جمهرة العلوم

جمهرة العلوم (http://jamharah.net/index.php)
-   منتدى جمهرة علوم القرآن الكريم (http://jamharah.net/forumdisplay.php?f=661)
-   -   مسائل كتاب بيان فضل القرآن (http://jamharah.net/showthread.php?t=26394)

جمهرة علوم القرآن 20 محرم 1439هـ/10-10-2017م 08:29 PM

مسائل كتاب بيان فضل القرآن
 
مسائل كتاب بيان فضل القرآن

حفظ نسخة PDF من كتاب "بيان فضل القرآن" من ( هنا )
التحديث الأخير: 19 محرم 1441هـ

عناصر الكتاب:
- تمهيد
الباب الأول: مقدمات فـي فضائل القرآن

- المقدمة الأولى: التعريف بطرق بيان فضل القرآن
- المقدمة الثانية: بيان ثمرات معرفة فضائل القرآن
- المقدّمة الثالثة: ذكر المؤلّفات في فضائل القرآن
- المقدّمة الرابعة: التعريف بطرق العلماء في التأليف في فضائل القرآن
- المقدّمة الخامسة: مباحث علم فضائل القرآن
- المقدّمة السادسة: بيان سبب كثرة الأحاديث الضعيفة في فضائل القرآن
- المقدّمة السابعة: بيان درجات المرويات الضعيفة في فضائل القرآن
- المقدّمة الثامنة: بيان الحاجة إلى تجديد وسائل النشر لعلم فضائل القرآن
الباب الثاني: شرح معاني أسماء القرآن وصفاته
- تمهيد
- بيان أسماء القرآن
- الفرق بين الإسم والصفة
- معنى اسم "القرآن"
- معنى اسم "الكتاب"
- معنى اسم"الفرقان"
- معنى اسم "الذكر"
- فصل في شرح معاني صفات القرآن
-
وصفه بأنه عليٌّ
-
وصفه بأنه حكيم
-
وصفه بأنه مجيد
- وصفه بأنه عزيز
- وصفه بأنه كريم
- وصفه بأنه عظيم
- وصفه بأنّه مبارَك
- وصفه بأنّه قيّم
- وصفه بأنّه بصائر
- وصفه بأنّه هدى
- وصفه بأنّه نور
- وصفه بأنّه بيان ومبين
- وصفه بأنه ذِكْرٌ وذكرى وتذكرة
- وصفه بأنّه موعظة
- وصفه بأنّه شفاء
- وصفه بأنه رحمة
-
وصفه بأنه بشرى
الباب الثالث: بيان عظمة القرآن
-
بيان عظمة القرآن
-
عظمة قَدْرِ القرآن في الدنيا
- عظمة قَدْرِ القرآنِ في الآخرة
- عظمة صفاته
الباب الرابع: بيان بركة القرآن
-
معنى البركة
- أنواع بركة القرآن في الدنيا
- بركة القرآن في الآخرة
الباب الخامس: فضل تلاوة القرآن
- فضل تلاوة القرآن
- معنى تلاوة القرآن
- مراتب تلاوة القرآن
- أنواع ثواب تلاوة القرآن
- أوجه تفاضل ثواب التلاوة
- ثواب تلاوة القرآن في الآخرة
الباب السادس: فضل أهل القرآن
-
المراد بأهل القرآن
- المراد بصاحب القرآن
- قوادح صحبة القرآن
- تقديم أهل القرآن
- فضل تعلّم القرآن وتعليمه
- فضل حفظ القرآن
- تفاضل الحفّاظ في حفظ القرآن
- كيف يحفظ القرآن؟
الباب السابع: تفاضل الآيات والسور
-
تفاضل الآيات والسور
الباب الثامن: أنواع المرويات في فضائل القرآن
-
أنواع المرويات في فضائل القرآن
- أسباب عناية العلماء بجمع المرويات الضعيفة
- صيانة العلم من واجبات أهله
- شروط صحّة الحديث
-
تنبيه
- درجات المرويات في فضائل القرآن
- أنواع المرويات الضعيفة في فضائل القرآن
- تنبيه
الباب التاسع: خواص القرآن
-
خواص القرآن
-
دلائل معرفة خواصّ القرآن
- التحذير من الغلوّ في باب خواصّ القرآن





http://afaqattaiseer.com/up/do.php?img=1413

جمهرة علوم القرآن 20 محرم 1439هـ/10-10-2017م 08:39 PM

تمهيد

قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (تمهيد
الحمد لله الذي أنزل إلينا كتابه الكريم، المبارك العظيم، وجعله أفضل الكتب وأعظمها، وأكثرها بركة وأكرمها، وأرسل إلينا أفضل رسله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، أكرم الناس نسباً، وأزكاهم نفساً، وأطهرهم قلباً، وأحسنهم خلقاً، وأفصحهم بيانا، وجعل شريعته أحسن الشرائع وأكملها وأعظمها، وجعل أمَّته خير أمّة أخرجت للناس، وأكرمها على ربّها، وأنزل إليه كتابه الكريم في خير ليلة، وأشرف بقعة؛ وبواسطة أشرف ملائكته؛ فاختار لكتابه الكريم من كلّ شيء أحسنه وأشرفه وأكرمه؛ فاجتمعت له محاسن الفضائل، وأشرف الخصائل.
أما بعد:
فهذا كتابٌ موجز البيان عن فضائل القرآن، أسأل الله تعالى أن يتقبّله بقبوله الحسن وأن ينفع به كاتبه وقارئه وناشره، وأن يرزقنا حسن تلاوة كتابه وصدق الإيمان به، وأن يدخلنا مع أهل القرآن الذين هم أهله وخاصّته إنّه كريم وهّاب.
وقد كان أصل هذا الكتاب دورة علمية ألقيتها في معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد على قسمين:
كان القسم الأول منها في جمادى الأولى عام 1437 هـ.
والقسم الثاني في رجب من العام نفسه.
ثمّ أعدت النظر في مادّة هذه الدورة مراجعة وتهذيباً لتخرج في هذا الكتاب في شهر رمضان المبارك، والله الموفّق والهادي إلى سواء السبيل). [بيان فضل القرآن:5]

جمهرة علوم القرآن 20 محرم 1439هـ/10-10-2017م 08:41 PM

الباب الأول: مقدمات فـي فضائل القرآن


المقدمة الأولى: التعريف بطرق بيان فضل القرآن

قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (المقدمة الأولى: التعريف بطرق بيان فضل القرآن
فضل القرآن الكريم يتبيّن من طرق متنوّعة متظافرة:
فأولها: أنه كلام الله جل وعلا ، وكلام الله صفة من صفاته، وصفات الله تعالى لها آثارها التي لا تتخلّف عنها؛ فهو العليم الذي وسع علمه كلّ شيء؛ والقدير الذي لا يعجزه شيء، وهو العزيز الحكيم، والرحمن الرحيم، والعليّ العظيم، والحميد المجيد، والواسع المحيط، والحقّ المبين، إلى غير ذلك من أسمائه الحسنى وصفاته العليا التي من تفكّر فيها وآمن بها أدرك أن لها آثاراً تتجلّى في كلامه جلّ وعلا، وأن كلامه – تعالى – لا يمكن أن يكون فيه ما هو خلاف مقتضى أسمائه وصفاته، وأن هذا القرآن العظيم لا يمكن أن يكون من قول البشر، ولا من قول الشياطين {وما ينبغي لهم وما يستطيعون}.
وقد قال جماعة من السلف: (فضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على خلقه) وروي مرفوعاً من حديث أبي هريرة وأبي سعيد ولا يصح.
لكنّه دالّ على معنى صحيح في نفسه، وهو أنّ صفات كل موصوف بحسبه، فكلام البشر يكون مبلغهم فيه مبلغ علمهم وقدرتهم وبيانهم، ويكون فيه من النقص والضعف والخطأ ما يناسب صفاتهم.
وكلام الله تعالى كلام عن علم تامّ وقدرة لا يعجزها شيء، وإحاطة بكلّ شيء، وحكمة بالغة، ورحمة سابغة، وحقّ لا يعتريه باطل، وبيان لا اختلاف فيه، إلى غير ذلك من صفاته جلّ وعلا التي لها آثارها ومقتضياتها، وقد قال الله تعالى: {وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52)}.
ولذلك قال ابن عطية رحمه الله في مقدّمة تفسيره: (كتاب الله لو نُزِعَت منه لفظةٌ ثم أديرَ لسانُ العربِ في أن يوجدَ أحسنَ منها لم يوجد).
وهذا مبناه – كما تقدّم - على سَعَة علم الله عزّ وجلّ وإحاطته بكلّ الألفاظ ودلالاتها وأوجه استعمالاتها، وعلى عظيم قدرته جلّ وعلا، وأنّه لا يعجزه شيء؛ فإذا اجتمع العلم المحيط بكل شيء، مع القدرة على كلّ شيء؛ فلا يُمكن أن يأتي أحد بتعبير أحسن من تعبير القرآن؛ لأنه ما من لفظة يدركها علم المخلوق إلا والله تعالى أعلم بها منه من قبل أن يُخلق.
وثانيها: أن الله تعالى وصف القرآن العظيم بصفات جليلة ذات معانٍ عظيمة وآثار مباركة لا تتخلّف عنها؛ وهي أوصاف من عليم خبير، تتضمّن مع إفادة الوصف وبيان الفضل وعوداً كريمة، وشروطاً من قام بتحقيقها ظفر بموعوده بها، ولذلك كان التفكّر فيما وصف الله به كتابه من تلك الصفات الجليلة، وتأمّل آثارها ودلائلها من أخصّ أبواب الانتفاع بالقرآن.
وهذه الصفات التي وصف الله بها كتابه الكريم من أعظم دلائل فضله.
وثالثها: أن الله تعالى يحبّه، وتلك المحبّة لها آثارها ودلائلها المباركة، وما أودع الله تعالى فيه من البركات والخير العظيم، وما جعل له من شأنٍ عظيمٍ في الدنيا والآخرة هو من دلائل محبّة الله تعالى له.
ورابعها: أنّ الله تعالى أخبر عنه بأخبار كثيرة تبيّن فضله وشرفه في الدنيا والآخرة، وبيّن من مقاصده وآثاره ما يدلّ دلالة بيّنة على فضله.
وخامسها: أنَّ الله تعالى أقسم به في مواضع كثيرة من كتابه، فقال تعالى: {وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ}، وقال: {وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ}، وقال: {وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ}، وقال: { وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ}، وفي الإقسام به دلالة بينة على تشريفه وتكريمه ورفعة مقامه، وأقسم الله تعالى – أيضاً – على ما يبيّن به فضله وشرفه ورفعته وكرمه؛ فقال تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (80)}
وسادسها: أنّ الله تعالى جعل له أحكاماً كثيرة في الشريعة ترعى حرمته، وتبيّن فضله، ومن ذلك أن جعل الإيمان به من أصول الإيمان التي لا يصح إلا بها، وأوجب تلاوة آياته في كلّ ركعة من الصلوات، حتى جعل للمصحف الذي يُكتب فيه أحكاماً كثيرة، وحرمة عظيمة في الشريعة.
وسابعها: أن الله تعالى رغّب في تلاوته ورتّب عليها أجوراً عظيمة مضاعفة أضعافاً كثيرة، وكثرة ثواب تلاوته وتنوّعها من أظهر دلائل فضله، حتى انصرفت همّة كثير من المصنّفين في فضائل القرآن إلى تتبع ما روي في ثواب تلاوته.
وثامنها: أنّ الله تعالى رفع شأن أهل القرآن؛ حتى جعلهم أهله وخاصّته، وجعل خير هذه الأمّة من تعلّم القرآن وعلّمه، وقدّمهم على غيرهم في الإمامة في الصلاة، وفي التقدّم إليه عند تزاحمهم في الإدخال في القبر، وجعل إجلالهم من إجلاله، ومحبّتهم من آثار محبّته، إلى غير ذلك مما شرّفهم به ورفعهم به من الخصال التي لم يبلغوها إلا بفضل هذا القرآن؛ فكان تكريمهم وتشريفهم ورفعتهم بالقرآن من الدلائل البيّنة على فضل القرآن).[بيان فضل القرآن :7 - 10]

جمهرة علوم القرآن 20 محرم 1439هـ/10-10-2017م 09:05 PM

المقدمة الثانية: بيان ثمرات معرفة فضائل القرآن

قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (
المقدمة الثانية: بيان ثمرات معرفة فضائل القرآن
ومعرفة فضائل القرآن لها ثمرات جليلة، ومن أعظم ثمراتها:

1. أنها تبصّر المؤمن بأوجه فضائل القرآن وعظمة شأنه؛ فيعظّمه ويعظّم هداه ويرعى حرمته ويعرف قدره، وهذا أصل مهم في توقير القرآن وتعظيمه.
2. أنها تكسب المؤمن اليقين بصحّة منهجه، لأنّه مبنيّ على هدى القرآن، وقد تعرّف من دلائله ما يزيده طمأنينة بالحقّ الذي معه، ففي بصائر القرآن وهداياته ونوره ما يضيئ الطريق للسالكين، ويكشف شبهات المضلّين، ويفنّد مزاعم المفسدين، ويجعل لصاحبه فرقاناً يميّز به الحق من الباطل، والهدى من الضلالة، وأولياء الرحمن من أولياء الشيطان؛ فيجد في القرآن من أنواع التبصير والتثبيت ما يطمئنّ به، كما قال الله تعالى: { فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (43)}، وقال: { إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76) وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (77) إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (78) فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79)}
3. أنها ترغّب المؤمن في مصاحبة القرآن؛ بالإيمان به واتّباع هداه والاستكثار من تلاوته والتفقّه فيه، والدعوة إليه، وتعليمه.
4. أنّها تدحض كيد الشيطان في التثبيط عن تلاوته والانتفاع به؛ فكلما ضعفت النفس، ووهن عزمها؛ ذكّرها بفضائل القرآن فاشتدت العزيمة، وعلت الهمّة، وشمّر تشمير المجتهدين؛ ليدرك نصيبه من الفضل العظيم.
5. أنها تحصّن المؤمن من طلب منهل للعلم والمعرفة يخالف منهج القرآن؛ ولا سيّما إذا عرف معاني صفات القرآن، وأدرك حقائقها وآثارها؛ فإنّه يتبيّن خسارة صفقة من استبدل به غيره، وحرمان من اشتغل بغيره.
6. أنها سبب لنجاة المؤمن من مضلات الفتن؛ فإنّ من أدرك تلك الفضائل ورسخت معرفتها في قلبه، عرف أنه لا بدّ أن يصدر في كل شأن من شؤونه عن هدى القرآن الذي من اعتصم به عُصم من الضلالة.
7. أنّها تفيده علماً شريفاً من أشرف العلوم، وأعظمها بركة، فالتفقّه في فضائل القرآن على طريقة أهل العلم من أعظم أوجه إعداد العدّة للدعوة إلى الله تعالى، والترغيب في تلاوة كتابه واتّباع هداه؛ فإنّه يجتمع للدارس في هذا العلم من تفسير الآيات المتعلّقة بفضائل القرآن، ومعرفة دلالاتها على أوجه فضائله، ومعرفة الأحاديث والآثار المروية في هذا العلم الجليل، وما ينتخبه من أقوال العلماء في بيان فضله؛ ما يستعدّ به للدعوة إلى الله على بصيرة، ولا يزال يضيف إلى ما جمعه ما يجد من الفوائد واللطائف والقصص والأخبار الصحيحة المنبّهة على فضائل القرآن، ويزكّي علمه شيئاً فشئياً بالدعوة والتعليم حتى يجد من بركات ما تعلّمه شيئاً كثيراً مباركاً؛ فقد يكون بكلمة واحدة سبباً في إقبال قلب مسلم على تلاوة القرآن وحفظه، وسبباً في ازدياد آخرين من تلاوته، وسبباً في عناية آخرين بهذا العلم وتعلّمه وتعليمه والدعوة به إلى الله؛ بل ربّما كان سبباً في إسلام أناس كانوا على الكفر؛ فخرجوا من الظلمات إلى النور بحسن ترغيبه وتعريفه بكتاب ربّه جلّ وعلا، فيكتسب – بفضل الله تعالى – من أنواع الأجور العظيمة ما لم يكن يخطر له على بال.
ولذلك اعتنى كثير من العلماء بالتأليف في فضائل القرآن). [بيان فضل القرآن:10 - 12]

جمهرة علوم القرآن 20 محرم 1439هـ/10-10-2017م 09:19 PM

المقدّمة الثالثة: ذكر المؤلّفات في فضائل القرآن

قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (
المقدّمة الثالثة: ذكر المؤلّفات في فضائل القرآن
اعتنى العلماء بالتأليف في فضائل القرآن لما يرجى فيه من الثواب العظيم؛ فقد صحّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «من دل على خير فله مثل أجر فاعله» رواه مسلم من حديث أبي مسعود البدري رضي الله عنه.

وفي صحيح مسلم أيضاً من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «من دعا إلى هدى، كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة، كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا».
وقد نشأ التأليف في فضائل القرآن في عهد مبكّر، وما يزال التأليف فيه إلى عصرنا الحاضر، ومن أهمّ الكتب المطبوعة في فضائل القرآن وأشهرها:
1. فضائل القرآن لأبي عبيد القاسم بن سلام الهروي، وهو من أجلّ كتب الفضائل.
2. فضائل القرآن لسعيد بن منصور الخراساني، وهو كتاب كبير من سننه.
3. وكتاب فضائل القرآن من مصنّف ابن أبي شيبة.
4. وكتاب فضائل القرآن من صحيح البخاري.
5. وأبواب فضائل القرآن من صحيح مسلم.
6. وكتاب فضائل القرآن من جامع الترمذي.
7. كتاب فضائل القرآن لابن الضُّرَيس.
8. وكتاب فضائل القرآن لأبي بكر الفريابي.
9. كتاب فضائل القرآن لأبي عبد الرحمن النسائي.
10. وكتاب فضائل القرآن للحافظ المستغفري.
11. وكتاب فضائل القرآن وتلاوته لأبي الفضل الرازي.
12. وفضائل القرآن لضياء الدين المقدسي.
13. وكتاب "الإجلال والتعظيم في فضائل القرآن الكريم" لِعَلَمِ الدين السخاوي، وهو جزء من كتابه الكبير "جمال القرّاء وكمال الإقراء".

14. وكتاب لمحات الأنوار ونفحات الأزهار وري الظمآن لمعرفة ما ورد من الآثار في ثواب قارئ القرآن لأبي القاسم محمد بن عبد الواحد الغافقي، وهو من أكبر الكتب المصنّفة في فضائل القرآن لكنّه لم ينقّحه فوقع فيه غثّ كثير.
15. والوجيز في فضائل الكتاب العزيز للقرطبي.
16. وقاعدة في فضائل القرآن لابن تيمية.
17. وفضائل القرآن لابن كثير، وهو جزء من مقدّمة تفسيره.
18. ومورد الظمآن إلى معرفة فضائل القرآن لابن رجب الحنبلي.
19. وهبة الرحمن الرحيم من جنة النعيم في فضائل القرآن الكريم لمحمد هاشم السندي
20. وكتاب فضائل القرآن لمحمّد بن عبد الوهاب.
21. وموسوعة فضائل سور وآيات القرآن لمحمد بن رزق الطرهوني.
وبعض هذه المصنّفات أجزاء من كتب الحديث، وقد اعتنى بها شرّاح الأحاديث فيما يشرحون من كتبه، ومنهم من يتوسّع في شرحه ومنهم من يختصر، ولذلك تجد لكتاب فضائل القرآن من صحيح البخاري شروحاً كثيرة لو جُمعت وأفردت في مؤلف لكان في مجلَّدات.
وللمفسّرين عناية ببيان فضائل القرآن في مقدّمات تفاسيرهم، وفيما يفسّرون من الآيات الدالّة على فضل القرآن.
ومن العلماء من أفرد فضائل بعض السور والآيات بمصنفات مستقلة). [بيان فضل القرآن:12 - 14]

جمهرة علوم القرآن 20 محرم 1439هـ/10-10-2017م 09:25 PM

المقدّمة الرابعة: التعريف بطرق العلماء في التأليف في فضائل القرآن

قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (
المقدّمة الرابعة: التعريف بطرق العلماء في التأليف في فضائل القرآن
كان بيان فضائل القرآن في أوّل الأمر قائماً على تفسير الآيات الدالة على فضل القرآن، ورواية الأحاديث والآثار الواردة في ذلك.

ثم لمّا بدأ عصر التدوين اعتنى بعض العلماء بتدوين ما روي في فضائل القرآن؛ وكان التأليف فيه على أنواع:
النوع الأول: رواية الأحاديث والآثار الواردة في فضائل القرآن بالأسانيد وضمّها إلى دواوين السنة؛ كما فعل البخاري ومسلم وابن أبي شيبة والترمذي.
والنوع الثاني: إفراد فضائل القرآن بالتأليف المستقلّ؛ ورواية ما ورد فيه من الأحاديث والآثار بالأسانيد؛ كما فعل أبو عبيد القاسم بن سلام والنسائي وابن الضريس والفريابي وأبو الفضل الرازي.
والنوع الثالث: جمع ما رواه الأئمة وتصنيفه على الأبواب، وحذف الأسانيد اختصاراً كما فعل ابن الأثير في جامع الأصول، وابن حجر في المطالب العالية، والغافقي في كتابه الكبير في فضائل القرآن.
والنوع الرابع: التصنيف المقتصر على بعض الأبواب المهمّة وترجمتها بما يبيّن مقاصدها وفقهها، كما فعل شيخ الإسلام محمّد بن عبد الوهاب في تأليفه المختصر في ذلك.
والنوع الخامس: التنبيه على بعض مباحث فضائل القرآن كما فعل كثير من المفسّرين في مقدّمات تفاسيرهم، وكما أفرد ابن تيمية رسالة لبيان قاعدة في فضائل القرآن.
والنوع السادس: إفراد فضائل بعض الآيات والسور بالتأليف كما أفرد أبو محمد الخلال جزءاً في فضائل سورة الإخلاص.
والنوع السابع: شرح معاني الآيات والأحاديث والآثار الواردة في فضائل القرآن كما فعل كثير من شرّاح الأحاديث.
والنوع الثامن: عقد فصول في بعض الكتب لبيان بعض فضائل القرآن، كما فعل ابن تيمية في عدد من رسائله، وابن القيّم في كتاب الفوائد وطريق الهجرتين ومدارج السالكين، وابن رجب، والسيوطي، وغيرهم من العلماء). [بيان فضل القرآن:14 - 15]

جمهرة علوم القرآن 20 محرم 1439هـ/10-10-2017م 10:58 PM

المقدّمة الخامسة: مباحث علم فضائل القرآن

قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (المقدّمة الخامسة: مباحث علم فضائل القرآن
كلام العلماء في فضائل القرآن يمكن تصنيفه إلى أنواع يحصل بجمعها تكامل حسن للمادّة العلمية في هذا العلم الجليل، ومن تلك الأنواع:
1. بيان معاني أسماء القرآن وصفاته الواردة في القرآن، وهذا النوع إذا أحسن جمع مادّته وتحرير القول فيه من أحسن المداخل لبيان فضائل القرآن لأنّه مبني على تدبّر ما وصف الله به كتابه، وتأمّل معاني تلك الصفات وآثارها ومقتضياتها.
2. جمع الأحاديث والآثار المروية في فضائل القرآن.
3. بيان فضل تلاوة القرآن وفضل اتّباع هداه.
4. بيان فضل أهل القرآن، وهو فرع عن فضل القرآن؛ لأنّهم إنما شرفوا بسببه.
5. بيان فضل تعلّم القرآن وتعليمه.
6. فضائل بعض الآيات والسور.
7. تفاضل آيات القرآن وسوره.
8. بيان خواصّ القرآن). [بيان فضل القرآن:16]

جمهرة علوم القرآن 20 محرم 1439هـ/10-10-2017م 11:31 PM

المقدّمة السادسة: بيان سبب كثرة الأحاديث الضعيفة في فضائل القرآن

قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (المقدّمة السادسة: بيان سبب كثرة الأحاديث الضعيفة في فضائل القرآن
مما ينبغي التنبّه له ما شاع من مرويات ضعيفة في فضائل القرآن، حتى ربما كان رواجها أشهر لدى كثير من العامة من بعض ما صحّ من الأحاديث والآثار.
وكان من أسباب شيوع تلك المرويات الضعيفة والواهية تهاون بعض القُصّاص والوعّاظ في الرواية في هذا الباب، ورواية بعضهم بالمعنى بتصرّف مخلّ، وتساهل في الرواية عن بعض المتّهمين وشديدي الضعف، وغالب تلك المرويات مما يكون معناه مقبولا عند العامة؛ فيروج لمحبّتهم للقرآن، ورغبتهم في الأجر بنشر ما يحثّ على العناية به؛ حتى وصل الأمر ببعضهم إلى إشاعة الموضوعات في هذا الباب من غير تمييز.
ولأجل شهرة بعض القصّاص وعنايتهم برواية الأحاديث بالأسانيد أخذ عنهم بعض من لم يشترط الصحّة من المصنّفين من غير تمييز ولا بيان لضعف حالهم، بل ربّما ظنّه بعضهم صحيحاً.
وقد اختلفت مقامات العلماء المصنّفين وأوجه عنايتهم في التأليف في فضائل القرآن؛ فكان منهم من يشترط الصحّة فيما يرويه؛ كالبخاري ومسلم فيما رويا من أحاديث فضائل القرآن في صحيحيهما؛ فهؤلاء قد اتّقوا تلك المرويات وصانوا كتبهم عنها.
وكان منهم من يروي ما فيه ضعف محتمل كالنسائي وابن أبي شيبة والترمذي على تفاوت بينهم في ذلك.
وكان منهم من انصرفت همّته لجمع ما روي في هذا الباب فوقع في مصنّفاته مرويات واهية كما في فضائل القرآن لابن الضريس والفريابي، وكما في كتاب الغافقي الذي جمع فيه فأكثر ولم يميّز الغثّ من السمين.
وسنفرد باباً بإذن الله تعالى للتنبيه على بعض ما شاع من المرويات الضعيفة في فضائل القرآن). [بيان فضل القرآن:16 - 17]

جمهرة علوم القرآن 20 محرم 1439هـ/10-10-2017م 11:36 PM

المقدّمة السابعة: بيان درجات المرويات الضعيفة في فضائل القرآن


قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (المقدّمة السابعة: بيان درجات المرويات الضعيفة في فضائل القرآن
والمرويّات الضعيفة في فضائل القرآن على درجات:
الدرجة الأولى: المرويات التي يكون الضعف فيها محتملاً للتقوية، لعدم وجود راوٍ متّهم أو شديد الضعف في إسنادها، أو لكونها من المراسيل الجياد، أو الانقطاع فيها مظنون، ويكون معناها غير منكر في نفسه ولا مخالف للأحاديث الصحيحة؛ فمرويات هذه الدرجة قد رأى بعض العلماء روايتها والتحديث بها، بل رأى بعضهم العمل بها.
والدرجة الثانية: المرويات التي في إسنادها ضعف شديد، وليس في معناها ما ينكر من حيث الأصل، وربّما كان في بعضها ما يتوقّف فيه؛ فهذا النوع قد تساهل فيه بعض المصنّفين، وهو أكثر المرويات الضعيفة في هذا الباب.
والدرجة الثالثة: المرويات الضعيفة التي في معناها ما ينكر؛ إما لتضمّنها خطأ في نفسها أو لمخالفتها للأحاديث الصحيحة الثابتة، سواء أكان الإسناد شديد الضعف أو كان ضعفه مقارباً؛ لأنّ النكارة علّة كافية في ردّ المرويات.
والدرجة الرابعة: الأخبار الموضوعة التي تلوح عليها أمارات الوضع). [بيان فضل القرآن:18]

جمهرة علوم القرآن 20 محرم 1439هـ/10-10-2017م 11:41 PM

المقدّمة الثامنة: بيان الحاجة إلى تجديد وسائل النشر لعلم فضائل القرآن


قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (المقدّمة الثامنة: بيان الحاجة إلى تجديد وسائل النشر لعلم فضائل القرآن
علم فضائل القرآن من العلوم التي تمسّ الحاجة إلى تحرير القول فيها وإحسان بيانها، والدعوة إلى الله تعالى ببيان فضائل كتابه من أعظم مجالات الدعوة نفعاً، وأحسنها أثراً، إذا أحسن الداعية طريقة بيان فضل القرآن، وأحسن الدعوة إلى تلاوته وتدبّره واتّباع هداه.
وكم أسلم من كافر كان عنيداً شديد العداوة للإسلام بعد قراءته ما عرّفه فضل القرآن، ومنهم من يُترجم له بعض ذلك فيقرأ ويتأثر ويسلم بسببه، وكم من غافل ذُكّر بفضل القرآن فتذكّر وأقبل على تلاوته وتدبّره فنفعه الله به.
وإن كان العلماء السابقين قد بذلوا في عصورهم ما أمكنهم من الوسائل لبيان فضائل القرآن والدعوة إليه تأليفاً وتدريساً ورواية وموعظة؛ فالحاجة في هذا العصر الذي يشهد توسّعا مذهلاً في وسائل النشر تقتضي من طلاب العلم الصادقين العناية بهذا الأمر، والإسهام بما يستطيعون بنشر ما أمكنهم في وسائل التواصل الاجتماعي وقوائم البريد الإلكترونية وفي المواقع والمنتديات، وطباعة الكتاب والرسائل والمطويات، وإنتاج المقاطع الصوتية والمرئية، وترجمة المقالات والكلمات إلى لغات متعددة، ونشرها بالوسائل المتاحة، وكلّ ذلك من أبواب الخير العظيمة التي ينبغي لكلّ طالب علم أن يكون له إسهام فيها.

لكن يجب أن يُتنبّه إلى العناية بأمرين مهمّين:
أحدهما: التوثّق من صحّة ما ينشر، وأن لا يعجل بنشر شيء قبل أن يطمئنّ لصحّته.
والأمر الآخر: مراعاة الحكمة وحسن الأسلوب في التحرير والنشر.
وذلك لأجل أن يكون ما ينشره صحيحاً متقناً، والله تعالى قد كتب الإحسان في كلّ شيء، فما بالكم بأمر الإحسان في بيان فضل كتابه العظيم.
والناس يتفاوتون فيما يفتح الله به عليهم وما يمكّنهم منه وما يهبهم من القدرات والملكات؛ فمنهم من يحسن التأليف والتحرير، ومنهم من يحسن الترجمة، ومنهم من يحسن الإخراج والتصميم، ومنهم من يحسن النشر، ولو قام كلّ واحد بما يحسن وأفاد أهل لسانه؛ لأثمر ذلك - بإذن الله تعالى - دعوة مباركة طيّبة إلى كتاب الله تعالى، وتعريف أمم الأرض به، وبيان محاسنه وفضائله لهم). [بيان فضل القرآن:19 - 20]

جمهرة علوم القرآن 20 محرم 1439هـ/10-10-2017م 11:47 PM

الباب الثاني: شرح معاني أسماء القرآن وصفاته
شرح معاني أسماء القرآن وصفاته

قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (شرح معاني أسماء القرآن وصفاته
من دلائل فضل القرآن الكريم تعدّد أسمائه وصفاته، وتلك الأسماء والصفات دالة على معانٍ جليلة وآثار عظيمة مباركة يتبيّن للمتأمّل فيها دلائل فضل القرآن العظيم، وعظم شأنه.
فأمّا أسماؤه فهي أسماء متضمّنة لصفات لها آثارها التي لا تتخلف عنها، فليست أعلاماً محضة موضوعة للتعريف المجرّد، وإنما هي أعلام ذات أوصاف مقصودة، ودلائل بيّنة). [بيان فضل القرآن:21]

جمهرة علوم القرآن 20 محرم 1439هـ/10-10-2017م 11:53 PM

أسماء القرآن:

قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (أسماء القرآن:
وهي أربعة أسماء: القرآن والفرقان والكتاب والذكر.
- قال ابن جرير الطبري: (إن الله عز وجل سمى تنزيله الذي أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أسماء أربعة).
ثم ذكر الأسماء المتقدمة بأدلتها.
- وقال أبو إسحاق الزجاج: (يُسمَّى كلام الله الذي أنزله على نبيه صلى الله عليه وسلم كتابا، وقرآنا، وفرقانا، وذكراً).
- وقال ابن عطية في مقدمة تفسيره: (باب في تفسير أسماء القرآن وذكر السورة والآية، هو القرآن وهو الكتاب وهو الفرقان وهو الذكر).

وأما صفات القرآن فكثيرة جليلة جامعة لمعان عظيمة؛ فوصفه الله بأنه عليٌّ حكيم، ومجيد وكريم، وعزيز وعظيم، ومبارك وقيم، وأنه ذِكْرٌ وذكرى، وهدى وبشرى، وتذكرة وموعظة، وبصائر ورحمة، ونور وبيان، وشفاء وفرقان إلى غير ذلك من صفاته الجليلة العظيمة). [بيان فضل القآن:21 - 22]

جمهرة علوم القرآن 20 محرم 1439هـ/10-10-2017م 11:59 PM

الفرق بين الإسم والصفة

قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (الفرق بين الإسم والصفة
والفرق بين الاسم والصفة: أن الاسم يصح أن يطلق مفرداً معرّفاً كما قال الله تعالى: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم} ، وقال: {تبارك الذي نزّل الفرقان على عبده}، وقال: {الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب} وقال: {إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وإنه لكتاب عزيز}.
وأما الصفات فهي لازمة للموصوف الظاهر أو المقدّر؛ فلا تدلّ الصفة بمجرّدها على الموصوف إلا أن يكون مذكوراً ظاهراً أو معروفاً مقدّراً:
- فالظاهر كقوله تعالى: {إنه لقرآن كريم}، {والقرآن المجيد}؛ فإذا أفردت الصفة عن الموصوف؛ فقلت: "الكريم" و"المجيد" انصرف المعنى إلى ما هو أقرب إلى الذهن.
- والمقدّر نحو قوله تعالى: {هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين} على القول بأن مرجع اسم الإشارة إلى القرآن وهو أحد القولين في هذه الآية.
ومن الفروق بين الاسم والصفة أن الصفة غير المختصة تحتاج إلى تعريف لتتضح دلالتها على الموصوف بخلاف الأسماء التي جعلت أعلاماً على المراد.
فقوله تعالى: {فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا} وصف النور بما يدلّ على أنّ المراد به القرآن، ولو أفرد لفظ "النور" وعزل عن هذا السياق إلى سياق آخر لانصرف المعنى إلى ما هو أقرب إلى الذهن.
وقد توسّع بعض العلماء في تعداد أسماء القرآن؛ فعدّوا صفاته من أسمائه، واشتقّوا له أسماء من بعض ما أخبر الله به عنه، وهو خطأ بيّن.
قال الزركشي: (وقد صنف في ذلك الحرالي جزءا وأنهى أساميه إلى نيف وتسعين وقال القاضي أبو المعالي عزيزي بن عبد الملك رحمه الله اعلم أن الله تعالى سمى القرآن بخمسة وخمسين اسماً).
وزعم الفيروزآبادي أن للقرآن مائة اسم وعدّ نيّفا وتسعين اسما منها، وفي كثير منها تكلّف لا يصحّ؛ حتى عدّ في أسمائه: النجوم والنعمة والثقيل والمثبّت والمرتَّل والتفسير.
وأكابر العلماء يفرّقون بين الأسماء والصفات والأخبار.

والأسماء المتضمّنة للصفات يصحّ اعتبارها أسماء ويصح اعتبارها أوصافاً؛ فتقول: إن الفرقان من أسماء القرآن، وتقول: إن من صفات القرآن أنه فرقان.

والتفكر في معاني أسماء القرآن وصفاته، وتأمّل دلائلها العظيمة، وآثارها المباركة يفتح للمؤمن أبواباً من اليقين النافع الذي يجد أثره في قلبه ونفسه، ويعرّفه بفضله وعُلُوِّ قَدْرِهِ وَعِظَمِ شأنه، ويرغّبه في تلاوته وتدبّره واتّباع هداه). [بيان فضل القرآن:22 - 23]



جمهرة علوم القرآن 21 محرم 1439هـ/11-10-2017م 12:04 AM

فصل في شرح معاني أسماء القرآن
معنى اسم "القرآن"

قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (معنى اسم "القرآن"
فمن أسمائه القرآن، وهو أصل أسمائه وأشهرها، وسمّي قرآناً لأنّه الكتاب الذي اتّخذ للقراءة الكثيرة التي لا يبلغها كتاب غيره.
وقد اختلف العلماء في اشتقاق لفظ "القرآن" على قولين:
القول الأول: أنه علم جامد غير مشتق، وهو قول الشافعي وجماعة من العلماء، وكان الشافعي ينطق اسم القرآن بغير همز "القُران" وهي قراءة ابن كثير المكّي.
وقد روى ابن عبد الحكم عن الشافعي أنه كان يقول: (القُرَان اسم وليس بمهموز، ولم يؤخذ من قرأت، ولكنه اسم لكتاب الله، مثل التوراة والإنجيل).
والقول الثاني: أنه مشتق، واختلف في أصل اشتقاقه على ثلاثة أقوال:
- أحدها: أنه مشتق من القراءة التي هي بمعنى التلاوة، تقول: قرأت قراءة وقرآنا، قال الله تعالى: {فإذا قرأناه فاتّبع قرآنه}.
وقال حسان بن ثابت في رثاء عثمان بن عفان:
ضحّوا بأشمط عنوان السجود به .. يقطّع الليل تسبيحا وقرآنا
أي قراءة، وهذا القول قال به ابن جرير الطبري، وأسند معناه إلى ابن عباس، ورجّحه ابن عطية.
وعلى هذا القول يكون القرآن بمعنى المقروء، تسمية للمفعول بمصدره.
- والقول الثاني: أنه مشتقّ من الجمْعِ، وهو مروي عن قتادة، وقال به أبو عبيدة والزجاج وجماعة من العلماء، واحتجوا بقول عمرو بن كلثوم:
ذراعي عيطل أدماء بكر .. هجان اللون لم تقرأ جنينا
قالوا: أي: لم تضمّ في رحمها ولداً.
قال أبو عبيدة: (وإنما سمّى قرآنا لأنه يجمع السور فيضمها).
- والقول الثالث: أنه مشتق من الإظهار والبيان، وأن القراءة إنما سمّيت قراءة لما فيها من إظهار الحروف، وبيان ما في الكتاب، وقد قال بهذا القول قطرب، وفسّر قول عمرو بن كلثوم: (لم تقرأ جنينا) بالولادة؛ أي لم تُلْقِ من رحمها ولداً، وأرجع المعنى إلى أصل الإظهار والبيان.
قال قطرب فيما ذكره عنه أبو منصور الأزهري في الزاهر: (إنما سُمي القرآن قرآناً، لأن القارئ يُظهره ويبيّنه، ويلقيه من فيه).

وأرجح الأقوال أنه مشتق من القراءة، وأنه سمّي قرآنا لأنّه كتابٌ اتُّخذَ للقراءة الكثيرة التي لا يبلغها كتاب غيره، ويدلّ على ذلك بناء الاسم على صيغة "فُعْلان" التي تدلّ على بلوغ الغاية، كسُبحان وحُسبان وغُفران وشُكران، مع ما دلّ عليه قول الله تعالى: {حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3)}
وقال تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ}.
والقُرآن والقُرَان بمعنى واحد، وإنما هما لغتان إحداهما بالهمز، والأخرى بالنقل والتسهيل.
قال ابن عاشور: (اتفق أكثر القراء على قراءة لفظ "قرآن" مهموزاً حيثما وقع في التنزيل، ولم يخالفهم إلا ابن كثير قرأه بفتح الراء بعدها ألف على لغة تخفيف المهموز، وهي لغة حجازية، والأصل توافق القراءات في مدلول اللفظ المختلف في قراءته).
وذهب علم الدين السخاوي إلى أنّ "قُران" مشتقّ من "قَرَنْتُ" بمعنى الجمع، وذهب بعضهم إلى أنّه اسم جمع، والصواب ما تقدّم). [بيان فضل القرآن:24 - 26]

جمهرة علوم القرآن 21 محرم 1439هـ/11-10-2017م 12:08 AM

معنى اسم "الكتاب"

قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (معنى اسم "الكتاب"
وأما تسميته بالكتاب؛ فلأنّه مكتوب، أي مجموع في صحف، قال الله تعالى: {ذلك الكتاب لا ريب فيه}، وقال تعالى: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم . نزّل عليك الكتاب بالحق}، وقال: {حم والكتاب المبين}.
واللام في هذه المواضع للعهد الذهني الذي يجعل القرآن أولى به مما سواه عند الإطلاق.
ويطلق لفظ "الكتاب" أحيانا على كلّ ما أنزله الله من الكتب، فيكون التعريف فيه للجنس المخصوص؛ كما قال الله تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ (69) الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70)}
وقال تعالى: { هَاأَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ..}
ويطلق أحيانا على التوراة والإنجيل خاصّة؛ كما في قول الله تعالى: { وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} وقوله: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ}.
وله إطلاقات أخرى بحسب السياق.
والكتاب "فِعال" بمعنى "مفعول" أي "مكتوب"؛ واشتقاقه من الجمع والضم على قول كثير من العلماء.
قال بعضهم: إن الكتاب سمّي كتاباً لجمعه الأحرف وضمّها؛ كما سمّيت الكتيبة كتيبة لضمّها الجنود المقاتلين.
وهذا في تسمية جنس الكتب بذلك.
وأمّا تسمية القرآن بالكتاب؛ فالأظهر أنه سمّي بذلك للدلالة على جمعه ما يُحتاج فيه إلى بيان الهدى في جميع شؤون العباد؛ فجمع الأحكام والحكمة والآداب والبصائر والمواعظ والهدى وما تقوم به مصالح دينهم ودنياهم.
ومما يدلّ على هذا المعنى أنّ الله تعالى وصفه بالكتاب المبين، وحذف متعلّق البيان لإفادة العموم). [بيان فضل القرآن:26 - 27]

جمهرة علوم القرآن 21 محرم 1439هـ/11-10-2017م 12:11 AM

معنى اسم"الفرقان"

قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (معنى اسم"الفرقان"
وأما تسميته بالفرقان؛ فلأنّه فرقان بين الحقّ والباطل؛ وبين سبيل المؤمنين وسبل الفاسقين من الكفار والمنافقين.
والفُرْقَان مصدر مفخّم للدلالة على بلوغ الغاية في التفريق وبيان الفَرْق، وأوجه التفريق القرآني كثيرة متنوّعة.
قال ابن جرير الطبري: (وأصل "الفرقان" عندنا: الفرق بين الشيئين والفصل بينهما. وقد يكون ذلك بقضاء، واستنقاذ، وإظهار حجة، ونصر وغير ذلك من المعاني المفرّقة بين المحق والمبطل؛ فقد تبين بذلك أن القرآن سمي "فرقانا"، لفصله -بحججه وأدلته وحدود فرائضه وسائر معاني حكمه- بين المحق والمبطل. وفرقانه بينهما: بنصره المحق، وتخذيله المبطل، حكما وقضاء)ا.هـ.

وفرقان القرآن عامّ في الدنيا والآخرة:
فهو في الدنيا فرقان بين الحق والباطل؛ يعرّف بالحقّ ويبيّن أدلته، وصفات أهله، وآدابهم وأحكامهم وجزاءهم، ويعرّف بالباطل ويبيّن سبله ويبيّن بطلانه، ويعرّف بصفات أهله وعلاماتهم وجزاءهم في الدنيا والآخرة.
وهو فرقان للمؤمن المتّقي يكشف له ما يلتبس عليه في أمور دينه ودنياه، فقد يشتبه على المرء أمران ويعتلجان في صدره لاشتباههما والتباس بعضهما ببعض؛ فلا يطمئنّ حتى يتبصّر بالتفريق بينهما؛ ويكون على بيّنة من أمره؛ كما قال مسكين بن عامر الدارمي:
يا رُبَّ أمرين قد فرّقت بينهما .. من بعد ما اشتبها في الصدر واعتلجا

أُديم ودي لمن دامت مودّته .. وأمزج الودَّ أحياناً لمن مزجا
والمقصود أنّ القرآن فيه فرقان للمؤمن في تلك الأمور التي تعتلج في الصدر وتشتبه في ظاهر الأمر.

وهو فرقان لأنّه يفرق صاحبه بما يرشده به إلى صراط الله المستقيم عن مشابهة المغضوب عليهم والضالين في أعمالهم وأقوالهم وأحوالهم وعاقبتهم؛ فيهدي صاحبه إلى الهدى الأقوم الذي يصلح به شانه، وينال به الكفاية من ربّه، وحسن العاقبة في الدنيا والآخرة.

وهو في الآخرة فرقان مبين يفرّق بين أتباعه ومخالفيه؛ فيشفع لمن آمن به واتّبع هداه ويحاجّ عنه ويظلّه في الموقف العظيم، ويمحل بمن كفر به وخالف هداه واشترى به ثمناً قليلاً). [بيان فضل القرآن:27 - 29]

جمهرة علوم القرآن 21 محرم 1439هـ/11-10-2017م 12:15 AM

معنى اسم "الذكر"


قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (معنى اسم "الذكر"
وأما تسميته بالذكر وذي الذكر؛ فقد وردت في مواضع من القرآن منها قول الله تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبيّن للناس ما نزّل إليهم ولعلهم يتفكرون} ، وقوله: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}.
ونسبه إليه نسبة تشريف وتعظيم فقال: {بل هم في شكّ من ذكري}.
وسمّاه بذي الذكر في قوله تعالى: {ص . والقرآن ذي الذكر}.
وللذكر هنا معنيان:
أحدهما: بمعنى التذكير.
والآخر: بمعنى المذكور.

فأما المعنى الأول: فالدلالة عليه ظاهرة في مواضع كثيرة من القرآن الكريم؛ بل هو من أعظم مقاصد إنزاله كما قال الله تعالى: {طه . ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى . إلا تذكرة لمن يخشى} وقال: {كلا إنّه تذكرة}
فسمّي بالذكر على هذا المعنى لكثرة تذكيره وحسنه؛ فهو يذكّر العبد بربّه جلّ وعلا، ويذكّره بسبيل سعادته وفوزه برضوان ربّه تعالى وعظيم فضله وثوابه، ويذكّره بما يجب عليه أن يتجنّبه ليتّقي سخطه وعقابه؛ ويذكّره بما ينفعه في دينه دنياه وآخرته من أنواع الذكرى الكثيرة والمتنوّعة والمحكمة.
وقد وصف الله تذكيره بالإحكام والدلالة على الحكمة؛ كما قال الله تعالى: {ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم}؛ فهو ذِكْرٌ حكيمٌ مَن اتّبعه هداه إلى الصراط المستقيم؛ كما قال الله تعالى: { إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11)}
ومن أعرض عنه فقد خسر وغُبن، إذ فاته الفضل العظيم والثواب الكريم، وباء بالخسران والحرمان، والذلّ والهوان، والعذاب الأليم والخزي العظيم؛ كما بيّن الله ذلك بقوله: { وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَاوَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29)}
وقال تعالى: { وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126)}

والمعنى الثاني: الذكر بمعنى المذكور أي الذي له الذكر الحسن، والشرف الرفيع، والمكانة العالية.
قال الله تعالى: {وإنّه لذكر لك ولقومك}، وقال تعالى: {والقرآن ذي الذكر}.
قال ابن عباس وسعيد بن جبير وغيرهما: ذي الشَّرَف.
ومن آثار هذا المعنى أن القرآن يرفع أصحابه ويجعل لهم ذكراً؛ فإنّ تشرّفهم به ورفعتهم به أثر من آثار شرفه هو ورفعته). [بيان فضل القرآن:29 - 30]

جمهرة علوم القرآن 22 محرم 1439هـ/12-10-2017م 11:06 AM

فصل في شرح معاني صفات القرآن

قال عبد العزيز بن داخل المطيري:
(فصل في شرح معاني صفات القرآن
وأما صفات القرآن التي وصفه الله بها في كتابه العظيم فهي صفات جليلة بديعة جامعة لمعانٍ عظيمة من تأمّلها حقّ التأمّل أيقن بعظمة هذا القرآن، وعظمة صفاته وآثاره في الدنيا والآخرة.

وسأوجز الحديث في بيان معانيها وسعة دلائلها وجلالة آثارها ليستدلّ الموفّق اللبيب بما ذُكِرَ على عظمة ما لم يُذكر، ويعذرَ المتحدّثَ في تقصيره وقصوره عن بلوغ ما يستحقّه هذا القرآن العظيم من حسن التعريف بصفاته وبيان عظم شأنها وعلوّ قدرها ولطائف إشاراتها). [بيان فضل القرآن:31]

جمهرة علوم القرآن 22 محرم 1439هـ/12-10-2017م 11:09 AM

وصفه بأنه عليٌّ

قال عبد العزيز بن داخل المطيري:
ما وصفه بأنه عليٌّ
فقد ورد في قول الله تعالى: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ}وهذا الوصف يشمل علوَّ قدره ومنزلته، وعلو صفاته، وتنزهه عن الباطل والاختلاف والتناقض والضعف وسائر ما لا يليق بكلام الله تعالى من أوصاف النقص، وهذا الوصف له ما يقتضيه كما قال ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ}، قال: بَـيَّنَ شرفَه في الملأ الأعلى، ليشرِّفَه ويعظِّمَه ويطيعَه أهلُ الأرض)). [بيان فضل القرآن:31]

جمهرة علوم القرآن 22 محرم 1439هـ/12-10-2017م 11:13 AM

وصفه بأنه حكيم

قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (وصفه بأنه حكيم
وأما وصفه بأنه حكيم
؛ فيتضمن ثلاثة معانٍ:
أحدها:أنه مُحكم لا اختلاف فيه ولا تناقض كما قال تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}وقال: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}.
والثاني:أنه حكيم بمعنى حاكم على الناس في جميع شؤونهم شاؤوا أم أبوا، أما المنقادون لحكمه الشرعي فيجدون فيه بيان الحق فيما اختلفوا فيه، وأما المعرضون ففيه بيان ما يصيبهم من الجزاء النافذ فيهم في الدنيا والآخرة.
وهو -كذلك - حاكم على ما قبله من الكتب ومهيمن عليها وناسخ لها وشاهد بصدق ما أنزل الله فيها كما قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ}
وهو حاكم فيما اختلف فيه أهل الكتاب قبلنا كما قال تعالى: {إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}، وقال: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ}.
والمعنى الثالث:أنه ذو الحكمة البالغة، كما قال تعالى: {ذَٰلِكَ مِمَّا أَوْحَىٰ إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ}، وقد جمع الله فيه من جوامع الكلم المبينة لأصول الدين وفروضه وآدابه ومحاسن الأخلاق والمواعظ والحقوق والواجبات والأمثال والقصص الحكيمة ما لا يوجد في كتاب غيره فمن أخذها وعمل بها فقد أخذ الحكمة من أعظم مصادرها وأقربها وأيسرها، وفي تفسير قول الله تعالى:{وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا}
قال أبو الدرداء في تفسير الحكمة: (قراءة القرآن والفكرة فيه) رواه ابن ابي حاتم.
وقال ابن عباس: (يعني المعرفة بالقرآن ناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه ، ومقدمه ومؤخره، وحلاله وحرامه، وأمثاله). رواه ابن جرير وابن أبي حاتم.
وقال قتادة: (الحكمة: الفقه في القرآن). رواه ابن جرير
وروي نحوه عن مجاهد وأبي العالية الرياحي ومقاتل بن حيان.
وروي عن غيرهم أوجهاً أخرى في تفسير الحكمة لا تعارض ما سبق لأن أصل الحكمة ومجامعها في القرآن الحكيم ). [بيان فضل القرآن:32 - 33]

جمهرة علوم القرآن 22 محرم 1439هـ/12-10-2017م 11:15 AM

وصفه بأنه مجيد

قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (وصفه بأنه مجيد
وأما وصفه بأنه مجيد
؛ فيتضمن معنيين:
-
أحدهما:أنه المُمَجَّد أي الذي له صفات المجد والعظمة والجلال التي لا يدانيها أي كلام ، المتنزه عما يقوله الجاهلون مما لا يليق به كدعوى بعض الكفار أنه سحر أو شعر أو من كلام البشر.
وذلك أن وصف المجد في اللغة يستلزم عدداً من صفات الكمال والجلال والعظمة التي يكون بها الموصوف مجيداً.
فكل صفة عظيمة يوصف بها القرآن هي من دلائل مجده.
-
والمعنى الآخر:أنه الممجِّد لمن آمن به وعمل بهديه؛ فيكون لأصحاب القرآن من المجد والعظمة والعزة والرفعة في الدنيا والآخرة ما لا ينالونه بغيره أبداً كما في صحيح مسلم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين))
-
قال الشافعي رحمه الله : (من قرأ القرآن عظمت قيمته).
-
ولا تجد كتاباً يعظِّمُ تاليه كما يعظِّم القرآن أصحابَه ويشرفهم ويكرمهم ويعلي منزلتهم.
روى الإمام أحمد والنسائي وجماعة من أهل الحديث بإسناد صحيح عن عبد الرحمن بن بديل بن ميسرة ، عن أبيه ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن لله عز وجل أهلين من الناس »
قالوا : ومن هم يا رسول الله ؟
قال :« أهل القرآن ؛ أهل الله وخاصته ».
فأضافهم الله إلى كتابه وأضافه إلى نفسه جل وعلا، وسماهم أهله وهل شرف يداني هذا الشرف؟!، وهل مجد فوق هذا المجد؟!
وما ظنك بإكرام الله لأهله؟!). [بيان فضل القرآن:33 - 34]

جمهرة علوم القرآن 22 محرم 1439هـ/12-10-2017م 11:18 AM

وصفه بأنه عزيز

قال عبد العزيز بن داخل المطيري:
(وصفه بأنه عزيز

وأما وصفه بأنه عزيز؛
فيتضمن عِزَّةَ القَدْرِ وَعِزَّة الغَلَبة وعزَّة الامتناع:
-
فأما عزة القَدْرِ فلأنه أفضلُ الكلام وأحسنُه، يعلو ولا يعلى عليه ، ويَحْكُم ولا يُحْكَم عليه، يغيِّر الدُّوَلَ والأحوال ولا يتغير.
قال الله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}وفي مسند الإمام أحمد من حديث جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( إن أحسن الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد )).
وهو عزيز القدر عند الله، وعند الملائكة، وعند المؤمنين.
قال أبو المظفر السمعاني: ({وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ}أي: كريم على الله ). وروي ذلك عن ابن عباس.
-
وأما عزة قدره عند المؤمنين فبينة ظاهرة ، ولا توجد أمة من الأمم تعتني بكتابها وتجله كما يجلّ المسلمون القرآن حتى إنهم من إجلالهم للقرآن لَيُجِلُّون حامل القرآن كما في سنن أبي داوود من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( إن من إجلال الله إجلال ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط )).
وهذا كله من عزَّةِ قَدْرِه.
- وأما عزة غلبته فلأن حججه غالبة دامغة لكل باطل كما قال تعالى: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ}وحجج القرآن أحسن الحجج وأبينها وأبعدها عن التكلف والتعقيد وأقربها إلى الفطرة الصحيحة والعقل الصريح وأعظمها ثمرة وفائدة، مَنْ عقلها تبين له الهدى، واستبانت له سبل الضالين، ومَنْ حاجَّ بها غَلَب ، ومن غَالبها غُلِب.
ومن عزة غلبته أنه غلب فصحاء العرب وأساطين البلاغة فلم يقدروا على أن يأتوا بمثله، ولا بمثل سورة واحدة منه، وقد تحدى الله المشركين الذين يزعمون أنه من أساطير الأولين وأنه قول البشر أن يأتوا بسورة من مثله فلم يستطيعوا ولن يستطيعوا حتى أقروا بذلك وهم صاغرون كما قال الوليد بن المغيرة على كفره : (والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أسفله لمغدِق، وإن أعلاه لمثمر، وما يقول هذا بشر) رواه البيهقي في دلائل النبوة.
- وأما عزة الامتناع فلأنَّ الله تعالى أعزَّه وحفظه حفظاً تاماً من وقت نزوله إلى حين يقبضه في آخر الزمان كما قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}فلا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولا تستطيعه الشياطين، ولا يمكن لكائد مهما بلغ كيده أن يبدله أو يحرفه أو يزيد فيه أو ينقص منه شيئاً.
فهو محفوظ من الشياطين، محفوظ من كيد الكائدين، لا يصيبه تبديل ولا تغيير، يُقرَأ على مرّ السنين والقرون كما أُنزل لا يُخْرَم منه حرف، ولا يبدل منه شيء). [بيان فضل القرآن:34 - 36]

جمهرة علوم القرآن 22 محرم 1439هـ/12-10-2017م 11:21 AM

وصفه بأنه كريم

قال عبد العزيز بن داخل المطيري:
(وصفه بأنه كريم

وأما وصفه بأنه كريم
؛
فوصف له دلائله الباهرة ومعانيه الخفية والظاهرة فهو كريم على الله ، كريم على المؤمنين، كريم في لفظه، كريم في معانيه، مُكَرَّم عن كل سوء، مكرِّمٌ لأصحابه، كثير الخير والبركة، كريم لما يجري بسببه من الخير العظيم الذي لا يَقْدُرُ قَدْرَه إلا الله.
وتفصيل وصفه بالكرم يرجع إلى خمسة معان في لسان العرب؛ لكلّ معنى شواهده اللغوية الصحيحة:

المعنى الأول: كرَم الحُسْن، ومن ذلك قول الله تعالى: {فأنبتنا فيها من كل زوج كريم} وقوله: {وقلن حاشا لله ما هذا بشراً إن هذا إلا ملك كريم}، وقوله: {وقل لهما قولا كريما}.
والقرآن كريم بالغ الحسن في ألفاظه ومعانيه.
والمعنى الثاني: كَرَم القَدْرِ وعلوّ المنزلة، فتقول: فلان كريم عليّ، أي ذو قَدْر ومكانة عالية عندي.
ومن المحمول على إرادة معنى رفعة القَدْر - وإن كان على سبيل التهكّم - قوله تعالى: {ذق إنك أنت العزيز الكريم}.
قال مجنون ليلى:
سقى بلدا أمست سليمى تحلّه .. من المزن ما تُروى به وتسيم
وإن لم أكن من ساكنيه فإنه .. يحلّ به شخص عليّ كريم

والمقصود أن القرآن كريمُ القَدْرِ عند الله تعالى، وعند المؤمنين، وبيان دلائل كَرَمِ قَدْرِهِ لو أفاض المتحدّث فيه لاستدعى ذلك منه سِفْراً كبيراً.
والمعنى الثالث: كَرم العطاء، وهو أشهر معانيه، حتى غلب على أفهام كثير من الناس فظنوه محصوراً فيه، وليس الأمر كذلك.
والقرآن كريم بهذا المعنى لكثرة ما يصيب تاليه من الخير والبركة بسببه، وكثرة ثواب تلاوته وحسن آثارها.
والمعنى الرابع: المكَرَّم عن كلّ سوء، وهو فرع عن كرم القَدْر، وأصله أن بناء فعيل يأتي في اللغة أحيانا على معنى المفعول؛ فيأتي الكريم بمعنى المكرَّم.
والمعنى الخامس: المكرِّم لغيره، وهو من آثار كرم العطاء وكرم الحسن وكرم القدْر، وأصله أن بناء فعيل يأتي في اللغة أحياناً على معنى الفاعل؛ فيأتي الكريم بمعنى المكرِّم.
وكلام المفسرين في معنى وصف القرآن بأنه كريم يدور حول هذه المعاني، وكل جملة من هذه الجمل لو تأمل الناظر دلائلها وآثارها لانفتح له من أبواب العلم والإيمان والفضل العظيم ما لا يكاد ينقضي منه العجب.
ولعل هذا يطلعك على بعض معاني القسم العظيم الجليل الذي أقسمه الله تعالى في سورة الواقعة إذ قال جلَّ وعلا: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ *وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ}
فينبغي لكل مؤمن أن يستشعر عظمة هذا القَسَم، ويجتهد في إدراك نصيبه من هذا الكَرَم). [بيان فضل القرآن:36 - 38]

جمهرة علوم القرآن 22 محرم 1439هـ/12-10-2017م 11:24 AM

وصفه بأنه عظيم

قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (وصفه بأنه عظيم
وأما وصفه بأنه عظيم؛
فيتضمن عظمة قَدْرِهِ وَعَظَمَةَ صفاته.

فالقرآن عظيم القَدْرِ في الدنيا والآخرة:
فأما عظمة قدره في الدنيا فتتبين من وجوه كثيرة:
منها: أنه كلام الله تعالى.
ومنها: إقسام الله تعالى به.
ومنها: كثرة أسمائه وأوصافه الدالة على عظمة قدره.
ومنها: أنه حاكمٌ على ما قبله من الكتب، وناسخ لها، ومهيمن عليها.
ومنها: أنه فرقان بين الهدى والضلالة، والحقّ والباطل.
ومنها: أنه يهدي للتي هي أقوم.
ومنها: أنه مصدر الأحكام الشرعية التي بها قيام مصالح العباد، وإليها يتحاكمون في فضّ منازعاتهم وحلّ مشكلاتهم ومعضلاتهم.
ومنها: أن الله خصّه بأحكام في الشريعة تبيّن حرمته وجلالة شأنه.
والأوجه الدالة على بيان عظمة قدْره كثيرة جداً يتعذّر حصرها.
وأما عظمة قدره في الآخرة فمن دلائلها:
- أنه يظلّ صاحبه في الموقف العظيم.
- وأنه شافع مشفّع وماحل مصدّق.
- وأنه يحاجّ عن صاحبه ويشهد له.
- وأنه يرفع صاحبه درجات كثيرة.
- وأنه يثقّل ميزان أصحابه بكثرة ما يجدون من ثواب تلاوته.
وأمّا عظمة صفاته فبيانها من وجهين:
الوجه الأول: أن كلّ صفة وصف بها القرآن؛ فهو عظيم في تلك الصفة؛ فكرمه عظيم، وبركته عظيمة، ومجده عظيم، وعلوّه عظيم، ونوره عظيم، وهداه عظيم، وشفاؤه عظيم، وفرقانه عظيم إلى غير ذلك من أسمائه وصفاته التي اتّصف في كلّ صفة منها بالعظمة فيها.
والوجه الثاني: أن كثرة أسمائه وصفاته العظيمة دليل آخر على عظمته). [بيان فضل القرآن:38 - 39]

جمهرة علوم القرآن 22 محرم 1439هـ/12-10-2017م 11:27 AM

وصفه بأنّه مبارَك

قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (وصفه بأنّه مبارَك
وأما وصفه بأنّه مبارَك؛
فقد ورد في مواضع من القرآن:

- منها قول الله تعالى: { وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155)}
- وقوله تعالى: { وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (50)}
- وقوله تعالى: { كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29)}
ومبارَك "اسم مفعول" يفيد أنَّ الذي باركه هو الله تعالى، ومعنى باركه أي أودع فيه البركة، وهي الخير الكثير المتزايد؛ فلا ينقص خيره، ولا يذهب نفعه، ولا تضعف ثمرته؛ بل خيره في ازدياد وتجدّد على مرّ القرون والأعصار.
وكون الذي باركه هو الله تعالى له آثار عظيمة على بركته؛ فهي بركة من العليم القدير الحكيم الواسع الأكرم؛ فاتّسعت بركته وعظمت، حتى كان مباركاً في كل شيء فلا يحرم بركته إلا شقيّ محروم.
وأنواع بركات القرآن كثيرة متنوّعة؛ فألفاظه مباركة، ومعانيه مباركة، ودلائله مباركة، وحيثما كان فهو مبارك لمن آمن به واتّبع هداه.
فمن بركاته: هداياته العظيمة التي يهدي بها للتي هي أقوم في كلّ شيء.
ومن بركاته: شفاؤه لما في الصدور، ولأدواء النفوس والأبدان.
ومن بركاته: كثرة ثواب تلاوته وتنوّعه.
ومن بركاته: ما يفيد من العلم والحكمة واليقين، والبصيرة في الدين.
ومن بركاته: ما يحصل به من جلاء الحزن، وذهاب الغم، ونور الصدر، وطمأنينة القلب، وسكينة النفس.
ومن بركاته: ما يكون لتاليه من زيادة الإيمان، وصلاح البال، وذهاب كيد الشيطان.
ومن بركاته: عِزّة أصحابه باتباعه، وثباتهم على الحق بتمسّكهم به، وتبصّرهم به في مواضع الفتن، وما يحصل لهم به من الفرقان العظيم بين الحق والباطل، والخروج من الظلمات إلى النور.
ومن بركاته: أنه يرفع أصحابه، ويكرمهم، ويكون لهم بسببه قَدْرٌ عظيم ومنزلة عالية.
ومن بركاته: أنه مبارك حيثما حَلّ؛ فالبيت الذي يُتلى فيه يكثر خيره ويتّسع بأهله، والصدر الذي يحفظه يتّسع وينفسح، والمجلس الذي يُتلى فيه تتنزّل عليه السكينة وتغشاه الرحمة وتحفّه الملائكة ويذكره الله فيمن عنده، حتى إن الوَرَق الذي يُكتب فيه لَيَكون له شأن عظيم بعد تضمّنه لآياته، وتكون له حرمته وأحكام الكثيرة في الشريعة.
وأما بركاته في الآخرة فبركات عظيمة جليلة، فهو مبارك على المؤمن في قبره، وفي الموقف العظيم، وفي الحساب، وفي الميزان، وفي الصراط، وعند ارتقائه في درجات الجنة). [بيان فضل القرآن:40 - 41]

جمهرة علوم القرآن 22 محرم 1439هـ/12-10-2017م 11:29 AM

وصفه بأنّه قيّم

قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (وصفه بأنّه قيّم
وأما وصفه بأنّه قيّم؛
فقد ورد في قول الله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1) قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2)}

وقوله تعالى: {رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً (2) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3)}
ولوصفه بالقيّم ثلاثة معان:
أحدها: أنه مستقيم لا عوج فيه، ولا خلل، ولا تناقض، ولا تعارض، بل يصدّق بعضه بعضاً، ويبيّن بعضه بعضاً، يأتلف ولا يختلف، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، يهدي إلى الحقّ وإلى طريق مستقيم.
قال الأمين الشنقيطي: (أي لا اعوجاج فيه ألبتة، لا من جهة الألفاظ، ولا من جهة المعاني، أخباره كلها صدق، وأحكامه عدل، سالم من جميع العيوب في ألفاظه ومعانيه، وأخباره وأحكامه)ا.هـ.
والمعنى الثاني: أنه قيّم على ما قبله من الكتب ومهيمن عليها، وشاهد بصدق ما أنزل الله فيها.
والمعنى الثالث: أنه القيّم الذي به قَوَام أمور العباد وقيام مصالحهم وشرائعهم وأحكام عباداتهم ومعاملاتهم، ويهديهم للتي هي أقوم في جميع شؤونهم). [بيان فضل القرآن:42]

جمهرة علوم القرآن 22 محرم 1439هـ/12-10-2017م 11:32 AM

وصفه بأنّه بصائر

قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (وصفه بأنّه بصائر
وأما وصفه بأنّه بصائر،
فقد ورد في قوله تعالى:{هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (203)}، وقال تعالى: { هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}، وقال تعالى: { قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104)}

والبصائر جمع بصيرة، وهي معرفة حقيقة الأمر وعاقبته، ويتفرّع على هذه المعرفة تبيّن الصواب والخطأ فيما يقع في ذلك الأمر.
والبصيرة مفتاح الهداية، والنجاة من الغواية، وسبب الثبات على الحقّ، واجتناب الباطل، وأصلها ما ينعقد في القلب من صحّة المعرفة.
قال الخليل بن أحمد: (البصيرةُ اسمٌ لِما اعتُقِدَ في القلب من الدِّين وحَقيق الأمر).
وسمّي القرآن بصائر لأنّه يبصّر بالحقائق في كل ما يُحتاج إليه؛ فيبصّر بالحقّ ويبيّنه، ويبيّن حسن عاقبته وجزاء أهله، وما يعترضهم من الابتلاءات والفتن، ويبيّن لهم طريق النجاة وأسباب الهداية، ويبصّر بقبح الباطل وشؤمه، وسوء عاقبة أهله، وسبب اغترارهم به، وطرق نجاتهم منه قبل فوات الأوان.
ويبصّر المؤمن بكيد عدوّه المتربّص به، ومداخل تسلّطه عليه، وكيف يتّقي شرّه وينجو من كيده،
ويبصّر المؤمنين بأعدائهم من الكفار والمنافقين، وطرقهم في المكر والكيد والتضليل، ويبيّن لهم سبيل السلامة من شرّهم، وما يتحقّق لهم به النصر والتمكين إن تمسّكوا به.
ويبصّر المؤمن بحقيقة هذه الدنيا ومقاصد إيجادنا فيها، وما فيها من سنن الابتلاء.
ويبصّره بأدواء القلوب وعلل النفوس وأسباب شفائها وطهارتها وزكاتها.
ويبصّر بأحكام الدين وشرائعه، وما تصلح به شؤون العباد في دينهم ودنياهم.
ويبصّر السالك بما يتقرّب به إلى ربّه جلّ وعلا، وكيف ينال محبّته ورضوانه، وكيف يبلغ - في كلّ شأن من شؤونه - مرتبة الإحسان التي هي أعلى المراتب، وجزاؤها أحسن الجزاء، إلى غير ذلك من أنواع البصائر المباركة التي عمّت كلّ ما يحتاجه المؤمن من البيّنات والهدى.
وبصائر القرآن كالكنوز الكثيرة في البحر العظيم؛ كلما أقبل عليها مَن يعرف قدرها وتأمّلها وقلّب النظر فيها واكتسب منها ما اكتسب وجدها تكثر وتتسع وتتنوّع حتى يوقن بأنّه لا يحيط بها من كثرة أنواعها وبركاتها، ووجد في كلّ بحث وتأمّل ما يسرّه ويبهجه مما لا ينقضي من العجب.
وأما الكافر والمنافق فإنّه ربّما عرضت له البصيرة من القرآن في الشيء العظيم البيّن وعرفه ثمّ أنكره فحرم من بركات بصائر القرآن، كما حرم الذين من قبل وكانوا مستبصرين؛ فزاغوا بعدما عرفوا الحقّ، وحرموا التوفيق لتكذيبهم وإعراضهم، وصرفوا بما افتتنوا به عن التبصّر بما أنزل الله إليهم، قال الله تعالى: { وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38)}
وقال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَامُوسَى مَسْحُورًا (101) قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَافِرْعَوْنُ مَثْبُورًا (102)}
وقال تعالى: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (13) وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14)}
ولذلك اختلف العلماء في معنى البصيرة؛ فمنهم من فسّرها بالاعتبار وهداية التوفيق، ومنهم من فسّرها بهداية الدلالة والإرشاد.
والصواب أنّ البصيرة جامعة للمعنين فأصلها من هداية الدلالة والإرشاد فمن آمن بها وتبصّر بها ازداد هداية وتوفيقا لمزيد من التبصّر النافع حتى يورثه اليقين والإمامة في الدين.
ومن أعرض عما تقتضيه بصائر القرآن من العمل واتّباع الهدى والإقبال على تعرّف بصائر القرآن والانتفاع بها استحقّ العقاب على تولّيه وإعراضه بأن يحرم فهم القرآن والتبصّر به، ويشغله ما افتتن به من لهو الدنيا وغرور الأمنيات ووساوس الشيطان عن الانتفاع ببصائر القرآن وازدياد العلم بها.
وقد اجتمع المعنيان في قول الله تعالى: { قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104)}
فالمبصر هو المنتفع ببصائر القرآن التي تدلّ على الهدى وتعرّفه به، والعمي هو الذي عوقب بالعمى لتعاميه وشدّة نفوره عن التبصّر ببصائر القرآن.
قال ابن القيم رحمه الله: (قال ابن الأعرابي: "البصيرة الثبات في الدين"، وقيل: البصيرة العبرة، كما يقال: أليس لك في كذا بصيرة؟ أي: عبرة، قال الشاعر:
في الذاهبين الأوّلين ... من القرون لنا بصائر
والتحقيق أنّ العبرة ثمرة البصيرة؛ فإذا تبصَّر اعتبر؛ فمن عدم العبرة فكأنَّه لا بصيرة له، وأصل اللفظ من الظهور والبيان؛ فالقرآن بصائر: أي أدلة وهدى وبيان يقود إلى الحق ويهدي إلى الرشد)ا.هـ). [بيان فضل القرآن:43 - 46]

جمهرة علوم القرآن 22 محرم 1439هـ/12-10-2017م 11:34 AM

وصفه بأنّه هدى

قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (وصفه بأنّه هدى
وأمّا وصفه بأنّه هدى؛
فقد ورد في مواضع كثيرة من القرآن؛ منها قوله تعالى في أوّل سورة البقرة؛ {ألم . ذلك الكتاب لا ريب فيه . هدى للمتّقين}.

ومجيء هذه الآية في أوّل المصحف بعد الفاتحة التي فيها سؤال الهداية تنبيه على تضمّن القرآن للهداية التي يسألها المؤمنون وترغيب في الاهتداء به.
وقال تعالى: { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}
وقال: { وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52)}
وقال: { إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76) وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (77)}
وقال: { قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (44)}
وقال تعالى: { إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9)}
فهداية القرآن هداية عظيمة في شمولها لجميع شؤون العباد، وفي كونها تهدي للتي هي أقوم في كلّ شأن.
وهداية القرآن على مرتبتين:
المرتبة الأولى: الهداية عامّة لجميع الناس؛ تدلّهم على الحق، وعلى صراط الله المستقيم؛ فيعرفون به ما يجب عليهم وما يحرم، ويتبيّنون به ما تقوم به الحجّة عليهم، وما ينذرون به إذا خالفوا هدى القرآن، وما يبشّرون به إذا اتّبعوا هداه.
كما قال الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (41)} وقال فيه: {هدى للناس}.
والمرتبة الثانية: الهداية الخاصّة للمؤمنين التي يوفّقون بها لفهم مراد الله تعالى، ولما يتقرّبون به إليه؛ فيزيدهم هدى إليه.
ومن اتّخذ القرآن دليلاً له إلى الله تعالى أبصر به السبيل الذي يقرّبه إليه ويوجب له محبته ورضوانه وفضله العظيم بما أوجبه الله على نفسه من ذلك.
كما قال الله تعالى: {إن هذه تذكرة فمن شاء اتّخذ إلى ربّه سبيلا}.
فمن اهتدى بالقرآن هداه الله، ومن تمسّك به عُصم من الضلالة.
وعن أبي شريح الخزاعي، قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «أبشروا، أبشروا، أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟»
قالوا: نعم.
قال: «فإن هذا القرآن سبب طرفه بيد الله، وطرفه بأيديكم فتمسكوا به، فإنكم لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبدا» رواه ابن أبي شيبة وابن حبان وصححه الألباني.
والسبب هو الحبل، وقد فسّر قول الله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا ولا تفرّقوا} بالاعتصام بالقرآن.
قال عبد الله بن مسعود: (إن الصراط مُحتضَر تحضره الشياطين، ينادون: يا عبد الله، هلم هذا الطريق! ليصدوا عن سبيل الله؛ فاعتصموا بحبل الله، فإن حبل الله هو كتاب الله). رواه ابن جرير.
وقال قتادة: (حبل الله المتين الذي أمر أن يُعتصم به: هذا القرآن) رواه ابن جرير.
وهذا القول أحد الأقوال الخمسة المأثورة عن السلف في المراد بحبل الله، وهي أقوال تتفق ولا تختلف، ويدلّ بعضها على صدق بعض؛ ففسّر بالقرآن وبالتوحيد وبالجماعة وبالسنة وبعهد الله.
وفي صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبته في حجّة الوداع: (وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به، كتاب الله).
فمن تمسّك بالقرآن عُصم من الضلالة؛ وهذه من أعظم ثمرات هدى القرآن). [بيان فضل القرآن:46 - 49]

جمهرة علوم القرآن 22 محرم 1439هـ/12-10-2017م 11:38 AM

وصفه بأنّه نور

قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (وصفه بأنّه نور
وأمّا وصفه بأنّه نور؛
فقد ورد في مواضع من القرآن منها:

- قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا (174)}
- وقوله: { قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}
- وقوله: { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52)}
- وقوله: { فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (8)}
- وقوله: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)ْ}
فهو نور يضيء الطريق للسالكين؛ ويذهب عنهم ظلمة الشرك والعصيان وآثارها؛ فمن استضاء بنور القرآن أضاء له سبيله، وأبصر الحقائق، وعرف ما يأتي وما يذر، وكان على بيّنة من ربّه؛ حسن المعرفة بصراطه المستقيم، وبكيد الشيطان الرجيم، وعلل النفس المردية.
ومثل العبد في هذه الحياة الدنيا كمثل السالك في صحراء مظلمة مليئة بالمخاوف والهوامّ والسّباع وفي تلك الصحراء طريق آمن محصّن؛ ولا تُعرف معالم هذا الطريق إلا بنور يضيء لصاحبه حتى يعرفه؛ فمن سار في الظلمة تخبّط في سيره وتعرّض للمخاوف، ولم يصل إلى مأمنه، ومن استضاء بالنور أبصر الطريق المحصّن، وسار فيها آمنا، وكان على حذر من الزيغ عنه إلى مفاوز الظلمات الموحشة.
فالقرآن هو النور المبين الذي يستضاء به ليبين السبيل للسالكين، ويخرجوا من الظلمات إلى النور، ومن سبل الشياطين الموحشة المضلّة إلى صراط الله المستقيم.
وقد وصف الله نور القرآن بأنه نور مبين كما قال الله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا (174)}
وقد فسّر بمعنيين صحيحين:
أحدهما: أنه مبين بمعنى بَيّن أي ظاهر واضح يعرف أنه هو الحق لنوره الذي يميّزه عن غيره، ولهذا المعنى نظائر كثيرة في القرآن الكريم وفي كلام العرب.
والمعنى الآخر: أنه مُبين بمعنى مُبيِّن؛ لما فيه من بيان الحق والهدى للناس.
والمستنير بنور القرآن يتبيّن به حقائق الأمور، وسنن الابتلاء، وعواقب السالكين، ولا تغرّه مكائد الأعداء، وظواهر الفتن الخدّاعة، وحيل النفس الخفيّة، في حصن حصين من فتن الشبهات والشهوات لما يرى من قبحها وسوء عاقبتها إذ تبدّت له بوجهها الحقيقي المنفّر؛ يبصر فيها لا كبصر غيره، ويسمع فيها لا كسمع غيره؛ {مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (24)}.
وهو بهذا البصر المستنير بنور القرآن في حياة حقيقية؛ قد خرج من أسر الظلمات، ووجد حقيقة الحياة وطعمها وتبيّنت له غايته التي يسعى إليها، وطريقه الذي يوصله إلى غايته. { أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122)}
وهذا النور ملازم للانفساح وانشراح الصدر؛ لأنه يرى من آفاق السعة ورفع الحرج وكثرة أبواب الفضل والرحمة والمخارج من المضايق ما يدفع عنه الشعور بالضيق الناتج عن ضعف إبصارها لدى من قلّ نصيبه من الاستنارة بنور القرآن.
وهذا يطلعك على تفاوت الناس في الاستنارة بنور القرآن؛ وأعظمهم نصيباً منه أشرحهم صدراً وأزكاهم نفساً وأحسنهم بصيرة؛ قد انصرفت همّته إلى إحسان العمل وتجنّب الإثم؛ فازداد هداية وانشراحاً واستنارة بنور الله.
{أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22)}). [بيان فضل القرآن:49 - 51]

جمهرة علوم القرآن 22 محرم 1439هـ/12-10-2017م 11:42 AM

وصفه بأنّه بيان ومبين

قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (وصفه بأنّه بيان ومبين
وأمّا وصفه بأنّه بيان ومبين؛
فقد ورد في مواضع كثيرة من القرآن الكريم؛ فقال تعالى: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138)} على القول بأن مرجع اسم الإشارة هو القرآن الكريم، وهو قول الحسن البصري وقتادة.

وقال: { تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} في ثلاثة مواضع، وقال: {والكتاب المبين} في موضعين.
وبيان القرآن أحسن البيان وأعظمه وأجلّه في ألفاظه ومعانيه وهداياته.
فأما ألفاظه فهي على أفصح لغات العرب وأحسنها، لا تعقيد فيها ولا تكلف ولا اختلال، حسن الجريان على اللسان بلا سآمة ولا تعسّر، له حلاوة عند سماعه، وحلاوة عند تلاوته، يقرؤه الكبير والصغير ويحفظه من يشاء منهم لتيسر ألفاظه وحسنها. وقد تحدّى الله به أساطين فصحاء العرب، وهم متوافرون على أن يأتوا بمثله أو بسورة من مثله فلم يستطيعوا، ولو اجتمع أهل الأرض كلّهم على أن يأتوا بمثله لم يستطيعوا.
وقد اعتنى ببديع بيان ألفاظ القرآن جماعة من العلماء؛ فاستخرجوا من ذلك ما يبهر ويدهش من حسن البيان وإحكامه.
وأما بيان معانيه؛ فهو محكم غاية الإحكام؛ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولا يتعارض، ولا يتناقض، ولا يختلف؛ {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82)}.
وأما بيان هداياته ودلالتها على ما يحبّه الله ويرضاه، وعلى بيان الحقّ ونصرته، وعلى كشف الباطل ودحضه؛ وإرشاده إلى صراط الله المستقيم؛ فأمر ظاهر غاية الظهور؛ ولظهور بيانه للهدى أقام الله به الحجّة على الإنس والجن؛ وأمر نبيّه أن يذكّر به، وينذر به ، ويبشّر به؛ فأمره أن يقول: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ}
وقال تعالى: { قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْي}.
وقال تعالى: { فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (45)}
وقال: { وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ}.
وقال: { فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا (97)}). [بيان فضل القرآن:51 - 53]

جمهرة علوم القرآن 22 محرم 1439هـ/12-10-2017م 11:47 AM

وصفه بأنه ذِكْرٌ وذكرى وتذكرة

قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (وصفه بأنه ذِكْرٌ وذكرى وتذكرة
وأما وصفه بأنه ذِكْرٌ وذكرى وتذكرة؛
ففي آيات كثيرة من كتاب الله تعالى؛ بل جعل الله من أعظم مقاصد إنزال القرآن التذكير به؛ كما قال الله تعالى: { طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (3)}

وقال: { وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (48)}
وقال: { كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (54) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (55)}.
وقال: { إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} في ثلاثة مواضع.
وقال: { وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (50)}.
وقال: { كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2)}.
وقال: { أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51)}.
والآيات في هذا المعنى كثيرة، وتذكير القرآن على درجتين:
الدرجة الأولى: تذكير عامّ تقوم به الحجّة؛ كما قال الله تعالى: {وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا}
وقال تعالى: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (22) إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ (24)}
وهذا التذكير من استجاب له هداه الله به إلى صراطه المستقيم؛ ومن أعرض عنه وزهد فيه انتقم الله منه، وعاقبه بالحرمان من فقهه والانتفاع به؛ وتلك أعظم العقوبات في الدنيا؛ كما قال الله تعالى: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (22)}
وقال تعالى: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (57)}
وقال تعالى: { وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37)}.
وقال تعالى: {أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (13) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ}.

والمقصود أن هذا التذكير العام تقوم به الحجّة، ولا ينفع إلا من استجاب لله عزّ وجلّ واتّبع هداه.
والدرجة الثانية: التذكير النافع؛ وهو تذكير خاصّ بالمؤمنين؛ كما قال الله تعالى: {وذكّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين}، وقال: {وما يذكّر إلا من ينيب} وقال: {سيذكّر من يخشى}
والخشية والإنابة من أعمال الإيمان، وكلما كان العبد أكمل إيمانا كان نصيبه من التذكّر أعظم وأنفع.
ولذلك كان نصيب أهل الخشية والإنابة من ذلك أحسن النصيب.
وتذكير القرآن له أنواع كثيرة:
فمنها: تذكير العبد بربّه جلّ وعلا، وتعريفه بأسمائه وصفاته الموجبة لمحبّته؛ فيحبّه ويعظّمه ويتقرّب إليه.
ومنها: تذكيره بفضله ورحمته وعظيم ثوابه في الدنيا والآخرة؛ فيرجوه ويتقرّب إليه.
ومنها: تذكيره بشدّة عقوبته وبطشه؛ فيخافه ويخشاه، ويتقرّب إليه خوفا من عقابه.
وهذه الأركان الثلاثة: المحبة والخوف والرجاء عليها مدار عبودية القلب.
ومنها: تذكير العبد بنعم الله وآلائه؛ فيذكره ويشكره ويحبّه.
ومنها: تذكيره بحقيقة الدنيا والنفس وكيد الشيطان وأعداء الدين؛ فيعرف حقائق ذلك، وينجو من فتن عظيمة مضلّة.
ومنها: تذكيره بالموت وسكرته وبالقيامة وأهوالها وبالحساب والجزاء والجنّة والنار؛ فيستعدّ للقاء الله تعالى، ويتيقّن قصر مدّة بقائه في هذه الدنيا مهما عُمّر فيها.
إلى غير ذلك من الأنواع التي عليها مدار تذكير القرآن). [بيان فضل القرآن:53 - 55]

جمهرة علوم القرآن 22 محرم 1439هـ/12-10-2017م 11:51 AM

وصفه بأنّه موعظة

قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (وصفه بأنّه موعظة
وأما وصفه بأنّه موعظة،
فقد ورد في آيات من القرآن الكريم، منها قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)}

وقوله: { هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138)}
وقوله: {وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (34)}.
والموعظة هي التذكير بما يليّن القلب ليزدجر عن السوء فيسلم من عقوبته ومغبّته، ويحذر فوات الخير ويتبيّن خطر التفريط فيه فيبادر إليه ليغنم.
قال ابن سيده: (الموعظة: تذكرتك الإنسان بما يلين قلبه من ثواب وعقاب).
ومواعظ القرآن أحسن المواعظ وأنفعها، وأعظمها أثراً؛ فهي مواعظ مبناها على العلم التامّ والرحمة والحكمة، وغاياتها إرشاد الناس لما فيه خيرهم وعزّهم ونجاتهم، وقد قال الله تعالى: {إنّ الله نعمّا يعظكم به}؛ ومن تأمّل مواعظ القرآن وجدها دالّة على الخير والرحمة والإصلاح والنهي عن السوء والفساد والمنكرات.
ومهما بلغ حال العبد من السوء وارتكاب الموبقات إذا فعل ما وعظه الله به في كتابه، وصدق في ذلك؛ ظهر أثر مواعظ القرآن على قلبه ولسانه وجوارحه، حتى يهتدي إلى صراط الله المستقيم وينال فضله العظيم ويخرج مما كان فيه من الظلمات والضلالات والموبقات، وقد قال الله تعالى في المنافقين الذين هم شرّ الناس منزلةً لجمعهم بين الكفر والنفاق وارتكابهم كثيراً من أعمال السوء القبيحة { وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (68)}.
وهذا يدلّ على أنّ مواعظ القرآن ما حلّت في قلب إلا أثمرت فيه هداية وصلاحاً وخيراً عظيماً، وأنّ الشأن كلّ الشأن هو في اتّعاظ العبد بمواعظه، وأن الخسران المبين هو في الإعراض عنها). [بيان فضل القرآن:55 - 57]

جمهرة علوم القرآن 22 محرم 1439هـ/12-10-2017م 11:54 AM

وصفه بأنّه شفاء

قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (وصفه بأنّه شفاء
وأمّا وصفه بأنّه شفاء؛
فقد ورد في مواضع من القرآن؛ منها قول الله تعالى: { وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82)}

وقوله: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)}
وقوله: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (44)}
فوصفه الله بأنّه شفاء؛ وجعل هذا الشفاء منحة خاصّة للمؤمنين؛ ففيه شفاء لنفوسهم من عللها وأدوائها التي مرجعها إلى أمرين:
- ظلمها بتعدّيها حدود الله؛ فيصيبها من مغبّة مخالفتها لهداه ما تشقى به.
- وجهلها بما ينفعها ويزكّيها ويكمّلها.
والأصل في وصف الإنسان أنّه ظلوم جهول؛ كما قال الله تعالى: { وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72)}
أي أن هذا من طبعه وعادته؛ فيتعدّى حدود الله اتّباعاً لهواه؛ فيظلم نفسه بما يجرّ عليها من البلاء والعلل والأدواء والعناء والشقاء.
ويجهل فينصرف إلى تناول ما يضرّه ولا ينفعه؛ ويشقيه ولا يشفيه.
وتتنوّع مظاهر الشقاء في النفس البشرية وتتفاوت بحسب بعدها عن هدى الله؛ وينشأ فيها من علل الجهل والظلم، والعُجْبِ والكبْر، والشكّ والحيرة، والشحّ والبخل، والحرص والحسد، والعشق والتعلقّ، وغيرها من العلل تجرّ على من اتّصف بها أو ببعضها ألواناً من الشقاء العظيم والعذاب الوبيل.
وتلك العلل تفسد التصوّر والإرادة؛ فيحصل بفساد التصوّر افتتان بفتن الشبهات؛ فيرى الباطل حقّاً، والحقّ باطلاً، والمعروف منكراً، والمنكر معروفاً؛ ويزداد بذلك عذاب حيرته وشكّه وظلمة قلبه.
ويحصل بفساد الإرادة افتتان بأنواع من الشهوات، وتعلّق القلب بها حتى يجد من أليم عذابها وعظيم مصابها ما تشقى به حياته، ويظلم به فؤاده.
واللبيب الموفّق إذا أبصر ما أصاب الناس من علل نفوسهم وأدوائها وما أنتجته لهم تلك العلل من عذاب وشقاء أدرك أنّه لا مخرج منها إلا بشفاء يأتي من الله؛ شفاء يصحّ به التصوّر فيعرف الحقّ وحسنه ويبصره بدلائله الظاهرة، ويتبيّن فضله وثمرته وحسن عاقبته، ويعرف الباطل وقبحه ويبصره بدلائله الظاهرة وإن هويته النفس وطمعت فيه للذة هاجمة أو خاطرة عابرة، ويتبيّن خطره وشؤمه وسوء عاقبته.
ويحتاج الإنسان مع هذا العلاج المعرفيّ النافع الذي أصله البصيرة وصحّة المعرفة إلى علاج سلوكي؛ ليتناول ما يصلح به قلبه، وتزكو به نفسه، وينشرح به صدره، وتستنير به بصيرته، ويستقيم به على ما ينفعه في جميع شؤونه، ويسلم به مما يضرّه ويفسد عليه ثمرات صلاحه ويضعفها.
وقد أنزل الله عزّ وجلّ هذا القرآن العظيم شفاءً للمؤمنين الذين آمنوا به واتّبعوا ما أنزل الله فيه من الهدى؛ فتحقّق لهم من الشفاء بقدر ما حقّقوا من الإيمان واتّباع الهدى.
ومن أبصر ما تقدّم أدرك عظيم منّة الله تعالى بهذا الشفاء العظيم؛ الذي حرم منه من حرم؛ فشقي في الدنيا والآخرة، وسعد به من عرف قدره وعظّمه فاغتبط به في الدنيا مع ما يرجو من فضل الله العظيم في الآخرة.
وقد جعل الله مع هذا الشفاء العظيم الذي هو المقصود الأعظم من الشفاء شفاءً من نوع آخر؛ فهو رقية نافعة من العلل والأدواء التي تصيب الروح والجسد، فكم شُفي به من عليل عجز الأطبّاء عن علاجه؛ ليتبيّن الناس آية من آيات الله فيه؛ وأنّ الله إذا شاء أن يشفي عبده فلا يعجزه شيء، ولا يردّ فضله عنه أحد.
وكم أُبطل به من سحرٍ قد أضرّ وأنكى.
وكم تعافى به من معيون ومحسود وممسوس وموسوس.
وكم اجتمع به شمل أسرة بعد تفرّق، وصلح به حال قوم بعد فساد أمرهم وتفرّقه، وكم سكنت به من نفوس، واطمأنّت به من قلوب، وانشرحت به من صدور، وصلحت به من أحوال.
وكلّ ذلك من الدلائل البيّنة على ما جعل الله فيه من الشفاء المبارك). [بيان فضل القرآن:57 - 59]

جمهرة علوم القرآن 22 محرم 1439هـ/12-10-2017م 11:57 AM

وصفه بأنه رحمة

قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (وصفه بأنه رحمة
وأما وصفه بأنه رحمة؛
فقد ورد في آيات كثيرة؛ منها قول الله تعالى: { هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (203)}

وقوله: { وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (77)}
وقوله: { مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)}
وقوله: { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89)}
وقوله: { وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82)}
والآيات في هذا المعنى كثيرة.
فهو رحمة من الله تعالى؛ لما يدلّ به عباده على النجاة من سخطه وعقابه وأليم عذابه، ورحمة لهم لما يفتح لهم به من أبواب الخير الكثير، والفضل العظيم، والفوز المبين؛ برضوانه وثوابه وبركاته.
ورحمة لهم لما يحجزهم به عمّا فيه ضررهم مما تقبل عليه نفوسهم متبعة أهواءها لجهلها وضعفها.
ورحمة لهم لما يعصمهم به من الضلالة، ويخرجهم به من الظلمات إلى النور، ومن الشقاء إلى السعادة.
ورحمة لهم لما يبيّن لهم من الحقائق، ويعلّمهم من الحكمة، ويصرّف لهم فيه من الآيات المبصّرة، والأمثال المذكِّرة.
ورحمة لهم لما يعرّفهم به من أسمائه الحسنى وصفاته العليا؛ فتفضي إليه القلوب بمحبّتها وتعبّدها له جل وعلا بأنواع العبودية؛ التي حاجة القلب إليها أعظم من حاجة البدن إلى الغذاء؛ فإنّ في القلب تعطّشاً لا يرويه إلا التعبّد لله
والتقرّب إليه حتى يفيض عليه من فضله ورحمته وبركاته؛ فيطمئنّ بعد قلقه وانزعاجه، ويَروَى بعد تعطّشه وإنهاكه، ويتّسع بعد ضيقه وتحسّره، ويرشُد بعد حيرته وضلاله، ويسعَد بعد شقائه وعذابه.
فهذه الرحمات الجليلة التي جعلها الله في القرآن داخلة في معنى قوله تعالى
:
{ يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)}). [بيان فضل القرآن:60 - 61]

جمهرة علوم القرآن 22 محرم 1439هـ/12-10-2017م 11:59 AM

وصفه بأنه بشرى

قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (وصفه بأنه بشرى
وأمّا وصفه بأنه بشرى،
ففي مواضع من كتاب الله تعالى؛ منها قول الله تعالى: { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89)}

وقوله تعالى: { قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102)}
وقوله تعالى: { طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1) هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2)}
وقوله تعالى: { وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ (12)}
ووصفه بأنّه بشرى مع التنبيه على أن التبشير من مقاصد إنزاله دليل على عظيم أثر بشاراته، وعظيم حاجة النفس البشرية للتبشير بما تنال به سعادتها وفلاحها.
وتنويع وصف المبشَّرين به دليل على تفاضل بشاراته؛ فهو بشرى للمسلمين، وبشرى للمؤمنين، وبشرى للمحسنين؛ وبين تلك المراتب من التفاضل العظيم في البشارات ما لا يعلمه إلا الله { هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (163)}
فترتّب البشارات على العمل وعلى بصر الله تعالى به تنبيه على معيار التفاضل، وحضّ على اغتنام أيام المهلة في الازدياد من بشاراته العظيمة.
وكلما قوي أثر التبشير على القلب ازداد إقبالاً على ما بُشّر به؛ وحرصا على تحقيق ما ينال به تلك البشرى، واحترازاً مما يحول بينه وبينها؛ فيثمر له ذلك من أنواع العبودية في القلب ما يثمر:
1. فتزداد محبّة الله في قلبه لشهود منّته بتلك البشارات.
2.
ويزداد الرجاء لعظيم الاشتياق لها وتيسّر سبلها مع الوعد الكريم من الرحمن الرحيم.
3. ويزداد الخوف من فواتها بعد أن تبوّأت مكانتها في القلب، وعرف قدرها وفضلها.
فيجتمع لقلب المؤمن بتلك البشارات من المحبة والخوف والرجاء ما يكون به صلاح عبوديته لله تعالى، وإذا صلح القلب صلح الجسد كله). [بيان فضل القرآن:61 - 62]

جمهرة علوم القرآن 22 محرم 1439هـ/12-10-2017م 12:05 PM

الباب الثالث: بيان عظمة القرآن

بيان عظمة القرآن

قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (بيان عظمة القرآن
من أظهر الدلائل البيّنة على فضل القرآن ما دلّت عليه النصوص الصحيحة الصريحة من معاني عظمته التي من تأمّلها وتفكّر في مظاهرها ولوازمها وآثارها في الدنيا والآخرة ازداد يقيناً بعظمة هذا القرآن العظيم وفضله، وأدرك به عظيم منّة الله تعالى على هذه الأمة بما اختصّهم به من إنزاله، وأكرمهم بتيسيره لهم ليهتدوا به، وأيقن أنّ الشرف كلّ الشرف، والرفعة والعزّة إنما تكون بالإيمان به واتّباع هداه، وأنّ لتلك العظمة مقتضيات من العبودية لله تعالى.

وقد ذكرت فيما مضى شيئاً من تلخيص معاني عظمة القرآن، فيما شرح من معاني صفاته على وجه الإيجاز والتنبيه، ولسعة معاني عظمة القرآن أفردتها هنا بحديث مستقلّ؛ لنتوقّف فيه عند تلك المعاني، ونستجلي تلك الحقائق، ونتفكر في دلائلها وآثارها، ونتذكَّر نعمة الله علينا بهذا الكتاب العظيم). [بيان فضل القرآن:63]

جمهرة علوم القرآن 22 محرم 1439هـ/12-10-2017م 12:18 PM

عظمة قَدْرِ القرآن في الدنيا

قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (عظمة قَدْرِ القرآن في الدنيا
ومعاني عظمة القرآن تتبيّن بمعرفة عظمة قدْره وعظمة صفاته.

فمن عظمة قَدْرِه: أنه كلام الله تعالى؛ الذي لا أعظم من كلامه ولا أصدق ولا أحسن، وشرف الحديث بشرف المتحدّث به، وقد سبق التنبيه إلى آثار أسماء الله تعالى وصفاته في كلامه، وتلك الآثار كما تدلّ على فضل القرآن وعظمته فإنّ لها مقتضيات من أنواع العبودية لله تعالى.
قال ابن القيّم رحمه الله: (القرآن كلام الله، وقد تجلى الله فيه لعباده بأسمائه وصفاته؛ فتارة يتجلى في جلباب الهيبة والعظمة والجلال؛ فتخضع الأعناق وتنكسر النفوس وتخشع الأصوات ويذوب الكبر كما يذوب الملح في الماء.
- وتارة يتجلى في صفات الجمال والكمال وهو كمال الأسماء وجمال الصفات وجمال الأفعال الدال على كمال الذات؛ فيستنفد حبُّه من قلبِ العبد قوةَ الحب كلها بحب ما عرفه من صفات جماله ونعوت كماله فيصبح فؤاد عبده فارغا إلا من محبته؛ فإذا أراد منه الغير أنْ يعلق تلكَ المحبة به أبى قلبه وأحشاؤه ذلك كلَّ الإباء كما قيل:
يراد من القلب نسيانكم ... وتأبى الطباع على الناقل
فتبقى المحبة له طبعا لا تكلفاً.
- وإذا تجلى بصفات الرحمة والبر واللطف والإحسان؛ انبعثت قوة الرجاء من العبد وانبسط أمله وقوي طمعه وسار إلى ربه وحادي الرجاءِ يحدو ركاب سيره، وكلما قوي الرجاء جدَّ في العمل كما أن الباذر كلما قوي طمعه في المغلّ غلَّق أرضه بالبذر، وإذا ضعف رجاؤه قصَّر في البذر.
- وإذا تجلى بصفات العدل والانتقام والغضب والسخط والعقوبة؛ انقمعت النفس الأمارة وبطلت أو ضعفت قواها من الشهوة والغضب واللهو واللعب والحرص على المحرمات، وانقبضت أعنَّة رعوناتها؛ فأحضرت المطية حظَّها من الخوف والخشية والحذر.
- وإذا تجلى بصفات الأمر والنهي والعهد والوصية وإرسال الرسل وإنزال الكتب وشرْع الشرائع؛ انبعثت منها قوة الامتثال والتنفيذ لأوامره، والتبليغ لها، والتواصي بها، وذكرها وتذكرها، والتصديق بالخبر، والامتثال للطلب، والاجتناب للنهي.
- وإذا تجلى بصفة السمع والبصر والعلم؛ انبعث من العبد قوَّةُ الحياء؛ فيستحيي ربَّه أن يراه على ما يكره، أو يسمع منه ما يكره، أو يخفي في سريرته ما يمقته عليه؛ فتبقى حركاته وأقواله وخواطره موزونة بميزان الشرع، غير مُهْمَلة ولا مرسلة تحت حكم الطبيعة والهوى.
- وإذا تجلى بصفات الكفاية والحسب والقيام بمصالح العباد وسوق أرزاقهم إليهم ودفع المصائب عنهم ونصره لأوليائه وحمايته لهم ومعيته الخاصة لهم؛ انبعثت من العبد قوة التوكل عليه والتفويض إليه والرضا به وبما في كل ما يجريه على عبده ويقيمه مما يرضى به هو سبحانه، والتوكل معنى يلتئم من علم العبد بكفاية الله وحسن اختياره لعبده وثقته به ورضاه بما يفعله به ويختاره له.
- وإذا تجلى بصفات العزّ والكبرياء أعطت نفسه المطمئنة ما وصلت إليه من الذل لعظمته، والانكسار لعزته، والخضوع لكبريائه، وخشوع القلب والجوارح له؛ فتعلوه السكينة والوقار في قلبه ولسانه وجوارحه وسمته، ويذهبُ طَيْشه وقوته وحدَّته)ا.هـ.
ومن عظمة قدره: كثرة أسمائه وأوصافه المتضمنة لمعان جليلة عظيمة تدل على عظمة المسمى بها والمتصف بها، وقد سبق بيان بعضها.
ومن عظمة قدره: إقسام الله تعالى به في آيات كثيرة؛ فإن القسم به دليل على شرفه وعظمته، وما أخبر الله به عنه من الأخبار العظيمة ما يكفي المؤمن دليلاً على بيان عظمته.
ومن عظمة قدره: أن تبليغه هو المقصد الأعظم من إرسال الرسول صلى الله عليه وسلم، كما قال الله تعالى: {كذلك أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك}، وقال: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}، وقال: { قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ}.
ومن عظمة قدره: أنه أفضل الكتب المنزلة، وأحبّها إلى الله، قد اختار الله له أفضل رسله، وخير الأمم، وأفضل البقاع، وخير الليالي لنزوله، وفي ذلك من التنبيه عن عظمة قدْرِه ما يكفي اللبيب.
ومن عظمة قدره: أنّه محفوظ بحفظ الله {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ}، فهو منزَّه عن الباطل والاختلاف والتناقض والضعف في الألفاظ والمعاني.
ومن عظمة قدره: أنه قول فصل ليس بالهزل، يحكم بين العباد، ويهدي إلى الرشاد، وينهى عن الفساد، معانيه أسمى المعاني، ومقاصده أشرف المقاصد، ومواعظه أحسن المواعظ {إنّ الله نعمّا يعظكم به}.
ومن عظمة قَدْرِه: أنَّ الله جعله فرقاناً بين الهدى والضلال، والحق والباطل؛ مَن قال به صدق، ومن حَكَم به عدل، ومن جاهد به نُصر، ومن حاجَّ به غَلب، ومن غَالبَه غُلِب، ومن اتبعه هدي إلى صراط مستقيم، ومن ابتغى الهدى في غيره ضل عن سواء السبيل.
ومن عظمة قدره: أنه يهدي للتي هي أقوم في كل ما يُحتاج إلى الهداية فيه، فهو شامل لجميع ما يحتاجه الفرد وتحتاجه الأمة من الهداية في كل شأن من الشؤون، فشريعته أحكم الشرائع، وهداه أحسن الهدى، وبيانه أحسن البيان.
ومن عظمة قدره: أن من اعتصم به عُصِمَ من الضلالة، وخرج من الظلمات إلى النور بإذن ربه، وهدي إلى سبل السلام من كل شر يخشى منه، فهو في أمن وإيمان، وسلامة وإسلام، لا يضل ولا يشقى، ولا يخاف ولا يحزن، ثابت الجنان ، سائرٌ على بيّنة من ربه، حظيٌّ بما أولى من فضله، ذو سكينة وطمأنينة، له نوره الذي يمشي به في الناس سوياً على صراط مستقيم، {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}
ومن عظمة قدره: أن خصه الله بأحكام ترعى حرمته وتبين جلالة شأنه؛ فنُدِب إلى التطهر من الحدث عند تلاوته، وحرمت تلاوته في الأماكن النجسة ، وحرمت تلاوته في حال السجود والركوع، ومن حلف به انعقدت يمينه؛ ومن استهزأ به أو بشيء منه ولو بكلمة فقد كفر وخرج من الملة فإن مات ولم يتب حرمت عليه الجنة أبداً، وكان من الخالدين في عذاب النار.
بل جعل للمصحف الذي يكتب فيه القرآن أحكام تخصه؛ فالورق والمداد بعد أن يتضمنَّا كتابة آياته يكون لهما شأن في شريعة الإسلام؛ فحرم على الحائض والجنب مس المصحف، ونهي عن السفر به إلى أرض العدو، ومن تعمد إهانته فقد كفر كفراً عظيماً.
ومن عظمة قدره: أن جعل الله له في قلوب المؤمنين مكانة عظيمة لا يساميها كتاب؛ فهو عزيز عليهم، عظيم القدر عندهم، يجلُّونه إجلالاً عظيماً ويؤمنون به، وينصتون عند تلاوته، ويتدبرون آياته، ويقفون عند مواعظه، بل إنهم من إجلالهم للقرآن يجلُّون قارئ القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه.
ومن عظمة قدره: أن تحدَّى الله تعالى المشركين أن يأتوا بسورة من مثله فلم يستطيعوا، ولو اجتمعت فصاحة الخلق كلهم على أفصح رجل منهم ثم طلب منهم أن يجتمعوا على أن يأتوا بمثل هذا القرآن العظيم لا يأتون بمثله، وكيف يضاهي كلام المخلوقين الضعفاء كلام خالقهم العظيم؟!!
كما أنه لا يضاهي علمهم علمه، ولا قدرتهم قدرته، ولا عظمتهم عظمته ولو اجتمعوا وكان بعضهم لبعض ظهيراً.
فكلام الله صفة من صفاته اللائقة بعظمته ومجده، وهذا القرآن العظيم هو من كلامه جل وعلا، وكلام المخلوقين إنما يليق بمقدار علمهم وقدرتهم التي لا نسبة لها إلى علم الله وقدرته وعظمته). [بيان فضل القرآن:63 - 68]

جمهرة علوم القرآن 22 محرم 1439هـ/12-10-2017م 12:20 PM

عظمة قَدْرِ القرآنِ في الآخرة

قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (عظمة قَدْرِ القرآنِ في الآخرة
فهذه إلماحةٌ يسيرة تعرِّفك ببعض أنواع عظمة القرآن في الدنيا، وأما عظمته في الآخرة فأمر يجل عن الوصف، حين تنكشف الحجب وتتبين الحقائق وينتقل الناس من دار الامتحان والعمل إلى دار الجزاء والبقاء، يتبيّن لهم جلالة قَدْرِ هذا الكتاب العظيم، وأن أسعد الناس حظاً أوفرهم نصيباً من اتباعه وصحبته والاهتداء بهداه، ويكفي العبدَ أن يطلع على بعض ما ورد من الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم في شأن القرآن في الآخرة؛ ليتبيّن هذه الحقيقة، ويقوم بما تقتضيه من تعظيم قدره واتباع ما أنزل الله فيه من البينات والهدى
.
- فمن عظمة قدره أنّه يحاجّ عن صاحبه في قبره ويشفع له، فيجد من أثر شفاعته ومحاجّته عنه ما يتبيّن به عظمة قدره حين تنقطه الأسباب، وتتجلّى الحقائق، وتذهب سَكرة الحياة الدنيا؛ فيتمنّى لو كان قضى عمره كلّه في صحبة هذا الكتاب العظيم.
-ومن عظمة قدره في الآخرة: أنه يظلّ صاحبه في الموقف العظيم حين تدنو الشمس من الخلائق؛ فعن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال: كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فسمعته، يقول: « تعلموا سورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا يستطيعها البطلة» ثم سكت ساعة، ثم قال: « تعلموا سورة البقرة وآل عمران، فإنهما الزهراوان، وإنهما تظلان صاحبهما يوم القيامة، كأنهما غمامتان، أو غيايتان، أو فرقان من طير صواف، وإن القرآن يأتي صاحبه يوم القيامة حين ينشق عنه قبره كالرجل الشاحب، فيقول له: هل تعرفني؟ فيقول: ما أعرفك، فيقول: أنا صاحبك القرآن الذي أظمأتك بالهواجر، وأسهرت ليلك، وإن كل تاجر من وراء تجارته، وإنك اليوم من وراء كل تجارة، فيعطى الملك بيمينه، والخلد بشماله، ويوضع على رأسه تاج الوقار، ويكسى والداه حلتين لا يقوم لهما أهل الدنيا، فيقولان: بم كسينا هذا؟ فيقال لهما: بأخذ ولدكما القرآن، ثم يقال: اقرأ واصعد في درج الجنة وغرفها، فهو في صعود ما دام يقرأ هذًّا كان أو ترتيلا». رواه أحمد وابن أبي شيبة والدارمي ومحمد بن نصر والطبراني والبغوي كلهم من طريق: بشير بن المهاجر الغنوي، عن عبد الله بن بريدة عن أبيه، وحسّنه الألباني في السلسلة الصحيحة.
- ومن عظمة قدره: أنه يشفع لصاحبه، ويحاجّ عنه أحوج ما يكون إلى من يحاجّ عنه؛ ففي صحيح مسلم من حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه )).
وفي صحيح مسلم أيضاً من حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( يؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا تقدمه سورة البقرة وآل عمران تحاجان عن صاحبهما )).
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( القرآن شافع مشفَّع ومَاحِلٌ مصدَّق، مَن جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلف ظهره ساقه إلى النار )). رواه ابن حبان في صحيحه، وصححه الألباني.
وعن ابن مسعود نحوه موقوفاً وصححه الدارقطني.
والماحل في لسان العرب الذي يسعى بالشخص إلى ذي سلطان
ليوبقَه ويهلِكَه، أو إلى ذي شأنٍ ليُسقطه من عينه، يقال: محل فلان بفلان إذا مكر به وكاده وفعل به ذلك.
قال عمر بن أبي ربيعة:
ما أَطَعْتُ بها بالغيبِ قد عَلِمَتْ ... مقالةَ الكاشِحِ الواشي إذا مَحَلا
إنِّي لأرجِعُهُ فيها بسخْطَتِهِ ... وقد أتاني يرجّي طاعتي نَفَلا
قال الخليل بن أحمد: (وفي الحديث:((القرآنُ ماحِلٌ مصدَّق)) يمحَل بصاحبه إذا ضيَّعه).
((مصدَّق)): أي أن ما يقوله فيمن أعرض عنه ولم يعمل به فهو مصدَّق فيه لا يَكْذِب ولا يُكَذَّب.
قال عبد الله بن مسعود: (من مَحَلَ به القرآن يوم القيامة كبَّه الله في النار على وجهه). رواه أحمد.
وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كتب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه كتاباً قال فيه: (بسم الله الرحمن الرحيم ، من عبدِ الله عمرَ إلى عبدِ اللهِ بن قيسِ ومَن معه من حملة القرآن، سلام عليكم، أما بعد:
فإنَّ هذا القرآن كائنٌ لكم أجراً وكائنٌ لكم شرفاً وذخراً، فاتبعوه ولا يتبعنَّكم، فإنه من اتبعه القرآنُ زجَّ في قفاه حتى يقذفه في النار، ومن تَبع القرآنَ ورد به القرآنُ جنات الفردوس، فلْيكونن لكم شافعا إن استطعتم، ولا يكونن بكم ماحلا فإنه من شفع له القرآن دخل الجنة، ومن مَحل به القرآن دخل النار، واعلموا أن هذا القرآن ينابيع الهدى، وزهرة العلم، وهو أحدث الكتب عهدا بالرحمن، به يفتح الله أعينا عمياً، وآذانا صمّا، وقلوبا غلفا).
-
ومن عظمة قدره: أنه كرامة ورفعة عظيمة لصاحبه يوم الجزاء إذ يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها، كما صح بذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسند والسنن من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.
وفي هذا الباب من الأحاديث والآثار ما يستدعي سفراً كبيراً، وشرحاً كثيراً، ولا يبلغ العبد بعد إدراك معاني تلك العظمة والإحاطة بتفاصيلها.

فهذا في شأن عظمة القدر). [بيان فضل القرآن:68 - 71]

جمهرة علوم القرآن 22 محرم 1439هـ/12-10-2017م 12:23 PM

عظمة صفاته

قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (عظمة صفاته
وأما عظمة صفاته؛ فشأن آخر يطلعك على أبواب من العلم عظيمة، من استفتحها وتأمل ماوراءها أفضى إلى مهيع واسع من التفكر والتأمل، ودلَّه به تفكُّره على حدائق ذات بهجة، لا يملّ النظر إليها، ولا التربّع في رياضها، بل يدرك أن أعظم نعيم في هذه الحياة إنما هو في تنعّم الروح بما أنزل الله من روحه الذي يحيي به من يشاء من عباده {وكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}
فيكون للقلب حياة أخرى غير حياة الأبدان هي حياته الحقيقية التي من حرمها فهو ميت وإن عاش بجسده {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا}
فهو حياة القلوب وغذاؤها، ودواؤها من عللها وشفاؤها، وأنسها من وحشتها وبهاؤها، وميزانها الذي تزن به الأمور، وتدرك به حقائق الأمور، وعواقب الأمور.
ومن كان كذلك كان صاحب القرآن بحق، وكان القرآن العظيم ربيع قلبه، ونور صدره، وجلاء حزنه، وذهاب همه وغمه.

ذلك أن الله تعالى وصف القرآن بصفات عظيمة جليلة تنبئ عن عظمته؛ إذ عظمة الصفات تدل على عظمة الموصوف فوصفه الله بأنه عزيز وكريم، وعليٌّ وحكيم، ومبارك ومجيد، وهدى وبشرى، وذِكْرٌ وذكرى، وشفاء وفرقان، ونور وبيان إلى سائر ما وصفه الله تعالى به من صفات جليلة باهرة، تدل على عظمته دلالة ظاهرة.
فاجتماع هذه الصفات الجليلة في موصوف واحد دليل ظاهر على عظمته، ثم اتصافه في كل صفة من تلك الصفات بالعظمة فيها دليل آخر على عظمة تملأ قلب من يتأملها؛ فيدرك أنه لا يحيط بمعرفة أوجه عظمة هذا القرآن العظيم لكنه يوقن أنه عظيم جد عظيم؛ فهو عظيم في عزته، عظيمٌ في علوّه، عظيم في إحكامه وحكمه، عظيم في مجده، عظيم في بركته، عظيم في كرمه، عظيم في بيانه، عظيم في ما تضمنه من الهدى والرحمة والنور والبشرى، والذكر والذكرى، والشفاء الفرقان، والحق والتبيان، وكذلك سائر صفاته الجليلة العظيمة، كل صفة منها قد حاز هذا القرآن العظمةَ فيها.
وهذه العظمة لها لوازم يقتضيها الإيمانُ بها في قلب العبد المؤمن؛ فيعرف له قدره ويعظّمه في قلبه، ويعظمه إذا تحدث عنه، ويعظمه إذا تلاه، ويعظمه إذا تلي عليه {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}). [بيان فضل القرآن:72 - 73]


جمهرة علوم القرآن 22 محرم 1439هـ/12-10-2017م 12:26 PM

الباب الرابع: بيانُ بَرَكَةِ القُرْآن


معنى البركة

قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (معنى البركة
إن من أوجه بيان فضل القرآن الحديث عن بركته، والتعريف بمعانيها ودلائلها وآثارها؛ فإن ذلك مما يعين على التفكّر في منّة الله تعالى علينا بهذا الكتاب العظيم المبارك الذي اختصّه بأعظم البركات:
- فقال الله تعالى: { وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ .. (92)}
- وقال تعالى: { وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155)}
- وقال تعالى: { وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (50)}
- وقال تعالى: { كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29)}

ووصفه بأنّه مبارك يدلّنا على أنّ الذي باركه هو الله جلّ وعلا، ومعنى باركه أي أودع فيه البركة، وهي الخير الكثير المتزايد.
قال أبو إسحاق الزجاج: (المبارك ما يأتي من قِبَله الخير الكثير).
وقال الخليل بن أحمد: (البركة: الزيادة والنماء).
وقيل: إن لفظ "البركة" دالّ على اللزوم والسعة في أصل استعماله.
وقيل: دالّ على الثبوت والدوام.
ولهذه المعاني شواهد من كلام العرب مبثوثة في معاجم اللغة؛ لا نطيل بذكرها.
وخلاصة القول في معنى البركة أنها خير كثير أصله ثابت، وآثاره تنمو وتتسع بطرق ظاهرة أو خفية.
وهذه المعاني متحققة في بركة القرآن.
ومعرفتنا بأن الذي باركه هو الله تفيدنا فوائد جليلة تُبيّن لنا عظمة هذه البركة وكثرتها وتنوّعها؛ فالله تعالى عليم قدير وواسع حكيم، وقد ظهرت آثار علمه وقدرته وسعته وحكمته في مباركة كلامه جلَّ وعلا؛ فكانت تلك البركة من آثار أسمائه تعالى وصفاته، فهي بركة عظيمة لا يحيط بها علماً إلا هو جلّ شأنه). [بيان فضل القرآن:75 - 76]


الساعة الآن 12:58 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة