الودود
|
أدلّة هذا الاسم |
شرح ابن القيم (ت:751هـ)[الشرح المطول] قال ابن القيم محمد بن أبي بكر الزرعي الدمشقي (ت:751هـ) كما في المرتبع الأسنى: ( (الوَدُودُ ): ( (( الوَدُودُ )) منْ أسماءِ الربِّ تَعَالَى، وفيهِ قَوْلانِ: - أحدُهُمَا: أنَّهُ المَوْدُودُ. قالَ البُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللهُ في صحيحِهِ: (( الودودُ: الحبيبُ )) ([1]) (([فـ]هوَ المَحْبُوبُ الذي يَسْتَحِقُّ أنْ يُحَبَّ الحبَّ كلَّهُ، وأنْ يكونَ أَحَبَّ إلى العبدِ منْ سمعِهِ وبصرِهِ ونَفْسِهِ وجميعِ مَحْبُوبَاتِهِ))([2]). - والثاني: أنَّهُ الوادُّ لعبادِهِ؛ أي: المُحِبُّ لَهُم)([3]) ، (الذي يُحِبُّ أَنْبِيَاءَهُ وَرُسُلَهُ وأولياءَهُ وَعِبَادَهُ المُؤْمِنِينَ)([4]). وهوَ الودودُ يُحِبُّهُم وَيُحِبُّهُ = أحبابُهُ والفضلُ لِلْمَنَّانِ وهوَ الذي جَعَلَ المَحَبَّةَ في قُلُو = بِهِمُ وَجَازَاهُم بِحُبٍّ ثَانِ هذا هوَ الإحسانُ حَقًّا لا مُعَا = وَضَةً ولا لِتَوَقُّعِ الشُّكْرَانِ لكنْ يُحِبُّ شُكُورَهُم وَشَكُورَهُم = لا لاحْتِيَاجٍ منهُ للشُّكْرَانِ)([5]) (ولوْ لمْ يَكُنْ مِنْ تَحَبُّبِهِ إلى عبادِهِ وإحسانِهِ إليهم وَبِرِّهِ بهم إلاَّ أنَّهُ سُبْحَانَهُ خَلَقَ لهم ما في السَّمَاواتِ والأرضِ وما في الدنيا والآخرةِ، ثُمَّ أَهَّلَهُم وَكَرَّمَهم، وَأَرْسَلَ إليهمْ رُسُلَهُ وأَنْزَلَ عليهمْ كُتُبَهُ، وَشَرَعَ لهم شَرَائِعَهُ، وَأَذِنَ لهم في مُنَاجَاتِهِ كلَّ وقتٍ أَرَادُوا، وَكَتَبَ لهم بكُلِّ حسنةٍ يَعْمَلُونَهَا عَشْرَ أَمْثَالِهَا إلى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إلى أضعافٍ كثيرةٍ، وكَتَبَ لهم بالسيِّئَةِ واحدةً، فإنْ تَابُوا منها مَحَاهَا وأَثْبَتَ مكانَهَا حسنةً، وإذا بَلَغَتْ ذُنُوبُ أحدِهِم عَنانَ السماءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرَهُ غَفَرَ لهُ، ولوْ لَقِيَهُ بِقِرَابِ الأرضِ خَطَايَا، ثُمَّ لَقِيَهُ بالتوحيدِ لا يُشْرِكُ بهِ شيئاً لأَتَاهُ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً، وَشَرَعَ لهم التوبةَ الهادمةَ للذنوبِ؛ فَوَفَّقَهُم لِفِعْلِهَا ثُمَّ قَبِلَهَا مِنْهُم، وَشَرَعَ لهم الحجَّ الذي يَهْدِمُ ما قَبْلَهُ؛ فَوَفَّقَهُم لِفِعْلِهِ، وَكَفَّرَ عنهم سَيِّئَاتِهِم بهِ، وكذلكَ ما شَرَعَهُ لهمْ من الطاعاتِ والقُرُباتِ، هوَ الذي أَمَرَهُم بها، وَخَلَقَهَا لهم، وَأَعْطَاهُم إيَّاها، وَرَتَّبَ عليها جَزَاءَهَا. فمنهُ السببُ، ومنهُ الجزاءُ، ومنهُ التوفيقُ، ومنهُ العطاءُ أَوَّلاً وآخِراً، وهمْ مَحَلُّ إِحْسَانِهِ فقطْ، ليسَ منهم شيءٌ، إنَّما الفضلُ كُلُّهُ والنعمةُ كُلُّهَا والإحسانُ كلُّهُ منهُ أَوَّلاً وآخِراً، أَعْطَى عَبْدَهُ مالَهُ، وقالَ: تَقَرَّبْ بهذا إِلَيَّ أَقْبَلْهُ منكَ، فالعبدُ لهُ، والمالُ لهُ، والثوابُ منهُ. فهوَ المُعْطِي أوَّلاً وآخِراً، فكيفَ لا يُحَبُّ مَنْ هذا شأنُهُ؟!! وكيفَ لا يَسْتَحِي العبدُ أنْ يَصْرِفَ شَيْئاً منْ مَحَبَّتِهِ إلى غَيْرِهِ؟!! ومَنْ أَوْلَى بالحمدِ والثناءِ والمَحَبَّةِ منهُ سبحانَهُ؟!! ومَنْ أَوْلَى بالكَرَمِ والجُودِ والإحسانِ منهُ؟!! فسبحانَهُ وبحمدِهِ لا إلهَ إلاَّ هوَ العزيزُ الحكيمُ، وَيَفْرَحُ سبحانَهُ وتَعَالَى بتوبةِ أحدِهِم إذا تَابَ إليهِ أَعْظَمَ فَرَحٍ وأكملَهُ، ويُكَفِّرُ عنهُ ذنوبَهُ، ويُوجِبُ لهُ محبَّتَهُ بالتوبةِ، وهوَ الذي أَلْهَمَهُ إيَّاها، وَوَفَّقَهُ لها، وَأَعَانَهُ عليها، وَمَلأَ سبحانَهُ وتَعَالَى سماواتِهِ منْ ملائكتِهِ، واسْتَعْمَلَهُم في الاستغفارِ لأهلِ الأرضِ، وَاسْتَعْمَلَ حَمَلَةَ العرشِ منهم في الدعاءِ لعبادِهِ المؤمنينَ والاستغفارِ لذنوبِهِم وَوِقَايَتِهِم عذابَ الجحيمِ، والشفاعةِ إليهِ بإذنِهِ أنْ يُدْخِلَهُم جنَّاتِهِ. فَانْظُرْ إلى هذهِ العنايَةِ وهذا الإحسانِ وهذا التَّحَنُّنِ والعَطْفِ والتَّحَبُّبِ إلى العبادِ واللُّطْفِ التامِّ بهم، ومعَ هذا كُلِّهِ بعدَ أنْ أَرْسَلَ إليهم رُسُلَهُ وأَنْزَلَ عليهم كُتُبَهُ، وَتَعَرَّفَ إليهم بأسمائِهِ وصفاتِهِ وآلائِهِ، يَنْـزِلُ كلَّ ليلةٍ إلى سماءِ الدنيا يَسْأَلُ عنهم، وَيَسْتَعْرِضُ حَوَائِجَهُم بنفسِهِ، وَيَدْعُوهُم إلى سؤالِهِ، فَيَدْعُو مُسِيئَهُم إلى التوبةِ، وَمَرِيضَهُم إلى أنْ يَسْأَلَهُ أنْ يَشْفِيَهُ، وفقيرَهُم إلى أنْ يَسْأَلَهُ غِنَاهُ، وذا حَاجَتِهِم يَسْأَلُهُ قَضَاءَهَا كلَّ ليلةٍ، وَيَدْعُوهُم سبحانَهُ إلى التوبةِ وقدْ حَارَبُوهُ وَعَذَّبُوا أولياءَهُ وأَحْرَقُوهُم بالنارِ، قالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10)} [البروج: 10]. وقالَ بعضُ السلفِ: انْظُرُوا إلى كَرَمِهِ كيفَ عَذَّبُوا أولياءَهُ وَحَرَّقُوهُم بالنارِ، ثُمَّ هوَ يَدْعُوهُم إلى التوبةِ. فهذا البابُ يَدْخُلُ منهُ كلُّ أحدٍ إلى مَحَبَّتِهِ سبحانَهُ وتَعَالَى؛ فإنَّ نِعْمَتَهُ على عبادِهِ مَشْهُودَةٌ لهم، يَتَقَلَّبُونَ فيها على عددِ الأنفاسِ واللحظاتِ. وقدْ رُوِيَ في بعضِ الأحاديثِ مَرْفُوعاً: ((أَحِبُّوا اللهَ لِمَا يَغْذُوكُمْ بِهِ مِنْ نِعَمِهِ، وَأَحِبُّونِي بِحُبِّ اللهِ)). ([6]) فهذهِ مَحَبَّةٌ تَنْشَأُ منْ مُطَالَعَةِ المِنَنِ والإحسانِ، ورُؤْيَةِ النِّعَمِ والآلاءِ، وَكُلَّمَا سَافَرَ القلبُ بِفِكْرِهِ فيها ازْدَادَتْ مَحَبَّتُهُ وَتَأَكَّدَتْ، ولا نهايَةَ لها فَيَقِفَ سَفَرُ القلبِ عِنْدَهَا، بلْ كُلَّمَا ازْدَادَ فيها نَظَراً ازْدَادَ فيها اعْتِبَاراً وَعَجْزاً عنْ ضبطِ القليلِ منها، فَيَسْتَدِلُّ بِمَا عَرَفَهُ على ما لمْ يَعْرِفْهُ، واللهُ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى دَعَا عبادَهُ إليهِ منْ هذا البابِ، حتَّى إذا دَخَلُوا منهُ دُعُوا من البابِ الآخرِ، وهوَ بابُ الأسماءِ والصِّفَاتِ الذي إِنَّمَا يَدْخُلُ منهُ إليهِ خَواصُّ عِبَادِهِ وأوليائِهِ، وهوَ بابُ المُحِبِّينَ حَقًّا الذي لا يَدْخُلُ منهُ غيرُهُم، ولا يَشْبَعُ مِنْ مَعْرِفَتِهِ أحدٌ منهمْ، كُلَّمَا بَدَا لهُ منهُ عِلْمٌ ازْدَادَ شَوْقاً وَمَحَبَّةً وَظَمَأً. فإذا انْضَمَّ دَاعِي الإحسانِ والإنعامِ إلى داعِي الكمالِ والجمالِ لمْ يَتَخَلَّفْ عنْ مَحَبَّةِ مَنْ هذا شأنُهُ إلاَّ أَرْدَأُ القلوبِ وَأَخْبَثُها، وَأَشَدُّها نَقْصاً، وَأَبْعَدُهَا منْ كلِّ خيرٍ؛ فإنَّ اللهَ فَطَرَ القلوبَ على مَحَبَّةِ المُحْسِنِ الكاملِ في أوصافِهِ وأخلاقِهِ، وإذا كانتْ هذهِ فِطْرَةَ اللهِ التي فَطَرَ عليها قلوبَ عبادِهِ، فمِن المعلومِ أنَّهُ لا أَحَدَ أَعْظَمُ إحساناً منهُ سبحانَهُ وتَعَالَى، ولا شيءَ أكملُ منهُ ولا أَجْمَلُ، فكلُّ كمالٍ وجمالٍ في المخلوقِ منْ آثارِ صُنْعِهِ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى، وهوَ الذي لا يُحَدُّ كَمَالُهُ، ولا يُوصَفُ جلالُهُ وَجَمَالُهُ، ولا يُحْصِي أحدٌ منْ خلقِهِ ثناءً عليهِ بِجَمِيلِ صفاتِهِ وعظيمِ إحسانِهِ وبديعِ أفعالِهِ، بلْ هوَ كما أَثْنَى على نفسِهِ. وإذا كانَ الكمالُ مَحْبُوباً لذاتِهِ ونفسِهِ وَجَبَ أنْ يَكُونَ اللهُ سُبْحَانَهُ هوَ المحبوبَ لذاتِهِ وصفاتِهِ؛ إذْ لا شيءَ أكملُ منهُ؛ وكلُّ اسمٍ منْ أسمائِهِ وصِفَةٍ منْ صفاتِهِ تَسْتَدْعِي محبَّةً خاصَّةً، فإنَّ أسماءَهُ كُلَّهَا حُسْنَى، وهيَ مُشْتَقَّةٌ منْ صفاتِهِ، وأفعالُهُ دالَّةٌ عليها. فهوَ المحبوبُ المحمودُ لذاتِهِ وصفاتِهِ وأفعالِهِ وأسمائِهِ؛ فهوَ المحبوبُ المحمودُ على كلِّ ما فَعَلَ وعلى كلِّ ما أَمَرَ؛ إذْ ليسَ في أفعالِهِ عَبَثٌ، ولا في أوامرِهِ سَفَهٌ، بلْ أفعالُهُ كُلُّهَا لا تَخْرُجُ عن الحكمةِ والمصلحةِ والعدلِ والفضلِ والرحمةِ، وكلُّ واحدٍ منْ ذلكَ يَسْتَوْجِبُ الحمدَ والثناءَ والمَحَبَّةَ عليهِ. وكلامُهُ كلُّهُ صدقٌ وعدلٌ، وجزاؤُهُ كلُّهُ فضلٌ وعدلٌ؛ فإنَّهُ إنْ أَعْطَى فَبِفَضْلِهِ ورحمتِهِ ونعمتِهِ، وإنْ مَنَعَ أوْ عَاقَبَ فَبِعَدْلِهِ وحكمتِهِ: مَا للعبادِ عليهِ حقٌّ واجِبٌ = كَلاَّ ولا سَعْيٌ لَدَيْهِ ضَائِعُ إنْ عُذِّبُوا فَبِعَدْلِهِ أوْ نُعِّمُوا = فبفضلِهِ وهوَ الكريمُ الواسِعُ ولا يُتَصَوَّرُ نَشْرُ هذا المقامِ حقَّ تَصَوُّرِهِ فَضْلاً عنْ أنْ يُوَفَّاهُ حَقَّهُ، فَأَعْرَفُ خَلْقِهِ بهِ وأحبُّهُم لهُ صلى الله عليه وسلم يقولُ: ((لا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ)) ([7]). ولوْ شَهِدَ بِقَلْبِهِ صِفَةً وَاحِدَةً منْ أوصافِ كمالِهِ لاسْتَدْعَتْ منهُ المحبَّةَ التامَّةَ عليها، وهلْ معَ المُحِبِّينَ مَحَبَّةٌ إلاَّ منْ آثارِ صفاتِ كمالِهِ؟!! فإنَّهُم لمْ يَرَوْهُ في هذهِ الدارِ، وإنَّمَا وَصَلَ إليهم العلمُ بآثارِ صفاتِهِ وآثارِ صُنْعِهِ، فَاسْتَدَلُّوا بما عَلِمُوهُ على ما غَابَ عنهم، وإلاَّ فَلَوْ شَاهَدُوهُ وَرَأَوْا جلالَهُ وكمالَهُ وجمالَهُ سبحانَهُ وتَعَالَى لكانَ لهم في حُبِّهِ شأنٌ آخرُ، وإنَّمَا تَفَاوَتَتْ مَنَازِلُهُم ومراتِبُهُم في مَحَبَّتِهِ على حَسَبِ تَفَاوُتِ مَرَاتِبِهِم في معرفتِهِ والعلمِ بهِ، فَأَعْرَفُهُم لهُ أَشَدُّهُم حُبًّا لهُ، ولهذا كانتْ رُسُلُهُ أَعْظَمَ الناسِ حُبًّا لهُ، والخَلِيلانِ مِنْ بَيْنِهِم أَعْظَمُهُم حُبًّا، وَأَعْرَفُ الأمَّةِ بهِ أَشَدُّهُم لهُ حُبًّا مِنْ غَيْرِهِ، ولهذا كانَ المُنْكِرُونَ لِحُبِّهِ مِنْ أجهلِ الخلقِ بهِ، فإنَّهُم مُنْكِرُونَ لحقيقةِ إِلَهِيَّتِهِ وَلخُلَّةِ الخليلَيْنِ صلَّى اللهُ عليهِمَا وَسَلَّمَ وَلِفِطْرَةِ اللهِ التي فَطَرَ اللهُ عبادَهُ عليها، ولوْ رَجَعُوا إلى قلوبِهِم لَوَجَدُوا حُبَّهُ فيها، وَوَجَدُوا مُعْتَقَدَهُم وَبَحْثَهُم يُكَذِّبُ فِطَرَهُم، وإنَّمَا بُعِثَت الرُّسُلُ بِتَكْمِيلِ هذهِ الفِطَرِ وإعادةِ ما فَسَدَ منها إلى الحالةِ الأولى التي فُطِرَتْ عليها، وإنَّمَا دَعَوْا إلى القيامِ بحقوقِهَا ومُرَاعَاتِهَا؛ لِئَلاَّ تَفْسُدَ وَتَنْتَقِلَ عمَّا خُلِقَتْ لهُ، وهل الأوامرُ والنواهِي إلاَّ خَدَمٌ وتوابعُ ومُكَمِّلاتٌ وَمُصْلِحَاتٌ لهذهِ الفطرةِ؟!! وهلْ خَلَقَ اللهُ سبحانَهُ وتَعَالَى خَلْقَهُ إلاَّ لعبادتِهِ التي هيَ غايَةُ مَحَبَّتِهِ والذُّلِّ لَهُ؟!! وهلْ هُيِّئَ الإنسانُ إلاَّ لها؟!! كَمَا قِيلَ: قَدْ هَيَّأُوكَ لأَمْرٍ لَوْ فَطِنْتَ لَهُ = فَارْبَأْ بِنَفْسِكَ أَنْ تَرْعَى مَعَ الْهَمَلِ وهلْ في الوجودِ مَحَبَّةٌ حقٌّ غيرُ باطلةٍ إلاَّ محبَّتُهُ سبحانَهُ؟!! فإنَّ كلَّ محبَّةٍ مُتَعَلِّقَةٌ بغيرِهِ فباطلةٌ زائلةٌ ببُطْلانِ مُتَعَلَّقِهَا، وأمَّا مَحَبَّتُهُ سبحانَهُ فهوَ الحقُّ الذي لا يَزُولُ ولا يَبْطُلُ، كما لا يَزُولُ مُتَعَلَّقُهَا ولا يَفْنَى، وكلُّ ما سِوَى اللهِ باطلٌ، ومَحَبَّةُ الباطلِ باطلٌ. فَسُبْحَانَ اللهِ كَيْفَ يُنْكِرُ المَحَبَّةَ الحقَّ التي لا مَحَبَّةَ أَحَقُّ منها، وَيَعْتَرِفُ بِوُجُودِ المَحَبَّةِ الباطلةِ المُتَلاشِيَةِ؟!! وهلْ تَعَلَّقَت المَحَبَّةُ بوجودٍ مُحْدَثٍ إلاَّ لكمالٍ في وجودِهِ بالنسبةِ إلى غيرِهِ؟!! وهلْ ذلكَ الكمالُ إلاَّ منْ آثارِ صُنْعِ اللهِ الذي أَتْقَنَ كلَّ شيْءٍ؟!! وهل الكمالُ كُلُّهُ إلاَّ لَهُ؟!! فكلُّ مَنْ أَحَبَّ شَيْئاً لكمالِ ما يَدْعُوهُ إلى مَحَبَّتِهِ فَهُوَ دَلِيلٌ وَعِبْرَةٌ على مَحَبَّةِ اللهِ، وأنَّهُ أَوْلَى بكمالِ الحبِّ منْ كلِّ شيءٍ، ولكنْ إذا كانت النفوسُ صِغَاراً كانتْ مَحْبُوبَاتُهَا على قَدْرِهَا، وأمَّا النفوسُ الكِبَارُ الشريفةُ فإنَّهَا تَبْذُلُ حُبَّهَا لأَجَلِّ الأشياءِ وَأَشْرَفِهَا. والمقصودُ أنَّ العبدَ إذا اعْتَبَرَ كُلَّ كَمَالٍ في الوجودِ وَجَدَهُ منْ آثارِ كمالِهِ سبحانَهُ، فهوَ دالٌّ على كمالِ مُبْدِعِهِ، كما أنَّ كلَّ عِلْمٍ في الوجودِ فمِنْ آثارِ عِلْمِهِ، وكلَّ قُدْرَةٍ فَمِنْ آثارِ قُدْرَتِهِ. ونسبةُ الكمالاتِ الموجودةِ في العالمِ العُلْوِيِّ والسُّفْلِيِّ إلى كمالِهِ كَنِسْبَةِ علومِ الخلقِ وقُدْرَتِهِم وَقُوَاهُم وحياتِهِم إلى عِلْمِهِ سبحانَهُ وقُدْرتِهِ وقوَّتِهِ وحياتِهِ. فَإِذَنْ لا نسبةَ أصلاً بينَ كمالاتِ العالمِ وكمالِ اللهِ جلَّ جلالُهُ؛ فَيَجِبُ أنْ لا يَكُونَ بينَ مَحَبَّتِهِ ومَحَبَّةِ غيرِهِ من الموجوداتِ نسبةٌ، بلْ يكونُ حبُّ العبدِ لهُ أَعْظَمَ منْ حُبِّهِ لكلِّ شيءٍ بِمَا لا نسبةَ بينَهُما. ولهذا قالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة: 165]؛ فالمؤمنونَ أَشَدُّ حُبًّا لِرَبِّهِم وَمَعْبُودِهِم تَعَالَى منْ كلِّ مُحِبٍّ لكلِّ محبوبٍ، هذا مُقْتَضَى عقدِ الإيمانِ الذي لا يَتِمُّ إلاَّ بهِ. وَلَيْسَتْ هذهِ المسألةُ من المسائلِ التي للعبدِ عنها غِنًى أوْ منها بُدٌّ، كدقائقِ العلمِ والمسائلِ التي يَخْتَصُّ بها بعضُ الناسِ دونَ بعضٍ، بلْ هذهِ مسألةٌ تُفْرَضُ على العبدِ، وهيَ أَصْلُ عقدِ الإيمانِ الذي لا يَدْخُلُ فيهِ الداخلُ إلاَّ بها، ولا فلاحَ للعبدِ ولا نجاةَ لهُ منْ عذابِ اللهِ إلاَّ بها، فَلْيَشْتَغِلْ بها العبدُ أوْ لِيُعْرِضْ عَنْهَا. ومَنْ لمْ يَتَحَقَّقْ بها علماً وحالاً وعملاً لم يَتَحَقَّقْ بشهادةِ أنْ لا إلهَ إلاَّ اللهُ، فإنَّهَا سِرُّهَا وَحَقِيقَتُهَا وَمَعْنَاهَا، وإنْ أَبَى ذلكَ الجاحدونُ، وقَصُرَ عنْ علمِهِ الجاهلونَ؛ فإنَّ الإلهَ هوَ المحبوبُ المعبودُ الذي تَأْلَهُهُ القلوبُ بِحُبِّهَا، وَتَخْضَعُ لهُ وَتَذِلُّ لهُ وَتَخَافُهُ وَتَرْجُوهُ وَتُنِيبُ إليهِ في شَدَائِدِهَا وَتَدْعُوهُ في مَهَمَّاتِهَا، وَتَتَوَكَّلُ عليهِ في مَصَالِحِهَا، وَتَلْجَأُ إليهِ، وَتَطْمَئِنُّ بِذِكْرِهِ، وَتَسْكُنُ إلى حُبِّهِ، وليسَ ذلكَ إلاَّ اللهَ وَحْدَهُ، ولهذا كانتْ (( لا إلهَ إلاَّ اللهُ )) أصدقَ الكلامِ، وكانَ أَهْلُهَا أهلَ اللهِ وَحِزْبَهُ، والمنكرونَ لها أَعْدَاءَهُ وأهلَ غَضَبِهِ ونقمتِهِ. فهذهِ المسألةُ قطبُ رَحَى الدينِ الذي عليهِ مَدَارُهُ، وإذا صَحَّتْ صَحَّ بها كلُّ مسألةٍ وحالٍ وذوقٍ، وإذا لمْ يُصَحِّحْهَا العبدُ فالفسادُ لازمٌ لهُ في علومِهِ وأعمالِهِ وأحوالِهِ وأقوالِهِ، ولا حولَ ولا قوَّةَ إلاَّ باللهِ). ([8]) [فَصْلٌ]: ( ولوْ لمْ يَكُنْ في مَحَبَّةِ اللهِ إلاَّ أنَّهَا تُنْجِي مُحِبَّهُ منْ عذابِهِ لكانَ يَنْبَغِي للعبدِ أنْ لا يَتَعَوَّضَ عنها بشيءٍ أبداً. وَسُئِلَ بعضُ العلماءِ: أينَ تَجِدُ في القرآنِ أنَّ الحبيبَ لا يُعَذِّبُ حَبِيبَهُ؟ فقالَ: في قولِهِ تَعَالَى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ} [المائدة: 18]. وقالَ الإمامُ أحمدُ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ يُونُسَ، عَن الحسنِ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((وَاللهِ، لا يُعَذِّبُ اللهُ حَبِيبَهُ، وَلَكِنْ قَدْ يَبْتَلِيهِ فِي الدُّنْيَا)) ([9]). وقالَ الإمامُ أحمدُ: حَدَّثَنَا سَيَّارٌ، حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ، حَدَّثَنَا أبو غالبٍ, قالَ: بَلَغَنَا أنَّ هذا الكلامَ في وَصِيَّةِ عِيسَى ابنِ مَرْيَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((يَا مَعْشَرَ الْحَوَارِيِّينَ، تَحَبَّبُوا إِلَى اللهِ بِبُغْضِ أَهْلِ الْمَعَاصِي، وَتَقَرَّبُوا إِلَيْهِ بِالْمَقْتِ لَهُمْ، وَالْتَمِسُوا رِضَاهُ بِسَخَطِهِمْ))، قالُوا: يَا نَبِيَّ اللهِ، فَمَنْ نُجَالِسُ؟ قالَ: ((جَالِسُوا مَنْ يَزِيدُ فِي أَعْمَالِكُمْ مَنْطِقُهُ، وَمَنْ تُذَكِّرُكُمْ بِاللهِ رُؤْيَتُهُ، وَيُزَهِّدُكُمْ فِي دُنْيَاكُمْ عِلْمُهُ)) ([10]). وَيَكْفِي في الإقبالِ على اللهِ تَعَالَى ثَوَاباً عَاجِلاً أنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى يُقْبِلُ بقلوبِ عبادِهِ إلى مَنْ أَقْبَلَ عليهِ، كما أَنَّهُ يُعْرِضُ بِقُلُوبِهِم عَمَّنْ أَعْرَضَ عنهُ، فقلوبُ العبادِ بِيَدِ اللهِ لا بِأَيْدِيهِم. وقالَ الإمامُ أحمدُ: حَدَّثَنَا حَسَنٌ في تَفْسِيرِ شَيْبَانَ عنْ قتادةَ قالَ: ذُكِرَ لَنَا أنَّ هَرِمَ بْنَ حَيَّانَ كَانَ يقولُ: ما أَقْبَلَ عَبْدٌ عَلَى اللهِ بِقَلْبِهِ إلاَّ أَقْبَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بقلوبِ المؤمنينَ إليهِ حتَّى يَرْزُقَهُ مَوَدَّتَهُم وَرَحْمَتَهُم ([11]) . وقدْ رُوِيَ هذا مَرْفُوعاً، وَلَفْظُهُ: ((وَمَا أَقْبَلَ عَبْدٌ عَلَى اللهِ بِقَلْبِهِ إِلاَّ أَقْبَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ بِقُلُوبِ عِبَادِهِ، وَجَعَلَ قُلُوبَهُمْ تَفِدُ إِلَيْهِ بِالْوُدِّ وَالرَّحْمَةِ، وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ خَيْرٍ إِلَيْهِ أَسْرَعَ)) ([12]). وإذا كانت القلوبُ مَجْبُولَةً على حُبِّ مَنْ أَحْسَنَ إليها، وكلُّ إحسانٍ وَصَلَ إلى العبدِ فَمِن اللهِ عَزَّ وجلَّ، كما قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل: 53]، فلا أَلأَمَ مِمَّنْ شَغَلَ قلبَهُ بحبِّ غيرِهِ دونَهُ. قالَ الإمامُ أحمدُ: حَدَّثَنَا أبو مُعَاوِيَةَ قالَ: حَدَّثَنِي الأعمشُ، عن المِنْهَالِ، عنْ عبدِ اللهِ بنِ الحارثِ قالَ: أَوْحَى اللهُ إلى دَاوُدَ عليهِ السلامُ: (( يا دَاوُدُ، أَحْبِبْنِي وَحَبِّبْ عِبَادِي إِلَيَّ، وَحَبِّبْنِي إلى عِبَادِي ))، قالَ: (( يا ربِّ، هذا أنا أُحِبُّكَ وَأُحَبِّبُ عِبَادَكَ إليكَ، فَكَيْفَ أُحَبِّبُكَ إلى عِبَادِكَ؟!! )) قالَ: (( تَذْكُرُنِي عِنْدَهُم؛ فَإِنَّهُم لا يَذْكُرُونَ منِّي إلاَّ الحَسَنَ )) ([13]). ومنْ أفضلِ ما سُئِلَ اللهُ عزَّ وجلَّ حُبُّهُ، وَحُبُّ مَنْ يُحِبُّهُ، وَحُبُّ عَمَلٍ يُقَرِّبُ إلى حُبـِّهِ. ومِنْ أَجْمَعِ ذلكَ أنْ يَقُولَ: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُنِي إِلَى حُبِّكَ، اللَّهُمَّ مَا رَزَقْتَنِي مِمَّا أُحِبُّ فَاجْعَلْهُ قُوَّةً لِي فِيمَا تُحِبُّ، وَمَا زَوَيْتَ عَنِّي مِمَّا أُحِبُّ فَاجْعَلْهُ فرَاغاً لي فِيمَا تُحِبُّ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ حُبَّكَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَهْلِي وَمَالِي وَمِنَ الْمَاءِ الْبَارِدِ عَلَى الظَّمَأِ، اللَّهُمَّ حَبِّبْنِي إِلَيْكَ وَإِلَى مَلائِكَتِكَ وَأَنْبِيَائِكَ وَرُسُلِكَ وَعِبَادِكَ الصَّالِحِينَ، وَاجْعَلْنِي مِمَّنْ يُحِبُّكَ وَيُحِبُّ مَلائِكَتَكَ وَأَنْبِيَاءَكَ وَرُسُلَكَ وَعِبَادَكَ الصَّالحِينَ، اللَّهُمَّ أَحْيِ قَلْبِي بِحُبِّكَ وَاجْعَلْنِي لَكَ كَمَا تُحِبُّ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي أُحِبُّكَ بِقَلْبِي كُلِّهِ، وَأُرْضِيكَ بِجُهْدِي كُلِّهِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ حُبِّي كُلَّهُ لَكَ، وَسَعْيِي كُلَّهُ في مَرْضَاتِكَ)). وهذا الدعاءُ هوَ فُسْطَاطُ خَيْمَةِ الإسلامِ الذي قِيَامُهَا بهِ، وهوَ حقيقةُ شهادةِ أنْ لا إلهَ إلاَّ اللهُ، وأنَّ مُحَمَّداً رسـولُ اللهِ، والقائمونَ بحقيقةِ ذلكَ هم الذينَ همْ بِشَهَادَتِهِم قائمونَ. واللهُ سبحانَهُ تَعَرَّفَ إلى عبادِهِ منْ أسمائِهِ وصفاتِهِ وأفعالِهِ بما يُوجِبُ مَحَبَّتَهُم لهُ؛ فإنَّ القلوبَ مَفْطُورَةٌ على مَحَبَّةِ الكمالِ وَمَنْ قامَ بهِ، واللهُ سبحانَهُ وتَعَالَى لهُ الكمالُ المُطْلَقُ منْ كلِّ وَجْهٍ، الذي لا نَقْصَ فيهِ بِوَجْهٍ ما، وهوَ سبحانَهُ (( الجَمِيلُ )) الذي لا أَجْمَلَ منهُ، بلْ لَوْ كانَ جَمَالُ الخلقِ كُلِّهِم على رجلٍ واحدٍ منهم، وكانُوا جَمِيعُهُم بذلكَ الجمالِ لَمَا كانَ لِجَمَالِهِم قَطُّ نِسْبَةٌ إلى جمالِ اللهِ، بلْ كَانَت النسبةُ أَقَلَّ منْ نِسْبَةِ سِرَاجٍ ضعيفٍ إلى حِذاءِ جِرْمِ الشَّمْسِ؛ وللهِ المَثَلُ الأَعْلَى)([14])* ). [المرتبع الأسنى: ؟؟] ([1]) في كتابِ التوحيدِ / بابُ: "وَكَانَ عَرْشُهُ علَى المَاءِ". (2) جلاءُ الأفهامِ (164) . ([3]) مَدارِجُ السَّالكِينَ (3/29) . ([4]) جلاءُ الأفهامِ (164) . ([5]) القصيدةُ النُّونيَّةُ (245) . ([6]) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ في كتابِ المناقبِ / بابُ مناقبِ أهلِ بيتِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ (3789)، وقال : "حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ"، وفيه عبدُ اللهِ بنُ سُليمانَ النَّوْفَلِيُّ، قال فيه الحافظُ الذهبيُّ في ميزانِ الاعتدالِ (2/432) : "فيه جَهالَةٌ". ([7]) سَبَقَ تَخْرِيجُه ص 117. ([8]) طَرِيقُ الهِجرتَيَنِ (323-327) . ([9]) حديثٌ مُرْسَلٌ، رَوَاهُ الإمامُ أَحْمَدُ في كتابِ الزُّهْدِ / في مواعظِ عيسَى عليه السلامُ (3)، ووَصَلَهُ في المُسْنَدِ (11607، 13055) من طريقِ ابنِ أبِي عَدِيٍّ ومُحمدِ بنِ عبدِ اللهِ الأنصاريِّ، عن حُمَيْدٍ، عن أنسٍ رضيَ اللهُ عنه بلفظٍ مُقارِبٍ، وهذا سياقُ حديثِ محمدِ بنِ عبدِ اللهِ الأنصاريِّ - رَحِمَهُ اللهُ تَعالَى - قالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عن أنسٍ، قالَ: كانَ صَبِيٌّ علَى ظَهْرِ الطريقِ، فمَرَّ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ ومعه ناسٌ من أَصحابِهِ، فلما رَأَتْ أُمُّ الصَّبِيِّ القَوْمَ خَشِيَتْ أَنْ يُوطَأَ ابْنُهَا فَسَعَتْ وَحَمَلَتْهُ، وقَالَتِ: ابْنِي ابْنِي . قالَ: فقالَ القومُ: يا رسولَ اللهِ، مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُلْقِيَ ابْنَهَا فِي النارِ. قالَ : فقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ : "لا، ولا يُلْقِي اللهُ حَبِيبَهُ فِي النارِ". ([10]) رَوَاهُ الإمامُ أَحْمَدُ في كتابِ الزُّهدِ / من مواعظِ عِيسَى عليهِ السلامُ (4). ([11]) رَوَاهُ الإمامُ أَحْمَدُ في كتابِ الزهدِ / أخبارُ هِرَمِ بنِ حَيَّانَ - رَحِمَهُ اللهُ - (7) إلا أنه في المطبوعِ : "حُسَيْنٌ" بدلَ : "حَسَن". ([12]) رواهُ الطبرانيُّ في الأوسطِ (6/12) من حديثِ أبي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عنه . والحديثُ ذَكَرَهُ الهَيْثَمِيُّ في مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ في كتابِ الزُّهْدِ / بابٌ فِيمَنْ كَانَتْ هِمَّتُهُ للدُّنْيَا والآخرةِ (10/247) وقالَ : "رَوَاهُ الطَّبَرانِيُّ في الكبيرِ والأوسَطِ، وفيه مُحمدُ بنُ سعيدِ بنِ حَسَّانَ المصلوبُ، وهو كذابٌ". ([13]) وجدتُ هذا الحديثَ في كتابِ الزهدِ للإمامِ أحمدَ / زهدُ داودَ عليه السلامُ (16) إلا أنه من روايةِ عبدِ الرحمنِ بنِ مَهديٍّ، حدثنا سفيانُ بنُ عُيَيْنَةَ، عن عطاءِ بنِ السائبِ، قال : سمعْتُ أبا عبدِ اللهِ الجَدَلِيَّ قال : "أَوْحَى اللهُ عزَّ وجلَّ إلى داودَ… " فذكره بنحوِ ما نقلَ الشيخُ - رَحِمَهُ اللهُ تَعالَى -. ([14]) روضةُ المُحِبِّينَ (418 - 420) . * مُلْحَقٌ: وقال رَحِمَهُ اللهُ تَعالَى في طريقِ الهجرتينِ (291): (الوجهُ الخامسُ – أن الخوفَ يتعلقُ بالأفعالِ، وأما الحبُّ فإنه يتعلقُ بالذاتِ والصفاتِ. ولهذا يَزُولُ الخوفُ في الجنةِ، وأما الحبُّ فيزدادُ. ولما كانَ الحبُّ يتعلقُ بالذاتِ كان من أسمائِه سُبحانَهُ (الوَدُودُ) قال البُخَارِيُّ في صحيحِه: الحبيبُ. وأما الخوفُ فإن مُتَعَلِّقَهُ أفعالُ الربِّ سبحانَهُ، ولا يَخْرُجُ عن كونِ سببِه جِنايةَ العَبْدِ، وإن كانَتْ جِنايَتُهُ مِنْ قَدَرِ اللهِ. ولهذا قالَ عَلِيُّ بنُ أبي طالبٍ رضيَ اللهُ عنه: (لا يَرْجُوَنَّ عَبْدٌ إِلاَّ رَبَّهُ، وَلاَ يَخَافَنَّ عَبْدٌ إِلاَ ذَنْبَهُ). فمُتعَلِّقُ الخوفِ ذَنْبُ العبدِ وعَاقِبَتُهُ، وهي مفعولاتٌ للربِّ، فليس الخوفُ عائدًا إلى نفسِ الذاتِ. والفرقُ بينَهُ وبين الحبِّ أن الحبَّ سببُه الكمالُ، وذاتُه تعالى لها الكمالُ المُطلَقُ، وهو مُتعلِّقُ الحبِّ التامِّ. وأما الخوفُ فسَبَبُه توَقُّعُ المَكْرُوهِ وهذا إنما يكونُ في الأفعالِ والمفعولاتِ). - وقال أيضًا في طريقِ الهِجْرَتَيْنِ (300): (لا رَيْبَ أنَّ الحُبَّ والأُنْسَ المُجَرَّدَ عنِ الإجلالِ والتعظيمِ يَبْسُطُ النَّفْسَ، ويَحْمِلُهَا على بعضِ الدَّعَاوَى والرُّعُوناتِ والأمانِي الباطلةِ وإساءةِ الأدبِ والجنايةِ على حقِّ المحبةِ. فإذا قارَنَ المَحبةَ مَهابَةُ المحبوبِ وإجلالُه وتعظيمُه وشهودُ عِزِّ جلالِه وعظيمِ سُلطانِه، انْكَسَرَتْ نَفْسُه له وذَلَّتْ لِعَظَمَتِهِ واستَكانَتْ لِعِزَّتِهِ وتَصاغَرَتْ لجَلالِهِ وصَفَتْ مِن رُعُوناتِ النَّفْسِ وحَماقاتِها ودَعاوِيهَا البَاطِلَةِ وأَمانِيِّهَا الكاذبةِ، ولهذا في الحديثِ (يقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: أيْنَ المُتحابُّونَ بِجلالِي؛ اليَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لاَ ظِلَّ إلاَّ ظِلِّي)، فقال: (أينَ المُتحابُّونَ بِجَلالِي) فهو حُبٌّ بجلالِه سُبحانَهُ وتَعْظِيمُه ومَهابَتُه، ليس حُبًّا لمجردِ جَمالِه، فإنه سُبْحَانَهُ الجليلُ الجميلُ. والحبُّ الناشئُ عن شهودِ هذينِ الوصفينِ هو الحبُّ النافعُ المُوجِبُ لكونِهم في ظلِّ عرشِه يومَ القيامةِ. فشهودُ الجلالِ وحدَهُ يُوجِبُ خَوفًا وخَشْيَةً وانكِسارًا، وشهودُ الجمالِ وَحْدَهُ يُوجِبُ حُبًّا بانبساطٍ وإذلالٍ ورُعونةٍ. وشهودُ الوَصْفَيْنِ معًا يُوجِبُ حُبًّا مقرونًا بتعظيمٍ وإجلالٍ ومهابةٍ؛ وهذا هو غايةُ كمالِ العبدِ. واللهُ أعلمُ). |
شرح ابن القيم (ت:751ه)[الشرح المختصر] قال ابن القيم محمد بن أبي بكر الزرعي الدمشقي (ت:751هـ) كما في المرتبع الأسنى: (الوَدُودُ: ( " الوَدُودُ " مِنْ أَسْمَاءِ الرَّبِّ تَعَالى، وفيهِ قَوْلانِ: - أَحَدُهما: أَنَّهُ المَوْدُودُ، قال البُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللهُ في صَحِيحِهِ: (( "الوَدُودُ ": الحَبِيبُ )) (([فـ] هوَ المَحْبوبُ الذي يَسْتَحِقُّ أنْ يُحَبَّ الحُبَّ كُلَّهُ ، وأَنْ يَكُونَ أَحَبَّ إلى العَبْدِ مِنْ سَمْعِهِ وبَصَرِهِ ونَفْسِهِ وجَمِيعِ مَحْبُوبَاتِه)) ([111]). - والثاني: أَنَّهُ الوَادُّ لعِبَادِهِ؛ أي: المُحِبُّ لَهُم) ([112]) (الذي يُحِبُّ أَنْبِياءَهُ ورُسُلَهُ وأَوْلِياءَهُ وعِبَادَهُ المُؤْمِنِينَ) ([113]) ). [المرتبع الأسنى: ؟؟] ([111]) جَلاءُ الأفهامِ (164). ([112]) مَدارِجُ السَّالكِينَ (3/29). ([113]) جَلاءُ الأفهامِ (164). |
شرح أبي إسحاق الزجاج (ت: 311هـ) قالَ أبو إسحاق إِبراهيمُ بنُ السَّرِيِّ الزجَّاجُ (ت:311هـ): (الودود هذا يجوز أن يكون فعولا بمعنى فاعل ويجوز أن يكون فعولا بمعنى مفعول.والله تعالى وصف نفسه في مواضع بأنه يحب ولا يحب ألا وهو أيضا محبوب مودود عند أوليائه فهو بمعنى مودود). [تفسير أسماء الله الحسنى: ؟؟] |
شرح أبي القاسم الزجاجي (ت:337هـ) قال أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي (ت: 337هـ): (الودودوالقول الآخر أنه «فعول» بمعنى «مفعول» كما يقال: «رجل هيوب» أي «مهيب» فتقديره: أنه عز وجل مودود أي يوده عباده ويحبونه وهما وجهان جيدان. وقد تأتي الصفة بالفعل لله عز وجل ولعبده فيقال: «العبد شكور لله» أي يشكر نعمته، والله عز وجل شكور للعبد أي يشكر له عمله أي يجازيه على عمله، والعبد تواب إلى الله من ذنبه، والله تواب عليه أي يقبل توبته ويعفو عنه). [اشتقاق أسماء الله: 152] |
شرح أبي سليمان الخطابي (ت:388هـ) قال أبو سليمان حَمْدُ بن محمد بن إبراهيم الخطابي (ت: 388هـ): (48- الودود: هو اسم مأخوذ من الود وفيه وجهان، أحدهما: أن يكون فعولاً في محل مفعول. كما قيل: رجل هيوب بمعنى، معيب، وفرس ركوب بمعنى: مركوب والله سبحانه مودود في قلوب أوليائه لما يتعرفونه من إحسانه إليهم وكثرة عوائده عندهم، والوجه الآخر: أن يكون الودود بمعنى: الواد، أي: أنه يود عباده الصالحين بمعنى أن يرضى عنهم ويتقبل أعمالهم، وقد يكون معناه أن يوددهم إلى خلقه؛ كقوله جل وعز: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا} [مريم: 96]). [شأن الدعاء: 74] |
شرح الحافظ ابن مَندَه (ت:395هـ) قال أبو عبد الله محمد بن إسحاق ابن مَنْدَهْ العَبْدي (ت: 395هـ): (ومن أسماء الله عزّ وجلّ: الواحد، الوتر، الوهّاب، الودود، الوليّ، الوفيّ.وفي حديث أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في أسماء الله الواحد، الوتر، الوهّاب، الودود، الواحد، الوكيل، الوارث، الوفيّ قال أهل المعرفة بالتّأويل: معنى الودود: الحبّ الشّديد لأوليائه، وخلق الودّ، فأسكنه قلوب خلقه قال الله عزّ وجلّ: {وجعل بينكم مودّةً ورحمةً} ). [التوحيد: 2/196] |
شرح ابن سعدي (ت:1376هـ) قال عبد الرحمن بن ناصر السعدي (ت:1376هـ): ("الودود" الذي يحب أنبياءه ورسله وأتباعهم، ويحبونه، فهو أحب إليهم من كل شيء، قد امتلأت قلوبهم من محبته، ولهجت ألسنتهم بالثناء عليه، وانجذبت أفئدتهم إليه ودا وإخلاصا وإنابة من جميع الوجوه). [تيسير الكريم المنان: 947] |
الساعة الآن 02:22 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة