جمهرة العلوم

جمهرة العلوم (http://jamharah.net/index.php)
-   توجيه القراءات (http://jamharah.net/forumdisplay.php?f=1080)
-   -   توجيه القراءات في سورة يس (http://jamharah.net/showthread.php?t=27839)

جمهرة علوم القرآن 18 صفر 1440هـ/28-10-2018م 02:35 PM

توجيه القراءات في سورة يس
 
توجيه القراءات في سورة يس

جمهرة علوم القرآن 18 صفر 1440هـ/28-10-2018م 02:35 PM

مقدمات سورة يس
 
مقدمات توجيه القراءات في سورة يس
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (سورة يس). [معاني القراءات وعللها: 2/303]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): ( (ومن سورة يس) ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/228]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (ذكر اختلافهم في سورة يس). [الحجة للقراء السبعة: 6/34]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (سورة يس). [المحتسب: 2/203]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : (36 - سورة يس). [حجة القراءات: 595]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (سورة يس). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/214]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (سورة يس). [الموضح: 1068]

نزول السورة:
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (مكية). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/214]

عد الآي:
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (وهي اثنتان وثمانون آية في المدني، وثلاث في الكوفي). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/214]

ياءات الإضافة:
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (24- فيها ثلاث ياءات إضافة، قوله: {ومالي لا أعبد} «22» قرأها حمزة بالإسكان.
قوله: {إني إذًا} «24» قرأها نافع وأبو عمرو بالفتح.
قوله: {إني آمنت} «25» قرأها الحرميان وأبو عمرو بالفتح). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/220]

ياءات المتكلم:
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (فيها: ياءان للمتكلم وهما: {إِنِّي إِذًا} و{إِنِّي آَمَنْتُ}.
ففتحهما نافع وأبو عمرو.
وأسكن ابن كثير وحده {إِنِّي إِذًا}.
وأسكنهما جميعًا الباقون.
والوجه قد تقدم في غير موضعٍ). [الموضح: 1082]



الياءات المحذوفة:
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (فيها ياء محذوفة قوله: {ينقذون} «23» قرأها ورش بياء في الوصل). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/220]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (فيها: ثلاث ياءات حُذفن من الخط أحدهما {إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ}.
وصلها يعقوب بغير ياءٍ، ووقف عليها بالياء.
والأخريان {لَا يُنْقِذُونِي} {فَاسْمَعُونِي}.
أثبتهما يعقوب في الحالين.
وورشٌ عن نافعٍ يثبت الياء في {وَلَا يُنْقِذُونِي} في الوصل دون الوقف.
والباقون يحذفونهما جميعًا في الحالين.
وقد تقدّم وجه مثله). [الموضح: 1082]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 18 صفر 1440هـ/28-10-2018م 02:41 PM

تفسير سورة يس
[ من الآية (1) إلى الآية (12) ]

{يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (4) تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5) لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6) لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7) إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ (8) وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ (9) وَسَوَاء عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (10) إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12)}


قوله تعالى: {يس (1)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
قوله جلّ وعزّ: (يس (1) والقرآن الحكيم (2) )
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم ويعقوب
(يس) مفتوحة الياء - وقرأها حمزة ويحيى عن أبي بكر بين الفتح والكسر.
وكسرها الكسائي -
وقرأ ابن عامر والكسائي والحضرمي (يس (1) والقرآن) و(ن والقلم) مدغمتي النون.
وروى الكسائي عن أبي بكر، وروى يحيى عن أبى بكر، (يس) مدغمة، و(ن) مظهرة.
وقرأ الباقون بإظهار النونين جميعًا.
قال أبو منصور: ما لغتان: إدغام النون، لإظهارها - فاقرأ كيف شئت).
والإمالة في ياء (يس) والتفخيم جائزان.
وروي عن الحسن أنه
[معاني القراءات وعللها: 2/303]
قال: (يس) معناه: يا رجل - وجاء في التفسير أن معنى يس: يا إنسان - وجاء: يا محمد.
والذي هو أصبح عند أهل اللغة والعربية أنه افتتاحٌ لسورة. وجاء أن معناه: القسم.
وقرأ بعضهم (يس والقرآن الحكيم) كأن المعنى فيه: اتل يس.
والقراءة بالتسكين؛ لأنه حرف هجاء وعليه القراء). [معاني القراءات وعللها: 2/304]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (1- وقوله تعالى: {يس} [1].
قرأ عاصم برواية أبي بكر والكسائي وابن عامر وورش: {يسو القرءان الحكيم} لا يثبتون النون عند الواو، لأن النون والتنوين إنما يظهران عند حروف الحلق.
والباقون يظهرون {يس} و(نون) فإنما أظهروا لأن (ياسين) كلمة منفردة عما بعدها، وكذلك حروف التهجي ينوي بها السكت والانقطاع عما بعده.
وكان حمزة يميل {يس} غير مفرط، والكسائي أشد إماله منها، وقد ذكرت ذلك فيما سلف من أن حروف الهجاء تمال وتفخم وتمد وتقصر وتذكر وتؤنث.
حدثني ابن مجاهد عن السمري عن الفراء، قال: قال الحسن {يس} معناه: يا رجل، وقال غيره: {يس} يا محمد وقال آخرون: {يس} افتتاح السورة). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/228]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص عن عاصم: يس [1] ونون* [القلم/ 1] نونهما ظاهرة.
الحلواني عن هشام بن عمّار عن ابن عامر: لا يبيّن النون.
الأعشى عن أبي بكر [عن عاصم]: يبيّن النون. الكسائي عن أبي بكر عن عاصم: لا يبيّن النون فيهما، وروى حسين الجعفي عن أبي بكر عن عاصم: يبيّن النون، والكسائي لا يبين النون.
وكان حمزة والكسائي: يميلان الياء في يس غير مفرطين.
وحمزة إلى الفتح أقرب من الكسائي في يس وقياس قول أبي بكر عن عاصم يس بالإمالة.
وكان ابن كثير ونافع وعاصم في رواية حفص وأبو عمرو وابن عامر يقرءون يس مفتوحة الياء، نافع قراءته وسط من ذلك. وقال ورش، وقالون: الياء مفتوحة شيئا. وقال محمد بن إسحاق وابن
[الحجة للقراء السبعة: 6/34]
جمّاز: الياء مفتوحة والنون مبيّنة في السّورتين جميعا. وقال يعقوب بن جعفر [عن نافع]: النون فيهما غير مبيّنة.
قال أبو علي: من بين النون في يس فإنّما جاز ذلك، وإن كانت النون الساكنة تخفى مع حروف الفم ولا تبيّن، فإنّما بيّنه لأنّ هذه الحروف مبينة على الوقف، وممّا يدلّك على ذلك استجازتهم فيها الجمع بين ساكنين، كما يجتمعان في الكلم التي يوقف عليها، ولولا ذلك لم يجز فيها التبيين، فكما جاز فيها الجمع بين الساكنين من حيث كان التقدير فيهما الوقف، كذلك استجيز معها تبيين النون في الدّرج، لأنّ التقدير فيهما الوقف. فكما جاز التبيين في الوقف، كذلك جاز التبيين في هذه الحروف من حيث كان في تقدير الوقف.
وأمّا قول من لم يبين فلأنّه، وإن كان في تقدير الوقف، لم يقطع فيه همزة الوصل، وذلك قولهم: الم الله [آل عمران/ 1]. ألا ترى أنّهم حذفوا همزة الوصل، ولم يثبتوها كما لم يثبتوها مع غيرها من الكلم التي توصل؟ فلا يكون التقدير فيها الوقف عليها. وكذلك قالوا واحد اثنان، فحذفوا همزة الوصل، فكذلك لم يبين النون من لم يبين، لأنّها قد صارت في تقدير الوصل من حيث حذفت معها همزة الوصل، فإذا صار في تقدير الوصل، وجب أن لا تبين معها النون، كما
[الحجة للقراء السبعة: 6/35]
لم تبين مع سائر الكلم التي ليست بحروف هجاء، وأمّا القول في انتحاء فتحة الياء من يس نحو الكسرة فقد مضى القول فيه. وممّا يحسن إمالة الفتحة فيها نحو الكسرة أنّهم قالوا: يا زيد. في النداء، فأمالوا الفتحة نحو الكسرة، والألف نحو الياء، وإن كان قولهم يا* حرف على حرفين، والحروف التي على حرفين لا يمال منها شيء نحو لا، وما. فإذا كانوا قد أمالوا ما لا يمال من الحروف من أجل الياء، فأن يميلوا الاسم الذي هويا* من يس أجدر. ألا ترى أنّ هذه الحروف أسماء لما يلفظ به ؟. ومن لم يمل فلأنّ كثيرا من الناس لا يميلون). [الحجة للقراء السبعة: 6/36]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (قرأ: [يَاسِينَ والقُرْآنِ]، بفتح النون ابن أبي إسحاق -بخلاف- والثقفي.
وقرأ: [يَاسِينِ]، بكسر النون أبو السمال وابن ابي إسحاق، بخلاف.
وهارون عن أبي بكر الهُذَليّ عن الكلبي: [يَاسِينُ]، بالرفع. قال: فلقيت الكلبي فسألته، فقال: هي بلغة طيء: يا إنسان.
قال أبو الفتح: أما الكسر والفتح جميعا فكلاهما لالتقاء الساكنين؛ لأنه بنى الكلام على الإدراج، لا على وقف حروف المعجم؛ فحُرِّك فيه لذلك.
ومَن فتح هرب إلى خفة الفتحة لأجل ثقل الياء قبلها والكسرة.
ومن كسر جاء به على أصل حركة التقاء الساكنين. ونظيره قولهم: جَيْرِ، وهَيْتِ لك، وإيهِ وسيبويه وعَمْرَوَيْهِ، وبابهما.
ومَن ضم احتمل أمرين: أحدهما أن يكون أيضا لالتقاء الساكنين، كحَوْبُ في الزجر، ونحن، وهَيْتُ لك.
والآخر أن يكون على ما ذهب إليه الكلبيّ، ورُوّينا فيه عن قطرب:
فَيَا لَيْتَنِي من بعدِ فَاطا وأهلِهَا ... هلكْتُ ولم أسمَعْ بِها صوتَ إيسانِ
[المحتسب: 2/203]
ورواه أيضا: من بعد ما طاف أهلها، وقال: معناه صوت إنسان.
ويحتمل ذلك عندي وجها آخر ثالثا، وهو أن يكون أراد يا إنسان، إلا أنه اكتفى من جميع الاسم بالسين، فقال: ياسين، "فيا" فيه الآن حرف نداء، كقولك: يا رجل. ونظير حذف بعض الاسم قول النبي صلى الله عليه وسلم: كفى "بالسيف شا"، أي: شاهدا، فحذف العين واللام. وكذلك حذف من إنسان الفاء والعين، غير أنه جعل ما بقي منه اسما قائما برأسه، وهو السين، فقيل: ياسين، كقولك: لو قست عليه في نداء زيد: يا دال. ويؤكد ذلك ما ذهب إليه ابن عباس في "حم عسق" ونحوه أنها حروف من جملة أسماء الله "عز وجل"، وهي: رحيم، وعليم، وسميع، وقدير. ونحو ذلك. وشبيه به قوله:
قُلْنا لها قِفِي لَنا قالَتْ قَافْ
أي: وقفَتْ، فاكتفت بالحرف منه الكلمة). [المحتسب: 2/204]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : (قرأ حمزة والكسائيّ وأبو بكر {يس} بكسر الياء وقرأ الباقون بفتح الياء
قال سيبويهٍ إنّما جازت الإمالة في يا وطا وها لأنّها أسماء ما تكتبه وإنّما أملتها لتفصل بينها وبين الحروف لأن الإمالة إنّما تلحق الأسماء والأفعال ومن لم يمل فإن كثيرا من العرب لا يميلون
قرأ ابن عامر والكسائيّ وأبو بكر {يس} والقرآن بإخفاء النّون عند الواو وقرأ الباقون بإظهار النّون عند الواو وإنّما جاز إظهار النّون وإن كانت تخفى مع حروف الفم ولا تتبين لأن هذه الحروف مبنيّة على الوقف وممّا يدل على ذلك استجازتهم فيها الجمع بين ساكنين كما يجتمعان في الكلمة الّتي يوقف عليها ولولا ذلك لم يجز فيها الجمع بينهما وحجّة من لم يبين هي وإن كانت في تقدير الوقف لم تقطع فيه همزة الوصل وذلك قوله {الم الله} ألا ترى أنهم حذفوا همزة الوصل ولم يبينوها كما لم يبينوها مع غيرها فلا يكون التّقدير فيها وهي تجري مجرى قوله {من واق}). [حجة القراءات: 595]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (1- قوله: {يس * والقرآن} قد ذكرنا الإمالة في الياء من {يس} وعلتها، قرأ ورش وأبو بكر والكسائي وابن عامر بإدغام النون من {يس} في الواو من {والقرآن}، على نية الوصل، وقرأ الباقون بالإظهار، على نية الوقف على النون إذ هي حروف مقطعة غير معربة، فحقها أن يوقف على كل حرف منها، والوقف على الحرف يوجب إظهاره، ويمنع من إدغامه، وهو الاختيار؛ لأن الأكثر عليه، ولأنه الأصل، وقد تقدم ذكر علل هذه الحروف في إمالتها وإدغامها وإظهارها بأشبع من هذا). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/214]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (1- {يس} [آية/ 1] بكسر الياء:
قرأها حمزة والكسائي وعاصم ياش- ويعقوب ح-، وحمزة كان مائلًا إلى الفتح.
والوجه في جواز الإمالة في هذا الحرف وأمثاله قد تقدم في سورة مريم. وسبق القول بأن هذه الحروف أسماء لهذه الأصوات المخصوصة، فيجوز الإمالة فيها جوازها في الأسماء، ثم إن الذي حسَّن في هذا الحرف الإمالة كون الياء قبل الألف.
ونافعٌ يُضجع الحرف مكان الإمالة، وطريقته معروفة في الإضجاع، وقد ذكرنا وجهها.
وقرأها ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر و-ص- عن عاصم و-يس- عن
[الموضح: 1068]
يعقوب بفتح الياء، وهو الأصل.
وأدغم النون من يس في الواو. ابن عامر والكسائي ويعقوب، وكذلك: {ن وَالْقَلَمِ}.
والوجه أن إدغام النون في الواو حسنٌ؛ لأن الواو تشبه الميم من جهة اشتراكهما في المخرج، فإذا أُدغم النون في الميم لتقاربهما في الصوت والغُنّة فكذلك ينبغي أن يدغم في الواو أيضًا.
وأظهر ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحمزة و-ص- عن عاصم النون.
والوجه أن النون والواو ليسا بمثلين ولا متقاربين أيضًا غاية التقارب، والإدغام أيضًا ليس مما يجب، فاختاروا الإظهار لذلك). [الموضح: 1069]

قوله تعالى: {وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2)}
قوله تعالى: {إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3)}
قوله تعالى: {عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (4)}
قوله تعالى: {تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5)}

قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (تنزيل العزيز الرّحيم (5)
قرأ ابن عامر، وحفص عن عاصم، وحمزة، والكسائي (تنزيل) بالنصب.
وقرأ الباقون (تنزيل) بالرفع -
قال أبو منصور: من قرأ بالنصب فعلى المصدر، على معنى: نزّل اللّه ذلك تنزيلاً.
ومن قرأ بالرفع فعلى معنى: الذي أنزل إليك (تنزيل العزيز الرّحيم) ). [معاني القراءات وعللها: 2/304]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (2- وقوله تعالى: {تنزيل العزيز الرحيم} [5].
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/228]
قرأ حمزة والكسائي وابن عامر وحفص عن عاصم: {تنزيل} بالنصب على المصدر، كما قال: {صنع الله الذي أتقن} وقال الفراء: كما قال: {صبغة الله}.
وقرأ الباقون: {تنزيل} بالرفع جعلوه خبر ابتداء مضمر على تقدير: هذا تنزيل، وهو تنزيل). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/229]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الرّفع والنصب من قوله تعالى: تنزيل العزيز الرحيم [يس/ 5] فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم في رواية يحيى [بن آدم] عن أبي بكر: تنزيل العزيز رفعا، حفص عن عاصم والكسائي عن أبي بكر عن عاصم وحمزة وابن عامر والكسائي: تنزيل العزيز نصبا [قال أبو علي]: من رفع فعلى: هو تنزيل العزيز، أو على: تنزيل العزيز الرحيم هذا، والنصب على نزّل تنزيل العزيز). [الحجة للقراء السبعة: 6/36]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({تنزيل العزيز الرّحيم}
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وأبو بكر {تنزيل العزيز الرّحيم}
[حجة القراءات: 595]
بالرّفع وقرأ الباقون بالنّصب
فمن نصب فعلى المصدر على معنى نزل الله ذلك تنزيلا مثل قوله {صنع الله} وهو مصدر صدر من غير لفظه لأنّه لما قال {إنّك لمن المرسلين على صراط مستقيم} كأنّه قال نزل ذلك في كتابه تنزيلا فأخرج المصدر على المعنى المفهوم من الكلام ومن قرأ بالرّفع فإنّه جعله خبر ابتداء محذوف على تقدير هذا تنزيل وهو تنزيل قال الزّجاج من قرأ بالرّفع فعلى معنى الّذي أنزل إليك تنزيل العزيز الرّحيم أو تنزيل العزيز الرّحيم هذا). [حجة القراءات: 596]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (2- قوله: {تنزيل العزير الرحيم} قرأ ابن عامر وحفص وحمزة والكسائي بالنصب على المصدر، وقرأ الباقون بالرفع، جعلوه خبر ابتداء محذوف، أي: هو تنزيل العزيز). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/214]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (2- {تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ} [آية/ 5] بالنصب:
قرأها ابن عامر وحمزة والكسائي و-ص- عن عاصم.
والوجه أن {تَنْزِيلَ} منصوبٌ، على أنه مصدر فعلٍ محذوفٍ، والتقدير: نُزِّل تنزيل العزيز.
وقرأ الباقون و-ياش- عن عاصم {تَنْزِيلُ الْعَزِيزِ} بالرفع.
[الموضح: 1069]
والوجه أنه خبر مبتدأ محذوف أي: هو تنزيل العزيز. ويجوز أن يكون مبتدأً، وخبره محذوف، والتقدير: تنزيل العزيز الرحيم هذا). [الموضح: 1070]

قوله تعالى: {لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6)}
قوله تعالى: {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7)}
قوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ (8)}
قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ (9)}

قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (3- وقوله تعالى: {من بين أيديهم ومن خلفهم سدا} [9].
قرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم {سدا} و{سدا} بالفتح.
وقرأ الباقون بالضم، فقال قوم: هما لغتان.
وقال آخرون: ما كان من فعل بني آدم فهو السد، وما وجد مخلوفًا فهو السد.
وقال أبو عمرو: ما كان من فعل الله فهو السد بالضم، فما كان في العين فهو من فعل الله. فلذلك قرأها هنا: {من بين أيديهم سدا} إلا أن قومًا آذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرادوه ومكروا به فأغشي الله أبصارهم. يقال: غشي وغطي وختم وطبع وستر بمعنى واحد.
وقرأ الحسن وأبو رجاء: {فأعشيناهم} بالعين يقال: عشيت
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/229]
العين: إذا عمشت، وعشيت، عميت، تعشي عشيا بالألف، يقال: رجل أعشي وامرأة عشواء، والجميع عشو مثل حمر). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/230]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في ضمّ السّين وفتحها من قوله تعالى: سدا
[الحجة للقراء السبعة: 6/36]
[يس/ 9] فقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم: سدا ومن خلفهم سدا مفتوحة السين.
وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: سدا* وسدا* مضمومتي السين.
[قال أبو علي]: قال أبو الحسن الضّمّ أكثر القراءتين واللّغتين، وحكي عن بعض المفسّرين ما كان من الخلق، فهو سد بالضّمّ، وما كان من البناء مفتوح، وقال غيره: السّدّ بالضّمّ في كل ما صنع الله والعباد، وهما سواء، وقال العجّاج:
سيل الجراد السدّ يرتاد الخضر يريد: زعموا قطعة من الجراد سدّ بطيرانه الأفق.
قال أبو علي: فقوله: السّدّ، يجوز أن يجعله صفة كالحلو والمرّ، ويجوز أن يكون يريد: ذي السّدّ، أي: يسدّ الأفق كما يسدّ السّدّ، فحذف المضاف. وإن كان السّدّ مصدرا جاز أن تصفه به.
والمصدر فيما زعم بعض أهل اللّغة السّدّ سددته سدّا، وقال بعضهم: السّدّ: فعل الإنسان وخلقه المسدود: السّدّ، وقيل في تفسيره قولان:
أحدهما: أنّ جماعة أرادوا بالنبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلم سوءا، فحال اللّه بينهم وبينه،
[الحجة للقراء السبعة: 6/37]
فجعلوا بمنزلة من هذه حاله، والآخر: أنّ اللّه سبحانه وصف ضلالتهم، فقال: إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا [يس/ 8] فأمسكوا أيديهم عن الإنفاق، كما قيل في اليهود: غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا [المائدة/ 64] ويقوّي هذا الوجه [قوله سبحانه]: وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم [يس/ 10] ). [الحجة للقراء السبعة: 6/38]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن عباس وعكرمة وابن يعمَرَ ويزيد البربري وعمر بن عبد العزيز ويزيد بن المهلب والنخعي وابن سيرين، بخلاف: [فَأَعْشَيْنَاهُمْ].
قال أبو الفتح: هذا منقول من عَشِيَ يَعْشَى: إذا ضعف بصره فَعَشِيَ وأعشَيْتُه، كعَمِيَ وأعْمَيْتُه. وأما قراءة العامة: {فَأَغْشَيْنَاهُمْ} فهو على حذف المضاف، أي: فأغشيْنا أبصارَهُم: فجعلنا عليها غِشاوَة.
وينبغي أن يعلم أن غ ش ي يلتقي معناها مع غ ش و؛ وذلك أن الغشاوة على العين كالغشي على القلب، كل منهما يركب صاحبه ويتجلله، غير أنهم خصوا ما على العين بالواو، وما على
[المحتسب: 2/204]
القلب بالياء؛ من حيث كانت الواو أقوى لفظا من الياء، وما يبدو للناظر من الغشاوة على العين أبدى للحس مما يخامر القلب؛ لأن ذلك غائب عن العين، وإنما استدل عليه بشواهده لا بشاهده ومعاينه. ولهذا في هذه اللغة من النظائر ما لو أودع كتابا لكبر حجما، وكثر وزنا. ومحصول الحال واسع وكثير، لكن المحصل له نزر قليل، وحسبنا الله ونعم الوكيل). [المحتسب: 2/205]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون}
قرأ حمزة والكسائيّ وحفص {سدا ومن خلفهم سدا} بفتح السّين وقرأ الباقون بالضّمّ
قال أبو عمرو السد الحاجز بينك وبين الشّيء والسد بالضّمّ في العين وأبو عمرو ذهب في سورة الكهف إلى الحاجز بين الفريقين ففتح وذهب ها هنا إلى سدة العين فرفع والعرب تقول بعينه سدة والّذي يدل على هذا قوله {فأغشيناهم فهم لا يبصرون} أي جعلنا على أبصارهم غشاوة فلم يبصروا طريق الهدى والحق وقال أبو عبيدة كل شيء وجدته العرب من فعل الله من الجبال
[حجة القراءات: 596]
والشعاب فهو سد بالضّمّ وما بناه الآدميون فهو سد فمن رفع في سورة الكهف ذهب أنه من صنع الله وهو قوله تعالى {بين السدين} وذهب في يس إلى المعنى وذلك أنه يجوز أن يكون الفتح فيها على معنى المصدر الّذي صدر من غير لفظه لأنّه لما قال {وجعلنا من بين أيديهم سدا} كأنّه قال وسددنا من بين أيديهم سدا فأخرج المصدر على معنى الجعل إذ كان معلوما أنه لم يرد بقوله {سدا} ما أريد في قوله {بين السدين} لأنّهما في ذلك الموضع جبلان وهما ها هنا عارض في العين). [حجة القراءات: 597]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (3- قوله: {سدًا} قرأه حفص وحمزة والكسائي بفتح السين في الموضعين في هذه السورة، وقرأ الباقون بالضم فيهما، وقد تقدمت علة ذلك في الكهب والاختيار فيه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/214]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (3- {سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا} [آية/ 9] بفتح السين فيهما:
قرأها حمزة والكسائي و-ص- عن عاصمٍ.
وقرأ الباقون {سُدًّا} و{سُدًّا} بضم السين فيهما.
والوجه أنهما لغتان لمعنى واحدٍ.
وقيل السدُّ بالضم: الاسم، والسدُّ بالفتح: المصدر، قد يأتي بمعنى المسود كالضرب بمعنى المضروب). [الموضح: 1070]

قوله تعالى: {وَسَوَاء عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (10)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن محيصن والزهري: [أَنْذَرْتَهُمْ]، بهمزة واحدة على الخبر.
قال أبو الفتح: الذي ينبغي أن يعتقد في هذا أن يكون أراد همزة الاستفهام كقراءة العامة: {أَأَنْذَرْتَهُمْ}، إلا أنه حذف الهمزة تخفيفا وهو يريدها، كما قال الكميت:
طَرِبْتُ وما شَوقًا إلى البِيضِ أَطْرَبُ ... ولا لَعِبًا مِنِي وذُو الشَّيبِ يَلْعَبُ
قالوا: معناه: أو ذو الشيب يلعب؟ تناكُرًا لذلك، وتعجُّبًا. وكبيتِ الكتاب:
لعمْرُكَ ما أدْرِي وإن كنْتُ دارِيًا ... شُعيْثُ ابنُ سَهْمٍ أمْ شُعيْثُ ابنُ مِنْقَرِ
يريد: أشعيث ابن سهم أم شعيث ابن منقر؟
ويدل على إرادة هذه القراءة الهمزة وأنها إنما حذفت لما ذكرنا بقاء "أم" بعدها، ولو أراد الخبر لقال: أولم تنذرهم. فإن قيل: تكون "أم" هذه منقطعة، كقولهم: إنها لإبِل أمْ شَاءٌ، قيل: إذا قدرت ذلك بقي قوله تعالى: {وَسَوَاءٌ عَلَيْهِم} منقطعا لا ثاني له، وأقل ما يكون خبر سواء اثنان. فقد علمت بهذا أن قول ابن مجاهد على الخبر لا وجه له، اللهم إلا أن يُتحمَّل له، فيقال: أراد بلفظ الخبر وفيه من الصنعة ما تراه). [المحتسب: 2/205]

قوله تعالى: {إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11)}
قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 18 صفر 1440هـ/28-10-2018م 02:42 PM

تفسير سورة يس
[ من الآية (13) إلى الآية (19) ]

{وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ (13) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ (14) قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ (15) قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16) وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ (17) قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18) قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ (19)}


قوله تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ (13)}
قوله تعالى: {إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ (14)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فعزّزنا بثالثٍ)
قرأ عاصم في رواية في بكر (فعززنا) بتخفيف الزاي وشددها الباقون
وروى المفضل عن عاصم (فعززنا) خفيفة.
[معاني القراءات وعللها: 2/304]
قال أبو منصور: من قرأ (فعزّزنا) بالتشديد فمعناه: قوّينا وشددنا الرسالة برسول ثالث.
وقوله (فعززنا) بتخفيف فمعناه: فغلبنا، يقال: عزه يعزه، إذا غلبه، قال الله: (وعزّني في الخطاب).
قال أبو منصور: القراءة بالتشديد، ومعناه قوّينا وشددنا). [معاني القراءات وعللها: 2/305]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (4- وقوله تعالى: {فعززنا بثالث} [14].
قرأ عاصم في رواية أبي بكر: {فعززنا} مخففًا أي: فغلبنا من قول العرب: «من عز بز» أي: من غلب سلب.
وقوله: {بثالث} أي: بثالث كان قبل الاثنين، وهو في التلاوة كأنه بعدهما. والتقدير: فعززنا بثالث الذي كان قبل الاثنين، والثالث هو: يوشع ابن نون.
وحدثني ابن مجاهد عن محمد بن هرون عن الفراء في قراءة ابن مسعود {فعززنا بالثالث} بالألف واللام؛ لأن النكرة إذا أعيد ذكرها أعيد بالألف واللام). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/231]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في التخفيف والتثقيل من قوله جلّ وعزّ: فعززنا بثالث [يس/ 14].
فقرأ عاصم في رواية أبي بكر والمفضل [عن عاصم]: فعززنا خفيفة.
وقرأ الباقون، وحفص عن عاصم: فعززنا مشدّدة الزاي.
[قال أبو علي] قال بعضهم: عزّزنا: قوّينا وكثّرنا. وأمّا عززنا: فغلبنا من قوله: وعزني في الخطاب [ص/ 23] وقال جرير:
أعزّك بالحجاز وإن تسهّل بغور الأرض تنتهب انتهابا). [الحجة للقراء السبعة: 6/38]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فكذبوهما فعززنا بثالث}
قرأ أبو بكر {فعززنا بثالث} بالتّخفيف أي فغلبنا من قول العرب من عز بز أي من غلب سلب
وقرأ الباقون بالتّشديد أي قوينا وشددنا). [حجة القراءات: 597]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (4- قوله: {فعززنا} قرأه أبو بكر بالتخفيف، وشدد الباقون.
وحجة من خفف أنه حمله على معنى «فغلبنا بثالث» من قوله تعالى: {وعزني في الخطاب} «ص 23» أي: غلبني، ويكون المفعول محذوفًا، وهو المرسل إليهم، تقديره: فعززنا بثالث، أي فغلبناهم بثالث.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/214]
5- وحجة من شدد أنه حمله على معنى القوة، أي: فقويناهم بثالث، والمفعول أيضًا محذوف، يعود على الرسولين، أي: فقوينا المرسلين برسول ثالث، وهو الاختيار لأن الجماعة عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/215]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (4- {فَعَزَزْنَا بِثَالِثٍ} [آية/ 14] بتخفيف الزاي:
رواها ياش- عن عاصم.
والوجه أن معناه غَلَبْنَا، قال الله تعالى {وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} أي غَلَبَنِي.
وقرأ الباقون {عَزَّزْنَا}، بالتشديد. أي قوَّينا، وقيل: كثَّرنا). [الموضح: 1070]

قوله تعالى: {قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ (15)}
قوله تعالى: {قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16)}
قوله تعالى: {وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ (17)}
قوله تعالى: {قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18)}
قوله تعالى: {قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ (19)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (أئن ذكّرتم)
روى المفضل عن عاصم (أين ذكّرتم) بهمزة بعدها ياء مقصورة ساكنة.
وقرأ الباقون (أئن ذكّرتم) على الاستفهام.
[معاني القراءات وعللها: 2/306]
قال أبو منصور: من قرأ (أين ذكّرتم) فالمعنى: أي موضع ذكرتم.
وهذه قراءة شاذة.
والقراءة بالاستفهام، المعنى: (أئن ذكّرتم): تطيرتم). [معاني القراءات وعللها: 2/307]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (5- وقوله تعالى: {أئن ذكرتم} [19].
قد ذكرت الاختلاف في الهمزتين في مواضع، وإنما أعدت ذكره لأن المفضل روى عن عاصم: {أين ذكرتم} كقراءة ابن كثير بهمزة مقصورة بعدها ياء مكسورة؛ ولأن أبا رزين قرأ: {أين ذكرته} يريد: الآن، ولأن ابن حوشب قرأ: {إن ذكرتم} يريد: لئن ذكرتم. وقد استقصيت علل ذلك في كتاب «الألفات».
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/230]
وحدثني ابن مجاهد عن محمد بن هرون عن الفراء، قال: قرأ بعضهم: {قال طيركم معكم} أي شؤمكم. تقول العرب: طائر لا طيرك. والطير: جمع طائر.
وروى عن الحسن قال: {طيركم معكم} فالطير أيضا الذنوب، كقوله: {وكل إنسان الزمنه طئره في عنقه} والطيرة في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا عدوي، ولا هامة ولا صفر، ولا غول، ولا طيرة» فإنه صلى الله عليه وسلم كان يتبرك بالفأل وينهي عن الطيرة، والفأل: أن يكون لك عليل وتسمع يا سالم فتتبرك به، والطيرة: أن يخرج الرجل من منزله فيرى رجلاً أعور فيرجع إلى منزله تطيرًا، فيقال: طار يطير طيرًا وطيرانًا وطيرورة ومطارًا وطيرة، وطار الرجل في حاجته: إذا أسرع، وفلان لا يطير غرابه، وهو ساكن الطير: إذا كان ذا وقار وسمت سكيتًا، وفلان ما يطور بنا أي: لا يقربنا. وما في الدار طورى، ولا طواري أي: أحد. وفلان قد عدا طوره: إذا تعدي وجاوز مقداره). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/231]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (المفضل عن عاصم: أين ذكرتم [يس/ 19] بهمزة بعدها ياء والكاف مشددة، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي وابن عامر أئن
[الحجة للقراء السبعة: 6/38]
بهمزتين وقرأ نافع وأبو عمرو وابن كثير بهمزة بعدها ياء، وكان أبو عمرو يمدّ، وابن كثير لا يمدّ. واختلف عن نافع وقد بيّن.
قال أبو الحسن: معناه حيث ذكّرتم، قال: وفي بعض الحروف: ولا يفلح الساحر أين أتى [طه/ 69]. ومن قال: أإن ذكرتم فإنّما هي إن التي للجزاء دخلت عليها ألف الاستفهام، والمعنى: أإن تشاءمتم، لأن تطيرنا بكم معناه: تشاءمنا بكم، فكأنّهم قالوا: أئن ذكّرتم تشاءمتم! فحذف الجواب لتقدم ما يدلّ عليه، وأصل تطيّرنا: تفعلنا، من الطائر عند العرب الذي به يتشاءمون، ويتيمّنون، وقد تقدّم ذكر ذلك. وقد قرأ من غير السبعة أأن ذكرتم بفتح أن، والمعنى: ألأن ذكّرتم تشاءمتم، وأمّا الهمزة وتخفيفها وتحقيقها فقد مرّ ذكرها في مواضع). [الحجة للقراء السبعة: 6/39]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الماجشون: [أنْ ذُكِّرْتُمْ]، بهمزة واحدة مفتوحة مقصورة، ولا ياء بعدها وقرأ: [أَيْنَ] بهمزة بعدها ياء ساكنة، والنون مفتوحة [ذُكِرْتُمْ]، مضمومة الذال، خفيفة الكاف الأعمش وأبو جعفر يزيد.
[المحتسب: 2/205]
قال أبو الفتح: أما [أَنْ ذُكِّرْتُم] فمنصوبة الموضع بقوله سبحانه: {طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ}، وذلك أنهم لما قالوا لهم: {إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ}، أي: تشاءمنا، قالوا لهم جوابًا عن ذلك: بل {طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ}، أي: بل شؤمكم معكم [أَنْ ذُكِّرْتُم]، أي: هو معكم لِأَنْ ذُكِّرْتُمْ، فلم تذكروا، ولم تنتهوا. فاكتفى بالسبب الذي هو التذكير من المسبب الذي هو الانتهاء، على ما قدمناه من إقامتهم كل واحد من المسبب والسبب مقام صاحبه. ووضعوا الطائر أيضا موضع مسببه وهو التَّشَؤمُ، لما كانوا يألفونه من تكارههم نعيقَ الغراب أو بُرُوحَه ونحو ذلك. ومَن رأى أنّ [أنْ] قد حُذِفَ الجارُّ عن لفظها وإرادتِه فيها مجرورةً رأى ذٍلك هنا فيها، وهو الخليل.
وأما [أَيْنَ ذُكِرْتُمْ] فمعناه أين حَلَلْتُم، وكنتم، ووُجِدْتم؛ فَذُكِرْتُم. فاكتفى بالمسبب الذي هو الذكر من السبب الذي هو الوجود، و"أَين" هنا شرط وجوابها محذوف لدلالة {طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ} عليه، فكأنه قال: أَيْن ذُكِرْتُم، أو أين وجدتم شؤمكم معكم. وهذا كقولك: سَيفُك معك أين حَلَلْت، وجُودك معك متى سئلت كنت جوادا، وكقولك: أنت ظالم إن فعلت، أي: إن فعلت ظلمت. ولا يجوز الوقوف في هاتين القراءتين على "معكم" لاتصال "أنْ" و"أين" بها، لكن على قراءة من قرأ بالاستفهام: {أئِنْ ذُكِّرْتُم}؟ لأن الاستفهام يقطع ما قبله عما بعده؛ لأن له صدر الكلام؛ فكأنه قال: بل طائركم معكم ردًّا عليهم، ثم استأنف مستفهمًا، وهو يريد الإنكار). [المحتسب: 2/206]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 18 صفر 1440هـ/28-10-2018م 02:44 PM

تفسير سورة يس
[ من الآية (20) إلى الآية (29) ]

{وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ (21) وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22) أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلاَ يُنقِذُونِ (23) إِنِّي إِذًا لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ (24) إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27) وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِّنَ السَّمَاء وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ (28) إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29)}

قوله تعالى: {وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20)}
قوله تعالى: {اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ (21)}
قوله تعالى: {وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وما لي لا أعبد الّذي فطرني)
أسكن الياء حمزة ويعقوب. وفتحها الباقون). [معاني القراءات وعللها: 2/305]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (5- {وَمَا لِيْ لَا أَعْبُدُ} [آية/ 22] بسكون الياء:
قرأها حمزة ويعقوب.
والوجه أن الياء خُفّفت بالتسكين؛ لأن الحركة ثقيلةٌ على الياء، وإن كانت فتحةً، والسكون أخف منها.
وقرأ الباقون {وَمَا لِيَ} مفتوحة الياء.
والوجه أن الفتحة في هذه الياء، أعني ياء الضمير، هي الأصل، وهي أعني الفتحة لا تُستثقل على الياء استثقال الضمة والكسرة عليها). [الموضح: 1071]

قوله تعالى: {أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلاَ يُنقِذُونِ (23)}
قوله تعالى: {إِنِّي إِذًا لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ (24)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (قوله: (إنّي إذًا لفي ضلالٍ مبينٍ (24) إنّي آمنت.. (25)
فتح الياءين نافع وأبو عمرو.
وفتح ابن كثير (إنّي آمنت)، وأرسل (إنّي إذًا) ). [معاني القراءات وعللها: 2/305] (م)

قوله تعالى: {إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (قوله: (إنّي إذًا لفي ضلالٍ مبينٍ (24) إنّي آمنت.. (25)
فتح الياءين نافع وأبو عمرو.
وفتح ابن كثير (إنّي آمنت)، وأرسل (إنّي إذًا) ). [معاني القراءات وعللها: 2/305] (م)

قوله تعالى: {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26)}
قوله تعالى: {بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27)}
قوله تعالى: {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِّنَ السَّمَاء وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ (28)}
قوله تعالى: {إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أبي جعفر ومعاذ بن الحارث: [إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةٌ وَاحِدَةٌ].
وقرأ ابن مسعود وعبد الرحمن بن الأسود: [إلا زَفْيَةً].
قال أبو الفتح: في الرفع ضعف؛ لتأنيث الفعل، وهو قوله: "كانت". ولا يقوى أن تقول: ما قامت إلا هند، وإنما المختار من ذلك: ما قام إلا هند؛ وذلك أن الكلام
[المحتسب: 2/206]
محمول على معناه، أي: ما قام أحد إلا هند. فلما كان هذا هو المراد المعتمد -ذكر لفظ الفعل، إرادة له، وإيذانا به. ثم إنه لما كان محصول الكلام: قد كانت صيحة واحدة جيء بالتأنيث؛ إخلادًا إليه، وحملا لظاهر اللفظ عليه. ومثله قراءة الحسن: [فَأَصْبَحُوا لا تُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ] بالتاء في "ترى". وعليه قول ذو الرمة.
بَرَى النَّحْزُ والْأَجْرال ما في غُرُوضِها ... فما بقيتْ إلا الصدُورُ الجراشع
وأقوى الإعرابين: فما بقي إلا الصدور؛ لأن المراد ما بقي شيء منها إلا الصدور، على ما مضى.
وأما [زَقْيَةً] فيقال: زَقَا الطائر يَزْقُو ويَزِقِي زُقُوًّا وزُقِيًّا وزُقاء: إذا صاح، وهي الزَّقْوة والزَّقْية.
وأما أبو حاتم فصرّف الفعل على الواو، فلم ير للياء فيه تصريفا، وقال: أصلها "زقوة"، إلا أن الواو أبدلت للتخفيف ياء، وشبهه بقولهم: أرض مَسْنِيَّةٌ، وإنما هو مَسْنُوَّةٌ، وقوله:
أنا الليْثُ مَعْدِيًّا عليَّ وعادِيًا
أي: مَعْدُوًّا عليه، وأثبت أبو العباس أحمد بن يحيى الياء في [زَقْية] أصلا، وأنشدوا قوله:
وتَرَى المُكَّاء فِيهِ ساقِطا ... لَثِق الرِّيشِ إذَا زَفَّ زفى
[المحتسب: 2/207]
وكأنه إنما استعمل هنا صياح الطائر: الديك ونحوه؛ تنبيها على أن البعث -بما فيه من عظيم القدرة وإعادة ما استرم من إحكام الصنعة وإنشار الموتى من القبور- سهل على الله سبحانه، كزَقْيَةٍ زَقَاها طائرٌ. فهذا نحو من قوله: {مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ}، ونحو ذلك من الآي التي تدل على عظيم القدرة، جل الله جلالا، وعلا علوا كبيرا. وأنشد الفراء مستشهدا به على صحة الياء قوله:
تَلِدُ غُلامًا عارِمًا يُودِيكَ ... ولَو زَقَيْتِ كَزُقَاءِ الدِّيكِ
وقال: يُقال: زَقَوْتَ وزَقَيْتَ). [المحتسب: 2/208]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 18 صفر 1440هـ/28-10-2018م 02:46 PM

تفسير سورة يس
[ من الآية (30) إلى الآية (36) ]

{يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون (30) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنْ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ (31) وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ (32) وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33) وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ (34) لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (35) سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ (36)}


قوله تعالى: {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون (30)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الأعرج ومسلم بن جندب وأبي الزناد: [يَا حَسْرَهْ]، ساكنة الهاء، [عَلَى الْعِبَادِ].
وقرأ: [يَا حَسْرَةَ الْعِبَادِ] -مضافًا- ابن عباس والضحاك وعلى بن حسين ومجاهد وأبي ابن كعب.
قال أبو الفتح: أما [يَا حَسْرَهْ]، بالهاء ساكنة ففيه النظر. وذلك أن قوله: {عَلَى الْعِبَادِ} متعلق بها، أو صفة لها. وكلاهما لا يحسن الوقوف عليها دونه، ووجه ذلك عندي ما أذكره. وذلك أن العرب إذا أخبرت عن الشيء -غير مُعْتَمِدَتٍهٍ ولا مُعْتَزِمَةٍ عليه- أسرعت فيه، ولم تتأن على اللفظ. المعبر به عنه. وذلك كقوله:
قُلْنَا لَها قِفِي لَنا قالَتْ قَافْ
معناه: وقفْتُ، فاقتصَرَتْ من جملة الكلمة على حرف منها؛ تهاوُنًا بالحالِ، وتثاقُلًا على الإجابة، واعتماد المقال. ويكفي في ذلك قول الله سبحانه: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ
[المحتسب: 2/208]
فِي أَيْمَانِكُمْ}. قالوا في تفسيره: هو كقولك: لا والله، وبلى والله. فأين سرعة اللفظ بذكر اسم الله تعالى هنا من التثبت فيه، والإشباع له، والمماطلة عليه من قول الهذلي:
فَوَاللهِ لا أَنْسَى قَتِيلا رُزِئْتُهُ ... بِجَانِبِ قُوسَى مَا مَشَيْتُ علَى الأرْضِ؟
أفلا ترى إلى تَطَعُّمِكَ هذه اللفظة في النطق هنا بها، وتَمَطِّيكَ لإشباع معنى القسم عليها؟ وكذلك أيضا قد ترى إلى إطالة الصوت بقوله من بعده:
بَلَى إنَّها تَعْفُو الكُلُومُ وإنما ... نُوكَّلُ بِالأَدْنَى وإنْ جَلَّ مَا يَمْضِي
أفلا تراهُ -لما أكذب نفسه، وتدارك ما كان أفرط في اللفظ- أطال الإقامة على قوله: بلى؛ رجوعا إلى الحق عنده، وانتكاثًا عما كان عقد عليه يمينه؟ فأين قوله هنا: "فوالله"، وقوله: بلى، منهما في قوله: لا والله، وبلى والله؟
وعليه قوله تعالى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ}، أي: وكَّدتموها، وحققتموها وإذا أوليت هذا أدنى تأمل عرفت منه وبه ما نحن بسبيله وعلى سمته، وعلى هذا قال سيبويه: إنهم يقولون: سِيرَ عليه لَيْلٌ، يريدون: ليلٌ طويلٌ. وهذا إنما يفهم عنهم بتطويل الياء، فيقولون: سِيرَ عليه ليلٌ، فقامت المدة مقام الصفة.
ومن ذلك ما تستعمله العرب من إشباع مدات التأسيس والردف والوصل والخروج عناية بالقافية، إذ كانت للشعر نظاما، وللبيت اختتاما.
أخبرنا أبو أحمد الطبراني عن شيخ له ذكره عن البحتري، قال: سمعت ابن الأعرابي يقول: استجيدوا القوافي، فإنها حوافر الشعر. وقال لي الشجري في بعض كلامه: القافية
[المحتسب: 2/209]
رأس البيت، وهذا ليس نقضا للأول، وإنما غرضه فيه أنها أشرف ما فيه، كما أن حوافر الفرس هي أوثق ما فيه، وبها نهوضه، وعليها اعتماده. ولقد تغنّى يوما خفير لنا بشعر مؤسس نحو قوله:
ألا عَلِّلانِي قَبْلَ لَوْمِ العَوَاذِلِ
فلَعهدي به وهو يمطُل الألف حتى يَخْطُوَ به فرسُه الخطوة والعشرين، ولولا ظاهر ما في القولِ لقلْتُ الأكثر. فإذا تجاوز الألف أسرع عند الدخيل، فاختلس الذال والروي بعدها. وكان أيضا يمده بتقبُّل صدى صوته مع تماديه واغتراق أقصى النفَسِ فيه ما كان يعطيه إياه نقل الفرس به؛ فإن ذلك كان يهزُّ الألف، ويصنعها، ويزيل تحيَّرها والساذَجِيَّة المملولة عنها.
وعلى ذكر طول الأصوات وقصرها لقوة المعاني المعبر بها عنها وضعفها ما يحكى أن رجلا ضرب ابنا له، فقالت له أمه: لا تضربه، ليس هو ابنك؛ فرافعها إلى القاضي فقال: هذا ابني عندي، وهذه أمه تذكر أنه ليس مني. فقالت المرأة: ليس الأمر على ما ذكره، وإنما أخذ يضرب ابنه فقلت له: لا تضربه ليس هو ابنك، ومدت فتحة النون جدا، فقال الرجل: والله ما كان فيه هذا الطويل الطويل، والأمر يذكر للأمر على تقاربهما، أو تفاوتهما إذا كان ذلك للغرض مُوَضِحًا، وإليه بطالبه مُفْضِيًا. وقد قال:
وَعِنْدَ سَعِيدٍ غَيْرَ أنْ لَمْ أَبُحْ بِهِ ... ذَكَرْتُكِ إنَّ الأمرَ يُذْكَرُ لِلْأَمْرِ
وإذا كان جميع ما أوردناه ونحوه مما استطلناه فحذفناه يدل أن الأصوات تابعة للمعاني -فمتى قويت قويت، ومتى ضعفت ضعفت. ويكفيك من ذلك قولهم: قَطَعَ وقَطَّعَ، وكَسَرَ وكَسَّرَ. زادوا في الصوت لزيادة المعنى، واقتصدوا فيه لاقتصادهم فيه- علمت أن قراءة من قرأ: [يَا حَسْرَهْ عَلَى الْعِبَادِ]، بالهاء ساكنة إنما هو لتقوية المعنى في النفس، وذلك أنه في موضع وعظ. وتنبيه، وإيقاظ وتحذير، فطال الوقوف على الهاء كما يفعله المستعظم للأمر، المتعجب منه، الدال على أنه قد بهره، وملك عليه لفظه وخاطره. ثم قال من بعد: [على العباد]، عاذرا نفسه في الوقوف على الموصول دون صلته لما كان فيه، ودالَّا للسامع
[المحتسب: 2/210]
على أنه إنما تجشم ذلك -على حاجة الموصول إلى صلته وضعف الإعراب وتحجره على جملته- ليفيد السامع منه ذهابَ الصورة بالناطق.
ولا يَجْفُ ذلك عليك على ما به من ظاهر انتقاض صنعته؛ فإن العرب قد تحمل على ألفاظها لمعانيها حتى تفسد الإعراب لصحة المعنى. ألا ترى إلى أن أقوى اللغتين - وهي الحجازية في الاستفهام عن الأعلام نحو قولهم فيمن قال: مررت بزيدٍ: من زَيْدٍ؟
فالجر حكاية لجر المسئول عنه، فهذا مما احتُمل فيه إضعاف الإعراب لتقوية المعنى. ألا ترى أنه لو ركب اللغة التميمية طلبا لإصابة الإعراب فقال: مَنْ زَيْدُ؟ لم يَضِحْ من ظاهر اللفظ أنه إنما يسأل عن زيد هذا المذكور آنفا ولم يؤمن أن يُظن به أنه إنما ارتجل سؤالا عن زيد آخر مستأنفا؟
ومن الحمل على اللفظ للمعنى قوله:
يا بُؤْسَ لِلْجَهْلِ ضَرَّارًا لأقْوَام
فتجشَّم الفصل بين المضاف والمضاف إليه بلام الجر؛ لما يعقبه من توكيد معنى الإضافة، فهذا ونظائره يؤكد أن المعاني تتلعّب بالألفاظ، تارة كذا، وأخرى كذا. وفيه بيان لما مضى.
وقد يجوز غير هذا كله، وهو أن يكون "حسرة" غير متعلقة بـ"على"، فيحسن الوقوف عليها, ثم تُعَلَّق "على" بمضمر، وتدل عليه "حسرة" حتى كأنه قال: أتحسَّر على العباد. وهذا في القرآن ما لا أحصيه لكثرته.
وأما [يا حسرةَ العِبادِ] مضافا فإن لك فيه ضربين من التأويل:
إن شئت كان "العباد" فاعلين في المعنى، كقولك: يا قيام زيد ويا جلوس عمرو أي: كأن العباد إذا شاهدوا العذاب تحسروا.
وإن شئت كان "العباد" مفعولين في المعنى، وشاهده للقراءة الظاهرة: {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ}، أي: يتحسر عليهم مَنْ يعنيه أمْرُهُم ويهمُه ما يمسهم، وهذا ظاهر). [المحتسب: 2/211]

قوله تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنْ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ (31)}
قوله تعالى: {وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ (32)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وإن كلٌّ لمّا جميعٌ لدينا محضرون (32)
قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة (لمّا) مشددة.
وقرأ الباقون (لما) خفيفة.
قال أبو منصور: من قرأ (لمّا) مشددة فالمعنى: ما كلٌّ إلا جميعٌ.
(لمّا) بمعنى: (إلا)، وهي لغة هذيل.
ومن قرأ (لما) بتخفيفٍ فـ (ما) صلة والتقدير: وإنّ كلًّا للجميع لدينا محضرون.
فلمّا خفف (إن) رفع (كلّ).
[معاني القراءات وعللها: 2/305]
وقال الفراء والمعنى: وإن كلٌّ لجميع لدينا محضرون.
قال أبو إسحاق: معناه:
ما كلٌّ إلا جميع لدينا - قاله في تخفيف (لما) ومن قرأ به). [معاني القراءات وعللها: 2/306]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وإن كل لما جميع لدينا محضرون}
قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائيّ {وإن كل لما} بالتّشديد بمعنى إلّا وإن بمعنى ما التّقدير ما كل إلّا جميع لدينا محضرون
وقرأ الباقون {لما} بالتّخفيف المعنى وإن كل لجميع لدينا محضرون ف ما زائدة وتفسير الآية أنهم يحضرون يوم القيامة فيقفون على ما عملوا). [حجة القراءات: 597]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (6- قوله: {لما جميع} قرأه ابن عامر وعاصم وحمزة بالتشديد، وخفف الباقون، ومثله في الزخرف والطارق غير أن ابن ذكوان خفف في الزخرف.
وحجة من خفف أنه جعل «ما» زائدة واللام لام تأكيد دخلت في خبر «إن» للفرق بين الخفيفة بمعنى «ما» والخفيفة من الثقيلة، فـ «أن» في حكم الثقيلة؛ لأن التثقيل أصلها، وإن كان لم تعمل، لأن معناها قائم في الكلام، وتقديره: وإن كلًا لجميع لدينا محضرون.
7- وحجة من شدد أنه جعل {لما} بمعنى «إلا» و{إن} بمعنى «ما»، وتقديره: وما كل إلا جميع لدينا محضرون، فهو ابتداء وخبر، وقد قال الفراء في هذه القراءة: إن «لما» أصلها «لمن ما» ثم أدغم النون في الميم، فاجتمع ثلاث ميمات، فحذفت ميم استخفافًا، وشبهه بقولهم: «علماء بنو فلان» يريدون: «على الماء» فأدغم اللام في اللام ثم حذفوا إحدى اللامين استخفافًا، وهي الأولى، وبقيت الثانية ساكنة وهي لام الماء). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/215]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (6- {وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ} [آية/ 32] بتشديد الميم:
قرأها ابن عامر وعاصم وحمزة.
والوجه أن {إنْ} بمعنى ما، و{لَمَّا} بمعنى إلا، والمعنى: ما كلٌّ إلا جميع لدينا محضرون. ولما قد تأتي بمعنى إلا نحو قولهم نشدتك الله لما فعلت كذا، وإلا فعلت كذا، وكلاهما بمعنى واحدٍ.
والمعنى في الآية إننا نجمع كلهم للحساب والجزاء.
وقرأ الباقون {لَمَا} بالتخفيف.
والوجه أن {إنْ} هي المخففة من الثقيلة، والشأن مضمرٌ، واللام في {لَمَا} هي الفارقة بين إن المؤكدة وإن النافية، و{مَا} زيادةٌ، والتقدير: وإن الأمر أو الشأن كل لجميعٌ محضرون لدينا). [الموضح: 1071]

قوله تعالى: {وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33)}

قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (7- {الْأَرْضُ الْمَيِّتَةُ} [آية/ 33] بالتشديد:
قرأها نافع وحده.
وقرأ الباقون {الْمَيْتَةُ} بالتخفيف.
والوجه فيهما قد تقدم). [الموضح: 1072]

قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ (34)}
قوله تعالى: {لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (35)}

قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وما عملته أيديهم (35)
قرأ أبو بكر عن عاصم، وحمزة، والكسائي (وما عملت أيديهم) بغير هاء وقرأ الباقون بالهاء (وما عملته).
وقال الفرّاء: (ما) فما موضع خافض ها هنا، أراد: ليأكلوا من ثمرٍ هو مما عملته أيديهما.
قال: وإن شئت جعلت (ما) ها هنا جحدًا فلم تجعل لها موضعا، ويكون المعنى: ولم تعمله أيديهم نحن جعلنا لهم الجنات والنخيل والأعناب). [معاني القراءات وعللها: 2/306]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (6- قوله تعالى: {وما عملته أيديهم} [35].
قرأ أ هل الكوفة إلا حفصًا: {عملت أيديهم} بغير هاء اتباعًا لمصحفهم.
والباقون {عملته} بالهاء ابتاعًا لمصاحفهم، والهاء تعود على «ما» وعملت صلتها، ومن حذفه حذفه اختصارًا؛ لأنه مفعول، وكل مفعول يجوز
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/231]
حذفه اختصارًا كقوله: {ما ودعك ربك وما قلى} يريد: وما قلاك، ولا سيما إذا كان في اسم يحتاج إلى صلة فتحذف الهاء لما طال الاسم بالصلة كقوله: {منهم من كلم الله} يريد كلمه الله). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/232]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في إثبات الهاء وإسقاطها من قوله عزّ وجلّ: وما عملته أيديهم [يس/ 35].
فقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي وما عملت بغير هاء، وقرأ الباقون، وحفص عن عاصم: عملته بالهاء.
[الحجة للقراء السبعة: 6/40]
القول أن أكثر ما جاء في التنزيل من هذا على حذف الهاء، كقوله: أهذا الذي بعث الله رسولا [الفرقان/ 41] وسلام على عباده الذين اصطفى [النحل/ 59] وأين شركائي الذين كنتم تزعمون [الأنعام/ 22] ولا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم [هود/ 43] فكلّ على إرادة الهاء وحذفها.
وقد جاء الإثبات في قوله: إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان [البقرة/ 275] وكذلك قوله: وما عملته أيديهم [يس/ 35] وموضع ما* على هذا جرّ تقديره: ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم. ويجوز أن تقدّر ما* نافية فيكون المعنى: ليأكلوا من ثمره، ولم تفعله أيديهم، ويقوّي ذلك: أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون [الواقعة/ 63 - 64] ومن قدّر هذا التقدير لم يكن صلة، وإذا لم يكن صلة لم يقتض الهاء الراجعة إلى الموصول). [الحجة للقراء السبعة: 6/41]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم}
قرأ حمزة والكسائيّ {ليأكلوا من ثمره} بضم الثّاء والميم تقول ثمرة وثمار وثمر جمع الجمع ويجوز أن يكون ثمر جمع ثمرة مثل خشبة وخشب وقرأ الباقون {من ثمرة} جعلوه جمع ثمرة مثل بقرة وبقر وشجرة وشجر
قرأ حمزة والكسائيّ وأبو بكر (وما عملت أيديهم) بغير هاء وقرأ الباقون {وما عملته أيديهم} بالهاء وحجتهم أنّها كذلك في مصاحفهم فالهاء عائدة على {ما} و{ما} في معنى الّذي وموضع ما خفض نسقا على {ثمرة} المعنى ليأكلوا من ثمره وممّا عملته أيديهم قال الزّجاج ويجوز أن يكون {ما} نفيا وتكون الهاء عائدة على الثّمر فلا موضع ل ما حينئذٍ ويكون المعنى ليأكلوا من ثمره ولم تعمله أيديهم قال السّديّ قوله {وما عملته أيديهم} يقول نحن عملناه نحن أنبتناه لم يعملوه هم ويقوّي النّفي قوله {أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون} ويقوّي إثبات الهاء قوله تعالى {كما يقوم الّذي يتخبطه الشّيطان} ولم يقل يتخبط فكذلك قوله {عملته} وحجّة من حذف الهاء إجماع الجميع على حذف الهاء في قوله {ممّا عملت أيدينا أنعاما} و{ما} في قوله ليأكلوا من ثمره وما عملت في موضع خفض المعنى ليأكلوا من ثمره وممّا عملته أيديهم قال الزّجاج إذا حذفت الهاء فالاختيار أن يكون {ما} في موضع خفض فيكون في معنى الّذي فيحسن حذف الهاء
[حجة القراءات: 598]
واعلم أن العرب تضمر الهاء عائدة على من والّذي وما وأكثر ما جاء في التّنزيل من هذا على حذف الهاء كقوله أهذا الّذي بعث الله رسولا أي بعثه الله وقال {وسلام على عباده الّذين اصطفى} أي اصطفاهم وقال {لا عاصم اليوم من أمر الله إلّا من رحم} و{منهم من كلم الله} أي كلمه الله وكل هذا على إرادة الهاء وإنّما حذفوا اختصارا وإيجازا). [حجة القراءات: 599]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (8- قوله: {وما عملته أيديهم} قرأ أبو بكر وحمزة والكسائي بغير هاء، حذفوا الهاء من صلة «ما» لطول الاسم، وهي مرادة مقدرة، وقرأ الباقون بالهاء على الأصل، ولأنها ثابتة في المصحف، وهو الاختيار، وكلهم قرأ {عملت أيديهم} بغير هاء، والأصل الهاء). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/216]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (8- {لِيَأْكُلُوا مِنْ ثُمُرِهِ} [آية/ 35] بضم الثاء والميم:
قرأها حمزة والكسائي.
وقرأ الباقون {مِنْ ثَمَرِهِ} بفتح الثاء والميم.
والوجه فيهما قد سبق في سورة الكهف، وذكرنا أن الثُمُر بضمتين يجوز أن يكون واحدًا كعُنُقٍ، وأن يكون جمعًا لثمارٍ ككتبٍ لجمع كتابٍ، أو لثمرةٍ كبُدُنٍ لجمع بَدَنَةٍ، والثَمَرَ بفتحتين جمع ثَمَرَةٍ، كبقرٍ لجمع بقرةٍ). [الموضح: 1072]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (9- {وَمَا عَمِلَتْ أَيْدِيهِمْ} [آية/ 35] بغير هاء:
قرأها حمزة والكسائي و-ياش- عن عاصم.
والوجه أنه يجوز أن تكون {مَا} موصولةً بمعنى الذي، والضمير العائد إليها من الصلة قد حُذف استخفافًا لطول الكلام، والتقدير: والذي عملته، فيكون معطوفًا على {ثَمَرِهِ}، والمعنى: ليأكلوا من ثمره ومن الذي عمته أيديهم، وحذف الهاء من الصلة حسنٌ، قال الله تعالى {أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ الله رَسُولًا} ومثله كثيرٌ.
[الموضح: 1072]
ويجوز أن تكون {ما} نافيةً فتكون حرفًا فلا يكون لها موضعٌ من الإعراب، وليس لها صلة؛ لأنها ليس باسم موصولٍ، ولا يقتضي عائدًا؛ لأنها حرف، والمعنى ليأكلوا من ثمره ولم تعمله أيديهم، وهذا كما قال تعالى {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ}.
وقرأ الباقون {عَمِلَتْهُ} بالهاء.
والوجه أنه يجوز أن تكون موصولةً، وقوله {عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ} صلتها، والهاء راجعةٌ من الصلة إلى الموصول ولم تُحذف، وهو الأصل، أعني إثبات الهاء.
ويجوز أن تكون {ما} نافيةً أيضًا، كما سبق، والهاء راجعةٌ إلى الثمر من قوله {لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ}، وقيل: معناه ولم تعمل ذلك أيديهم...). [الموضح: 1073]

قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ (36)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 18 صفر 1440هـ/28-10-2018م 02:48 PM

تفسير سورة يس
[ من الآية (37) إلى الآية (44) ]

{وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ (37) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40) وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (41) وَخَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ (42) وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنقَذُونَ (43) إِلَّا رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (44)}


قوله تعالى: {وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ (37)}
قوله تعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38)}

قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن مسعود وابن عباس وعكرمة وعطاء بن أبي رياح وأبي جعفر محمد بن علي وأبي عبد الله جعفر بن محمد وعلي بن حسين: [وَالشَّمْسُ تَجْرِي لَا مُسْتَقَرَّ لَهَا]، بنصب الراء.
قال أبو الفتح: ظاهر هذا الموضع ظاهر العموم، ومعناه معنى الخصوص؛ وذلك أن "لا" هذه النافية الناصبة للنكرة لا تدخل إلا نفيا عاما؛ وذلك أنها جواب سؤال عام، فقولك: لا رجل عندك. جواب هل من رجل عندك؟ فكما أن قولك: هل من رجل عندك، سؤال عام، أي: هل عندك قليل أو كثير من الجنس الذي يقال لواحده رجل؟ فكذلك ظاهر قوله: [لِا مُسْتَقَرَّ لَهَا] نفي أن تستقر أبدا، ونحن نعلم أن السموات إذا زُلْنَ بطل سير الشمس أصلا، فاستقرت مما كانت عليه من السير. ونعوذ بالله أن نقول: إن حركتها دائمة كما يذهب مُحَبَّنُو الملحدة، فهذا إذًا -في لفظ العموم بمعنى الخصوص- بمنزلة قوله:
أَبْكِي لفَقْدِكَ ما ناحَتْ مُطوَّقةً ... وما سما فَنَنٌ يومًا عَلَى ساقِ
ونحن نعلم أن أقصى الأعمار الآن إنما هو مائة سنة ونحوُها، أي: لو عشت أبدا بكيتك. فكذلك [لِا مُسْتَقَرَّ لَهَا] ما دامت السموات على ما هي عليه. وقد تقدم ذكرنا باب المجاز في كتابنا الخصائص، وأنه أضعاف الحقيقة قولا واحدا). [المحتسب: 2/212]

قوله تعالى: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (والقمر قدّرناه منازل (39)
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو (والقمر قدّرناه) بالرفع.
وقرأ الباقون (والقمر). نصبًا.
قال أبو منصور: من نصب فالمعنى: وقدّرناه القمر منازل.
ومن رفع فعلى معنى: وآية لهم القمر قدّرناه.
ويجوز أن يكون مرفوعًا على الابتداء، و(قدّرناه) خبرًا). [معاني القراءات وعللها: 2/307]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (7- وقوله تعالى: {والقمر قدرناه منازل} [39].
قرأ أهل الكوفة وابن عامر: {والقمر} نصبًا بإضمار فعل يفسره ما بعده أي: قدرنا القمر قدرناه.
والباقون يرفعون: {والقمر} فمن رفع جعله ابتداء و{قدرناه} خبره، والهاء مفعول. قال الشاعر:
والذئب أخشاه إن مررت به = وحدي وأخشي الرياح والمطرا
ومثل «القمر» حين يهل ثم يعظم ويستدير ثم ينقص ويدق بالعرجون وهو اليابس من الشماريخ.
وقال الفراء: العرجون: ما بين الشماريخ إلى النابت في النخلة
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/232]
والقديم ها هنا الذي قد أتي عليه سنة، وأما قول الشاعر:
لو يدب الحولي من ولد الذ = ر عليها لاندبتها الكوم
فإن ثعلبًا قال: الحولي ها هنا: ما أتي عليه يوم واحد؛ لأن الذر لا يعيش سنة، والعرب تشبه انتقاص المرء بعد كبره بزيادة القمر ونقصانه. وكذلك إذا ولد؛ لن القمر يهل صغيرًا ثم يعظم ثم ينقص، كذلك يكون الرجل طفلاً، ثم شرخًا، ثم يستوي شبابه، ثم يشيخ، ثم ينقص، قال الشاعر:
مهما يكن ريب المنون فإنني = أري قمر الدنيا المعذب كالفتي
يهل صغيرًا ثم يعظم ضوؤه = وصورته حتى إذا ما هو انتهي
يقارب يخبو ضوؤه وشعاعه = ويمصح حتى يستسر فلا يرى
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/233]
كذلك زيد المرء ثم انتقاصة = وتكراره في أمره بعد ما انقضي
قال الله تعالى وهو أصدق قيلاً: {الله الذي خلقكم م ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفًا وشيبة} ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/234]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في نصب الرّاء ورفعها من قوله سبحانه: والقمر قدرناه [يس/ 39] فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: والقمر* رفعا.
وقرأ الباقون: والقمر نصبا.
قال أبو علي: الرّفع على قوله وآية لهم القمر قدّرناه منازل، مثل قوله: وآية لهم الليل نسلخ منه النهار [يس/ 37] وكأن التقدير:
وآية لهم اللّيل نسلخ منه النهار، وآية لهم القمر قدّرناه منازل، فهو
[الحجة للقراء السبعة: 6/39]
على هذا أشبه بالجمل التي قبلها. والقول في آية* أنّها ترتفع بالابتداء، ولهم صفة للنكرة، والخبر مضمر تقديره: وآية لهم في المشاهد أو في الوجود، وقوله: الليل نسلخ منه النهار، والقمر قدرناه منازل: تفسير للآية، كما أنّ قوله: لهم مغفرة [المائدة/ 9] تفسير للوعد وللذكر مثل حظ الانثيين [النساء/ 11] تفسير للوصية، ومن نصب فقد حمله سيبويه على: زيدا ضربته، قال: وهو عربي، ويجوز في نصبه وجه آخر، وهو أن تحمله على نسلخ الذي هو خبر المبتدأ على ما أجازه سيبويه من قولهم: زيد ضربته وعمرو أكرمته [وعمرا أكرمته] على أن تحمله مرة على الابتداء، ومرة على الخبر الذي هو جملة من فعل وفاعل، وهي تجري من قوله سبحانه: والشمس تجري لمستقر لها [يس/ 38] والقمر قدرناه [يس/ 39] ). [الحجة للقراء السبعة: 6/40]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({والقمر قدرناه منازل}
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو و(القمر قدرناه) بالرّفع وقرأ الباقون بالنّصب والنّصب على وقدرنا القمر قدرناه قال سيبويهٍ كما تقول زيدا ضربته تضمر ضربت وإنّما جاز ذلك لأنّك قد أظهرت الضّرب بعد زيد فجاز لك أن تضمره قبل زيد والرّفع على قوله وآية لهم القمر قدرناه مثل قوله و{وآية لهم اللّيل نسلخ منه النّهار} ويجوز أن يكون على الابتداء و{قدرناه} الخبر). [حجة القراءات: 599]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (9- قوله: {والقمر قدرناه} قرأه الكوفيون وابن عامر بالنصب، وقرأ الباقون بالرفع.
وحجة من نصب أنه نصبه على إضمار فعل تفسيره {قدرناه}، تقديره: وقدرنا القمر قدرناه منازل، أي ذا منازل، وقيل: معناه قدرناه منازل، ويجوز أن يكون جاز النصب فيه ليحمل على ما قبله مما عمل فيه الفعل، وهو قوله: {نسلخ منه النهار} «37» فعطف على ما عمل فيه الفعل، فأضمر فعلا يعمل في {القمر} ليعطف فيه الفعل على ما عمل فيه الفعل.
10- وحجة من رفع، وهو الاختيار؛ لأن عليه أهل الحرمين وأبا عمرو أنه قطعه مما قبله، وجعله مستأنفًا، فرفعه بالابتداء، و{قدرناه} الخبر، ويجوز أن يكون رفعه على العطف على قوله: {وآية لهم} «41»، فعطف جملة على جملة، والآية في قوله: {وآية لهم} رفعٌ بالابتداء، و{لهم} صفة لـ «الآية»، والخبر محذوف، تقديره: وآية لهم في المشاهدة، أو في الوجود، وقوله: {الأرض الميتة} «33» و{الليل نسلخ منه النهار} «37» و{القمر قدرناه} كله تفسير للآية، جارٍ على ما يجب له من الإعراب، فهو مثل قوله: {وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات} «المائدة 9» ثم قال مفسرًا للوعد ما هو، فقال: {لهم مغفرة وأجرٌ عظيم}، ومثله: {للذكر مثل حظ الأنثيين} «النساء 11» وهو تفسير للوصية في قوله: {يوصيكم
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/216]
الله في أولادكم}، ثم فسر ما الوصية فقال: {للذكر مثل حظ الأنثيين} وما بعده). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/217]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (10- {وَالْقَمَرُ قَدَّرْنَاهُ} [آية/ 39] بالرفع:
قرأها ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب ح- و-ان-.
والوجه أن قوله {وَالْقَمَرُ} رفعٌ بالابتداء، وقوله {قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ} خبره، والجملة في تفسير الآية في قوله {وَآَيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ}؛ فكأنه قال: وآيةٌ لهم الشمس تجري وآيةٌ لهم القمر قدرناه، كما أن قوله تعالى {لَهُمْ مَغْفِرَةٌ} تفسير الوعد، وقد سبق مثله.
وقرأ ابن عامر والكوفيون ويعقوب يس- {وَالْقَمَرَ} بالنصب.
[الموضح: 1073]
والوجه أن انتصابه إنما هو بفعل مضمر يفسره الذي بعده، والتقدير: وقدرنا القمر، ثم فسر الفعل المضمر فقال {قَدَّرْنَاهُ} ). [الموضح: 1074]

قوله تعالى: {لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)}
قوله تعالى: {وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (41)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (أنّا حملنا ذرّيّتهم (41)
قرأ ابن عامر ونافع (أنّا حملنا ذرّيّاتهم) جماعة.
وقرأ الباقون (ذرّيّتهم) واحدة.
قال أبو إسحاق: خوطب بهذا أهل مكة.
وقيل: (حملنا ذرّيّتهم) لأن من حمل مع نوح في الفلك فهم آباؤهم، وهم ذرياتهم.
[معاني القراءات وعللها: 2/307]
والذرية في كلام العرب تقع على الآباء والأبناء والنساء.
وقول عمر: حجوا بالذرية، أراد بها: النساء - ها هنا -.
ورأى النبي - صلى الله عليه - امرأة مقتولة في بعض مفازاته، فنهى عن قتل الذرية.
وقول الله - عزّ وجلّ - (ألحقنا بهم ذرّيّتهم)، أي: أولادهم.
وقيل الذرّية مأخوذ من قولك: ذرأ اللّه الخلق يذرؤهم، أي: خلقهم.
قال اللّه: (ولقد ذرأنا لجهنّم كثيرًا)، وهذا على قول من جعل
أصل الذريّة مهموزا فيترك فيه الهمز.
وفهم من جعلنا أصله من ذررت، من باب المضاعف.
وقد مرّ تفسيره فيما تقدم). [معاني القراءات وعللها: 2/308]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (15- وقوله تعالى: {أنا حملنا ذريتهم} [41].
قرأ نافع وابن عامر: {ذرياتهم} على الجماع إذ كان في المصحف مكتوبًا بالألف.
وقرأ الباقون بالتوحيد: {ذريتهم} وكذلك في مصاحفهم، وإنما كسرت التاء في جمع؛ لأنها غير أصيلة، وذريته تكفي من الذريات كما قال: {ذرية بعضها من بعض} ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/239]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الجمع والتوحيد من قوله: أنا حملنا ذريتهم في الفلك [يس/ 41] فقرأ نافع وابن عامر: ذرياتهم* جماعا، وقرأ الباقون: ذريتهم واحدة.
الذّرّيّة: تكون جمعا وتكون واحدا، فالواحد قوله: هب لي من لدنك ذرية [آل عمران/ 38] فهذا بمنزلة هب لي من لدنك وليا يرثني [مريم/ 5 - 6]. والجماعة يدلّ عليها قوله: ذرية ضعافا [النساء/ 9] فمن جمع فكما جمع أسماء الجمع، ومن لم يجمع ما كان جمعا في المعنى فكما تفرد أسماء الجمع ولا تجمع). [الحجة للقراء السبعة: 6/46]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وآية لهم أنا حملنا ذرّيتهم في الفلك المشحون}
[حجة القراءات: 599]
قرأ نافع وابن عامر (وآية لهم أنا حملنا ذرياتهم) على الجمع وحجتهم أنّها مكتوبة في مصاحفهم بالألف
وقرأ الباقون {ذرّيتهم} على التّوحيد وحجتهم أن الذّرّيّة تكون جمعا وتكون واحدًا فالواحد قوله {هب لي من لدنك ذرّيّة} والجمع قوله {ذرّيّة ضعافا} ). [حجة القراءات: 600]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (11- قوله: {حملنا ذريتهم} قرأ نافع وابن عامر بالجمع، لكثرة ذرية من حمل في الفلك، وقرأ الباقون بالتوحيد، لأنه يدل على الجمع، كما قال: {ذرية من حملنا مع نوح} «الإسراء 3» وقد تقدمت علة هذا، والجمع أحب إلي لأنه أدل على المعنى). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/217]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (11- {ذُرِّيَّاتِهِمْ} [آية/ 41] بالجمع:
قرأها نافع وابن عامر ويعقوب.
وقرأ الباقون {ذُرِّيَّتَهُمْ} على الوحدة.
والوجه فيهما قد تقدم في سورتي الفرقان والأعراف). [الموضح: 1074]

قوله تعالى: {وَخَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ (42)}
قوله تعالى: {وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنقَذُونَ (43) }
قوله تعالى: {إِلَّا رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (44)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 18 صفر 1440هـ/28-10-2018م 02:50 PM

تفسير سورة يس
[ من الآية (45) إلى الآية (50) ]

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (45) وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (46) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاء اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (47) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (48) مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (49) فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (50)}


قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (45)}
قوله تعالى: {وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (46)}
قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاء اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (47)}
قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (48)}
قوله تعالى: {مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (49)}

قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وهم يخصّمون (49)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو والأعشى عن أبي بكر عن عاصم، (يخصّمون) بفتح الياء والخاء وتشديد الصاد، وأبو عمرو يختلس فتحة الخاء.
وقرا نافع (يخصّمون) ساكنة الخاء مشددة الصاد مفتوحة الياء.
وقرأ حمزة (يخصمون) بفتح الياء، ساكنة الخاء، خفيفة الصاد.
وقرأ يحيى عن أبي بكر عن عاصم (يخصّمون) بكسر الياء والخاء.
[معاني القراءات وعللها: 2/308]
قال أبو منصور: من قرأ (يخصّمون) بفتح الياء والخاء وتشديد الصاد فالأصل: يختصمون، فطرحت فتحة التاء على الخاء، وأدغمت في الصاد.
ومن كسر الخاء فلسكونها وسكون الصاد.
ومن قرأ (يخصمون) فالمعنى: تأخذهم، بعضهم يخصم بعضا.
وجائز أن يكون المعنى: تأخذهم وهم عند أنفسهم (يخصمون) في الحجج مخالفتهم في أنهم لا يبعثون، فتأخذهم الصيحة على هذه الحالة.
وأما من قرأ (يخصّمون) بسكون الخاء وتشديد الصاد فهو شاذ؛ لأن فيه جمعًا بين ساكنين، وهو مع شذوذه لغة لا تنكرها، والأصل فيه: يختصمون، أيضًا). [معاني القراءات وعللها: 2/309]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (8- وقوله تعالى: {وهم يخصمون} [49]
قرأ حمزة وحده: {يخصمون} مخففًا مثل يضربون.
وقرأ ابن كثير: {يخصمون} بفتح الياء والخاء وتشديد الصاد.
وقرأ نافع وأبو عمرو كذلك، غير أن أبا عمرو يختلس الحركة، ونافع يسكن الخاء، واختلف عن عاصم فروى عنه: {يخصمون} بفتح الياء وكسر الخاء، وروي عنه بكسرهما، وقد ذكرت علل ذلك عند {أمن لا يهدي} ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/234]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله عزّ وجلّ: يخصمون [يس/ 49].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: يخصمون بفتح الياء والخاء غير أنّ أبا عمرو كان يختلس حركة الخاء قريبا من قول نافع. وقرأ عاصم والكسائي وابن عامر: يخصمون بفتح الياء وكسر الخاء، وهذه رواية خلف وغيره عن يحيى عن أبي بكر، وقرأ نافع: يخصمون ساكنة الخاء مشددة الصاد، وورش يخصمون: بفتح الياء والخاء مشددة الصاد، وقرأ حمزة: يخصمون ساكنة الخاء خفيفة الصاد.
حدّثني أحمد بن محمد بن صدقة، قال: حدّثنا أحمد بن جبير، قال
[الحجة للقراء السبعة: 6/41]
حدّثني أبو بكر عن عاصم أنه قرأ: يخصمون بكسر الياء والخاء ويهدي* [يونس/ 35] بكسر الياء والهاء.
من قرأ يخصمون حذف الحركة من الحرف المدغم، وألقاها على الساكن الذي قبلها، وهذا أحسن الوجوه بدلالة قولهم: ردّ، وفرّ، وعضّ، فألقوا حركة العين على الساكن.
ومن قال يخصمون حذف الحركة إلّا أنّه لم يلقها على الساكن كما ألقاها الأوّل، وجعله بمنزلة قولهم: لمسنا السماء فوجدناها [الجن/ 8] حذف الكسرة من العين، ولم يلقها على الحرف الذي قبلها، فلمّا لم يلقها على ما قبلها التقى ساكنان، فحرّك الحرف الّذي قبل المدغم.
ومن قال: يخصمون جمع بين الساكنين الخاء والحرف المدغم.
ومن زعم أنّ ذلك ليس في طاقة اللّسان ادّعى ما يعلم فساده بغير استدلال، فأمّا من قرأ يخصمون فتقديره: يخصم بعضهم بعضا، فحذف المضاف، وحذف المفعول به كثير في التنزيل وغيره. ويجوز أن يكون المعنى: يخصمون مجادلهم عند أنفسهم، فحذف المفعول به، ومعنى يخصمون: يغلبون في الخصام خصومهم. فأمّا يخصمون فعلى قول من قال: أنت تخصم تريد: تختصم، فحذف الحركة وحرّك الخاء لالتقاء الساكنين، لأنّه لم يلق الحركة المفتوحة
[الحجة للقراء السبعة: 6/42]
على الفاء، وكسر الياء الّتي للمضارعة ليتبعها كسرة الخاء، كما قالوا: أجوءك، وأنبؤك، وهو منحدر من الجبل.
وقالوا في هذا الباب: مردفين [الأنفال/ 9]، فأتبعوا حركة الراء حركة الميم فضمّوها، وهذا ينبغي أن يكون على من قال: ردّ فحذف الحركة ولم يلقها على ما قبلها، وهذه اللّغة رواها سيبويه عن الخليل وهارون، فإن قلت: إنّ الهاء لا تكسر كما تكسر الحروف الأخر التي للمضارعة، ألا ترى أن من قال نعلم لم يقل يعلم، قيل: إن هذه الياء قد كسرت في مواضع: فمن ذلك أن سيبويه حكى هو يئبى فكسر الياء، وقالوا: هو ييجل. فصيروها من قولهم يوجل للياء فكذلك قولهم يخصمون وعلى هذا قوله: تكتّبان في الطّريق لام الف فهذا من الحركات التي للإتباع). [الحجة للقراء السبعة: 6/43]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ما ينظرون إلّا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون}
قرأ نافع {وهم يخصمون} بسكون الخاء وتشديد الصّاد الأصل يختصمون ثمّ أدغمت التّاء في الصّاد فبقيت {يخصمون}
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وورش {يخصمون} بفتح الخاء والأصل يختصمون وطرحت فتحة التّاء على الخاء وأدغمت التّاء في الصّاد هذا أحسن الوجوه بدلالة قولهم رد وفر وعض
وقرأ ابن عامر وعاصم والكسائيّ {يخصمون} بكسر الخاء الأصل يختصمون ثمّ حذفوا الحركة وكسروا الخاء لسكونها وسكان الصّاد
قرأ حمزة {يخصمون} بسكون الخاء وتخفيف الصّاد قال الزّجاج ومعناها تأخذهم ويخصم بعضهم بعضًا فحذف المضاف
[حجة القراءات: 600]
وحذف المفعول به ويجوز أن يكون يخصمون مجادلهم عند أنفسهم فحذف المفعول به ومعنى يخصمون يغلبون في الخصام خصومهم قال ويجوز أن يكون تأخذهم وهم عند أنفسهم يخصمون في الحجّة في أنهم لا يبعثون فتأخذهم الصّيحة وهم متشاغلون في متصرفاتهم). [حجة القراءات: 601]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (12- قوله: {يخصمون} قرأه حمزة بإسكان الخاء مخففًا، وقرأ قالون بإخفاء حركة الخاء، والتشديد، ومثله أبو عمرو، وقد قيل عن أبي عمرو إنه اختلس حركة الخاء، وقرأ ورش وهشام وابن كثير بفتح الخاء والتشديد، وقرأ الكسائي وعاصم وابن ذكوان بكسر الخاء والتشديد.
وحجة من أسكن الخاء وخفف أنه بناه على وزن «يفعلون» مستقبل «خصم يخصم» فهو يتعدى إلى مفعول مضمر محذوف، لدلالة الكلام عليه، تقديره: يخصم بعضهم بعضا، بدلال ما حكى الله جل ذكره عنهم من مخاصمة بعضهم بعضًا في غير هذا الموضع، فحذف المضاف، وهو بعض الأول، وقام الضمير المحذوف مقام بعض في الإعراب، فصار ضميرًا مرفوعًا، فاستتر في الفعل؛ لأن المضمر المرفوع لا ينفصل بعد الفعل، لا تقول: اختصم هم، ولا: قام أنت، والضمير فاعل، ويجوز أن يكون التقدير: يخصمون مجادلهم عند أنفسهم، وفي ظنهم، ثم حذف المفعول.
13- وحجة من اختلس حركة الخاء وأخفاها أن أصله «يفعلون»،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/217]
فالخاء ساكنة، فلما كانت ساكنة في الأصل في {يختصمون} وأدغمت التاء في الصاد لم يكن أن يجتمع ساكنان: المشدد والخاء، فأعطاهما حركة مختلسة، أو مخفاة، ليدل بذلك أن أصل الخاء السكون، فيدل على أصلها أنه السكون بعض الحركة فيها، لأن الحركة المختلسة والمخفاة حركة ناقصة.
14- وحجة من فتح الخاء وشدد، وهو الاختيار؛ لأنه الأصل، أنه بناه على «يفتعلون» أي يختصمون، فحاول إدغام التاء في الصاد لقربها منها، فألقى حركة التاء على الخاء، وأدغم التاء في الصاد لقربها منها، ولأنه ينقل التاء بالإدغام إلى حرف هو أقوى منها، وهو الصاد، فذلك حسن قوي، فوقع التشديد لذلك.
15- وحجة من كسر الخاء أنه لما أدغم التاء في الصاد لما ذكرنا من قرب المخرجين، اجتمع ساكنان، الخاء والمشدد، فكسر الخاء لالتقاء الساكنين، ولم يلق حركة التاء على الخاء، كما قالوا: مسَّنا السماء، فحذفوا السين الأولى، لالتقاء الساكنين، بعد إسكانها للتخفيف، ولم يلقوا حركتها على الميم، وقد روي عن أبي عمرو أنه أسكن الخاء، وهو بعيد، لم أقرأ به، وروي عن أبي بكر أنه كسر الياء على الإتباع لكسرة الخاء، وعلته كالعلة في كسر الياء في «يهدي»، وقد ذكرنا ذلك في ونس وقد تقدم ذكر «الميتة، ومن ثمرة، ومن مرقدنا، وفيكون، ومكانتكم، وأفلا تعقلون» وذكرنا إمالة «مشارب» ونحوه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/218]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (12- {يَخَصِّمُونَ} [آية/ 49] بفتح الياء والخاء وتشديد الصاد:
قرأها ابن كثير ونافع ش-.
والوجه أن أصله: يختصمون، فأُلقي فتحة التاء على الساكن الذي قبلها، وهو الخاء، ثم أُدغمت التاء الساكنة في الصاد، فبقي: {يَخَصِّمُونَ} بفتح الياء والخاء وتشديد الصاد.
وقرأ يل- و-ن- عن نافع {يَخْصِّمُونَ} بسكون الخاء وتشديد الصاد، وكذلك أبو عمرو إلا أنه يختلس حركة الخاء قليلًا.
والوجه أن أصله يختصمون على ما سبق، فحذف حركة التاء حذفًا ولم يلقها على الساكن الذي قبله، فالتقى ساكنان الخاء والتاء المدغم في الصاد.
وأنكر بعضهم ذلك لما فيه من التقاء الساكنين وليس بمنكر؛ لأن الساكن
[الموضح: 1074]
الثاني مدغم في حرف آخر، والحرفان اللذان أُدغم أحدهما في الآخر يرتفع اللسان عنهما ارتفاعةً واحدةً، فيصيران كحرفٍ واحدٍ متحركٍ، وكأنه لم يلتقِ ههنا ساكنان.
وقرأ ابن عامر وعاصم والكسائي ويعقوب {يَخِصِّمُونَ} بفتح الياء وكسر الخاء وتشديد الصاد.
والوجه أن الأصل على ما تقدم: يختصمون، إلا أن الحركة حُذفت من التاء ولم تُلق على الساكن الذي قبله، فالتقى ساكنان فحُرِّك الأول منهما وهو الخاء بالكسر لالتقاء الساكنين فبقي: {يَخِصِّمُونَ}.
وقرأ حمزة {يَخْصِمُونَ} بفتح الياء وإسكان الخاء وتخفيف الصاد.
والوجه أنه يفعلون من خصم يخصم، والمعنى: يخصمون من جادلهم أو يخصم بعضهم بعضًا.
وروى ياش- عن عاصم {يِخِصِّمُونَ} بكسر الياء والخاء، والصاد مشددة.
والوجه أنه كقراءة ابن عامر والكسائي {يَخِصِّمُونَ} بكسر الخاء وتشديد الصاد، إلا أنه أُتبع الياء حركة الخاء المكسورة، فبقي: {يِخِصِّمُونَ} بكسر الياء والخاء). [الموضح: 1075]

قوله تعالى: {فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (50)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 18 صفر 1440هـ/28-10-2018م 02:52 PM

تفسير سورة يس
[ من الآية (51) إلى الآية (54) ]

{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ (51) قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52) إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ (53) فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (54)}

قوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ (51)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة قتادة: [وَنُفِحَ فِي الصُّوَر].
قال أبو الفتح: قد سبق القول على ذلك فيما مضى بشواهده). [المحتسب: 2/212]

قوله تعالى: {قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة علي بن أبي طالب عليه السلام: [مِنْ بَعْثِنَا].
قال أبو الفتح: أي: يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا، كقولك: يا ويلي مِن أخْذِكَ مني مالي، فـ [مِنْ] الأولى متعلقة بالويل، كقولك: يا تَأَلُّمِي منك.
وإن شئت كانت حالا من [وَيْلَنَا]؛ فتعلقت بمحذوف، حتى كأنه قال: يا ويلنا كائنا من بَعْثِنا. وجاز أن يكون حالا منه، كما يجوز أن يكون خبرا عنه، كقول الأعشى:
وَيْلِي عَلَيْكَ وَوَيْلِي مِنكَ يا رَجُل
وذلك أن الحال ضرب من الخبر.
وأما "من" في قوله تعالى: {مِنْ مَرْقَدِنَا} فإنها متعلقة بنفس البعث، كقولك: سرني بعثك من بلدك إليّ). [المحتسب: 2/213]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن أبي ليلى: [يَا وَيْلَتَا]، بزيادة تاء.
قال أبو الفتح: هو تأنيث الويل، فويلة كقولة، ومثله: {يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ}، وأصلها: يا ويلتي، فأبدلت الياء ألفا؛ لأنه نداء، فهو في موضع تخفيف، فتارة تحذف هذه الياء كقولك: يا غلامِ، وأخرى بالبدل كقولك: يا غلامَا. قال:
يا أبَتَا عَلّك أو عساكا
قإن قلت: فكيف قال: [يَا وَيْلَتَا]، وهذا لفظ الواحد وهم جماعة، ألا ترى أن
[المحتسب: 2/213]
بعده {مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} ؟ قيل: يكون على أن كل واحد منهم قال: [يَا وَيْلَتَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا]، كما يقول الرجل: صبرا على ما حكم الله به علينا، ورضيت بما قسم الله لنا، ونحوٌ منه قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً}، أي: اجلدوا كل واحد منهم. ومثله ما حكاه أبو زيد من قولهم: أتينا الأمير فكسانا كلنا حلّة، وأعطانا كلنا مائة، أي: كسا كل واحد منا حلة، وأعطى كل واحد منا مائة). [المحتسب: 2/214]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أبي بن كعب: [منْ هَبَّنَا مِنْ مَرْقَدِنَا]، يعني أصحاب القبور.
قال أبو الفتح: قد أثبت أبو حاتم عن ابن مسعود: [مَنْ أهَبَّنَا]، بالهمزة. وهي أقيس القراءتين. يقال: هَبَّ من نومه، أي: انتبه وأَهْبَبْتُهُ أنا، أي: أنبهته. قال:
أَلَا أَيُّها النُّوَامُ وَيْحَكُمُ هُبُّوا ... أُسَائِلُكُمْ: هَلْ يَقْتُلُ الرَّجُلَ الحُبُّ
فأما [هبَنَّي] أي: أيقظني فلم أر لها في اللغة أصلا، ولعلها لغة قليلة، ولا مَرَّ بنا مَهْبُوب، بمعنى مُوقَظ. وهي -مع حسن الظن بِأُبَيّ- مقبولة. وقد أثبتها أبو حاتم أيضا، اللهم إلا أن يكون حرف الجر معها محذوفا، أي: وهب بنا، بمعنى أيقظنا، ثم حُذف حرف الجر، فوصل الفعل بنفسه. وليس المعنى على من هَبَّ فَهَبَبْنَا معه كقولك: انتبَهَ وأَنْبَهَنا معه، وإنما معناه من أيقظنا. ألا ترى إلى قول الله سبحانه {ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِم} ليس معناه تعالى أنه ذهب وذهب بنورهم معه؟ هذا مدفوع عن الله تعالى، وإنما معناه: أَذْهَبَ نُورَهُمْ، فذَهَبَ بِهِ كأَذْهَبَهُ، أي أزاله وأنفده، فاعرف ذلك). [المحتسب: 2/214]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (13- {مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنا هَذَا} [آية/ 52]:
وقف عليه ص- عن عاصم وقفة خفيفةً، وهو مع هذا يصل.
[الموضح: 1075]
والوجه أنه إنما يقف عليه وقفةً خفيفةً؛ لأنه يريد أن يُظهر أن قوله {هذا} ليس بصفةٍ لمرقدنا، بل هو من الكلام الذي بعده، وهو قوله {مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ}، فهو مبتدأ، و{مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ} خبره، والمعنى: هذا هو الذي وعد الرحمن، فوقف على {مَرْقَدِنَا} وُقيفةً أظهر بها انفصال ما بعده عنه، ولم يقف عليه وقفةً يسكت فيها لما ذكرنا.
وقرأ الباقون {مَرْقَدِنَا هذا} بغير وقفةٍ على {مَرْقَدِنَا}.
والوجه أن قوله {هذا} صفةٌ لمرقدنا، والمعنى: مَنْ بعثنا مِنْ هذا المرقد، ثم أبدل من قوله {مَنْ} المُستفهَم بها، فقال {مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ}، كأنه قال: الذي وعد الرحمن بعثنا من مرقدنا.
ويجوز ان يكون على استئناف كلام مبتدأ به، والتقدير: هو ما وعد الرحمن، أي الذي بعثنا من مرقدنا الذي وعد الرحمن.
و {ما} في كلتا القراءتين موصولةً بمعنى الذي، والتقدير: وَعَدَهُ.
ويجوز أن تكون مصدريةً، والتقدير: وَعْدُ الرحمن). [الموضح: 1076]


قوله تعالى: {إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ (53)}
قوله تعالى: {فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (54)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 18 صفر 1440هـ/28-10-2018م 02:53 PM

تفسير سورة يس
[ من الآية (55) إلى الآية (58) ]

{إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55) هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِؤُونَ (56) لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُم مَّا يَدَّعُونَ (57) سَلَامٌ قَوْلًا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ (58)}


قوله تعالى: {إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (في شغلٍ فاكهون (55)
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو (في شغلٍ) ساكنة الغين.
وقرأ الباقون (في شغلٍ) بضمتين.
قال أبو منصور: همما لغتان، مثل: عمر، وعمر. وعذر، وعذر.
واجتمع القراء على (فاكهون) بالألف ها هنا: وقال المفسرون: فاكهون: ناعمون.
وقال الفراء: الفاكهة من التفكه.
وقيل: فاكهون ذوو فاكهة.
وقرأ بعضهم (فكهون) وهو شاذ.
والفكه: الطيّب النفس الضحوك). [معاني القراءات وعللها: 2/309]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (9- وقوله تعالى: {في شغل فاكهون} [55].
قرأ أهل الكوفة وابن عامر: {شغل} بضمتين مثل الرعب، والسحت.
وقرأ الباقون: {شغل} ساكنًا، فيكونان لغتين ويجوز أن يكون الشغل مخففا من شغل، ويقال: المشغل والشغل بمعنى الشغل، وينشد.
ما كان حبسي عنك إلا شغلا
وقال المفسرون: في قوله تعالى: {إن أصحاب الجنة اليوم في شغل} قيل: افتضاض الأبكار، وقيل: استماع الألحان، {فاكهون}، أي: قد
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/234]
كثرة ذلك عندهم، وأنشد:
أغرزتني وزعمت أنـ = ـنك لابن في الصيف تامر
أي: كثير اللبن وكثير التمر.
حدثنا أبو عبيد أخو المحاملي قال: حدثنا محمد بن عبد الله مولى بني هاشم قال: حدثنا أبو سفيان الحميري قال: سمعت أبا هريرة يقرأ: {إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون} بفتحتين). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/235]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({إن أصحاب الجنّة اليوم في شغل فاكهون * هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون} 55 و56
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو {في شغل} ساكنة الغين استثقلوا الضمتين في كلمة واحدة فسكنوا الغين وقرأ الباقون {في شغل} بضمّتين على أصل الكلمة). [حجة القراءات: 601]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (16- قوله: {في شغل} قرأ الكوفيون وابن عامر بضم الغين، وأسكن الباقون وهما لغتان كالسُّحْت والسُّحُت). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/219]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (14- {فِي شُغْلٍ فَاكِهُونَ} [آية/ 55] بسكون الغين من {شُغْل}:
قرأها ابن كثير ونافع وأبو عمرو ان- عن يعقوب.
وقرأ الباقون {فِي شُغُلٍ} بضمتين.
[الموضح: 1076]
والوجه فيهما قد تقدم، وذكرنا جواز التخفيف في فُعُلٍ كطُنُبٍ وطُنْبٍ وعُنُقٍ وعُنْقٍ). [الموضح: 1077]

قوله تعالى: {هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِؤُونَ (56)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (في ظلالٍ على الأرائك (56)
[معاني القراءات وعللها: 2/309]
قرأ حمزة والكسائي (في ظللٍ).
وقرأ الباقون (في ظلالٍ).
قال أبو منصور: من قرأ (في ظللٍ) فهو جمع ظلّة مثل: حلّة، وحلل.
وقلّة، وقلل.
ومن قرأ (ظلالٍ) فهو جمع الظّلّ.
وكلٌّ حسن). [معاني القراءات وعللها: 2/310]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (10- وقوله تعالى: {في ظلال} [56].
قرأ حمزة والكسائي {ظلل} جمع ظلة، مثل قبلة وقبل، والظلة: السحاية، كما قال: {يوم الظلة}.
وقرأ الباقون: {في ظلال}جمع ظل، والظل ما نسخته الشمس، وهو ما كان من أول النهار، والفيء: ما كان بعد الزوال؛ لأنه ظل فاء من جانب إلى جانب، أنشدني ابن عرفة:
فلا الظل من رد الضحى تستطيعه = ولا الفيء من برد العشي تذوق
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/235]
والظل: الستر: يقال: أنا في ظلك أي: في سترك، وكذلك ظل الجنة، وظل الشجرة، ويقال في الدعاء: «اللهم ظللنا يوم لا ظل إلا ظلك». فظل الليل سواده، لنه يستر كل شيء. والعرب تقول: فلان خفيف الظل، أي: خفيف الروح مقبول كيس، وتقول العرب في شدة قصر الليل واليوم: هو «أقصر من ظل التلح» «وسالفة الذباب» والتلح؛ لا ظل له. وسالفه العنق: صفحتاه، والسالفة لا تكون للذباب، و«هو أقصر من إبهام القطاة»؛ لأن القطاة لا إبهام لها، وينشد:
ويوم كإبهام القطاة مزين = إلى صباه غالب لي باطلة). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/236]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: قرأ حمزة والكسائي في ظلل [يس/ 56] وقرأ الباقون في ظلال بكسر الظاء.
أمّا الظّلل فجمع ظلّة، كغرفة وغرف، وقربه وقرب، وجورة وجور، وفي التنزيل: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام [البقرة/ 210].
[الحجة للقراء السبعة: 6/43]
وأمّا ظلال فيحتمل أمرين: يجوز أن يكون جمع ظلة، كعلبة وعلاب، وجفرة وجفار، وبرمة وبرام، فيكون على هذا معنى القراءتين واحدا، ويجوز أن يكون ظلال جمع ظلل، وفي التنزيل: يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل [النحل/ 48] وقال:
تتبّع أفياء الظّلال عشيّة على طرق كأنّهنّ سبوب). [الحجة للقراء السبعة: 6/44]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : (وقرأ حمزة والكسائيّ (في ظلل على الأرائك) بغير ألف وضم الظّاء الظلل جمع ظله كما تقول حلّة وحلل وغرفة وغرف وقربة وقرب وحجتهما إجماع الجميع على قوله في {ظلل من الغمام} وقال {ظلل من النّار} فرد ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه أولى وقرأ الباقون {في ظلال} بالأف جمع ظلة مثل قلّة وقلال وحلة وحلال وحفرة وحفار فيكون على هذا معنى القراءتين واحدًا ويجوز أن تكون {ظلال} جمع ظلّ وحجتهم {يتفيأ ظلاله عن اليمين والشّمائل} ). [حجة القراءات: 601]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (17- قوله: {في ظلال} قرأ حمزة والكسائي بضم الظاء، من غير ألف على وزن «فعل» مثل «عُمر» وقرأ الباقون «ظلال» بكسر الظاء وبألف بعد اللام.
وحجة من ضم الظاء أنه جعله جمع «ظلة»، كغرفة وغرف ودليله إجماعهم على قوله: {في ظلل من الغمام} «البقرة 210».
18- وحجة من كسر الظاء أنه يحتمل أن يكون أيضًا جمع «ظلة» كبرمة وبرام، وعلبة وعلاب، فتكون القراءتان بمعنى، وهو الاختيار، لأن الأكثر عليه، ويجوز أن يكون جمع «ظلل» كما قال: {يتفيأ ظلاله} «النحل 48» جمع «ظل»). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/219]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (15- {فِي ظُلَلٍ} [آية/ 56] بضم الظاء من غير ألفٍ:
قرأها حمزة والكسائي.
والوجه أنه جمع ظُلّةٍ كغُرْفَةٍ وغُرَفٍ، قال الله تعالى {فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ}.
وقرأ الباقون {فِي ظِلَالٍ} بكسر الظاء، وبالألف.
والوجه أنه يجوز أن يكون جمع ظُلّةٍ كبُرمةٍ وبِرامٍ، ويجوز أن يكون جمع ظِلٍ كَلِصْبٍ ولِصابٍ وشِعْبٍ وشِعَابٍ وقِحْفٍ وقِحَافٍ، قال الله تعالى {يَتَفَيَّؤُا ظِلَالُهُ} ). [الموضح: 1077]

قوله تعالى: {لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُم مَّا يَدَّعُونَ (57)}
قوله تعالى: {سَلَامٌ قَوْلًا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ (58)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة محمد بن كعب القُرَظيّ: [وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ * سِلْمٌ قَوْلًا].
[المحتسب: 2/214]
وقرأ عيسى الثقفي: [سَلامًا قَوْلًا] نصبا جميعا.
قال أبو الفتح: أما الرفع فعلى أوجه:
أحدها أن يكون مقطوعا مستأنفا، كأنه لما قال: {وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ} قال: [سِلْمٌ] أي: ذاك [سِلْمٌ]، أي: ثابت لا نزاع فيه ولا ضيم ولا اعتراض، بل هو سِلْمٌ لهم.
ووجه ثان: أن يكون على: ما يدعون سِلْمٌ لهم، أي: مسلَّمٌ لهم، فـ"لهم" على هذا متعلق بنفس [سِلْمٌ]، وليس بمصدر، بل هو بمعنى اسم الفاعل أو المفعول، وإنما على مُسَالِم لهم، أو على مسلَّم لهم. ولم يجز بمعنى المصدر؛ لأنه كان يكون في صلته، ومحال تقدم الصلة أو شيء منها على الموصول.
ووجه ثالث، وهو أن يكون: "لهم" خبرا عن: {ما يدعّون} و[سِلْم] بدل منه.
ووجه رابع، وهو أن يكون "لهم" خبرا عن {ما يدعّون} و[سِلْمٌ] خبر آخر، كقولنا: زيد جالس متحدث، كما جاز أن يكون بدلا من "لهم" فكذلك يجوز أن يكون خبرا معه آخر.
فإن قلت: فإذا كان لهم سلم لا حرب لهم فما فيه من الفائدة؟ قيل: قد يكون الشيء لك لكن على خلاج وبعد شواجر الخلاف، وذلك كالشيء المتناهَب، فقد يحصل لأحد الفريقين، لكن على أغراض من النزاع باقية فيه، ولم يَصْفُ صفاء ما لا تعلق للمتبِع به، فمعلوم أن هذه الثوابت لأربابها لا تتساوى أحوالها في انحسار الشُّبَه والزخارف عنها.
ونَصب "قولا" على المصدر، أي: قال الله ذلك قولا أو يقال ذلك قولا. ودل على الفعل المحذوف لفظ مصدره، وأن القرآن إنما هو أقوال متابِعة. وأما {سلامًا} بالنصب فحال مما قبله، أي: ذلك لهم مسلَّما، أو مُسالِما، أي: ذا سلام وسلامة. ونصب {قولا} على المصدر كما مضى). [المحتسب: 2/215]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 18 صفر 1440هـ/28-10-2018م 02:55 PM

تفسير سورة يس
[ من الآية (59) إلى الآية (67) ]

{وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59) أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (60) وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (63) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ (64) الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65) وَلَوْ نَشَاء لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (66) وَلَوْ نَشَاء لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ (67)}


قوله تعالى: {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59)}
قوله تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (60)}
قوله تعالى: {وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ (61)}

قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (11- وقوله تعالى: {وأن اعبدوني} [61].
قرأ حمزة وعاصم وأبو عمرو بكسر النون لالتقاء الساكنين.
وقرأ الباقون بالضم، وإنما ضموا كراهية أن يخرجوا من كسر إلى ضم، ولم يختلف القراء في إثبات الياء في: {وأن أعبدوني هذا} وصلاً ووقفًا؛ لأنه ثابت في المصحف. والصراط المستقيم: هو الدين المستقيم، والطريق الواضح والمنهاج البين. قال الشاعر هو جري-:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/236]
أمير المؤمنين على صراط = إذا اعوج الموارد مستقيم
وسئل ابن مسعود عن الصراط المستقيم فقال: يا ابن أخي أدن مني، تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأدناه، وطرفه في الجنة، وعن يمينة جواد، [و] عن يساره جواد عليها رجال يدعون من مر بهم: هلم إلى الطريق، فمن اخذ معهم وردوا به النار، ومن لزم الطريق الأعظم والمنهاج الواضح ورد به الجنة، هو كتاب الله.
وقال على بن أبي طالب رضي الله عنه: اليمين والشمال مضلة، والطريق عليها منهج كتاب الله، ومنها منفذ السنة وإليها مصير العاقبة. هوا اختيار المبرد فيما أجاز لي أبو العباس ابن رزين الكاتب عنه). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/237]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (عاصم وأبو عمرو وحمزة والكسائي: وأن اعبدوني [يس/ 61] بكسر النون، وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر والكسائي: وأن اعبدوني بضم النون. وكلهم قرأ بالياء وكذلك هي في كلّ المصاحف.
قال أبو علي: الضّم والكسر حسنان، وقد مضى القول في ذلك، وأمّا إثبات الياء، فإنّ الإثبات والحذف مذهبان، فإذا ثبت الياء في الخط أخذ به دون الآخر). [الحجة للقراء السبعة: 6/44]

قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (جبلًّا كثيرًا.. (62)
قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي الحضرمي (جبلًّا) بضمتين -
وقرأ أبو عمرو وابن عامر (جبلًّا) بضم الجيم وتسكين الباء.
وقرأ نافع وعاصم بكسر الجيم والباء وتشديد اللام (جبلًّا).
قال أبو منصور: من قرأ (جبلًّا) أو (جبلًّا) فالمعنى واحد.
روى أبو عبيد عن أصحابه: الجبل: الناس الكثيرة، والجبل قريب في المعنى من الجبل.
وأخبر المنذري عن أبي الهيثم أنه قال: الجبل، والجبلّ، والجبلة، والجبيل: الناس الأكثر.
ولم يقرأ أحدٌ (جبلًّا) ). [معاني القراءات وعللها: 2/310]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (12- وقوله تعالى: {ولقد أضل منكم جبلا كثيرًا} [62].
قرأ أبو عمرو وابن عامر: {جبلا} بضم الجيم وإسكان الباء، قال أبو ذؤيب:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/237]
منايا يقربن الحتوف لأهلها = جهازًا ويستمتعن بالأنس الجبل
وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي بضم الباء والجيم مخففًا.
وقرأ عاصم ونافع: {جبلا} بكسر الجيم، والباء، واللام مشددة كقوله: {والجبلة الأولين} أي: كخلقهم وطبعهم.
وقرأ عيسى بن عمر {جبلا} بضمتين، وتشديدين ومعناها كلها واحد، والجبل الخلق والخليقة، تقول العرب: قد عرفت نجر فلان ونجاره ونحاسه، ونحاسه، ونجيحه، وعريكته، وحريكته، وسليقته، وتوزه، وتوسه، ونفسه، ونقيلته، وطائه، وطابه، وحبله، وحبلته، وجبلته، وجبلته، وخبلته، وحله بمعنى واحد). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/238]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في التّخفيف والتّثقيل من قوله عزّ وجلّ: جبلا كثيرا [يس/ 62] فقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي: جبلا مضمومة الجيم، والباء، مخففة اللام، وقرأ أبو عمرو وابن عامر: جبلا بضم الجيم وتسكين الباء، وقرأ نافع وعاصم جبلا بكسر الجيم، والباء، مشدّدة اللّام.
[الحجة للقراء السبعة: 6/44]
قال أبو عبيدة: أضل منكم جبلا كثيرا مثقل وبعضهم لا يثقل، ويضمّ الحرف الأول، ويسكن الثاني، ومنهم من يضمّ الأول والثاني.
ولا يثقل، قال: ومعناهنّ: الخلق والجماعة. وقال التّوّزي: يقال جبلا وجبلا وجبلا وجبلا وجبلا. وحكى غير التوزي: جبلا، وقال هو جمع جبلّة). [الحجة للقراء السبعة: 6/45]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن وعبد الله بن عبيد بن عمير وابن أبي إسحاق والزهري والأعرج وحفص بن حميد: [جُبُلًّا]، بضم الجيم والباء، واللام مشددة.
وقرأ: [جِبْلًا]، مكسورة الجيم، ساكنة الباء الأشهب العقيلي.
قال أبو الفتح: قد تقدم ذكر هذا الحرف بما فيه). [المحتسب: 2/216]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ولقد أضلّ منكم جبلا كثيرا} 62
قرأ نافع وعاصم {جبلا كثيرا} وبكسر الجيم والباء والتّشديد
[حجة القراءات: 601]
وحجتهما إجماع الجميع على قوله تعالى {والجبلة الأوّلين}
وقرأ أبو عمرو وابن عامر {جبلا} بضم الجيم وسكون الباء استثقلا اجتماع الضمتين فأسكنا الباء طلبا للتّخفيف
قرأ ابن كثير وحمزة والكسائيّ جبلا بضمّتين وهو الأصل وذلك أنه جمع جبيلا وجبيل معدول عن مجبول مثل قتيل من مقتول وصريع من مصروع ثمّ جمع الجبيل جبلا كما يجمع السّبيل سبلا والطّريق طرقا قالوا ولا ضرورة تدعو إلى إسكان حرف مستحقّ للتحريك). [حجة القراءات: 602]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (19- قوله: {جبلًا} قرأ نافع وعاصم بكسر الجيم والباء، وتشديد اللام، وقرأ أبو عمرو وابن عامر بضم الجيم وإسكان الباء مخففًا، وكذلك قرأ الباقون غير أنهم ضموا الباء.
20- وحجة من قرأ بكسر الجيم والتشديد أنه جعله جمع «جبلة» وهي الخلق، جعله جمعًا بينه وبين واحده الهاء.
21- وحجة من قرأ بضمتين أنه جعله جمع «جبيل»، وهو الخلق أيضًا، كرغيف ورغف، وكذلك الحجة لمن أسكن الباء وضم الجيم، إلا أنه أسكن تخفيفًا، وأصل التاء الضم كرسول ورسل). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/219]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (16- {جُبْلًا} [آية/ 62] بضم الجيم وسكون الباء:
قرأها أبو عمرو وابن عامر.
[الموضح: 1077]
وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي {جُبُلًا} بضم الجيم والباء، وتخفيف اللام.
وقرأ نافع وعاصم {جِبِلًّا} بكسر الجيم والباء وتشديد اللام.
وروى ح- عن يعقوب {جُبُلًّا} بضم الجيم والباء مع تشديد اللام، وأنكره بعضهم.
وروى يس- و-ان- عن يعقوب بضم الباء مع تخفيف اللام كابن كثيرٍ.
والوجه أنها لغاتٌ: الجُبُلُ والجُبْلُ والجُبُلُّ والجِبِلُّ، ومعنى جميعها: الخَلْقُ، يقال: جَبَلَه الله إذا خلقه، فهو مجبولٌ، والمراد أضل منكم جماعةً من الناس). [الموضح: 1078]

قوله تعالى: {هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (63)}
قوله تعالى: {اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ (64)}
قوله تعالى: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65)}

قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة طلحة -رواه عبد الرحمن بن محمد بن طلحة عن أبيه عن جده: [نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَلِتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَلِتَشْهَدَ أَرْجُلُهُمْ].
قال أبو الفتح: الكلام محمول على محذوف، أي: نختم على أفواههم وَلِتُكَلِّمُنَا أيديهم ولتشهَدَ أرجلُهم بما كانوا يكسبون ما نختم على أفواههم، كقولك: أحسنت إليك ولشكرك ما أحسنت إليك، وأنلتك سؤالك ولمسألتك ما أنلتك سؤلك، كما قال:
أَحْبَبْتُها وَلِحَيْنِي كانَ حُبِّيها ... هَلْ أنتَ يا سعْدُ يومًا مَا مُلاقِيها؟
ومن ذهب إلى زيادة الواو نحو قول الله سبحانه: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} جاز أن يذهب إلى مثل ذلك في هذا الموضع، فكأنه اليوم نختم على أفواههم لِتُكَلِّمُنَا أيديهم. فأما الواو في قوله تعالى : [ولِتَشْهَدَ] فعطف على ما قبلها، وهو [لِتُكَلِّمَنَا]، وعلى أن زيادة الواو لا يعرفها البصريون، وإنما هو للكوفيين خاصة). [المحتسب: 2/216]

قوله تعالى: {وَلَوْ نَشَاء لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (66)}
قوله تعالى: {وَلَوْ نَشَاء لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ (67)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (لمسخناهم على مكانتهم (67)
قرأ عاصم في رواية أبي بكر (على مكاناتهم).
ووحّد الباقون.
[معاني القراءات وعللها: 2/310]
قال الأزهري: القراءة الفاشية (على مكانتهم)، والمكانة والمكان بمعنى
واحد، والمكانات: جمع المكانة). [معاني القراءات وعللها: 2/311]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (16- وقوله تعالى: {لمسخناهم على مكانتهم} [67].
قرأ عاصم في رواية أبي بكر: {مكانتهم} جماعًا.
وقرأ الباقون: {مكانتهم} بالتوحيد. وقد ذكرت علته في (هود) وإنما أعدت لأن محمدًا حدثني عن ثعلب عن سلمة عن الفراء قال: تقول العرب: مسخه الله قردًا، ونسخه قردًا بمعنى، وهذا الحرف نادر. فالمسخ بالفتح المصدر، والمسخ بالكسر الاسم مثل الذبح مصدر ذبحت ذبحًا، والذبح المذبوح، قال الله تعالى: {وفديناه بذبح عظيم} فأما كلام بلغ، وبلغ فمعناهما واحد، وهو البليغ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/240]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (وقرأ عاصم وحده في رواية أبي بكر: لمسخناهم على مكاناتهم [يس/ 67] جمعا جماعة، وحدّثني موسى بن إسحاق قال حدّثنا هارون بن حاتم قال: حدّثنا عبيد اللّه بن موسى عن شيبان عن عاصم مكانتهم واحدة، المفضل مثله. حفص عن عاصم واحدة أيضا، وكذلك قرأ الباقون على التوحيد أيضا مكانتهم.
من أفرد فلأنّه مصدر، والمصادر تفرد في موضع الجمع لأنّه يراد
[الحجة للقراء السبعة: 6/46]
به الكثرة، كما يراد ذلك في سائر أسماء الأجناس، ومن جمع فلأنّهم قد جمعوا من المصادر شيئا نحو: الحلوم، والألباب). [الحجة للقراء السبعة: 6/47]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم}
قرأ أبو بكر (على مكاناتهم) جماعة وقرأ الباقون {مكانتهم} واحدة
من أفرد فلإنه مصدر والمصادر تفرد في موضع الجمع لأنّه يراد به الكثير كما يراد في سائر أسماء الأجناس ومن جمع فلأنهم قد جمعوا
[حجة القراءات: 602]
من المصادر أيضا قالوا الحلوم والألباب). [حجة القراءات: 603]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (17- {عَلَى مَكَانَاتِهِمْ} [آية/ 67] على الجمع:
رواها ياش- عن عاصم.
وقرأ الباقون و-ص- عن عاصم {مَكَانَتِهِمْ} على الوحدة.
وقد تقدّم الكلام في ذلك في سورة الأنعام وغيرها). [الموضح: 1078]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 18 صفر 1440هـ/28-10-2018م 02:56 PM

تفسير سورة يس
[ من الآية (68) إلى الآية (70) ]

{وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ (68) وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ (69) لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (70)}


قوله تعالى: {وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ (68)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ننكّسه في الخلق (68)
قرأ عاصم وحمزة (ننكّسه) بضم النون الأولى، وفتح الثانية، وتشديد الكاف وكسرها.
وقرأ الباقون (ننكسه) بفتح النون الأولى، وتسكين الثانية، وضم الكاف خفيفة.
وقد روى التخفيف عن عاصم أيضًا، مثل قراءة أبي عمرو.
قال أبو منصور: من قرأ (ننكّسه) فهو من نكست أنكّسه، يقال: نكسته، ونكّسته، وأنكسته بمعنى واحد.
والمعنى: أن من أطلنا عمره نكسنا خلقه فصار بدل القوة الضعف، وبدل الشباب الهرم -
وأصله من: نكس السهم، إذا أنكس نصله، فجعل أسفله أعلاه، وهو حينئذ من أضعف السهام وأحرضها.
ويقال له: سهم نكس، وكل ضعيف نكس وجمعه: أنكاس). [معاني القراءات وعللها: 2/311]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (أفلا يعقلون (68)
[معاني القراءات وعللها: 2/311]
قرأ نافع وابن عامر ويعقوب (أفلا تعقلون) بالتاء.
وقرأ الباقون بالياء.
وقرأ عباس عن أبي عمرو بالتاء). [معاني القراءات وعللها: 2/312]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (13- وقوله تعالى: {ومن نعمره ننكسه} [68].
قرأ حمزة وعاصم في رواية أبي بكر: {ننكسه} مشددًا.
وقرأ الباقون: {ننكسه} مخففًا مثل نقتله، فقال قوم: هما لغتان نكست، ونكست مثل رددت، ورددت. غير أن رددت مرة بعد مرة للتكثير، ورددت، مرة واحدة والمصدر من المخفف الرد، ومن المشدد التردد والترداد والرديدي مثل الخليفي من الخلافة، والظليلي من الظلالة، قال عمر بن الخطاب: «لولا الخليفى لأحببت أن أؤذن»، وقال أبو عمرو بن العلاء:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/238]
نكست بالتشديد: أن ينكس الرجل من دابته، وينكسه: نرده إلى أرذل العمر. ففرق أبو عمرو بينهما. ويقال: نكس الرجل في مرضه أي: أثاب إلى العلة، وعاد إليها، وهو النكس. قال الشاعر:
كذي الضنا عاد إلى نكسه
وانكس مثل نكس، وقوله تعالى: {والله أركسهم بما كسبوا} أي: ردهم. والنكس: المعاد المردد. ونهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاستجمار بالروث لأنه نكس أي: رجيع). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/239]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (14- وقوله تعالى: {أفلا تعقلون} [68].
قرأ نافع بالتاء على الخطاب.
وقرأ الباقون بالياء على الغيبة). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/239]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في التخفيف والتثقيل من قوله عزّ وجلّ: ننكسه في الخلق [يس/ 68] فقرأ حمزة: ننكسه مشدّدا، واختلف عن عاصم، فروى أبو بكر عنه مشدّدا، وكذلك روى عنه حفص أيضا وكذلك قال أبو الربيع الزهراني عن حفص، وأبو حفص عمرو بن الصباح عن حفص عن عاصم: مشدّدا. وروى هبيرة عن حفص عن عاصم مخفّفة. علي بن نصر عن أبان عن عاصم: ننكسه خفيف.
قال قتادة: ننكسه في الخلق لكي لا يعلم بعد علم شيئا، يعني الهرم.
غيره، معناه: من أطلنا عمره نكّسنا خلقه، فصار بدل القوة ضعفا، وبدل الشباب هرما، قال أبو الحسن: ننكسه، وهو كلام العرب، قال: وقال الأعمش: ننكّسه في الخلق، قال أبو الحسن: ولا يكادون يقولون نكّسته إلّا لما يقلب فيجعل رأسه أسفل. قال غير أبي الحسن أنكر أبو عمرو ننكسه.
[الحجة للقراء السبعة: 6/45]
قرأ نافع وأبو عمرو في رواية عباس بن الفضل عنه: أفلا تعقلون [يس/ 68] بالتاء وقرأ الباقون: بالياء أفلا يعقلون.
وجه الياء على: قل لهم: أفلا يعقلون. والتاء لقوله: ألم أعهد إليكم [يس/ 60] أفلا تعقلون). [الحجة للقراء السبعة: 6/46]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون}
قرأ عاصم وحمزة {ننكسه} بضم النّون الأولى وتشديد الكاف وقرأ الباقون ننكسه مخففا وهما لغتان تقول نكسته أنكسه وأنكسته أنكسه
قرأ نافع وابن عامر {أفلا تعقلون} بالتّاء وحجتهما قوله قبلها {ولقد أضلّ منكم} وقرأ الباقون بالياء وحجتهم قوله قبلها {ولو نشاء لطمسنا على أعينهم} {ولو نشاء لمسخناهم} ولم يقل لمسخناكم). [حجة القراءات: 603]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (22- قوله: {ننكسه}: قرأ عاصم وحمزة بضم النون الأولى وفتح الثانية، وكسر الكاف وتشديدها، وقرأ الباقون بفتح النون الأولى وإسكان الثانية، وضم الكاف مخففًا، وهما لغتان مثل: «قَل وقّل»، وأنكر الأخفش التخفيف، ولم يعرف إلا التشديد، وقال: لا يكادون يقولون: نَكَسْته، إلا لما يقلب، فيجعل رأسه أسفل، وروي عن أبي عمرو أنه أنكر التشديد). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/220]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (18- {نُنَكِّسْهُ} [آية/ 68] بضم النون الأولى وفتح الثانية وتشديد الكاف:
قرأها عاصم وحمزة.
[الموضح: 1078]
والوجه أنه نُفَعّلُ من نَكَّسْتُ الشيء، وهو بناءٌ لما يبالغ فيه، والمعنى نتابع عليه نكسًا بعد نكسٍ، والنكس في الخلق هو أنتصير قوته ضعفًا وشبابه هرمًا وزيادته نقصًا.
قال أبو عبيدة: نَكَسْتُ الشيء ونَكَّسْتُهُ وأَنْكَسْتُهُ إذا جعلت أعلاه أسفله.
وقرأ الباقون {نَنْكُسْهُ} بفتح النون الأولى وإسكان الثانية وضم الكاف.
والوجه أن نَكَسْتُ بالتخفيف أشهر في هذا المعنى من نكَّست بالتشديد. وعن أبي الحسن أن المستعمل في هذا المعنى هو المخفف دون المشدد، فإن المشدد لا يستعمل إلا لما يُقلب فيُجعل أعلاه أسفله، وقال غيره: نكَست بالتخفيف يجوز أن يتضمن معنى نكَّست المشددة، فإن الفعل لما فيه من معنى الجنسية يحتمل القلة والكثرة). [الموضح: 1079]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (19- {أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [آية/ 68] بالتاء:
قرأها نافع وابن عامر ويعقوب.
والوجه أنه على الخطاب لبني آدم على موافقة ما تقدم من قوله {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ}. فهو خطابٌ عامٌّ يدخل فيه الكفار وغيرهم.
وقرأ الباقون {يَعْقِلُونَ} بالياء.
والوجه أن المعنى: أفلا يعقل المشركون؟ فالضمير للمشركين، وهم غُيَّبٌ، فجاء به على الغيبة لذلك). [الموضح: 1079]

قوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ (69)}
قوله تعالى: {لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (70)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (لينذر من كان حيًّا (70)
قرأ نافع وابن عامر ويعقوب (لتنذر من كان حيًّا).
وقرأ الباقون بالياء.
قال أبو منصور: من قرأ بالتاء فالخطاب للنبي صلى الله عليه.
ومن قرأ بالياء ففيه وجهان:
أحدهما: لينذر - النبي - صلى الله عليه وسلم - من كان حيا،
أي: من كان يعقل ما يخاطب به.
وجائز أن يكون الإنذار للقرآن.
والله أعلم). [معاني القراءات وعللها: 2/312]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (17- وقوله تعالى :{لينذر من كان حيا} [70].
قرأ نافع وابن عامر: {لتنذر} بالتاء على الخطاب أي: لتنذر يا محمد من كان حيا. أي حي القلب حي السمع.
وقرأ الباقون: {ليندر} بالياء أي: لينذر القرآن، وذلك أن الله عز وجل أنزل القرآن بشيرًا، ونذيرًا. فالنذير النبي، والنذير القرآن، والبشير القرآن، والبشير النبي وأما قوله: {كيف كان نذير} فمصدر، ومعناه: فكيف كان إنذاري، وأما قوله: {وجاءكم النذير} فقيل: النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: النذير الشيب، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم جل ضحكه التبسم. فلما رأى الشيب ما تبسم حتى توفاه الله عز وجل، هذا قول، واحتجوا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/240]
قال: «شيبتني هود وأخواتها».
فأما ابن عرفة فحدثنا عن محمد بن عبد الملك عن يزيد بن هارون عن حميد قال: سئل أنس: هل خضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما شانه الشيب. فقيل: أوشين هو يا أبا حمزة؟ قال: كلكم يكرهه.
والصحيح: أن رسول الله بعث وهو ابن أربعين، وبقي بمكة ثلاث عشرة سنة، ثم هاجر إلى المدينة، وبقي فيها عشر سنين فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين سنة، وليس في رأسه، ولحيته إلا شعرات بيض نحو بضع عشرة، ويقال: أول من شاب خليل الرحمن عليه السلام، فأوحي الله إليه أشقل وقارًا بالسريانية تفسيره: خذ وقارًا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/241]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قرأ نافع: لتنذر من كان حيا [يس/ 70] بالتاء وقرأ الباقون: لينذر بالياء.
وجه التاء أنّه خطاب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم، ومن قال: ينذر*، أراد القرآن، ومعنى من كان حيّا: من المؤمنين، لأنّ الكفّار أموات، كما قال: أموات غير أحياء [النحل/ 26]، وقال: أومن كان ميتا فأحييناه [الأنعام/ 122] ). [الحجة للقراء السبعة: 6/47]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وما علمناه الشّعر وما ينبغي له إن هو إلّا ذكر وقرآن مبين * لينذر من كان حيا} 69 و70
قرأ نافع وابن عامر (لتنذر من كان حيا) بالتّاء على الخطاب أي لتنذر يا محمّد من كان حيا ويقوّي التّاء قوله إنّما أنت منذر وقرأ الباقون {لينذر} بالياء جائز أن يكون المضمر في قوله {لينذر} النّبي صلى الله عليه ويقوّي هذا قو قبلها {وما علمناه الشّعر وما ينبغي له} ثمّ يقول {لينذر} وجائز أن يكون القرآن أي لينذر القرآن). [حجة القراءات: 603]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (23- قوله: {لينذر من كان حيًا} قرأ نافع وابن عامر بالتاء، على الخطاب للنبي عليه السلام، لأنه هو النذير لأمته، كما قال: {إنا أرسلناك بالحق بشيرًا ونذيرًا} «البقرة 119»، وقرأ الباقون بالياء على الإخبار عن القرآن؛ لأنه نذير لمن أنزل عليهم، كما قال: {كتاب فصلت آياته قرآنًا عربيًا لقوم يعلمون بشيرًا ونذيرًا} «فصلت 3، 4»). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/220]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (20- {لِتُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا} [آية/ 70] بالتاء:
قرأها نافع وابن عامر ويعقوب، وكذلك في الأحقاف {لِتُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا}.
والوجه أنه على مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم، أي لتُنذِر يا محمد.
وقرأ الباقون {لِيُنْذِرَ} بالياء في السورتين.
والوجه أن الضمير يعود إلى القرآن، أي لينذر القرآن من كان حيًّا، وهذا أظهر لتقدم ذكر القرآن في قوله {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآَنٌ مُبِينٌ}.
وقوله {مَنْ كَانَ حَيًّا} أي مؤمنًا؛ لأن الكفار موتى، كما قال الله تعالى {أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ} ). [الموضح: 1080]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 18 صفر 1440هـ/28-10-2018م 02:57 PM

تفسير سورة يس
[ من الآية (71) إلى الآية (76) ]

{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72) وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (73) وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ (74) لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُّحْضَرُونَ (75) فَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (76)}


قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71)}
قوله تعالى: {وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن والأعمش: [رُكُوبُهُم]، برفع الراء وقرأ: [رَكُوبَتُهُمْ] عائشة وأبي بن كعب.
قال أبو الفتح: أما الرُّكوب، بضم الراء فمصدر، والكلام محمول على حذف المضاف مقدما أو مؤخرا.
[المحتسب: 2/216]
فإن شئت كان التقدير فيها ذو رُكُوبهم، وذو الرُّكوب هنا هو المركوب، فيرجع المعنى بعد إلى معنى قراءة من قرأ: {رَكُوبُهُم} بفتح الراء، و[رَكُوبَتُهُمْ].
وإن شئت كان التقدير فمن منافعها أو من أغراضها رُكوبهم، كما تقول لصاحبك: من منافعك إعطاؤك لي، ومن بركاتك وصول الخير إليّ على يدك. ومثله في تقدير حذف المضاف من جهتين أيَّ الجهتين شئت قول الله سبحانه: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى}، إن شئت كان على تقدير: ولكنّ البِرَّ بِرُّ من اتقى، وإن شئت كان تقديره: ولكنّ ذا البِرِّمن اتقى.
والتقدير الأول في هذا أجود عندنا؛ وذلك أن تقديره حذف المضاف من الخبر، أعني: برُّ من اتقى، والخبر أولى بذلك من المبتدأ؛ وذلك أن حذف المضاف ضرب من التوسع. والتوسعُ آخرُ الكلام أولى به من أوله، كما أن الحذف والبدل كلما تأخر كان أمثل؛ من حيث كانت الصدور أولى بالحقائق من الأعجاز وهذا واضح، ولذلك اعتمده عندنا صاحب الكتاب فحمله على أن التقدير: ولكنّ البِرَّ بِرُّ من اتقى.
وأجاز أبو العباس أن يكون الحذف من الأول على ما مضى، وهو لعمري جائز، إلا أن الوجه ما قدمنا ذكره، لكن الحذفين في قوله: {فَمِنْهَا رَكُوبُهُم} -على ما قدمنا- متساويان، وذلك إن قدرته على أنه: فمن منافعها رُكُوبُهُمْ فإنما حذفت من الخبر؛ لأن تقديره: فَرُكُوبُهُمْ منها، فهو -وإن كان مقدما في اللفظ- مؤخر في المعنى. وإن قدرته على معنى: فمنها ذو رُكُوبُهُمْ، فَحَسَنٌ أيضا، وإن كان مقدما في المعنى فإنه مؤخر في اللفظ، فاعرف ذلك.
وأما [رَكُوبَتُهُمْ] فهي المركوبة: كالقَتُوبَة"، والجَزُوزَة، والحَلُوبَة، أي: ما يُقْتَبُ، ويُجَزُّ، ويُحْلَبُ. وقد أشبعنا هذا الموضع في كتابنا المعروف بالخطيب، وهو شرح كتاب المذكر والمؤنث ليعقوب بن السكيت). [المحتسب: 2/217]

قوله تعالى: {وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (73)}
قوله تعالى: {وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ (74)}
قوله تعالى: {لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُّحْضَرُونَ (75)}
قوله تعالى: {فَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (76)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 18 صفر 1440هـ/28-10-2018م 02:58 PM

تفسير سورة يس
[ من الآية (77) إلى الآية (83) ]

{أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ (77) وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ (80) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83)}


قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ (77)}
قوله تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78)}
قوله تعالى: {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79)}
قوله تعالى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ (80)}
قوله تعالى: {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (أوليس الّذي خلق السّماوات والأرض بقادرٍ على أن يخلق مثلهم (81)
قرأ الحضرمي وحده (يقدر على أن يخلق) بالياء والرفع على (يفعل)، وكذلك قرأ في الأحقاف: (يقدر على أن يحيى الموتى).
وقرأ سائر القراء (بقادرٍ) بالباء والخفض والتنوين في السورتين.
[معاني القراءات وعللها: 2/312]
قال أبو منصور: الذي قرأ به الحضرمي جيد في باب النحو والعربية صحيح، والذي قرأ به القراء جيد عند حذاق النحويين.
وكان أبو حاتم السجستاني يوهّن هذه القراءة التي اجتمع عليها القراء، ويضعفها - وغلط فيما ذهب وهمه إليه.
وأخبرني المنذري عن أبي العباس أحمد بن يحيى أنه قال في قوله: (ولم يعي بخلقهنّ بقادرٍ) هذه الباء التي تدخل للجحد؛ لأنّ المجحود في المعنى، وإن كان قد حال بينهما بأن المعنى: أولم يروا أن الله قادر على أن يحيى الموتى - فإن اسم (يروا)، وما بعدها في صلتها لا تدخل فيه الباء، ولكن معناه جحدٌ فدخلت للمعنى -
قال: وقال الفراء والكسائي. يقال: ما ظننت إن زيدًا إلا قائم، وما ظننت إن زيدًا قائم - فهذا مذهب الكسائي والفراء.
قال أبو منصور: وأجاز سييويه، وأبو العباس المبرد، وأبو إسحاق الزجاج، وأحمد ين يحيى ما أنكره السجستاني، وهم أعلم بهذا الباب منه، والقراء أكثرهم على هذه القراءة -
أنشد الفرّاء في مثل هذه الباء:
فما رجعت بخائبةٍ ركابٌ... حكيم بن المسيّب منتهاها
فأدخل الباء في (فعل) لو ألقيت نصب بالفعل لا بالباء.
قال: ويقاس على هذا ما أشبهه. قال: وتقول: ما أظنك بقائم، وما أظن أنك بقائم.
فإذا خلعت الباء نصبت الذي كانت له بما تعمل فيه من الفعل). [معاني القراءات وعللها: 2/313]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (21- {يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ} [آية/ 81] بالياء من غير ألفٍ، على يفعل:
قرأها يعقوب يس-.
والوجه أنه خبر ليس من قوله {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ}، واسم ليس هو قوله {الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ}.
وقوله {يَقْدِرُ} فعل مضارع صار خبرًا لليس، فموضعه نصبٌ، كما تقول:
[الموضح: 1080]
أليس الذي في الدار يضرب زيدًا؟ ومعناه ضاربًا زيدًا.
وقرأ الباقون و-ح- عن يعقوب {بِقَادِرٍ} بالباء والألف، على فاعلٍ.
والوجه أنه اسم فاعلٍ، من قدر يقدر، وهو خبر ليس أيضًا، والباء فيه لتأكيد النفي، كما تقول ليس زيدٌ بقائمٍ). [الموضح: 1081]

قوله تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (18- وقوله تعالى: {كن فيكون} [82].
قرأ الكسائي وابن عامر: {فيكون} نصبًا نسقًا بالفاء على {أن يقول له كن} {فيكن}.
والباقون يرفعون على: فهو يكون، وكن فكان، لأنه لا يصلح أن يجعله جوابًا باللام). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/241]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قرأ ابن عامر والكسائي: كن فيكون* [يس/ 82] نصبا، وقرأ الباقون: فيكون رفعا.
أمّا الكسائي فإنّه يحمل نصب فيكون* على ما قبله من «أن» ولا ينصب «فيكون» إذا لم يكن قبله «أن» فيحمل عليها.
وأمّا ابن عامر، فإنّه ينصب «فيكون» كان قبلها «أن» أولم يكن وقد ذكرنا قوله فيما تقدّم). [الحجة للقراء السبعة: 6/47]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({إنّما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون}
قرأ ابن عامر والكسائيّ {فيكون} نصب نسقا على قوله
[حجة القراءات: 603]
{أن يقول له كن فيكون}
وقرأ الباقون {فيكون} رفعا عل تقدير فهو يكون). [حجة القراءات: 604]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (22- {كُنْ فَيَكُونَ} [آية/ 82] بالنصب:
قرأها ابن عامر والكسائي.
والوجه أنه نصبٌ بالعطف على قوله {أَنْ يَقُولَ} كأنه قال: أن يقول فيكون.
وقرأ الباقون {فَيَكُونُ} بالرفع.
والوجه أنه على إضمار هو، كأنه قال: فهو يكون؛ لأنه فعلٌ مضارعٌ خلا من ناصبٍ وجازم، فهو رفعٌ). [الموضح: 1081]

قوله تعالى: {فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة طلحة وإبراهيم التيمي الأعمش: "مَلَكَةُ كُلِّ شَيْءٍ".
[المحتسب: 2/217]
قال أبو الفتح: معناه -والله أعلم- سبحان الذي بيده عصمة كل شيء وقدرة كل شيء، وهو من مَلَكْتُ العجينَ: إذا أَجَدْت عجنه، فقويتَهُ بذلك. ومنه المِلْكُ؛ لأنه القدرة على المملوك، ومنه المُلْكُ؛ لأن به قِوَام الأمور.
والمَلَكُوت فَعَلُوت منه، زادوا الواو والتاء للمبالغة بزيادة اللفظ، وهذا لا يطلق الملكوت إلا على الأمر الأعظم. ألا تراك تقول: مِلْك البزاز والعطار والحناط، ولا تقول الملكوت في شيء من ذلك؟ ونظيره الجَبَرُوت، والرَّغَبُوت، الرَّهَبُوت، ومنه عندنا الطاغُوت، هو فَعَلُوت من الطغيان، إلا أنه قُلِب وأصلُه طَغَيُوت، فَقُدِّمت اللام على العين، فصارت طَيَغُوت، ثم قلبتِ الياء لوقوعها متحركة بين متحركين فصار طاغُوت، وقد تقصينا ذلك في كتابنا الموسوم بالمنصف). [المحتسب: 2/218]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (23- {إِلَيْهِ تَرْجِعُونَ} [آية/ 83] بفتح التاء وكسر الجيم:
قرأها يعقوب وحده.
والوجه أن المراد إنكم أيها الناس ترجعون إليه برجعه سبحانه وتعالى إياكم.
وقرأ الباقون {تُرْجَعُونَ} بضم التاء وفتح الجيم.
[الموضح: 1081]
والوجه أنكم تُرَدُّون إليه تعالى، ومعلوم أن الذي يردُّهم هو الله سبحانه، فجاء على ما لم يسم فاعله لما كان معلومًا، والمقصود هو الإخبار عن رجعهم). [الموضح: 1082]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


الساعة الآن 01:31 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة