جمهرة العلوم

جمهرة العلوم (http://jamharah.net/index.php)
-   توجيه القراءات (http://jamharah.net/forumdisplay.php?f=1080)
-   -   توجيه القراءات في سورة الكهف (http://jamharah.net/showthread.php?t=27821)

جمهرة علوم القرآن 14 صفر 1440هـ/24-10-2018م 09:18 AM

توجيه القراءات في سورة الكهف
 
توجيه القراءات في سورة الكهف

جمهرة علوم القرآن 14 صفر 1440هـ/24-10-2018م 09:19 AM

مقدمات سورة الكهف
 
مقدمات توجيه القراءات في سورة الكهف

قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (سورة الكهف). [معاني القراءات وعللها: 2/105]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (ومن سورة الكهف). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/386]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (ذكر اختلافهم في سورة الكهف). [الحجة للقراء السبعة: 5/124]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (سورة الكهف). [المحتسب: 2/24]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : (18 - سورة الكهف). [حجة القراءات: 412]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (سورة الكهف). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/54]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (سورة الكهف). [الموضح: 772]
نزول السورة:
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (مكية). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/54]

عد الآي:
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (وهي مائة وخمس في المدني، وعشر في الكوفي). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/54]

الياءات المحذوفة
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وحذف من الكهف ست ياءات (فهو المهتد)، (أن يهدين) (24)،
(إن ترن) (39) " (أن يؤتين (40))، (أن تعلّمن (66) (ما كنّا نبغ (64))، قال: فوصلهن ابن كثير ونافع وأبو عمرو بياء، ووقفوا بغير ياء، إلا ابن كثير حذف الياء من " المهتد " ولم يصلها بياء، ووقف على الخمس آيات بياء ووصل الكسائي (ما كنّا نبغي)، بياء، ووصلهن كلهن يعقوب بياء، ووقف عليهن بياء). [معاني القراءات وعللها: 2/128]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (7- وقوله: {أن يهدين} [24]. و{أن ترن} [39] و{أن يؤتين} [40] و{ما كنا نبغ} [64] و{أن تعلمن} [66] كل ذلك أثبت الياء فيهن ابن كثير وصلا ووقفًا على أصل الكلمة.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/392]
وقرأ نافع وأبو عمرو بإثباتهن وصلاً وحذفهن وقفًا اتباعًا للمصحف.
وقرأهن الباقون بحذفهن وصلاً ووقفًا.
فأما الكسائي فإنه أثبت الياء في {نبغي} فقط وصلاً، فأما قوله تعالى: {فهو المهتدي} [17] فإن نافعًا وأبا عمرو أثبتا الياء فيه وصلاً وحذفاه وقفًا.
والباقون يحذفونه وصلاً ووقفًا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/393]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (فيها ست ياءات حذفن من الخط وهن:
{فَهُوَ المُهْتَدِي}، {أَن يَهْدِيَنِي}، {إن تَرَنِ}، {أَن يُؤْتِيَنِي}، {مَا كُنَّا نَبْغِ}، {عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ}.
فأثبتهن كلهن يعقوب في الوصل والوقف.
وكذلك ابن كثير إلا قوله {فَهُوَ المُهْتَدِي}فإنه لم يثبتها في الحالين.
وأثبتهن نافع إلا برواية- ش-، وأبو عمرو في الوصل دون الوقف.
وأثبت الكسائي {مَا كُنَّا نَبْغِ}فحسب في الوصل دون الوقف.
ولم يثبت ابن عامر وعاصم وحمزة منهن شيئًا في الحالين.
والوجه أن الأصل في هذه الياءات الإثبات، وحذفها إنما هو للتخفيف والاكتفاء بالكسرة عن الياء.
وأما حذفها في الوقف؛ فلأن الوقف موضع تغيير، وللتشبيه بالفاصلة، وقد سبق مثل ذلك). [الموضح: 807]

الياءات المختلف فيها:
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (وفي هذه السورة من الياءات المختلفة تسع ياءات.
قوله: {ربي أعلم} [22] و{بربي أحدا} [22]، {فعسى ربي أن} [40] فتحهن نافع وأبو عمرو وابن كثير.
وأسكنهن الباقون.
و {من دوني أولياء} [102] فتحها نافع وأبو عمرو.
وقوله تعالى: {ستجدني} [69] فتحها نافع فقط.
وقوله تعالى: {معي صبرا} [67، 72، 75] في ثلاث مواضع، فتحها حفص عن عاصم وأسكنها الباقون). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/423]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (وقرأ ابن كثير: (إن ترني أنا) [الكهف/ 39] و (يؤتيني خيرا) [40] و (نبغي فارتدا) [64]، و (إن تعلمني مما) [66] و (يهديني ربّي) [24] يثبت الياء في الوصل والوقف.
وقرأ نافع وأبو عمرو بياء في الوصل في هذه الحروف، وزاد (فهو المهتدي) [17] بياء في الوصل، ويحذفها في الوقف.
الكسائي يحذفها ويثبت الياء في (نبغي) وحدها في الوصل.
ابن عامر وعاصم وحمزة يحذفون الياء في الوصل والوقف في كلّ ذلك.
إثبات ابن كثير الياء فيما أثبت من هذه الحروف في الوصل والوقف هو الأصل والقياس، وإثبات نافع وأبي عمرو الياء في هذه الحروف التي حكيت عنهما في الوصل هو القياس والأصل، وحذفهما لها في الوقف أنه فواصل، أو قد أشبهت الفواصل، فحذفاها كما تحذف في القوافي لأنه موضع وقف، والوقف مما يعبّر فيه الكلم عن حالها في الوصل.
وأما حذف ابن عامر وعاصم وحمزة الياء في هذه الحروف في الوصل والوقف فإن حذفهم لها في الوقف كحذف من تقدم ذكره، لأنها كالفواصل، وأما حذفها في الوصل، فلأنهم قد يحذفون مما ليس بفاصلة في الوصل نحو: يوم يأت لا تكلم [هود/ 105] ). [الحجة للقراء السبعة: 5/148]

ياءات الإضافة:
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (74- فيها تسع ياءات إضافة قوله: {ربي أعلم} «22»، {بربي أحدا} «38»، {فعسى ربي أن يؤتين} «40»، {بربي أحدا} «42» قرأ الحرميان وأبو عمرو بالفتح في الأربعة.
قوله: {ستجدني إن شاء الله} «69» قرأها نافع بالفتح.
قوله: {معي صبرا} في ثلاثة مواضع «67، 72، 75» قرأهن حفص بالفتح.
قوله: {من دوني أولياء} «102» قرأها نافع وأبو عمرو بالفتح). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/82]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (فيها تسع ياءات للإضافة:
{قُل رَّبِّي}، {بِرَبِّي}، {فَعَسَى رَبِّي}، {سَتَجِدُنِي}، {بِرَبِّي}، {مِن دُونِي}، {مَّعِيَ}، و{مَّعِيَ} و{مَّعِيَ}.
ففتح نافع ستا وأسكن {مَّعِيَ}ثلاثهن.
وفتح أبو عمرو خمسًا وأسكن {سَتَجِدُنِي} و{مَّعِيَ ثلاثهن.
وفتح ابن كثير أربعًا {رَّبِّي} و{بِرَبِّي}{فَعَسَى رَبِّي}{بِرَبِّي أَحَدًا}، وأسكن الباقي.
وفتح- ص- عن عاصم {مَعِيَ صَبْرًا}ثلاثهن، وأسكن الباقي
وأسكنهن كلهن ابن عامر وحمزة والكسائي و- ياش- عن عاصم ويعقوب.
والوجه أن الفتح هو الأصل في هذه الياءات؛ لأن أصلها أن تكون مفتوحة، كالكاف في غلامك، وزاد فتحها حسنًا ههنا مجاورتها للهمزة، وقد مضى ذكر العلة.
والإسكان تخفيف، وقد تقدم ذكر ذلك). [الموضح: 806]

الياءات الزوائد:
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (75- فيها ست ياءات زوائد، قوله: {فهو المهتد} «17» قرأها نافع وأبو عمرو بياء في الوصل.
قوله: {أن يهدين} «24»، {على أن تعلمن} «66»، {أن يؤتين} «40» قرأ ابن كثير بياء في الوصل والوقف في الثلاثة، وقرأهن نافع وأبو عمرو بياء في الوصل خاصة.
قوله: {إن ترن} «39» قرأها ابن كثير بياء في الوصل والوقف، وقرأها نافع وأبو عمرو بياء في الوصل خاصة.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/82]
والسادسة {ما كنا نبغ} «64» قرأها ابن كثير بياء في الوصل والوقف، وقرأها نافع وأبو عمرو والكسائي بياء في الوصل خاصة.
{فلا تسألني} «70» حذفها في الحالين ابن ذكوان، بخلاف عن الأخفش عنه، وأثبتها الباقون في الحالين، وكذلك رسمها). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/83]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 14 صفر 1440هـ/24-10-2018م 09:20 AM

تفسير سورة الكهف
[ من الآية (1) إلى الآية (5) ]

{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1) قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2) مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا (3) وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4) مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا (5)}

قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1)}
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (3- قوله: {عوجا} وقوله: {من مرقدنا} «يس 52» كان حفص يقف على {عوجا} وقفة خفيفة في وصله، وكذلك كان يقف على {مرقدنا} في يس، وعلى {من} من قوله: {من راق} «القيامة 27» وعلى {بل} من قوله: {بل ران} «المطففين 14» وحجته في ذلك أنه اختار للقارئ أن يبين بوقفه على {عوجا} أنه وقف تام، فإنما «قيما» ليس بتابع في إعرابه لـ {عوجا} إنما هو منصوب بإضمار فعل تقديره: أنزله قيما، وكذلك وقف على {مرقدنا} ليبين أن هذا ليس بصفة لـ «المرقد» وأنه مبتدأ، وليبين أنه ليس من قول الكفار، وأنه من قول الملائكة مستأنف، وقيل: هو من قول المؤمنين للكفار، وكذلك وقف على {من} في: {من راق}، وعلى {بل} في {بل ران} ليبين إظهار اللام والنون، لأنهما ينقلبان في الوصل راء، فتصير مدغمة في الراء بعدها، ويذهب لفظ اللام
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/55]
والنون، وقرأ الباقون ذلك كله بغير وقف مروي عنهم، وحجتهم في ذلك أنه كلام متصل في الخط، وأن الإدغام فرع، فلا كراهية فيه، ولو لزم الوقف على اللام والنون ليظهر للزم ذلك في كل مدغم، ولو اختار متعقب الوقف على {عوجا} وعلى {مرقدنا} لجميع القراء لكان ذلك حسنا؛ لأنه يفرق بالوقف بين معنيين، فهو تمام مختار الوقف عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/56]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (1- {عِوَجا * قَيِّمًا} [آية/ 1 و2]:
روى ص- عن عاصم سكتة خفيفة على قوله {عِوَجا}، ولا ينونها.
والوجه أنه أراد أن يُبين أن {قيّما} ليس بتابع لعوجٍ من حيث المعنى، وأن الكلام على التقديم والتأخير، كأنه قال أنزل على عبده الكتاب قيمًا ولم يجعل له عوجًا، فلهذا سكت على قوله {عِوَجا} ليتبين انفصاله عما بعده، ثم قال {قيّمًا} فجعله حالًا من {الكِتَابَ}، ونصب {عوجًا} على أنه مفعول {يَجْعَلْ}.
وقرأ الباقون و-ياش- عن عاصم {عِوَجًا قيّمًا} بالوصل والتنوين.
والوجه أنه هو القياس في نحو هذا؛ لأن الكلمة معربةٌ منصرفةٌ لا ألف ولام فيه، فالأصل أن تكون منونةً حال الدرج). [الموضح: 772]

قوله تعالى: {قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
قوله جلّ وعزّ: (من لّدنه ويبشّر المؤمنين)
قرأ عاصم في رواية يحيى عن أبي بكر عنه (من لدنهي) بفتح اللام، وإشمام الدال الضم، وكسر النون والهاء، ما روى هذا غير يحيى عن أبي بكر عن عاصم وقرأ الباقون (من لّدنه) بفتح اللام، وضم الدال، وتسكين النون، وضم الهاء.
قال أبو منصور: الذي روي عن عاصم - رواية يحيى - لغة، وروى أبو زيد وعن الكلابيين أجمعين هذا (من لدنه) ضموا الدال، وفتحوا اللام، وكسروا النون.
قال أبو منصور: والقراءة المختارة (من لدنه)، وعليها القراءة). [معاني القراءات وعللها: 2/105]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (1- قوله تعالى: {من لدنه ويبشر} [2].
قرأ عاصم وحده في رواية أبي بكر {لدنهى} بإسكان الدال وإشمام الضم، وكسر النون والهاء وإيصالها بياء.
وقرأ الباقون {لدنه} بضم الدال وجزم النون وضم الهاء من غير واو، إلا ابن كثير فإنه كان يصل الهاء بالواو {من لدنهو} وذلك أن «لدن» معناه «عند» وهو اسم غير متمكن، قال الله تعالى: {من لدن حكيم خبير} فالنون ساكنة في كل، والهاء إذا أتت بعد حرف ساكن لم يجز فيها إلا الضم نحو منه، والأصل منهو ولدنهو كقراءة ابن كثير غير أنهم حذفوا الواو اختصارًا.
وأما قراءة عاصم فإنه أسكن الدال استثقالاً للضمة كما يقال: في كرم زيد كرم زيد، فلما أسكن الدال التقى ساكنان النون والدال، وكسروا النون لالتقاء الساكنين، وكسروا الهاء لمجاورة حرف مكسور، ووصلها بياء كما يقال: مررت بهو يا فتى.
وما أعلم أن أحدًا احتج لهذه القراءة، فاعرفه فإنه حسن. ولو فتح النون لالتقاء الساكنين لجاز بعد أن أسكن الدال كما قال:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/386]
عجبت لمولود وليس له أب = ومن ولد لم يلده أبوان
يعني: آدم وعيسى عليهما السلام.
وإنما ذكرت هذا الحرف لئلا يتوهم متوهم أن عاصما كسر النون علامة للجر، لأن «لدن» لا يعرب. و{من لدنه} في صلة قوله: {الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا * قيما لينذر بأسا شديدا} أي: لينذركم بالبأس كما قال تعالى: {إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه} أي: يخوفكم بأوليائه. و{شديدًا}: نعت للبأس. {من لدنه}: أي: من عنده، و{يبشر المؤمنين} نصب بلام «كي» نسق على «لينذر»). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/387]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قرأ عاصم في رواية أبي بكر (من لدنه) [الكهف/ 2] بفتح اللام وإشمام الدّال الضّمّة، وكسر النون والهاء، ولم يقرأ بذلك غيره، ووصل الهاء بياء في الوصل.
وقرأ الباقون من لدنه بفتح اللام وضمّ الدال وتسكين النون وضمّ الهاء من غير بلوغ واو، حفص عن عاصم مثلهم.
في لدن ثلاث لغات: لدن مثل سبع، وتخفّف الدال، فإذا خفّفت كان على ضربين: أحدهما أن تحذف الضمّة من الدال، وتنقل إلى اللام فيقال: لدن، مثل: عضد، وفي كلا الوجهين يجتمع في الكلمة ساكنان: الدال المنقول عنها الحركة والمحذوفة منها.
[الحجة للقراء السبعة: 5/124]
ويلحق الكلمة حذف النون، فإن حذفت أمكن أن يقدّر حذف النون منها، وقد أسكنت، وأن يقدّر الحذف منها غير مسكّن الأوسط، فإذا قدّر حذفها وقد أسكنت وردّ فيها النون بعد الحذف، جاز أن تحرّك بالفتح فيقال: لدن. قال سيبويه: شبّهوه بالخفيفة مع الفعل ففتحوها كفتحهم لام الفعل مع الخفيفة. وقال أبو زيد: جئت فلانا لدن غدوة، ففتحوا الدال، ويجوز أن تحرّك بالكسر في نحو (من لدنك)، و (لدنه) لأن من الساكنين ما إذا التقيا ما يحرّك أحدهما بالكسر كما يحرّك بالفتح، وربما تعاقب الأمران على الكلمة الواحدة، فأما حذف النون في قوله:
من لدشولا...
فينبغي أن يكون أجري في الحذف، ولم يلتق مع ساكن آخر مجراه في حذفهم لها لالتقاء الساكنين، وذلك أنه في قولهم: من لد الصلاة، حذفت لالتقاء الساكنين من حيث كثر، كما حذفت من الأسماء الأعلام نحو: زيد بن فلان. واستجازوا حذفها كما استجازوه في نحو:
ولك اسقني...
[الحجة للقراء السبعة: 5/125]
وكما حذفوها من عمرو العلى ونحو ذلك، والدليل على أنه حذف كما كان حذف لالتقاء الساكنين أنه لا يخلو من أن يكون الحذف على ما كان عليه لالتقاء الساكنين، أو على حدّ الحذف في دد، وددن، فلا يجوز أن يكون على حدّ دد، وددن لأنه لو كان كذلك لوجب أن يسكن للبناء كما أنك لما حذفت النون من المعرب الذي هو لام في ددن أجريت على العين ما كان يجري على اللام من الإعراب، وكذلك لد لو كان الحذف فيه على حدّ الحذف في ددن لوجب أن تسكن الدّال من لد بعد حذف النون، ألا ترى أنهم قالوا: لهي أبوك، فبنوا الاسم لما تضمّن معنى لام المعرفة، وحرك بالفتح لالتقاء الساكنين، ثم لمّا حذفوا الياء التي في موضع اللام قالوا: له أبوك، فبنوه على السكون، فكذلك الحذف في لدن لو كان على حدّ الحذف في لهي، والنون في ددن لوجب أن تسكن الدال في لد ولا تحرك، فبقاؤها على الحركة دلالة على أن حذفها ليس على حدّ الحذف في ددن، ولهي أبوك، ولكن حذفت كما كانت حذفت لالتقاء الساكنين لأن الحذف لالتقاء الساكنين كأنه في تقديره الثبات، كما أن
[الحجة للقراء السبعة: 5/126]
التحريك لهما في تقدير السكون، فالذي قال: «من لد شولا... »
إنما استعمل المحذوف لالتقاء الساكنين بالدلالة التي ذكرنا، وأنشد أبو زيد:
لد غدوة حتّى أغاث شريدهم... جوّ العشارة فالعيون فزنقب
فالدّال متحرّكة بالضم فمن قال: لدن غدوة، على ما حكاه أبو زيد وسيبويه شبّهها بالخفيفة مع الفعل كما شبّهها مع التنوين في قوله:
لدن غدوة، وإنّما شبّهوه بالزيادة في الموضعين جميعا أعني: لدن، لدن، لأنه لم يكن حقّها أن تحذف النون منها لمشابهتها الحروف وهذا الحذف إنما يكون في الأسماء المتمكنة فلما أشبهت الحروف لم يلزم الحذف فيها فاستنكروه وجعلوا النون بمنزلة الزائد في لدن، وفي لدن غدوة، وكذلك قد يستقيم أن تقول في الذي قال «لد شولا» أنه تركها على الضمة لأنه قدر أن تلك زائدة، وأنشد عن خالد بن كلثوم:
من عن لدن قرّعت نفس الصّلاة إلى... أن ولّت الشمس في علّي وفي نهل
وقد أضيفت فيه إلى الفعل، ويمكن أن تكون إضافتها إلى الفعل
[الحجة للقراء السبعة: 5/127]
كإضافة حيث إليه لأنها في الإيهام مثلها في الإبهام، وكإضافة ذي إلى تسلم. وريث إلى الفعل في مواضع، ويمكن أن يكون المعنى: لدن أن قرّعت، فحذف أن، ويقوي ذلك ثباتها في قول الأعشى:
أراني لدن أن غاب أهلي كأنما... يراني فيكم طالب الضيم أرنبا
وقد جاءت أيضا مضافة إلى الفعل في قول بعض عبد القيس:
وإنّ لكيزا لم تكن ربّ عكّة... لدن صرّحت حجّاجهم فتفرّقوا
وجاء مضافا إلى الفعل في غير هذه المواضع.
فأما ما روي عن عاصم من قراءته: (من لدنه) [الكهف/ 2] فالكسرة ليست فيه بجرّ إنما هي كسرة لالتقاء الساكنين وذاك أن الدال أسكنت كما أسكنت في سبع، والنون ساكنة، فلما التقيا كسرت الثاني منهما. فإن قلت: فكيف حركت الأول من الساكنين فيمن قال: لدن، وحرك في قراءة عاصم الثاني منهما، قيل: حرّك الأولان لدن لأنه نزّل أن النون ليست من نفس الكلمة، كما نزّل في لدن غدوة كذلك، وليس يخرج الكلمة هذا التنزيل فيها من أن تكون النون من أصلها، بدلالة ردّها في المضمر نحو: من لدنك، ومن لدنه ومن لدنّي، ولدني، حكاه أبو زيد، والساكنان، إذا التقيا في كلمة حرّك الثاني منهما، فكذلك حرك الثاني في لدنه، وليس يخرج ما عرّض من
[الحجة للقراء السبعة: 5/128]
شبه النّون بالزيادة عن أن يكون من نفس الكلمة، وأن يراعي فيها الأصل، ألا ترى أن نحو الترامي والتعادي روعي فيه التفاعل فصرف كما صرف، ولم يجعل بمنزلة جواري وحضاجر، وكذلك قولهم:
المريض عدته، روعي فيه التعدي الذي في الفعل في الأصل، وكذلك هذه النون جعلت في التحريك لالتقاء الساكنين بمنزلة قوله:
انطلق، و:
لم يلده...
لمّا أسكن اللامان من الكلمتين حرّك الآخر منهما لالتقاء الساكنين، فكذلك في قوله: من لدنه، حرك الثاني من الساكنين لما أسكن الحرف الذي قبل النون.
وأما إشمام الضم الدال في قراءة عاصم في قوله: (من لدنه) فليعلم أن الأصل كان في الكلمة الضمّة، ومثل ذلك قولهم: أنت تغزين، وقولهم: قيل، أشمّت الكسرة فيها الضمّة، لتدلّ أن الأصل فيها التحريك بالضم وإن كان إشمام عاصم ليس في حركة خرجت إلى اللفظ، وإنّما هو تهيئة العضو لإخراج الضمة، ولو كانت مثل الحركة في تغزين لم يلتق ساكنان ولم تكسر النون لاجتماعهما، ولكن يجتمعان في أن أصل الحرف التحريك بالضم وإن اختلفا في أنّ الحركة في تغزين قد خرجت إلى اللفظ، ولم تخرج في قوله: (من
[الحجة للقراء السبعة: 5/129]
لدنه) وأمّا وصله الهاء بياء في الوصل فحسن، ألا ترى أنك لو قلت: بابه وبعبده، فلم توصل الهاء بياء لم يحسن، ولكان ذلك مما يجوز في الشعر كقوله:
له زجل كأنّه صوت حاد وأما قراءة الباقين من لدنه فعلى أصل الكلمة، والنون في موضع جرّ وضم الهاء من غير بلوغ ياء حسن، لسكون ما قبل الهاء، فلو بلغوا به الياء لم يجز لأن هذا ليس من المواضع التي تلحق هاء الضمير فيه الياء لأنه لا ياء قبلها، ولا كسرة ولكن لو بلغوا بها الواو فقال: (من لدنهو)، لم يكن يحسن الضم بلا واو، لأن الهاء خفية فإذا سكن ما قبلها وما بعدها أشبه التقاء الساكنين، ولو كان ما قبل الهاء حرف لين كان أقبح، وأما الجار في قوله: من لدنه فيحتمل ضربين، أحدهما: أن يكون متعلقا بشديد، والآخر: أن يكون صفة للنكرة وفيها ذكر الموصوف). [الحجة للقراء السبعة: 5/130]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قيمًا لينذر بأسا شديدا من لدنه}
قرأ أبو بكر (من لدنهي) بإسكان الدّال وإشمام الضّم وكسر والنّون والهاء ووصل الهاء بالياء الأصل لدن بضم الدّال ثمّ إنّه أسكن الدّال استثقالا للضمة كما تقول عضد فلمّا أسكن الدّال التقى ساكنان النّون والدّال فكسر النّون لالتقاء الساكنين وكسر الهاء لمجاورة حرف مكسور ووصلها بياء كما تقول مررت به ي يا فتى وأما إشمام الضمة في الدّال ف ليعلم أن الأصل كان في الكلمة الضمة ومثل ذلك قيل وجيء فاعرفه فإنّه حسن
وقرأ الباقون {من لدنه} بضم الدّال وسكون النّون وضم الهاء على أصل الكلمة كقوله {من لدن حكيم عليم} ). [حجة القراءات: 412]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (1- قوله: {من لدنه} قرأ أبو بكر بإسكان الدال، ويشمها الضم، ويكسر النون والهاء، وقرأ الباقون بضم الدال، وإسكان النون، وضم الهاء.
وحجة من أسكن الدال أنها لغة للعرب يسكنون الدال، ومنهم من ينقل حركة الدال إلى اللام فيقولون «لدن» فيجتمع ساكنان الدال والنون، فيكسر النون فيقول: «لدن غدوة» وبعضهم يحرك الدال لالتقاء الساكنين مع فتح اللام فيقول: «لدن» فيتبع الفتح الفتح، فأما الإشمام فإنه أشم الدال الضم، ليدل بذلك على أن أصلها الضم، والإشمام في هذا بغير صوت يُسمع، إنما هو ضم الشفتين لا غير كالإشمام في الوقف على: زيد وعمرو، المرفوعين، فكل إشمام في حرف ساكن لا يُسمع، إنما هو ضم الشفتين لا غير، وكل إشمام في متحرك يُسمع كالإشمام في: قيل وحيل وسيء، وقد مضى الكلام على هذا في بابه، فأما كسر النون فإنه لما أسكن الدال كسر النون، لالتقاء الساكنين، فلما انكسرت النون كسرت الهاء لملاصقتها الكسرة، كما تكسر في «به» وصاحبيه، ووصلت بياء على الأصل، إذ ليس قبل الهاء ساكن.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/54]
2- وحجة من ضم الدال أنه أتى بها على الأصل، وأسكن النون على الأصل؛ إذ لا ضرورة تدعو إلى حركتها، وفي «لدن» لغات غير ما ذكرنا، وهي ظرف غير متمكن بمعنى «عند» وهو مبني على أصل البناء، وهو السكون كـ «كم، ومذ، وإذ» ). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/55]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (2- {مِنْ لَدُنْه} [آية/ 2]:
قرأ عاصم ياش- {من لَدْنِهِي} يسكن الدال ثم يشمها الضم، ويكسر النون، ويصل الهاء بياء إذا وصل.
والوجه أن أصله لَدُنْ مثل سَبُع، فأسكن الدال كما يسكن الباء في سبع، والنون بعدها ساكنة، فالتقى ساكنان، فحُرّك الثاني منهما بالكسر.
وأما إشمام الدال الضمة فليعلم أنها كانت مضمومةً.
وأما إلحاق الياء بالهاء في لدنهي فلكسرة ما قبل الهاء، كما تقول مررت بهي، ولا يحسن ترك هذه الياء في هذه الصورة إلا في ضرورة الشعر.
وقرأ الباقون و-ص- عن عاصم {مِنْ لَدُنْهُ} مضمومة الدال، ساكنة النون، مضمومة الهاء غير مشبعةٍ.
والوجه أنه على أصل الكلمة؛ لأن الكلمة لدن مثل سبع، وإنما ضمت الهاء من غير واو بعدها لسكون ما قبل الهاء، كما تقول اضربه، فتضم الهاء ضمة غير مشبعة لسكون ما قبل الهاء.
وقرأ ابن كثير {لَدُنْهُو} فوصل الهاء بواو، وهي مثل قراءة ص- إلا في إلحاق الواو.
والوجه في إلحاق الواو انه على الأصل؛ لأن الأصل في هاء ضمير الواحد أن يكون بعدها واوٌ، إلا أنه إذا سكن ما قبل الهاء، فإنهم يحذفون الواو التي بعد الهاء؛ لأن الهاء حرفٌ خفي وليس بحاجز حصين، فيكون الساكن كأنه
[الموضح: 773]
التقى مع الواو الساكنة، وهو يجانبون التقاء الساكنين، فكذلك ما يقرب منه، إلا أن ابن كثير قد أجرى الهاء على الأصل وعد الهاء حاجزًا حصينًا). [الموضح: 774]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (3- {وَيَبْشُرَ الْمُؤْمِنِينَ} [آية/ 2] بفتح الياء وضم الشين مخففة:
قرأها حمزة والكسائي.
وقرأ الباقون {وَيُبَشِّرَ} بضم الياء وفتح الباء وكسر الشين وتشديدها.
وقد سبق القول في هذه الكلمة فيما تقدم). [الموضح: 774]

قوله تعالى: {مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا (3)}

قوله تعالى: {وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4)}

قوله تعالى: {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا (5)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (قرأ [كَبُرَتْ كَلِمَةٌ] رفعا يحيى بن يعمر والحسن وابن محيصن وابن أبي إسحاق والثقفي والأعرج -بخلاف- وعمرو بن عبيد.
قال أبو الفتح: أخلص الفعل "لكَلِمَةٍ" هذه الظاهرة، فرفعها، وسَمَّى قولهم: {اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا}، - كما سمَّوا القصيدة وإن كانت مائة بيت -"كلمةً". وهذا كوضعهم الاسم الواحد على جنسه، كقولهم: أهلك الناسَ الدرهمُ والدينارُ، وذهب الناسُ بالشاة والبعير.
ولله فصاحة الحجاج، وكثرة قوله على منبره: يأيها الرجل، وكلكم ذلك الرجل! ألا تراه لما أشفق أن يظن به أنه يريد رجلا واحدا بعينه قال: وكلكم ذلك الرجل؟). [المحتسب: 2/24]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 14 صفر 1440هـ/24-10-2018م 09:33 AM

تفسير سورة الكهف
[ من الآية (6) إلى الآية (8) ]

{فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6) إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7) وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا (8)}

قوله تعالى: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6)}

قوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7)}

قوله تعالى: {وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا (8)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 14 صفر 1440هـ/24-10-2018م 09:36 AM

تفسير سورة الكهف
[ من الآية (9) إلى الآية (12) ]

{أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا (9) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10) فَضَرَبْنَا عَلَىٰ آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (11) ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَىٰ لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا (12)}

قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا (9)}

قوله تعالى: {إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10)}

قوله تعالى: {فَضَرَبْنَا عَلَىٰ آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (11)}

قوله تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَىٰ لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا (12)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 14 صفر 1440هـ/24-10-2018م 09:39 AM

تفسير سورة الكهف
[ من الآية (13) إلى الآية (15) ]

{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ ۚ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَٰهًا ۖ لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا (14) هَٰؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً ۖ لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ ۖ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (15)}

قوله تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ ۚ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13)}

قوله تعالى: {وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَٰهًا ۖ لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا (14)}

قوله تعالى: {هَٰؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً ۖ لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ ۖ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (15)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 14 صفر 1440هـ/24-10-2018م 09:41 AM

تفسير سورة الكهف
[ من الآية (16) إلى الآية (18) ]
{وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا (16) وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ۚ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ ۗ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ ۖ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا (17) وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ ۚ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ۖ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ ۚ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18)}

قوله تعالى: {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا (16)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (من أمركم مّرفقًا)
قرأ نافع وان عامر والأعشى عن أبي بكر (مرفقًا) بفتح الميم، وكسر الفاء - وقرأ الباقون بكسر الميم وفتح الفاء (مرفقًا).
وروى الكسائي عن أبي بكر مثل ما قال الأعشى.
قال أبو منصور: أكثر كلام العرب أن يقولوا: (مرفق) لمرفق اليد، بكسر الميم.
ويقال لما يرتفق به: مرفق.
ويجوز هذا في ذاك، وذاك في هذا، قاله أحمد بن يحيى). [معاني القراءات وعللها: 2/106]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (12- وقوله تعالى: {مرفقا} [16].
فقرأ نافع وابن عامر {مرفقا} بفتح الميم وكسر الفاء.
وقرأ الباقون: {مرفقًا} بكسر الميم.
فاختلف النحويون في ذلك، فقال بعضهم: هما لغتان.
وقال آخرون: المرفق: ما ارتفقت به، والمِرفق مرفق اليد، والاختيار في اليد وفي كل ما ارتفقت له (المِرفق) بكسر الميم، والجَمعُ المَرَافقُ مِنْ
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/394]
قوله: {وأيديكم إلى المرافق} فرأس المرفق يقال له: إبرة، وعن يمين الإبرة كسر حسن، وعن يساره كسر قبيح). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/395]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في [فتح الميم و] كسر الفاء وكسر الميم وفتح الفاء من قوله: (مرفقا) [الكهف/ 16].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي: مرفقا بكسر الميم وفتح الفاء.
وقرأ نافع وابن عامر: (مرفقا) بفتح الميم وكسر الفاء.
الكسائي عن أبي بكر عن عاصم: (مرفقا) بفتح الميم [وكسر الفاء مثلهما].
[الحجة للقراء السبعة: 5/130]
أبو عبيدة: المرفق: ما ارتفقت به، وبعضهم يقول: المرفق.
فأما فى اليدين فهو مرفق. وقال أبو زيد: رفق الله عليك أهون المرفق والرّفق.
قال أبو علي: المرفق فيما حكاه أبو زيد مصدر، ألا ترى أنه جعله كالرفق، وكان القياس الفتح لأنه ليس من يرفق، ولكنه كقوله: إلي مرجعكم [آل عمران/ 55]. ويسألونك عن المحيض [البقرة/ 222].
وقال أبو الحسن: مرفقا، أي: شيئا يرتفقون به مثل المقطع، ومرفقا: جعله اسما مثل المسجد، أو تكون لغة.
وقوله: جعله اسما، أي: جعل المرفق اسما، ولم يجعله اسم المكان ولا المصدر من رفق يرفق، كما أن المسجد ليس باسم الموضع من سجد يسجد. وقوله: أو يكون لغة، أي: لغة في اسم المصدر، كما جاء المطلع ونحوه، ولو كان على القياس لفتحت اللام.
قال أبو الحسن أيضا: مرفقا ومرفقا: لغتان لا فرق بينهما أيضا، هما اسمان مثل المسجد والمطبخ). [الحجة للقراء السبعة: 5/131]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقا}
قرأ نافع وابن عامر {من أمركم مرفقا} بفتح الميم وكسر الفاء وقرأ الباقون {مرفقا} بكسر الميم وفتح الفاء
قال أبو عمرو مرفق اليد بكسر الميم وفتح الفاء وكذلك مرفق الأمر مثل مرفق اليد سواء وكذا قال أيضا أبو الحسن الأخفش
[حجة القراءات: 412]
قال هما لغتان لا فرق بينهما وقال الفراء فكأن الّذين فتحوا الميم أرادوا أن يفرقوا بين المرفق من الأمر والمرفق من الإنسان وأكثر العرب على كسر الميم في الأمر وفي المرفق من الإنسان وقد تفتح العرب أيضا الميم من مرفق الإنسان وهما لغتان في هذا وفي هذا). [حجة القراءات: 413]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (4- قوله: {مرفقا} قرأ نافع وابن عامر بفتح الميم، وكسر الفاء، وقرأ الباقون بكسر الميم، وفتح الفاء، وهما لغتان، حكى أبو عبيد: المرفق ما ارتفقت به، قال: وبعضهم يقول: المرفق، فأما في اليدين فهو مرفق، بكسر الميم وفتح الفاء، وقد قيل: إن المرفق بكسر الميم، المصدر، كالمرفق، وكان القياس فتح الميم في المصدر، لأنه فعل يفعل، ولكنه جرى نادرًا كالمرجع والمحيض، وقال الأخفش: مرفقا، بالكسر، هو شيء يرتفقون به، و{مرفقا} بالفتح اسم كالمسجد). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/56]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (4- {مَرْفِقًا} [آية/ 16] بفتح الميم وكسر الفاء:
قرأها نافعٌ وابن عامر.
والوجه أن المرفق مصدرٌ كالرفق، وحكة أبو زيدٍ: رفق الله عليك أهون المرفق، والرفق، والقياس: المرفق بالفتح لكونه مصدرًا، إلا أنه قد جاء شاذًا كالمرجع والمحيض.
وقال أبو الحسن: هو اسم ما يُرتفق به، وجوّز أيضًا أن يكون اسمًا للمصدر.
وقرأ الباقون {مِرْفَقًا} بكسر الميم وفتح الفاء.
[الموضح: 774]
والوجه أنه اسمٌ لما يُرتفق به، هكذا ذكر أبو عبيدة، وجوّز في هذا المعنى المرفق بفتح الميم وكسر الفاء قال:
وأما في اليدين فهو مرفقٌ بالكسر لا غير.
ومثل المرفق الذي هو اسم ما يُرتفق به المحلب والمقطع). [الموضح: 775]

قوله تعالى: { وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ۚ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ ۗ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ ۖ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا (17)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (تزاور عن كهفهم)
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو (تزّاور) بتشديد الزاي، وقرأ الكوفيون (تزاور) خفيفة الزاي.
وقرأ ابن عامر ويعقوب (تزورّ) ساكنة الزاي، مثل: تحمرّ.
قال أبو منصور: ويجوز (تزوارّ)، ولا أدرى أقرئ به أم لا؟ والمعنى في: تزّاور، وتزاور، وتزورّ، وتزوارّ واحد، أي: تميل فمن قرأ (تزاور) بالتخفيف فالأصل: تتزاور، فحذفت إحدى التاءين استثقالاً للجمع بينهما.
[معاني القراءات وعللها: 2/106]
ومن قرأ (تزاور) فالأصل فيه أيضًا: تتزاور، فأدغمت التاء في الزاي وشددت.
ومن قرأ (تزورّ) فهو من: ازورّ تزورّ. وكذلك ازوارّ). [معاني القراءات وعللها: 2/107]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (2- وقوله تعالى: {تزاور عن كهفهم} [17].
قرأ ابن عامر {تزور} مثل تحمر وتصفر، ومعناه: تعدل وتميل، قال عنترة:
فازور من وقع القنا بلبانه
وشكا إلى بعبرة وتحمحم
وقد قرأ إن شاء الله الجحدري {تزور} مثل تحمار وتصفار.
وقرأ أهل الكوفة: {تزاور} مخففة الزاي.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/387]
وقرأ الباقون: {تزاور} أرادوا: تتزاور فأدغموا التاء في الزاي. ومن خفف أيضًا أراد: تتزاور فحذف إحدى التاءين، وهو كقوله: {تساقط} و{تساقط} و{تظاهرون} و{تظهرون} وقال أبو الزخرف:
ودون ليلى بلد سمهدر
جدب المندى عن هواها أزور
يقال: هو أزور عن كذا، أي: مائل عنه، وفي فلان زور أي: عوج. وأما الزور بجزم الواو فالصدر، يقال للصدر الزور والجوش والجؤشوش والجؤجؤ والجوشن والكلكل والكلكال كل ذلك يراد به الصدر. والزور أيضًا: جمع زائر، هؤلاء زور فلان أي: زواره). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/388]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله تعالى: تزاور عن كهفهم [الكهف/ 17].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: (تزاور) بتشديد الزّاي.
وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: (تزاور) خفيفة.
[الحجة للقراء السبعة: 5/131]
وقرأ ابن عامر: (تزور) مثل تحمرّ.
قال أبو عبيدة: (تزاور عن كهفهم) تميل عنه، وهو من الزّور والأزور منه، وأنشد ابن مقبل:
فينا كراكر أجواز مضبّرة... فيها دروء إذا شئنا من الزّور
قال أبو علي: تزاور، تزّاور، من قال: تزاور حذف التاء الثانية، وخفف الكلمة بالحذف، كما تخفف بالإدغام، وقول ابن عامر: تزور. قال أبو الحسن: لا يوضع في هذا المعنى إنما يقال: هو مزورّ عني، أي: منقبض. قال أبو علي: ويدلّ على أن ازورّ في المعنى انقبض كما قاله أبو الحسن، قوله:
وازورّ من وقع القنا بلبانه والذي حسّن القراءة به قول جرير:
[الحجة للقراء السبعة: 5/132]
عسفن على الأواعس من قفيل وفي الأظعان عن طلح ازورار فظاهر استعمال هذا في الأظعان مثل استعماله في الشمس، فإن قلت: كيف جاز أن يقال: تزاور، ولا يكاد يستعمل هذا البناء في هذا النحو، فإن هذا حسن لمّا كان معناه الميل عن الموضع، وقد استعملوا تمايل، فأجروا تزاور مجرى تمايل، قال:
كلون الحصان الأنبط البطن قائما... تمايل عنه الجلّ واللون أشقر
وقال:
تجانف عن خلّ اليمامة ناقتي... وما قصدت من أهلها لسوائكا
[الحجة للقراء السبعة: 5/133]
والزور في بيت ابن مقبل هو الميل والعدول للكبر والصّعر، فمعنى العدول فيه حاصل للكبر كان أو لغيره، وكما أنّ تقرضهم تجاوزهم وتتركهم عن شمالها، كذلك تزاور عنهم: تميل عنهم ذات اليمين، فإذا مالت عنهم إذا طلعت، وتجاوزتهم إذا غربت، وكانوا في فجوة من الكهف، دلّ أن الشمس لا تصيبهم البتّة، أو في أكثر الأمر، فتكون صورهم محفوظة). [الحجة للقراء السبعة: 5/134]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الجحدري: [تَزْوارُّ].
قال أبو الفتح: هذا افْعالَّ وتَزَاوَرُ تَفَاعَلُ وقلما جاءت افعالّ إلا في الألوان، نحو: اسوادّ وابياضّ واحمارّ واصفارّ، أو العيوب الظاهرة، نحو: احولّ واحوالّ واعورّ واعوارّ واصيدّ واصيادّ. وقد جاءت افعالّ وافعلّ، وهي مقصورة من افعالّ- في غير الألوان، قالوا: ارعوى وهو افعلّ، وافتوى أي: خدم، وساس. قال يزيد بن الحكم:
تبدَّل خليلا بي كشكلك شكلُه ... فإني خليلا صالحا بك مُقْتَوِي
فمقتو مفتعل من الفتو، وهو الخدمة. قال:
إني امرؤ من بني خُزَيمة لا ... أحسن قتوَ الملوكِ والحفَدَا
[المحتسب: 2/25]
وخليلا عندنا منصوب بفعل مضمر يدل عليه [مُقْتَوٍ]، وذلك أن افعلّ لا يتعدى إلى المفعول به، فكأنه قال: فإني أخدم، أو أسوس، أو أتعهد، أو استبدل بك خليلا صالحا. ودل مقتوٍ على ذلك الفعل. وقالوا: اضرابّ الشيء أي: املسّ، وقالوا: اشعانّ رأسه، أي: تفرق شعره، في أحرف غير هذه). [المحتسب: 2/26]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وترى الشّمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين}
قرأ ابن عامر (تزور عن كهفهم) مثل تحمر وتصفر ومعناه تعدل وتميل
وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو {تزاور} بالتّشديد وقرأ أهل الكوفة بالتّخفيف من شدد أراد تتزاور فأدغمت التّاء في الزّاي ومن خفف حذف إحدى التّاءين وهي الثّانية). [حجة القراءات: 413]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (5- قوله: {تزاور عن} قرأه الكوفيون بالتخفيف، وقرأ ابن عامر بتشديد الراء من غير ألف «تزو» على وزن «تحمر» وقرأ الباقون بألف مشددا.
وحجة من قرأ بالألف والتخفيف أنه بناه على «تزاورت» فهي تزاور وأصله تتزاور، فحذف إحدى التاءين تخفيفًا وعلته كالعلة في «تساءلون وتظاهرون».
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/56]
6- وحجة من شدد وقرأ بألف أنه بناه على «تزاورت» أيضًا كالأول، ثم أدغم إحدى التاءين في الزاي، وحسن الإدغام؛ لأنه ينقل التاء إلى لفظ الزاي، فالزاي أقوى من التاء بكثير، لأن الزاي من حروف الصفير، ومن الحروف المجهورة، وهو الاختيار، لأنه الأصل، وعليه الحرميان.
7- وحجة من قرأه بغير ألف على وزن «تحمر» أنه بناه على «ازورت» فهي «تزور»، كـ «احمرت» فهي «تحمر»، والمعنى: وترى الشمس إذا طلعت تنقبض عنهم، ومعنى «تزاور وتزّاور» تميل، فمعناه مثل الأول؛ لأنها إذا مالت فقد انقبضت، فإذا انقبضت فقد مالت). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/57]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (5- {تَزْوَرُّ} [آية/ 17] بغير ألف، ساكنة الزاي، مشددة الراء:
قرأها أبو عامر ويعقوب في وزن تحمر.
والوجه أن ازْوَرَّ قد جاء في معنى الميل، وإن كان المشهور فيه معنى الانقباض، وفي معنى الميل قول جرير:
80- عسفن على الأواعن من قفيلٍ = وفي الأظعان عن طلح ازورار
أي: ميلٌ، فمعنى تزور: تميل.
[الموضح: 775]
وقرأ ابن كثير ونافعٌ وأبو عمرو {تزَّاوَرُ} بالألف، مشددة الزاي.
والوجه أن أصله تتزاور، فأُدغمت التاء الثانية في الزاي، فبقي {تَزَّاوَرُ}، والإدغام إنما هو لاستثقالهم اجتماع التاءين.
وقرأ الكوفيون {تَزَاوَرُ} بالألف، مخففة الزاي.
والوجه أن أصله تتزاور بتاءين أيضًا، فحُذفت التاء الثانية تخفيفًا.
والتزاور: التمايل). [الموضح: 776]

قوله تعالى: {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ ۚ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ۖ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ ۚ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ولملئت منهم رعبًا)
قرأ ابن كثير ونافع (ولملّئت) بتشديد اللام، وقرأ الباقون خفيفة.
وكذلك روى إسماعيل بن مسلم عن ابن كثيرٍ بالتخفيف.
قال أبو منصور: أكثر الكلام (ولملئت) بالتخفيف، وإذا شددت اللام ففيه تأكيد للمبالغة). [معاني القراءات وعللها: 2/107]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (3- وقوله تعالى: {ولملئت منهم رعبا} [18].
قرأ ابن كثير ونافع {ولملئت} مشددًا مهموزًا.
وقرأ الباقون خفيفًا {ولملئت} يقال ملىء فلان رعبا وفزعا فهو مملوء وملىء فهو مملأ، وكأن التشديد للتكثير وملأت الإناء فهو ملآن، وامتلأ
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/388]
الحوض يمتلىء امتلاء وأما قولهم: تمليت طويلاً وعانقت حبيبًا ومت شهيدًا وأبليت جديدًا فغير مهموز). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/389]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في تشديد اللام وتخفيفها من قوله تعالى: ولملئت [الكهف/ 18].
فقرأ ابن كثير ونافع: (ولملّئت): مشدّدة مهموزة.
وقرأ ابن عامر وعاصم وأبو عمرو وحمزة والكسائي: ولملئت خفيفة مهموزة، وروى إسماعيل بن مسلم عن ابن كثير: ولملئت خفيفة.
قال أبو الحسن: الخفيفة أجود في كلامهم، تقول: ملأتني رعبا، ولا يكادون يعرفون: ملأتني. قال أبو علي: مما يدلّ على ما قاله أبو الحسن من أن التخفيف أكثر في كلامهم قوله:
فيملأ بيتنا أقطا وسمنا وقول الأعشى:
وقد ملأت بكر ومن لفّ لفّها
[الحجة للقراء السبعة: 5/134]
وقول الآخر:
ومن مالئ عينيه من شيء غيره وقول الآخر:
لا تملأ الدّلو وعرّق فيها وقولهم: امتلأت، يدلّ على ملأ، لأنّ مطاوع فعلت افتعلت، قال:
امتلأ الحوض، وقال قطني وقد جاء التثقيل أيضا، أنشدوا للمخبّل السعدي:
وإذ فتك النعمان بالناس محرما فملّئ من كعب بن عوف سلاسله). [الحجة للقراء السبعة: 5/135]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن: [وَتَقَلُّبَهُمْ]، بفتح التاء والقاف، وضم اللام، وفتح الباء.
قال أبو الفتح: هذا منصوب بفعل دل عليه ما قبله من قوله تعالى: {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ}، وقوله: {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ} : فهذه أحوال مشاهدة، فكذلك [تَقَلُّبَهُمْ] داخل في معناه، فكأنه قال: ونرى أو نشاهد تقلبهم ذات اليمين وذات الشمال. فإن قيل: إن التقلب حركة، والحركة غير مرئية، قيل: هذا غَوْر آخر ليس من القراءة في شيء إلا أنك تراهم يتقلبون، والمعنى مفهوم. وليس كل أحد يقول: إن الحركة لا ترى ولا غرض في الإطالة هنا، لكن ما أوردناه قد مضى على الغرض فيه والمراد منه). [المحتسب: 2/26]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({لو اطّلعت عليهم لولّيت منهم فرارًا ولملئت منهم رعبًا}
قرأ نافع وابن كثير {ولملئت منهم} بالتّشديد وقرأ الباقون بالتّخفيف وهما لغتان يقال ملئ فلان رعبًا فهو مملوء وملئ فهو مملأ). [حجة القراءات: 413]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (8- قوله: {ولملئت منهم} قرأه الحرميان بالتشديد، وخفف الباقون، وهما لغتان، والتخفيف أكثر، قال الأخفش: تقول ملأتني رعبا ولا يكادون يقولون ملأتني رعبا، وقوله: {هل امتلأت} «ق 30» يدل على التخفيف لأن {امتلأت} مطاوع «ملأت» وهو الاختيار؛ لأن الأكثر عليه، ولأنه اللغة المشهورة المستعملة، وقد ذكرنا {رعبا} في آل عمران أن الكسائي وابن عامر على التثقيل، والباقون على التخفيف). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/57]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (6- {وَلَمُلِّئْتَ مِنْهُمْ} [آية/ 18] مشددة اللام:
قرأها ابن كثير ونافعٌ.
والوجه أن مُلِّئ بالتشديد لغة في مُلِئ بالتخفيف وإن كانت لغة قليلة، قال المخيل السعدي:
81- وإذا فتك النعمان بالناس محرمًا = فملئ من كعب بن عوفٍ سلاسله
وقرأ الباقون {وَلَمُلِئْتَ} مخففة اللام.
[الموضح: 776]
والوجه أنها هي اللغة الجيدة، وهي المشهورة عندهم.
ويمكن أن يقال إن المشددة لكثرة الفعل فيكون المراد منه ملءٌ بعد ملءٍ، وعلى هذا يُحمل ما في البيت؛ لأن السلاسل جمعٌ). [الموضح: 777]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (7- {رُعُبًا} [آية/ 18] بتحريك العين:
قرأها ابن عامر والكسائي ويعقوب.
وقرأ الباقون {رُعْبًا} بتسكين العين.
والوجه أنهما لغتان: الرعْب والرعُب كالشغْل والشغُل.
ويجوز أن يكون الرعب بالتسكين مخففًا من الرعب بالتحريك). [الموضح: 777]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 14 صفر 1440هـ/24-10-2018م 09:43 AM

تفسير سورة الكهف
[ من الآية (19) إلى الآية (20) ]

{ وَكَذَٰلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ ۚ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ ۖ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۚ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَٰذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَىٰ طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (19) إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا (20)}

قوله تعالى: {وَكَذَٰلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ ۚ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ ۖ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۚ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَٰذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَىٰ طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (19)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (بورقكم)
قرأ أبو عمرو، وأبو بكر عن عاصم، وحمزة (بورقكم) ساكنة الراء خفيفة.
وقرأ الباقون (بورقكم) بكسر الراء والقاف.
قال أبو منصور: اللغتان اللتان قرئ بهما: ورق، وورق.
وفيه لغتان أخريان: (بورقكم) بكسر الواو، وسكون الراء.
و (بورقكم) بفتح الواو، وكسر الراء، وإدغام القاف في الكاف.
حتى يصير كأنهما كافًا خالصة.
[معاني القراءات وعللها: 2/107]
الدراهم المضروبة: الورق وهي الرقّة، وقال أبو عبيدة للفضة وإن كانت غير مضروبة: رقّة وورق). [معاني القراءات وعللها: 2/108]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (4- وقوله تعالى: {بورقكم هذه إلى المدينة} [19].
قرأ أبو عمرو وحمزة وأبو بكر عن عاصم {بورقكم} ساكنة الراء.
وقرأ الباقون {بورقكم} وهو الأصل، ومن أسكن الراء فتخفيف، كما يُقال في فخذ فخد، وفي كبد كبد، ولو قرأ قارىء بورقكم لكان صوابا. حدثني ابن مجاهد عن السمر يعن الفراء قال: يقال: الورق والورق والورق ثلاث لغات، ومثله كلمة وكلمة وكلمة. والورق: الدراهم، وقد يقال لها: الورق بفتح الراء وتجمع أوراقًا، ويقال: رجل وراق أي: كثير الدراهم، فأما الورق الذي يكتب فيه فبالفتح لا غير، والورق أيضًا: الغلمان الملاح.
وروى اللؤلؤى عن أبي عمرو {بورقكم هذه} مدغمًا لقرب القاف من الكاف، كما قرأ: {خلقكم} و{رزقكم} والاختيار: الإظهار، لسكون الراء؛ لأن الحرفين غير متجانسين وإن كانا قرينين). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/389]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في كسر الراء، وإسكانها من قوله عز وجل: بورقكم [الكهف/ 19].
فقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر والكسائي وحفص عن عاصم بورقكم مكسورة الراء.
وقرأ أبو عمرو وحمزة وأبو بكر عن عاصم (بورقكم) ساكنة
[الحجة للقراء السبعة: 5/135]
الراء خفيفة. وروى روح عن أحمد بن موسى عن أبي عمرو: (بورقكم) مدغمة، قال: وكان يشمها شيئا من التثقيل.
ورق وورق: كنبد ونبد وكتف وكتف، والتخفيف في هذا النحو سائغ مطرد. وأما إدغام القاف في الكاف فحسن، وذلك نحو قولك:
الحق كلدة، فلمّا كان إدغام الكاف في القاف في قولك: انهك قطنا كذلك، ولإدغام القاف في الكاف من المزيّة في الحسن أن القاف أدخل في الحلق، وهي أول مخارج الفم، والكاف أخرج إلى الفم، والإدغام فيما كان أقرب إلى الفم أحسن، ألا ترى أن الإدغام إنّما هو في حروف الفم، وأن حروف الطرفين ليس بأصول في الإدغام). [الحجة للقراء السبعة: 5/136]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أبي رجاء: [بِوِرْقكُّمْ]، مكسورة الواو، مدغمة.
قال أبو الفتح: هذا ونحوه عند أصحابنا مخفي غير مدغم، لكنه أخفى كسرة القاف، فظنها القراء مدغمة. ومعاذ الله لو كانت مدغمة لوجب نقل كسرة القاف إلى الراء، كقولهم: يَرُدّ ويَفِرّ ويَصُبّ. ألا ترى أن الأصل يرْدُدُ ويفْرِرُ ويَصْبُبُ، فلما أسكن الأول ليدغمه نقل حركته إلى الساكن قبله؟
وللقراء في نحو هذا عادة: أن يعبروا عن المخفي بالمدغم؛ وذلك للطف ذلك عليهم. منه قولهم في قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ} : إنه أدغم نون "نحنُ" في نون "نَزلنا"
[المحتسب: 2/24]
حتى كأنهم لم يسمعوا أن هذا ونحوه مما لا يجوز مع الانفصال، وأنه أمر يختص به المتصل. فاستدل صاحب الكتاب على أنه إخفاء بقولهم: اسمُ مُوسى وابنُ نُوح، قال: فلو كان إدغام لوجب تحريك سين "اسم" وباء "ابن"، ولو تحركتا لإدغام ما بعدهما لسقطت ألف الوصل من أولهما، وهذا واضح.
وإذا جاز مثل هذا على قطرب مع تخصصه حتى جرى في بعض ألفاظه فالقراء بذلك أولى، وهم فيه أظهر عذرًا. وقد ذكرنا ذلك فيما مضى، وإنما هي [بِوِرقِكُم]، بإخفاء كسرة القاف، كأنه يريد الإدغام تخفيفا ولا ويبلغه.
وحكى أبو حاتم -فيما روينا عنه- أن ابن محيصن قرأ: [بِوَرِقكُّمْ] مدغمة، ولم يحك قراءة أبي رجاء بالإدغام، وهذا لا نظر في جوازه). [المحتسب: 2/25]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة}
قرأ أبو بكر وحمزة وأبو عمرو {بورقكم} ساكنة الرّاء وقرأ الباقون بكسر الرّاء على أصل الكلمة من سكن الرّاء طلب التّخفيف بإسكان الرّاء لأن الرّاء ب تكررها بمنزلة حرفين). [حجة القراءات: 413]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (9- قوله: {بورقكم} قرأ أبو بكر وأبو عمرو وحمزة بإسكان الراء تخفيفًا، كما قالوا في: كَبِد كَبْد، وفي كَتَف كتْف، وهو مطّرد، وقرأ
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/57]
الباقون بكسر الراء على الأصل، وهو الاختيار). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/58]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (8- {بَوَرْقِكُمْ} [آية/ 19] ساكنة الراء:
قرأها أبو عمرو وحمزة وعاصم ياش- ويعقوب ح-.
والوجه أنه مخفف من ورق، حُذفت الكسرة منه كما حُذفت من كتفٍ وكبدٍ وفخذٍ.
وقرأ الباقون ويعقوب يس- {بِوَرِقِكُمْ} مكسورة الراء.
والوجه أنه هو الأصل الذي لم يخفف، كما يقال: كبدٌ وفخذٌ وكتفٌ بالكسر على الأصل من غير تخفيف). [الموضح: 777]

قوله تعالى: {إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا (20)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 14 صفر 1440هـ/24-10-2018م 09:45 AM

تفسير سورة الكهف
[ من الآية (21) إلى الآية (22) ]

{ وَكَذَٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ ۖ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا ۖ رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ ۚ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا (21) سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ ۖ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ۚ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ ۗ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (22)}

قوله تعالى: {وَكَذَٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ ۖ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا ۖ رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ ۚ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا (21)}

قوله تعالى: {سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ ۖ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ۚ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ ۗ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (22)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ربّي أعلم)
فتح الياء ابن كثير ونافع وأبو عمرو، وأرسلها الباقون). [معاني القراءات وعللها: 2/109]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن محيصن: [ثَلاتٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ]، بإدغام ثاء ثلاثة في التاء التي تبدل في الوقف هاء من ثلاثة.
قال أبو الفتح: الثاء لقربها من التاء تدغم فيها، كقولك: ابعث تِّلك، وأغث تِّلك. وجاز الإدغام وإن كان قبل الأول ساكن لأنه ألف، فصارت كشابّة ودابّة، ولم يدغمها فيها إلا ابن محيصن وحده). [المحتسب: 2/26]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك أنه لم يقرأ أحد [خَمَسَةَ]، بفتح الميم إلا ابن كثير وحده في رواية حسن بن محمد عن شبل.
قال أبو الفتح: لم يحرك ميم خمسة إلا عن سماع، وينبغي أن يكون أُتبعت عشرة، وليس يحسن أن يقال إنه أتبع الفتح الفتح، كقول رؤبة:
مُشْتَبِهِ الأعْلَامِ لَمَّاعِ الخَفَقْ.
وهو يريد "الخَفْق"؛ لأن هذا أمر يختص به ضرورة الشعر.
قال أبو عثمان عن الأصمعي: سألت أعرابيا - ونحن بالموضع الذي ذكره زهير في قوله:
ثُمَّ استمَرُّوا وقالوا إنَّ مّوْعِدُكُمْ ... ماءً بِشَرقيّ سلمَى فيدُ أو رَكَكُ
أتعرف رَكَكًا هذا؟ فقال: قد كان ههنا ماء يسمى "رَكًّا"، فعلمت أن زهيرا احتاج إليه فحركه، وقد يجوز أن يكونا لغتين: رَكٌّ ورَكَكٌ، كالقصِّ والقصَصِ، والنَشْزِ والنَّشَزِ. وقد كان يجب على الأصمعي ألا يسرع إلى أنه ضرورة). [المحتسب: 2/27]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 14 صفر 1440هـ/24-10-2018م 09:55 AM

تفسير سورة الكهف
[ من الآية (23) إلى الآية (26) ]

{ وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ۚ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَٰذَا رَشَدًا (24) وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25) قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ۖ لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ۚ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26)}

قوله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَدًا (23)}

قوله تعالى: {إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ۚ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَٰذَا رَشَدًا (24)}
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو (يهديني ربي) [الكهف/ 24] بياء في الوصل.
وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي بغير ياء.
إثبات الياء حسن لأنها ليست بفواصل فتكون كالقوافي.
ومن حذف فلأن الحذف في هذا النحو وإن لم يكن قافية فقد جاء وكثر). [الحجة للقراء السبعة: 5/141]

قوله تعالى: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (قوله جلّ وعزّ: (ثلاث مائةٍ سنين (25)
قرأ حمزة والكسائي (ثلاث مائة) مضافةً، وقرأ الباقون (ثلاث مائةٍ سنين) منونة.
قال أبو منصور: من قرأها بالإضافة فإن الفرّاء قال: العرب تجعل السنين على وجهين: يقولون هذه سنينٌ فاعلم، و: سنين فاعلم، و: سنون فاعلم.
فمن جمعها بالواو والنون كان جمعًا لا غير، ومن جمعها بالنون والياء في جميع الوجوه قال: شبّهته بالواحد، وكذلك من أجرى فهو كالواحد، كأنه قال: ثلاث مائة سنة، فهذا وجه الإضافة.
ومن قرأه فقال: (ثلاث مائةٍ سنين) ففيه وجهان:
أحدهما: أن يجعل (سنين) في موضع النصب، ينصبها بالفعل، كأنه قال: ولبثوا في كهفهم سنين ثلاثمائة.
والوجه الثاني: أن يجعل (سنين) في موضع الخفض بدلاً من قوله (ثلثمائة)، وكل حسن جيد.
وأخبرني المنذري عن اليزيدي قال: سمعت أبا حاتم يقول في قوله: (ثلاث مائةٍ سنين) كأنه قال: ليست مشهورة.
[معاني القراءات وعللها: 2/108]
قال أبو منصور. وهذا يكون بدلاً، كما قال الفراء). [معاني القراءات وعللها: 2/109]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (5- وقوله تعالى: {ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين} [25]. قرأ حمزة والكسائي بالإضافة غير منون.
والباقون ينونون. فمن نون نصب {سنين} بـ {لبثوا} والتقدير: ولبثوا سنين ثلاثمائة فـــ {سنين} مفعول {لبثوا} و{ثلاث مائة} بدل كما تقول:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/389]
خرجت أيامًا خمسة، وصمت سنين عشرا. وإن شئت نصبت {ثلاث مائة} بــ {لبثوا} وجعلت {سنين} بدلاً ومفسرًا عنها. ومن لم ينون فليست قراءته مختارة، لأن العرب إذا أضافت هذا الجنس أفردت فيقولون: عندك ثلاث مائة دينار.
و {سنين} فيها لغتان تجمع فيها جمع السلامة والتكسير، فالسلامة قولك: هذه سنون يا فتى، ورأيت سنين يا فتى. ومنهم من يجمعها جمع التكسير وينون ويجعل الإعراب في النون فيقولون: هذه سنين فاعلم، وصمت سنينًا وعجبت من سنين، وقد ذكرت أصل ذلك في قوله: {يتسنه}.
وروى أحمد بن موسى عن أبي عمرو {وادادوا تسعا} بفتح التاء، وهي لغتان، وفيه أيضًا ثلاث لغات، ويقال: تسع وتسع وتسع، وروى عن الحسن: {إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة} بفتحة التاء). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/390]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في التنوين من قوله تعالى: ثلاث مائة سنين [الكهف/ 25].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم ثلاث مائة سنين منون.
وقرأ حمزة والكسائي (ثلاث مائة سنين) مضاف غير منون.
قال أبو الحسن: تكون السنون لثلاث مائة، قال: ولا يحسن إضافة المائة إلى السنين، لا تكاد العرب تقول: مائة سنين، وقال: هو جائز في هذا المعنى، وقد يقوله بعض العرب، قال: وقد قرأها الأعمش، وفي حرف عبد الله: (ثلاثمائة سنة).
[الحجة للقراء السبعة: 5/136]
قال أبو علي: ممّا يدلّ على صحة قول من قال: ثلاثمائة سنين أن هذا الضرب من العدد الذي يضاف في اللغة المشهورة إلى الآحاد نحو: ثلاثمائة رجل وأربع مائة ثوب قد جاء مضافا إلى الجميع في قول الشاعر:
ما زوّدوني غير سحق عمامة... وخمس مئ فيها قسيّ وزائف
وذاك أن مئ لا تخلو من أن تكون في الأصل مئي، كأنه فعلة، فجمع على فعل، مثل: سدرة وسدر، أو تكون: فعلة، جمع على فعول، مثل: بدرة وبدور، ومأنة ومئون، قال:
عظيمات الكلاكل والمئون فإن قلت: ما ننكر أن يكون مئ أصله: مئي، وإنّما حركت العين كما حرّكت نحو: ركك، ومما أتبعت حركة عينه ما بعده. فالذي يضعّف ذلك أنك لا تجد فيما كان على حرفين نحو: شعيرة وشعير،
[الحجة للقراء السبعة: 5/137]
وسدرة، وسدر، فإذا لم تجد لذلك نظيرا عدلت عنه، وحملته على أنه فعول وأنه خفف كما يخفف في القوافي كقوله:
كنهور كان من أعقاب السّمي وإذا كان كذلك فقد جاء إضافة نحو: ثلاثمائة إلى الجمع، وكسرت الفاء من مئي كما كسرت من حليّ ونحوه، فأما قوله:
فيها اثنتان وأربعون حلوبة... سودا
....
فلا يدلّ على جواز ثلاث مئين، وإضافتها إلى الجمع، لأن أبا عمر الجرمي حكى عن أبي عبيدة أن الحلوب لا يكون إلا جمعا، والحلوية تكون واحدا وتكون جمعا، فإذا كان كذلك أمكن أن يكون الشاعر جعل الحلوبة جمعا وجعل السود وصفا لها، فإذا أمكن هذا لم تكن فيه دلالة على جواز إضافة ثلاث مائة ونحوها إلى الجمع، فإن قلت يكون حلوبة في البيت واحدا ولا يكون جمعا، لأنه تفسير العدد وهذا الضرب من العدد يفسر كالآحاد دون الجموع، قيل: هذا لا يمتنع إذا كان المراد به الجمع، أن يكون تفسيرا لهذا الضرب من العدد من حيث كان على لفظ الآحاد، فكذلك الحلوبة يراد به الجمع ولا يمتنع أن تكون تفسيرا، كما لا يمتنع عشرون نفرا، وثلاثون قتيلا.
ونحو ذلك من الأسماء التي يراد بها الجمع، وهي على لفظ الآحاد.
وممّا يدلّ على أنه فعول قوله:
[الحجة للقراء السبعة: 5/138]
وحاتم الطائيّ وهّاب المئي فهذا يدلّ على التخفيف، وهو فعول في الأصل، وإنّما خفف للقافية، كما خفّف البيت الذي قبله وهو:
حيدة خالي ولقيط وعلي فحذف كما حذف نحو:
متى أنام لا يؤرّقني الكري... ليلا ولا أسمع أجراس المطي
فإن قيل: لم لا يكون المئي فعلا، ويكون جمع فعلة على فعل، نحو: خشبة وخشب، وبدنة وبدن؟ فإنّ ذلك لا يكون، ألا ترى أن فعلا لا يكسر فاؤها كما يكسر فاء فعول، ولأن فعلا قد رفض في المعتلّ فلم يستعمل إلا في هذه الكلمة التي هي ثن في جمع ثنيّ فقط، فلا يحمل عليها غيرها.
[الحجة للقراء السبعة: 5/139]
وأما قول من قال ثلاثمائة سنين فإن سنين فيه بدل من قوله: ثلاثمائة وموضعه نصب، كما أن موضع البدل منه كذلك، وقد قدمنا ذكر ذلك عن أبي الحسن). [الحجة للقراء السبعة: 5/140]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا}
قرأ حمزة والكسائيّ (ولبثوا في كهفهم ثلثمائة سنين) مضافا بغير تنوين قال قوم ليست هذه القراءة مختارة لأن العرب غذ أضافت هذا الجنس أفردت فيقولون عندي ثلثمائة دينار ولا يقولون ثلثمائة دنانير ولا يقولون هؤلاء ثلثمائة رجال إنّما يقولون ثلثمائة رجل بل هذه القراءة مختارة وحجتهما أنّهما أتيا بالجمع بعد قوله ثلثمائة على الأصل لأن المعنى في ذلك هو الجمع وذلك أنّك إذا قلت عندي مئة درهم فالمعنى مئة من الدّراهم والجمع هو المراد من الكلام والواحد إنّما اكتفي به من الجمع إذا قيل ثلثمائة سنة وثلثمائة رجل لأن الواحد ها هنا يؤدّي على معنى الجمع بذكر العدد قبله فعاملوا الأصل الّذي هو مراد المتكلّم ولم يكتفيا بالواحد من الجمع هذا مذهب قطرب قال الكسائي العرب تقول أقمت عنده مئة سنة ومئة سنين
وقرأ الباقون (ثلثمائة سنين) منونا أوقعوا اللباث على السنين ثمّ بينوا عددها بعد فقالوا ولبثوا في كهفهم سنين ثلثمائة قوله {سنين} بدل من {ثلاث}
قال الزّجاج {سنين} جائز أن يكون نصبا وجائز أن يكون جرا فأما النصب فعلى معنى ولبثوا في كهفهم سنين ثلثمائة ويكون على تقدير العربيّة سنين معطوفًا على معطوفًا على ثلاث عطف البيان والتوكيد وجائز أن يكون سنين من نعت المئة وهو راجع في المعنى إلى ثلاث). [حجة القراءات: 414]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (10- قوله: {ثلاث مائة سنة} قرأ حمزة والكسائي بإضافة {مائة} إلى {سنين}، ولم يضف الباقون ونونوا {مائة}.
وحجة من أضاف أنه أجرى الإضافة إلى الجمع كالإضافة إلى الواحد، في قولك: ثلاث مائة درهم وثلاث مائة سنة، وحسن ذلك لأن الواحد في هذا الباب إذا أضيف إليه بمعنى الجمع، فحملا الكلام على المعنى، وهو الأصل، لكنه يبعد لقلة استعماله، فهو أصل قد رُفض استعماله، وقد منعه المبرد ولم يُجزه، ووجهه ما ذكرنا.
11- وحجة من لم يضف أن هذا العدد إنما يبين بواحد يضاف إليه، وليس المستعمل فيه أن يضاف إلى جمع، إلا أن يكون فيما دون العشرة، فيضاف إلى جمع للمشاكلة في أن كل واحد من الجمعين لأقل العدد فإذا علا العدد في الكثرة لم يضف إلى أقل العدد؛ لاختلاف معنييهما، فيضاف إلى واحد يبين جنسه، فلما لم يضف نون المائة وجعل «سنين» بدلًا من {ثلاث مائة} أعني من {ثلاث} فكأنه قال: ولبثوا في كهفهم سنين، وقيل: سنين، عطف بيان على ثلاث، وقيل: هي بدل من {مائة} لأن {مائة} بمعنى «مئين»، والتنوين هو الاختيار؛ لأنه المستعمل المشهور، ولأنه الأكثر عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/58]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (9- {ثَلَاثَ مِائَةِ سِنِينَ} [آية/ 25] مضافٌ غير منون:
قرأها حمزة والكسائي.
والوجه أن إضافة {ثَلاثمِائةٍ} إلى الجمع وإن كان غير قياسٍ من حيث الاستعمال فإنه أصلٌ، لكنه أصلٌ مرفوضٌ، وذلك أن الأصل في العدد أن يكون مضافًا إلى الجمع، ألا ترى أنك تقول: مررت بأربعة رجالٍ وخمسة رجالٍ، إلا أنهم وضعوا الواحد موضع الجمع في مائة، فاستغنوا بالواحد عن الجمع، والواحد أخف لفظًا، لكنهم في هذه القراءة قد استعملوا الأصل المرفوض فأضافوا المائة إلى الجمع إشعارًا بالأصل، كما قالوا استحوذ، فنبهوا على الأصل.
وقرأ الباقون {ثَلَاثَمِائَةٍ سِنِينَ} منونًا غير مضاف.
والوجه أن «سنين» نصبٌ على أنه بدلٌ من {ثَلاثَ مِائَةٍ}، و{ثَلاثَ مِائَةٍ} نصبٌ على أنه ظرف؛ لأن عدد زمانٍ فبدله نصبٌ أيضًا وهو قوله {سِنِينَ} ). [الموضح: 778]

قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ۖ لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ۚ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ولا يشرك في حكمه أحدًا (26)
قرأ ابن عامر (ولا تشرك في حكمه أحدا) بالتاء وجزم الكاف، وقرأ الباقون، (ولا يشرك) بالياء والرفع.
قال أبو منصور: من قرأ بالتاء وجزم الكاف فعلى النهي، والنهي مجزوم.
ومن قرأ (ولا يشرك في حكمه) فالمعنى أنه جرى ذكر علمه وقدرته فأعلم منه عن أنه لا يشرك في حكمه ما تفرد به من علم الغيب أحدا). [معاني القراءات وعللها: 2/109]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (8- وقوله تعالى: {ولا يشرك في حكمه أحدا} [26].
قرأ ابن عامر وحده: {ولا تشرك} بالتاء والجزم على النهي، فالخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمرادُ لغيره.
والباقون يجعلونه خبرًا {ولا يشرك في حكمه} أي: فليس يُشرك في حكمه أحدًا. فـــ«يشرك» فعل مضارع وعلامة رفعه ضم آخره، والمعنى: ولا يُشرك الله في حكمه أحدًا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/393]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: وكلهم قرأ: ولا يشرك في حكمه أحدا [الكهف/ 26] بالياء والرفع، غير ابن عامر فإنه قرأ: (ولا تشرك) جزما بالتاء.
يشرك بالياء لتقدّم أسماء الغيبة، وهو قوله: ما لهم من دونه من ولي ولا يشرك، والهاء للغيبة، فكذلك قوله: ولا يشرك أي: لا يشرك الله في حكمه أحدا.
وقراءة ابن عامر: (ولا تشرك) أنت أيها الإنسان في حكمه على النهي عن الإشراك في حكمه، المعنى: أي لا تكن كمن قيل فيه: أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون [الأعراف/ 191]، وقوله:
[الحجة للقراء السبعة: 5/141]
سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا [الأنعام/ 148]، والقراءة الأولى أشيع، والرجوع من الغيبة إلى الخطاب كقولك: إياك نعبد بعد الحمد لله). [الحجة للقراء السبعة: 5/142]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ما لهم من دونه من ولي ولا يشرك في حكمه أحدا}
[حجة القراءات: 414]
قرأ ابن عامر (ولا تشرك في حكمه أحدا) بالتّاء والجزم على النّهي أي لا تنسبن أحدا إلى علم الغيب فالخطاب لرسول الله صلى الله عليه والمراد غيره ويقوّي التّاء ما بعده وهو قوله {واتل ما أوحي} قال الفراء وهو وجه غير مدفوع كما قال {ولا تدع مع الله إلهًا آخر}
وقرأ الباقون {ولا يشرك} بالياء وضم الكاف على الخبر المعنى ولا يشرك الله في حكمه أحدا
قال الزّجاج قد جرى ذكر علمه وقدرته فأعلم جلّ وعز أنه لا يشرك في حكمه ممّا يخبر به من الغيب أحدا كما قال جلّ وعز {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا} وكان السّديّ يقول {ولا يشرك في حكمه أحدا} أي لا يشاور في أمره وقضائه أحدا). [حجة القراءات: 415]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (12- قوله: {ولا يشرك في حكمه} قرأه ابن عامر بالتاء والجزم. وقرأ الباقون بالياء والرفع.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/58]
وحجة من قرأ بالتاء والجزم أنه أجراه على الخطاب والنهي للإنسان، أي: لا تشرك أيها الإنسان في حكم ربك أحدا، نهى عن الإشراك، وهو رجوع عن غيبه إلى الخطاب، وقد مضى نظائره بأشبع من هذه العلة.
13- وحجة من قرأ بالياء والرفع أنه أجراه على لفظ الغيبة، وجعله نفيًا عن الله جل ذكره، نفى عنه الإشراك، فردّه إلى قوله: {ما لهم من دونه من ولي} ولا يشرك الله في حكمه أحدا، أي: ليس يشرك، وهو الاختيار، لأنه أليق بالكلام، وأشبه بما قبله، وعليه الأكثر). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/59]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (10- {وَلَا تُشْرِكْ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} [آية/ 26] بالتاء وجزم الكاف:
قرأها ابن عامر ويعقوب ان-.
[الموضح: 778]
والوجه أنه على النهي عن الإشراك في حُكمه، وهو خطابٌ، والمعنى ولا تشرك أيها الإنسان أحدًا في حكمه.
وقرأ الباقون و-ح- و-يس- عن يعقوب {وَلَا يُشْرِكُ} بالياء ورفع الكاف.
والوجه أن الياء لتقدم اسم الغيبة، وهو قوله تعالى {مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ}، أعني الهاء من {دُونِهِ}، وهذه الهاء ضمير اسم الله تعالى، والمعنى لا يُشرك الله في حكمه أحدًا، والرفع في {يُشْرِكُ} من أجل أنه على الإخبار، ولا موجب للجزم فيه). [الموضح: 779]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 14 صفر 1440هـ/24-10-2018م 09:56 AM

تفسير سورة الكهف
[ من الآية (27) إلى الآية (28) ]

{ وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ ۖ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (27) وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)}

قوله تعالى: {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ ۖ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (27)}
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (11- {لَا مُبَدِّل لِّكَلِمَاتِهِ} [آية/ 27] بالإدغام:
رواها يس- عن يعقوب مثل أبي عمرو إذا أدغم.
وقرأ الباقون {لِكَلِمَاتِهِ} بالإظهار.
وقد مضى الكلام فيهما). [الموضح: 779]

قوله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (6- وقوله تعالى: {بالغداوة والعشي} [28]. قرأ ابن عامر {بالغداوة والعشي}.
والباقون: {بالغداوة}، لأن غداة نكرة وتعرف بالألف واللام، و{غدوة} معرفة بغير ألف ولام، فلا يجوز دخول تعريف على تعريف، كما لا يُقال: مررت بالزيد قال الشاعر:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/390]
هذا مقام قدمي رباح
غدوة حتى دلكت براح
فلم ينون «غدوة» لأنها معرفة مؤنثة، فقال النحويون: لا وجه لقراءة ابن عامر، ولها عندي وجهان:
أحدهما: أن «غدوة» تنصبها العرب مع «لدن» فيقولون: لدن غدوة تشبيهًا بعشرين درهمًا، فلما اشبهت المنكور دخلتها الألف واللام.
والوجه الثاني: أن العرب قد تجمع الغدوة غدوًا ومثله تمرة وتمر، فكما قال الله تعالى: {بالغدو والأصال} قرأ ابن عامر {بالغدوة والعشى}.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/391]
وفيها وجهٌ ثالثٌ وهو أشبهها بالصواب -: أن العرب تدخل الألف واللام على المعرفة إذا جاور ما فيه الألف واللام ليزدوج الكلام كما قال الشاعر:
وجدن الوليد بن اليزيد مباركا
شديدًا بأحناء الخلافة كاهله
فأدخل الألف واللام في «اليزيد» لما جاور الوليد فكذلك قرأ ابن عامر أدخل الألف واللام في الغدوة لما جاور العشي، والعرب تجعل بكرة وعشية وغدوة وسحر معارف، إذا أرادوا اليوم بعينه ولا يصرفون فيقولون: أزورك ف يغد سحر يا فتى). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/392]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: وقرأ ابن عامر وحده: (بالغدوة والعشي) [الكهف/ 28].
وقرأ الباقون: بالغداة والعشي بألف.
أما غدوة فهو اسم موضوع للتعريف، وإذا كان كذلك فلا ينبغي أن يدخل عليه الألف واللام، كما لا تدخل على سائر الأعلام، وإن كانت قد كتبت في المصحف بالواو، ولم يدل على ذلك، ألا ترى أنهم قد كتبوا فيه الصلاة بالواو وهي ألف، فكذلك الغداة إن كتبت في هذا بالواو، ولا دلالة فيه على أنها واو، كما لم يكن ذلك في الصلاة ونحوها مما كتبت بالواو وهو ألف. ووجه دخول لام المعرفة عليها أنه قد يجوز وإن كان معرفة أن يتنكّر، كما حكاه أبو زيد من أنهم يقولون: لقيته فينة، والفينة بعد الفينة، ففينة مثل الغدوة في التعريف بدلالة امتناع الانصراف، وقد دخلت عليه لام التعريف، وذلك أنه يقدّر من أمّة كلها له مثل هذا الاسم فيدخل التنكير لذلك، ويقوّي هذا تثنية الأعلام وجمعها، وقولهم:
لا هيثم الليلة للمطيّ
[الحجة للقراء السبعة: 5/140]
وقولهم: أما البصرة فلا بصرة لك، فأجري هذا مجرى ما يكون شائعا في الجنس، وكذلك الغدوة. وقول من قال: بالغداة أبين). [الحجة للقراء السبعة: 5/141]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن: [وَلا تُعْدِ عَيْنَيْكَ].
قال أبو الفتح: هذا منقول من: عدت عيناك أي جاوزتا. من قولهم: جاء القوم عدا زيدا، أي: جاوز بعضهم زيدا، ثم نقل إلى أعديت عيني عن كذا، أي: صرفتها عنه.
قال:
حتى لَحِقْنا بهم تُعْدِي فَوَارِسُنا ... كأننا رَعْنُ قُفٍّ يَرْفَعُ الآلا
[المحتسب: 2/27]
أي: تعدي فوارسنا خيلهم عن كذا، فحذف المفعول بعد المفعول. وتعديها من عدا الفرس، كقولنا: جرى، وعلى أن أصلهما واحد، لأن الفرس إذا عدا فقد جاوز مكانا إلى غيره). [المحتسب: 2/28]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة عمرو بن فائد: [مَنْ أَغْفَلَنَا قَلْبُهُ].
قال أبو الفتح: يقال: أغفلْتُ الرجل: وجته غافلا، كقول عمرو بن معد يكرب: والله يا بني سليم لقد قاتلناكم فما أجبنَّاكُمْ، وسألْنَاكم فما أبخلْناكم، وهاجيْناكُم فما أفحمْناكُم، أي: لم نجدْكُم جبناء، ولا بخلاء، ولا مفحَمِين. وكقول الأعشى:
أثْوَى وقَصَّرَ ليلَةً لِيُزَوَّدَا ... فَمَضَى وَأَخْلَفَ من قُتَيْلَةَ مَوْعَدَا
أي صادفه مُخْلِفًا. وقال رؤبة:
وَأَهْيَجَ الخَلْصَاءَ مَنْ ذَاتِ البُرَقْ
أي صادفها هائجة النبت. وقال الآخر:
فَأَتْلَفْنا المَنَايا وأَتْلَفُوا
أي: صادفناها مُتْلِفَةً.
فإن قيل: فكيف يجوز أن يجدَ اللهَ غافلا؟ قيل: لَمّا فَعَلَ أفعالَ من لا يرتقبُ ولا يخافُ صار كأن الله سبحانه غافل عنه، وعلى هذا وقع النفي عن هذا الموضع، فقال: {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُون}، أي: لا تظنوا الله غافلا عنكم. وقال تعالى: {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}، وقال تعالى: {وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظ}، ونحو هذا في القرآن كثير، فكأنه قال: ولا تُطِعْ مَنْ ظَنَّنَا غافِلِينَ عنه.
[المحتسب: 2/28]
وعليه قول آخر:
أخْشَى عليها طَيِّئًا وأَسَدَا ... وَخَارِبَيْن خَرَبَا فَمَعَدَا
لا يحسبانِ اللهَ إلا رَقَدَا
وهذا هو ما نحن فيه البتة). [المحتسب: 2/29]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({يدعون ربهم بالغداة والعشي}
قرأ ابن عامر (بالغدوة والعشي) بضم الغين وقرأ الباقون بالفتح وحجتهم أن غداة نكرة تعرف بالألف واللّام وغدوة معرفة فلا يجوز دخول تعريف على تعريف كما لا يقال مررت بالزيد
وحجّة ابن عامر هي أن العرب تدخل الألف واللّام على المعرفة
[حجة القراءات: 415]
إذا جاورت ما فيه الألف واللّام ليزدوج الكلام كما قال الشّاعر:
وجدنا الوليد بن اليزيد مباركًا ... شديدا بأحناء الخلافة كاهله). [حجة القراءات: 416]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (12- {بِالْغُدْوَةِ وَالْعَشِيِّ} [آية/ 28] بالواو، مضمومة الغين:
قرأها ابن عامر وحده.
وقرأ الباقون {بِالْغَدَاةِ} من غير واو.
[الموضح: 779]
وقد تقدم الكلام في هذه اللفظة). [الموضح: 780]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 14 صفر 1440هـ/24-10-2018م 09:59 AM

تفسير سورة الكهف
[ من الآية (29) إلى الآية (31) ]

{ وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ ۖ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30) أُولَٰئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ ۚ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (31)}

قوله تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ ۖ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29)}

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30)}

قوله تعالى: {أُولَٰئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ ۚ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (31)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن محيصن: [مِنْ سُنْدُسٍ وَاسْتَبْرَقَ]، بوصل الألف.
قال أبو الفتح: هذا عندنا سهو أو كالسهو، وسنذكره في سورة الرحمن بإذن الله). [المحتسب: 2/29]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 14 صفر 1440هـ/24-10-2018م 10:00 AM

تفسير سورة الكهف
[ من الآية (32) إلى الآية (36) ]

{وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا (32) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا ۚ وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا (33) وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (34) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَٰذِهِ أَبَدًا (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَىٰ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا (36)}

قوله تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا (32)}

قوله تعالى: {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا ۚ وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا (33)}
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (13- {وَفَجَرْنَا خِلَالَهُمَا} [آية/ 33] بالتخفيف:
رواها ان- عن يعقوب.
وقرأ الباقون {وَفَجَّرْنَا} بالتشديد.
وقد سبق القول فيه). [الموضح: 780]

قوله تعالى: {وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (34)}
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (وقرأ أبو عمرو: (ثمر) [الكهف/ 34] و(بثمره) [42] بضم الثاء وسكون الميم.
وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وحمزة والكسائي: (ثمر) و(بثمره) مضمومة الثاء والميم.
علي بن نصر، وحسين الجعفي، عن أبي عمرو: (ثمر) مثل نافع.
وقرأ عاصم: ثمر وبثمره، بفتح الثاء والميم فيهما.
الثمرة: ما يجتنى من ذي الثمرة، وجمعه: ثمرات، ومثله: رحبة، ورحبات ورقبة ورقبات، قال: ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا [النحل/ 67]. وقال: كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا [البقرة/ 25]. ويجوز في جمع ثمرة ضربان: أحدهما: أن يجمع على ثمر، كبقرة وبقر. والآخر: على التكسير: ثمار، كرقبة ورقاب، وهذا على تشبيه المخلوقات بالمصنوعات، وقد يشبّه كل واحد منهما بالآخر. ويجوز في القياس أن يكسّر ثمار، الذي هو جمع ثمرة، على ثمر، فيكون ككتاب وكتب، ويكون تكسيره على فعل، كتكسيره على فعائل في نحو قوله:
[الحجة للقراء السبعة: 5/142]
وقرّ بن بالزّرق الجمائل بعد ما... تقوّب عن غربان أوراكها الخطر
فقراءة ابن عامر: (وكان له ثمر) إذا خفّف يجوز أن يكون جمع: ثمار، ككتاب وكتب، ويخفّف كما يخفّف كتب، ويجوز أن يكون ثمر جمع ثمرة، كبدنة وبدن، وخشبة وخشب، ويجوز أن يكون ثمر واحدا كعنق وطنب، فعلى أيّ هذه الوجوه كان جاز إسكان العين منه وساغ، وكذلك قوله: (وأحيط بثمره) [الكهف/ 42].
وقال بعض أهل اللغة: الثّمر: المال، والثّمر: المأكول. وجاء في التفسير قريب من هذا، قالوا: الثمر: النخل والشجر، ولم يرد به الثمرة. والثمر على ما روي عن عدة من السلف: الأصول التي تحمل الثمرة، لا نفس الثمر، بدلالة قوله: فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها، أي: في الجنة، والنفقة: إنما تكون على ذوات الثمر في أغلب العرف. وكأن الآفة التي أرسلت عليها، اصطلمت الأصول واجتاحتها، كما جاء في صفة الجنة الأخرى: فأصبحت كالصريم [ن- 20] أي: كالليل في سواده لاحتراقها، أو كالنهار في بياضها، وما بطل من خضرتها بالآفة النازلة بها.
وحكي عن أبي عمرو: (الثمر)، والثمر: أنواع المال، وإذا أحيط بالثمر فاجتيح، دخلت فيه الثمرة ولا يكون أن يصاب الأصل ولا تصاب الثمرة، وإذا كان كذلك، فمن قرأ: (بثمره) و (بثمره) كان قوله أبين ممّن قرأ بالفتح. وقد تجوز القراءة بالفتح، فأخبر عن بعض ما أصيب، وأمسك عن بعض، وهو قراءة عاصم.
وفي الثمرة لغة أخرى ولم يحك عمن ذكر من القراء في هذا
[الحجة للقراء السبعة: 5/143]
الكتاب، قال سيبويه: تقول: ثمرة وثمرات، وسمرة وسمرات، قال أبو علي: يجوز في جمع ثمرة ثمر كما جاز السّمر، وقالوا: ثمرة وثمر، وثمار، فثمار جمع ثمرة كما أن إضاء جمع أضا، وكسّروه على فعال كما كسّروه على فعول في قولهم: صفا وصفيّ). [الحجة للقراء السبعة: 5/144] (م)
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وكان له ثمر} {وأحيط بثمره} 34 و42
قرأ عاصم {وكان له ثمر} و{وأحيط بثمره} بفتح الثّاء والميم في الحرفين جمع ثمرة وثمر ك بقرة وبقر الفرق بين الواحد والجمع إسقاط الهاء وحجته قوله قبلها {كلتا الجنتين آتت أكلها} يعني ثمرها
وقرأ أبو عمرو {ثمر} و(أحيط بثمره) بضم الثّاء وسكون الميم جمع ثمرة ك بدنة وبدن وخشبة وخشب وثمرة وثمر ويجوز أن يكون جمع ثمار كما يخفف كتب ويجوز أن يكون ثمر واحدة ك عنق وطنب فعلى أي هذه الوجوه جاز إسكان العين منه
وقرأ الباقون {ثمر} بضم الثّاء والميم جمع ثمار وثمر كقولك كتاب وكتب وحمار وحمر). [حجة القراءات: 416] (م)
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (14- قوله: {وكان له ثمر} و{بثمره} قرأ عاصم بفتح التاء والميم، وقرأ أبو عمرو بضم التاء، وإسكان الميم، وقرأ الباقون بضمهما جميعًا.
وحجة من فتح التاء والميم أنه جعله جمع «ثمرة» كبقرة وبقر، والثمر ما يجتني من ذي الثمر، ويجمع الثمر على ثمرات، كما قال الله جل ذكره: {ومن ثمرات النخيل} «النحل 67» وتجمع أيضًا على «ثمار» كرقبة ورقاب، وتجمع «ثمار» الذي هو جمع «ثمرة» على {ثمر} ككتاب وكُتُب.
15- وحجة من ضم الثاء والميم أنه جعله جمع ثمار، وثمار جمع ثمر وثمر جمع ثمرة، فهو جمع الجمع، وهذا كله يُراد به التكثير، وقد يجوز أن يكون {ثمر} المضموم جمع «ثمرة» كبَدنة وبُدن، وخَشَبة، وخُشُب، فيكون جمع مفرد، ويجوز أن يكون {ثمر} المضموم اسما مفردا لما يُجتنى
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/59]
كعُنق وطُنُب، فحصل في ثمر المضموم ثلاثة أوجه: أحدهما أن يكون لجمع جمع الجمع، والثاني أن يكون جمع اسم مفرد، والثالث أن يكون اسما مفردًا، وهذا نادر، قليل مثله في الكلام.
16- وحجة من ضم الثاء وأسكن الميم أنه أسكن الميم للتخفيف، وأصلها الضم، فهو على أحد الثلاثة الأوجه المذكورة قبل هذا، وقال بعض أهل اللغة: الثمر بالإسكان المال، والثمر بالفتح المأكول، وقال بعض المفسرين: الثمر بالضم النخل والشجر بما فيها، ولم يرد الله في سورة الكهف أن الثمرة هلكت دون المثمر بل هلاك المثمر قوله، وفي هلاكه هلاك ثمره، وذلك أبلغ في العقوبة، ويدل على أن الذي هلك المثمر قوله: {فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها} «الكهف 42»والنفقة أكثر ما تكون في المثمر حتى يبلغ إلى وجوب كون الثمرة فيه، وإخباره عنها أنها بقيت خاوية يدل على هلاك المثمر، وحكي عن أبي عمرو أنه قال: الثمر والثمر أنواع المال. ومن قرأ بالفتح إنما أخبر عن الثمرة هلكت، والاختيار الضم، لأن عليه الأكثر). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/60]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (14- {وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ} [آية/ 34] {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ} [آية/ 42] بفتح الثاء والميم:
قرأها عاصم ويعقوب ح- و-ان-.
والوجه أن الثمر جمع ثمرةٍ كبقر في جمع بقرة.
وقال بعض أهل العلم: الثمر بالفتح المأكول يريد حمل الشجرة، والثُمُرُ بالضم أصل المال.
وقرأ ابن كثير ونافعٌ وابن عامر وحمزة والكسائي {وَكَانَ لَهُ ثُمُر}، و{وَأُحِيطَ بِثُمُره} بضم الثاء والميم فيهما.
[الموضح: 780]
والوجه أنه يجوز أن يكون ثُمُرٌ بالضم جمع ثمار ككتابٍ وكتب وجدارٍ وجدرٍ.
ويجوز أن يكون جمعًا لثمرةٍ كبدنةٍ وبُدُنٍ وخشبةٍ وخشبٍ.
ويجوز أن يكون واحدًا كعنقٍ وطنبٍ.
ومن ذهب إلى الثُمُر بالضم أصل المال استدل عليه بقوله تعالى {فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا}، والإنفاق في الأغلب إنما يكون على ذوات الثمار، فإذا اصطلمت الآفة الأصل دخلت فيه الثمرة.
وقرأ أبو عمر {ثُمْر} بضم الثاء وتسكين الميم فيهما جميعًا.
والوجه أنه مخفف منن ثُمُر بالضم على أي وجهٍ يُحمل عليه). [الموضح: 781] (م)

قوله تعالى: {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَٰذِهِ أَبَدًا (35)}

قوله تعالى: {وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَىٰ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا (36)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (خيرًا منها منقلبًا (36)
قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر خيرًا منهما منقلبًا) على التثنية، وكذلك هي في مصاحفهم.
وقرأ الباقون (خيرًا منها) بغير الميم بعد الهاء.
[معاني القراءات وعللها: 2/109]
قال أبو منصور: من قرأ (خيرًا منها) رده على قوله: (ودخل جنّته وهو ظالمٌ لنفسه).
ومن قرأ (منهما) ردهما على قوله: (لأحدهما جنّتين)، ثم قال: (وحففناهما بنخلٍ) و(وفجّرنا خلالهما) وكل ذلك جيد). [معاني القراءات وعللها: 2/110]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (9- [و] قوله تعالى: {خيرا منها منقلبا} [36].
قرأ ابن عامر ونافع وابن كثير {خيرا منهما منقلبا} والباقون: {منها} ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/393]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر (خيرا منهما منقلبا) [الكهف/ 36] بزيادة ميم بعد الهاء على التثنية، وكذلك هي في مصاحف أهل مكة والمدينة والشام.
وقرأ أبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي: خيرا منها منقلبا وكذلك هي في مصاحف أهل البصرة والكوفة.
قال: الإفراد أولى من حيث كان أقرب إلى الجنة المنفردة من قوله: ودخل جنته وهو ظالم لنفسه [الكهف/ 35]. والتثنية لا تمتنع لتقدم ذكر الجنتين). [الحجة للقراء السبعة: 5/144]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ولئن رددت إلى ربّي لأجدن خيرا منها منقلبا}
قرأ نافع وابن كثير وابن عامر (لأجدن خيرا منهما منقلبا) بزيادة ميم وكذلك في مصاحفهم وحجتهم قوله قبلها {جعلنا لأحدهما جنتين}
[حجة القراءات: 416]
فذكر جنتين فكذلك (منهما منقلبا)
وقرأ الباقون {منها منقلبا} بغير ميم وحجتهم قوله {ودخل جنته وهو ظالم لنفسه} ). [حجة القراءات: 417]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (17- قوله: {منها منقلبا} قرأه الحرميان وابن عامر بالميم، على التثنية، وقرأ الباقون بغير ميم على التوحيد.
وحجة من ثنّى أنه ردّه إلى الجنتين المتقدم ذكرهما مكررا في قوله: {لأحدهما جنتين} «32»، وقوله: {كلتا الجنتين آتت} «33» وكذلك هي في مصاحف أهل مكة والمدينة والشام.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/60]
18- وحجة من وحّد أنه رده على ذكر الجنة فهي أقرب إلى «منهما» من ذكر الجنتين، وذلك قوله: {ودخل جنته} «35» وقوله: {ما أظن أن تبيد هذه أبدًا}، فكان ردّه على الأقرب منه أولى من ردّه على الأبعد منه، وأيضًا فإن الجنة تحتوي على جنتين وأكثر، وكذلك هي في مصاحف أهل البصرة والكوفة، والاختيار التثنية، لأن هلاك الجنتين بظلمه لنفسه أبلغ من هلاك جنة واحدة في ظاهر النص). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/61]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (15- {خَيْرًا مِنْهُمَا مُنْقَلَبًا} [آية/ 36] بزيادة ميم للتثنية:
قرأها ابن كثير ونافعٌ وابن عامر.
والوجه أنه على تثنية الجنتين المذكورتين فيما تقدم من قوله تعالى {جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ} و{كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ}.
وقرأ الباقون {خَيْرًا مِنْهَا} بغير ميم.
[الموضح: 781]
والوجه أنه على الإفراد لتقدم ذكر جنة مفردة في قوله {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ} فإذا الضمير يرجع إليها). [الموضح: 782]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 14 صفر 1440هـ/24-10-2018م 10:02 AM

تفسير سورة الكهف
[ من الآية (37) إلى الآية (44) ]

{قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37) لَٰكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (38) وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ۚ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا (39) فَعَسَىٰ رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا (40) أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا (41) وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَىٰ مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (42) وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا (43) هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ ۚ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا (44)}

قوله تعالى: {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37)}

قوله تعالى: {لَٰكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (38)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (بربّي أحدا (38)، (فعسى ربّي أن (40)
فتحها ابن كثير ونافع وأبو عمرو، وأرسلها الباقون). [معاني القراءات وعللها: 2/109] (م)
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (لكنّا هو اللّه ربّي)
قرأ يعقوب وابن عامر والمسيبي عن نافع (لكنّا هو اللّه ربّي) يثبتون الألف، في الوصل والوقف.
وقرأ الباقون ونافع في رواية قالون وورش وإسماعيل وابن جمازٍ (لكنّا) بألف في الوقف، وحذفها في الوصل، واتفقوا على إثبات الألف في الوقف من أجل أن الأصل فيه (لكن أنا)، فحذفوا الألف التي بين النونين، وأدغموا النون الأولى في الثانية، فصار (لكنّا).
قال أبو منصور: من قرأ (لكنّا) فأثبت الألف في الوصل كما كان يثبتها في الوقف فهو على لغة من يقول - (أنا قمت) فأثبت الألف كما قال الشاعر:
أنا سيف العشيرة فاعرفوني... حميداً قد تذّرّيت السّناما
وفي (أنا) في الوصل ثلاث لغات، أجودها (أن قلت ذاك) بغير ألف، كقوله:
[معاني القراءات وعللها: 2/110]
(أنا ربكم) بغير ألف في اللفظ.
ويجوز (أنا قلت) بإثبات الألف في اللفظ، كما قال الشاعر، وهو ضعيف عند النحويين وفيه لغة ثالثة: (أن قلت) بإسكان النون، وهو أضعف من إثبات الألف.
فأما قوله: (لكنّا هو اللّه ربّي) فالأجود في القراءة إثبات الألف، لأن الهمزة قد حذفت من (أنا) فصارت إثبات الألف عوضا من الهمزة، وكل ما قرئ به فهو جائز). [معاني القراءات وعللها: 2/111]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (11- وقوله تعالى: {لكنا هو الله ربي} [38].
قرأ ابن عامر والمسيبي عن نافع {لكنا} بالألف في الوصل والوقف.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/393]
وقرأ الباقون {لكن} بغير ألف، وأجمعوا كلهم على الوقف بالألف؛ لأنها كذلك في المصحف، والأصل: لكن أنا هو الله ربي، وقد قرأ بذلك الحسن وأُبَيٌّ فحذفوا الهمزة اختصارًا فصار: لكننا، ثم أدغموا النون في النون فالتشديد من جلل ذلك. وكان أبو عمرو يقف في رواية لكنه بالهاء وأنشدني ابن مجاهد وجماعة:
وترمينني بالطرف أي أنت مذنب = وتقلينني لكن إياك لا أقلي). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/394]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في إسقاط الألف من قوله: لكنا هو الله ربي [الكهف/ 38] وإثباتها.
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي: (لكن هو الله ربي) بإسقاط الألف في الوصل، وإثباتها في الوقف.
وقرأ نافع في رواية المسيّبي: لكنا هو الله ربي يثبت الألف في
[الحجة للقراء السبعة: 5/144]
الوصل والوقف، وقال ابن جمّاز وإسماعيل بن جعفر وورش عن قالون عن نافع: بغير ألف في الوصل، ويقف بالألف.
وقرأ ابن عامر: لكنا هو الله ربي، يثبت الألف في الوصل والوقف.
قال أبو بكر أحمد: ولم يختلف في الوقف أنه بألف، وإنما اختلف في الوصل.
قال: القول فيمن قرأ: (لكن هو الله ربّي) فلم يثبت الألف في الوصل أنه كان: لكن أنا، فخفّف الهمزة وألقى حركتها على النون، فصار لكننا، فاجتمع مثلان، فأدغم المثل الأول في الثاني بعد أن أسكنها، فصار في الدّرج: (لكن هو الله ربي)، فلم يثبت الألف في الوصل كما لم تثبت الهاء في الوصل في نحو: ارمه واغزه، لأنها إنما تلحق في الوقف لتبين الحرف الموقوف عليه، فإذا وقف قال: لكنا، فأثبت الألف في الوقف كما كان يثبت الهاء فيه. ومثل ذلك في الإدغام ما حكاه أبو زيد من قول من سمعه يقرأ: (أن تقع علرض) [الحج/ 65] خفّف الهمزة، وألقى حركتها على لام المعرفة فصار على الرض. وخفّفها على قول من قال: الحمر، فأثبت همزة الوصل لأن اللام في تقدير
السكون، فلمّا كان في تقدير السكون حذف الألف من على، كما يحذفها إذا كانت اللام ساكنة، فاجتمع لامان مثلان فأدغم الأولى في الثانية، ولو خفّفها على قول من قال: لحمر، لم يجز الإدغام لأن الألف في على تثبت ولا تحذف كما حذفت في القول الأول، لما كانت اللام في تقدير سكون، فلم يجز الإدغام لفصل
[الحجة للقراء السبعة: 5/145]
الألف بين المثلين، فإذا وقف من أدغم لكنا أثبت الألف، وإذا لم يقف حذفها.
ومثل هذه الألف في أنها تثبت في الوقف وتسقط في الإدراج، الألف في حيهلا، تقول: حيّ هل بعمر، فتحذفها، فإن وقفت قلت:
حيّهلا، وقد تجيء هذه الألف مثبتة في الشعر في الإدراج، كقول الأعشى:
فكيف أنا وانتحالي القوافي وقول الآخر:
أنا شيخ العشيرة فاعرفوني... حميد قد تذرّيت السّناما
ولا يكون هذا مختارا في القراءة، وقد جاء في غير هذا إجراء الوصل مجرى الوقف. نحو قوله:
ببازل وجناء أو عيهلي فأما من قرأ لكنا هو الله ربي في الوصل فإنه يحتمل أمرين:
أحدهما: أن يجعل الضمير المتصل مثل المنفصل الذي هو: نحن، فيدغم النون من لكن لسكونها في النون من علامة الضمير، فيكون على هذا في الوصل والوقف، لكنا بإثبات الألف لا غير، ألا ترى أن أحدا لا يحذف الألف في نحو: فعلنا.
وقوله: هو من: هو الله ربي علامة الحديث والقصة، كما أنه من قوله: فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا [الأنبياء/ 97]
[الحجة للقراء السبعة: 5/146]
وقوله: قل هو الله أحد [الإخلاص/ 1] كذلك والتقدير: الأمر الله أحد، لأن هذا الضمير يدخل على المبتدأ والخبر، فيصير المبتدأ والخبر في موضع خبر، كما أنّه في: إنّ، وكأن، وظننت، وما يدخل على المبتدأ والخبر كذلك، وعاد الضمير على الضمير الذي دخلت عليه لكن على المعنى، ولو عاد على اللفظ لكان: لكنا هو الله ربنا، ودخلت لكن على الضمير مخففة كما دخلت في قوله: إنا معكم [البقرة/ 14] وهذا وجه.
ويجوز فيه وجه آخر: وهو أن سيبويه حكى أنه سمع من العرب من يقول: أعطني أبيضه، فشدّد وألحق الهاء. والتشديد للوقف، وإلحاقه إياها، كإلحاقه الألف في: سبسبّا. والياء في: عيهلي.
فأجرى الهاء مجراهما في الإطلاق كما كانت مثلهما في قوله:
صفية قومي ولا تجزعي... وبكي النساء على حمزة
فهذا الذي حكاه سيبويه في الكلام، وليس في شعر، وكذلك الآية تكون الألف فيها كالهاء، ولا تكون الهاء للوقف، ألا ترى أنّ هاء الوقف لا يبين بها المعرب، ولا ما ضارع المعرب، فعلى أحد هذين الوجهين يكون قول من أثبت الألف في الوصل أو عليهما جميعا. ولو كانت فاصلة لكان مثل فأضلونا السبيلا [الأحزاب/ 76]). [الحجة للقراء السبعة: 5/147]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أبي بن كعب والحسن: [لَكِنْ أَنَا هُوَ اللَّهُ رَبِّي].
وقرأ: [لَكِنْ هُوَ اللَّهُ رَبِّي] -ساكنة النون من ألف- عيسى الثقفي.
قال أبو الفتح: قراءة أبي هذه هي أصل قراءة أبي عمرو وغيره: {لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي}، فخففت همزة "أنا" بأن حذفت وألقيت حركتها على ما قبلها، فصارت [لكنَنَا]، ثم التقت النونان متحركتين، فأسكنت الأولى، وأدغمت في الثانية، فصارت "لكنَّ" في الإدراج. فإذا وقفت ألحقت الألف لبيان الحركة، فقلت: "لكنَّا"، فـ "أنا" على هذا مرفوع بالابتداء وخبره الجملة، وهي مركبة من متبدأ وخبر، فالمبتدأ "هو"، وهو ضمير الشأن والحديث، والجملة بعده خبر عنه، وهي مركبة من مبتدأ وخبر، فالمبتدأ "الله"، والخبر "ربي"، والجملة خبر عن "هو"، و"هو" وما بعده من الجملة خبر عن "أنا"، والعائد عليه من الجملة بعده الياء في "ربي"، كقولك: أنا قائم غلامي.
فإن قلت: فما العائد على "هو" من الجملة بعده التي هي خبر عنه؟ فإنه لا عائد على المبتدأ
[المحتسب: 2/29]
أبدا إذا كان ضمير الشأن والقصة، كقوله: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، فـ"الله أحد" خبر عن "هو"، و"هو" ضمير الشأن والحديث، ولا عائد عليه من الجملة بعده التي هي "الله أحد"، وإنما كان كذلك من قبل أن المبتدأ إنما احتاج إلى العائد من الجملة بعده إذا كانت خبرًا عنه؛ لأنها ليست هي المبتدأ، فاحتاجت إلى عود ضمير منها عليه؛ ليلتبس بذلك الضمير بجملته.
وأما "هو" من قولنا: {هُوَ اللَّهُ رَبِّي} ونحوه فهو الجملة نفسها، ألا تراه ضمير الشأن، وقولنا: الله ربي شأن وحديث في المعنى؟ فلما كانت هذه الجملة هي نفس المبتدأ لم يحتج إلى عائد عليه منها، وليس كذلك: زيد قام أخوه؛ لأن زيدا ليس بقولك: قام أخوه في المعنى، فلم يكن له بد من أن يعود عليه ضمير منه ليلتبس به؛ فيصير خبرا عنه. ومن قرأ: [لَكِنْ هُوَ اللَّهُ رَبِّي] فـ"هو" ضمير الشأن، والجملة بعده خبر عنه على ما مضى آنفا، وهذا واضح). [المحتسب: 2/30]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({لكن هو الله ربّي ولا أشرك بربي أحدا}
قرأ نافع في رواية إسماعيل وابن عامر (لكنا هو الله ربّي) بإثبات الألف في الوصل
وقرأ الباقون {لكن} بغير ألف في الوصل وأجمعوا كلهم على الوقف بالألف
أصل الكلمة لكن أنا أقول هو الله ربّي فطرحت الهمزة على النّون فتحركت بالفتح فصار لكننا فاجتمع حرفان من جنس واحد فأدغمت النّون الأولى في الثّانية فصار (لكنا هو الله)
حجّة من لم يثبت الألف في الوصل قولك أن قلت محذوفة الألف فإذا وقفت عليها أثبت الألف فقلت أنا وتحذف في الوصل في أجود اللّغات نحو أن قمت بغير ألف ويجوز أنا قمت بإثبات الألف وهو ضعيف ومن قرأ {لكنا} بإثبات الألف في الوصل ف على لغة من قال أنا قمت قال الشّاعر:
أنا شيخ العشيرة فاعرفوني ... حميدا قد تذريت السناما
[حجة القراءات: 417]
فكذلك لكنا تحذف الألف في الوصل وتثبتها في الوقف لأنهم زادوا الألف للوقف فإذا أدرجوا القراءة طرحوها لزوال السّبب الّذي من أجله زادوها ومن أثبت الألف في الوصل أجرى الوصل مجرى الوقف
قال الزّجاج إثبات الألف جيد لأن الهمزة قد حذفت من أنا فصار إثبات الألف عوضا من الهمزة). [حجة القراءات: 418]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (19- قوله: {لكنا هو الله ربي} قرأه ابن عامر بألف في الوصل، أجرى الوصل مجرى الوقف، وكأنه جعله «أنا» بكماله الاسم، وهو مذهب الكوفيين من أهل النحو، وحذفها الباقون، وكأنه «جعل» بكماله الاسم، وهو مذهب الكوفيين من أهل النحو، وحذفها الباقون في الوصل، وكلهم وقف بألف وقد مضت علة ذلك في سورة البقرة، ونزيد ذلك بيانًا في هذا الموضع.
فحجة من حذف الألف في الوصل بأنها عنده كهاء السكت أتى بها لبيان حركة النون في الوقف، والاسم من «أنا» عند البصريين «أن» والألف زيدت في الوقف كهاء السكت لبيان الحركة، فكما أنه قبيح إثبات هاء السكت في الوصل كذلك قبيح إثبات الألف من «أنا» في الوصل، إلا أن إثبات الألف في الوقف من «أنا» آكد من إثبات الهاء لقلة حروف الكلمة، فصار إثبات الألف في «أنا» في الوقف أمرا لازمًا، فإن لم تثبت الألف جيء بالهاء، فقلت: «أنه» وذلك في الكلام، ولا يجوز في القرآن لمخالفة الخط، والأصل فيه «لكن أنا هو الله ربي» فألقيت حركة الهمزة من «أنا» على النون الساكنة من «لكن» فتحركت، وبعدها نون متحركة، فاجتمع مثلان متحركان، فأدغم الأول في الثاني، فصارت نونًا مشددة، وحذفت الألف في الوصل، على ما ذكرنا،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/61]
وثبتت في الوقت لبيان الحركة، ولتقوية الكلمة.
2- وحجة من أثبت الألف في الوصل أنها لغة حكاها الكوفيون، يجعلون الألف من أصل الاسم المضمر، يقولون «أنا» بكماله الاسم، ويقولون: من حذف الألف في الوصل فإنما حذفها استخفافًا لدلالة الفتحة عليها، وقد قيل، إن من قرأ في الوصل في {لكنا} إنما قرأه على أنه جعل «لكن» المخففة من الثقيلة، دخلت على «أنا» هو ضمير المخبر عن نفسه، كما تدخل «إن» الخفيفة والثقيلة على «نا» فنقول: «إنا وإننا» ويكون {هو} في الآية إضمار الحديث أو الأمر، ويكون {ربي} راجعا على المعنى؛ لأن «نا» لواحد مخبر عن نفسه، فرجع {ربي} على المعنى، ولو رجع على اللفظ لقيل: {ربنا} ). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/62]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (16- {لَكِنَّا هُوَ الله رَبِّي} [آية/ 38] بإثبات الألف في {لكِنا} في الوصل والوقف:
قرأها ابن عامر ويعقوب يس- و-ان-.
والوجه أنه يجوز أن يكون أصله لكن أنا، فخففت همزة أنا، وتخفيفها أن تنقل حركتها إلى الساكن الذي قبلها وتحذف الهمزة فبقي لكننا بنونين مفتوحتين، ثم أُدغمت النون الأولى في الثانية فبقي لكنا، والألف الساكنة الأخيرة من أنا تكون مثبتة في حال الوقف، محذوفة في حال الوصل، وهذه مثبتةٌ على الأحوال كلها إجراءً للوصل مجرى الوقف، وقد جاء على إجراء الوصل مجرى الوقف قول الشاعر:
82- أنا سيف العشيرة فاعرفوني = حميدًا قد تذريت السناما
وأكثر ذلك إنما يأتي في الشعر.
[الموضح: 782]
ويجوز أن تكون كلمة لكن المخففة قد لحقها النون والألف التي في نحو ضربنا، فاجتمع نون لكن الساكنة مع نون الضمير فأُدغمت فيها فبقي {لكِنَّا} بالتشديد، وكان ينبغي على هذا أن يُجمع الضمير العائد إلى ضمير {لكِنَّا} فيقال: لكنّا هو الله ربنا، لكنه حمل على المعنى؛ لأن الرجل الواحد قد يقول فعلنا وهو وحده فعله.
وقرأ الباقون و-ح- عن يعقوب {لكِنَّ} بتشديد النون من غير ألف في الوصل، وكالقراءة الأولى في الوقف.
والوجه أن الأصل لكن أنا على ما تقدم، فألقيت حركة الهمزة على النون الساكنة فحُذفت الهمزة فبقي لكننا، ثم أُدغمت النون في النون فبقي: لكنا، فألف لكنا ألف أنا، وهي تسقط في الوصل وتثبت في الوقف، وهذا هو القياس في ذلك). [الموضح: 783]

قوله تعالى: {وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ۚ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا (39)}

قوله تعالى: {فَعَسَىٰ رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا (40)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (بربّي أحدا (38)، (فعسى ربّي أن (40)
فتحها ابن كثير ونافع وأبو عمرو، وأرسلها الباقون). [معاني القراءات وعللها: 2/109] (م)

قوله تعالى: {أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا (41)}

قوله تعالى: {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَىٰ مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (42)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (10- وقوله تعالى: {وأحيط بثمره} [42].
قرأ أبو عمرو بضم الثاء وإسكان الميم.
وقرأ عاصم {بثمره} بفتح الثاء والميم.
وقرأ الباقون بضم الثاء والميم، وقد مرَّت علة ذلك مُستقصاة في (الأنعام) فأغنى عن الإعادة هاهنا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/393]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (وقرأ أبو عمرو: (ثمر) [الكهف/ 34] و (بثمره) [42] بضم الثاء وسكون الميم.
وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وحمزة والكسائي: (ثمر) و (بثمره) مضمومة الثاء والميم.
علي بن نصر، وحسين الجعفي، عن أبي عمرو: (ثمر) مثل نافع.
وقرأ عاصم: ثمر وبثمره، بفتح الثاء والميم فيهما.
الثمرة: ما يجتنى من ذي الثمرة، وجمعه: ثمرات، ومثله: رحبة، ورحبات ورقبة ورقبات، قال: ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا [النحل/ 67]. وقال: كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا [البقرة/ 25]. ويجوز في جمع ثمرة ضربان: أحدهما: أن يجمع على ثمر، كبقرة وبقر. والآخر: على التكسير: ثمار، كرقبة ورقاب، وهذا على تشبيه المخلوقات بالمصنوعات، وقد يشبّه كل واحد منهما بالآخر. ويجوز في القياس أن يكسّر ثمار، الذي هو جمع ثمرة، على ثمر، فيكون ككتاب وكتب، ويكون تكسيره على فعل، كتكسيره على فعائل في نحو قوله:
[الحجة للقراء السبعة: 5/142]
وقرّ بن بالزّرق الجمائل بعد ما... تقوّب عن غربان أوراكها الخطر
فقراءة ابن عامر: (وكان له ثمر) إذا خفّف يجوز أن يكون جمع: ثمار، ككتاب وكتب، ويخفّف كما يخفّف كتب، ويجوز أن يكون ثمر جمع ثمرة، كبدنة وبدن، وخشبة وخشب، ويجوز أن يكون ثمر واحدا كعنق وطنب، فعلى أيّ هذه الوجوه كان جاز إسكان العين منه وساغ، وكذلك قوله: (وأحيط بثمره) [الكهف/ 42].
وقال بعض أهل اللغة: الثّمر: المال، والثّمر: المأكول. وجاء في التفسير قريب من هذا، قالوا: الثمر: النخل والشجر، ولم يرد به الثمرة. والثمر على ما روي عن عدة من السلف: الأصول التي تحمل الثمرة، لا نفس الثمر، بدلالة قوله: فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها، أي: في الجنة، والنفقة: إنما تكون على ذوات الثمر في أغلب العرف. وكأن الآفة التي أرسلت عليها، اصطلمت الأصول واجتاحتها، كما جاء في صفة الجنة الأخرى: فأصبحت كالصريم [ن- 20] أي: كالليل في سواده لاحتراقها، أو كالنهار في بياضها، وما بطل من خضرتها بالآفة النازلة بها.
وحكي عن أبي عمرو: (الثمر)، والثمر: أنواع المال، وإذا أحيط بالثمر فاجتيح، دخلت فيه الثمرة ولا يكون أن يصاب الأصل ولا تصاب الثمرة، وإذا كان كذلك، فمن قرأ: (بثمره) و (بثمره) كان قوله أبين ممّن قرأ بالفتح. وقد تجوز القراءة بالفتح، فأخبر عن بعض ما أصيب، وأمسك عن بعض، وهو قراءة عاصم.
وفي الثمرة لغة أخرى ولم يحك عمن ذكر من القراء في هذا
[الحجة للقراء السبعة: 5/143]
الكتاب، قال سيبويه: تقول: ثمرة وثمرات، وسمرة وسمرات، قال أبو علي: يجوز في جمع ثمرة ثمر كما جاز السّمر، وقالوا: ثمرة وثمر، وثمار، فثمار جمع ثمرة كما أن إضاء جمع أضا، وكسّروه على فعال كما كسّروه على فعول في قولهم: صفا وصفيّ). [الحجة للقراء السبعة: 5/144] (م)
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وكان له ثمر} {وأحيط بثمره} 34 و42
قرأ عاصم {وكان له ثمر} و{وأحيط بثمره} بفتح الثّاء والميم في الحرفين جمع ثمرة وثمر ك بقرة وبقر الفرق بين الواحد والجمع إسقاط الهاء وحجته قوله قبلها {كلتا الجنتين آتت أكلها} يعني ثمرها
وقرأ أبو عمرو {ثمر} و(أحيط بثمره) بضم الثّاء وسكون الميم جمع ثمرة ك بدنة وبدن وخشبة وخشب وثمرة وثمر ويجوز أن يكون جمع ثمار كما يخفف كتب ويجوز أن يكون ثمر واحدة ك عنق وطنب فعلى أي هذه الوجوه جاز إسكان العين منه
وقرأ الباقون {ثمر} بضم الثّاء والميم جمع ثمار وثمر كقولك كتاب وكتب وحمار وحمر). [حجة القراءات: 416] (م)
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (14- {وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ} [آية/ 34] {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ} [آية/ 42] بفتح الثاء والميم:
قرأها عاصم ويعقوب ح- و-ان-.
والوجه أن الثمر جمع ثمرةٍ كبقر في جمع بقرة.
وقال بعض أهل العلم: الثمر بالفتح المأكول يريد حمل الشجرة، والثُمُرُ بالضم أصل المال.
وقرأ ابن كثير ونافعٌ وابن عامر وحمزة والكسائي {وَكَانَ لَهُ ثُمُر}، و{وَأُحِيطَ بِثُمُره} بضم الثاء والميم فيهما.
[الموضح: 780]
والوجه أنه يجوز أن يكون ثُمُرٌ بالضم جمع ثمار ككتابٍ وكتب وجدارٍ وجدرٍ.
ويجوز أن يكون جمعًا لثمرةٍ كبدنةٍ وبُدُنٍ وخشبةٍ وخشبٍ.
ويجوز أن يكون واحدًا كعنقٍ وطنبٍ.
ومن ذهب إلى الثُمُر بالضم أصل المال استدل عليه بقوله تعالى {فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا}، والإنفاق في الأغلب إنما يكون على ذوات الثمار، فإذا اصطلمت الآفة الأصل دخلت فيه الثمرة.
وقرأ أبو عمر {ثُمْر} بضم الثاء وتسكين الميم فيهما جميعًا.
والوجه أنه مخفف منن ثُمُر بالضم على أي وجهٍ يُحمل عليه). [الموضح: 781] (م)

قوله تعالى: {وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا (43)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ولم تكن له فئةٌ (43)
قرأ حمزة والكسائي (ولم يكن له فئةٌ) بالياء، وقرأ الباقون بالتاء.
قال أبو منصور: من قرأ بالياء فذكّر ذهب به إلى الجمع مع تقدم الفعل؛ لأن الفئة يقع عليها اسم الجمع، ولفظ الجمع مذكر.
ومن قرأ بالتاء ذهب به إلى لفظ الفئة، وهي: (الفرقة) ). [معاني القراءات وعللها: 2/111]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (13- وقوله تعالى: {ولم تكن له فئة} [43].
قرأ حمزة والكسائي بالياء.
وقرأ الباقون بالتاء.
فمن قرأ بالتاء فلتأنيث الفئة، والفئة: الجماعة وقد يسمى الرجل الواحد فئة، كما أن الطائفة تكون جمعًا وتكون واحدًا. قال ابن عباس في قوله تعالى: {وليشهد عذابهما طائفة} قال: الطائفة: الرجل الواحد.
ومن قرأ بالياء فلقوله: {ينصرونه} ولم يقل: تنصرونه، وأن التأنيث غير حقيقي.
فإن سأل سائل فقال: مائة وفئة وزنهما واحد فلم زادوا في المائة ألفًا؟
فقل: لئلا يلتبس مائة بمنة.
فإن قيل: فإن فئة تلتبس بفية؟
فالجواب في ذلك: أنهم فعلوا للفرقان في مائة لكثرة استعمال الكتاب له. و(فئة) قليلة الاستعمال. والساقط من فئة ومائة لام الفعل، والاختيار أن
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/395]
يجعل الساقط من فئة عينُ الفعلِ؛ وأما دية [ف] الساقط فاء الفعل؛ لأنه من وَدَى يدي مثل وعد يعد، وزنة من وزن يزن والأصل: وعدة ووزنة فاستثقلوا الكسرة على الواو فجعلوا الكسرة فيما بعد الواو، وحذفوا الواو، قال سيبويه رضي الله عنه: الهاء عوض من الواو). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/396]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الياء والتاء من قوله عز وجل: ولم تكن له فئة [الكهف/ 43].
[الحجة للقراء السبعة: 5/148]
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر- فيما أرى-: ولم تكن بالتاء.
وقرأ حمزة والكسائي (ولم يكن) بالياء.
الياء والتاء كلاهما حسن وقد مضى ذلك في غير موضع). [الحجة للقراء السبعة: 5/149]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله}
قرأ حمزة والكسائيّ (ولم يكن له فئة) بالياء وحجتهما قوله {ينصرونه} ولم يقل تنصره كما قال في موضع آخر {فئة تقاتل في سبيل الله} وكان تذكير ما تقدم من فعلهم من أجل تذكير ما تأخّر من فعلهم أولى ليأتلف الفعلان على لفظ واحد وقيل إنّه قد حيل بين الفعل والاسم بحائل وهو قوله له والحائل صار كالعوض من التّأنيث
وقرأ الباقون ولم تكن بالتّاء لتأنيث الفئة وقد سقط السّؤال). [حجة القراءات: 418]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (21- قوله: {ولم تكن له فئة} قرأه حمزة والكسائي بالياء، على التذكير، لأنه فرّق بين المؤنث وفعله بالظرف، ولأنه تأنيث غير حقيقي، وقد مضى ذكر نظائره بأشبع من هذه العلة. وقرأ الباقون بالتاء على تأنيث لفظ الفئة، وهو الاختيار، لأن الأكثر عليه ولأنه حمل على ظاهر اللفظ). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/62]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (17- {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِئَةٌ} [آية/ 43] بالياء:
قرأها حمزة والكسائي.
والوجه أن الفعل متقدم، وتأنيث الفاعل غير حقيقي، ووقد فُصل بين الفعل وفاعله بالجار والمجرور وهو {لَهُ}، فلذلك حسن التذكير.
وقرأ الباقون {وَلَمْ تَكُنْ} بالتاء.
والوجه أن فاعل الفعل مؤنثٌ، فأُنِّث الفعل لذلك، وقد مضى مثله). [الموضح: 783]

قوله تعالى: {هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ ۚ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا (44)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (هنالك الولاية للّه الحقّ (44)
قرأ حمزة والكسائي (الولاية) بكسر الواو، وفتحها الباقون.
وقرأ أبو عمرو والكسائي (الحقّ)، وقرأ الباقون خفضًا.
[معاني القراءات وعللها: 2/111]
قال أبو منصور: من قرأ (الولاية) بكسر الواو فهو مصدر الوالي، يقال: والٍ بيّن الولاية - ومن فتح فقرأ (الولاية) فهو مصدر الولي، يقال: وليٌّ بيّن الولاية.
ومن النحويين من زعم أن الولاية والولاية لغتان بمعنى واحد.
ومن قرأ (الحقّ) خفضًا جعله نعتا (لله الحق)، ومن قرأ (الحقّ) جعله
نعتًا للولاية، كأنه قال: هنالك الولاية الحقّ للّه). [معاني القراءات وعللها: 2/112]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وخيرٌ عقبًا (44)
قرأ عاصم وحمزة (عقبًا) ساكنة القاف، وقرأ الباقون (عقبًا) بضمتين قال أبو منصور: العقب والعقب واحد، معناهما: العاقبة – وانتصاب (عقبا) على التمييز). [معاني القراءات وعللها: 2/112]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (14- وقوله تعالى: {هنالك الولاية} [44].
قرأ حمزة والكسائي {الولاية} بالكسر.
وقرأ الباقون بفتح الواو، وهما لغتان مثل الوكالة والوكالة والادلة والدلالة.
وقال آخرون: هما مصدران فالمكسور مصدر الوالي يقال: هذا وال بين الولاية يعني: في الإمارة، والمفتوح مصدر الولي يقال: ها ولي بين الولاية). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/396]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (15- وقوله تعالى: {لله الحق} [44].
قرأ أبو عمرو والكسائي {الحق} بالضم.
وقرأ الباقون بالكسر، فمن جر قال: الحق: هو الله فخفض نعتًا لله تعالى واحتج بقراءة ابن مسعود، وهو في قراءته: {هنالك الولاية لله وهو الحق} وفي قراءة أُبَيٍّ: {هنالك الولاية الحق لله}، ومن فرعه جعله نعتًا بمعنى أحق ذلك الحق، وأحق الحق. وسمعت محمد بن عبد الواحد يقول: الحق: رب العزة، والحق الصدق. ومن الحديث: الحق الملك باستحقاق. والحق: التبين بعد لاشك). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/396]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (16- وقوله تعالى: {وخير عقبا} [44].
قرأ عاصم وحمزة {عقبا}.
والباقون {عقبا} بضمتين، وهما لغتان بمعنى العاقبة تقول العرب: للكافر عقبى الدار وعقب وعقب وعاقبة الدار بمعنى واحد.
فإن قيل: بما انتصب {عقبا}؟
فقل على التمييز، كما تقول: زيد خير منك أبا.
فإن قيل: فما معنى قوله: {هنا لك الولاية لله الحق}؟
فقل: معناه: هنالك، أي: في يوم القيامة تبين نصرة الله أولياءه. وقال الحارثي: يقال: جئت في عقب رمضان، أي: بعد ما مضى، وجئت في عقبه أي: جئت وقد بقيت منه بقية). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/397]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله عز وجل: هنالك الولاية لله الحق [الكهف/ 44].
فقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم في الروايتين: الولاية بفتح الواو لله الحق خفضا.
وقرأ حمزة: (هنا لك الولاية لله الحقّ) بكسر الواو والقاف.
وقرأ أبو عمرو: (هنا لك الولاية لله الحقّ) بفتح الواو وضم القاف.
وقرأ الكسائي: (هنا لك الولاية) كسرا (لله الحقّ) بضم القاف.
قال أبو علي: قال أبو عبيدة: الولاية: أي التوالي، قال: وهو مصدر الوليّ، وحكي عن أبي عمرو والأصمعي أنّ الولاية هنا لحن، والكسر يجيء في فعالة فيما كان صنعة ومعنى، متقلّدا كالكتابة والإمارة والخلافة وما أشبه ذلك، وليس هنا معنى تولّي أمر إنّما هو الولاية من الدين وكذلك التي في الأنفال: ما لكم من ولايتهم من
[الحجة للقراء السبعة: 5/149]
شيء [72]، وقد كسر قوم من القراء ذلك أيضا، وحكى ابن سلام عن يونس في قوله: (هنا لك الولاية لله الحق) قال يونس: ما كان لله عزّ وجل فهو ولاية مفتوح من الولاية في الدين، وما كان من ولاية الأمور فبالكسر: ولاية. وقال بعض أهل اللغة: الولاية: النصر. يقال: هم أهل ولاية عليك، أي: متناصرون عليك، والولاية: ولاية السلطان، قال: وقد يجوز الفتح في هذه والكسر في تيك، كما قالوا: الوكالة والوكالة، والوصاية والوصاية بمعنى واحد، فعلى ما ذكر هذا الذاكر يجوز الكسر في الولاية في هذا الموضع.
وأما من قال: هنالك الولاية لله الحق فكسر القاف فإنه جعله من وصف الله سبحانه، ووصفه بالحق وهو مصدر كما وصفه بالعدل وبالسلام، والمعنى: أنه ذو الحق وذو السلام، وكذلك الإله معناه: ذو العبادة، يدلّ على ذلك قوله: ويعلمون أن الله هو الحق المبين [النور/ 25] وقوله: ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق [الأنعام/ 62].
ومن رفع (الحقّ) جعله صفة للولاية، ومعنى وصف الولاية بالحق أنه لا يشوبها غيره، ولا يخاف فيها ما يخاف في سائر الولايات من غير الحق). [الحجة للقراء السبعة: 5/150]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في التخفيف والتثقيل من قوله جل وعز: عقبا [الكهف/ 44].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر والكسائي: (عقبا) مضمومة القاف.
وقرأ عاصم وحمزة: عقبا ساكنة القاف.
[الحجة للقراء السبعة: 5/150]
أبو عبيدة: خير عقبا، وعاقبة، وعقبى، وعقبة، والمعنى واحد وهي الآخرة. قال أبو علي: ما كان على فعل جاز تخفيفه نحو العنق، والطنب وقد تقدم ذكر ذلك). [الحجة للقراء السبعة: 5/151]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({هنالك الولاية لله الحق هو خير ثوابًا وخير عقبا}
قرأ حمزة والكسائيّ {هنالك الولاية} بكسر الواو أي السّلطان والقدرة لله
وقرأ الباقون {هنالك الولاية} بالفتح أي النّصرة لله
قال الفراء من فتح الواو يقول النّصرة يقال هم أهل ولاية عليك أي متناصرون عليك وكان تأويل الكلام هنالك النّصرة
[حجة القراءات: 418]
لله جلّ وعز ينصر أولياءه ويعزه ويكرمهم وهما مصدران فالكسر مصدر الوالي تقول وليت الشّيء ولاية وهو بين الولاية والمفتوح مصدر للوليّ تقول هذا ولي بين الولاية
قرأ أبو عمرو والكسائيّ {هنالك الولاية لله الحق} بالضّمّ جعلا الحق نعتا للولاية أي الولاية الحق لله أي لا يستحقها غيره
وقرأ الباقون {لله الحق} بالكسر جعلوا نعتا لله وهو مصدر كما وصفه بالعدل والسّلام والمعنى ذو الحق وذو السّلام وكذلك الإله معناه ذو العبادة وحجتهم قوله {ثمّ ردوا إلى الله مولاهم الحق}
قرأ عاصم وحمزة {وخير عقبا} ساكنة القاف وقرأ الباقون بضمها وهما لغتان وبمعنى العاقبة). [حجة القراءات: 419]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (22- قوله: {الولاية} قرأ حمزة والكسائي بكسر الواو، وفتحها الباقون.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/62]
وحجة من كسر أنه جعله كالجباية والكتابة والإمارة والخلافة.
23- وحجة من فتح أنه جعله مصدر الولي، ومعناه عند أبي عبيد التولي، قال يونس: ما كان لله جل ذكره فهو «ولاية» بالفتح، من الولاية في الدين، وما كان من ولاية الأمر فهو بالكسر، يقول: هو وال متمكن الولاية، وهو ولي يبين الولاية، وقال بعض أهل اللغة: الولاية بالفتح النصر، فقال: هم أهل ولاية عليك، أي: متناصرون عليك، و«الولاية» بالكسر ولاية السلطان، وقيل: هما لغتان بمعنى، كالوكالة والوكالة والوَصاية والوِصاية، والاختيار الفتح، لأن عليه الأكثر، وقد ذكرنا نحو هذا من العلل في آخر الأنفال). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/63]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (24- قوله: {لله الحق} قرأ أبو عمرو والكسائي بالرفع، جعلاه صفة لـ «الولاية» لأن ولاية الله جل ذكره لا يشوبها نقص ولا خلل، وقرأ الباقون بالخفض، جعلوه صفة لله جل ذكره، وهو مصدر وصف به كما وصف بالعدل وبالسلام، وهما مصدران، والمعنى: ذو الحق وذو العدل وذو السلام. ويقوي كونه صفة لله جل ذكره قوله: {ويعلمون أن الله هو الحق} «النور 25»، وقوله: {ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق} «الأنعام 62» والاختيار الخفض لأن الجماعة عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/63]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (25- قوله: {وخير عقبًا} قرأ عاصم وحمزة بإسكان القاف، وضمها الباقون، والأصل الضم، والإسكان تخفيف كالعُنْق والعُنُق والطُنْب والطُنُب، قال أبو عبيد: عقبا وعاقبة وعُقبى وعقبه واحد كله في المعنى، وهي الآخرة. فالقراءتان بمعنى). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/63]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (18- {هُنَالِكَ الْوِلَايَةُ} [آية/ 44] بكسر الواو:
قرأها حمزة والكسائي.
والوجه أنه يُراد به السلطان وهو على وزن فعالة بكسر الفاء من الصناعات نحو الإمارة والخلافة والكتابة، وهي من تولي الأمر، وقال بعض أهل اللغة: يجوز فتح الواو فيها أيضًا في هذا المعنى.
وقرأ الباقون {الْوَلَايَةُ} بفتح الواو، وهي من ولاية الدين وهي الربوبية، وقيل النصرة، قال الله تعالى {مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} ). [الموضح: 784]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (19- {لِلَّهِ الْحَقُّ} [آية/ 44] بالرفع:
قرأها أبو عمرو والكسائي.
والوجه أن الحق صفة للولاية، يعني أنها ولاية لا يشوبها غير الحق مما يُخاف في غيرها من الولايات، أو أنها خالصةٌ من الشركة.
وقرأ الباقون {الحَقِّ} بالجر.
والوجه أنه صفة لله على معنى ذي الحق، كما قالوا عدلٌ ورضًى أي ذو عدلٍ وذو رضًى). [الموضح: 784]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (20- {وَخَيْرٌ عُقْبًا} [آية/ 44] ساكنة القاف:
قرأها عاصم وحمزة.
والباقون {عُقُبًا} مضمومة القاف.
والوجه أن ما كان على فُعُل بضم العين جاز تخفيفه نحو: العنُق والعنْق والطنُب والطنْب فهما جائزان، فالمضموم أصلٌ، والمسكن مخفف عنه). [الموضح: 785]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 14 صفر 1440هـ/24-10-2018م 10:03 AM

تفسير سورة الكهف
[ من الآية (45) إلى الآية (46) ]

{وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا (45) الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (46)}

قوله تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا (45)}
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (21- {تَذْرُوهُ الرِّيَحُ} [آية/ 45] بغير ألف على الوحدة:
قرأها حمزة والكسائي.
وقرأ الباقون {تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ} على الجمع.
وقد مضى الكلام في مثله). [الموضح: 785]

قوله تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (46)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 14 صفر 1440هـ/24-10-2018م 10:05 AM

تفسير سورة الكهف
[ من الآية (47) إلى الآية (49) ]

{وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47) وَعُرِضُوا عَلَىٰ رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ۚ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا (48) وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49)}

قوله تعالى: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ويوم تسيّر الجبال (47)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر (ويوم تسيّر الجبال) بالتاء رفعًا، وقرأ الباقون (ويوم نسيّر الجبال) بالنون منصوبة.
[معاني القراءات وعللها: 2/112]
قال أبو منصور: من قرأ (تسيّر الجبال) فهو على ما لم يسم فاعله، ومن قرأ (نسيّر) فالفعل للّه، ونصب (الجبال) لوقوع الفعل عليها). [معاني القراءات وعللها: 2/113]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (17- وقوله تعالى: {ويوم نسير الجبال} [47].
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر {تسير} بالتاء لتأنيث الجبال فعل. ما لم يُسم فاعله، ولهما حجتان سوى ما ذكرت:
أحدهما: قوله: {وسيرت الجبال}.
والحجة الثانية: أن أُبيًّا قرأ: {ويوم سيرت الجبال} فإذا كان الماضي سُيرت كان المضارع تُسير.
وقرأ الباقون {نُسير} بالنون فالله تعالى يُخبر عن نفسه. «الجبال».
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/397]
نصب مفعول بها. وحجتهم: قوله: {وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا} [47].
فرد اللفظة على اللفظة المجاورة لها أحسن من أن يستشهد عليها بغيرها مما بعد منه، وكلتا القراءتين حسنة وبالله التوفيق.
فإن قيل: ولم نصبت {ويوم نسير الجبال}؟
فقل: بإضمار فعل، والتقدير: واذكر يا محمد يوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة، أي: ظاهرة لا يسير منها شيء؛ لأن الجبال إذا سيرت عنها وصارت دكاء ملساء ظهرت وبرزت. وقيل: وترى الأرض بارزة أي: تبرز ما فيها من الكنوز والأموات وهي شبيهة بقوله: وترمي الأرض أفلاذ كبدها، وقال بعض النحويين من أهل البصرة يجوز أن ينصب {ويوم نسير الجبال} بقوله تعالى: {والباقيات الصالحات خير ... ثوابا} في يوم نسير الجبال.
{والباقيات الصالحات} قيل: الصلوات الخمس، وقيل: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر. وسمعت القاضي أبا عمران يقول: عزى رجل بعض الأخلاء بولده فقال: إن ابنك كان من زينة الدنيا، ولو بقى لكان سيدًا مثلك، وإذا استأثر الله به فجعله من الباقيات الصالحات
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/398]
وقد صار الآن من الباقيات الصالحات {والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا} قال: فتسل بذلك). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/399]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله عز وجل: ويوم نسير الجبال [الكهف/ 47].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: (ويوم تسيّر) بالتاء. (الجبال) رفعا.
وقرأ نافع وحمزة والكسائي: نسير بالنون الجبال نصبا.
حجة من بنى الفعل للمفعول به فقال: (تسير) قوله: وسيرت الجبال، وقوله: وإذا الجبال سيرت [التكوير/ 3].
ومن قال: نسير فلأنه أشبه بما بعده من قوله: وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا [الكهف/ 47] فإن قلت: وقد جاء وتسير الجبال سيرا [الطور/ 10] ولم يجب على هذا أن يقال: (تسيّر الجبال)، قيل: إنما قرئ على: (تسيّر الجبال) و (نسيّر الجبال) ولم يقرأ على غير هذين الوجهين، فكما أسند الفعل إلى المفعول به في قوله: (وسيّرت الجبال) كذلك أسند إليها في قوله: (تسيّر الجبال) ). [الحجة للقراء السبعة: 5/151]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا}
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر ويوم تسير الجبال بضم التّاء وفتح السّين {الجبال} رفع على ما لم يسم فاعله وحجتهم قوله {وسيرت الجبال فكانت سرابا} فردّوا ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه
وقرأ الباقون {نسير} بالنّون {الجبال} بالنّصب الله أخبر عن نفسه و{الجبال} نصب مفعول بها
[حجة القراءات: 419]
وحجتهم قوله {وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا} ولم يقل وحشروا فكان إلحاق الكلام بما أتى عقيبه ليأتلف على نظام واحد أولى). [حجة القراءات: 420]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (26- قوله: {ويوم نسير الجبال} قرأ الكوفيون ونافع بالنون، ونصب الجبال، وكسر الياء، وقرأ الباقون بالتاء، وفتح الياء، ورفع الجبال.
وحجة من قرأ بالنون أنه بناه على الإخبار من الله جل ذكره عن نفسه، إذ هو فاعل كل الأفاعيل ومدبرها ومحدثها، وانتصبت الجبال بوقوع الفعل عليها، لأن الفعل مبني للفاعل، وقوى ذلك أنه محمول على ما بعده من الإخبار في قوله: {وحشرناهم فلم نغادر} فجرى صدر الكلام على آخره، لتطابق الكلام، وهو الاختيار.
27- وحجة من قرأ بالتاء أنه بنى الفعل للمفعول، فرفع الجبال لقيامها مقام الفاعل، فهي مفعولة لم يُسم فاعلها، ويقوي ذلك قوله: {وسيرت الجبال} «النبأ 20» وقوله: {وإذا الجبال سيرت} «التكوير 3» ). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/64]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (22- {وَيَوْمَ تُسَيَّرُ الْجِبَالُ} [آية/ 47] بالتاء مضمومة، والياء مفتوحة، ورفع {الجبالُ}:
قرأها ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر.
والوجه أن الفعل مسندٌ إلى المفعول به وهو {الجبال}، ولكونها جماعة أنث الفعل، قال الله تعالى {وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ}، وقال {وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ}
[الموضح: 785]
وقرأ الباقون {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ} بالنون، مكسورة الياء، {الْجِبَالَ} نصبًا.
والوجه أنه على إسناد الفعل لله تعالى بلفظ الجمع تعظيمًا، كقوله فيما بعده {وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا} ). [الموضح: 786]

قوله تعالى: {وَعُرِضُوا عَلَىٰ رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ۚ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا (48)}

قوله تعالى: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 14 صفر 1440هـ/24-10-2018م 10:06 AM

تفسير سورة الكهف
[ من الآية (50) إلى الآية (53) ]

{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ۗ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ ۚ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50) مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا (51) وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا (52) وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا (53)}

قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ۗ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ ۚ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50)}

قوله تعالى: {مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا (51)}

قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا (52)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ويوم نقول نادوا شركائي (52)
قرأ حمزة (ويوم نقول (بالنون، وقرأ الباقون بالياء.
قال أبو منصور: من قرأ بالياء فالمعنى: يوم يقول الله للمشركين نادوا شركائي بزعمكم، يعنى: الآلهة التي عبدوها وجعلوها للّه شركاء.
ومن قرأ بالنون فهو للّه، يقول: نقول نحن للمشركين). [معاني القراءات وعللها: 2/113]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (18- وقوله تعالى: {ويوم يقول نادوا شركآءي} [52].
قرأ حمزة بالنون، الله تعالى يخبر عن نفسه.
وقرأ الباقون بالياء، أي: يا محمد: يقول الله تعالى). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/399]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله تعالى: ويوم يقول نادوا [الكهف/ 52] في النون والياء.
فقرأ حمزة وحده: (نقول) بالنون وقرأ الباقون بالياء.
[الحجة للقراء السبعة: 5/151]
قال أبو علي: قول حمزة (نقول) إن قبلها: وما كنت متخذ المضلين عضدا [الكهف/ 51] (ويوم نقول): محمول على ما تقدم في المعنى، فكما أن كنت للمتكلم كذلك (نقول) والجمع والإفراد في ذلك بمعنى.
وحجة الياء أن الكلام الأول قد انقضى. وهذا استئناف، فالمعنى: ويوم يقول: أي يوم يقول الله سبحانه: أين شركائي الذين زعمتم وهذا يقوّي القراءة بالياء دون النون، ولو كان بالنون لكان أشبه بما بعده أن يكون جمعا مثله، فيقول: شركاءنا، فأما قوله: الذين زعمتم، فالراجع إلى الموصول محذوف، وخبر الزعم محذوف، والمعنى: الذين زعمتموهم إياهم، أي: زعمتموهم شركاء، فحذف الراجع من الصلة، ولا بد من تقديره، كقوله: أهذا الذي بعث الله رسولا [الفرقان/ 41] ومثل هذا في حذف المفعولين جميعا، قول الشاعر، وهو الكميت:
بأيّ كتاب أم بأيّة سنّة... ترى حبّهم عارا عليّ وتحسب
فالآية أقوى من هذا، لأن الراجع إلى الموصول مقتضى، وإذا ثبت الراجع ثبت حصول المفعول الثاني، لأن الاقتصار على الأول من المفعولين لا يجوز). [الحجة للقراء السبعة: 5/152]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وما كنت متخذ المضلين عضدا * ويوم يقول نادوا شركائي الّذين زعمتم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم وجعلنا بينهم موبقا} 51 و52
قرأ حمزة (ويوم نقول نادوا شركائي) الله أخبر عن نفسه وحجته ما تقدم وما تأخّر فأما ما تقدم فقوله {وما كنت متخذ المضلين عضدا} فكما أن {كنت} للتكلم كذلك {تقول} وأما ما تأخّر فقوله {وجعلنا بينهم موبقا}
وقرأ الباقون {ويوم يقول} بالياء أي قل يا محمّد يوم يقول الله تعالى وحجتهم قوله {نادوا شركائي الّذين زعمتم} ولم يقل شركاءنا). [حجة القراءات: 420]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (30- قوله: {ويوم يقول} قرأه حمزة بالنون، على الإخبار من الله جل ذكره عن نفسه بالقول، رده على قوله: {وما كنت متخذ المضلين} «51» وقرأه الباقون بالياء، قطعوه مما قبله، أي: واذكر يا محمد يوم يقول نادوا شركائي، ويقوي الياء قوله: {شركائي} ولو رُدّ على النون لقال «شركاءنا» والياء الاختيار، لأن الجماعة عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/65]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (23- {وَيَوْمَ نَقُولُ نَادُوا} [آية/ 52] بالنون من {نَقُولُ}:
قرأها حمزة وحده.
والوجه أنه على موافقة ما قبله وهو قوله تعالى {وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا}، وكلاهما واحدٌ في إخبار الرب سبحانه عن نفسه، وإن كان أحدهما بلفظ الجمع، والآخر بلفظ الوحدة.
وقرأ الباقون {وَيَوْمَ يَقُولُ} بالياء.
والوجه أن الكلام الأول قد انقضى، وهذا على استئناف كلام آخر، والمعنى يوم يقول الله نادوا شركائي، ولهذا قال {شُرَكَائِي} ولم يقل شركاءنا). [الموضح: 786]

قوله تعالى: {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا (53)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 14 صفر 1440هـ/24-10-2018م 10:07 AM

تفسير سورة الكهف
[ من الآية (54) إلى الآية (56) ]

{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ ۚ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا (54) وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَىٰ وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا (55) وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ ۚ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ ۖ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا (56)}

قوله تعالى: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ ۚ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا (54)}

قوله تعالى: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَىٰ وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا (55)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (19- وقوله تعالى: {قبلا} [55].
قرأ الكوفيون بالضم.
وقرأ الباقون {قبلا} أي: عيانًا بالكسر، ومن ضم فهو جمع قبيل وقبل مثل قميص وقُمص، وقد مرت علة ذلك في (الأنعام) وإنما أعدت ذكره لأن من النحويين من يقول: إن القبيلة بنو أب، والقبيل بغير هاء -: الجماعة وإن كانوا مختلفي الأنساب واحتجوا بقول النابغة:
جوانح قد أيقن أن قبيله = إذا ما التقى الحيان أول غالب
وجمع القبيلة قبائل، والقبائل أيضًا -: قبائل الرأس، وهي عروق مجرى الدمع من الرأس، ويقال لها: الشؤون، وأحدها شأن، وينشد:
لا تحزنيني بالفراق فإنني = لا تستهل من [الفراق] شؤوني). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/399]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله عز وجل: (العذاب قبلا) [الكهف/ 55] في كسر القاف وفتح الباء، وضم القاف والباء.
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: (قبلا) بكسر القاف.
[الحجة للقراء السبعة: 5/152]
وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: قبلا رفعا.
أبو عبيدة: قبلا مقابلة، وقال أبو زيد: لقيت فلانا قبلا ومقابلة وقبلا وقبلا وقبليّا وقبيلا كلّه واحد [وهو المواجهة].
قال أبو علي: فقوله: قبلا، أي: مقابلة. وقالوا إذا سقى إبله ولم يكن أعدّ لها الماء قبل ورودها: سقاها قبلا، والقابل: الذي يسقيها وهي تقابل سقيه، قال الراجز:
لن يغلب اليوم جباكم قبلي فهذا أيضا من المقابلة فمعنى: (أو يأتيهم العذاب قبلا) أي: مقابلة من حيث يرونه وهذا كقوله: فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم [الأحقاف/ 24].
وأما قراءة عاصم وحمزة والكسائي قبلا فيحتمل تأويلين: يجوز أن يكون قبلا بمعنى قبلا، كما حكاه أبو زيد، فيكون معنى القراءتين على ما فسره واحدا اختلف اللفظ، واتفق المعنى، ويجوز أن يكون قبلا جمع قبيل، كأنّه: يأتيهم العذاب قبيلا قبيلا، أي: صنفا صنفا، فجمع قبيلا الذي هو فعيلا على فعل، وصنوف العذاب التي يقابلونها كما أخذ أصحاب فرعون، فيكون ضروبا مختلفة كلّ قبيل منه
[الحجة للقراء السبعة: 5/153]
غير صاحبه، ويكون ضربا واحدا ويجيئهم منه شيء بعد شيء). [الحجة للقراء السبعة: 5/154]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({أو يأتيهم العذاب قبلا}
قرأ عاصم وحمزة والكسائيّ {أو يأتيهم العذاب قبلا} بالضّمّ جمع قبيل مثل سبيل وسبل المعنى أو يأتيهم العذاب صنفا صنفا أي أنواعا من العذاب وقال الزّجاج {قبلا} بمعنى من قبل أي ممّا يقابلهم ومن قبل وجوههم وفي التّنزيل {إن كان قميصه قد من قبل} أي من قبل وجهه
وقرأ الباقون {قبلا} بالكسر أي عيانًا مواجهة قال أبو زيد لقيت فلانا قبلا ومقابلة وقبلا وقبلا كله واحد). [حجة القراءات: 420]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (28- قوله: {العذاب قبلا} قرأه الكوفيون بضمتين، وقرأ الباقون بكسر القاف، وفتح الباء.
وحجة من كسر القاف أنه حمله على معنى المقابلة، حكى أبو زيد: لقيت فلانا قُبلا ومقابلة وقُبْلا وقِبَلا وقَبيلا وقَبيليا، كله بمعنى مقابلة، أي عيانا، فالمعنى في الآية: أن يأتيهم العذاب مقابلة يرونه.
29- وحجة من ضم أنه يجوز أن يكون معناه مثل الكسر، على ما حكى أبو زيد، ويجوز أن يكون جمع قبيل، على معنى: أو يأتيهم العذاب قبيلا قبيلا، أي: صنفا صنفا، أي: يأتيهم أصنافا مختلفة، ويجوز أن يكون على
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/64]
هذا العذاب صنفا واحدا ويكون معناه: يأتيهم شيء بعد شيء، وكله صنف). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/65]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (24- {الْعَذَابُ قُبُلًا} [آية/ 55] بضم القاف والباء:
قرأها الكوفيون.
[الموضح: 786]
والوجه أنه يجوز أن يكون جمع قبيل، والمعنى يأتيهم العذاب قبيلًا قبيلًا أي صنفًا صنفًا، فقُبُلٌ جمع قبيل كرُغُفٍ جمع رغيف.
ويجوز أن يكون قُبُل بمعنى المقابلة، حكى أبو زيد: لقيت فلانًا قُبُلًا ومقابلةً وقِبَلًا وقَبَلًا وقبليًا.
ونصبه إذا جعلته جمع قبيل على الحال، وإذا جعلته بمعنى المقابلة على أنه مصدر في موضع الحال.
وقرأ الباقون {قِبَلًا} بكسر القاف وفتح الباء.
والوجه أنه أراد مقابلةً كما سبق، والمعنى يأتيهم العذاب من حيث يرونه، وقد ذكرنا وجه نصبه). [الموضح: 787]

قوله تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ ۚ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ ۖ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا (56)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 14 صفر 1440هـ/24-10-2018م 10:08 AM

تفسير سورة الكهف
[ من الآية (57) إلى الآية (59) ]

{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ۚ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ۖ وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (57) وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ ۖ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ ۚ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا (58) وَتِلْكَ الْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا (59)}

قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ۚ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ۖ وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (57)}

قوله تعالى: {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ ۖ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ ۚ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا (58)}

قوله تعالى: {وَتِلْكَ الْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا (59)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وجعلنا لمهلكهم موعدًا (59)
وفي النمل (مهلك أهله).
قرأ أبو بكر عن عاصم في رواية يحيى (لمهلكهم) و(مهلك أهله) بفتح الميم واللام جميعًا.
وقرأ حفص عن عاصم (لمهلكهم) و(مهلك أهله) بكسر اللام فيهما.
قال أبو منصور: من قرأ (لمهلكهم) فالمعنى: لإهلاكنا إياهم، يقال: أهلكه إهلاكًا ومهلكًا، ومن قرأ (لمهلكهم) فمعناه: لهلاكهم، مصدر هلك يهلك هلاكًا ومهلكا، ومن قرأ (لمهلكهم) أراد: أسماء، أي: لوقت إهلاكهم وكذلك القول في (مهلك أهله) ). [معاني القراءات وعللها: 2/114]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (22- وقوله تعالى: {وجعلنا لمهلكهم موعدا} [59].
قرأ عاصم في رواية أبي بكر {لمهلكهم} بفتح الميم واللام جعله مصدرًا لهلك يهلك مهلكا مثل طلع يطلع مطلعا.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/401]
وروى حفص عن عاصم {لمهلكهم} بكسر اللام جعله وقت هلاكهم وموضع هلاكهم كقوله تعالى: {حتى إذا بلغ مغرب الشمس} [86]، أي: الموضع الذي تغرب فيه. وحكى سيبويه رضي الله عنه عن العرب: «أتت الناقة على مضربها» و«منتجها» أي: على وقت ضرابها ونتاجها و«إن في ألف درهم لمضربا» بفتح الراء أي: ضربا، جعله مصدرًا.
وقرأ الباقون: {لمهلكهم} بضم الميم وفتح اللام وهو الاختيار لأن المصدر من أفعل والمكان والزمان يجيء على مفعل كقوله: {أدخلني مدخل صدق} فكذلك أهلكهم الله مهلكًا بمعنى الإهلاك، وسأبين لك فصلاً تعرف به جميع ما يرد عليك.
اعلم أن كل فعل كان على (فَعَلَ يَفْعِلُ) مثل ضرب يضرب فالمصدر مضرب بالفتح، والزمان والمكان مفعِل بالكسر.
وكل فعل كان على (فَعَلَ يَفْعُلُ) مثل دخل يدخل فالمصدر والمكان منه بالفتح نحو المدخل. وكل فعل كان المضارع منه بالفتح نحو يذهب ويشرب فهو مفتوح أيضًا نحو المشرب والمذهب.
فإن قيل لك: قد قالوا: المسجد بالكسر وهو من سجد يسجد، فإن ذلك من الشواذ عندهم، قال سيبويه رحمة الله عليه - وربما جاء المصدر من فعل يفعل بالكسر كقوله: {إلى الله مرجعهم} أي:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/402]
رجوعكم، و{يسئلونك عن المحيض} أي: الحيض، وقوله: {وجعلنا النهار معاشا} فهذا مصدر وربما جاء على المعيش مثل المحيض قال رؤبة:
إليك أشكو شدة المعيش
ومر أعوام نتفن ريشي
قال الفراء: إذا كان الفعل لامه واوًا أو ياءً نحو يدعو ويقضي جاء المصدر والمكان بالفتح: المدعى والمقضي.
وحدثني ابن مجاهد عن السمري عن الفراء قال: جاء حرفان نادران مأقي العين والمأوى، يريدون: المأوى فقال الأصمعي: يقال مؤق العين وماق، العين، ومأقي العين، وماقي العين. وقال سيبويه رضي الله عنه: إنما قالوا: المَصِيف فكسروا وقالوا: المشتى ففتحوا؛ لأن هذا من صافَ يصيف، وهذا من شتا يشتو قال الفراء رحمة الله عليه -: فإذا كان الفعل عينه ياء مثل كال يكيل، ومال يميل، وباع يبيع قلت في المصدر منه: مال ممالاً، وكال مكالاً: وباع، مباعًا، وفي اسم المكان والزمان: مميلاً ومكيلاً ومبيعًا، فهذا أصل لماي رد عليك فتأمله إن شاء الله). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/403]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: قرأ عاصم وحده، في رواية أبي بكر: (لمهلكهم) [الكهف/ 59] بفتح الميم واللام الثانية. وفي النمل: (ما شهدنا مهلك أهله) [49] مثلها. وروى عنه حفص: لمهلكهم ومهلك أهله بكسر اللام فيهما.
وقرأ الباقون: (لمهلكهم) و (مهلك أهله)، بضم الميم وفتح اللام.
قالوا: هلك زيد وأهلكته، وفي التنزيل: وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها [القصص/ 58] وفيه: أرأيتم إن أهلكني الله ومن معي أو رحمنا [الملك/ 28] وحكوا أن تميما تقول: هلكني زيد، كأنهم جعلوه من باب رجع، ورجعته، وغاض الماء وغضته، وعلى هذا حمل بعضهم:
ومهمه هالك من تعرّجا فقالوا: هو بمنزلة: مهلك من تعرّجا. ومن لم يجعل هلك
[الحجة للقراء السبعة: 5/156]
متعدّيا ففي هالك ضمير عائد إلى النكرة، واسم الفاعل مضاف إلى المفعول به، كما أنّه لو كان مكان الهالك المهلك كان كذلك، ومن لم يجعل هالك بمعنى مهلك كان تقديره: هالك من تعرّجه، ومن تعرجه فاعل المهلك في المعنى وموضعه نصب مثل: حسن الوجه، فلمّا حذف التنوين أضافه إليه مثل حسن الوجه، فموضع «من تعرّجا»: جرّ على هذا الحدّ. فقول عاصم: (لمهلكهم): مصدر يكون على قول من عدّى هلكت مضافا إلى المفعول به، نحو من دعاء الخير [فصلت/ 49] وفي قول من لم يعدّ هلكت مضافا إلى الفاعل، كقولك: وجعلنا لهلاكهم. والمصدر من فعل في الأمر الشائع يبنى على مفعل.
ومن قال: (وجعلنا لمهلكهم موعدا) كان المصدر مضافا إلى المفعول بهم، كأنّه: لإهلاكهم موعدا. ورواية حفص عن عاصم:
لمهلكهم ومهلك الرواية الأولى، وفتح اللام التي هي عينٌ من مهلك أقيس وأشيع، وقد جاء المصدر من باب فعل يفعل بكسر العين قال: إلي مرجعكم [آل عمران/ 55] وقال: يسألونك عن المحيض [البقرة/ 222] وقالوا: ما في برّك مكيل، يريدون: الكيل، والأول أكثر وأوسع). [الحجة للقراء السبعة: 5/157]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وجعلنا لمهلكهم موعدا}
قرأ أبو بكر عن عاصم {وجعلنا لمهلكهم موعدا} بفتح الميم واللّام أي جعلنا لهلاكهم موعدا جعله مصدرا ل هلك يهلك مهلكا وكل ما كان على فعل يفعل فاسم المكان منه على مفعل والمصدر على مفعل بفتح العين
وقرأ حفص {لمهلكهم} بفتح الميم وكسر اللّام أي لوقت هلاكهم
قال الزّجاج مهلك اسم للزمان على هلك يهلك وهذا زمن مهلكه مثل جلس يجلس فإذا أردت المصدر قلت مهلك بفتح اللّام كقولك مجلس فإذا أردت المكان قلت مجلس بكسر اللّام حكى سيبويهٍ عن العرب أنهم يقولون أتت النّاقة على مضربها أي على وقت ضرابها
وقرأ الباقون {لمهلكهم} بضم الميم وفتح اللّام أي جعلنا لإهلاكنا إيّاهم موعدا
قال أهل البصرة تأويل المهلك على ضربين على المصدر وعلى الوقت فمعنى المصدر لإهلاكهم ومعنى الوقت لوقت إهلاكهم قالوا وهو الاختيار لأن المصدر من أفعل في المكان
[حجة القراءات: 421]
والزّمان يجيء على مفعل كقوله {وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق} ). [حجة القراءات: 422]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (31- قوله: {لمهلكم موعدا} و{مهلك أهله} في «النمل 49» قرأهما أبو بكر بفتح الميم واللام الثانية، وقرأهما حفص بفتح الميم وكسر اللام الثانية، وقرأ الباقون بضم الميم، وفتح اللام الثانية.
وحجة من فتح الميم واللام أنه جعله مصدرًا من «هلك» وعدّاه، حكي أن بني تميم يقولون: هلكني الله، جعلوه من باب «رجع زيد ورجعته» ويكون مضافا إلى المفعول كقوله: {من دعاء الخير} «فصلت 49» فأما من لم يجز تعدية «هلك» إلى مفعول فإنه يكون مضافًا إلى الفاعل، كأنه قال: وجعلنا لهلاكنا إياهم موعدا، ومن جعله متعدّيًا، يكون تقديره: وجعلنا لإهلاكنا إياهم موعدا، والمصدر في الأصل من «فعل يفعل» يأتي على «مفعَل»، فلذلك كان «مهلك» مصدرًا من «هلك».
32- وحجة من كسر اللام وفتح الميم أنه جعله أيضًا مصدرًا من «هلك» والوجهان في إضافة جائزان على ما تقدم، لكنه خارج عن الأصول،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/65]
أتى نادرًا «مفعِل» من «فعل يفعَل» كما قالوا: المرجع مصدر من رجع يرجع كالرجوع، وقالوا في ترك «مكيل» أي الكيل، أتى بالكسر وهو على «فعل يفعل».
33- وحجة من ضم الميم وفتح اللام أنه جعله مصدرًا لـ «أهلك يهلك» فهو بابه، وهو متعد بلا شك، فهو مضاف إلى المفعول به لا غير، تقديره: وجعلنا لإهلاكهم موعدًا، أي: لإهلاكنا إياهم موعدا، لا يتجاوزنه، وضم والميم هو الاختيار، لأن الجماعة عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/66]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (25- {لِمَهْلَكِهِمْ} [آية/ 59] بفتح الميم واللام الثانية:
قرأها عاصم ياش-، وكذلك في النمل {مَهْلَكَ أَهْلِهِ}.
والوجه أنه مصدرٌ من هلك يهلك هلاكًا ومهلكًا بفتح اللام وهو القياس في المصدر، أعني أن يكون على مفعل بفتح العين، سواء كان حركة عين المستقبل ضمة أو فتحة أو كسرة، والمعنى جعلنا لهلاكهم موعدًا.
وروى ص- عن عاصم {لِمَهْلِكِهِمْ} و{مَهْلِكَ أَهْلِهِ} بفتح الميم وكسر اللام.
[الموضح: 787]
والوجه أنه محمولٌ على ما جاء شاذًّا من المصادر التي جاءت على مفعل من فعل يفعل نحو مرجع ومحيضٍ.
وقرأ الباقون {لِمُهْلَكِهِمْ} و{مُهْلَكَ أَهْلِهِ} بضم الميم وفتح اللام.
والوجه أنه مصدرٌ من أهلك إهلاكًا ومُهلكًا، والمعنى جعلنا لإهلاكهم موعدًا). [الموضح: 788]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 14 صفر 1440هـ/24-10-2018م 10:09 AM

تفسير سورة الكهف
[ من الآية (60) إلى الآية (64) ]

{وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60) فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61) فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَٰذَا نَصَبًا (62) قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ۚ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63) قَالَ ذَٰلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ ۚ فَارْتَدَّا عَلَىٰ آثَارِهِمَا قَصَصًا (64)}

قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة عبد الله بن مسلم بن يسار: [مَجْمِعَ الْبَحْرَيْن].
قال أبو الفتح: المصدر من فَعَلَ يفعَل والمكان والزمان كلهن على مَفْعَل بالفتح، كقولك: ذهبت مذْهَبًا، أي: ذهابا، ومذهبا، أي: مكانا يذهب فيه. وهذا مذهبك أي: زمان ذهابك، وكذلك سأل يسأل مَسْألا، فهو مصدر ومكان وزمان، وبعث يبعث مَبْعَثًا وهو مصدر ومكان وزمان. ومنه: مبْعَثُ الجيوش، هو زمان بعثها، إلا أنه قد جاء المفعِلُ بكسر العين موضع المفتوح، منه: المشرِق، والمغرِب، والمنسِك، والمطلِع. وبابه فتح عينه لأنه من يَفْعُل، يشرُق، ويغرُب، وينسُك، ويطلُع. فعلى نحو من هذا يكون [مَجْمِعَ الْبَحْرَيْن] وهو مكان -كما ترى- من جمع يجمع، فقياسه "مجْمَع"، لولا ما ذكرنا من الحمل على نظيره). [المحتسب: 2/30]

قوله تعالى: {فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61)}

قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَٰذَا نَصَبًا (62)}

قوله تعالى: {قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ۚ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وما أنسانيه إلّا الشّيطان (63)
قرأ حفص (وما أنسانيه) بضم الهاء، ومثله في سورة الفتح (بما عاهد عليه اللّه).
وأمال الكسائي السين، وفتحها حمزة، وقرأ ابن كثيرٍ (وما أنسانيهى) بالياء في اللفظ.
وقرأ الباقون (وما أنسانيه إلّا) بكسرة مختلسة.
[معاني القراءات وعللها: 2/113]
وقد مرّ الجواب في أمثالها، وكل ما قرئ به فهو جائز، وأجوده الكسرة المختلسة في الإدراج). [معاني القراءات وعللها: 2/114]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (20- وقوله تعالى: {ما أنسانيه إلا الشيطان} [63].
روى حفص عن عاصم {أنسانيه} بضم الهاء و{بما عاهد عليه
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/399]
الله} فضم الهاء على أصل الكلمة.
ومن كسر فلمجاورة الياء. وقد استقصينا ذلك فيما سلف، وإنما ذكرته؛ لأن الكسائي أمال الألف في {أنسانيه} لأن الألف فيها مبدلة من الياء، وبعد الألف كسرة، والعرب تميل كل ألف بعدها كسرة نحو عابد وحاتم وإذا كان بعد الألف فتحة أو ضمة كان ترك الإمالة أحسن. ومن العرب من يميل كل ذلك، حكى سيبويه عن بعضهم: مات زيد وصار بمكان كذا، وقال: إن من العرب من يميل أكثر ممن لا يميل فلما سمع الكسائي مع معرفته بالقراءات العرب تستعمل الإمالة كما حكى سيوبه رضي الله عنه أكثر من التفخيم اختاره). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/400]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (وقرأ الكسائي وحده: وما أنسانيه [الكهف/ 63] بإمالة السين. وكلهم فتحها غيره.
قال أبو علي: الإمالة في السين من أنسانيه سائغة، لأنك تقول: أنسيته، وسواء كان من نسيت، الذي هو خلاف ذكرت، أو من نسيت الذي هو تركت، لأن كلّ واحد منهما يتعدّى إلى مفعول واحد، وإذا نقلته بالهمزة تعدّى إلى مفعولين، فالإمالة في السين شائعة من حيث قلت في كلّ واحد منهما أنسيته، وفي التنزيل: ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم [الحشر/ 59].
حفص عن عاصم أنسانيه إلا بضم الهاء، وفي الفتح: بما عاهد عليه الله [الفتح/ 10] بضم الهاء. أبو بكر عن عاصم: أنسانية بكسر الهاء و (بما عاهد عليه الله) بكسر الهاء.
الباقون بكسر الهاء من غير بلوغ ياء، إلا ابن كثير فإنه يثبت الياء في الوصل بعد الهاء (أنسانيهي إلا).
قال: وقد تقدم ذكر القول في وجوه ذلك كلها). [الحجة للقراء السبعة: 5/154]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وما أنسانيه إلّا الشّيطان أن أذكره} 63
قرأ حفص عن عاصم {وما أنسانيه} بضم الهاء على أصل الكلمة واصلها الضّم وإنّما عدل عن كسر الهاء إلى الضّم لما رأى الكسرات من {أنسانيه} وكانت الهاء أصلها الضّم رأى العدول إلى الضّم ليكون أخف على اللّسان من الاستمرار على الكسرات ومن كسر فلمجاورة الياء كما تقول فيه عليه
قرأ الكسائي {أنسانيه} بإمالة الألف وإنما أمال لأن الألف مبدلة من ياء وبعد الألف كسرة والعرب تميل كل ألف بعدها كسرة نحو عابد وعالم). [حجة القراءات: 422]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (34- قوله: {وما أنسانيه} قرأ حفص بضم الهاء، ومثله: {عليه الله} في «الفتح 10»، وقرأهما الباقون بكسر الهاء، وقد تقدمت العلل والحجج في لغات هاء الكناية في {يا أيها}، وتقدمت إمالة الكسائي لـ {أنسانيه} ). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/66]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (26- {وَمَا أَنْسَانِيهُ} [آية/ 63] بضم الهاء:
رواها ص- عن عاصم، وكذلك {بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ} بضم الهاء.
وقرأ الباقون و-ياش- عن عاصم {أَنْسَانِيهِ} و{عَاهَدَ عَلَيْهِ} بالكسر فيهما، إلا أن ابن كثير قد أشبع الكسرة.
والوجه في ضم هذه الهاء وكسرها ووصلها بياء قد سبق في أول سورة البقرة.
وأمال الكسائي وحده الألف من {أَنْسَانِيه}، وفتحها الباقون.
ووجه الإمالة أن الألف من {أَنْسَانِيه} ينقلب إلى الياء في أنسيته، فلهذا جازت الإمالة فيه.
ووجه الفتح أنه هو الأصل). [الموضح: 788]

قوله تعالى: {قَالَ ذَٰلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ ۚ فَارْتَدَّا عَلَىٰ آثَارِهِمَا قَصَصًا (64)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 14 صفر 1440هـ/24-10-2018م 10:11 AM

تفسير سورة الكهف
[ من الآية (65) إلى الآية (70) ]

{فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65) قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69) قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70)}

قوله تعالى: {فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65)}

قوله تعالى: {قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (21- وقوله تعالى: {مما علمت رشدا} [66].
قرأ ابن عامر: {رشدا} بضمتين.
وقرأ أبو عمرو: {رشدا} بفتحتين.
وقرأ الباقون: {رشدا} بإسكان الشين وضم الراء فقال قوم: هما لغتان الرشد والرشد مثل الحزن والحزن وقال آخرون: الرشد الصلاح كقوله: {فإن آنستم منهم رشدا} والرشد في الدين.
وحدثني أحمد عن علي عن أبي عبيد قال: الاختيار {رشدًا} هاهنا، لأنها رأس آية كقوله في {قل أوحى إلي}: {فتحروا رشدًا} ليوافق رءوس الآي من قبل ومن بعد.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/400]
فأما قراءة ابن عامر فإنه أتبع الضم الضم مثل السُّحْتُ والسُّحُت والبُخْلُ والبُخُلُ، والعرب تقول: طعنت فلانًا فألقيته على قُطْره وقُطُره، وعلى قتره وعلى قتره، وعلى شزنه وعلى شزنه، كل ذلك على ناحيته وجنبه. وأقطار الأرض وأقتارها وأشزانها: نواحيها. والقطر في غير هذا العود الذي يتبخر به، أنشدني ابن عرفة رضي الله عنه.
كأن المدام وصوب الغمام = وريح الخزامى ونشر القطر
تعل به برد أنفاسها = إذا غرد الطائر المستحر
وإنما خص وقت السحر، لأن الأفواه تتغير في ذلك الوقت فسرق شاعر هذا فقال:
كأن المدام وصوب الغمام = وريح الخزامى وذوب العسل
تعل به برد أنيابها = إذا النجم فوق السماء اعتدل). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/401]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله تعالى: مما علمت رشدا [الكهف/ 66] في التثقيل والتخفيف.
فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وحمزة والكسائي: مما علمت رشدا مضمومة الراء خفيفة الشين.
وقرأ ابن عامر: (مما علّمت رشدا)، مضمومة الراء والشين،
[الحجة للقراء السبعة: 5/154]
هكذا في كتابي عن أحمد بن يوسف عن ابن ذكوان، ورأيت في كتاب موسى بن موسى عن ابن ذكوان: رشدا: خفيفة، وقال هشام بن عمار بإسناده عن ابن عامر رشدا خفيفة.
وقرأ أبو عمرو (رشدا)، مفتوحة الراء والشين.
قال: رشدا ورشدا لغتان، وكلّ واحد منهما بمعنى الآخر، وقد أجرت العرب كلّ واحد منهما مجرى الآخر، فقالوا: وثن ووثن، وأسد وأسد وخشبة وخشب، وبدنة وبدن، فجمعوا فعلا على فعل، ولما كان فعل يجري عندهم مجرى فعل جمعوا أيضا فعلا على فعل، كما جمعوا فعلا عليه. وذلك قوله: والفلك التي تجري في البحر [البقرة/ 164]، وفي أخرى: في الفلك المشحون [الشعراء/ 119] [يس/ 41]، فهذا يدلّك على أنهما عندهم يجريان جميعا مجرى واحدا، وعلى هذا أيضا جمعوا فعلا وفعلا، على فعلانٍ، فقالوا: قاعٌ وقيعان. وتاج وتيجان، وقالوا: حوت وحيتان، ونون ونينان، وقد قيل: إن القراءة ب رشدا أرجح، لأنهم اتفقوا في قوله: فأولئك تحروا رشدا [الجن/ 14] على الفتح، والتي في الكهف رأس آية مثل ما وقع الاتفاق على فتحه، وتحريك عينه، فوجب أن يكون هذا أيضا مثله، من حيث اجتمعا في أن كل واحد في رأس آية. فأما انتصاب رشدا، فيجوز أن ينتصب على أنه مفعول له، ويكون متعلقا بأتّبع، وكأنّه: هل أتّبعك للرشد، أو لطلب الرّشد على أن تعلمني، فيكون على حالا من قوله: أتبعك، ويجوز أن يكون للرشد مفعولا به تقديره: هل أتبعك على أن تعلّمني رشدا مما علمته، ويكون العلم
[الحجة للقراء السبعة: 5/155]
الذي يتعدّى إلى مفعول واحد يتعدّى بتضعيف العين إلى مفعولين، كقوله: وعلم آدم الأسماء كلها [البقرة/ 31] تقديره: هل أتّبعك على أن تعلّمني رشدا مما علمته. فحذفت الراجع من الصلة إلى الموصول، ويكون على هذا كلّ واحد من الفعلين قد استوفى مفعوليه اللذين يقتضيهما الفعلان، ومعنى: علّمني رشدا: علّمني أمرا ذا رشد، أو علما ذا رشد). [الحجة للقراء السبعة: 5/156]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن ممّا علمت رشدا}
قرأ أبو عمرو {ممّا علمت رشدا} بفتح الرّاء والشين وقرأ الباقون {رشدا} بإسكان الشين وضم الرّاء وهما لغتان مثل الحزن والحزن وقال آخرون الرشد الصّلاح كقوله {فإن آنستم منهم رشدا} والرشد في الدّين وأجود الوجهين الرشد بضم الرّاء وإنّما قلت ذلك لتوفيق ما بينه وبين ما قبله وما بعده من أواخر الآي وذلك أن الآي قبلها وبعدها أتت بسكون الحرف الأوسط من الكلمة وهو قوله {وعلمناه من لدنا علما} {معي صبرا}
[حجة القراءات: 422]
67 - و72 {ما لم تحط به خبرا} فكان الوجه فيما توسط أن يجري بلفظ ما تقدم وما تأخّر إذ كان في سياقه فكان أولى من مخالفة ما بينها ليأتلف رؤوس الآيات على نظام واحد). [حجة القراءات: 423]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (35- قوله: {مما علمت رشدًا} قرأه أبو عمرو بفتح الراء والشين، وقرأ الباقون بضم الراء، وإسكان الشين، وهما لغتان: الرشد والرَّشَد، والعُدم العَدَم، وقد تقدم ذكر ذلك في الأعراف، ويقوي الفتح إجماعهم على الفتح في قوله: {تحروا رشدا} «الجن 14»، فإن أعملت {هل أتبعك} في {رشدا} كان مفعولًا من أجله، أي: هل أتبعك الرشد على أن تُعلمني مما علمت، والعلم ههنا بمعنى التعريف الذي يتعدّى إلى مفعول،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/66]
وإن نصبته بـ «تعلمني» كان مفعولًا به، ويكون {تعلمني} هو الذي يتعدى إلى مفعول واحد، بمعنى «تعرفني» فلما شددته تعدّى إلى مفعولين، كقوله: {وعلم آدم الأسماء كلها} «البقرة 31» فلولا أنه بمعنى «عرفت» لتعدّى بالتشديد إلى ثلاثة مفعولين؛ لأنه في الأصل إذا لم يكن بمعنى «عرفت» يتعدى إلى مفعولين، وإذا شدد ازداد في التعدي إلى مفعول ثالث، والمعنى أن تعلمني أمرًا ذا رشد وعلما ذا رشد مما علمته، والضم الاختيار؛ لأن الجماعة عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/67]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (27- {مِمَّا عُلِّمْتَ رَشَدًا} [آية/ 66] بفتح الراء والشين:
قرأها أبو عمرو ويعقوب.
وقرأ الباقون {رُشْدًا} بضم الراء وإسكان الشين.
والوجه أن رُشْدًا ورَشَدًا لغتان كبُخْلٍ وبَخَلٍ، والقراءة بفتح الراء والشين أرجح؛ لأنهم اتفقوا على الفتح في قوله {فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا}؛ لأنه رأس آية، وكذلك هذا رأس آية، فينبغي أن يكون مثله). [الموضح: 789]

قوله تعالى: {قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (معي صبرا (67) في ثلاثة مواضع.
فتحهن حفص وحده). [معاني القراءات وعللها: 2/118]

قوله تعالى: {وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68)}

قوله تعالى: {قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ستجدني إن شاء اللّه (69)
فتح الياء نافع وحده). [معاني القراءات وعللها: 2/118]

قوله تعالى: {قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فلا تسألني عن شيءٍ (70)
قرأ نافع وابن عامر (فلا تسألنّي) مثقلة، وروى ابن أخرم لابن عامر (فلا تسألنّ) بغير ياء.
وقرأ الباقون (فلا تسألني عن شيءٍ) ساكنة اللام، بياء في الوصل والوقف، والياء ثابتة في الكهف في جميع المصاحف.
قال أبو منصور: من قرأ (فلا تسألنّي) فالتشديد للتأكيد، والياء في موضع النصب، ومن كسر النون اكتفى بكسرتها من الياء.
[معاني القراءات وعللها: 2/114]
ومن قرأ (فلا تسألني) بنون خفيفة فهي النون التي تدل على المفعول المضمر مع الياء، كقولك: (لا تقتلني) ). [معاني القراءات وعللها: 2/115]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (23- وقوله تعالى: {فلا تسئلني} [70].
قرأ ابن عامر: {تسألني}.
والباقون: {تسئلن} وقد ذكرت علته في (هود) ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/403]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله: (فلا تسألن عن شيء) [الكهف/ 70].
فقرأ ابن كثير وعاصم وأبو عمرو وحمزة والكسائي: فلا تسألني ساكنة اللام.
وقرأ نافع: (تسألني) مفتوحة اللام مشدّدة النون.
وقرأ ابن عامر: (فلا تسألنّ عن شيء) اللام متحركة بغير ياء
[الحجة للقراء السبعة: 5/157]
مكسورة النون. وقال هشام عنه: (تسألني) بتاء مشدّدة النون.
قول ابن كثير ومن تبعه عدّوا فيه السؤال إلى المفعول الذي هو المتكلم مثل: لا تضربنّي، ولا تظلمنّي، ونحو ذلك.
وقول نافع: (تسألنّي) مفتوحة اللام، ففتحة اللام لأنه لما ألحق الفعل الثقيلة بنى الفعل معها على الفتح. فإن أثبت الياء، كما أثبت من تقدّم ذكره، فقد عدّاه إلى المفعول به كما عدّاه من تقدّم. فإن فتح النون عدّى الفعل في المعنى، وليس في اللفظ بمتعد.
وقول ابن عامر: (فلا تسألنّ) ألحق الثقيلة، وعدّى الفعل إلى المفعول به في اللفظ، والكسرة في النون تدلّ على إرادة المفعول به، وحذف الياء من اللفظ.
ورواية هشام (تسألنّي) بياء، مشدّدة النون، تعدّى الفعل فيه إلى المفعول به، وبيّن إثبات علامته غير محذوف منها الياء). [الحجة للقراء السبعة: 5/158]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتّى أحدث لك منه ذكرا} 70
قرأ العجمي عن ابن عامر (فلا تسألن عن شيء) بفتح النّون والتّشديد وقرأ نافع وابن عامر {فلا تسألني} بكسر النّون والتّشديد وقرأ الباقون {فلا تسألني} ساكنة اللّام وقد بيّنت في سورة هود). [حجة القراءات: 423]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (36- قوله: {فلا تسألني} قرأه نافع وابن عامر بفتح اللام، وتشديد النون وكسرها، وقرأ الباقون بإسكان اللام، وتخفيف النون، وكسرها، وكلهم أثبت الياء في الوصل والوقف، إلا ما روي عن ابن ذكوان من طريق الأخفش وغيره أنه حذف الياء في الوصف والوقف، والمشهور عنه إثبات الياء في الحالين كالجماعة.
وحجة من شدد النون أنه جعلها النون المشددة، التي تدخل في الأمر والنهي والشرط للتأكيد، فيبنى الفعل معها على الفتح، وحُذفت النون التي تدخل مع الياء في اسم المفعول المضمر، لاجتماع النونات، وبقيت النون المشددة مكسورة الياء التي بعدها، وأصلها {تسألني}.
37- وحجة من خفف أنه لم يُلحق الفعل نونا للتأكيد في النهي، وجزم الفعل للنهي ويثبت النون مع الياء.
38- وحجة من حذف الياء أنه استغنى بالكسرة عن الياء.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/67]
39- وحجة من أثبتها أنه الأصل، وأنه اتبع خط المصحف، وهو الاختيار). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/68]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (28- {فَلَا تَسْأَلَنِّي} [آية/ 70] بفتح اللام وتشديد النون:
قرأها نافع وابن عامر.
والوجه أن الفعل قد أُلحق النون الثقيلة، وبُني معها على الفتح، وهكذا الحكم فيما قبل النون الثقيلة.
وقرأ الباقون {فَلَا تَسْأَلْنِي} بإسكان اللام وتخفيف النون.
والوجه أن الفعل مجزوم بلا التي للنهي، فسكنت اللام للجزم، وكل القراء أثبتوا الياء، إلا ما رُوي عن ابن عامر قرأ بغير ياء، والصحيح عنه إثبات الياء.
[الموضح: 789]
ووجه حذف الياء التخفيف بحذفها والاستغناء عنها بالكسرة، وقد سبق مثله). [الموضح: 790]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 14 صفر 1440هـ/24-10-2018م 10:13 AM

تفسير سورة الكهف
[ من الآية (71) إلى الآية (77) ]

{فَانْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا ۖ قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72) قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73) فَانْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (75) قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي ۖ قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا (76) فَانْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ ۖ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77)}

قوله تعالى: {فَانْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا ۖ قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ليغرق أهلها (71)
قرأ حمزة والكسائي (ليغرق) بالياء (أهلها) رفعًا، وقرأ الباقون (لتغرق) بالتاء مرفوعة، والراء مكسورة، (أهلها) نصبًا.
قال أبو منصور: من قرأ (ليغرق أهلها) فالفعل للأهل، ومن قرأ (لتغرق أهلها) فإن موسى صلى الله عليه خاطب الخضر عليه السلام وقال له: أخرقت السفينة لكي تغرق أهلها). [معاني القراءات وعللها: 2/115]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (24- وقوله تعالى: {لتغرق أهلها} [71].
قرأ حمزة والكسائي بالياء ورفع الأهل؛ لأنهما جعلاهم الفاعلين.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/403]
وقرأ الباقون: {لتغرق} فهذا خطاب موسى للخضر عليهما السلام، ونصبوا الأهل، لأنهم مفعولون. والأهل تجمع على جمع السلامة أهلون وأهلين «إن لله أهلين هم أهل القرآن وخاصته» وقوله تعالى: {قو أنفسكم وأهليكم نارا} الأصل: أهلينكم فسقطت النون للإضافة، ومن العرب من يجمع أهلاً أهلات قال الشاعر:
فهم أهلات حول قيس بن عاصم = إذا دلجوا بالليل يدعون كوثرا
والصواب: أن تجعل «أهلات» جمع أهلة.
فإن سأل سائل فقال: لم قال موسى في هذه الآية: {هل أتبعك على أن تعلمني} هل يجوز أن يكون في وقت موسى نبي أعلم من موسى؟
فقل: في هذه ثلاثة أجوبة:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/404]
أحدها: أن يكون نبي اعلم من نبي في وقت، هذا فيمن جعل الخضر نبيًا، وإنما سمي خضرًا، لأنه كان إذا جلس على فروة اهتزت خضراء، يعني بالفروة الأرض البيضاء التي لا نبات فيها.
والوجه الثاني: أن يكون موسى أعلم من لاخضر بجميع ما يؤدي عن الله تعالى إلى عباده وفيما هو حجة عليهم، وحجة لهم بينهم وبين خالقهم إلا في هذا.
والوجه الثالث: أن يكون موسى استعلم من الخضر علمًا ليس عند موسى ذلك العلم فقط، وإن كان عنده علوم سوى ما استعلمه من الخضر علمًا مما ليس عند موسى عليه السلام.
فأما قوله في هذه الآية: {قال لفتاه} فإن يوشع بن نون هو فتاه، كما تقول العامة: هو غلامه وتلميذه [وساجرده وتلامه وجربحه] والعرب تسمى الرجل المملوك فتى وإن كان شيخًا، والأمة فتاةً وإن كانت عجوزًا وتسمى التلميذ فتى وإن كان شيخًا، ومن ذلك قوله: {سمعنى فتى يذكرهم يقال له إبراهيم} والفتى عند العرب السخي من الطعام وعلى المال والشجاع). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/405]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الياء والتاء من قوله: لتغرق أهلها [الكهف/ 71] ورفع الأهل ونصبهم.
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع وابن عامر وعاصم: لتغرق بالتاء أهلها نصبا.
وقرأ حمزة والكسائي: (ليغرق أهلها) بفتح الياء والراء (أهلها) رفع. وكلهم يخفّف الراء.
قال أبو علي: لتغرق أولى ليكون الفعل مسندا إلى المخاطب
[الحجة للقراء السبعة: 5/158]
كما كان المعطوف عليه كذلك، ألا ترى أن المعطوف عليه: أخرقتها وكذلك المعطوف، وهذا يجيء على معنى الياء، لأنه إذا أغرقهم غرقوا، وما بعده أيضا كذلك وهو قوله: لقد جئت فهو أيضا خطاب.
قال: وكلهم خفف الراء، يعني أنهم قرءوا: لتغرق، ولم يقل أحد منهم لتغرّق، وذلك لقوله: فأغرقناهم أجمعين [الأنبياء/ 77]، ولقوله: وأغرقنا آل فرعون [البقرة/ 50]، وقد يدخل فعّل في هذا النحو نحو: غرّمته وأغرمته، إلا أن الذي جاء به التنزيل أولى). [الحجة للقراء السبعة: 5/159]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا}
قرأ حمزة والكسائيّ (ليغرق) بفتح الياء والرّاء {أهلها} رفع جعلا الفعل لهم كأنّه قال أخرقت السّفينة لترسو في البحر فيغرق فيه أهلها
وقرأ الباقون {لتغرق} بالتّاء {أهلها} نصبا وحجتهم قوله تعالى {أخرقتها} فجعلوا الفعل الثّاني مثل الأول ويقوّي هذا قوله {لقد جئت شيئا إمرا} ). [حجة القراءات: 423]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (40- قوله: {لتغرق أهلها} قرأه حمزة والكسائي بياء مفتوحة، وفتح الراء، ورفع «الأهل»، وقرأ الباقون بتاء مضمومة، وكسر الراء، ونصب الأهل.
وحجة من قرأ بالياء أنه أضاف «الغرق» إلى «أهل» بمنزلة: مات زيد، و«الأهل» فاعلون، لأنهم مخبر عنهم، ولأنه أمر دخل عليهم من غير اختيار منهم له.
41- وحجة من قرأ بالتاء أنه أجراه على الخطاب للخضر من موسى، فالمخاطب هو الفاعل، وتعدى فعله إلى «الأهل» فنصبهم، وقوى ذلك أن قبله خطابا بين موسى والخضر في قوله: {أخرقتها} وما قبل ذلك، فجرى آخر الكلام على أوله في الخطاب، وأيضًا فإن الخارق للسفينة هو فاعل الغرق في المعنى، فإضافة الغرق إليه أولى من إضافته إلى المفعول، وهو الاختيار). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/68]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (29- {لِيَغْرَقَ أَهْلُهَا} [آية/ 71] بالياء مفتوحة وبفتح الراء، ورفع الأهل:
قرأها حمزة والكسائي.
والوجه أنه على إسناد الفعل إلى الأهل وارتفاعه به.
وقرأ الباقون {لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا} بالتاء مضمومة وبكسر الراء ونصب الأهل.
والوجه أنه على إسناد الفعل إلى المخاطب وانتصاب الأهل بالفعل، والمعنى لتُغْرِق أيها المخاطب أهلها، وهذا موافق لما قبله؛ لأنه على الخطاب، وهو قوله {أَخَرَقْتَهَا}، ولما بعده وهو قوله {لَقَدْ جِئْتَ} ). [الموضح: 790]

قوله تعالى: {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72)}

قوله تعالى: {قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73)}

قوله تعالى: {فَانْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (أقتلت نفسًا زكيّةً (74)
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب (زاكيةً) بألف، وقرأ الباقون (زكية).
قال أبو منصور: الزاكية والزكية واحدة، وهي: النّفس التي لم تجن ذنبًا، ومثله: القاسية والقسيّة، ومعنى الزاكية: الطاهرة النامية). [معاني القراءات وعللها: 2/115]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (لقد جئت شيئًا نكرًا (74)
[معاني القراءات وعللها: 2/115]
قرأ نافع وابن عامر وأبو بكر عن عاصم ويعقوب (نكرا) مثقلا في كل القرآن، وقرأ الباقون (نكرا) خفيفا حيث وقع.
وقرأ ابن كثير (إلى شيء نكر) ساكنة الكاف وقرأ الباقون (إلى شيء نكر) مثقلا.
قال أبو منصور: النكر والنكر لغتان جيدتان؛ إلى الشيء المنكر). [معاني القراءات وعللها: 2/116]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (25- وقوله تعالى: {أقتلت نفسا زكية} [74].
قرأ أهل الكوفة وابن عامر {زكية} بغير ألف، أي: تقية دنية.
وقرأ الباقون: {زكية} فقال الكسائي: هما لغتان زكية وزاكية مثل قسية وقاسية وقال ابن العلاء: الزاكية: التي لم تُذنب قط. والزكية: التي أذنبت ثم تابت، وكلتا القراءتين حسنة). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/405]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (26- وقوله تعالى: {شيئا نكرا} [74].
ابن كثير يخفف كل ما في القرآن. وكذلك: {إلى شيء نكر}.
وقرأ عاصم وابن عامر بالتثقيل، وهما لغتان: النكر والنكر مثل الرعب والرعب، وهو الأمر العظيم والداهية.
ومثله {شيئا إذا} و{إمرًا} و{نكرًا} و{عجبًا} كل ذلك بمعنى، وتقدير الكلام: لقد جئت بشيء أنكر من الفعل الأول.
وقال آخرون {إمرا} أشد من {نكرا} إلا أن الإمر معه غرق الأهل، وهذا معه قتل النفس.
وقرأ الباقون بتخفيف كل ذلك إلا قوله في (اقتربت) {إلى شيء نكر} وهو الاختيار، لأن رءوس الآي في (اقتربت) مثقلة نحو {عذابي ونذر} وقال الشاعر حجة لمن خفف:
قد لقى الأقران مني نكرا
داهية دهياء إدًا إمرا
أما نافع فروى عنه قالون مثقلاً مثل ابن عامر، وروى عنه إسماعيل مثل أبي عمرو.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/406]
وروى حفص عن عاصم مثل ابن كثير و{نكرا} رأس الجزء من أجزاء الثلاثين وهو الخامس عشر، وهو نصف القرآن). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/407]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في التخفيف والتثقيل من قوله عز وجل: نكرا [الكهف/ 74].
فقرأ ابن كثير وحمزة وأبو عمرو الكسائي: نكرا خفيفة في كلّ القرآن إلا قوله: (إلى شيء نكر) [القمر/ 6]، وخفف ابن كثير أيضا (إلى شيء نكر).
وقرأ ابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر في كلّ القرآن: (نكرا) و (نكر) مثقّل. حفص عن عاصم نكرا خفيفة.
واختلف عن نافع فروى إسماعيل بن جعفر نكرا خفيفا في كل القرآن، إلا قوله: (إلى شيء نكر) فإنه مثقّل. وروى ابن جمّاز وقالون والمسيبي وأبو بكر بن أبي أويس وورش عن نافع (نكرا) مثقّل في كلّ القرآن، نصر عن الأصمعي عن نافع (نكرا) مثقل.
قال أبو علي: نكر: فعل، وهو من أمثلة الصفات، قالوا: ناقة
[الحجة للقراء السبعة: 5/159]
أجد، ورجل شلل، ومشية سجح وأنشد سيبويه:
وامشوا مشية سجحا فمن خفّف ذلك، فكما يخفّف العنق والعنق، والطنب والطنب، والشغل والشغل، والتخفيف في ذلك مستمر، وإذا كان الأمر كذلك فمن أخذ بالتثقيل وبالتخفيف كان مصيبا، وكذلك إن أخذ آخذ باللغتين وقرأ في موضع بالتخفيف وفي موضع بالتثقيل فجائز). [الحجة للقراء السبعة: 5/160]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا}
[حجة القراءات: 423]
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو (زاكية) بالألف وقرأ الباقون {زكية} بغير ألف
قال أبو عمرو الزاكية الّتي لم تذنب قطّ والزكية الّتي أذنبت ثمّ غفر لها وإنّما قتل الخضر صغيرا لم يبلغ الحنث وقال آخرون زاكية أي طاهرة وقال قتادة نامية وزكية تقية دينة وقال الحسن بريئة وقال آخرون منهم الكسائي هما لغتان مثل عالم وعليم وسامع وسميع إلّا أن فعيلا أبلغ في الوصف والمدح من فاعل ويقوّي التّشديد قوله {غلاما زكيا}
قرأ نافع وابن عامر وأبو بكر {نكرا} بضم الكاف في جميع القرآن
وقرأ إسماعيل عن نافع {نكرا} ساكنة الكاف وبه قرأ الآخرون وهما لغتان مثل الرعب والرعب والسفل والسفل). [حجة القراءات: 424]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (42- قوله: {نفسًا زكية} قرأه الكوفيون وابن عامر بتشديد الياء من غير ألف، وقرأه الباقون بعد الزاي مخففًا.
وحجة من قرأ بغير ألف مشدد الياء أنه بناه على «فعيلة» على معنى «نامية»، وقيل: معناه التي لم تبلغ الخطايا، وقيل: معناه مطهره، وقيل: زكية وزاكية لغتان بمعنى صالحة تقية.
43- وحجة من قرأ بألف أنها لغة في «زاكية وزكية» بمعنى، قيل: هو على تقية صالحة، وقيل: معناه لا ذنب لهان والقراءتان بمعنى). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/68]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (44- قوله: {نُكرا} قرأه نافع وابن ذكوان وأبو بكر بضم الكاف، إذا كان منصوبًا حيث وقع، وقرأ الباقون بإسكان الكاف، وهما لغتان كالشغُل والشغْل، والسحْت والسحُت، وقرأ ابن كثير وحده بإسكان الكاف في «نكر» المخفوض، وفي النصب لئلا يختلف، إذ الإسكان في الراء في الوقف في «نكر» المخفوض عارض، فاعتد بالحركة، فخفف مع عدمها من اللفظ.
وحجة الباقين في تثقيل المخفوض، وتخفيف المنصوب أن المنصوب يلزم راءه الحركة في الوصل والوقف، فوجب تخفيف عينه، للزوم الحركة للامه وفائه، والمخفوض لا يلزم الحركة لامه إلا في الوصل، فلم يخفف عندهم، إذ اللام في الخفض لا يلزمها الحركة في الوقف، والقراءتان بمعنى، وما عليه الجماعة أحب إلي). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/69]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (30- {زَاكِيَةً} [آية/ 74] بالألف وتخفيف الياء:
قرأها ابن كثير ونافعٌ وأبو عمرو ويعقوب يس-.
وقرأ الباقون ويعقوب ح- و-ان- {زَكِيَّةً} مشددة الياء من غير ألف.
والوجه أن الزكية والزاكية واحدةٌ وهي الطاهرة، فالزكية فعليةٌ، والزاكية فاعلةٌ، وكلتاهما واحدةٌ في المعنى.
وقال أبو عمرو: بينهما فرقٌ، وذاك أن الزاكية هي التي لم تُذنب قط،
[الموضح: 790]
والزكية هي التي أذنبت ثم غُفر لها). [الموضح: 791]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (31- {نُكُرًا} [آية/ 74] بضم الكاف:
قرأها نافعٌ ش- و-ن- وابن عامر وعاصم ياش- ويعقوب.
وقرأ الباقون ونافع يل- {نُكْرًا} بإسكان الكاف.
والوجه أن الأصل نُكُرًا بالضم؛ لأنه من أبنية الصفات كقولهم: ناقةٌ أجدٌ ومشيةٌ سجع، بالضم.
ويجوز أن تخفف الكلمة بإسكان العين منها فيقال نُكْر بسكون الكاف، كما خففوا العنُق والطنُب والشغُل، فأسكنوا عيناتها، وقد مضى مثله). [الموضح: 791]

قوله تعالى: {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (75)}

قوله تعالى: {قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي ۖ قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا (76)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (قد بلغت من لّدني عذرًا (76)
قرأ أبو بكر عن عاصم (من لدني) بفتح اللام، وإشمام الدال ضمة مختلسة، وتخفيف النون.
وروى الأعشى عن أبي بكر (من لدني) بضم اللام، وسكون الدال، وتخفيف النون، وكذلك روى الكسائي عن أبي بكر عن عاصم. وقرأ نافع (من لدنى) مفتوحة اللام، مضمومة الدال، خفيفة النون.
وقرأ الباقون (من لدني) مضمومة الدال، مشددة النون، مفتوحة اللام.
قال أبو منصور: هي لغات معروفة، وأجودها في القراءة فتح اللام، وضم الدال، وتشديد النون؛ لأن (لدن) نونها في الأصل ساكنة، فإذا أضفتها إلى نفسك قلت: لدنى، كما تقول: (عن زيد) بسكون النون، فإذا أضفتها إليك قلت (عنى) فثقلت النون، وإنما زادوا النون في الإضافة ليسلم سكون النون الأول.
[معاني القراءات وعللها: 2/116]
ومن قرأ (من لدني) جعل الاسم على ثلاثة أحرف، فاكتفى بنون واحدة، ولم يقسها على (عن)؛ لأن (عن) ناقصة، لأنها حرفان.
وأما من قال: (من لدني) فهي لغة لبعض العرب، كان الضمة في الدال، فنقلت إلى اللام، كما قالوا: حسن الوجه وجهك، فإذا ثقلوا قالوا: حسن الوجه وجهًا). [معاني القراءات وعللها: 2/117]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (27- وقوله تعالى: {من لدني عذرا} [76].
قرأ نافع: {من لدني} بتخفيف النون، كره اجتماع النونين فحذف واحدة كما قرأ: {تشاقوني} و{تأمروني أعبد} قال الشاعر:
أيها السائل عنهم وعني
لست من قيس ولا قيسُ مني
أراد: عني ومني فخفف.
والباقون {من لدني} مشددًا، لأن (لَدُنْ) آخرها نون ساكنة، وياء الإضافة يكسر ما قبلها فزادوا على النون نونًا وأدغموا فالتشديد من جلل ذلك، إلا عاصمًا فإنه رويت عنه {من لدني} بفتح اللام وجزم الدال وتشم الدال الضم وتخفف النون، وروى عنه أبو عبيد {من لدني} بضم اللام و{من لدي} فــ «لدن» إذا لم تُضف فيها ثلاث لغات: لدن ولدي ولد، قال الشاعر:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/407]
* من لد لحييه إلى منحوره *
وإذا أضفت إلى نفسك ففيها ست لغات، وقد فسرته. فتقول: لدي، ولدن، ولد، ولدني ولدني ولدنني ولدي ولدي تسع لغات، ومعناهن كلهن: عندي). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/408]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله: من لدني [الكهف/ 76].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي: من لدني مثقل.
وقرأ نافع: (من لدني) بضم الدال مع تخفيف النون.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر: (من لدني) يشمّ الدال شيئا من الضم في رواية خلف عن أبي بكر عن عاصم. وقال غيره عن يحيى عن أبي بكر عن عاصم (من لدني) يسكن الدال مع فتح اللام. وروى أبو عبيدة عن الكسائي عن أبي بكر عن عاصم: (من لدني) بضم اللام وتسكين الدال وهو غلط. وفي كتاب المعاني الذي عمله إلى طه عن الكسائي عن أبي بكر عن عاصم: (من لدني) مفتوحة اللام ساكنة الدال، وقال حفص عن عاصم: لدني مثل أبي عمرو وحمزة.
قال أبو علي: من قال: من لدني، زاد النون التي تزاد مع
[الحجة للقراء السبعة: 5/160]
علامة المضمر المجرور والمنصوب في نحو: منّي وعنّي، وقطني، وضربني، فأدغم الأولى الساكنة في التي تزاد مع الضمير، فصار لدني، وهذا هو القياس، والذي عليه الاستعمال.
وقرأ نافع (من لدني)، بضم الدال مع تخفيف النون. وجه ذلك: أنه على ما قدّم ذكره إلا في حذفه النون التي تلحق علامة الضمير، وإنما حذفها كما حذفت من قدني وقدي، قال:
قدني من نصر الخبيبين قدي.
ولا تكون النون المحذوفة الثالثة من لدن لأنها تردّ مع إضافتها إلى الضمير في نحو: من لدنه ويبشر [الكهف/ 2]، ومن لدنّا ولدنّي، فكما لا تحذف من علامة الضمير، وإن حذفت من: «لد شول» و «لد غدوة» فإنها تردّ مع الضمير إلى الأصل، كما ردّوا:
فلا بك ما أسال ولا أغاما ونحو ذلك. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر: (من لدني) يشمّ الدال شيئا من الضم في رواية خلف، قال أبو علي: وجه ذلك أن لدن مثل سبع، وعضد، فكما تحذف الضمة من نحو سبع، كذلك حذفت من لدن، فصار لدن، فأما إشمامها الضم فليعلم أن الدال كانت تتحرك بالضم، كما أن من قال: تغزين، وقيل، فأشمّ الحرفين الضمة، أراد أن يعلم أنها في الأصل مضمومة.
[الحجة للقراء السبعة: 5/161]
قال أحمد: وقال غيره عن يحيى عن أبي بكر عن عاصم: يسكن الدال مع فتح اللام. قال أبو علي: هذا هو الوجه الذي تقدّم، إلا أنه لم يشمّ الدال الضمة، وإنما لم يشمّها، كما أن كثيرا منهم لا يشمّون الضمة نحو: قيل.
قال: وروى أبو عبيدة عن الكسائي عن أبي بكر عن عاصم: (من لدني) بضم اللام، ويسكن الدال، قال أحمد: وهو غلط. قال أبو علي: يشبه أن يكون التغليط من أبي بكر أحمد في وجه الرواية، فأما من جهة اللغة ومقاييسها فهو صحيح، ألا ترى أنّ مثل سبع وعضد إذا خفف فتخفيفه على ضربين، أحدهما: أن تحذف الضمة وتبقى فتحة الفاء على حالها، فيقال: عضد. والآخر: أن تلقى الحركة التي هي الضمّة على الفاء، وتحذف الفتحة فيقال: عضد، فكذلك لدن، ومثل ذلك: كبد وكبد وكبد، فهذه أوجه هذه الرواية في القياس. والنون التي تتبع علامة الضمير تحذف إذا سكنت الدال، لأن الدال قد سكنت بإلقاء الحركة منها، والنون من لدن ساكنة، فتحذف النون، لأن إدغام الأولى فيها لا يصلح لسكون ما قبلها من الدال فيصير لدني أو لدني، فيحذف لالتقاء الساكنين، أحدهما الدال المسكنة، والآخر نون لدن، فإن أدغمت ولم تحذف لزمك أن تحرّك الدال لئلا يلتقي ساكنان، فيصير في الامتناع للإدغام بمنزلة امتناعه في: قرم مالك، في تحريك الساكن في المنفصل، وهذا ممتنع، فلما لم يسغ ذلك حذف لالتقاء الساكنين إذ قد حذفت لالتقائهما في نحو: لد الصلاة ولد الحائط). [الحجة للقراء السبعة: 5/162]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قد بلغت من لدني عذرا}
قرأ نافع وأبو بكر {من لدني عذرا} بإشمام الدّال وتخفيف النّون وقرأ الباقون {من لدني عذرا} بضم الدّال وتشديد النّون
الأصل لدن بإسكان النّون فإذا أضفتها إلى نفسك زدت
[حجة القراءات: 424]
نونا ليسلم سكون النّون الأولى تقول لدن زيد فتسكن النّون ثمّ تضيف إلى نفسك فتقول لدني فتدغم النّون في النّون كما تقول عني ومن خفف النّون كره اجتماع النونين فحذف واحدة وهي الثّانية لأنّها زائدة كما حذف من قوله {تأمروني} وكما حذفت من قدني وقدي قال الشّاعر:
قدني من ذكر الخبيبين قدي
وأما إشمام الدّال فإنّه علام على أن الدّال كانت مضمومة). [حجة القراءات: 425]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (45- قوله: {من لدني} قرأه نافع وأبو بكر بالتخفيف، وشدده الباقون، وكلهم ضم الدال إلا أبا بكر، فإنه أسكنها، وأشمها الضم.
وحجة من شدد أنه أدغم نون «لدني» في النون التي دخلت مع الياء، ليسلم سكون نون «لدن»، كما قالوا: إني وعني.
وحجة من خفف النون أنه لم يأت بنون مع الياء؛ لأنه ضمير مخفوض كـ «غلامي وداري» فاتصلت الياء بنون «لدن» فكسرتها.
46- وحجة من أسكن الدال أنه لغة للعرب، يقولون: لدن غدوة، فيجمعون بين ساكنين، ويكسرون النون لالتقاء الساكنين، إذا وصلوا، ومن أجل ذلك أشم أبو بكر الدال الضم، إذ أصلها النصب، وقد قيل: إن النون إنما كسرت في قراءة من أسكن الدال لالتقاء الساكنين، وهذا الإشمام يُرى
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/69]
ولا يسمع، وقد مضى الكلام عليه في أول السورة، وما عليه الجماعة أحب إلي). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/70]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (32- {فَلَا تُصَاحِبْنِي} [آية/ 76] بالألف، مضمومة التاء:
قرأها الجمهور إلا ما رواه ان- عن يعقوب {فَلَا تَصْحَبْنِي} بغير ألف.
والوجه في {تُصَاحِبْنِي} أن الكلمة من المفاعلة وهي ما يكون الفعل فيه من اثنين، فالمصاحبة أن يكون من كل واحد منهما صحبة للآخر، وقوله {تَصْحَبْنِي} من الصحبة وهي مما يكون الفعل فيه لواحد، ولما كان المقصود
[الموضح: 791]
ههنا هو صحبة المخاطب أضاف الصحبة إليه فقط). [الموضح: 792]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (33- {مِنْ لَدُنِّي} [آية/ 76] بضم الدال وتخفيف النون:
قرأها نافعٌ وحده.
والوجه أن الكلمة لَدُنْ بضم الدال وإسكان النون، زيد عليها لضمير المتكلم نونٌ وياءٌ، فالياء هي علم الضمير، والنون دعامة الياء على ما قدمنا، فبقي بعد لحاق علم الضمير به لدُنّي، بإدغام نون لدُنْ في نون الضمير، ثم حُذف نون الضمير لاجتماع النونين؛ ولأن هذه النون قد تُحذف نحو قدي في نحو قول الشاعر:
83- قدني من نصر الخبيبين قدي
ولا تكون النون المحذوفة نون لدن؛ لأنها تثبت مع إضافتها إلى الضمير في نحو لدنه ولدنك.
[الموضح: 792]
وقرأ عاصم ياش- {لَدْنِي} بإسكان الدال وإشمامها الضمة وبتخفيف النون.
والوجه أنه خفف لَدُن من لدنّي، فأسكن الدال فصار لدْنْ مثل سبْعْ، ثم أشم الدال الضمة؛ ليُعلم أنها كانت متحركة بالضم، ثم أسقط النون من ياء الضمير، فصار «لَدْني» بالإسكان والإشمام والتخفيف.
وقرأ الباقون و-ص- عن عاصم {لَدُنِّي} مضمومة الدال، مشددة النون.
والوجه أنه هو الأصل الذي ينبغي أن تكون عليه الكلمة، وقد ذكرنا شرحه). [الموضح: 793]

قوله تعالى: {فَانْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ ۖ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (لاتّخذت عليه أجرًا (77)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو والحضرمي (لتخذت) بفتح التاء وكسر الخاء خفيفة.
وقرأ الباقون (لاتّخذت) بتشديد التاء وفتح الخاء، وكلهم أدغموا الذال في التاء غير ابن كثير وحفص والأعشى عن أبي بكر. وقرأ يعقوب (لتخذت) إنما أظهر الذال ههنا فقط.
قال أبو منصور: من قرأ (لاتّخذت) فهو افتعالٌ من: اتخذ يتّخذ اّتخاذا، والأصل: أئتخذ يتخذ، فأدغمت الهمزة في التاء، وشددت.
وأصل الحرف مأخوذ من أخذ يأخذ.
يقول: لو أخذت بأخذنا، أي: لو فعلت بفعلنا.
ومن قرأ (لتخذت) فإنه يحذف الهمزة، ويجعله مبنيا على فعل يفعل، كما قالوا في (اتقى يتّقي): تقي يتقي.
وأنشد أبو عمرو أو غيره:
[معاني القراءات وعللها: 2/117]
وقد تخذت رجلي إلى جنب غرزها... نسيفاً كأفحوص القطاة المطرّق
وقال الزّجّاج: من قرأ (لتخذت) فهو بمعنى: اتخذت، وأصل تخذت: أخذت). [معاني القراءات وعللها: 2/118]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (28- وقوله تعالى: {لتخذت عليه أجرا} [77].
قرأ ابن كثير وأبو عمرو {لتخذت} بتخفيف التاء جعله فعل يفعل مثل شرب يشرب تخذ يتخذ كما قال:
وقد تخذت رجلي إلى جنب غرزها = نسيفًا كأفحوص القطاة المطرق
المطرق: التي تريد أن تبيض وقد تعسر عليها. والأفحوص والمفحص: عش الطائر ووكره، ومن ذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من بنى لله
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/408]
مسجدًا ولو مثل مفحص قطاة بنى الله له بيتًا في الجنة».
غير أن ابن كثير يظهر الذال عند التاء، وابو عمرو يدغم وقد ذكرت علته في (البقرة).
وقرأ الباقون {لاتخذت} من افتعل يفتعل نحو اتقى يتقي واتكى يتكي. ومن العرب من يقول: تقى يتقي خفيفًا قال الشاعر:
جلالها الصيقلون فأخلصوها = خفافًا كلها يتقى بإثر
وأصله من أخذ يأخذ فكأن الأصل أيتخذ، لأن الهمزة تصير ياء لانكسار ما قبلها ثم تقلب الياء تاء وتدغم التاء في التاء فالتشديد من جلل ذلك). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/409]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله: (لتخذت) [الكهف/ 77].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: (لتخذت) بكسر الخاء، وكان أبو عمرو يدغم الدال، وابن كثير يظهرها.
وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: (لاتخذت).
وكلّهم أدغم إلا ما روى حفص عن عاصم فإنه لم يدغم مثل ابن كثير.
قال أبو زيد: اتّخذنا مالا فنحن نتّخذه اتّخاذا، وتخذت أتخذ تخذا. وحكى سيبويه: استخذ فلان أرضا، يتأوّله على أمرين:
أحدهما: أنه أراد اتّخذ فأبدل السين من التاء الأولى، والآخر: أنه استفعل، فحذف التاء التي هي فاء، من تخذت.
قال أبو علي: قوله: (لتخذت) بكسر الخاء: فعلت، وأنشدوا:
وقد تخذت رجلي إلى جنب غرزها... نسيفا كأفحوص القطاة المطرّق
وقال: وكان أبو عمرو يدغم الدال، ووجه الإدغام أن هذه الحروف متقاربة، فيدغم بعضها في بعض كما يدغم سائر المتقاربة، والطاء والدال، والتاء والذال والثاء والظاء، أدغم بعضها في بعض للمقاربة، فأما الصاد والسين والزاي فتدغم بعضها في بعض، وتدغم فيها الحروف الستة ولا يدغمن في الستة لما يختل في إدغامها في
[الحجة للقراء السبعة: 5/163]
مقاربها من الصّفير، فالذال أدغمها أبو عمرو في التاء، وإن كانت مجهورة والتاء مهموسة لأن ما بينهما من الجهر والهمس لا يمنع من الإدغام لقلة ذلك.
فأما تبيين ابن كثير: (لتخذت) وتركه الإدغام، فلأن لكل حرف من الذال والتاء حيزا غير حيّز الآخر، فالذال من حيّز الظاء والثاء، فلم يدغم لاختلاف الحيّزين واختلاف الحرفين في الجهر والهمس.
وحكى سيبويه أنهم قالوا: أخذت، فبيّنوا). [الحجة للقراء السبعة: 5/164]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة النبي صلى الله عليه وسلم: [جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يُنْقَضَ]، برفع الياء وبالضاد.
وقرأ: [يَنْقَاصُ] بالصاد غير معجمة، وبالألف -علي بن أبي طالب وعكرمة وأبو شيخ الهنائي ويحيى بن يعمر.
وفي قراءة عبد الله: [يُرِيدُ ليُنْقَضَ]، وكذلك روي عن الأعمش.
قال أبو الفتح: معناه: قد قارب أن يُنقض، أو شارف ذلك, وهو عائد إلى معنى يكاد، وقد جاء ذلك عنهم. وأنشد أبو الحسن:
كادَتْ وكدْتُ وتلكَ خَيْرُ إرادَةٍ ... لَوْ عادَ مِنْ لَهْوِ الصَّبابَةِ مَا مَضَى
وحَسُن هنا لفظ "الإرادة" لأنه أقوى في وقوع الفعل؛ وذلك لأنها داعية إلى وقوعه، وهي أيضا لا تصح إلا مع الحياة، ولا يصح الفعل إلا لذي الحياة. وليس كذلك كاد، لأنه قد يقارب الأمرَ ما لا حياة فيه، نحن مَمِيل الحائط وإشراق ضوء الفجر، فاعرف ذلك.
و[يَنْقَاصُ] مطاوع قِصْتُه فانْقَاصَ، أي: كسرتُه فانكَسَرَ. قال:
فِرَاقًا كَقَيْصِ السِّنِّ فالصَّبْرُ إنهُ ... لِكُلِّ أُناسٍ عثرةٌ وجُبُورُ
يجوز أن يكون جُبُورُ جمع جَبْرَة، كبَدْرَة وبُدُور، ومَأنَة ومُئُون. وقد قالوا: قِضْتُه فانْقَاضَ، أي: هَدَمْتُه فانْهَدَمَ، بالضاد معجمة. قال:
[المحتسب: 2/31]
كَأَنَّها هَدَمٌ في الجَفْرِ مُنْقَاضُ
وقَيْضُ البيضةِ: قِشْرُها الذي انفلق عن الفرخ.
وقراءة العامة: {يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} أشبه أولا منها بآخر؛ لأن الإرادة في اللفظ له، والانقضاض أيضا كذلك. وأما [يَنْقَضُّ] فيحتمل أمرين: أحدهما أن يكون ينفَعِل من القَضّة، وهي الحصا الصغار، وقال أبو زيد: يقال طعام قَضَضٌ: إذا كانت فيه القَضّة.
والآخر أن يكون يفعلّ من: نَقَضْت الشيء، كقراءة النبي صلى الله عليه وسلم: [يُرِيدُ أَنْ يُنْقَضَ]، ويكون يفعل هنا من غير الألوان والعيوب كيَزْوَرُّ ويَرْعَوِي، وقد مضى ذلك.
وقراءة عبد الله والأعمش: [يُرِيدُ ليُنْقَضَ] إن شئت قلت: إن اللام زائدةٌ، واحتججت فيه بقراءة النبي صلى الله عليه وسلم، وإن شئت قلتَ: تقديره: إرادته لكذا، كقولك: قيامه لكذا، وجلوسه لكذا، ثم وضع الفعل موضع مصدره، كما أنشد أبو زيد:
فَقَالُوا: مَا تَشَاءُ؟ فَقُلْتُ: أَلْهُو ... إلَى الإصْبَاحِ آثِرَ ذِي أَثِيرِ
أي: اللهو، فوضع "ألهو" موضع مصدره، وأنشد أيضا:
وَأَهْلَكَنِي لَكُمْ في كُلِّ يَوْمٍ ... تَعَوُّجُكُمْ عَلَيَّ وَأَسْتَقِيمُ
أي: واستقامتي، واللام هنا اللام في قوله:
أُرِيدُ لِأَنْسَى ذِكْرَهَا فَكَأنَما ... تَمَثَّلُ لِي لَيْلَى بِكُلِّ سَبِيلِ
[المحتسب: 2/32]
تحتمل اللام هنا الوجهين اللذين تقدم ذكرهما). [المحتسب: 2/33]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا} 77
قرأ ابن كثير وأبو عمرو (لتخذت) بتخفيف التّاء وكسر الخاء وحجتهما أن أصل هذا الفعل من تخذ يتّخذ تخذا فالتاء فاء الفعل مثل تبع يتبع وأنشد أبو عمرو
[حجة القراءات: 425]
وقد تخذت رجلي إلى جنب غرزها
فقرأ أبو عمرو على أصل بنية الفعل من غير زيادة
وقرأ الباقون {لاتخذت} بفتح الخاء على افتعلت في هذه القراءة قولان أحدهما أن تكون التّاء الأولى أصليّة والتّاء الثّانية تاء زائدة في افتعل زائدة والأصل تخذ يتّخذ فلا نظر فيه أنه افتعل منه والقول الثّاني أن يكون اتخذ مأخوذا من أخذ والفاء همزة فإذا بني منه افتعل شابه افتعل من وعد فيصير ائتخذ يأتخذ ائتخاذا كما تقول ايتعد ياتعد ايتعادا فهو موتعد ثمّ تقول اتعد يتعدّ اتعادا كذلك اتخذ يتّخذ اتخاذا فأبدلوا من مكان الهمزة تاء كما جرت مجرى الواو في التثقيل والأصل إأتخذ فاجتمع همزتان فقلبت الثّانية ياء لسكونها وانكسار ما قبلها فصارت إيتخذ ثمّ أبدلوا من الياء تاء ثمّ أدغموا في التّاء الّتي بعدها فقالوا اتخذ يتّخذ فهو متخذ). [حجة القراءات: 426]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (47- قوله: {لتخذت} قرأه ابن كثير وأبو عمرو بتخفيف التاء، وكسر الخاء مثل «لفعلت» ومثل «لعلمت» وقرأ الباقون بتشديد التاء، وفتح الخاء مثل «لافتعلت» ومثل «لاكتسبت».
وحجة من قرأ بالتخفيف أنه جعله من «تخذت اتخذ» على وزن «فعلت أفعل» فأدخل اللام التي هي لجواب «لو» على التاء التي هي فاء الفعل، حكى أهل اللغة عن العرب: تخذت أتخذ تخذًا، حكاه أبو زيد وغيره، وحكى سيبويه: استخذ فلانًا أرضًا، وفسره أنه أراد: اتخذ، فأبدل من التاء الأولى سينًا، فيكون «اتخذ» افتعل و«افتعل» مطاوع «فَعِل أو فعَل» فدلّ على أن الثلاثي «تخذ» ويجوز أن يكون «استخذ» استفعل على تقدير حذف التاء التي هي فاء.
48- وحجة من شدد أنه بناه على «افتعل» حكاه أبو زيد وغيره، وكان ابن كثير وحفص، يظهران الذال، وباقي القراء على الإدغام، وقيل: هو من «أخذ» بني على «افتعل» من «أخذ» فصار «أيتخذ» فأبدل من الهمزة الساكنة ياء، ثم أدغمت الياء في التاء، لغة معروفة، لئلا تتغير الهمزة في البدل في الماضي والمستقبل واسم الفاعل، فأبدلوا من الياء حرفا من جنس ما بعدها، وهو تاء، فأدغموا التاء في التاء، كما قالوا في «افتعل» من الوزن والوعد اتّزن واتّعد، وأصله: ايتزن وايتعد، ثم أبدلوا من الياء تاء، وأدغموا التاء في التاء، وأصل الياء واو فيهما، وأصل الياء في «اتخذ» همزة على هذا القول فاعرفه.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/70]
49- وحجة من أدغم تقارب مخارج هذه الحروف، وأن لام المعرفة تُدغم في الذال والتاء، فلما اشتركا في إدغام لام المعرفة فيهما، وتقاربت مخارجهما، وكانا من كلمة مع خفة الإدغام، حسن الإدغام، وفيه ضعف لنقل الأول إلى أضعف من حالته مع الإظهار؛ لأنه مجهور، فإذا أدغمت صار مهموسًا، لكن أكثر القراء عليه لخفته، ولأنهما من كلمة، ألا ترى أن نافعًا وأبا بكر وابن ذكوان أظهروا الذال عند التاء، في كلمتين، لانفصال أحد الحرفين من الآخر، وأدغموها في التاء في كلمة نحو {اتخذتم} لاتصال الحرفين.
50- وحجة من أظهر الذال أنه حرف مجهور، قوي بالجهر، والتاء حرف مهموس ضعيف بالهمس، فلو أدغم الذال لأبدل منها حرفا أضعف منها في الصفة، وإنما يحسن الإدغام، إذا نُقل الحرف الأول إلى أقوى حالة من حالته في الإظهار، أو إلى مثل حالته مع تقارب المخارج، وقد تقدم الكلام على هذا بأشبع من هذا في أبواب الإدغام، وما عليه الجماعة أحب إلي، وقد مضى ابن كثير وحفص على أصلهما فأظهرا «فنبذتها وعُذت» كما أظهرا {اتخذت}، ومضى أبو عمرو وحمزة والكسائي فيها كلها على الإدغام، ومضى نافع وأبو بكر وابن عامر على الإدغام في {اتخذت}، والإظهار في {فنبذتها} و{عُذت} ولا فرق بينهما غير الجمع بين اللغتين، فمن أظهر فعلى الأصل، ولئلا ينقل الذال إلى ضعف، ومن أدغم فلاتصالهما في كلمة، ولاشتراكهما في إدغام لام التعريف فيهما. وقد مضى الكلام على هذا بعلله). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/71]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (34- {لَتَخِذْتَ} [آية/ 77] مخففة التاء، مكسورة الخاء:
قرأها ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب.
وقرأ الباقون {لَاتَّخَذْتَ} مشددة التاء، مفتوحة الخاء.
والوجه أن اتخذ على افتعل، وتخذ على فعل، وكلاهما واحدٌ في
[الموضح: 793]
المعنى، يقال اتخذتُ مالًا أتخذه اتخاذًا وتخذته أتخذه تخذًا على فعلٍ بفتح العين، وقال الشاعر:
84- وقد تخذت رجلي إلى جنب غرزها = نسيفًا كأفحوص القطاة المطرق
وأظهر ابن كثير و-ص- عن عاصم الذال، وكذلك يعقوب هذا الحرف وحده.
والوجه أن لكل واحد الذال والتاء حيزًا غير حيز صاحبه، فالذال من حيز الظاء، والتاء من مخرج الطاء، وهما متغايران، فلم يُدغم أحدهما في الآخر لتغايرهما.
وأدغم الباقون الذال في التاء.
والوجه أنهما متقاربتا المخرجين، فلتقارب المخرجين جاز الإدغام). [الموضح: 794]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 14 صفر 1440هـ/24-10-2018م 10:15 AM

تفسير سورة الكهف
[ من الآية (78) إلى الآية (82) ]

{قَالَ هَٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ۚ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (78) أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79) وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81) وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ۚ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ۚ ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (82)}

قوله تعالى: {قَالَ هَٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ۚ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (78)}

قوله تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79) }

قوله تعالى: {وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أبي سعيد الخدري: [وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَانِ].
أحدهما: أن يكون اسم "كان" ضمير الغلام، أي: فَكَانَ هُوَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَانِ، والجملة بعده خبر كان.
والآخر: أن يكون اسم "كان" مضمرا فيها، وهو ضمير الشأن والحديث، أي: فكان الحديث أو الشأن أَبَوَاهُ مُؤْمِنَانِ، والجملة بعده خبر لـ "كان" على ما مضى، إلا أنه في هذا الوجه الثاني لا ضمير عائدا على اسم "كان"؛ لأن ضمير الأمر والشأن لا يحتاج من الجملة التي هي بعده خبر عنه إلى ضمير عائد عليه منها، من حيث كان هو الجملة في المعنى. وقد مضى ذلك آنفا، ومثله قول النبي صلى الله عليه وسلم: «كلُّ مولودٍ يُولُدُ علَى الفطرةِ حتَّى يكونَ أبواهُ هُمَا اللَّذانِ يُهَوِّدَانِه ويُنَصِّرانِه».
إن شئت كان ضمير المولود في "كان" اسما لها، وأبواه ابتداء، "هما" فصل لا موضع لها من الإعراب، و"اللذان" خبر "لكان"، والعائد على اسم "كان" الضمير في "أبواه"؛ لأنه أقرب إليه مما بعده.
وإن شئت جعلت اسم "كان" على ما كان عليه، وجعلت "أبواه" ابتداء، والجملة بعدهما خبرا عنها، وهي مركبة من مبتدأ وخبر: فالمبتدأ "هما"، وخبرهما "اللذان"، و"هما" وخبره خبر عن "أبواه"، و"أبواه" وما بعدهما خبر "كان".
وإن شئت كان في "كان" ضمير الشأن والحديث، وما بعدها خبر عنه.
[المحتسب: 2/33]
وإن شئت رفعت "أبواه" لأنهما اسم "كان" وجعلت ما بعدهما الخبر على ما مضى من كون "هما" فصلا إن شئت، ومبتدأ إن شئت، ويجوز فيه هما اللذين). [المحتسب: 2/34]

قوله تعالى: {فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (أن يبدلهما ربّهما (81) ونظائرها.
قرأ ابن كثير وأبو بكر عن عاصم ويعقوب بالتخفيف في الأربعة الأحرف، وهي قوله في الكهف: (أن يبدلهما)، وفي النور: (وليبدلنّهم).
[معاني القراءات وعللها: 2/118]
وفي التحريم: (أن ييدله)، وفي (ن): (أن يبدلنا خيرًا).
وقرأ نافع وأبو عمرو أربعهن بفتح الباء وتشديد الدال.
وقرأ ابن عامر وحفص وحمزة والكسائي التي في النور: (وليبدّلنّهم) مشددة والباقي بالتخفيف.
وروى أبو عمرو عن أبي العباس أنه قال: التبديل: تغيير الصورة إلى صورة غيرها، والجوهرة بعينها، والإبدال: تنحية الجوهرة واستئناف جوهرة أخرى، واحتج بقول أبي النجم:
عزل الأمير للأمير المبدل
ألا تراه نحى جسمًا وجعل مكانه جسمًا آخر.
وقال المبرد: هذا حسن، غير أن العرب تجعل بدّلت بمعنى: أبدلت، واحتج بقوله جلّ وعزّ: (فأولئك يبدّل اللّه سيّئاتهم حسناتٍ).
ألا تراه قد أزال السيئات وجعل مكانها حسنات!
قال: وأمّا ما شرط أحمد بن يحيى فهو معنى قوله: (كلّما نضجت جلودهم بدّلناهم جلودًا غيرها)،
قال: فهذه هي الجوهرة، وتبديلها: تغيير صورتها إلى غيرها؛ لأنها كانت ناعمة فاسودت بالعذاب، فردت إلى صورة جلودهم الأول لما نضجت تلك الصورة، فالجوهرة واحدة، والصورة مختلفة.
[معاني القراءات وعللها: 2/119]
وعلى كلام المبرد بدّلت بمعنى واحد، ويفترقان في حالةٍ أخري، والله أعلم). [معاني القراءات وعللها: 2/120]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وأقرب رحمًا (81)
قرأ ابن عامر والحضرمي (رحما) بضم الحاء، وقرأ الباقون (رحما) بسكون الحاء، وروى على بن نصر وعباس عن أبي عمرو الوجهين: التخفيف، والتثقيل.
وأنشد أبو عمرو:
ومن ضريبته التّقوى ويعصمه... من سيّئ العثرات اللّه والرّحم). [معاني القراءات وعللها: 2/120]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (29- وقوله تعالى: {فأردنا أن يبدلهما} [81].
قرأ ابن كثير وعاصم بتخفيف كل ما في القرآن.
وقرأ أبو عمرو ونافع بتشديد كل ما في القرآن، وهما لغتان: يُبدلُ ويبدِّلُ مثل ينزلُ وينزِّلُ. قال أبو عمرو: وإنما اخترت التثقيل، لأن شاهده في القرآن، وهو قوله: {وإذا بدلنا ءاية} ولم يقل: أبدلنا، وقال: {لا تبديل
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/409]
لكلمات الله} ولم يقل: لا إبدال والعرب تقول: بدل يبدل تبديلا وبدالا، فهو مبدل. وقال غيره من النحويين: أبدلت الشيء: إذا أزلت الأول وجعلت الثاني في مكانه كقول أ[ي النجم:
* عزل الأمير للأمير المبدل *
وبدلت الشيء من الشيء: إذا غيرت حاله وعينه، والأصل باق كقولك: بدلت قميصي جبة، واحتجوا بقوله تعالى: {كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها} فالجلد الثاني هو الأول، ولو كان غير الأول لم يلزمه العذاب إذا لم يُباشر المعصية، وهذا واضح جدًا.
وقرأ الباقون بتخفيف كل ذلك إلا قوله في (النور) {وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا} فيحتمل أن يكونوا أتواب المعنيين كليهما، وهو الاختيار عندي أنهم شددوا هذا الحرف خاصة إرادة تكرير الفعل، لأن الله تعالى بدلهم الأمن من الخوف مرة بعد مرة، وأمنًا على أمنٍ فالتشديد دلالة على تكرير الفعل). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/410]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (30- وقوله تعالى: {وأقرب رحما} [81].
قرأ ابن عامر وحده {رُحُمًا} بضمتين، وكذا عباس ونصر عن أبي عمرو.
وقرأ الباقون {رُحْمًا} خفيفًا، وهو الأكثر في كلامهم مثل العُمْرِ والعُمُرِ والرُّعْبُ الرُّعُبِ.
قال أبو عبد الله رضي الله عنه: وفيها لغة ثالثة: {أقرب رحمًا} كما
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/410]
تقول: أطال الله عُمْرَكَ وعُمُرَكَ وعَمْرَكَ ومعناهن كلهن: وأقرب رحمة وعطفًا وقُربى وقرابةً، وقال الشاعر شاهدًا لمن خفف:
* ولم يعوج رحم ما يعوجا *
وقال آخر:
* يا منزل الرحم على إدريس *). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/411]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في التخفيف والتشديد من قوله جل وعزّ: أن يبدلهما [الكهف/ 81].
فقرأ ابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر: أن يبدلهما [الكهف/ 81] (وليبدلنهم) [النور/ 55] وأن يبدله أزواجا خيرا منكن [التحريم/ 5] وأن يبدلنا خيرا منها [ن/ 32] خفافا جمع.
وقرأ نافع وأبو عمرو في الكهف والتحريم ونون والنور مشدّدا كلّه.
وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي في الكهف والتحريم ونون مخففا، وفي النور: وليبدلنهم مشدّدة. وروى حفص عن عاصم أنّه خفف في الكهف والتحريم ونون، وشدّد في النور.
قال: بدّل وأبدل يتقاربان في المعنى، كما أن نزّل وأنزل كذلك، إلا أن بدّل ينبغي أن يكون أرجح لما جاء في التنزيل من قوله: لا تبديل لكلمات الله [يونس/ 64] ولم يجيء منه الإبدال كما جاء
[الحجة للقراء السبعة: 5/164]
التبديل في مواضع من القرآن، وقد جاء: وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج [النساء/ 20] فهذا يكون بمعنى الإبدال كما أن قوله:
فلم يستجبه عند ذاك مجيب بمعنى: فلم يجبه، فكما جاءت يستجبه بمنزلة يجبه، كذلك الاستبدال يمكن أن يكون بمعنى الإبدال، فأما من قال: إن بدّل غير أبدل، لأن قولك: تبدل، هو أن تذهب بالشيء وتجيء بغيره، كقوله:
عزل الأمير للأمير المبدل وقد يقال: يبدّل في الشيء، وقد يكون قائما وغير قائم، كقوله: وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا [النور/ 55] فالخوف ليس بقائم في حال الأمن، ومن قال: وإذا بدلنا آية مكان آية [النحل/ 101] فقد تكون الآية المبدلة قائمة التلاوة كقوله: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر [البقرة/ 234] والذين يتوفون منهم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج [البقرة/ 240]. وربما رفع المبدل من التلاوة. وقال: وبدلناهم بجنتيهم جنتين [سبأ/ 16] فالجنتان قائمتان، وقال: فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم [البقرة/ 59] فالقولان جميعا قائمان، فليس ينفصل بدّل من أبدل في هذا النحو بشيء). [الحجة للقراء السبعة: 5/165]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في التخفيف والتثقيل من قوله عز وجل: رحما [81].
فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وحمزة والكسائي: (رحما) ساكنة الحاء.
[الحجة للقراء السبعة: 5/165]
وقرأ ابن عامر: رحما مثقلة الحاء، وروي عن أبي عمرو: (رحما ورحما). عباس عن أبي عمرو أنه قال: أيتهما شئت فاقرأ.
قال: وأنا أقرأ بالضم (رحما). علي بن نصر، عن أبي عمرو: وأقرب رحما و (رحما) بتسكين الحاء وتحريكها.
أبو عبيدة: الرّحم والرّحم، وهو الرحمة، وأنشد العجاج:
ولم تعوّج رحم من تعوّجا
وأنشد غيره لرؤبة:
يا منزل الرّحم على إدريس... ومنزل اللعن على إبليس
قال أبو عبيدة: وأقرب رحما: عطفا). [الحجة للقراء السبعة: 5/166]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما} 81
قرأ نافع وأبو عمرو {فأردنا أن يبدلهما} بالتّشديد في جميع القرآن وقرأ الباقون بالتّخفيف وهما لغتان تقول بدل وأبدل مثل نزل وأنزل
وحجّة التّشديد قوله {وإذا بدلنا آية} وقال {لا تبديل لكلمات الله} ولم يقل لا إبدال
وحجّة التّخفيف قوله {وإن أردتم استبدال زوج} فهذا قد يكون بمعنى الإبدال كما أن قوله
فلم يستجبه عند ذاك مجيب
بمعنى لم يجبه
قرأ ابن عامر {وأقرب رحما} بضم الحاء وحجته قول الشّاعر:
وكيف بظلم جارية ... ومنها اللين والرحم
وقرأ الباقون {رحما} وهما لغتان مثل الرعب والرعب). [حجة القراءات: 427]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (51- قوله: {يبدلهما} قرأه نافع وأبو عمرو بالتشديد، ومثله في التحريم وفي نون والقلم، وخفف ذلك كله الباقون، وهما لغتان بمعنى: بدّل وأبدل، مثل: نجّا وأنجى، ونزّل وأنزل، وأكثر ما جاء هذا في القرآن بالتشديد إجماع، نحو قوله: {بدلوا نعمة الله} «إبراهيم 28» وقوله: {لا تبديل لكلمات الله} «يونس 20» فقد يكون بمعنى «الإبدال» فيكون مصدر «أدبل»، وقد قيل: إن «بدل» بالتشديد هو الذهاب بالشيء والإتيان بغيره، والإتيان بالشيء وبقاء غيره، كالذي وقع في النسخ، و«أبدل» يأتي للإتيان بالشيء وبقاء المبدل منه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/72]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (52- قوله: {وأقرب رحما} قرأ ابن عامر بضم الخاء، وأسكن الباقون، وهما لغتان بمعنى، كالسحُت والسحْت، وحكى أبو عبيدة فيه لغة ثالثة «الرحْم» بفتح الراء وإسكان الحاء، وهو كله بمعنى الرحمة والتعطف). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/72]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (35- {أَنْ يُبْدِّلَهُمَا} [آية/ 81] بالتشديد:
[الموضح: 794]
قرأها نافع وأبو عمرو، وكذلك في النور {وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ}، وفي التحريم {أَنْ يُبَدِّلَهُ}، وفي القلم {أَنْ يُبَدِّلَنَا}.
وقرأ الباقون {يُبْدِلَهُمَا} بالتخفيف، وكذلك في الجميع، إلا أن ابن عامر وحمزة والكسائي و-ص- عن عاصم قرءوا في النور وحده بالتشديد، وفي الباقي بالتخفيف.
والوجه أن بَدَّل مثل أبدل، وكلاهما قد جاء في القرآن، والتبديل فيه أكثر من الإبدال.
وقال أبو العباس ثعلب: التبديل تغيير الصورة إلى صورةٍ غيرها، والجوهرة باقية بعينها، والإبدال تنحية الجوهرة واستئناف جوهرة أخرى.
هذا كلامه، واحتج بقول أبي النجم:
85- عزل الأمير بالأمير المبدل
قال: ألا ترى أن نحي شخصًا وجعل شخصًا آخر مكانه.
واستدل أيضًا بقوله تعالى {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا}؛ لأنها تغيرت بالعذاب، فرُدّت إلى صورة جلودهم الأولى لما نضجت تلك الصورة، فالجوهرة واحدةٌ والصورة مختلفةٌ). [الموضح: 795]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (36- {وَأَقْرَبَ رُحُمًا} [آية/ 81] بضم الحاء:
قرأها ابن عامر ويعقوب.
وقرأ الباقون {رُحْمًا} بسكون الحاء.
والوجه أن رحُمًا رحْمًا واحدٌ، فالمضموم عينه أصلٌ، والمسكن مخفف منه، كالشغُل والشغْل، وقد مضى مثله، والرُحْمُ: الرحمة كالكثر والكثرة). [الموضح: 796]

قوله تعالى: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ۚ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ۚ ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (82)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 14 صفر 1440هـ/24-10-2018م 10:16 AM

تفسير سورة الكهف
[ من الآية (83) إلى الآية (91) ]
{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ ۖ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (83) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84) فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85) حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا ۗ قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86) قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (87) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَىٰ ۖ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (88) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (89) حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا (90) كَذَٰلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا (91)}

قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ ۖ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (83)}

قوله تعالى: {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84)}

قوله تعالى: {فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فأتبع سببًا (85)... ثمّ أتبع سببًا (89)
قرأ ابن كثيرٍ ونافع وأبو عمرو ويعقوب (فاتّبع... ثمّ اتّبع) بتشديد التاء، موصولة، وقرأ الباقون (فأتبع... ثمّ أتبع) مقطوعةً ساكنةً، التاء خفيفة.
[معاني القراءات وعللها: 2/120]
قال أبو منصور - من قرأ (فاتّبع) بتشديد التاء فمعناه: تبع.
ومن قرأ (فأتبع) مقطوعة الألف فمعناه: لحق، روى ذلك أبو عبيد عن الكسائي.
وقال الفراء: (أتبع) أحسن من (أتبع)؛ لأن معنى اتّبعت الرجل: إذا كان يسير وأنت تسير وراءه - وإذا قلت: أتبعته فكأنك قفوته). [معاني القراءات وعللها: 2/121] (م)
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في تشديد التاء وتخفيفها من قوله: فأتبع سببا [الكهف/ 85] (ثم اتبع سببا) [الكهف/ 89، 92].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: (فاتبع سببا) (ثم اتّبع سببا) (ثم اتّبع سببا) مشددات التاء، وقرءوا: فأتبعوهم مشرقين [الشعراء/ 60] مهموزا، وكذلك: فأتبعه الشيطان [الأعراف/ 175] وكذلك: فأتبعه شهاب ثاقب [الصافات/ 10] فأتبعه شهاب مبين [الحجر/ 18]. وقرءوا واتبع الذين ظلموا [هود/ 116] مشدّدة
[الحجة للقراء السبعة: 5/166]
التاء. وروى حسين عن أبي عمرو: (وأتبع الذين ظلموا) رواه هارون عن حسين عنه.
وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي فأتبع سببا ثم أتبع سببا ثم أتبع سببا فأتبعه شهاب، فأتبعوهم مشرقين، فأتبعه الشيطان مقطوع. واتبع الذين ظلموا موصولة.
أبو زيد: رأيت القوم فأتبعتهم اتباعا: إذا سبقوا فأسرعت نحوهم، ومروا علي فاتّبعتهم اتّباعا: إذا ذهبت معهم ولم يستتبعوك وتبعتهم أتبعهم تبعا مثل ذلك.
قال أبو علي: تبع فعل يتعدى إلى مفعول واحد، فإذا نقلته بالهمزة تعدّى إلى مفعولين، يدلّ على ذلك قوله: وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة [القصص/ 42] وفي أخرى: وأتبعوا في هذه لعنة [هود/ 60] لمّا بني الفعل للمفعول قام أحد المفعولين مقام الفاعل.
فأما اتّبعوا فافتعلوا، فتعدى إلى مفعول واحد، كما تعدى فعلوا إليه، مثل: شويته واشتويته، وحفرته واحتفرته، وجرحته واجترحته، وفي التنزيل: اجترحوا السيئات [الجاثية/ 21] وفيه ويعلم ما جرحتم بالنهار [الأنعام/ 60] وكذلك: فديته وافتديته، وهذا كثير. وأما قوله:
فأتبعوهم مشرقين [الشعراء/ 60] فتقديره: فأتبعوهم جنودهم، فحذف أحد المفعولين كما حذف في قوله: لينذر بأسا شديدا من لدنه [الكهف/ 2] ومن قوله: لا يكادون يفقهون قولا [الكهف/ 93] والمعنى: لا يفقهون أحدا قولا، ولينذر الناس بأسا شديدا، وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم [الأنعام/ 51] أي: عذابه أو
[الحجة للقراء السبعة: 5/167]
حسابه، وقال: إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه [آل عمران/ 175] أي: يخوفهم بأوليائه، يدلّك على ذلك: فلا تخافوهم وخافون [آل عمران/ 175]. فقوله: فأتبع سببا إنما هو افتعل الذي هو للمطاوعة، فتعدى إلى مفعول واحد، كقوله: واتبعوا ما تتلوا الشياطين [البقرة/ 102] واتبعك الأرذلون [الشعراء/ 111].
فأمّا قراءتهم: فأتبعوهم مشرقين [الشعراء/ 60] فالمعنى: أتبعوهم جنودهم مشرقين، وقوله: فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا [يونس/ 90] تقديره: أتبعهم فرعون طلبه إيّاهم وتتّبعه لهم، وكذلك فأتبعه شهاب مبين. المعنى: أتبعه شهاب مبين الإحراق، والمنع من استراق السمع. وقوله: واتبع الذين ظلموا [هود/ 116] فمطاوع تبع، تعدّى إلى مفعول واحد، ومثله: واتبعك الأرذلون [الشعراء/ 111]. وأما ما رواه حسين عن أبي عمرو: (واتّبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه) فإن أتبع يتعدى إلى مفعولين من حيث كان منقولا من تبعه، فأقيم أحدهما مقام الفاعل، وانتصب الآخر كما انتصب الدرهم في: أعطي زيد درهما، والمعنى: وأتبع الذين ظلموا عقاب ما أترفوا فيه، وجزاء ما أترفوا فيه.
وقرأه عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: (فأتبع سببا) تقديره: فأتبع سببا سببا، أو أتبع أمره سببا، أو أتبع ما هو عليه سببا، وقد فسّرت الآي التي ذكرها بعد فيما تقدّم. وقال بعض المتأوّلين في قوله: وآتيناه من كل شيء سببا [الكهف/ 84] المعنى: وآتيناه من كلّ شيء بالخلق إليه حاجة سببا، أي: علما ومعونة له على ما مكّناه فيه، وأتبع سببا، يراد به: اتجه في كلّ وجه وجهناه له وأمرنا به للسبب الذي
[الحجة للقراء السبعة: 5/168]
ينال به صلاح ما مكن منه. وقال أبو عبيدة: اتّبع سببا: طريقا وأثرا). [الحجة للقراء السبعة: 5/169] (م)
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فأتبع سببا}
وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو {فأتبع سببا} بالتّشديد وحجتهما في ذلك أن المشهور في كلام العرب أن يقال اتبع فلان أثر فلان إذا سلك طريقه وسار بعده واتّبعت الرجل إذا لحقته ومعلوم أن الله أخبر عن مسير ذي القرنين في الأرض الّتي مكن له فيها
وقرأ الباقون {فأتبع} بالتّخفيف أي لحق سببا تقول اتبعت الرجل إذا سرت من ورائه وأتبعت الرجل ألحقته خيرا أو شرا كقوله تعالى {فأتبعه شهاب ثاقب}
قال أبو زيد رأيت القوم فأتبعتهم بالتّخفيف إتباعا إذا سبقوك فأسرعت نحوهم ومروا عليّ فاتبعتهم اتباعا بالتّشديد إذا ذهبت معهم ولم يسبقوك
قال أبو عبيد القراءة عندي {فأتبع} بالتّشديد لأنّها من المسير إنّما هو افتعل وأما الإتباع فإن معناه اللحاق كقوله {فأتبعوهم مشرقين} وقال قوم لغتان أتبع يتبع واتبع يتبع افتعل). [حجة القراءات: 428]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (53- قوله: {فأتبع}، {ثم أتبع}، {ثم أتبع} قرأ ذلك الكوفيون وابن عامر بقطع الألف، وإسكان التاء، مخففا في الثلاثة، وقرأ الباقون بوصل الألف والتشديد.
وحجة من شدد أنه بناه على «افتعل» مطاوع فعل «تبع»، فهو يتعدّى إلى مفعول واحد كـ «تبع»، وقد أجمعوا على ذلك في قوله: {واتبع الذين ظلموا} «هود 116»، و{أتبعوا ما تتلوا الشياطين}
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/72]
«البقرة 105» يقال: اتبعت القوم إذا أسرعت نحوهم وقد سبقوك وأتبعت القوم إذا ذهبت معهم، ولم يسبقوك، وتبعت القوم مثل ذلك.؟
54- وحجة من همز وخفف أنه بناه على «أفعل» منقول من «فعل» جعله يتعدّى إلى مفعولين، زاد مفعولا لدخول الهمزة، كما قال الله جل ذكره: {وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة} «القصص 42» فأما قوله: {فأتبعوهم مشرقين} «الشعراء 60» فالمفعول الثاني محذوف، والتقدير: فأتبعوهم جنودهم مشرقين، ومثله في حذف المفعول قوله: {لينذر بأسًا شديدًا} «الكهف 2» أي: لينذركم، أو لينذر الناس بأسًا، أي: بيأس، ومثله قوله: {لا يكادون يفقهون قولا} «الكهف 93» في قراءة من ضم الياء، أي: لا يكادون يفقهون الناس قولا، وهو كثير، والتقدير في قراءة الهمز: فاتبع سببا سببا، أو اتبع أمره سببا، وقد أجمعوا على: {فأتبعه شهاب مبين} «الحجر 18» بالهمز، والتقدير: فأتبعه شهاب مبين الإحراق أو المنع للاسترقاق، والقراءتان متعادلتان). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/73] (م)
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (37- {فَاتَّبَعَ سَبَبًا} [آية/ 85]، {ثَمَّ اتَّبَعَ سَبَبًا} [آية/ 89 و92] بوصل الألف وبالتشديد:
قرأها ابن كثير ونافعٌ وأبو عمرو ويعقوب.
وقرأ ابن عامر والكوفيون {فَأَتْبَعَ سَبَبًا} {ثُمَّ أَتْبَعَ} بقطع الألف من غير تشديد.
والوجه أن اتَّبع بوصل الألف والتشديد مثل افتعل، يتعدى إلى مفعول واحد، وكذلك تبع بكسر الباء على فعل، يقال تبعت الشيء واتبعته.
وأما أتبع بقطع الألف فإنه يتعدى إلى مفعولين.
قال أبو علي: أتبعت بقطع الألف، منقولٌ بالهمزة من تبعت الذي يتعدى إلى مفعول واحد، فصار بالنقل يتعدى إلى مفعولين، والتقدير ههنا: أتبع أمره سببًا، ومثله قوله تعالى {فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ} أي اتبعوهم جنودهم مشرقين). [الموضح: 796] (م)

قوله تعالى: {حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا ۗ قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (في عينٍ حمئةٍ (86)
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحفص ويعقوب (في عينٍ حمئةٍ) مهموزة بغير ألف، وقرأ الباقون (حاميةٍ) بألف غير مهموزة - وقرأها ابن مسعود (حامية)
قال الأزهري: من قرأ (حمئة) أراد: في عين ذات حمأة، قد حمئت فهي حمئة.
ومن قرأ (حامية) أراد: حارّة، وقد تكون " حارّة ذات حمأة، فيكون فيها المعنيان). [معاني القراءات وعللها: 2/121]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (32- وقوله تعالى: {في عين حمئة} [86].
قرأ أبو عمرو ونافع وابن كثير وحفص عن عاصم: {حمئة} على وزن فعلة مهموزًا، ومعناه: تغرب في طين سوداء، وهي الحمأة التي تخرج من البئر، ويقال لها: الثأط والحرمد والحال، ومن ذلك الحديث: «أن فرعون لما غرقه الله أخذ جبريل صلى الله عليه وسلم من حال البحر فحشاه في فيه لئلا ينطق بكلمة النجاة إذ كان ادعى الربوبية».
وقرأ الباقون: {في عين حامية} على وزن فاعله كقوله تعالى: {تصلى نارا حامية} أي: حارة حميت تحمي فهي حامية مثل شربت فهي شاربة.
وحدثني أحمد بن عبدان عن علي بن أبي عبيد عن هشيم عن عوف عن الحسن {حامية}.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/412]
قال أبو عبيد: وحدثني يزيد عن عمرو بن ميمون بن مهران عن أبي حاضر وابن حاضر قال: سمعت ابن عباس يقول: كنت عند معاوية فقرأ {تغرب في عين حامية} فقلت: ما نقرؤها إلا {حمئة} فقال لعبد الله بن عمرو بن العاص كيف تقرؤها؟ قال: كما قرأتها يا أمير المؤمنين فقلت: في بيتي نزل القرآن! فأرسل معاوية إلى كعب: أين تجد الشم ستغرب في التوراة؟ فقال: أما العربية فأنتم أعلم بها وأما أنا فأجد الشمس في التوراة تغرب ف يماء وطين.
وحدثني ابن مجاهد عن السمري عن الفراء، قال: حدثنا حيان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أنه قرأ: {في عين حميئة}. وقال: في ماء وطين، والعرب تقول: حمأت البئر: أخرجت منها الحمأة، وأحمأتها: ألقيت فيها الحمأة، وحميت هي: صار فيها الحمأة.
وأما قولهم: هذا حمو فلان ففيه أربع لغات: حمؤ وحمو وحما وحم قال الشاعر:
هي ما كنتي وتز = عم أني لها حمو
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/413]
وقال آخر:
قلت لبوبا لديه دارها = تئذن فإني حمؤها وجارها
وقال آخر:
وبجارة شوهاء ترقبني = وحما يخر كمنبذ الحلس
وفيه لغة خامسة وسادسة (الحمو) مثل العفو و(الحمأ) مثل الخطأ ذكره اللحياني. وكل قرابة من قبل الزوج فهم الأحماء، وكل قرابة من قبل النساء فهم الأختان، والصهر يجمعها، فأم امرأة الرجل ختنته، وأبوها ختنه، وأم الزوج حماة المرأة، وأبوه حموها، وقال أبو الأسود شاهدًا لأبي عمرو في {عين حمئة}:
تجئك بملئها طورًا وطورًا = تجئك بحمأة وقليل ماء
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/414]
وقال آخر:
وسقيت بالماء النمير ولم = أترك ألاطم حمأة الجفر
وقال تبع:
قد كان ذو القرنين جدي مسلما = ملكا تدين له الملوك وتسجد
بلغ المشارع والمغارب يبتغي = أسباب أمر من حكيم مرشد؟!
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/415]
فرأى مغار الشمس عند مغيبها = في عين ذي رتق وثأط حرمد
قال: الثأط: الماء والطين، والحرمد: الحمأ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/416]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله تعالى: في عين حمئة [الكهف/ 86].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: حمئة [الكهف/ 86] وكذلك عاصم في رواية حفص: حمئة.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وابن عامر وحمزة والكسائي (حامية).
أبو عبيدة: في عين حميئة: ذات حمأة. قال الحسن:
رحمه الله من قرأ: حمئة فهي فعلة، ومن قرأ: (حامية) فهي فاعلة من حميت تحمى فهي حامية. حدّثنا الكندي قال: حدثنا المؤمّل قال: حدثنا إسماعيل عن ابن أبي رجاء عن الحسن في قوله: (في عين حامية) قال: حارّة، ويجوز فيمن قرأ: (حامية) أن يكون فاعلة من الحمأة، فخفّف الهمزة على قياس قول أبي الحسن، فقلبها ياء محضة، وإن خفّف الهمزة من فاعل على قول الخليل كانت بين بين.
قال سيبويه: وهو قول العرب والخليل. وروي عن ابن عباس قال: كنت عند معاوية فقرأ: (في عين حامية) فقلت: ما نقرؤها إلا حمئة فقال: لعبد الله بن عمرو بن العاص كيف تقرؤها؟ قال: كما قرأتها يا أمير المؤمنين، قال ابن عباس: فقلت: في بيتي نزل القرآن، فأرسل معاوية إلى كعب: أين تجد الشمس تغرب في التوراة؟ فقال: أما
[الحجة للقراء السبعة: 5/169]
العربية، فأنتم أعلم بها، وأجد الشمس في التوراة تغرب في ماء وطين، وكان جمهور الناس على (حامية) ). [الحجة للقراء السبعة: 5/170]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وجدها تغرب في عين حمئة}
قرأ ابن عامر وحمزة والكسائيّ وأبو بكر (في عين حامية) بالألف أي حارة من حميت تحمى فهي حامية قال تعالى {تصلى نارا حامية} أي حارة وحجتهم ما روي عن أبي ذر رحمه
[حجة القراءات: 428]
الله قال كنت ردف النّبي صلى الله عليه وهو على حمار والشّمس عند غروبها فقال
يا أبا ذر هل تدري أين تغرب هذه قلت الله ورسوله أعلم قال
إنّها تغرب في عين حامية
وقرأ الباقون {في عين حمئة} مهموزا فالحمأة الطين المنتن المتغيّر اللّون والطعم وحجتهم ما روي في حديث ذي القرنين أنه رأى مغيب الشّمس عند غروبها في ماء وطين تغرب قال الشّاعر:
في عين ذي خلب وثأط حرمد
فالخلب الطين والثأط الحمأة والحرمد الأسود
قال ابن عبّاس كنت عند معاوية فقرأ (تغرب في عين حامية) فقلت ما نقرؤها إلّا {حمئة} فقال لعبد الله بن عمرو بن العاص كيف تقرؤها فقال كما قرأتها يا أمير المؤمنين قال ابن عبّاس فقلت في بيتي نزل القرآن فأرسل معاوية إلى كعب أين تجد الشّمس تغرب في التّوراة فقال أما العربيّة فأنتم أعلم بها وأما أنا فأجد الشّمس في التّوراة تغرب في ماء وطين أراد أنّها تغرب في عين ذات حمئة وهذا القول ليس ينفي قول من قرأها حامية إذا كان جائزا أن تكون العين الّتي تغرب الشّمس فيها حارة
[حجة القراءات: 429]
وقد تكون حارة وذات حمأة وطينة سوداء فتكون موصوفة بالحرارة وهي ذات حمأة). [حجة القراءات: 430]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (55- قوله: {في عين حمئة} قرأه ابن عامر وأبو بكر وحمزة والكسائي «حامية» على وزن «فاعلة» غير مهموز، وقرأه الباقون {حمئة} على وزن «فَعِلة» مهموزا.
وحجة من قرأ بغير همز أنه جعله اسم فاعل، فبناه على «فاعله» مشتقًا من «حمي يحمى» فهو في المعنى: في عين حارة، ويجوز أن تكون الياء بدلًا من همزة، فيكون «فاعلا» من الحمأة، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذر: «أتدري أين تغرب هذه، يريد الشمس، فقال أبو ذر:
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/73]
الله ورسوله أعلم، فقال: إنها تغرب في عين حامية»، وروي عنه ابن عمر أنه نظر إلى الشمس حين غابت فقال: «في نار الله الحامية، لولا ما يزعها من أمر الله لأحرقت ما على الأرض»، فيكون معنى الحامية الحارة على هذين الحديثين.
56- وحجة من قرأ بالهمز أنه جعله مشتقًا من «الحمأة» أي: ذات حمأة، وقد سأل معاوية كعبا فقال له: أين تجد الشمس تغرب في التوراة؟ فقال: تغرب في ماء وطين، فهذا يدل على أنها من الحمأة، وهي الاختيار، لأن القراءتين قد ترجعان إلى أنهما من الحمأة، ولا ترجعان إلى أنهما من «حمي، يحمي» بمعنى لحارة، لأنه لا سبيل إلى الهمز في «فاعل» من «حمي يحمي» وأيضًا فإن القراءة بالهمز، لا تنافي القراءة بغير همز، قد تكون الشمس تغرب في عين حارة ذات حمأة، فيجتمع في ذلك المعنيان جميعًا، والقراءتان جمعيًا، وقد روى أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ: «حمئة» بالهمز وبذلك قرأ ابن عباس، وكذلك قرأ علي رضي الله عنهما). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/74]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (38- {حَمِئَةٍ} [آية/ 86] بالهمز من غير ألف:
قرأها ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم- ص- ويعقوب.
والوجه أن {حَمِئَةٍ}، فعلة من الحمأة أي ذات حمأة كقولهم: أرض وبئة أي ذات وباء.
وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي و-ياش- عن عاصم {حَامِيَةً} بالألف من غير همز، وهي فاعلة من حميت تحمى فهي حمامية أي حارة.
ويجوز أن تكون فاعلة من الحمأة أيضًا، خففت الهمزة فقلبت ياء محضة للكسرة التي قبلها). [الموضح: 797]

قوله تعالى: {قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (87)}

قوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَىٰ ۖ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (88)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فله جزاءً الحسنى (88)
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وأبو بكر عن عاصم (جزاء الحسنى) مضافًا، وقرأ الباقون (جزاءً الحسنى) منونًا.
قال أبو منصور: من قرأ (جزاءً الحسنى) فالمعنى: فله الحسنى جزاء، و(جزاء) منصوبًا لأنه مصدر وضع موضع الحال، المعنى: فله الحسنى مجزيًّا بها جزاء.
[معاني القراءات وعللها: 2/121]
ومن قرأ (جزاء الحسنى) أضاف (جزاء) إلى (الحسنى) ). [معاني القراءات وعللها: 2/122]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (33- وقوله تعالى: {فله جزاء الحسنى} [88].
قرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم {فله جزاء} بالنصب منونًا، فنصبه على ضربين:
على المصدر في موضع الحال، أي: فلهم الجنة مجزيون بها جزاء.
وقال آخرون: نصب على التمييز، وهذا فيه ضعف؛ لأن التمييز يقبح تقديمه كقوله: تفقأ زيد شحمًا، وتصبب عرقًا، وما في السماء موضع راحة سحابًا، وله دن خلا، ويقبح له خلا دن، فأما عرقا تصبب فما أجازه من النحويين إلا المازني.
وقرأ الباقون: {فله جزاء الحسنى} بالرفع والإضافة وشاهده قوله: {فلهم جزاء الضعف بما عملوا}. والحسنى هاهنا: الحسنات). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/416]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الإضافة والتنوين من قوله عز وجل: جزاء الحسنى [الكهف/ 88].
فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم في رواية أبي بكر وأبو عمرو وابن عامر (جزاء الحسنى) رفع مضافة.
وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم: جزاء الحسنى منون منصوب.
قال أبو علي: من قرأ: (جزاء الحسنى)، كان المعنى: له جزاء الخلال الحسنى، لأن الإيمان والعمل الصالح خلال، فالتقدير:
المؤمن له جزاء الخلال الحسنة التي أتاها وعملها.
ومن قال: فله جزاء الحسنى فالمعنى: له الحسنى جزاء، أي: له الخلال الحسنى جزاء، فالجزاء مصدر واقع موقع الحال، المعنى: فله الحسنى مجزيّة، قال أبو الحسن: وهذا لا تكاد العرب تكلم به مقدّما إلا في الشعر). [الحجة للقراء السبعة: 5/170]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فله جزاء الحسنى}
قرأ حمزة والكسائيّ وحفص {فله جزاء الحسنى} منونا منصوبًا المعنى فله الحسنى جزاء وجزاء مصدر منصوب في موضع الحال والمعنى فله الحسنى مجزيا بها جزاء فالنصب على التّقديم والتّأخير
وقرأ الباقون {فله جزاء الحسنى} بالرّفع والإضافة فالحسنى على هذه القراءة تحتمل أن تكون الطّاعة المعنى فله جزاء إحسانه أي له جزاء الأعمال الحسنى ويحتمل أن يجعل {الحسنى} الجنّة ويكون الجزاء مضافا إليها وهو لاختلاف اللّفظين كما قال {لهو حق اليقين} و{ولدار الآخرة} يضاف الاسم إلى نفسه إذا اختلف لفظ المضاف والمضاف إليه وهو هو في الحقيقة). [حجة القراءات: 430]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (57- قوله: {فله جزاء الحسنى} قرأ حفص وحمزة والكسائي بالنصب والتنوين، وقرأ الباقون بالرفع من غير تنوين.
وحجة من قرأ بالرفع أنه جعله مبتدأ و«له» الخبر، أي: فجزاء الخلال
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/74]
الحسنى له، ويجوز أن تكون {الحسنى} بدلًا من {جزاء} على أن {الحسنى} الجنة، ويكون التنوين حذف لالتقاء الساكنين، وهما التنوين واللام من {الحسنى} فيكون المعنى: فله الجنة.
58- وحجة من نصب {جزاء} ونونه أنه جعل {الحسنى} مبتدأ و{له} الخبر، ونصب {جزاء} على أنه مصدر في موضع الحال، والتقدير: فله الحال الحسنى جزاء، وقيل: هو تفسير، وقيل: تمييز. واختار أبو عبيد نصب {جزاء} وتنوينه؛ لأنه تأوّل أن الحسنى الجنة، على معنى: فله الجنة جزاء، وتعقب عليه ابن قتيبة، فاختار الرفع بغير تنوين في «جزاء»، وقال: هو كقوله: له جزاء الخير، وقد قال الله: {فأولئك لهم جزاء الضعف} «سبأ 37» وضعّف النصب ابن قتيبة لتقديمه التفسير على المفسَّر، فهو بعيد جائز على بعده، والرفع بغير تنوين أحب إلي؛ لأنه أبين، ولأن الأكثر عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/75]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (39- {فَلَهُ جَزَاءً الحُسْنَى} [آية/ 88] بنصب {جَزَاءً} وتنوينه:
قرأها حمزة والكسائي وعاصم- ص- ويعقوب.
والوجه أنه على تقدير: له الحسنى جزاءً، فالحسنى مبتدأ، والخبر الجار والمجرور الذي تقدم عليه وهو {لَهُ} ، و{جَزَاءً} مصدر واقع موقع الحال، والمعنى فله الحسنى مجزيا بها، و{الحُسْنَى}صفة، وموصوفها الخلال أو المكافأة، والتقدير فله الخلال الحسنى أو المكافأة الحسنى.
وقرأ الباقون{جَزَاءً الحُسْنَى}برفع{جَزَاءً}وإضافته.
[الموضح: 797]
والوجه أن {جَزَاءً} مبتدأ، و{لَهُ} خبره تقدم عليه، و{الحُسْنَى} مضاف إليها، وهي صفة الخلال أيضًا، وتقديره: فله جزاء الخلال الحسنى، والخلال ههنا الأعمال الصالحة، وفي القراءة الأولى أنواع الثواب). [الموضح: 798]

قوله تعالى: {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (89)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فأتبع سببًا (85)... ثمّ أتبع سببًا (89)
قرأ ابن كثيرٍ ونافع وأبو عمرو ويعقوب (فاتّبع... ثمّ اتّبع) بتشديد التاء، موصولة، وقرأ الباقون (فأتبع... ثمّ أتبع) مقطوعةً ساكنةً، التاء خفيفة.
[معاني القراءات وعللها: 2/120]
قال أبو منصور - من قرأ (فاتّبع) بتشديد التاء فمعناه: تبع.
ومن قرأ (فأتبع) مقطوعة الألف فمعناه: لحق، روى ذلك أبو عبيد عن الكسائي.
وقال الفراء: (أتبع) أحسن من (أتبع)؛ لأن معنى اتّبعت الرجل: إذا كان يسير وأنت تسير وراءه - وإذا قلت: أتبعته فكأنك قفوته). [معاني القراءات وعللها: 2/121] (م)
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (31- وقوله تعالى: {ثم أتبع سببا} [89] {ثم أتبع سببا} [92].
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو مشددًا.
وقرأ الباقون مخففًا، وهما لغتان: أفعل يفعل أتبع يتبع، وافتعل يفتعل أتبع يتبع، وفرق قوم بينهما فقالوا: اتبعته: سرت في أثره، وأتبعته: لحقته كقوله تعالى: {فاتبعه شهاب ثاقب}. وروى حسين عن أبي عمرو {وأتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه} وتفسيره كتفسير ما ذكرت. والسبب: الطريق هنا، والسبب في غير هذا الحبل، والسبب: القرابة). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/412] (م)
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في تشديد التاء وتخفيفها من قوله: فأتبع سببا [الكهف/ 85] (ثم اتبع سببا) [الكهف/ 89، 92].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: (فاتبع سببا) (ثم اتّبع سببا) (ثم اتّبع سببا) مشددات التاء، وقرءوا: فأتبعوهم مشرقين [الشعراء/ 60] مهموزا، وكذلك: فأتبعه الشيطان [الأعراف/ 175] وكذلك: فأتبعه شهاب ثاقب [الصافات/ 10] فأتبعه شهاب مبين [الحجر/ 18]. وقرءوا واتبع الذين ظلموا [هود/ 116] مشدّدة
[الحجة للقراء السبعة: 5/166]
التاء. وروى حسين عن أبي عمرو: (وأتبع الذين ظلموا) رواه هارون عن حسين عنه.
وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي فأتبع سببا ثم أتبع سببا ثم أتبع سببا فأتبعه شهاب، فأتبعوهم مشرقين، فأتبعه الشيطان مقطوع. واتبع الذين ظلموا موصولة.
أبو زيد: رأيت القوم فأتبعتهم اتباعا: إذا سبقوا فأسرعت نحوهم، ومروا علي فاتّبعتهم اتّباعا: إذا ذهبت معهم ولم يستتبعوك وتبعتهم أتبعهم تبعا مثل ذلك.
قال أبو علي: تبع فعل يتعدى إلى مفعول واحد، فإذا نقلته بالهمزة تعدّى إلى مفعولين، يدلّ على ذلك قوله: وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة [القصص/ 42] وفي أخرى: وأتبعوا في هذه لعنة [هود/ 60] لمّا بني الفعل للمفعول قام أحد المفعولين مقام الفاعل.
فأما اتّبعوا فافتعلوا، فتعدى إلى مفعول واحد، كما تعدى فعلوا إليه، مثل: شويته واشتويته، وحفرته واحتفرته، وجرحته واجترحته، وفي التنزيل: اجترحوا السيئات [الجاثية/ 21] وفيه ويعلم ما جرحتم بالنهار [الأنعام/ 60] وكذلك: فديته وافتديته، وهذا كثير. وأما قوله:
فأتبعوهم مشرقين [الشعراء/ 60] فتقديره: فأتبعوهم جنودهم، فحذف أحد المفعولين كما حذف في قوله: لينذر بأسا شديدا من لدنه [الكهف/ 2] ومن قوله: لا يكادون يفقهون قولا [الكهف/ 93] والمعنى: لا يفقهون أحدا قولا، ولينذر الناس بأسا شديدا، وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم [الأنعام/ 51] أي: عذابه أو
[الحجة للقراء السبعة: 5/167]
حسابه، وقال: إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه [آل عمران/ 175] أي: يخوفهم بأوليائه، يدلّك على ذلك: فلا تخافوهم وخافون [آل عمران/ 175]. فقوله: فأتبع سببا إنما هو افتعل الذي هو للمطاوعة، فتعدى إلى مفعول واحد، كقوله: واتبعوا ما تتلوا الشياطين [البقرة/ 102] واتبعك الأرذلون [الشعراء/ 111].
فأمّا قراءتهم: فأتبعوهم مشرقين [الشعراء/ 60] فالمعنى: أتبعوهم جنودهم مشرقين، وقوله: فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا [يونس/ 90] تقديره: أتبعهم فرعون طلبه إيّاهم وتتّبعه لهم، وكذلك فأتبعه شهاب مبين. المعنى: أتبعه شهاب مبين الإحراق، والمنع من استراق السمع. وقوله: واتبع الذين ظلموا [هود/ 116] فمطاوع تبع، تعدّى إلى مفعول واحد، ومثله: واتبعك الأرذلون [الشعراء/ 111]. وأما ما رواه حسين عن أبي عمرو: (واتّبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه) فإن أتبع يتعدى إلى مفعولين من حيث كان منقولا من تبعه، فأقيم أحدهما مقام الفاعل، وانتصب الآخر كما انتصب الدرهم في: أعطي زيد درهما، والمعنى: وأتبع الذين ظلموا عقاب ما أترفوا فيه، وجزاء ما أترفوا فيه.
وقرأه عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: (فأتبع سببا) تقديره: فأتبع سببا سببا، أو أتبع أمره سببا، أو أتبع ما هو عليه سببا، وقد فسّرت الآي التي ذكرها بعد فيما تقدّم. وقال بعض المتأوّلين في قوله: وآتيناه من كل شيء سببا [الكهف/ 84] المعنى: وآتيناه من كلّ شيء بالخلق إليه حاجة سببا، أي: علما ومعونة له على ما مكّناه فيه، وأتبع سببا، يراد به: اتجه في كلّ وجه وجهناه له وأمرنا به للسبب الذي
[الحجة للقراء السبعة: 5/168]
ينال به صلاح ما مكن منه. وقال أبو عبيدة: اتّبع سببا: طريقا وأثرا). [الحجة للقراء السبعة: 5/169] (م)
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (53- قوله: {فأتبع}، {ثم أتبع}، {ثم أتبع} قرأ ذلك الكوفيون وابن عامر بقطع الألف، وإسكان التاء، مخففا في الثلاثة، وقرأ الباقون بوصل الألف والتشديد.
وحجة من شدد أنه بناه على «افتعل» مطاوع فعل «تبع»، فهو يتعدّى إلى مفعول واحد كـ «تبع»، وقد أجمعوا على ذلك في قوله: {واتبع الذين ظلموا} «هود 116»، و{أتبعوا ما تتلوا الشياطين}
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/72]
«البقرة 105» يقال: اتبعت القوم إذا أسرعت نحوهم وقد سبقوك وأتبعت القوم إذا ذهبت معهم، ولم يسبقوك، وتبعت القوم مثل ذلك.؟
54- وحجة من همز وخفف أنه بناه على «أفعل» منقول من «فعل» جعله يتعدّى إلى مفعولين، زاد مفعولا لدخول الهمزة، كما قال الله جل ذكره: {وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة} «القصص 42» فأما قوله: {فأتبعوهم مشرقين} «الشعراء 60» فالمفعول الثاني محذوف، والتقدير: فأتبعوهم جنودهم مشرقين، ومثله في حذف المفعول قوله: {لينذر بأسًا شديدًا} «الكهف 2» أي: لينذركم، أو لينذر الناس بأسًا، أي: بيأس، ومثله قوله: {لا يكادون يفقهون قولا} «الكهف 93» في قراءة من ضم الياء، أي: لا يكادون يفقهون الناس قولا، وهو كثير، والتقدير في قراءة الهمز: فاتبع سببا سببا، أو اتبع أمره سببا، وقد أجمعوا على: {فأتبعه شهاب مبين} «الحجر 18» بالهمز، والتقدير: فأتبعه شهاب مبين الإحراق أو المنع للاسترقاق، والقراءتان متعادلتان). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/73] (م)
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (37- {فَاتَّبَعَ سَبَبًا} [آية/ 85]، {ثَمَّ اتَّبَعَ سَبَبًا} [آية/ 89 و92] بوصل الألف وبالتشديد:
قرأها ابن كثير ونافعٌ وأبو عمرو ويعقوب.
وقرأ ابن عامر والكوفيون {فَأَتْبَعَ سَبَبًا} {ثُمَّ أَتْبَعَ} بقطع الألف من غير تشديد.
والوجه أن اتَّبع بوصل الألف والتشديد مثل افتعل، يتعدى إلى مفعول واحد، وكذلك تبع بكسر الباء على فعل، يقال تبعت الشيء واتبعته.
وأما أتبع بقطع الألف فإنه يتعدى إلى مفعولين.
قال أبو علي: أتبعت بقطع الألف، منقولٌ بالهمزة من تبعت الذي يتعدى إلى مفعول واحد، فصار بالنقل يتعدى إلى مفعولين، والتقدير ههنا: أتبع أمره سببًا، ومثله قوله تعالى {فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ} أي اتبعوهم جنودهم مشرقين). [الموضح: 796] (م)

قوله تعالى: {حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا (90)}

قوله تعالى: {كَذَٰلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا (91)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 14 صفر 1440هـ/24-10-2018م 10:18 AM

تفسير سورة الكهف
[ من الآية (92) إلى الآية (98) ]

{ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92) حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93) قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَىٰ أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97) قَالَ هَٰذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي ۖ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ ۖ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98)}

قوله تعالى: {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (31- وقوله تعالى: {ثم أتبع سببا} [89] {ثم أتبع سببا} [92].
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو مشددًا.
وقرأ الباقون مخففًا، وهما لغتان: أفعل يفعل أتبع يتبع، وافتعل يفتعل أتبع يتبع، وفرق قوم بينهما فقالوا: اتبعته: سرت في أثره، وأتبعته: لحقته كقوله تعالى: {فاتبعه شهاب ثاقب}. وروى حسين عن أبي عمرو {وأتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه} وتفسيره كتفسير ما ذكرت. والسبب: الطريق هنا، والسبب في غير هذا الحبل، والسبب: القرابة). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/412] (م)
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في تشديد التاء وتخفيفها من قوله: فأتبع سببا [الكهف/ 85] (ثم اتبع سببا) [الكهف/ 89، 92].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: (فاتبع سببا) (ثم اتّبع سببا) (ثم اتّبع سببا) مشددات التاء، وقرءوا: فأتبعوهم مشرقين [الشعراء/ 60] مهموزا، وكذلك: فأتبعه الشيطان [الأعراف/ 175] وكذلك: فأتبعه شهاب ثاقب [الصافات/ 10] فأتبعه شهاب مبين [الحجر/ 18]. وقرءوا واتبع الذين ظلموا [هود/ 116] مشدّدة
[الحجة للقراء السبعة: 5/166]
التاء. وروى حسين عن أبي عمرو: (وأتبع الذين ظلموا) رواه هارون عن حسين عنه.
وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي فأتبع سببا ثم أتبع سببا ثم أتبع سببا فأتبعه شهاب، فأتبعوهم مشرقين، فأتبعه الشيطان مقطوع. واتبع الذين ظلموا موصولة.
أبو زيد: رأيت القوم فأتبعتهم اتباعا: إذا سبقوا فأسرعت نحوهم، ومروا علي فاتّبعتهم اتّباعا: إذا ذهبت معهم ولم يستتبعوك وتبعتهم أتبعهم تبعا مثل ذلك.
قال أبو علي: تبع فعل يتعدى إلى مفعول واحد، فإذا نقلته بالهمزة تعدّى إلى مفعولين، يدلّ على ذلك قوله: وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة [القصص/ 42] وفي أخرى: وأتبعوا في هذه لعنة [هود/ 60] لمّا بني الفعل للمفعول قام أحد المفعولين مقام الفاعل.
فأما اتّبعوا فافتعلوا، فتعدى إلى مفعول واحد، كما تعدى فعلوا إليه، مثل: شويته واشتويته، وحفرته واحتفرته، وجرحته واجترحته، وفي التنزيل: اجترحوا السيئات [الجاثية/ 21] وفيه ويعلم ما جرحتم بالنهار [الأنعام/ 60] وكذلك: فديته وافتديته، وهذا كثير. وأما قوله:
فأتبعوهم مشرقين [الشعراء/ 60] فتقديره: فأتبعوهم جنودهم، فحذف أحد المفعولين كما حذف في قوله: لينذر بأسا شديدا من لدنه [الكهف/ 2] ومن قوله: لا يكادون يفقهون قولا [الكهف/ 93] والمعنى: لا يفقهون أحدا قولا، ولينذر الناس بأسا شديدا، وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم [الأنعام/ 51] أي: عذابه أو
[الحجة للقراء السبعة: 5/167]
حسابه، وقال: إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه [آل عمران/ 175] أي: يخوفهم بأوليائه، يدلّك على ذلك: فلا تخافوهم وخافون [آل عمران/ 175]. فقوله: فأتبع سببا إنما هو افتعل الذي هو للمطاوعة، فتعدى إلى مفعول واحد، كقوله: واتبعوا ما تتلوا الشياطين [البقرة/ 102] واتبعك الأرذلون [الشعراء/ 111].
فأمّا قراءتهم: فأتبعوهم مشرقين [الشعراء/ 60] فالمعنى: أتبعوهم جنودهم مشرقين، وقوله: فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا [يونس/ 90] تقديره: أتبعهم فرعون طلبه إيّاهم وتتّبعه لهم، وكذلك فأتبعه شهاب مبين. المعنى: أتبعه شهاب مبين الإحراق، والمنع من استراق السمع. وقوله: واتبع الذين ظلموا [هود/ 116] فمطاوع تبع، تعدّى إلى مفعول واحد، ومثله: واتبعك الأرذلون [الشعراء/ 111]. وأما ما رواه حسين عن أبي عمرو: (واتّبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه) فإن أتبع يتعدى إلى مفعولين من حيث كان منقولا من تبعه، فأقيم أحدهما مقام الفاعل، وانتصب الآخر كما انتصب الدرهم في: أعطي زيد درهما، والمعنى: وأتبع الذين ظلموا عقاب ما أترفوا فيه، وجزاء ما أترفوا فيه.
وقرأه عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: (فأتبع سببا) تقديره: فأتبع سببا سببا، أو أتبع أمره سببا، أو أتبع ما هو عليه سببا، وقد فسّرت الآي التي ذكرها بعد فيما تقدّم. وقال بعض المتأوّلين في قوله: وآتيناه من كل شيء سببا [الكهف/ 84] المعنى: وآتيناه من كلّ شيء بالخلق إليه حاجة سببا، أي: علما ومعونة له على ما مكّناه فيه، وأتبع سببا، يراد به: اتجه في كلّ وجه وجهناه له وأمرنا به للسبب الذي
[الحجة للقراء السبعة: 5/168]
ينال به صلاح ما مكن منه. وقال أبو عبيدة: اتّبع سببا: طريقا وأثرا). [الحجة للقراء السبعة: 5/169] (م)
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (37- {فَاتَّبَعَ سَبَبًا} [آية/ 85]، {ثَمَّ اتَّبَعَ سَبَبًا} [آية/ 89 و92] بوصل الألف وبالتشديد:
قرأها ابن كثير ونافعٌ وأبو عمرو ويعقوب.
وقرأ ابن عامر والكوفيون {فَأَتْبَعَ سَبَبًا} {ثُمَّ أَتْبَعَ} بقطع الألف من غير تشديد.
والوجه أن اتَّبع بوصل الألف والتشديد مثل افتعل، يتعدى إلى مفعول واحد، وكذلك تبع بكسر الباء على فعل، يقال تبعت الشيء واتبعته.
وأما أتبع بقطع الألف فإنه يتعدى إلى مفعولين.
قال أبو علي: أتبعت بقطع الألف، منقولٌ بالهمزة من تبعت الذي يتعدى إلى مفعول واحد، فصار بالنقل يتعدى إلى مفعولين، والتقدير ههنا: أتبع أمره سببًا، ومثله قوله تعالى {فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ} أي اتبعوهم جنودهم مشرقين). [الموضح: 796] (م)

قوله تعالى: {حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (بين السّدّين)، و(بينهم سدًّا)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو، (بين السّدّين)، و(بينهم سدًّا)، بفتح السين - وقرآ في يس (وجعلنا من بين أيديهم سدًّا ومن خلفهم سدًّا) بضم السين.
وقرأ نافع وعاصم من رواية في أبي بكر وابن عامر بضم السين في كل ذلك.
ويعقوب في أربعة المواضع.
وكذلك روى حفص عن عاصم بفتح ذلك كله.
وقرأ حمزة والكسائي (بين السّدّين)، بضم السين في هذه وحدها، ويفتحان (بينهم سدًّا) و(من بين أيديهم سدًّا ومن خلفهم سدًّا).
وأخبرني المنذري عن أبي جعفر الغسّاني عن سلمة أنه سمع أبا عبيدة قال: (السّدّين) مضموم إذا جعلوه مخلوقا من فعل اللّه، وإن كان من فعل الآدميين فهو (سدّة) مفتوح.
[معاني القراءات وعللها: 2/122]
قال: وقال الكسائي: (السّدّين) ضم السين ونصبها سواء السّد والسّد، و(جعلنا من بين أيديهم سدًّا) و(سدًّا) ). [معاني القراءات وعللها: 2/123] (م)
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (لا يكادون يفقهون قولًا (93)
قرأ حمزة والكسائي (يفقهون) بضم الياء وكسر القاف، وقرأ الباقون (يفقهون)، بفتح الياء والقاف.
قال أبو منصور: من قرأ (لا يكادون يفقهون قولًا) فمعناه: لا يكادون يفقهون عنك.
ومن قرأ (يفقهون) فمعناه: لا يكادون يفهمون غيرهم إذا نطقوا، والفقيه معناه - العالم). [معاني القراءات وعللها: 2/123]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (34- وقوله تعالى: {بين السدين} [93] و{بينهم سدا} [94] {ومن خلفهم سدا}.
فقال أبو عمرو: السد في العين، والسد: الحاجز بينك وبين الشيء. وقال حجاج عن هارون عن أيوب عن عكرمة قال: كل ما كان من صنع الله فهو السد، وما كان من صنع بني آدم فهو سد. وكان ذو القرنين عمد إلى الحديد فجعله أطباقًا وجعل بينهما الفحم والحطب ووضع عليه الملاج، يعني: المفتاح {حتى إذا جعله نارا قال آتوني} أي: أعطوني {أفرغ عليه قطرا} [96]، والقطر: النحاس فصار جبل حديد مرتفعا {فما استطاعوا أن يظهروه} أي: يعلوه، {وما استطاعوا له نقبا} [97].
وروى حفص عن عاصم بفتح ذلك كله.
وقرأ حمزة والكسائي {بين السدين} وفتحا الباقي.
وقرأ الباقون برفع ذلك كله). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/417] (م)
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (35- وقوله تعالى: {لا يكادون يفقهون قولا} [93].
قرأ حمزة والكسائي {يفقهون} بضم الياء من أفقه يفقه.
وقرأ الباقون: {يفقهون} ومعناه: لا يفهمون، ومن ضم فمعناه: لا يبينون لغيرهم يقال: فقه يفقه وفقه يفقه وفقه يفقه مثل فهم يفهم. سمعت إبراهيم الطاهري يقول: المنافق إن فقه لم يفقه وإن نقه لم ينقه.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/417]
وسمعت ابن مجاهد يقول: الاختيار الفتح؛ لأنك إذا ضممت الياء فقد حذفت مفعولاً والتقدير: لا يفقهون أحدًا قولاً). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/418]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في ضمّ السين وفتحها من قوله جل وعزّ: (بين السدين) [الكهف/ 93].
فقرأ ابن كثير: بين السدين بفتح السين، وبينهم سدا
[الحجة للقراء السبعة: 5/170]
[الكهف/ 94] بفتح السين أيضا، وقرأ في يس: (سدّا) و (سدّا) [9]، وأبو عمرو مثله. حفص عن عاصم بفتح ذلك كلّه.
وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر بضم السين في ذلك كلّه، وكذلك ابن عامر.
وقرأ حمزة والكسائي بضم (بين السّدين) وحدها، ويفتحان:
وبينهم سدا ومن بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا.
أبو عبيدة: كلّ شيء وجدته العرب من فعل الله من الجبال والشعاب فهو سدّ، وما بناه الآدميون فهو سدّ، وقال غيره: هما لغتان بمعنى واحد، كالضّعف والضّعف، والفقر والفقر.
قال أبو علي: ويجوز أن يكون السّد المصدر من سددته سدا، والسّد: المسدود في الأشياء التي يفصل فيها بين المصادر والأسماء نحو السّقي والسّقي، والطّحن والطّحن والشّرب والشّرب والقبض والقبض، فإذا كان ذلك كذلك، فالأشبه (بين السّدين) لأنه المسدود.
ويجوز فيمن فتح السّدين أن يجعله اسما للمسدود، نحو: نسج اليمن، وضرب الأمير تريد بهما: منسوجه ومضروبه، فأما ما في يس من قوله: (وجعلنا من بين أيديهم سدا) [يس/ 9]، فمن ضم كان المعنى جعلنا بينهم مثل السّد والحاجز المانع من الرؤية، ومن فتح جعل السّد المسدود، قال أبو الحسن المفتوحة أكثر اللغتين). [الحجة للقراء السبعة: 5/171]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح الياء وضمها من قوله تعالى: يفقهون قولا [الكهف/ 93].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر: (يفقهون قولا) بفتح الياء، وقرأ حمزة والكسائي: يفقهون قولا بضم الياء، وكسر القاف.
لا يكادون يفقهون قولا أي: يعلمونه ولا يستنبطون من فحواه شيئا. ومن قال: (لا يكادون يفقهون) فإنّ فقهت فعل يتعدّى إلى مفعول واحد، تقول: فقهت السّنّة، فإذا نقلته بالهمزة تعدّى إلى مفعولين، فالمعنى فيمن ضم: لا يكادون يفقهون أحدا قولا، فحذف أحد المفعولين كما حذف من قوله: لينذر بأسا شديدا [الكهف/ 2] وكما حذف من قوله: فأتبعوهم مشرقين [الشعراء/ 60]. وهذا النحو غير ضيّق). [الحجة للقراء السبعة: 5/172]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({حتّى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا}
قرأ ابن كثير وأبو عمرو {بين السدين} و{وبينهم سدا} 94 بالفتح وفي يس {سدا} بالرّفع قال أبو عمرو السد الشّيء الحاجز بينك وبين الشّيء والسد في العين والعرب تقول بعينه سدة بالرّفع واستدلّ على ذلك بقوله {فأغشيناهم فهم لا يبصرون}
[حجة القراءات: 430]
أي جعلنا على أبصارهم غشاوة فهم لا يبصرون طريق الهدى والحق
قرأ حمزة والكسائيّ {بين السدين} بالرّفع {وبينهم سدا} بالفتح وكذلك في يس
قال أبو عبيد كل شيء وجدته العرب من فعل الله من الجبال والشعاب فهو سد بالضّمّ وما بناه الآدميون فهو سد بالفتح وكذا قال أيضا عكرمة فذهب حمزة والكسائيّ في قوله {أن تجعل بيننا وبينهم سدا} أنه من صنع النّاس وفي يس إلى المعنى وذلك أنه يجوز أن يكون الفتح فيهما على معنى المصدر الّذي صدر عن غير لفظ الفعل لأنّه لما قال {وجعلنا من بين أيديهم سدا} كأنّه قال وسددنا ثمّ أخرج المصدر على معنى الجعل إذا كان معلوما أنه لم يرد بقوله في يس {سدا} ما أريد به في قوله {بين السدين} لأنّهما جبلان وهي ها هنا عارض في العين
قرأ نافع وابن عامر وأبو بكر جميع ذلك بالرّفع وقرأ حفص جميع ذلك بالنّصب
وحجتهم أنّهما لغتان بمعنى واحد كالضعف والضعف والفقر والفقر
[حجة القراءات: 431]
قرأ حمزة والكسائيّ {لا يكادون يفقهون} بضم الياء أي لا يفقهون غيرهم إذا كلموهم تقول أفقهني ما تقول أي أفهمني
وقرأ الباقون {لا يكادون يفقهون} بالفتح أي لا يفهمون ما يقال لهم كما تقول كلمته ولم يفقه أي لم يفهم
واعلم أن فقهت فعل يتعدّى إلى مفعول تقول فقهت السّنة فإذا نقلته بالهمزة تعدى إلى مفعولين فالمعنى فيمن ضم لا يكادون يفقهون أحدا قولا فحذف أحد المفعولين كما حذف من قوله {لينذر بأسا شديدا} ). [حجة القراءات: 432]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (59- قوله: {السدين}، و{سدا} قرأ نافع وابن عامر وأبو بكر «سُدُا» بالضم، وفتح الباقون، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو {السدين} بالفتح، وضم الباقون، وقرأ حفص وحمزة والكسائي في يس: {سدا} «9» بالفتح في الموضعين، وضمهما الباقون، وهما لغتان كالضعف والضُعف، والفَقر والفُقر، وقال أبو عبيد: كل شيء من فعل الله جل ذكره كالجبال والشعاب، فهو «سُدّ» بالضم، وما بناه الآدميون فهو «سدّ» بالفتح، وهذا القول من قول عكرمة وقول أبي عبيدة وقطرب، وحكى الفراء
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/75]
عن المشيخة نحوه، ويكون «السدين» بالضم؛ لأنه من فعل الله جل ذكره، ويكون {سدا} في هذه بالفتح، لأنه من فعل الآدميين، ويكون «سدا» في يس بالضم، لأنه من فعل الله جل ذكره على هذا التفسير، وقيل: السد بالفتح المصدر، والسد بضم السين الشيء المسدود. وقال اليزيدي: السد بالفتح، الحاجز بينك وبين الشيء، والسُّد بالضم في العين، وكان أبو عمرو يذهب إلى أن الضم والفتح بمعنى الحاجز، لغتان في هذه السورة، وذهب في يس إلى أن الضم بمعنى «سدة العين» تقول العرب: بعينيه سدة، وهما لغتان عند الكسائي بالزَّعم والزُّعم. وقيل: الفتح يُراد به المصدر، والضم يراد به الاسم كالغُرفة والغَرفة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/76]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (60- قوله: {يفقهون قولا} قرأه حمزة والكسائي بضم الياء، وكسر القاف، وقرأ الباقون بفتح الياء والقاف.
وحجة من قرأ بالضم أنه جعل الفعل رباعيًا، فعدّاه إلى مفعولين، أحدهما محذوف، والتقدير: لا يكادون يفقهون الناس قولا، أو يفقهون أحدًا قولا، أي: لا يفهم كلامهم، فهم لا يفهمون الناس كلامهم، جعل الفعل لهم متعديا إلى غيرهم.
61- وحجة من قرأ بفتح الياء أنه جعله فعلًا ثلاثيًا، يتعدى إلى مفعول واحد، وهو القول، يُقال: فقهت الشيء، وأفقهت زيدا الشيء، فالمعنى أنهم في أنفسهم لا يفقهون كلام أحد، ومعنى القراءة الأخرى لا يكادون يفقهون أحدًا كلامهم لعجمته). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/76]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (40-{بَيْنَ السَّدَّيْنِ}[آية/ 93] بفتح السين:
قرأها ابن كثير وأبو عمرو، وكذلك{بَيْنَهُمْ سَدًا}، وقرءا في يس{سَدًا ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدًا}بضم السين.
وقرأ نافع وابن عامر وعاصم- ياش- ويعقوب بضم السين في الأحرف الأربعة.
عن عاصم بفتح السين في الأحرف الأربعة.
وقرأ حمزة والكسائي{بَيْنَ السَّدَّيْنِ}بضم السين، وفتح السين في الثلاثة.
والوجه أن السَد والسُد لغتان بمعنى واحد كالضَعف والضُعف والفقر والفقر.
وقال أبو عبيدة: كل شيء وجد من فعل الله تعالى كالجبال والشعاب فهو سُد بضم السين، وما بناه الآدميون فهو سَد بالفتح.
[الموضح: 798]
وقال الأخفش: السد بالفتح أكثر استعمالاً من السد بالضم.
وقال أبو علي: السد مصدر سددته سداً، والسد المسدود، كالأَكل والأُكل). [الموضح: 799]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (41-{يَفْقَهُونَ قَوْلاً}[آية/ 93] بضم الياء وكسر القاف:
قرأها حمزة والكسائي.
والوجه أنه من أفقه الذي نقل بالهمزة من فقه، يقال فقهت الشيء: فهمته، وأفقهته إياه أفهمته، فهو بالنقل يتعدى إلى مفعولين، والمعنى لا يفقهون أحدا قولا.
وقرأ الباقون{يَفْقَهُونَ}بفتح الياء والقاف جميعًا.
والوجه أنه من فقهت القول إذا فهمت معناه، وأراد لا يفهمون معنى القول). [الموضح: 799]

قوله تعالى: {قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَىٰ أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (بين السّدّين)، و(بينهم سدًّا)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو، (بين السّدّين)، و(بينهم سدًّا)، بفتح السين - وقرآ في يس (وجعلنا من بين أيديهم سدًّا ومن خلفهم سدًّا) بضم السين.
وقرأ نافع وعاصم من رواية في أبي بكر وابن عامر بضم السين في كل ذلك.
ويعقوب في أربعة المواضع.
وكذلك روى حفص عن عاصم بفتح ذلك كله.
وقرأ حمزة والكسائي (بين السّدّين)، بضم السين في هذه وحدها، ويفتحان (بينهم سدًّا) و(من بين أيديهم سدًّا ومن خلفهم سدًّا).
وأخبرني المنذري عن أبي جعفر الغسّاني عن سلمة أنه سمع أبا عبيدة قال: (السّدّين) مضموم إذا جعلوه مخلوقا من فعل اللّه، وإن كان من فعل الآدميين فهو (سدّة) مفتوح.
[معاني القراءات وعللها: 2/122]
قال: وقال الكسائي: (السّدّين) ضم السين ونصبها سواء السّد والسّد، و(جعلنا من بين أيديهم سدًّا) و(سدًّا) ). [معاني القراءات وعللها: 2/123] (م)
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (يأجوج ومأجوج (94)
قرأ عاصم وحده، (يأجوج ومأجوج) مهموزين، وفي الأنبياء مثله، والأعشى عن أبي بكر بغير همز في السورتين، وكذلك الباقون لا يهمزون.
قال أبو منصور: هما اسمان أعجميان لا ينصرفان لأنهما معرفه - وقال هذا أهل اللغة - من همز فكأنه من أجّة الحر، ومن قوله (ملحٌ أجاجٌ) للماء الشديد الملوحة - وأجة الحر توقده، ومنه: أججت النار.
فكأن التقدير في (يأجوج) - يفعول وفي (مأجوج): مفعول وجائز أن يكون ترك الهمز على هذا المعنى، ويجوز أن يكون مأجوج فاعولاً، وكذا يأجوج.
[معاني القراءات وعللها: 2/123]
وهذا لو كان الاسمان عربيين لكان هذا اشتقاقهما، فأما الأعجمية فلا تشتق من العربية). [معاني القراءات وعللها: 2/124]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فهل نجعل لك خراجًا (94)
(أم تسألهم خراجًا فخراج ربّك خيرٌ)
قرأ حمزة والكسائي ثلاثهن بالألف، وقرأهن ابن عامر كلهن بغير ألف، وقرأ الباقون (خرجًا) بغير ألف، (فخراج ربّك) بألفٍ.
قال أبو إسحاق النحوي: من قرأ (خرجًا) فالخرج: الفيء - والخراج: الضريبة.
والخراج عند النحويين: الاسم لما يخرج من الفرائض في الأموال. والخرج: المصدر.
وقال الفراء: الخراج: الاسم الأول - والخرج كالمصدر (إن خرج رأسك) كأنه الجعل.
كأنه خاص، والخراج العام). [معاني القراءات وعللها: 2/124]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (34- وقوله تعالى: {بين السدين} [93] و{بينهم سدا} [94] {ومن خلفهم سدا}.
فقال أبو عمرو: السد في العين، والسد: الحاجز بينك وبين الشيء. وقال حجاج عن هارون عن أيوب عن عكرمة قال: كل ما كان من صنع الله فهو السد، وما كان من صنع بني آدم فهو سد. وكان ذو القرنين عمد إلى الحديد فجعله أطباقًا وجعل بينهما الفحم والحطب ووضع عليه الملاج، يعني: المفتاح {حتى إذا جعله نارا قال آتوني} أي: أعطوني {أفرغ عليه قطرا} [96]، والقطر: النحاس فصار جبل حديد مرتفعا {فما استطاعوا أن يظهروه} أي: يعلوه، {وما استطاعوا له نقبا} [97].
وروى حفص عن عاصم بفتح ذلك كله.
وقرأ حمزة والكسائي {بين السدين} وفتحا الباقي.
وقرأ الباقون برفع ذلك كله). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/417] (م)
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (36- وقوله تعالى: {إن يأجوج ومأجوج مفسدون} [94].
قرأ عاصم وحده {يأجوج ومأجوج} بالهمز.
وقرأ الباقون بغير همز، فقال النحويون: هو الاختيار؛ لأن الأسماء الأعجمية سوى هذا الحر فغير مهموز نحو طالوت وجالوت وهاروت وماروت. وحجة من همز أن يأخذه من أجيج النار، ومن لامح الأجاج فيكون يفعولاً منه، هذا فيمن جعله عربيا وترك صرفه للتعريف؛ لأنها قبيلة.
والاختيار أن تقول: لو كان عربيًا لكان هذا اشتقاقه ولكن الأعجمي لا يُشتق قال رؤبة:
لو كان يأجوج ومأجوج معا
وعاد عاد واستجاشوا تبعا
فترك الصرف في الشعر كما هو في التنزيل. وجمع يأجوج يآجيج مثل يعقوب ويعاقيب، واليعقوب: ذكر الفتخ، والأنثى: الحجلة. وولد الفتح: السلك، والأنثى: السلكة، ومن ذلك قولهم: سليك بن السلكة. وقال الخليل رضي الله عنه: الذعفوفة: ولد الفتح والقهبي أبوه. ذكره في كتاب «العين».
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/418]
ومن جعل يأجوج ومأجوج فاعولاً جمعه يواجيج بالواو، مثل هارون وهوارين وطاغوت وطواغيت). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/419]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (37- وقوله تعالى: {خرجا} [94].
قرأ ابن عامر {خرجا}. وكذلك في (قد أفلح) {فخرج ربك}.
وقرأ حمزة والكسائي {خرجا} {فخرج ربك} والأمر بينهما قريب، لأن الخرج: الجعل، والخراج: الإتاوة والضريبة التي يأخذها السلطان من الناس كل سنة.
ومن قرأ {خرج ربك} فحجته أيضًا -: ما حدثني أحمد عن علي عن أبي عبيد قال: رأيت في مصحف عثمان الذي يقال: إنه (الإمام) {أم تسئلهم خرجا} مكتوب بغير ألف). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/419]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في همز يأجوج ومأجوج [الكهف/ 94].
فقرأ عاصم وحده: يأجوج ومأجوج مهموز هاهنا، وفي سورة الأنبياء [96] أيضا. وقرأ الباقون بغير همز.
اعلم أنك إن جعلت (يأجوج) عربيّا فيمن همز فهو يفعول مثل يربوع، وهو من أجّ من قولك: هبّ له بأجّة، وليس من يأجج الذي
[الحجة للقراء السبعة: 5/172]
حكاه سيبويه، لأن الياء في يأجج فاء فالكلمة من ياء وهمزة وجيم وأظهر الجيم في يأجج لأنها للإلحاق كما أظهرت الدال في مهدد لذلك، ولو كان في العربية فعلول لأمكن أن يكون يأجوج فيمن همز فعلول من يأجوج، ومن لم يهمز فقال: يأجوج، أمكن أن يكون خفف الهمزة، فقلبها ألفا مثل رأس، فهو على قوله أيضا يفعول، فإن كانت الألف في يأجوج فيمن لم يهمز ليس على التخفيف، فإنه فاعول من ي ج ج، فإن جعلت الكلمة من هذا الأصل كانت الهمزة فيها كمن قال: سأق، ونحو ذلك مما جاء مهموزا ولم ينبغ أن يهمز، ويكون الامتناع من صرفه على هذا للتأنيث والتعريف، كأنه اسم للقبيلة كمجوس.
وأما (مأجوج) فيمن همز فمفعول من أجّ كما أن يأجوج يفعول منه، فالكلمتان على هذا من أصل واحد في الاشتقاق. ومن لم يهمز ماجوج كان ماجوج عنده فاعول من مجّ، كما كان يأجوج من يجّ، فالكلمتان على هذا من أصلين وليسا من أصل واحد، كما كانتا كذلك فيمن همزهما، ويكون ترك الصرف فيه أيضا للتأنيث والتعريف، وإن جعلتهما من العجمي فهذه التمثيلات لا تصح فيهما، وامتنعا من الصرف للعجمة والتعريف، وإنما تمثل هذه التمثيلات في العجمية ليعلم أنها لو كانت عربيّة لكانت على ما يذكرا). [الحجة للقراء السبعة: 5/173]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله جل وعز: خرجا [الكهف/ 94] فخراج ربك [المؤمنون/ 72].
[الحجة للقراء السبعة: 5/173]
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم: خرجا، وفي المؤمنين: خرجا بغير ألف. فخراج الأخير بألف.
وقرأ ابن عامر: خرجا بغير ألف، وفي المؤمنين خرجا بغير ألف، (فخرج ربّك) بغير ألف في الثلاثة.
وقرأ حمزة والكسائي ثلاثتهن بألف.
قال أبو علي: هل نجعل لك خرجا: أي: هل نجعل لك عطيّة نخرجها إليك من أموالنا، وكذلك قوله: أم تسألهم خرجا، أي: مالا يخرجونه إليك، فأما المضروب على الأرض فالخراج، وقد يجوز في غير ضرائب الأرض الخراج بدلالة قول العجاج:
يوم خراج يخرج الشمرّجا.
فهذا ليس على الضرائب التي ألزمت الأرضين المفتتحة كأرض السواد، لأن ذلك لا يكاد يضاف إلى وقت من يوم وغيره، وإنما هو شيء مؤبد لا يتغير عما عليه من اللزوم للأرضين، ويدلّ على أن الخراج العطيّة منهم له، قوله في جوابه لهم: ما مكني فيه ربي خير [الكهف/ 95] كأن المعنى: ما مكنني فيه من الاتساع في الدنيا خيرٌ من خرجكم الذي بذلتموه لي، فأعينوني بقوّة دون الخراج الذي بذلتموه). [الحجة للقراء السبعة: 5/174]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا}
قرأ عاصم {إن يأجوج ومأجوج} بالهمز وفي الأنبياء مثله جعله من أجه الحر ومن قوله {ملح أجاج} وأجة الحر شدته وتوقده ومن هذا قولهم أججت النّار ويكون التّقدير في يأجوج
[حجة القراءات: 432]
يفعول نحو يربوع وفي مأجوج مفعول وامتنعا من الصّرف على هذا للتأنيث والتعريف كأنّه اسم القبيلة
وقرأ الباقون {يأجوج ومأجوج} ياجوج فاعول وماجوج فاعول أيضا الياء فاء الفعل
قال النحويون وهو الاختيار لأن الأسماء الأعجمية سوى هذا الحرف غير مهموزة نحو طالوت وجالوت وحاروت وماروت
قرأ حمزة والكسائيّ (فهل نجعل لك خراجا) بالألف وقرأ الباقون بغير ألف
قال الزّجاج الخرج الفيء والخراج الضريبة وقيل الجزية قال والخراج عند النّحويين الاسم لما يخرج من الفرائض في الأموال والخرج المصدر وقال غيره {خرجا} أي عطيّة نخرجه إليك من أموالنا وأما المضروب على الأرض فالخراج ويدل على العطيّة قوله في جوابه لهم {ما مكني فيه ربّي خير} ). [حجة القراءات: 433]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (62- قوله: {أن يأجوج ومأجوج} همزها عاصم، ومثله في سورة
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/76]
الأنبياء، وقرأ ذلك كله الباقون بغير همز.
وحجة من همز أنه جعله عربيًا مشتقًا من «أجت النار» إذا استخرجت، أو من الأجاج، وهو المار المر، أو مِن الأجة، وهي شدة الحر، فيكون وزنه «يفعولا ومفعولا» كيربوع ومضروب.
63- وحجة من لم يهمز أنه يجوز أن يكون أصله الهمز على الاشتقاق الذي ذكرنا، ثم خفف همزه، ويجوز أن يكون لا أصل له في الهمز وهو عربي مشتق أيضًا، فإذا قدّر أن لا أصل له في الهمز كان «ياجوج» «فاعولا» من «يج» ذكره بعض أهل العلم، ولم يفسر «يج» ما هو، ويكون {مأجوج} إذا قدّرت أن لا أصل له في الهمز «فاعولا» أيضًا من «مج الماء» إذا ألقاه من فيه و«مج الشراب» كذلك، أو يكون مشتقًا من «مجاب العنب» وهو شرابه، ومن المجمجة وهي تخليط الكتاب، وامتنع صرفهما، وهما مشتقان للتأنيث والتعريف؛ لأنهما اسمان لقبيلتين كمجوس اسم للقبيلة، فإن جعلتهما في القراءتين أعجميين لم تقدر لهما اشتقاقًا، ويكون ممتنع الصرف فيهما للعجمة والتعريف). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/77]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (64- قوله: {خرجا} قرأ حمزة والكسائي «خراجا» بألف، وقرأ الباقون {خرجا} بغير ألف.
وحجة من قرأه بألف أنه جعله من «الخراج» الذي يُضرب على الأرض
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/77]
في كل عام، أي: فهل نجعل لك أجرة نؤديها إليك في كل وقت نتفق عليه، كالجزية على أن تبني بيننا وبينهم سدا، أي: حاجزا، فالخراج ما يؤدى في كل شهر أو في كل سنة.
65- وحجة من قرأ بغير ألف أنه جعله مصدر خرج، فهو الجُعل، كأنهم قالوا له: نجعل لك جُعْلا ندفعه إليك الساعة من أموالنا مرة واحدة، على أن تبني بيننا وبينهم سدا، فالخراج بألف ما يؤدى على النجوم كالأكرية والجزية، والخرج ما يؤدى في مرة واحدة، والاختيار ما عليه الجماعة، لأنهم إنما عرضوا عليه أن يعطوه أجرة وعطية من أموالهم مرة واحدة معروفة على بُنيانه، لم يعرضوا عليه أن يعطوه جزية على رؤوسهم منجمة في كل عام، واختار أبو عبيد «خراجا» بألف، وتعقّب عليه ابن قتيبة، فاختار {خرجا} بغير ألف، قال: لأن الخرج الجُعل، فهم إنما عرضوا عليه جُعلا من أموالهم يعطونه إياه على بنيانه السد في مرة واحدة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/78]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (42-{يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ}[آية/ 94] بالهمز فيهما:
قرأها عاصم وحده، وكذلك في الأنبياء{فُتِحَتْ يَأْجُوجُ ومَأْجُوجُ}بالهمز.
والوجه أنهما على هذه القراءة عربيتان، فيأجوج على هذا يفعول كيربوع،
ومأجوج مفعول، وهما جميعًا من أج الظليم إذا أسرع، فهما من أصل
[الموضح: 799]
واحد، وأنهما لا ينصرفان للتعريف والتأنيث، فإن كل واحد منهما علم لقبيلة كمجوس، قال الشاعر:
86- كنار مجوس تستعر استعارا
وقرأ الباقون{يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ}بغيرهمز في السورتين.
والوجه أنه يجوز أن يكون أصلهما الهمز، وهما على ما سبق، لكن الهمزة خففت بأن قلبت ألفا كراس، وأصله رأس بالهمز.
ويجوز أن يكون ياجوج فاعولا من ي ج ج، وماجوج فاعول أيضًا من م ج ج، فهما حينئذ من أصلين مختلفين، وترك صرفهما للتعريف والتأنيث أيضًا.
وأما إذا جُعِلا أعجميين فإنهما لا ينصرفان للعجمة والتعريف، والأظهر أن يكونا أعجميين، فلا يشتقان ولا يوزنان). [الموضح: 800]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (43-{فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا}[آية/ 94] بالألف:
[الموضح: 800]
قرأها حمزة والكسائي، وكذلك في المؤمنين{أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا}.
والوجه أن الخارج هو الي يضرب على الأرضين، وقد يكون أيضًا للعطية يخرجها الإنسان من ماله فيجعلها لغيره، والخارج أيضًا الجزية.
وقرأ الباقون{خَرْجًا}بغير ألف في السورتين.
وكلهم قرأ في المؤمنين فَخَرَاجُ رَبِّكَ}بالألف، غير ابن عامر فإنه قرأ{فَخَرَجُ رَبِّكَ خَيْرٌ}بغير ألف.
والوجه أن الخرج هو الجعل، وقيل العطية، وقيل الخراج الاسم، والخرج المصدر). [الموضح: 801]

قوله تعالى: {قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ما مكّنّي فيه (95)
[معاني القراءات وعللها: 2/124]
قرأ ابن كثير وحده (ما مكنني) بنونين، وقرأ الباقون (ما مكّنّي) بنون واحدة مشددة.
قال الفراء: (ما مكّنّي) أدغمت نونه في النون التي بعدها، وقد قرئ بإظهارها، وهو الأصل). [معاني القراءات وعللها: 2/125]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ردمًا (95) آتوني)
قرأ أبو بكر عن عاصم (ردمًا ائتوني) بكسر التنوين، ووصل الألف، على جيئوني، هذه رواية يحيى وحسين عن أبي بكر.
وروى الأعشى عن أبي بكر (ردمًا آتوني) وكذلك قرأ الباقون بالمد.
ومثله (قال آتوني أفرغ) بقطع الألف.
وقال الفراء: قرأ حمزة والأعمش: (قال ائتوني) مقصورة، ونصبا (قطرًا) بها، وجعلاها من جيئوني. قال: آتوني، أي: أعطوني.
إذا طولت الألف، "ومثله: (آتنا غداءنا).
قال: وإذا لم تطول الألف أدخلت الياء في المنصوب، وهو جائز.
قال: وقول حمزة والأعمش صواب ليس بخطأٍ من وجهين: يكون مثل قوله: أخذت بالخطام، وأخذت الخطام.
قال: ويكون على ترك الهمزة الأول في قوله: (آتوني)، فإذا سقطت الأولى همزت الثانية). [معاني القراءات وعللها: 2/125] (م)
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (38- وقوله تعالى: {ما مكني يه ربي خير} [95].
قرأ ابن كثير وحده {ما مكنني} بنونين، لام الأولى لأم الفعل أصلية، والثانية مع الياء في موضع نصب فأظهرهما ابن كثير على الأصل.
وقرأ الباقون {ما مكني} مشددًا فأدغموا إرادة للاختصار والإيجاز، و{ما} بمعنى الذي وصلته {مكني} و{خير}. خبر الابتداء، ومعناه: الذي مكني فيه ربي خير، وليست جحدًا، وكذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنا معشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة» بالرفع. والرافضة تقف به «ما تركنا صدقة». فأخطأوا الإعراب والدين جميعًا. وناظرني بعض الرافقة في قول النبي صلى الله عليه وسلم:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/419]
«ما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر رضي الله عنه» فقال: ما الثانية جحد مثل الأولى، أي: لم ينفعني مال أبي بكر؟! فقلت له: إن قلة معرفتك بالعربية قد أدتك إلى الكفر، وإنما «ما» الثانية بمعنى «الذي» وتلخيصه لم ينفعني مال كما نفعني مال أبي بكر رضي الله عنه. وهذا واضح جدًا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/420]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: كلّهم قرأ: ردما، آتوني [الكهف/ 95، 96] ممدودا غير عاصم فيما حدّثني به إبراهيم بن أحمد بن عمر الوكيعي عن أبيه عن
[الحجة للقراء السبعة: 5/174]
يحيى عن أبي بكر عن عاصم: (ردما ائتوني) بكسر النوين.
وحدّثني موسى بن إسحاق عن أبي هشام عن يحيى عن أبي بكر عن عاصم (ردما. ءاتوني) بكسر النوين على معنى جيئوني. وحدّثني.
موسى بن إسحاق عن هارون عن حسين عن أبي بكر عن عاصم:
(ردما ءاتوني) مثله، على جيئوني.
وروى حفص عن عاصم: ردما آتوني مثل أبي عمرو.
حجة من قرأ ردما ءاتوني أن (ائتوني) أشبه بقوله: فأعينوني بقوة [الكهف/ 95] لأنه كلّفهم المعونة على عمل السد، ولم يقبل الخراج الذي بذلوه. فقوله: (ءاتوني) الذي معناه: جيئوني، إنما هو معونة على ما كلّفهم من قوله: فأعينوني بقوة.
وأما آتوني فمعناه: أعطوني، وأعطوني يجوز أن يكون على المشاركة، ويجوز أن يكون على الاتهاب.
أخبرنا أبو الحسن عبد الله بن الحسين، أن ابن سماعة روى عنه محمد في رجل كان عنده ثوب لرجل، فقال له: أعطني هذا الثوب، فقال: قد أعطيتك، قال: هو صدقة، فإن لم يكن الثوب عنده ولكن عند ربّ الثوب فقال له: أعطني هذا الثوب، فقال: قد أعطيتك قال: هو عارية.
وقولهم: آتوني مثل أعطوني في المعنى، وقد احتمل أعطوني الوجهين، وكذلك يحتملها آتوني. وائتوني لا يحتمل إلا جيئوني،
[الحجة للقراء السبعة: 5/175]
فائتوني المقصورة هاهنا أحسن لاختصاصه بالمعونة فقط دون أن يكون سؤال عين، والعطيّة قد تكون هبة، قال:
ومنّا الذي أعطى الرسول عطيّة... أسارى تميم والعيون دوامع
فالعطية تجري مجرى الهبة لهم والإنعام عليهم في فك الأسير، وقد يكون بمعنى المناولة.
ووجه قول من قرأ: آتونى أنه لم يرد بآتوني: العطيّة والهبة، ولكن تكليف المناولة بالأنفس، كما كان قراءة من قرأ: (ائتونى) لا يصرف إلى استدعاء تمليك عين بهبة ولا بغيرها، وأمّا انتصاب (زبر الحديد) فإنك تقول: أتيتك بدرهم، وقال:
أتيت بعبد الله في القد موثقا... فهلا سعيدا ذا الخيانة والغدر
فيصل الفعل إلى المفعول الثاني بحرف الجر، ثم يجوز أن يحذف الحرف اتساعا، فيصل الفعل إلى المفعول الثاني على حدّ:
أمرتك الخير.. ونحوه). [الحجة للقراء السبعة: 5/176]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: قرأ ابن كثير وحد: (ما مكنني) [الكهف/ 95] بنونين، وكذلك هي في مصاحف أهل مكّة.
[الحجة للقراء السبعة: 5/176]
وقرأ الباقون ما مكني مدغم.
قال أبو زيد: رجل مكين عند السلطان من قوم مكناء، وقد مكن مكانة. قال أبو علي: مكن فعل غير متعد كشرف وعظم، فإذا ضعّفت العين عديته بذلك كقولك: شرّفته وعظمته، فقول ابن كثير: مكنني يكون منقولا من مكن، وكذلك قول الباقين، فأما إظهار المثلين في مكّنني فلأن الثاني منهما غير لازم، لأنك قد تقول: مكّنك ومكّنه فلا تلزم النون، فلما لم تلزم لم يعتد بها، كما أن التاء في اقتتلوا كذلك، ومن أدغم لم ينزله منزلة ما لا يلزم، فأدغم، كما أن من قرأ: قتّلوا في: اقتتلوا كذلك). [الحجة للقراء السبعة: 5/177]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قال ما مكني فيه ربّي خير فأعينوني بقوّة أجعل بينكم وبينهم ردما * آتوني زبر الحديد حتّى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتّى إذا جعله نارا قال آتوني أفرغ عليه قطرا} 95 و96
قرأ ابن كثير (ما مكنني فيه ربّي خير) بنونين إنّما أظهر النونين لأنّهما من كلمتين الأولى لام الفعل أصليّة والثّانية تدخل مع الاسم لتسلم فتحة النّون الأولى والنّون الثّانية مع الياء في موضع نصب
[حجة القراءات: 433]
وقرأ الباقون {مكني} بالتّشديد أدغموا النّون في النّون لاجتماعهما وما بمعنى الّذي وصلته {مكني} و{خير} خبر الابتداء المعنى الّذي مكني فيه ربّي خير لي ما يجمعون لي من الخراج
قرأ أبو بكر (ردما ايتوني) بوصل الألف جعله من الإتيان أي جيئوني يقال أتيته أي جئته والعرب تقول خذ بالخطام وخذ الخطام وحجته في قوله (ردما ايتوني) لأن إيتوتي أشبه بقوله فأعينوني لأنّه كلفهم المعونة على عمل السد ولم يقبل الخرج الّذي بذلوه له فقوله (إيتوني) معناه جيئوني بما هو معونة على ما يفهم من قوله {فأعينوني بقوّة}
وقرأ الباقون {آتوني} ممدودة أي أعطوني والأصل آتيوني فاستثقلوا الضمة على الياء فحذفوها فالتقى ساكنان الواو والياء فحذفوا الياء لالتقاء الساكنين
قرأ أبو بكر {بين الصدفين} بإسكان الدّال وضم الصّاد كأنّه استثقل الضمتين وسكن الدّال
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر {الصدفين} بضم الصّاد والدّال وقرأ الباقون بفتح الصّاد والدّال وهما لغتان
قرأ حمزة وأبو بكر (قال إيتوني قطرا) أي جيئوني به وقرأ الباقون {آتوني} أي أعطوني
[حجة القراءات: 434]
قال أبو عمرو كيف يقول لهم جيئوني وهم معه يكلمونه ويخاصمونه). [حجة القراءات: 435] (م)
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (66- قوله: {ما مكنني} قرأه ابن كثير بنونين ظاهرتين على أصله، وخف عليه ذلك لتحركهما، ولأن الثاني من المثلين غير لازم، فحسن الإظهار، كما قالوا: اقتتلوا، وهي في مصاحف المكيين بنونين في الخط، والفعل منه الثلاثي «مكن» غير متعد، فلما ثقل بالتضعيف تعدّى إلى مفعول، وهو الياء، وقرأ الباقون بنون مشددة على إدغام استخفافًا، لاجتماع مثلين متحركين في كلمة، وكذلك هي في أكثر المصاحف بنون واحدة، وهو الاختيار؛ لأن الجماعة عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/78]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (44-{قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ}[آية/ 95] بنونين:
قرأها ابن كثير وحده.
والوجه أنه أجراه على الأصل وترك الإدغام، ولم يعتد باجتماع النونين؛ لأن الثانية غير لازمة، ألا ترى أنك تقول مكنه ومكنك، فلا تثبت هذه النون الثانية.
وقرأ الباقون{مَكَّنِّي}بنون واحدة مشددة.
والوجه أنه لما اجتمعت النونان في مكنني، أدغم إحداهما في الأخرى، كما أنه لما اجتمع المثلان في{اقْتَتَلُوا}وهما التاءان أدغم إحداهما في
[الموضح: 801]
الأخرى فقالوا{قُتِلُوا} ). [الموضح: 802]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (45-{رَدْمًا * آتُونِي}[آية/ 95 و96] بكسر التنوين موصولة الألف:
قرأها عاصم- ياش-، واختلف عنه فيها.
والوجه أن معنى إئتوني جيئوني، والباء محذوف من المفعول به وهو{زُبَرَ الحَدِيدِ}.
والتقدير: جيئوني بزبر الحديد، كما تقول أمرتك الخير أي بالخير، وإنما اختار هذا عدولاً عن لفظ الايتاء الذي هو إعطاء؛ لأنه ما كلفهم إلا المعاونة بالنفوس ولم يطلب منهم المال حين قال{مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ}، فلهذا عدل عن لفظ الإيتاء إلى هذا اللفظ؛ لأن المجيء بالشيء لا يتضمن الإعطاء والهبة.
وقرأ الباقون و- ص- عن عاصم{آتُونِي}بمد الألف.
والوجه أن المعنى أعطوني، و{زُبَرَ الحَدِيدِ}منصوب على أنه مفعول به، والإيتاء ههنا ينصرف إلى معنى المناولة لا إلى معنى الإعطاء والهبة، لما قدمنا من أنه لم يكلفهم العطية). [الموضح: 802] (م)

قوله تعالى: {آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ردمًا (95) آتوني)
قرأ أبو بكر عن عاصم (ردمًا ائتوني) بكسر التنوين، ووصل الألف، على جيئوني، هذه رواية يحيى وحسين عن أبي بكر.
وروى الأعشى عن أبي بكر (ردمًا آتوني) وكذلك قرأ الباقون بالمد.
ومثله (قال آتوني أفرغ) بقطع الألف.
وقال الفراء: قرأ حمزة والأعمش: (قال ائتوني) مقصورة، ونصبا (قطرًا) بها، وجعلاها من جيئوني. قال: آتوني، أي: أعطوني.
إذا طولت الألف، "ومثله: (آتنا غداءنا).
قال: وإذا لم تطول الألف أدخلت الياء في المنصوب، وهو جائز.
قال: وقول حمزة والأعمش صواب ليس بخطأٍ من وجهين: يكون مثل قوله: أخذت بالخطام، وأخذت الخطام.
قال: ويكون على ترك الهمزة الأول في قوله: (آتوني)، فإذا سقطت الأولى همزت الثانية). [معاني القراءات وعللها: 2/125] (م)
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (قوله جلّ وعزّ: (بين الصّدفين (96)
[معاني القراءات وعللها: 2/125]
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر والحضرمي (بين الصّدفين) بضم الصاد والدال، وقرأ نافع وحفص وحمزة والكسائي (الصّدفين) بفتح الصاد والدال، وقرأ أبو بكر عن عاصم (الصّدفين) بضم الصاد وسكون الدال.
قال أبو منصور: من سكّن الدال خفف الضمتين، كما يقول: الصّحف والصّحف والرسل والرسل.
والصّدفان والصّدفان: ناحيتا جبلين بينهما طريق.
فناحيتاهما يتقابلان.
وصادفت فلانًا، إذا قابلته.
والصّدف والصّدفة: الجانب والناحية). [معاني القراءات وعللها: 2/126]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (قال آتوني)
قرأ حمزة (قال ائتوني) قصرًا.
وقد روي عن يحيى عن أبي بكر مثل قراءة حمزة.
وقرأ الباقون (قال آتوني). وكذلك قرئت على أصحاب عاصم بالمدّ). [معاني القراءات وعللها: 2/126]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (39- وقوله تعالى: {حتى إذا ساوى بين الصدفين} [96].
قرأ عاصم برواية ابن [ذكوان] {الصدفين} بإسكان الدال وضم الصاد ومعناه: بين الجبلين، قال الشاعر:
قد أخذت ما بين عرض الصدفين
ناحيتيها وأعالي الركنيين
وقرأ أبو عمرو وابن كثير: {الصدفين} بضمتين جعلهما لغتين مثل السُّحْتِ والسُّحُتِ والرُّعْبِ والرُّعُبِ.
وقرأ الباقون: {بين الصدفين} بفتح الصاد والدال، وأحدهما صدف. فمن قرأ بهذه القراءة فحجته: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا مر بصدف مائل أسرع المشي» وفي حديث آخر: «كان إذا مر بطربال مائل أسرع المشي» أي: حائط). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/420]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (40- وقوله تعالى: {ءاتوني أفرغ عليه} [96].
قرأ عاصم وحمزة: {قال إيتوني} قصرًا من غير مد جعلاه من باب جيئوني، يقال: أتيته: جئته، وآتيته: أعطيته، وكذلك قرأ الباقون: آتوني: أعطوني، والأصل أيتيوني فاستثقلوا الضمة على الياء فحذفوها فالتقى ساكنان الواو والياء فحذفوا الياء لالتقاء الساكنين). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/421]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله: بين الصدفين [الكهف/ 96].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر: (الصدفين) بضم الصاد والدال.
وقرأ نافع وحمزة والكسائي: الصدفين بفتح الصاد والدال.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر (الصدفين) بضم الصاد وتسكين الدال. وروى حفص عن عاصم: الصدفين بفتحتين.
هذه لغات في الكلمة فاشية زعموا. وقال أبو عبيدة: الصدفان: جانبا الجبل). [الحجة للقراء السبعة: 5/177]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله تعالى: آتوني أفرغ عليه [الكهف/ 96] فقرأ
[الحجة للقراء السبعة: 5/177]
ابن كثير ونافع وابن عامر والكسائي قال آتوني أفرغ ممدودا، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة (قال ائتوني) قصرا.
وروى خلف عن يحيى عن أبي بكر عن عاصم أنه قال: آتوني ممدودة. حفص عن عاصم قال: آتوني ممدودة.
قال أبو على: أما قراءة من قرأ (ائتوني أفرغ عليه قطرا) فمعناه: جيئوني به، واللفظ على إيصال الفعل إلى المفعول الثاني بالحرف، كما كان قوله: (ائتوني زبر الحديد) كذلك، إلا أنه أعمل الفعل الثاني، ولو أعمل الأول لكان: (ائتوني أفرغه عليه قطرا)، إلا أن تقدير الفعل أن يصل إلى المفعول الثاني، بلا حرف كما كان كذلك في قوله: (ائتوني زبر الحديد)، وجميع ما مرّ بنا في التنزيل من هذا النحو إنما هو على إعمال الثاني كما يختاره سيبويه، فمنه قوله: يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة [النساء/ 176] ومنه قوله: هاؤم اقرؤوا كتابيه [الحاقة/ 19].
ووجه من قال: آتوني أفرغ عليه قطرا أن المعنى: ناولوني قطرا أفرغه عليه، إلا أنه أعمل الثاني من الفعلين كما أعمل الثاني في قصر ائتوني). [الحجة للقراء السبعة: 5/178]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: كلّهم قرأ فما اسطاعوا [الكهف/ 96] بتخفيف الطاء غير حمزة فإنه قرأ (فما استطاعوا) يريد: فما استطاعوا، ثم يدغم التاء في الطاء، قال: وهذا غير جائز لأنه قد جمع بين السين وهي ساكنة والتاء المدغمة وهي ساكنة.
[الحجة للقراء السبعة: 5/178]
قالوا: طاع يطوع، فلم يتعدّ الفعل منه، فإذا أريد تعديته ألحقت الهمزة فقالوا: أطعت زيدا، قال: وأطيعوا الله ورسوله [الأنفال/ 1] وقالوا أيضا: اسطاع يسطيع في معنى أطاع يطيع، وقولهم: أسطاع أفعل، وإنما ألحقت السين البناء لنقل الحركة إلى الفاء وتهيئة الكلمة بنقل الحركة فيها للحذف، ألا ترى أنها هيأت الكلمة للحذف منها في نحو لم يسطع، ومثل السين في ذلك الهاء في قول من قال: أهراق يهريق. فالهاء في أنها عوض مثل السين في اسطاع، وليس هذا العوض بلازم، ألا ترى أنّ ما كان نحوه لم يلزم هذا العوض. وقالوا أيضا: استطاع يستطيع، وفي التنزيل: هل يستطيع ربك [المائدة/ 112] فهذا استفعل، وكأن استفعل في ذلك جاء في معنى أفعل، كما أنّ استجاب في معنى أجاب في نحو:
فلم يستجبه عند ذاك مجيب وحذفوا من الكلمة التاء المزيدة مع السين فقالوا: اسطاع يسطيع، وفي التنزيل: فما استطاعوا أن يظهروه وهو قراءة الجمهور، لما اجتمعت المتقاربة أحبّوا التخفيف بالإدغام كما أحبّوا ذلك في الأمثال، فلمّا لم يسغ التخفيف بالإدغام لتحريك ما لم يتحرك في موضع عدل عنه إلى الحذف، كما أنه لما اجتمع المثلان في قولهم: علماء بنو فلان، يريدون: على الماء، ولم يسغ إدغام الأولى في الثانية وإن كانت تتحرك بحركة الهمزة في نحو قولهم: الحمر، حذفوا الأول من المثلين لما كان الإدغام يؤدي إلى تحريك ما تكره الحركة فيه فأما تحريكه بحركة الهمزة فهي في هذا التحريك في نية السكون
[الحجة للقراء السبعة: 5/179]
يدلّك على ذلك تقدير همزة الوصل مع تحرّك اللام، فقالوا: علماء بنو فلان، فحذفوا الأول من المثلين حيث لم يتجه الإدغام، وهذا أولى من قولهم، اسطاع، لأن هذه السين لم تتحرك في موضع من الحركات كما تحركت اللام، فهذا استفعل بمنزلة أفعل وأجروا المتقاربين في هذا مجرى المثلين، فقالوا: بلعنبر، لما كانت النون مقاربة اللام، وكانت تدغم فيها في نحو: من لك، أريد إدغامها في هذا الموضع أيضا، فلما لم يسغ ذلك عندهم خففوا بالحذف كما خففوا به في المثلين، ولغة أخرى خامسة في الكلمة، وهي أن بعضهم قال في:
يسطيع: يستيع، فهذا يحتمل أمرين: أحدهما: أنه أبدل من الطاء التي هي فاءٌ التاء ليقربها من الحرف الذي قبلها، فأبدل التاء لتوافق السين في الهمس، كما أبدل الدال من التاء في نحو: ازدان ليوافق ما قبله في الجهر، والآخر: أن يكون حذف الطاء لما لم يستقم إدغام ما قبلها في المتقارب منها، كما حذف المثل والمتقارب من: علماء بنو فلان، وبلعنبر، ويكون هذا في أنه حذف من الكلمة الأصل للتخفيف، بمنزلة قولهم: تقيت، ألا ترى أنه في الأصل: اتّقى، فحذف الفاء التي هي في الأصل واو، فلما حذفها سقطت همزة الوصل المجتلبة لسكون الفاء فبقي تقيت على فعلت، فإن قلت: فلم لا يكون على أنه أبدل من الفاء التي هي واو التاء، كما أبدل من تيقور وتولج ونحو ذلك، ولا يكون على ما ذكرت من حذفه الفاء من افتعلت، فالدليل
[الحجة للقراء السبعة: 5/180]
على أن الحذف من افتعلت وليس على حد ما ذكرت قولهم في المضارع: يتقي ولو كان على الحد الآخر لسكن ما بعد حرف المضارعة وأنشدنا:
يتقي به نفيان كلّ عشيّة ومثل تقديره الفاء التي هي طاء من يستيع، تقدير حذف التاء من قولهم: استخد فلان ما لا، يجوز أن يكون: استتخد، فحذف الفاء لاجتماع حروف متماثلة، فحذفت التاء التي هي فاء، كما حذفت الفاء في يستيع، وإنما هو يستطيع، ويجوز أن يكون: استخذ اتخذ، فأبدل السين من التاء لاجتماعهما في الهمس ومقاربة المخرج، وأبدلت السين من التاء، كما أبدلت التاء من السين في قولهم: طست. قال العجاج:
أأن رأيت هامتي كالطّست والأصل السين، يدل على ذلك أن أبا عثمان أنشد:
لو عرضت لأيبليّ قسّ
أشعث في هيكله مندسّ... حنّ إليها كحنين الطسّ
فأمّا قول حمزة: فما اسطاعوا أن يظهروه فإنما هو على إدغام التاء في الطاء ولم يلق حركتها على السين فيحرك ما لا يتحرك، ولكن
[الحجة للقراء السبعة: 5/181]
أدغم مع أنّ الساكن الذي قبل المدغم ليس حرف مدّ، وقد قرأت القراء غير حرف من هذا النحو، وقد قدّمنا ذكر وجه هذا النحو، ومما يؤكّد ذلك أن سيبويه أنشد:
كأنّه بعد كلال الزاجر... ومسحي مرّ عقاب كاسر
والحذف في: ما استطاعوا، والإثبات في ما استطاعوا، كلّ واحد منهما أحسن من الإدغام على هذا الوجه). [الحجة للقراء السبعة: 5/182]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الماجشون: [الصَّدُفَيْنِ]، بفتح الصاد، وضم الدال.
قال أبو الفتح: فيها لغات: صَدَفَانِ، وصُدُفَانِ، وصُدْفَانِ، وصَدُفَانِ. وقد قرئ بجميعها، إلا أنهما الجبلان المتقابلان، فكأن أحدهما صادف صاحبه، ولذلك لا يقال ذلك لما انفرد بنفسه عن أن يلاقي مثله من الجبال). [المحتسب: 2/34]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قال ما مكني فيه ربّي خير فأعينوني بقوّة أجعل بينكم وبينهم ردما * آتوني زبر الحديد حتّى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتّى إذا جعله نارا قال آتوني أفرغ عليه قطرا} 95 و96
قرأ ابن كثير (ما مكنني فيه ربّي خير) بنونين إنّما أظهر النونين لأنّهما من كلمتين الأولى لام الفعل أصليّة والثّانية تدخل مع الاسم لتسلم فتحة النّون الأولى والنّون الثّانية مع الياء في موضع نصب
[حجة القراءات: 433]
وقرأ الباقون {مكني} بالتّشديد أدغموا النّون في النّون لاجتماعهما وما بمعنى الّذي وصلته {مكني} و{خير} خبر الابتداء المعنى الّذي مكني فيه ربّي خير لي ما يجمعون لي من الخراج
قرأ أبو بكر (ردما ايتوني) بوصل الألف جعله من الإتيان أي جيئوني يقال أتيته أي جئته والعرب تقول خذ بالخطام وخذ الخطام وحجته في قوله (ردما ايتوني) لأن إيتوتي أشبه بقوله فأعينوني لأنّه كلفهم المعونة على عمل السد ولم يقبل الخرج الّذي بذلوه له فقوله (إيتوني) معناه جيئوني بما هو معونة على ما يفهم من قوله {فأعينوني بقوّة}
وقرأ الباقون {آتوني} ممدودة أي أعطوني والأصل آتيوني فاستثقلوا الضمة على الياء فحذفوها فالتقى ساكنان الواو والياء فحذفوا الياء لالتقاء الساكنين
قرأ أبو بكر {بين الصدفين} بإسكان الدّال وضم الصّاد كأنّه استثقل الضمتين وسكن الدّال
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر {الصدفين} بضم الصّاد والدّال وقرأ الباقون بفتح الصّاد والدّال وهما لغتان
قرأ حمزة وأبو بكر (قال إيتوني قطرا) أي جيئوني به وقرأ الباقون {آتوني} أي أعطوني
[حجة القراءات: 434]
قال أبو عمرو كيف يقول لهم جيئوني وهم معه يكلمونه ويخاصمونه). [حجة القراءات: 435] (م)
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (67- قوله: {الصدفين} قرأ أبو بكر بإسكان الدال وضم الصاد، وقرأه أبو عمرو وابن عامر وابن كثير بضم الصاد والدال، وقرأ الباقون بفتحهما جميعًا وكلها لغات مشهورة، والصدف الجبل والصدفان الجبلان). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/79]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (68- قوله: {ردمًا. آتوني} {وقال ائتوني} قرأ حمزة {قال ائتوني} بهمزة ساكنة من غير مد، وروي عن أبي بكر في {ردمًا آتوني}، وفي {قال آتوني} المد وترك المد، وبالوجهين قرأتُ له فيهما، والمد هو اختيار ابن مجاهد له، فإذا لم يمد في {ردمًا آتوني} كسر التنوين لسكونه وسكون الهمزة بعده، والألف في هذين الحرفين في قراءة حمزة، وأحد القولين عن أبي بكر، ألف وصل، تُبتدأ بالكسر، وقرأ الباقون في الحرفين بهمزة مفتوحة وبالمد، غير أن ورشًا يُلقي حركة الهمزة على التنوين في {ردمًا آتوني} على أصله.
وحجة من قرأ بغير مد فيهما أنه جعلهما من باب المجيء، فلم يُعدهما إلى مفعول، وهو ضمير المتكلم في {آتوني} ويكون {زبر الحديد} غير معدى إليه {آتوني} إلا بحرف جر مضمر، تقديره: آتوني بزبر الحديد، فلما حذف الحرف تعدّى، كما قال: أمرتك الخير على معنى: أمرتك بالخير، وفيه بعد قليل لأنه إنما أكثر ما يأتي هذا في الشعر.
69- وحجة من مد الكلمتين وفتح الهمزة أنه جعلهما من باب الإعطاء، فعدّى كل واحد إلى مفعولين: الأول ضمير المتكلم، والثاني {زبر الحديد} في {ردمًا آتوني}، والثاني في «قال آتوني أفرغ قطرا»، عدّاه إليه في المعنى لا في اللفظ، لأن الناصب لـ «قطر» في اللفظ {أفرغ} لأنه
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/79]
أقرب إليه، ولو عدّى إليه {آتوني} لقال: قال آتوني أفرغه عليه قطرا، لأن تقديره: آتوني قطرا أفرغ عليه، وهو باب إعمال أحد الفعلين المعطوف أحدهما على الآخر، فالاختيار فيه المد وهمزة مفتوحة، على معنى «أعطوني» لأن عليه الجماعة، ولأنه لو كان من باب المجيء لوجب أن تثبت الياء في الخط في {آتوني}، وليس في الخط فيه ياء في الموضعين، فدل على أنه من باب الإعطاء، وإنما يجب أن يكون فيه، في الخط ياء قبل التاء إذا كان من باب المجيء؛ لأن الخط مبني على لفظ الابتداء ولابد في الابتداء قبل التاء إذا كان من باب المجيء لأنها عوض عن الهمزة الساكنة، ألا ترى كيف تثبت الياء في {لقاءنا ائت} «يونس 15» في الخط وليس في اللفظ في الوصل ياء، وتثبت الواو في الخط في {الذي أؤتمن} «البقرة 283» وليس في اللفظ في الوصل واو، وإنما ذلك لأن الابتداء فيه ياء وواو لعلة يطول ذكرها، فافهمه، فإنه مشكل). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/80]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (45-{رَدْمًا * آتُونِي}[آية/ 95 و96] بكسر التنوين موصولة الألف:
قرأها عاصم- ياش-، واختلف عنه فيها.
والوجه أن معنى إئتوني جيئوني، والباء محذوف من المفعول به وهو{زُبَرَ الحَدِيدِ}.
والتقدير: جيئوني بزبر الحديد، كما تقول أمرتك الخير أي بالخير، وإنما اختار هذا عدولاً عن لفظ الايتاء الذي هو إعطاء؛ لأنه ما كلفهم إلا المعاونة بالنفوس ولم يطلب منهم المال حين قال{مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ}، فلهذا عدل عن لفظ الإيتاء إلى هذا اللفظ؛ لأن المجيء بالشيء لا يتضمن الإعطاء والهبة.
وقرأ الباقون و- ص- عن عاصم{آتُونِي}بمد الألف.
والوجه أن المعنى أعطوني، و{زُبَرَ الحَدِيدِ}منصوب على أنه مفعول به، والإيتاء ههنا ينصرف إلى معنى المناولة لا إلى معنى الإعطاء والهبة، لما قدمنا من أنه لم يكلفهم العطية). [الموضح: 802] (م)
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (46-{بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ}[آية/ 96] بضم الصاد والدال:
قرأها ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب.
وقرأ عاصم- ياش- {الصَّدَفَيْنِ} بضم الصاد وسكون الدال.
وقرأ نافع وحمزة والكسائي و- ص- عن عاصم {الصَّدَفَيْنِ}بفتح الصاد والدال.
والوجه أن الصدفين والصدفين بالضم والفتح لغتان في الكلمة، وهما ناحيتا الجبل، تقول العرب: صدف وصدف، وقد يخفف الصدف فيقال صدف بإسكان الدال كالشغل والشغل، وقد ذكرنا مثله في غير موضع). [الموضح: 803]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (47- {قَالَ ائْتُونِي}[آية/ 96] موصولة الألف:
قرأها حمزة وحده.
والوجه أن المعنى جيئوني بقطر أفرغه عليه، فهو على تقدير الجار، والعمل إنما هو للفعل الثاني وهو}أُفْرِغْ}، وقوله {قِطْرًا}منصوب به.
وقرأ الباقون {آتُونِي}بقطع الألف ممدودة، إلا- ياش- عن عاصم فإنه روى بقصر الألف موصولة كحمزة، وقد اختلف عنه.
والوجه في {آتُونِي}بالقطعوالمد على ما قدمناه من أنه من الإيتاء، وهو ينصرف إلى معنى المناولة لا العطية، أي ناولوني قطرا أفرغه عليه،
[الموضح: 803]
والعمل أيضًا للفعل الثاني وهو {أُفْرِغْ}كما سبق، وهو اختيار سيبويه). [الموضح: 804]

قوله تعالى: {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فما اسطاعوا أن يظهروه (97)
قرأ حمزة وحده (فما اسطّاعوا) مشددة على معنى: استطاعوا، وفيه جمع بين ساكني، وهما: السين والتاء المدغمة في الطاء.
قال أبو إسحاق: (فما اسطاعوا) بغير تاء، أصلها: استطاعوا بالتاء، ولكن التاء والطاء من مخرج واحد، فحذفت التاء لاجتماعهما، وليخفّ
اللفظ.
[معاني القراءات وعللها: 2/126]
قال: ومن العرب من يقول: استاعوا. ولا يجوز القراءة بها - ومنهم من يقول: فما اسطاعوا، بقطع الألف، المعنى: فما أطاعوا، فزادوا السين. قاله الخليل وسيبويه عوضًا من ذهاب حركة الواو؛ لأن الأصل في أطاع: أطوع.
قال: فأمّا من قرأ (فما اسطّاعوا) بإدغام التاء في الطاء فهو لاحن مخطئ، قاله الخليل ويونس وسيبويه وجميع من قال بقولهم، وحجتهم في ذلك أن السين ساكنة فإذا أدغمت التاء صارت طاء ساكنة، ولا يجمع بين ساكنين قال: ومن قال: أطرح حركة التاء على السين فأقول: (فما اسطاعوا) فخطأ أيضًا؛ لأن سين (استفعل) لم تحرّك قط). [معاني القراءات وعللها: 2/127]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (41- وقوله تعالى: {فما اسطعوا أن يظهروه} [97].
قرأ حمزة وحده {فما اسطاعوا} بتشديد الطاء، أراد: فما استطاعوا فأدغم التاء في الطاء، لأنهما أختان، وجمع بين ساكنين السين والطاء المدغمة فقال النحويون جميعًا: إنه أخطأ لجمعه بين ساكنين.
وقال أبو عبد الله رضي الله عنه: وله عندي وجهان: لأن القراء قد قرؤوا {لا تعدوا في السبت} {أمن لا يهدي} {ونعمًا يعظكم}.
فإن قال قائل، فإن الأصل في الساكن الأول في جميع ما ذكرت الحركة، وسكونها عارض وقد يجوز حركتها في حال من الأحوال.
فالجواب في ذلك: أن العرب قد تشبه المسكن بالساكن؛ لاتفاقهما في
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/421]
اللفظ، ألا ترى أن الأمر موقوف والنهي مجزوم، وقد جعلت حكمهما سيين، فالسين في قوله {فم اسطاعوا} ساكنة لا يجوز حركتها كاللام التي للتعريف نحو الأحمر والأيكة، فمن العرب من يحرك هذه اللام فيقول: ليكة ولحمر فجاز تشبيه السين باللام.
والوجه الثاني: أن العرب تتوهم بالساكن الحركة والحركة السكون.
وحدثني ابن مجاهد عن السمر يعن الفراء قال عبد القيس يقولون: اسل زيدًا، فيدخلون ألف الوصل على سين متحركة؛ لأنهم توهموا إسال السكون في السين. وهذه الحجة وإن كانت قد أيدت قراءة حمزة فإن الاختيار ما قرأ الباقون {فما اسطاعوا} بتخفيف الطاء، أراد: استطاعوا أيضًا فحذفوا التاء اختصارًا كراهية الإدغام والجمع بين حرفين متقاربي المخرج، والعرب تقول: طاع يطوع وطوع يطوع من قوله: {فطوعت له نفسه} أي: تابعته وسولت له.
وحكى أبو زيد وسيبويه استطاع يستطيع بمعنى: أطاع يطيع. ومعنى قوله: {أن يظهروه} أي: يعلوه، يقال ظهرت على ظهر البيت، أي: علوته {وما اسطاعوا له نقبه} أي: لم يقدروا أن ينقبوا الحديد). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/422]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا} 97
قرأ حمزة {فما اسطاعوا} بتشديد الطّاء أراد فما استطاعوا فأدغم التّاء في الطّاء لأنّهما أختان
وحجته قراءة الأعمش {فما استطاعوا} بالتّاء
وقرأ الباقون {فما اسطاعوا} بتخفيف الطّاء والأصل فما استطاعوا فحذفوا التّاء كراهة الإدغام والجمع بين حرفين متقاربي المخرج). [حجة القراءات: 435]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (70- قوله: {فما اسطاعوا أن} قرأه حمزة بتشديد الطاء، وخففها الباقون، وحجة من شدد أنه أدغم التاء في الطاء، لقرب التاء من الطاء في المخرج، ولأنه أبدل من التاء، إذا أدغمها، حرفا أقوى منها، وهو الطاء، لكن في هذه القراءة بُعد وكراهة، لأنه جمع بين ساكنين، ليس الأول حرف لين، وهما السين وأول المشدد، وقد أجازه سيبويه في الشعر، وأنشد في إجازته:
كأنه بعد كلال الزاجر = ومسحي مر عقاب كاسر
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/80]
وكان أصله «ومسحه» فأدغم الحاء في الهاء، والسين ساكنة، فجمع بين ساكنين، ليس الأول حرف لين، وهو قليل بعيد.
71- وحجة من خففه أنه لما كان الإدغام في هذا يؤدي إلى جواز ما لا يجوز، إلا في شاذٍ من الشعر من التقاء الساكنين، ليس الأول حرف لين، ولم يمكن إثبات التاء، إذ ليست في الخط، ولم يمكن إلقاء حركتها على السين؛ لأنها زائدة، لا تتحرك، فلم يبق إلا الحذف، فحذفها للتخفيف، ولزيادتها، ولموافقة الخط، وهو الاختيار، لأن الجماعة عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/81]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (48- {فَمَا اسْطَاعُوا}[آية/ 97] بتشديد الطاء على الإدغام:
قرأها حمزة وحده.
والوجه أن أصله: استطاعوا، فأدغم التاء في الطاء لاجتماعهما وهما متقاربان، ولم تنقل حركة التاء إلى السين بعد الإدغام؛ لئلا يحرك ما لا يتحرك في موضع وهو سين استفعل فبقي {اسْطَاعُوا}بتشديد الطاء مع أن الساكن الذي قبل المدغم ليس بحرف مد، وقد جاء في قوله تعالى {فَنِعِمَّا هِيَ}عند من قرأ بسكون العين.
وقرأ الباقون {فَمَا اسْطَاعُوا}بتخفيف الطاء.
والوجه أن أصله أيضًا استطاعوا على وزن استفعلوا كما سبق، إلا أنهم كرهوا اجتماع المتقاربين وهما التاء والطاء، فحذف التاء ولم يدغم؛ لأنه كان يؤدي إدغامه إلى تحريك السين الذي لم يتحرك في موضع، أو إلى تبقيته
[الموضح: 804]
ساكنًا فيكون ما قبل المدغم ساكنًا غير مد، وكلاهما مكروهان عندهم). [الموضح: 805]

قوله تعالى: {قَالَ هَٰذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي ۖ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ ۖ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (42- وقوله تعالى: {دكاء وكان وعد ربي حقا} [98]. قرأ أهل الكوفة ممدودًا.
وقرأ الباقون: {دكا} بمعنى مدكوكة. قال: والعرب تجعل المصدر
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/422]
بمعنى مفعول وفاعل فيقولون: هذا درهم ضرب الأمير أي: مضروب الأمير، قال الله تعالى: {إن أصبح ماؤكم غورا} أي غائرًا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/423]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله عز وجل: (دكا) [الكهف/ 98]. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر (دكّا) منون غير مهموز ولا ممدود.
وقرأ حمزة والكسائي وعاصم: دكاء ممدود مهموز بلا تنوين.
وهبيرة عن حفص (دكّا) منون غير ممدود، وقال غير هبيرة عن حفص عن عاصم: ممدود.
قال أبو علي: من قال: (جعله دكّا) احتمل أمرين: أحدهما:
أنه لمّا قال: جعله وكان بمنزلة خلق وعمل، فكأنه قد قال: دكّه دكّا، فحمله على الفعل الذي دلّ عليه قوله: جعله، والوجه الآخر: أن يكون جعله ذا دك، فحذف المضاف، ويمكن أن يكون حالا في هذا الوجه.
ومن قال: جعله دكاء فعلى حذف المضاف، كأنه جعله مثل دكّاء، قالوا: ناقة دكّاء، أي: لا سنام لها، ولا بدّ من تقدير الحذف،
[الحجة للقراء السبعة: 5/182]
لأن الجبل مذكّر فلا يوصف بدكاء، لأنه من المؤنث وجعل مثل خلق، ويمكن أن يكون حالا). [الحجة للقراء السبعة: 5/183]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فإذا جاء وعد ربّي جعله دكاء}
قرأ حمزة وعاصم والكسائيّ {جعله دكاء} بالمدّ والهمز أي جعله مثل دكاء ثمّ حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه وتقول العرب ناقة دكاء أي لا سنام لها ولابد من تقدير الحذف لأن الجبل مذكّر فلا يوصف بدكاء لأنّها من وصف المؤنّث وقال قطرب قوله {دكاء} صفة التّقدير جعله أرضًا دكاء أي ملساء فأقيمت الصّفة مقام الموصوف وحذف الموصوف كما قال سبحانه {وقولوا للنّاس حسنا} أي قولا حسنا
[حجة القراءات: 435]
وقرأ الباقون {دكا} منونا غير ممدود وفي هذه القراءة وجهان أحدهما أن تجعل دكا بمعنى مدكوكة دكا فمقام المصدر مقام المفعول والعرب تجعل المصدر بمعنى المفعول فيقولون هذا درهم ضرب الأمير أي مضروب الأمير والوجه الآخر أن يكون معناه دكه دكا فتجعل دكا مصدرا عن معنى الفعل لا عن لفظه). [حجة القراءات: 436]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (72- قوله: {جعله دكاء} قرأه الكوفيون بالمد، ولم يمده الباقون، وقد تقدّمت علته في الأعراف، وإن من قصره جعله مصدر دكة، ودل جعله على دكة، فعمل في «دكا» ويجوز أن يكون مفعولًا به، على تقدير حذف مضاف، أي: جعله ذا دك، ويجوز أن يكون نصبه على الحال، فيكون مصدرًا في موضع الحال، أي: جعله مدكوكا. ومن مده قدّر حذف مضاف، تقديره: جعله مثل دكاء، وإنما احتجت إلى هذا الإضمار لأن الجبل مذكر، فلا يحسن وصفه بدكاء، وهو مؤنث، والدكاء الناقة التي لا سنام لها، فالتقدير: فإذا جاء وعد ربي جعله مستويًا). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/81]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (49- {جَعَلَهُ دَكَّاءَ}[آية/ 98] ممدودة مهموزة:
قرأها الكوفيون.
والوجه أنه على تقدير محذوف؛ لأن {دَكَّاءَ}على وزن فعلاء، يقال ناقة دكاء لا سنام لها، وهي على حذف المضاف، كأنه قال جعله مثل دكاء، أو على حذف الموصوف، كأنه قال جعله بقعة دكاء أو أرضًا دكاء وهي الملساء.
وقرأ الباقون {دَكَّاءَ}منونًا.
والوجه أن المعنى جعله ذا دك أي مدكوكًا يعني مكسوراً من قوله {دُكَّتِ الأَرْضُ}فهو على حذف المضاف، أو يكون التقدير دكه دكا، فهو على حقيقة المصدر؛ لأن جعل ههنا يتعدى إلى مفعول واحد مثل خلق). [الموضح: 805]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


الساعة الآن 06:16 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة