قال أبو الفتح: هذا على تخفيف الهمزة من [مَذْءومًا]، كقولك في مسئول: مسول.
فإن قلت: أفيكون مِن ذِمتُه أَذيمة؟ قيل: لو كان منه لكان مَذِيمًا كمبيع ومكيل.
فإن قيل: فقد حكى الفراء: هذا بُرّمَكُول، ورجل مسورٌ به، وقد قالوا في مهيب: مَهوب.
قيل: هذا من الشذوذ في منزلة القُصْيا، فلا يحسن الحمل عليه؛ وإنما ذكرناه لئلا يورده من يضعف نظره وهو يظنه طائلًا، فلا تحفل به). [المحتسب: 1/243]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 07:56 AM

سورة الأعراف
[ من الآية (19) إلى الآية (25) ]

{وَيَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22) قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24) قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ (25)}

قوله تعالى: {وَيَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن محيصن: [من هذِي الشجرة].
قال أبو الفتح: هذا هو الأصل في هذه الكلمة، وإنما الهاء في "ذه" بدل من الياء في "ذي"، يدل على الياء الأصل قولهم في المذكر: "ذا"، فالألف في ذا بدل من الياء في ذي، وأصل ذا عندنا ذَيّ، وهو من مضاعف الياء مثل: حي، فحذفت الياء الثانية التي هي لام تخفيفًا فبقي ذَيْ. قال لي أبو علي: فكرهوا أن يشبه آخره آخر كي وأي، وأبدلوها ألف كما أبدلت في باءَس ويايَس.
ويدل على أن أصل ذا ذَيّ وأنه ثلاثي جواز تحقيره في قولك: ذَيَّا، ولو كان ثنائيًّا لما جاز تحقيره كما لا تحقر "ما"، "ومَن" لذلك. وقد شرحت هذا الموضع في كتابي الموسوم بالمنصف بما يمنع من الإطالة بذكره هنا.
فأما الياء اللاحقة بعد الهاء في [هذهِي سبيلي] ونحوه فزائدة، لحقت بعد الهاء تشبيهًا لها بهاء الإضمار في نحو: مررت بهِي، ووجه الشبه بينهما أن كل واحد من الاسمين معرفة مبهمة لا يجوز تنكيره، وإذا وَقَفْتَ قلت: هذهْ، فأسكنت الهاء، ومنهم من يدعها على سكونها في الوصل كما يسكِّنها عند الوقف عليها، كما أن منهم من يسكن الهاء المضمرة إذا وصلها فيقول: مررت بِهْ أَمس، وذكر أبو الحسن أنها لغة لأزْد السراة، وأنشد هو وغيره:
فظَلْت لدى البيت العتيق أُخليه ... ومِطْواي مشتاقان لهْ أَرِقان
وروينا عن قطرب قول الآخر:
وأَشربُ الماء ما بي نحوَه عَطَشٌ ... إلا لأَنَّ عيونَهْ سَيْلُ وادِيها). [المحتسب: 1/244]

قوله تعالى: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن وأبي جعفر وشيبة والزهري: [سَوَّاتِهما] بتشديد الواو.
قال أبو الفتح: حكى سيبويه ذلك لغة قليلة، والوجه في تخفيف نحو ذلك أن تحذف الهمزة وتلقى حركتها على الواو قبلها، فتقول في تخفيف نحو السوءة: السَّوَة، وفي تخفيف الجيئة: الجيَة، ومنهم من يقول: السَّوَّة والْجَيَّة، وهو أدون اللغتين وأضعفهما، ومنهم من يقول في المنفصل من أوْ أَنت: أوَّنت، وفي أبو أيوب: أَبوَّيُّوب، وهو في المنفصل أسهل منه في المتصل؛ لما يوهم "سَوَّة" أنه من مضاعف الواو، نحو: القُوَّة والْحُوَّة.
وقرأ: [سوْءَتِهما] واحدة مجاهد.
ووجه ذلك أن السوءَة في الأصل فَعْلَة من ساء يسوء، كالضربة والقتلة، فأَتاها التوحيد من قِبَلِ المصدرية التي فيها.
فإن قلت: إن الفَعْلَة واحدة من جنسها، والواحد مُعرَّض للتثنية والجمع.
قيل: قد يوضع الواحد موضع الجماعة، وقد مضى ذلك مشروحًا). [المحتسب: 1/243]

قوله تعالى: {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21)}

قوله تعالى: {فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الزهري: [يُخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا] من أَخْصَفْت، و[يَخِصفان] الحسن بخلاف، وقرأ [يُخَصِّفَان] ابن بريدة والحسن والزهري والأعرج، واختلف عنهم كلهم.
قال أبو الفتح: مألوف اللغة ومستعملها خَصَفت الورق ونحوه، وما أخصفت فكأنها منقولة من خصفت؛ كأنه -والله أعلم- يُخْصِفان أنفسهما وأجسامهما من ورق الجنة، ثم حذف المفعول على عادة حذفه في كثير من المواضع، أنشد أبو علي للحطيئة:
منعَّمةٌ تصون إليك منها ... كصونك من رداءٍ شرْعبيِّ
أي: تصون الحديث ونخزنه.
وأما قراءة الحسن: [يَخِصِّفَان]، فإنه أراد بها يختصفان يفتعلان من خصفت، كقولهم: قرأت الكتاب واقترأته، وسمعت الحديث واسمتعته؛ فآثر إدغام التاء في الصاد فأسكنها، والخاء قبلها ساكنة، فكسرها لالتقاء الساكنين؛ فصارت [يَخِصِّفان].
وأما من قرأها [يَخَصِّفان]، فإنه أراد أيضًا إدغام التاء في الصاد فأسكنها على العبرة في ذلك، ثم نقل الفتحة إلى الخاء؛ فصار [يَخَصِّفان].
ويجوز [يِخِصِّفَّانِ] بكسر الياء فيمن كسر الخاء إتباعًا، كما قال أبو النجم:
تَدافُعَ الشِّيبِ ولم تِقِتِّل
أراد: تَقْتَتِل على ما ذكرت لك. ونحو من ذلك القراءة: يَهَدِّي ويَهِدِّي ويِهِدِّي، وأصله كله يَهتدي على ما مضى.
وأما من قرأ: [يُخَصِّفَان] وهو ابن بريدة والحسن أيضًا والأعرج، واختلف عنهم كلهم فهو يُفَعِّلان، كيُقَطِّعان ويكسران، وهذا واضح). [المحتسب: 1/245]

قوله تعالى: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23)}

قوله تعالى: {قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24)}

قوله تعالى: {قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ (25)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ومنها تخرجون (25).
قرأ حمزة والكسائي (ومنها تخرجون)، وفي الروم (وكذلك تخرجون)، وفي الزخرف (وكذلك تخرجون) بفتح التاء وضم الراء، وقرأ في آخر الجاثية (فاليوم لا يخرجون) بفتح الياء وضم الراء.
وقرأ ابن عامر هاهنا وفي الزخرف بفتح التاء وضم الراء، وفي الباقي بضم التاء والياء وفتح الراء.
[معاني القراءات وعللها: 1/401]
وقرأ يعقوب (ومنها تخرجون) بفتح التاء في هذه وحدها، وضم التاء في الباقي.
وقرأ الباقون بضم التاء وفتح الراء في جميع هذه الحروف.
قال أبو منصور: من قرأ (تخرجون) أو (يخرجون) فهو من خرج يخرج خروجا، ومن قرأ (تخرجون) فهو من أخرج يخرج، أي: يخرجكم الله، وتخرجون أنتم بأمر الله خروجا). [معاني القراءات وعللها: 1/402]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (3- قوله تعالى: {ومنها تخرجون} [25].
وفي (الروم): {وكذلك تخرجون * ومن ءآيته} وفي (الزخرف) و(الجاثية).
قرأ حمزة والكسائي {تخرجون} كل ذلك بالفتح.
وقرأ ابن عامر برواية ابن ذكوان في (الأعراف) بالفتح و(حَمَ) الباقي.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/177]
والباقون يضمون كل ذلك، فمن فتح الفاء جعل الفعل لهم، لأن الله إذا بعثهم يوم القيامة [وأحياهم] وأخرجهم خرجوا هم، كما تقول مات فلان، فتنسب الفعل إليه، وإنما أماته الله، ومن ضم التاء لم يسم الفاعل جعلهم مفعولين مخرجين. وأما قوله في (الروم) {إذا أنتم تخرجون} وفي (سأل سآئل) {يوم يخرجون} فاتفق القراء على فتحها فأما قوله في (الرحمن): {يخرج منهما اللؤلؤ} فيأتي في موضعه إن شاء الله). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/178]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في ضم التاء [وفتحها من قوله]: ومنها تخرجون [الأعراف/ 25].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو، ونافع، وعاصم ومنها تخرجون، بضم التاء وفتح الراء هاهنا، وفي الروم: وكذلك تخرجون، ومن آياته [الآية/ 19] مثله. وفي الزخرف [11]:
كذلك تخرجون، مثله، وفي الجاثية [35]: فاليوم لا يخرجون منها، وقرأ في: سأل سائل: يوم يخرجون [المعارج/ 43]، وفي الروم [25]: إذا أنتم تخرجون؛ ففتح التاء والياء في هذين، ولم يختلف الناس فيهما.
وقرأ حمزة والكسائي: ومنها تخرجون في الأعراف، بفتح التاء وضم الراء، وفي الروم: وكذلك تخرجون مثله، وفي الجاثية: فاليوم لا يخرجون منها مثله وكذلك الزخرف [11] يخرجون.
وفتح ابن عامر التاء في الأعراف فقط. وضمّها في
[الحجة للقراء السبعة: 4/9]
الباقي. وأما قوله: يخرج منهما اللؤلؤ [الرحمن/ 22]؛ فقرأ ابن كثير، وعاصم، وحمزة، والكسائيّ، وابن عامر: يخرج منهما بنصب الياء وضم الراء.
وقرأ نافع وأبو عمرو: يخرج منهما بضم الياء وفتح الراء، وروى أبو هشام عن حسين الجعفي، عن أبي عمرو (نخرج منهما) بنون مضمومة (اللّؤلؤ والمرجان) نصبهما.
حدثني محمد بن عيسى المقرئ، عن أبي هشام، عن حسين الجعفي، عن أبي عمرو: (نخرج) بنون مضمومة.
ومن قرأ: (يخرجون) بضم الياء فحجّته قوله: أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون [المؤمنون/ 35]. وقوله: كذلك نخرج الموتى [الأعراف/ 57].
وحجّة من قال: (تخرجون) اتفاق الجميع في قوله: ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون [الروم/ 25] بفتح التاء.
ومن حجّته قوله: إلى ربهم ينسلون [يس/ 51]؛ فأسند الفعل إليهم.
ومن حجته أنه أشبه بما قبله من قوله: قال فيها تحيون
[الحجة للقراء السبعة: 4/10]
وفيها تموتون ومنها تخرجون [الأعراف/ 25]، ومن حجّتهم قوله: كما بدأكم تعودون [الأعراف/ 29].
فأمّا قوله: يخرج منهما اللّؤلؤ والمرجان [الرحمن/ 22]، فمن قال: (تخرج منهما) فعلى أنه أسند الفعل إلى الله تعالى، كما قال: فأخرجنا به من كل الثمرات [الأعراف/ 57]، ومن قال: (يخرج) جعله مطاوع أخرج، كما تقول: أخرجته فخرج، والأوّل أدخل في الحقيقة، وقال:
يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان، واللؤلؤ يخرج من الملح.
وزعم أبو الحسن: أن قوما قالوا: إنّه يخرج منهما جميعا، ويجوز أن يكون: يخرج منهما في المعنى: يخرج من الملح، فقال: يخرج منهما على أنه يخرج من أحدهما، فحذف المضاف، ومثل ذلك في حذف المضاف قوله: وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم [الزخرف/ 31].
والرجل إنما يكون من قرية واحدة، كما أنّ اللؤلؤ يخرج من الملح، وإنما المعنى: على رجل من رجلي
[الحجة للقراء السبعة: 4/11]
القريتين عظيم، والقريتان: مكة والطائف). [الحجة للقراء السبعة: 4/12]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون}
قرأ حمزة والكسائيّ بن عامر {ومنها تخرجون} بفتح التّاء جعلوا الفعل لهم لأن الله جلّ وعز إذا بعثهم يوم القيامة فأحياهم وأخرجهم خرجوا كما تقول مات فلان فتنسب الفعل إليه وإنّما أماته الله وحجتهم قوله {فيها تحيون وفيها تموتون} على تصيير الفعل لهم فكذلك أيضا {ومنها تخرجون} على ما تقدمه من الكلام وفي التّنزيل ما يدل على قراءتهم وهو قوله {إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون} بالفتح
وقرأ الباقون {تخرجون} بالضّمّ على ما لم يسم فاعله وحجتهم إجماع الجميع على قوله {ثمّ إنّكم يوم القيامة تبعثون} على أنهم مفعولون ولم يسم الفاعل والمعنيان يتداخلان لأن الله إذ أخرجهم خرجوا وإذا خرجوا ف بإخراج الله خرجوا فهم فاعلون مفعولون). [حجة القراءات: 280]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (3- قوله: {ومنها تخرجون} قرأ ابن ذكوان وحمزة والكسائي بفتح التاء، وضم الراء، ومثله في الزخرف، أضافوا الفعل إليهم، لأنهم إذا أخرجوا خرجوا، فهم مفعولون فاعلون في المعنى، وقرأ الباقون بضم التاء، وفتح الراء فيهما، أجروه على ما لم يسم فاعله؛ لأنهم لا يخرجون حتى يخرجوا). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/460]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (3- {وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ} [آية/ 25] بضم التاء وفتح الراء:
قرأها ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم، وكذلك في الروم، وفي الزخرف {كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ}، وفي الجاثية {فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ} بضم التاء والياء وفتح الراء في الأربعة الأحرف.
والوجه أن خروج الأموات من القبور، إنما هو بإخراج الله تعالى إياهم، فإذا قال يخرجون فهو على أصله وحقيقته، وحجته قوله تعالى {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ}.
وقرأ حمزة والكسائي بفتح التاء والياء، وضم الراء في الأربعة الأحرف.
والوجه أنه أوفق لما قبله، وهو قوله {فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ}؛ لأن الفعل فيهما مسند إليهم، وكذلك في الخروج ينبغي أن يكون مسندًا إليهم ليكون مشاكلاً لهما في إسناد الفعل، وحجته قوله تعالى {ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ}.
وقرأ ابن عامر في الأعراف والزخرف {تَخْرُجُونَ} بفتح التاء وضم الراء، وفي الروم والجاثية بضم التاء والياء، وفتح الراء.
وقرأ يعقوب في الأعراف بفتح التاء وضم الراء، وفي الروم والزخرف
[الموضح: 524]
والجائية بضم الياء والتاء، وفتح الراء في الأحرف الثلاثة). [الموضح: 525]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 07:58 AM

سورة الأعراف
[ من الآية (26) إلى الآية (30) ]

{يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26) يَا بَنِي آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27) وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آَبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (28) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30)}

قوله تعالى: {يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وريشًا ولباس التّقوى... (26).
أجمع القراء على قراءة (وريشًا) ولم يقرأ أحدٌ (ورياشًا) غير الحسن.
أخبرني المنذري عن ابن فهم عن محمد بن سلام قال: سمعت سلاما أبا المنذري القارئ يقول: الريش: الزينة. والرياش: كاللباس.
قال: فسألت يونس فقال: لم يقل شيئا، هما سواء.
[معاني القراءات وعللها: 1/402]
وقال الفراء: إن شئت جعلت الرياش جمع الريش، وإن شئته مصدرا في معنى الريش، كما قالوا: لبس ولباس.
قال أبو منصور: القراءة (وريشًا) لا غير). [معاني القراءات وعللها: 1/403]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ولباس التّقوى... (26).
قرأ نافع وابن عامر والكسائي (ولباس التّقوى) نصبا، وقرأ الباقون (ولباس التّقوى) رفعا.
قال أبو منصور: من قرأ (ولباس التّقوى) فرفعه على ضربين:
أحدهما: أن يكون مبتدأ، ويكون (ذلك) من صفته.
والوجه الثاني: أن يكون (خيرٌ) خبر الابتداء، المعنى: ولباس التقوى المشار إليه خير.
وفيه وجه ثالث: يجوز أن يكون (ولباس التّقوى) مرفوعا بإضمار (هو)، المعنى: هو لباس التقوى، أي: ويستر العورة لباس المتقين، ثم قال: (ذلك خيرٌ).
[معاني القراءات وعللها: 1/403]
ومن قرأ (ولباس التّقوى) فنصب. عطفه على قوله (وريشًا).
والمعنى: أنزلنا عليكم ولباس التّقوى، وهذا كله قول أبي اسحاق النحوي). [معاني القراءات وعللها: 1/404]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (4- قوله تعالى: {ولباس التقوى} [26].
قرأ نافع وابن عامر والكسائي: بالنصب.
والباقون: بالرفع.
فمن نصب جعله مفعول قوله: {قد أنزلنا عليكم لباسًا يواري سوءتكم} ونسق الثاني عليه و{لباس التقوى} قيل في التفسير: هو الحياء.
ومن رفعه جعله ابتداء {وخير} خبره {وذلك} نعت.
وفي قراءة أبي وابن مسعود: {ولباس التقوى خير} ليس فيها ذلك.
وأما قوله: {وريشا} فأجمع القراء على ترك الألف إلا ما حدثني به ابن مجاهد قال: حدثني أحمد بن عبيد عن أبي خلاد عن حسين عن أبي عمرو أنه قرأ {وريشا} بالألف، ورويت عن الحسن. الريش والرياش يكونان اسمين
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/178]
ومصدرين مثل قال قيلاً، ويكون رياش: جمع ريش ومعناه: الشارة والحسن، كذلك: لبس ولباس.
وأخبرني ابن دريد رحمه الله عن أبي حاتم عن أبي عبيدة قال: تقول العرب: أعطيته سرجا ورحلا بريشه. ويقال: قد تريش فلان: إذا حسنت حاله، وقد نبت ريشه مأخوذ من ريش الطائر؛ لأن غناه وحياته بالريش، قال جرير يمدح عبد الملك بن مروان.
ألستم خير من ركب المطايا = وأندى العالمين بطون راح
سأشكر إن رددت إلي ريشي = وأنبت القوادم في جناحي
ويقال إذا افتقر الرجل: نتف ريشه، قال رؤبة:
إليك أشكو شدة المعيش
ومر أعوام نتفن ريشي
نتف الحبارى عن قرى رهيش
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/179]
وحدثني أبو بكر المقرئ، قال: حدثنا أحمد بن زهير عن أبيه، عن يونس، عن هارون: {ولباس التقوى خير} قال: لباس التقوى أفضل من الأثاث). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/180]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في رفع السين ونصبها من قوله تعالى: ولباس التقوى [الأعراف/ 26].
فقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم، وحمزة: ولباس التقوى رفعا.
وقرأ نافع وابن عامر والكسائيّ: (ولباس التّقوى) نصبا.
أما النصب: فعلى أنه حمل على (أنزل) من قوله: (قد أنزلنا عليكم لباسا ولباس التّقوى) [الأعراف/ 26]، وأنزلنا هنا كقوله: وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد [الحديد/ 25]، وكقوله: وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج [الزمر/ 6]، أي: خلق، وقوله: (ذلك) على هذا: مبتدأ، وخبره (خير).
ومن رفع فقال: ولباس التقوى ذلك خير قطع اللباس من الأول واستأنف به فجعله مبتدأ.
وقوله (ذلك) صفة أو بدل أو عطف بيان، ومن قال: إنّ (ذلك) لغو، لم يكن على قوله دلالة، لأنه يجوز أن يكون على ما
[الحجة للقراء السبعة: 4/12]
ذكرنا، و (خير) خبر للباس والمعنى: لباس التقوى خير لصاحبه إذا أخذ به وأقرب له إلى الله مما خلق له من اللباس والرياش الذي يتجمّل به، وأضيف اللباس إلى التقوى، كما أضيف في قوله: فأذاقها الله لباس الجوع والخوف [النحل/ 112] إلى الجوع). [الحجة للقراء السبعة: 4/13]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة النبي -صلى الله عليه وسلم- وجماعة وعاصم بخلاف: [ورِياشًا] بالفتح.
قال أبو الفتح: يحتمل رِيَاشٌ شيئين:
أحدهما: أن يكون جمع رِيش، فيكون كشِعْب وشِعَاب ولِهْب ولِهَاب، ولِصْب ولِصَاب، وشِقْب وشِقَاب.
والآخر: أن يكونا لغتين: فِعْلٌ وفِعَال. هكذا قال أبو الحسن، قال: وقال الكلابيون: الرياش: ماكان من لباس أو حشو من فراش ألآو دثار، والريش: المتاع والأموال. وقد يكون الريش في الثياب دون المال. ويقال: هو حسن الريش؛ أي الثياب. والرياش: القشر، وهما كما ترى متداخلان). [المحتسب: 1/246]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التّقوى ذلك خير}
قرأ نافع وابن عامر والكسائيّ {وريشا ولباس التّقوى} بالنّصب عطفوا على الريش المعنى وأنزلنا عليكم لباس التّقوى
وقرأ الباقون بالرّفع قال الزّجاج ورفعه على ضربين أحده
[حجة القراءات: 280]
أن يكون مبتدأ ويكون {ذلك} من صفته ويكون خير خبر الابتداء المعنى ولباس التّقوى المشار إليه خير ويجوز أن يكون {ولباس التّقوى} مرفوعا بإضمار هو المعنى وهو لباس التّقوى أي وستر العورة لباس المتّقين وحجتهم ما جاء في التّفسير قيل ولباس التّقوى أفضل من الأثاث والكسوة وجاء أيضا ولباس التّقوى الحياء). [حجة القراءات: 281]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (4- قوله: {ولباس التقوى} قرأه نافع وابن عامر والكسائي بالنصب ورفعه الباقون.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/460]
وحجة من نصب أنه عطفه على «لباس» في قوله: {أنزلنا عليكم لباسًا}، أي: وأنزلنا لباس التقوى، وقوله: {ذلك خير} ابتداء وخبر.
5- وحجة من قرأ بالرفع أنه استأنفه فرفعه بالابتداء، وجعل «ذلك» صفة له أو بدلًا منه أو عطف بيان، و«خير» خبر للباس والمعنى و{لباس التقوى} خير لصاحبه عند الله، مما خلق له من لباس الثياب والريش والرياش، مما يتجمل به، وأضيف «اللباس» إلى «التقوى» كما أضيف إلى «الجوع» في قوله: {لباس الجوع} «النحل 112» والرفع أحب إليّ؛ لأن عليه أكثر القراء، والنصب حسن). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/461]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (4- {وَلِبَاسُ التَّقْوَى} [آية/ 26] بالنصب:-
قرأها نافع وابن عامر والكسائي.
والوجه أنه محمول على ما عمل فيه أنزل من قوله تعالى {قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا... وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى}، و{أَنْزَلْنَا} بمعنى خلقنا، و{ذَلِكَ} مبتدأ و{خَيْرٌ} خبره.
وقرأ الباقون {وَلِبَاسُ التَّقْوَى} بالرفع.
والوجه أنه مقطوع من الأول ومستأنف به مما قبله، كأنه قال: أنزلنا عليكم لباسًا وريشًا، ثم قال: ولباس التقوى خير من اللباس والرياش وما يتجمل به، فـ {لِبَاسُ} مبتدأ و{خَيْرٌ} خبره، و{ذَلِكَ} صفة أو بدل أو عطف بيان، والتقدير: ولباس التقوى هو خير، ويجوز أن يكون {ذَلِكَ} فصلاً وعمادًا، ويجوز أن يكون بإضمار مبتدأ، كأنه قال: وهو لباس التقوى، أي وستر العورة لباس المتقين، ثم قال تعالى {ذَلِكَ خَيْرٌ} أي ذلك اللباس خير). [الموضح: 525]

قوله تعالى: {يَا بَنِي آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27)}

قوله تعالى: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آَبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (28)}

قوله تعالى: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29)}

قوله تعالى: {فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 08:02 AM

سورة الأعراف
[ من الآية (31) إلى الآية (34) ]

{يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32) قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (34)}

قوله تعالى: {يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)}

قوله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (خالصةً يوم القيامة... (32).
قرأ نافع وحده (خالصةٌ) رفعا، وقرأ الباقون (خالصةً) نصبا.
قال أبو منصور: من رفع فقال (خالصةٌ) فهي على أنه خبر بعد خبر، كما تقول: زيد عاقل لبيب، المعنى: قل هي ثابتة للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة.
أراد جلّ وعزّ أنها حلالٌ للمؤمنين، يعني: الطيبات من الرزق ويشركهم فيها الكافر، وأعلم أنها تخلص للمؤمنين في الآخرة لا يشركهم فيها كافر.
ومن قرأ (خالصةً) بالنصب نصبها على الحال، على أن العامل في قوله (في الحياة الدنيا) في تأويل الحال، كأنك قلت: هي ثابتة للمؤمنين مستقرة في الحياة الدنيا (خالصةً) يوم القيامة). [معاني القراءات وعللها: 1/404]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (5- وقوله تعالى: {قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة} [32].
قرأ نافع وحده {خالصة} بالرفع على معنى هي خالصة.
وقرأ الباقون بالنصب {خالصة} على القطع والحال؛ لأن الكلام تم دونه، قل: هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا، وهي ثابتة في القيامة خالصة). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/180]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في رفع التاء ونصبها من قوله: خالصة يوم القيامة [الأعراف/ 32].
فقرأ نافع وحده (خالصة) رفعا.
وقرأ الباقون: خالصة نصبا.
قال أبو الحسن: أخرج لعباده في الحياة الدنيا، [قال أبو علي]: لا يخلو القول في قوله في الحياة الدنيا [الأعراف/ 32] من أن يتعلق ب (حرّم) أو: ب (زينة)، أو:
ب (أخرج)، أو: ب (الطيبات)، أو: ب (الرّزق) من قوله: من الرزق [الأعراف/ 32] أو بقوله: آمنوا [الأعراف/ 32]؛ فلا يمتنع من أن يتعلّق ب (حرّم) فيكون التقدير: قل من حرّم في
[الحجة للقراء السبعة: 4/13]
الحياة الدنيا، ويكون المعنى: قل من حرّم ذلك وقت الحياة الدنيا زينة، ولا يجوز أن يتعلّق بزينة لأنّه مصدر، أو جار مجراه، وقد وصفتها، فإذا وصفتها، لم يجز أن يتعلّق بها شيء بعد الوصف، كما لا يتعلق به بعد العطف عليه، ويجوز أن يتعلق بأخرج لعباده في الحياة الدنيا.
فإن قلت: فهلّا لم يجز تعلّقه بقوله: أخرج لعباده لأنّ فيه فصلا بين الصلة والموصول بقوله: قل هي للذين آمنوا [الأعراف/ 32]، وهو كلام مستأنف ليس في الصلة؟
قيل: لا يمتنع الفصل به لأنّه ممّا يسدّد القصة، وقد جاء: والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها، وترهقهم ذلة [يونس/ 27] [فقوله: وترهقهم] معطوف على كسبوا، فكذلك: قل هي للذين آمنوا، ويجوز أيضا أن يتعلق بالطيبات، تقديره: والمباحات من الرزق. ويجوز أن يتعلق بالرزق أيضا، وإن كان موصولا، ويجوز أن يتعلق بآمنوا، الذي هو صلة الذين أي: آمنوا في الحياة الدنيا، فكلّ ما ذكرنا من هذه الأشياء يجوز أن يتعلق به هذا الظرف.
فأمّا قوله: (خالصة) فمن رفعه جعله خبرا للمبتدإ
[الحجة للقراء السبعة: 4/14]
الذي هو هي، ويكون للذين آمنوا تثبيتا للخلوص، ولا شيء فيه على هذا، ومن قال: هذا حلو حامض، أمكن أن يكون (للذين آمنوا) خبرا، و (خالصة) خبر آخر، ويكون الذكر فيه على ما تقدّم وصفه في هذا الكتاب.
ومن نصب خالصة كان: حالا ممّا في قوله: للذين آمنوا، ألا ترى أنّ فيه ذكرا يعود إلى المبتدأ الذي هو هي؟
فخالصة حال عن ذلك الذكر، والعامل في الحال ما في اللام من معنى الفعل، وهي متعلقة بمحذوف، وفيه الذكر الذي كان يكون في المحذوف، ولو ذكر ولم يحذف، وليس متعلقا بالخلوص، كما تعلق به في قول من رفع.
قال سيبويه: وقد قرءوا هذا الحرف على وجهين: (قل هي للّذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة) بالرفع والنصب، فجعل اللام الجارّة لغوا في قول من رفع، (خالصة) ومستقرا في قول من نصب (خالصة).
والقول فيما ذهب إليه أبو الحسن من أن المعنى: التي أخرج لعباده في الحياة الدنيا، أنّه إن علّق في الحياة الدنيا، ب (حرّم)، أو (أخرج)، فلا يخلو من أن تنصب (خالصة) أو ترفعه، فإن رفعته فصلت بين الابتداء والخبر بالأجنبي، ألا
[الحجة للقراء السبعة: 4/15]
ترى أن قوله: في الحياة الدنيا إذا لم يكن متصلا ب (آمنوا) كان أجنبيا من الابتداء والخبر، وإن نصبت (خالصة)، فصلت بين الحال وذي الحال بأجنبي منهما، كما فصلت بين الابتداء والخبر؟ فإذا كان كذلك لم يحسن، وليس باعتراض فيكون فيه تسديد.
ومن حجة أبي الحسن أن يقول: إن المفصول به في هذا الموضع بين ما لا يحسن الفصل بينهما بالأجنبي، ظرف، ولا يمتنع الفصل بالظرف، وإن كان أجنبيا مما يفصل به بينهما. ألا ترى أنّهم لم يجيزوا: كانت زيدا الحمّى تأخذ؟
ولم يفصلوا بين الفاعل وفعله بالمفعول به، ولو كان مكان المفعول به ظرف، لأجازوا ذلك، وذلك قولهم: إنّ في الدار زيدا قائم، فأجازوا الفصل بالظرف، وإن كان أجنبيا من العامل والمعمول فيه، وعلى هذا جاء:
فلا تلحني فيها فإنّ بحبّها... أخاك مصاب القلب جمّ بلابله
وحجة من رفع «خالصة» أنّ المعنى: هي تخلص للّذين آمنوا يوم القيامة، وإن شركهم فيها غيرهم من الكافرين في الدنيا.
[الحجة للقراء السبعة: 4/16]
ومن نصب، فالمعنى عنده: هي ثابتة للذين آمنوا في حال خلوصها يوم القيامة لهم. وانتصاب (خالصة) على الحال، وهو أشبه لقوله: إن المتقين في جنات وعيون آخذين [الذاريات/ 15 - 16]، ونحو ذلك مما انتصب فيه الاسم على الحال بعد الابتداء وخبره وما يجري مجراه إذا كان فيه معنى فعل). [الحجة للقراء السبعة: 4/17]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قل هي للّذين آمنوا في الحياة الدّنيا خالصة يوم القيامة}
قرأ نافع {خالصة يوم القيامة} بالرّفع أي هي خالصة للّذين آمنوا قال الزّجاج قوله {خالصة} خبر بعد خبر كما تقول زيد عاقل لبيب فالمعنى قل هي ثابتة للّذين آمنوا في الحياة الدّنيا خالصة يوم القيامة
وقرأ الباقون {خالصة} نصبا على الحال كما تقول المال لزيد خالصا). [حجة القراءات: 281]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (6- قوله: {خالصة يوم القيامة} قرأه نافع بالرفع، ونصب الباقون.
وحجة من رفع أنه جعل «خالصة» خبرًا لـ «هي» في قوله تعالى: {قل هي للذين} تبيينًا للخلوص، أو خبرا بعد خبر، والمعنى: قل الطيبات والزينة خالصة للمؤمنين في الآخرة، فأما في الدنيا فقد شركهم فيها الكفار.
7- وحجة من نصب أنه جعل «خالصة» حالا من المضمر في قوله: {للذين آمنوا} لأنه خبر «هي»، فالظرف إذا كان خبرًا لمبتدأ أو نعتًا لنكرة أو حالًا من معرفة، ففيه ضمير مرفوع، يعود على المخبر عنه، أو على الموصوف،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/461]
أو على صاحب الحال، والنصب أحب إلي؛ لأنه أتم في المعنى، ولأن عليه جماعة القراء، وقد شرحنا إعراب هذه الآية وتعلق اللام من «للذين» في الوجهين وغير ذلك من غريب إعرابها في تفسير مشكل الإعراب). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/462]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (5- {خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آية/ 32] بالرفع:-
قرأها نافع وحده.
[الموضح: 525]
والوجه أنه خبر المبتدأ، والمبتدأ {هِيَ} التي في قوله {قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} واللام متعلقة بالخبر الذي هو {خَالِصَةً}.
ويجوز أن يكون خبرًا بعد خبر على أن يكون {لِلَّذِينَ آمَنُوا} خبرًا، وقوله {خَالِصَةً} خبرًا آخر، كما تقول: هذا حلو حامض.
وقرأ الباقون {خَالِصَةً} بالنصب.
والوجه أنه حال مما في قوله {لِلَّذِينَ آمَنُوا}؛ لأن فيه ذكرًا يعود إلى {هِيَ} التي هي مبتدأ، فالحال إنما هو عن ذلك الذكر، وقوله {هِيَ} مبتدأ، {هِيَ} خبره، و{خَالِصَةً} حال، والعامل فيه ما في اللام من معنى الفعل، والتقدير: هي تثبت للذين آمنوا خالصة). [الموضح: 526]

قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (حرّم ربّي الفواحش... (33).
[معاني القراءات وعللها: 1/405]
أسكن الياء حمزة وحده، وحركها الباقون). [معاني القراءات وعللها: 1/406]

قوله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (34)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن سيرين: [فَإِذَا جَاءَ آجَالُهُمْ].
قال أبو الفتح: هذا هو الظاهر؛ لأن لكل إنسان أجلًا. فأما إفراد الأجل فلأنه جعله جنسًا، أو لأنه مصدر فأتته الجنسية من قِبل المصدرية، وحسن الإفراد لإضافته أيضًا إلى الجماعة، ومعلوم أن لكل إنسان أجلًا، وعليه جاء قوله:
في حَلقِكم عظْم وقد شَجينا
لأن لكل إنسان حلقًا، وتقول على هذا: رأس القوم صُلْبٌ؛ أي: رءوسهم صِلَاب. ويجوز أن تقول: رأس القوم صِلَاب؛ حملًا على المعنى.
وندع الإطالة بالشواهد إشفاقًا من الإطالة التي سئلنا اجتنابها على ما بينا في صدر الكتاب). [المحتسب: 1/246]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 08:03 AM

سورة الأعراف
[ من الآية (35) إلى الآية (39) ]

{يَا بَنِي آَدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (35) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (36) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (37) قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآَتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ (38) وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (39)}

قوله تعالى: {يَا بَنِي آَدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (35)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أُبي بن كعب والأعرج والحسن: [إِمَّا تَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ منكم] بالتاء.
قال أبو الفتح: في هذه القراءة بعض الصنعة؛ وذلك لقوله فيما يليه: {يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي} . فالأشبه بتذكير يقصون التذكير بالياء في قراءة الجماعة: {يَأْتِيَنَّكُمْ}، فتقول على هذا: قامت الزيود وقام الزيدون، وتذكر لفظ قام لتذكير الزيدون، وتؤنث لفظ قامت لأن الزيود مكسر ولا يختص بالتذكير؛ لقولك: الهنود. وقد يجوز قامت الزيدون، إلا أن قام أحسن). [المحتسب: 1/247]

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (36)}

قوله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (37)}

قوله تعالى: {قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآَتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ (38)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (لكلٍّ ضعفٌ ولكن لا تعلمون (38).
قرأ عاصم في رواية أبي بكر (ولكن لا يعلمون) بالياء، وقرأ الباقون بالتاء.
[معاني القراءات وعللها: 1/404]
قال أبو منصور: من قرأ بالتاء فهو خطاب لأخراهم وأولاهم المضلّين والمضلّين من الكفار.
ومن قرأ بالياء فللغيبة.
ومعنى قوله (لكلٍّ ضعفٌ)، أي: لكل من التابع والمتبوع عذاب مضاعف؛ لأنهم دخلوا في الكفر جميعا.
وقيل في تفسير قوله (ولكن لا تعلمون) أيها المخاطبون ما لكل فريق منكم من العذاب.
وقيل في قوله (ولكن لا يعلمون): ولكن لا يعلم كل فريق مقدار عذاب الفريق الآخر). [معاني القراءات وعللها: 1/405]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (7- وقوله تعالى: {ولكن لا تعلمون} [38].
قرأ عاصم في رواية ابي بكر بالياء أخبر عن غيب.
وقرأ الباقون بالتاء. فمن قرأ بالتاء فالتقدير: يا محمد: قل لهم). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/181]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في التاء والياء في قوله تعالى: ولكن لا تعلمون [الأعراف/ 38].
فقرأ عاصم وحده في رواية أبي بكر (لكلّ ضعف، ولكن لا يعلمون) بالياء.
وروى حفص عن عاصم بالتاء. وكذلك قرأ الباقون بالتاء.
وجه القراءة بالتاء في قوله: ولكن لا تعلمون أن المعنى: لكلّ ضعف، أي: لكلّ فريق من المضلّين والمضلّين ضعف ولكن لا تعلمون أيّها المضلّون والمضلّون. ومن قرأ بالياء: حمل الكلام على كلّ، لأنّه، وإن كان للمخاطبين، فهو اسم ظاهر موضوع للغيبة، فحمل على اللفظ دون المعنى،
[الحجة للقراء السبعة: 4/17]
ومثل هذا في المعنى: قالوا ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا في النار [ص/ 61] ). [الحجة للقراء السبعة: 4/18]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك ما رُوي عن أبي عمرو: [حَتَّى إِذَا إدَّارَكُوا]، ورُوي عنه أيضًا: "حتى إذا" يقف ثم يقول: [تَدَارَكُوا]، وظهور التاء في [تداركوا] قراءة ابن مسعود والأعمش.
وقراءة أخرى: [إذآ ادَّاركوا]، قرأ بها مجاهد وحميد ويحيى وإبراهيم.
قال أبو الفتح: قَطْعُ أبي عمرو همزة [ادَّاركوا] في الوصل مشكل؛ وذلك أنه لا مانع من حذف الهمزة؛ إذ ليست مبتدأة كقراءته الأخرى مع الجماعة. وأمثل ما يصرف إليه هذا أن يكون وقف على ألف "إذا" مُمَيِّلًا بين هذه القراءة وقراءته الأخرى التي هي [تداركوا]، فلما اطمأن على الألف لذلك القدر من التمييل بين القراءتين لزمه الابتداء بأول الحرف، فأثبت همزة الوصل مكسورة على ما يجب من ذلك في ابتدائها، فجرى هذا التمييل في التلوم عليه وتطاول الصوت به مجرى وِقفة التذكر في نحو قولك: قالوا -وأنت تتذكر- الآن من قول الله سبحانه: [قالُوا الآن]، فتثبت الواو من قالوا لتلومك عليها للاستذكار، ثم تثبت همزة الآن؛ أعني: همزة لام التعريف.
ومثله [اشْتروُوا] إذا وقفت مستذكرًا "للضلالة"، فتضم الواو من "اشتروا" على ما كانت عليه من الضم لالتقاء الساكنين، ثم تشبع الضمة لإطالة صوت وِقفة الاستذكار، فتُحدِث هناك واوًا تنشأ عن ضمة واو الضمير، ثم تبتدئ فتقول: [ألضلالة]، فتقطع همزة الوصل لابتدائك بها، فهذا أمثل ما يقال في هذا.
[المحتسب: 1/247]
ولا يحسن أن تقول: إنه قطع همزة الوصل ارتجالًا هكذا؛ لأن هذا إنما يسوغ لضرورة الشعر. فأما في القرآن فمعاذ الله وحاشا أبي عمرو، ولا سيما وهذه الهمزة هنا إنما هي في فعل، وقلما جاء في الشعر قطع همزة الوصل في الفعل؛ وإنما يجيء الشيء النزر من ذلك في الاسم، نحو قول جميل:
ألا لا أرى إثنين أحسن شيمة ... على حَدَثان الدهر مني ومن جُمْل
وقول الآخر:
يا نفس صبرًا كل حي لاق ... وكل إثنين إلى افتراق
أي: لاق منيته، فحذف المفعول، وإنما قل قطع همزة الوصل هذه في الفعل، وجاء ما جاء من ذلك في الاسم؛ حيث كان الفعل مظنة من همزة الوصل، وإنما تدخل من الأسماء ما ضارع الفعل.
وباب همزات الأسماء أن تكون قطعًا، فلما غلب القطع عليها جرت الألسن على العادة في ذلك، واستجازوا قطع همزة الوصل لما ذكرنا.
وليست حال همزة الوصل في الفعل كذلك؛ لأنها معتادة هناك، فازداد قطعها من الفعل ضِيقَ عُذْرٍ لما ذكرنا.
فأما [حتى إذآ ادَّاركوا] بإثبات ألف "إذا" مع سكون الدال من [ادَّاركوا] فإنما ذلك لأنه أجرى المنفصل مجرى المتصل، فشبهه بشابَّة ودابَّة ونحو قولهم: لاهآ الله ذا بإثبات الألف في "ها"، وترك حذفها لالتقاء الساكنين كما حذفت في قول من قال: لاها الله ذا.
وقال لي أبو علي: فيها أربع لغات: لاهَا لله ذا بحذف الألف، ولاهآ الله ذا بمدها تشبيهًا بالمتصل على ما مضى في دابة. ولاهآ ألله بإثبات ألف ها وهمزة الله بوزن لاها عَلَّاة ذا.
والرابعة: لاهَأللهِ ذا في وزن هَعَلّله ذا، تحرك ألف "ها" لالتقاء الساكنين وتقلبها همزة، كما قرأ أيوب السختياني: [ولا الضَّأَلِّين]، بوزن الضَعَلِّين. وعليه ما حكاه أبو زيد من قولهم: شأَبَّة ومأَدَّة.
ومثله أيضًا قراءة أبي عمرو، ورويناها عن قطرب عنه: [قالوا اطَّيْرنا]، وحُكي عن بعضهم: هذان عبدآ اللهِ.
[المحتسب: 1/248]
وحُكي عنهم: له ثلثآ المال وهو أشد؛ لأنه غير مدغم.
وقال بعضهم: يآ الله، وبعضهم: يا ألله، وبعضهم: يألله، وبعضهم: ياْلله، فحذف ألف يا لالتقاء الساكنين). [المحتسب: 1/249]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون}
قرأ أبو بكر (قال لكل ضعف ولكن لا يعلمون) بالياء إخبار عن غيب المعنى ولكن لا يعلم كل فريق مقدار عذاب الفريق الآخر
وقرأ الباقون بالتّاء أي ولكن لا تعلمون أيها المخاطبون ما لكل فريق منكم من العذاب ويجوز والله أعلم ولكن لا تعلمون يا أهل الدّنيا مقدار ذلك). [حجة القراءات: 281]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (8- قوله: {ولكن لا تعلمون} قرأه أبو بكر بالياء، حمل الكلام على لفظ «كل» ولفظه لفظ غائب، وقرأ الباقون بالتاء، حملوه على معنى ما قبله من الخطاب في لأن قبله {قال لكل ضعف} أي: لكلم ضعف، فحمل «تعلمون» على معنى «كل» في الخطاب). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/462]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (6- {وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ} [آية/ 38] بالياء:-
قرأها عاصم وحده -ياش-.
والوجه أن الكلام محمول على {كلٍّ}؛ لأنه اسم ظاهر موضوع للغيبة، فجعل محمولاً على اللفظ دون المعنى، والمراد لا يعلم كل فريق مقدار عذاب الفريق الآخر.
وقرأ الباقون بالتاء.
والوجه أنه على الخطاب، والمعنى لكلكم ضعف من العذاب، والخطاب
[الموضح: 526]
للتابعين والمتبوعين، وهم المضلون والمضلون، أي ولكن لا تعلمون ما لكل منكم من العذاب). [الموضح: 527]

قوله تعالى: {وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (39)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 08:05 AM

سورة الأعراف

[ من الآية (40) إلى الآية (43) ]
{إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40) لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (41) وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (42) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43)}

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (لا تفتّح لهم أبواب السّماء... (40).
قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم. ويعقوب (لا تفتّح) بالتاء والتشديد، وقرأ أبو عمرو (لا تفتح) بالتاء مع التخفيف، وقرأ حمزة والكسائي (لا يفتح) بالياء مع التخفيف.
قال أبو منصور: من شدد فلتكثير الفتح، وكثرة الأبواب.
ومن خفف فلتقليله، ويجوز هذا وهذا فيما يكثر ويقلّ). [معاني القراءات وعللها: 1/405]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (6- وقوله تعالى: {لا تفتح لهم أبواب السماء} [40].
قرأ أبو عمرو وحده: {لا تفتح} بالتاء والتخفيف.
وقرأ حمزة والكسائي بالياء والتخفيف.
وقرأ الباقون بالتاء والتشديد.
فمن أنث فلتأنيث الأبواب؛ لأن كل جمع خالف الآدميين فهو بالتأنيث، وشاهده قوله: {مفتحة لهم الأبواب} ومن ذكر فلأن تأنيثه غير حقيقي؛ ولأنه قد فصل بين المؤنث وبين فعله بصفة، وكلاهما حسن. فأما من شدد فإنه من التفتيح مرة بعد مرة مثل قتل وذبح. ومن خفف دل على المرة الواحدة.
ومعنى قوله: {لا تفتح لهم أبواب السماء} أي: لا يستجاب دعاؤهم، ولا يصعد إلى عملهم؛ لأن الله تعالى قال: {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه} وأرواح المؤمنين في الجنة، وأعمال الكافرين وأرواحهم في صخرة تحت الأرضين.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/180]
وقال آخرون: {لا تفتح لهم أبواب السماء} أي: لا تفتح لهم أبواب الجنة؛ لأن أبواب الجنة في السماء. والنار في الدرك الأسفل). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/181]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في التخفيف والتشديد في قوله تعالى: (لا تفتح لهم) [الأعراف/ 40].
فقرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وابن عامر: لا تفتح بالتاء مشددة التاء الثانية.
وقرأ أبو عمرو (لا تفتح) بالتاء خفيفة ساكنة الفاء.
وقرأ حمزة والكسائيّ: (لا يفتح) بالياء خفيفة.
حجة من قال: تفتح قوله: جنات عدن مفتحة لهم الأبواب [ص/ 50]؛ فقياس مفتحة: تفتّح، وقوله: (وفتّحت السماء فكانت أبوابا) [النبأ/ 19]، لأن المعنى في فتّحت السماء على أبوابها، والمعنى: فكانت ذات أبواب.
وحجّة من خفف قوله: ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر [القمر/ 11]، وقوله: فتحنا عليهم أبواب كل شيء [الأنعام/ 44]، و (فتحنا) قد يقع على التكثير كما يقع (فتّحنا)، ومن قال: (لا يفتح) بالياء، فلتقدّم الفعل، ويشهد للتأنيث قوله: مفتحة لهم الأبواب [ص/ 50]. ألا ترى أنّ
[الحجة للقراء السبعة: 4/18]
اسم الفاعل يجري مجرى الفعل، وقد أنّث، وكذلك الفعل ينبغي أن يؤنّث، وأما قوله: حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج [الأنبياء/ 96] فإنّما خفّف؛ لأنّ المعنى: فتح سدّ يأجوج ومأجوج؛ فأجرى التأنيث على لفظ يأجوج، وإن كان المعنى على السدّ، أو يكون: فتحت أرض يأجوج، لأنّ فتح سدّها فتح أرضهم؛ فهو فتح واحد لا تكرير فيه، فيحسن التشديد.
ومعنى: (لا تفتح لهم أبواب السماء)، أي: لا تصعد أعمالهم إليها.
وروي في تفسير قوله: فما بكت عليهم السماء والأرض [الدخان/ 29]، أنّ موضع المؤمن الذي كان يرتفع إليه عمله الصالح، يبكي عليه إذا مات، وقال [الله عزّ وجلّ]: إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه [فاطر/ 10] ). [الحجة للقراء السبعة: 4/19]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد والشعبي وأبي العلاء بن الشخير ورويت عن أبي رجاء: [حَتَّى يَلِجَ الْجُمَّلُ]، وقرأ: [الْجُمَل] -بضم الجيم وفتحة الميم مخففة- ابن عباس وسعيد بن جبير بخلاف وعبد الكريم وحنظلة ومجاهد بخلاف.
وقرأ: [الْجُمْل] -بضم الجيم وسكون الميم- ابن عباس وسعيد بن جبير بخلاف عنهما.
وقرأ: [الْجُمُل] -بضمتين والميم خفيفة- ابن عباس.
وقرأ أبو السمال: [الْجَمْل] مفتوحة الجيم ساكنة الميم.
قال أبو الفتح: "أما [الْجُمَّل] بالتثقيل و[الْجُمُل] بالتخفيف فكلاهما الحبل الغليظ من القنب، ويقال: حبل السفينة، ويقال: الحبال المجموعة، وكله قريب بعضه من بعض.
وأما [الْجُمْل] فقد يجوز في القياس أن يكون جمع جَمَل كأَسَد وأُسْد ووَثَن ووُثْن، وكذلك المضموم الميم أيضًا كأُسُد.
وأما [الْجَمْل] فبعيد أن يكون مخففًا من المفتوح لخفة الفتحة، وإن كان قد جاء عنهم قوله:
وما كل مبتاع ولو سَلْف صَفْقُهُ ... براجع ما قد فاته بِرِداد). [المحتسب: 1/249]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({إن الّذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السّماء}
قرأ أبو عمرو {لا تفتح} بالتّاء والتّخفيف وقرأ حمزة والكسائيّ بالياء والتّخفيف وقرأ الباقون بالتّاء والتّشديد وحجّة التّاء قوله {وفتحت أبوابها} ذهبوا إلى جماعة الأبواب وحجّة من قرأ بالياء هي أنه لما فصل بين المؤنّث وبين فعله بفاصل صار الفاصل كالعوض من التّأنيث والتذكير والتأنيث في هذا النّوع قد جاء بهما التّنزيل فمن الأول قوله {لن ينال الله لحومها ولا دماؤها} ومن التّأنيث قوله {يوم تبيض وجوه وتسود وجوه} ولو ذكر أما وأنث فعل اللحوم كان جائزا حسنا
فأما التّشديد فإنّه من التفتيح مرّة بعد مرّة أخرى وهذا هو المختار لأنّها جماعة وحجتهم قوله {مفتحة لهم الأبواب} ولم يقل مفتوحة وقال {وغلقت الأبواب} ومن خفف دلّ على المرة الواحدة ومعنى قوله {لا تفتح لهم أبواب السّماء} أي لا يستجاب لهم دعاؤهم فتفتح لهم أبواب السّماء وقد ذكرت في تفسير القرآن). [حجة القراءات: 282]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (9- قوله: {لا تفتح} قرأه حمزة والكسائي بالياء مضمومة؛ لأن تأنيث الأبواب غير حقيقي، ولأنه فرّق بين المؤنث وفعله، كلا العلتين يجيز التذكير، وقرأ الباقون بالتاء، على تأنيث لفظ الأبواب، كما قال: {مفتحة لهم الأبواب} «ص 50» وخفف الفعل أبو عمرو والكسائي وحمزة، على معنى أن التخفيف يقع للمرة والأكثرة، وقد أجمعوا على التخفيف في قوله: {ولو فتحنا عليهم بابًا} «الحجر 14» وشدد الباقون على معنى التكرير والتكثير مرة بعد مرة، والتاء أحب إلي؛ لتأنيث لفظ الأبواب، والتشديد أحب غلي؛ لأن عليه الحرميين وعاصمًا وابن عامر). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/462]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (7- {لا تُفَتَّحُ} [آية/ 40] بالتاء مخففة:
قرأها أبو عمرو وحده.
والوجه أن التاء لتأنيث الأبواب؛ لأنها جماعة، وأما التخفيف فلأن الفعل المخفف قد يستفاد منه الكثرة، كما يستفاد من المشدد.
وحجة هذه القراءة قوله تعالى {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ}.
وقرأ حمزة والكسائي {لا يُفَتَّحُ} بالياء مخففة.
والوجه أن الياء لتقدم الفعل مع أن تأنيث الأبواب ليس بحقيقي، وأن التخفيف لما ذكرناه.
وقرأ الباقون {لا تُفَتَّحُ} بالتاء والتشديد.
والوجه أن التاء التأنيث الأبواب كما ذكرنا، وأن التشديد لكثرة الأبواب؛ لأنه يقتضي فتحًا بعد فتح). [الموضح: 527]

قوله تعالى: {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (41)}

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (42)}

قوله تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعز: (أورثتموها بما كنتم تعملون (43).
قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي ويعقوب (أورثتّموها) مدغما، ومثله في الزخرف، وقرأ الباقون بإظهار الثاء في السورتين
قال أبو منصور: من أدغم فلقرب مخرجي الحرفين، أعنى: التاء والثاء.
ومن لم يدغم فلأنه أتم وأشبع). [معاني القراءات وعللها: 1/406]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وما كنّا لنهتدي... (43).
قرأ ابن عامر: (ما كنّا لنهتدي) بغير واو، وكذلك هي في مصاحفهم، وقرأ الباقون بالواو.
قال أبو منصور: إخراج الواو وإدخالها لا يغير المعنى في مثل هذا الموضع، المعنى: أنهم قالوا: الحمد لله الذي هدانا لهذا من غير أن كنا نهتدي لما هدانا له، ومن حذف الواو أراد: يا رب ما كنا لنهتدي لهذا لولا هدى الله إيانا). [معاني القراءات وعللها: 1/407]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (10- وقوله تعالى: {وما كنا لنهتدي} [43].
وقرأ ابن عامر وحده: {ما كنا لنهتدي} بغير واو.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/184]
وكذلك هو في مصاحفهم.
والباقون بواو، وقد ذكرته في (المائدة) و(الأنعام) مع سائر الحروف). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/185]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (11- قوله تعالى: {أن تلكم الجنة أورثتموها} [43].
قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وابن عامر برواية هشام بالإدغام لقرب الثاء من التاء.
وقرأ الباقون بالإظهار على الأصل؛ لأنهما مهموستان إذا أدغمته أخفيته، وفيها ضعف فكان الإظهار أحسن عندهم). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/185]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (كلّهم قرأ: وما كنا لنهتدي [الأعراف/ 43]. بواو غير ابن عامر؛ فإنّه قرأ ما كنا بغير واو، وكذلك هي في مصاحف أهل الشام.
وجه الاستغناء عن حرف العطف في قوله: وما كنا لنهتدي أنّ الجملة ملتبسة بما قبلها، فأغنى التباسها به عن حرف العطف. وقد تقدّم ذكر ذلك، ومثل ذلك قوله:
سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم [الكهف/ 22]، فاستغنى عن الحرف العاطف بالتباس إحدى الجملتين بالأخرى). [الحجة للقراء السبعة: 4/25]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قرأ ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر أورثتموها [الأعراف/ 42] غير مدغمة وكذلك في الزخرف [72].
وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائيّ أورثتموها مدغمة، وكذلك في الزخرف.
[قال أبو علي] من ترك الإدغام فلتباين المخرجين،
[الحجة للقراء السبعة: 4/25]
وأن الحرفين في حكم الانفصال، وإن كانا في كلمة واحدة.
ألا ترى أنّهم لم يدغموا ولو شاء الله ما اقتتلوا [البقرة/ 253]، وإن كانا مثلين لمّا لم يكونا لازمين، ألا ترى أن تاء «افتعل» قد يقع بعدها غير التاء؟، فكذلك «أورث» قد يقع بعدها غير التاء فلا يجب الإدغام.
ووجه الإدغام أن الثاء والتاء مهموستان متقاربتان فاستحسن الإدغام من أدغم. وقد جعل قوم تاء المضمر بمنزلة غيرها، مما يتصل بالكلمة؛ لأنّ الفعل لا يقدّر منفصلا من الفاعل، بل يقدّر متصلا بدلالة قولهم فعلت، وإسكانهم اللام في قولهم: يفعلن ومجيئهم بالإعراب بعد الفاعل، وقد قال قوم: فحصط برجلي، فأبدلوا تاء الضمير طاء، وقالوا: فزد، فأبدلوا منها الدال كما أبدلوا في نحو: اذدكر، ونحو اصطبر؛ فعلى هذا يحسن الإدغام في أورثتموها). [الحجة للقراء السبعة: 4/26]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (12- قوله: {وما كنا لنهتدي} قرأه ابن عامر بغير واو، استغنى عن حرف العطف لاتصال الجملة الثانية بالأولى في المعنى، وقوّى الحذف أنها في مصحف أهل الشام بغير واو، وقرأ الباقون بالواو، لعطف الجملة على الجملة، وكذلك هي بالواو في سائر المصاحف غير مصحف أهل الشام، وإثبات الواو الاختيار؛ لأن الجماعة عليه، ولأن فيه تأكيد ارتباط الجملة الثانية بالأولى). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/464]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (8- {وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ} [آية/ 43] بغير واو في أوله:
قرأها ابن عامر وحده.
[الموضح: 527]
والوجه أن التباس الجملة بما قبلها أغنى عن حرف العطف، وقد مضى مثله.
وقرأ الباقون {وَمَا كُنَّا} بواو في أوله.
والوجه أنه عطف بالواو جملة على جملة). [الموضح: 528]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (9- {أُورِثْتُمُوهَا} [آية/ 43] مدغمة:
قرأها أبو عمرو وحمزة والكسائي.
والوجه أن التاء والثاء مهموستان متقاربتان في المخرج، ولتقاربهما حسن الإدغام.
وقرأ الباقون {أُورِثْتُمُوهَا} بالإظهار.
والوجه أن الحرفين وإن كانا في كلمة واحدة، فإنهما في حكم الانفصال؛ لأن أحدهما تاء الضمير، وقد يقع قبلها غير الثاء فلا يحصل الإدغام، فهو غير لازم، ولهذا لم يدغموا في قوله {وَلَوْ شَاءَ الله مَا اقْتَتَلُوا}إذ كانت التاء الثانية غير لازمة). [الموضح: 528]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 08:08 AM

سورة الأعراف
[ من الآية (44) إلى الآية (49) ]

{وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ كَافِرُونَ (45) وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46) وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47) وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48) أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (49)}

قوله تعالى: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (قالوا نعم... (44).
قرأ الكسائي وحده (قالوا نعم) بكسر العين في كل القرآن، وفتحها الباقون.
قال أبو منصور: هما لغتان: نعم، ونعم.
موقوفة الميم في اللغتين؛ لأنه حرفٌ جاء لمعنىً.
ونعم: جواب كلام فيه استفهام لا جحد فيه، فإذا كان فيما قبله من الاستفهام جحد فجوابه (بلى)، كقولك: ألم يأتك رسول؟ فتقول: بلى). [معاني القراءات وعللها: 1/406]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (أن لعنة اللّه على الظّالمين (44).
قرأ نافع وأبو عمرو وعاصم ويعقوب (أن لعنة اللّه على الظّالمين) بسكون النون. من (أن) و(لعنة) مرفوعة وكذلك روى قنبل لابن كثير، وقرأ ابن كثير وابن عامر وحمزة والكسائي (أنّ لعنة اللّه) بتشديد النون، ونصب (لعنة).
قال أبو منصور: من خفف (أن) منعها عملها، ورفع ما بعدها، ومن شدد النون نصب بها الاسم، والمعنى واحد). [معاني القراءات وعللها: 1/407]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (8- وقوله تعلى: {قالوا نعم} [44].
قرأ الكسائي وحده: {قالوا نعم} بفتح النون وكسر العين، وذهب إلى حديث روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن رجلاً لقى النبي صلى الله عليه وسلم [بمنى] فقال: أنت الذي يزعم أنه نبي فقال: نعم». وذهب إلى ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أيضًا: «أنه سأل رجلاً شيئًا فقال: نعم، فقال: قل: نعم، إنما النعم الإبل»
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/181]
وقرأ الباقون: {نعم} بفتح النون والعين، وهما لغتان: الفتح والكسر.
واعلم أن «نعم» جواب الاستفهام، و«بلى» جواب الجحد، كقوله تعالى: {ألست بربكم قالوا بلى} ولا يجوز نعم هاهنا، {أو لم تؤمن قال بلى} ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/182]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (9- وقوله تعالى: {أن لعنة الله على الظالمين} [44].
قرأ حمزة والكسائي وابن كثير برواية البزي، وابن عامر «أن» بالتشديد، وموضعه نصب بالفعل الذي قبله.
وقرأ الباقون {أن لعنة الله} بالتخفيف، وكذلك رواه قنبل عن ابن كثير. فمن خفف له مذهبان:
أحدهما: أنه أراد أن يخفف كما قال: {أن لا يقدرون على شيء} أراد: أنهم. وكقراءة عاصم ونافع {وأن كلا} أراد: وأن كلا، قال الشاعر:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/182]
وصدر مشرق النحر = كأن ثدييه حقان
أراد: كأن فخفف، فهذا إنشاد البصريين رحمهم الله، والكوفيون إذا خففوا رفعوا فقالوا: «كأن ثدياه» إلا أن يكون الاسم مكنيا كقوله:
فلو أنك في يوم الرخاء سألتني = فراقك لم أبخل وأنت صديق
أراد: فلو أنك:
والوجه الثاني: أن يكون أراد فأذن مؤذن بينهم أي: لعنة الله فـــ «أن» بمعنى «أي»، وهذا حكاه الخليل رضي الله عنه. كقوله: {أن امشوا واصبروا} أي امشوا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/183]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (كلّهم قرأ: قالوا نعم [الأعراف/ 44] بفتح العين والنون في كلّ القرآن غير الكسائي؛ فإنّه قرأ: (نعم) بفتح النون وكسر العين في كلّ القرآن.
قال أبو الحسن: (نعم، ونعم) لغتان، قال: وفي القراءة: الفتح.
[الحجة للقراء السبعة: 4/19]
قال سيبويه: نعم: عدة وتصديق، قال: وإذا استفهمت أجبت بنعم، ولم يحك سيبويه فيها الكسر.
والذي يريده بقوله: عدة وتصديق أنّه يستعمل عدة، ويستعمل تصديقا، وليس يريد أن التصديق يجتمع مع العدة، ألا ترى أنّه إذا قال: أتعطيني؟، فقال: نعم، كان عدة، ولا تصديق في هذا، وإذا قال: قد كان كذا وكذا؛ فقلت:
نعم، فقد صدّقته ولا عدة في هذا.
فليس قوله في نعم أنّه عدة وتصديق؛ كقوله في إذا: إنّها جواب وجزاء، لأنّ إذا، يكون جوابا في الموضع الذي يكون فيه جزاء، يقول: أنا آتيك، فتقول: إذا أكرمك، فيكون جوابا لكلامه.
ويكون جزاء أيضا في هذا الموضع؛ فقد علمت أنّ قوله في نعم عدة وتصديق ليس كقوله في إذا: إنّها جواب وجزاء، وقوله: إذا استفهمت أجبت بنعم، تريد: استفهمت عن موجب أجبت بنعم، تقول: أيقوم زيد؟ فتقول: نعم، ولو كان مكان الإيجاب نفي لقلت: بلى، ولم تقل: نعم، كما تقول في جواب الإيجاب.
[الحجة للقراء السبعة: 4/20]
قال تعالى: ألست بربكم قالوا بلى [الأعراف/ 172] [ولم يقل: نعم]، وقال: أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه بلى [القيامة/ 3].
ويجوز في القياس على قول من قال: شهد، أن تكسر النون من نعم في لغة من كسر العين، كما كسرت الفاء في شهد.
فإن قلت: إنّ ذلك إنّما جاء في الأسماء والأفعال، فالقول أنّ نعم، وإن كان حرفا، فإنّه: إذا كان على لفظ الأسماء جاز أن تجرى في القياس مجراها، ألا ترى أنّهم أمالوا «بلى» وإن كان حرفا لما كان على لفظ الأسماء؟). [الحجة للقراء السبعة: 4/21]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في تشديد النون وتخفيفها في قوله عز وجل: أن لعنة الله [الأعراف/ 44].
فقرأ ابن كثير في رواية قنبل، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم: أن لعنة الله خفيفة النون ساكنة.
[الحجة للقراء السبعة: 4/21]
حدثني نصر بن محمد القاضي عن البزّي عنهم (أنّ لعنة الله) نصبا.
وقرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائيّ: (أنّ لعنة الله) نصبا، (على الظالمين) مشددة النون.
حدثني الحسين بن بشر الصوفي، عن روح بن عبد المؤمن، عن محمد بن صالح المرّي عن شبل عن ابن كثير مثله (أنّ) مشدّدة، وكذلك روى خلف والهيثم عن عبيد عن شبل عن ابن كثير مثله (أنّ لعنة الله) نصبا.
وكلّهم قرأ التي في سورة النّور: أن لعنة الله [الآية/ 7]، وأن غضب الله [الآية/ 9] بالتشديد، غير نافع فإنّه قرأ: (أن لعنة الله)، و (وأن غضب الله) مخففتين.
[الحجة للقراء السبعة: 4/22]
أذن مؤذن [الأعراف/ 44]، بمنزلة أعلم.
قال سيبويه: أذّنت: إعلام بتصويت، فالتي تقع بعد العلم إنّما هي المشددة أو المخفّفة عنها، والتقدير: أعلم معلم أنّ لعنة الله. ومن خفّف (أن) كان على إرادة إضمار القصة والحديث، تقديره: أنّه لعنة الله، ومثل ذلك قوله: وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين [يونس/ 10]، التقدير: (أنّه)، ولا تخفّف (أن) هذه إلّا وإضمار القصة والحديث يراد معها، ومن ثقّل نصب بأنّ ما بعدها، كما ينصب بالمشددة المكسورة، فالمكسورة إذا خففت لا يكون ما بعدها على إضمار القصة والحديث، كما تكون المفتوحة كذلك. والذي فصل بينهما أنّ المفتوحة موصولة، والموصولة تقتضي صلتها، فصارت لاقتضائها الصلة أشدّ اتصالا بما بعدها من المكسورة، فقدّر بعدها الضمير الذي هو من جملة صلتها، وليست المكسورة كذلك. ومن المفتوحة قول الأعشى:
في فتية كسيوف الهند قد علموا... أن هالك كلّ من يحفى وينتعل
[الحجة للقراء السبعة: 4/23]
وأمّا قراءتهم في النور أن غضب الله فإنّ (أنّ) في موضع رفع بأنّه خبر المبتدأ؛ فأمّا تخفيف نافع أن لعنة الله فحسن، وهو بمنزلة قوله وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين [يونس/ 10].
وأمّا تخفيفه (أن غضب الله)، فإن قال قائل: فهلّا لم يستحسن هذا، لأنّ المخففة من المشدّدة لا يقع بعدها الفعل، حتى يدخل عوض من حذف أن، ومن أنّها تولى ما لا يليه من الفعل، يدلّ على ذلك قوله: علم أن سيكون منكم [المزمل/ 20]، وقوله: أفلا يرون أن لا يرجع إليهم قولا [طه/ 89] وقوله: لئلا يعلم أهل الكتاب أن لا يقدرون على شيء من فضل الله [الحديد/ 29].
قيل: استجاز هذا، وإن لم يدخل معه شيء من هذه الحروف، لأنّه دعاء، وليس شيء من هذه الحروف يحتمل الدخول معه، ونظير هذا في أنّه لمّا كان دعاء لم يلزمه العوض. قوله: نودي أن بورك من في النار ومن حولها [النمل/ 8]؛ فولي قوله: (نودي) أن، وإن لم يدخل معها عوض، كما لم يدخل في قراءة نافع (أن غضب الله عليها)
[الحجة للقراء السبعة: 4/24]
[النور/ 9]. والدعاء قد استجيز معه ما لم يستجز مع غيره، ألا ترى أنّهم قالوا: «أما إن جزاك الله خيرا» وحمله سيبويه على إضمار القصة في «إن» المكسورة، ولم يضمر القصة مع المكسورة إلّا في هذا الموضع؟!). [الحجة للقراء السبعة: 4/25]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قالوا نعم فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظّالمين}
قرأ الكسائي {قالوا نعم} بكسر العين حيث كان وحجته
[حجة القراءات: 282]
ما روي في الحديث أن رجلا لقي النّبي صلى الله عليه وسلم وآله بمنى فقال أنت الّذي يزعم أنه نبي فقال
نعم بكسر العين وروي أيضا أن عمر سأل رجلا شيئا فقال نعم فقال قل نعم إنّما النعم الإبل وقرأ الباقون نعم بالفتح وهما لغتان
قرأ نافع وعاصم وأبو عمرو والقواس عن ابن كثير {أن لعنة الله} {إن} خفيفة {لعنة الله} رفع
وقرأ الباقون {إن} بالتّشديد لعنة نصب
من خفف فله مذهبان أحدهما أنه أراد أن الخفيفة عن أن الثّقيلة كما قال جلّ وعز {ألا يقدرون على شيء} أراد أنهم والثّاني بمعنى أي الّتي هي تفسير كأنّها تفسر لما أذنوا به أراد {فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله} وهذا حكاه الخليل وحجّة التّخفيف قوله {ونودوا أن تلكم الجنّة} و{أن سلام عليكم} ولم يقرأ أحد أن تلكم ولا أن سلاما). [حجة القراءات: 283]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (10- قوله: {قالوا نعم} قرأ الكسائي بكسر العين، حيث وقع وفتحها الباقون، وهما لغتان بمعنى العدة إذا استفهمت عن موجب، نحو قولك: أيقوم
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/462]
زيد، فتقول: نعم، والتصديق إذا أخبرت عما وقع، تقولك قد كان كذا، فتقول: نعم، فإذا استفهمت عن منفي فالجواب «بلى»، ولا يدخل فيه «نعم»، نحو: ألم أكرمك، فتقول: بلى، فـ «نعم» لجواب الاستفهام الداخل على الإيجاب، و«بلى» لجواب الاستفهام الداخل على النفي، ولذلك كان الجواب في قول المؤمنين للكفار: {فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا} بـ «نعم»؛ لأنه استفهام دخل على إيجاب، ولذلك كان الجواب في قول الله تعالى ذكره: {ألست بربكم قالوا بلى} «الأعراف 172» بـ «بلى» لأنه استفهام دخل على نفي، فاعرفه، فلست تجده مشروحًا هكذا، وكان من كسر العين في «نعم» أراد أن يفرق بين «نعم» الذي هو جواب وبين «نعم» الذي هو اسم للإبل والبقر والغنم، وقد روي عن عمر إنكار «نعم» بفتح العين في الجواب، وقال: قل نعم). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/463]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (11- قوله: {أن لعنة الله على الظالمين} قرأ البزي وابن عامر وحمزة والكسائي بتشديد «أن» ونصب «اللعنة» بـ «أن»، وهو الأصل، وقرأ الباقون بتخفيف «أن» ورفع «اللعنة» بالابتداء، وهي «أن» الثقيلة خففت فنقص لفظها عن شبه الفعل، فلم تعمل في اللفظ وعملت في المعنى، فرجع ما بعدها إلى أصله، وهو الابتداء، ومع «أن» إضمار القصة بخلاف المكسورة المشددة، لـ «أن» المفتوحة اسم يحتاج إلى صلة، فأضمر ما بعدها ما يكون هو الابتداء، والخبر في المعنى، وهو القصة والحديث، والمكسورة حرف لا يقتضي صلة، فلم يضمر بعدها ما يكون هو الابتداء والخبر في المعنى.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/463]
وإنما يضمر مع المكسورة الهاء، وهو اسم مفرد، وما بعد المفتوحة من الابتداء والخبر هو خبرها، وكذلك ما بعد المخففة المكسورة، إلا أن خبر المفتوحة هو اسمها في المعنى؛ لأن الجملة هي للقصة المضمرة مع المفتوحة والحديث المضمر، وليس كذلك الجملة بعد «إن» المخففة المكسورة، ليست الجملة التي هي الخبر هي الهاء المضمرة مع المكسورة، فاعرف الفرق بينهما، فإنه مشكل معدوم تفسيره). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/464]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (10- {قَالُوا نَعِمْ} [آية/ 44] بكسر العين:-
قرأها الكسائي وحده في كل القرآن.
وقرأ الباقون {نَعَمْ} بفتح العين في كل القرآن.
ونعَم ونعِم بفتح العين وكسرها لغتان، وهي مبنية على الوقف في اللغتين؛ لأنها حرف جاء لمعنى، ومعناه جواب استفهام ليس فيه جحد، فإن كان في الاستفهام معنى النفي كان جوابه: بلى). [الموضح: 529]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (11- {أَنْ لَعْنَةُ الله} [آية/ 44] بتشديد {أَنْ} ونصب {لَعْنَةُ}:-
قرأها ابن كثير في رواية البري، وابن عامر وحمزة والكسائي.
والوجه أنه على الأصل؛ لأن التشديد هو الأصل في أن، والتخفيف تغيير في هذا الباب؛ لأن التي تقع بعد العلم هي المشددة، فإذا خففت كان تغييرًا عن الأصل وكان بمعنى التشديد، ومعنى {أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ}: أعلم معلم «أن لعنة الله».
وقرأ الباقون و-ل- عن ابن كثير {أَنْ} بالتخفيف و{لَعْنَةُ} بالرفع.
[الموضح: 529]
والوجه أنها مخففة من المشددة، والأصل أن؛ لأنها خففت، وأضمر بعدها الأمر أو الشأن أو القصة، والتقدير: أذن مؤذن بينهم {أَنْ لَعْنَةُ الله}، أي أن الأمر والشأن لعنة الله، فالشأن المضمر اسم أن، وما بعده جملة هي مبتدأ وخبر، ولا تخفف أن إلا وإضمار الأمر أو القصة يراد معها). [الموضح: 530]

قوله تعالى: {الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ كَافِرُونَ (45)}

قوله تعالى: {وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46)}

قوله تعالى: {وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (15- وقوله تعالى: {تلقاء أصحاب النار} [47].
ما اختلف القراء فيه، غير أن خلفًا روى عن الكسائي أنه كان إذا وقف على قوله {من تلقاى نفسي} قال: تلقاى فأمال، و{من نبإي المرسلين} {نبئ}، وإنما أمال هذين الحرفين طلبًا للياء. قال قوم: الياء التي هي في هجاء المصحف، لأنهما كذلك كُتبا. والصواب عندي أن الإمالة
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/188]
إنما تكون في الألفاظ لا في الخط لكن الهمزة المكسورة إذا لُينت وخففت للوقف صارت في اللفظ ياء فأمال لذلك.
وحجة الأولين ما حدثني به ابن المرزبان عن أبي الزعراء عن أبي عمرو قال: إنما أمال حمزة شاء وجاء لأنهما في مصحف أبي مكتوبين بالياء شاى وجاي.
وجمع تلقاء تلاقي. وقد كتب في المصحف {من وراى حجاب} بالياء). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/189]

قوله تعالى: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48)}

قوله تعالى: {أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (49)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (وقوله تعالى: {برحمة} [49] وقف تام ثم يبتدأ: {ادخلوا الجنة} وإنما ذكرت هذا الحرف لأن الكسائي إذا وقف على اسم مؤنث نحو الآخرة والقيامة ومرية ومعصية أمال ما قبل الألف نحو رمى وقضى وحبلى وبشرى.
والباقون يفخمون على الأصل؛ لأن من شبه الهاء بالألف قليل شاذ.
فإن سأل سائل فقال: هل يجوز إمالة جميع ما في القرآن من نحو ذلك أم لا؟
فالجواب في ذلك: أن الكسائي ذكر أربعة أحرف اللواتي قدمت ذكرهن وكل ما ورد عليك مما ضارعه أملته، نحو دابة وحبة. وأما شررة وبررة فإني لا أميل؛ لأني وجدت الألف أصلاً في الإمالة، فإذا كان قبلها حرف من حروف الحلق: [الحاء] الطاء والظاء والصاد والضاد والعين والغين والخاء والقاف امتنعت من الإمالة، وكذلك إذا كان قبله راء نحو فراش وسراج؛ لأن الراء حرف فيه تكرير ففتحها بمنزلة فتحتين كما كانت كسرتها بمنزلة كسرتين في النار والأبرار والقنطار فلما امتنعت الألف في النار والأبرار والقنطار لما تقدمتها راء كانت الهاء المشبهة بالألف أمنع من الإمالة. فإن قيل: هلا تميل الطامة كما تميل الدابة؟
فقل: لا يجوز للطاء التي فيها.
فإن قيل: لم أملت المعصية؟
فقل: لأن الصاد مكسورة وإن كانت من حروف الاستعلاء.
فإن قيل: فقد أمال الآخرة وقبل الهاء راء؟
فقل: إنما حسنت الإمالة لكسرة الخاء. وهذا فصلٌ ما أعلم أن أحدًا علله فأعرفه). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/184]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة عكرمة: [لا يَنَالُهُم اللَّهُ بِرَحْمَةٍ دَخَلُوا الْجَنَّةَ].
وقرأ طلحة بن مُصرِّف: [بِرَحْمَةٍ أُدْخِلُوا الْجَنَّةَ] أي: فُعِلَ ذلك بهم.
[المحتسب: 1/249]
قال أبو الفتح: الذي في هاتين القراءتين خطابهم بقوله سبحانه: [لا خوف عليهم ولا هم يحزنون]، وطريق ذلك أن قوله: [أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ] الوقف هنا، ثم يُستأنف فيقال: [دَخَلُوا الجنة]، أو [أُدْخِلُوا الجنة] أي: قد دخَلوا أو أُدخلوا، وإضمار قد موجود في الكلام نحو قوله: {أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} أي: قد حصرت صدورهم؛ أي: فقد دخلوا الجنة، فقال لهم: {لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ}، وقد اتسع عنهم حذف القول كقوله تعالى: {يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ، سَلامٌ عَلَيْكُمْ} أي: يقولون لهم: سلام عليكم، وقال الشاعر:
رَجْلان من ضبة أخبرانا ... إنا رأينا رجلًا عريانا
أي قالا: إنا رأينا، ولذلك كَسَر. هكذا مذهب أصحابنا في نحو هذا من إضمار القول.
وقد يجوز أن يكون قوله: {لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُون} قولًا مرتجلًا لا على تقدير إضمار القول؛ لكن استأنف الله عز وجل خطابهم، فقال: [أُدْخِلُوا الْجَنَّةَ]، كما استأنفه تعالى على القراءة المشهورة وهي: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ} .
ومثله من ترك كلام إلى كلام آخَرَ بيتُ الكتاب، وهو قوله:
ألا يا بيتُ بالعلياء بيتُ
ألا تراه حمله على أنه نادى البيت، ثم ترك خطابه وأقبل على صاحبه، فقال: بالعلياء بيتُ، ثم رجع إلى خطاب البيت فقال له:
ولولا حب أهلك ما أتيت
وسألني قديمًا بعض مَن كان يأخذ عني، فقال: لِمَ لا يكون "بيت" الثاني تكريرًا على الأول
[المحتسب: 1/250]
كقولك: يا زيد زيد، ويكون بالعلياء في موضع الحال من البيت الأول، كما كان قول النابغة:
يا دارَ ميةَ بالعلياء
قوله: "بالعلياء" في موضع الحال؛ أي: يا دار مية عالية مرتفعة، فيكون كقوله:
يا بؤس للجهل ضَرَّارًا لأقوام
هذا معنى ما أورده بعد أن سددت السؤال ومكنته، فقلت: لا يجوز ذلك هنا؛ وذلك أنه لو كان البيت الثاني تكريرًا على الأول لقال: لولا حُب أهلك ما أتيت، فيكون كقولك: يا زيد، لولا مكانك ما فعلت كذا، وأنت لا تقول: يا زيد، ولولا مكانك لم أفعل كذا، فإذا بَطَلَ هذا ثبت ما قاله صاحب الكتاب من كونه كلامًا بعد كلام، وجملة تتلو جملة.
وهذا واضح، فقوله على هذا: {لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ} جملة لا موضع لها من الإعراب من حيث كانت مرتجلة، وهي في القول الأول منصوب الموضع على الحال؛ أي: دخلوا الجنة أو أُدخلوا الجنة، مقولًا لهم هذا الكلام الذي هو: لا خوف عليكم، وحُذِفَ القول وهو منصوب على الحال، وأقيم مقامه قوله: [لا خوف عليكم] فانتصب انتصابه، كما أن قولهم: كلَّمته فاه إلى فِيّ منصوب على الحال؛ لأنه ناب عن: جاعلًا فاه إلى فِيّ، أو لأنه وقع موقع مشافهة التي هي نائبة عن مشافِهًا له). [المحتسب: 1/251]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 08:09 AM

سورة الأعراف
[ من الآية (50) إلى الآية (51) ]

{وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (50) الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (51)}

قوله تعالى: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (50)}

قوله تعالى: {الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (51)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 08:10 AM

سورة الأعراف
[ من الآية (52) إلى الآية (53) ]

{وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (53)}

قوله تعالى: {وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52)}

قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (53)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن أبي إسحاق: [أو نُرَدَّ] بنصب الدال.
[المحتسب: 1/251]
قال أبو الفتح: الذي قبله مما هو متعلق به قوله: {فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا}، ثم قال: [أَوْ نُرَدَّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ] فعطف "نرد" على "يشفعوا"، وهو منصوب لأنه جواب الاستفهام وفيه معنى التمني؛ وذلك أنهم قد علموا أنه لا شفيع لهم، وإنما يتمنون أن يكون لهم هناك شفعاء، فيردوا بشفاعتهم، فيعملوا ما كانوا لا يعملونه من الطاعة؛ فيصير به المعنى إلى أنه كأنهم قالوا: إن نُرزق شفعاء يشفعوا لنا أو نُرْدَد، وتقديره مع رفع نرد على قراءة الجماعة: أن نُرزق شفعاء يشفعوا لنا، وإن نردد نعمل غير الذي كنا نعمل. وذلك أنهم مع نصب "نرد" تمنوا الشفعاء وقطعوا بالشفاعة، وتمنوا الرد أيضًا وضَمِنُوا عمل ما لم يكونوا يعملونه؛ أي: إن نُردد نعمل غير الذي كنا نعمل كأنه قال: أو هل نرد فنعمل.
فأما قوله سبحانه: [يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبُ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونُ]، فقال فيه أبو الحسن: إنهم إنما تمنوا الرد، وضمنوا ألا يُكَذِّبُوا، وهذا يوجب النصب لأنه جواب للتمني، قال: إلا أنه عُطِفَ في اللفظ والمراد به الجواب، وشَبَّهه بقول الله سبحانه: [وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ] بالجر، قال: فهي في اللفظ معطوفة على المسح، وفي المعنى معطوفة على الغسل، قال ونحو منه: هذا حجر ضَبٍّ خربٍ. وقرأها الحسن: [أو تُريدُ فَنَعْملُ] فهو على هذه القراءة على أنهم تمنوا إرادته عز وجل إيمانَهم وعملَهم.
فإن قيل: وكيف يصح تمنيهم إرادتَه منهم الإيمانَ، ومعلوم أنه هو المراد منهم لقوله سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} وغيره من الآي؟
قيل: يكون معناه إرادة اقتسار لهم على الإيمان لا رَدٍّ منه تعالى الأمر إليهم فيه، فيكون هذا كقوله: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} أي: لو شاء مشيئة إلجاء أو إكراه لا عَرْض وترغيب.
وساغ في هذه القراءة تمنيهم العمل؛ إذ كان بلطف الله -عز وجل- لهم فيه وإعانته إياهم عليه.
[المحتسب: 1/252]
وإن شئت قلت: عطَف "نعمل" بالرفع لفظًا وهو ينوي أنه جواب؛ أي: إن شاء الله ذلك مشيئة إلجاء عملنا لا محالة، فيعطفه لفظًا وهو يريد الجواب على ما مضى). [المحتسب: 1/253]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 08:12 AM

سورة الأعراف
[ من الآية (54) إلى الآية (56) ]

{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54) ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56)}

قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (يغشي اللّيل النّهار... (54).
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص عن عاصم (يغشي اللّيل النّهار) خفيفا، وكذلك في الرعد، وقرأ الباقون بالتشديد.
قال أبو منصور: معنى يغشي ويغشّي، وكلاهما يتعدى إلى مفعولين، ومعناهما يجلل. وقد تغشّاه، إذا تجلله). [معاني القراءات وعللها: 1/408]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (والشّمس والقمر والنّجوم مسخّراتٍ بأمره... (54).
قرأ ابن عامر وحده (والشّمس والقمر والنّجوم مسخّراتٌ) رفعا كله، وقرأ الباقون بالنصب.
قال أبو منصور: من نصبها عطفها على ما قبلها، ونصب (مسخراتٍ) على الحال، وجائز أن نصبها على إضمار فعل، كأنه قال: وتجري الشّمس والقمر والنّجوم في حال تسخيرها، أي: تذليلها.
ومن رفع فعلى الابتداء، وخبره (مسخّراتٌ) ). [معاني القراءات وعللها: 1/408]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (12- وقوله تعالى: {يغشى الليل النهار} [54].
قرأ أهل الكوفة وعاصم في رواية أبي بكر {يغشى} مشددًا من غشى يغشى تغشية، ومعناه: التغطية والستر، وشاهده: {فغشاها ما غشى}.
وقرأ الباقون: {يغشى} خفيفًا من أغشى يغشى إغشاء وشاهده قوله تعالى: {فأغشيناهم فهم لا يبصرون}. وأما قوله في الأنفال {إذ يغشيكم النعاس أمنة} فقرأها نافع بالتخفيف يغشى.
وقرأ أهل الكوفة وابن عامر: {يغشيكم} مشددًا {والنعاس} منصوب مفعول ثان والأول: الكاف والميم، والفاعل: الله عز وجل، وغشى وأغشى بمعنى مثل نزل وأنزل وكرم وأكرم، غير أن كرم أبلغ في الكرمة.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو {إذ يغشاكم النعاس} فجعلا الفعل للنعاس، لأن الله تعالى لما أغشاهم النعاس غشيهم النعاس. ومعنى قوله {يغشى الليل النهار} يعني: جعلهما كذلك، فلذلك نصب قوله:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/185]
{والشمس والقمر والنجوم مسخرات} على معنى جعل الله الشمس والقمر عطفا على معنى يغشى إلا ابن عامر فإنه جعل الواو واو الحال وابتدأ كما تقول: لقيت زيدًا وأبو خارج، أي: أبوه هذه حاله، فقرأ ابن عامر {والشمس والقمر والنجوم مسخرات} رفع كلهن.
وقوله: {يكور الليل على النهار} مثل قوله {يغشى الليل النهار} ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/186]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في تشديد الشين وتخفيفها في قوله جلّ وعزّ: يغشي الليل النهار [الأعراف/ 54].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع وابن عامر يغشى ساكنة الغين خفيفة، وكذلك في الرعد [3].
[الحجة للقراء السبعة: 4/26]
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائيّ (يغشّي) مفتوحة الغين مشددة، وكذلك في الرّعد.
وروى حفص عن عاصم يغشي ساكنة الغين خفيفة فيهما.
وأمّا قوله: (إذ يغشاكم النّعاس) [الأنفال/ 11]، فقرأ ابن كثير وأبو عمرو إذ يغشاكم النّعاس رفعا، وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي يغشيكم بضم الياء وفتح الغين وتشديد الشين، النعاس نصبا.
وقرأ نافع: (إذ يغشيكم) من أغشى (النعاس) نصبا.
قولهم: غشي، فعل متعدّ إلى مفعول واحد يدلّ على ذلك قوله: وتغشى وجوههم النار [إبراهيم/ 50]، وغشيهم من اليم ما غشيهم [طه/ 78]، فإذا نقلت الفعل المتعدي إلى المفعول الواحد بالهمزة أو بتضعيف العين تعدى إلى مفعولين.
وقد جاء التنزيل بالأمرين جميعا؛ فمما جاء بتضعيف
[الحجة للقراء السبعة: 4/27]
العين قوله: فغشاها ما غشى [النجم/ 54]، فما في موضع نصب بأنّه المفعول الثاني، ومما جاء بنقل الهمزة، قوله: فأغشيناهم فهم لا يبصرون [يس/ 9]، فهذا منقول بالهمزة، والمفعول الثاني محذوف، والمعنى: فأغشيناهم العمى عنهم أو فقد الرؤية. فإذا جاء التنزيل بالأمرين؛ فكل واحد من الفريقين ممّن قرأ: (يغشي، ويغشّي) أخذ بما جاء في التنزيل، وكذلك إن أخذ آخذ بالوجهين جميعا كما روي عن عاصم الأمران جميعا، وكذلك من قرأ: إذ يغشيكم النعاس، [الأنفال/ 11]، (ويغشيكم النعاس) [الكاف والميم مفعول أول]، وهذا كقولهم فرّحته وأفرحته، وغرّمته وأغرمته، قال: يغشي الليل النهار [الأعراف/ 54] ولم يقل: ويغشي النهار الليل، كما قال: سرابيل تقيكم الحر [النحل/ 81]، ولم يذكر تقيكم البرد للعلم بذلك من الفحوى، ومثل هذا لا يضيق، وكلّ واحد من اللّيل والنهار منتصب بأنّه مفعول به.
والفعل قبل النقل: غشي الليل النهار، فإذا نقلت قلت: أغشى الله اللّيل النّهار وغشّى الله، فصار ما كان فاعلا قبل النقل مفعولا أول). [الحجة للقراء السبعة: 4/29]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (وقرأ ابن عامر وحده: والشمس والقمر والنّجوم مسخّرات بأمره [الأعراف/ 54]. رفعا كلها، ونصب الباقون هذه الحروف كلّها.
[الحجة للقراء السبعة: 4/28]
حجّة من نصب، قوله: ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر، واسجدوا لله الذي خلقهن [فصلت/ 37]، فكما أخبر في هذه أنّه خلق الشمس والقمر، كذلك يحمل على خلق في قوله: إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض والشمس والقمر والنجوم مسخرات [الأعراف/ 54].
وحجة ابن عامر قوله: وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض [الجاثية/ 13]، وممّا في السماء: الشمس والقمر. فإذا أخبر بتسخيرها حسن الإخبار عنها به، كما أنّك إذا قلت: ضربت زيدا، استقام أن تقول: زيد مضروب). [الحجة للقراء السبعة: 4/29]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة حُميد: [يَغْشَى] بفتح الياء والشين، ونصب [الليل] ورفع [النهار].
قال أبو الفتح: اتصال قوله تعالى: [يَغْشَى اللَّيْلَ النَّهَارُ] بقوله: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} اتصال الحال بما قبلها، ويكون هناك عائد منها إلى صاحبها وهو الله تعالى؛ أي: يَغشَى الليلَ النهارُ بأمره أو بإذنه، وحذف العائد كما يحذف من خبر المبتدأ في نحو قولهم: السَّمْنُ مَنَوان بدرهم؛ أي: منوان منه بدرهم.
ودعانا إلى إضمار هذا العائد أن تتفق القراءتان على معنى واحد؛ ألا ترى إلى قراءة الجماعة: {يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ}، وأن هذه الجملة في موضع الحال؛ أي: استوى على العرش مُغْشِيًا الليل النهار؛ أي: استوى عليه في هذه الحال.
فقوله إذن: {يَطْلُبُهُ حَثِيثًا} بدل من قوله: [يغْشَى اللَّيْلَ النَّهَارُ] للتوكيد، وهو على قراءة الجماعة: {يُغْشِي} أو [يُغَشِّي] حال من الليل؛ أي: يُغَشِّي الليل النهار طالبًا له حثيثًا، وحثيثًا بدل من طالب أو صفة له؛ لأن طالبًا لو كان منطوقًا به حال هناك، والحال عندنا فوصف من حيث كانت في المعنى خبرًا، والأخبار توصف؛ لكن الصفات عندنا لا توصف.
وإن شئت يكون "حثيثًا" حالًا من الضمير في يطلبه، وفيه من بعد هذا ما أذكره؛ وذلك أن الفاعل في المعنى من أحد المفعولين في قراءة الجماعة هو الليل؛ لأنه المفعول الأول، كقولك: أعطيت زيدًا عمرًا، فزيد هو الآخذ وعمرو هو المأخوذ، وأغشيت جعفرًا خالدًا، فالغاشي جعفر والمغشيُّ هو خالد، والفاعل في قراءة حميد هو النهار؛ لأنه مرفوع: [يَغْشَى اللَّيْلَ النَّهَارُ]، فالفاعلان والمفعولان جميعًا مختلفان على ما ترى.
[المحتسب: 1/253]
ووجه صحة القراءتين جميعًا والتقاء معنَيَيْهما أن الليل والنهار يتعاقبان، وكل واحد منهما وإن أزال صاحبه فإن صاحبه أيضًا مُزيلٌ له، فكل واحد منهما على هذا فاعل وإن كان مفعولًا، ومفعول وإن كان فاعلًا. وعلى أن الظاهر في الاستحثاث هنا إنما هو النهار؛ لأنه بسفوره وشروقه قد أظهر أثرًا في الاستحثاث من الليل. وبعدُ، فليس النهار إلا ضوء الشمس، والشمس كائنة محدثة، ولا ضوء قبل أن يخلقها لله جل وعز، فالضوء إذن هو الهاجم على الظلمة، ويطلبه حثيثًا، على هذا حال من النهار؛ لأنه هو الأحث منهما.
ويجوز في قراءة الجماعة أن يكون يطلبه حالا من النهار وإن كان مفعولًا، كقولك: ضربتْ هندٌ زيدًا مؤلِمَة له، فقد يكون مؤلمة حالًا لزيد، كما قد يجوز أن يكون حالًا من هند؛ وذلك أن لكل واحد منهما في الحال ضميرًا. ومثله قول الله تعالى: {فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ}، قد يجوز أن يكون "تحمله" حالًا منها، ويجوز أن يكون حالًا منه، وقد يجوز أيضًا أن يكون منهما جميعًا على قوله:
فلئن لقيتك خاليين لتعلما ... أيي وأيك فارسا الأحزاب؟
ويجوز أيي وأيك فارسُ الأحزاب؛ أي: أينا فارس الأحزاب، فكذلك يكون قوله: يطلبه حثيثًا، حالًا منهما جميعًا على ما مضى؛ لأن لهما جميعًا فيه ضميرًا. ولو كان الآية فأتت به قومها تحمله إليه لجاز أن يكون ذلك حالًا منها، ومنه ومنهم جميعًا؛ لحصول ضمير كل واحد منهم في الجملة التي هي حال، فاعرف ذلك.
ولعمري إنك إذا قلت: أغشيتُ زيدًا عمرًا، فإن العرف أن يكون زيد هو الغاشي وعمرو هو المغشيّ، إلا أنه قد يجوز فيه قلب ذلك، لكن مع قيام الدلالة عليه، ألا ترى إلى قوله:
فدع ذا ولكن من ينالُك خيرُه ... ومن كان يعطي حقَّهن القَصائدا؟
أراد: يعطي القصائد حقهن، ثم قدم المفعول الثاني فجعله قبل الأول من حيث كانت القصائد هنا هي الآخذة في المعنى، ونحوه: كسوت ثوبًا زيدًا، ساغ تقديمه لارتفاع الشك فيه، وليس
[المحتسب: 1/254]
كذلك يُغشي الليل النهار؛ من حيث كانا متساويي الحالين في الغِشْيان، وعلى كل حال فكل واحد منهما غاشٍ لصاحبه). [المحتسب: 1/255]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({يغشي اللّيل النّهار يطلبه حثيثا والشّمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره}
[حجة القراءات: 283]
قرأ حمزة والكسائيّ وأبو بكر {يغشي اللّيل النّهار} بالتّشديد وفي الرّعد أيضا من غشى يغشي أي يغشي الله اللّيل النّهار وحجتهم أن هذا فعل يتردّد ويتكرر وذلك أن كل يوم وكل ليلة غير اليوم الآخر وغير اللّيلة الأخرى فالتغشية مكررة مردودة لمجيئها يومًا بعد يوم وليلة بعد ليلة وفي التّنزيل {فغشاها ما غشى}
وقرأ الباقون بالتّخفيف وحجتهم قوله {فأغشيناهم فهم لا يبصرون} وقال {كأنّما أغشيت وجوههم قطعا} ولم يقل غشيت
قرأ ابن عامر {والشّمس والقمر والنجوم مسخرات} بالرّفع جعل الواو واو حال كما تقول لقيت زيدا ويده على رأسه أي رأيته في هذه الحال فكذلك قوله {يغشي اللّيل النّهار يطلبه حثيثا والشّمس والقمر} أي حالهما التسخير وكذلك {والنجوم مسخرات} ويجوز أن يكون {والشّمس والقمر} رفعا على الابتداء والخبر {مسخرات}
وقرأ الباقون بالنّصب على إضمار خلق لأنّه لما قال قبلها {إن ربكم الله الّذي خلق السّماوات والأرض} ثمّ قال {والشّمس والقمر} دلّ على أن المعنى وخلق الشّمس والقمر كما خلق السّموات والأرض). [حجة القراءات: 284]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (13- قوله: {يُغشي الليل النهار} قرأه أبو بكر وحمزة والكسائي بالتشديد، وخفف الباقون، ومثله في الرعد، وهما لغتان: أغشى وغشّى، وقد أجمعوا على: {فغشاها ما غشى} «النجم 54» وأجمعوا على: {فأغشيناهم}
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/464]
«يس 9» فالقراءتان متساويتان، وفي التشديد معنى التكرير والتكثير). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/465]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (14- قوله: {والشمس والقمر والنجوم مسخرات} قرأ ذلك ابن عامر بالرفع، في الأربع الكلمات، ونصبهن الباقون، والتاء مكسورة في حال النصب على الأصول.
وحجة من رفع أنه استأنف الكلام وقطعه مما قبله، فرفع بالابتداء، وعطف بعض الأسماء على بعض، وجعل «مسخرات» خبرًا للابتداء، ويقوي هذا أن الله جل ذكره قد أعلمنا، في غير هذا الموضع أنه سخر لنا ما في السماوات وما في الأرض، والشمس والقمر والنجوم هن مما سخره لنا، مما هو في السماء، فحسن الإخبار عنهن في هذا الموضع، فالتسخير على ذلك.
15- وحجة من نصب أنه عطف ذلك على المنصوب بـ «خلق» وقوى ذلك أن الله جل ذكره قد أنبأنا عن الشمس والقمر أنه خلقهما في قوله: {واسجدوا لله الذي خلقهن} «فصلت 37» فحمل هذا على ذلك، في الإخبار عنهن، بالخلق لهن، وكان الاشتراك بين الجملتين، واتصال بعض الكلام ببعض أقوى، وهو الاختيار، وتكون «مسخرات» حالًا على قراءة من نصب). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/465]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (12- {يُغْشِي اللَّيْلَ} [آية/ 54] بفتح العين وتشديد الشين:-
قرأها حمزة والكسائي وعاصم -ياش- ويعقوب، وكذلك في الرعد.
والوجه أنه منقول بالتضعيف لا بالهمزة؛ لأن غشي متعد إلى مفعول واحد، فإذا نقل بالتضعيف أو بالهمزة تعدى حينئذ إلى مفعولين، وهذا منقول بالتضعيف، فتقول: غشي وغشيته أنا، قال الله تعالى {فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى}، فقوله {اللَّيْلَ} مفعول أول و{النَّهَارَ} مفعول ثان.
الباقون {يُغْشِي} بتسكين الغين وتخفيف الشين في السورتين.
والوجه أنه منقول بالهمزة، يقال غشي وأغشيته أنا، قال الله تعالي {فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} ). [الموضح: 530]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (13- {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ} [آية/ 54] رفع كلهن:
قرأها ابن عامر وحده، وكذلك في النحل، وتابعه -ص- عن عاصم في النحل في قوله {وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ} فرفعها وحده، ونصب {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ}.
والوجه في الرفع أنه مقطوع مما قبله ومستأنف به، فهو على الابتداء و{مُسَخَّرَاتٍ} الخبر.
وقرأ الباقون {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ} نصبًا، و{مُسَخَّرَاتٍ} مكسورة التاء في موضع نصب.
والوجه أنه محمول على قوله تعالى {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ... وَالشَّمْسَ} فقوله {الشَّمْسَ} معطوف على {السَّمَوَاتِ}، وهي نصب بأنه مفعول به، فما عطف عليه نصب، وأما {مُسَخَّرَاتٍ} فنصيبها على الحالة). [الموضح: 531]

قوله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (13- وقوله تعالى: {تضرعا وخفية} [55].
بضم الخاء قراءتهم كلهم إلا أبا بكر فإنه قرأ {خفية} بكسر الخاء، وقد ذكرت علته في (الأنعام).
ومعنى تضرعًا؛ أي ادعو الله خاضعين متعبدين وخفية: أي: في أنفسكم تخلصون له ذلك؛ لأنه يعلم السر وأخفى {وخائنة الأعين وما تخفي الصدور} ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/186]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قرأ عاصم وحده في رواية أبي بكر (تضرّعا وخفية) [الأعراف/ 55] بكسر الخاء هاهنا وفي الأنعام [63].
وقرأ الباقون: خفية مضمومة الخاء جميعا.
وروى حفص عن عاصم خفية مضمومة الخاء فيهما.
القول في ذلك: أن خفية و (خفية) لغتان فيما حكاهما أبو الحسن.
[الحجة للقراء السبعة: 4/29]
قال: والخفية: الإخفاء، والخيفة: الخوف والرهبة.
قال أبو علي: فالهمزة في الإخفاء منقلبة عن الياء، بدلالة الخفية، كما أنّ الألف في الغنى منقلبة عن الياء بدلالة ما حكاه أبو زيد من قولهم: أدام الله لك الغنية وفي التنزيل ما نخفي وما نعلن [إبراهيم/ 38] فمقابلة الإخفاء له فيها بالإعلان، [ويدلك أنّ الإخفاء والإعلان] كالإسرار والإجهار. قال: وأسروا قولكم أو اجهروا به [الملك/ 13] قالوا: خفيت الشيء إذا أظهرته، قال:
يخفي التراب بأظلاف ثمانية... في أربع مسّهنّ الأرض تحليل
فيمكن أن يكون: أخفيت الشيء: أزلت إظهاره، وإذا
[الحجة للقراء السبعة: 4/30]
أزلت إظهاره، فقد كتمته، ومثل ذلك قولهم: أشكيته: إذا أزلت شكواه، قال وأنشد أبو زيد:
تمدّ بالأعناق أو تلويها... وتشتكي لو أنّنا نشكيها
فأما قوله: ادعوا ربكم تضرعا وخفية [الأعراف/ 55] فمما يدل على أن رفع الصوت بالدّعاء، لا يستحبّ، والخوف لله ممّا أمر به، ومدح عليه من قوله:
(وخافوني) [آل عمران/ 175] وقوله: يخافون ربهم من فوقهم [النحل/ 50]، والمعنى: خافوا عقابي، كما قال: ويرجون رحمته ويخافون عذابه [الإسراء/ 57] ). [الحجة للقراء السبعة: 4/31]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (14- {تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [آية/ 55] بكسر الخاء:-
قرأها عاصم وحده -ياش-، الباقون {خُفْيَةً} بضم الخاء.
خفية وخفية لغتان). [الموضح: 531]

قوله تعالى: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (والرحمة هاهنا: المطر. وسمى المطر رحمة، لأن الله يرحم به عباده، كما سميت الجنة رحمة، إذ كانوا يدخلونها برحمته، وذلك حيث يقول: {وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون} وإلى ذلك وجه الفراء قوله تعالى: {إنْ رحمة الله قريب} [56] ولم يقل قريبة إذا كانت الرحمة يعني بها كالمطر هاهنا.
وقال آخرون: {قريب} صفة لمكان أي: إن رحمة الله مكان قريب، كقوله: {وما يدريك لعل الساعة قريب} أي زمان قريب.
وقال آخرون: لما كانت الرحمة تأنيثها غير جائز جاز تذكيره، وقد بينا نحو ذلك فيما سلف من الكتاب.
[وقال آخرون]: إنما ذكرت الرحمة، لأنك إنما عنيت بها الغفران، وإلى هذا ذهب محمد بن القاسم الأنباري رحمه الله. وقال النحويون: إن قريبًا منك الماء وإن بعيد منك الماء فيرفعون مع البعيد وينصبون مع القريب.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/187]
وقال أبو عبيدة: قريب وبعيد لو كانتا صفتين دخلت عليهما الهاء ولكنهما ظرفان ولا يثنيان ولا يجمعان ولا يؤنثان وأنشد:
تؤرقني وقد أمست بعيدا = وأصحابي بعيهم أو تبالة
[عيهم وتبالة] موضعان. وعليهم: - في غير هذا الجَمَلُ الضخم أنشدني ابن عرفة:
ومنقوشة نقش الدنانير عوليت = على عجل فوق العتاق العياهم
[العياهم]: المنقوشة المحمل). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/188] (م)

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 08:14 AM

سورة الأعراف
[ من الآية (57) إلى الآية (58) ]

{وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57) وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (58)}

قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وهو الّذي يرسل الرّياح بشرًا... (57).
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والحضرمي (نشرًا) بضم النون والشين في كل القرآن،
[معاني القراءات وعللها: 1/408]
وقرأ ابن عامر (نشرًا) بضم النون وسكون الشين، وقرأ عاصم (بشرًا) بالباء وسكون الشين حيث وقع، وقرأ حمزة والكسائي (نشرًا) بفتح النون وسكون الشين حيث وقع.
قال أبو منصور: من قرأ (نشرًا) و(نشرًا) فهو جمع نشور ريحٌ نشورٌ: تنشر السحاب، أي: تبسطها في السماء.
ومن قرأ (بشرًا) بالباء فهو جمع بشيرة، كما قال: (وهو الّذي أرسل الرّياح بشرًا بين يدي رحمته).
ومن قرأ (نشرًا) فالمعنى: هو الذي يرسل الرياح ذات نشر تنشر السحاب (نشرًا).
وقيل: (بشرًا) أي: مبشرة.
وأخبرني المنذري عن أبي العباس أنه قال: من قرأ (نشرًا) فمعناه: لينة طيبة). [معاني القراءات وعللها: 1/409]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (14- وقوله تعالى: {يرسل الرياح بشرا} [57].
قرأ حمزة والكسائي {نشرا} بفتح النون، أي: إحياء، من قوله تعالى: {والناشرات نشرا}.
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو {نشرا} بضم النون والشين، جعلوه جمع ريح نشور مثل: امرأة صبور، والجمع نشر وصبر.
وقرأ ابن عامر {نشرا} بضم النون وإسكان الشين، أراد: نشرًا فخفف مثل رسل ورسل والريح النشور هي: التي تهب من كل جانب، وتجمع السحابة الممطرة فيحيي الله به الأرض بعد موتها.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/186]
وقرأ عاصم {بشرا} بالباء وإسكان الشين جعلها جمع بشور، أي: تبشر بالمطر من قوله تعالى: {الرياح مبشرات}.
ويجوز في النحو وجهان، ولم يقرأ بهما أحد بشرى، وبشرى مثل حبلى، وبشرى بمعنى البشارة بين يدي رحمته. والرحمة هاهنا: المطر. وسمى المطر رحمة، لأن الله يرحم به عباده، كما سميت الجنة رحمة، إذ كانوا يدخلونها برحمته، وذلك حيث يقول: {وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون} وإلى ذلك وجه الفراء قوله تعالى: {إنْ رحمة الله قريب} [56] ولم يقل قريبة إذا كانت الرحمة يعني بها كالمطر هاهنا.
وقال آخرون: {قريب} صفة لمكان أي: إن رحمة الله مكان قريب، كقوله: {وما يدريك لعل الساعة قريب} أي زمان قريب.
وقال آخرون: لما كانت الرحمة تأنيثها غير جائز جاز تذكيره، وقد بينا نحو ذلك فيما سلف من الكتاب.
[وقال آخرون]: إنما ذكرت الرحمة، لأنك إنما عنيت بها الغفران، وإلى هذا ذهب محمد بن القاسم الأنباري رحمه الله. وقال النحويون: إن قريبًا منك الماء وإن بعيد منك الماء فيرفعون مع البعيد وينصبون مع القريب.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/187]
وقال أبو عبيدة: قريب وبعيد لو كانتا صفتين دخلت عليهما الهاء ولكنهما ظرفان ولا يثنيان ولا يجمعان ولا يؤنثان وأنشد:
تؤرقني وقد أمست بعيدا = وأصحابي بعيهم أو تبالة
[عيهم وتبالة] موضعان. وعليهم: - في غير هذا الجَمَلُ الضخم أنشدني ابن عرفة:
ومنقوشة نقش الدنانير عوليت = على عجل فوق العتاق العياهم
[العياهم]: المنقوشة المحمل). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/188]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله: وهو الّذي يرسل الرّياح نشرا بين يدي رحمته [الأعراف/ 57]، فقرأ ابن كثير: وهو الّذي يرسل الرّيح واحدة، (نشرا) مضمومة النون والشين.
وقرأ أبو عمرو، ونافع: (الرياح) جماعة (نشرا) مضمومة النون والشين أيضا. وقرأ ابن عامر: (الرّياح) جماعة (نشرا) مضمومة النون ساكنة الشين.
[الحجة للقراء السبعة: 4/31]
وقرأ عاصم: الرياح جماعة. بشرا بالباء. ساكنة الشين منونة.
وقرأ حمزة والكسائيّ: (الريح) على التوحيد، (نشرا) بفتح النون ساكنة الشين منونة.
القول في إفراد الريح وجمعها:
اعلم أنّ الريح اسم على فعل، والعين منه واو، فانقلبت في الواحد للكسرة.
فأمّا في الجمع القليل: أرواح، فصحّت لأنّه لا شيء فيه يوجبها الإعلال، ألا ترى أن الفتحة لا توجب إعلال هذه الواو في نحو قوم، وقول، وعون؟
وأمّا في الجمع الكثير فرياح، فانقلبت الواو ياء للكسرة التي قبلها، وإذا كانت قد انقلبت في نحو ديمة، وديم، وحيلة وحيل، فأن تنقلب في رياح أجدر لوقوع الألف بعدها، والألف تشبه الياء، والياء إذا تأخّرت عن الواو أوجبت فيها الإعلال؛ فكذلك الألف لشبهها بها، وقد يجوز أن يكون (الريح) على لفظ الواحد، ويراد بها الكثرة. كقولك: كثر
[الحجة للقراء السبعة: 4/32]
الدينار والدرهم، والشاء والبعير، وإن الإنسان لفي خسر [العصر/ 2]، ثم قال: إلا الذين آمنوا [العصر/ 3]، فكذلك من قرأ: (الريح- نشرا)، فأفرد، ووصفه بالجمع، فإنّه حمله على المعنى وقد أجازه أبو الحسن. وقد قال:
فيها اثنتان وأربعون حلوبة... سودا.....
فمن نصب حمله على المعنى لأن المفرد يراد به الجمع، وهذا وجه قراءة ابن كثير. ألا ترى أنّه أفرد الريح، ووصفه بالجمع في قوله: (نشرا بين يدي رحمته) [الأعراف/ 57]، فلا تكون الريح على هذا إلّا اسم الجنس.
[الحجة للقراء السبعة: 4/33]
وقول من جمع الريح، إذا وصفها بالجميع الذي هو (نشرا) أحسن، لأنّ الحمل على المعنى ليس بكثرة الحمل على اللفظ، ويؤكد ذلك قوله: الرياح مبشرات فلمّا وصفت بالجمع جمع الموصوف أيضا.
ومما جاء فيه الجمع القليل بالواو قول ذي الرّمّة:
إذا هبّت الأرواح من نحو جانب... به آل ميّ هاج شوقي هبوبها
وليس ذلك كعيد وأعياد، لأنّ هذا بدل لازم، وليس البدل في الريح كذلك. فأمّا ما
جاء في الحديث من أنّ النبي، صلّى الله عليه وآله وسلّم كان يقول إذا هبّت ريح: «اللهمّ اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا»، فلأنّ عامّة ما جاء في التنزيل، على لفظ الرياح للسقيا والرحمة كقوله: [عزّ من قائل]: وأرسلنا الرياح لواقح [الحجر/ 22]. وكقوله: ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات [الروم/ 46] وقوله الله الذي يرسل الرياح فتثير
[الحجة للقراء السبعة: 4/34]
سحابا فيبسطه في السماء [الروم/ 48].
وما جاء بخلاف ذلك جاء على الإفراد كقوله: وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم [الذاريات/ 41]، وقوله:
وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر [الحاقة/ 6]، بل هو ما استعجلتم به، ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شيء بأمر ربها [الأحقاف/ 24]، فجاءت في هذه المواضع على لفظ الإفراد وفي خلافها على لفظ الجميع.
أبو عبيدة: (نشرا) أي متفرقة من كلّ جانب، وقال أبو زيد: قد أنشر الله الريح إنشارا، إذا بعثها، وقد أرسلها نشرا بعد الموت.
قال أبو علي: أنشر الله الريح إنشارا مثل أحياها، فنشرت هي، أي: حييت، والدليل على أنّ إنشار الريح إحياؤها قول المرّار الفقعسي:
[الحجة للقراء السبعة: 4/35]
وهبّت له ريح الجنوب وأحييت... له ريدة يحيي المياه نسيمها
وكما جاء أحييت كذلك ما حكاه أبو زيد من قولهم:
أنشر الله الريح، معناه: الإحياء. وممّا يدلّ على ذلك أنّ الريح قد وصفت بالموت، كما وصفت بالحياة: قال.
إني لأرجو أن تموت الريح... فأقعد اليوم وأستريح
فقال: تموت الريح. بخلاف ما قاله الآخر:
وأحييت له ريدة...
والرّيدة: الريح، قال:
أودت به ريدانة صرصرّ وقراءة من قرأ (نشرا) يحتمل ضربين: يجوز أن يكون جمع ريح نشور، وريح ناشر. ويكون: ناشر على معنى
[الحجة للقراء السبعة: 4/36]
النسب؛ فإذا جعلته جمع نشور احتمل أمرين: أحدهما: أن يكون النشور بمعنى المنتشر، كما أنّ الركوب بمعنى المركوب.
قال:
وما زلت خيرا منك مذ عضّ كارها... بلحييك عاديّ الطريق ركوب
وقال أوس:
تضمّنها وهم ركوب كأنّها * إذا ضمّ جنبيه المخارم رزدق كأنّ المعنى: ريح أو رياح منشرات.
ويجوز أن يكون نشرا: جمع نشور يراد به الفاعل، كأنّه كطهور ونحوه من الصفات.
ويجوز أن يكون نشرا: جمع ناشر، كشاهد وشهد، وبازل وبزل، وقاتل وقتل، وقال الأعشى:
إنا لأمثالكم يا قومنا قتل
[الحجة للقراء السبعة: 4/37]
وقول ابن عامر: نشرا يحتمل الوجهين: أن يكون جمع فعول وفاعل، فخفّف العين، كما يقال: كتب ورسل، ويكون جمع فاعل كبازل وبزل وعائط وعيط.
وأمّا قراءة حمزة والكسائيّ نشرا فإنه يحتمل ضربين: يجوز أن يكون المصدر حالا من الريح فإذا جعلته حالا منها احتمل أمرين: أحدهما أن يكون النّشر الذي هو خلاف الطيّ، كأنّها كانت بانقطاعها كالمطويّة، ويجوز على تأويل أبي عبيدة، أن تكون متفرقة في وجوهها.
والآخر: أن يكون النشر، الذي هو الحياة في قوله:
يا عجبا للميّت الناشر
فإذا حملته على ذلك وهو الوجه، كان المصدر يراد به الفاعل كما تقول: أتانا ركضا، أي: راكضا، ويجوز أن يكون المصدر يراد به المفعول، كأنّه يرسل الرياح إنشارا، أي: محياة؛ فحذف الزوائد من المصدر كما قالوا: عمرك الله، وكما قال:
فإن يهلك فذلك كان قدري
أي: تقديري.
[الحجة للقراء السبعة: 4/38]
والضرب الآخر: أن يكون نشرا على قراءتهما ينتصب انتصاب المصادر من باب صنع الله [النمل/ 88].
لأنه إذا قال يرسل الرياح دلّ هذا الكلام على: ينشر الريح نشرا أو تنشر نشرا، من قوله:
كما تنشّر بعد الطية الكتب... ومن نشرت الريح مثل نشر الميت.
وقراءة عاصم: بشرا؛ فهو جمع بشير، وبشر من قوله:
يرسل الرياح مبشرات [الروم/ 46]. أي تبشّر بالمطر والرحمة، وجمع بشيرا على بشر، ككتاب وكتب). [الحجة للقراء السبعة: 4/39]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن بخلاف وقتادة وأبي رجاء والجحدري وسهل بن شعيب: [نُشْرًا] بضم النون وجزم الشين.
وقرأ: [بَشْرًا] -بفتح الباء ساكنة الشين- أبو عبد الرحمن بخلاف.
وقرأ: [بُشُرًا] -بالباء مضمومة منونين- ابن عباس والسلمي بخلاف وعاصم بخلاف.
وقرأ: [بُشْرى] -غير منونة على فُعْلَى- محمد بن السميفع وابن قطيب.
وقرأ: [نَشَرًا] -بفتح النون والشين- مسروق.
قال أبو الفتح: أما [نُشْرًا] فتخفيف [نُشُرًا] في قراءة العامة، والنُّشُر جمع نَشُور؛ لأنها تَنْشُر السحاب وتستدرُّه، والتثقيل أفصح لأنه لغة الحجازيين، والتخفيف في نحو ذلك لتميم.
وأما [بُشُرًا] فجمع بشير؛ لأنه الريح تبشِّر بالسحاب.
وأما [بَشْرًا] فمصدر في موضع الحال، كقول الله تعالى: {ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا} أي: ساعيات، فكذلك [بَشْرًا] أي: باشرات في معنى مبشرات، يقال: بَشَرتُ الرجل أبشُرُه بَشْرًا، فأنا باشر وهو مبشور، وأبشرته أُبْشِرُه، فأنا مُبْشِر وهو مُبْشَر. وبشَّرتُه تبشيرًا، فأنا مُبَشِّر وهو مُبَشَّر. وبَشِر بالأمر يَبْشَر به، فهو بَشِرٌ، كفرح به يفرح فرحًا، وهو فَرِح، وأبشر هو أيضًا يُبْشِرُ إبشارًا، ومنه المثل السائر:
أبشر بما سرك عيني تختلج
[المحتسب: 1/255]
والبِشَارَة: حسن البَشَرَة، قال أبو إسحاق: قيل لما يُفْرَح به بِشارة؛ لأن الإنسان إذا فرح حسنت بَشَرته.
فإن قيل: فإن البَشَرة قد يبين عليها الحسن تارة والقبح أخرى، فكيف خُص به هاهنا حسنها دون قبحها؟
قيل: من عادتهم أن يوقعوا على الشيء الذي يختصونه بالمدح اسم الجنس المطلق على جميع أجزائه المختلفة، ألا تراهم قالوا: لفلان خُلُق فخصوه بالمدح، وإن كان الخلق يكون قبيحًا كما يكون حسنًا؟
وقالوا للكعبة: بيت الله، والبيوت كلها لله، فخصوا باسم الجنس أشرف أنواعه.
وقالوا: فلان متكلم، يعنون به صاحب النظر، والناس كلهم متكلمون.
وأما [بُشْرَى] على فُعْلَى فمنصوبة على الحال أيضًا؛ أي: مُبِشِّرات على ما مضى.
وفي [نَشَرًا] فعلى حذف المضاف؛ أي: ذوات نشر، والنَّشَر أن تنتشر الغنم بالليل فترعى، فهذا على تشيبه السحاب في انتشاره وعمومه من هاهنا ومن هاهنا بالغنم إذا انتشرت للرعي). [المحتسب: 1/256]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وهو الّذي يرسل الرّياح بشرا بين يدي رحمته}
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو (نشرا بين) بضم النّون والشين جمع نشور كقولك صبور وصبر وعجوز وعجز ورسول ورسل قال اليزيدي العرب تقول هذه رياح نشر مثل قولك نساء صبر قال أبو عبيد الرّيح النشور الّتي تهب من كل جانب وتجمع السحابة الممطرة وقال غيره الرّيح النشور الّتي تنشر السّحاب
وقرأ الباقون نشرا بضم النّون وسكون الشين أراد {نشرا} فخفف مثل رسل ورسل
وقرأ حمزة والكسائيّ {نشرا} بفتح النّون وسكون الشين قال الفراء النشر من الرّياح الطّيبة اللينة الّتي تنشئ السّحاب فكأن الفراء ذهب إلى أن النشر صنف من صنوف الرّياح ونوع من أنواعها
وقال آخرون يجوز أن يكون قوله {نشرا} مصدر نشرت الرّيح السّحاب نشرا فكأن معنى ذلك على هذا التّأويل وهو الّذي يرسل الرّياح ناشرة للسحاب ثمّ اكتفى بالمصدر عن الفاعل كما تقول العرب رجل صوم ورجل فطر أي صائم
[حجة القراءات: 285]
قال أبو عبيدة وحجته في هذه القراءة قوله {والناشرات نشرا}
وقرأ عاصم {بشرا} بالياء وإسكان الشين أخذه من البشارة وحجته قوله {ومن آياته أن يرسل الرّياح مبشّرات} وذلك أن الرّيح تبشر بالمطر وكان عاصم ينكر أن تكون الرّيح تنشر وكان يقول المطر ينشر أي يحيي الأرض بعد موتها يقال نشر وأنشر إذا أحيا). [حجة القراءات: 286]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (16- قوله: {بشرى بين يدي رحمته} قرأه الحرميان وأبو عمرو بنون مضمومة، وضم الشين، ومثلهم ابن عامر، غير أنه أسكن الشين، ومثله حمزة والكسائي، غير أنهما فتحا النون، وقرأ ذلك عاصم بياء مضمومة وإسكان الشين.
وحجة من ضم النون والشين أنه جعله جمع نشور، ونشور بمعنى ناشر، وناشر معناه محيي، كطهور بمعنى طاهر، جعل الريح ناشرة للأرض، أي: محيية لها إذ تأتي بالمطر الذي يكون النبات به، ويجوز أن يكون جميع نشور، ونشور بمعنى منشور، كركوب بمعنى مركوب وحلوب بمعنى محلوب، كأن الله جل
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/465]
ذكره أحيا الريح لتأتي بين يدي رحمته، فهي ريح منشورة أي: محياه، حكى أبو زيد: قد أنشر الله الريح انتشارًا إذا بعثها، ويجوز أن يكون «نشرا» جمع ناشر كشاهد وشُهد، وقاتل وقُتل، على ما تقدم أن الريح ناشرة للأرض أي: محيية لها بما تسوق من المطر.
17- وحجة من أسكن الشين وضم النون كالحجة فيما قبله، إلا أنه أسكن الشين استخفافًا كرسول ورسل وكتاب وكتب، والضم هو الأصل في ذلك كله.
18- وحجة من فتح النون وأسكن الشين أنه جعله مصدرًا، وأعمل فيه معنى ما قبله، كأنه قال: وهو الذي نشر الرياح نشرًا كقوله: {كتاب الله عليكم} «النساء 24» وكقوله: {صُنع الله الذي أتقن} «النمل 88» لأن قوله: {وهو الذي يرسل الرياح} يدل على نشرها، ويجوز أن يكون مصدرًا في موضع الحال من الرياح، كأنه قال: يرسل الرياح محيية للأرض، كما تقول: أتانا ركضًا، أي راكضًا، وقد قيل: إن تفسير «نشرًا» بالفتح من النشر الذي هو خلاف الطي، كأن الريح في سكونها كالمطوية، ثم ترسل من طيها ذلك، فتصير كالمتفتحة، وقد فسره أبو عبيد بمعنى متفرقة في وجوهها، على معنى: تنشرها ههنا وههنا، ويجوز أن يكون المصدر يُراد به المفعول، كقولهم: هذا درهم ضرب الأمير، أي: مضروبه، وكقوله: {هذا خلق الله} «لقمان 11» أي: مخلوقة، فيكون المعنى: يرسل الرياح منتشرة، أي محياة، ويكون «نشرا» بمعنى انتشارا، قد حذفت منه الزوائد.
19- وحجة من قرأ بالباء مضمومة أنه جعله جمع بشير، إذ الرياح تبشر بالمطر، وشاهده قوله: {يرسل الرياح مبشرات} «الروم 46» وأصل الشين الضم، لكن أسكنت تخفيفًا كرسول ورسل). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/466]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (15- {يُرْسِلُ الرِّيَاحَ} [آية/ 57] على الوحدة:
قرأها ابن كثير وحمزة والكسائي.
والوجه أنه على لفظ الواحد، والمراد به الكثرة، كما يقال: كثر الدينار والدرهم والشاة والبعير، وقال الله تعالى {إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ}، ولهذا قرأ من قرأ {الرِّيَحَ نَشْرًا} فأفرد الريح ووصفه بالجمع إذا كان الريح يراد به الجمع والكثرة؛ لأنه اسم جنس، والريح أصله روح على فعل، فانقلبت الواو ياء لكسرة ما قبلها، وكذلك في الجمع الكثير إذا قلت: رياح، قلبت الواو ياء لكسرة ما قبلها، وأما الجمع القليل وهو أرواح فإن الواو صحت فيه وما قلبت؛ لأنه ليس فيه شيء يوجب القلب.
وقرأ الباقون {الرِّيَاحِ} بالجمع.
والوجه أن المعنى جمع، فالأحسن أن يأتي لفظه جمعًا ليوافق اللفظ المعنى، وإذا كان لفظ الريح إذا وقع في هذا الموضع كان على معنى الجمع، فلأن يقع لفظ الجمع نفسه أولى). [الموضح: 532]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (16- {نَشْرًا} [آية/ 57] مفتوحة النون، ساكنة الشين:-
قرأها حمزة والكسائي حيث وقع، وهو يحتمل وجهين:
[الموضح: 532]
أحدهما: أن يكون مصدرًا في موضع الحال، والتقدير: ناشرة، كما تقول: أتانا ركضًا أي راكضًا.
والثاني: أن ينتصب انتصاب المصادر؛ لأنه لما قال يرسل الرياح، دل هذا على ينشر، كأنه قال ينشر الريح السحاب نشرًا، والنشر ههنا ضد الطي، والمعنى على الوجه الأول إن الرياح تبسط السحاب في السماء، وعلى الثاني أنه تعالى يبسط الرياح.
وقرأ ابن عامر {نَشْرًا} بضم النون وإسكان الشين حيث وقع.
يجوز أن يكون جمع ريح نشور أو جمع ريح ناشر.
فإذا كان جمع نشور احتمل أن يكون فعول بمعنى مفعول كما أن ركوبًا بمعنى مركوب، وجاز أن يكون بمعنى مفعل كطهور ونحوه من الصفات.
وإذا كان جمع ناشر، فيجوز أن يكون بمعنى ذات نشر، كما يقال لابن وتامر، ويجوز أن يكون بمعنى مفعل كلاقح بمعنى ملقح، قال تعالى {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ}، أي ملقحات، فيكون ناشر بمعني منشر ثم خفف نشرًا بضم الشين فبقى نشرًا بإسكان الشين، كما خفف كتب من كتب، والكلمة ههنا من نشر الله الميت وأنشر، وقال أبو زيد، أنشر الله الريح أي أرسلها.
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب {نُشُرًا} بضم النون والشين.
والوجه هو ما تقدم في قراءة ابن عامر، وهذه هي الأصل، وتلك مخففة منها.
[الموضح: 533]
وقرأ عاصم {بُشْرًا} بالباء مضمومة، والشين ساكنة حيث وقع.
والوجه أن {بُشْرًا} جمع بشير من قوله {يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ}، أي تبشر بالمطر، وفعيل يجمع على فعل ككثيب وكثب وقضيب وقضب، وفعيل وفعول وفعال كلها تجمع على فعل كقضيب ورسول وكتاب، وهن أخوات من حيث أن ثالثها حروف اللين). [الموضح: 534]

قوله تعالى: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (58)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 08:16 AM

سورة الأعراف
[ من الآية (59) إلى الآية (64) ]

{لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59) قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (60) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (61) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (62) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (63) فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ (64) }

قوله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعز: (ما لكم من إلهٍ غيره... (59).
[معاني القراءات وعللها: 1/409]
قرأ الكسائي وحده (ما لكم من إلهٍ غيره) خفضا في كل القرآن، وقرأ الباقون (غيره) رفعا، واتفق حمزة والكسائي على خفض قوله: (هل من خالقٍ غير اللّه).
وقرأ الباقون بالرفع.
قال أبو منصور: من قرأ (غيره) بالخفض جعله نعتا للإله، ومن قرأ (غيره) جعله تابعا، لتأويل (من إلهٍ)؛ لأن فعناه: مالكم إلهٌ غيره. و(من) زائدة). [معاني القراءات وعللها: 1/410]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (إنّي أخاف عليكم... (59).
فتح (الياء) ابن كثير ونافع وأبو عمرو، وأسكنها الباقون). [معاني القراءات وعللها: 1/410]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (16- وقوله تعالى: {ما لكم من إله غيره} [59].
قرأ الكسائي وحده: {غيره} بالخفض جعله نعتًا لما تقدم.
والباقون يرفعون، وهو الاختيار؛ لأن غيرًا إذا كانت بمعنى «إلا» جعلت على إعراب ما بعد «إلا» وأنت قائل ما لكم من إله إلا الله بالرفع و{لو كان فيهما آلهة إلا الله} لو جعلت مكان «إلا» «غير» رفعته فقلت: لو كان فيهما آلهة غير الله. وهذا بين واضح.
وحجة أخرى لمن رفع أن يجعلها نعت «إله» قبل دخول «من» وهي زائدة، والتقدير: ما لكم إله غيره.
فإن قال قائل: لم اختار الذين رفعوا «غير» هاهنا الخفض في قوله تعالى: {وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير [بجناحيه إلا أمم أمثالكم]}.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/189]
فالجواب في ذلك: أن الكلام هاهنا نسق يصلح الوقف على ما قبله، والكلام هناك غير تام، على أن عيسى بن عمر وابن أبي إسحاق قد رفعا {ولا رطب ولا يابس} وأجاز الفراء رحمة الله عليه ما جاءني غيرك بالنصب وأنشد:
لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت = حمامة في غصون ذات أوقال
يقال: توقل في النخلة: إذا صعد فيها.
وقال البصريون: غلط الفراء رحمه الله؛ لأن «غير» هاهنا إنما فتحت لأنها بنيت مع «أن» فأما قوله: {هل من خالق غير الله} فقرأها حمزة والكسائي بالخفض، على النعت لـــ {خالق}.
وقرأ الباقون بالرفع على ما تقدم من التفسير). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/190]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الرفع والخفض في قوله تعالى: من إله غيره [الأعراف/ 59].
فقرأ الكسائي وحده ما لكم من إله غيره* خفضا، وقرأ الباقون: [ما لكم من إله غيره] رفعا في كلّ القرآن.
وقرأ حمزة والكسائيّ: هل من خالق غير الله [فاطر/ 3] خفضا.
[الحجة للقراء السبعة: 4/39]
وقرأ الباقون: غير الله رفعا.
وجه قراءة الكسائي في: ما لكم من إله غيره* بالجرّ أنّه جعل غيرا صفة لإله على اللفظ، وجعل لكم مستقرا، أو جعله غير مستقر، وأضمر الخبر، والخبر: ما لكم في الوجود أو العالم، ونحو ذلك، لا بدّ من هذا الإضمار، إذا لم يجعل لكم مستقرا لأنّ الصفة والموصوف، لا يستقلّ بهما كلام.
وحجة من قرأ ذلك رفعا ما لكم من إله غيره قوله: وما من إله إلا الله [آل عمران/ 62]، فكما أنّ قوله إلّا الله بدل من قوله: ما من إله كذلك قوله: غير الله يكون بدلا من قوله من إله وغيره يكون بمنزلة الاسم الذي بعد إلّا، وهذا الذي ذكرنا أولى أن يحمل عليه من أن يجعل غير صفة لإله على الموضع.
فإن قلت: ما تنكر أن يكون إلا الله صفة لقوله: من إله على الموضع. كما كان قوله: لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا [الأنبياء/ 22]. صفة لآلهة.
فالقول أنّ «إلّا» بكونها استثناء أعرف، وأكثر من كونها صفة، وإنّما جعلت صفة على التشبيه بغير؛ فإذا كان بالاستثناء أولى حملنا: هل من خالق غير الله على الاستثناء من المنفي
[الحجة للقراء السبعة: 4/40]
في المعنى، لأنّ قوله: هل من خالق غير الله بمنزلة: ما من خالق غير الله، ولا بدّ من إضمار الخبر، كأنّه: ما من خالق للعالم غير الله، ويؤكّد ذلك قوله: لا إله إلا الله [محمد/ 19] فهذا استثناء من منفي مثل: لا أحد في الدار إلّا زيد.
فأمّا قراءة حمزة والكسائيّ: هل من خالق غير الله فعلى أن جعلا غير* صفة للخالق، وأضمر الخبر كما تقدّم.
والباقون جعلوه استثناء بدلا من المنفي، وهو الأولى عندنا لما تقدّم من الاستشهاد عليه من قوله: وما من إله إلا الله [آل عمران/ 62] ). [الحجة للقراء السبعة: 4/41]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ما لكم من إله غيره}
قرأ الكسائي {ما لكم من إله غيره} بالخفض جعله صفة ل إله ولموافقة اللّفظ المعنى
وقرأ الباقون {ما لكم من إله غيره} بالرّفع أي ما لكم إله غيره ودخلت من مؤكدة وهو المختار على مذهب التّحقيق لأن غير إذا كانت بمعنى إلّا جعلت على إعراب ما بعد إلّا وأنت قائل ما لكم من إله إلّا الله ولو جعلت مكان إلّا غير رفعته والاستثناء بعد الجحد تحقيق). [حجة القراءات: 286]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (17- {مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [آية/ 59] بالجر:-
قرأها الكسائي وحده في كل القرآن.
والوجه أنه جعل غيرًا صفة لإله على اللفظ، وجعل {لَكُمْ} خبرًا، ويجوز أن يكون الخبر مضمرًا، والتقدير: ما لكم من إله غيره في الوجود.
وقرأ الباقون {مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} بالرفع في كل القرآن.
والوجه أنه بدل من قوله {مِنْ إِلَهٍ}؛ لأن موضعه رفع، والتقدير: ما لكم إله غيره، فإن {مِنْ} زائدة، فكما أن {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا الله} في قوله {مِنْ إِلَهٍ} بدل من قوله {مِنْ إِلَهٍ}، فكذلك ههنا {غَيْرُهُ} بدل من قوله {مِنْ
[الموضح: 534]
إِلَهٍ}، وهكذا الكلام في قوله تعالى {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ الله} ). [الموضح: 535]

قوله تعالى: {قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (60)}

قوله تعالى: {قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (61)}

قوله تعالى: {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (62)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (أبلّغكم رسالات ربّي... (62).
قرأ أبو عمرو وحده (أبلغكم) بسكون الباء خفيفة، وقرأ الباقون بفتح الباء وتشديد اللام.
قال أبو منصور: هما لغتان: أبلغت وبلّغت، مثل: أنجيت ونجّيت.
[معاني القراءات وعللها: 1/410]
وقوله جلّ وعزّ: (قال الملأ الّذين استكبروا من قومه للّذين استضعفوا لمن آمن... (75).
قرأ ابن عامر وحده: (وقال الملأ) بواو، وكذلك هي في مصاحفهم.
قال أبو منصور: الواو وحذفها لا يغير المعنى). [معاني القراءات وعللها: 1/411]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (17- وقوله تعالى: {أبلغكم رسالات} [62].
قرأ أبو عمرو وحده بالتخفيف من أبلغ يبلغ، واحتج بقوله: {لقد
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/190]
أبلغتكم رسالات ربي} [68] وبقول الشاعر:
أبلغ النعمان عني مالكا = أنه قد طال حبسي وانتظاري
ويقول الآخر:
ابلغ أبا مالك عني مغلغلة = وفي العتاب حياة بين أقوام
وقرأ الباقون: {أبلغكم} مشددة من بلغت أبلغ مثل كلمت أكلم، واحتجوا بقوله تعالى: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك} وبقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بلغوا عني ولو آية».
وقال قوم: بلغت وأبلعت بمعنى، والاختيار عندي: {بلغ ما أنزل إليك} إنما شدد للتكرير، أي: مرة بعد مرة أخرى، فإذا كان الإبلاغ رسالة واحدة قلت: أبلغ فلانًا عني، قال الشاعر:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/191]
بلغ بني حمران أنـــ = ـــى عن عداوتكم غني). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/192]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في تشديد اللّام وتخفيفها من قوله تعالى: أبلغكم [الأعراف/ 62].
فقرأ أبو عمرو وحده: أبلغكم* ساكنة الباء خفيفة اللّام مضمومة الغين في كلّ القرآن.
وقرأ الباقون: أبلغكم بفتح الباء وتشديد اللّام في كلّ القرآن.
القول: إنّ بلغ* فعل يتعدى إلى مفعول واحد في
[الحجة للقراء السبعة: 4/41]
نحو: بلغني خبرك، وبلغت أرضك جريبا.
فإذا نقلته تعدى إلى مفعولين. والنقل تارة يكون بالهمز وأخرى بتضعيف العين، وكلا الأمرين قد جاء به التنزيل، قال: فإن تولوا فقد أبلغتكم [هود/ 57].
فهذا. نقل بالهمزة، والنّقل بالتضعيف، يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالاته [المائدة/ 67]، فكلا الأمرين في التنزيل، وكلّ واحدة من اللغتين مثل الأخرى في مجيء التنزيل بهما،
وفي الحديث: «اللهم هل بلّغت»). [الحجة للقراء السبعة: 4/42]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({أبلغكم رسالات ربّي}
قرأ أبو عمرو {أبلغكم رسالات} بالتّخفيف من أبلغ يبلغ
[حجة القراءات: 286]
وحجته قوله {لقد أبلغتكم رسالات ربّي} فرد أبو عمرو ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه
وقرأ الباقون {أبلغكم} بالتّشديد وحجتهم قوله تبارك وتعالى {يا أيها الرّسول بلغ ما أنزل إليك من ربك} وقال {الّذين يبلغون رسالات الله} وهما لغتان مثل عظمت الأمر وأعظمته). [حجة القراءات: 287]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (18-{أُبَلِّغُكُمْ} [آية/ 62 و68] بسكون الباء وتخفيف اللام:-
قرأها أبو عمرو وحده في كل القرآن، وقرأ الباقون {أُبَلِّغُكُمْ} بفتح الباء وتشديد اللام حيث وقع.
والوجه أنهما بمعنى واحد؛ لأن النقل بالتضعيف مثل النقل بالهمزة كما سبق، وقد جاء التنزيل باللغتين في هذه الكلمة، قال الله تعالى {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ} وقال {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} ). [الموضح: 535] (م)

قوله تعالى: {أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (63)}

قوله تعالى: {فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ (64)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 08:22 AM

سورة الأعراف
[ من الآية (65) إلى الآية (72) ]

{وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (65) قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (66) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (67) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (68) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (70) قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (71) فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ (72)}

قوله تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (65)}
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (20- قوله: {من إله غيره} و{هل من خالق غير الله} «فاطر 3» قرأهما الكسائي بالخفض، حيث وقعا، ووافقه حمزة على الخفض في {خالق غير الله} وقرأ ذلك الباقون بالرفع.
وحجة من خفض أنه جعله صفة لـ «إله، وخالق» على اللفظ، وموضع «إله» و«خالق» موضع رفع على الابتداء، و«لكم» و«يرزقكم» الخبر، أو يضمر الخبر، كأنه قال: ما لكم من إله غير الله في الوجود.
21- وحجة من رفع أنه جعل «غير» بدلًا من «إله» ومن «خالق» على الموضع، ويجوز أن يكون «غير» صفة لـ «إله» ولـ «خالق» على الموضع، كقوله: {وما من إله إلا الله} «آل عمران 62» أي غير الله، والرفع أحب إلي، لأن الجماعة عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/467]

قوله تعالى: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (66)}

قوله تعالى: {قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (67)}

قوله تعالى: {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (68)}
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (18-{أُبَلِّغُكُمْ} [آية/ 62 و68] بسكون الباء وتخفيف اللام:-
قرأها أبو عمرو وحده في كل القرآن، وقرأ الباقون {أُبَلِّغُكُمْ} بفتح الباء وتشديد اللام حيث وقع.
والوجه أنهما بمعنى واحد؛ لأن النقل بالتضعيف مثل النقل بالهمزة كما سبق، وقد جاء التنزيل باللغتين في هذه الكلمة، قال الله تعالى {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ} وقال {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} ). [الموضح: 535] (م)

قوله تعالى: {أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69)}
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (22- قوله: {أبلغكم} قرأه أبو عمرو بالتخفيف حيث وقع، جعله من «أبلغت» الرسالة، كما قال: {فقد أبلغتكم ما أرسلت به} «هود 57» وهو إجماع، وقرأ الباقون بالتشديد من «بلغ» كما قال: {بلغ ما أنزل إليك} «المائدة 67» وهو إجماع، والتشديد أحب إلي لأن الجماعة عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/467]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (19- {وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً} [آية/ 69] بالسين:
قرأها ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة، والباقون {بَصْطَةً} بالصاد.
والأصل في هذه الكلمة هو السين، يقال بسطت الشيء، بالسين، فبسطة هو الأصل، وأما بصطة بالصاد، فإن الصاد فيه عوض من السين لمكان الطاء، فإن الصاد يقارب الطاء، والسين ليس كذلك، فلتقاربهما أعني الصاد
[الموضح: 535]
والطاء من حيث الإطباق اختاروا قلب السين صادًا مع الطاء). [الموضح: 536]

قوله تعالى: {قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (70)}

قوله تعالى: {قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (71)}

قوله تعالى: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ (72)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 08:25 AM

سورة الأعراف
[ من الآية (73) إلى الآية (79) ]

{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74) قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آَمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (76) فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (78) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (79)}

قوله تعالى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) }

قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74)}

قوله تعالى: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (19- وقوله تعالى في قصة صالح -: {قال الملأ} [75].
قرأ ابن عامر وحده {وقال} بزيادة واو، كذلك هي في مصاحفهم.
وقرأ الباقون بغير واو.
و«الملأ» - بالهمز -: الأشراف والرؤساء. قالت امرأة يوم بدر: إنما قتلتم عجائز صلعًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أولئك الملأ من قريش لو حضرت فعالهم لحقرت فعالك مع فعالهم» وجمع الملأ: أملاء. والملا بلا همز -
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/193]
المتسع من الأرض والصحراء من ذلك: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه أعرابي فقال: يا رسول الله: أأضرب الملا؟ فقال عليه السلام: آا»، تقول العرب: ضربت في الأرض: إذا سافرت، وضربت الأرض: تغوط فيها.
فكأنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: هل أبول في الصحراء إذا سافرت؟ هل على في ذلك من جناح؟ قال نعم كنى عنه أن افعل، وشبيه به إن شاء الله ما ذكره الأصمعي من الحذف والاجتزاء ببعض الكلمة أن أخوين كانا لا يتلاقيان في كل حول إلا مرة فيقول أحدهما لصاحبه: ألا تا، فيقول الآخر بلى: فا، يريد الأول: ألا ترحل، فيقول الآخر: بلى فأفعل قال الشاعر:
بالخير خيرات وإن شرًا فاأ
ولا أخاف الشر إلا أن تأا
وإنما همز، لأن القوافي على العين فجعل الهمزة بإزائها، وأولها:
إن شئت يا أسماء أشرفنا معاا
بالخير خيرات وإن شرفأا
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/194]
والملأ: الخلق [أيضا] مهموز، قال الشاعر:
تنادوا يآل بهتة يوم صدق = فقلنا أحسني ملأ جهينا
وخرج النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه وهم يتخاصمون فقال: «أحسنوا ملاءكم». وملاكم: على لفظ الواحد، أي: أخلاقكم وكتبوا في سورة (قد أفلح) {قال الملو} بواو والقراءة فيهما جميعًا بالهمز، وإنما أرى كتبوه بالواو؛ لأن الهمزة إذا كانت مضمومة وقبلها فتحة تصير في الوقف عند الإخفاء وتليينها كالواو، وفي الموضع الذي كتب لفظ الملأ به موصولاً مهموزًا فكتب هذا على
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/195]
الوقف وذلك على الوصل. كما كتبوا {شفعاو} و{ضعفاو} و{يابنوم} بالواو كل ذلك). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/196]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قرأ ابن عامر في الأعراف [75] في قصة صالح: وقال الملأ الذين استكبروا بإثبات الواو، وكذلك هي في مصاحفهم.
[الحجة للقراء السبعة: 4/51]
وقرأ الباقون بغير واو، وكذلك هي في مصاحفهم.
قد قلنا فيما تقدّم في نحو هذه الواو أنّ إثباتها حسن وحذفها حسن). [الحجة للقراء السبعة: 4/52]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قال الملأ الّذين استكبروا من قومه}
قرأ ابن عامر في قصّة صالح (وقال الملأ الّذين استكبروا من قومه) بزيادة واو كذلك في مصاحفهم
وقرأ الباقون بغير الواو فمن قرأ بالواو عطفه على ما قبله ومن قرأ بغير الواو ابتدأ بغير عطف). [حجة القراءات: 287]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (23- قوله: {قال الملأ} في قصة صالح، قرأه ابن عامر بزيادة واو قبل القاف، وقرأ الباقون بغير واو، والقول في هذه الواو كالقول في: {وما كنا لنهتدي} «الأعراف 43»). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/467]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (20- {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا} [آية/ 75] بزيادة واو في قصة صالح:
قرأها ابن عامر وحده، وقرأ الباقون {قَالَ الْمَلَأُ} بغير واو، وقد مضى الكلام في مثله). [الموضح: 536]

قوله تعالى: {قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آَمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (76)}

قوله تعالى: {فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77)}

قوله تعالى: {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (78)}

قوله تعالى: {فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (79)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 08:27 AM

سورة الأعراف
[ من الآية (80) إلى الآية (84) ]

{ وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81) وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (82) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (83) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (84)}

قوله تعالى: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (80)}

قوله تعالى: {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (أتأتون الفاحشة... (80) أئنّكم... (81) ونظائره.
قرأ ابن كثير وعاصم وأبو عمرو وحمزة بالجمع بين الاستفهامين في كل القرآن، إلا أن ابن كثير يترك الاستفهام الأول في العنكبوت فقط، وخالف حفص أبا بكر في موضعين: فقرأ ها هنا (إنّكم لتأتون الرّجال) بغير استفهام، ومثله في العنكبوت (إنّكم لتأتون الفاحشة) في الأول على لفظ الخبر، واتفقا في سائر الاستفهام.
وكذلك كان نافع والكسائي ويعقوب يكتفون بالاستفهام الأول من الثاني، فيقرأون (أإذا كنّا ترابًا أإنّا لفي خلقٍ جديدٍ) على لفظ الخبر في كل القرآن في مثل هذا أو نحوه إذا أتى استفهامان يتصلان، إلا مواضع
[معاني القراءات وعللها: 1/411]
فإنهم افترقوا فيها.
فجمع الكسائي بين الاستفهامين في قصة لوط هنا، وفي العنكبوت، وقرأ في النمل (أإذا كنّا ترابًا) مستفهمًا (إنّنا لمخرجون) بنونين، ومضى في سائر القرآن على ترك الثاني.
واستمر نافع على أصله في كل القرآن، إلا في النمل والعنكبوت فقرأ في النمل (إذا كنّا ترابًا) على الخبر (أئنّا لمخرجون)، وكذلك في العنكبوت، قرأ (إنّكم لتأتون الفاحشة) على لفظ الخبر، (أئنّكم لتأتون الرّجال) فاستفهم بالثاني وترك الأول في هذين الموضعين.
وقرأ يعقوب بالجمع بين الاستفهامين في قصة لوط هنا، وفي النمل في قوله: (أإذا كنّا ترابًا وآباؤنا أئنّا لمخرجون).
وقرأ في العنكبوت بترك الاستفهام الأول (إنّكم لتأتون الفاحشة)، واستفهم قوله (أئنّكم لتأتون الرّجال).
وكان ابن عامر يكتفي بالاستفهام الثاني من الأول في كل القرآن إلا في ثلاثة مواضع خلاف أصله فيها: فقرأ في النمل مثل الكسائي سواء، وقرأ في الواقعة بالجمع بين الاستفهامين جميعا قوله (أئذا متنا وكنّا ترابًا وعظامًا أإنّا لمبعوثون)، لم يجمع بين الاستفهامين إلا هنا، وقرأ في النازعات مثل نافع، استفهم الأول وترك الثاني.
[معاني القراءات وعللها: 1/412]
وكل القراء متفقون على الاستفهام في قوله في النمل (أئنّكم لتأتون الرّجال)، وذلك أنها مكتوبة في المصحف (أينّكم) بياء ونون قبل الكاف، واختلفت مذاهبهم في الهمز، فكان ابن كثير والحضرمي يقرآن (أيذا) (أينّكم)، (أينّا لمردودون) (أين ذكّرتم) بهمزة مقصورة بعدها ياء ساكنة في كل القرآن من هذا الجنس.
وكان نافع وأبو عمرو يقرآن (ءايذا) (ءاينكم) بهمزة مطولة بعدها ياء ساكنة.
والباقون يحققون الهمزتين (أئذا) (أئنّكم (أئنا) في كل هذا الباب، وهم ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي.
قال أبو منصور: وقد ذكرنا اختلاف القراء في هذه الحروف من الجمع بين الاستفهامين، ومن ترك أحدهما، وما افترقوا فيه من تطويل الهمزة وتخفيفها، وهي لغات كلها جائزة، وكل ما قرئ به فهو معروف، ومعانيها متفقة، ولا اختلاف في جوازها). [معاني القراءات وعللها: 1/413]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (18- وقوله تعالى: {إنكم لتأتون الرجال} [81].
اختلف القراء في الجمع بين الاستفهامين. فكان نافع والكسائي يخبران بالأول عن الثاني فلا يستفهمان بهما معًا.
وحجتهما قوله: {أفإن مت فهم الخالدون} ولم يقل أفهم؟ وقوله: {أفإن مات أو قتل انقلبتم} على أن الكسائي خالف نافعًا في (النمل) فقرأ {إننا لمخرجون} بنونين فاستفهم في قصة لوط بهما واستفهم نافع في (العنكبوت) بالثاني دون الأول؛ لأن ابن عامر شبه جمع الاستفهامين بالاستفهام وجوابه، كقولك: أقام زيد أم عمرو، والعرب تخزل ألف الاستفهام وتبقى «أم» كثيرًا، قال امرؤ القيس:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/192]
تروح من الحي أم تبتكر = وماذا يضرك لو تنتظر
وقال الأخطل:
كذبتك عينك أم رأيت بواسط = ملث الظلام من الرباب خيالا
وقرأ الباقون بالجمع على الاستفهامين على أصل الكلمة). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/193]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في الاستفهامين يجتمعان، فاستفهم فيها بعضهم، واكتفى بعضهم بالأول من الثاني.
فممن استفهم بهما جميعا عبد الله بن كثير، وأبو عمرو، وعاصم في رواية أبي بكر، وحمزة كانوا يقرءون: ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة... أئنكم لتأتون الرجال
[الحجة للقراء السبعة: 4/42]
[الأعراف/ 80، 81]، أإذا كنا ترابا [الرعد/ 5]، وما كان مثله في كلّ القرآن باستفهام.
وروى حفص عن عاصم: إنكم في الأعراف. مثل نافع، وكذلك في العنكبوت [28 - 29] غير أنّهم اختلفوا في الهمز.
وقرأ عاصم بهمزتين، وكذلك حمزة، ولم يهمز ابن كثير، وأبو عمرو إلّا واحدة.
وممّن اكتفى بالاستفهام الأول من الثاني: نافع والكسائيّ؛ فكانا يقرءان: أءذا كنا ترابا إنا لفي خلق جديد [الرعد/ 5]، أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما إنا لمبعوثون [الصافات/ 16]، وما كان مثله في القرآن كلّه، إلّا أن الكسائيّ همز همزتين ونافع لم يهمز إلّا واحدة.
وخالف نافع الكسائي في قصة لوط، فكان نافع يمضي على ما أصّل، وكان الكسائيّ يقرأ بالاستفهامين جميعا في قصة لوط، ثم اختلفا في العنكبوت: أئنكم لتأتون الرجال [الآية/ 29]؛ فكان نافع يستفهم بالثاني ولا يستفهم بالأول، وكان الكسائيّ يستفهم بهما جميعا.
اختلفوا في سورة النمل في قوله: وقال الذين كفروا
[الحجة للقراء السبعة: 4/43]
أئذا كنا ترابا وآباؤنا أئنا [67] باستفهام.
فقرأ الكسائيّ أإذا كنا ترابا بهمزتين. وو آباؤنا إننا بنونين من غير استفهام.
وقرأ ابن عامر ضد قراءة نافع والكسائي في عامّة ذلك، فكان لا يستفهم بالأول ويستفهم بالثاني، وهمز همزتين في كلّ القرآن إلّا في حرفين؛ فإنه خالف فيهما هذا الأصل؛ فقرأ في الواقعة: أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا [الآية/ 47]، جمع بين الاستفهامين. وفي النازعات: أئنا لمردودون في الحافرة [الآية/ 10] بالاستفهام، إذا كنا عظاما* [الآية/ 11] بغير استفهام، وقرأ في النمل غير ذلك:
وقال الذين كفروا أئذا كنا ترابا وآباؤنا إننا لمخرجون [الآية/ 67] كقراءة الكسائي، ومضى في العنكبوت على الأصل الذي أصّل من ترك الاستفهام في الأول.
قوله: أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها [الأعراف/ 80] إنكم لتأتون الرجال [الأعراف/ 81]. كل واحد من الاستفهامين كلام مستقل لا حاجة بواحد من الكلامين إلى الآخر فيما يستقل به.
[الحجة للقراء السبعة: 4/44]
فلو قال: إنّ قوله: إنكم لتأتون الرجال تقرير؛ فهو بمنزلة الإخبار، وإن كان على لفظ الاستفهام وإذا كان كذلك جعلت: أئنكم لتأتون الرجال تفسيرا للفاحشة، كما أن قوله: للذكر مثل حظ الأنثيين [النساء/ 176] تفسير للوصية؛ لكان قولا.
فأمّا قوله: أئذا كنا ترابا وآباؤنا إننا [النمل/ 67] فليس مثل قوله: أتأتون الفاحشة [الأعراف/ 80] أئنكم لتأتون الرجال [الأعراف/ 81]، لأنّ الاستفهامين هنا قد استثقلا وليس كذلك قوله: أئذا كنا ترابا وآباؤنا أئنا، ألا ترى أنّ قوله: إذا* في قوله: إذا كنا ترابا، ظرف من الزمان يقتضي أن يكون متعلقا بشيء، وليس في الكلام ما يتعلق به.
فإن قلت: فلم لا يتعلق إذا* بقوله: كنا*؟ قيل: لا يجوز ذلك، لأنّ كنّا مضاف إليه، ألا ترى أنّ إذا مضاف إلى كنّا، والمضاف والمضاف إليه لا يكون منهما كلام مستقل، كما لا يكون من الصفة والموصوف.
فإن قلت: فاجعل الفعل في موضع جزم بإذا لتكون إذا معمولة. فإنّ ذلك لم يجيء في الكلام، إنّما يجيء في الشعر،
[الحجة للقراء السبعة: 4/45]
فإذا كان كذلك، فلا بدّ من تعليق إذا بشيء يكون معمولا، ويستقلّ به الكلام، وذلك نبعث أو نحشر، التقدير: أنبعث إذا كنا ترابا. فحذف نبعث في اللفظ لدلالة: أئنا لمبعوثون عليه- ولا يجوز أن يتعلق إذا في قوله: أإذا كنا ترابا بقوله:
مبعوثون لأنّ ما قبل الاستفهام لا يعمل فيه ما بعد الاستفهام، ولكن يتعلق بالمضمر الذي ذكرنا.
ومثل ذلك قوله: يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين [الفرقان/ 22]، فقوله: يوم يرون الملائكة متعلق بما دلّ عليه هذا الكلام من قوله: يحزنون، ولا يتعلق بشيء مما بعد لا* من قوله: لا بشرى يومئذ للمجرمين.
قال: روى حفص عن عاصم إنكم* في الأعراف مثل نافع؛ وكذلك في العنكبوت، غير أنّهم اختلفوا في الهمز.
فقرأ عاصم بهمزتين، وكذلك حمزة، ولم يهمز ابن كثير، وأبو عمرو، إلّا واحدة، يريد أحمد بن موسى بقوله: إلّا واحدة، أنهم خففوا إحدى الهمزتين، ولم يحقّقوهما كما حقّقهما عاصم وحمزة.
قال: وممّن اكتفى بالاستفهام الأول من الثاني نافع
[الحجة للقراء السبعة: 4/46]
والكسائيّ، وكانا يقرءان: أئذا كنا ترابا، إنا لفي خلق جديد [الرعد/ 5] أءذا متنا وكنا ترابا.. إنا لمبعوثون [الواقعة/ 47] وما كان مثله في القرآن كلّه، إلّا أنّ الكسائيّ همز همزتين ونافع لم يهمز إلّا واحدة.
يريد أحمد بقوله: إلّا أنّ الكسائيّ همز همزتين، أنّه حقّقهما كما يحقّقهما عاصم وحمزة، وخفّف نافع إحداهما.
والقول في قوله: أءذا كنا ترابا، إنا لفي خلق جديد:
أنّ إذا متعلق بفعل مضمر يدلّ عليه قوله: إنا لفي خلق جديد* تقديره: أإذا كنّا ترابا نبعث أو نحشر أو نعاد، لأنّ قوله:
إنا لفي خلق جديد*، يدلّ على هذا الضرب من الفعل، ولا يجوز أن يتعلق إذا بجديد؛ لأنّ ما بعد إن لا تعمل فيما قبلها، كما أنّ ما بعد لام الابتداء، لا يعمل فيما قبلها، وكذلك القول في قوله: أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما إنا لمبعوثون [المؤمنون/ 82].
قال أحمد: وخالف نافعا الكسائيّ في قصة لوط، فكان نافع يمضي على ما أصّل، وكان الكسائيّ يقرأ بالاستفهامين جميعا في قصة لوط: وقد تقدم ذكر ذلك.
قال أحمد: واختلفا في قوله في العنكبوت: أئنكم
[الحجة للقراء السبعة: 4/47]
لتأتون الرجال، فكان نافع يستفهم بالثاني ولا يستفهم بالأول، وكان الكسائيّ يستفهم بهما جميعا.
كل واحد من الاستفهامين جملة مستقلة لا تحتاج في تمامها إلى شيء، فمن ألحق حرف الاستفهام جملة نقلها به من الخبر إلى الاستخبار، ومن لم يلحقها بقّاها على الخبر.
واختلفا في سورة النمل في قوله: وقال الذين كفروا أئذا كنا ترابا وآباؤنا أئنا [الآية/ 67].
فقرأ نافع وقال الذين كفروا إئذا كنا ترابا وآباؤنا أئنا باستفهام.
وقرأ الكسائيّ: أئذا كنا ترابا بهمزتين، وآباؤنا إننا بنونين من غير استفهام.
وجه قراءة نافع: إذا كنا ترابا وآباؤنا أئنا أن إذا* لا بدّ من أن يحمل على فعل، يدلك على ذلك أنّه لا يخلو من أن يترك الكلام على ظاهره؛ فلا يضمر شيء، أو يضمر الفعل؛ ليحمل إذا عليه، فلا يجوز إن ترك على ظاهره، لأنّ ما بعد الاستفهام. لا يعمل فيما قبله، وكذلك ما بعد إن لا يعمل فيما قبلها، وقد اجتمع الأمران في قوله: إذا كنا ترابا أئنا.
فإذا لم يجز حمل إذا على شيء من هذا الكلام ظاهر،
[الحجة للقراء السبعة: 4/48]
فلا بدّ من إضمار الفعل وتقدير ذلك الفعل: أنبعث أو نحشر، أو نخرج، ودلّك قوله: إنا لمبعوثون* على ذلك، وكذلك قراءة الكسائي: أإذا كنا ترابا، وآباؤنا بهمزتين أيضا، وينبغي أن يقدر فعل في الكلام، يتعلق إذا به، يدلّ على ذلك أنّ إذا لا يجوز تعلّقها بشيء قبلها، لأنّ ما في حيّز الاستفهام ينقطع مما قبله، فلا يتعلق به، ولا يجوز أن يتعلق [ما بعد إنّ من قوله]: إنّنا، لأنّ إنّ لا يعمل ما بعدها فيما قبلها، كما أنّ الاستفهام، ولام الابتداء، كذلك. ومثلهما في هذا لا* النافية التي تبنى مع المفرد المنكور على الفتح، نحو: لا رجل؛ فإذا لم يجز تعلّقها بما قبلها، ولا بما بعدها فلا بدّ من فعل مضمر يتعلق به إذا، وهو الفعل الذي تقدّم ذكره، ولا يجوز تعلّق إذا بالفعل الذي بعدها، لأنّها مضافة إليه، ولو جاز ذلك لجاز:
القتال زيدا حين يأتي، يريد: القتال حين يأتي زيدا.
وأمّا قراءته: إننا* بنونين؛ فلأنّه جاء به على الأصل، ومن قرأ: إنا* حذف من النونات واحدة كراهة اجتماع الأمثال والمحذوفة، وهي الوسطى، لأن علامة الضمير لا تحذف.
فإن قلت: إن التكرير إنّما وقع بالتي هي علامة الضمير، فهي لذلك أولى بالحذف. قيل: إنه* وإن كان كذلك لم يحذف، لأنّها لم تحذف في موضع، ونظير ذلك في أن الحذف وقع في غير الآخر قولهم: في تحقير ذا* ذيّا حذف
[الحجة للقراء السبعة: 4/49]
الأول من الأمثال، وكان أصله: ذييّا، فلم تحذف الياء للتحقير، ولم تحذف التي هي لام لما كان يلزم من تحريك ياء التحقير، وهي لم تحرّك في موضع.
قال: وقرأ ابن عامر ضدّ قراءة نافع والكسائي في عامة ذلك، فكان لا يستفهم بالأول ويستفهم بالثاني، ويهمز همزتين في كلّ القرآن إلّا في حرفين.
[قال أبو علي]: إلحاق حرف الاستفهام الأول نحو:
أءذا كنا ترابا... إنا لمبعوثون أحسن لأمرين:
أحدهما: أنّ قوله: لمبعوثون*، لمّا كان يدلّ على يبعث ونحوه مما يتعلق إذا* به صار كجزء من الكلام الذي دخل عليه حرف الاستفهام.
والآخر: أنّ الكلام الأول إذا دخل عليه الاستفهام قد ذكر حرفه، وأريد في الكلام الثاني كان أحسن لأنّه على الاستفهام أدلّ.
ووجه قول ابن عامر: أنّ الدلالة مما تذكر بعد قد يكون كالدّلالة فيما يذكر قبل، ألا ترى أنّ من قرأ: ولا تحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم [آل عمران/ 180] إنما يريد: لا تحسبنّ بخل الذين يبخلون؛
[الحجة للقراء السبعة: 4/50]
فأضمر البخل لدلالة ما يجيء من بعد عليه في قوله: يبخلون فكذلك الاستفهام إذا ذكر حرفه بعد، يدل على إرادته فيما تقدمه.
ووجه قراءة ابن عامر في الواقعة: أإذا متنا وكنا ترابا أئنا [الآية/ 47]. فعلق إذا* بالمضمر على ما تقدّم، وقراءته في النازعات: أئنا لمردودون في الحافرة. إذا كنا [الآية/ 10 - 11] فإنّ قوله إذا* إذا لم يدخل عليه حرف الاستفهام، جاز تعلقه بقوله: مردودون، وإذا ألحق إذا حرف الاستفهام، لم يكن بدّ من إضمار فعل.
قال: وقرأ في النمل غير ذلك: وقال الذين كفروا أئذا كنا ترابا وآباؤنا إننا لمخرجون [الآية/ 67]، كقراءة الكسائي، ومضى في العنكبوت على ما أصّل من ترك الاستفهام في الأول.
قوله: إذا كنا ترابا* ينبغي أن يتعلق بمضمر على نحو ما تقدّم به القول في نحوه). [الحجة للقراء السبعة: 4/51]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({إنّكم لتأتون الرّجال}
قرأ نافع وحفص {إنّكم لتأتون الرّجال} بكسر الألف على الخبر
وقرا ابو عمرو (ءاينكم) بهمز ثمّ بمد بعد الهمز أصل الكلمة إنّكم ثمّ دخلت همزة الاستفهام وصار أئنكم فاستثقل الجمع بين الهمزتين فأدخل بينهما ألفا ليبعد المثل عن المثل ويزول الاجتماع فيخف اللّفظ فصار ءائنكم ثمّ لين الثّانية فصار ءاينكم وحجته أن العرب تستثقل الهمزة الواحدة فتخففها في أخف أحوالها وهي ساكنة نحو كأس وبأس وتقلّبها ألفا فإذا كانت تخففها وهي وحدها فأن تخففها ومعها مثلها أولى
[حجة القراءات: 287]
وقرأ ابن كثير (أينكم) بهمزة واحدة غير مطوّلة وهو أن تحقق الأولى وتخفف الثّانية والثّانية إذا خففت جعلت بين الهمزة وبين الحرف الّذي عنه حركة الهمزة وهو ها هنا همزة مكسورة والأصل إنّكم ثمّ دخلت همزة الاستفهام فصار أئنكم ثمّ لين الثّانية فصار أينكم
قرأ ابن عامر في رواية هشام (ءائنكم) بهمزتين بينهما مدّة وهو أن تزاد الألف بين الهمزتين ليبعد المثل عن المثل فيخف اللّفظ بالهمزتين مع الحائل بينهما وهو المدّة
وقرأ ابن عامر وأهل الكوفة {أئنكم} بهمزتين وحجتهم أن الهمزة حرف من حروف المعجم كغيره من سائر الحروف جاز الجمع بينهما من غير تغيير كقوله {أتمدونن بمال} و{لعلّكم تتفكرون} فجعلوا الهمزتين كغيرهما من سائر الحروف فافهم ذلك وقس وابن على هذا جميع ما يأتي في القرآن من هذا النّوع من اختلاف القرّاء على ما بيّنت لك). [حجة القراءات: 288]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (24- قوله: {إنكم لتأتون} قرأ نافع وحفص على الخبر، بهمزة واحدة مكسورة، وقرأ الباقون بهمزتين على لفظ الاستفهام، الذي في معناه التوبيخ، غير أن ابن كثير يسهل الثانية بين الهمزة والياء، وأبا عمرو يفعل كذلك، ويدخل بين الهمزتين ألفًا فيمد، وهشامًا يدخل بين الهمزتين ألفًا مع تخفيفهما.
وحجة من قرأه على الخبر أنه جعل {إنكم لتأتون} تفسيرًا للفاحشة المذكورة، فلم يحسن إدخال ألف الاستفهام عليه، لأنها تقطع ما بعدها مما قبلها.
25- وحجة من قرأ بالاستفهام أنه لما رأى {أتأتون الفاحشة} وما بعده كلامًا تامًا ابتدأ بالجملة الثانية بالاستفهام، لتأكيد التوبيخ لهم والتقرير، فبنى الجملتين على كلامين، كل واحد قائم بنفسه في معناه، فذلك أصح وأبين وهو الاختيار). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/468]

قوله تعالى: {وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (82)}

قوله تعالى: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (83)}

قوله تعالى: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (84)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 08:29 AM

سورة الأعراف
[ من الآية (85) إلى الآية (93) ]

{وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (85) وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (86) وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آَمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (87) قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (88) قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (89) وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (90) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (91) الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ (92) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آَسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ (93)}

قوله تعالى: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (85)}

قوله تعالى: {وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (86)}

قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آَمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (87)}

قوله تعالى: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (88)}

قوله تعالى: {قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (89)}

قوله تعالى: {وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (90)}

قوله تعالى: {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (91)}

قوله تعالى: {الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ (92)}

قوله تعالى: {فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آَسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ (93)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 08:33 AM

سورة الأعراف
[ من الآية (94) إلى الآية (99) ]

{ وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ 94) ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آَبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (95) وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99)}

قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ 94)}

قوله تعالى: {ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آَبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (95)}

قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (21- وقوله تعالى: {لفتحنا عليهم بركات من السماء} [96].
قرأ ابن عامر وحده: {لفتحنا} أي: مرة بعد أخرى.
والباقون يخففون). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/196]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (كلّهم قرأ لفتحنا عليهم [الأعراف/ 96] خفيفة غير ابن عامر، فإنّه قرأ لفتحنا عليهم مشددة التاء.
قد تقدّم القول في هذا). [الحجة للقراء السبعة: 4/52]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({لفتحنا عليهم بركات من السّماء والأرض}
قرأ ابن عامر {لفتحنا} بالتّشديد أي مرّة بعد مرّة وحجته قوله {بركات من السّماء} ولم يقل بركة
وقرأ الباقون بالتّخفيف أرادوا الواحد). [حجة القراءات: 288]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (21- {لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ} [آية/ 96] بتشديد التاء:
قرأها ابن عامر وحده.
والوجه أن التشديد للتكثير، فالذي أسند إليه الفعل جمع.
وقرأ الباقون {فَتَحْنَا} بالتخفيف؛ لأن التخفيف قد يؤدي معنى التثقيل، فالفعل وإن خفف يدل على الجنسية والكثرة، لكن التثقيل يختص الكثرة، وقد مضى مثله في مواضع). [الموضح: 540]

قوله تعالى: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (97)}

قوله تعالى: {أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (أوأمن أهل القرى... (98)، (أوآباؤنا).
قرأ ابن كثير (أو أمن، (أو آباؤنا) بسكون الواو هنا.
وقرأ نافع وابن عامر (أو أمن)، (أو آباؤنا) في الصافات (أو آباؤنا) في الواقعة.
[معاني القراءات وعللها: 1/413]
وقرأ محمد بن الحسن عن أبي ربيعة عن البزي عن ابن كثير الثلاثة المواضع مثل نافع، والباقون يفتحون الواو فيهن.
قال أبو منصور: من فتح الواو في هذه الحروف هي واو عطف، ادخلت عليها ألف الاستفهام كما تدخل على الفاء من قوله (أفعجبتم) (أوعجبتم)، ومن سكن الواو فهي (أو)، وكذلك سكنه، و(أو) من حروف العطف للشك، تقول: ضربت زيدًا أو عمرًا، ومرّ بي زيد أو عمرو، وقد يكون (أو) بمعنى (بل)، ويكون (أو) بمعنى الواو، ويجيء بمعنى (بل) ). [معاني القراءات وعللها: 1/414]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (20- وقوله تعالى: {أو أمن أهل القرى} [98].
قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر بإسكان الواو جعلوه نسقًا: كقولك: لقيت زيدًا أو عمرًا.
وقرأ الباقون: {أو أمن} بفتح الواو جعلها واوًا وأدخلت عليها ألف الاستفهام. وهو الاختيار؛ لأنه مثل قوله: {أفأمنتم}.
وقرأ نافع وابن عامر في (الصافات) و(الواقعة) ساكنة أيضًا. وفارقهم ابن كثير في هذين). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/196]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح الواو وإسكانها من قوله تعالى: أوأمن [الأعراف/ 98].
فقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر: أو أمن بإسكان الواو.
وروى ورش عن نافع أو امن يفتح ويدع الهمزة، ويلقي حركتها على الواو.
وقرأ عاصم وأبو عمرو وحمزة والكسائي: أو أمن بتحريك الواو، غير أن ابن كثير كان ينصب الواو في الصافات [17] والواقعة [48].
وكان نافع وابن عامر يقفانها في الثلاثة المواضع.
[الحجة للقراء السبعة: 4/52]
[قال أبو علي]: أو: حرف استعمل على ضربين:
أحدهما: أن يكون بمعنى أحد الشيئين أو الأشياء في الخبر والاستفهام.
والآخر: أن يكون للإضراب عمّا قبلها في الخبر والاستفهام، كما أنّ «أم» المنقطعة في الاستفهام، والخبر كذلك.
فأمّا «أو» التي تكون لأحد الشيئين أو الأشياء، فمثاله في الخبر: زيد أو عمرو جاء، وزيد أو عمرو ضربته كما تقول:
أحدهما جاء، وأحدهما ضربته، وهي إذا كانت للإباحة، كذلك أيضا، وذلك قولك: جالس الحسن أو ابن سيرين، ويدلّك على أنّها ليست بمعنى الواو أنّه إذا جالس أحدهما؛ فقد ائتمر للأمر، ولم يخالفه، وإنّما جاز له الجمع بين مجالستهما من حيث كان كلّ واحد منهما مجالسته بمعنى مجالسة الآخر، ليس من حيث كانت «أو» بمعنى الواو، وقول الشاعر:
وكان سيّان أن لا يسرحوا نعما... أو يسرحوه بها واغبرّت
السّوح إنّما حسن له استعمال أو، مع أنّه لا يجوز: سيّان
[الحجة للقراء السبعة: 4/53]
أحدهما؛ أنّه رأى نحو: جالس الحسن أو ابن سيرين؛ فيجوز له أن يجمع بين مجالستهما.
وأمّا «أو» التي تجيء للإضراب بعد الخبر والاستفهام، فكقولك: أنا أخرج، ثم تقول: أو أقيم، أضرب عن الخروج وأثبت الإقامة، كأنّك قلت: لا بل أقيم، كما أنّك في قولك: «إنّها لإبل أم شاء» مضرب عن الأول، ولا تقع بعد أو هذه إلّا جملة، كما لا تقع بعد «أم» إذا كانت للإضراب إلّا جملة.
ومن ثمّ قال سيبويه: في قوله: ولا تطع منهم آثما أو كفورا [الإنسان/ 24]، إنّك لو قلت: أو لا تطع كفورا، انقلب المعنى، وإنّما كان ينقلب المعنى لأنّه إذا قال: لا تطع آثما أو كفورا، فكأنّه قال: لا تطع هذا الضّرب، ولا تطع هؤلاء، وإنّما لزمه أن لا يطيع أحدا منهما، لأنّ كلّ واحد منهما في معنى الآخر في وجوب ترك الطاعة له، كما جاز له أن يجمع بين مجالسة الحسن وابن سيرين، لأنّ كلّ واحد منهما أهل للمجالسة، ومجالسة كلّ واحد منهما كمجالسة الآخر، ولو قال: لا تطع آثما أو لا تطع كفورا، كان بقوله: أو لا تطع، قد
[الحجة للقراء السبعة: 4/54]
أضرب عن ترك طاعة الأوّل، فكان يجوز أن يطيعه، وفي جواز ذلك انقلاب المعنى.
فوجه قراءة من قرأ: أو أمن، أنّه جعل أو للإضراب لا على أنّه أبطل الأوّل، ولكن كقوله: الم، تنزيل الكتاب لا ريب فيه [السجدة/ 1 - 2]، ثم قال: أم يقولون افتراه [السجدة/ 3]، فجاء هذا ليبصّروا ضلالتهم، فكأنّ المعنى:
أأمنوا هذه الضروب من معاقبتهم، والأخذ لهم، وإن شئت جعلته أو التي في قولك: ضربت زيدا أو عمرا، كأنّك أردت:
أفأمنوا إحدى هذه العقوبات؟
ووجه قراءة من قرأ: أوأمن أهل القرى [الأعراف/ 98] أنّه أدخل همزة الاستفهام على حرف العطف، كما دخل في نحو قوله: أثم إذا ما وقع [يونس/ 51].
وقوله: أوكلما عاهدوا عهدا [البقرة/ 100].
ومن حجة من قرأ ذلك: أنّه أشبه بما قبله وما بعده، ألا ترى أنّ قبله: أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا وبعده أفأمنوا مكر الله [الأعراف/ 99] أولم يهد للذين يرثون الأرض [الأعراف/ 100]، فكما أنّ هذه الأشياء، حروف عطف دخل عليها حرف الاستفهام، كذلك يكون قوله: أوأمن). [الحجة للقراء السبعة: 4/55]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({أو أمن أهل القرى}
[حجة القراءات: 288]
قرأ نافع وابن كثير وابن عامر {أو أمن أهل القرى} بإسكان الواو جعلوه نسقا في الاستفهام كما تقول أقمت أو قعدت
وقرأ الباقون {أو أمن} بفتح الواو جعلوا واو عطف دخلت عليها ألف الاستفهام وهو المختار لأنّه مثل قوله قبلها {أفأمن أهل القرى} ). [حجة القراءات: 289]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (26- قوله: {أو أمن أهل القرى} قرأ الحرميان وابن عامر بإسكان الواو من «أو» غير أن ورشًا يُلقي حركة الهمزة من «أمن» على الواو من «أو» على أصله، وقرأ الباقون بفتح الواو، وبهمزة بعدها.
وحجة من أسكن الواو أنه جعلها «أو» التي للعطف، على معنى الإباحة، مثل: {ولا تطع منهم آثمًا أو كفورًا} «الإنسان 24» أي: لا تطع هذا الجنس، ومثل قولك: جالس الحسن أو ابن سيرين، أي: جالس هذا الصنف، فالمعنى: أفأمنوا هذه الضور من العقوبات، أي: إن أمنتم ضربًا منها لم تأمنوا الضرب الآخر، ويجوز أن تكون «أو» لأحد الشيئين، كقولك:
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/468]
ضربت زيدًا أو عمرًا، أي: ضربت أحدهما، ولم ترد أن تبين المضروب منهما وأنت عالم به من هو منهما، وليست هو «أو» التي للشك في هذا، إنما هي «أو» التي لأحد الشيئين غير معين، فيكون التقدير في الآية: أفأمنوا إحدى هذه العقوبات.
27- وحجة من فتح الواو وهمز «أمن» أنه جعلها واو العطف، دخلت عليها ألف الاستفهام، كما تدخل على «ثم» في نحو قوله: {أثم إذا ما وقع} «يونس 51» ومثله: {أو كلما} «البقرة 100» ويقوي ذلك أن الحرف الذي قبله، والذي بعده، وهو الفاء دخلت عليه ألف الاستفهام، وكذلك: {أولم يهد} «الأعراف 100» فحمل وسط الكلام على ما قبله وما بعده، للمشاكلة والمطابقة في اتفاق اللفظ، في دخول الألف عليه كله، وهو الاختيار، لأن عليه الجماعة، وقد تقدم ذكر «الريح» و«بسطة»، و«إن لنا» و{أئنكم لتأتون} و«تعقلون» و{أرثتموها} و{يلهث ذلك} وشبهه، فأغنانا ذلك عن التكرير له). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/469]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (22- {أَوْ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى} [آية/ 98] بسكون الواو من «أو»:-
قرأها ابن كثير في هذا وحده، وقرأها نافع وابن عامر في هذا وفي الصافات والواقعة {أَوَ آبَاؤُنَا}.
وهذا هو أو الذي معناه الإضراب عن الأول، لا على معنى إبطال الأول، فإن أو على ضربين:
أحدهما: أن يكون لأحد الشيئين أو الأشياء في الخبر والاستفهام، كقولك في الخبر: زيد أو عمرو جاءني، وفي الاستفهام: أزيد أو عمرو في الدار؟
والثاني: أن يكون للإضراب عما قبله في الخبر والاستفهام، كأم المنقطعة في الخبر والاستفهام، فمثاله في الخبر: أنا أقوم، ثم تقول: أو أقعد، أضربت عن القيام وأثبت القعود، كأنك قلت: لا بل أقعد، كما في أم المنقطعة، كذلك إذا قلت: إنها لإبل أم شاء، كأنك قلت بل أهي شاء؟ ومثاله في الاستفهام: أضربت زيدًا أو شتمته، كأنك تركت السؤال عن ضربه واستأنفت السؤال عن شتمه، والتقدير: أضربت زيدًا بل أشتمته؟ فكلاهما استفهام.
فأو في هذه القراءة هو الذي للإضراب عن الأول واستئناف الثاني، كأنه قال أأمنوا هذه الضروب عن عقوباتهم.
وقرأ الباقون {أَوْ أَمِنَ} بفتح الواو.
والوجه أن همزة الاستفهام دخلت على واو العطف، وهو أشبه بما قبله وما
[الموضح: 541]
بعده، فإن ما قبله قوله تعالى {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا}، وما بعده قوله تعالى {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ الله}، فكما دخلت همزة الاستفهام على فاء العطف في الآيتين، فكذلك على الواو في هذا الموضع). [الموضح: 542]

قوله تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 08:35 AM

سورة الأعراف
[ من الآية (100) إلى الآية (102) ]

{ أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (100) تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ (101) وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ (102)}

قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (100)}

قوله تعالى: {تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ (101)}

قوله تعالى: {وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ (102)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 08:43 AM

سورة الأعراف
[ من الآية (103) إلى الآية (112) ]

{ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآَيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (103) وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (104) حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (105) قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآَيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (106) فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (107) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (108) قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (109) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (110) قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (111) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (112) }

قوله تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآَيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (103)}

قوله تعالى: {وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (104)}

قوله تعالى: {حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (105)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (حقيقٌ على أن لا أقول... (105)
قرأ نافع وحده (عليّ) أضاف (على) إلى نفسه، وأرسلها الباقون (على) مفخمة.
قال أبو منصور: من شدد ياء (عليّ) فلإضافته إلى نفسه، ومن سكن ألف (على) جعله بمعنى الباء، كقولك: رميت على القوس، وبالقوس.
و (على) مفخم، وكذلك (إلى) و(حتى) ). [معاني القراءات وعللها: 1/414]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فأرسل معي بني إسرائيل (105).
حرك الياء من (معي) حفص عن عاصم، وكذلك ياء (معي) حيث وقعت، وأسكنها الباقون، وهما لغتان). [معاني القراءات وعللها: 1/415]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (22- وقوله تعالى: {حقيق على أن لا أقول} [105] قرأ نافع وحده {حقيق على} مشددة الياء، أي: واجب علي، ويجب علي، فالياء الأخيرة ياء الإضافة، والأولى من نفس الكلمة فأدغمت الأولى في الثانية، وفتحت الثانية لالتقاء الساكنين على أصلها، ومثله (لدي) و(إلى) ولو قرأ قارئ {علي} مثل {مصرخي} جاز عند بعض النحويين. وبعضهم يراه لحنًا.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/196]
وقرأ الباقون {حقيق على أن لا} وحجتهم قراءة عبد الله: {حقيق بأن لا}.
فحدثني ابن مجاهد عن السمري عن الفراء قال الباء بمعنى «على» كقول العرب رمى عن القوس وبالقوس، وفلان على حال حسنة وبحال حسنة. وقال غير الفراء: في قراءة عبد الله {حقيق أن لا} بغير باء، فإن في قراءة نافع في موضع رفع، وفي قراءة الباقين في موضع نصب وفي موضع خفض). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/197]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في تشديد الياء وتخفيفها من قوله جلّ وعزّ: حقيق علي أن لا أقول [الأعراف/ 105].
[الحجة للقراء السبعة: 4/55]
فقرأ نافع وحده: حقيق على أن لا أقول بتشديد الياء ونصبها.
وقرأ الباقون بتخفيف الياء وهي مرسلة.
حجة نافع في قوله عزّ وجلّ: حقيق علي وإيصاله له بعلي* أنّه يسوغ من وجهين:
أحدهما: أنّ «حقّ» الذي هو فعل، قد تعدّى بعلى، قال: فحق علينا قول ربنا [الصافات/ 31]، وقال: فحق عليها القول [الإسراء/ 16]، فحقيق يتصل بعلى من هذا الوجه.
والوجه الآخر: أنّ حقيق بمعنى واجب، فكما أنّ وجب يتعدى بعلى، كذلك تعدى حقيق به إذا أريد به ما أريد بواجب.
وأمّا من قرأ: حقيق على فجاز تعدّيه بعلى من الوجهين اللّذين ذكرنا.
وقد قالوا: هو حقيق بكذا، فيجوز على هذا أن يكون
[الحجة للقراء السبعة: 4/56]
على بمنزلة الباء تقول: «حقيق على أن». فتضع على موضع الباء.
قال أبو الحسن: قال: ولا تقعدوا بكل صراط توعدون [الأعراف/ 86]، فكما وقعت الباء في قوله: بكل صراط توعدون موقع على، كذلك وقعت على موقع الباء في قوله: حقيق على أن لا.
قال: والأول أحسنهما عندنا، يعني: حقيق على أن لا بالألف غير مضاف إلى المتكلم.
قال: لأنّ حقيق على، معناها الباء، أي حقيق بذا، قال: وليس ذلك بالمقيس لو قلت: ذهبت على زيد، وأنت تريد بزيد؛ لم يجز، قال: وجاز في علي* لأنّ القراءة قد وردت به). [الحجة للقراء السبعة: 4/57]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({حقيق على أن لا أقول على الله إلّا الحق}
قرأ نافع {حقيق على} مشدّدة الياء وحجته ما جاء في التّفسير حقيق عليّ أي واجب عليّ كما يقول الرجل هذا عليّ واجب فالياء الأخيرة ياء الإضافة والأولى من نفس الكلمة فأدغمت الأولى في الثّانية وفتحت الثّانية لالتقاء الساكنين على أصلها ومثله لدي وإلي
وقرأ الباقون (حقيق على ألا أقول) بالتّخفيف معناه حقيق بألا أقول كقولك جدير وخليق ألا أفعل كذا وقال قوم معناه حريص على ألا أقول وحجتهم قراءة ابن مسعود قرأ (حقيق بألا أقول) قال الفراء الباء بمعنى على كقول العرب فلان على حالة حسنة وبحالة حسنة). [حجة القراءات: 289]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (28- قوله: {حقيق على} قرأه نافع بياء مشددة مفتوحة، على تعدية «حقيق» إلى ضمير المتكلم فلما اجتمع ياءان ياء «على» التي تنقلب مع الضمير ياء، وياء المتكلم، أدغم الأولى في الثانية وفتح؛ لأن الإضافة أصلها الفتح، و«حقق وحق» سواء بمعنى واجب ومثله حق، وأصله أن يتعدى
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/469]
بعلى كما يتعدى واجب بعلى، قال الله تعالى ذكره: {فحق علينا قول ربنا} «الصافات 31»، وقال: {فحق عليها القول} «الإسراء 16» وقرأ الباقون بألف بعد اللام من «على»، ولم يضيفوها إلى المتكلم، وذلك أنه عدى «حقيق» بـ «على» إلى «أن»، ويجوز أن تكون «على » في هذا بمعنى الباء، كما جاز وقوع الباء في موضع «على» في قوله: {ولا تقعدوا بكل صراط} «الأعراف 86» أي: على كل طريق). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/470]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (23- {حَقِيقٌ عَلَى} [آية/ 105] بتشديد الياء:-
قرأها نافع وحده.
والوجه أن حقيقة فعيل من حق، وهو معدى بعلى قال الله تعالى {فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا} فإذا عدي الفعل بعلى وجب أن يعدي به ما هو منه، ثم إن معناه يقتضي أيضًا تعديته بعلى؛ لأن معناه وجب، ووجب يعدى بعلى، تقول وجب علي دين، فكذلك ما هو بمعناه.
وقرأ الباقون {عَلى} بالتخفيف.
والوجه أن {على} ههنا بمعنى الباء، والتقدير: حقيق بأن لا أقول، وعلى قد يكون بمعنى الباء، كما تقول: أتانا فلان على حالة وبحالة حسنة، وقال أبو عبيدة: حقيق معناه حريص، فكما يقال هو حريص على كذا، فكذلك
[الموضح: 542]
هو حقيق عليه، وقال أبو عمرو بن العلاء: معناه حقيق أن لا أقول، ويؤيده قراءة عبد الله {حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لا أَقُولَ}، بغير على). [الموضح: 543]

قوله تعالى: {قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآَيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (106)}

قوله تعالى: {فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (107)}

قوله تعالى: {وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (108)}

قوله تعالى: {قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (109)}

قوله تعالى: {يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (110)}

قوله تعالى: {قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (111)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (أرجه وأخاه... (111).
قرأ ابن كثيرٍ (أرجئهو وأخاه) يهمز وضم الهاء ضما مشبعًا بلفظ واو، وقرأ أبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر ويعقوب (أرجئه وأخاه)
بالهمز وضم الهاء ضمة غير مشبعة، وقرأ نافع (أرجه) بلا همز ويكسر الهاء كسرةً مختلسة، وروى ورش عنه أنه جرّ الهاء ووصلها بياء ولا يهمز، وكذلك روى خلف وابن سعدان عن أبي المسيبي عنه.
وقرأ ابن عامر (أرجئه وأخاه) بالهمز وكسر الهاء خفيفة.
وقرأ حمزة وحفص والأعشى عن أبي بكر (أرجه) ساكنة الهاء غير مهموزة، وكذلك قال خلف وأبو هشام عن يحيى عن أبي بكر.
وقرأ الكسائي (أرجهي) غير مهموز، ويجر الهاء بياء في اللفظ، وكذلك قولهم في الشعراء مثل قولهم في الأعراف، إلا أن هبيرة روى عن حفص بجزم الهاء هنا، وجرّها في الشعراء.
قال أبو منصور: هذه الوجوه كلها وإن اختلفت فهي لغات
[معاني القراءات وعللها: 1/415]
محفوظة عن العرب، وأبعدها عند النحويين تسكين الهاء بلا همزة لأنها ليست بموضع الجزم، وهي ضعيفة عند جميعهم.
وقراءة ابن عامر بالهمز وكسر الهاء ليست بجيدة؛ لأن أصل الهاء الضم في (أرجئه)، وإنما يجر مع الياءات والكسرات، والهمزة تكون ساكنة فالكسرة لا تتبعها). [معاني القراءات وعللها: 1/416]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (23- وقوله: {أرجه وأخاه} [111].
قرأ أبو عمرو وابن كثير بهمزة ساكنة جعلاه من أرجئت الأمر أي: أخرته، ومنهم (المرجئة)، لأنهم أرجأوا العمل فقالوا: الإيمان قول بلا عمل وأخطأوا؛ لأن الله تعالى ذم قومًا آمنوا بألسنتهم ولم تؤمن قلوبهم، وهم المنافقون، فقال تعالى: {يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم} فلا يصح الإيمان إلا بثلاثة أشياء نطق باللسان وعمل بالجوارح وعقد بالقلب. وعلامة الجزم في أرجئة سكون الهمزة، كما تقول: أقرئ زيدًا السلام ثم تكنى فتقول أقرئه.
وكان أبو عمرو يصل الهائين بضمة مختلسة، وابن كثير يلفظه كالواو {أرجهو وأخاهو}. وقد بينت علة ذلك فيما سلف.
وقرأ نافع والكسائي في رواية: ورش بالصلة {أرجهي وأخاه}، ويسقطان الياء للجزم ويصلان الهاء بياء؛ لانكسار ما قبلهما، أعني أرجهي، وهما لغتان
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/197]
أرجأت وأرجيت وكذلك: {ترجى من تشاء} و{ترجئ من تشاء}.
وقرأ عاصم وحمزة بترك الهمزة أيضًا غير أنهما أسكنا الهاء {أرجه} وإنما سكنت الهاء توهما أن الهاء آخر الكلمة، أو تخفيفًا، لما طالبت الكلمة بالهاء.
وقرأ ابن عامر في رواية هشام بن عمار {أرجئهي} بالهمز وكسر الهاء مع الصلة وفي رواية ذكوان {أرجئه} بالهمز وكسر الهاء بغير الصلة.
فقال ابن مجاهد هو غلط، وكذلك عند النحويين هو غلط؛ لأن الكسرة لا تجوز في الهاء إذا سكن ما قبلها نحو منهم واضربهم، وله وجه عندي؛ وذلك: أن الهمزة لما سكنت للجزم وبعدها الهاء ساكنة على لغة من يسكن كسر الهاء، لالتقاء الساكنين، وليس هذا كقولهم: منهم واضربهم؛ لأن الهاء هنالك لا تكون إلا متحركة، فيحمل قول من خطاه أن يكون خطأ الرواية ولم ينعم النظر في هذا الحرف.
وقد اجترأ جماعة في الطعن على هؤلاء السبعة في بعض حروفهم وليس واحد منهم عندي لاحنًا بحمد الله. فإن قال قائل: فقد لحن يونس والخليل وسيبويه رضي الله عنهم حمزة في قراءته {فما استطاعوا}.
فالجواب عن ذلك كالجواب فيما سلف؛ لأن هؤلاء وإن كانوا أئمة فريما لم يأخذوا أنفسهم بالاحتجاج لكل من يروى عن هؤلاء السبعة كعناية غيرهم به، وسترى الاحتجاج لحمزة وجميع ما يلحن فيه، ولا قوة إلا بالله.
ولابن كثير نحو {وكشفت عن ساقيها} {ثم ائتوا صفًا}
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/198]
و{بمصرخي} و{مكر السيء} و{قال فرعون} و{آمنتم} في مواضعها إن شاء الله). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/199]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الهمز وإسقاطه من قوله تعالى: قالوا أرجه وأخاه [الأعراف/ 111].
فقرأ ابن كثير أرجئهو وأخاه مهموز بواو بعد الهاء في اللّفظ، وقرأ أبو عمرو مثله، غير أنّه كان يضم الهاء ضمة من غير أن يبلغ بها الواو، وكانا يهمزان مرجئون [التوبة/ 106] وترجئ من تشاء [الأحزاب/ 51].
[الحجة للقراء السبعة: 4/57]
وقرأ نافع [وحده] أرجه وأخاه بكسر الهاء، ولا يبلغ بها الياء، ولا يهمز. هذه رواية المسيّبي وقالون.
وروى ورش عنه: أرجهي وأخاه يصلها بياء، ولا يهمز بين الجيم والهاء، وكذلك قال إسماعيل بن جعفر عن نافع.
وقال خلف وابن سعدان عن إسحاق عن نافع أنّه وصل الهاء بياء.
وقرأ ابن عامر: أرجئه وأخاه في رواية هشام بن عمار مثل أبي عمرو.
وفي رواية ابن ذكوان: كسرها بالهمز، وكسر الهاء أرجئه، وهمز مرجئون وترجئ، وهذا غلط، لا يجوز كسر الهاء مع الهمز، وإنما يجوز إذا كان قبلها ياء ساكنة أو كسرة.
واختلف عن عاصم فروى هارون بن حاتم عن حسين الجعفيّ عن أبي بكر عن عاصم أنّه قرأ مثل أبي عمرو أرجئه مهموزا.
وقال خلف عن يحيى عن أبي بكر أنه ربما كان همزها ورفع الهاء.
[الحجة للقراء السبعة: 4/58]
وحدّثني محمد بن الجهم عن ابن أبي أميّة عن أبي بكر عن عاصم أرجئه مهموز ساكنة الهاء.
وقال محمد بن الجهم فيما نحسب- شكّ ابن الجهم-:
بهمز الألف التي قبل الراء.
وقال إبراهيم بن أحمد الوكيعي عن أبيه عن يحيى عن أبي بكر عن عاصم: أرجئه مهموز جزم. حدّثني موسى بن إسحاق القاضي، عن أبي هشام عن يحيى عن أبي بكر عن عاصم: أرجه جزم بغير همز.
وكذلك روى خلف عن يحيى عنه جزم.
وكذلك حدثني عبد الله بن شاكر عن يحيى عن أبي بكر:
بجزم الهاء، والكسائي عن أبي بكر [عن عاصم]: بجزم الهاء، ولم يذكر هو الهمز.
[قال الأعشى عن أبي بكر عن عاصم أرجه بغير همز، ويهمز مرجئون ولا يهمز ترجي أبو البحتري عن يحيى عن أبي بكر عنه أنه لا يهمز ترجي ولا مرجون].
[الحجة للقراء السبعة: 4/59]
و قال هبيرة عن حفص عن عاصم: أنه جزم الهاء في الأعراف، وجرّها في الشعراء [36].
وقال غير هبيرة عن حفص: أرجه جزم ولا يهمز مرجون وترجى وفي الشعراء أرجه جزم، وكذلك قال وهيب [بن عبد الله] عن الحسن بن مبارك عن أبي حفص عمرو بن الصباح عن أبي عمر عن عاصم.
وقرأ حمزة والكسائي أرجه وأخاه.
واختلفا في الهاء؛ فأسكنها حمزة مثل عاصم، ووصلها الكسائي بياء فقال أرجهي وأخاه.
قال أبو زيد: أرجأت الأمر إرجاء: إذا أخّرته، فقوله:
أرجئه. أفعله من هذا، وضمّ الهاء مع الهمزة لا يجوز غيره، وأن لا يبلغ الواو أحسن لأنّ الهاء خفيّة، فلو بلغ بها الواو لكان كأنّه قد جمع بين ساكنين، ألا ترى أنّ من قال: ردّ يا فتى،
[الحجة للقراء السبعة: 4/60]
فضمّ، فإنّه إذا وصل بالدّال الضمير المؤنث قال: ردّها، ففتح، كما تقول: ردّا، لخفاء الهاء، فكذلك أرجئه لا ينبغي أن يبلغ بها الواو، فيصير كأنّه جمع بين ساكنين.
ومن قال: أرجئهو فألحق الواو، فلأنّ الهاء متحركة ولم يلتق ساكنان، لأنّ الهاء فاصل، فقال: أرجئهو كما تقول:
اضربهو قبل، ولو كان مكان الباء حرف لين لكان وصلها بالواو أقبح، نحو: عليهو، لاجتماع حروف متقاربة مع أن الهاء، ليس بحاجز قوي في الفصل، واجتماع المتقاربة في الكراهة كاجتماع الأمثال.
قال: وقرأ نافع: أرجه وأخاه بكسر الهاء، ولا يبلغ بها الياء، ولا يهمز. هذه رواية المسيّبي وقالون.
وروى ورش: أرجهي يصلها بياء، ولا يهمز بين الجيم والهاء.
وكذلك قال إسماعيل بن جعفر.
[قال أبو علي]: وصل الهاء بياء إذا قال: أرجهي لأنّ هذه الهاء توصل في الإدراج بواو أو ياء، نحو: بهو أو بهي وضربهو، ولا تقول في الوصل: به، ولا به، ولا ضربه
[الحجة للقراء السبعة: 4/61]
حتّى. تشبع فتقول: بهو فاعلم، وبهي داء، أو: بهو داء، إلّا في ضرورة شعر كقوله:
وما له من مجد تليد قال: وقرأ ابن عامر: أرجئه وأخاه في رواية هشام ابن عمّار مثل أبي عمرو، وفي رواية ابن ذكوان كسرها بالهمز.
[قال أبو علي]: كسر الهاء مع الهمز غلط، لا يجوز، وإنّما يجوز إذا كان قبلها ياء ساكنة أو كسرة، ولو خفّف الهمزة فقلبها ياء فقال: أرجيه، فكسر الهاء؛ لم يستقم، لأنّ هذه الياء في تقدير الهمزة؛ فكما لم يدغم نحو: رؤيا، إذا خفّفت الهمزة، لأنّ الواو في تقدير الهمزة، كذلك لا يحسن تحريك الهاء بالكسر مع الياء المنقلبة عن الهمز.
وقياس من قال: ريّا، فأدغم، أن يحرّك الهاء أيضا بالكسر، وعلى هذا المسلك قول من قال: أنبيهم [البقرة/ 33] إذا كسر الهاء مع قلب الهمزة ياء.
[الحجة للقراء السبعة: 4/62]
قال: واختلف عن عاصم، فروى هارون بن حاتم عن حسين الجعفي عن أبي بكر عن عاصم أنّه قرأ مثل قراءة أبي عمرو أرجئه مهموز.
وقال خلف عن يحيى عن أبي بكر عن عاصم أنه كان ربّما همزها ورفع الهاء.
وروى أبان عن عاصم: أرجه جزم، [قال أبو علي]: وهذا لأنّه قد جاء في أرجأت لغتان: أرجأت، وأرجيت، وإذا قال: أرجه كان من أرجيت). [الحجة للقراء السبعة: 4/63]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قالوا أرجه وأخاه}
قرأ ابن كثير وهشام عن ابن عامر (أرجئه) مهموزة بواو بعد الهاء في اللّفظ واصل هذه الهاء الّتي للمضمر أن تكون مضمومة
[حجة القراءات: 289]
بعدها واو كقولك ضربتهو يا فتى ومررت بهويا فتى زعم سيبويهٍ أن الواو زيدت على الهاء في المذكر كما زيدت الألف في المؤنّث كقولك ضربتها ومررت بها ليستوي المذكر والمؤنث في باب الزّيادة وعلامة الأمر في أرجئهو سكون الهمزة
وقرأ أبو عمرو (وأرجئه) مضمومة الهاء من غير إشباع اكتفاء بالضمة عن الواو لأنّها نابت عن الواو وأخرى أن الهاء ليست بحاجز حصين فكأن السّاكن الّذي قبلها ملاق للساكن الّذي بعدها فتحذف الواو كما يحذف السّاكن عند ملاقاة ساكن
وقرأ نافع والكسائيّ (أرجهي) بغير همزة وبجر الهاء يصلان بياء والأصل في هذه الهاء الضمة كما ذكرنا ولكنهم قلبوا الواو ياء لانكسار ما قبلها أعني كسرة الجيم وإنّما اختار الكسرة على الضمة الّتي هي الأصل لاستثقال الضمة بعد الكسرة ألا ترى أنه رفض في اصل البناء فلم يجئ بناء على فعل مضمومة العين بعد كسرة الفاء
وقرأ الحلواني عن نافع {أرجه} بكسر الهاء من غير إشباع وحجته هي أن الكسرة تدل على الياء وتنوب كما قال {أكرمن} و{أهانن} والأصل أكرمني وأهانني
وقرأ عاصم وحمزة {أرجه} بترك الهمزة وسكون الهاء وحجتهما ذكرها الفراء قال إن من العرب من يسكن الهاء إذ تحرّك ما قبلها فيقول ضربته ضربا شديدا فينزلون الهاء وأصلها الضمة بمنزلة أنتم وأصل الميم الرّفع ولم يصلوها بواو والّذي يدل على ما قال
[حجة القراءات: 290]
أنّك تردها إلى الأصل مع المضمر فتقول رأيتموه قال الله تعالى {فقد رأيتموه وأنتم تنظرون} فأجريا الهاء وأصلها الضّم مجرى الميم قال الشّاعر:
فيصلح اليوم ويفسده غدا
وقرأ ابن عامر (أرجئه) بالهمز وكسر الهاء من غير إشباع
قال أهل النّحو هذا غلط لأن الكسرة لا تجوز في الهاء إذا سكن ما قبلها نحو منهم بكسر الهاء قال وإنّما يجوز كسر الهاء إذا كان ما قبلها ياء أو كسرة فتكسر الهاء لأجلهما وله وجه قد ذكره بعض النّحويين قال إن الهمزة لما سكنت للجزم وبعدها الهاء ساكنة على لغة من يسكن فكسر الهاء لالتقاء الساكنين وليس هذا كقولهم منهم لأن الهاء هنالك لا تكون إلّا متحركة). [حجة القراءات: 291]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (29- قوله: {أرجه وأخاه} قرأه ابن كثير وهشام بهمزة ساكنة، ويصلان الهاء بواو في الوصل، وكذلك قرأ أبو عمرو، غير أنه يضم الهاء، ولا يصلها بواو، وقرأ ابن ذكوان بهمزة ساكنة وبكسر الهاء، من غير أن يصلها بياء، وكذلك قرأ قالون، غير أنه لم يهمز، وقرأ ورش والكسائي بغير همز، ويصلان الهاء بياء في الوصل، وقرأ حمزة وعاصم بإسكان الهاء، من غير همز، ومثله الاختلاف في الشعراء، والهمز في هذا الفعل وتكره لغتان، يقال: أرجيته وأرجأته، بمعنى: أخرته وإسكان الهمزة فيه أو حذف الياء علم البناء على قول البصريين، وعلم الجزم على قول الكوفيين، فأما الهاء فأصلها أن توصل بواو، على ما تقدم من العلة، فمن أثبت الواو أتى به على الأصل، فاعتد بالهاء حاجزًا بين الهمزة والواو.
ومن حذف الواو ولم يعتد بالهاء حاجزًا لخفائها، فحذف الواو لالتقاء الساكنين على مذهب سيبويه وأكثر البصريين، وقيل حذفت الواو
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/470]
استخفافًا، واكتفى بالضمة الدالة عليها، ومن وصل الهاء بياء أبدل من ضمة الهاء كسرة للكسرة التي قبلها، فانقلبت الواو ياء، ومن حذف الياء فعلى وجه العلة في حذف الواو، ومن أسكن الهاء فعلى نية الوقف عليها، أو على توهم أنها لام الفعل، فأسكن للبناء أو للجزم، وكل هذا في إسكان الهاء ضعيف، على ما ذكرنا من العلل المذكورة في إسكان الهاء في «يؤده» و«لا يؤده» و«نصله» و«نوله»، والإسكان أضعف القراءات في هذه الكلمة، لما ذكرنا في «نوله، ونصله» والاختيار ترك الهمز وصلة الهاء بياء؛ لأنك إذا لم تهمز تحرك ما قبل الهاء، فلا تقدر فيه اجتماع ساكنين.
فأما من حذف الياء، ولم يهمز، فإنه أجرى الكلمة على أصلها قبل حذف الياء الأولى، فكأنه حذف الياء الثانية لسكونها وسكون الياء الأولى، ثم حذف الياء الأولى للبناء وللجزم، فبقيت الثانية على حذفها، ولم يعتد بحذف الياء الأولى، وقد تقدم بسط هذا وشرحه، وكلهم وقف على هاء دون ياء أو واو، والروم والإشمام جائزان فيها، في قراءة ابن كثير وأبي عمرو وهشام؛ لأن قبلها ساكنًا، لا يشبه حركتها، والروم، في قراءة ابن ذكوان جائز، ولا يجوز الروم في قراءة الكسائي وورش وقالون لأن حركة الهاء حركة كحركة ما قبلها، وهي خفية، فكأن حركة ما قبلها عليها على ما قدمنا). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/471]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (24- {أَرْجِئهْو وَأَخَاهُ} [آية/ 111]، بالهمز وضم الهاء وإثبات الواو: -
قرأها ابن كثير وحده.
والوجه أنه أمر من أرجـأت الأمر إذا أخرته، فالأصل فيه الهمز، والهاء أصله الضم أيضا وأن يتصل به واو بعده، فأجراه ابن كثير على الأصل في إلحاق الواو، لأنه جعل الهاء فاصلاُ بين الساكنين فلم يجتمعا.
وقرأ أبو عمرو وعاصم -ياش- ويعقوب وأرجئه بالهمز وضم الهاء ضمه غير مشعبة. والوجه أنه مجرى على الأصل في إثبات الهمزة وضم الهاء، فإن ضم الهاء فيما سكن ما قبله إذا لم يكن بياء لا يجوز في العربية غيره.
وأما ترك إلحاق الواو للهاء، فلأجل أن الهاء حرف خفي، وليس بحاجز حصين، فلو ألحق الواو وما قبل الهاء ساكن، كان كأن الساكنين التقيا؛ لأن الهاء كأنه لم يعتد به، وهذه القراءة أحسن في العربية من الأولى.
وقرأ نافع {أَرْجِهْ} بلا همز وبكسر الهاء كسرة مختلسة.
[الموضح: 543]
والوجه أنه أمر من أرجيت الأمر بالياء، فقد جاء أرجأت وأرجيت بمعنى واحد، والأمر منه أرج، ثم ألحق الهاء الضمير المفعول به، فكسر لكسرة ما قبله، وهذا الهاء قد يلحق به ياء مكان الواو إذا انكسر ما قبله، نحو قولك: بهي داء، وقد يحذف الياء ويكتفى بالكسرة عن الياء، إلا أن إلحاق الياء في مثل هذا أحسن، وقد جاء في الشعر بغير ياء، قال:
36- فإن يك غثًا أو سمينًا فإنني سأجعل عينيه لنفسه مقنعا
فحذف الياء من نفسه، واختلس الكسرة اكتفاء بها عن الياء.
وقرأ الكسائي و- ش - و- يل - عن نافع {أَرْجِهِي} غير مهموز وبكسر الهاء وإلحاق الياء به.
والوجه هو ما ذكرنا أنه أحسن من قراءة نافع، وذلك لأن هذه الياء والواو يحذفان من الهاء إذا سكن ما قبل الهاء، لما ذكرنا من أنه يكون حينئذ في تقدير التقاء الساكنين، فأما إذا لم يسكن ما قبل الهاء فلا موجب لحذف الياء، وههنا تحرك ما قبل الهاء، فلهذا كان الاختيار هو إثبات الياء.
وقرأ حمزة و-ص- عن عاصم {أَرْجِهْ} ساكنة الهاء غير مهموزة.
والوجه أنه من أرجيت كما سبق، وإسكان هاء الضمير هو على تشبيه المنفصل بالمتصل، وذلك أنه شبه قوله جه من {أَرْجِهْ وَأَخَاهُ} في قراءة من
[الموضح: 544]
قرأ بها بإبل وإطل، فأسكن الأوسط وهو الهاء، كما أسكن الأوسط من إبل، فقالوا: إبل، ومن إطل فقالوا: إطل.
وقرأ ابن عامر {أَرْجِهْ وَأَخَاهُ} بالهمز وكسر الهاء كسرة خفيفة.
وهذا لا يرتضيه النحويون، فإنهم لا يجوزون كسر الهاء، إلا إذا كان قبلها ياء ساكنة أو كسرة. فأما إذا كان قبلها ساكن غير الياء فلا، والعذر لهذه القراءة أنه لما رأى هذه الهمزة يجوز أن تخفف فتصير إلى الياء، أجراها غير مخففة مجراها مخففة، فكسر الهاء بعدها كما يكسرها بعد الياء، وهذا كما قال النابغة:
37- كليني لهم يا أميمة ناصب
في رواية من روى بفتح التاء من أميمة؛ لأنه نوى فيه الترخيم ولم يرخم، ولو رخم لكان يا أميم بالفتح، فأجراها غير مرخمة مجراها مرخمة، وهو مع هذا بعيد.
ويجوز أن يكون ابن عامر إنما كسر الهاء من {أَرْجِئهْ} مع إثبات الهمزة
[الموضح: 545]
لكسرة الجيم ولم يعتد بالساكن الذي هو الهمزة لكونه ساكنًا، كما قلبوا الواو في قنية ياء لكسرة القاف، وإن كان بينهما ساكن، فإن الأصل قنوة). [الموضح: 546]

قوله تعالى: {يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (112)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (بكلّ ساحرٍ عليمٍ (112).
قرأ حمزة والكسائي (بكلّ سحّارٍ) ها هنا وفي يونس والشعراء، وقرأ الباقون ها هنا وفي يونس (ساحرٍ عليمٍ) فاعل، وفي الشعراء (سحّارٍ).
قال أبو منصور: من قرأ (سحّارٍ) فهو أبلغ من (ساحرٍ) والقراءتان كلتاهما جيدتان). [معاني القراءات وعللها: 1/416]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (24- وقوله تعالى: {بكل ساحر عليهم} [112].
قرأ حمزة والكسائي {سحار} مشددًا على فعال بتأخير الألف في جميع القرآن.
وقرأ الباقون {ساحر} إلا في {الشعراء} فإنهم أجمعوا على {سحار عليم} إذا كانت كذلك كتبت في المصحف، وسحار أبلغ من ساحر؛ لأنه لمن تكرر الفعل منه، ففاعل يصلح لزمانين للحال والاستقبال، فإذا شددت دل على المضي، تقديره: إنه سحر مرة بعد مرة كقولك: آتيك برجل خارج إلى مكة أي: سيخرج. فإذا قلت: آتيتك برجل خراج إلى مكة أي: قد خرج مرة بعد أخرى قال الشاعر:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/199]
قد كنت خراجا ولوجا صيرفا = لم تلتحصني حيص بيص لحاص
أي: في بلاد). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/200]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله جلّ وعزّ: يأتوك بكل ساحر عليم [الأعراف/ 112].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو، وعاصم، وابن عامر في الأعراف وفي يونس [79]: بكل ساحر عليم بالألف قبل الحاء. وقرءوا في [الشعراء/ 37] سحار* بألف بعد الحاء.
[الحجة للقراء السبعة: 4/63]
وقرأ حمزة والكسائيّ ثلاثتهنّ سحار* بألف بعد الحاء.
[قال أبو علي]: من حجة من قال: ساحر قوله: ما جئتم به السحر [يونس/ 81]، والفاعل من السّحر، ساحر يدلّك على ذلك قوله: فألقي السحرة ساجدين [الأعراف/ 120]. ولعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم.. [الشعراء/ 40].
والسّحرة جمع ساحر، ككاتب وكتبة، وفاجر وفجرة.
ومن حجّتهم: سحروا أعين الناس [الأعراف/ 116]، واسم الفاعل على سحروا: ساحر.
ومن حجّة من قال: سحار*، أنّه قد وصف بعليم، ووصفه به يدلّ على تناهيه فيه، وحذقه به؛ فحسن لذلك أن يذكروا بالاسم الدّالّ على المبالغة في السحر). [الحجة للقراء السبعة: 4/64]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({يأتوك بكل ساحر عليم}
قرأ حمزة والكسائيّ {بكل سحار عليم} بالألف بعد الحاء وكذلك في يونس وحجتهما إجماع الجميع على قوله في سورة الشّعراء {بكل سحار عليم} ولا فرق بينهما وبين ما أجمعوا عليه فرد ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه وأخرى أن سحارا أبلغ من ساحر وأشد مبالغة في الوصف من ذلك علام أبلغ من عالم فكذلك سحار أبلغ من ساحر
[حجة القراءات: 291]
وقرأ الباقون {يأتوك بكل ساحر} الألف قبل الحاء وحجتهم إجماعهم على قوله {ولا يفلح السّاحر حيث أتى} ). [حجة القراءات: 292]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (30- قوله: {بكل ساحر} قرأ حمزة والكسائي «سحار» على وزن «فعال»، هنا وفي يونس؛ لأن فيه معنى المبالغة ولأنهم قد أجمعوا على
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/471]
«سحار» في الشعراء فجرى هذا عليه، ويقوي ذلك أنه قد وصفه بـ «عليم»، فدل على التناهي في علم السحر، و«فعال» من أبنية المبالغة والتناهي، وقرأ الباقون «ساحر» على وزن «فاعل»، كما قال تعالى: {فألقي السحرة} «طه 70»، ولعلنا نتبع السحرة} «الشعراء 40»، والسحرة جمع ساحر، ككاذب وكذبة، وفاجر وفجرة، وقوله: {سحروا أعين الناس} «الأعراف 116» يدل على ذلك، لأن اسم الفاعل من «سحر» «ساحر» وأمالهما الدوري عن الكسائي وحده على أصله). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/472]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (25- {يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحٌارٍ} [أية/ 112]، بتشديد الحاء على فعال:
قرأها حمزة والكسائي، وكذلك في يونس، والكل قرأ في الشعراء {سَحٌارٍ} بلا خلاف.
والوجه أن المراد به الكثير السحر؛ لأن بناء فقال إنما هو للمبالغة في الفعل، وضع لمن يكثر منه الفعل ويتكرر، وقد وصف الله تعالى هؤلاء السحرة بقوله تعالى {سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} فلهذا وصفوا ههنا بالمبالغة في السحر.
وقرأ الباقون {سَاحِرٍ} بتخفيف الحاء، وألف قبل الحاء، على بناء فاعل في السورتين.
والوجه أن ساحرًا قد يراد به ما يراد بسحار، وذلك أن لفظ فاعل يتضمن الجنسية، وهو قد يطلق على الكثير؛ لأنه مأخوذ من المصدر، والمصدر جنس، فقد يجوز أن يتضمن ساحر ما يتضمنه سحار من الكثرة). [الموضح: 546]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 08:46 AM

سورة الأعراف
[ من الآية (113) إلى الآية (126) ]

{وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114) قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (115) قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116) وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (118) فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ (119) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (120) قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (122) قَالَ فِرْعَوْنُ آَمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123) لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124) قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (125) وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِآَيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ (126)}

قوله تعالى: {وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (إنّ لنا لأجرًا إن كنّا نحن الغالبين (113).
[معاني القراءات وعللها: 1/416]
قرأ ابن كثير ونافع وحفص (إنّ لنا لأجرًا) بكسر الألف على الإخبار ها هنا، وفي الشعراء على الاستفهام، وقرأ الباقون بالاستفهام في السورتين.
قال أبو منصور: من قرأ (إنّ لنا لأجرًا) فهو إيجاب، ومن قرأ (أين لنا)، أو (أإنّ لنا لأجرًا) فعلى الاستفهام، وهما ألفان: إحداهما ألف الاستفهام، والأخرى ألف (إنّ)، وهي أجود القراءتين). [معاني القراءات وعللها: 1/417]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (25- وقوله تعالى: {إن لنا لأجرا} [113].
قرأ ابن كثير ونافع وحفص عن عاصم {إن لنا} على لفظ الخبر «فإن» حرف أداة تؤكد الخبر، تنصب الاسم وترفع الخبر، وقرؤا في (الشعراء) {أئن} بالاستفهام، فلما اجتمعت همزتان لينوا الثانية.
وقرأ أبو عمرو كليهما بالمد على الاستفهام.
وقرأ الباقون {أئن} بهمزتين على الأصل). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/200]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الاستفهام والخبر في قوله: أئن لنا لأجرا [الأعراف/ 113].
فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم في رواية حفص هاهنا إن لنا لأجرا مكسورة الألف على الخبر، وفي الشعراء: آين لنا
[الحجة للقراء السبعة: 4/64]
[الآية/ 41] ممدودة مفتوحة الألف غير أنّ حفصا روى عن عاصم في الشعراء أئن لنا لأجرا بهمزتين.
وقرأ أبو عمرو آئن لنا ممدودة في السورتين.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وابن عامر فيما أرى وحمزة والكسائي بهمزتين. في الموضعين جميعا.
[قال أبو علي]: الاستفهام أشبه في هذا الموضع، لأنّهم يستعلمون عن الأجر، وليس يقطعون على أنّ لهم الأجر.
ويقوي ذلك إجماعهم في الشعراء، وربّما حذفت همزة الاستفهام.
قال أبو الحسن في قوله عزّ وجلّ وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل [الشعراء/ 22]، أنّ من الناس من يذهب إلى أنّه على الاستفهام، وقد جاء ذلك في الشعر قال:
[الحجة للقراء السبعة: 4/65]
أفرح أن أرزأ الكرام وأن... أورث ذودا شصائصا نبلا
وهذا أقبح من قوله:
وأصبحت فيهم آمنا لا كمعشر... أتوني فقالوا من ربيعة أم
مضر لأنّ أم قد تدلّ على الهمزة). [الحجة للقراء السبعة: 4/66]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قالوا إن لنا لأجرا إن كنّا نحن الغالبين}
قرأ نافع وابن كثير وحفص {قالوا إن لنا لأجرا} على الخبر
وقرأ أبو عمرو (إين لنا) بالمدّ وقرأ هشام بهمزتين بينهما مدّة وقرأ الباقون {أئن} بهمزتين وقد كرنا الحجّة عند قوله {أئنكم لتأتون الرّجال} ). [حجة القراءات: 292]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (31- قوله: {إن لنا لأجرًا} قرأه الحرميان وحفص بهمزة واحدة، على لفظ الخبر، وقرأ الباقون بالاستفهام، ع لى أصل كل واحد، كما ذكرنا في {أئنكم لتأتون}، أبو عمرو يلين الثانية، ويدخل بين الهمزتين ألفًا، وهشام يحقق الهمزتين ويدخل بين الهمزتين ألفًا وقد تقدم ذكر العلة في إدخال الألف بين الهمزتين، وأنه فعل ذلك لاستثقاله الجمع بين الهمزتين، وأن التخفيف للثانية كالتحقيق، والاستثقال باق؛ لأنها بزنة المخففة، ولأنها مرادة.
وحجة من قرأ بهمزة واحدة أنه أراد به الإلزام، وذلك أنهم ألزموا فرعون أن يجعل لهم أجرًا إن غلبوا، فقال لهم، نعم، لم يستفهموه عن ذلك، إنما ألزموه إياه، وقيل: إنهم قطعوا ذلك لأنفسهم في حكمهم إن غلبوا، فلهم الأجر عند أنفسهم، فلا معنى للاستفهام على هذا المعنى، والمعنى أنهم قالوا: يجب لنا الأجر إن غلبنا.
32- وحجة من استفهم أنه أجراه على معنى الاستخبار، استخبروا
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/472]
فرعون: هل يجعل لهم أجرًا إن غلبوا أو لا يجعل ذلك لهم، لم يقطعوا على فرعون بذلك، إنما استخبروه هل يفعل ذلك، فقال: نعم، لكم الأجر والقرب إن غلبتم، وكلا الوجهين حسن، والاستفهام أولى به، وأحب إلي، لأن القراءة الأولى يجوز أن تكون على وجه الاستفهام أيضًا، لكنه حذفت الألف، لدلالة الحال على ذلك، ولقول فرعون لهم: نعم، وزادهم القرب منه، ويقوي ذلك إجماعهم على لفظ الاستفهام في الشعراء في {أئن لنا لأجرا} «42» ). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/473]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (26- {إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا} [آية/ 113] بكسر الألف على الخبر:
قرأها ابن كثير ونافع وعاصم -ص-، وقرءوا في الشعراء {أَيِنَّ} على الاستفهام.
والوجه أنه جاء به على الخبر؛ لأن المعنى إن كنا غالبين فإن لنا أجرًا أي استحققناه، أراد إن غلبنا استحققنا الأجر.
وقرأ الباقون {أَئِنَّ لَنَا} بالاستفهام في السورتين، وقد مضى حكم الهمزتين.
والوجه في الاستفهام أنهم استخبروا عن حصول الأجر لهم ولم يقطعوا بحصوله، والمراد هل تجعل لنا أجرًا إن غلبنا؟ وهذا أليق القراءتين بالمعنى). [الموضح: 547]

قوله تعالى: {قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114)}

قوله تعالى: {قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (115)}

قوله تعالى: {قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116) }

قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (تلقف ما يأفكون (117).
قرأ حفص عن عاصم (تلقف) حيث كانت، وقرأ الباقون (تلقّف) مشددة.
[معاني القراءات وعللها: 1/417]
قال أبو منصور: من قرأ (تلقف) فهو من لقفت الشيء ألقفه لقفا، وهو: أخذ الشيء بحذق في الهواء. ورجلٌ ثقفٌ لقفٌ، إذا كان حاذقًا، وبعضهم يقول: ثقفٌ لقفٌ.
ومن قرأ (تلقّف) فمعناه: تلتهم العصي والحبال التي تخيّلت بسحر السحرة أنها حيات، ولم تكن بحيات، وتلقفت الشيء تلقفا وتزقفته تزقفًا، إذا أخذته في الهواء). [معاني القراءات وعللها: 1/418]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (26- وقوله تعالى: {فإذا هي تلقف} [117].
روى حفص عن عاصم: {تلقف} بسكون اللام وتخفيف القاف من لقف يلقف مثل علم يعلم، ومعناه: يلتقم الشيء ويلتهمه، وذلك أن موسى عليه السلام لما عاين السحرة وكيدهم وما قد اختلقوه ألقى عصاه فإذا هي حية يبتلع ما صنعوه.
وقرأ الباقون: {تلقف} أرادوا: تتلقف فخزلوا إ حدى التاءين مثل: {يذكر} {وتساقط} فيمن خفف.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/200]
وقرأ ابن كثير في رواية ابن أبي بزة {فإذا هي تلقف} بتشديد التاء؛ أراد: تتلقف فأدغم، ومثله {نارا تلظى} {ولا تنابزوا بالألقاب} ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/201]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (كلّهم قرأ: تلقف* بتشديد القاف إلّا عاصما؛ فإنّه قرأ: تلقف ساكنة اللّام خفيفة القاف [الأعراف/ 117].
أبو عبيدة: تلقف، وتلقم واحد، قال: ما يأفكون ما يسحرون.
وما روي عن عاصم من قراءته: تلقف ينبغي أن يكون مضارع لقف* مثل لقم يلقم.
وروى ابن أبي بزّة وعبد الوهاب بن فليح، بإسنادهما عن ابن كثير فإذا هي تلقف* مشددة التاء.
وكان قنبل يروي عن القواس بإسناده عن ابن كثير أنّه قرأ
[الحجة للقراء السبعة: 4/66]
تلقف* خفيفة التاء مشددة القاف في هذه وأخواتها، في كلّ القرآن.
كأنّه لفظ بها بألف ولام، هي تلقف*، فإذا ابتدأت تلقف* ابتدأت بها خفيفة التاء، ولا يمكن غير ذلك.
[قال أبو علي] وجه ما روي عن ابن كثير: فإذا هي تلقف* أنّه أدغم بالتاء، فسكنت المدغمة ولو كان هذا في الماضي، لاجتلبت له همزة الوصل مثل: فادارأتم فيها [البقرة/ 72]، وازينت [يونس/ 24]، ولكن همزة الوصل، لا تجتلب في المضارع لمشابهتها اسم الفاعل، وإن آخره معرب.
فإذا ابتدأ بها قال: تلقف* يثبت التاء التي للمضارعة، ويحذف التاء التي للمطاوعة في تفعّل، وليس القياس أن تجتلب في المعرب همزة الوصل، والأسماء التي
جاء ذلك فيها وليست بجارية على الأفعال شاذّة في القياس قليلة). [الحجة للقراء السبعة: 4/67]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فإذا هي تلقف ما يأفكون}
قرأ حفص عن عاصم {فإذا هي تلقف} ساكنة اللّام من لقفت الشّيء ألقفه
وقرأ الباقون {تلقف} بالتّشديد من تلقف يتلقف على وزن تعلم يتعلّم والأصل تتلقف فحذفوا إحدى التّاءين مثل تذكرون و{يوم يأت لا تكلم} أي لا تتكلّم
وقرأ البزي {فإذا هي تلقف} بتشديد التّاء أراد تتلقف فأدغم التّاء في التّاء وكذلك في طه). [حجة القراءات: 292]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (33- قوله: {فإذا هي تلقف} قرأ حفص بإسكان اللام والتخفيف، حيث وقع، جعله مستقبل «لقف يلقف»، وقرأ الباقون بالتشديد، وفتح اللام، جعلوه مستقبل «فهي تتلقف»، وحذفت إحدى التاءين استخفافًا). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/473]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (27- {فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ} [آية/ 117] ساكنة اللام مخففة القاف:-
قرأها عاصم وحده - ص -، وكذلك في طه والشعراء.
[الموضح: 547]
والوجه أنه مضارع لقفت تلقف مثل لقمت تلقم، وأصل اللقف: أخذ الشيء بالحذق في الهواء، يقال رجل ثقف لقف إذا كان حاذقًا.
وقرأ الباقون و- ياش- عن عاصم {تَلْقَفُ} مفتوحة اللام مشدّدة القاف في المواضع الثلاثة.
والوجه أنه مضارع تلقفت على تفعلت، وأصله: تتلقف، فحذف إحدى التاءين كراهة اجتماعهما، والمحذوفة هي تاء تفعل لا تاء المضارعة؛ لأن تاء المضارع تؤدي معناها فلا تحذف.
وشدد التاء من {تَلْقَفُ} ابن كثير في رواية البزي في المواضع الثلاثة، وخففها الباقون.
والوجه أن ابن كثير أدغم التاء في التاء حين اجتمعتا، ولم يحذف إحداهما، كما في القراءة المتقدمة، فإذا ابتدأ بها حذف إحدى التاءين ولم يدغم، ولا يجوز اجتلاب ألف الوصل لها ههنا، كما جاز في مثل {ادَّارَأْتُمْ لأنها في المضارع، وإنما يجوز في الماضي لا في المضارع). [الموضح: 548]

قوله تعالى: {فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (118)}

قوله تعالى: {فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ (119)}

قوله تعالى: {وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (120)}

قوله تعالى: {قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (121)}

قوله تعالى: {رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (122)}

قوله تعالى: {قَالَ فِرْعَوْنُ آَمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (قال فرعون آمنتم به... (123).
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب (ءامنتم) بهمزة مطولة على الاستفهام، ومثله في سورة طه والشعراء وروى قنبل عن ابن كثير (قال فرعون وامنتم) بواو بعد النون وألف مقصورة بعد الواو، وفي طه (آمنتم) على لفظ الخبر، وفي الشعراء "ءامنتم " مثل أبي عمرو، قرأ أبو بكر وحمزة والكسائي "أآمنتم" بهمزتين، الثانية ممدودة، هذه رواية الأعشى عن أبي بكر عن عاصم، ولا يذكرها يحيى ولا غيره عن أبي بكر إلا الأعشى.
وقرأ عاصم (آمنتم) على لفظ الخبر في الثلاثة المواضع، وكذلك روى ورش عن نافع مثل حفص، وروى هبيرة عن حفص في الشعراء بهمزتين.
[معاني القراءات وعللها: 1/418]
قال أبو منصور: من قرأ (آمنتم) بوزن (عامنتم) فلفظه لفظ الخبر، ومعناه للاستفهام، إلا أنه حذف إحدى الهمزتين.
ومن قرأ (أآمنتم) بوزن (أعامنتم) بهمزة مطولة فهو استفهام، جعل إحدى الهمزتين ألفا مطولة فرارًا من الجمع بين الهمزتين.
ومن قرأ (أآمنتم) بهمزتين، الثانية ممدودة فإنه جعل الهمزة الثانية ألفا ممدودة كراهية الجمع بين الهمزتين أيضًا.
وكل ذلك جائز.
أما ما روى لابن كثير (قال فرعون وامنتم به) فإني لا أعرفها، ولا أحبّ القراءة بها؛ لأن الواو زيادة في المصحف، ولعل بعض العرب يتكلم بها، ويجعل الواو بدلاً من الهمز). [معاني القراءات وعللها: 1/419]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (27- وقوله تعالى: {وقال فرعون ءامنتم به} [123].
فيه خمس قراءات:
قرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي {ءاامنتم} بثلاث ألفات، الهمزة الأولى توبيخ في لفظ الاستهام.
والثانية: ألف القطع.
والثالثة سنخية، والأصل فيه دخول التوبيخ {ءأامنتم} بهمزة بعدها ألف ملينة، الأصل: اآمنتم فخفف مثل آدم وآزر.
وقرأ أبو عمرو ونافع بتليين الثانية والثالثة {آامنتم}.
وروى حفص عن عاصم: {قال فرعون ءامنتم} على لفظ الخبر بغير استفهام، فقال الفراء: آمنتم: صدقتم وآامنتم بالاستفهام أجعلتم له الذي أراد.
وقرأ ابن كثير في رواية ابن أبي بزة عن أبي الإخريط: {قال فرعون وآمنتم} يلفظه كالواو ولا همزة بعدها، فيكون هذا على أن أشبع ضمة نون فرعون حتى صارت كالواو، كما روى ورش عن نافع: {نعبدو وإياك نستعين}
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/201]
بإشباع الضمة وهو لغة للعرب، قال زيدو، وجاءني بكرو، وقال الأعشى:
* ويلي عليك وويلي منك يا رجلو *
{وءامنتم} على الخبر.
وروى قنبل عن ابن كثير: {قال فرعون وأمنتم به} بواو بعدها همزة ساكنة. فقال ابن مجاهد رحمه الله: خطأ.
وله عندي وجه في العربية، وذلك: أنه لين ألف القطع التي هي همزة فصارت واوًا؛ لانضمام ما قبلها فرجعت الهمزة التي هي فاء الفعل قبل أن تلين كما تقول: أؤمر، من أمر يأمر جعلت الهمزة التي هي فاء الفعل واوًا، لانضمام ما قبلها فإن ذهبت ألف الوصل رجعت الهمزة فقلت: {وأمر أهلك بالصلواة}.
فإن قال قائل: فإن الواو إذا كانت ملينة من همزة يجب أن تكون ساكنة؟
فالجواب في ذلك أن الواو الساكنة إذا لقيها ساكن آخر حركت لالتقاء الساكنين، وكذلك الياء نحو: {لترون الجحيم} و{فإما ترين من البشر}.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/202]
فإن قيل: فهلا حركتها بكسر أو ضم؟
فالجواب في ذلك: أن الكسرة والضمة تستثقلان على الواو حتى تصير همزة.
وعلة أخرى: أن قبل الواو ضمة فكرهوا الخروج من كسر إلى ضم فافهم ذلك فإنه لطيف جدًا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/203]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله جلّ وعزّ: قال فرعون آمنتم به [الأعراف/ 123].
فقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر أآمنتم به بهمزة ومدة على الاستفهام.
قياس قول أبي عمرو: أآمنتم بهمزة مفتوحة بعدها ألف، والألف التي بعدها هي الألف التي تفصل بها بين الهمزتين، كما يفصل بين النونات في «اخشينانّ» والهمزة الثانية التي بعد هذه الألف هي همزة أفعل في قولك: أأمن، والألف بعدها هي المنقلبة عن الفاء التي هي همزة لاجتماع همزتين في: أأمن أوقعت الألف بعد الهمزة المخففة، كما وقعت بعد الهمزة. [إذا قلت]: اقرأ آية فحققت الهمزتين جميعا، هذا قياس قوله، إلّا أنّه يشبه أن يكون ترك قياس قوله هاهنا؛ لما كان يلزم من اجتماع المتشابهة؛ فترك الألف التي تدخل بين الهمزتين في نحو: «آأنت». وخفف الهمزة الثانية، التي هي همزة أفعل من أأمن، وبعدها الألف المنقلبة عن الهمزة التي هي فاء، يدلّ على ذلك قولهم فيما ترجموا عنه بهمزة ومدّة على الاستفهام، وكذلك ما ترجموا عنه من قولهم.
[الحجة للقراء السبعة: 4/68]
وكذلك في طه [71]، والشعراء [49] في تقدير همزة بعدها ألفان.
فالهمزة همزة الاستفهام، والألفان الأولى منهما: الهمزة المخففة التي هي في أفعلتم والثانية المنقلبة عن الفاء.
قال: وقال البزيّ عن أبي الإخريط عن ابن كثير قال فرعون وآمنتم [الأعراف/ 123]. بواو بعد النون بغير همزة.
القول فيه: أنّه أبدل من همزة الاستفهام اللاحقة لأفعلتم، واوا لانضمام ما قبلها، وهي النون المضمومة في قوله: فرعون، وهذا في المنفصل كالمتصل في تودة، فقوله:
.. ن وا.. مثل: تود من تودة، وقوله: بغير همزة يريد بغير همزة بعد الواو المنقلبة عن همزة الاستفهام، يريد أنّه خفّف همزة أفعلتم، من آمنتم فجعلها بين الهمزة والألف، وهذا على قول أهل الحجاز؛ لأنّهم يخفّفون الهمزتين إذا اجتمعتا، كما يخففون الواحدة.
قال أحمد بن موسى: قال قنبل عن القواس مثل رواية البزيّ عن أبي الإخريط، غير أنّه كان يهمز بعد الواو.
[الحجة للقراء السبعة: 4/69]
قال أبو علي: همز بعد الواو لأنّ هذه الواو هي منقلبة عن همزة الاستفهام وبعد همزة الاستفهام همزة أفعلتم، فحقّقها ولم يخفّفها كما خفّف في القول الأول لمّا خفف الأولى حقّق الثانية.
ووجهه [أن الأول لما زال عن لفظة الهمزة] بانقلابها واوا حقّق الهمزة بعدها، لأنّه لم يجتمع همزتان.
ووجه القول الأول أنّ الواو لمّا كان انقلابها عن الهمزة في تخفيف قياسي كان في حكم الهمزة، فلم تحقّق معها الثانية، كما لا تحقق مع الهمزة نفسها، لأنّ الواو في حكمها، كما أنّها لما كانت في حكمها في قولهم: رويا* في تخفيف رؤيا* لم يدغموها في الياء، كما لم تدغم الهمزة فيها، وكما جعلوا الواو في حكم الهمزة في رويا، فلم تدغم كذلك جعل الواو في قوله نوا* من قوله قال فرعون وامنتم في حكم الهمزة؛ فخفف الهمزة الثانية التي في أفعلتم.
قال أحمد: وقال قنبل في طه: ءامنتم [71] بلفظ الخبر من غير مدّ.
[قال أبو علي]: وجه الخبر فيه أنّه يخبرهم بإيمانهم على وجه التقريع لهم بإيمانهم والإنكار له عليهم.
[الحجة للقراء السبعة: 4/70]
ووجه الاستفهام أنّه استفهام على وجه التقرير، يوبّخهم به وينكره عليهم.
قال قنبل في الشعراء: قال: أآمنتم مثل أبي عمرو ويمدّ.
[قال أبو علي]: يريد أنّه يزيد الاستفهام، فألحق همزة الاستفهام وخفف همزة أآمنتم وهي الهمزة التي بعد همزة الاستفهام، وتخفيفها أن تجعل بين بين.
وقرأ حمزة والكسائيّ في المواضع الثلاثة: أآمنتم بهمزتين، الثانية ممدودة.
[قال أبو علي]: حقّقا الهمزتين على ما يريانه من تحقيقهما، والهمزة الثانية ممدودة لأنّ الهمزة الثانية تتصل بها الألف المنقلبة عن الهمزة التي هي فاء في الأمر.
وما بعد هذا روايات لا عمل فيها). [الحجة للقراء السبعة: 4/71]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قال فرعون آمنتم به}
[حجة القراءات: 292]
قرأ ورش عن نافع وحفص {قال فرعون آمنتم به} على لفظ الخبر بغير استفهام أي صدقتم به وقرأ نافع والبزي عن ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر {قال فرعون آمنتم} بالهمز والمدّ على الاستفهام أي أجعلتم له الّذي أراد في {آمنتم} ثلاث ألفات ألف الاستفهام بمعنى التوبيخ والألف الوسطى ألف افعل وهي ألف القطع والأخيرة فاء الفعل والأصل قبل دخول ألف التوبيخ ءامنتم بهمزة بعدها ألف ملينة الأصل أأمنتم فخفف مثل آدم
قرأ ابن كثير في رواية القواس (قال فرعون وامنتم) بواو في اللّفظ إذا وصل ولا يهمز واعلم أن هذه الهمزة إذا خففت لم تكن بين بين بل تنقلب واوا لأن جعلها بين بين هو أن تكون الهمزة والألف والألف لا تقع قبلها ضمة فمنعت ضمة النّون في {قال فرعون} أن تجعل الهمزة بين بين وجرت مجرى الهمة في جؤن إذا خففت قلبت واوا فتقول جون وكذلك كل همزة مفتوحة قبلها ضمة فإنّك إذا خففتها قلبتها واوا مثل (لا يواخذكم الله) و(المولفة)
وقرأ حمزة والكسائيّ وأبو بكر (قال فرعون أآمنتم) بهمزتين وحجتهم أن الهمزة حرف من حروف المعجم كغيره من سائر الحروف جاز الجمع بينهما نحو ما يجتمع في الكلمة حرفان فيؤتى بكل واحد منهما من غير تغيير كقوله {لعلّكم تتفكرون} فجعلوا
[حجة القراءات: 293]
الهمزتين كغيرهما من سائر الحروف). [حجة القراءات: 294]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (34- قوله: {قال فرعون أامنتم به} قرأه أبو بكر وحمزة والكسائي في هذا الموضع وفي طه والشعراء بهمزتين محققتين بعدهما ألف، بدل من همزة ساكنة، هي فاء الفعل، لأن أصله ثلاث همزات: همزة الاستفهام مفتوحة، وهمزة ألف القطع ألف الفعل مفتوحة، وهمزة هي فاء الفعل ساكنة أبدل منها ألف على أصل بدلها في «آدم وآتى» وشبهه، فهؤلاء قرأوا على الأصل، كما فعلوا في «أأنذرتهم» وشبهه، ولم يستثقلوا اجتماع همزتين محققتين؛ لأن الأولى كأنها من كلمة أخرى، لأنها دخلت زائدة قبل أن لم تكن، وقرأ حفص في الثلاثة المواضع بهمزة واحدة، بعدها ألف، على لفظ الخبر الذي معناه الاستفهام، وإنما حذفت ألف الاستفهام من اللفظ استخفافًا، وحسن ذلك، لأن ما في الكلام من معنى التوبيخ والتقريع، من فرعون للسحرة، يدل على الاستفهام الذي معناه الإنكار منه لفعلهم الإيمان، وقرأ قنبل في الأعراف بالاستفهام أيضًا، غير أنه قرأ بواو في
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/473]
الوصل، بدل من الهمزة الأولى، لانضمام ما قبلها، وهي مفتوحة، وخفف الثانية بين بين، إرادة التخفيف؛ لأن الأولى تخفيفها عارض، فكأنها مخففة، فخفف الثانية، كما يفعل إذا حقق الأولى، على الأصل، وأبدل من الثانية ألفًا، لأنها ساكنة قبلها فتحة، وقرأ في طه بهمزة واحدة، بعدها ألف، على لفظ الخبر، كفحص، وقد ذكرنا وجه ذلك، وقرأ في الشعراء بهمزة محققة وبعدها همزة بين بين، وبعدها ألف بدل من الساكنة، وكذلك يفعل إذا ابتدأ في الأعراف، وقرأ الباقون في الثلاثة كقراءة قنبل في الشعراء، استثقلوا اجتماع همزتين محققتين فخففوا الثانية، على أصل التخفيف في المفتوحة، قبلها فتحة، وقد تقدم كثير من علل هذا النوع في تحقيقه وتخفيفه، فلذلك خففنا الكلام عليه في هذا المواضع، فاطلبه في الأصول تجده مشروحًا بابين من هذا، وفيما ذكرنا في هذا الموضع كفاية لمن فهم، والاختيار فيه كالاختيار في «أأنذرتهم»). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/474]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (28- {قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم} [آية/ 123] بهمزة واحدة ممدودة على الاستفهام:
قرأها ابن كثير في رواية البزي، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، ويعقوب- يس-، وكذلك في طه والشعراء.
والوجه أن أصله {أآمنتُم} بهمزة استفهام قبل همزة آمن، وهمزة آمن بعدها ألف هي أيضًا منقلبة عن همزة هي فاء الفعل في الأمن أو الأمان، فقد اجتمعت همزتان وألف ساكنة فخففوا الثانية منهما فحصلت همزة وألفان، وإنما خففوا هذه الثانية كراهية اجتماع الهمزتين.
وقرأ عاصم- ياش- وحمزة والكسائي ويعقوب- ح- {أأمنْتُمْ} مستفهمة بهمزتين بعدهما ألف.
والوجه أن الهمزتين أعني همزة الاستفهام وهمزة آمن، كلتاهما محققتان على أصلهما؛ لأن من عادة هؤلاء تحقيق الهمز.
وأما المدة التي بعد الهمزة الثانية فإنها الألف التي تتصف بالهمزة في آمن، وهي ألف منقلبة عن همزة هي فاء الفعل كما قدمنا.
وروى- ص- عن عاصم {آمَنتُم} على الخبر بوزن عامنتم في الأحرف الثلاثة.
[الموضح: 549]
والوجه أنه إخبار على وجه التوبيخ والتقريع، كما أن الاستفهام في الوجهين المتقدمين على وجه التقريع والتوبيخ والإنكار.
وروى- ل- عن ابن كثير {وآمَنتُم} بواو بعد نون {فِرْعَوْنُ} وهمزة بعد الواو.
والوجه أنه قلب همزة الاستفهام واواً لانضمام ما قبلها وهو النون من {وَامَنْتُم}، ثم ترك همزة أفعلتم على أصلها محققة ولم يخففها؛ لأنه لم تجتمع همزتان بعد قلب الأولى منهما واواً.
وروى المطوعي عن قنبل أيضًا {وامنتم} بواو بعد النون بغير همزة، وهو الصحيح عنه.
والوجه أنه أبدل من همزة الاستفهام واواً لضمة النون على ما سبق، ثم جعل همزة أفعلتم بين بين أعني بين الهمزة والألف؛ لأن الواو المنقلبة عن الهمزة في حكم الهمزة، فكأنه اجتمعت همزتان، فلهذا خفف الثانية ولم يحقق). [الموضح: 550]

قوله تعالى: {لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124)}

قوله تعالى: {قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (125)}

قوله تعالى: {وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِآَيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ (126)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 08:47 AM

سورة الأعراف
[ من الآية (127) إلى الآية (129) ]

{وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127) قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129)}

قوله تعالى: {وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (واجتمع القراء على نصب قوله: (ويذرك وآلهتك... (127).
واختلف النحويون في علة نصبه، فقال الفراء: هو منصوب على الصرف ومعناه الحال.
[معاني القراءات وعللها: 1/419]
وقال ابن الأنباري: كأنه قال: أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض في حال تركه إياك.
وقال الزجاج: نصبه ردٌّ على جواب الاستفهام بالواو.
وقال ابن اليزيدي: نصبه على العطف على قوله: (ليفسدوا في الأرض).
وروي عن ابن عباس أنه قرأ (ويذرك) رفعًا (وإلاهتك)، أي وعبادتك.
وقال الفراء: الرفع معطوف على قوله (أتذر)، أتبع آخر الكلام أوله). [معاني القراءات وعللها: 1/420]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (سنقتّل أبناءهم... (127) و(يقتّلون أبناءكم).
قرأ ابن كثير (سنقتل أبناءهم) خفيفة، و(يقتّلون أبناءكم) مشددة، وخففهما معًا نافع.
وشددهما الباقون). [معاني القراءات وعللها: 1/420]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (28- وقوله تعالى: {سنقتل أبناءهم} [127] {ويقتلون أبناءكم} [141].
قرأهما نافع بالتخفيف.
وقرأهما الباقون بالتشديد جعلوه من التقتيل مرة بعد مرة. غير أن ابن كثير كان يخفف {سنقتل} ويثقل: {ويقتلون} ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/203] (م)
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في التخفيف والتشديد من قوله عز وجل: سنقتل أبناءهم [الأعراف/ 127] ويقتلون أبناءكم [الأعراف/ 141].
فقرأ ابن كثير: سنقتل خفيفة، ويقتلون مشددة؛
[الحجة للقراء السبعة: 4/71]
وشدّدهما جميعا أبو عمرو وعاصم وابن عامر، وحمزة، والكسائيّ، وخفّفهما جميعا نافع، يقتلون* وسنقتل [بالتخفيف].
[قال أبو علي] التثقيل حسن. لأنّه يراد به الكثير، والتثقيل لذا المعنى أخصّ، والتخفيف يقع على التكثير، وغيره؛ فمن خفّف فلأنّه يصلح للتكثير أيضا، ومن جمع بين التخفيف والتثقيل كان آخذا بالوجهين). [الحجة للقراء السبعة: 4/72]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة علي -عليه السلام- وابن عباس وابن مسعود وأنس بن مالك وعلقمة والجحدري والتيمي وأبي طالوت وأبي رجاء: [وَيَذَرَكَ وَإلَاهَتَكَ].
وقرأ: [ويَذَرْكَ] -بإسكان الراء- الأشهب.
وقرأ: [ويذرُك] نعيم بن ميسرة والحسن بخلاف.
قال أبو الفتح: أما [إلَاهَتَك] فإنه عبادتك، ومنه الإله؛ أي: مستحق العبادة، وقد سميت الشمس إِلاهَة وأَلاهة؛ لأنهم كانوا يعبدونها، ويقال: تَأَلَّه تألهًا. قال رؤبة:
سبَّحن واسترجعن من تألهي
[المحتسب: 1/256]
أي: عبادتي، ويقال: لاهِ أبوك، ولهْ أبوك، ولَهْيَ أبوك ولَهِ أبوك، وفي تصريفها بعض الطول؛ فندعه تخفيفًا.
وأما [ويذَرُك] بالرفع فعلى الاستئناف أي: فهو يذرك.
وأما [يذَرْك] بالإسكان فيمن [يذَرُك]، كقراءة أبي عمرو: [إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرْكُمْ].
وحكى أبو زيد: [رُسُلْنا] بإسكان اللام استثقالًا للضمة مع توالي الحركات، ولم يسكن أبو عمرو [يَأْمُرُهم] كما أسكن [يأمرُكم]؛ وذلك لخفاء الهاء وخفتها فجاء الرفع على واجبه. وليست الكاف في [يأمركم] بخفِّيه ولا خفيفة خفة الهاء ولا خفاءها، فثقل النطق بها فحذف ضمتَها). [المحتسب: 1/257]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قال سنقتل أبناءهم}
قرأ نافع وابن كثير {قال سنقتل أبناءهم} بالتّخفيف وقرأ الباقون بالتّشديد لكثرة القتل مرّة بعد مرّة فأكثر ما تكلم به العرب التّشديد ومن خفف فإنّه أراد مرّة واحدة). [حجة القراءات: 294]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (35- قوله: {سنقتل أبناءهم}، و{يقتلون أبناءكم} قرأ الحرميان «سنقتل» بفتح النون والتخفيف، جعلاه من «قتل» الذي يدل على القلة والكثرة، وقرأ الباقون بضم النون والتشديد، جعلوه من «قتل» الذي يدل على معنى التكثير مرة بعد مرة، وقرأ نافع «يقتلون» بفتح الياء والتخفيف، جعله من «قتل يقتل» فهو يدل على القلة والكثرة، وقرأ الباقون بضم الياء والتشديد، جعلوه «قتل» إذ فيه معنى التكثير، قتل بعد قتل). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/474]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (29- {سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ} [آية/ 127] بالتخفيف:
قرأها نافع، وكذلك {يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وتابعه ابن كثير على {سَنُقَتِّلُ} فخففها وشدد {يُقَتِّلُونَ}.
[الموضح: 550]
وقرأ الباقون{سَنُقَتِّلُ} و{يُقَتِّلُونَ} بالتشديد فيهما.
والوجه أن التخفيف يصلح للقليل والكثير، والتثقيل يختص التكثير، وقد ذكرنا ذلك في مواضع). [الموضح: 551]

قوله تعالى: {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (إنّ الأرض للّه يورثها من يشاء... (128)
روى هبيرة عن حفص (يورّثها من يشاء) بفتح الواو، وتشديد الراء. والباقون على (يورثها).
قال أبو منصور: هما لغتان: ورّثت وأورثت، والأجود يورثها، كما قال: (وأورثنا القوم الّذين كانوا يستضعفون) ). [معاني القراءات وعللها: 1/421]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (29- وقوله تعالى: {يورثها من يشاء من عباده} [128].
روى حفص عن عاصم في رواية هبيرة {يورثها} بفتح الواو وتشديد الراء من ورث يورث كأنه مرة بعد أخرى.
وقرأ الباقون {يورثها} بالتخفيف من أفعل يفعل، وهو الاختيار؛ لأن شاهده قوله تعالى: {كذلك وأورثناها} {وأورثنا القوم الذين كانوا} [137] [كأن حفصًا] ذهب إلى قوله في الحديث «من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم» هكذا لفظ الحديث). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/203]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (وقرأ ابن كثير ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، والكسائيّ: يورثها [128] ساكنة الواو خفيفة الراء، وكذلك في مريم [63].
واختلف عن عاصم فروى أبو بكر عنه: يورثها خفيفة مثل حمزة.
وأخبرني الخزّاز-[أحسبه] أحمد بن علي- عن هبيرة عن حفص عن عاصم يورثها مشدّدة الراء، ولم يروها [عن عاصم] عن حفص غير هبيرة، وهو غلط، والمعروف عن عاصم يورثها خفيفة. وفي سورة مريم لم يختلفوا في قوله: تلك الجنة التي نورث [الآية/ 62]، أنّها خفيفة.
[الحجة للقراء السبعة: 4/72]
قال أبو علي: حجة التخفيف قوله: وأورثكم أرضهم وديارهم [الأحزاب/ 27]، وقوله: كذلك وأورثناها قوما آخرين [الدخان/ 28]، وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون [الأعراف/ 137].
ووجه التشديد أنّك تقول: ورث زيد مالا، وفي التنزيل:
وورثة أبواه [النساء/ 11]؛ فهو متعدّ فنقول في نقله بالهمزة وبتضعيف العين والتخفيف أولى لمجيء التنزيل عليه.
قال أبو زيد: ورث الرجل أباه يرثه وراثة، وميراثا، وورثا، وأورث الرجل ابنه مالا إيراثا حسنا، وورّث الرجل بني فلان ماله توريثا، وذلك إذا أدخل في ماله على ورثته من ليس منهم، فجعل له نصيبا.
قال أبو علي: فالقراءة بالتثقيل على وجه ما حكاه أبو زيد، وحملها عليه بعيد، ولكنّه يكون على قول الأعشى:
مورّثة مالا وفي الحي رفعة). [الحجة للقراء السبعة: 4/73]

قوله تعالى: {قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 08:49 AM

سورة الأعراف
[ من الآية (130) إلى الآية (133) ]

{وَلَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130) فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (131) وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آَيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (132) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آَيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (133)}

قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130)}

قوله تعالى: {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (131)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن: [إنما طَيْرُكُمْ عند الله].
قال أبو الفتح: الطير جمع طائر في قول أبي الحسن، وفي قول صاحب الكتاب: اسم للجمع، بمنزلة الجامل والباقر غير مكسَّر.
وروينا عن قطرب في كتابه الكبير أن الطير قد تكون واحدًا، كما أن الطائر الذي يقرأ به الجماعة واحد، وعلى أنه قد يكون الطائر جِمَاعًا بمنزلة الجامل والباقر. وأنشد ابن الأعرابي:
وبالعثانين وبالحناجر ... كأنه تَهتانُ يومٍ ماطرِ
على رءوسٍ كرُءوس الطائر). [المحتسب: 1/257]

قوله تعالى: {وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آَيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (132)}

قوله تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آَيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (133)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن: [عَلَيْهِمُ الْقَمْل] بفتح القاف، وسكون الميم.
قال أبو الفتح: [القَمْل] هنا: هو هذا المعروف، ولا يجوز أن يكون تحريف القُمَّل، ولا لغة
[المحتسب: 1/257]
فيه، كالجمْل والْجُمَّل في قراءة من قرأ: [حَتَّى يَلِجَ الْجَمْلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ]؛ لأن لهذا وجهًا قائمًا معروفًا، وهو هذا القَمْل المعروف). [المحتسب: 1/258]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 08:50 AM

سورة الأعراف
[ من الآية (134) إلى الآية (137) ]

{وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (134) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (135) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (136) وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137)}

قوله تعالى: {وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (134)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وأجمعوا على كسر الراء من: (الرّجز... (134)
واختلفوا في الرّجز والرّجز في الدثر. وقد بئن في موضعه اختلافهم. والرّجز: العذاب المقلقل). [معاني القراءات وعللها: 1/420]

قوله تعالى: {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (135)}

قوله تعالى: {فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (136)}

قوله تعالى: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وما كانوا يعرشون (137).
قرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم (يعرشون) بضم الراء، وفي النحل مثله.
وكسر الباقون في السورتين.
قال أبو منصور: هما لغتان معروفتان.
ومثله (يعكفون) و(يعكفون)، قرأ حمزة والكسائي (يعكفون) بكسر الكاف، وكذلك روى عبد الوارث عن أبي عمرو، وقرأ الباقون (يعكفون).
يقال: عكف على الشيء، إذا أقام عليه). [معاني القراءات وعللها: 1/421]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (30- وقوله تعالى: {وما كانوا يعرشون} [137].
قرأ عاصم في رواية أبي بكر وابن عامر {يعرشون}. بالضم، ومعناه: يبنون
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/203]
وقرأ الباقون بالكسر {يعرشون} ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/204]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في ضمّ الراء وكسرها من قوله تعالى:
[الحجة للقراء السبعة: 4/73]
يعرشون [الأعراف/ 137]-[النحل/ 68].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم يعرشون بكسر الراء، وفي النحل مثله.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وابن عامر بضم الراء فيهما). [الحجة للقراء السبعة: 4/74]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وما كانوا يعرشون}
قرأ ابن عامر وأبو بكر {يعرشون} بضم الرّاء وقرأ الباقون بكسر الرّاء). [حجة القراءات: 294]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (30- {يَعْرِشُونَ} [آية/ 137] بضم الراء:
قرأها ابن عامر وعاصم في رواية- ياش-، وكذلك في النحل.
وقرأ الباقون بكسر الراء في الحرفين). [الموضح: 551]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 08:52 AM

سورة الأعراف
[ من الآية (138) إلى الآية (141) ]

{وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138) إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (139) قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (140) وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (141)}

قوله تعالى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (31- فأما قوله: {يعكفون على أصنام لهم} [138].
فإن حمزة والكسائي قرآه بكسر الكاف.
والباقون بالضم، وهما لغتان، يعكف ويعكف. ويعرش ويعرش. ومعنى يعكفون: يواظبون عليه ويقيمون عليه، وكل من لزم شيئًا فقد عكف عليه ومنه الاعتكاف في المساجد.
فأقل الاعتكاف عند الشافعي ساعة، وعند غيره يوم وليلة. ولا يجيزون الاعتكاف، أعني هؤلاء إلا مع الصوم.
وحجة الشافعي رضي الله عنه أن عمر قال: «يا رسول الله: كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أوف بنذرك» فلو كان الصوم واجبًا ما جاز الاعتكاف ليلاً؛ لأن الصوم بالليل محال.
واعلم أن كل فعل كان ماضيه مفتوح العين فإن مستقبله يجوز كسره وضمه. أما ما كان ماضيه مكسورًا فالمضارع منه مفتوح، وما كان ماضيه مضمومًا فالمستقبل بالضم أيضًا. نحو ظرف يظرف. فهذا جملة من باب. وقد يشذ منه الأحرف وقد بينتها في غير هذا الموضع). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/204]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في ضم الكاف وكسرها من قوله عز وجل: يعكفون [الأعراف/ 138] فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر يعكفون بضم الكاف.
وروى عبد الوارث عن أبي عمرو يعكفون بكسر الكاف.
وقرأ حمزة والكسائي: يعكفون.
[قال أبو علي]: كل واحد من الضمّ والكسر؛ في عيني الكلمتين لغة، ومثل: يعكف، ويعكف، ويعرش، ويعرش، قولهم: يحشر ويحشر، ويفسق، ويفسق.
قال أبو عبيدة: يعرشون* أي يبنون، والعرش في هذا الموضع: البناء، ويقال: عرش مكة أي: بناؤه.
[الحجة للقراء السبعة: 4/74]
وقال أبو الحسن: يعرشون ويعرشون لغتان، وكذلك يبطش ويبطش، ويحشر ويحشر، ويعكف ويعكف، وينفر وينفر). [الحجة للقراء السبعة: 4/75]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم}
قرأ حمزة والكسائيّ {يعكفون} بكسر الكاف وقرأ الباقون بالضّمّ وهما لغتان تقول عكف يعكف ويعكف وكذلك عرش يعرش ويعرش). [حجة القراءات: 294]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (36- قوله: {يعكفون} و{يعرشون} قرأ حمزة والكسائي بكسر الكاف، وضمها الباقون، وقرأ ابن عامر وأبو بكر «يعرشون» هنا وفي النحل بضم الراء، وكسرها الباقون، وهما لغتان مشهورتان في الكلمتين، يقال: عكف يعكف ويعكُف بمعنى: أقام على الشيء، وعَروش يعِرش ويعُرش بمعنى: بنى). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/475]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (31- {يَعْكِفُونَ} [آية/ 138] بكسر الكاف:
قرأها حمزة والكسائي.
وقرأ الباقون {يَعْكُفُونَ} بضم الكاف.
والوجه أن {يَعْرُشُونَ} و{يَعْرِشُونَ} بضم الراء وكسرها لغتان، وكذلك {يَعْكُفُونَ} و{يَعْكِفُونَ} ). [الموضح: 551]

قوله تعالى: {إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (139)}

قوله تعالى: {قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (140)}

قوله تعالى: {وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (141)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وإذ أنجيناكم من آل فرعون... (141).
قرأ ابن عامر وحده (أنجاكم) ليس بين الجيم والألف ياء ونون.
ومعنى أنحيناكم وأنجاكم واحد؛ لأن الإنجاء لله جلّ وعزّ). [معاني القراءات وعللها: 1/422]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (28- وقوله تعالى: {سنقتل أبناءهم} [127] {ويقتلون أبناءكم} [141].
قرأهما نافع بالتخفيف.
وقرأهما الباقون بالتشديد جعلوه من التقتيل مرة بعد مرة. غير أن ابن كثير كان يخفف {سنقتل} ويثقل: {ويقتلون} ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/203] (م)
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (32- وقوله تعالى: {وإذ أنجيناكم من آل فرعون} [141].
قرأ ابن عامر وحده: {وإذا نجاكم} وكذلك هي في مصاحفهم.
والباقون: {أنجيناكم}.
وإذ متعلقة بفعل، التقدير: واذكروا إذ أنجيناكم. ومعنى أنجيناكم: أنجينا أباكم
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/204]
[وأحييناكم] فوعظهم الله تعالى لئلا ينزل بهم نقمته إذا خالفوا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/205]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وإذ أنجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يقتلون أبناءكم}
قرأ ابن عامر (وإذ أنجاكم من آل فرعون) بغير ياء ولا نون وكذا في مصاحفهم والمعنى وإذ أنجاكم الله
وقرأ الباقون {وإذ أنجيناكم} بالياء والنّون أخبر جلّ وعز عن نفسه بلفظ الملوك
قرأ نافع {يقتلون أبناءكم} بالتّخفيف وقرأ الباقون بالتّشديد). [حجة القراءات: 294]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (37- قوله: {وإذ أنجيناكم} قرأه ابن عامر بلفظ الواحد، رده على قوله: {قال أغير الله أبغيكم} «140» وقرأه الباقون «أنجيناكم» على لفظ الجماعة، إخبارًا عن الله، عن طريق التعظيم لله والإكبار له، فهو أعظم العظماء، وهو الاختيار؛ لأن الجماعة عليه، وله نظائر كثيرة في القرآن). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/475]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (32- {وإذْ أَنجَاكُم} [آية/ 141] بغير ياء ونون:
قرأها ابن عامر وحده.
[الموضح: 551]
وقرأ الباقون {أَنجَيْنَاكُم} بالياء والنون.
والوجه فيهما أن الإنجاء من الله تعالى في القراءتين، سواء أسند الفعل إلى لفظ الله تعالى أو إلى جماعة المخبرين، فقوله {أَنجَاكُم} الفعل مسند إلى اسم الله، كأنه قال أنجاكم الله، وقوله {أَنجَيْنَاكُم} لفظ يتضمن التعظيم؛ لأنه جرت عادة الملوك أن يسندوا أفعالهم إلى ضمير الجماعة فيقولوا فعلنا وصنعنا إيذانًا بأن أتباعهم يفعلون كفعلهم، فخاطب الله تعالى عباده بالمتعارف بينهم). [الموضح: 552]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 08:53 AM

سورة الأعراف
[ من الآية (142) إلى الآية (143) ]

{وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142) وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)}

قوله تعالى: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142)}
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (33- {ووَعَدْنَا مُوسَى} [آية/ 142] بغير ألف:
قرأها أبو عمرو ويعقوب.
وقرأ الباقون {ووَاعَدْنَا} بالأف.
وقد مضى الكلام في هذا في سورة البقرة). [الموضح: 552]

قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (جعله دكًّا وخرّ موسى صعقًا... (143)
قرأ حمزة والكسائي (دكاء) ممدودة، وفي الكهف مثله.
وقرأ عاصم هنا (دكًّا) منونة، وفي الكهف بغير تنوين، وقرأ الباقون (دكًّا) منونة في الموضعين.
قال أبو منصور: من قرأ (دكًّا) منونة أراد: أنها دكت دكا، على المصدر، ومن قرأ (دكاء) فالمعنى جعلها أرضًا دكاء، على (فعلاء)، وهي المستوية، وجمعها دكاوات). [معاني القراءات وعللها: 1/422]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (33- وقوله تعالى: {جعله دكا} [143].
قرأ حمزة والكسائي: {دكاء} ممدودًا، جعله صفة، والتقدير: فجعل الجبل أرضًا ملساء دكاء كقول العرب ناقة دكاء: لاسنام لها، فأقيمت الصفة مقام الموصوف.
وقرأ الباقون: {دكا} جعلوه مصدرًا كقوله: {دكت الأرض دكا} غير أن هذا قد ذكر الفعل الذي صدر عن مصدره لفظًا، وقوله: {فجعله} ليس من لفظ دكا. غير أنه بمعناه فكأن التقدير: فلما تجلي ربه للجبل دكه دكا.
إلا عاصمًا فإنه كان يمد الذي في (الكهف) ويقصر هاهنا كأنه جمع بين اللغتين لينبئ أن هذه جائزة وهذه جائزة، فمن مد جمعها دكاوات، ومن قصر لم يثن ولم يجمع؛ لأنه مصدر، وحكي لي عن بعض القراء أنه قرا {دكا} بالضم فيكون مصدرًا وجمعًا، والاختيار أن الدك الأرض الذليلة). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/205]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في المدّ والقصر [في قوله جلّ وعزّ]: دكا [الأعراف/ 143].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو، وابن عامر: جعله دكا منونة مقصورة هاهنا وفي الكهف [98] مثله.
وقرأ عاصم في الأعراف: دكا منونة مقصورة، [وقرأ في] الكهف [98]: دكاء ممدودة غير منونة.
وقرأ حمزة والكسائي: دكاء في الموضعين ممدودة غير منوّنة.
قال أبو زيد: دككت على الميّت التراب أدكّه دكّا: إذا دفنته، وهلت عليه التراب أهيله هيلا، وهما واحد، ودككت الرّكيّة دكا: إذا دفنتها، ودكّ الرجل فهو مدكوك: إذا مرض.
قال أبو عبيدة: جعله دكا أي: مندكا، والدّكّ والدكّة مصدر، وناقة دكّاء ذاهبة السّنام، والدك: المستوي، وأنشد للأغلب:
[الحجة للقراء السبعة: 4/75]
هل غير غار دكّ غارا فانهدم قال أبو الحسن: جعله دكا لأنّه لمّا قال: جعله كأنّه قال: دكّه، أو أراد جعله ذا دكّ، ويقال: دكّاء: جعلوها كالناقة الدكّاء التي لا سنام لها؛ فكأنّه بقي أكثره، قال: والأوّل أكثر القراءتين.
[قال أبو علي]: والمضاف محذوف على قول أبي الحسن.
وفي التنزيل: وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة [الحاقة/ 14]، وفيه: كلا إذا دكت الأرض دكا دكا [الفجر/ 21] ). [الحجة للقراء السبعة: 4/76]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فلمّا تجلى ربه للجبل جعله دكا}
[حجة القراءات: 294]
قرأ حمزة الكسائي {جعله دكاء} بالمدّ والهمز قال الأخفش قول تعالى {دكاء} أي جعله مثل دكاء ثمّ حذف المضاف وأقم المضاف إليه مقامه كما قال (وسل القرية الّتي) والعرب تقول ناقة دكاء أي لا سقام لها وقال قطرب قوله {دكاء} صفة التّقدير جعله أرضًا دكاء أي ملساء فأقيمت الصّفة مقام الموصوف وحذف الموصوف ودلّ عليه الصّفة كما قال سبحانه {وقولوا للنّاس حسنا} أي قولا حسنا
وقرأ الباقون {دكا} منونا جعلوا دكا مصدرا من دككت الشّيء إذا كسرته وفتته فتأويله جعلته مفتتا كالتراب وحجتهم قوله تعالى {كلا إذا دكت الأرض دكا دكا} المعنى فلمّا تجلى ربه للجبل جعل مدكوكا فكأنّه دكه فيجعل قوله {دكا} مصدرا صدر عن معنى الفعل لا عن لفظه). [حجة القراءات: 295]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (38- قوله: {جعله دكًا} قرأه حمزة والكسائي بالمد، وفتح الهمزة، غير منون، وقرأ الباقون بالتنوين، من غير مد ولا همز.
وحجة من مده أنه أخذه من قول العرب: «هذه ناقة دكاء» للتي لا سنام لها، فهي مستوية الظهر، فكأنه في التقدير: جعل الجبل مثل ناقة دكاء، أي جعله، إذ تجلى عليه مستويًا لا ارتفاع فيه، انحط الجبل من علوه وارتفاعه تعظيمًا لله وخضوعًا له، إذ تجلى بعظمته إليه، فلما حدث في الجبل على عظمته وصلابته وقوته هذا الحادث فكيف لابن آدم الضعيف طاقة على رؤية البارئ في الدنيا، هذا ما لا يكون، فلما أظهر الله لموسى أمرًا في الجبل استيقن موسى برؤيته أنه تعالى لا يرى في الدنيا.
39- وحجة من لم يمده أنه جعله مصدر دككت الأرض
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/475]
دكا، أي: جعلتها مستوية لا ارتفاع فيها ولا انخفاض، قال الأخفش كأنه لما قال: جعله، قال: دكه دكا، فجعله في موضع دكه، ويقوي هذه القراءة قوله: {فدكتا دكة واحدة} «الحاقة 14» وقوله: {دكت الأرض دكا دكا} «الفجر 21» قال أبو عبيدة: جعله دكا أي مندكا، والاختيار ترك المد لما بيناه من العلة، ولأن عليه أكثر القراء، ولما روى أنس بن مالك عن النبي عليه السلام أنه قرأ: «دكا» بالتنوين من غير مد). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/476]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (34- {جَعَلَهُ دَكًاء} [آية/ 143] ممدود مهموز:
قرأها حمزة والكسائي، وكذلك في سورة الكهف، وقرأ عاصم في الأعراف {دَكًا} مقصورة منونة، وفي الكهف {دَكًاء} مثل حمزة.
[الموضح: 552]
ووجه القراءة بالمد والهمز أن {دَكًاء} صفة موصوف محذوف، والتقدير: جعله أرضًا دكاءً، وهي المستوية، مثل ناقة دكاء وهي التي افترض سنامها فصار مستويًا على ظهرها.
وقرأ الباقون {دَكًا} مقصوراً منوِّنًا في السورتين.
والوجه أنه مصدر دك يدك، يقال: دككت التراب على الميت إذا دفنته فيه فسويته بالأرض، فقوله {جَعَلَهُ دَكًا} أي ذا دكٍ، فحذف المضاف). [الموضح: 553]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 08:55 AM

سورة الأعراف
[ من الآية (144) إلى الآية (147) ]

{ قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آَتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (144) وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ (145) سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (146) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآَخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (147)}

قوله تعالى: {قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آَتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (144)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (إنّي اصطفيتك... (144).
فتح الياء ابن كثير وأبو عمرو، وأسكنها نافع وغيره.
ولم يسكن نافع ياء إضافة يليها ألف وصلٍ إلا في ثلاثة مواضع: (إنّي اصطفيتك)، وفي طه (أخي اشدد)، وفي الفرقان "يا ليتني اتّخذت) ). [معاني القراءات وعللها: 1/424]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (35- وقوله تعالى: {برسالاتي وبكلامي} [144].
قرأ ابن كثير ونافع بالتوحيد؛ لأن الرسالة الواحدة قد يكون معها كلمات.
وقرأ الباقون بالجمع ليكون أشكل بالكلمات ويجوز أن يكون أرسله مرارًا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/207]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الجمع والتوحيد من قوله تعالى: برسالاتي [الأعراف/ 144].
[الحجة للقراء السبعة: 4/76]
فقرأ ابن كثير ونافع برسالتي واحدة، وقرأ الباقون برسالاتي جماعة.
الرسالة تجري مجرى المصدر، فتفرد في موضع الجمع، وإن لم يكن المصدر من «أرسل» يدلّك على أنّه جار مجراه قول الأعشى.
غزاتك بالخيل أرض العدوّ* وجذعانها كلفيظ العجم فإعماله إيّاه إعمال المصدر، يدلّك على ذلك أنّه يجري مجراه، والمصدر قد يقع لفظ الواحد منه، والمراد به الكثرة.
قال:
فقتلا بتقتيل وضربا بضربكم* جزاء العطاس لا ينام من اتّأر
[فكان المعنى على الجميع] لأنّه مرسل بضروب من الرسالة، والمصادر قد تجمع مثل الحلوم والألباب.
وقال عزّ وجل: إن أنكر الأصوات لصوت الحمير
[الحجة للقراء السبعة: 4/77]
[لقمان/ 19]، فجمع الأصوات لمّا أريد بها أجناس مختلفة صوت الحمار بعضها، وأفرد صوت الحمار، وإن كان المراد به الكثرة؛ لأنّه ضرب واحد). [الحجة للقراء السبعة: 4/78]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قال يا موسى إنّي اصطفيتك على النّاس برسالاتي وبكلامي}
قرأ نافع وابن كثير (إنّي اصطفيتك على النّاس برسالتي) على التّوحيد وحجته ما بعده {وبكلامي}
وقرأ الباقون {برسالاتي} على الجمع أرسله مرارًا). [حجة القراءات: 295]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (40- قوله: {برسالاتي} قرأ الحرميان بالتوحيد، وقرأ الباقون بالجمع.
وحجة من وحَّده أن «رسالة» تجري مجرى المصدر، وتعمل عمله، وإن كانت الهاء فيها، فالمصدر موحد، أبدًا إذ يدل على القليل والكثير من جنسه، وأيضًا فإن بعده «وبكلامي» وهو مصدر موحد، يُراد به أيضًا الكثرة، فجرت الرسالة، في توحيد لفظها، على مثل توحيد الكلام.
41- وحجة من جمع أنه لما كان موسى صلى الله عليه وسلم أرسل بضروب من الرسالات، فاختلفت أنواعها، فجمع المصدر، لاختلاف أنواعه، كما قال: {إن أنكر الأصوات} «لقمان 19» والأصوات جمع صوت، وصوت مصدر، فجمع لاختلاف أجناس الأصوات، واختلاف المصوتين، ووحّد في قوله: {لصوت} لما أراد به جنسًا واحدًا من الأصوات). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/476]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (35- {بِرِسَالتِي} [آية/ 144] على الواحد:
قرأها ابن كثير ونافع ويعقوب- ح-.
والوجه أنه اسم يجري مجرى المصدر، والمصدر يُفرد في موضع الجمع؛ لن المصادر لا تثنى ولا تجمع لكونها جنسًا، فلما كانت الرسالة تجري مجرى المصدر عوملت معاملة المصدر، كما قال الأعشى:
38- غزاتك بالخيل أرض العدو = وجذعانها كلفيظ العجم
[الموضح: 553]
فأعمل غزاة عمل المصدر فنصب: أرض العدو.
وقرأ الباقون {بِرِسَالاتِي} على الجمع.
والوجه أن المصدر قد يجمع إذا اختلفت أنواعه، والرسول يرسل بأنواع من الرسالات، فلهذا جمع، وهذا كما جمعت الحلوم والعلوم، وقال الله تعالى {إنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الحَمِيرِ} فجمع الصوت وهو مصدر لما اختلفت أنواعه.
ويجوز أن يكون جمعت الرسالة؛ لأنها ليست بمصدر محضٍ، بل هي اسم فجمعت كما تُجمع الأسماء). [الموضح: 554]

قوله تعالى: {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ (145)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن أيضًا: [سَأُورِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ].
قال أبو الفتح: ظاهر هذه القراءة مردود؛ لأنه سأُفْعِلُكم من رأيتُ، وأصله: سَأُرْئِيكُم، ثم خففت الهمزة بحذفها وإلقاء حركتها على الراء، فصارت سأُريكم. قالوا: وإذن لا وجه لها، ونحو من هذا قراءته أيضًا: [ولا أَدْرَأْتُكُم به]، إلا أن له وجهًا ما، هو أن يكون أراد: [سأُرِيكم] ثم أشبع ضمة الهمزة فأنشأ عنها واوًا، فصارت [سَأُورِيكم].
وقد جاء من هذا الإشباع الذي تنشأ عنه الحروف شيء صالح نثرًا ونظمًا، فمن المنثور قولهم: بينا زيد قائم جاء عمرو، إنما يراد بين أوقات زيد قائم جاء فلان، فأشبع الفتحة فأنشأ عنها ألفًا. ومثله قول عنترة:
يَنْبَاع من ذِفْرَى غَضوب جسرة
أراد: ينبع، فأشبع فتحة الباء فنشأت عنها ألف كما ترى، على هذا حمله لنا أبو علي سنة إحدى وأربعين، وقد قال الأصمعي مع ذلك يقال: انباع الشجاع ينباع انبياعًا إذا انخرط ماضيًا من الصف.
وأخبرنا أبو علي عن أحمد بن يحيى أنه قال: يقال: جِيء به من حيثُ ولَيْسا.
ورَوى الفراءُ عن بعضهم أنه سمعه يقول: أكلت لحما شاة، وهو يريد: لحم شاة، فأشبع الفتحة فأنشأ عنها ألفًا، وهو اعتراض بين المضاف والمضاف إليه علي ضيق الوقت وقصره بينهما. ومنه المسموع عنهم في الصياريف والدراهيم، وأنشدنا أبو علي:
[المحتسب: 1/258]
وأنني حيثما يسري الهوى بصري ... من حَوْثُما سلكوا أثنى فأَنظور
يريد: فأنظره، فأشبع الضمة فأنشأ عنها واوًا، هكذا رواه أبو علي يسري من سريت، ورواه ابن الأعرابي: يشري -بالشين معجمة- أي: يُقلق ويحرك الهوى بصري، وما أحسن هذه الرواية وأطرفها! وأنشد غيرهما:
عَيْطاء جَمَّاء العِظَام عُطْبولْ ... كأَن في أنيابها القَرَنْفولْ
يريد: القَرَنْفُل، فإذا جاز هذا ونحوه نظمًا ونثرًا ساغ أيضًا أن يُتأول لقراءة الحسن: [سأُورِيكُمْ]، أراد: سأُرِيكم وأشبع ضمة الهمزة فأنشأ عنها واوًا، وهو أبو سعيد، والمأثور من فصاحته ومتعالَم قوة إعرابه وعربيته! فهذا مع ما فيه من نظائره أمثل من أن يُتلقي بالرد صِرفًا غير منظور له ولا مسعيٍّ في إقامته. وزاد في احتمال الواو في هذا الموضع أنه موضع وعيد وإغلاظ، فمُكن الصوت فيه وزاد إشباعه واعتماده، فأُلحقت الواو فيه لما ذكرنا). [المحتسب: 1/259]

قوله تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (146)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وإن يروا سبيل الرّشد... (146).
قرأ حمزة والكسائي (الرّشد) بفتح الراء والشين، وقرأ الباقون (الرّشد) بضم الراء خفيفًا.
وقرأ أبو عمرو ويعقوب في الكهف (ممّا علّمت رشدًا (66). بفتح الراء والشين.
[معاني القراءات وعللها: 1/422]
وروى أحمد بن يوسف التغلبي عن ابن ذكوان بإسناده عن ابن عامر (ممّا علّمت رشدًا) بضم الراء والشين.
قال: وقرأت على ابن أخرم (رشدًا)) ساكنة الشين مثل الباقين.
قال أبو منصور: هي لغات معروفة، والرُّشْد والرَّشَد والرُّشُد معناها واحد). [معاني القراءات وعللها: 1/423]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (سأصرف عن آياتي الّذين يتكبّرون في الأرض... (146).
أسكنها ابن عامر وحمزة، وحركها الباقون). [معاني القراءات وعللها: 1/424]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (34- وقوله تعالى: {وإن يروا سبيل الرشد} [146].
قرأ حمزة والكسائي: {الرشد} بفتح الراء والشين.
وقرأ الباقون بضم الراء وجزم الشين {سبيل الرشد}.
فقال قوم: هما لغتان مثل السقم والحزن والحزن، وقال
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/205]
أبو عمرو: الرشد: الصلاح. والرشد: في الدين فلذلك كان يقرأ التي في الكهف {رشدا}.
وقال أبو عبيد: الاختيار: الرشد بالضم والإسكان لأن القراء أجمعوا على قوله: {فإن ءانستم منهم رشدًا} فهذا مثله.
قال أبو عبيد: الاختيار: الرشد بالضم والإسكان لأن القراء أجمعوا على قوله: {فإن ءانستم منهم رشدا} فهذا مثله.
قال أبو عبد الله رضي الله عنه: وكذلك: {قد تبين الرشد من الغي} والغي: هاهنا الضلال يقال غوي الرجل يغوي: إذا صار من أهل الغي. والغواية: الضلالة. وأما غوى بكسر الواو يغوي غوى فشيئان:
يقال في السخلة إذا بشمت من كثرة الشرب للبن، وإذا هزلت من قلة الشرب، وينشد:
معطفة الأثناء ليس فصيلها = برازئها درا ولاميت غوى
الدر: اللبن، ومن ذلك قولهم: لله درك، أي: لله صالح عملك، وذلك أن العرب كانت تفتض الكرش لشرب مائه وتفصد العرق لتشرب الدم فكان أفضل ما يشربون اللبن وهو الدرة فأما قوله: {لا يتخذوه سبيلا} [146] فإن أبيا قرأ {لا يتخذوها} فالهاء في كلا القراءتين تعود على السبيل؛ لأن العرب تذكر السبيل وتؤنثه، قال الله تعالى: {قل هذه سبيلي} وقال في موضع آخر: {قصد السبيل ومنها جائر} فأما ابن
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/206]
عامر فإنه قرأ في الكهف {رشدا} بضمتين أتبع الضم الضم كما قرأ أيضًا: {وأقرب رحما} وكما قرأ عيسى بن عمر: {أليس الصبح بقريب} ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/207]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في التخفيف والتثقيل من قوله [جلّ وعزّ]: وإن يروا سبيل الرشد [الأعراف/ 146].
فقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم، وابن عامر سبيل الرشد بضم الراء خفيفة.
وقرأ حمزة والكسائيّ: سبيل الرشد مثقّلة بفتح الراء والشين.
وقرأ ابن كثير ونافع وحمزة والكسائيّ في الكهف: مما علمت رشدا [الآية/ 66] مضمومة الراء خفيفة.
وقرأ أبو عمرو رشدا* مفتوحة الراء خفيفة.
وقرأ ابن عامر رشدا* مضمومة الراء والشين ثقيلة.
هكذا في كتابي عن ابن ذكوان رشدا* بضم الراء والشين.
ورأيت في رواية غيره رشدا* خفيفة الشين موقوفة أخبرني بذلك أحمد بن يوسف [التغلبي] عن عبد الله بن ذكوان عن أيوب بن تميم عن يحيى بن الحارث عنه.
وروى هشام بن عمار بإسناده عن ابن عامر رشدا بضم الراء موقوفة الشين خفيفة.
[الحجة للقراء السبعة: 4/78]
قال أبو علي: الرشد، والرّشد؛ حكي أنّ أبا عمرو فرّق بينهما، فقال الرّشد: الصلاح، والرّشد: الدين، مثل قوله مما علمت رشدا [الكهف/ 66].
قال [أبو علي]: وقد جاء: فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا [الجن/ 14]، فهذا في الدين وكذلك: هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا [الكهف/ 66]، وهيئ لنا من أمرنا رشدا [الكهف/ 10]؛ فهذا كله في الدين، وهذه التي في الأعراف يجوز أن يكون يعني به الدين. كأنّ المعنى: وإن يروا سبيل الخير زاغوا عنه، وعدلوا فلم يتخذوه سبيلا، أي لم يأخذوا به. وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا، ألا تراه يقول: ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا، ومقابلته بالغيّ يدلّ على الضلالة والزيغ عن طريق الدين والهدى.
وقال: إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين [الحجر/ 42]، والتي في سورة النساء في قوله: فإن آنستم منهم رشدا، فادفعوا إليهم أموالهم [الآية/ 6] فمن إصلاح المال والحفظ له، وقد جاء الرّشد في غير الدين. قال:
[الحجة للقراء السبعة: 4/79]
حنّت إلى نعم الدّهنا فقلت لها... أمّي هلالا على التوفيق
والرّشد ويدلّ على تقوية قول أبي عمرو في فصله بين الرّشد والرّشد، وأنّه ليس بلغتين على حدّ العجم والعجم، والعرب والعرب، ونحو ذلك: أن سيبويه قال: بعضهم يقول: البخل كالفقر، والبخل كالفقر، وبعضهم يقول: البخل كالكرم، فلم يحمل البخل والبخل على مثال: العجم والعجم والثّكل والثّكل، وكذلك الرّشد والرّشد). [الحجة للقراء السبعة: 4/80]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا}
قرأ حمزة والكسائيّ {الرشد} بفتح الرّاء والشين وقرأ الباقون بضم الرّاء وسكون الشين وهما لغتان مثل السقم والسقم والحزن
[حجة القراءات: 295]
والحزن قال أبو عمرو سبيل الرشد أي الصّلاح وتصديقها قوله {فإن آنستم منهم رشدا} والرشد في الدّين فلذلك قرأ في الكهف {ممّا علمت رشدا} ). [حجة القراءات: 296]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (42- قوله: {الرشد} قرأه حمزة والكسائي بفتح الراء والشين، وقرأ
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/476]
الباقون بضم الراء وإسكان الشين، وقرأ أبو عمرو في الكهف «رشدا» بفتح الراء والشين، وقرأ الباقون بضم الراء وإسكان الشين، وهما لغتان في الصلاح والدين، وقد قيل: إن من فتح الراء والشين أراد به الدين لأن قبله ذكر الغي، والدين ضد الغي، وقد أجمعوا على الفتح في قوله: {تحرَّوا رشدا} «الجن 14» أي: دينا، ومثله: {وهيئ لنا من أمرنا رشدا} «الكهف 10»، أي: دينًا، ومن ضم الراء أراد الصلاح، كذا حكى أبو عمرو في الفتح والضم، والمعنيان متقاربان، لأن الدين الصلاح، والصلاح هو الدين). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/477]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (36- {سَبِيلَ الرُّشْدِ} [آية/ 146] مفتوحة الراء والشين:
قرأها حمزة والكسائي، وقرأ أبو عمرو ويعقوب في سورة الكهف {رَشَدًا} بفتح الراء والشين، وقرأ الباقون {رُشَدًا} بضم الراء وإسكان الشين في السورتين.
والوجه أنهما لغتان رشد ورشد، كما تقول بخل وبخل وشغل وشغل، وقال أبو عمرو: الرشد بضم الراء وإسكان الشين: الدين، والرشد بفتحتين: الصلاح). [الموضح: 554]

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآَخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (147)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 08:57 AM

سورة الأعراف
[ من الآية (148) إلى الآية (154) ]

{وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ (148) وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (149) وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151) إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (152) وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآَمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (153) وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154)}

قوله تعالى: {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ (148)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (من حليّهم عجلًا جسدًا... (148).
قرأ حمزة والكسائي (من حليّهم) بكسر الحاء والتشديد، وقرأ الحضرمي (من حليهم) بفتح الحاء وسكون اللام خفيفة، وقرأ الباقون (من حليّهم) بضم الحاء، مشددًا.
قال أبو منصور: من قرأ (من حليهم) فهو واحد، ويجمع: حليًّا وحليّا، والأصل فيهما الضم، لأنه جمع على (فعول).
ومن كسر الحاء فلإتباعه الكسرة التي في اللام والياء). [معاني القراءات وعللها: 1/423]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (36- وقوله [تعالى]: {من حليهم عجلا جسدا} [148].
قرأ حمزة والكسائي بكسر الحاء واللام.
والباقون بالضم على اصل الكلمة وذلك أن الحُلي جمع حُلْي مثل حُقوٍ وحقي ووزن حُليً: فعول والأصل: حلوى فلما اجتمعت واو وياء والسابق ساكن قلبوا من الواو ياء وأدغموا كما تقول: شويت اللحم شيا، وكويته كيا، وهذه عشري لا عشروك، وهؤلاء زيدي، فذهبت النون للإضافة، وقلبوا من الواو ياء وأدغموا.
وأما من كسر فقال {حليهم} فإنه استثقل الضمة مع الياء كما تستثقل مع الكسرة فكسر الحاء لمجاورة اللام، وثمله {عتيا} {وجثيا} {وبكيا}.
وقرأ يعقوب الحضرمي: {من حليهم عجلا جسدا} بفتح الحاء وجزم
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/207]
اللام، جعله واحدًا. والجسد: الذي لا يتكلم إلا تسمع قوله: {ألا يرجع إليهم قولا} وذلك أن بني إسرائيل قالوا لموسى {اجعل لنا إلها} أي: صنمًا نعبده كما أن لقوم فرعون أصنامًا عمد السامري فكان مطاعا في قومه إلى حلي عنده وعندهم فجعله عجلاً وفوهه فكان يصوت إذا خرقته الريح فذلك قوله: {[له] خوار}.
وقال آخرون: بل تناول من أثر حافر فرس جبريل صلى الله عليه وسلم ترابًا فلما اتخذ العجل ألقاه في جوفه فكان ينخره.
وقال آخرون: بل تناول من أثر حافر فرس جبريل صلى الله عليه وسلم ترابًا فلما اتخذ العجل ألقاه في جوفه فكان ينخره.
وقال آخرون: إنما خار مرة واحدة ثم لم يعد.
واسم فرس جبريل عليه السلام: حيزوم). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/208]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في ضمّ الحاء وكسرها من قوله تعالى: من حليهم [الأعراف/ 148].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم من حليهم بضم الحاء.
وقرأ حمزة والكسائي: من حليهم بكسر الحاء، وكلّهم شدّد الياء.
الواحد من الحليّ: حلي، وجمعه: حليّ، ومثله: ثدي وثديّ، ومن الواو: حقو وحقيّ قال:
[الحجة للقراء السبعة: 4/80]
يسهّد من نوم العشيّ سليمها... لحلي النّساء في يديه قعاقع
قال: لحلي النساء على أحد أمرين: إمّا على حدّ قوله:
كلوا في بعض بطنكم تعفّوا وقوله: قد عضّ أعناقهم جلد الجواميس أو يكون على حدّ قوله: وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها [إبراهيم/ 34 - النحل/ 18] فيريد به الكثرة، [أمّا فعول فإنّه يكون مفردا، ويكون جمعا. فإذا كان مفردا. جاء على ضربين: أحدهما أن يكون مصدرا وهو العام الكثير، مثل:
القعود والدخول والمضيّ.
وقد جاء اسما في قولهم: الأتيّ والسّدوس.
[الحجة للقراء السبعة: 4/81]
وإذا كان جمعا كان على ضربين: أحدهما أن يكون جمعا للثلاثة مثل: كعب وكعوب، والآخر أن يكون لما زاد على الثلاثة نحو: شاهد وشهود، وحاضر وحضور؛ فإذا كان جمعا للثلاثة، فالثلاثة المجموع بها على ضربين: صحيح ومعتل، ومن المعتل: المجموع على فعول ما كان لامه حرف علة وذلك نحو: ثدي وثدي، وحقو وحقيّ، مما كان من الياء نحو قولهم: حليّ في جمع حلي، فواو فعول قلبت ياء لوقوعها قبل الياء التي هي لام، كما أبدلت واو مفعول من مرميّ لذلك، وأبدلت من ضمة عين فعول كسرة، كما أبدلت ضمّة عين مفعول في: مرميّ، وإن كانت اللام واوا أبدلت منها الياء وذلك نحو: حقو وحقيّ]، وقال الشاعر:
بريحانة من بطن حلية نوّرت... لها أرج ما حولها غير مسنت
فإن كان هذا المكان سمّي بواحد حلي، كتمرة، وتمر، كان حلي جمعا، ويكون قوله: لحلي النساء جمعا قد أضيف إلى جمع.
[الحجة للقراء السبعة: 4/82]
وقال: أو من ينشأ في الحلية [الزخرف/ 18]، وقال:
وتستخرجون حلية تلبسونها [فاطر/ 12]، فيجوز أن تكون الحلية إنّما كسرت مع علامة التأنيث، وفتح بلا هاء فقال:
حلي، كما قالوا: البرك للصدر، والبركة قال:
ولوح ذراعين في بركة وقالوا: كان زياد أشعر بركا. فأمّا وجه قول من ضمّ من حليهم؛ فإنّ حليا لا يخلو من أن يكون جمعا على حدّ نخل وتمر، أو مفردا فيكون: حلي وحليّ، كقولهم: كعب وكعوب وفلس وفلوس، إلّا أنّه لما جمع أبدل من الواو الياء؛ لإدغامها في الياء وأبدل من الضمة كسرة كما أبدلت في مرميّ ومخشيّ، ونحو ذلك. فأمّا الحاء التي هي فاء في الحلي، فإنّها بقيت مضمومة كما كانت مضمومة في: كعوب وفلوس، ويجوز أن يكون جمعا كتمر، وجمع على فعول كما جمع صفا على صفيّ في نحو:
مواقع الطّير على الصّفيّ
[الحجة للقراء السبعة: 4/83]
وممّا يحتمل أن تكون الضمة أبدلت فيه كسرة قولهم:
بكيت، والمحتزن البكيّ فالبكيّ يجوز أن يكون فعيلا، ويكون باك وبكيّ، كعالم وعليم، وشاهد وشهيد، فالكسرة من العين على هذا كسرة فعيل، ويجوز أن يكون فعولا، أبدلت الواو منها ياء، وأبدلت من ضمّتها الكسرة كقولهم: أدحيّ النّعام، وآريّ الدابة هما فاعول، إلّا أنّ اللام من أدحيّ واو قلبت ياء، ومن آريّ ياء والكسرة في البناء مبدلة ضمة.
ووجه قول حمزة والكسائي في كسرهما الحاء من حليهم، هو أنّ المكسر من المجموع قد غيّر عمّا كان الواحد عليه في اللفظ والمعنى، كما أن الاسم المضاف إليه كذلك، ألا ترى أنّ الاسم المكسر في الجمع يدلّ بالتكسير
[الحجة للقراء السبعة: 4/84]
على الكثرة، وأن الفاء قد غيّر في التكسير كما أن الاسم المضاف إليه كذلك؟ وذلك أنّه بالنّسب صار صفة، وكان قبل اسما، وقد تغيّر في اللفظ بما لحقه من الزيادة؛ فلمّا تغيّر الاسم تغييرين وهو: إبدال الواو ياء وإبدال الضمة كسرة كما غيّر في الإضافة تغييرين، قوي هذا التغيير على تغيير الفاء، كما قوي النسب للتغييرين على حذف الياء من نحو: حنفي، وجدلي في النسب إلى حنيفة، وجديلة، وكذلك حليّ وعصيّ.
فإن قلت: فهلّا لزم هذا التغيير في الجمع هاهنا، كما لزم في النسب؟.
قيل: إنّ النسب قد جاء منه ما لم يغيّر، وترك على أصله، وذلك قولهم في الإضافة إلى سليقة: سليقي، وإلى عميرة كلب: عميري، فجاء غير مغيّر مع التغييرين اللاحقين للاسم في النسب؛ فكذلك جاء حليّ على الأصل مع هذين التغييرين اللاحقين للاسم.
وأما نحو: عصيّ وقنيّ فقد لحقه مع هذين التغييرين اللذين ذكرنا تغيير ثالث، وهو إبدال الواو ياء، وكذلك ما كان
[الحجة للقراء السبعة: 4/85]
من ذلك جمعا، الآخر منه واو، فإنّه يلزم بدل الواو منه ياء نحو عصيّ وحقي ودليّ؛ فهذا مستمر، إلّا أن يشذّ منه شيء، فيجيء على الأصل نحو ما حكاه من قولهم: إنّكم لتنظرون في نحو كثير، ونحو ما أنشده أحمد بن يحيى:
وأصبحت من أدنى حموّتها حما فجاءت الواو في الحموّة مصححة، وكان القياس أن تنقلب ياء من حيث كان جمعا. فأمّا إلحاق تاء التأنيث له فعلى حدّ عمومة وخيوطة، وليس لحاق هذه التاء ممّا يمنع القلب، ألا ترى أن الذي يوجب القلب فيه هو أنّه جمع، وما كان من هذا النحو واحدا كالمضيّ والصّلي، مصدر صلي فإنّ الفاء منه، لا تكسر كما كسر في الجموع، لأنّ الواحد لم يتغيّر فيه المعنى كما تغيّر في الجمع.
وحكى أبو عمر عن أبي زيد آوى إليه إويّا، وممّا يؤكد
[الحجة للقراء السبعة: 4/86]
كسر الفاء في هذا النحو من الجمع قولهم: قسيّ في جمع قوس، ألا ترى أنّا لا نعلم أحدا يسكن إلى روايته حكى فيه غير الكسر في الفاء؛ فهذا ممّا يدل على تمكن الكسرة في هذا الباب الذي هو الجمع، وربما أبدلت اللّامات إذا كانت واوات من الأسماء، وليس ذلك على حدّ الإبدال في عصيّ وحقيّ، لو كان على هذا الحدّ للزم هذا الضرب من الآحاد كما لزم الجموع، وإنّما ألزمت الآحاد التغيير، كما لزمت أدل وأحق وأجر، وذلك أنّه لما قرب من الطّرف أبدلت كما أبدل هذا الضرب، وعلى هذا قالوا: مسنيّة، ومعدي، ومن ذلك قولهم: العتوّ قال تعالى: وعتوا عتوا كبيرا [الفرقان/ 21]؛ فصحّحت، وأبدلت في قوله: أيهم أشد على الرحمن عتيا [مريم/ 69]، وقد بلغت من الكبر عتيا [مريم/ 8]؛ فهذا مصدر، ولو كان اسما على حد: شاهد، وشهود، للزم فيه البدل كقولهم: الجثيّ في جمع جاث لأنّه من يجثو، ولكنّه أبدل على حدّ مسني ومعديّ، وقالوا: أنا أجوؤك وأنبؤك، وهو منحدر من الجبل، فأتبعوا الحركة الحركة، فإن لم يكن في الكلمة تغييران، فهذا التغيير في الجمع على ما قرأه حمزة والكسائي أقوى.
[الحجة للقراء السبعة: 4/87]
وأمّا قولهم في جمع: الفتى فتوّ؛ فهو على قول أبي الحسن من باب نحوّ وحموّة، لأنّه يرى أنّه من الواو وفي قول غيره أذهب في باب الشذوذ.
ألا ترى أنّه إذا قلب ما كان من الواو إلى الياء نحو:
حقي وعصي، فالذي من الياء أجدر أن يترك على ما هو عليه، فإذا أبدل منها الواو في الجمع مع أنّها من الياء كان على خلاف ما جاء عليه الجمهور والكثرة). [الحجة للقراء السبعة: 4/88]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا}
قرأ حمزة والكسائيّ {من حليهم} بكسر الحاء
وقرأ الباقون بالضّمّ وحجتهم أن الضّم هو الأصل وفيه علم الجمع وذلك أن الحليّ جمع حلي مثل حقو وحقي والأصل حلوي مثل قلب وقلوب فلمّا سبقت الواو الياء قلب الواو ياء فأدغمت في الياء فصارت حلي بضم الحاء واللام فاجتمعت ضمتان وبعدهما ياء مشدّدة فكان ذلك أشد ثقلا فكسرت اللّام لمجيء الياء فصارت حلي بضم الحاء وكسر اللّام
وحجّة من كسر الحاء هي أنه استثقل ضمة الحاء بعد كسر اللّام وبعدها ياء فكسر الحاء لمجاورة كسرة اللّام وأخرى أنهم قد أجمعوا على قوله من عصيهم فردّوا ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه). [حجة القراءات: 296]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (44- قوله: {من حليهم} قرأ حمزة والكسائي بكسر الحاء، وقرأ الباقون بالضم.
وحجة من ضم الحاء أنه جمع «حليا» على «فعول»، ككعب وكعوب وأصله «حلوي» فأرادوا إدغام الواو في الياء للتخفيف فأبدلوا من ضمة اللام
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/477]
كسرة، ليصح انقلاب الواو إلى الياء، وليصح الإدغام، كما فعلوا في «مرمى» وبابه، فبقيت الحاء مضمومة على أصلها، فصار «حلي» كما ترى.
45- وحجة من كسر الحاء أنه لما كسر اللام، وأتى بعدها ياء مشددة، أتبع الحاء ما بعدها من الكسرة والياء، فكسرها، ليعمل اللسان عملًا واحدً في الكسرتين، والياء بعدها، والضم هو الاختيار؛ لأنه الأصل، ولأن عليه أكثر القراء). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/478]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (37- {مِنْ حُلِيِّهِمْ} [آية/ 148] بفتح الحاء وسكون اللام وتخفيف الياء:
قرأها يعقوب وحده.
والوجه أنه واحد الحُلي، يقال حلي وحلي، كما يقال فلس وفلوس وكعب وكعوب ودهر ودهور، والحلي وإن كان واحداً فالمراد به الجمع؛ لأنه مضاف إلى الجمع، كما قال تعالى {وَعَلَى سَمْعِهِمْ} أراد أسماعهم، قال الشاعر:
39- في حلقكم عظم وقد شجينا
أراد حلوقكم.
وقرأ حمزة والكسائي {حِلِيِّهِمْ} مكسورة الحاء واللام، مشددة الياء.
والوجه أنه جمع حلي على حلي بضم الحاء، كما قيل كعب وكعوب، والأصل: حلوى على فعول، فاجتمع الواو والياء وسبق أحدهما بالسكون، فأبدلت ضمة ما قبل الواو كسرة، فانقلبت الواو ياء، فأدغمت الياء في الياء، فبقي حلي، ثم إنهم لما جمعوا عليه هذين التغييرين المذكورين من إبدال الضمة كسرة وقلب الواو ياء، اجترئ عليه فغير أيضًا تغييراً آخر، وهو إبدال
[الموضح: 555]
ضمة الأول من الكلمة وهو الحاء كسرة إتباعًا لكسرة ما بعده وهو اللام من حلي، فبقي حلي بكسر الحاء.
وقرأ الباقون {حُلِيِّهِمْ} بضم الحاء وكسر اللام وتشديد الياء.
والوجه أنه هو الأصل في جمع حلي على ما تقدم؛ لأنه فعول بضم الفاء، فأصله أن يكون حليًا بالضم ككعوب وفلوس على ما بينا). [الموضح: 556]

قوله تعالى: {وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (149)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (لئن لم يرحمنا ربّنا ويغفر لنا... (149).
قرأ حمزة والكسائي (لئن لم ترحمنا ربّنا وتغفر لنا) بالتاء فيهما جميعًا، و(ربّنا) نصبًا، وقرأ الباقون بالياء، و(ربّنا) رفعًا.
قال أبو منصور: من قرأ بالتاء فللمخاطبة، ونصبه (ربّنا)
[معاني القراءات وعللها: 1/423]
على الدعاء، يا ربّنا، ومن قرأ بالياء فهو على الخبر، و(ربّنا) فاعل، على أن يقع بفعلها يرحمنا). [معاني القراءات وعللها: 1/424]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (37- وقوله تعالى: {لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا} [149].
قرأ حمزة والكسائي {ترحمنا} بالتاء خطاب لله تعالى. {ربنا} بالنصب على النداء المضاف، تقديره: يا ربنا، واحتجا بحرف أبي {ربنا لئن لم ترحمنا}.
وقرأ الباقون: {لئن لم يرحمنا} بالياء و{ربنا} بالرفع على الخبر. والله تعالى هو الفاعل). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/208]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الياء والتاء من قوله جلّ وعزّ: لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا [الأعراف/ 149]، وفي الرفع والنصب من قوله تعالى: ربنا*.
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع وابن عامر وعاصم: لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا بالياء والرفع، وقرأ حمزة والكسائي لئن لم ترحمنا ربنا وتغفر لنا بالتاء ونصب ربنا.
القول في ذلك أنّ من قرأ: لئن لم يرحمنا ربنا جعل الفعل للغيبة، وارتفع ربنا به، وكذلك: ويغفر لنا فيه ضمير ربنا وهو مثل يرحمنا في الإسناد إلى الغيبة.
ومن قرأ: لئن لم ترحمنا ربنا وتغفر لنا جعل تغفر لنا
[الحجة للقراء السبعة: 4/88]
للخطاب، وفيه ضمير الخطاب وربنا* نداء. والذي كان في قراءة من قدمنا قوله فاعلا، وحذف حرف التنبيه معه لأنّ عامة ما في التنزيل من ذلك، يحذف حرف التنبيه منه، كقوله:
ربنا انك آتيت فرعون وملأه زينة.. ربنا ليضلوا.. ربنا اطمس [يونس/ 88]، ربنا إني أسكنت من ذريتي [إبراهيم/ 37]، ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك [آل عمران/ 194] ). [الحجة للقراء السبعة: 4/89]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين}
قرأ حمزة والكسائيّ (لئن لم ترحمنا) بالتّاء على الخطاب {ربنا} بالنّصب على النداء أي يا ربنا (وتغفر لنا) بالتّاء وحجتهما أن في حرف أبي قالوا (ربنا لئن لم ترحمنا وتغفر لنا)
[حجة القراءات: 296]
وقرأ الباقون {لئن لم يرحمنا} بالياء {ربنا} بالرّفع على الخبر {ويغفر} بالياء أيضا وحجتهم هي أنه لما تبين لهم الضلال بعبادتهم العجل قال بعضهم لبعض لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا ما جنيناه على أنفسنا لنكونن من الخاسرين فجرى الكلام على لفظ الخبر من بعضهم لبعض). [حجة القراءات: 297]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (43- قوله: {لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا} قرأ ذلك حمزة والكسائي بالتاء في الفعلين، على الخطاب لله جل ذكره، وفيه معنى الاستغاثة والتضرع والابتهال في السؤال والدعاء، وبنصب «ربنا» على النداء، وهو أيضًا أبلغ في الدعاء بالعبودية، وقرأوا «ربنا» بالرفع، لأنه الفاعل، ولولا أن الجماعة على الياء والرفع لاخترت القراءة بالتاء والنصب، لما ذكرت من صحة معناه في الاستكانة والتضرع). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/477]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (38- {لَئِن لَّمْ تَرْحَمْنَا رَبَّنَا وتَغْفِرْ} [آية/ 149] بالتاء من {تَرْحَمْنَا} و{تَغْفِرْ}، ونصب {رَبَّنَا}:
قرأها حمزة والكسائي.
والوجه أن الفعل للمخاطبة، والمخاطب به هو الله تعالى، و{رَبَّنَا} منادى، وحذف يا من {رَبَّنَا} كما حذفت منه في كثير من المواضع في التنزيل، كقوله {رَبَّنَا إنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ... رَبَّنَا لِيُضِلُّوا...رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ {رَبَّنَا إنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ {رَبَّنَا إنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وحذف حرف النداء من المنادى المضاف جائز، كما جاز من الأسماء الأعلام.
وقرأ الباقون {يَرْحَمْنَا رَبُّنَا ويَغْفِرْ} بالياء فيهما، والرف في {رَبُّنَا}.
[الموضح: 556]
والوجه أن الفعل مسند إلى الرب تعالى، و{رَبُّنَا} مرتفع به، والكلام محمول على الغيبة لا على (المخاطبة)، وفي {يَغْفِرْ} ضمير يعود إلى {ربّنا} ). [الموضح: 557]

قوله تعالى: {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله: (من بعدي أعجلتم... (150).
فتح الياء ابن كثير ونافع وأبو عمرو.
وقال أبو منصور: قد مر الجواب في جواز هذه الياءات محركة ومسكنة بما يغني عن إعادة القول فيه). [معاني القراءات وعللها: 1/424]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (قال ابن أمّ... (150)
ها هنا وفي طه.
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم في رواية حفص ويعقوب (قال ابن أمّ) نصبا، وقرأ الباقون (ابن أمّ) خفضًا.
قال أبو منصور: من فتح (ابن أمّ) فلأنها اسمان، جعلا اسمًا واحدًا، مثل: لفيته كفة كفة، وخمسة عشر.
ومن قال: (ابن أمّ) أضاف (ابن) إلى (أمّ)، وحذف ياء الإضافة؛ لأن كسرة الميم دلت على حذفها). [معاني القراءات وعللها: 1/425]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (38- وقوله تعالى: {قال ابن أم} [150].
قرأ أهل الكوفة إلا حفصًا، وابن عامر {أم} بكسر الميم على الإضافة من غير ياء.
والاختيار كسر الميم وإن تثبت الياء لأن الياء إنما تسقط من المنادي نحو يا قوم ويا عباد ويا رب، لا من المضاف إليه. فالصواب يا ابن أخي
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/208]
ويا ابن أمي، قال الشاعر:
يا ابن أمي ويا شقيق نفسي = أنت خليتني لدهر كنود
وقرأ الباقون: {يا ابن أم} بفتح الميم فلهم حجتان: إحداهما: أنهم جعلوا الاسمين اسمًا واحدًا فبنيا على الفتح كما تقول: هو جاري بيت بيت، ولقيته كفة كفة، وعندي خمسة عشر، وإنما فعلوا ذلك لكثرة الاستعمال، وكذلك يا ابن عم ولا يستعملون ذلك في غيرها.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/209]
والحجة الثانية: أنهم أرادوا الندبة يا بن أماه ويا بن عماه). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/210]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في كسر الميم وفتحها من قوله جلّ وعزّ: قال ابن أم [الأعراف/ 150].
فقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وحفص عن عاصم قال ابن أم نصبا، وفي طه [94] مثلها.
وقرأ ابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائيّ: قال ابن أم بكسر الميم، فأما الهمزة فمضمومة.
[قال أبو علي] من قال: يا ابن أمّ؛ فقال سيبويه: قالوا: يا ابن أمّ، ويا ابن عمّ؛ فجعلوا ذلك بمنزلة اسم واحد لأن هذا أكثر في كلامهم من يا ابن أبي، ويا غلام غلامي.
قال أبو علي: جعلوهما بمنزلة اسم واحد، ولم يرفضوا
[الحجة للقراء السبعة: 4/89]
الأصل الذي هو إضافة الأول إلى الثاني كما رفضوا الأصل في خطايا، والتصحيح للعين، في: قال، وباع وخاف. ونحو ذلك مما يرفض فيه الأصل؛ فلا يستعمل، ألا ترى قول أبي زبيد:
يا ابن أمّي ويا شقيّق نفسي... أنت خلّيتني لأمر شديد
فهذا بمنزلة القصوى الذي استعمل فيه الأصل الذي رفض في غيره، فكذلك قولهم: يا ابن أمي.
ومن قال: يا ابن أمّ، فبنى الاسمين على الفتح، والفتحة في: ابن، ليست النصبة التي كانت تكون في الاسم المضاف المنادى، ولكن بني على الحركة التي كانت تكون للإعراب، كما أنّ قولهم: لا رجل كذلك، وكما أن:
مكانك، إذا أردت به الأمر لا تكون الفتحة فيه الفتحة التي كانت فيه وهو ظرف، ولكنّه على حدّ الفتحة التي كانت في رويدك.
[الحجة للقراء السبعة: 4/90]
فإن قلت: لم لا نقول: إنها نصبة؟، فالمراد يا ابن أمّا، فحذف الألف كما حذفت ياء الإضافة في غلامي [في النداء].
قيل: ليس مثله، ألا ترى أنّ من حذف الياء من: يا غلام، أثبتها في يا غلام غلامي؟ فلو كانت الألف مقدرة في:
يا ابن أمّ، لم يكن يحذف، كما لم يحذف في قوله:
يا بنت عمّا لا تلومي واهجعي فالألف لا تحذف حيث تحذف الياء، ألا ترى أن من قال ذلك ما كنا نبغ [الكهف/ 64]، والليل إذا يسر [الفجر/ 4]، فحذف الياء من الفواصل، وما أشبه الفواصل من الكلام التام، لم يكن عنده في نحو قوله: والليل إذا
[الحجة للقراء السبعة: 4/91]
يغشى والنهار إذا تجلى [الليل/ 1]، إلّا الإثبات.
فإن قلت: فقد حذفت الألف في نحو:
رهط مرجوم، ورهط ابن المعلّ وهو يريد المعلّى، وقد أنشد أبو الحسن:
فلست بمدرك ما فات مني... بلهف ولا بليت ولا لو أنّي
يريد بلهفى فحذف الألف.
فالقول: إن ذلك في الشعر ولا يجوز في الاختيار وحال السّعة؛ فلا ينبغي أن يحمل قوله: يابن أم على هذا.
وقياس من أجاز ذلك أن تكون فتحة الابن نصبة، والفتحة في أمّ ليست كالتي في عشر من خمسة عشر، ولكن مثل الفتحة التي في الميم من: يا بنت عمّا.
وحجة من قال: يا بن أم لا تأخذ أن سيبويه قال: وقد
[الحجة للقراء السبعة: 4/92]
قالوا أيضا: يا بن أمّ ويا بن عمّ، كأنهم جعلوا الأول والآخر اسما واحدا ثم أضافوه كقولك: يا أحد عشر أقبلوا. قال وإن شئت قلت: حذفوا هذه الياء لكثرة هذا في كلامهم وعلى ذا قال الشاعر:
يا بنت عمّا لا تلومي واهجعي). [الحجة للقراء السبعة: 4/93]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة مجاهد: [فَلا تَشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ]، وقرأ أيضًا: [فَلا يَشْمَتْ بِيَ الْأَعْدَاءُ].
قال أبو الفتح: الذي رويناه عن قطرب في هذا أن قراءة مجاهد: [فَلا تَشْمَتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ] رفع -كما ترى- بفعلهم، فالظاهر أن انصرافه إلى الأعداء، ومحصوله: يا رب، با تُشْمِتْ أنت بي الأعداء، كقراءة الجماعة.
فأما مع النصب فإنه كأنه قال: لا تَشْمَتْ بي أنت يا رب، وجاز هذا كما قال سبحانه: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} ونحوه مما يجري هذا المجرى، ثم عاد إلى المراد فأضمر فعلًا نصب به الأعداء، فكأنه قال: لا تُشْمِتْ بي الأعداء، كقراءة الجماعة). [المحتسب: 1/259]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قال ابن أم إن القوم استضعفوني}
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وحفص {قال ابن أم} بفتح الميم جعلوا الاسمين اسما واحدًا نحو خمسة عشر ففتحوا ابن أم وابن عم لكثرة استعمالهم هذا الاسم
واعلم أن النداء كلام محتمل الحذف فجعلوا ابن وأم شيئا واحدًا وقال آخرون إنّهم أرادوا الندبة ب ابن أمّاه قالوا والعرب تقول يا بن عماه والأصل يا بن أمّي ثمّ قلبت الياء ألفا فصارت يا بن أما ثمّ حذفت الألف لأن الفتحة تنوب عنها
وقرأ أهل الشّام والكوفة {قال ابن أم} بالكسر وكذلك في طه والأصل يا بن أمّي بإثبات الياء ثمّ حذفوا الياء لأن الكسرة نابت عن الياء وحجتهم قوله {يا قوم لا أسألكم} فإن قيل لم حذفت الياء من قولك يا بن أم والمنادى ها هنا الابن لا الأم وهو مثل قولك يا غلام غلامي وها هنا لم تجوز حذف الياء وإنّما سقطت الياء من المنادى من نحو يا قوم ويا عباد
[حجة القراءات: 297]
الجواب عنه إنّما جاز حذف الياء من الأم تشبيها بياء الإضافة في قول القائل يا غلام وذلك أنا جعلنا الاسمين اسما واحدًا فتنزلا منزلة اسم واحد كأنّك تنادي واحدًا لأنّك إذا قلت يا بن أم كأنّك قلت يا أخ فهو بمنزلة قولك يا غلام ويا قوم). [حجة القراءات: 298]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (46- قوله: {ابن أم} وفي طه: {يا ابن أم} «94» قرأهما ابن عامر وأبو بكر وحمزة والكسائي بكسر الميم، وقرأ الباقون بالفتح.
وحجة من فتح أنه جعل الاسمين اسمًا واحدًا لكثرة الاستعمال بمنزلة خمسة عشر، وبناه على الفتح، فالفتحة في «ابن أم» كفتحة التاء في خمسة عشر، وقد قيل: إن من فتح أراد، يا ابن أمي، ثم أبدل من كسرة الميم فتحة، فانقلبت الياء ألفًا، ثم حذفت استخفافًا لكثرة الاستعمال، ولأن الفتحة تدل على الألف، وفيه بعد؛ لأن ياء الإضافة لا تحذف في غير المنادى، ولا يحذف ما هو عوض منها إلا في النداء، وليس «أم» بمنادى، فإنما يجوز هذا على قول من قال: مررت بغلام يا هذا، يريد: بغلامي، ثم حذف الياء لدلالة الكسرة عليها، وهذا قليل جائز، والإثبات أكثر، وقد أجازوا: مررت بالقاض، وجاءني القاض، من غير ياء؛ لأن الياء قد كانت محذوفة للتنوين قبل دخول الألف واللام، فلما دخلتا حذف التنوين وبقيت الياء على حذفها، فليس قولك: جاءني غلام، ومررت بغلام، مثل ما فيه الألف واللام في جواز حذف الياء، وقد حذفت الياء، وهي لام الفعل في نحو: {يوم يأت} «هود 105» و{نبغ} «الكهف 64» وحذفت، وهي للإضافة في نحو: {ألا تتبعن} «طه 93» {إن ترن}
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/478]
«الكهف 39»، وقرأ بذلك القراء، فحذف الياء من غير المنادى مترجح في القوة والضعف، لا سيما وقد دخل «يا بن أم» تغيير بعد تغيير، ثم حذف، فلذلك أبعدوا في جوازه.
47- وحجة من كسر أنه لما لم يدخل الكلام تغيير، قبل حذف الياء، استخف حذف الياء، لدلالة الكسرة عليها، ولكثرة الاستعمال، فهو نداء مضاف بمنزلة قولك: يا غلام غلام، فالفتح هو الاختيار، على تأويل الوجه الأول من البناء). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/479]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (39- {قَالَ ابْنَ أُمَّ} [آية/ 150] بفتح الميم:
قرأها ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم- ص- ويعقوب، وكذلك في طه.
والوجه أنهما اسمان جعلا اسمًا واحداً، وبنيا على الفتح كبناء خمسة عشر؛ لكثرته في كلامهم، وكما قالوا: لقيته كفة كفة، وهو جاري بيت بيت، والفتحة في {ابْنَ} فتحة بناء، وليست بنصب، كما في الاسم المضاف إذا نودي، قال سيبويه:
إنما بني هذا؛ لأنه أكثر في كلامهم من يا ابن أبي ويا غلام غلامي.
أشار إلى أن كثرة استعمالهم له دعتهم إلى أن طلبوا في الخفة، فجعلوا الاسمي اسمًا واحداً.
ويجوز أن يكون أصله يا ابن أُما بالألف المبدلة عن الياء، فحذفوا اللف، والابن على هذا مضاف، وفتحته نصب بحرف النداء.
[الموضح: 557]
وقرأ الباقون {يَا بْنَ أُمّ} بكسر الميم.
والوجه أن {ابْنَ} منصوب على أنه منادى مضاف، و{أُمَّ} أصله أمي، بالإضافة إلى ياء المتكلم، فحذفوا هذه الياء لكثرته في كلامهم، ويجوز أن تكون فتحة {ابْنَ} فتحة بناء كالوجه الأول، و{ابْنَ} مع {أُمَّ} كالشيء الواحد، إلا أنهم أضافوه إلى الياء ثم حذفوا الياء). [الموضح: 558]

قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151)}

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (152)}

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآَمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (153)}

قوله تعالى: {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 08:58 AM

سورة الأعراف
[ من الآية (155) إلى الآية (157) ]

{وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155) وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)}

قوله تعالى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155)}

قوله تعالى: {وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أبي وَجْزَة السعدي: [هِدْنا إليك].
قال أبو الفتح: أما {هُدْنا} بضم الهاء مع الجماعة فتُبْنَا، والْهُود: جمع هائد؛ أي: تائب.
وأما [هِدْنا] بكسر الهاء في هذه القراءة فمعناه انجذبنا وتحركنا، يقال: هادَني يهيدُني هيْدًا؛ أي: جذبني وحركني، فكأنه قال: إنا هِدْنا أنفسنا إليك، وحركناها نحو طاعتك.
قال:
أَلِمَّا عليها فانعَيانِيَ وانظرا ... أينصتها أم لا يُهيِّدُها ذِكْري
أي: أم لا يهيجها ويهزها ذكري، ومنه قولهم في زجر الإبل: هِيد؛ أي: أسرعي. قال ذو الرمة:
إذا حداهن بهيدٍ هِيدِ ... صفحْن للأزرار بالخدود). [المحتسب: 1/260]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن وعمرو الأسواري: [أُصيبُ به مَن أَسَاءَ].
قال أبو الفتح: هذه القراءة أشد إفصاحًا بالعدل من القراءة الفاشية التي هي: {مَن أشاء}؛ لأن العذاب في القراءة الشاذة مذكور علة الاستحقاق له، وهو الإساءة، والقراءة الفاشية لا يُتناول من ظاهرها علة أصابة العذاب له، وأن ذلك لشيء يرجع إلى الإنسان، وإن كنا قد أحطنا علمًا بأن الله تعالى لا يظلم عباده، وأنه لا يعذب أحدًا منهم إلا بما جناه واجترمه على نفسه، إلا أنا لم نعلم ذلك من هذه الآية؛ بل من أماكن غيرها. وظاهر قوله تعالى: {مَنْ أَشَاء} بالشين معجمة ربما أوهم من يضعف نظره من المخالفين أنه يعذب من يشاء من عباده، أساء أو لم يسئ، نعوذ بالله من اعتقاد ما هذه سبيله، وهو حسبنا وولينا). [المحتسب: 1/261]

قوله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ويضع عنهم إصرهم... (157).
قرأ ابن عامر وحده (ويضع عنهم آصارهم) ممدودة الألف، وقرأ الباقون (إصرهم) واحدًا.
قال أبو منصور: الإصر: واحد، وجمعه آصارٌ.
ومعني الإصر: ما شدد عليهم من العقوبات، وأصل الإصر: العهد والميثاق.
[معاني القراءات وعللها: 1/425]
ويقال للعقوبة التي عوقب بها ناكث الميثاق: إصر؛ لأنه عوقب بها لنكثه العهد، مثل إصر وآصار: إرب وآراب للأعضاء). [معاني القراءات وعللها: 1/426]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (39- وقوله تعالى: {ويضع عنهم إصرهم} [157].
قرأ ابن عامر: {آصراهم} بالجمع، أي: أثقالهم.
وقرأ الباقون: {إصرهم} بالتوحيد، فالهمزة في الواحد أصلية، وهي فاء الفعل، وإصر مثل جذع.
وفي قراءة ابن عامر همزتان، الأولى ألف الجمع، والثانية أصلية، فلما اجتمع همزتان لينوا الثانية، والأصل أأصار، فلينت الثانية، ووزنه أفعال مثل أجذاع). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/210]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في كسر الألف وفتحها من قوله تعالى: إصرهم [الأعراف/ 157].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي إصرهم بكسر الألف.
وقرأ ابن عامر: آصارهم ممدودة الألف على الجمع.
[قال أبو علي] الإصر: مصدر يقع على الكثرة مع إفراد لفظه، يدلك على ذلك قوله: ويضع عنهم إصرهم [الأعراف/ 157]، فأضيف وهو مفرد إلى الكثرة، ولم يجمع، وقال: ربنا ولا تحمل علينا إصرا [البقرة/ 286]، ولو شاء
[الحجة للقراء السبعة: 4/93]
الله لذهب بسمعهم وأبصارهم [البقرة/ 20]، وقال: لا يرتد إليهم طرفهم [إبراهيم/ 43]، وقال: ينظرون من طرف خفي [الشورى/ 45].
فالوجه الإفراد كما أفرد في غير هذا الموضع.
وجمع ابن عامر كأنّه أراد ضروبا من المآثم مختلفة، فجمع لاختلافها، والمصادر قد تجمع إذا اختلفت ضروبها كما تجمع سائر الأجناس، وإذا كانوا قد جمعوا ما يكون ضربا واحدا كقوله:
هل من حلوم لأقوام فتنذرهم... ما جرّب النّاس من عضّي وتضريسي
فأن يجمع ما يختلف من المآثم أجدر.
فجعل إصرا وآصارا، بمنزلة عدل، وأعدال، ويقوي ذلك قوله: وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم [العنكبوت/ 13] والثقل مصدر كالشّبع والصّغر والكبر). [الحجة للقراء السبعة: 4/93]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قال ابن رومي: حدثني أحمد بن موسى، وحدثني الثقة عنه أنه قرأ: [النَّبِيَّ الْأَمِّيَّ] بفتح الهمزة، يقول: يأْتم به مَنْ قبله.
قال أبو الفتح: هذا منسوب إلى مصدر أَمَمت الشيء أَمًّا، كقولك: قصدته قصدًا، ثم أضيف إليه عليه السلام، هذا على هذا التفسير الذي سبق ذكره.
وقد يجوز مع هذا أن يكون أراد الأُمي بضم الهمزة كقراءة الجماعة، ثم لحقه تغيير النسب، كقولهم في الإضافة إلى أُميَّة: أَموى، بفتح الهمزة، وكقولهم في الدهر: دُهْرِي، وفي الأمس: إِمْسِي، وفي الأفق: أَفَقِي بفتح الهمزة، وهو باب كبير واسع عنهم). [المحتسب: 1/260]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الجحدري وسليمان التيمي وقتادة: [وعَزَرُوه] خفيفة الزاي.
قال أبو الفتح: مشهور اللغة في ذلك: عزَّرت الرجل: أي عظمته، وهو مشدد، وقد قالوا: عَزَرتُ الرجل عن الشيء بتخفيف الزاي إذا منعته عن الشيء، ومنه سمي الرجل: عَزْرة؛ فقد يجوز أن يكون [وعزَرُوه] على هذه القراءة؛ أي: منعوه وحجزوا ذكره عن السوء، كقوله: سبحان الله، ألا ترى أن أبا الخطاب فسره فقال: براءة الله من السوء؟ فبرَّأْته من الشيء وحجزته عنه بمعنى واحد). [المحتسب: 1/261]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ويضع عنهم إصرهم والأغلال الّتي كانت عليهم}
قرأ ابن عامر (ويضع عنهم آصارهم) على الجمع أي أثقالهم تقول إصر وآصار مثل جذع وأجذاع وفي قراءته همزتان الأولى ألف الجمع والثّانية أصلية فلمّا اجتمعت همزتان لينوا الثّانية والأصل أأصارهم وحجته أنه لم يختلف في جمع الأغلال وهي نسق على الإصر وكذلك آصارهم لقوله {والأغلال الّتي كانت عليهم} قيل إن الآصار هي العهود
وقرأ الباقون {إصرهم} وحجتهم قوله تعالى {ربنا ولا تحمل علينا إصرا} وقوله {وأخذتم على ذلكم إصري} فردّوا ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه
عن سعيد بن جبير {ويضع عنهم إصرهم} قال شدّة العبادة). [حجة القراءات: 298]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (48- قوله: {ويضع عنهم إصرهم} قرأه ابن عامر بالجمع مثل «أعمالهم» وهو جمع إصر والإصر الثقل من الإثم وغيره، وهو مصدر لكن جُمع لاختلاف ضروب المآثم، وهو في المعنى والجمع بمنزلة قوله: {وليحملن أثقالهم مع أثقالهم} «العنكبوت 13» فجمع لاختلاف أنواع الآثام، وهو جمع ثقل، وهو مصدر، وقرأ الباقون «إصرهم» بالتوحيد مثل «إثمهم» فاكتفوا بالواحد؛ لأنه مصدر يدل على القليل والكثير من جنسه، مع إفراد لفظه، فهو بابه وأصله، وقد أجمعوا على التوحيد في قوله: {ولا تحمل علينا إصرًا} «البقرة 286» وعلى التوحيد في قوله: {وعلى سمعهم} «البقرة 7» وقوله: {لا يرتد إليهم طرفهم} «إبراهيم 43» و{من طرفٍ خفي} «الشورى 45» وكله بمعنى الجمع، لكن إضافته إلى جمع تدل على أن المراد به الجمع، لأنه لكل واحد من المضاف إليهم طرف وسمع وإصْر، فحسن التوحيد، وهو الاختيار؛ لأن الجماعة عليه، ولأنه أخف
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/479]
وأكثر في الاستعمال). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/480]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (40- {ويَضَعُ عَنْهُمْ آصْارَهُمْ} [آية/ 157] بالجمع:
قرأها ابن عامر وحده.
والوجه أنه جمع إصر، والإصر مصدر إلا أنه جمع لاختلاف ضروبه؛ لأنه أراد ضروبًا مختلفة من الأثقال، فآصار كأثقال، فكما أن الثقل يجمع على الأثقال لاختلاف ضوربه، فكذلك الإصر يجمع على الآصار.
وقرأ الباقون {إصْرَهُمْ} بكسر الألف على الواحد.
والوجه أن إصراً مصدرٌ، فهو يقع بلفظه على الكثرة، ولهذا أضافه وهو مفرد إلى الجمع، فقال {إصْرَهُمْ كما قال تعالى {وَلَوْ شَاءَ الله لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وقال {لا يَرْتَدُّ إلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ فالوجه الإفراد لكونه مصدراً،
[الموضح: 558]
(وقد) جاء في التنزيل مفرداً قال تعالى {ولا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إصْرًا} ). [الموضح: 559]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 08:59 AM

سورة الأعراف
[ من الآية (158) إلى الآية (160) ]

{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158) وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (159) وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (160)}

قوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158)}

قوله تعالى: {وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (159)}

قوله تعالى: {وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (160)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة يحيى والأعمش وطلحة بن سليمان: [عَشِرة]، وقرأ [عشَرة] بفتح الشين بخلاف.
قال أبو الفتح: أما [عشِرة] بكسر الشين فتميمية، وأما إسكانها فحجازية.
واعلم أن هذا موضع طريف؛ وذلك أن المشهور عن الحجازيين تحريك الثاني من الثلاثي إذا كان مضمومًا أو مكسورًا، نحو: الرسُل والطنُب والكبِد والفخِذ، ونحو: ظرُف وشرُف وعلِم وقدِم. وأما بنو تميم فيسكنون الثاني من هذا ونحوه، فيقولون: رُسْل وكُتْب وكَبْد وفَخْذ، وقد ظَرْف وقد عَلْم، لكن القبيلتين جميعًا فارقتا في هذا الموضع من العدد معتاد لغتهما، وأخذت كل
[المحتسب: 1/261]
واحدة منهما لغة صاحبتها وتركت مألوف اللغة السائرة عنها، فقال أهل الحجاز: اثنتا عشْرة بالإسكان، والتميميون عشِرة بالكسرة.
وسبب ذلك ما أذكره؛ وذلك أن العدد موضع يَحْدث معه ترك الأصول، وتُضم فيه الكلم بعضه إلى بعض، وذلك من أحد عشر إلى تسعة عشرة، فلما فارقوا أصول الكلام من الإفراد وصاروا إلى الضم فارقوا أيضًا أصول أوضاعهم ومألوف لغاتهم، فأسكن من كان يحرك، وحرك من كان يسكن، كما أنهم لما حذفوا هاء حنيفة للإضافة حذفوا معها الياء، فقالوا: حنفي، ولما لم يكن في حنيف هاء تحذف فتحذف لها الياء قالوا فيه: حنيفي، كقولهم: الجاه، وأصله عندنا الوجه، فقلبوه فقدموا العين على الفاء، وكان قياسه أن يقولوا: جَوْه، إلا أنهم لما قلبوا شجُعوا عليه فغيروا بناءه. فأصاروه من جَوْه إلى جَوَه، فانقلبت الواو التي هي فاء في موضع العين ألفًا لانفتاح ما قبلها وحركتها، فصارت جاه كما ترى.
وحسَّن ذلك لهم أيضًا ما أذكره؛ وهو أنهم قد علموا أنهم إذا حركوا الواو وقبلها فتحة انقلبت ألفًا وهي ساكنة كما تعلم أبدًا، فصار عودهم إلى سكون الحرف مسوغًا لهم تحريكه المؤدي إلى سكونه، حتى كأنهم لم يحدثوا في الحروف حدثًا.
فإن قيل: فهلا أقروا الواو على سكونها، واستغنوا بذلك عن تحريكها المؤدي إلى سكون الحرف المنقلب عنها وهو الألف.
قيل: الذي فعلوه أصنع؛ وذلك أنهم إذا قلبوه ألفًا صار بمنزلة وجود الحركة فيه؛ لأن الألف في نحو هذا لا تنقلب إلا عن حركة وهي مع هذا ساكنة، فاجتمع لهم في الألف أمران:
أحدهما: تحريك الساكن لما عَرَض لهم هناك في القلب على عادتهم في إلحاق التحريف بعضه ببعض.
والآخر: سكون الألف لفظًا مع ما قدمناه من اعتقاد تحريكها معنى.
وإذا أدى الحرف الساكن مع خفته تأدية المحرَّك على ثقله، فتلك صنعة مأْنوس بها مُعْتَمَدٌ مثلها، وما لحقه تغيير ما فدعا ذاك إلى إلحاقه تغييرًا ثانيًا كثير في اللغة جدًّا، ألا ترى إلى أحد قولي سيبويه في أَينُق: إن الياء فيها بدل من الواو التي هي عين في أصل الكلمة؛ وذلك أن أصلها أَنْوُق، وقد حكاها الفراء فيما رويناه عنه، فقدمت العين على الفاء فصار تقديرها أونق، فلما تقدمت العين على الفاء فتوهنت بذلك قلبوها ياء فقالها: أينق، وكذلك لما أَعلُّوا
[المحتسب: 1/262]
فاء الفعل من اتقى بأن أبدلوها تاء وأدغموها في تاء افتعل أعلُّوها أيضًا بالحذف، فقالوا: تَقَى يَتْقِي. ومثله ما أنشده أبو زيد من قول الشاعر:
قَصَرْتُ له القبيلة إذا تَجهْنا ... وما ضافت بشدته ذراعي
فيمن رواه بفتح الجيم، ألا ترى أن وزنه افتعلنا من الوجه اوتَجَهْنا، فلما أُبدلت الواو تاء وأدغمت في تاء افتعل فصارت اتجه، شجُعوا على أن حذفوها أيضًا فقالوا: تَجَه؟ فوزن تَجَه الآن على لفظه تَعَل، ومضارعه يتَجِه، ومثاله يتَعِل، وكذلك تَقَى فَعَل، والجاه وزنه على اللفظ بسكون الألف عَفْل، وهو قبل القلب عَفَل؛ لأنه صار من جَوْه إلى جَوَه، وأصله الأول فعْل لأنه وَجْه، ولولا إشفاقي من الإطالة لبسطت هذا ونحوه بسطًا يونِقُ عارفيه وأهله، وفيما ذكرنا دليل على ما أُغفل.
وأما [اثنتا عشَرة] بفتح الشين فعلى وجه طريف؛ وذلك أن قوله: {اثنتي} يختص بالتأنيث، و[عشَرة] بفتح الشين تختص بالتذكير، وكل واحد من هذين يدفع صاحبه. وأقرب ما تُصرف هذه القراءة إليه أن يكون شبَّه اثنتي عَشَرة بالعقود ما بين العشرة إلى المائة، ألا تراك تقول: عشرون وثلاثون، فتجد فيه لفظ التذكير ولفظ التأنيث؟ أما التذكير فالواو والنون، وأما التأنيث فقولك: ثلاث من ثلاثون؛ ولذلك صلحت ثلاثون إلى التسعين للمذكر والمونث فقلت: ثلاثون رجلًا وثلاثون امرأة، وتسعون غلامًا وتسعون جارية، فكذلك أيضًا هذا الموضع.
ألا تراه قال تعالى: {اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا}؟ فـ[أَسْبَاطًا] يؤذن بالتذكير، و"أمم" يؤذن بالتأنيث، وهذا واضح.
وحَسُن تشبيه اثنتي عشرة برءوس العقود دون المائة من حيث كان إعراب كل واحد منهما بالحرف لا بالحركة، وذلك اثنتا عشْرة واثنتي عشْرة، فهذا نحو من قولهم: عشرون وعشرين، وخمسون وخمسين، وتسعون وتسعين، فافهمه.
ومما يدلك على أن ضم أسماء العدد بعضها إلى بعض يدعو إلى تحريفها عن عادة استعمالها قولهم: أحد عشر رجلًا وإحدى عشرة امرأة، وكان قياس أربع وأربعة وخمس وخمسة أن يكون
[المحتسب: 1/263]
هذا أَحد وأَحَدة، أفلا ترى إلى إحدى -وهي فِعْلَى وأصلها وِحْدى- كيف عاقبت في المذكر فعلًا، وهو أحد وأصله وَحَد؟
فأما إحدى وعشرون إلى التسعين فإنه لما سبق التحريف إليها في إحدى عشرة ثبت فيها فيما بعد). [المحتسب: 1/264]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 09:01 AM

سورة الأعراف
[ من الآية (161) إلى الآية (162) ]

{وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (161) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ (162)}

قوله تعالى: {وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (161)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (نغفر لكم خطيئاتكم... (161).
قرأ أبو عمرو (نغفر لكم) بالنون، (خطاياكم) بوزن (قضاياكم)، وقرأ ابن كثير وعاصم وحمزة والكسائي (نغفر لكم) بالنون، (خطيئاتكم) بالهمز والجمع، وقرأ نافع ويعقوب (تغفر لكم) بالتاء (خطيئاتكم) بالهمز وضم التاء على الجمع، وكذلك روى محبوب عن أبي عمرو (تغفر لكم) برفع التاء من (تغف) ومن (خطيئاتكم) على الجمع، على ما لم يسم فاعله.
وقرأ ابن عامر (تغفر لكم) بالتاء (خطيئتكم) موحدة مرفوعة التاء مهموزة.
قال أبو منصور: من قرأ (نغفر لكم خطاياكم) فالله يقول (نغفر) كما يقوله الملك، ويقول: فعلنا.
و (خطاياكم) في موضع النصب على هذه القراءة، ولا يبين فيها الإعراب.
ومن قرأ (تغفر لكم خطيئاتكم) فخطيئاتكم مرفوعة؛ لأنها لم يسم فاعلها.
وكذلك من قرأ (خطيئتكم) واحدة.
[معاني القراءات وعللها: 1/426]
والخطيئة والخطا: الذئب والإثم). [معاني القراءات وعللها: 1/427]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (40- وقوله تعالى: {نغفر لكم خطيئاتكم} [161].
قرأ نافع وحده {تغفر} بالتاء والضم {خطيئاتكم} بالجمع وبضم التاء جعلها اسم ما لم يسم فاعله.
وقرأ ابن عامر بالتاء ايضًا إلا أنه وحد فقرأ: {خطيتكم}.
وقرأ أبو عمرو: {نغفر} بالنون {خطياكم} بالجمع، جمع للتكسير.
وقرأ نافع بجمع السلامة كما تقول: رزية ورزايا ورزايات وقد بينت علة ذلك في سورة (البقرة) فأغنى عن الإعادة هاهنا.
وقرأ الباقون مثل أبي عمرو غير أنهم قرأوا {خطيئاتكم بكسر التاء في موضع نصب، وإنما كسرت لأنها غير أصلية، كما تقول: رأيت سماوات ودخلت حمامات). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/210]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله [جلّ وعزّ]: نغفر لكم خطاياكم [الأعراف/ 161].
فقرأ ابن كثير وعاصم، وحمزة، والكسائيّ: نغفر لكم
[الحجة للقراء السبعة: 4/94]
خطيئاتكم بالتاء مهموزة على الجمع.
وقرأ أبو عمرو: نغفر لكم بالنون، خطاياكم* من غير همز، مثل: قضاياكم، ولا تاء فيها.
وقرأ نافع: تغفر لكم* بالتاء مضمومة، خطيئاتكم بالهمز، وضم التاء على الجمع، وكذلك روى محبوب عن أبي عمرو: تغفر لكم* [بالتاء مضمومة] خطيئاتكم بالهمز، وضم التاء، وتابعه ابن عامر على التاء من تغفر لكم وضمّها، وقرأ: خطيئتكم واحدة مهموزة مرفوعة.
من قرأ: نغفر لكم، فهو على: وإذ قيل لهم... ادخلوا... نغفر لكم. والتي في البقرة: نغفر والنون هناك أحسن لقوله: وإذ قلنا [البقرة/ 58]. وفي الأعراف: وإذ قيل لهم [الآية/ 161]، والمعنى فيمن قرأ في الأعراف:
نغفر لكم، كأنّه قيل لهم: ادخلوا نغفر. أي: إن دخلتم غفرنا، فأمّا خطيئاتكم فجمع خطيئة، صححها في الجمع، كما كسّرت على خطايا، وكلا الأمرين شائع وحسن، فخطايا في اللفظ مثل قضايا إلّا أنّ الألف في قضايا منقلبة عن ياء هي لام الفعل، والألف في خطايا منقلبة عن ياء منقلبة عن همزة وهي لام الفعل.
[الحجة للقراء السبعة: 4/95]
فإن قلت: فهلّا رددت الهمزة في خطايا، لأنّك إنّما كنت قلبتها ياء لاجتماع الهمزتين وقد زال اجتماعهما، فهلّا قلت:
خطايأكم*؟.
فإن ذلك لا يستقيم لأنّ الياء في خطايا منقلبة عن همزة فعيلة، فحكمها حكم ما انقلب عنها، ألا ترى أنّ حكم الهمزة في حمراء حكم ما انقلب عنها من الألف، وحكم هرق، حكم أرق؟ فلو سمّيت بها لم تصرف كما لا تصرف أرق، وكذلك حكم الهمزة في علباء، حكم الياء في درحاية، فكذلك حكم الياء في خطايا، حكم الهمزة التي انقلبت عنها، وإذا كان كذلك، فاجتماع الهمزتين في الحكم قائم، وإن لم يكن اللفظ عليه.
فأمّا قراءة نافع: تغفر بالتاء مضمومة فلأنّه أسند إليها خطيئاتكم، وهو مؤنث، فأنّث وبنى الفعل للمفعول فقال:
تغفر*، ولم يقل نغفر لأنّ بناءه للمفعول أشبه بما قبله، ألا ترى أنّ قبله: وإذ قيل لهم وليس هذا مثل ما في البقرة، لأنّ
[الحجة للقراء السبعة: 4/96]
في البقرة: وإذ قلنا، ف نغفر لكم في البقرة، إنّما هو على: قلنا.
وممّا يقوي قراءة من قرأ: نغفر بالنون ما بعده من قوله: وسنزيد المحسنين). [الحجة للقراء السبعة: 4/97]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك ما رواه قتادة عن الحسن: [وقولوا حِطَّةً] بالنصب.
قال أبو الفتح: هذا منصوب عندنا على المصدر بفعل مقدر؛ أي: احْطُطْ عنا ذنوبنا حِطَّةً.
قال:
واحطُط إلهي بفضلٍ منك أوزاري
ولا يكون "حطة" منصوبًا بنفس قولوا؛ لأن قلت وبابها لا ينصب المفرد إلا أن يكون ترجمة الجملة، وذلك كأن يقول إنسان:" لا إله إلا الله، فتقول أنت قلت: حقًّا؛ لأن قوله: لا إله إلا الله حق، ولا تقول: قلت زيدًا ولا عمرًا، ولا قلت قيامًا ولا قعودًا، على أن تنصب هذين المصدرين بنفس قلت لما ذكرته). [المحتسب: 1/264]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وادخلوا الباب سجدا نغفر لكم خطيئاتكم سنزيد المحسنين}
قرأ نافع (تغفر لكم) بالتّاء مضمومة {خطيئاتكم} على الجمع
[حجة القراءات: 298]
وضم التّاء على ما لم يسم فاعله وهي جمع سلامة كما تقول صحيفة وصحائف وحجته أن أول الآية {وإذ قيل لهم} على ما لم يسم فاعله فكذلك {تغفر} على ما لم يسم فاعله والتّاء في قوله {تغفر} فعل جماعة تقدم
وقرأ ابن عامر {تغفر} بالتّاء أيضا إلّا أنه وحد فقرأ (خطيئتكم) وحجته أن الواحدة تؤدّي عن الجمع قال الله تعالى {ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخّر}
وقرأ أبو عمرو {نغفر لكم} بالنّون الله أخبر عن نفسه وحجته قوله {سنزيد المحسنين} {خطاياكم} بالجمع جمع تكسير كما تقول رعية ورعايا وبرية وبرايا وضحية وضحايا
قال سيبويهٍ الأصل في خطايا خطائي مثل خطائع فيجب أن يبدل من هذه الياء همزة فيصير خطائئي مثل خطايع وإنّما همز ليكون فرقا بين الأصليّة وغير الأصليّة مثل معيشة فتجتمع همزتان فنقلب الثّانية ياء فتصير خطائي مثل خطاعي ثمّ يجب أن تقلب الياء والكسرة إلى الفتحة والألف فتصير خطاءا مثل خطاءا فيجب أن تبدل الهمزة ياء لوقوعها بين ألفين فتصير خطايا وإنّما أبدلت الهمزة حين وقعت بين ألفين لأن الهمزة مجانسة للألفات فاجتمعت ثلاثة أحرف من جنس واحد
وقرأ ابن كثير وأهل الكوفة {نغفر} بالنّون أيضا {خطيئاتكم}
[حجة القراءات: 299]
بالتّاء مهموزة على الجمع جمع السّلامة نحو سفينة وسفينات وصحيفة وصحيفات وخطيئة وخطيئات على وزن فعيلات وهي في موضع نصب وإنّما كسرت التّاء لأنّها غير أصليّة). [حجة القراءات: 300]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (49- قوله: {نغفر لكم خطيئاتكم} قرأه نافع وابن عامر بالتاء مضمومة، على تأنيث الجمع الذي بعده، وعلى تأنيث الخطيئة، وقرأ الباقون بالنون على الإخبار من الله جل ذكره عن نفسه بالغفران، وردوه على معنى ما قبله؛ لأن قوله: {وإذ قيل لهم} بمعنى: وإذ قلنا، كما قال في البقرة: {وإذ قلنا} «134» فالنون الاختيار؛ لأن الجماعة على ذلك، وقرأ أبو عمرو «خطاياكم» بألف من غير تاء، على الجمع المكسر لخطيئة، مثل الذي في البقرة، فآثر ذلك لكثرة الخطايا منهم، ولأن الجمع المكسر أدل على الكثرة من الجمع المسلم ومن الواحد؛ إذ لا يقع لكثير في هذا، وقرأ ابن عامر «خطيئتكم» بالتوحيد؛ لأن الواحد يدل على الجمع، وقد أضيف إلى الجمع، فذلك أقوى في الدلالة على الجمع؛ لأن لكل واحد خطايا، وقرأ بضم التاء، لأنه مفعول لم يسم فاعله، ومثله نافع، غير أنه قرأ بالجمع، جمع السلامة بألف والتاء مضمومة أيضًا، لأنه مفعول لم يسم فاعله فهو جمع خطية، فآثر الجمع لكثرة الخطايا من القوم المضاف إليهم الخطايا، والجمع المسلم بالألف والتاء يقع للكثير والقليل، وقرأ الباقون مثل نافع، غير أنهم كسروا التاء؛ لأنهم يقرؤون بالنون في «نغفر»، فعدوا الفعل إلى «خطيئاتكم» فهو منصوب، والتاء مكسورة في حال النصب، لأنها جمع مسلم، فهو على الأصول، وهو الاختيار، لأنا قد اخترنا النون في «نغفر» ). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/480]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (41- {تَغْفِرُ لَكُمْ} التاء مضمومة {خَطِيئَاتِكُمْ} مهموزة مجموعة [آية/ 161]:
قرأهما نافع ويعقوب، وقرأ ابن عامر {تَغْفِرُ لَكُمْ} بالتاء والضم {خَطِيئَتِكُمْ} على الوحدة.
والوجه أن الفعل مبني للمفعول به ومسند إلى مؤنث، فلهذا كان الفعل بالتاء، وهو أشد موافقة لما قبله؛ إذ كان مبنيًا للمفعول به أيضًا وهو قوله {وإذْ قِيلَ}.
وأما {خَطِيئَاتِكُمْ} فهو جمع خطيئة جمع السلامة، وهو رفع بإسناد الفعل الذي لم يسم فاعله إليه، وقراءة ابن عامر {خَطِيئَتِكُمْ} على الوحدة، فإن الخطيئة تجري مجرى المصدر، فتكون موحدة في موضع الجمع كسائر المصادر.
وقرأ أبو عمرو {نَّغْفِرْ لَكُمْ} بالنون {خَطَايَاكُمْ} غير مهموز في وزن عطاياكم، وقرأ ابن كثير والكوفيون {نَّغْفِرْ لَكُمْ} بالنون {خَطِيئَاتِكُمْ} مهموزة مجموعة مكسورة التاء.
ووجه النون من {نَّغْفِرْ} أن الغافر هو الله تعالى، وهو يقول {نَّغْفِرْ}
[الموضح: 559]
بالنون، كما يقول الملك فعلنا، وقد سبق مثله.
و {خَطَايَاكُمْ} في موضع النصب بوقوع الفعل عليه، ولا يتبين فيها الإعراب، وهي جمع خطيئة جمع التكسير، ومن قرأ {خَطِيئَاتِكُمْ} بكسر التاء، فإنها نصب بنغفر على ما ذكرنا في {خَطَايَاكُمْ والتاء فيها لجمع المؤنث، وهو جر في موضع النصب). [الموضح: 560]

قوله تعالى: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ (162)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 09:02 AM

سورة الأعراف
[ من الآية (163) إلى الآية (167) ]

{وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163) وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167)}

قوله تعالى: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة شهر بن حوشب وأبي نهيك: [يَعَدُّونَ فِي السَّبْت].
قال أبو الفتح: أراد يعتدون، فأسكن التاء ليدغمها في الدال، ونقل فتحتها إلى العين، فصار يعَدُّون، وقد مضى مثله في يَخَصِّف). [المحتسب: 1/264]

قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) }
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (قالوا معذرةً إلى ربّكم... (164).
قرأ عاصم في رواية حفص (معذرةً) نصبًا، وكذلك روى حسين الجعفي عن أبي بكر عن عاصم.
وقرأ الباقون (معذرةٌ) رفعًا.
قال أبو منصور: من قرأ (معذرةً) نصبًا فعلى المصدر، المعنى: نعتذر معذرةً، ومن قرأ (معذرةٌ) فعلى إضمار (هي معذرةٌ)، أو على معنى: موعظتنا إياهم (معذرةٌ) ). [معاني القراءات وعللها: 1/427]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (41- وقوله تعالى: {قالوا معذرة إلى ربكم} [164]
روى حفص عن عاصم {معذرة} بالنصب على المصدر كقولك: اعتذرت اعتذارًا ومعذرة بمعنى. وحجته: أن الكلام جواب كأنهم قيل لهم: لم
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/210]
تعظون قومًا الله مهلكهم؟ فأجابوا فقالوا: نعظهم اعتذارًا إلى ربهم، كما يقول القائل: لم وبخت فلانًا؟ فتقول: طلبًا لتقويمه.
وقرأ الباقون: {معذرة} بالرفع، فلهم حجتان:
إحداهما: ما قال سيبويه رحمه الله إن معناه: موعظتنا إياهم معذرة جعلها خبر ابتداء.
والثانية: أن تقديرها عند أبي عبيد: هذه معذرة.
فأما قوله تعالى: {ولو ألقى معاذيره} فقيل: معناه: ولو أسبل ستوره: وقال الأخفش: واحد المعاذير معذار). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/211]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الرفع والنصب من قوله تعالى: معذرة إلى ربكم [الأعراف/ 164].
فقرأ ابن كثير ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، والكسائي معذرة رفعا.
واختلف عن عاصم؛ فروى أبو بكر في رواية يحيى بن آدم عنه، وغيره معذرة رفعا مثل حمزة وروى الحسين بن علي الجعفي عن أبي بكر وحفص عن عاصم معذرة نصبا.
قال أبو زيد: عذرته. أعذره عذرا، ومعذرة وعذرى.
فعلى. حجة من رفع: أن سيبويه قال: ومثله [في
[الحجة للقراء السبعة: 4/97]
قراءته] على الابتداء ويريد مثل حنان في قوله:
فقالت: حنان ما أتى بك هاهنا ومثله في أنّه على الابتداء، وليس على فعل قوله:
قالوا: معذرة إلى ربكم [الأعراف/ 164] لم يريدوا أن يعتذروا اعتذارا مستأنفا من أمر ليموا عليه، ولكنّهم قيل لهم:
لم تعظون قوما؟ فقالوا: معذرة. أي: موعظتنا معذرة إلى ربكم.
وحجة من نصب معذرة: أن سيبويه قال: لو قال رجل لرجل معذرة إلى الله، وإليك من كذا وكذا لنصب). [الحجة للقراء السبعة: 4/98]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتّقون}
قرأ حفص عن عاصم {قالوا معذرة} بالنّصب على المصدر وحجته أن الكلام جواب كأنّه قيل لهم لم تعظون قوما الله مهلكهم فأجابوا فقالوا نعظهم اعتذارا ومعذرة إلى ربهم
وقرأ الباقون {معذرة} بالرّفع قال سيبويهٍ معناه موعظتنا إيّاهم معذرة فالمعنى أنهم قالوا الأمر بالمعروف واجب علينا فعلينا موعظة هؤلاء لعلّهم يتّقون). [حجة القراءات: 300]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (50- قوله: {معذرة} قرأ حفص بالنصب على المصدر، كأنهم لما قيل لهم: {لم تعظون} قالوا: نعتذر من فعلهم اعتذارًا إلى ربكم، فكأنه خبر مستأنف وقوعه منهم، ويجوز أن يكون قد وقع ذلك منهم على معنى: اعتذرنا اعتذارًا، وقرأ الباقون بالرفع على إضمار مبتدأ دل عليه الكلام، كأنهم لما قيل لهم: لم تعظون قومًا قالوا موعظتنا معذرة لهم، فهو أمر قد مضى منهم فعله). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/481]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (42- {قَالُوا مَعْذِرَةً} [آية/ 164] بالنصب:
قرأها عاصم وحده- ص-.
والوجه أنه مصدر، وانتصابه لذلك، والتقدير نعتذر معذرة، فأضمر الفعل، ويجوز أن يكون مفعولا له، والتقدير نعظهم معذرة أي للمعذرة.
وقرأ الباقون {مَعْذِرَةٌ} بالرفع.
والوجه أنه خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: موعظتنا معذرة). [الموضح: 560]

قوله تعالى: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (بعذابٍ بئيسٍ بما كانوا يفسقون (165)
قرأ نافع (بعذابٍ بيسٍ) بكسر الباء بغير همز، وروى خارجه عن نافع (بيسٍ) بفتح الباء وسكون الياء بغير همز، وروى أبو قرة عن نافع (بئيسٍ) مفتوحة الباء مكسورة الهمزة، وقرأ ابن عامر (بئسٍ) بكسر الباء وهمزة ساكنة، وقرأ عاصم في رواية الأعشى عن أبي بكر (بيأسٍ) بفتح الباء وسكون الياء وهمزة مفتوحة، بوزن (فيعل)، وليس عند يحيى بن آدم عن أبي بكر عن عاصم في هذا شيء.
[معاني القراءات وعللها: 1/427]
ورويت عن الأعمش هكذا، وقرأ الباقون وحفص عن عاصم (بئيسٍ) على (فعيل) بفتح الباء وكسر الهمزة.
قال أبو منصور: من قرأ (بيسٍ) على (فعلٍ) فالأصل (بئس) فخففت همزتها، ومن قرأ (بئسٍ) على (فعل) فهو من بئس يبأس فهو بئس، ومن قرأ (بيأسٍ) فهو من (فيعل) من بئس يبأس، كما يقال: عطل، من عطل يعطل، ومن قرأ (بئيسٍ) فهو على (فعيل) ومعناه: الشديد، يقال: بؤس يبؤس فهو بئيس، إذا اشتد وشجع.
وبئس يبأس، إذا افتقر، فهو بئيسٍ وبيسٍ أيضًا). [معاني القراءات وعللها: 1/428]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (42- وقوله تعالى: {بعذاب بئيس} [165].
قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي {بئيس} على فعيل، قال الشاعر:
حنقًا علي وما ترى = لي فيهم أثرًا بئيسا
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/211]
وقرأ نافع {بعذاب بيس} بكسر الباء بغير همز، وينشد:
لم ترو حتى بلت الدبيسا = ولقى الذي أداه أمرًا بيسا
وقرأ ابن عامر مثل نافع إلا أنه يهمز {بيس} بهمزة ساكنة، وروى خارجة عن نافع {بعذاب بيسْ بفتح الباء مثل بيت، وروى أبو عبيدة عن عبيد عن شبل عن ابن كثير: {بعذاب بئيس} كسر الباء مثل نافع، إلا أنه يمده.
وروى حفص عن عاصم: {بعذاب بئيس} على فعيل بكسر العين.
وروى أبو بكر عنه: {بيئس} على فيعل بفتح الهمزة وهو الاختيار مثل صيرف وصيقل. فهذه سبع قراءات عن السبعة في هذه الحروف.
وفيها ثلاث قراءات عن غير السبعة:
قرأ الحسن: {بعذاب بئسْ كما تقول: بئس ما صنعت.
وقرأ طلحة بن مصف: {بعذاب بئس} مثل فخذ.
وقرأ نصر بن عاصم: {بعذاب بيس} بفتح الباء والياء مثل حمل فتلك عشر قراءات فعيل وفيعل وفعل وفعل ومهموز وفعل غير مهموز وفعل بفتح السين وفعيل مثل شعير وبعير، وفعل وفعل وفعل.
فأما تفسير هذه الآية فإن أبا بكر محمد بن القاسم الأنباري رحمه الله حدثني قال: حدثني عبد الله بن محمد، قال: حدثنا يوسف بن موسى، قال: حدثنا يحيى بن سليمان الطائفي عن ابن جريج عن عكرمة قال: دخلت على ابن عباس وهو ينظر في المصحف قبل أن يذهب بصره ويبكى فقلت:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/212]
ما يبكيك يا أبا العباس جعلني الله فداك؟ فقال لي: هل تعرف أيلة؟ قلت: وما أيلة؟ قال: هي قرية كان فيها ناس من اليهود، وكان الله تعالى قد حرم عليهم صيد الحيتان في يوم السبت فكانت تأتيهم حيتانهم يوم سببتهم شرعًا سمانا فتربض بأقبيتهم وابنيتهم، فإذا طلبوها في غير السبت لم يدركوها إلا [بمؤنة} شديدة فقال بعضهم لبعض، أو من قال ذلك منهم: لعلنا لو أخذناها فأكلناها في غير يوم السبت، ففعل ذلك أهل بيت منهم فاصطادوا وشووا، فلما شم جيرانهم رائحة الشواء قالوا: ألا ترون أن بني فلان لم يعاقبوا؟ وفشا فيهم ذلك الفعل حتى افترقوا فرقًا ثلاثًا: فرقة أكلت، وفرقة نهت، وفرقة قالوا: {لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابًا شديدًا}.
فأما الفرقة التي نهت فإنهم قالوا: يا قوم إنا نحذركم غضب الله وعقابه وأن يصيبكم بمسخ أو قذف أو خسف، أو ببعض ما عنده من العذاب، والله لانبايتكم في موضع، ثم خرجوا عنهم، وغدوا عليهم فقرعوا عليهم الباب باب القرية فلم يكلمهم أحد، فجاءوا بسلم وأسندوه إلى السور، ورقى منهم راقٍ عليه فلما أشرف قال: يا عباد الله فإذا هي قردة لها أذناب تعاوى يقولها ثلاثًا، ثم نزل ففتح الباب فدخلوا عليهم، فعرفت القردة أنسابها من الإنس، ولم يعرف الإنس أنسابها من القردة، فكان القردة تأتي نسيبها وقريبها من الإنس فتحرك به وتشير إليه. فيقول: أنت فلان فيشير برأسه، أي: نعم ويبكي، وكانت القردة تأتي نسيبيها وقريبها من الإنس فتفعل مثل ذلك، فقالوا لهم: أما إنا فقد حذرناكم غضب الله وعقابه أن يصيبكم الله بمسخ أو قذف أو خسف، أو ببعض ما عنده من العذاب.
قال ابن عباس: فاسمع الله يقول: {أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون} [165].
ولا أدري ما فعلت الفرقة الثالثة، فقكم قد رأينا منكرًا لم نغيره؟!
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/213]
قال عكرمة: فقلت: يا ابا العباس جعلني الله فداك ألا ترى أنهم قد أنكروا حين قالوا: {لم تعظون قومًا الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا} قال: فأعجبه ذلك من قوله وأمر له ببردين غليظين كساه بهما.
قال أبو عبد الله رضي الله عنه -: فعلى هذا التفسير الاختيار أن يقف على قوله: {ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك} [163] ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/214]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في قوله جل وعز: بعذاب بئس [الأعراف/ 165].
فقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي:
بئيس على وزن فعيل، الهمزة بين الباء والياء منون.
وقرأ نافع بعذاب بيس بما بكسر الباء من غير همز وينوّن.
[الحجة للقراء السبعة: 4/98]
وروى أبو قرّة عن نافع بئيس على وزن فعيل مثل حمزة.
وروى خارجة عن نافع بيس* بفتح الباء من غير همز منون على وزن فعل.
وقرأ ابن عامر: بعذاب بئس بما على وزن فعل مثل نافع غير أنه مهموز؛ فكذلك ما روي عن نافع من قوله: بعذاب بئس.
وروى حفص عن عاصم [بئيس] مثل حمزة.
وروى حسين الجعفي عن أبي بكر عن عاصم بيأس على وزن فيعل بفتح الهمزة، أخبرني موسى بن إسحاق عن هارون بن حاتم عنه. وحدثني أبو البختريّ عن يحيى بن آدم عن أبي بكر قال: كان حفظي عن عاصم بيأس بما على وزن فيعل ثم دخلني منها شك، فتركت روايتها عن عاصم وأخذتها عن الأعمش بئيس بما مثل حمزة.
حدثني محمد بن الجهم قال: حدثني ابن أبي أمية عن أبي بكر قال: كان حفظي عن عاصم بيئس على وزن فيعل
[الحجة للقراء السبعة: 4/99]
ثم دخلني منها شك فتركت روايتها عن عاصم، وأخذتها عن الأعمش بعذاب بئيس [على وزن فعيل] قال أبو زيد: قد بؤس الرجل يبؤس بأسا، إذا كان شديد البأس، وقال في البؤس: قد بئس يبأس بؤسا وبيسا وبأسا، والبأساء الاسم.
[قال أبو علي]: يحتمل قول من قال: بئيس أمرين:
أحدهما أن يكون فعيلا من بؤس يبؤس، إذا كان شديد البأس مثل: من عذاب شديد [إبراهيم/ 2]، والآخر أن يكون من عذاب بئيس، فوصف بالمصدر، والمصدر على فعيل وقد جاء كثيرا كالنذير، والنكير، والشحيح. وعذير الحي، والتقدير: من عذاب ذي بئيس، أي عذاب ذي بؤس.
وأما ما روي عن نافع من قوله: بعذاب بيس، فإنه جعل بيس الذي هو فعل اسما فوصف به، ومثل ذلك
قوله: «إنّ الله ينهى عن قيل وقال» و «عن قيل وقال»
وقال:
أصبح الدهر وقد ألوى بهم... غير تقوالك من قيل وقال
[الحجة للقراء السبعة: 4/100]
ومثل ذلك: «من شبّ إلى دبّ»، و «من شبّ إلى دبّ»، فكما استعملت هذه الألفاظ أسماء وأفعالا، كذلك بئس* جعله اسما بعد أن كان فعلا فصار وصفا. ونظيره من الصفة: نقض، ونضو، وهرط.
وما روي عن نافع من قوله: بعذاب بيس بفتح الباء من غير همز، فهو أيضا فعل في الأصل، وصف، كما أن بيس كذلك.
وأمّا إبداله من الهمزة الياء، فإنّ سيبويه حكى أنّه سمع بعض العرب يقول: بيس* فلا يحقّق الهمزة، ويدع الحرف على الأصل، يريد على الأصل الذي هو فعل، كأنّه يسكن العين، كما يسكن في علم، ويقلب الهمزة ياء، لأنّه لمّا أسكنها لم يجز فيها أن تجعل بين بين، فأخلصها ياء.
وقراءة ابن عامر: بعذاب بئس بالهمز، فهي قراءة
[الحجة للقراء السبعة: 4/101]
نافع بعذاب بيس إلّا أنّ ابن عامر حقّق الهمزة. وما رواه أبو بكر عن عاصم بعذاب بيأس فإنه يكون وصفا مثل ضيغم، وحيدر، وهو بناء كثير في الصفة، ولا يجوز كسر العين في بيأس، لأنّ فيعل بناء اختصّ به ما كان عينه ياء، أو واوا، مثل: سيد وميت وطيب ولين، ولم يجيء مثل ضيغم، وقد جاء في المعتل فيعل، حكى سيبويه عيّن، وأنشد لرؤبة:
ما بال عيني كالشّعيب العيّن فينبغي أن يحمل بيأس على الوهم ممّن رواه عن عاصم والأعمش). [الحجة للقراء السبعة: 4/102]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أبي جعفر وشيبة وأبي عبد الرحمن والحسن واختلف عن نافع: [بعَذابٍ بِيسٍ] فعل بلا همز، و[بِئْسٍ] وهي قراء السلمي بخلاف، ويحيى وعاصم بخلاف،
[المحتسب: 1/264]
والأعمش بخلاف، وعيسى الهمداني.
[بَيْئِسٍ] مثل فَيْعِل ابن عباس وعاصم بخلاف.
[بَيْئَس] طلحة بن مصرف.
وقرأ أبو رجاء: [بائس]، و[بَيَسٍّ] وزن فَعَلٍّ.
وقراءة نصر بن عاصم وجُؤيَّة بن عائذ: و[بَأْس] ورُوي عن مالك بن دينار أيضًا.
و[بَيِّسٍ] وزن فَعِّلٍ، يروى عن نصر بن عاصم أيضًا.
و[بئِس] وزن فعِل قراءة زيد بن ثابت و[بِئْس].
ومما رويت عن الحسن و[بَيْس]، ورويت عن نافع أيضًا.
قال أبو الفتح: أما [بِيس] بغير همز على وزن فِعْل فيحتمل أمرين:
أحدهما: أن يكون أراد مثال فِعْل، فيكون كما جاء من الأوصاف على فِعْل، نحو: نِضْو ونِقْض وحِلْف، وأصله الهمز كقراءة مَن قرأ [بِئْسٍ] بالهمز، إلا أنه خفف فأبدل ياء فصارت [بيس] كبِير وذيبٍ، فيمن خفف.
والآخر: أن يكون أراد فَعِلًا، فأصله بَئِس كمَطِر وحَذِر، ثم أسكن ونقل الحركة من العين إلى الفاء كالعبرة فيما كان على فَعِل وثانيه حرف الحلق كفخِذ ونغِر وجئِز، فصار إلى بِئس، ثم خفف فقال: بِيس، على ما مضى.
وأما [بَئِس] على فَعِل فجاء على قولهم: قد بَئِس الرجل بآسةً: إذا شَجُعَ، فكأنه عذاب مُقدِم عليهم وغير متأخر عنهم.
وقد يجوز أيضًا أن يكون [بَئِس] مقصورًا من بئيس كالقراءة الفاشية، كما قالوا في لبيق: لَبق، وفي سيمج سَمج.
وأما [بَيْئِس] على فَيْعِل ففيه النظر؛ وذلك أن هذا البناء مما يختص به ما كان معتل العين كسيِّد وهين ودين ولين، ولم يجئ في الصحيح، وكأنه إنما جاء في الهمزة لمشابهتها حرفي العلة، والشبه بينها وبينهما من وجوه كثيرة.
[المحتسب: 1/265]
وأما [بَيْسٍ] في وزن جَيْشٍ فطريق صنعته أنه أراد بَئِس، فخفف الهمزة فصارت بين بين؛ أي: بين الهمزة والياء، فلما قاربت الياء ثقلت فيها الكسرة فأسكنها طلبًا للاستخفاف، فصارت في اللفظ ياء، كما خففوا نحو صَيِدَ البعير، فقالوا: صيْدَ وإن كنت العين في صيِد ياء محضة وكانت في بَئِس همزة مخففة، إلا أنه شبهها بياء صَيِد لما ذكرنا من مقاربتها في اللفظ الياء، ونحو من ذلك قول ابن ميادة:
فكان يوْميْذٍ لها حكمُها
أراد: يومئذ، فخفف فصارت الهمزة بين بين وأشبهت الياء فأسكنها، فقال: [يَوْمَيْذٍ]، فهذا كبَيْسٍ على ما ترى.
وقد يجوز أن يكون أراد تخفيف بَيْئِس، فصارت بَيِس ثم أسكن تخفيفًا، كقولهم في عَلِمَ: عَلْم، وفي كلمة: كَلْمة، وفي فَخِذ: فَخْذ، ومثال بيْس على هذا فَيْل.
فأما [بائس] فاسم الفاعل من بئِس على ما قدمنا ذكره.
وأما [بَيَس] فطريف، وظاهر أمره أن يكون جاء على ماضٍ مثالُه فَيْعَل كهَيْنَم، ثم خففت الهمزة فيه وأُلقيت حركتها على الياء فصار بَيَس، وجاز اعتقاد هذا الفعل وإن لم يظهر كأشياء تثبت تقديرًا ولا تبرز استعمالًا.
وأما [بَيِّس] بتشديد الياء وكسرها، فليس على فَعِّل كما ظن ابن مجاهد؛ بل هو على فَيْعِل تخفيف بيئِس على قول من قال من تخفيف سوءَة: سَوَّة، وفي تخفيف شيء: شيّ، فأبدل الهمزة على لفظ ما قبلها، وعليه قول الشاعر:
يعجل ذا القباضة الوحِيَّا ... أن يرفع المئزر عنه شَيَّا
فصار بَيِّس كما ترى.
وأما [بأْسٍ] فتخفيف بَئِس، كقولك في سَئِم: سأْم، وفي علِم عَلْم.
وأما [بَيْس] فالعمل فيه من تخفيف الهمزة ثم إسكانها فيما بعد كالعمل في [بَيْسٍ] وهو يريد الاسم، وقد مضى ذلك.
[المحتسب: 1/266]
وأما [بِئِس] فعلى الإتباع مثل: فِخِذ وشِهِد. قال أبو حاتم في قراءة بعضهم: [بِئيَس]، فهذا في الصفة بمنزلة حِذْيم فِعْيَل، وكذا مثَّله أبو حاتم أيضًا.
وحكى أبو حاتم أيضًا [بِئِيس] كشِعِير وبِعِير، فكسر أوله لكسر الهمزة بعده.
وحكى أيضًا فيها [بَئِّس] فَعِّل، وأنكرها فردها ألبتة، وأنكر قراءة الحسن: [بِئْس] وقال: لو كان كذا لما كان بُدٌّ معها من "ما" بئِسما كنعم ما). [المحتسب: 1/267]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وأخذنا الّذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون}
قرأ ابن عامر (بعذاب بئس) بكسر الباء وبهمزة ساكنة خرج الهمزة على الأصل ولم يلف في الهمزة ها هنا ثقل لخفة الحرف وقلة حروفه
وقرأ نافع (بعذاب بيس) بغير همز فعل من البؤس ترك همزه فأبدلت الياء من الهمزة لثقل الهمز لأن الياء أخف منه
وقرأ أبو بكر عن عاصم (بيأس) على فيعل مثل رجل صيرف إذا كان يتصرّف في الأمور
وقرأ الباقون {بعذاب بئيس} على فعيل من البؤس وتفسيره الشّديد). [حجة القراءات: 300]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (51- قوله: {بعذاب بئيس} قرأه نافع بغير همزة، وكسر الباء، وقرأ ابن عامر بهمزة ساكنة، بهمزة ساكنة، وكسر الباء، وقرأ الباقون بهمزة مكسورة، وفتح الباء، وبعد الهمزة ياء، وروي عن أبي بكر عن عاصم أنه قرأ بهمزة مفتوحة على وزن «فيعل» وروي عنه بهمزة مكسورة على وزن «فعيل».
وحجة من قرأ بكسر الباء أنه كسرها لحرف الحلق بعدها، وهو الهمزة وأصلها الفتح في قولك: بئس الرجل ثم يقولون: يبئس الرجل، كما قالوا في شَهِد شِهِد.
52- وحجة من فتح الباء أنه أتى بها على الأصل، كما قال: شَهِد بفتح الشين.
53- وحجة من قرأ بغير همز أن أصله فعل ماض نُقل إلى التسمية، فوصف به العذاب، فأصله أن يكون بهمزة مكسورة؛ لأنه منقول من «ييس» لكن أسكنت الهمزة استخفافًا، كما قالوا: في عَلِم عَلْمَ، وكانت الهمزة أولى بالإسكان لثقلها وصعوبة النطق بها، مع كسرها وكسر ما قبلها، فلما سكنت خففت بالبدل بياء لسكونها وانكسار ما قبلها.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/481]
54- وحجة من همز همزة ساكنة أنه أتى بها على الأصل، بعد نقلها من الكسر، فكأنه كره أن يغيرها بالتخفيف والبدل، وقد غُيرت عن الحركة إلى السكون.
55- وحجة من قرأ بهمزة مكسورة وفتح الباء، وياء بعد الهمزة، أنه جعله مصدرا وصف به العذاب من «بيئس» حكى أبو زيد: بئس الرجل بئيسًا، والمصدر على «فعيل» كثير، نحو: النذير والنفير، والتقدير: بعذاب ذي بئيس أي ذي بؤس؛ لأن بؤسًا أيضًا مصدر لبئس، وقيل: إن بئيسًا اسم فاعل من بَؤسُ الرجل، إذا كان شديد البأس، فيكون بئيس اسم فاعل من بَؤس ويكون معناه: بعذاب شديد فأما من قرأه على «فَيْعَل» فإنه جعله ملحقًا بـ «جعفر» كضيغم وهو صفة للعذاب أيضًا). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/482]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (43- {بِعَذَابٍ بَيسٍ} [آية/ 165] مكسورة الباء غير مهموزة:
قرأها نافع وحده.
والوجه أن أصله بئس الذي هو فعل، فجعله اسمًا فوصف به، كما ورد في
[الموضح: 560]
الحديث أنه نهي عن قيل وقال، وأصله قيل وقال، فجعلا اسمين، فاستعملا استعمال الأسماء، فكذلك بئس جعله اسمًا بعد أن كان فعلاً، فصيره وصفًا للعذاب.
وروي عن نافع أيضًا {بَيسٍ} بفتح الباء وإسكان الياء من غير همز.
والوجه أن أصله بئس أيضًا على فعل، فأسكنت الهمزة منه، كما قالوا علم بسكون الأوسط من علم، ثم قلبت الهمزة ياء؛ لأنه لم يصح أن يجعل بين بين بالإسكان، وهو أيضًا فعل جعل اسمًا كما تقدم.
وقرأ ابن عامر {بِيئَسٍ} مكسورة الباء مهموزة.
والوجه فيه كالوجه في قراءة نافع، إلا أن الهمزة في هذه محققة، وفي تلك مخففة.
وقرأ عاصم- ياش- {بَيئَسٍ} بفتح الباء وبياء ساكنة، بعدها همزة مفتوحة على وزن بيعسٍ.
والوجه أنه وصف على فيعل من البؤس كضيغم وشيهم، وهو صحيح، فلا يأتي فيه إلا فتح العين؛ لأن فيعلاً بكسر العين لا يأتي في الصحيح بل في المعتل كسيد وميت.
[الموضح: 561]
وروى- ص- عن عاصم {بَئِيسٍ} بفتح الباء وهمزة مكسورة، بعدها ياء، على وزن بعيس.
وكذلك قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي ويعقوب.
والوجه أنه فعيل من البؤس، فيجوز أن يكون اسم فاعل من بؤس يبؤس فهو بئيس كعظم يعظم فهو عظيم، فقوله {عَذَابٍ بَئِيسٍ} كعذاب شديد، ويجوز أن يكون مصدراً وصف به، يقال بؤس بؤسًا وبئيسًا، والمعنى بعذاب ذي بئيس). [الموضح: 562]

قوله تعالى: {فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166)}

قوله تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 09:03 AM

سورة الأعراف
[ من الآية (168) إلى الآية (171) ]

{وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (168) فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (169) وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170) وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (171)}

قوله تعالى: {وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (168)}

قوله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (169)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة السلمي: [وادَّارسُوا ما فيه]، وعباس عن الضبي عن الأعمش: [وادَّكَروا ما فيه].
قال أبو الفتح: [ادَّارسُوا] تدارسوا، كقوله: [ادَّاركوا]، والعمل فيهما واحد، وقد تقدم.
[المحتسب: 1/267]
وأما [وادَّكرُوا] فأراد تذكروا، وهذا كقوله تعالى: {قَالُوا اطَّيَّرْنَا}). [المحتسب: 1/268]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ودرسوا ما فيه والدّار الآخرة خير للّذين يتّقون أفلا تعقلون}
[حجة القراءات: 300]
{والّذين يمسكون بالكتاب} 169 و170
قرأ نافع وابن عامر وحفص {أفلا تعقلون} بالتّاء على الخطاب وقرأ الباقون بالياء إخبار عنهم
قرأ أبو بكر {والّذين يمسكون بالكتاب} بالتّخفيف أي يأخذون بما فيه من حلاله وحرامه وحجته قوله {فكلوا ممّا أمسكن عليكم} وقوله {أمسك عليك زوجك} ولم يقل مسك
وقرأ الباقون {يمسكون} بالتّشديد وحجتهم في ذلك أنهم قالوا إنّما يقال مسكت بالشّيء فإذا خففوا لم يدخلوا بالباء وقالوا أمسكت الشّيء ولا يقال أمسكت بالشّيء
الجواب عن قراءة أبي بكر أن العرب تزيد الباء وفي كتاب الله {عينا يشرب بها عباد الله} أي يشربها والباء زائدة فكذلك تقول أمسكت بالشّيء معناه أمسكت الشّيء). [حجة القراءات: 301] (م)
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (44- {أَفَلا تَعْقِلُونَ} [آية/ 169] بالتاء:
قرأها نافع وابن عامر و- ص- عن عاصم ويعقوب.
والوجه أنه خاطبهم بعد الإخبار عنهم فقال أفلا تعقلون أن الدار الآخرة خير للذين يتقون؟، وقد تقدم خطابهم في قوله تعالى {قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِين}.
وقرأ الباقون {أَفَلا يَعْقِلُونَ} بالياء.
والوجه أن ما قبله على الغيبة في قوله {وإذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ} و{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ} و{أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم وما بعده أيضًا على الغيبة نحو {وإذْ نَتَقْنَا الجَبَلَ فَوْقَهُمْ} فحمله على الغيبة أولى؛ لموافقة ما قبله وما بعده). [الموضح: 562]

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (والّذين يمسّكون بالكتاب... (170).
قرأ عاصم في رواية أبي بكر (يمسكون) ساكنة الميم خفيفة، وقرأ الباقون (يمسّكون) مشددة.
وقرأ أبو عمرو ويعقوب في الممتحنة (ولا تمسّكوا بعصم الكوافر) مشددة، وخففها الباقون.
[معاني القراءات وعللها: 1/428]
قال أبو منصور: يقال: أمسكت بالشيء، ومسّكت به، وتمسكت به، وامتسكت واستمسكت بمعنى واحد). [معاني القراءات وعللها: 1/429]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (43- قوله تعالى: {والذين يمسكون بالكتاب} [170].
قرأ عاصم في رواية ابي بكر بالتخفيف هاهنا وفي (الممتحنة) وقرأ أبو عمرو بالتشديد.
وقرأ الباقون في (الأعراف) بالتشديد، فمن خفف احتج بقوله تعالى: {فكلوا مما أمسكن عليكم} وبقوله: {أمسك عليك زوجك} ولم يقل مسك. ومن شدد احتج بقراءة أُبَي: {والذين مسكوا بالكتاب}). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/214]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في التخفيف والتشديد في قوله جلّ وعزّ: والذين يمسكون بالكتاب [الأعراف/ 170].
فقرأ عاصم وحده في رواية أبي بكر: والذين يمسكون
[الحجة للقراء السبعة: 4/102]
خفيفا، وكذلك قرأ: ولا تمسكوا بعصم الكوافر [الممتحنة/ 10] خفيفا.
وروى عنه حفص: يمسكون مشدّدة، ولا تمسكوا خفيفا.
وقرأ ابن كثير ونافع، وابن عامر، وحمزة، والكسائيّ، والذين يمسكون مشددة ولا تمسكوا خفيفة.
وقرأ أبو عمرو: والذين يمسكون وو لا تمسكوا مشدّدتين مضمومة التاء.
انفرد أبو عمرو بقوله: ولا تمسكوا أنّها مشدّدة، والباقون يخفّفونها.
[قال أبو علي] حجة من قرأ: يمسكون بتخفيف السين قوله: فإمساك بمعروف [البقرة/ 229].
وقوله: أمسك عليك زوجك، [الأحزاب/ 37]، وكلوا مما أمسكن عليكم [المائدة/ 4].
وقول الجميع: يمسكون بالكتاب أولى من الرواية التي انفرد بها من قال: يمسكون بالكتاب عن عاصم، وذلك أنّ التشديد هاهنا إذا أريد به الكثرة كان أولى من التخفيف لقوله:
[الحجة للقراء السبعة: 4/103]
وتؤمنون بالكتاب كله [آل عمران/ 119]، أي لا تؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض، فأنتم خلاف من حكي عنهم: ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض [النساء/ 150] واتفاق الجماعة غير أبي عمرو في قوله: ولا تمسكوا بالتخفيف حسن، لأنّ ذلك في إمساك المرأة، وقد قال فيه: فإمساك بمعروف، وقال: أمسك عليك زوجك [الأحزاب/ 37]، وقال: فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف [البقرة/ 231]. وقال: فأمسكوهن في البيوت [النساء/ 15]، وقال: ولا تمسكوهن ضرارا [البقرة/ 231]، فعلى هذا قول الجماعة: ولا تمسكوا بعصم الكوافر [الممتحنة/ 10] وقول أبي عمرو: إنّ أفعل، وفعّل قد يكونان بمعنى واحد). [الحجة للقراء السبعة: 4/104]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ودرسوا ما فيه والدّار الآخرة خير للّذين يتّقون أفلا تعقلون}
[حجة القراءات: 300]
{والّذين يمسكون بالكتاب} 169 و170
قرأ نافع وابن عامر وحفص {أفلا تعقلون} بالتّاء على الخطاب وقرأ الباقون بالياء إخبار عنهم
قرأ أبو بكر {والّذين يمسكون بالكتاب} بالتّخفيف أي يأخذون بما فيه من حلاله وحرامه وحجته قوله {فكلوا ممّا أمسكن عليكم} وقوله {أمسك عليك زوجك} ولم يقل مسك
وقرأ الباقون {يمسكون} بالتّشديد وحجتهم في ذلك أنهم قالوا إنّما يقال مسكت بالشّيء فإذا خففوا لم يدخلوا بالباء وقالوا أمسكت الشّيء ولا يقال أمسكت بالشّيء
الجواب عن قراءة أبي بكر أن العرب تزيد الباء وفي كتاب الله {عينا يشرب بها عباد الله} أي يشربها والباء زائدة فكذلك تقول أمسكت بالشّيء معناه أمسكت الشّيء). [حجة القراءات: 301] (م)
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (56- قوله: {والذين يمسكون بالكتاب} قرأه أبو بكر بالتخفيف، من «أمسك يمسك» لإجماعهم على قوله: {فإمساك بمعروف} «البقرة 239» وقوله: {أمسك عليك زوجك} «الأحزاب 37» وقوله: {مما أمسكن عليكم} «المائدة 4» وقوله: {فأمسكوهن في البيوت} «النساء 15» وقوله: {لا تمسكوهن ضرارا} «البقرة 231» فكله من «أمسك»، وقرأ الباقون بالتشديد على التكثير والتكرير للتمسك بكتاب الله ودينه، فبذلك يمدحون، وفيه معنى التأكيد وهو من مسك الأمر أي لزمه، فالتمسك بكتاب الله والدين يحتاج إلى الملازمة والتكرير لفعل ذلك، فالتشديد يدل عيه، وكل ما ذكرنا من «أمسك» الذي لا يدل على تكرير ولا تأكيد، فإنما وقع في غير الدين في إمساك المرأة، وإمساك الصيد، فالتشديد أولى به وأحسن، وهو الاختيار، لما ذكرنا من المعنى؛ ولأن الجماعة عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/482]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (45- {يُمَسِّكُونَ} [آية/ 170] بسكون الميم وتخفيف السين:
قرأها عاصم وحده- ياش-.
والوجه أن أمسك وتمسك ومسك واستمسك واحد في معنى التعلق والاعتصام، إلا أن أمسك أكثر ما يستعمل بغير باء، يقال أمسكت الشيء وتمسكت به واستمسكت، قال الله تعالى {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} و{فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} و{فَأَمْسِكُوهُنَّ ويمكن الفرق بين الإمساك والتمسك أن الإمساك ضبط الشيء عن الذهاب، فهو ضد التخلية، والتمسك التعلق بالشيء، فأراد وضع الإمساك موضع التمسك، فلذلك عداه بالباء.
وقرأ الباقون {يُمَسِّكُونَ} بتحريك الميم والتشديد، وكلهم قرأ في سورة الممتحنة {ولا تُمْسِكُوا} مخففة، غير أبي عمرو ويعقوب فإنهما قرآ {تُمَسِّكُوا} مشددة.
والوجه في التشديد أن مسك وتمسك أوقع في هذا المعنى من أمسك على ما بيناه، ثم إن التشديد ههنا لما أريد به من الكثرة أولى ههنا من التخفيف؛ لأن المراد يؤمنون بالكتاب كله، فلا يؤمنون ببعضه ويكفرون بالبعض). [الموضح: 563]

قوله تعالى: {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (171)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 09:04 AM

سورة الأعراف
[ من الآية (172) إلى الآية (174) ]

{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173) وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (174)}

قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (من ظهورهم ذرّيّتهم... (172).
قرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب (من ظهورهم ذرّيّاتهم) جماعة.
وقرأ الباقون (ذرّيّتهم) واحدة.
قال أبو منصور: المعنى واحد في الذرية والذريات، وقد بينت تفسيره واشتقاقه في التفسير). [معاني القراءات وعللها: 1/429]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (أن تقولوا يوم القيامة... (172)
قرأ أبو عمرو وحده (أن يقولوا) و(أو يقولوا (173) بالياء معًا، وقرأ الباقون بالتاء معًا.
قال أبو منصور: من قرأ بالتاء فهو مخاطبة، ومن قرأ بالياء فعلى الغيبة، وقيل في تفسير (أن تقولوا) قولان:
أحدهما: لأن لا تقولوا.
والثاني: كراهة أن تقولوا، وكذلك من قرأ بالياء). [معاني القراءات وعللها: 1/429]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (44- وقوله تعالى: {من ظهورهم ذريتهم} [172].
قرأ نافع وابو عمرو وابن عامر {ذرياتهم} على الجماع وكسر التاء، وهو في موضع نصب؛ لأن التاء غير أصلية.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/214]
وقرأ الباقون {ذريتهم} واحدة، فاختلف الناس في ذلك فقال قوم: خلق الله تعالى الناس بعضهم من بعض ومسح ظهر آدم فأخرج الخلق منه كأمثال الذر، فأخذ العهد عليهم بعقل ركنه فيهم فقال: {ألست بربكم قالوا بلى شهدنا} فهاهنا الوقف، فكان يختاره ابن مجاهد ويبتدى بـ «أن» مفتوحة بفعل مضمر. فكل إ نسان إذا بلغ الحلم علم بعقله أن الله خالقه، واستدل لذلك، وإنما بعث الله تعالى الرسل وأوضح البراهين ليؤكد الحجة عليهم). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/215]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (45- وقوله تعالى: {أن تقولوا} {أو تقولوا} [172، 173].
قرأ أبو عمرو وحده بالياء.
والباقون بالتاء.
فمن قرأ بالياء فشاهده {من ظهورهم ذريتهم}.
والتاء محمولة على ما قبلها من المخاطبة في قوله عز وجل: {الست بربكم}). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/215] (م)
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الجمع والتوحيد في قوله جلّ وعزّ: من ظهورهم ذرياتهم [الأعراف/ 172].
فقرأ ابن كثير وعاصم وحمزة والكسائي من ظهورهم ذريتهم واحدة.
وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر: ذرياتهم* جماعة.
[الحجة للقراء السبعة: 4/104]
[قال أبو علي] قولهم: الذريّة تكون جمعا وتكون واحدا، فمما جاء فيه ذرية يراد به الواحد قوله: هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لى من لدنك ذرية طيبة،... فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب إن الله يبشرك بيحيى [آل عمران/ 39].
فهذا مثل قوله: فهب لي من لدنك وليا، يرثني [مريم/ 5]، يا زكرياء إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى [مريم/ 7].
وممّا جاء فيه جمعا قوله: وكنا ذرية من بعدهم [الأعراف/ 173]، ومنه قوله: ألا تتخذوا من دوني وكيلا ذرية من حملنا مع نوح [الإسراء/ 2 - 3]، فمن أفرد جعله جمعا؛ فاستغنى عن جمعه بوقوعه على الجميع. ومن جمع فمن حجته أن يقول: لا يخلو من أن يكون واحدا، أو جمعا؛ فإن كان واحدا، فلا إشكال في جواز الجمع فيه، وإن كان جمعا فجمعه أيضا حسن، لأنّك قد رأيت الجموع المكسّرة قد جمعت نحو: الطرقات، والجزرات، وصواحبات يوسف.
ومن حجة من أفرد فلم يجمع، أنّ الذريّة قد وقع على
[الحجة للقراء السبعة: 4/105]
الواحد والجميع بدلالة ما تقدم ذكره، كما أنّ قوله:
بشر تقع على الواحد والجميع، فالجميع كقوله: أبشر يهدوننا [التغابن/ 6]، وإن أنتم إلا بشر مثلنا [إبراهيم/ 10]، والواحد كقوله: ما هذا بشرا إن هذا [يوسف/ 31]، ولئن أطعتم بشرا مثلكم... أيعدكم أنكم [المؤمنون/ 33 - 34]، فكما لم يجمع بشر بتصحيح ولا تكسير، كذلك لا تجمع الذريّة. فأمّا مثال ذرية من الفعل فيجوز أن يكون فعلولة من الذرّ، فأبدلت من الراء التي هي اللّام الأخيرة ياء كما أبدلت من دهديّة؛ يدلّك على البدل فيه قوله:
دهدوهة ويحتمل أن يكون فعّيلة منه، فأبدلت من الراء الياء، كما تبدل من هذه الحروف للتضعيف، وإن وقع فيها الفصل، ويحتمل أن يكون فعليّة نسبا إلى الذرّ، إلّا أنّ الفتحة أبدلت منها الضمة، كما أبدلوا في الإضافة إلى الدهر دهري، وإلى السهل: سهلي، ويجوز أن تكون فعّيلة من ذرأ الله الخلق، اجتمع على تخفيفها، كما اجتمع على تخفيف البرية*. ويجوز أن تكون فعّيلة من قوله: تذروه الرياح [الكهف/ 45]، [أبدلت
[الحجة للقراء السبعة: 4/106]
من الواو الياء لوقوع ياء قبلها]، ويقوي ذلك أنّ في بعض الحروف ذرية من حملنا [الإسراء/ 3] ). [الحجة للقراء السبعة: 4/107]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الياء والتاء من قوله تعالى: أن يقولوا يوم القيامة أو تقولوا [الأعراف/ 172 - 173].
فقرأ أبو عمرو وحده: أن يقولوا* أو يقولوا بالياء جميعا، وقرأ الباقون جميعا بالتاء.
حجة أبي عمرو: أنّ الذي تقدّم من الكلام على الغيبة، وذلك قوله: وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم، وأشهدهم على أنفسهم [الأعراف/ 172] كراهة أن يقولوا أو لئلا يقولوا، ويؤكد ذلك ما جاء بعد من الإخبار عن الغيبة وهو قوله: قالوا بلى [الأعراف/ 172].
وحجة من قرأ بالتاء: أنّه قد جرى في الكلام خطاب فقال: ألست بربكم، قالوا: بلى شهدنا [الأعراف/ 172]، وكلا الوجهين حسن، لأنّ الغيب هم المخاطبون في المعنى). [الحجة للقراء السبعة: 4/107] (م)
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة زهير عن خُصَيف: [مِنْ ظُهورهم ذُرِّيئَتَهم] واحدة مهموزة.
قال أبو الفتح: هذا يمنع مِن تَأَوُّل الذرية فيمن لم يهمز أنها من الذر أو من ذَرَوت أو من ذَرَيْت، ويقطع بأنها من ذَرَأْتُ؛ أي: خلقتُ.
فإن قلت: فهلا أجزْتَ أن تكون من الذَّر وجعلتها فُعْلِيَّة غير أنها همزت كما وجد بخط الأصمعي: قَطًا جؤني.
قيل: هذا من الشذوذ؛ بحيث لا يُسمع أصلًا، فضلًا عن أن يتخذ قياسًا). [المحتسب: 1/267]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرّيتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين * أو تقولوا} 172 و173
قرأ نافع وابن عامر وأبو عمرو (من ظهورهم ذرياتهم) بالألف وكسر التّاء وحجتهم أن الذريات الأعقاب المتناسلة وأنّها إذا كانت كذلك كانت أكثر من الذّرّيّة واحتج أبو عمرو في ذلك عند قوله (هب لنا من أزواجنا وذرّيّتنا قرّة أعين) أن الذّرّيّة ما كان في
[حجة القراءات: 301]
حجورهم وأن الذريات ما تناسل بعدهم وأحال أن تكون ذريات بقد قوله {قرّة أعين} وقال لأن الإنسان لا تقر عينه بما كان بعده
وقرأ أهل مكّة والكوفة {ذرّيتهم} وحجتهم أن الذّرّيّة لما في الجحور وما يتناسل بعد والدّلالة على ذلك قوله تعالى {أولئك الّذين أنعم الله عليهم من النّبيين من ذرّيّة آدم} فلا شيء أكثر من ذرّيّة آدم والّذين لم يرهم آدم من ذريّته أكثر من الّذين رآهم وقد أجمعوا هنا على ذرّيّة بلا خلاف بين الأمة فكان رد ما اختلفوا إلى ما أجمعوا عليه أولى بالصّواب وقوله عقيب ذلك {وكنّا ذرّيّة من بعدهم} بلفظ واحد أدل دليل على صحة التّوحيد إذ كانوا هم الّذين أخبر عنهم وقد أجمعوا على التّوحيد
قرأ أبو عمرو (أن يقولو يوم القيامة) (أو يقولوا) بالياء فيهما وحجته ذكرها اليزيدي فقال وتصديقها قوله (من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم) وبعدها أيضا {وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون} فذكر أبو عمرو فذهب إلى أن الكلام أجري على لفظ ما تقدمه من الخبر عن الذّرّيّة لأن الكلام ابتداؤه بالخبر عنهم فما كان في سياقه فهو جار على لفظه ومعناه فكل هذا خبر عنهم
وقرأ الباقون بالتّاء ردوا الكلام على المخاطبة وحجتهم قوله {ألست بربكم} فجرى ما بعده على لفظه وسياقه عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرّيتهم} قال
أخذوا من ظهره كما يؤخذ من الرأس بالمشط فقال لهم ألست بربكم قالوا بلى قالت الملائكة
[حجة القراءات: 302]
شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين أي لئلّا تقولوا يوم القيامة). [حجة القراءات: 303] (م)
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (57- قوله: {من ظهورهم ذريتهم} قرأه الكوفيون وابن كثير بالتوحيد، وفتح التاء، وقرأ الباقون بالجمع وكسر التاء.
وحجة من قرأ بالتوحيد أن الذرية تقع للواحد والجمع، قال الله جل ذكره: {هب لي من لدنك ذرية طيبة} «آل عمران 38» فهذا للواحد إنما سأل هبة ولد فبشر بـ «يحيى» دليله قوله في موضع آخر {فهب لي من لدنك وليا} «مريم 5» وقد أجمع على التوحيد في قوله: {من ذرية آدم} «مريم 58» وقد أجمع على التوحيد في قوله: {من ذرية آدم} «مريم 58» ولا شيء أكثر من ذرية آدم، وقال تعالى: {وكنا ذرية من بعدهم} «الأعراف 173» فهذا للجمع، فلما وقعت للجمع استُغني بذلك عن الجمع، ومثله «البشر» يقع للواحد والجمع، وقال الله جل ذكره: {أبشرٌ يهدوننا} «التغابن 6» فهذا للجمع، وقال: {ولئن أطعتم بشرًا مثلكم} «المؤمنون 34» فهذا للواحد.
58- وحجة من جمع أنه لما كانت الذرية تقع للواحد أتى بلفظ لا يقع للواحد، فجمع ليخلص الكلمة إلى معناها المقصود إليه، لا يشركها فيه شيء، وهو الجمع؛ لأن ظهور بني آدم استخرج منها ذريات كثيرة متناسبة أعقابا بعد أعقاب، لا يعلم عددهم إلا الله، فجمع لهذا المعنى، والجمع بالتاء والألف يقع للتكثير، على تقدير جمع بعد جمع، وتقدير حذف التاء كلما جمع، وحذف الألف لاجتماع ألفين كلما كرر الجمع، وفتح التاء في التوحيد لأنه مفعول به، وعلى ذلك كسرت في الجمع؛ لأنه جمع على حد التثنية، فالخفض فيه كالنصب). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/483]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (59- قوله: {أن تقولوا}، {أو تقولوا} قرأ أبو عمرو بالياء فيهم، ردهما على لفظ الغيبة المتكرر قبله، وهو قوله: {من بني آدم من ظهورهم
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/483]
ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم}، وقوله: {قالوا بلى} وبعده أيضًا لفظ غيبة في قوله: {وكنا ذرية من بعدهم} وقوله: {ولعلهم} «174» فحمله على ما قبله وما بعده من لفظ الغيبة، وفي «يقولوا» ضمير الذرية، على معنى: أشهدهم على أنفسهم لئلا يقولوا أو يقولوا قالوا بلى شهدنا، أي: شهد بعضنا على بعض، وقرأ الباقون فيهما بالتاء، ردوه على لفظ الخطاب المتقدم في قوله: {ألست بربكم}، لئلا تقولوا أو تقولوا، ردوه على لفظ الخطاب المتقدم في قوله: {ألست بربكم} لئلا تقولوا أو تقولوا، ردوه على لفظ الخطاب المتقدم في قوله: {ألست بربكم}، لئلا تقولوا أو تقولوا، أو يكون «شهدنا» من قول الملائكة، لما قالوا «بلى» قالت الملائكة: شهدنا أن تقولوا، أي لئلا تقولوا، وقيل: معنى ذلك أنهم لما قالوا بلى، فأقروا بالربوبية، قال الله جل ذكره للملائكة اشهدوا، قالوا: شهدنا بإقراركم لئلا تقولوا أو تقولوا، وقد روى مجاهد عن ابن عمر أن النبي عليه السلام قال: أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم كما يؤخذ بالمشط من الرأس، فقال لهم: ألست بربكم قالوا: بلى، قالت الملائكة: شهدنا أن تقولوا، أي: شهدنا عليكم بالإقرار بالربوبية لئلا تقولوا، فهذا يدل على التاء، وهو الاختيار، لصحة معناه، ولأن الجماعة عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/484]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (46- {مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ} [آية/ 172] بالجمع:
قرأها نافع وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب.
والوجه أن المعنى على الجمع، فلذلك اختاروا لفظ الجمع؛ لأن ذريات جمع ذرية، وذرية لا تخلو من أن تكون واحدة أو جمعًا، فإن كانت واحدة فلا خلاف في حسن جمعها وجوازه، وإن كانت ذرية جمعًا، فمن الجموع المكسرة ما جمع جمع السلامة نحو الطرقات وصواحبات يوسف.
وقرأ الباقون {ذُرِّيَّتَهُمْ} على الوحدة.
والوجه أن لفظ الذرية ههنا للجمع؛ لأن الذرية قد تقع على الواحد والجمع، فمما وقع منه على الواحد قوله تعالى {رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً} ثم قال {أَنَّ الله يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى ومما وقع على الجمع قوله تعالى {وكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّنْ بَعْدِهِمْ} وهو مثل البشر يقع على الواحد والجمع كقوله تعالى {مَا هَذَا بَشَرًا} و{أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا} ). [الموضح: 564]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (47- {أَن يَقُولُوا} [آية/ 172] {أَوْ يَقُولُوا} [آية/ 173] بالياء فيهما:
قرأها أبو عمرو وحده.
والوجه أنه على الغيبة؛ لأن ما قبله أيضًا على الغيبة وهو قوله تعالى {وإذْ
[الموضح: 564]
أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيّاتَهُمْ وأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ} فجعله على الغيبة حسن؛ لموافقة ما تقدم، والمعنى أخذ ذريتهم من ظهورهم وأشهدهم على أنفسهم لئلا يقولوا أو كراهة أن يقولوا.
وقرأ الباقون {أَن تَقُولُوا} و{أَوْ تَقُولُوا} بالتاء فيهما.
والوجه أن فيما تقدم خطابًا وهو قوله تعالى {ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ} فحمل هذا على الخطاب أيضًا لموافقته). [الموضح: 565] (م)

قوله تعالى: {أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (45- وقوله تعالى: {أن تقولوا} {أو تقولوا} [172، 173].
قرأ أبو عمرو وحده بالياء.
والباقون بالتاء.
فمن قرأ بالياء فشاهده {من ظهورهم ذريتهم}.
والتاء محمولة على ما قبلها من المخاطبة في قوله عز وجل: {الست بربكم}). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/215] (م)
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الياء والتاء من قوله تعالى: أن يقولوا يوم القيامة أو تقولوا [الأعراف/ 172 - 173].
فقرأ أبو عمرو وحده: أن يقولوا* أو يقولوا بالياء جميعا، وقرأ الباقون جميعا بالتاء.
حجة أبي عمرو: أنّ الذي تقدّم من الكلام على الغيبة، وذلك قوله: وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم، وأشهدهم على أنفسهم [الأعراف/ 172] كراهة أن يقولوا أو لئلا يقولوا، ويؤكد ذلك ما جاء بعد من الإخبار عن الغيبة وهو قوله: قالوا بلى [الأعراف/ 172].
وحجة من قرأ بالتاء: أنّه قد جرى في الكلام خطاب فقال: ألست بربكم، قالوا: بلى شهدنا [الأعراف/ 172]، وكلا الوجهين حسن، لأنّ الغيب هم المخاطبون في المعنى). [الحجة للقراء السبعة: 4/107] (م)
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرّيتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين * أو تقولوا} 172 و173
قرأ نافع وابن عامر وأبو عمرو (من ظهورهم ذرياتهم) بالألف وكسر التّاء وحجتهم أن الذريات الأعقاب المتناسلة وأنّها إذا كانت كذلك كانت أكثر من الذّرّيّة واحتج أبو عمرو في ذلك عند قوله (هب لنا من أزواجنا وذرّيّتنا قرّة أعين) أن الذّرّيّة ما كان في
[حجة القراءات: 301]
حجورهم وأن الذريات ما تناسل بعدهم وأحال أن تكون ذريات بقد قوله {قرّة أعين} وقال لأن الإنسان لا تقر عينه بما كان بعده
وقرأ أهل مكّة والكوفة {ذرّيتهم} وحجتهم أن الذّرّيّة لما في الجحور وما يتناسل بعد والدّلالة على ذلك قوله تعالى {أولئك الّذين أنعم الله عليهم من النّبيين من ذرّيّة آدم} فلا شيء أكثر من ذرّيّة آدم والّذين لم يرهم آدم من ذريّته أكثر من الّذين رآهم وقد أجمعوا هنا على ذرّيّة بلا خلاف بين الأمة فكان رد ما اختلفوا إلى ما أجمعوا عليه أولى بالصّواب وقوله عقيب ذلك {وكنّا ذرّيّة من بعدهم} بلفظ واحد أدل دليل على صحة التّوحيد إذ كانوا هم الّذين أخبر عنهم وقد أجمعوا على التّوحيد
قرأ أبو عمرو (أن يقولو يوم القيامة) (أو يقولوا) بالياء فيهما وحجته ذكرها اليزيدي فقال وتصديقها قوله (من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم) وبعدها أيضا {وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون} فذكر أبو عمرو فذهب إلى أن الكلام أجري على لفظ ما تقدمه من الخبر عن الذّرّيّة لأن الكلام ابتداؤه بالخبر عنهم فما كان في سياقه فهو جار على لفظه ومعناه فكل هذا خبر عنهم
وقرأ الباقون بالتّاء ردوا الكلام على المخاطبة وحجتهم قوله {ألست بربكم} فجرى ما بعده على لفظه وسياقه عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرّيتهم} قال
أخذوا من ظهره كما يؤخذ من الرأس بالمشط فقال لهم ألست بربكم قالوا بلى قالت الملائكة
[حجة القراءات: 302]
شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين أي لئلّا تقولوا يوم القيامة). [حجة القراءات: 303] (م)
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (47- {أَن يَقُولُوا} [آية/ 172] {أَوْ يَقُولُوا} [آية/ 173] بالياء فيهما:
قرأها أبو عمرو وحده.
والوجه أنه على الغيبة؛ لأن ما قبله أيضًا على الغيبة وهو قوله تعالى {وإذْ
[الموضح: 564]
أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيّاتَهُمْ وأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ} فجعله على الغيبة حسن؛ لموافقة ما تقدم، والمعنى أخذ ذريتهم من ظهورهم وأشهدهم على أنفسهم لئلا يقولوا أو كراهة أن يقولوا.
وقرأ الباقون {أَن تَقُولُوا} و{أَوْ تَقُولُوا} بالتاء فيهما.
والوجه أن فيما تقدم خطابًا وهو قوله تعالى {ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ} فحمل هذا على الخطاب أيضًا لموافقته). [الموضح: 565] (م)

قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (174)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 09:06 AM

سورة الأعراف
[ من الآية (175) إلى الآية (178) ]

{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ (177) مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (178)}

قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175)}

قوله تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176)}
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (48- {يَلْهَث ذَّلِكَ} [آية/ 176] بإظهار الثاء:
قرأها نافع في رواية- ش- و- ن- .
والوجه أنه هو الأصل؛ لأن الأصل في كل متقاربين ومتجانسين الإظهار، حتى يأتي ما يقتضي الإدغام.
وقرأ الباقون بالإدغام، وقال المطوعي: قرأت لابن كثير بالإظهار والإدغام جميعًا.
والوجه في الإدغام أن الثاء والذال حرفان متقاربان أشد التقارب، فيحسن الإدغام ههنا كالمتجانسين، لا سيما والأول منهما ساكن، والثاني متحرك، فالإدغام إنما يحصل عند سكون الأول وتحرك الثاني، ولا يمنع الإدغام كون الحرفين من كلمتين). [الموضح: 565]

قوله تعالى: {سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ (177)}

قوله تعالى: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (178)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 09:07 AM

سورة الأعراف
[ من الآية (179) إلى الآية (183) ]

{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179) وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180) وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183)}

قوله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179)}

قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (الّذين يلحدون... (180)
في الأعراف والنحل والسجدة (فصلت).
قرأها حمزة (يلحدون) بفتح الياء ثلاثتهن، وقرأ الكسائي في النحل (الذين يلحدون) بفتح الياء، وقرأ هنا وفي السجدة (يلحدون) بضم الياء، وقرأ الباقون بضم الياء في كلهن (يلحدون).
وقال الفراء: من قرأ (يلحدون) أراد: يميلون، ومن قرأ (يلحدون) فمعناه: يعترضون، ومنه قوله: (ومن يرد فيه بإلحادٍ) أي: باعتراضٍ.
وروى أبو عبيد عن الأحمر: لحدت: جرت وملت.
وألحدت: ماريت وجادلت.
قال أبو منصور: وأصل اللحد والإلحاد: الجور عن القصد.
وأخبرني المنذري عن الحراني عن ابن السكيت قال: الملحد: العادل عن الحق المدخل فيه ما ليس منه، يقال: ألحد في الدين، ولحد عن الحق، إذا مال وعدل، واللحد: الشق في جانب القبر، مأخوذ منه، وقد ألحدت للميت لحدًا ولحدت بمعناه). [معاني القراءات وعللها: 1/430]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (46- وقوله تعالى: {وذروا الذين يلحدون في أسمائه} [180].
قرأ حمزة وحده {يلحدون} بفتح الياء وكذلك في (النحل) و(السجدة) كلهن بالفتح.
وقرأ الباقون بالضم إلا الكسائي وحده، فإنه فتح التي في (النحل) فقال قوم: لحد في القبر وألحد بمعنى واحد، وقد جاء في القبر الحد قال الشاعر:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/215]
يا ويح أنصار النبي ونسله = بعد المغيب في سواء الملحد
فـــ«ملحد» لا يكون إلا من ألحد، ولو كان من لحد لكان ملحودًا كما قالت زينب رضي الله عنها: يا قصة علي ملحود -، أي: يا جصا علي قبر فلا هدأت الدية ولا رفأت العبرة» فيقال للقبر: الملحود واللحد والديم والضريح والجدث والجدف والبيت والمحنا والمحنا في غير هذا: الترس والمطمطمة: القبر أيضًا، والرمس والمنهال). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/216]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في ضمّ الياء وفتحها من قوله تعالى: يلحدون [الأعراف/ 180].
[الحجة للقراء السبعة: 4/107]
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر:
يلحدون بضمّ الياء، وكذلك في سورة النحل [103]، والسجدة [40].
وقرأ حمزة الأحرف الثلاثة بفتح الياء والحاء.
وقرأ الكسائي في النحل: لسان الذي يلحدون إليه بفتح الياء والحاء وفي الأعراف والسجدة يلحدون [بضم الياء].
[قال أبو علي] حجة من قرأ: يلحدون قوله: ومن يرد فيه بإلحاد [الحج/ 25]، ويدلّ على أن ألحد أكثر، قولهم: ملحد كما قال:
ليس الإمام بالشحيح الملحد ولا تكاد تسمع لاحدا. وزعم أبو الحسن وغيره: أنّ ألحد ولحد لغتان: فمن جمع بينهما في قراءته، فكأنّه أراد الأخذ بكلّ واحد من اللغتين، وكأنّ الإلحاد: العدول عن الاستقامة والانحراف عنها، ومنه اللحد: الذي يحفر في جانب القبر خلاف الضريح الذي يحفر في وسطه). [الحجة للقراء السبعة: 4/108]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وذروا الّذين يلحدون في أسمائه}
قرأ حمزة {وذروا الّذين يلحدون} بفتح الياء والحاء وقرأ الباقون {يلحدون} بضم الياء وكسر الحاء
قال الكسائي هما لغتان يقال لحد وألحد وقال غيره يلحدون أي يطعنون في أسمائه ويلحدون يعرضون وكان ابن جريج يقول يلحدون قال اشتقوا أسماء آلهتهم من أسماء الله اشتقوا العزّى من العزيز واللات من الله وقال أبو عبيد يلحدون يجورون ولا يستقيمون وإنّما سمي اللّحد لأنّه في ناحية ولو كان مستقيمًا كان ضريحا وحجّة الرّفع قوله {ومن يرد فيه بإلحاد} أي باعتراض). [حجة القراءات: 303]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (60- قوله: {يلحدون في أسمائه} قرأ حمزة بفتح التاء والتاء، ومثله في النحل والسجدة، ووافقه الكسائي على ذلك في النحل خاصة، جعلاه من «لحد» إذا مال ثلاثيًا، وقرأ الباقون «يلحدون» بضم الياء وكسر الحاء، جعلوه من «ألحد» إذا مال، وهو أكثر في الاستعمال، فهو رباعي، وهما لغتان، يقال: لحد وألحد إذا عدل عن الاستقامة، ودليل ضم الياء إجماعهم على قوله:
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/484]
{ومن يرد فيه بإلحاد} «الحج 25» وإجماعهم على استعمال الملحد دون اللاحد، والإلحاد الميل عن الاستقامة، ومنه قيل: اللحد، لأنه إ ذا حفر يمال به إلى جانب القبر، بخلاف الضريح الذي هو حفر في وسط القبر، والضم الاختيار، لأنه أكثر في الاستعمال، وأبين، وعليه أكثر القراء). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/485]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (49- {يَلْحَدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} [آية/ 180] بفتح الياء والحاء:
قرأها حمزة وحده، وكذلك في النحل {لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إلَيْهِوفي حم السجدة {إنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ وتابعه الكسائي في النحل، وقرأ في الأعراف والسجدة {يُلْحِدُونَ} بضم الياء وكسر الحاء.
وقرأ الباقون {يُلْحِدُونَ} بضم الياء وكسر الحاء في المواضع الثلاثة.
والوجه أن ألحد ولحد لغتان، إلا أن ألحد بالألف أكثر من لحد بغير ألف، يقال هو ملحد ولا يقال لاحد، وأصل الكلمة من العدول عن القصد.
قال ابن السكيت: ألحد في الدين ولحد عن الحق إذا عدل.
وقال الفراء: يلحدون بالفتح يميلون، ويلحدون بالضم يعترضون.
وقال أبو عبيد: لحدت: جرت، وألحدت: ماريت.
ومن قرأ في موضع بالفتح، وفي آخر بالضم، فإنه أراد الأخذ باللغتين). [الموضح: 566]

قوله تعالى: {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181)}

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182)}

قوله تعالى: {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 09:08 AM

سورة الأعراف
[ من الآية (184) إلى الآية (186) ]
{أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (184) أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185) مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (186)}

قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (184)}

قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185)}

قوله تعالى: {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (186)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ويذرهم في طغيانهم يعمهون (186)
قرأ أبن كثير ونافع وابن عامر (ونذرهم) بالنون والرفع، وقرأ حمزة والكسائي (ويذرهم) بالياء والجزم، وكذلك روى هبيرة عن حفص عن عاصم، وقرأ أبو عمرو وعاصم ويعقوب (ويذرهم) بالياء والرفع.
قال أبو منصور: من قرأ (ويذرهم) بالياء والجزم عطفه على محل الفاء في قوله (فلا هادي له) والفاء فيه جواب الجزاء، المعنى: من يضلل الله يذره في طغيانه عامهًا، أي: متحيرا.
ومن قرأ (ويذرهم) بالرفع فهو استئناف.
وأما من قرأ (ونذرهم) بالنون فالنون لا يجوز فيه غير الرفع، يقول الله جلّ وعزّ: ونذرهم نحن، مستأنفًا). [معاني القراءات وعللها: 1/431]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (47- قوله تعالى: {ويذرهم في طغيانهم} [186].
قرأ عاصم وأبو عمرو بالياء والرفع على الاستئناف، إذ لم يتقدمه فعل ينسق عليه.
وقرأ حمزة والكسائي بالياء والجزم نسقا على موضع فاء الجزاء في قوله: {فلا هادي له}.
وقرأ الباقون بالنون والرفع، أي: ونحن نذرهم كما قال في (البقرة) {فهو خير لكم ويكفر عنكم}). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/216]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الياء والنون. والرفع والجزم في قوله: ويذرهم [الأعراف/ 186].
فقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر ونذرهم بالنون والرفع.
وقرأ أبو عمرو: ويذرهم بالياء والرفع، وكذلك قرأ عاصم في رواية أبي بكر وحفص عن عاصم: ويذرهم بالياء والرفع.
[وقرأ حمزة والكسائي: ويذرهم بالياء مع الجزم خفيفة.
وكذلك حدثني الخزّاز عن هبيرة عن حفص عن عاصم ويذرهم] [مثل حمزة].
[قال أبو علي] حجة من رفع أنّه قطعه مما قبله؛ فإمّا أن يكون أضمر المبتدأ فصار ويذرهم في موضع خبر المبتدأ المحذوف، وإمّا أن يكون استأنف الفعل فرفعه.
وأمّا قول أبي عمرو: ويذرهم بالياء على الغيبة، فلتقدم اسم الله تعالى، وهو على لفظ الغيبة.
ومن قال: ونذرهم بالنون فالمعنى فيه مثل الياء.
وأمّا قراءة حمزة والكسائي: ويذرهم بجزم الفعل؛
[الحجة للقراء السبعة: 4/109]
فوجهها فيما يقول سيبويه أنّه عطف على موضع الفاء، وما بعدها من قوله: فلا هادي له [الأعراف/ 186]، لأن موضع الفاء مع ما بعدها جزم؛ فحمل ويذرهم على الموضع، والموضع جزم. ومثل ذلك قول الشاعر:
أنّى سلكت فإنّني لك كاشح... وعلى انتقاصك في الحياة وأزدد
ومثله قول أبي داود:
فأبلوني بليّتكم لعلّي... أصالحكم وأستدرج نويّا
حمل أستدرج على موضع الفاء المحذوفة من قوله:
فلعلي أصالحكم. والموضع جزم.
ومثله في الحمل على الموضع قوله: فأصدق وأكن [المنافقين/ 10].
ألا ترى أنّه لو لم تلحق الفاء لقلت: لولا أخّرتني
[الحجة للقراء السبعة: 4/110]
[إلى أجل قريب]... أصّدّق؛ لأنّ معنى لولا أخرتني: أخّرني أصّدّق، فحمل قوله: وأكن على ذلك). [الحجة للقراء السبعة: 4/111]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون}
قرأ نافع وابن عامر وابن كثير {ونذرهم في طغيانهم} بالنّون والرّفع على الاستئناف أي نحن نذرهم أخبر عن نفسه
وقرأ أبو عمرو وعاصم {ويذرهم} بالياء والرّفع على الاستئناف أيضا وحجتهما قوله {من يضلل الله} ثمّ قال {ويذرهم} أي ويذرهم الله إخبار عنه
[حجة القراءات: 303]
قرأ حمزة والكسائيّ {ويذرهم} بالياء والجزم عطفا على موضع الفاء في قوله {فلا هادي له} المعنى من يضلل الله يذره في طغيانه). [حجة القراءات: 304]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (61- قوله: {ويذرهم في طغيانهم}، قرأ الحرميان وابن عامر بالنون على الإخبار من الله جل ذكره عن نفسه، وهو خروج من لفظ غيبة إلى لفظ إخبار، كما قال: {والذين كفروا بآيات الله ولقائه} «العنكبوت 23» ثم قال: {أولئك يئسوا من رحمتي} ولو حمله على لفظ الغيبة قبله لقال: من رحمته، وقرأ الباقون بالياء حملوه على لفظ الغيبة قبله، في قوله: {من يضلل} فذلك حسن للمشاكلة، واتصال بعض الكلام ببعض، وكلهم قرأ بالرفع في «يذرهم» على القطع والاستئناف، على معنى: ولكن نذرهم، في قراءة من قرأ بالنون والرفع، وهما الحرميان وابن عامر، وعلى معنى: والله يذرهم، في قراءة من قرأ بالياء والرفع، وهما أبو عمرو وعاصم، إلا حمزة والكسائي فإنهما قرآه بالجزم، عطفاه على موضع الفاء، التي هي جواب الشرط، في قوله: {ومن يضلل الله فلا هادي له} لأن موضعها وما بعدها جزم، إذ هي جواب الشرط، فجعلاه كلامًا متصلًا بعضه ببعض، غير منقطع مما قبله، فالقراءتان في ذلك متقاربتان، والاختيار ما عليه أهل الحرمين من الرفع والنون). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/485]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (50- {ونَذَرُهُمْ} [آية/ 186] بالنون والرفع:
قرأها ابن كثير ونافع وابن عامر.
والوجه أنه مستأنف به عما قبله، كأنه قال: من يضلل الله فلا هادي له ونحن نذرهم، فاستأنف ولم يجعله محمولاً على ما قبله، بل أضمر المبتدأ الذي هو نحن.
وأما النون (فلأنه) أخبر به عن نفسه تعالى على المتعارف من طريقة الملوك إذا أخبروا عن أنفسهم.
وقرأ أبو عمرو وعاصم ويعقوب {ويَذَرُهُمْ} بالياء والرفع.
والوجه أنه أتى به على لفظ الغيبة لتقدم اسم الله تعالى، وهو قوله {مَن يُضْلِلِ الله ورفع لأنه مستأنف به مقطوع عما قبله كما سبق.
وقرأ حمزة والكسائي {ويَذَرْهُمْ} بالياء والجزم.
والوجه أنه عطف على موضع الفاء وما دخل عليه الفاء، وهو قوله تعالى {فَلا هَادِيَ لَهُ لأن موضعه جزم، والتقدير: من يضلل الله لم يهده هاد ويذرهم الله، فقوله {ويَذَرْهُمْ} محمولٌ على الموضع، كما قال الشاعر:
40- أيا سلكت فإنني لك كاشحٌ = وعلى انتقاصك في الحياة وأزدد
[الموضح: 567]
فعطف وأزدد على موضع الفاء وما بعده). [الموضح: 568]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 09:10 AM

سورة الأعراف
[ من الآية (187) إلى الآية (188) ]

{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (187) قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188) }

قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (187)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة السُّلمي: [إيَّان مرساها] بكسر الهمزة.
قال أبو الفتح: أما {أَيَّان} بفتح الهمزة فَفَعْلان، وبكسرها فِعْلان، والنون فيهما زائدة حملًا على الأكثر في زيادة النون في نحو ذلك.
فإن قيل: فهلا جعلتها فَِعَّالا من لفظ أين، قيل: يمنع من ذلك أن أيان ظرفُ زمان وأين ظرف مكان؛ لكنها ينبغي أن تكون من لفظ "أي"؛ لما ذكرناه من اعتبار زيادة النون في نحو هذا.
ولأن [أيًّا] استفهام كما أن [أَيان] استفهام، وأن "أَيّ" أين كانت فهي بعض من كل، والبعض لا يخص زمانًا من مكان ولا جوهرًا من حدث، فحملها على "أي" أولى من حملها على أين.
وقد كنا قلنا في أي هذه: إنها من لفظ أَوَيْتُ ومعناه.
أما اللفظ فلأن باب طويت وشويت أضعاف باب حَيِيت وعَيِيت.
وأما المعنى فلأن البعض آوٍ إلى الكل ومتساند إليه، فهي إذن من قوله:
يأْوي إلى مُلْطٍ له وكَلْكَلِ
يصف البعير يقول: إنه يتساندُ بعضُه إلى بعض، فهو أقوى له، فأصلها على هذا أَوْيٌ، ثم قلبت الواو ياء وأدغمت في الياء فصارت أَيّ، كقولك: طويت الكتاب طيًّا، وشويت اللحم شَيًّا.
ولو سمت رجلًا بأَيّان، فتحت الهمزة أو كسرتها، لم تصرفه معرفة؛ لأنها كحَمْدان وعِمْران، وإن كسَّرت ذلك الاسم على سِرْحان وسَراحين وحَوْمانة وحوامِين قلت: أوايين، فظهرت الواو التي هي عين أَوَيْتُ، كقولك في تكسير ريَّان أو جمعه على مثال مفاعيل: روايِين، تظهر الواو التي هي عينه لزوال علة القلب عنها). [المحتسب: 1/268]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن عباس: [كأنَّك حفيٌّ بِها].
قال أبو الفتح: ذهب أبو الحسن في قوله: {يَسْأَلونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا} إلى أن تقديره: يسألونك عنها كأنك حفي بها، فأخر "عن" وحذف الجار والمجرور للدلالة عليهما، فهذا الذي قدره أبو الحسن قد أظهره ابن عباس، وحذف "عنها" لدلالة الحال عليها، ألا ترى أنه إذا كان حفيًّا بها فمن العرف وجاري عادة الاستعمال أن يُسْأَل عنها، كما أنه إذا سئل عنها فليس ذلك إلا لحفاوته بها؟ وإذا لم يكن بها حفيًّا لم يكن عنها مسئولًا، وكل واحد من حرفي الجر دل عليه ما صحبه فساغ حذفه، وهذا واضح). [المحتسب: 1/269]

قوله تعالى: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


الساعة الآن 09:01 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة