جمهرة العلوم

جمهرة العلوم (http://jamharah.net/index.php)
-   تفسير سورة الشورى (http://jamharah.net/forumdisplay.php?f=873)
-   -   تفسير سورة الشورى [ الآيات من 39 إلى 43] (http://jamharah.net/showthread.php?t=21460)

أم القاسم 1 جمادى الآخرة 1434هـ/11-04-2013م 11:11 AM

تفسير سورة الشورى [ الآيات من 39 إلى 43]
 
تفسير سورة الشورى [ الآيات من 39 إلى 43]


{ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43)}




أم القاسم 1 جمادى الآخرة 1434هـ/11-04-2013م 11:12 AM

جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) )
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (عن سفيان [الثوري] عن منصورٍ عن إبراهيم في قوله: {والّذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون} قال: كانوا يكرهون أن يستذلّوا [الآية: 39]). [تفسير الثوري: 268]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {والّذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون (39) وجزاء سيّئةٍ سيّئةٌ مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على اللّه إنّه لا يحبّ الظّالمين}.
يقول تعالى ذكره: والّذين إذا بغى عليهم باغٍ، واعتدى عليهم هم ينتصرون ثمّ اختلف أهل التّأويل في الباغي الّذي حمد تعالى ذكره المنتصر منه بعد بغيه عليه، فقال بعضهم: هو المشرك إذا بغى على المسلم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس قال: أخبرني ابن وهبٍ قال: قال ابن زيدٍ: ذكر المهاجرين صنفينٍ، صنفًا عفا، وصنفًا انتصر، وقرأ {والّذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون} قال: فبدأ بهم {والّذين استجابوا لربّهم} إلى قوله: {وممّا رزقناهم ينفقون} وهم الأنصار ثمّ ذكر الصّنف الثّالث فقال: {والّذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون} من المشركين.
وقال آخرون: بل هو كلّ باغٍ بغى فحمد المنتصر منه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّدٌ قال: حدّثنا أحمد قال: حدّثنا أسباط، عن السّدّيّ، في قوله: {والّذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون} قال: ينتصرون ممّن بغى عليهم من غير أن يعتدوا.
وهذا القول الثّاني أولى في ذلك بالصّواب؛ لأنّ اللّه لم يخصص من ذلك معنًى دون معنًى، بل حمد كلّ منتصرٍ بحقٍّ ممّن بغى عليه.
فإن قال قائلٌ: وما في الانتصار من المدح؟
قيل: إنّ في إقامة الظّالم على سبيل الحقّ وعقوبته بما هو له أهلٌ تقويمًا له، وفي ذلك أعظم المدح). [جامع البيان: 20/523-524]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 39.
أخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن إبراهيم النخعي رضي الله عنه - في قوله: {والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون} قال: كانوا يكرهون للمؤمنين أن يستذلوا وكانوا إذا قدروا عفوا). [الدر المنثور: 13/168]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن منصور قال: سألت إبراهيم عن قوله: {والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون} قال: كانوا يكرهون للمؤمنين أن يذلوا أنفسهم فيجترئ الفساق عليهم). [الدر المنثور: 13/168]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج النسائي، وابن ماجة، وابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها - قالت: دخلت علي زينب وعندي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبلت علي تسبني فردعها النّبيّ صلى الله عليه وسلم فلم تنته فقال لي: سبيها فسببتها حتى جف ريقها في فمها ووجه رسول الله صلى الله عليه وسلم متهلل سرورا). [الدر المنثور: 13/169]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن علي بن زيد بن جدعان رضي الله عنه - قال: لم أسمع في الأنصار مثل حديث حدثتني به أم ولد أبي محمد عن عائشة رضي الله عنها - قالت: كنت في البيت وعندنا زينب بنت جحش فدخل علينا النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأقبلت عليه زينب فقالت: ما كل واحدة منا عندك إلا على خلابة ثم أقبلت علي تسبني فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: قولي لها كما تقول لك فأقبلت عليها - وكنت أطول وأجود لسانا منها فقامت). [الدر المنثور: 13/169]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن السدي رضي الله عنه {والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون} قال: ينتصرون ممن بغى عليهم من غير أن يعتدوا). [الدر المنثور: 13/169-170]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله: {والذين إذا أصابهم البغي} قال: هذا محمد صلى الله عليه وسلم - ظلم وبغي عليه وكذب {هم ينتصرون} قال: ينتصر محمد صلى الله عليه وسلم بالسيف). [الدر المنثور: 13/170]

تفسير قوله تعالى: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {وجزاء سيّئةٍ سيّئةٌ مثلها} وقد بيّنّا فيما مضى معنى ذلك، وأنّ معناه: وجزاء سيّئة المسيء عقوبته بما أوجبه اللّه عليه، فهي وإن كانت عقوبةً من اللّه أوجبها عليه، فهي مساءةٌ له والسّيّئة: إنّما هي الفعلة من السّوء، وذلك نظير قول اللّه عزّ وجلّ {ومن جاء بالسّيّئة فلا يجزى إلاّ مثلها}.
وقد قيل: إنّ معنى ذلك: أن يجاب القائل الكلمة القزعة بمثلها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يعقوب قال: قال لي أبو بشرٍ: سمعت ابن أبي نجيحٍ، يقول في قوله: {وجزاء سيّئةٍ سيّئةٌ مثلها} قال: يقول أخزاه اللّه، فيقول: أخزاه اللّه.
- حدّثنا محمّدٌ قال: حدّثنا أحمد قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، في قوله: {وجزاء سيّئةٍ سيّئةٌ مثلها} قال: إذا شتمك بشتيمةٍ فاشتمه مثلها من غير أن تعتدي.
- وكان ابن زيدٍ يقول في ذلك بما: حدّثني يونس قال: أخبرنا ابن وهبٍ قال: قال ابن زيدٍ في: {والّذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون} من المشركين، {وجزاء سيّئةٍ سيّئةٌ مثلها فمن عفا وأصلح} الآية، ليس أمركم أن تعفوا عنهم لأنّه أحبّهم {ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيلٍ}، ثمّ نسخ هذا كلّه وأمره بالجهاد.
فعلى قول ابن زيدٍ هذا تأويل الكلام: وجزاء سيّئةٍ من المشركين إليكم، سيّئةٌ مثلها منكم إليهم، وإن عفوتم وأصلحتم في العفو، فأجركم في عفوكم عنهم إلى اللّه، إنّه لا يحبّ الظّالمين؛ وهذا على قوله كقول اللّه عزّ وجلّ {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتّقوا اللّه} وللّذي قال من ذلك وجهٌ غير أنّ الصّواب عندنا: أن تحمل الآية على الظّاهر ما لم ينقله إلى الباطن ما يجب التّسليم له، وأن لا يحكم بحكمٍ في آيةٍ بالنّسخ إلاّ بخبرٍ يقطع العذر أو حجّةٍ يجب التّسليم لها، ولم تثبت حجّةٌ في قوله: {وجزاء سيّئةٍ سيّئةٌ مثلها} أنّه مرادٌ به المشركون دون المسلمين، ولا بأنّ هذه الآية منسوخةٌ، فنسلّم لها بأنّ ذلك كذلك.
وقوله: {فمن عفا وأصلح فأجره على اللّه} يقول جلّ ثناؤه: فمن عفا عمّن أساء إليه إساءته إليه، فغفرها له، ولم يعاقبه بها، وهو على عقوبته عليها قادرٌ ابتغاء وجه اللّه، فأجر عفوه ذلك على اللّه، واللّه مثيبه عليه ثوابه.
{إنّه لا يحبّ الظّالمين} يقول: إنّ اللّه لا يحبّ أهل الظّلم الّذين يتعدّون على النّاس، فيسيئون إليهم بغير ما أذن اللّه لهم فيه). [جامع البيان: 20/524-526]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا المبارك بن فضالة عن الحسن في قوله فمن عفا وأصلح قال إذا جثت الأمم بين يدي الله عز وجل نادى مناد ليقم كل من كان أجره على الله فلا يقوم إلا من عفا في الدنيا). [تفسير مجاهد: 576-577]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 40.
أخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {وجزاء سيئة سيئة مثلها} قال: ما يكون من الناس في الدنيا مما يصيب بعضهم بعضا والقصاص). [الدر المنثور: 13/170]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد، وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المستبان ما قالا من شيء فعلى البادى ء حتى يعتدي المظلوم ثم قرأ {وجزاء سيئة سيئة مثلها} ). [الدر المنثور: 13/170]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن السدي رضي الله عنه في قوله: {وجزاء سيئة سيئة مثلها} قال: إذا شتمك فاشتمه بمثلها من غير أن تعتدي). [الدر المنثور: 13/170]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن أبي نجيح في قوله: {وجزاء سيئة سيئة مثلها} قال: يقول أخزاه الله فيقول أخزاه الله). [الدر المنثور: 13/171]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كان يوم القيامة أمر الله مناديا ينادي ألا ليقم من كان له على الله أجر فلا يقوم إلا من عفا في الدنيا وذلك قوله {فمن عفا وأصلح فأجره على الله} ). [الدر المنثور: 13/171]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: إذا كان يوم القيامة نادى مناد من كان له على الله أجر فليقم فيقوم عنق كثير فيقال لهم: ما أجركم على الله فيقولون: نحن الذين عفونا عمن ظلمنا وذلك قول الله {فمن عفا وأصلح فأجره على الله} فيقال لهم: ادخلوا الجنة بإذن الله). [الدر المنثور: 13/171]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا وقف العباد للحساب ينادي مناد ليقم من أجره على الله فليدخل الجنة ثم نادى الثانية ليقم من أجره على الله قالوا: ومن ذا الذي أجره على الله قال: العافون عن الناس فقام كذا وكذا ألفا فدخلوا الجنة بغير حساب). [الدر المنثور: 13/171-172]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البيهقي عن أنس رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ينادي مناد من كان أجره على الله فليدخل الجنة مرتين فيقوم من عفا عن أخيه، قال الله {فمن عفا وأصلح فأجره على الله} ). [الدر المنثور: 13/172]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن الحسن رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أول مناد من عند الله يقول: أين الذين أجرهم على الله فيقوم من عفا في الدنيا فيقول الله أنتم الذين عفوتم لي ثوابكم الجنة). [الدر المنثور: 13/172]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر عن محمد بن المنكدر رضي الله عنه قال: إذا كان يوم القيامة صرخ صارخ الأرض ألا من كان له على الله حق فليقم فيقوم من عفا وأصلح). [الدر المنثور: 13/172]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ينادي مناد يوم القيامة لا يقوم اليوم أحد إلا من له عند الله يد فتقول الخلائق: سبحانك بل لك اليد فيقول بلى من عفا في الدنيا بعد قدرة). [الدر المنثور: 13/172]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال موسى بن عمران عليه السلام: يا رب من أعز عبادك عندك قال: من إذا قدر عفا). [الدر المنثور: 13/172-173]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد وأبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه - أن رجلا شتم أبا بكر رضي الله عنه والنبي صلى الله عليه وسلم جالس فجعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم يعجب ويبتسم فلما أكثر رد عليه بعض قوله فغضب النّبيّ صلى الله عليه وسلم وقام فلحقه أبو بكر رضي الله عنه فقال يا رسول الله كان يشتمني وأنت جالس فلما رددت عليه بعض قوله غضبت وقمت قال: إنه كان معك ملك يرد عنك فلما رددت عليه بعض قوله وقع الشيطان فلم أكن لأقعد مع الشيطان ثم قال: يا أبا بكر نلت من حق ما من عبد ظلم بمظلمة فيغضي عنها لله إلا أعز الله بها نصره وما فتح رجل باب عطية يريد بها صلة إلا زاده الله بها كثرة وما فتح رجل باب مسألة يريد بها كثرة إلا زاده الله بها قلة). [الدر المنثور: 13/173]

تفسير قوله تعالى: (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل قال هذا فيما يكون بين الناس من القصاص فأما لو أن رجلا ظلمك لم يحلل لك أن تظلمه). [تفسير عبد الرزاق: 2/193]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {ولمن انتصر بعد ظلمه}
- أخبرنا عبدة بن عبد الله، قال: أخبرنا محمّد بن بشرٍ، قال: حدّثنا زكريّا، عن خالد بن سلمة، عن البهيّ، عن عروة بن الزّبير، قال: قالت عائشة: ما علمت حتّى دخلت عليّ زينب بغير إذنٍ وهي غضبى، ثمّ قالت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: حسبك إذا قلبت لك ابنة أبي بكرٍ ذريّعتيها، ثمّ أقبلت عليّ، فأعرضت عنها، حتّى قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «دونك فانتصري»، فأقبلت عليها، حتّى رأيتها قد يبس ريقها في فيها، فلم تردّ عليّ شيئًا، فرأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يتهلّل وجهه). [السنن الكبرى للنسائي: 10/249]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيلٍ (41) إنّما السّبيل على الّذين يظلمون النّاس ويبغون في الأرض بغير الحقّ أولئك لهم عذابٌ أليمٌ}.
يقول تعالى ذكره: ولمن انتصر ممّن ظلمه من بعد ظلمه إيّاه {فأولئك ما عليهم من سبيلٍ} يقول: فأولئك المنتصرون منهم لا سبيل للمنتصر منهم عليهم بعقوبةٍ ولا أذًى، لأنّهم انتصروا منهم بحقٍّ، ومن أخذ حقّه ممّن وجب ذلك له عليه، ولم يتعدّ، لم يظلم، فيكون عليه سبيلٌ.

وقد اختلف أهل التّأويل في المعنيّ بذلك، فقال بعضهم: عنى به كلّ منتصرٍ ممّن أساء إليه، مسلمًا كان المسيء أو كافرًا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عبد اللّه بن بزيعٍ قال: حدّثنا معاذٌ قال: حدّثنا ابن عونٍ قال: كنت أسأل عن الانتصار، {ولمن انتصر بعد ظلمه} الآية، فحدّثني عليّ بن زيد بن جدعان، عن أمّ محمّدٍ امرأة أبيه قال ابن عونٍ: زعموا أنّها كانت تدخل على أمّ المؤمنين قالت: قالت أمّ المؤمنين: دخل علينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وعندنا زينب بنت جحشٍ، فجعل يصنع بيده شيئًا، ولم يفطن لها، فقلت بيدي حتّى فطّنته لها، فأمسك، وأقبلت زينب تقحّم لعائشة، فنهاها، فأبت أن تنتهي، فقال لعائشة: سبّيها فسبّتها وغلبتها وانطلقت زينب فأتت عليًّا، فقالت: إنّ عائشة تقع بكم وتفعل بكم، فجاءت فاطمة، فقال لها: إنّها حبّة أبيك وربّ الكعبة، فانصرفت وقالت لعليٍّ: إنّي قلت له كذا وكذا، فقال كذا وكذا؛ قال: وجاء عليّ إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فكلّمه في ذلك.
- حدّثنا بشرٌ قال: حدّثنا يزيد قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ولمن انتصر بعد ظلمه} الآية قال: هذا في الخمش يكون بين النّاس.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، في قوله: {ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيلٍ} قال: هذا فيما يكون بين النّاس من القصاص، فأمّا لو ظلمك رجلٌ لم يحلّ لك أن تظلمه.
وقال آخرون: بل عنى به الانتصار من أهل الشّرك، وقال: هذا منسوخٌ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس قال: أخبرنا ابن وهبٍ قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيلٍ} قال: لمن انتصر بعد ظلمه من المؤمنين انتصر من المشركين وهذا قد نسخ، وليس هذا في أهل الإسلام، ولكن في أهل الإسلام الّذي قال اللّه تبارك وتعالى: {ادفع بالّتي هي أحسن فإذا الّذي بينك وبينه عداوةٌ كأنّه وليّ حميمٌ}.
والصّواب من القول أن يقال: إنّه معني به كلّ منتصرٍ من ظالمه، وأنّ الآية محكمةٌ غير منسوخةٍ للعلّة الّتي بيّنت في الآية قبلها). [جامع البيان: 20/526-528]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (د) ابن عون -رحمه الله -: قال: كنت أسأل عن الانتصار؟ وعن قوله: {ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيلٍ} [الشورى: 41] فحدّثني علي بن زيد بن جدعان عن أمّ محمّدٍ - امرأة أبيه - قال ابن عونٍ: وزعموا أنّها كانت تدخل على أمّ المؤمنين عائشة، قالت: قالت عائشة أمّ المؤمنين: دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعندنا زينب بنت جحشٍ، فجعل يصنع بيده شيئاً، فقلت بيده حتى فطّنته لها، فأمسك، وأقبلت زينب تقحّم لعائشة، فنهاها، فأبت أن تنتهي، فقال لعائشة: «سبّيها» فسبّتها، فغلبتها، فانطلقت زينب إلى عليّ، قالت: إنّ عائشة وقعت بكم، وفعلت، فجاءت فاطمة، فقال لها: إنّها حبّة أبيك - وربّ الكعبة - فانصرفت، فقالت لهم: إني قلت له كذا وكذا، فقال لي: كذا وكذا، قال: وجاء عليٌّ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكلّمه في ذلك. أخرجه أبو داود.
[شرح الغريب]
(تقحم): تعرض لشتمها، وتدخل عليها، ومنه قولهم: فلان تقحم في الأمور: إذا كان يقع فيها من غير تثبت ولا روية.
(حبة) الحبة بكسر الحاء: المحبوبة، والحب: المحبوب). [جامع الأصول: 2/346-347]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 41 - 44.
أخرج عبد بن حميد، وابن جرير والبيهقي في شعب الإيمان عن قتادة رضي الله عنه {ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل} قال: هذا في الخماشة تكون بين الناس فأما إن ظلمك رجل فلا تظلمه وإن فجر بك فلا تفجر به وإن خانك فلا تخنه فإن المؤمن هو الموفي المؤدي وإن الفاجر هو الخائن الغادر، وخ ابن أبي شيبة والترمذي والبزار، وابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من دعا على من ظلمه فقد انتصر). [الدر المنثور: 13/173-174]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة عن عائشة رضي الله عنها: أن سارقا سرق لها فدعت عليه فقال لها النّبيّ صلى الله عليه وسلم لا تسبخي عليه). [الدر المنثور: 13/174]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله: {ولمن انتصر بعد ظلمه} قال: لمحمد صلى الله عليه وسلم أيضا انتصاره بالسيف وفي قوله: {إنما السبيل على الذين يظلمون الناس} الآية، قال: من أهل الشرك). [الدر المنثور: 13/174]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42) )
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا الحسن بن موسى، قال: حدّثنا سعيد بن زيدٍ أخو حمّاد بن زيدٍ، قال: حدّثنا عثمان الشّحّام، قال: حدّثنا محمّد بن واسعٍ، قال: قدمت من مكّة فإذا على الخندق قنطرةٌ، فأخذت فانطلق بي إلى مروان بن المهلّب، وهو أميرٌ على البصرة، فرحّب بي، وقال: حاجتك يا أبا عبد الله، قلت: حاجتي إن استطعت أن أكون كما قال أخو بني عديٍّ، قال: ومن أخو بني عديٍّ؟ قال: العلاء بن زيادٍ، قال: استعمل صديقٌ له مرّةً على عملٍ فكتب إليه: أمّا بعد، فإن استطعت أن لا تبيت إلاّ وظهرك خفيفٌ، وبطنك خميصٌ، وكفّك نقيّةٌ من دماء المسلمين وأموالهم، فإنّك إن فعلت ذلك لم يكن عليك سبيلٌ {إنّما السّبيل على الّذين يظلمون النّاس ويبغون في الأرض} الآية، قال مروان: صدق والله ونصح، ثمّ قال: حاجتك يا أبا عبد الله، قلت: حاجتي أن تلحقني بأهلي، قال: فقال: نعم). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 507-508]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {إنّما السّبيل على الّذين يظلمون النّاس} يقول تبارك وتعالى: إنّما الطّريق لكم أيّها النّاس على الّذين يتعدّون على النّاس ظلمًا وعدوانًا، بأن تعاقبوهم بظلمهم لا على من انتصر ممّن ظلمه، فأخذ منه حقّه.
وقوله: {ويبغون في الأرض بغير الحقّ} يقول: ويتجاوزون في أرض اللّه الحدّ الّذي أباح لهم ربّهم إلى ما لم يأذن لهم فيه، فيفسدون فيها بغير الحقّ {أولئك لهم عذابٌ أليمٌ} يقول: فهؤلاء الّذين يظلمون النّاس، ويبغون في الأرض بغير الحقّ، لهم عذابٌ من اللّه يوم القيامة في جهنّم مؤلمٌ موجعٌ). [جامع البيان: 20/528-529]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله: {ولمن انتصر بعد ظلمه} قال: لمحمد صلى الله عليه وسلم أيضا انتصاره بالسيف وفي قوله: {إنما السبيل على الذين يظلمون الناس} الآية، قال: من أهل الشرك). [الدر المنثور: 13/174] (م)

تفسير قوله تعالى: (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولمن صبر وغفر إنّ ذلك لمن عزم الأمور (43) ومن يضلل اللّه فما له من وليٍّ من بعده وترى الظّالمين لمّا رأوا العذاب يقولون هل إلى مردٍّ من سبيلٍ}.
يقول تعالى ذكره: ولمن صبر على إساءةٍ إليه، وغفر للمسيء إليه جرمه إليه، فلم ينتصر منه، وهو على الانتصار منه قادرٌ ابتغاء وجه اللّه وجزيل ثوابه {إنّ ذلك لمن عزم الأمور} يقول: إنّ صبره ذلك وغفرانه ذنب المسيء إليه، {لمن عزم الأمور} يقول: لمن الأمور الّتي ندب إليها عباده، وعزم عليهم العمل بها). [جامع البيان: 20/529]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (واختلف أهل العربيّة في وجه دخول إنّ في قوله: {إنّ ذلك لمن عزمٍ الأمور} مع دخول اللاّم في قوله: {ولمن صبر وغفر} فكان نحويّي أهل البصرة يقول في ذلك: أمّا اللاّم الّتي في قوله: {ولمن صبر وغفر} فلام الابتداء، وأمّا إنّ ذلك فمعناه واللّه أعلم: إنّ ذلك منه من عزم الأمور، وقال: قد تقول: مررت بالدّار الذّراع بدرهمٍ: أي الذّراع منها بدرهمٍ، ومررت ببرٍّ قفيزٌ بدرهمٍ، أي قفيزٌ منه بدرهمٍ قال: وأمّا ابتداء إنّ في هذا الموضع، فمثل {قل إنّ الموت الّذي تفرّون منه فإنّه ملاقيكم} يجوز ابتداء الكلام، وهذا إذا طال الكلام في هذا الموضع.
وكان بعضهم يستخطئ هذا القول ويقول: إنّ العرب إذا أدخلت اللاّم في أوائل الجزاء أجابته بجوابات الأيمان؛ بـ(ما)، و(لا)، و(إنّ)، و(اللاّم) قال: وهذا من ذاكٍ، كما قال: {لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولّنّ الأدبار ثمّ لا ينصرون} فجاء بـ(لا) وبـ(اللاّم) جوابًا للاّم الأولى قال: ولو قال: لئن قمت إنّي لقائمٌ لجاز ولا حاجة به إلى العائد، لأنّ الجوّاب في اليمين قد يكون فيه العائد، وقد لا يكون؛ ألا ترى أنّك تقول: لئن قمت لأقومنّ، ولا أقوم، وإنّي لقائمٌ فلا تأتي بعائدٍ قال: وأمّا قولهم: مررت بدارٍ الذّراع بدرهمٍ وببرٍّ قفيزٌ بدرهمٍ، فلا بدّ من أن يتّصل بالأوّل بالعائد، وإنّما يحذف العائد فيه، لأنّ الثّاني تبعيضٌ للأوّل مررت ببرٍّ بعضٌ بدرهمٍ، وبعضه بدرهمٍ؛ فلمّا كان المعنى التّبعيض حذف العائد قال: وأمّا ابتداء إنّ في كلّ موضعٍ إذا طال الكلام، فلا يجوز أن تبتدئ إلاّ بمعنى: قل إنّ الموت الّذي تفرّون منه، فإنّه جوّابٌ للجزاء، كأنّه قال: ما فررتم منه من الموت، فهو ملاقيكم.
وهذا القول الثّاني عندي أولى في ذلك بالصّواب للعلل الّتي ذكرناها). [جامع البيان: 20/530-531]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا أبو زكريّا العنبريّ، ثنا محمّد بن عبد السّلام، ثنا إسحاق بن إبراهيم، أنبأ الفضل بن موسى، ثنا عيسى بن عبيدٍ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية، قال: حدّثني أبيّ بن كعبٍ رضي اللّه عنه، قال: " كان يوم أحدٍ أصيب من الأنصار أربعةٌ وستّون ومنهم ستّةٌ فيهم حمزة فمثّلوا بهم فقالت الأنصار: لئن أصبنا منهم يومًا مثل هذا لنربينّ عليهم. فلمّا كان يوم فتح مكّة أنزل اللّه {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خيرٌ للصّابرين} [النحل: 126] «هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرّجاه»). [المستدرك: 2/484]

أم القاسم 1 جمادى الآخرة 1434هـ/11-04-2013م 11:14 AM

التفسير اللغوي




تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {والّذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون}.
نزلت خاصة في أبي بكر الصديق (رحمه الله)، وذلك: أن رجلا من الأنصار وقع به عند رسول الله فسبّه، فلم يردد عليه أبو بكر؛ ولم ينه رسول الله صلى الله عليه الأنصاري؛ فأقبل عليه أبو بكر فرد عليه، فقام النبي صلى الله عليه وسلم كالمغضب, واتبعه أبو بكر فقال: يا رسول الله، ما صنعت بي أشدّ عليّ مما صنع بي, سبّني فلم تنهه, ورددت عليه , فقمت كالمغضب.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((كان الملك يرد عليه إذا سكتّ، فلما رددت عليه , رجع الملك، فوثبت معه)), فنزلت هذه الآية, وفسرها شريك, عن الأعمش, عن إبراهيم في قوله: {والّذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون}، قالوا: كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم للفساق, فيجترئوا عليهم.). [معاني القرآن: 3/25]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({والّذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون}
جاء في التفسير: أنهم كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم, فيجترئ عليهم الفساق.
وروي: أنها نزلت في أبي بكر الصديق.
فإن قال قائل: أهم محمودون على انتصارهم أم لا؟.
قيل: هم محمودون؛ لأن من انتصر فأخذ بحقه ولم يجاوز في ذلك ما أمر اللّه به, فلم يسرف في القتل إن كان ولي دم, ولا في قصاص؛ فهو مطيع للّه عزّ وجلّ، وكل مطيع محمود، وكذلك من اجتنب المعاصي؛ فهو محمود، ودليل ذلك قوله: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفّر عنكم سيّئاتكم وندخلكم مدخلا كريما}). [معاني القرآن: 4/401]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون}
روى منصور, عن إبراهيم: كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم, فيجترئ عليهم الفساق.). [معاني القرآن: 6/321]

تفسير قوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومن ذلك الجزاء عن الفعل بمثل لفظه والمعنيان مختلفان:
نحو قول الله تعالى: {إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ}، أي يجازيهم جزاء الاستهزاء.
وكذلك: {سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ}، {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ}، {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}، هي من المبتدئ سيئة، ومن الله جل وعز جزاء). [تأويل مشكل القرآن: 277](م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ)
: (وقوله: {وجزاء سيّئة سيّئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على اللّه إنّه لا يحبّ الظّالمين}
فالأولى: {سيئة}: في اللفظ , والمعنى، والثانية {سيئة} في اللفظ، عاملها ليس بمسيء، ولكنها سميت سيئة لأنها مجازاة لسوء, فإنما يجازي السوء بمثله.
والمجازاة به غير سيّئة توجب ذنبا، وإنّما قيل لها: سيئة ليعلم أن الجارح, والجاني, يقتص منه بمقدار جنايته.
وهذا مثل قوله تعالى: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم}: تأويله كافئوه بمثله، وعلى هذا كلام العرب). [معاني القرآن: 4/401]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {وجزاء سيئة سيئة مثلها}
قال ابن أبي نجيح: إذا قال: أخزاه الله, قال له: أخزاه الله .
قال أبو جعفر: الأولى سيئة في اللفظ والمعنى , والثانية سيئة في اللفظ وليست في المعنى سيئة, ولا الذي عملها مسيء, وسميت سيئة لازدواج الكلام, ليعلم إنها جزاء على الأولى). [معاني القرآن: 6/321-322]

تفسير قوله تعالى: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم مّن سبيلٍ}: نزلت أيضاً في أبي بكر). [معاني القرآن: 3/25]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل}
قال قتادة: هذا في القصاص, فأما من ظلمك فلا يحل لك أن تظلمه.
قال الحسن: ولمن انتصر بعد ظلمه, هذا إذا لم يكن ظلمه لا يصلح, أي: هذا فيما أباح الله الانتصار منه.
وقد روى يونس, عن الحسن في قوله: {ولمن انتصر بعد ظلمه} قال: إذا لعن لعن, وإذا سب سب ما لم يكن حدا, أو كلمة لا تصلح). [معاني القرآن: 6/323]

تفسير قوله تعالى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({ إنَّ ذلك لمن عزم الأمور }: ما عزمت عليه , قال الخثعمي:

عزمت على إقامة ذي صباحٍ لشيءٍ ما يسوّد من يسود).






[مجاز القرآن: 2/201]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ولمن صبر وغفر إنّ ذلك لمن عزم الأمور}
وقال: {ولمن صبر وغفر إنّ ذلك لمن عزم الأمور}, أما اللام التي في {ولمن صبر} فلام الابتداء, وأما ذلك فمعناه -والله أعلم- أن ذلك منه لمن عزم الأمور.
وقد تقول:"مررت بدارٍ الذراع بدرهمٍ"؛ أي: الذراع منها بدرهمٍ, و: "مررت ببرٍّ قفيزٌ بدرهم"؛ أي: قفيزٌ منه.
وأما ابتداء "إن" في هذا الموضوع فكمثل {قل إنّ الموت الّذي تفرّون منه فإنّه ملاقيكم} يجوز ابتداء مثل هذا إذا طال الكلام في مثل هذا الموضع). [معاني القرآن: 4/11-12]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {ولمن صبر وغفر إنّ ذلك لمن عزم الأمور}
أي: الصابر يؤتى بصبره ثوابا, فكل من زادت رغبته في الثواب فهو أتمّ عزم، وقد قال بعض أهل اللغة: إن معنى قوله تعالى: {واتّبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربّكم}: أن منه القصاص, والعفو, فالعفو أحسنه). [معاني القرآن: 4/402]

أم القاسم 1 جمادى الآخرة 1434هـ/11-04-2013م 11:16 AM

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]




تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) }

تفسير قوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) }

تفسير قوله تعالى: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) }

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42) }

تفسير قوله تعالى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43) }

جمهرة التفاسير 18 صفر 1440هـ/28-10-2018م 01:11 PM

تفاسير القرن الرابع الهجري
...

جمهرة التفاسير 18 صفر 1440هـ/28-10-2018م 01:11 PM

تفاسير القرن الخامس الهجري
...

جمهرة التفاسير 18 صفر 1440هـ/28-10-2018م 01:19 PM

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون * وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين * ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل}
مدح الله تعالى في هذه الآية قوما بالانتصار من البغي، ورجح ذلك قوم من العلماء، وقالوا: الانتصار بالواجب تغيير منكر، ومن لم ينتصر مع إمكان الانتصار فقد ترك تغيير المنكر.
واختلف الناس في المراد بالآية بعد اتفاقهم على أن من بغي عليه وظلم، فجائز له أن ينتصر بيد الحق وحاكم المسلمين، فقال مقاتل: الآية في المجروح ينتصف من الجارح بالقصاص.
وقالت فرقة: إنها نزلت في بغي المشرك على المؤمن، فأباح الله تعالى له الانتصار منهم دون تعد، وجعل العفو والإصلاح مقرونا بأجر، ثم نسخ ذلك بآية السيف، وقالت هذه الفرقة -وهي الجمهور-: إن المؤمن إذا بغى على مؤمن وظلمه، فلا يجوز للآخر أن ينتصف منه بنفسه ويجازيه على ظلمه، مثال ذلك: أن يخون الإنسان آخر، ثم يتمكن الإنسان من خيانة الأول، فمذهب مالك رحمه الله تعالى ألا يفعل، وهو مذهب جماعة عظيمة معه، ولم يروا هذه الآية من هذا المعنى، واحتجوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك"، وهذا القول أنزه وأقرب إلى الله تبارك وتعالى.
وقالت طائفة من أهل العلم: هذه الآية عامة في المشركين والمؤمنين، ومن بغي عليه وظلم، فجائز له أن ينتصف لنفسه، ويخون من خانه في المال حتى ينتصر منه، وقالوا إن الحديث: "ولا تخن من خانك" إنما هو في رجل سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل يزني بحرمة من زنا بحرمته؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ذلك يريد به الزنا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وكذلك ورد الحديث في معنى الزنا، ذكر ذلك الرواة، أما إن عمومه ينسحب في كل شيء). [المحرر الوجيز: 7/ 523-524]

تفسير قوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وجزاء سيئة سيئة مثلها} قال الزجاج: سمى العقوبة باسم الذنب.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا إذا أخذنا السيئة في حق الله تعالى بمعنى المعصية، وذلك أن المجازاة من الله تعالى ليست سيئة إلا إن سميت باسم موجبتها، وأما إن أخذنا السيئة بمعنى المصيبة في حق البشر، أي: يسوء هذا هذا، ويسوؤه الآخر، فلسنا نحتاج إلى أن نقول: "سمى العقوبة باسم الذنب"، بل الفعل الأول والآخر سيئة، وقال ابن أبي نجيح، والسدي: معنى الآية: أن الرجل إذا شتم بشتمة، فله أن يردها بعينها دون أن يتعدى، قال الحسن بن أبي الحسن: ما لم تكن حدا أو عوراء جدا). [المحرر الوجيز: 7/ 524]

تفسير قوله تعالى: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (واللام في قوله: {ولمن انتصر} لام التقاء القسم، وقوله تعالى: {من سبيل}: يريد: من سبيل حرج ولا سبيل حكم، وهذا بلاغ في إباحة الانتصار والخلاف فيه، هل هو بين المؤمن والمشرك، أو بين المؤمنين على ما تقدم؟). [المحرر الوجيز: 7/ 524]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم * ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور * ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده وترى الظالمين لما رأوا العذاب يقولون هل إلى مرد من سبيل * وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي وقال الذين آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا إن الظالمين في عذاب مقيم}
المعنى: إنما سبيل الحكم والإثم على الذين يظلمون الناس، أي: الذين يضعون الأشياء غير مواضعها من القتل وأخذ المال والأذى باليد وباللسان، و"البغي بغير الحق" وهو نوع من أنواع الظلم خصه بالذكر تنبيها على شدته وسوء حال صاحبه، ثم توعدهم تعالى بالعذاب الأليم في الآخرة،
وقوله تعالى: {إنما السبيل} إلى قوله: {لهم عذاب أليم} اعتراض بين الكلامين، ثم عاد في قوله تعالى: {ولمن صبر} إلى الكلام الأول، كأنه تعالى قال: "ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل ولمن صبر وغفر"، واللام في قوله تعالى: {ولمن صبر} يصح أن تكون لام القسم، ويصح أن تكون لام الابتداء. و"من" ابتداء، وخبره في قوله تعالى: {إن ذلك}. و"عزم الأمور": محكمها ومتقنها والحميد العاقبة منها.
ومن رأى أن هذه الآية هي فيما بين المؤمنين والمشركين وأن الضمير للمشركين كان أفضل، قال: إن الآية نسخت بآية السيف، ومن رأى أن الآية إنما هي بين المؤمنين، قال: هي محكمة، والصبر والغفران أفضل إجماعا، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان يوم القيامة نادى مناد، من كان له على الله أجر فليقم، فيقوم عنق من الناس كثير، فيقول: ما أجركم؟ فيقولون: نحن الذين عفونا عمن ظلمنا في الدنيا").[المحرر الوجيز: 7/ 524-525]

جمهرة التفاسير 18 صفر 1440هـ/28-10-2018م 02:37 PM

تفاسير القرن السابع الهجري
...

جمهرة التفاسير 18 صفر 1440هـ/28-10-2018م 02:41 PM

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {والّذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون} أي: فيهم قوّة الانتصار ممّن ظلمهم واعتدى عليهم، ليسوا بعاجزين ولا أذلّةٍ، بل يقدرون على الانتقام ممّن بغى عليهم، وإن كانوا مع هذا إذا قدروا وعفوا، كما قال يوسف، عليه السّلام، لإخوته: {لا تثريب عليكم اليوم يغفر اللّه لكم [وهو أرحم الرّاحمين]} [يوسف:92]، مع قدرته على مؤاخذتهم ومقابلتهم على صنيعهم إليه، وكما عفا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن أولئك النّفر الثّمانين الّذين قصدوه عام الحديبية، ونزلوا من جبل التّنعيم، فلمّا قدر عليهم منّ عليهم مع قدرته على الانتقام، وكذلك عفوه عن غورث بن الحارث، الّذي أراد الفتك به [عليه السّلام] حين اخترط سيفه وهو نائمٌ، فاستيقظ، عليه السّلام، وهو في يده صلتا، فانتهره فوضعه من يده، وأخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم السّيف من يده، ودعا أصحابه، ثمّ أعلمهم بما كان من أمره وأمر هذا الرّجل، وعفا عنه. وكذلك عفا عن لبيد بن الأعصم، الّذي سحره، عليه السّلام، ومع هذا لم يعرض له، ولا عاتبه، مع قدرته عليه. وكذلك عفوه، عليه السّلام، عن المرأة اليهوديّة -وهي زينب أخت مرحبٍ اليهوديّ الخيبريّ الّذي قتله محمود بن مسلمة- الّتي سمّت الذّراع يوم خيبر، فأخبره الذّراع بذلك، فدعاها فاعترفت فقال: "ما حملك على ذلك" قالت: أردت إن كنت نبيًّا لم يضرّك، وإن لم تكن نبيًّا استرحنا منك، فأطلقها، عليه الصّلاة والسّلام، ولكن لـمّا مات منه بشر بن البراء قتلها به، والأحاديث والآثار في هذا كثيرةٌ جدًّا، والحمد للّه). [تفسير ابن كثير: 7/ 211]

تفسير قوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وجزاء سيّئةٍ سيّئةٌ مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على اللّه إنّه لا يحبّ الظّالمين (40) ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيلٍ (41) إنّما السّبيل على الّذين يظلمون النّاس ويبغون في الأرض بغير الحقّ أولئك لهم عذابٌ أليمٌ (42) ولمن صبر وغفر إنّ ذلك لمن عزم الأمور (43)}
قوله تعالى: {وجزاء سيّئةٍ سيّئةٌ مثلها} كقوله تعالى: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} [البقرة:194] وكقوله {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خيرٌ للصّابرين} [النّحل:129] فشرع العدل وهو القصاص، وندب إلى الفضل وهو العفو، كقوله [تعالى] {والجروح قصاصٌ فمن تصدّق به فهو كفّارةٌ له} [المائدة:45]؛ ولهذا قال هاهنا: {فمن عفا وأصلح فأجره على اللّه} أي: لا يضيع ذلك عند اللّه كما صحّ في الحديث: "وما زاد اللّه عبدًا بعفوٍ إلّا عزًّا" وقوله: {إنّه لا يحبّ الظّالمين} أي: المعتدين، وهو المبتدئ بالسّيّئة.
[وقال بعضهم: لـمّا كانت الأقسام ثلاثةً: ظالمٌ لنفسه، ومقتصدٌ، وسابقٌ بالخيرات، ذكر الأقسام الثّلاثة في هذه الآية فذكر المقتصد وهو الّذي يفيض بقدر حقّه لقوله: {وجزاء سيّئةٍ سيّئةٌ مثلها}، ثمّ ذكر السّابق بقوله: {فمن عفا وأصلح فأجره على اللّه} ثمّ ذكر الظّالم بقوله: {إنّه لا يحبّ الظّالمين} فأمر بالعدل، وندب إلى الفضل، ونهى من الظّلم]). [تفسير ابن كثير: 7/ 211-212]

تفسير قوله تعالى: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(ثمّ قال: {ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيلٍ} أي: ليس عليهم جناحٌ في الانتصار ممّن ظلمهم.
قال ابن جريرٍ حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن بزيع حدّثنا معاذ بن معاذٍ، حدّثنا ابن عون قال: كنت أسأل عن الانتصار: {ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيلٍ} فحدّثني عليّ بن زيد بن جدعان عن أمّ محمّدٍ -امرأة أبيه- قال ابن عونٍ: زعموا أنّها كانت تدخل على أمّ المؤمنين عائشة -قالت: قالت أمّ المؤمنين: دخل علينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وعندنا زينب بنت جحشٍ، فجعل يصنع بيده شيئًا فلم يفطن لها، فقلت بيده حتّى فطّنته لها، فأمسك. وأقبلت زينب تقحم لعائشة، فنهاها، فأبت أن تنتهي. فقال لعائشة: "سبّيها" فسبّتها فغلبتها، وانطلقت زينب فأتت عليًّا فقالت: إنّ عائشة تقع بكم، وتفعل بكم. فجاءت فاطمة فقال لها "إنّها حبّة أبيك وربّ الكعبة" فانصرفت، وقالت لعليٍّ: إنّي قلت له كذا وكذا، فقال لي كذا وكذا. قال: وجاء عليٌّ إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فكلّمه في ذلك.
هكذا ورد هذا السّياق، وعليّ بن زيد بن جدعان يأتي في رواياته بالمنكرات غالبًا، وهذا فيه نكارةٌ، والحديث الصّحيح خلاف هذا السّياق، كما رواه النّسائيّ وابن ماجه من حديث خالد بن سلمة الفأفاء، عن عبد اللّه البهيّ، عن عروة قال: قالت عائشة، رضي اللّه عنها: ما علمت حتّى دخلت عليّ زينب بغير إذنٍ وهي غضبى، ثمّ قالت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: حسبك إذا قلبت لك ابنة أبي بكرٍ ذريّعتيها ثمّ أقبلت عليّ فأعرضت عنها، حتّى قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "دونك فانتصري" فأقبلت عليها حتّى رأيتها وقد يبس ريقها في فمها، ما تردّ عليّ شيئًا. فرأيت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلم يتهلل وجهه. وهذا لفظ النّسائيّ.
وقال البزّار: حدّثنا يوسف بن موسى، حدّثنا أبو غسّان، حدّثنا أبو الأحوص عن أبي حمزة، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، رضي اللّه عنها، قالت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "من دعا على من ظلمه فقد انتصر".
ورواه التّرمذيّ من حديث أبي الأحوص، عن أبي حمزة -واسمه ميمونٌ- ثمّ قال: "لا نعرفه إلّا من حديثه، وقد تكلّم فيه من قبل حفظه"). [تفسير ابن كثير: 7/ 212-213]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(وقوله: {إنّما السّبيل} أي: إنّما الحرج والعنت {على الّذين يظلمون النّاس ويبغون في الأرض بغير الحقّ} أي: يبدؤون النّاس بالظّلم. كما جاء في الحديث الصّحيح: "المستبّان ما قالا فعلى البادئ ما لم يعتد المظلوم".
{أولئك لهم عذابٌ أليمٌ} أي: شديدٌ موجعٌ.
قال أبو بكر بن أبي شيبة: حدّثنا الحسن بن موسى، حدّثنا سعيد بن زيدٍ -أخو حمّاد بن زيدٍ-حدّثنا عثمان الشّحّام، حدّثنا محمّد بن واسعٍ قال: قدمت مكّة فإذا على الخندق منظرة، فأخذت فانطلق بي إلى مروان بن المهلّب، وهو أميرٌ على البصرة، فقال: حاجتك يا أبا عبد اللّه. قلت حاجتي إن استطعت أن تكون كما قال أخو بني عديٍّ. قال: ومن أخو بني عديٍّ؟ قال: العلاء بن زيادٍ، استعمل صديقًا له مرّةً على عملٍ، فكتب إليه: أمّا بعد فإن استطعت ألّا تبيت إلّا وظهرك خفيفٌ، وبطنك خميصٌ، وكفّك نقيّةٌ من دماء المسلمين وأموالهم، فإنّك إذا فعلت ذلك لم يكن عليك سبيلٌ، {إنّما السّبيل على الّذين يظلمون النّاس ويبغون في الأرض بغير الحقّ أولئك لهم عذابٌ أليمٌ} فقال صدق واللّه ونصح ثمّ قال: ما حاجتك يا أبا عبد اللّه؟ قلت: حاجتي أن تلحقني بأهلي. قال: نعم رواه ابن أبي حاتمٍ). [تفسير ابن كثير: 7/ 213]

تفسير قوله تعالى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(ثمّ إنّه تعالى لـمّا ذمّ الظّلم وأهله وشرّع القصاص، قال نادبًا إلى العفو والصّفح: {ولمن صبر وغفر} أي: صبر على الأذى وستر السّيّئة، {إنّ ذلك لمن عزم الأمور}
قال سعيد بن جبيرٍ: [يعني] لمن حقّ الأمور الّتي أمر اللّه بها، أي: لمن الأمور المشكورة والأفعال الحميدة الّتي عليها ثوابٌ جزيلٌ وثناءٌ جميلٌ.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا عمران بن موسى الطّرسوسيّ، حدّثنا عبد الصّمد بن يزيد -خادم الفضيل بن عياضٍ-قال: سمعت الفضيل بن عياضٍ يقول إذا أتاك رجل يشكو إليك رجلًا فقل: "يا أخي، اعف عنه". فإنّ العفو أقرب للتّقوى، فإن قال: لا يحتمل قلبي العفو، ولكن أنتصر كما أمرني اللّه عزّ وجلّ. فقل له إن كنت تحسن أن تنتصر وإلّا فارجع إلى باب العفو، فإنّه بابٌ واسعٌ، فإنّه من عفا وأصلح فأجره على اللّه، وصاحب العفو ينام على فراشه باللّيل، وصاحب الانتصار يقلّب الأمور.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا يحيى -يعني ابن سعيدٍ القطّان- عن ابن عجلان، حدّثنا سعيد بن أبي سعيدٍ، عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه أنّ رجلًا شتم أبا بكرٍ والنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم جالسٌ، فجعل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يعجب ويتبسّم، فلمّا أكثر ردّ عليه بعض قوله، فغضب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وقام، فلحقه أبو بكرٍ فقال: يا رسول اللّه إنّه كان يشتمني وأنت جالسٌ، فلمّا رددت عليه بعض قوله غضبت وقمت! قال: "إنّه كان معك ملكٌ يردّ عنك، فلمّا رددت عليه بعض قوله حضر الشّيطان، فلم أكن لأقعد مع الشّيطان". ثمّ قال: "يا أبا بكرٍ، ثلاثٌ كلّهنّ حقٌّ، ما من عبدٍ ظلم بمظلمةٍ فيغضي عنها للّه، إلّا أعزّ اللّه بها نصره، وما فتح رجلٌ باب عطيّةٍ يريد بها صلةً، إلّا زاده اللّه بها كثرةً، وما فتح رجلٌ باب مسألةٍ يريد بها كثرةً، إلّا زاده اللّه بها قلّةً"
وكذا رواه أبو داود، عن عبد الأعلى بن حمّادٍ، عن سفيان بن عيينة -قال: ورواه صفوان بن عيسى، كلاهما عن محمّد بن عجلان ورواه من طريق اللّيث، عن سعيدٍ المقبري، عن بشير بن المحرّر، عن سعيد بن المسيّب مرسلًا.
وهذا الحديث في غاية الحسن في المعنى، وهو سبب سبّه للصّدّيق). [تفسير ابن كثير: 7/ 213-214]


الساعة الآن 02:27 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة