جمهرة العلوم

جمهرة العلوم (http://jamharah.net/index.php)
-   توجيه القراءات (http://jamharah.net/forumdisplay.php?f=1080)
-   -   توجيه القراءات في سورة التوبة (http://jamharah.net/showthread.php?t=27812)

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 11:02 AM

توجيه القراءات في سورة التوبة
 
توجيه القراءات في سورة التوبة

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 11:03 AM

مقدمات سورة التوبة
 
مقدمات توجيه القراءات في سورة التوبة
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (سورة براءة). [معاني القراءات وعللها: 1/447]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (ومن السورة التي تُذكر فيها براءة [التوبة] ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/235]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): ( [بسم الله: ذكر اختلافهم في] سورة التوبة). [الحجة للقراء السبعة: 4/167]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (سورة التوبة). [المحتسب: 1/283]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : (9 - سورة التّوبة). [حجة القراءات: 315]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (سورة التوبة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/498]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (سورة التوبة). [الموضح: 587]

نزول السورة:
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (مدنية). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/498]

عد الآي:
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (وهي مائة وثلاثون آية في المدني وتسع وعشرون ومائة في الكوفي). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/498]

ياءات الإضافة:
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (31- فيها ياءا إضافة قوله: {معي أبدًا} «83» أسكنها أبو بكر وحمزة والكسائي.
قوله: {معي عدوا} «83» فتحها حفص). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/511]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (فيها ياءان للمتكلم وهما قوله {مَعِيَ أَبَدًا} و{مَعِيَ عَدُوًا}.
ففتح {مَعِيَ أَبَدًا} ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر و- ص- عن عاصم.
وزاد- ص- {مَعِيَ عَدُوًا ففتحها، وأسكنها عاصم- ياش- وحمزة والكسائي ويعقوب.
وقد مضى الكلام في هذا ونحوه فيما تقدم). [الموضح: 611]

الياءات المحذوفة:
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (ليس فيها ياء محذوفة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/511]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 11:04 AM

تفسير سورة التوبة
[ من الآية (1) إلى الآية (5) ]
{ بَرَاءةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ (1) فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَأَنَّ اللّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ (2) وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3) إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4) فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (5) }

قوله تعالى: {بَرَاءةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ (1)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (من ذلك حكى أبو عمرو أن أهل نجران يقولون: [بَرَاءَةٌ مِنِ اللَّه] يَجرُّون الميم والنون.
قال أبو الفتح: حكاها سيبويه، وهي أول القياس، تكسرها لالتقاء الساكنين، غير أنه كثُر استعمال "مِن" مع لام المعرفة، فهربوا من توالي كسرتين إلى الفتح، وإذا كانوا قد قالوا: [قُمَ اللَّيْلَ]، [وقُلَ الحق] ففتحوا ولم تلتقِ هناك كسرتان، فالفتح في [مِنَ اللَّهِ] لتوالي الكسرتين أولى). [المحتسب: 1/283]

قوله تعالى: {فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَأَنَّ اللّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ (2)}

قوله تعالى: {وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3)}

قوله تعالى: {إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة عكرمة: [ثُمَّ لَمْ يَنْقُضُوكُمْ شَيْئًا] بالضاد معجمة، قال: أي لم ينقضوا أموركم، وهو كناية حسنة عن النقص؛ لأنه إذا نقصه شيئًا من خاصه فقد نقصه عما كان، فهذه طريقة). [المحتسب: 1/283]

قوله تعالى: {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (5)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 11:06 AM

تفسير سورة التوبة

[ من الآية (6) إلى الآية (10) ]
{ وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (6) كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8) اشْتَرَوْا بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (9) لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10)}

قوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (6)}

قوله تعالى: {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7)}

قوله تعالى: {كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة عكرمة أيضًا: [إِيلًا ولا ذِمَّةً] بياء بعد الكسرة خفيفة اللام.
قال أبو الفتح: طريق الصنعة فيه أن يكون أراد "إلا" كقراءة الجماعة، إلا أنه أبدل اللام الأولى ياء لثقل الإدغام، وانضاف إلى ذلك كسرة الهمزة وثِقَل الهمزة. وقد جاء نحو هذا أحرف صالحة كدينار؛ لقولهم: دنانير، وقيراط: قراريط، وديماس فيمن قال: دماميس،
[المحتسب: 1/283]
وديباج فيمن قال: دبايبج، وشيراز فيمن قال: شراريز. وقد جاء مع الفتحة استثقالًا للتضعيف وحده. قال سعد بن قُرْط يهجو أمه:
يا ليتما أُمُّنَا شالت نَعامتُها ... أيما إلى جنة أيما إلى نار
وروينا عن قطرب:
لا تفسدوا آبَالَكم ... أَيْمَا لنا أَيْمَا لكم
وقال عمر بن أبي ربيعة:
رأيت رجلًا أيما إذا الشمس عارضت ... فيَضْحَى وأيما بالعشي فيَخصر
وقد قلبوا الثاني منهما فقالوا في أمللت: أمليت، وفي أَمَلُّ: أَمْلَى أنا. وحدثنا أبو علي أن أحمد بن يحيى حكى عنهم: لا وَرَبْيِك لا أَفعل؛ أي: لا ورَبِّك، فكذا تكون قراءة عكرمة [إيلًا ولا ذمةً] يريد "إلا"، وأبدل الحرف الأول ياء لما ذكرناه.
وقد يجوز أن يكون فِعْلًا من أُلْتُ الشيء إذا سُسْته أُءُوله إيالة، إلا أنه قلب الواو ياء لسكونها والكسرة قبلها). [المحتسب: 1/284]

قوله تعالى: {اشْتَرَوْا بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (9)}

قوله تعالى: {لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 11:08 AM

تفسير سورة التوبة
[من الآية (11) إلى الآية (15)]
{فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11) وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12) أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (13) قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (15)}

قوله تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11)}

قوله تعالى: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (قول الله جلّ وعزّ: (أئمّة الكفر... (12).
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب (أيمة) بهمزة واحدة مقصورة، بعدها ياء ساكنة.
وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي (أئمّة) بهمزتين.
قال أبو منصور: من قرأ (أيمة) بهمزة واحدة وياء بعدها فإنه كره الجمع بين همزتين، فجعل الأخيرة ياء، و(أيمة) كان في الأصل (أأممة) مثل: أعممة، فاستثقلوا الجمع بين الميمين متحركتين، فأسكنوا الميم الأولى، وأدغموها في الأخرى، فصارت ميمًا شديدة، وعوض الذين همزوا همزتين من الميم المدغمة همزة، فصارت ياء شديدة، وعوض الآخرون إحدى الهمزتين ياء). [معاني القراءات وعللها: 1/447]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (لا أيمان لهم... (12).
[معاني القراءات وعللها: 1/447]
قرأ ابن عامر وحده (لا إيمان لهم) بكسر الألف، وقرأ الباقون (لا أيمان لهم) بفتح.
قال أبو منصور: من قرأ (لا إيمان لهم) بالكسر فمعناه: لا تصديق لهم.
وقيل: معناه: لا إجارة لهم، من آمنه إيمانًا، إذ أجاره، ومن قرأ (لا أيمان لهم) فهي جمع يمين، المعنى: لا عهد لهم إذا أقسموا وحلفوا؛ لأنهم لا يدينون دين الحق). [معاني القراءات وعللها: 1/448]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (1- قوله تعالى: {أئمة الكفر} [12].
قرأ أهل الكوفة وابن عامر. بهمزتين، الأولى ألف الجمع، والثانية أصلية؛ لأنه جمع إمام مثل حمار وأحمرة ورداء وأردية، ووزنه: أفعله، والأصل: أأممه، فنقلوا كسرة الميم إلى الهمزة وأدغموا الميم في الميم.
والباقون كرهوا الجمع بين همزتين فلينوا الثانية فصارت لفظة كياء {أيمة الكفر} والياء ساكنة، وبعدها الميم المدغمة ساكنة. ولا بأس بالجمع بين الساكنين إذا كان أحدهما حرف لين نحو قولك في تصغير أصم: أصيم فاعلم، إلا المسيبي عن نافع فإنه قرأ {آئمة الكفر} ممدودة، كأنه أدخل بين الهمزتين ألفًا ولين الثانية). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/235]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (2- وقوله تعالى: {إنهم لا أيمان لهم} [12] قرأ ابن عامر وحده: {إنهم لا إيمان لهم} بكسر الهمزة جعله مصدرًا من آمن إيمانًا، وله حجتان:
إحداهما: أن يكون أراد: لا دين لهم.
والثانية: أن يكون أراد: لا [أمان] لهم.
وقرأ الباقون: {لا أيمان لهم} بالفتح جمع يمين، وهو الاختيار؛ لأنه في التفسير: لا عهد لهم ولا ميثاق). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/235]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الهمزتين، وإسقاط إحداهما من قوله [جلّ وعزّ]: أئمة [التوبة/ 12].
فقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو: أيمة* بهمز الألف، وبعدها ياء ساكنة، على أنّ نافعا يختلف عنه في ذلك، فروى المسيّبي، وأبو بكر بن أبي أويس: آيمة ممدودة الهمزة، وياء بعدها كالساكنة، وقال أحمد بن صالح عن أبي بكر بن أبي أويس: أحفظ عن نافع: أئمة بهمزتين. وقال أبو عمارة عن يعقوب بن جعفر وإسحاق المسيّبي عن أهل المدينة: أيمة* همزوا الألف بفتحة شبه الاستفهام، أخبرني بذلك إسماعيل بن أحمد عن أبي عمر الدّوري، عن أبي عمارة عن يعقوب.
وقال القاضي إسماعيل، عن قالون بهمزة واحدة.
[الحجة للقراء السبعة: 4/167]
وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: أئمة بهمزتين.
قال أبو علي: المثلان إذا اجتمعا في كلمة، ولم يكن الثاني منهما للإلحاق، ولم يكن على فعل نحو: طلل وشرر؛ فحركة الأوّل منهما مرفوضة غير مستعملة، إلّا فيما لا اعتداد به من حرف شاذّ نحو: ألبب، ولححت عينه. وما يجيء في الشعر من نحو ذلك، فهو من الأصول المرفوضة التي لا تستعمل في حال السّعة والاختيار. وإذا كان كذلك، فالحركة المقدّرة في أول المثلين من مودّ لم تخرج إلى اللفظ في هذا البناء، وإذا لم تخرج إليه كان ساكنا، وإذا سكن كانت الواو في مودّ في تقدير الحركة من غير أن تنقل إليه، كما أن الحركة في زوج وزوجة وعود وعودة كذلك. وإذا كانت الحركة في حكم الثبات في الواو، لم يكن سبيل إلى قلبها، كما لم يكن لها إلى ذلك سبيل في زوجة، ولواذ، وعوض وحول، ونحو ذلك، ولو كان الأمر فيه على غير هذا المسلك، لكان ميدّ لأنّ الحركة لو كانت مقدرة على العين لنقلتها إلى الياء، وقد قلبتها الكسرة، ومثل هذا قولهم: إوزّ، ألا ترى أنه
[الحجة للقراء السبعة: 4/168]
افعل، فصحّحوا الواو، ولم تقلبها الكسرة كما قلبت نحو:
ميزان، أنشد أبو عثمان:
كأنّ خزّا تحته وقزّا* أو فرشا محشوّة إوزّا وقال آخر:
يلقى الإوزّون في أكناف دارتها وأما قولهم: أيمة*، فهو في الأصل أفعلة، وواحدها إمام، فإذا جمعته على أفعلة ففيه همزة، هي فاء الفعل، وتزيد عليها همزة أفعلة الزائدة، فتجتمع همزتان، واجتماع الهمزتين في كلمة لا يستعمل تحقيقهما، ولا تخلو الهمزة التي هي فاء الفعل في أيمة* من أن تكون الحركة نقلت إليها بعد أن كانت ساكنة، أو وقعت في أول حالها متحركة من غير تقدير سكون فيها، ونقل الحركة إليها بعد، فلو ثبتت ساكنة، ونقلت إليها الحركة بعد لوجب أن تبدل ألفا كما أبدلت في آنية،
[الحجة للقراء السبعة: 4/169]
وآزرة، ونحو ذلك، ولو أبدلت ألفا لجاز وقوع المدغم بعدها، ولم يحتج مع وقوع المدغم بعدها إلى القلب فيها، فلما لم تقلب ألفا ووقعت متحرّكة، ولم تحركها على أن الفتحة في الهمزة، صادفت الهمزة التي هي فاء متحركة بالكسر، ولو صادفتها ساكنة لقلبتها ألفا، فالحركة في أيمة* كالحركة في مودّ، ودلّ على هذا قولهم: إوزّ فلمّا لم تنقل الحركة إلى الفاء من العين، صارت الفاء كأنّها لم تزل مكسورة، فانقلبت ياء، لأنّ الهمزتين لمّا لم تجتمعا في كلمة واحدة لزم الثانية منهما البدل.
وإذا لزم الثانية البدل كان بمنزلة ما لم يزل حرف لين، يدلّك على ذلك قولهم: أوادم، ونحو ذلك: جاء، في قول عامة النحويّين. وعلى هذا قاس النحويون، فقالوا: لو بنيت من جاء مثل: فعلل، لقلت: جيئا، وقد علمت أن الحركات تنزّل منزلة الحروف، فكما تعتلّ بعض الحروف لمجاورة بعضها للتقريب نحو: حتى يصدر الرعاء [القصص/ 23] اعتلّت الصاد لمجاورة الدال، ونحو: اصطبر اعتلّت التاء لمجاورة المطبق، كذلك انقلبت الهمزة من أيمة* ياء لمجاورة الكسرة التي بعدها، كما انقلبت ياء لمجاورة الحركة التي قبلها في
[الحجة للقراء السبعة: 4/170]
ذيب. وأيضا فإن الهمزة تشبه الألف لأنها من مخرجها وتقاربها، لأن كلّ واحدة منهما تنقلب إلى صاحبتها في نحو: هو يضربها، وحبلأ، في وقف بعضهم، كما قلبت ألفا في الوقف عند أهل التخفيف في: لم يقرأ، وكما قلبت هي أيضا إليها في آدم، ورأس، والألف تعتلّ وتغيّر لما قبلها ولما بعدها في نحو: كتاب وعالم، كذلك قلبت الهمزة للحركة التي قبلها والتي بعدها في نحو: ذيب وأيمّة.
وكذلك الواو تعلّ للياء التي بعدها في نحو طوي طيّا، وللياء التي قبلها في مثل. ديّار وقيّام ونحوه، ولو كسّرت قولهم: أيمة* أو حقّرته، كما قلت: أسقية وأساق، لزم أن تقول: أويمة فتقلبها واوا لتحرّكها أيضا بالفتح، كما قلبتها واوا في أوادم وآخر وأواخر.
فإن كسّرت قلت: أوامّ، ولا تقول: أييمة، فتقرر الياء في التحقير على ما كانت عليه في التكبير، لزوال الكسرة الموجبة لانقلاب الهمزة إلى الياء، كما لا يجوز أن تقرّر الياء في ميزان ونحوه، إذا كسّرت أو حقّرت لزوال المعنى الموجب للياء وهو الكسر الذي في الميم، وكذلك الياء المنقلبة عن الهمزة في أيمة* ولا يجوز تقريرها في التحقير والتكسير، لزوال
[الحجة للقراء السبعة: 4/171]
الكسرة، كما لا يجوز أن تقرّر الياء إذا خفّفت ذئبا وبئرا في التحقير والتكسير، لزوال الكسرة الموجبة لقلبها، وكذلك في:
هذا أفعل من هذا من: أممت، تقول: هذا أومّ من هذا لتحركها بالفتح، وهذا قول أبي الحسن.
وقول أحمد بن موسى: قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو:
أيمة* بهمز الألف وبعدها ياء ساكنة، غير أن نافعا يختلف عنه إلى آخر الفصل.
فالقول فيه: أن هذه التراجم مضطربة، وفي هذه الكلمة همزتان: الأولى منهما همزة أفعلة، والثانية: فاء الفعل، فمن لم ير الجمع بينهما من النحويين، وهو أبو عمرو والخليل وسيبويه وأصحابهم، قال: أيمة* فأبدل من الهمزة التي هي فاء، الياء لانكسارها، فلم يجتمع همزتان، ومن لم ير الجمع بين الهمزتين لم يجعل الثانية بين بين، لأنّها إذا كانت كذلك كانت في حكم الهمزة، ألا ترى أن العرب قالوا في فاعل من جاء وشاء وناء، جاء، وشاء وناء؟ فقلبوا الثانية ياء محضة لانكسار ما قبلها، ولم يخفّفوا، ولو خفّفوها لزم أن
[الحجة للقراء السبعة: 4/172]
تكون بين الياء والهمزة في قول الخليل وسيبويه، وقول أبي عمرو والعرب فيما ذكر سيبويه، أو تقلب ياء في قول أبي الحسن؛ فإذا كان كذلك فما ذكره من أن نافعا وابن كثير وأبا عمرو قرءوا بهمز الألف، وبعدها ياء ساكنة غير مستقيم، لأن الياء التي بعد ألف أفعلة متحركة بالكسر، فكيف تكون ساكنة، ولا يجوز أن يكون المراد بقوله: بعدها ياء ساكنة. أنها همزة بين بين، لأنها لو كانت كذلك كانت في حكم أئمة المحقّقة، يدلّك على ذلك أنّ أبا عمرو إذا فصل بين الهمزتين بالألف في نحو:
أأنت أم أمّ سالم جعل الثانية بين بين، فلو لم يكن في حكم الهمزة في هذه الحال، لم يفصل بينهما بالألف، كما يفصل بينهما من يفصل، إذا حقّق الهمزتين، وشيء آخر يدلّك على أنّ المخففة في حكم المتحركة، وهو أنها لو كانت إذا خفّفت
[الحجة للقراء السبعة: 4/173]
ساكنة لم يستقم قوله:
أأن رأت رجلا أعشى إذا خففت الثانية، كما لم يستقم الشعر إذا أسكن، وكذلك قول الشاعر:
كلّ غرّاء إذا ما برزت لو كان إذا خفف الثانية كانت ساكنة لم يستقم، كما لم يستقم البيت الآخر.
فإذا لم يخل قوله: بعدها ياء ساكنة، من أن يريد به:
السكون الذي هو خلاف الحركة، أو يعني به: الهمزة التي تجعل بين بين، أو يعني به: إخفاء الحركة، ولم يجز واحد من الوجهين الأولين؛ ثبت أنه إخفاء الحركة، والإخفاء تضعيف الصوت بالحركة، فهو يضارع السكون من جهة الإخفاء، وإن كان المخفيّ في وزن المتحرك.
وأما ما ذكره من قوله أن نافعا يختلف عنه في ذلك، فروى المسيّبي وأبو بكر بن أبي أويس: آئمة ممدودة الهمزة مختل، ألا ترى أنه لا مدّ في هذه الهمزة، كما لا مدّ في همزة أبد، وأجل، وأمد؟
[الحجة للقراء السبعة: 4/174]
وقوله: وياء بعدها كالساكنة، يحتمل وجهين: أحدهما:
تخفيف الهمزة، والآخر إخفاء الحركة، وذلك أن الهمزة إذا خففت، صارت مضارعة للساكن، وإن كانت في الوزن متحركة، ولذلك لم تخفف مبتدأة، فهذا إن أريد كان صحيحا في العبارة، إلّا أنه يفسد في هذا الموضع لخروجه عن المذهبين، ألا ترى أن خلافهم فيها على ضربين، أحدهما:
إبدال الياء من الهمزة الثانية من أئمة، والآخر: تحقيقهما، وهو قراءة حمزة والكسائي وعاصم وابن عامر، فيفسد لخروجه عن المذهبين، وإن كان قد يستقيم في اللفظ؛ فإذا لم يجز ذلك لخروجه عن المذهبين، فينبغي أن يحمل ذلك على إخفاء حركة الياء المنقلبة عن الهمزة التي هي فاء الفعل.
وما حكاه من قوله: قال أبو عمارة عن يعقوب بن جعفر وإسحاق المسيبي، عن أهل المدينة: همزوا الألف بفتحة شبه الاستفهام، فإنه يفهم منه أنهم أثبتوا في أيمة* همزة مفتوحة كفتحة همزة الاستفهام، ولم يذكر في الذي بعد الهمزة شيئا، وكذلك قال القاضي إسماعيل عن قالون بهمزة واحدة، فهذا مستقيم لا اختلاف فيه، إلا أنه لا يفهم من ذلك حكم الثانية.
قال: وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: أئمة بهمزتين، فالقول فيه أن تحقيق الهمزتين فيها ليس بالوجه، ومما يضعّف الهمزتين أنه لا نعلم أحدا حكى التحقيق فيهما
[الحجة للقراء السبعة: 4/175]
في آدم، وآدر، وآخر، ونحو هذا، فكذلك ينبغي في القياس أن يكون أيمة*. فإن قلت: إن الثانية التي في آدم ساكنة، والثانية في أئمة متحركة، والمتحرك أقوى من الساكن. قيل:
المتحرك في هذا ليس بأقوى من الساكن، لأنك قد رأيت الكسرة توجب فيها الاعتلال والقلب، مع أنها متحركة في:
مئر، وذئب، فلم تكن الحركة لها مانعة من الاعتلال، كما كان جؤن، وتؤدة كذلك.
وحجتهم في الجمع بين الهمزتين في أإمة أن سيبويه زعم أن ابن أبي إسحاق كان يحقّق الهمزتين وناس معه.
قال سيبويه: وقد يتكلّم ببعضه العرب، وهو رديء، وقد تقدم القول في أوائل هذا الكتاب.
والدلالة على ضعف اجتماع الهمزتين، ووجهه من القياس، أن يقول: الهمزة حرف من حروف الحلق، كالعين وغيرها، وقد جمع بينهما في نحو: لعاعة، وكعّ، وكعّة، والفهّة، وكذلك في غير هذه الحروف، فكما جاء أن اجتماع العينين كذلك، يجوز اجتماع الهمزتين). [الحجة للقراء السبعة: 4/176]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح الألف وكسرها من قوله جلّ وعز: إنهم لا أيمان لهم [التوبة/ 12].
[الحجة للقراء السبعة: 4/176]
فقرأ ابن عامر وحده: لا إيمان لهم بكسر الألف.
وقرأ الباقون: لا أيمان لهم بفتح الألف.
قال أبو علي: حجة من قال: لا أيمان لهم، ففتح أن يقول: قد قال: إلا الذين عاهدتم [التوبة/ 4] والمعاهدة يقع فيها أيمان* فإذا كان كذلك ففتح الهمزة أشبه بالموضع وأليق وأيضا، فقد قال: ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم [التوبة/ 13]، ويقوي ذلك أن المتقدم ذكره، إنما هو أيمان نكثوها. ومما يقوي أيمان* بفتح الهمزة أن قوله: فقاتلوا أيمة الكفر يعلم منه أنه لا إيمان لهم؛ فإذا كان كذلك فالفتح في قوله جل وعزّ: لا أيمان لهم أولى، لأنه لا يكون تكريرا، ولم يقع عليه دلالة من الكلام الذي تقدمه.
فإن قلت: فكيف قال: إنهم لا أيمان لهم فنفى أيمانهم؟، ثم قال: ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم [التوبة/ 13] فأوجبها، فإنّما ذلك لأنّ المعنى لا أيمان لهم يفون بها، ولا أيمان لهم صادقة، كما أن قوله: وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا [مريم/ 9] معناه: شيئا مذكورا، ويبيّن ذلك في الأخرى بقوله: لم يكن شيئا مذكورا [الإنسان/ 1] وقد قالوا:
إنّك ولا شيئا سواء، فلو كان الكلام يراد به النفي، كان محالا، لأنّ لا شيء لا يساوي شيئا، وإنما جاز لما يراد بهذا الكلام من النقص المراد بهذا الكلام، فكذلك قوله: لا أيمان لهم على هذا الحد.
[الحجة للقراء السبعة: 4/177]
ووجه قول ابن عامر أنّه ذكر أن الكسر قراءة الحسن، ووجه: لا إيمان لهم أن يجعله مصدرا من آمنته إيمانا، يريد به خلاف التخويف، ولا يريد به مصدر آمن الذي هو صدّق، أي: ليس لأئمة الكفر من المشركين إيمان، كما يكون الإيمان الذي هو مصدر آمنته لذوي الذمّة من أهل الكتاب، لأنّ المشركين لا يقرّون، ولا يؤمنون إلّا أن يسلموا، فإن لم يسلموا فالسيف، ولا يؤمنون بتقرير بقبول جزية، كما يقرّ أهل الكتاب، ولا يكون على هذا الإيمان الذي هو خلاف الكفر، فيكون تكريرا لدلالة ما تقدم من قوله تعالى: فقاتلوا أيمة الكفر على أن أهل الكفر لا إيمان لهم، لأن الإيمان على هذا إنما هو مصدر. آمنت المنقول من أمن الذي هو خلاف خوّفت). [الحجة للقراء السبعة: 4/178]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فقاتلوا أئمّة الكفر إنّهم لا أيمان لهم لعلّهم ينتهون}
قرأ ابن عامر وأهل الكوفة {فقاتلوا أئمّة الكفر} بهمزتين الهمزة الأولى ألف الجمع والثّانية أصليّة لأنّها جمع إمام والأصل أأممة أفعله مثل حمار وأحمرة ولكن الميمين لما اجتمعا نقلوا كسرة الميم إلى الهمزة فأدغموا الميم في الميم فصارت أئمّة بهمزتين
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو (أيمة) بغير مد بهمزة واحدة كأنّهم كرهوا الجمع بين همزتين في بنية واحدة ولا اعتبار بكون الأولى زائدة كما لم يكن بها اعتبار في آدم
قرأ ابن عامر {إنّهم لا أيمان لهم} بكسر الألف أي لا إسلام ولا دين لهم وقال آخرون معناه لا أمان لهم مصدر آمنته أومنه إيمانًا المعنى إذ كنتم أنتم آمنتموهم فنقضوا هم عهدهم فقد بطل الأمان الّذي أعطيتموهم
وقرأ الباقون {لا أيمان لهم} بالفتح جمع يمين وحجتهم قوله {اتّخذوا أيمانهم جنّة} وهو الاختيار لأنّه في التّفسير لا عهود لهم ولا ميثاق ولا حلف فقد وصفهم بالنكث في العهود). [حجة القراءات: 315]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (1- قوله: {أئمة} حيث وقع، قرأ الكوفيون وابن عامر بهمزتين محققتين، وقرأ الباقون بهمزة وبعدها ياء مكسورة كسرة خفيفة.
وحجة من حقق الهمزتين أنه شبهها بهمزة الاستفهام الداخلة على همزة أخرى في قولك: «أئذا، أئفكا» فالهمزة المفتوحة الزائدة، التي للاستفهام، دخلت على همزة «إذا» وعلى همزة «إفك» التي هي فاء الفعل، كذلك الهمزة المفتوحة الزائدة في «أئمة»، دخلت على همزة «إمام» التي هي فاء الفعل، فلما اشتبها في الزيادة حققا، وكان الأصل في «أئمة» ألا يحقق همزته الثانية، لأن أصلها السكون؛ لأنه جمع «إمام» على «أفعله»، كحمار أحمرة ومن شأن العرب ألا يجتمع مثلان متحركان إلا ويدغمون الأول في الثاني، إلا أن يكون الثاني للإلحاق، فلا يدغم، أو يكون الاسم على «فعل» فلا يدغم، فالذي هو للإلحاق نحو: مهدد ومردد، فهذا لا يُدغم، لئلا ينقص عما هو ملحق به؛ لأنه ملحق بـ «جعفر»، ولا إدغام في «جعفر»، وكذلك يجب أن يكون ما ألحق به، والذي هو على «فعل» نحو: شرر وطلل، فأصل «أئمة» أأممة، ثم وجب الإدغام في المثلين، وهما الميمان، فألقيت كسرة الميم الأولى على الهمزة الساكنة التي هي فاء الفعل، وهي في الأصل همزة «إمام»، إلا أنها تغيرت في الجمع إلى السكون؛ لأن فاء الفعل في الجمع ساكنة، كالحاء من «أحمرة» فلما ألقيت الكسرة على الهمزة الساكنة انكسرت، فصار لفظها كلفظ «أئذا» فحملت في التحقيق محمل «أئذا» وليست مثلها، لأن كسرة الهمزة الثانية في «أئذا» أصلية، وكسرة الهمزة الثانية من «أئمة» عارضة،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/498]
إذ أصلها السكون، ومن الأصول، في كلام العرب على ما قدمنا، أنه لا يجمع بين همزتين في التحقيق، إذا كانت الثانية ساكنة، وقد فعل ذلك في «أئمة» لأن الثانية، وإن انكسرت، فأصلها السكون، فقد جمع بين تحقيق الهمزتين، والثانية أصلها السكون، فهو خارج عن الأصول، محمول على شبه لفظه بلفظ «أئذا وأئفكا» ولهذه العلة وجب أن تكون الهمزة المكسورة، في قراءة من خفف، ياء خفيفة الكسرة، ولأن باب الساكنة في التخفيف البدل، فجرت على أصلها في البدل بخلاف «أئذا وأئفكا»؛ لأن كسرة الهمزة، في ذلك، أصلية، فجرت في التخفيف على أصل تخفيف المكسورة، التي قبلها متحرك بين بين، وقد تقدم ذكر هذه الأصول فالقراءة بالتحقيق في «أئمة» فيه من الضعف ما ذكرته لك.
2- وحجة من أبدل من الهمزة المكسورة ياء خفيفة الكسرة، ولم يحقق الهمزتين، أنه لما كان يستبعد التحقيق في الهمزتين اللتين أصلهما الحركة، ويخفف الثانية استثقالًا لتحقيقهما، فإذا وقعت همزتان محققتان لا أصل للثانية في الحركة، كان ذلك عنده أبعد من التحقيق، إذ لا يوجد في كلام العرب همزتان محققتان، والثانية ساكنة، هذا أمر قد ترك استعماله العرب والقراء، وعلة ذلك أن الهمزتين في «أئمة» كلمة لا يُقدر فيها أن الثانية من الهمزتين، دخلت عليها الأولى، فصارت ككلمتين مثل ما يقدر في «أئذا وأأنذرتهم» لأن الأولى دخلت على الثانية، فصارت الهمزتان كأنهما من كلمتين، فحسن التحقيق فيهما كما يحسن في الهمزتين من كلمتين، وقد مضى ذكر هذا في علل تحقيق الهمز وتخفيفه، فوجب أن لا يحقق الثانية في «أئمة» لأن أصلها السكون، ولما وجب تخفيفها خففت على ما يجب للساكنة من التخفيف وهو البدل، فأبدل منها ياء مكسورة، لأنها مكسورة، كما يبدل منها ألف لو كانت ساكنة، وعلى ذلك
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/499]
جرى: أأدم وأأتى وأأمن، وشبهه، وقد مضى الكلام على هذا). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/500]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (3- قوله: {لا أيمان لهم} قرأه ابن عامر بكسر الهمزة، جعله مصدر «أمنته» من الأمان، أي: لا يؤمنون في أنفسهم، وقيل معناه: لا يوفون لأحد بأمان يعقدونه له، ويبعد في المعنى أن يكون من الإيمان الذي هو التصديق، لأنه قد وصفهم بالكفر قبله، فتبعد صفتهم بنفي الإيمان عنهم؛ لأنه معنى قد ذكر إذ أضاف الكفر إليهم، فاستعماله بمعنى آخر أولى، ليفيد الكلام فائدتين، ودل على أنه من الأمان قوله عنهم: {لا يرقبون في مؤمنٍ إلا ولا ذمة} «10» أي: لا يفون لأحد بعهد، ولا يحفظون ذمام أحد، وقرأ الباقون بفتح الهمزة، جعلوه جمع «يمين»، ودل على ذلك قوله قبل ذلك: {إلا الذين عاهدتم} «7» والمعاهدة بالأيمان تكون، ودل على ذلك قوله: {ألا تقاتلون قومًا نكثوا أيمانهم} «13» والفتح الاختيار؛ لأن المعنى عليه، ولأن الجماعة عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/500]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (1- {أَيمَّةَ} [آية/ 12] بهمزة واحدة مقصورة وبعدها همزة ملينة:
قرأها ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب- يس-.
والوجه أن أصله أأممة على أفعلة؛ لأنه جمع إمام، فنقلت كسرة الميم الأولى إلى الهمزة الثانية، فأدغمت الميم في الميم لاجتماع الميمين، فبقي أإمة بهمزتين الأولى مفتوحة والثانية مكسورة كسرة منقولة من الميم، ثم قلبت هذه الهمزة المكسورة ياء لأجل الكسرة الحاصلة فيها، وإن كانت كسرة ما بعدها لا كسرة لها، فبقي أئمة، ثم أخفيت هذه الحركة التي هي كسرة، فصارت الياء في صورة الهمزة الملينة، ويجوز أن تكون الهمزة الثانية من أإمة جعلوها بين بين، فصارت بين الهمزة والياء الساكنة، وهذا ضعيف؛ لأن الهمزة المخففة في زنة المحققة، فتجتمع الهمزتان.
وقرأ الباقون {أَئِمَّةَ} بهمزتين، وكذلك ح عن يعقوب.
والوجه أنه الأصل في هذه الكلمة، إلا أن الجمع بين الهمزتين فيها ضعيف، ووجهه أن الهمزة حرف من حروف الحلق كالعين ونحوه، وقد جُمع
[الموضح: 587]
بين العينين في نحو كع كعه ولعاعة البقل، وكذلك الهاء في نحو الفهة، فإذا جاز الجمع بين العينين والهاءين، فكذلك يجوز الجمع بين الهمزتين). [الموضح: 588]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (2- {لا إِيْمَانَ لَهُمْ} [آية/ 12] بكسر الهمزة:
قرأها ابن عامر وحده.
والوجه أنه مصدر من آمنته إيمانًا ضد خوفته، والمعنى ليس لهم أن يؤمنوا ويجاروا إلى أن يسلموا، فليس من الإيمان الذي هو التصديق.
وجوز الزجاج أن يكون المعنى لا إسلام لهم، أي أنهم لا يؤمنون.
وقرأ الباقون {لا أَيْمَانَ لَهُمْ} بفتح الهمزة.
والوجه أن المراد جمع يمين، فهو أليق بالموضع لقوله تعالى {أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُوا أَيْمَانَهُمْ} فقال {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الكُفْرِ إنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ} أي لا عهود لهم، يعني أنهم نكثوا العهود فجازت مقاتلتهم). [الموضح: 588]

قوله تعالى: {أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (13)}

قوله تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14)}

قوله تعالى: {وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (15)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الأعرج وابن أبي إسحاق وعيسى الثقفي وعمرو
[المحتسب: 1/284]
ابن عبيد، ورُويت عن أبي عمرو: [ويتوبَ اللهُ] بالنصب.
قال أبو الفتح: إذا نَصب فالتوبة داخلة في جواب الشرط معنى، وإذا رفع كقراءة الجماعة فقال: {وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ} فهو استئناف؛ وذلك أن قوله: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ} فهو كقولك: إن تزرني أُحسن إليك وأُعطيَ زيدًا درهمًا، فتنصبه على إضمار أن؛ أي: إن تزرني أجمع بين الإحسان إليك والإعطاء لزيد.
والوجه قراءة الجماعة على الاستئناف؛ لأنه تم الكلام على قوله تعالى: {وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ}، ثم استأنف فقال: {وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ}، فالتوبة منه سبحانه على من يشاء ليست مسببة عن قتالهم، هذا هو الظاهر؛ لأن هذه حال موجودة من الله تعالى قاتَلوهم أو لم يقاتلوهم، فلا وجه لتعليقها بقاتِلوهم، فإن ذهبتَ تعلِّق هذه التوبة بقتالهم إياهم كان فيه ضرب من التعسف بالمعنى). [المحتسب: 1/285]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 01:29 PM

تفسير سورة التوبة
[ من الآية (16) إلى الآية (18) ]
{ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (16) مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17) إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18) }

قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (16)}

قوله تعالى: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد اللّه... (17).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب (أن يعمروا مسجد اللّه) على واحد.
و (إنّما يعمر مساجد اللّه) " جماعة، وقرأ الباقون (مساجد اللّه) جميعًا.
قال أبو منصور: من قرأ (أن يعمروا مسجد الله) فهو المسجد الحرام، ومن قرأ (مساجد اللّه) فهو كل موضع يتخذ مسجدًا يصلى فيه لله، وجائز في اللغة، أن يكون المعنى في قوله: (مسجد الله) يعني به الجمع، ويقال فلان يعمر مسجد الله، أي: يصلي فيه ويعبد الله). [معاني القراءات وعللها: 1/448]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (3- وقوله تعالى: {ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله} [17].
قرأ ابن كثير وأبو عمرو بالتوحيد، أراد: بيت [الله] الحرام خاصة؛ لأن الله تعالى ذكر بعده: {إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام} [28] و{أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام} [19].
وقرأ الباقون {مساجد} جمعًا، وحجتهم أن الخاص يدخل في العام والعام لا يدخل في الخاص فأما الثاني: {إنما يعمر مساجد الله} فأتفق القراء على جمعه، لأنهم أرادوا كل مسجد؛ لأنه كلام مستأنف، إلا ما رواه حماد بن سلمة عن ابن كثير أنه قرأ بالتوحيد أيضًا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/236]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الجمع والتّوحيد من قوله [جلّ وعزّ]: أن يعمروا مسجد الله [التوبة/ 17].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: أن يعمروا مسجد الله على واحد، إنما يعمر مساجد الله [التوبة/ 18] على الجمع.
أخبرني أبو حمزة الأنسي، قال: حدّثنا حجّاج بن المنهال عن حمّاد بن سلمة عن ابن كثير أنه قرأ: مسجد الله إنما يعمر مسجد الله بغير ألف على التوحيد.
[الحجة للقراء السبعة: 4/178]
وقرأ نافع وعاصم وابن عامر، وحمزة، والكسائيّ على الجمع فيهما.
قال أبو علي: حجّة من أفرد فقال: مسجد الله أنه يعني به ما تأخر من قوله تعالى: وعمارة المسجد الحرام [التوبة/ 19]، فقال: ما كان للمشركين أن يعمروا مسجد الله واستغنى عن وصفه بالحرام بما تقدّم من ذكره، ثم قال:
إنما يعمر مساجد الله يعني به: المسجد الحرام وغيره.
ويدل على أنهم ليس لهم عمارته كالمسلمين: قوله في الأخرى: وما كانوا أولياءه، إن أولياؤه إلا المتقون [الأنفال/ 34].
ووجه من قرأ: أن يعمروا مسجد الله إنما يعمر مسجد الله أنه عنى بالمسجد الثاني الأول في قوله: أن يعمروا مسجد الله فكرره، وسائر المساجد حكمه حكم المسجد الحرام، في أنه ينبغي أن يكون عمّاره أهله الذين هم أولى به.
ومن جمع فقال: مساجد الله بعد قوله: ما كان للمشركين أن يعمروا مسجد الله. فلأنّ الجمع يشمل المسجد الحرام وغيره.
[الحجة للقراء السبعة: 4/179]
ووجه قول من جمع في الموضعين: أن المشركين ليسوا بأولياء لمساجد المسلمين، لا المسجد الحرام ولا غيره، فإذا لم يكونوا أولياءها لم تكن لهم عمارتها، وإنّما عمارتها للمسلمين الذين هم أولياؤه، فدخل في ذلك المسجد الحرام وغيره). [الحجة للقراء السبعة: 4/180]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله} {إنّما يعمر مساجد الله من آمن باللّه واليوم الآخر} 17 و18
[حجة القراءات: 315]
قرأ ابن كثير وأبو عمرو (ما كان للمشركين أن يعمروا مسجد الله) على التّوحيد يعني المسجد الحرام وحجتهما قوله {إنّما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام} قال أبو عمرو وتصديقها قول {أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام} قال والثّانية {إنّما يعمر مساجد الله} على الجمع في كل مكان {من آمن باللّه} على هذا المعنى
وقرأ الباقون {أن يعمروا مساجد الله} بالألف وحجتهم إجماع الجميع على قوله {إنّما يعمر مساجد الله} على الجمع فرد ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه وأخرى وهي أنه إذا قرئ على الجمع دخل المسجد الحرام فيه وغير المسجد الحرام وإذا قرئ على التّوحيد لم يدخل فيه غير المسجد الحرام وإنّما عني به المسجد الحرام فحسب). [حجة القراءات: 316] (م)
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (4- قوله: {أن يعمروا مساجد الله} قرأه ابن كثير وأبو عمرو بالتوحيد، وجهاه إلى المسجد الحرام بدلالة قوله: {وعمارة المسجد الحرام} «19»، وقرأ الباقون بالجمع، على العموم، لمنع المشركين من عمارة المسجد الحرام وغيره، ودل على ذلك قوله: {إنما يعمر مساجد الله} «18» وهو الاختيار). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/500]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (3- {أَن يَعْمُرُوا مَسَجِدَ الله} [آية/ 17] بالتوحيد:
قرأها ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب.
[الموضح: 588]
والوجه أن المراد هو المسجد الحرام، وهو الذي ذكره في قوله تعالى {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الحَاجِّ وعِمَارَةَ المَسْجِدِ الحَرَامِ والمراد بمسجد الله هو هذا المسجد، فلهذا اختاروا التوحيد، والمعنى ليس للمشركين عمارة المسجد الحرام.
وقرأ الباقون {مَسَاجِدَ الله} بالجمع، ولم يختلفوا في {إنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ الله} أنها على الجمع، إلا ما رواه حماد بن سلمة عن ابن كثير أنه بالتوحيد في الحرفين.
والوجه في الجمع أن اللفظ يشمل المسجد الحرام وغيره من المساجد؛ لأن المشركين ليس لهم عمارة المسجد الحرام ولا غيره من المساجد؛ لأنهم ليسوا بأولياء بها، والحكم شامل للجميع، فلذلك اختاروا الجمع). [الموضح: 589]

قوله تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18)}
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله} {إنّما يعمر مساجد الله من آمن باللّه واليوم الآخر} 17 و18
[حجة القراءات: 315]
قرأ ابن كثير وأبو عمرو (ما كان للمشركين أن يعمروا مسجد الله) على التّوحيد يعني المسجد الحرام وحجتهما قوله {إنّما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام} قال أبو عمرو وتصديقها قول {أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام} قال والثّانية {إنّما يعمر مساجد الله} على الجمع في كل مكان {من آمن باللّه} على هذا المعنى
وقرأ الباقون {أن يعمروا مساجد الله} بالألف وحجتهم إجماع الجميع على قوله {إنّما يعمر مساجد الله} على الجمع فرد ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه وأخرى وهي أنه إذا قرئ على الجمع دخل المسجد الحرام فيه وغير المسجد الحرام وإذا قرئ على التّوحيد لم يدخل فيه غير المسجد الحرام وإنّما عني به المسجد الحرام فحسب). [حجة القراءات: 316] (م)

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 01:31 PM

تفسير سورة التوبة
[ من الآية (19) إلى الآية (22) ]

{أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19) الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22) }


قوله تعالى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن الزبير وأبي وجزة السعدي ومحمد بن علي وأبي جعفر القاري: [أَجَعَلْتُمْ سُقَاةَ الْحَاجِّ وَعَمَرَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ] وقرأ: [سُقَايَةَ الْحَاجِّ وَعَمَرَةَ الْمَسْجِدِ] الضحاك.
[المحتسب: 1/285]
قال أبو الفتح: أما [سُقاة] فجمع ساقٍ، كقاضٍ وقضاة وغازٍ وغزاة. و[عَمَرَة] جمع عامر، ككافر وكفرة وبارٍّ وبررة.
وأما [سُقاية] ففيه النظر، ووجهه أن يكون جمع ساق، إلا أنه جاء على فُعال كعَرق وعُراق، ورَخِل ورُخال، وتوءَم وتُؤام، وظِئر وظُآر، وإنسان وأُناس، وثَنِي وثُناء، وبرئ وبُرَاء. فكان قياسه إذا جاء به على فُعال أن يكون سُقاء، إلا أنه أنثه كما يؤنَّث من الجمع أشياء غيره، نحو: حِجارة وعِيارة وقَصير وقِصارة. وجاءت في شعر الأعشى وعُيُورة وخُيوطة، وقد جاء هذا التأنيث أيضًا في فُعَال هذا. ذهب أبو علي في قولهم: نُقاوة المتاع إلى أنه جمع نَقوة، فعلى هذا جاء سُقاية الحاج، فهو كتأنيث ظُؤار وتُؤام ونحو ذلك.
وكأن الذي آنس مَن قرأ [سُقاة] و[عَمَرَة] و[سُقاية] وعدل إليه عن قراءة الجماعة: {سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} هربه من أن يقابل الحدث بالجوهر؛ وذلك أن السقاية والعمارة مصدران، و{مَن آمن بالله} جوهر، فلا بد إذن من حذف المضاف؛ أي: أجعلتم هذين الفعلين كفعل من آمن بالله؟ فلما رأى أنه لا بد من حذف المضاف قرأ: [سقاة] و[عَمَرَة] و[سُقاية] على ما مضى.
ولست أدفع مع هذا أن يكون {سِقَايَةَ الْحَاجِّ} جع ساق {وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} جمع عامر، فيكون كقائم وقيام وصاحب وصِحاب وراع ورِعاء، إلا أنه أنث فِعالًا على ما مضى، فصار كحِجارة وعِيارة، وأن يكونا مصدرَي سقيت وعمرت أقيس؛ لأن ذلك في اللغة أفشى، وبَنَى سقاية وهو جمع ساق على التأنيث لا على أنه أنث سِقاء؛ لأنه لو أراد ذلك لقال: سِقَاءَة فهمر، كعَظَاءة إذا بنيت على العَظاءِ، ويكون كل واحد منهما قائمًا برأسه). [المحتسب: 1/286]

قوله تعالى: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (20)}

قوله تعالى: {يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21)}
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (5- {يَبَشُرُهُمْ رَبُّهُم} [آية/ 21] بفتح الياء وسكون الباء وضم الشين خفيفة:
قرأها حمزة وحده، وقرأ الباقون {يُبَشِّرُهُمْ} بضم الياء وفتح الباء وتشديد الشين.
وقد مضى الكلام في هذه الكلمة أعني بشر وبشر بما فيه غنية عن الإعادة). [الموضح: 590]

قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 01:34 PM

تفسير سورة التوبة
[ الآيتين (23) ، (24) ]

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آَبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23) قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)}

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آَبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23)}

قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وعشيرتكم... (24).
روى أبو بكر عن عاصم (وعشيراتكم) وفي المجادلة (أو عشيراتهم) على الجميع فيهما، هذه رواية الأعشى عن أبي بكر.
وفي رواية يحيى (وعشيراتكم) بالألف على الجميع في هذه وحدها.
وقرأ الباقون (وعشيرتكم)، (أو عشيرتهم) موحدتين.
قال أبو منصور: العشيرة: اسم جامع لأهل البيت من قرب أو بعد.
وقال أبو العباس: عشيرة الرجل: أهل بيته الأدنون، سمّوا عشيرة لمعاشرة بعضهم بعضًا، والقراءة بالتوحيد.
قال أبو منصور: ولما نزلت (وأنذر عشيرتك الأقربين (214).
أنذر النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم الأدنى والأبعد، - فيما حدثنا السعدي قال: حدثنا ابن عفان قال حدثنا عبد الله بن نمير عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما أنزل الله تعالى: (وأنذر عشيرتك الأقربين).
أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصفا فصعد عليه، ثم نادى:
[معاني القراءات وعللها: 1/449]
يا صباحاه، فاجتمع إليه الناس بين رجل يجيء وبين رجل يبعث رسوله، فقال رسول الله: يا بني عبد المطلب، يا بني فهر، يا بني لؤي، لو أخبرتكم أن خيلاً بسفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم صدقتموني؟ قالوا: نعم.
قال: فإني نذيرٌ لكم بين يدي عذابٍ شديدٍ.
فقال أبو لهب: تبًّا لكم سائر اليوم، أما جمعتنا إلا لهذا.
فأنزل الله تبارك وتعالى: (تبّت يدا أبي لهبٍ)، وقد تبّ.
قال أبو منصور: فأنذر بني فهر وبني لؤي كما أنذر الأقربين، ومن قرأ (أو عشيراتكم) فهو جائز في العربية، ويجمع العشيرة: عشائر أيضًا، والجمع بالتاء قليل). [معاني القراءات وعللها: 1/450]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في الجمع والتوحيد من قوله [جلّ وعز]: وعشيرتكم [التوبة/ 24].
فقرأ عاصم وحده في رواية أبي بكر: وعشيراتكم على الجمع. وقرأ الباقون: وعشيرتكم واحدة، وقال حفص عن عاصم: واحدة.
قال أبو علي: وجه الجمع: أن كل واحد من المخاطبين له عشيرة، فإذا جمعت قال: عشيراتكم من حيث كان المراد بهم الجمع.
وقول من أفرد: أن العشيرة واقعة على الجمع، فاستغني بذلك فيها عن جمعها، ويقوّي ترك الجمع بالتاء أن أبا الحسن قال: لا تكاد العرب تجمع عشيرة عشيرات، إنّما يجمعونها على: عشائر). [الحجة للقراء السبعة: 4/180]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وأزواجكم وعشيرتكم}
قرأ أبو بكر (وعشيراتكم) بالألف وقرأ الباقون {وعشيرتكم} بغير ألف كما تقول قرابتكم وقراباتكم). [حجة القراءات: 316]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (5- قوله: {وعشيرتكم} قرأه أبو بكر بالجمع، لأن لكل واحد من المخاطبين عشيرة، فجمع لكثرة عشائرهم، وقرأه الباقون بالتوحيد، لأن العشيرة واقعة على الجمع، فاستغنى بذلك لفخته، وهو الاختيار، لأن الجماعة عليه، وقد حكى الأخفش أن العرب لا تجمع عشيرة إلا على عشائر، ولا تُجمع
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/500]
بالألف والتاء سماعًا، والقياس لا يمنع من جمعها بألف وتاء). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/501]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (4- {وَعَشِيرَاتُكُمْ} [آية/ 24] بالجمع:
قرأها عاصم- ياش-.
والوجه أن كل واحد من المخاطبين له عشيرة، فجاء بها على الجمع.
وقرأ الباقون {وَعَشِيرَتُكُمْ} بغير ألف على التوحيد؛ لأن العشيرة واقعة
[الموضح: 589]
على الجمع، فاستغنى بها عن جمعها، ويقوي هذه القراءة أن أبا الحسن قال: لا تكاد العرب تجمع العشيرة على العشيرات إنما تجمعها على العشائر، وسميت العشيرة عشيرة لمعاشرة بعضهم بعضًا، وهم أهل بيت الرجل الأدنون). [الموضح: 590]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 01:35 PM

تفسير سورة التوبة
[ من الآية (25) إلى الآية (27) ]

{لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (26) ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (27) }

قوله تعالى: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25)}

قوله تعالى: {ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (26)}

قوله تعالى: {ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (27)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 01:42 PM

تفسير سورة التوبة
[ الآيتين (28) ، (29) ]

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28) قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29) }

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن مسعود: [وَإِنْ خِفْتُمْ عَائلةً].
قال أبو الفتح: هذا من المصادر التي جاءت على فاعلة كالعاقبة والعافية. وذهب الخليل في قولهم: ما باليت بالة، أنها في الأصل بالية كالعاقبة والعافية، فحذفت لامها تخفيفًا. ومنه قوله سبحانه: {لا تَسْمَعُ فِيهَا لاغِيَةً} أي: لغوًا. ومنه قولهم: مررت به خاصة؛ أي: خصوصًا. وأما قوله تعالى: {وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ} فيجوز فيه أن يكون مصدرًا؛ أي: خيانة منهم، ويجوز أن يكون على أن معناه على نية خائنة أو عقيدة خائنة. وكذلك أيضًا يجوز أن يكون: لا تسمع فيها كلمة لاغية. وكذلك الآخر على: إن خفتم حالًا عائلة، فالمصدر هنا أعذب وأعلى). [المحتسب: 1/287]

قوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 01:44 PM

سورة التوبة
[ من الآية (30) إلى الآية (33) ]

{ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30) اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31) يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33) }

قوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وقالت اليهود عزيرٌ ابن اللّه... (30).
قرأ عاصم والكسائي والحضرمي (عزيرٌ ابن اللّه) منونًا، وكذلك روى عبد الوارث عن أبي عمرو، وقرأ الباقون بغير تنوين.
وقال الفراء: الوجه التنوين؛ لأن الكلام ناقص، و(ابن) موضع خبر لـ (عزيز)، فوجه العمل في ذلك أن تنون ما رأيت من الكلام محتاجًا إلى (ابن)، فإذا اكتفى دون (ابن) فوجه الكلام أن لا تنوّن، وذلك
[معاني القراءات وعللها: 1/450]
مع ظهور اسم أب الرجل أو كنيته، فإذا جاوزت ذلك فأضفت (ابن) إلى المكنى عنه مثل ابنك أو ابنه، أو قلت: ابن الرجل، أو ابن الصالح، أدخلت النون في التام منه والناقص وذلك أن الحذف في النون إنما كان في الموضع الذي يجرى في الكلام كثيرًا فيستخف طرحها في الموضع المستعمل، وقد ترى الرجل يذكر بالنسب إلى أبيه كثيرًا، فيقال من فلان بن فلان إلى فلان فلا يجرى كثيرًا بغير ذلك، وربما حذفت النون وإن لم يتم الكلام لسكون الباء من (ابن) فيستثقل النون إذا كانت ساكنة لقيت ساكنًا فحذفت استثقالاً لتحريكها، من ذلك قراءة القراء (عزير ابن اللّه) بغير تنوين، وأنشدني بعضهم:
لتجدنّي بالأمير برّا... وبالقناة مدعساً مكرّا
إذا غطيف السّلميّ فرّا
فحذف النون الساكن الذي استقبلها). [معاني القراءات وعللها: 1/451]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (قوله جلّ وعزّ: (يضاهئون... (30).
قرأ عاصم وحده (يضاهئون) مهموزًا، وقرأ الباقون (يضاهون) بغير همز.
[معاني القراءات وعللها: 1/451]
قال أبو منصور: من العرب من يهمز ضاهأت، أقرأني الإيادي لشمر عن أبي عبيد عن أصحابه قال: ضاهأت الرجل، إذا دفعت به - وأكثر العرب يقولون: ضاهيته، وقال أبو إسحاق: أصل المضاهات – في اللغة -: المشابهة.
قال: والأكثر ترك الهمز فيه.
قال: واشتقاقه من قولهم: امرأة ضهياء: وهي التي لا يظهر لها ثدي.
وقيل: هي التي لا تحيض، ومعناها: أنها أشبهت الرجال؛ لأنها لا ثدي لها يظهر وضهياء (فعلاء) ). [معاني القراءات وعللها: 1/452]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (4- وقوله تعالى: {وقالت اليهود عزير ابن الله} [30].
قرأ عاصم والكسائي بالتنوين.
وقرأ الباقون بغير تنوين.
فمن نون قال: وإن كان الاسم أعجميًا فهو خفيف، وتمام الاسم في الابن.
وحجة أخرى: أن تجعله عربيًا؛ لأنه على مثال المصغرات من الأسماء العربية، وله اشتقاق، «وعزير»: رفع بالابتداء «وابن» خبره، وإنما يحذف التنوين من الاسم لكثرة الاستعمال إذا كان الابنُ نعتًا للاسم نحو جاءني زيد بن عبد الله فإن قلت: كان زيد بن عبد الله فلا بد من التنوين؛ لأنه خبره.
وحجة أخرى: أن عزيرًا قد أضيف إلى غير أبيه، والعرب إذا أضافت الاسم إلى غير أبيه نونوا لقلة الاستعمال.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/236]
فأما حجة من لم ينون فإنه جعله اسمًا أعجميًا، وإن كان لفظه مصغرًا وقال: إن كان الأعجمي ثلاثيًا نحو عاد ونوح ولوط من العرب من يدع صرفه). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/237]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (5- وقوله تعالى: {يضاهئون قول الذين كفروا} [30].
قرأ عاصم وحده {يضاهئون} بالهمز.
وقرأ الباقون بغير همز، وهما لغتان؛ ضاهيت وضاهأت.
قال الشاعر:
وضاهاني الثريد وكل حلو = من الفالوذ والعيش الرقيق
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/246]
يقال: فالوذ وفالوذق وفالوذج، فأما العرب فتسميه السرطراط واللمص والرعدد الأصفر). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/247]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في التنوين وتركه من قوله جلّ وعزّ: عزير ابن الله [التوبة/ 30].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وحمزة: عزير ابن الله بغير تنوين. وروى عبد الوهاب عن أبي عمرو منوّنا، حدّثني ابن أبي خيثمة قال: حدثني القصبيّ عن عبد الوارث عن أبي عمرو بذلك.
وقرأ عاصم والكسائي: عزير منوّن.
قال أبو علي: من نوّن عزيرا، جعله مبتدأ، وجعل: ابنا خبره، وإذا كان كذلك فلا بدّ من إثبات التنوين في حال السّعة والاختيار، لأن عزيرا ونحوه ينصرف؛ عجميّا كان أو عربيّا.
فأمّا من حذف التنوين، فإنّ حذفه على وجهين:
أحدهما: أنه جعل الصفة والموصوف بمنزلة اسم واحد، كما جعلهما كذلك في قولهم: لا رجل ظريف، وحذف التنوين ولم يحرّك لالتقاء الساكنين، كما يحرّك في:
[الحجة للقراء السبعة: 4/181]
زيدن العاقل، لأن الساكنين كأنّهما التقيا في تضاعيف كلمة واحدة، فحذف الأول منهما، ولم يحرّك لكثرة الاستعمال، فصار آخر الاسم في اتباعه حركة ما قبله بمنزلة إتباع الآخر ما قبله فيما حكاه أبو عثمان عن ابن إسحاق من قولهم: هذا مرء، ورأيت مرءا، ومررت بمرء.
فإن قلت: فقد تخالف الحركة الأولى الحركة الآخرة في المرء، وقولهم: امرؤ، وامرأ، وامرئ في نحو: مررت بعمر بن زيد، وإبراهيم بن عمرو، فلا تتبع الحركة الأولى الآخرة.
قيل: الفتح في هذا الموضع بمنزلة الكسر وفي حكمه، كما كان في قولهم: بمسلمات ورأيت مسلمات، كذلك فكما اتفقا في هذا الموضع، وإن اختلف لفظاهما. كذلك اتفقا في
[الحجة للقراء السبعة: 4/182]
نحو: عمر بن زيد، وعمرو بن بشر. ولا يجوز إثبات التنوين في هذا الباب إذا كان صفة، وإن كان الأصل، لأنهم جعلوه من الأصول المرفوضة، كما أن إظهار الأوّل من المثلين في نحو: ضننوا، لا يجوز في الكلام، وإن كانا بمنزلة اسم مفرد، والاسم المفرد لا يكون جملة مستقلة مفيدة في هذا النحو، فلا بد من إضمار جزء آخر [يقدر انضمامه إليه ليتمّ جملة]، وتجعل الظاهر إمّا مبتدأ وإما خبر مبتدأ، فيكون التقدير: صاحبنا، و نسيبنا أو نبيّنا عزير بن الله، إن قدّرت المضمر المبتدأ، وإن قدّرته بعكس ذلك جاز، فهذا أحد الوجهين.
والوجه الآخر: أن لا تجعلهما اسما واحدا، ولكن تجعل الأول من الاسمين المبتدأ والآخر الخبر، فيكون المعنى فيه على هذا كالمعنى في إثبات التنوين، وتكون القراءتان متّفقين، إلّا أنّك حذفت التنوين لالتقاء الساكنين، كما تحذف حروف اللين لذلك، ألا ترى أنه قد جرى مجراها في نحو: لم يك زيد منطلقا، وفي نحو: صنعانيّ، وبهرانيّ، وقد أدغمت في الواو والياء كما أدغم كلّ واحد من الواو والياء في الأخرى
[الحجة للقراء السبعة: 4/183]
بعد قلب الحرف إلى ما يدغم فيه، وقد وقعت زيادة لمعاقبة الألف في: جرنفس، وجرافس، وحذفوها في عزير كما حذفوا الألف من علبط، وأبدلوا الألف من النون في نحو: رأيت زيدا، ولنسفعا [العلق/ 15]، فلمّا اجتمعت مع حروف اللين في هذه المواضع، وشابهتها كذلك يجوز أن تتّفق معها في الحذف لالتقاء الساكنين، وعلى هذا ما يروى من قراءة بعضهم: أحد الله، [الإخلاص/ 1 - 2]، فحذف النون لالتقاء الساكنين وقد جاء ذلك في الشعر كثيرا، قال:
حميد الذي أمج داره... أخو الخمر ذو الشّيبة الأصلع
[الحجة للقراء السبعة: 4/184]
وقال:
إذا غطيف السلميّ فرّا وقال:
وحاتم الطائيّ وهّاب المئي وقال:
[الحجة للقراء السبعة: 4/185]
تذهل الشيخ عن بنيه وتبدي... عن خدام العقيلة العذراء
وهذا النحو في الشعر كثير، والوجه فيه الحمل على الوجه الآخر، لأنه لم يستقر حذفه في الكلام، وإن حصلت المشابهات بين النون وحروف اللين فيما رأيت). [الحجة للقراء السبعة: 4/186]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الهمز وإسقاطه من قوله جلّ وعزّ: يضاهون [التوبة/ 30].
فقرأ عاصم وحده: يضاهئون بالهمز. وقرأ الباقون:
يضاهون بغير همز.
قال أبو عبيدة: المضاهاة: التشبيه، ولم يحك الهمزة، وقال أحمد بن يحيى: لم يتابع عاصما أحد على الهمزة.
والذين كفروا [التوبة/ 30] يشبه أن يكونوا المشركين الذين لا كتاب لهم، لأنهم ادّعوا في الملائكة أنها بنات، قال: ويجعلون لله البنات [النحل/ 57] وقال: ألكم الذكر وله الأنثى [النجم/ 21]، وقال: وإذا بشر أحدهم بما ضرب
[الحجة للقراء السبعة: 4/186]
للرحمن مثلا ظل وجهه مسودا [الزخرف/ 17] وقال: وخرقوا له بنين وبنات بغير علم [الأنعام/ 6].
وليس يضاهئون فيمن همز من لفظ: ضهياء، لأن الهمزة في ضهياء زائدة بدلالة ضهيأ، والياء أصل ألا ترى أنها لو كانت الياء فيها زائدة لكانت مكسورة الصدر؟ وأشبه أن يكون ما قرأ به عاصم من الهمز في يضاهئون لغة وهي فيما زعم الفرّاء عنه لغة الطائف، فيكون في الكلمة لغتان مثل: أرجيت وأرجأت، ولا يجوز أن يكون من قولهم: امرأة ضهياء، وذلك أن الهمزة في ضهياء قد قامت الدلالة على زيادتها، ألا ترى أنهم قالوا: ضهيأ ؟ فاشتقّوا من الكلمة ما سقطت فيه هذه الهمزة، فاشتقاقهم ضهيأ من ضهياء وهو بمنزلة اشتقاقهم جرواض من جرائض، ...
[الحجة للقراء السبعة: 4/187]
وشنذارة من شئذارة، وزوبر من زئبر، وزعموا أنهم يقولون:
زوبر الثوب إذا خرج زئبره؛ [فكذلك يعلم من ضهيأ زيادة الهمزة في ضهياء] وأمر آخر يعلم منه زيادة الهمزة في ضهياء، وذلك أنه لا يخلو من أن يكون فعلا مقصورا أو فعيلا، فلا يجوز أن يكون فعيلا لأن ذلك بناء لم يجيء في كلامهم، وما كان من هذا النحو الياء زائدة فيه، كان مكسور الصدر، نحو:
حذيم، وعثير، وحمير، وطريم وقالوا في مريم، ومزيد، ومدين: إنها مفعل جاءت على الأصل وليس بفعيل، لأنّ ذلك لو كان إياه، لكان مكسور الصدر، ومن ثمّ قالوا في يهيرّى: إن الياء الأولى زائدة، ولو خفّفت فقلت: يهيرّ كانت
[الحجة للقراء السبعة: 4/188]
الأولى أيضا هي الزائدة، دون الثانية، لأنك لو حكمت بزيادة الثانية، لوجب أن يكون فعيلا، وذلك بناء قد رفضوه فلم يستعملوه.
وأما من قال: يجوز أن يكون فعيلا ويضاهئون مشتق منه؛ فقول لم يذهب إليه أحد علمناه، وهو ظاهر الفساد، لإتيانه ببناء لم يجيء في كلامهم.
فإن قال: فقد جاء أبنية في كلامهم لا نظير لها، مثل:
كنهبل، فأجوّز فعيل، وإن لم يجيء كما جاء: كنهبل ونحوه.
قيل له: فأجز في غزويت أن يكون: فعويلا أو فعليلا، وإن كان فعويل لم يجيء واستدلّ على ذلك بمجيء كنهبل، كما استدللت على جواز فعيل: بقرنفل وكنهبل، وجوّز أن يكون فعويل، وإن لم يجيء ذلك في كلامهم، كما جاء قرنفل وكنهبل، وجوّز أيضا أن يكون فعليلا، وإن كان حروف اللين لم تجىء أصولا في بنات الأربعة، واستدلّ عليه كما جاز أن يكون: رنوناة، فعوعلة، من الرنا مثل: غدودن، وكما جاز
[الحجة للقراء السبعة: 4/189]
أن يكون فعلعل مثل: حبربر. وكما جاز أن يكون فعلنا مثل: عفرنا، وعرضنا، وهذا نقض للأصول التي عليها عمل العلماء، وهدم لها، وإنّما أدخله في هذا ما رامه من اشتقاق يضاهئون، وقد يجوز أن تجيء الكلمة غير مشتقة، وذلك أكثر من أن يحصى.
وأما ما ذهب إليه من أن الهمزة زائدة في: غرقئ فخطأ قد قامت الدلالة على فساده، وذلك أن أبا زيد قد حكى أنهم يقولون: غرقأت الدجاجة بيضها، والبيضة مغرقأة به وليس في الكلام شيء على فعلأت، إلا أن يزعم أنه يثبت هذا أو يجيزه، كما جاء، كنهبل، فإن ركّب هذا قيل له: فجوّز في منجنيق أن يكون: منفعيلا، وإن كان لم يجيء هذا النحو، على أن هذا أشبه مما ارتكبه، لأنه يكون في توالي الزائدتين في أوّلها مثل: انقحل. وليس هذا بقول يعرّج عليه، ولا يصغى إليه، ويلزمه أن يكون حماطة: فعللة، وقد انقلبت
[الحجة للقراء السبعة: 4/190]
الألف عن حرف علة.
فإن قال: هذا بناء لم يجيء؛ قيل له: جوّز مجيئه، واجعله بمنزلة كنهبل، وما ذكرته). [الحجة للقراء السبعة: 4/191]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وقالت اليهود عزير ابن الله}
قرأ عاصم والكسائيّ {وقالت اليهود عزير ابن الله} بالتّنوين وحجته أنه اسم خفيف فوجهه الصّرف تخفته وإن كان أعجميا وقال قوم يجوز أن تعجله عربيا لأنّه على مثال المصغرات من الأسماء العربيّة
[حجة القراءات: 316]
وهو يشبه في التصغير نصيرًا أو بكيرا فأجري وإن كان في الأصل أعجميا وأخرى أن الكلام عند السّكوت على عزير بن الله ناقص وأن قوله {ابن} خبر عن عزير فنون من أجل حاجة الكلام إليه كقولك زيد ابن عمنا فلمّا كانت الفائدة في ابن أوقعت التّنوين وإذا تركت التّنوين كان الابن نعتا وكانت الفائدة بعد النّعت كقولك زيد ابن عمنا ظريف
وقرأ الباقون {عزير ابن الله} بغير تنوين وحجتهم أن التّنوين حرف الإعراب مشبه للواو والياء والألف فكما يسقطن إذا سكن وسكن ما بعدهن كذلك يسقط التّنوين إذا سكن وأتى بعده ساكن فكأنهم ذهبوا إلى أنه مصروف وأن التّنوين سقط الساكنين أنشد الفراء:
إذا غطيف السّلميّ فرا
فأسقط التّنوين من غطيف والدّليل على صحة هذا القول أن هارون قال سألت أبا عمرو عن عزير فقال أنا أصرف
[حجة القراءات: 317]
عزيرًا ولكنّي أقول هذا الحرف {عزير ابن الله} فدلّ قوله أنا أصرف عزيرًا على أنه عنده مصروف وأنه حذف التّنوين عنده لغير ترك صرفه بل هو لما أخبرتك به من حذفه للساكنين
ويجوز أن نقول إن عزير اسم أعجمي غير مصروف قال الزّجاج يجوز حذف التّنوين لإلتقاء الساكنين وقد روي {قل هو الله أحد الله الصّمد} فحذف التّنوين لسكونه وسكون اللّام فكذلك حذف التّنوين من {عزير ابن الله} لسكونه وسكون الباء
وفيه وجه آخر أن يكون الخبر محذوفا فيكون معناه عزير ابن الله معبودنا فيكون ابن نعتا ولا اختلاف بين النّحويين أن إثبات التّنوين أجود قال والوجه إثبات التّنوين لأن ابن خبر وإنّما يحذف التّنوين في الصّفة نحو قولك جاءني زيد بن عمرو فيحذف التّنوين لالتقاء الساكنين ولأن ابن مضاف إلى علم وأن النّعت والمنعوت كالشيء الواحد وإذا كان خبرا فالتنوين). [حجة القراءات: 318]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (6- قوله: {عزير ابن} قرأه عاصم والكسائي «عزير» بالتنوين جعلاه مبتدأ و«ابنا» خبره، فثبت التنوين فيه، وقرأ الباقون بغير تنوين في «عزير»، جعلوا «عزيرا» مبتدأ و«ابنا» صفة له، فحذف التنوين فيه لكثرة الاستعمال، ولأن الصفة والموصوف كاسم واحد، ويجوز أن يكون حذف التنوين لسكونه، وسكون الباء من «ابن» وإثبات التنوين مع كون «ابن» صفة، لا يحسن، لأنه مرفوض غير مستعمل وهو الأصل، إذا جعلت «ابنا» خبرًا أثبت ألف الوصل في الخط في «ابن»، فإذا جعلته صفة لم تثبت الألف في الخط في «ابن»، و«عزير» على هذا مبتدأ، والخبر محذوف، تقديره: عزير بن الله نبينا، أو صاحبنا، ويجوز أن يكون «عزير» مع حذف التنوين، خبر ابتداء محذوف، تقديره: صاحبنا عزير، ونبينا عزير، فإذا قدّرت حذف التنوين، لالتقاء الساكنين، جاز أن يكون «عزير » مبتدأ و«ابن» خبره، كالقراءة الأولى، وجاز حذف التنوين لالتقاء الساكنين، لأنه مشبه بحروف اللين، ألا ترى أن النون قد حذفت في «لم يك» كما حذفت الألف في «لم أبل»، وتبدل الألف من التنوين، والاختيار حذف التنوين؛ لأنه يجمع الوجهين، وعليه أكثر القراء، واختار أبو عبيد التنوين على الصرف؛ لأنه أعجمي خفيف كـ «نوح ولوط»، وتعقب عليه ابن قتيبة، واختار ترك التنوين لأنه أعجمي على أربعة أحرف، وليس هو عنده تصغيرًا، إنما أتى في كلام العجم على هيئة التصغير، وليس بتصغير، والقول فيه
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/501]
ما قدمنا من العلة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/502]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (7- قوله: {يضاهئون} قرأه عاصم بهمزة مضمومة، وكسر الهاء، وقرأ الباقون بضم الهاء، من غير همز، وهو معتل اللام، كقولك: «قاضون» وهما لغتان: يقال ضاهيت وضاهأت، وترك الهمز أكثر، وهو الاختيار والمضاهاة المشابهة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/502]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (6- {وقَالَتِ اليَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ الله} [آية/ 30] بالتنوين:
قرأها عاصم والكسائي ويعقوب.
والوجه أن عزيرا مبتدأ، و{ابْنُ} خبره، ويلحقه التنوين في حال الاختيار والسعة، كما تقول زيد بن عمرو، إذا جعلت زيداً مبتدأ، وابن عمرو خبره؛ لأن عزيرا منصرف، فلابد من إلحاق التنوين به.
[الموضح: 590]
وقرأ الباقون {عُزَيْرُ ابْنُ الله} غير منون.
والوجه أنه مثل الأول في أن عزيراً مبتدأ وابنًا خبره، إلا أن التنوين حذف لالتقاء الساكنين، والأصل عزير ابن، مثل القراءة (الأولى)، وهذا كقوله تعالى {أَحَدُ الله الصَّمَدُ} في قراءة من قرأ بحذف التنوين، وقال الشاعر:
42- إذا غطيف السلمي فرا
وقال:
43- عمرو الذي هشم الثريد لقومه
وقال:
44- تذهل الشيخ عن بنيه وتبدي = عن خدام العقيلة العذراء
[الموضح: 591]
والأصل: غطيف السلمي، وعمرو الذي، وعن خدام العقيلة.
ويجوز أن يكون {ابْنُ} صفة لعزير، كما تقول: جاءني زيد بن عمرو، بغير تنوين، إذا أردت الصفة تحذف التنوين من اللفظ، وألف ابن من الخط؛ لكثرة الاستعمال؛ ولأن العلم مع ابن كالشيء الواحد، فحذف التنوين إنما هو لالتقائه مع باء ابن وهما ساكنان، والساكنان كأنهما التقيا في تضاعيف كلمة واحدة، وإذا كان عزير مع ابن كالشيء الواحد مثل زيد بن عمرو لم يكن بد من ضم جزء آخر إليه حتى يتم الكلام، فكأن التقدير: عزير بن الله إلهنا أو معبودنا أو نبينا، فيكون عزير بن الله مبتدأ، وإلهنا خبره، ويكون الخبر محذوفًا.
وقد زيف أحد المتأخرين هذا الوجه وقال: ينصرف في هذا التقدير الإنكار المذكور فيما بعد إلى الأخبار، فيبقى النسب مسلما، تعالى عن ذلك). [الموضح: 592]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (7- {يُضَاهِئُونَ} [آية/ 30] بكسر الهاء مع الهمز:
قرأها عاصم وحده، وقرأ الباقون {يُضَاهُونَ} بضم الهاء من غير همز.
والوجه أن ضاهأت وضاهيت بالهمز وبغير الهمز لغتان، كأرجأت وأرجيت، و{يضاهُون} بغير الهمز أولى لكثرة من قرأ بها.
[الموضح: 592]
وقال الزجاج: المضاهاة في اللغة المشابهة، مهموزة وغير مهموزة، والأكثر ترك الهمز فيها). [الموضح: 593]

قوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31)}

قوله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32)}

قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 01:45 PM

سورة التوبة

[ الآيتين (34) ، (35) ]

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35)}

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34)}

قوله تعالى: {يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 01:52 PM

سورة التوبة
[ الآيتين (36) ، (37) ]

{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36) إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا َيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (37)}

قوله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36)}

قوله تعالى: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا َيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (37)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (إنّما النّسيء زيادةٌ في الكفر... (37).
روي عن ابن كثير أنه قرأ (إنّما النّسيّ) مشددا بغير همز، وروى عنه وجه آخر (إنّما النّسأ) بوزن (النسع).
وقرأ الباقون (إنّما النّسيء) بكسر السين بالمد والهمز.
قال الأزهري: من قرأ (إنّما النّسيّ) بتشديد الياء غير مهموز فالأصل فيه: النسيء، بالمد والهمز، ولكن القارئ به آثر ترك الهمز على لغة من يخفف الهمز ويحذفه، والنسيء اسم على (فعيل)، من قولك: أنسأت الشيء، إذا أخّرته، أنسأ نسيئا.
قال أبو عبيد: قال أبو عبيدة: أنسأ الله فلانًا: أجّله. ونسأ الله في أجله - بغير ألف - والنسيئة: التأخير، ومنه قوله: (إنّما النّسيء زيادةٌ في الكفر)
[معاني القراءات وعللها: 1/452]
إنما هو تأخيرهم تحريم المحرّم إلى صفر ومن قرأ (النسيء) فهو مصدر نسات نسأً، على فعلت فعلا.
القراءة الجيدة (النسيء) بالهمز والمد، وبها قرأ أكثر القراء). [معاني القراءات وعللها: 1/453]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (يضلّ به الّذين كفروا... (37).
قرأ حفص عن عاصم وحمزة والكسائي (يضلّ) بضم الياء وفتح الضاد.
وقرأ الحضرمي (يضلّ) بضم الياء وكسر الضاد، وقرأ الباقون (يضلّ) بفتح الياء وكسر الضاد.
قال أبو منصور: من قرأ (يضلّ) فهو على ما لم يسم فاعله، و(الذين) في موضع الرفع، لأنه مفعول لم يسم فاعله.
ومن قرأ (يضلّ به الّذين كفروا) فمعناه أن الكفار يضلون بالنسيء أتباعهم في إحلالهم المحرّم مرة، وتحريمهم إياه أخرى.
ومن قرأ (يضلّ) فالفعل للكفار الضالين، و(الذين) في موضع الرفع على قراءة من قرأ (يضلّ) ). [معاني القراءات وعللها: 1/453]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (6- وقوله تعالى: {إنما النسيء زيادة في الكفر} [37]
روي عن ابن كثير ثلاثة أوجه. النسيء على فعيل مهموز ممدود، وكذلك قرأ الباقون، والأصل : منسوء مفعول، فرد إلى فعيل كما يقال: رجل جريح وصريع، والأصل: مجروح ومصروع، وكانت العرب تعظم أشهر الحرم فتدع فيها الغارة والقتال، فإذا أحبوا ذلك أخروا المحرم إلى صفر من قولك: نسأ الله في أجلك. وروى عبيد بن عقيل عن شبل عن ابن كثير (إنما النسي) مشددة الياء، ومثله خطيئة وخطية وهنيئا وهنيا. وروي عنه أيضا: (إنما النسء) على وزن النسع، جعله مصدرا مثل الضرب، ضربت ضربا ونسأت نسأ. وروي عنه وجه رابع (إنما النسى) بالياء على وزن الدمى.
فمن قرأ (النسي) جعل الهمز ياء، والاختيار (النسيء) ما عليه الناس. النسيء: اللين المتغير قال جرير:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/247]
بلغت نسيئ العنبري كأنما = ترى بنسيء العنبري جنى النحل
فأما (النسيء) بإسكان السين فقيل: الخمر فيمن همز، وقيل: هي ما يُنسى العقل لمن لم يهمز). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/248]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (7- وقوله تعالى: {يضل به الذين كفروا} [37].
قرأ حمزة والكسائي {نضل}. وحفص عن عاصم أيضًا بضم الياء وفتح الضاد، واحتجوا بقراءة ابن مسعود، وهو قرأها كذلك، وبقوله تعالى: {زين لهم سوء أعمالهم} على ما لم يُسم فاعله.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/248]
وقرأ الباقون {يضل} بفتح الياء وكسر الضاد جعل الفعل لهم وإن كان الله يضل ويهدي؛ لأن الله تعالى أضلهم عقوبة لما ضلوا هم، فاستوجبوا العقوبة بالعمل. وقيل: أضلهم سماهم ضالين. وقيل: أضلهم صادفهم كذلك). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/249]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واتفقوا على همز النسيء [التوبة/ 37] وحده، وكسر سينه، إلا ما حدّثني به محمد بن أحمد بن واصل قال: حدثنا محمد بن سعدان، عن عبيد بن عقيل عن شبل عن ابن كثير أنه قرأ: إنما النسء زيادة على وزن النّسع.
حدثني ابن أبي خيثمة، وإدريس، عن خلف، عن عبيد، عن شبل، أنه قرأ: النسي مشدّدة الياء بغير همز. وقد روي عن ابن كثير: النسي بفتح النون وسكون السين وضم الياء مخففة، قال أبو بكر: والذي قرأت به على قنبل النسيء بالمد والهمز مثل أبي عمرو، وكذلك الناس عليه بمكة.
قال أبو عبيدة فيما روى عنه التوّزيّ في قوله تعالى: إنما النسيء زيادة في الكفر: كانوا قد وكّلوا قوما من بني كنانة يقال لهم: بنو فقيم، فكانوا يؤخّرون المحرّم، وذلك نسء الشهور، ولا يفعلون ذلك إلا في ذي الحجة إذا اجتمعت
[الحجة للقراء السبعة: 4/191]
العرب للموسم، فينادي مناد: [أن افعلوا ذلك لحرب أو لحاجة وليس كلّ سنة يفعلون ذلك]؛ فإذا أرادوا أن يحلّوا المحرّم، نادوا: هذا صفر، وإن المحرم الأكبر صفر، وربّما جعلوا صفرا محرّما مع ذي القعدة، حتى يذهب الناس إلى منازلهم، إذا نادى المنادي بذلك، وكانوا يسمّون المحرم وصفرا: الصّفرين، ويقدّمون صفرا سنة ويؤخرونه، والذي كان ينسؤها، حتى جاء الإسلام: جنادة بن عوف بن أبي أميّة، وكان في بني عدوان قبل بني كنانة.
[قال أبو علي]: ووجه قراءة ابن كثير: النسء أن هذا تأخير، وقد جاء النّسء في أشياء معناها التأخير. قال أبو زيد: نسأت الإبل في ظمئها، فأنا أنسؤها نس ءا: إذا زدتها في ظمئها يوما أو يومين، أو أكثر من ذلك، والمصدر: النّسء.
قال أبو زيد: ويقال: نسأت الإبل عن الحوض فأنا أنسؤها نس ءا إذا أخّرتها عنه.
وحجة من قرأ: النسيء أنه كأنّه أكثر في
[الحجة للقراء السبعة: 4/192]
هذا المعنى، قال أبو زيد: أنسأته الدّين إنساء إذا أخرته عنه. واسم ذلك النسيئة، والنّساء؛ فكأنّ النسيء في الشهور: تأخير حرمة شهر إلى شهر آخر ليست له تلك الحرمة، فيحرّمون بهذا التأخير ما أحلّ الله، ويحلّون ما حرّم الله، كما قال تعالى: يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله [التوبة/ 37] ألا ترى أن المحرم عين الشهر لا ما يوافقه في العدة، كما أن المحرّم فيه الإفطار على غير المريض والمسافر عين رمضان.
والنسيء: مصدر كالنذير والنّكير، وعذير الحي، ولا يجوز أن يكون فعيلا بمعنى مفعول، كما قال بعض الناس لأنه إن حمل على ذلك، كان معناه: إنما المؤخّر زيادة
في الكفر، والمؤخّر الشهر وليس الشهر نفسه بزيادة في الكفر، وإنّما الزيادة في الكفر تأخير حرمة الشهر إلى شهر آخر ليست له تلك الحرمة؛ فأما نفس الشهر فلا.
وأما ما روي عن ابن كثير إنما النسي بالياء، فذلك يكون على إبدال الياء من الهمزة، ولا أعلمها لغة في التأخير، كما أنّ أرجيت: لغة في أرجأت.
وما روي عنه من قوله: النسيء بتشديد الياء، فعلى تخفيف الهمزة، وليس هذا القلب مثل القلب في النّسيء لأن
[الحجة للقراء السبعة: 4/193]
النسيّ بتشديد الياء: على وزن فعيل، تخفيف قياسيّ، وليس النّسي كذلك، كما أن مقروّة في مقروءة: تخفيف قياسي، وسيبويه لا يجيز نحو هذا القلب الذي في النسي إلا في ضرورة الشعر، وأبو زيد يراه ويروي كثيرا منه عن العرب). [الحجة للقراء السبعة: 4/194]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح الياء وكسر الضّاد وضمّ الياء وفتح الضّاد من قوله تعالى: يضل به الذين كفروا [التوبة/ 37].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر وابن عامر يضل به* بفتح الياء وكسر الضاد.
وقرأ عاصم في رواية حفص وحمزة والكسائي: يضل به بضم الياء وفتح الضاد.
قال أبو علي: وجه من قرأ: يضل* أن الذين كفروا لا يخلون من أن يكونوا مضلّين لغيرهم، أو ضالين هم في أنفسهم، وإذا كان كذلك، لم يكن في إسناد الضلال إليهم في قوله: يضل* إشكال ألا ترى أن المضلّ لغيره ضالّ بفعله إضلال غيره؟ كما أنّ الضالّ في نفسه الذي لم يضلّه غيره لا يمتنع إسناد الضلال إليه.
وأما يضل فالمعنى فيه أنّ كبراءهم أو أتباعهم
[الحجة للقراء السبعة: 4/194]
يضلّونهم بأمرهم إياهم بحملهم على هذا التأخير في الشهور، وزعموا أنّ في التفسير: أنّ رجلا من كنانة يقال له:
أبو ثمامة، كان يقول للناس في منصرفهم من الحج: إن آلهتكم قد أقسمت لتحرّمنّ، وربما قال: لتحلّنّ، هذا الشهر، يعني:
المحرم، فيحلّونه ويحرّمون صفرا، وإن حرّموه أحلّوا صفرا، وكانوا يسمّونهما الصّفرين، فهذا إضلال من هذا المنادي لهم، يحملهم بندائه على ذلك، وقوله تعالى: يضل يفعل من هذا.
وزعموا أنّ في حرف ابن مسعود يضل به الذين كفروا، ويقوّي ذلك: ما أتبع هذا من الفعل المسند إلى المفعول، وهو قوله: زين لهم سوء أعمالهم [التوبة/ 31]. أي: زيّن لهم ذلك حاملوهم عليه، وداعوهم إليه. ولو قرئ: يضل به الذين كفروا لكان الذين كفروا في موضع رفع، بأنهم الفاعلون، والمفعول به محذوف تقديره: يضلّ به الذين كفروا تابعهيم والآخذين بذلك، ومعنى: يضل به الذين كفروا يضلّ بنسء الشهور). [الحجة للقراء السبعة: 4/195]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة جعفر بن محمد والزهري والعلاء بن سَيَّابه والأشهب: [إنما النَّسْي] مخففًا في وزن الْهَدْي بغير همز. قال أبو الفتح: تحتمل هذه القراءة ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يكون أراد النَّسْء على ما يُحكى عن ابن كثير بخلاف أنه قرأ به، ثم أُبدلت الهمزة ياء، كما أُبدلت منها فيما رويناه من قول الشاعر:
أَهبَى التراب فوقه إهبايا
[المحتسب: 1/287]
يريد: إهباء، ونحو منه قوله:
كفِعل الهِر يحترش العَظَايا
يريد: العَظَاءَة، لا على قول أبي عثمان من أنه شبه ألف النصب بهاء التأنيث، ولا على ما رأيته من كونه تكسير العَظاية كإداوة وأداوَى.
والوجه الثاني: أن يكون فَعْلًا من نَسِيء؛ وذلك أن النسيء من نسأت: أي أخرت، والشيء إذا أُخر ودوفع به فكأنه منسي.
والثالث: وفيه الصنعة أنه أراد النسيء على فعيل، ثم خفف الهمزة وأبدلها ياء، وأدغم فيها ياء فعيل فصارت النَّسِيّ، ثم قصَر فعيلًا بحذف يائه فصار نَسٍ، ثم أسكن عين فعيل فصار نَسْيٌ.
ومثله مما قُصر من فَعيل ثم أسكن بعد الحذف قولهم في سميح: سَمْح، وفي رطيب: رَطْب، وفي جديب: جدب، ومما قصر ولم يسكن قولهم في لبيق: لَبِق، وفي سميج: سَمِج، وقد ذكرنا ذلك). [المحتسب: 1/288]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أبي رجاء: [يَضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا] بفتح الياء والضاد.
قال أبو الفتح: هذه لغة؛ أعني: ضَلِلت أَضَلّ. واللغة الفصحى ضَلَلت أَضِل. وقراءة
[المحتسب: 1/288]
الحسن بخلاف وابن مسعود ومجاهد وأبي رجاء بخلاف وقتادة وعمرو بن ميمون ورواه عباس عن الأعمش: {يُضَلُّ بِه}.
وفيه تأويلان: إن شئت كان الفاعل اسم الله تعالى مضمرًا؛ أي: يُضل الله الذين كفروا، وإن شئت كان تقديره: يُضِل به الذين كفروا أولياءَهم وأتباعَهم). [المحتسب: 1/289]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({إنّما النسيء زيادة في الكفر يضل به الّذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما} {زين لهم سوء أعمالهم} 37
قرأ حمزة والكسائيّ وحفص {إنّما النسيء زيادة في الكفر يضل} بضم الياء وفتح الضّاد على ما لم يسم فاعله إن الكافرين يضلون وحجتهم أن الكلام أتى عقيب ذلك بترك تسمية الفاعل وهو قوله {زين لهم سوء أعمالهم} فدلّ على أن ما تقدمه من الفعل جرى بلفظه إذا كان التزيين إضلالا في الحقيقة فجعل ما قبل التزيين
[حجة القراءات: 318]
مشاكلا للفظه ليأتلف الكلام على نظام واحد
وقرأ الباقون {يضل} بفتح الياء وكسر الضّاد أي هم يضلون لا يهتدون وحجتهم قوله {يحلونه عاما ويحرمونه عاما} فجعل الفعل لهم فكذلك {يضل به الّذين كفروا} وكانوا يؤخرون شهر الحج ويقدمون فضلوا هم بتأخيرهم شهرا وبتقديمهم شهرا). [حجة القراءات: 319]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (8- قوله: {النسيء} قرأه ورش بتشديد الياء، من غير همز، وذلك أنه خفف الهمزة على ما يجب من الأصول المذكورة، فلما أراد تخفيفها وجد قبلها ياء زائدة، كياء «هنيئا» لأن قولك «نسيء» وزنه «فعيل» كـ «هني» فأبدل من الهمزة ياء، وأدغم فيها الياء التي قبلها، كقولك في تخفيف «خطيئة» «خطية»، وقرأ الباقون بالهمز على الأصل، لأنه «فعيل» من «أنسأته الدين» أي أخرته عنه، فمعناه أنهم أخروا حُرمة شهر حرام، جعلوا ذلك في شهر ليس بحرام ليبيحوا لأنفسهم القتال والغارات في الشهر الحرام، وقد كان ذلك محرمًا في الشهر الحرام وغيره، ولكن كانت حرمة الشهر الحرام في ذلك أعظم، والذنب فيه أكبر منهم في غيره، و«النسيء» مصدر كالنذير والنكير، والهمز فيه هو الاختيار، لكون الجماعة عليه، ولأنه الأصل، وقد روي عن ورش الهمز أيضًا، ولم أقرأ به). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/502]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (9- قوله: {يضل به الذين كفروا} قرأه حفص وحمزة والكسائي
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/502]
بضم الياء، وفتح الضاد، على ما لم يُسم فاعله، على معنى أن كبراءهم يحملونهم على تأخير حرمة الشهر الحرام، فيضلونهم بذلك، وقرأ الباقون بفتح الياء، وكسر الضاد، أضافوا الفعل إلى الكفار؛ لأنهم هم الضالون في أنفسهم بذلك التأخير، لأنهم يحلون ما رحم الله من الشهور). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/503]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (8- {إنَّمَا النَّسِيُّ} [آية/ 37] بكسر السين وتشديد الياء من غير همز:
قرأها نافع وحده- ش-.
والوجه أن أصله النسئ بمد السين والهمز، فخفف همزه؛ لأن النسيء فعيل من نسأت الإبل عن الحوض إذا أخرتها، فالنسيء مصدر على فعيل كالنذير والنكير، ثم إن الهمزة خففت تخفيفًا قياسيًا بأن قلبت ياء وأدغمت الياء في الياء، كما قالوا في خطيئة خطية.
وروى- ن- و- يل- عن نافع {النَّسِيءُ} بالمد والهمز، وكذلك قراءة الباقين.
والوجه أنه هو الأصل الذي قلب عنه النسي مشدداً غير ممدود، وقد ذكرناه.
وروى- ل- عن ابن كثير {النَسْيءُ} بفتح النون وإسكان السين وبالهمز، على وزن النسع، وهو مصدر من نسأت الشيء إذا أخرته نسئاً، والمراد بالنسإ وبالنسئ: تأخير حرمة شهر إلى شهر آخر.
وروى أيضًا عن ابن كثير {إنَّمَا النَسْيُ} بالياء، وهذا على إبدال الياء من
[الموضح: 593]
الهمزة من غير قياس، وسيبويه لا يجيز نحو هذا الإبدال إلا في ضرورة الشعر، وأبو زيد يجيزه، وليس هذا لغة في النسإ، كما في أرجأت وأرجيت، إنما هو إبدال كما ذكرنا). [الموضح: 594]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (9- {يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا} [آية/ 37] بضم الياء وفتح الضاد:
قرأها حمزة والكسائي وعاصم- ص-.
والوجه أن الفعل لما لم يسم فاعله، والمعنى فيه أن سادتهم وكبراءهم يضلونهم بحملهم إياهم على النسيء، وقال بعضهم: يضلون على معنى إضلال الله، وقيل إضلال الشيطان.
وقرأ يعقوب- ح- و- يس- {يُضِلَّ} بضم الياء وكسر الضاد.
والوجه أنه على معنى يضل الذين كفروا تابعيهم، فـ {الَّذِينَ كَفَرُوا} فاعل، والمفعول محذوف، وهو تابعوهم، وقيل: التقدير: يضل به الذين كفروا، فيكون الفاعل مضمراً، وهو اسم الله عز وجل.
وقرأ الباقون و- ان- عن يعقوب {يَضِلّ} بفتح الياء وكسر الضاد.
والوجه أن الضلال مسند إليهم بأن يكونوا ضالين في أنفسهم أو مضلين لغيرهم، وأيا ما كانوا من كونهم ضالين أو مضلين صح إسناد الضلال إليهم، فالمضل لا يضل غيره إلا إذا كان ضالاً في نفسه). [الموضح: 594]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 01:54 PM

سورة التوبة
[ من الآية (38) إلى الآية (40) ]

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38) إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39) إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40) }


قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38)}

قوله تعالى: {إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)}

قوله تعالى: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وكلمة اللّه هي العليا واللّه عزيزٌ حكيمٌ (40)
قرأ يعقوب وحده (وكلمة اللّه هي العليا) نصبًا.
[معاني القراءات وعللها: 1/453]
وقرأ الباقون (وكلمة اللّه هي العليا) رفعًا.
قال أبو منصور: من قرأ (وكلمة اللّه) نصبا فالمعنى: وجعل الله كلمته العليا.
وقال الفراء: لا أشتهي هذه القراءة؛ لظهور (الله)، لأنه إذا نصبها - والفعل فعله - كان أجود الكلام أن يقال: وكلمته هي العليا.
قال أبو منصور: القراءة بالرفع لأن القراء عليه، وهو في الكلام أوجه، و(كلمة اللّه) مرفوعة بالابتداء، وخبر الابتدا (هي العليا) سدّا معًا مسد الخبر). [معاني القراءات وعللها: 1/454]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قال عباس: سألت أبا عمرو وقرأ: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ}، قال أبو عمرو: وفيها قراءة أخرى لا ينصب الياء [ثانِي اثنين].
قال أبو الفتح: الذي يُعمل عليه في هذا أن يكون أراد: ثانيَ اثنين كقراءة الجماعة، إلا أنه أسكن الياء تشبيهًا لها بالألف. قال أبو العباس: هو من أحسن الضرورات، حتى لو جاء به إنسان في النثر كان مصيبًا.
فإن قيل: كيف تجيزه في القرآن وهو موضع اختيار لا اضطرار؟ قيل: قد كثر عنهم جدًّا، ألا ترى إلى قوله:
كأنَّ أيديهن بالقاع القَرِق ... أيدي عَذَارى يتعاطَيْن الورِق
[المحتسب: 1/289]
وقول الآخر:
حُدْبًا حدابير من الوَخْشَنَّ ... تركْن راعيهن مثلَ الشَّنّ
وقال رؤبة، أنشدَناه أبو علي:
سَوَّى مساحيهن تقطيطَ الْحُقَق ... تَفْليلُ ما قارعْن من سُمْر الطُّرَق
وقال الأعشى:
إذا كان هادي الفتى في البلا ... د صدرُ القناة أطاع الأميرا
وقد جاء عنهم في النثر قولهم: لا أكلمك حَيْرِي دهر، كذا يقول أصحابنا، ولي أنا فيه مذهب غير هذا؛ وهو أن يكون أراد حِيريّ دهر بالتشديد، ثم خفف الكلمة فحذف ياءها الثانية وقد كانت الأولى المدغمة فيها ساكنة، فأقرها على سكونها تلفتًا إلى الياء المحذوفة الثانية؛ لأنها في حكم الثبات كما صحح الآخَرُ الواو في العواور؛ لأنه إنما يريد العواوير، فلما حذف الياء وهي عنده في حكم الثبات أقر الواو على صحتها دلالة على أنه يريد الياء.
ومثله أيضًا ما جاء عنهم من تخفيف ياء لا سيما؛ وذلك أن السِّيّ فِعْل من سوّيت، وأصله سِوْي، فقلبت الواو ياء لسكونها مكسورًا ما قبلها، أو لوقوع الياء بعدها، أو لهما جميعًا، فلما حذفت الياء التي هي لام وانفتحت الياء بالتاء فتحة اللام عليها كان يجب أن يرجع واوًا
[المحتسب: 1/290]
لأنها عين، أو تصح كما صحت في عِوَض وحِوَل، وأن تقول: لا سِوَما زيد؛ لكنه أقرها على قلبها دلالة على أنه يريد سكونها ووقوع الياء بعدها، وإن شئت لأنها الآن قد وقعت طرفًا فضعفت، فهذا كله ونظائر له كثيرة ألغينا ذكرها؛ لئلا يمتد الكتاب باقتصاصها تشهد بأن يكون قولهم: لا أكلمك حِيرِي دهر، إنما أُسكنت ياؤه لإرادة التثقيل في حيرِيّ دهر، غير أن الجماعة تلقته على ظاهره.
وشواهد سكون هذه الياء في موضع النصب فاشٍ في الشعر، فإذا كثر هذه الكثرة وتقبَّله أبو العباس ذلك التقبل ساغ حمل تلك القراءة عليه.
يؤكد ذلك أيضًا أنك لو رُمت قطعه ورفعه على ابتداء؛ أي: هو ثاني اثنين؛ لتقطَّع الكلام، وفارقه مألوف السديد من النظام، وإنما المعنى: إلا تنصروه فقد نصره الله ثاني اثنين إذ هما في الغار، وقوله: {إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} بدل من قوله جل وعز: {إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا} .
فإن قلت: فإن وقت إخراج الذين كفروا له قبل حصوله -صلى الله عليه وسلم- في الغار، فكيف يُبدَل منه وليس هو هو، ولا هو أيضًا بعضه، ولا هو أيضًا من بدل الاشتمال؟ ومعاذ الله أن يكون من بدل الغلط، قيل: إذا تقارب الزمانان وُضع أحدهما موضع صاحبه، ألا تراك تقول: شكرتك إذ أحسنت إلَيَّ، وإنما كان الشكر سببًا عن الإحسان، فزمان الإحسان قبل زمان الشكر، فأعملت شكرت في زمان لم يقع الشكر فيه.
ومن شرط الظرف العامل فيه الفعل أن يكون ذلك الفعل واقعًا في ذلك الزمان؛ كزرتك في يوم الجمعة، وجلست عندك يوم السبت؛ لكنه لما تجاور الزمانان وتقاربا جاز عمل الفعل في زمان لم يقع فيه لكنه قريب منه. وقد مر بنا هذا الحكم في المواضع أيضًا. قال زياد بن منقذ:
وهُمْ إذا الخيل جالوا في كواثبها ... فوارسُ الخيل ولا مِيلٌ ولا قَزَم
وإنما مقعد الفارس في صهوة الفرس لا في كاثبته؛ لأن المكانين لما تجاورا استُعمل أحدهما موضع الآخر، ألا ترى إلى قول النابغة:
إذا عرَّضوا الْخَطيّ فوق الكواثب
[المحتسب: 1/291]
ومحال أن يجلس الفارس موضع عرض الرمح من أدنى معرفة الفرس، فافهم بما ذكرنا ما مضى). [المحتسب: 1/292]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (10- {وكَلِمَةَ الله هِيَ العُلْيَا} [آية/ 40] بنصب {كَلِمَةَ}:
قرأها يعقوب وحده.
والوجه أن {كَلِمَةَ الله} معطوفة على المفعول الأول لجعل، وهو {كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا والتقدير: وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وجعل كلمة الله هي العليا، فـ {كَلِمَةَ الله} معطوفة على المفعول الأول، و{العُلْيَا} معطوفة على المفعول الثاني، و{هِيَ} فصل، يسميه الكوفيون عماداً.
وقرأ الباقون {وكَلِمَةُ الله} بالرفع.
والوجه أنه على الاستئناف، كأنه تم الكلام عند قوله {وجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى} ثم ابتدأ وقال {وكَلِمَةُ الله هِيَ العُلْيَا} على الابتداء والخبر، فـ {كَلِمَةُ الله} مبتدأ و{العُلْيَا} خبره، و{هِيَ} فصل.
ويجوز أن تكون {هِيَ} مبتدأ ثانيًا، و{العُلْيَا} خبره، والمبتدأ الثاني مع الخبر كلاهما خبر للمبتدأ الأول الذي هو {كَلِمَةُ الله}). [الموضح: 595]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 01:55 PM

سورة التوبة
[ من الآية (41) إلى الآية (45) ]

{ انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (41) لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42) عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43) لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45) }


قوله تعالى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (41)}

قوله تعالى: {لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الأعمش: [لَوُ اسْتَطَعْنَا] بضم الواو.
قال أبو الفتح: شبهت واو "لو" هذه بواو جماعة ضمير المذكرين، فضُمت كما تلك مضمومة في قول الله تعالى: {فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ}، وكذلك شبهت واو الجمع هذه بواو "لو" فكُسرت؛ وذلك على من قرأ: [فَتَمَنَّوِا الْمَوْتَ]، و[الَّذِينَ اشْتَرَوِا الضَّلالَةَ].
وهناك قراءة أخرى: [اشتروَا الضلالة] بفتح الواو لالتقاء الساكنين، فلو قرأ قارئ متقدم: [لوَ استطعنا] بفتح الواو لكان محمولًا على قول من قال: [اشْتَرَوَا الضَّلالَةَ]، فأما الآن فلا عذر لأحد أن يرتجل قراءة وإن سوغتها العربية، من حيث كانت القراءة سُنة متَّبعة). [المحتسب: 1/292]

قوله تعالى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43)}

قوله تعالى: {لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44)}

قوله تعالى: {إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 02:04 PM

سورة التوبة
[ من الآية (46) إلى الآية (48) ]

{وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46) لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47) لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ (48)}

قوله تعالى: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك ما رواه ابن وهب عن حرملة بن عمران أنه سمع محمد بن عبد الملك يقرأ: [لَأَعدُّوا له عُدَّهُ].
قال أبو الفتح: المستعمل في هذا المعنى العُدَّة بالتاء، ولم يمرر بنا في هذا الموضع العُدّ، إنما العُدّ: البَثْر يخرج في الوجه.
وطريقه أن يكون أراد: ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدته: أي تأَهبوا له، إلا أنه حذف تاء التأنيث وجعل هاء الضمير كالعوض منها. وهذا عندي أحسن مما ذهب إليه الفراء في معناه؛ وذلك أنه ذهب في قول الله تعالى: {وَإِقَامَ الصَّلاةِ} إلى أنه أراد: إقامة الصلاة، إلا أنه حذف هاء الإقامة لإضافة الاسم إلى الصلاة.
وإنما صار ما ذهبتُ إليه أقوى لأني أقمت الضمير والمجرور مُقام تاء التأنيث، والمضمر المجرور شديد الحاجة إلى ما جره من موضعين: أحدهما: حاجة المجرور إلى ما جره، ألا تراه لا يُفصل بينهما ولا يُقدم المجرور على ما جره؟ والآخر: أن المجرور في [عُدَّهُ] مضمر، والمضمر
[المحتسب: 1/292]
المجرور أضعف من المظهر المجرور للطف الضمير عن قيامه بنفسه، وليست الصلاة بمضمرة؛ فتضعف ضعف هاء [عُدَّهُ]، فبقدر ضعف الشيء وحاجته إلى ما قبله ما يكاد يُعتد جزءًا منه، فيَخلف جزءًا محذوفًا من جملته، فافهم ذلك.
وأما أصحابنا فعندهم أن الإقام مصدر أقمت كالإقامة، وليس مذهبنا فيه كما ظنه الفراء). [المحتسب: 1/293]

قوله تعالى: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن الزبير: [ولَأَرْقَصوا خِلالَكم].
قال أبو الفتح: هذا هو معنى القراءة المشهورة التي هي: {وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ}، يقال: وضع البعير يضع وأوضعته أنا أي: أسرعت به، وكذلك الرقْص والرقَص والرقَصان، يقال: رقص وأرقصته أنا، قال:
يا ليتني فيها جَذَعْ ... أَخُب فيها وأَضَعْ
كأَنني شاة صَدَعْ
وقال حسان:
بزجاجة رَقَصَت بما في دنِّها ... رقَصَ القَلوص براكب مستعجل
وفي الخبر: فإذا راكب يوضِع؛ أي: يحث راحلته. وقال جميل:
بماذا تردِّين امرأً جاء لا يرى ... كوُدِّكِ وُدًّا قد أَكلَّ وأوضعا
ولا يقال: رقص إلا للاعب أو للإبل، وشبهت الخمر بذلك). [المحتسب: 1/293]

قوله تعالى: {لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ (48)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 02:05 PM

سورة التوبة
[ من الآية (49) إلى الآية (52) ]

{ لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ (48) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (49) إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (50) قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51) قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ (52)}

قوله تعالى: {لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ (48)}

قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (49)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ولا تفتنّي ألا في الفتنة سقطوا... (49).
اتفقوا على تسكين الياء من (تفتنّي)، ونافع وأبو عمرو لا يكادان يحركان ياء الإضافة تلي فعلاً مجزومًا، كقوله: (ولا تفتنّي) و(فاذكروني أذكركم)، ونحوها). [معاني القراءات وعللها: 1/454]

قوله تعالى: {إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (50)}

قوله تعالى: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الناس: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا}، وقرأ طلحة بن أَعيَن قاضي الري: [قل لن يُصيِّبنا] مشددًا.
قال أبو الفتح: ظاهر أمر عين أصاب يُصيب أنها واو؛ ولذلك قالوا في جمع مصيبة: مَصَاوب بالواو، وهي القوية القياسية. فأما مصائب بالهمز فلغط من العرب؛ كهمزهم حلأت السويق، ورثأث زوجي، ونحو ذلك مما هُمز ولا أصل له في الهمز، وواحد المصايب مصيبة ومَصُوبة ومُصاب ومصابة.
وأنا أرى أن تكون مصايب جمع مُصاب؛ لأن الألف هنا وإن كانت بدلًا من العين فإنها أشبه بألف رسالة التي يقال في تكسيرها: رسايل؛ وذلك أن الألف لا تكون أصلًا في الأسماء المتمكنة ولا في الأفعال؛ إنما تكون زائدة أو بدلًا، وليست كذلك الياء والواو؛ لأنهما قد تكونان أصلين في القبيلين جميعًا كما يكونان بدلين وزائدتين، فألف مصاب ومصابة أشبه بالزائد من ياء مصيبة وواو مصوبة، فافهم ذلك، فإن أحدًا من إخواننا لم يذكره.
وبعد، فقد مر بنا في تركيب ص ي ب في هذا المعنى، فإنهم قد قالوا: أصاب السهم الهدف يَصيبه كباعه يَبيعه، ومنه قول الكميت:
أَسهُمها الصائداتُ والصُّيُبُ
فعلى هذا ومن هذا الأصل تكون قراءة طلحة بالياء، فيكون يفعِّلنا منه، فيصيّب على هذا كيُسيّر ويُبيّع، وقد يجوز أيضًا أن يكون يصيّبنا من لفظ ص وب، إلا أنه بناه على فَيْعَل يُفَيْعل، وأصله على هذا يُصَيْوبنا، فاجتمعت الياء والواو وسَبقت الياء بالسكون فقلبت الواو ياء وأُدغمت فيها الياء فصارت يصيّبنا. ومثله قوله: تحيّز، وهو تفعيل من حاز يحوز، والوجه ما قدمناه؛ لأن فَعَل في الكلام أكثر من فيعل.
ويجوز وجه آخر؛ وهو أن يكون من الواو، إلا أنه لما كثر يُصِيب والمصيبة أُنِس بالياء؛ لكثرة الاستعمال، ولخفتها عن الواو كما قالوا: دِيمة ودِيَم، فلما كثر ذلك وكانت الياء أخف من الواو مروا عليها فقالوا: دامت السماء تَديم.
[المحتسب: 1/294]
ولا يحسن أن يُذهب في هذا إلى قول الخليل في طاح يطيح وتاه يتيه: إنه فعِل يفعِل؛ لقلة ذلك ووجود المندوحة عنه في قولهم: هذا أَتيه منه وأَطيح منه، فاعرف ذلك). [المحتسب: 1/295]

قوله تعالى: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ (52)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الناس: [إلَّا إحْدى] غير ابنت محيصن، فإنه كان يصلها ويسقط الهمزة.
قال أبو الفتح: قد ذكرنا ذلك فيما مضى في قراءة ابن محيصن أيضًا في سورة الأعراف). [المحتسب: 1/295]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 02:07 PM

سورة التوبة
[ من الآية (53) إلى الآية (57) ]

{ قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ (53) وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ (54) فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55) وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (57)}

قوله تعالى: {قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ (53)}
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (11- {طَوْعًا أَوْ كُرْهًا} [آية/ 53] بضم الكاف:
قرأها حمزة والكسائي، وقرأ الباقون {كَرْهًا} بفتح الكاف.
والوجه أنهما لغتان كره وكره وجهد وجهد، وفرق بعضهم بينهما فقال: الكره بالفتح المكروه، والكره بالضم ما استكره عليه الإنسان، كما فرق بين الجهد والجهد، فقيل الجهد الطاقة، والجهد المشقة، وقد سبق الكلام في هذه الكلمة). [الموضح: 595]

قوله تعالى: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ (54)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (أن يقبل منهم نفقاتهم... (54).
قرأ حمزة والكسائي (أن يقبل) بالياء.
وقرأ الباقون بالتاء.
[معاني القراءات وعللها: 1/454]
قال أبو منصور: من قرأ بالياء فلتقدم فعل الجماعة، ومن قرأ بالتاء فلأنّ النفقات مؤنثة). [معاني القراءات وعللها: 1/455]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (8- وقوله تعالى: {أن تقبل منهم نفقاتهم} [54].
قرأ حمزة والكسائي: {أن يقبل} بالياء.
وقرأ الباقون بالتاء، والأمر بينهما قريب، لأن النفقات تأنيثها غير حقيقي، ولأنه جمع مشبه بجمع من يعقل فجاز تذكيره وتأنيثه، وقد مر له نظائر فيما سلف، فموضع «أن» الأولى نصب والثانية رفع، والتقدير: وما منعهم من قبول نفقاتهم إلا كفرهم، وكل نفقة كانت في غير طاعة الله فغير مقبولة). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/249]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الياء والتاء من قوله [جل وعز] أن يقبل منهم نفقاتهم [التوبة/ 54] فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر: أن تقبل بالتاء.
[الحجة للقراء السبعة: 4/195]
وقرأ حمزة والكسائي: أن يقبل بالياء.
قال أبو علي: وجه القراءة بالتاء أنّ الفعل مسند إلى مؤنث في اللفظ، فأنّث ليعلم أنّ المسند إليه مؤنث.
ووجه الياء أن التأنيث ليس بتأنيث حقيقي، فجاز أن يذكّر كما قال تعالى: فمن جاءه موعظة من ربه [البقرة/ 275] وأخذ الذين ظلموا الصيحة [هود/ 67] ). [الحجة للقراء السبعة: 4/196]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قل أنفقوا طوعًا أو كرها لن يتقبّل منكم إنّكم كنتم قوما فاسقين * وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم}
قرأ حمزة والكسائيّ {قل أنفقوا طوعًا أو كرها} بضم الكاف وقرأ الباقون بالنّصب وقد ذكرنا الحجّة في سورة النّساء
قرأ حمزة والكسائيّ (وما منعهم أن يقبل منهم نفقاتهم) بالياء لأن النّفقات في معنى الإنفاق فالكلام محمول على المعنى وهو المصدر
وقرأ الباقون {أن تقبل منهم نفقاتهم} بالتّاء وحجتهم أن النّفقات مؤنّثة فأنث فعلها ليوافق اللّفظ المعنى). [حجة القراءات: 319]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (10- قوله: {أن تقبل منهم نفقاتهم} قرأه حمزة والكسائي بالياء، على التذكير لأن النفقات تأنيثها غير حقيقي، ولأنه قد فرّق بينها وبين الفعل بـ «منهم» ولأن النفقات أموال، فكأنه قال: إن يقبل منهم أموالهم، فحمل على المعنى فذكر، وقرأ الباقون بالتاء، لتأنيث النفقات، إذ قد أسند الفعل إليها، وهو الاختيار، لأنه ظاهر اللفظ، ولأن عليه الجماعة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/503]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (12- {أَن يُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ} [آية/ 54] بالياء:
قرأها حمزة والكسائي.
والوجه أن التأنيث غير حقيقي؛ لأن الفعل مسند إلى النفقات، وهي جمع نفقة، فتأنيثها غير حقيقي، والفعل مقدم، فجاز تذكيره، كما قال تعالى {فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ}.
وقرأ الباقون {تَقَبَّلْ} بالتاء.
والوجه أن الفعل مسند إلى جمع مؤنث وهو النفقات؛ لأنها جمع نفقة، والجمع وإن كان تأنيثه لفظيًا فهو مؤنث على كل حال، فحسن أن يؤنث الفعل المسند إليه، ليعلم أن الفاعل مؤنث). [الموضح: 596]

قوله تعالى: {فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55)}

قوله تعالى: {وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56)}

قوله تعالى: {لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (57)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (أو مدّخلًا لولّوا إليه وهم يجمحون (57).
قرأ الحضرمي وحده (أو مدخلًا) بفتح الميم، وقرأ الباقون (مدّخلًا) بضم الميم وتشديد الدال.
قال أبو منصور: من قرأ (مدخلًا) فهو موضع الدخول.
ومن قرأ (مدّخلًا) فإنه كان في الأصل (مدتخلًا) فأدغمت التاء في الدال، وجعلتا دالاً مشددة، وهو (مفتعلا) من الدخول.
يقال: ادّخل يدّخل ادّخالا ومدّخلًا، وهذا مدّخل القوم). [معاني القراءات وعللها: 1/455]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة: {مَغَارَاتٍ}، وقرأ سعد بن عبد الرحمن بن عوف: [مُغَارات].
قال أبو الفتح: أما {مغارات} على قراءة الناس فجمع مَغارة أو مَغار، وجاز أن يجمع مغارات بالتاء وإن كان مذكرًا لأنه لا يعقل، ومثله إوان وإوانات، وجمل سِبَطر وجِمال سِبطرات، وحمَّام وحمامات. وقد ذكرنا هذا ونحوه في تفسير ديون المتنبي عند قوله:
ففي الناس بُوقاتٌ لها وطبول
ومَغار مَفْعَل من غار الشيء يغور.
وأما مُغَارات فجمع مُغَار، وليس من أَغرت على العدو؛ ولكنه من غار الشيء ويغور، وأَغرته أنا أُغيره، كقولك: غاب يغيب وأَغَبته، فكأنه: لو يجدون ملجأ أو أمكنة يُغيرون فيها أشخاصهم ويسترون أنفسهم، وهذا واضح.
ويؤكد ذلك قراءة مسلمة بن محارب: [مُدْخَلًا] أي: مكانًا يُدخلون فيه أنفسهم، ورويت عن أبي بن كعب: [أو مندخلًا]، وهو من قول الشاعر:
[المحتسب: 1/295]
ولا يدي في حميت السكن تندخل
ومنفعل في هذا شاذ؛ لأن ثلاثيه غير متعد عندنا). [المحتسب: 1/296]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك ما رواه الأعمش قال: سمعت أنَسًا يقرأ: [لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمِزون]، قيل له: وما يجمزون؟ إنما هي {يجمحون}، فقال: يجمحون ويجمزون ويشتدون واحد.
قال أبو الفتح: ظاهر هذا أن السلف كانوا يقرءون الحرف مكان نظيره من غير أن تتقدم القراءة بذلك؛ لكنه لموافقته صاحبه في المعنى. وهذا موضع يجد الطاعن به إذا كان هكذا على القراءة مطعنًا، فيقول: ليست هذه الحروف كلها عن النبي -صلى الله عليه سلم- ولو كانت عنه لما ساغ إبدال لفظ مكان لفظ؛ إذ لم يثبت التخيير في ذلك عنه، ولما أنكر أيضًا عليه: [يجمزون]، إلا أن حُسْنَ الظن بأَنَس يدعو إلى اعتقاد تقدم القراءة بهذه الأحرف الثلاثة التي هي: {يجمحون} و[يجمزون] و[يشتدون]، فيقول: اقرأ بأيها شئت، فجميعها قراءة مسموعة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- لقوله عليه السلام: نزل القرآن بسبعة أحرف كلها شافٍ كافٍ.
فإن قيل: لو كانت هذه الأحرف مقروءًا بجميعها لكان النقل بذلك قد وصل إلينا، وقيل: أَوَلَا يكفيك أنس موصِّلًا لها إلينا؟ فإن قيل: ان أنسًا لم يحكها قراءة؛ وإنما جمع بينها في المعنى، واعتل في جواز القراءة بذلك لا بأنه رواها قراءة متقدمة. قيل: قد سبق من ذكر حسن الظن ما هو جواب عن هذا.
ونحوٌ من هذه الحكاية ما يُروى عن أبي مَهدية من أنه كان إذا أراد الأذان قال: الله أكبر مرتين، أشهد أن لا إله إلا الله مرتين كذلك إلى آخر الأذان، ينطق من ذلك بالمرة الواحدة، ويقول في إثرها: مرتين كما ترى، فيقال له: ليس هكذا الأذان، إنما هو كذا، فيقول: المعنى واحد، وقد علمتم أن التَّكْرَارَ عِيٌّ.
[المحتسب: 1/296]
وهذا لعمري مسموع من أبي مَهدية إلا أنه كان مدخولًا، ألا ترى أن أبا محمد يحيى بن المبارك اليزيدي وخلفًا الأحمر لما أنفذهما إليه أبو عمرو ليسألاه عن شيء من اللغة لخلاف جرى بينه وبين عيسى بن عمر أتياه وهو يخاطب الشياطين في صلاته: اخسأنانَّ عني، اخسأنان عني.
وكذلك قول ذي الرمة:
وظاهِرْ لها من يابس الشخت
فقيل له: أنشدتنا بائس فقال: يابس بائس واحد. وهذا شعر ليست عليه مضايقة الشرع.
وأخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن عن أبي العباس أحمد بن يحيى قال: كان يحضر ابنَ الأعرابي شيخٌ من أهل مجلسه، فسمعه يومًا ينشد:
وموضِعِ زَبْنٍ لا أُريد بَراحه ... كأني به من شدة الروع آنس
[المحتسب: 1/297]
فقال له الشيخ: ليس هكذا أنشدتنا يا أبا عبيد الله، فقال: كيف أنشدتك؟ فقال له: وموضع ضيق، فقال: سبحان الله! تصحبنا منذ كذا وكذا سنة ولا تعلم أن الزبْن والضيق شيء واحد؟ فهذا لعمري شائع؛ لأنه شعر وتحريفه جائز؛ لأنه ليس دِينًا ولا عملًا مسنونًا). [المحتسب: 1/298]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك ما حكاه ابن أبي عبيدة بن معاوية بن قُرْمُل عن أبيه عن جده -وكانت له صحبة- أنه قرأ: [لَوالَوْا إليه] بالألف وفتحة اللام الثانية.
قال أبو الفتح: هذا مما اعتقب عليه فَاعَل وفَعَّل؛ أعني: وَالَوا ووَلَّوا، ومثله ضعَّفت وضاعفت الشيء، ووصَّلت الحديث وواصلته، وسوَّفت الرجل وساوفته، ومن أبيات الكتاب:
لو ساوَفَتْنا بِسُوف من تحيتها ... سوْفَ العيوف لراح الركب قد قنِعوا
سوف العيوف: مصدر محذوف الزيادة؛ أي: مساوفة العيوف). [المحتسب: 1/298]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (13- {أَوْ مَدْخَلاً} [آية/ 57] مفتوحة الميم، ساكنة الدال:
قرأها يعقوب وحده.
والوجه أنه مفعل من الدخول، وهو الموضع الذي يدخل فيه؛ لأن دخل مضارعه يفعل بضم العين، فاسم المكان منه مفعل بفتح العين.
وقرأ الباقون {مُدَّخَلاً} مضمومة الميم، مشددة الدال.
والوجه أنه مفتعل من الدخول، وهو اسم لمكان الدخول أيضًا). [الموضح: 596]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 02:09 PM

سورة التوبة
[ من الآية (58) إلى الآية (60) ]

{ وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (58) وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ (59) إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)}

قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (58)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ومنهم من يلمزك في الصّدقات... (58).
قرأ يعقوب (يلمزك)، و(الذين يلمزون) و(لا تلمزوا) كله بضم الميم.
وقرأ الآخرون "بكسر الميم في كل - هذا، إلا ما روى محمد بن صالح عن شبل عن ابن كثير (يلمزك)، و(يلمزون) بضم الميم، وأما قوله (ولا تلمزوا أنفسكم) فلم يختلف فيه عنه أنه بالكسر.
[معاني القراءات وعللها: 1/455]
قال أبو منصور: هما لغتان: لمزه يلمزه ويلمزه، إذا عابه). [معاني القراءات وعللها: 1/456]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (9- وقوله تعالى: {ومنهم من يلمزك في الصدقات} [58].
قرأ الناس كلهم {يلمزك} بكسر الميم إلا ما روى حماد بن سلمة عن ابن كثير {يلمزك}.
وروى عن ابن كثير أيضًا والحسن ويعقوب {يلمزك} بضم الميم وهما لغتان يلمز ويلمز مثل عكف يعكف ويعكف.
يلامزك كقولك: يقاتلك ويشاتمك، ومعنى اللمز في اللغة: العيب، ومن ذلك قوله تعالى: {ويل لكل همزة لمزة} فالهامز: المغتاب واللامز: العائب، قال زياد الأعجم:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/249]
إذا لقيتك تبدي لي مكاشرة = فإن أغيب فأنت الهامز اللمزه
يقال: امرأة همزة ورجل همزة ورجل فروقة وامرأة فروقة، ورجل هلباجة: إذا كان أحمق أكولاً ضخمًا ثقيل الروح). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/250]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال أحمد: كلّهم قرأ يلمزك [التوبة/ 58] بكسر الميم: إلا ما روى حمّاد بن سلمة عن ابن كثير فإنّه روى عنه:
يلامزك حدّثني بذلك محمد بن الجهم عن ابن أبي أميّة البصري، عن حمّاد بن سلمة، وحدّثني الصّوفي، عن روح بن عبد المؤمن، عن محمد بن صالح، عن شبل، عن ابن كثير وأهل مكة: يلمزك ويلمزون [التوبة/ 79] برفع الميم فيهما. وحدثني أبو حمزة الأنسي قال: حدثنا حجاج بن المنهال قال: حدثنا حمّاد بن سلمة قال: سمعت ابن كثير يقول: يلمزك بضم الميم.
أبو عبيدة: يلمزك أي: يعيبك، قال زياد الأعجم:
إذا لقيتك تبدي لي مكاشرة... وإن تغيبت كنت الهامز اللّمزة
[الحجة للقراء السبعة: 4/196]
وقال قتادة: يلمزك: يطعن عليك، والعيب والطعن يشملان ما يكون فيهما في المغيب، وما يكون في المشهد. وفي الشّعر دلالة على قدحه فيه، وطعنه عليه في المغيب، لقوله:
تغيّبت، فيكون الهمز الغيبة، وكذلك قوله [تعالى]: هماز مشاء بنميم [القلم/ 11] يجوز أن يعنى الغيبة.
وحكى بعض الرواة أنّ أعرابيّا قيل له: أتهمز الفارة؟
قال: تهمزها الهرّة، فأوقع الهمز على الأكل. فالهمز كاللمز.
وقال عز وجل: أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا [الحجرات/ 12].
وكأنّ الهمز أوقع على الأكل لمّا كان غيبة، وقال الأصمعي: فلان ذو وقيعة في الناس إذا كان يأكلهم، فلما أوقع الأكل عليه حسن أن يستعمل في خلافه: الغرث، فلذلك قال:
[الحجة للقراء السبعة: 4/197]
وتصبح غرثى من لحوم الغوافل والذي جاء في الآية من اللمز، عني به المشهد فيما دلّ عليه الأثر، والمعنى على حذف المضاف التقدير: يعيبك في تفريق الصدقات.
ومن قرأ: يلامزك فينبغي أن يكون فاعلت فيه من واحد نحو: طارقت النّعل، وعافاه الله، لأنّ هذا لا يكون من النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم.
فأمّا يلمزك ويلمزك، فلغتان مثل: يعكف ويعكف، ويحشر ويحشر، ويفسق ويفسق). [الحجة للقراء السبعة: 4/198]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (14- {ومِنْهُم مَّن يَلْمُزُكَ} [آية/ 58] بضم الميم:
قرأها يعقوب وحده، وكذلك {يَلْمُزُونَ وفي الحجرات {ولا
[الموضح: 596]
تَلْمُزُوا كل ذلك بالضم.
وقرأ الباقون {يَلْمِزُكَ} و{يَلْمِزُونَ} و{لا تَلْمِزُوا} بكسر الميم فيهن.
والوجه أنهما لغتان يلمز ويلمز، مثل يحشر ويحشر، ويعكف ويعكف. ولمزه إذا عابه، قال الله تعالى {وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ}.
وروى حماد بن سلمة عن ابن كثير {يَلامِزُكَ} بالألف.
والوجه أنه على فاعل من واحد نحو عاقبت اللص وطارقت النعل؛ لن هذا الفعل لا يكون من النبي صلى الله عليه (وسلم) ). [الموضح: 597]

قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ (59)}

قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (والمؤلّفة قلوبهم... (60).
روى الأعشى عن أبي بكر عن عاصم (والمولّفة قلوبهم) بغير همز، وتبين الواو، وكذلك (موطيا)، و(موجّلا) و(ماية) و(مايتين) و(فية) و(فيتين) و(لين أتيتنا)، و(لين أخرتن) و(لين سألتهم)، (ليواطيوا)، (ليبطين) غير مهموز في كل القرآن، ولا يهمز (اطماننتم) و(يطمين قلبي) و(تطمين قلوبنا) و(كداب آل فرعون)
[معاني القراءات وعللها: 1/456]
و (يابى) و(ياتي) و(ياكلون) و(ياخذون) و(يامرون) و(يوخركم) ونظائر هذه الحروف كلها.
قال أبو منصور: هذه الحروف كلها عند أكثر العرب مهموزة، ومنهم من يخفف همزها، والهمز أفصح اللغتين). [معاني القراءات وعللها: 1/457]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 02:10 PM

سورة التوبة
[ من الآية (61) إلى الآية (63) ]

{ وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (61) يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ (62) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (63)}


قوله تعالى: {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (61)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (قل أذن خيرٍ لكم... (61)
قرأ عاصم في رواية الأعشى عن أبي بكر عنه (قل أذنٌ خيرٌ لكم) منونة رفعًا، وقرأ الباقون بالإضافة.
قال أبو منصور: من قرأ (قل أذنٌ خيرٌ لكم) فمعناه: قل يا محمد: هو يستمع منكم، ويكون قريبًا منكم، قابلاً بعذركم (خيرٌ لكم).
وذلك أن المنافقين قالوا: إن محمد أذن، ومتى بلغه عنّا أمرٌ حلفنا له
[معاني القراءات وعللها: 1/457]
يقبله منّا؛ لأنه أذن، أي: يسمع ما يقال فيصدق به.
فكان الجواب لهم على ما قالوا: قل يا محمد: إن كان أذنًا كما تقولون فهو خيرٌ لكم، ولكنه يصدق المؤمنين. ويكذبكم.
ومن قرأ (قل أذن خيرٍ لكم) فهو نفي لما قالوا، والمعنى: أنه مستمع خير لكم، وهو يصدّق الله جلّ وعزّ، ويصدّق المؤمنين فيما يخبرونه به، ولا يصدق الكافرين، ولا يستمع إلى كذب المنافقين استماع المصدّق لهم). [معاني القراءات وعللها: 1/458]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ورحمةٌ للّذين آمنوا منكم... (61).
قرأ حمزة وحده (ورحمةٍ) خفضًا، وكذلك روى أبو عمارة عن يعقوب عن نافع (ورحمةٍ) خفضًا، مثل حمزة، وقرأ الباقون (ورحمةٌ) رفعًا.
قال أبو منصور: من قرأ (ورحمةٍ) عطفه علي أذن خير وأذن رحمة للمؤمنين.
ومن قرأ (ورحمةٌ) رفعًا فالمعنى: وهو رحمة للذين آمنوا؛ لأنه كان سبب إيمان المؤمنين). [معاني القراءات وعللها: 1/458]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (10- وقوله تعالى: {قل أذن خير لكم} [61].
قرأ نافع وحده: {قل أذن خير لكم} بإسكان الذال.
وقرأ الباقون بضم الذال، وهما لغتان أذن وآذان مثل أطم وآطام وأذن وآذان مثل قفل وأقفال.
والقراءُ كلهم يضيفون إلا ما روى إسماعيل عن نافع أذن خير بالرفع). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/250]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (11- وقوله تعالى: {ورحمة [للذين آمنوا}} [61].
قرأ حمزة وحده {ورحمة}.
ويعقوب عن نافع بالخفض على معنى أذن خير ورحمة وصلاح، لا أذن شر، يقال: رجل أذن: إذا كان حسن الخلق يسمع من كل.
وقال المنافقون: إنا نذكر محمدًا من وراء وراء فإذا بلغه اعتذرنا فإنه يقبل؛ لأنه رجل أذن، فأنزل الله تعالى: {قل أذن خير لكم} لا أذن شر). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/250]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في التثقيل والتخفيف من قوله عز وجل: هو أذن قل أذن خير لكم [التوبة/ 61]. فقرأ نافع وحده: هو أذن قل أذن خير لكم بإسكان الذال فيهما.
وقرأ الباقون: بتثقيل الأذن، وكلّهم يضيف [أذن] إلى خير*].
قال أبو علي: من قال: أذن* فهو تخفيف من أذن، مثل: عنق، وطنب، وظفر. وكل ذلك يجيء على
[الحجة للقراء السبعة: 4/198]
التخفيف، ويدلّك على اجتماع الجميع في الوزن الاتفاق في التكسير، تقول: أذن، وآذان، كما تقول: طنب وأطناب، وعنق وأعناق، وظفر وأظفار.
فأمّا القول في أذن في الآية إذا خففت أو ثقّلت، فإنه يجوز أن يطلق على الجملة، وإن كانت عبارة عن جارحة منها.
كما قال الخليل في الناب من الإبل: إنّه سمّيت به لمكان الناب البازل، فسميت الجماعة كلّها به، وقريب من هذا قولهم للمرأة: ما أنت إلا رجيل، وللرجل: ما أنت إلّا مريّة، ويدلّ على أنهم أرادوا النّاب قولهم، في التصغير: نييب، فلم يلحقوا الهاء ولو كنت مصغّرا لها على حدّ تصغير الجملة لألحقت الهاء في التحقير، كما تلحق في تحقير قدم ونحوها، وعلى هذا قالوا للمرأة: إنما أنت بظر، فلم يؤنّثوا حيث أرادوا الجارحة دون الجملة، وقالوا للربيئة: هو عين القوم، وهذا عينهم.
ويجوز فيه شيء آخر، وهو أن الاسم يجري عليه كالوصف له لوجود معنى ذلك الاسم فيه وذلك كقول جرير:
تبدو فتبدي جمالا زانه خفر... إذا تزأزأت السّود العناكيب
[الحجة للقراء السبعة: 4/199]
فأجرى العناكيب وصفا عليهن، يريد به: أنّهن في الحقارة والدّمامة، كالعناكيب.
وأنشد أبو عثمان:
مئبرة العرقوب إشفى المرفق فوصف المرفق بالإشفى، لما أراد من الدقّة والهزال، وخلاف الدّرم، وقال آخر:
فلولا الله والمهر المفدّى... لأبت وأنت غربال الإهاب
فجعله غربالا لكثرة الخروق فيه من آثار الطعن، وكذلك قوله:
[الحجة للقراء السبعة: 4/200]
حضجر كأمّ التوأمين توكّأت... على مرفقيها مستهلّة عاشر
لمّا أراد وصفه بالانتفاخ والضّخم، وأنّه ليس بضرب خفيف، فيكون متوقدا متنبّها لما يحتاج إليه، فكذلك قوله: هو أذن أجري على الجملة اسم الجارحة لإرادته كثرة
استعماله لها في الإصغاء بها.
ويجوز أن يكون فعلا من أذن يأذن، إذا استمع، والمعنى أنه كثير الاستماع مثل شلل وأذن وسجح، ويقوّي ذلك أنّ أبا زيد قال: قالوا رجل أذن، ويقن، إذا كان يصدّق بكلّ ما يسمع، وكما أنّ يقن صفة، كبطل، كذلك: أذن كشلل، وقالوا: أذن يأذن: إذا استمع وفي التنزيل: وأذنت لربها [الانشقاق/ 2] أي: استمعت، وقالوا: ائذن لكلامي، أي:
استمع له،
وفي الحديث: «ما أذن الله لشيء كإذنه لنبيّ»،
وقال الشاعر:
[الحجة للقراء السبعة: 4/201]
في سماع يأذن الشيخ له* [وحديث مثل ماذيّ مشار] وقول الشاعر:
إن همّي في سماع وأذن تقدير سماع فيه: المسموع، فوضع المصدر موضع المفعول، ألا ترى أنك إن لم تحمله على هذا كان المعنى:
إن همّي في سماع وسماع، وليس كذلك! ولكن المعنى:
إن همّي في مسموع واستماعه، فحذف كما يحذف المفعول في الكلام، وهو كثير، وخاصّة مع المصدر.
قال أحمد: وكلّهم يضيف، [أي: يضيف] أذنا إلى خير، ولا يصفون أذنا بخير، كما روي، من قراءة من وصف الأذن بالخير، فقال: أذن خير لكم.
[الحجة للقراء السبعة: 4/202]
والمعنى في الإضافة: مستمع خير وصلاح، ومصغ إليه ولا مستمع شرّ وفساد). [الحجة للقراء السبعة: 4/203]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال أحمد: وكلّهم قرأ: ورحمة [التوبة/ 61] رفعا إلّا حمزة، فإنه قرأ: أذن خير لكم ورحمة خفضا، حدثني محمد ابن يحيى الكسائي قال: حدثنا أبو الحارث قال: حدّثنا أبو عمارة حمزة بن القاسم عن يعقوب بن جعفر عن نافع:
ورحمة* مثل حمزة [قال أبو بكر] وهو غلط.
قال أبو علي: من رفع فقال: ورحمة كان المعنى: أذن خير، ورحمة، أي: مستمع خير ورحمة، فجعله الرحمة لكثرة هذا فيه. وعلى هذا [قوله سبحانه]: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين [الأنبياء/ 107] كما قال: بالمؤمنين رؤوف رحيم [التوبة/ 128] ويجوز أن يقدر حذف المضاف من المصدر.
فأما الجر في رحمة فعلى العطف على خبر، كأنه:
أذن خير ورحمة.
فإن قلت: أفيكون أذن رحمة؟
فإن هذا لا يمتنع، لأن الأذن في معنى: مستمع في
[الحجة للقراء السبعة: 4/203]
الأقوال الثلاثة التي تقدّمت، وكأنه مستمع رحمة، فجاز هذا كما كان مستمع خير، ألا ترى أن الرحمة من الخير؟.
فإن قلت: فهلّا استغني بشمول الخير للرحمة وغيرها عن تقدير عطف الرحمة عليه؟ فالقول: إن ذلك لا يمتنع، كما لم يمتنع: اقرأ باسم ربك الذي خلق [العلق/ 1] ثم خصّص فقال: خلق الإنسان من علق، وإن كان قوله: خلق يعمّ الإنسان وغيره فكذلك الرّحمة، إذا كانت من الخير لم يمتنع أن يعطف، فتخصّص الرحمة بالذّكر من بين ضروب الخير، لغلبة ذلك في وصفه وكثرته، كما خصّص الإنسان بالذّكر، وإن كان الخلق قد عمّه وغيره، والبعد بين الجارّ وما عطف عليه لا يمنع من العطف، ألا ترى أنّ من قرأ: وقيله يا رب [الزخرف/ 88] إنّما يحمله على: وعنده علم الساعة [الزخرف/ 85] وعلم قيله.
فإن قلت: أيكون الجرّ في رحمة* على اللام في قوله:
ويؤمن للمؤمنين [التوبة/ 61]، فإنّ ذلك ليس وجها، لأن اللام في قوله: ويؤمن للمؤمنين على حدّ اللام في قوله:
ردف لكم أو على المعنى، لأن معنى يؤمن: يصدّق، فعدّي
[الحجة للقراء السبعة: 4/204]
باللام، كما عدّي مصدّق به في نحو: مصدقا لما بين يدي من التوراة [آل عمران/ 50] ولا يكون يؤمن للرحمة، والمعنى: يؤمن الرحمة، لأن هذا الفعل لا يقع عليه في المعنى، ألا ترى أنك لا تقول: يصدّق الرحمة ؟ وزعموا أنّ الأعمش قرأ: قل أذن خير ورحمة لكم وكذلك هو في حرف أبيّ وعبد الله زعموا). [الحجة للقراء السبعة: 4/205]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن باللّه ويؤمن للمؤمنين ورحمة للّذين آمنوا منكم}
قرأ نافع (قل هو أذن) بإسكان الذّال في كل القرآن كأنّه استثقل ثلاث ضمات فسكن وقرأ الباقون بضم الذّال على أصل الكلمة
قرأ أبو بكر في رواية الأعشى (قل هو أذن) منون {خير لكم}
[حجة القراءات: 319]
بالرّفع والتنوين المعنى قل يا محمّد فمن يستمع منكم ويكون قريبا منكم قابلا للعذر خير لكم
وقرأ الباقون {أذن خير} بالإضافة وهو نفي لما قالوه المعنى أذن خير لا أذن شرّ أي مستمع خير ثمّ بين ممّن يقبل فقال {يؤمن باللّه ويؤمن للمؤمنين} أي يسمع ما ينزله الله عليه فيصدق به ويصدق المؤمنين فيما يخبرونه ولا يصدق المنافقين والباء واللّام زائدتان المعنى يصدق الله ويصدق المؤمنين
قرأ حمزة {ورحمة للّذين آمنوا} بالخفض على العطف على {خير} المعنى أذن خير وأذن رحمة للمؤمنين
وقرأ الباقون {ورحمة} أي وهو رحمة خبر ابتداء لأنّه كان سبب المؤمنين في إيمانهم). [حجة القراءات: 320]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (11- قوله: {قل أذنٌ خيرٍ لكم} قرأه نافع بإسكان الذال، حيث وقع على التخفيف؛ لاجتماع ضمتين لازمتين كـ «طنُب وطُنْب وعُنُق وعُنْق» وقرأ الباقون بالضم على الأصل، وحسن ذلك لقلة حروف الكلمة، وهو الاختيار، لأن عليه الجماعة ولأنه الأصل). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/503]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (12- قوله: {ورحمة للذين} قرأه حمزة «ورحمةٍ» بالخفض، وقرأ الباقون بالرفع.
وحجة من رفع انه عطفه على «أذن» فالمعنى: قل محمد أذن خير لكم ورحمة، أي: هو رحمة، أي: هو مستمع خير وهو رحمة، فجعل النبي الرحمة، لكثرة وقوعها به، وعلى يديه كما قال تعالى ذكره: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} «الأنبياء 107» ويجوز أن يكون الرفع على إضمار مضاف
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/503]
محذوف، تقديره: قل هو أذن خير لكم، وهو ذو رحمة.
13- وحجة من قرأ بالخفض أنه عطفه على «خير»، أي: هو أذن خير وأذن رحمة، لأن الخير هو الرحمة، والرحمة هي الخير، وجاز أن نخبر عن الخير والرحمة بالاستماع، وإن كانا لا تستمعان، لأن المعنى مفهوم أن المراد به المخبر عنه وهو النبي عليه السلام، ولا يحسن عطف «رحمة» على المؤمنين لأنه يصير المعنى: ويؤمن لرحمة، إلا أن يجعل الرحمة القرآن، وتكون اللام زائدة، فيصير التقدير: ويؤمن رحمة، أي يصدق رحمة، أي القرآن، أي يصدق القرآن). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/504]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (15- {هُوَ أُذْنٌ قُلْ أُذُنُ خَيـْرٍ} [آية/ 61] بإسكان الذال فيهما:
قرأها نافع وحده في كل القرآن.
والوجه أنه مخفف من أذن، مثل عنق وطنب وظفر، وجميع هذه الأحرف يجوز فيها التخفيف كما في أذن.
والأذن مخففا ومثقلاً اسم للجارحة المخصوصة، إلا أنها أطلقت على الجملة لكثرة استعماله لها في الإصغاء بها مجازاً واتساعًا.
ويجوز أن يكون بناءً صيغ على فعل من أبنية المبالغة.
وهو من أذن يأذن إذا استمع، قال:
[الموضح: 597]
45- بسماع يأذن الشيخ له
والمعنى أنه كثير الاستماع.
وهو على بناء فعل: صفة، كشلل وأنفٍ.
وقرأ الباقون {أُذُنُ خَيـْرٍ} بتحريك الذال في كل القرآن، وكل القراء يضيف {أُذُنُ} إلا ما روي شاذاً.
والوجه في تحريك الذال من {أُذُنُ} أنه على الأصل غير مخففٍ، ومعنى الإضافة في {أُذُنُ خَيـْرٍ} أنه مستمع خيرٍ وصلاحٍ لا مستمع شرٍ وفسادٍ.
ومن لم يضف وقرأ {أُذُنُ خَيـْر} بالرفع فيهما، والتنوين في {أُذُنٌ فإنه جعل خيراً وصفًا للأذن). [الموضح: 598]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (16- {ورَحْمَةٍ لِّلَّذِينَ آمَنُوا} [آية/ 61]، بالخفض:
قرأها حمزة وحده.
[الموضح: 598]
والوجه أنه عطف على {خَيـْرٍ كأنه قال: قل أذن خيرٍ وأذن رحمةٍ، أي مستمع خير ورحمة.
وقرأ الباقون {ورَحْمَةٌ} بالرفع.
والوجه أنه عطف على قوله {قُلْ أُذُنُ كأنه قال هو أذن خير وهو رحمة، وذلك لكثرة حصول الرحمة منه وصف بأنه رحمة، كما قال الله تعالى {ومَا أَرْسَلْنَاكَ إلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ويجوز أن يكون التقدير: هو أذن وذو رحمة، فحذف ذو، وأقيم المضاف إليه مقامه). [الموضح: 599]

قوله تعالى: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ (62)}

قوله تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (63)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فأنّ له نار جهنّم خالدًا فيها... (63).
اجتمع القراء على فتح الألف من قوله (فأنّ له) عطفًا على قوله (ألم يعلموا أنّه)، ولو قرأ قارئ بالكسر (فإنّ له)، فهو في العربية جائز على الاستئناف بعد الفاء، كما يقول: له نار جهنم،
ودخلت (إنّ) مؤكدة، كقوله في سورة الجن: (ومن يعص اللّه ورسوله فإنّ له نار جهنّم).
[معاني القراءات وعللها: 1/459]
بالكسر، لم يختلف القراء فيه.
وقد قرأ بعض في سورة براءة (فإنّ له) بالكسر، غير أن قراء الأمصار لما اجتمعوا على الفتح كان المختار). [معاني القراءات وعللها: 1/460]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 02:12 PM

سورة التوبة
[ من الآية (64) إلى الآية (66) ]
{يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66)}

قوله تعالى: {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64)}

قوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65)}

قوله تعالى: {لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (إن يعف عن طائفةٍ منكم تعذّب طائفةٌ بأنّهم كانوا مجرمين (66)
قرأ عاصم وحده (إن نعف عن طائفةٍ... نعذّب طائفةً) بالنون فيهما، ونصب (طائفةً).
وقرأ الباقون بالياء الأولى (إن يعف عن طائفةٍ منكم تعذّب طائفةٌ).
قال أبو منصور: من قرأ بالنون فالله يقول: إن نعف نحن عن طائفة نعذب طائفة.
ومن قرأ (إن يعف عن طائفةٍ) فهو على ما لم يسم فاعله، و(إن) شرط، وجوابه (تعذّب طائفةٌ) ). [معاني القراءات وعللها: 1/459]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (12- وقوله تعالى: {إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة} [66].
قرأ عاصم وحده {نعف} بالنون {نعذب} مثله. الله تعالى يخبر عن نفسه.
وقرأ الباقون على ما لم يُسم فاعله الأولى بالياء، والثانية بالتاء، والطائفة في اللغة: الجماعة، وقد تكون الطائفة رجلاً واحدًا كقوله تعالى: {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة} [122] أي: رجل واحد. أما قوله تعالى: {وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين} فعند الشافعي الطائفة هاهنا -: أربعة فما فوقهم، وروى عن ابن عباس أنه قال الطائفة هاهنا -: الرجل الواحد.
حدثني بذلك ابن مجاهد عن السمري عن الفراء، قال: حدثني قيس ومندل عن ليث عن مجاهد قال: الطائفة: رجل واحد فما فوقه. قال: وحدثني السمري عن الفراء عن حيان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس الطائفة في قوله: {وليشهد عذابهما طائفة}: الواحدُ فما فوق). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/251]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الياء والنون من قوله [جل وعز]: إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة [التوبة/ 66].
فقرأ عاصم وحده: إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بالنّون جميعا. وقرأ الباقون: إن يعف عن طائفة منكم بالياء تعذب طائفة بالتاء.
قال أبو علي: حدثنا أحمد بن محمد البصريّ قال:
حدّثنا المؤمّل بن هشام قال: حدثنا إسماعيل بن عليّة عن ابن
[الحجة للقراء السبعة: 4/205]
أبي نجيح، عن مجاهد في قوله سبحانه: وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين [النور/ 2] قال: أقلّه رجل، وقال عطاء:
أقلّه رجلان. حجة من قال: إن نعف قوله: ثم عفونا عنكم من بعد ذلك [البقرة/ 52].
ومن قال: إن يعف فالمعنى: معنى تعف، وأمّا تعذّب: بالتاء، فلأنّ الفعل في اللفظ مسند إلى مؤنّث). [الحجة للقراء السبعة: 4/206]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك ما رُوي عن مجاهد: [إِنْ تُعْفَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ] بالتاء المضمومة [تُعَذَّبْ طَائِفَة].
قال أبو الفتح: الوجه [يُعْفَ] بالياء لتذكير الظروف، كقولك: سِيرَت الدابة وسِير بالدابة، وقُصدت هند وقُصد إلى هند؛ لكنه حمله على المعنى فأنث [تُعْفَ]، حتى كأنه قال: إن تُسامَح طائفة أو إن تُرحم طائفة. وزاد في الأُنس بذلك مجيء التأنيث يليه، وهو قوله: [تُعَذِّبْ طَائِفَةَ]، والحمل على المعنى أوسع وأفشى، منه ما مضى، ومنه ما سترى). [المحتسب: 1/292]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنّهم كانوا مجرمين}
قرأ عاصم {إن نعف} بالنّون الله أخبر عن نفسه {نعذب} بالنّون أيضا {طائفة} بال مفعول بها وقرأ الباقون (إن يعف) بالياء وضمّها {تعذب} بالتّاء {طائفة} رفع على ما لم يسم فاعله). [حجة القراءات: 320]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (14- قوله: {إن نعف عن طائفةٍ منكم نعذب طائفة} قرأ عاصم «نعف» بنون مفتوحة، وضم الفاء، «نعذب» بنون مضمومة، وكسر الذال، طائفة الثانية بالنصب، وقرأ الباقون «يعف» بياء مضمومة، وفتح الفاء، «نُعذب» بتاء مضمومة، وفتح الذال، «طائفة» بالرفع.
وحجة من قرأ بالنون أنه أسند الفعلين إلى الإخبار عن الله جل ذكره، يخبر تعالى ذكره عن نفسه بذلك، ففي «نعف» ضمير يرجع إلى الله جل ذكره، يخبر تعالى ذكره عن نفسه بذلك، ففي «نعف» ضمير يرجع إلى الله جل ذكره، وكذلك في «نعذب»، ونصب «طائفة» بوقوع العذاب عليها.
15- وحجة من قرأ بالياء والتاء أنه حمل الفعلين على ما لم يسم فاعله فـ «عن طائفة» في موضع رفع مفعول ما لم يسم فاعله، لأن «عفا» لا يتعدى إلا بحرف جر، ويجوز أن تُضمر المصدر وتقيمه مقام الفاعل، و«طائفة» مفعول ما لم يسم فاعله لـ «تعذب»، والتاء جيء بها لتأنيث الطائفة، إذ قد أسند الفعل إليها، فقامت مقام الفاعل، والاختيار ما عليه الجماعة من الياء والتاء، ورفع
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/504]
«طائفة»). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/505]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (17- {إن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً} [آية/ 66]:
قرأها عاصم وحده.
والوجه أن الفعل لله تعالى على لفظ جماعة المخبرين، كما بينا الوجه فيه غير مرة، ومثله {ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُم}.
وقرأ الباقون {إن يُعْفُ عَن طَائِفَةٍ} بالياء مضمومة، {تُعَذَّبْ طَائِفَةً} بضم التاء وفتح الذال، و{طَائِفَةٌ} رفع.
والوجه أن الفعل مبني للمفعول به، وقوله {عَن طَائِفَةٍ} جار ومجرور أقيما مقام الفاعل، والعافي هو الله تعالى، وإن كان الفعل لما لم يسم فاعله
[الموضح: 599]
والمعنى فيه مثل المعنى في {نَّعْفُ} بالنون، وأما قوله {تُعَذَّبْ} بالتاء؛ فلأن الفعل في اللفظ مسند إلى {طائفة} وهي مؤنثة إسناد المبني للمفعول به، ورفع الطائفة؛ لأنها مفعول ما لم يسم فاعله، ونصبها في القراءة الأولى؛ لأنها مفعول به لنعذب). [الموضح: 600]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 02:14 PM

سورة التوبة

[ الآيتين (67) ، (68) ]

{الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67) وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68) }

قوله تعالى: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67)}

قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 02:16 PM

سورة التوبة
[ الآيتين (69) ، (70) ]

{ كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (69) أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (70 ) }


قوله تعالى: {كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (69)}

قوله تعالى: {أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (70 )}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 02:17 PM

سورة التوبة
[ الآيتين (71) ، (72) ]

{ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72) }

قوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)}

قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (14- وقوله تعالى: {تحتها الأنهار} [72].
قرأ ابن كثير: {من تحتها الأنهار} فزاد «من».
وقرأ الباقون بغير «من»). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/252]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 02:18 PM

سورة التوبة
[ الآيتين (73) ، (74) ]

{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73) يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (74)}

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73)}

قوله تعالى: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (74)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 02:21 PM

سورة التوبة

[ من الآية (75) إلى الآية (80) ]
{ وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آَتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (78) الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (79) اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (80) }


قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75)}

قوله تعالى: {فَلَمَّا آَتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76)}

قوله تعالى: {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77)}

قوله تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (78)}

قوله تعالى: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (79)}

قوله تعالى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (80)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 02:22 PM

سورة التوبة
[ من الآية (81) إلى الآية (83) ]

{فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81) فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82) فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ (83)}

قوله تعالى: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81)}

قوله تعالى: {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82)}

قوله تعالى: {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ (83)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (معي أبدًا... (83)،.. معي عدوًّا... (83).
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر (معي أبدًا) محركة الياء.
وقرأ حفص عن عاصم (معي أبدًا) و(معي عدوًّا) متحركتين، وأرسلهما الباقون). [معاني القراءات وعللها: 1/462]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (27- وقوله تعالى: {معي أبدًا ...} و{معي عدوا} [83].
فتح الياء فيهما كليهما حفص عن عاصم.
وأسكنها حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم وابن عامر.
وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو {معي أبدًا} بالفتح {ومعي عدوا} ساكنًا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/259]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك ما يُروى عن مالك بن دينار: [فاقعُدوا مع الخَلِفين] بغير ألف.
[المحتسب: 1/298]
قال أبو الفتح: ينبغي أن يكون مقصورًا من {الخالفين} كقراءة الجماعة، وقد جاء نحو هذا، قال الراجز:
أصبح قلبي صَرِدَا ... لا يشتهي أن يَردا
ألا عَرَادا عَرِدا ... وصِلِّيانا برِدا
وعَنْكثا ملتبِدا
يريد: عارِدا وبارِدا، كما قال أبو النجم:
كأن في الفُرْشِ القَتَاد العاردا
وقد حذفت الألف حشوًا في غير موضع. قال:
مثل النَّقا لبده ضرب الطِّلل
يريد: الطِّلال، كقول القُحَيف:
دِيار الحي تضربها الطِّلال ... بها أَنَس من الخافي ومالُ
وروينا عن قطرب:
ألا لا بارك الله في سهيل ... إذا ما الله بارك في الرجال
يريد: لا بارك الله، فحذف الألف قبل الهاء. وينبغي أن يكون ألف فعال؛ لأنها زائدة، كقوله تعالى: {إِلَهِ النَّاسِ}، ولا تكون الألف التي هي عين فَعَل في أحد قولي سيبويه: إن أصله: لاهٌ كناب؛ لأن الزائد أولى بالحذف من الأصلي. وقد
حذفوا الواو حشوًا أيضًا قالوا:
إن الفَقِير بيننا قاضٍ حَكَم ... أن تَرِد الماء إذا غاب النُّجُم
[المحتسب: 1/299]
يريد: النجوم. وقال الأخطل:
كلَمْع أيدي مثاكيل مُسلِّبَةٍ ... يندبْنَ ضَرْس بنات الدهر والْخُطُب
يريد: الخطوب. وقد حُذفت الياء أيضًا نحو قول عبيد الله بن الحر:
وبُدِّلتْ بعد الزعفران وطيبه ... صدا الدِّرع من مستحكِمات المسامر
يريد: المسامير. وقال الآخر:
والبكرات الفسج العطامسا
يريد: العطاميس.
فكما حُذفت حروف اللين من هذا ونحوه مما تركناه إجمامًا بحذفه، فكذلك تحذف الألف من {الخالفين} فيصير [الخَلِفين] ). [المحتسب: 1/300]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 02:26 PM

سورة التوبة

[ من الآية (84) إلى الآية (87) ]

{ وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84) وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (85) وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آَمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ (86) رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (87) }

قوله تعالى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84)}

قوله تعالى: {وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (85)}

قوله تعالى: {وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آَمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ (86)}

قوله تعالى: {رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (87)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 02:28 PM

سورة التوبة
[ الآيتين (88) ، (89) ]
{لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (89)}

قوله تعالى: {لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88)}

قوله تعالى: {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (89)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 02:29 PM

سورة التوبة
[ من الآية (90) إلى الآية (92) ]

{ وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (90) لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (92) }

قوله تعالى: {وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (90)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وجاء المعذّرون من الأعراب... (90).
قرأ يعقوب وحده (وجاء المعذرون) ساكنة العين خفيفة.
وقرأ الباقون (وجاء المعذّرون) بتشديد الذال.
قال أبو منصور: من قرأ (المعذرون) بالتخفيف فهم الذين أعذروا، أي: جاءوا بعذر، يقال: أعذر الرجل، إذا جاء بعذر ولم يقصر.
ومن قرأ (المعذّرون) بتشديد الذال فله وجهان:
أحدهما: المتعذرون، أدغمت التاء في الذال، كأنهم يعتذرون، كأنّ لهم عذر ولم يكن.
وشبيهٌ أن يكون المعنى أن يكون لهم عذر، كما قال لبيد:
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما... ومن يبك حولاً كاملاً فقد اعتذر
المعنى فقد أعذر، أي: جاء بعذر.
وجائز أن يكون (المعذّرون) الذين توهّموا أن لهم عذرًا ولا عذر لهم. والعرب تقول للمقصّر: معذّر.
والله أعلم بما أراد). [معاني القراءات وعللها: 1/460]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم}
قرأ الكسائي في رواية قتيبة (وجاء المعذرون) بالتّخفيف أي الّذين أعذروا وجاؤوا بعذر وكان ابن عبّاس يقرؤها كذلك ويقول هم أهل العذر أي جاؤوا معذرين ولهم عذر والمعذر الّذي قد بلغ أقصى العذر والعرب تقول أعذر من أنذر أي بالغ في العذر
وقرأ الباقون {وجاء المعذرون} بالتّشديد أي المعتذرون إلّا أن التّاء أدغمت في الذّال لقرب المخرجين قال الزّجاج ومعنى المعتذرين الّذين يعتذرون كان لهم عذر أو لم يكن لهم عذر وهو ها هنا أشبه بأن يكون لهم عذر وأنشدوا:
إلى الحول ثمّ اسم السّلام عليكما ... ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر
يريد قد أعذر وقد يكون لا عذر له قال الله تعالى {يعتذرون إليكم إذا رجعتم إليهم} ثمّ قال {لا تعتذروا} أي لا عذر لكم وكان ابن عبّاس يقول رحم الله المعذرين ولعن الله المعذرين ذهب إلى من يعتذر بغير عذر وقال آخرون المعذرون المقصرون أي الّذين يوهمون أن لهم عذرا ولا عذر لهم). [حجة القراءات: 321]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (18- {وجَاءَ المُعْذِرُونَ} [آية/ 90] بسكون العين وتخفيف الذال:
قرأها يعقوب وحده.
والوجه أن المعنى فيه: هم الذين أعذروا أي جاءوا بالعذر، يقال أعذر فلان: إذا جاء بالعذر ولم يقصر، قال جرير:
46- أعذرت في طلب النوال إليكم = لو كان من ملك النوال ينيل
وقرأ الباقون {المُعَذِّرُونَ} بفتح العين وتشديد الذال.
والوجه أن الأصل: المعتذرون، فنقلت فتحة التاء إلى العين فأدغمت التاء في الذال فبقي {المُعَذِّرُونَ}.
ويجوز أن يكون المعذرون من عذر يعذر بوزن فعل، وهم الذين يوهمون أن لهم عذراً ولا عذر لهم وهم المقصرون). [الموضح: 600]

قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91)}

قوله تعالى: {وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (92)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 02:31 PM

سورة التوبة
[ من الآية (93) إلى الآية (96) ]

{إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (93) يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (94) سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (95) يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (96)}

قوله تعالى: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (93)}

قوله تعالى: {يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (94)}

قوله تعالى: {سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (95)}

قوله تعالى: {يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (96)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 02:32 PM

سورة التوبة

[ من الآية (97) إلى الآية (99) ]

{الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97) وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (98) وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (99)}

قوله تعالى: {الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97)}

قوله تعالى: {وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (98)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (عليهم دائرة السّوء واللّه سميعٌ عليمٌ (98).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو (دائرة السّوء) بضم السين والمد، وكذلك في سورة الفتح.
وقرأ الباقون بفتح السين في السورتين.
قال الفراء: من قرأ (دائرة السّوء) بفتح السين فإنه أراد المصدر، من سؤته سوءًا ومساءة.
ومن رفع السين جعله اسمًا كقولهم: عليهم دائرة البلاء والعذاب.
قال: ولا يجوز ضم السين في قوله: (ما كان أبوك امرأ سوءٍ)، ولا في قوله: (وظننتم ظنّ السّوء)؛ لأنه ضدٌّ لقولك: هذا رجلٌ صدقٌ، وثوب صدقٍ.
فليس للسوء ها هنا معنى في البلاء ولا عذاب فيضم.
والقراء كلهم قرأوا (وظننتم ظنّ السّوء) بفتح السين، وكذلك (ما كان أبوك امرأ سوءٍ) ). [معاني القراءات وعللها: 1/461]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (13- وقوله تعالى: {دائرة السوء} [98].
قرأ ابن كثير وأبو عمرو {السوء} بضم السين، على معنى دائرة الشر.
وقرأ الباقون {السوء} بفتح السين مثل: {ظن السوء} أي: السيء، وهو مصدر، يقال: سؤت زيدًا أسوؤه سوءًا ومساءة ومساية). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/252]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في ضمّ السين وفتحها من قوله تعالى: دائرة السوء [التوبة/ 98] فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: دائرة السوء* بضمّ السّين، وكذلك في سورة الفتح [الآية: 6].
وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: السوء بفتح السين فيهما، ولم يختلف في غيرهما.
حدثني الصوفيّ عن روح بن عبد المؤمن عن محمّد بن صالح عن شبل عن ابن كثير: دائرة السوء بفتح السّين، وكذلك في سورة الفتح بالنصب.
وقرأ ابن محيصن: السوء* بضم السين.
قال أبو علي: الدائرة لا تخلو من أحد أمرين: إما أن تكون صفة قد غلبت، أو تكون بمنزلة العافية، والعاقبة،
[الحجة للقراء السبعة: 4/206]
والصفة أكثر في الكلام، وينبغي أن [يكون] يحمل عليها؛ فالمعنى فيها أنها خلّة تحيط بالإنسان حتى لا يكون له عنها مخلص، يبيّن ذلك أن ما جاء في التنزيل منه يدلّ على هذا المعنى، فمن ذلك قوله سبحانه: نخشى أن تصيبنا دائرة [المائدة/ 52] وقال تعالى: الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء [الفتح/ 6] وقال: ويتربص بكم الدوائر عليهم دائرة السوء [التوبة/ 98].
فإن قلت: فما معنى إضافته إلى السّوء أو إلى السّوء؟
فإنّه على وجه التأكيد، والزيادة في التبيين، ولو لم يضف لعلم هذا المعنى منها، كما أن نحو قوله: لحيي رأسه، وشمس النّهار، كذلك، ولو لم يضافا عرف منهما هذا المعنى الذي فهم بالإضافة.
وأما إضافتهما إلى السّوء أو إلى السّوء، فالقول فيه:
إن السّوء يراد به الرداءة والفساد، فهو خلاف الصدق الذي في قولك: ثوب صدق، وليس الصدق من صدق اللسان الذي هو خلاف الكذب، كما أن السّوء ليس من سؤته في المعنى، وإن
[الحجة للقراء السبعة: 4/207]
كان اللفظ واحدا يدلّك على ذلك أنّك تقول: ثوب صدق، فتضيفه إلى ما لا يجوز عليه الصدق والكذب في الأخبار.
فأمّا دائرة السوء بالضم فكقولك: دائرة الهزيمة ودائرة البلاء، فاجتمعا في جواز إضافة الدائرة إليهما من حيث أريد بكلّ واحدة منهما الرداءة والفساد، فمن قال:
دائرة السوء
فتقديره الإضافة إلى الرداءة والفساد.
فمن قال: دائرة السّوء فتقديره دائرة الضرر والمكروه، من ذلك: سؤته مساءة ومسائية، والمعنيان يتقاربان.
قال أبو زيد: قال العدوي: عليهم دائرة السوء [الفتح/ 6]، وأمطرت مطر السوء [الفرقان/ 40] فضمّ أوائلهما، وقال: رجل سوء، ففتح أولها.
وقال أبو الحسن: دائرة السوء، كما تقول: رجل السّوء، وأنشد:
وكنت كذئب السّوء لمّا رأى دما* بصاحبه يوما أحال على الدّم
[الحجة للقراء السبعة: 4/208]
قال: وقرئت دائرة السوء* وفي ذا القياس تقول: رجل السّوء، قال: وذا ضعيف إلا أنك إذا قلت: كانت عليهم دائرة السّوء كان أحسن من رجل السّوء، ألا ترى أنك تقول: كانت عليهم دائرة الهزيمة؟ قال: والرجل لا يضاف إلى السّوء، كما يضاف هذا، لأن هذا تفسيره: الخير والشرّ، كما يقول:
سلكت طريق الشرّ، وتركت طريق الخير). [الحجة للقراء السبعة: 4/209]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({عليهم دائرة السوء}
قرأ ابن كثير وأبو عمرو {عليهم دائرة السوء} بضم السّين وحجتهما قوله تعالى {والسوء على الكافرين}
[حجة القراءات: 321]
وقرأ الباقون بالفتح وحجتهم قوله {وظننتم ظن السوء} السوء بالضّمّ الاسم مثل البؤس والشؤم والسوء بالفتح المصدر كذا قال الفراء سؤته سوءا أو مساءة وقال آخرون السوء بالضّمّ الشّرّ والعذاب والسوء بالفتح الفساد والهلاك قال الخليل قوله {عليهم دائرة السوء} الفساد والهلاك وقال آخرون هما لغتان مثل الضّر والضر). [حجة القراءات: 322]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (16- قوله: {دائرة السوء} قرأ ابن كثير وأبو عمرو بضم السين، ومثله في الفتح، وقرأ الباقون بالفتح فيهما.
وحجة من ضم السين أنه جعل «السوء» يُراد بها الهزيمة والشر والبلاء، فتقديره: عليهم دارة الشر والهزيمة والبلاء والضرر، يقال: هو رجل سوء وسوء، أي: رجل شر، وجند هزيمة.
17- وحجة من فتح السين أن «السوء» بالفتح الرداءة والفساد، والمعنى: عليهم دائرة الفساد، وأكثر ما يقال: هو رجل سوء، بالفتح، ويبعد الضم، وقد أجمعوا على قوله: {ظن السوء} «الفتح 6» بالفتح، وأكثر العرب على فتح السين في قولهم: هو رجل سوء، وهو الاختيار؛ لأن الجماعة عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/505]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (19- {دَائِرَةُ السُّوْءِ} [آية/ 98] مضمومة السين ممدودة:
قرأها ابن كثير وأبو عمور، وكذلك في سورة الفتح {عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السُّوْءِ}.
والوجه أن السوء هو المكروه من قولهم سؤته مساءة، وهو اسم لا مصدر، كأنه قال دائرة البلاء والمكروه، هذا عن الفراء، وقال غيره: هو مصدر؛ لأنه يقابل به الحسن، قال الله تعالى {ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ}.
وقرأ الباقون {دَائِرَةُ السَّوْءِ} بفتح السين.
وكلهم قرأ بفتح السين من قوله {ظَنَّ السَّوْءِ}.
والوجه أنه مصدر من قوله سؤته مساءة وسوءا، وهو مصدر في معنى الصفة، يقال: هذا رجل سوء ورجل صدق، وهو بمعنى رجل سيء، فهو مضاف إلى مصدر، ويذهب به إلى مذهب الصفة، فكما أنك لو قلت رجل صدق ورجل رضى، بالرفع كان المعنى رجل ذو صدق وذو رضى أي صادق مرضي، فكذلك إذا أضفت كان المعنى رجل له صدق، كما تقول هو فتى وقار أي فتى له وقار.
وليس الصدق ههنا الذي هو ضد الكذب، وإنما هو بمعنى الحق والحقيقة، فالمعنيان في القراءتين متقاربان). [الموضح: 601]

قوله تعالى: {وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (99)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ألا إنّها قربةٌ لهم... (99).
روى إسماعيل ويعقوب ابنا جعفر وورش والأصمعي عن نافع (قربةٌ) مثقلةً.
وروى قالون والمسيبي وأبو بكر بن أبي أويس (قربةٌ) ساكنة الراء مثل سائر القراء، واتفقوا على تثقيل (قرباتٍ).
[معاني القراءات وعللها: 1/461]
قال أبو منصور: من قرأ (قربة) فهو على بناء (فعلة)، وجمعها: قربات وقربات.
ومن قرأ (قربةٌ) مثقلة فهو على مثل الجمعة والجمعة، والتخفيف أجود الوجهين). [معاني القراءات وعللها: 1/462]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (16- وقوله تعالى: {ألا إنها قربة لهم} [99].
قرأ نافع وحده: {قربة لهم} بضمتين مثل الرعب والسحب وأكثر ما تأتي الضمتان فيما لا هاء فيه نحو قول العرب والله لأوجعن قربتك يعني: الخاصرتين، ويقال لها: القرب والأطل والكشح والخاصرة بمعنى واحد، والأيطل والخوشان والناطفة أيضًا.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/254]
وقرأ الباقون {قربة} خفيفة، وهو الاختيار مثل غرفة وجرعة تقول العرب: قربت منك قربا وما قربتك قربانا وقربت الماء قربا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/255]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في التخفيف والتثقيل من قوله [جلّ وعز]: ألا إنها قربة لهم [التوبة/ 99] فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وابن عامر، وحمزة، والكسائي: قربة لهم خفيفة.
واختلف عن نافع، فروى ابن جمّاز، وإسماعيل بن جعفر، عنه في رواية الهاشمي سليمان بن داود وغيره، وورش، والأصمعيّ، ويعقوب بن جعفر: قربة* مثقّل، وروى قالون والمسيبيّ وأبو بكر بن أبي أويس: قربة خفيفة، ولم يختلفوا في قربات أنها مثقّلة.
قال أبو علي: لا تخلو قربة من أن يكون الأصل فيه التخفيف أو التثقيل، ولا يجوز أن يكون التخفيف في الواحد الأصل ثم يثقّل، لأنّ ذلك يجيء على ضربين: أحدهما في
[الحجة للقراء السبعة: 4/209]
الوقف، والآخر أن يتبع الحركة التي قبلها، فما كان من ذلك في الوقف فنحو قوله.
أنا ابن مأويّة إذ جدّ النّقر وإنما هو النّقر، فحرك القاف بالحركة التي كانت تكون للّام في الإدراج، وما كان من إتباع ما قبلها، فنحو قول الشاعر:
إذا تجرّد نوح قامتا معه... ضربا أليما بسبت يلعج الجلدا
فالكسر في اللام إنما هو لاتباع حركة فاء الفعل، ألا ترى أنه لا يجوز أن يكون كالبيت الأول، لأنّ حرف الإعراب الذي [هو] في هذا البيت قد تحرك بحركته التي يستحقّها، فظهر ذلك في اللفظ، والحركة التي حركت بها اللام التي هي عين في الجلد من قوله: الجلدا ليست كالضمة في النّقر، وعلى هذا يكون قوله:
[الحجة للقراء السبعة: 4/210]
فيد أوركك أتبع العين حركة الفاء التي هي فتحة الراء. فأمّا قول الأعشى:
أذاقتهم الحرب أنفاسها... وقد تكره الحرب بعد السّلم
فيجوز فيه أن يكون أتبع حركة العين الفاء [حرك العين] على حدّ ما حرك الجلدا. ويجوز أن يكون ألقى حركة الإعراب التي كانت تستحقها اللام على العين، وهذا أولى. وعلى قولهم: الجلدا، قالوا: رأيت الحجر، فحرّكوا العين اتباعا لحركة ما قبلها في الوقف، وليس قوله: قربة* في الآية موقوفا عليه، ولا ينبغي أن يحمل على التحريك اتباعا لحركة
ثم استمروا وقالوا إنّ موعدكم... ماء بشرقيّ سلمى فيد أو ركك
وفي رواية: «إن مشربكم».
وسلمى: أحد جبلي طيء- وفيد: نجد قريب منهما. وركك: ماء قريب منها.
انظر شرح ديوانه/ 167، والمحتسب 1/ 87 - 2/ 27 ومعجم ما استعجم 1/ 150 أسنمة وفي المنصف 2/ 309: قال أبو عثمان: وزعم الأصمعي قال: قلت لأعرابي، ونحن بالموضع الذي ذكره زهير فقال: ثم استمروا... البيت: هل تعرف رككا؟ فقال: قد كان هنا ماء يسمى:
ركّا. فهذا مثل: فكك، حين احتاج إلى تحريكه بناه على: فعل. اه.
وانظر شرح ابن جني لكلام أبي عثمان فيه.
[الحجة للقراء السبعة: 4/211]
ما قبلها، لأن ذلك أيضا يكون في الوقف، أو في الضرورة؛ فإذا لم يجز حملها على واحد من الأمرين، علمت أن الحركة هي الأصل في قربه* وأنّ الإسكان تخفيف، كما أسكنوا الرسل، والكتب، والطنب، والأذن، ونحو ذلك.
فأما إذا جمعت فينبغي أن يكون قربات لأنه لا يخلو من أن يكون: كغرفة، أو كبسرة ومن أي الوجهين كان، فينبغي أن يثقّل في الجمع، ألا ترى أنه إذا ثقل ما أصله التخفيف نحو: الظلمات، والغرفات، فاجتلبت في الجمع الضمة، فأن تقرّ الحركة الثابتة في الكلمة أجدر، وينبغي في قول من خفّف فقال في الواحد: قربة إذا جمع أن يعيد الضمّة التي هي الأصل، و [وقع التخفيف فيها]، لأنها أولى من المجتلبة، كما رددت الضمّة في نحو ضربتهم الآن، ومذ اليوم الذي كان لها في الأصل، ولم تجتلب حركة غريبة في الكلمة لالتقاء الساكنين.
والقربة: ما تقرّب به إلى الله تعالى من فعل خير، أو إسداء عرف، ومثل قولهم: قربة، وقربة، بسرة وبسرة، وهدبة وهدبة. حكاه محمد بن يزيد). [الحجة للقراء السبعة: 4/212]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ألا إنّها قربة لهم}
قرأ نافع في رواية ورش وإسماعيل {ألا إنّها قربة} برفع الرّاء مثل الرعب والسحت
وقرأ الباقون {قربة لهم} بإسكان الرّاء مثل جرعة). [حجة القراءات: 322]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (18- قوله: {قربة لهم} «99» قرأ ورش بضم الراء، وأسكن الباقون، والضم هو الأصل، والإسكان للتخفيف، كما يخفف في: كتب ورسل). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/505]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (20- {أَلا إنَّهَا قُرُبَةٌ} [آية/ 99] بضم الراء:
قرأها نافع- ش- و- ل-، وقرأ الباقون {قُرْبَةٌ} بسكون الراء، وكذلك- ن- عن نافع.
والوجه أن الأصل {قُرُبَةٌ} بضم الراء، وما سكن راؤه مخفف منه، كما قالوا جمعه وجمعه بالتحريك والتسكين، فالأصل هو المحرك). [الموضح: 602]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 02:33 PM

سورة التوبة
[ الآية (100) ]
{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)}

قوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (من المهاجرين والأنصار... (100).
قرأ يعقوب وحده (من المهاجرين والأنصار) بالرفع، وقرأ الباقون بالخفض.
قال أبو منصور: من قرأ (والأنصار) عطفه على قوله: (والسّابقون الأوّلون).
ومن قرأ بالخفض عطفه على (المهاجرين).
وهو أجود الوجهين، والأولى صحيحة في العربية، والله أعلم). [معاني القراءات وعللها: 1/462]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (تجري تحتها الأنهار... (100).
[معاني القراءات وعللها: 1/462]
قرأ ابن كثير وحده (وأعدّ لهم جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار) بزيادة (من)، وكذلك هي في مصاحف أهل مكة خاصة.
وقرأ الباقون (تحتها الأنهار) بغير (من).
قال أبو منصور: (من) تزاد في الكلام توكيدًا، وتخذف اختصارًا، والمعنى واحد). [معاني القراءات وعللها: 1/463]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة عمر بن الخطاب والحسن وقتادة وسلام وسعيد بن أسعد ويعقوب بن طلحة وعيسى الكوفي: [مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارُ].
قال أبو الفتح: الأنصار معطوف على قوله: [وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارُ].
[المحتسب: 1/300]
فأما قوله: {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ} فيجوز أن يكون معطوفًا على "الأنصار" في رفعه وجره، ويجوز أن يكون معطوفًا على "السابقون"، وأن يكون معطوفًا على "الأنصار" لقربه منه). [المحتسب: 1/301]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وأعد لهم جنّات تجري تحتها الأنهار}
قرأ ابن كثير (وأعد لهم جنّات تجري من تحتها الأنهار) بزيادة من وكذلك في مصاحفهم
وقرأ الباقون {تحتها} من غير من وهكذا في مصاحفهم). [حجة القراءات: 322]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (19- قوله: {تحتها} قرأ ابن كثير بزيادة «من» وذلك في رأس المائة الآية، وكذلك هي في مصحف أهل مكة، وقرأ الباقون بغير «من»، وكذلك هي في جميع المصاحف، غير مصحف أهل مكة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/505]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (21- {مِنَ المُهَاجِرِينَ والأَنصَارُ} [آية/ 100] بالرفع:
قرأها يعقوب وحده.
والوجه أنه عطف على قوله تعالى {والسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ فهو رفع، كما أن المعطوف عليه رفع.
وقرأ الباقون {والأَنصَارِ} بالخفض.
والوجه أنه عطف على قوله تعالى {المُهَاجِرِينَ} وهو جر كالمعطوف عليه). [الموضح: 602]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (22- {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتَهَا الأَنْهَارُ} [آية/ 100] بزيادة {مِنْ}:
قرأها ابن كثير وحده، عند المائة، وقرأ الباقون {تَجْرِي تَحْتَهَا} بغير {مِنْ}.
والوجه أن من أدخل {مِنْ} فقد جعل {تحت} اسمًا ولم يجعله ظرفًا، كما أن فوق قد يأتي ويُراد به الاسم، قال الله تعالى {لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ ومِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ}. والمراد من أعلاهم ومن أسفلهم، فإذا دخل {مِنْ} خرج عن كونه ظرفًا؛ لأن دخول الجار منع من تقديم جار آخر.
ومن نصب {تَحْتَهَا} ولم يدخل {مِنْ} جعل {تحت} ظرفًا، وقدر معنى في، وجعلها مفعولاً فيه.
والفرق بين القراءتين في المعنى أنه إذا ألحق {مِنْ} أفاد أن {الأَنْهَارُ} مبتدأ جريها من أسفل الجنات؛ لأن {مِنْ} لابتداء الغاية، ومن نصب ولم يلحق {مِنْ} أفاد أن الأنهار جارية من جهة أسفلها). [الموضح: 603]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 02:35 PM

سورة التوبة
[ من الآية (101) إلى الآية (106) ]

{ وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101) وَآَخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآَخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102) خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104) وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105) وَآَخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (106) }

قوله تعالى: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101)}

قوله تعالى: {وَآَخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآَخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102)}

قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (إنّ صلاتك سكنٌ لهم واللّه سميعٌ عليمٌ (103)
قرأ حمزة والكسائي (إنّ صلاتك)، وفي هود (أصلاتك)، وفي المؤمنين (على صلاتهم) على التوحيد.
وقرأ حفص (إنّ صلاتك) و(أصلاتك) على التوحيد، و(على صلواتهم) جماعة.
وقرأ الباقون كلهن على الجمع.
قال الأزهري: الصلاة في قولك (إن صلاتك) دعاء، أما قوله (أصلاتك تأمرك) فمعناها: أعبادتك، وكله جائز، صلاتك وصلواتك). [معاني القراءات وعللها: 1/463]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (15- وقوله تعالى: {إن صلواتك سكن لهم} [103].
قرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم بالتوحيد، وكذلك في (هود) و(قد أفلح) إلا حفصًا.
وقرأ الباقون بالجمع. فأما التي في (سأل سآئل) فلم يختلف القراء فيها؛ لأنها كتبت في المصحف على التوحيد. فمن وحد اجتزأ بالواحد عن الجمع؛ لأن الصلاة هاهنا بمعنى الدعاء، والتقدير في قوله: {وصل عليهم إن صلواتك سكن لهم} أي: ادع لهم يا محمد إن دعاءك يسكن قلوبهم، قال الشاعر:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/252]
* وصلى على دنها وارتسم *
إن والصلاة من الله: المغفرة والرحمة، ومن المخلوقين: الاستغفار كقوله تعالى: {إن الله وملائكته يصلون على النبي} والصلاة: بيت النصارى، قال الشاعر:
اتق الله والصلاة فدعها = إن في الصوم والصلاة فسادا
والصلاة: مغرز عجب الذنب، ومنه يقال للفرس إذا جاء بعد السابق: المصلى؛ لأن رأسه عند صلا السابق، ومنه قول علي رضي الله عنه: «سبق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى أبو بكر رضي الله عنه» والصلاة: الصلوات الخمس نحو قوله تعالى: {أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل} المغرب والعشاء وقوله تعالى: {أقم الصلاة لدلوك الشمس} أي: زوالها، قال الراجز:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/253]
واضحة الغرة غراء الضحك
تبلج الزهراء في قرن الدلك
فأما قوله تعالى: {والصلاة الوسطى} فقيل: العصر، وقيل: الظهر، وقيل: الغداة، وقيل المغرب، وقيل الصلاة: كل الصلوات، والاختيار أن تكون العصر لعشر حجج ذكرناها في بابٍ على حدة). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/254]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الجمع والتوحيد من قوله [جل وعز]: إن
[الحجة للقراء السبعة: 4/212]
صلاتك [التوبة/ 103] فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر ونافع وابن عامر: إن صلواتك جماعة. وفي سورة هود: أصلواتك تأمرك [الآية/ 87] وفي سورة المؤمنين: على صلواتهم [الآية/ 9] جماعة كلهم.
وروى حفص عن عاصم: إن صلاتك على التوحيد، وفي سورة هود على التوحيد أيضا: أصلاتك فيهما، وفي سورة المؤمنين: على صلواتهم هذه جماع وحدها.
وقرأ حمزة والكسائيّ في الثلاثة المواضع في سورة التوبة وهود والمؤمنين على التوحيد، ولم يختلفوا في سورة الأنعام [الآية/ 92]، وسأل سائل [23، 34].
قال أبو علي: الصلاة في اللغة: الدّعاء، قال الأعشى في الخمر:
وقابلها الريح في دنّها... وصلّى على دنّها وارتسم
[الحجة للقراء السبعة: 4/213]
فكأن معنى: وصل عليهم أدع لهم، فإن دعاءك لهم تسكن إليه نفوسهم، وتطيب به، فأمّا قولهم: صلى الله على رسوله وعلى أهله وملائكته، فلا يقال فيه: إنّه دعاء لهم من الله. كما لا يقال في نحو: ويل يومئذ للمكذبين [الطور/ 11] إنّه دعاء عليهم، ولكنّ المعنى فيه: أن هؤلاء ممن يستحقّ عندكم أن يقال فيهم هذا النحو من الكلام، وكذلك قوله سبحانه: بل عجبت ويسخرون [الصافات/ 12] فيمن ضمّ التاء، وهذا مذهب سيبويه. وإذا كان الصلاة مصدرا وقع على الجميع والمفرد على لفظ واحد، كقوله: لصوت الحمير [لقمان/ 19] فإذا اختلف جاز أن يجمع لاختلاف ضروبه، كما قال: إن أنكر الأصوات ومن المفرد الذي يراد به الجمع قوله سبحانه: وادعوا ثبورا كثيرا [الفرقان/ 14] وممّا جاء من الصلاة مفردا يراد به الجمع قوله: وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء [الأنفال/ 35] وقال: وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة [البقرة/ 43] والزكاة في هذا كالصلاة، وكأن الرّكعات
[الحجة للقراء السبعة: 4/214]
المفروضة والمتنفّل بها سميت صلاة لما فيها من الدعاء إلا أنّه اسم شرعي، فلا يكون الدعاء على الانفراد، حتى ينضم إليها خلال أخر جاء بها الشرع، كما أن الحجّ: القصد في اللغة، فإذا أريد به النّسك، لم يتمّ بالقصد وحده دون خصال أخرى تنضمّ إلى القصد، وكما أن الاعتكاف لبث وإقامة، والشرعي ينضم إليه معنى آخر، وكذلك الصوم، وحسّن ذلك جمعها حيث جمعت لأنه صار بالتسمية بها وكثرة الاستعمال لها كالخارجة عن حكم المصادر، وإذا جمعت المصادر إذا اختلفت في قوله: إن أنكر الأصوات [لقمان/ 19] فأن تجمع ما صار بالتسمية كالخارج عن حكم المصادر أجدر، ألا ترى أنّ سيبويه جعل درّا من قولهم: لله درّك، بمنزلة: لله بلادك، وجعله خارجا من حكم المصادر، فلم يعمله إعمالها، مع أنه لم يختص بالتسمية به شيء. وجعله بكثرة الاستعمال خارجا عن حكم المصادر، ولم يجز أن نضيف درّا إلى اليوم في قوله:
[الحجة للقراء السبعة: 4/215]
لله درّ اليوم من لامها على حدّ قوله: بل مكر الليل والنهار [سبأ/ 33] فهذا يقوّي قول من جمع في نحو حافظوا على الصلوات [البقرة/ 238].
فإن قلت: هلّا جعل بمنزلة درّ، فلم يجز فيه إلا الإفراد، إلا أن تختلف ضروبه، كما لم يجز في درّ الإعمال؟
قيل له: ليس كلّ شيء كثر استعماله يغيّر عن أحوال نظائره، فلم تغيّر الصلاة عما كان عليه في الأصل من كونه مصدرا، وإن كان قد سمّي به لأنّه وإن كان قد انضمّ إلى كونه دعاء غيره، فلم يخرج عن أن يكون الدعاء مرادا بها.
ومثل ذلك في كلامهم قولهم: أرأيت زيدا ما فعل، لم يخرجه عمّا كان عليه دخول معنى آخر فيه، فالتسمية به مما يقوي الجمع فيه إذا عنى به الرّكعات، لأنها جارية مجرى الأسماء والإفراد له في نحو: وما كان صلاتهم عند البيت- يجوّزه أنه في الأصل مصدر، فلم يجعل التسمية مزيلة له عما كان عليه في الأصل.
[الحجة للقراء السبعة: 4/216]
و من أفرد فيما يراد به الرّكعات كان جوازه على ضربين:
أحدهما: على أنه في الأصل مصدر، وجنس، والمصادر لأنها أجناس مما تفرد في موضع الجميع، إلّا أن تختلف فتجمع من أجل اختلافها.
والآخر: أن الواحد قد يقع في موضع الجمع، كقوله سبحانه: يخرجكم طفلا [غافر/ 67] وقول جرير:
الواردون وتيم في ذرى سبأ... قد عضّ أعناقهم جلد الجواميس
وقال بعضهم: إن التي في التوبة، والتي في هود، وفي المؤمنين، مكتوبات في المصحف بالواو، والتي في سأل سائل، مكتوبة بغير واو وإذا اتّجه الإفراد والجمع في العربية ورجّح أحد الوجهين الموافقة لخطّ المصحف؛ كان ذلك ترجيحا يجعله أولى بالأخذ به.
فأما من زعم أن الصلاة أولى لأن الصلاة للكثرة، وصلوات للقلة، فلم يكن قوله متّجها، لأن الجمع بالتاء قد
[الحجة للقراء السبعة: 4/217]
يقع على الكثير كما يقع على القليل، كقوله سبحانه: وهم في الغرفات آمنون [سبأ/ 37] وقوله: إن المسلمين والمسلمات [الأحزاب/ 35] وإن المصدقين والمصدقات [الحديد/ 18] فقد وقع هذا الجمع على الكثير كما وقع على القليل، وإذا كان للشيء في العربية وجهان، فأخذ أحد بأحد الوجهين وآخر بالوجه الآخر كان سائغا، وكذلك: إن أخذ بأحد الوجهين في موضع، وفي موضع آخر بالوجه الآخر وقال: إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون [المعارج/ 23] وقد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون [المؤمنون/ 2] وقال: حافظوا على الصلوات [البقرة/ 238] فأفرد في موضع وجمع في آخر). [الحجة للقراء السبعة: 4/218]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن: [صَدَقَةً تُطْهِرُهُم] خفيفة.
قال أبو الفتح: هذا منقول من طهَر وأَطهرته كظهر وأَظهرته. وقراءة الجماعة أشبه بالمعنى لكثرة المؤمنين؛ فذلك قرأت: {تُطَهِّرهم}، من حيث كان تشديد العين هنا إنما هو للكثير، وقد يؤدي فعلت وأَفعلت عن الكثرة من حيث كانت الأفعال تفيد أجناسها، والجنس غاية الجموع، ألا ترى أن ما أنشده الحسن من قوله:
أنت الفداءُ لقِبلة هدَّمتها ... ونَقَرتها بيديك كل منقَّر
ولم يقل: كل نَقْر، وهذا واضح، وعليه قراءة من قرأ: [وَأغْلَقَتِ الْأَبْوَاب]، وهو واضح). [المحتسب: 1/301]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم}
قرأ حمزة والكسائيّ وحفص {إن صلاتك سكن لهم} على التّوحيد وكذلك في هود وحجتهم في ذلك إجماع الجميع على
[حجة القراءات: 322]
التّوحيد في قوله تعالى {إن صلاتي ونسكي} فردّوا ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه
وقرأ الباقون (إن صلواتك) على الجمع وحجتهم إجماع الجميع على الجمع في قوله قبلها {وصلوات الرّسول} فلا فرق في شيء من ذلك في وجه من الوجوه). [حجة القراءات: 323]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (20- قوله: {إن صلاتك سكن} قرأه حفص وحمزة والكسائي بالتوحيد، وفتح التاء، وقرأ الباقون بالجمع، وكسر التاء.
وحجة من وحّد أن «الصلاة» بمعنى الدعاء، والدعاء صنف واحد،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/505]
وهي مصدر، والمصدر يقع للقليل والكثير بلفظه، وقد أجمعوا على التوحيد في قوله: {وما كان صلاتهم عند البيت} «الأنفال 35» ومثله الاختلاف والحجة في هود في قوله: {أصلواتك} «87» ومثله في الحجة في قوله: {على صواتهم} في «المؤمنين 9» إلا أن حمزة والكسائي قرآه بالتوحيد، فخرج عنهما حفص إلى الجمع.
21- وحجة من جمع أنه قدر أن الدعاء تختلف أجناسه وأنواعه، فجمع المصدر لذلك، كما قال: {إن أنكر الأصوات} «لقمان 19»). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/506]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (23- {إنَّ صَلواتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ} [آية/ 103] على الوحدة:
قرأها حمزة والكسائي، وكذلك في هود {أَصَلاتُكَ وفي المؤمنين {عَلَى صَلاتِهِمْ وروى- ص- عن عاصم في المؤمنين {صَلَوَاتِهِمْ} جمع، وفي التوبة وهود {صَلاتُكَ} على الوحدة.
[الموضح: 603]
والوجه في الوحدة أنه بمعنى الدعاء وهو مصدر، والمصدر بلفظه يقع على الجمع والواحد، فلم تجمع لأن المصدر في الأصل لا يدخله التثنية والجمع، وأما الصلاة المشتملة/ على الركوع والسجود، فهي بالتسمية بها خارجة عن أحكام المصادر، فيصح فيها التثنية والجمع.
وقرأ الباقون و- ياش- عن عاصم {صَلَوَاتك} و{صَلَوَاتِهِمْ} بالجمع في الأحرف الثلاثة.
والوجه أن المصادر إذا اختلف ضروبها جاز جمعها؛ لأن المانع عن جمع المصادر هو كونها جنسًا يقع على القليل والكثير بشموله لهما، فإذا اختلف أنواعها خرج اللفظ من أن يكون مبنيًا عن اختلافها، فجاز تثنيتها وجمعها لذلك). [الموضح: 604]

قوله تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104)}

قوله تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105)}

قوله تعالى: {وَآَخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (106)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (مرجون لأمر اللّه... (106) و(ترجي من تشاء منهنّ).
[معاني القراءات وعللها: 1/463]
قرأ نافع وحفص عن عاصم وحمزة والكسائي (مرجون لأمر اللّه) و(ترجي) بغير همز، وقرأ الباقون بالهمز في الموضعين.
قال أبو منصور: هما لغتان: أرجأت الأمر، وأرجيته، إذا أخرته، ورجل مرجئ ومرجٍ، وهم المرجئة والمرجية، فإذا نسبت إليهم قلت: رجلٌ مرجاءٍ. بفتح الجيم). [معاني القراءات وعللها: 1/464]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (17- وقوله تعالى: {وآخرون مرجون} [106].
قرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو وأبو بكر بالهمز، والباقون بترك الهمز). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/255]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وآخرون مرجون لأمر الله}
قرأ نافع وحمزة والكسائيّ وحفص وآخرون {مرجون} بغير همز وقرأ الباقون بالهمز وهما لغتان يقال أرجأت الأمر إذا أخّرته وأرجيته أيضا). [حجة القراءات: 323]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (22- قوله: {مرجون} قرأه نافع وحفص وحمزة والكسائي بغير همز، وهمز الباقون، وكذلك: {ترجي} في الأحزاب «51».
وحجة من لم يهمز أنه جعله من «أرجيت الأمر» يعني أخرته، وهي لغة قريش والأنصار، وأصله «مرجيون» فلما انضمت الياء وانفتح ما قبلها قلبت ألفًا، وبعدها واو ساكنة، فحذفت الألف لالتقاء الساكنين، وبقيت فتحة الجيم، تدل على الألف المحذوفة، فهو مثل قوله تعالى: {وأنتم الأعلون} «آل عمران 139» اعتلالهما واحد، وقد يجوز أن يكون أصله الهمز، لكن سهلت الهمزة، فأبدل منها ياء مضمومة، ثم أعل على ما ذكرنا، والأول أحسن وأقوى.
23- وحجة من همز أنها لغة تميم وسفلى قيس، ومعناه التأخير مثل الأولى وقد قال المبرد: إن من لم يهمز جعله من «رجا يرجو» وهو قول شاذ، ومثله الحجة في همز: {ترجي من تشاء} وترك همزه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/506]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (24- {وآخَرُونَ مُرْجَئُونَ} [آية/ 106] بالهمز:
قرأها ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وعاصم- ياش- ويعقوب، وكذلك في الأحزاب {تُرْجِيء مَن تَشَاءُ} مهموزة.
وقرأ نافع وحمزة والكسائي، و- ص- عن عاصم {مُرْجَوْنَ} و{تُرْجِي} بغير همز.
وقد مضى الكلام في أرجأتُ وأرجيتُ بالهمز وبغير الهمز، وأنهما لغتان، والمعنى أخرت). [الموضح: 604]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 02:42 PM

سورة التوبة
[ من الآية (107) إلى الآية (110) ]

{ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107) لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109) لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (110) }

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (والّذين اتّخذوا مسجدًا ضرارًا... (107)
قرأ نافع وابن عامر (الّذين اتّخذوا) بغير واوه وكذلك هي في مصاحف أهل المدينة، وأهل الشام.
وقرأ الباقون (والّذين) بواو.
قال أبو منصور: من قرأ بالواو عطف جملة على جملة، ومن قرأ بغير الواو فهو تابع لما قبله، نعتٌ له). [معاني القراءات وعللها: 1/464]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (23- وقوله تعالى: {والذين اتخذوا مسجدا ضرارا} [107].
قرأ نافع وابن عامر {الذين ...} بغير واو.
وقرأ الباقون بالواو {والذين ...} وكذلك في مصاحفهم {وضرارًا وكفرًا وتفريقًا} ينتصب بشيئين:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/256]
على المصدر: لأن اتخاذهم مسجدًا لما قدمت ذكره «ضررًا» فكأنه في التقدير: ضاروا ضرارًا، وكفروا كفرًا وفرقوا تفريقًا.
والوجه الثاني: أن تجعلها مفعولات كأنه في التقدير: والذين اتخذوا مسجدًا للضرار والكفر والتفريق، وكلا الوجهين حسن). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/257]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في إدخال الواو وإخراجها من قوله [جلّ وعزّ]: والذين اتخذوا مسجدا ضرارا [التوبة/ 107].
فقرأ نافع وابن عامر: الذين اتخذوا مسجدا بغير واو، وكذلك هي في مصاحف أهل المدينة والشام.
وقرأ الباقون: والذين اتخذوا وكذلك هي في مصاحفهم.
قال أبو علي: وجه قول من ألحق الواو: أنه معطوف على ما قبله من نحو قوله: ومنهم من عاهد الله [التوبة/ 75] ومنهم من يلمزك في الصدقات [التوبة/ 58] ومنهم الذين يؤذون النبي [التوبة/ 61] وآخرون مرجون
[الحجة للقراء السبعة: 4/239]
لأمر الله [التوبة/ 106] أي: منهم آخرون، ومنهم الّذين اتّخذوا مسجدا ضرارا وكفرا.
ومن لم يلحق الواو لم يجز أن يكون الذين بدلا من قوله: وآخرون مرجون كما تبدل المعرفة من النّكرة، لأنّ المرجئين لأمر الله هم غير الذين اتخذوا المسجد ضرارا وكفرا، ألا ترى أن متخذي المسجد قد أخبر عنهم أنّهم لا يؤمنون، ولا تثلج قلوبهم بالإيمان في قوله: لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم [التوبة/ 110] وإذا وقع الخبر بتاتا على أنهم لا يؤمنون حتى الممات، والمرجون لأمر الله، قد جوّز عليهم الإيمان، علمت أنهم ليسوا إياهم، فإذا لم يكونوا هم، لم يجز أن يبدلوا منهم.
ولكن من لم يلحق الواو جاز قوله على أمرين: على أن يضمر: ومنهم الذين اتخذوا، كما أضمرت المبتدأ مع الحرف الداخل عليه في قولهم: لاها الله ذا، والمعنى:
للأمر ذا، وكما أضمرت الحرف مع الفعل في قوله سبحانه:
[الحجة للقراء السبعة: 4/240]
فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم [آل عمران/ 106] أي: فيقال لهم: أكفرتم، وكذلك حذف الخبر مع الحرف اللاحق له في قول من قرأ: الذين اتخذوا بغير واو، ويجوز أن يكون أضمر الخبر بعد، كما أضمر بعد في قوله: إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام [الحج/ 25] إلى قوله: والبادي [الحج/ 45] والمعنى فيه: ينتقم منهم، أو: يعذّبون، ونحو ذلك مما يليق بهذا المبتدأ، وحسن الحذف في الموضعين جميعا لطول الكلام بالمبتدإ وصلته). [الحجة للقراء السبعة: 4/241]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({والّذين اتّخذوا مسجدا ضرارًا}
قرأ نافع وابن عامر (الّذين اتّخذوا مسجدا) بغير واو وكذلك في مصاحفهم
وقرأ الباقون {والّذين} بالواو وهكذا في مصاحفهم). [حجة القراءات: 323]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (24- قوله: {والذين اتخذوا} قرأ نافع وابن عامر «الذين» بغير واو، وكذلك هي في مصاحف أهل المدينة وأهل الشام، جعلوه مستأنفا، وأضمروا الخبر، أو جعله خبرًا، وأضمروا المبتدأ، ولا يحسن أن يكون «الذين» في هذه القراءة بدلًا من «وآخرين» لأن «آخرين» تُرجى لهم التوبة، و«الذين اتخذوا» لا ترجى لهم توبة لقوله: {لا يزال بنيانهم} إلى قوله: {إلى أن تقطع قلوبهم} «110» فالقراءتان مختلفتان في المعنى، وقرأ الباقون بالواو لأنها كذلك في مصاحفهم، فهو معطوف على قوله: {ومنهم من عاهد الله} «75» أي: «منهم من عاهد الله، ومنهم من يلمزك، ومنهم الذين يؤذون النبي، ومنهم آخرون مرجون، ومنهم الذين اتخذوا مسجدًا»). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/507]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (25- {الَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا} [آية/ 107] بغير واو في أوله:
قرأها نافع وابن عامر.
والوجه أنه مبتدأ، وخبره مضمر فيما بعد، والتقدير: {الَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا} إلى قوله {وإرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ الله ورَسُولَهُ مِن قَبْلُ} يعذبهم الله أو ينتقم الله منهم.
ويجوز أن يكون على حذف خبرٍ مقدمٍ وهو منهم، والتقدير: ومنهم الذين اتخذوا مسجداً، فحذف الواو مع منهم.
وقرأ الباقون {والَّذِينَ اتَّخَذُوا} بالواو.
والوجه أنه معطوف على ما قبله من قولهم {ومِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ} ثم قال {وآخَرُونَ مُرْجَوْنَ} أي ومنهم آخرون، ثم قال {والَّذِينَ اتَّخَذُوا} أي ومنهم الذين اتخذوا). [الموضح: 605]

قوله تعالى: {لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة عبد الله بن يزيد: [أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهُ رِجَالٌ] بكسر هاء "فيه" الأولى، وضم هاء "فيه" الآخرة مختَلَستين.
قال أبو الفتح: أصل حركة هذه الهاء الضم، وإنما تكسر إذا وقع قبلها كسرة أو ياء ساكنة، كقولك: مررت به، ونزلت عليه، وقد يجوز الضم مع الكسرة والياء، وقد يجوز إشباع الكسرة والضمة ومطلهما إلى أن تحدث الواو والياء بعدهما، نحو: مررت بهِي وبهُو، ونزلْتُ عليهِي وعليهُو، وهذا مشروح في أماكنه؛ لكن القول في كسر "فيه" الأولى وضم "فيه" الثانية.
والجواب أنه لو كسرهما جميعًا أو ضمهما جميعًا لكان جميلًا حسنًا، غير أن الذي سوَّغ الخلاف بينهما عندي هو تكرير اللفظ بعينه؛ لأنه لو قال: [فيهِ فيهِ]، أو [فيهُ فيهُ] لتكرَّر اللفظ عينه ألبتة، وقد عرفنا ما عليهم في استثقالهم تكرير اللفظ حتى أنهم لا يتعاطونه إلا فيما يتناهى عنايتهم به، فيجعلون ما ظهر من تَجشمهم إياه دلالة على قوة مراعاتهم له، نحو قولهم:
[المحتسب: 1/301]
ضربت زيدًا ضربت، وضربت زيدًا زيدًا، وقولهم: قم قائمًا قم قائمًا، وقولهم فيما لا محالة في توكيده؛ أعني الأذان: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر.
ومما يدلك على قوة الكلفة عليهم في التكرير أنهم لما صاغوا ألفاظ التوكيد لم يُرَدِّدوها بأعيانها؛ وذلك كقولهم: جاءني القوم أجمعون أكتعون أبصعون، فخالفوا بين الحروف؛ لكن أعادوا حرفًا واحدًا منها تنبيهًا على عنايتهم وإعلانهم أنه موضع يختارون تجشم التكرير من أجله، وجعلوا الحرف المعاد منه لامَه لأنه مقطع، والعناية بالمقاطع أقوى منها بِمَدْرَج الألفاظ.
ألا تراهم يتسمحون بحشو البيت في اختلافه، فإذا وصلوا إلى القافية راعوها ووفَّقوا بين أحكامها؛ أعني: في الروي والوصل والخروج والرِّدْف والتأسيس والحركات؟ وسبب ذلك أنه مقطع، والمعول في أكثر الأمر عليه.
ومنه إجماع الناس في الدعاء على أن يقولوا: اختِم بخير، ومنه قول الله سبحانه: {خِتَامُهُ مِسْكٌ} أي: طَعْم مقطعه في طيب رائحة المسك، وهذا ألطف معنى من أن يكون المراد به أن هناك خاتمًا عليه، وأنه من مسك.
ومن تجنب التكرير قوله تعالى: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا}، ولم يقل: من بعد الفتح؛ تجنبًا للتكرير؛ ولهذا -في التكرير وكراهيتهم إياه إلا فيما يدُلُّون بتجشمهم تكريره على قوة اهتمامهم بما هم بسبيله- نظائر، وفيما ذكرنا كافٍ، فعلى هذا تكون هذه القراءة التي هي: [فيهِ فيهُ] اختيرت لوقوع الخلاف بين الحرفين على ما ذكرنا.
فإن قيل: فَلِمَ كُسر الأول وضُم الآخر وهلا عُكس الأمر؟ ففيه قولان؛ أحدهما: أن الكسر في نحو هذا أفشى في اللغة فقُدِّم، والضم أقل استعمالًا فأُخر، والثاني: وهو أغمض؛ وهو أن "فيه" الأولى ليست في موضع رفع؛ بل هي منصوبة الموضع بقوله تعالى: {تَقُوم} من قوله: {أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ}، و[فيه] من قوله: {فِيهِ رِجَالٌ} في موضع الرفع؛ لأنه خبر مبتدأ مقدم عليه، والمبتدأ "رجال"، و"فيه" خبر عنه، فهو مرفوع الموضع، فلما كان كذلك سُبقت الضمة لتصور معنى الظرف.
[المحتسب: 1/302]
ومعاذ الله أن نقول: إن ضمة الهاء من "فيه" عَلَم رفع، كيف ذلك والهاء مجرورة الموضع "بفي"؟ نعم وهي اسم مضمر، والمضمر لا إعراب في شيء منه، وهي أيضًا مكسورة في أكثر اللغة، هل يجوز أن يظن أحد أن الضمة فيها علَم رفع؟ لكن الكلمة مرفوعة الموضع، وتصوُّر معنى الرفع فيها أسبق إلى اللفظ، كما ذهب بعضهم في ضمة تاء المتكلم في نحو: قمتُ وذهبتُ إلى أنها إنما بُنيت على الضم لَمْحا لموضعها من الإعراب؛ إذ هي مرفوعة، وكانت أقوى من تاء المذكر والمؤنث في نحو: قمتَ وقمتِ؛ فكانت لذلك أحق بذلك.
وليس الظرف هنا وصفًا لمسجد؛ بل هو على الاستئناف، والوقف عندنا على قوله: {أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ}، ثم استؤنف الكلام فقيل: {فِيهِ رِجَالٌ} . وهذا أولى من أن يُجعل الظرف وصفًا "لمسجد"؛ لما فيه من الفصل بين النكرة وصفتها بالخبر الذي هو "أحق"، ولأنك إذا استأنفت صار هناك كلامان، فكان أفخر من الوصف من حيث كانت الصفة مع موصوفها كالجزء الواحد). [المحتسب: 1/303]

قوله تعالى: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (أفمن أسّس بنيانه... (109).
[معاني القراءات وعللها: 1/464]
قرأ نافع وابن عامر (أفمن أسّس بنيانه... خيرٌ أم من أسّس بنيانه) بضم الألف في الحرفين، ورفع البنيان.
وقرأ الباقون بفتح الألف فيهما، ونصب البنيان.
قال أبو منصور: المعنى واحد في القراءتين، إلا أن الضم يدل على أنه لم يسم فاعله، والنصب يدل على الفاعل والمفعول، وكل ذلك جائز). [معاني القراءات وعللها: 1/465]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (على شفا جرفٍ هارٍ... (109).
قرأ ابن عامر وحمزة ويحيى عن أبي بكر عن عاصم (على شفا جرفٍ) بسكون الراء، وقرأ حفص والأعشى عن أبي بكر عن عاصم (جرفٍ) مثقل، وكذلك قرأ الباقون (جرفٍ) بضمتين.
قال أبو منصور: هما لغتان: جرفٍ وجرفٍ.
والعرب تقول للرجل لا حزم له ولا عقل: فلانٌ جرف منهار.
ومن أمثالهم أيضًا: لا أحفر لك" جرفًا، معناه: لا أغشّك.
والجرف في كلام العرب: أن
[معاني القراءات وعللها: 1/465]
يجنح ماء السيل عدوة الوادي فيأكل أصلها، فإذا وطئت دابة أو إنسان الموضع الذي أكل السيل ما تحته انقطع فانهار به). [معاني القراءات وعللها: 1/466]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (هارٍ فانهار به... (109).
قرأ ابن كثير وحفص عن عاصم وحمزة ويعقوب (هارٍ) مفخمًا، وقرأ نافع وابن عامر ويحيى عن أبي بكر عن عاصم والكسائي ممالاً.
قال الأزهري: هما لغتان، والتفخيم أفصح اللغتين، وفيه لغتان أخريان لم يقرأ بهما، يقال: جرف "هائر، وهارٌ.
كما يقال: كبش صائفٌ، وصافٌ). [معاني القراءات وعللها: 1/466]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (18- وقوله تعالى: {جرف هار} [109].
قرأ حمزة وابن عام روعاصم برواية أبي بكر: {جرف} بإسكان الراء والباقون بالتحريك). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/255]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (19- وقوله تعالى: {جرف هار} [109].
قرأ ابن كثير وحمزة وحفص عن عاصم {هار} بالفتح. والباقون {هار} من أجل كسرة الراء. والأصل في هارٍ: هاير، وكذلك في شاكٍ: شايكٍ، قال الشاعر:
فتعرفوني إنني أناذاكم = شاك سلاحي في الحوادث معلم). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/255]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (21- وقوله تعالى: {أفمن أسس بنيانه} [109].
قرأ نافع وابن عامر {أفمن أسس بنيانه} على ما لم يسم فاعله {أمن أسس بنيانه} [109] مثله.
وقرأ الباقون {أسس} بفتح الهمزة فيهما. والبنيان: نصب بوقوع الفعل عليه، ومعناه: أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على الكفر؛ وذلك أن المنافقين بنو مسجدًا لينفض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من مصلاهم ويصيروا إلى ذلك المسجد.
وأجمع الناس على {تقوى} بترك التنوين إلا عيسى بن عمر فإنه نون). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/256]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في ضمّ الألف وفتحها من قوله [جلّ وعزّ]: أفمن أسس بنيانه [التوبة/ 109].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي: بفتح الألف في الحرفين جميعا، وفتح النون فيهما.
وقرأ نافع وابن عامر أسس* بضم الألف بنيانه* برفع النون.
[الحجة للقراء السبعة: 4/218]
[قال أبو علي]: البنيان: مصدر، وهو جمع على حد شعيرة وشعير لأنّهم قد قالوا: بنيانه في الواحد، قال أوس:
كبنيانة القرييّ موضع رحلها... وآثار نسعيها من الدّفّ أبلق
وجاء بناء المصادر على هذا المثال في غير هذا الحرف، وذلك نحو: الغفران، وليس بنيان جمع بناء، لأن فعلانا إذا كان جمعا نحو كثبان، وقضبان، لم تلحقه تاء التأنيث، وقد يكون ذلك في المصادر نحو ضرب ضربة وأكل أكلة، ونحو ذلك مما يكثر.
قال أبو زيد: يقال: بنيت أبني بنيا، وبناء وبنية، وجماعها: البنى، وأنشد:
بنى السماء فسوّاها ببنيتها... ولم تمدّ بأطناب ولا عمد
فالبناء والبنية مصدران، ومن ثمّ قوبل به الفراش في
[الحجة للقراء السبعة: 4/219]
قوله: هو الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء [البقرة/ 22]. فالبناء لمّا كان رفعا للمبني قوبل به الفراش الذي هو خلاف البناء.
ومن ثمّ وقع على ما كان فيه ارتفاع في نصبته، وإن لم يكن مصدرا كقول الشاعر:
لو وصل الغيث أبنين امرأ... كانت له قبّة سحق بجاد
أي: جعلت بناءه بعد القبّة خلق كساء، كأنه كان يستبدل بالقباب خباء من سحق كساء لإغارة هذه الخيل عليهن.
فأما قراءة من قرأ: أفمن أسس بنيانه فبنى الفعل للفاعل، فلأنه الباني والمؤسس فأسند الفعل إليه، وبناه له، كما أضاف البنيان إليه في قوله: بنيانه فكما أن المصدر مضاف إلى الفاعل كذلك يكون الفعل مبنيا له. ويدلّ على
[الحجة للقراء السبعة: 4/220]
ترجيح هذا الوجه اتفاقهم على قوله: أمن أسس بنيانه على.
ومن بنى الفعل للمفعول به لم يبعد أن يكون في المعنى كالأول، لأنه إذا أسس بنيانه فتولى ذلك غيره بأمره كان كبنيانه هو له، وكان القول الأول أرجح لما قلنا). [الحجة للقراء السبعة: 4/221]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في التثقيل والتخفيف من قوله [جل وعز]: جرف هار [التوبة/ 109].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي: شفا جرف مثقل.
وقرأ ابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر وحمزة جرف مثقل.
وقرأ ابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر وحمزة جرف ساكنة الراء.
وروى حفص عن عاصم جرف مثقّل مثل أبي عمرو.
قال أبو عبيدة: الشّفاء هو: الشّفير. والجرف: ما تجرّف من السيول من الأودية.
قال أبو علي: الجرف: بضم العين الأصل، والإسكان تخفيف، ومثله: الشغل والشغل وقال: إن أصحاب الجنة اليوم في شغل [يس/ 55] وقال البعيث:
[الحجة للقراء السبعة: 4/221]
غداة لقينا من لؤيّ بن غالب... هجان الثنايا واللقاء على شغل
ومثله: الطنب والطنب، والعنق والعنق، وكلا الوجهين حسن.
وقال أبو عبيدة: على شفا جرف هار مثقّل، قال: لأن ما يبنى على التقوى فهو أثبت أساسا من بناء يبنى على شفاء جرف.
والقول في ذلك أنه يجوز أن تكون المعادلة وقعت بين البناءين، ويجوز أن يكون بين البانيين، فإذا عادلت بين البانيين، كان المعنى: المؤسس بنيانه متّقيا خير أم المؤسّس بنيانه غير متّق؟ لأن قوله: على شفا جرف يدلّ على أن بانيه غير متّق لله ولا خاش له، ويجوز أن يقدّر حذف المضاف كأنّه أبناء من أسّس بنيانه متّقيا خير أم بناء من أسّس بنيانه على شفا جرف؟ والبنيان: مصدر وقع على المبني مثل الخلق إذا عنيت به المخلوق، وضرب الأمير: إذا أردت به المضروب، وكذلك نسج اليمن. يدلّك على ذلك أنه لا يخلو من أن يراد
[الحجة للقراء السبعة: 4/222]
به اسم الحدث، أو اسم العين، فلا يجوز أن يكون الحدث، لأنه إنّما يؤسس المبني الذي هو عين.
ويبين ذلك أيضا قوله على شفا جرف والحدث لا يعلو شفا جرف.
والجار في قوله: أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله في موضع نصب على الحال تقديره: أفمن أسّس بنيانه متّقيا خير، أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار؟. والمعنى:
أمّن أسّس بنيانه غير متق، أو: من أسس بنيانه معاقبا على بنائه؟ وفاعل انهار: البنيان، أي: انهار البنيان بالباني في نار جهنم، لأنه معصية، وفعل لما كرهه الله سبحانه من الضرار، والكفر، والتفريق بين المؤمنين، وعلى شفا جرف: حال كما كان قوله جلّ وعز: على تقوى من الله حالا). [الحجة للقراء السبعة: 4/223]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الإمالة والفتح من قوله جل وعز: هار فانهار [التوبة/ 109].
فقرأ ابن كثير، وعاصم في رواية هبيرة عن حفص وحمزة: هار بفتح الهاء.
[الحجة للقراء السبعة: 4/223]
الأعشى عن أبي بكر (هار) مفخّمة.
وأمال الهاء نافع وأبو عمرو وعاصم في رواية يحيى عن أبي بكر، والكسائي، بالإمالة وليس عندي عن ابن عامر في هذا شيء.
وقال غير أحمد بن موسى: قراءة ابن عامر مفخّمة.
قال أبو علي: أما حجّة من لم يمل؛ فإنّ كثيرا من العرب لا يميلون هذه الألفات، وترك الإمالة هو الأصل.
والإمالة في هار حسنة لما في الراء من التكرير، فكأنك قد لفظت براءين مكسورتين، وبحسب كثرة الكسرات تحسن الإمالة، وكذلك لو أملتها في الوقف كان أحسن من إمالتك نحو: هذا ماش وداع، لأنّك لم تلفظ هنا بكسرة، وفي الراء كأنك قد لفظت بها لما فيها من التكرير بحرف مكسور إذا وقفت عليها.
وقد يجوز أن تميل نحو: هذا ماش في الوقف، وإن زالت الكسرة التي لها كنت تميل الألف كما جاز أن تميل الفتحة من نحو القتلى الحر [البقرة/ 178] مع ذهاب ما
[الحجة للقراء السبعة: 4/224]
أملت الفتحة من أجله وهو الألف من القتلى.
ومثل هذا قولهم: صعقيّ، تركت الفاء التي كان كسرها لكسرة العين مع زوال كسرتها. وأما الهمزة من هار فمنقلبة عن الواو لأنّهم قد قالوا تهور البناء: إذا تساقط وتداعى، وفي الحديث: «حتى تهوّر الليل» فهذا في الليل كالمثل والتشبيه بالبناء.
ويجوز في العين إذا قلبت همزة في هذا النحو ضربان:
أحدهما: أن تعلّ بالحذف كما أعلّت بالقلب، فيقال:
هار وشاك السلاح. ويجوز في قولهم: يوم راح، أن يكون فاعلا على الحذف وفعلا على غير الحذف.
والآخر: أن يعلّ بقلبها إلى موضع اللام فيصير في التقدير: فالع.
ويجوز في قولهم:
ضربت على شزن فهنّ شواعي
[الحجة للقراء السبعة: 4/225]
أن تكون فوالع من الشيء الشائع، ويكون المعنى: إنها متفرقة، ويكون فواعل من قولهم: غارة شعواء، وكذلك يجوز في قوله:
خفضوا أسنّتهم فكل ناعي ضربان: أحدهما: أن يكون مقلوبا من النائع الذي يراد به العطشان في قوله:
.. والأسل النيّاعا أي: العطاش إلى دماء من يغزون.
[الحجة للقراء السبعة: 4/226]
ويجوز أن يكون ناع من قولك: نعى ينعي، أي يقول: يا لثارات فلان.
ويجوز في هار التي في الآية أن يكون على قول من حذف. ويجوز أن تكون في قول من قلب.
فأما جوازه على الحذف؛ فلأن هذه الهمزة قد حذفت من نحو هذه الكلم. وجوازه على القلب أن يكون مثل:
قاض، وداع، وقد سقطت اللام لالتقاء الساكنين.
وقال أبو الحسن: يقال: هرت تهار، مثل: خفت تخاف، قال: وجعله بعضهم من الياء، وبعضهم من الواو، فقال: يتهير، فإنه كان التجويز في عين يتهور أنه ياء من أجل قولهم: يتهير، فإنه يمكن أن يكون: يتهيّر، مثل: يتحيّر، فلا دلالة حينئذ في ذلك على كونها من الياء، ولعله سمع شيئا غير هذا يعلم به أنه من الياء، فإن لم يسمع شيئا غير هذا، فإنه يجوز أن يقول:
إنّ يتهيّر: يتفعّل مثل يتبيع، لأن باب التفعّل أكثر من باب التفعيل، فيحمل على الأكثر فيجوز على هذا فيما أنشده أبو زيد من قول الشاعر:
[الحجة للقراء السبعة: 4/227]
خليليّ لا يبقى على الدهر فادر... بتيهورة بين الطّخاف العصائب
يجوز أن يكون تيهورة: تفعولة، مثل: تعضوضة، إلا أنه قلبه ولو كان من الواو لكان توهورة.. ويجوز أن يكون تيهورة في الأصل فيعولا، مثل: سيهوب، وعيثوم، إلا أنه قلبت الواو التي هي عين إلى موضع الفاء، ثم أبدل منها التاء، كما أبدل في قولهم: تقوى وتقيّة، ونحو ذلك، فيكون على هذا: عيفولة. ويدلك على أن الكلمة من هذا الباب قول العجاج:
[الحجة للقراء السبعة: 4/228]
إلى أراط ونقا تيهور فإنّما وصفه بالانهيار، كما وصفه الآخر به في قوله:
كمثل هيل النّقا طاف الوليد به... ينهار حينا وينهاه الثّرى حينا
والانهيار، والانهيال، يتقاربان في المعنى كما يتقاربان في اللفظ، ومثل ذلك في المعنى قول العجاج في صفة رمل:
شدّد منه وهو معطي الإسهال... ضرب السّواري متنه بالتّهتال). [الحجة للقراء السبعة: 4/229]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة نصر بن عاصم بخلاف: [أفمن أَسَسُ بُنْيانِه خيرٌ أم من أَسَسُ بُنيانِه] في وزن فَعَل، وقرأ: [أَساسُ بُنْيَانِه] بفتح الألف وألف بين السينين نصر بن علي بخلاف، ورُوي عنه أيضًا: [أُسُّ بُنْيانِه] برفع الألف وخفض النون في [بنيانه] والسين مشددة.
قال أبو الفتح: يقال: هو أس الحائط وأساسه، فُعْل وفَعَال. وقد قالوا: له أَسّ بفتح الألف، وقد أَسّ البناء يؤسه أَسًّا: إذا بناه على أساس، وقالوا في جمع أُس: آساس، كقفل وأقفال، وقالوا في جمع أساس: إساس وأُسُس، ونظير أساس وإساس ناقة هِجان ونوق هِجَان، ودرع دِلاص وأدرع دِلاص، وإن كان هذا مكسور الأول، فإن فَعَالًا وفِعَالًا تجريان مجرى المثال الواحد، ألا ترى كل واحد منهما ثلاثيًّا وفيه الألف زائدة ثالثة؟ وقد اعتقبا أيضًا
[المحتسب: 1/303]
على المعنى الواحد فقالوا: أَوان وإِوان، ودَواء ودِواء، وحَصاد وحِصاد، وجَزَاز وجِزَاز، وجَرَام وجِرَام.
وقد يجوز أن يكون إِسَاس جمع أُسّ كبُرد وبِرَاد، وقد يجوز أن يكون حمع أَس كفَرخ وفراخ، وأما أُسُس فجع أساس كقُذُل وقَذَال. قال كَذَّاب بني الحِرْماز:
وأُس مجد ثابتٌ وطيد ... نال السماءَ فرعُه المديد). [المحتسب: 1/304]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك ما حكاه ابن سلام قال: قال سيبويه: كان عيسى بن عمر يقرأ: [على تقوًى من الله]، قلت: على أي شيء نوَّن؟ قال: لا أدري ولا أعرفه، قلت: فهل نوَّن أحد غيره؟ قال: لا.
قال أبو الفتح: أخبرنا بهذه الحكاية أبو بكر جعفر بن علي بن الحجاج عن أبي خليفة الفضل بن الْحُبَاب عن محمد بن سلام. فأما التنوين فإنه وإن كان غير مسموع إلا في هذه القراءة فإن قياسه أن تكون ألفه للإلحاق لا للتأنيث، كتَتْرًى فيمن نون وجعلها ملحقة بجعفر.
وكان الأشبه بقدر سيبويه ألا يقف في قياس ذلك، وألا يقول: لا أدري، ولولا أن هذه الحكاية رواها ابن مجاهد ورويناها عن شيخنا أبي بكر لتوقفت فيها. فأما أن يقول سيبويه: لم يقرأ بها أحد فجائز؛ يعني: فيما سمعه؛ لكن لا عذر له في أن يقول: لا أدري؛ لأن قياس ذلك أخف وأسهل على ما شرحنا من كون ألفه للإلحاق). [المحتسب: 1/304]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار}
قرأ نافع وابن عامر {أفمن أسس} بضم الألف وكسر السّين {بنيانه} برفع النّون وكذلك {أم من أسس بنيانه} على ما لم يسم فاعله وحجتهما قوله قبلها {لمسجد أسس على التّقوى} قالوا وإنّما كان يحسن تسمية الفاعل لو كان للفاعل ذكر فأما
[حجة القراءات: 323]
إذا لم يكن للفاعل ذكر وقد تقدمه {لمسجد أسس على التّقوى} على ترك تسمية الفاعل فترك التّسمية أيضا في هذا أقرب وأولى على أن المسجد الّذي أسس على التّقوى هو المسجد الّذي بنيانه على تقوى من الله وهو مسجد الرّسول صلى الله عليه
وقرأ الباقون {أسس} بفتح الهمز ونصب {بنيانه} في الحرفين وحجتهم في ذلك أن صدر هذه القصّة هو مبنيّ على تسمية الفاعل وهو قوله {والّذين اتّخذوا مسجدا} فجعل الاتخاذ لهم فكذلك التأسيس يجعل لهم ليكون الكلام واحدًا ثمّ قال بعد ذلك {لا يزال بنيانهم الّذي بنوا ريبة} والّذين بنوا ريبة هم الّذين أسسوا فلذلك آثروا تسمية الفاعل
قرأ ابن عامر وحمزة وأبو بكر {على شفا جرف} ساكنة الرّاء كأنّهم استثقلوا ضمتين
وقرأ الباقون {جرف} بالرّفع وإنّما يستثقل ثلاث ضمات فأما اثنتان فلا يستثقل). [حجة القراءات: 324]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (25- قوله: {أفمن أسس بنيانه}، {خير ٌ أم من أسس بنيانه} قرأهما نافع وابن عامر بضم الهمزة، وكسر السين الأولى، ورفع «البنيان» على ما لم يسم فاعله، فأضاف الفعل إلى «البنيان»، فارتفع به، وقد أجمعوا على الضم في قوله: {لمسجد أسس على التقوى} «108» فأضاف الفعل إلى المسجد، ففي «أسس» ضمير والمسجد هو البنيان بعينه، فلذلك حسن رفع البنيان، وقرأ الباقون بفتح الهمزة والسين ونصب البنيان، أضافوا الفعل إلى «من» في قوله: {أفمن}، و{خير أم من} ففي الفعلين ضمير «من»، وهو صاحب البنيان، ويقوي ذلك أنه قد أضيف «البنيان» إلى ضمير، وهو الهاء في «بنيانه»، وهو صاحب «البنيان» فكما أضيف «البنيان» إلى «من» كذلك يجب أن يضاف الفعل إليه، و«البنيان» مصدر كالغفران، وهو بمعنى المبنى، كالخلق الذي هو بمعنى المخلوق، ويجوز أن يكون «البنيان» جمع
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/507]
بنيانه كثمرة وثمر). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/508]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (26- قوله: {على شفا جرفٍ} قرأه أبو بكر وابن عامر وحمزة بإسكان الراء تخفيفًا كـ «قرية»، وقرأ الباقون بالضم على الأصل، و«الجرف» ما تجرف من الوادي في السيل، وهو مثل، وقد ذكرنا إمالة «هار» ونحوه، وأصل «هار» «هارو» ثم قلب، فصارت الواو في موضع الراء، وانقلبت ياء؛ إذ ليس في كلام العرب اسم آخره واو قبلها متحرك، فأذهبهما التنوين مثل «غاز وداع» ويدل على أنه من الواو قولهم: تهور البناء إذا تساقط، وقد قالوا: تهير، وحكى الأخفش: هرت تهار كـ «خفت تخاف»، وكثير من العرب يجري «هار» على الحذف مجرى السالم، فيرفعه في موضع الرفع وينصبه في موضع النصب بخلاف «قاض وغاز»، ومنهم من يجريه مجرى «قاض وغاز» مخفوضًا في الرفع والخفض، مفتوحًا في النصب منونًا، وفي الحديث: «حتى تهور الليل»). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/508]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (26- {أَفَمَنْ أُسِّسَ بُنْيَانَهُ} [آية/ 109] بضم الألف من {أُسَّسَ}، ورفع البنيان:
قرأها نافع وابن عامر، وكذلك {أَمَنْ أُسَّسَ بُنْيَانَهُ} مثله.
[الموضح: 605]
والوجه أن الفعل مسند إلى المفعول به، لأن المقصود هو الإعلام بأن تأسيس البنيان إنما هو على التقوى، ولم يقصد إلى تعريف المؤسس؛ لأنه إذا كان البنيان المنسوب إليه مؤسسًا على التقوى، فسواء فعله هو أم فعله غيره.
وقرأ الباقون {أَسَّسَ بُنْيَانَهُ} بفتح الهمزة ونصب البنيان.
والوجه أن الفعل مسند إلى الفاعل وهو ضمير {مَنْ} و{بُنْيَانَهُ} منصوب بأسس، وأسند الفعل إلى الفاعل؛ لأنه هو الباني والمؤسس، فكما أن المصدر الذي هو البنيان مضاف إلى الفاعل، كذلك الفعل مبني له). [الموضح: 606]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (27- {عَلَى شَفَا جُرُفٍ} [آية/ 109] بسكون الراء:
قرأها ابن عامر وحمزة وعاصم- ياش-، وقرأ الباقون {جُرُفٍ} بضم الراء.
والوجه أنهما جائزان، والأصل جرف بضم الراء، والإسكان تخفيف منه، كالشغل والشغل والعنق والعنق.
والجرف في كلام العرب ما يأكله الماء من أسفل الشاطئ، فإذا وطئه دابة أو إنسان انهار). [الموضح: 606]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (28- {هَارٍ} [آية/ 109] بالإمالة:
قرأها أبو عمرو وعاصم- ياش-، والكسائي وكان (نافع) يضجعها قليلاً.
[الموضح: 606]
والوجه في الإمالة أن الراء مكسورة، والكسرة في الراء تجري مجرى كسرتين؛ لما فيها من التكرير، ويقوي الإمالة في الكلمة أن الكسرة لازمة، وحكم الإضجاع كحكم الإمالة، وقد تقدم من أحكام الإمالة ما فيه كفاية.
وقرأ الباقون و- ص- عن عاصم {هَارٍ} بالفتح.
والوجه أن ترك الإمالة هو الأصل، ومن العرب من لا يرى من الإمالة شيئًا). [الموضح: 607]

قوله تعالى: {لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (110)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (إلّا أن تقطّع قلوبهم... (110).
قرأ ابن عامر وحمزة وحفص ويعقوب (إلّا أن تقطّع) بفتح التاء، وقرأ الباقون (إلّا أن تقطّع) بضم التاء.
قال أبو منصور: من قرأ (إلّا أن تقطّع) فالأصل: إلا أن تتقطع، بالتاءين، فحذفت التاء الأولى استثقالاً للجمع بينهما.
[معاني القراءات وعللها: 1/466]
ومن قرأ (إلّا أن تقطّع) فهو من: قطّعت تقطّع، والمعنى فيهما: إلا أن يموتوا. وتقطع فعل لازم، وتقطّع متعدٍّ، يقال: قطّعته فتقطّع). [معاني القراءات وعللها: 1/467]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (20- وقوله تعالى: {إلا أن تقطع قلوبهم} [110].
قرأ حمزة وحفص عن عاصم وابن عامر {تقطع} فعل مضارع، والقلوب رفع بفعلها، والأصل: إلا أن تتقطع، فحذفوا إحدى التاءين.
وقرأ الباقون {تقطع} على ما لم يسم فاعله، ومعنى {إلا أن تقطع
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/255]
قلوبهم} إلا أن يموتوا. وقال آخرون: إلا أن يتوبوا، فتقطع قلوبهم ندامةً على ما فرطوا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/256]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح التاء وضمّها من قوله جلّ وعزّ إلا أن تقطع قلوبهم [التوبة/ 110] فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي تقطع* بضم التاء.
وقرأ ابن عامر وحمزة: إلا أن تقطع بفتح التاء.
واختلف عن عاصم، فروى أبو بكر عنه مثل أبي عمرو، وروى حفص عنه مثل حمزة تقطع* بفتح التاء.
قال أبو علي: قوله: لا يزال بنيانهم الذي بنوا [التوبة/ 110] البنيان: مصدر واقع على المبني، وإذا كان كذلك كان المضاف محذوفا تقديره: لا يزال بناء المبني الذي بنوا ريبة، أي: شكا في قلوبهم فيما كان من إظهار إسلامهم، وثباتا على النفاق إلا أن تقطع قلوبهم بالموت والبلاء، لا يخلص لهم إيمان ولا ينزعون عن النفاق.
فأما قراءة من قرأ: إلا أن تقطع فلأنه يريد: حتى تبلى وتقطّع بالبلى، أي: لا تثلج قلوبهم بالإيمان أبدا، ولا يندمون على الخطيئة التي كانت منهم في بناء المسجد.
[الحجة للقراء السبعة: 4/230]
فأما قراءة من قرأ: تقطع* فهو في المعنى مثل الأول؛ إلّا أن الفعل أضيف إلى المقطّع المبلي للقلوب بالموت في المعنى. وفي الوجه الأول أسند إلى القلوب لمّا كانت هي البالية، وهذا مثل: مات زيد ومرض عمرو، وسقط الحائط، ونحو ذلك مما يسند فيه الفعل إلى من حدث فيه، وإن لم يكن له، وتقطع* نسب الفعل فيه إلى المقطّع المبلي، وإن لم يذكر في اللفظ؛ فأسند الفعل الذي هو لغير القلوب في الحقيقة إلى القلوب. وزعموا أنّ في حرف أبيّ: حتى الممات وهذا يدلّ أنهم يموتون على نفاقهم، فإذا ماتوا عرفوا بالموت ما كانوا تركوا من الإيمان وأخذوا من الكفر). [الحجة للقراء السبعة: 4/231]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({لا يزال بنيانهم الّذي بنوا ريبة في قلوبهم إلّا أن تقطع قلوبهم}
قرأ ابن عامر وحفص {إلّا أن تقطع} بفتح التّاء أي إلّا أن تتقطع قلوبهم ندما وأسفا على تفريطهم والقلوب رفع بفعلها
وقرأ الباقون {إلّا أن تقطع} بضم التّاء على ما لم يسم فاعله أي إلّا أن يفعل ذلك بها وهما في المعنى شيء واحد). [حجة القراءات: 324]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (27- قوله: {إلا أن تقطع قلوبهم} قرأه حفص وابن عامر وحمزة بفتح التاء، وقرأ الباقون بضم التاء.
وحجة من قرأ بفتح التاء أنه جعله فعلًا لـ «القلوب»، فرفعها به، لأنها هي المتقطعة بالبلاء، فهو محمول على معنى «تبلى قلوبهم فتتقطع»، وبنى الفعل
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/508]
على «تنفعل»، لكن حذف إحدى التاءين لاجتماع المثلين بحركة واحدة، وماضيه «تقطعت» فهي «تنقطع».
28- وحجة من ضم التاء أنه بنى الفعل للمفعول، فرفع «القلوب» لمقامها مقام الفاعل، والفعل في الأصل مضاف إلى المقطع لها المبلي لها، فلما حذف من اللفظ ولم يسم قامت القلوب مقامه، فارتفعت بالفعل، فالمعنى: إلا أن تقطع قلوبهم بالموت والبلاء، وفي حرف أبي «حتى الممات» و«البنيان» مصدر في معنى المبني، على ما ذكرنا، وماضي الفعل في هذه القراءة «قطع» تقول: قطعت القلوب فهي تقطع، وقد ذكرنا {فيقتلون ويقتلون} «111» في آل عمران وعلته). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/509]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (29- {إلى أَن تَقَطَّعَ} [آية/ 110] بتخفيف لام {إلى} جارة غير مستثنى بها:
قرأها يعقوب وحده.
والوجه أن {إلى} جارة، وهي كحتى في المعنى، كأنه قال حتى تقطع قلوبهم، والمراد لا يزال بنيانهم ريبة في قلوبهم إلى أن تقطع قلوبهم بالموت، وأن وما بعده في تأويل المصدر، وإلى لانتهاء الغاية، والمعنى لا يزال ما اعتقدوه في بناء مسجد الضرار من الكفر لازمًا لقلوبهم حتى يموتوا.
وقرأ الباقون {إلاَّ أَن تَقَطَّعَ} بتشديد لام {إلاَّ} على أنها مستثنى بها.
والوجه أنها التي هي أداة الاستثناء، والمعنى لا يزال بناؤهم ريبة إلا وقت تقطع قلوبهم بالموت، فإنه لا تكون ريبة حينئذٍ؛ لأن الريبة تتقطع بموتهم،
[الموضح: 607]
فالاستثناء من قوله {لا يَزَالُ} ). [الموضح: 608]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (30- {تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ} [آية/ 110] بفتح التاء:
قرأها ابن عامر وحمزة وعاصم- ص- ويعقوب.
والوجه أنه يراد به تتقطع، فحذف إحدى التاءين تخفيفًا، وإنما أسند الفعل إلى القلوب؛ لأنها هي الهالكة، كما يقال مرض زيد ومات عمرو، وإن كان الممرض والمميت هو الله تعالى، والمعنى تتقطع قلوبهم بالموت.
وقرأ الباقون {تُقَطَّعَ} بضم التاء.
والوجه أن المقطع المميت هو الله تعالى، فبنى الفعل من التقطيع لذلك، وأسند إلى المفعول به، فالقلوب في هذا الوجه اسم لما لم يسم فاعله، وهي في الوجه الأول فاعل {تَقَطَّعَ} ). [الموضح: 608]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 02:43 PM

سورة التوبة
[ الآيتين (111) ، (112) ]

{ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112) }

قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (22- وقوله تعالى: {فيقتلون ويقتلون} [111]
قرأ حمزة والكسائي {فيقتلون ويقتلون} يبدآن بالمفعول قبل الفاعلين.
والباقون يبدؤن بالفاعلين قبل المفعولين.
فإن سأل سائل في قراءة من بدأ بالمفعولين فقال: إذا قتلوا كيف يقتلون؟
فالجواب في ذلك أن العرب تقول: قتل بنو تميم بني أسد، وإنما قتل بعضهم فقتل الباقون القاتلين). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/256]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله [جلّ وعزّ]: فيقتلون ويقتلون [التوبة/ 111].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر:
فيقتلون ويقتلون فاعل ومفعول. وقرأ حمزة والكسائي فيقتلون ويقتلون مفعول وفاعل.
قال أبو علي: من قال: فيقتلون ويقتلون فقدّم الفعل المسند إلى الفاعل على الفعل المسند إلى المفعول، فلأنهم يقتلون أولا في سبيل الله، ويقتلون، ولا يقتلون إذا قتلوا.
ومن قدّم الفعل المسند إلى المفعول به [على المسند
[الحجة للقراء السبعة: 4/231]
إلى الفاعل]، جاز أن يكون في المعنى مثل الذي تقدم لأن المعطوف بالواو يجوز أن يراد به التقديم؛ فإن لم يقدّر به التقديم كان المعنى في قوله: فيقتلون بعد قوله: فيقتلون:
يقتل من بقي منهم بعد قتل من قتل، كما أنّ قوله سبحانه: فما ومهنوا لما أصابهم في سبيل الله [آل عمران/ 146]: ما وهن من بقي منهم لقتل من قتل من الرّبّيّين). [الحجة للقراء السبعة: 4/232]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({بأن لهم الجنّة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون}
قرأ حمزة والكسائيّ {فيقتلون} بضم الياء {ويقتلون} بفتح الياء يبدآن بالمفعولين قبل الفاعلين
قال أحمد بن يحيي هذا مدح لأنهم يقتلون بعد أن يقتل منهم
وقرأ الباقون {فيقتلون} بالفتح {ويقتلون} بضم الياء يبدؤون بالفاعلين قبل المفعولين وحجتهم في ذلك أن الله وصفهم بأنّهم قاتلوا أحياء ثمّ قتلوا بعد أن قاتلوا وإذا أخبر عنهم وبدأ بأنّهم قد قتلوا فمحال أن يقتلوا بعد هلاكهم هذا ما يوجبه ظاهر الكلام). [حجة القراءات: 325]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (31- {فَيُقْتَلُونَ} بضم الياء وفتح التاء {وَيَقْتُلُونَ} بفتح الياء وضم التاء [آية/ 111]، على تقديم فعل المفعولين على فعل الفاعلين:
قرأها حمزة والكسائي.
والوجه أنهم يقتلون في الغزو، ومن يبقون منهم يقتلون الكفار، كما قال
[الموضح: 608]
الله تعالى {فَمَا وهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ الله} أي ما وهن من بقي منهم لقتل من قتل.
ويجوز أن يكون المعنى يقتلون الكفار بعد، ثم يقتلون بعد ذلك، فقدم وأخر، وأتى بالواو؛ لأن الواو لا يقتضي ترتيبًا.
وقرأ الباقون {فَيَقْتُلُونَ} بفتح الياء وضم التاء {ويُقْتَلُونَ} بضمالياء وفتح التاء، على تقديم فعل الفاعلين على فعل المفعولين.
والوجه أنهم يقتلون الكفار أولاً ثم يستشهدون.
وهذا الوجه أظهر، والقراءة به أكثر). [الموضح: 609]

قوله تعالى: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الجماعة: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ}، وفي قراءة أُبي وعبد الله بن مسعود، ويُروى أيضًا عن الأعمش: [التائبين العابدين].
[المحتسب: 1/304]
قال أبو الفتح: أما رفع {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ} فعلى قطع واستئناف؛ أي: هم التائبون العابدون. وأما [التائبين العابدين] فيحتمل أن يكون جرًّا وأن يكون نصبًا: أما الجر فعلى أن يكون وصفًا للمؤمنين في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ} [التائبين العابدين]، وأما النصب فعلى إضمار فعل لمعنى المدح؛ كأنه قال: أعني أو أمدح [التائبين العابدين]، كما أنك مع الرفع أضمرت الرافع لمعنى المدح). [المحتسب: 1/305]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 02:45 PM

سورة التوبة

[ من الآية (113) إلى الآية (116) ]

{ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113) وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (114) وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (115) إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (116) }

قوله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113)}

قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (114)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة طلحة: [وما يَسْتَغْفِرُ إبراهيمُ لأَبيه]، ورويت عنه أيضًا: [وما استَغفر إبراهيمُ لأَبيه].
قال أبو الفتح: أما [يَسْتَغْفِر] فعلى حكاية الحال، كقولك: كان زيد سيقوم، وإن كان متوقعًا منه القيام، وحكاية الحال فاشية في اللغة؛ منها قول الله عز وجل: {فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ}، ولم يقل: أحدهما من شيعته، والآخر من عدوه؛ وذلك أنه تعالى لما حكى الحال الماضية صار النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن يَسمع من بعد كالحاضرين للحال، فقال: هذا، وهذا. وقال تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} وهذه اللام إنمتا تدخل على فعل الحال الحاضرة، فحَكى الحال المستأنفة كما حكى السالفة). [المحتسب: 1/305]

قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (115)}

قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (116)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 02:46 PM

سورة التوبة
[ الآيتين (117) ، (118) ]

{ لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117) وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118) }

قوله تعالى: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جل وعزّ: (من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريقٍ منهم... (117)
قرأ حفص عن عاصم وحمزة (كاد يزيغ) بالياء، وقرأ الباقون (تزيغ) بالتاء.
قال أبو منصور: قد مرّ الجواب في مثل هذا في غير موضع). [معاني القراءات وعللها: 1/467]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (24- قوله تعالى: {من بعد ما كاد يزيغ قلوب} [117].
فيه ثلاث قراءات:
قرأ حمزة وحفص عن عاصم {يزيغ} بالياء، والقلوب جمع على تذكير «كاد».
وقرأ الباقون بالتاء على التقديم، والتقدير: من بعد ما كاد قلوب فريق تزيغ.
وقرأ أبو عمرو {كاد تزيغ} بإدغام الدال في التاء لقرب المخرجين، يقال: زاغ قلبه وزاغ بصره وزاغ القوم وأزاغهم الله، قال الله تعالى: {فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم} ومن ذلك قوله: {ربنا لا تزغ قلوبنا}. قرأ عمرو بن فايد {ربنا لا تزغ قلوبنا} جعل الفعل للقلوب، وهذا لا يلتفت إليه؛ لأن الله قال في موضع آخر {أزاغ الله قلوبهم} ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/257]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الياء والتاء من قوله [جل وعز]: كاد تزيغ [التوبة/ 117].
فقرأ حمزة وحفص عن عاصم: كاد يزيغ بالياء.
وقرأ الباقون وعاصم في رواية أبي بكر: بالتاء.
[الحجة للقراء السبعة: 4/234]
قال أبو علي: يجوز أن يكون فاعل كاد أحد ثلاثة أشياء:
أحدها: أن يضمر فيه القصة أو الحديث، وتكون تزيغ الخبر.
فإن قلت: إن أصل إضمار القصة أو الحديث إنما هو في الابتداء، نحو هو الله أحد ونحو قوله [سبحانه] فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا [الأنبياء/ 97]، ثم تدخل على الاسم المبتدأ الذي هو ضمير الحديث أو القصة العوامل التي تدخل على المبتدأ، وليس كاد من العوامل التي تدخل على المبتدأ.
قيل: جاز ذلك فيها للزوم الخبر لها، فأشبهت العوامل الداخلة على المبتدأ للزوم الخبر لها. فإن قلت: فهل يجوز أن يضمر في عسى ضمير القصة أو الحديث، لأن عسى أيضا يلزمها الخبر كما يلزم كاد.
قيل: لا يجوز ذلك لأن عسى يكون فاعله المفرد في كثير من الأمر فلا يلزمه الخبر كقوله: وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم [البقرة/ 216] فإذا كان فاعله المفرد في كثير من الأمر لم يحتمل الضمير الذي احتمله كاد، كما لم يحتمله سائر الأفعال التي
[الحجة للقراء السبعة: 4/235]
تسند إلى فاعليها مما لا يدخل على المبتدأ.
فأما ما يجيء في الشعر من كاد أن يفعل وعسى يفعل، فليس به اعتداد لأن هذه الأشياء التي تجيء في الضرورة غير مأخوذ بها في حال السعة، ألا ترى أنهم قالوا: إوزّ،
ومودّ، فجعلوا الأصل الإدغام ولم يقدّروا نقل الحركة فيها إلى ما قبلها، وإنما وقعت في أول أحوالها مدغمة، فدلّك هذا أنّ الإظهار في هذا النحو في الشعر لا اعتداد به، وكلّ ما أشبهه فهو على هذا الحكم، وإضمار القصة أو الحديث فيها قول سيبويه.
والوجه الثاني في فاعل كاد أن يضمّنه ذكرا مما تقدّم لمّا كان النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم والمهاجرون والأنصار قبيلا واحدا وفريقا جاز أن يضمر في كاد ما دل عليه مما تقدم ذكره من القبيل، والحزب، والفريق، ونحو ذلك من الأسماء المفردة الدالة على الجمع، وقال: منهم، فحمله على المعنى كقوله [سبحانه]:
من آمن بالله واليوم الآخر ثم قال: فلا خوف عليهم [المائدة/ 69] فكذلك فاعل كاد على هذا الوجه.
والثالث في فاعل كاد: أن يكون فاعلها القلوب، كأنه: من بعد ما كاد قلوب فريق منهم تزيغ، ولكنه قدم تزيغ
[الحجة للقراء السبعة: 4/236]
كما يقدم خبر كان في قوله تعالى: وكان حقا علينا نصر المؤمنين [الروم/ 147]، وجاز تقديمه، وإن كان فيه ذكر من القلوب، ولم يمتنع من حيث يمتنع الإضمار قبل الذكر، لما كان النية به التأخير، كما لم يمتنع: ضرب غلامه زيد، لمّا كان التقدير به التأخير، ألا ترى أن حكم الخبر أن يكون بعد الاسم، كما أن حكم المفعول به أن يكون بعد الفاعل؟
فأما من قرأ يزيغ بالياء فيجوز أن يكون ذهب إلى أنّ في كاد ضمير الحديث، فإذا اشتغل كاد بهذا الضمير ارتفع القلوب بيزيغ؛ فذكر، وإن كان فاعله مؤنثا لتقدم الفعل.
ومن قرأ بالتاء تزيغ جاز أن يكون ذهب إلى أنّ القلوب مرتفعة بكاد، فلا يكون تزيغ فعلا مقدما كما كان عند الآخرين كذلك، فإذا لم يكن مقدّما قبح التذكير لتقدّم ذكر الفاعل كما قبح:
[الحجة للقراء السبعة: 4/237]
ولا أرض أبقل إبقالها ولم يقبح: أبقل أرض، ويجوز أن يكون الفعل المسند إلى القصة والحديث يؤنث، إذا كان في الجملة التي يفسرها مؤنث، كقوله [جلّ وعز]: فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا [الأنبياء/ 97] وقوله: فإنها لا تعمى الأبصار [الحج/ 46] ألا ترى أن هي من قوله: فإذا هي شاخصة ضمير القصة، كما أن قوله [سبحانه]: هو الله في قوله:
هو الله أحد [الإخلاص/ 6] مذكر وجاز تأنيث هي* التي هي ضمير القصة لذكر الأبصار المؤنثة في الجملة التي هي التفسير، وكذلك أنّثت في قوله: فإنها لا تعمى الأبصار وكذلك يؤنّث الضمير الذي في كاد لذكر المؤنث في الجملة المفسّرة فتقول: كادت وتدغم التاء التي هي علامة التأنيث في: تاء تزيغ وتزيغ على هذا للقلوب، وهي مرتفعة به.
ويجوز إلحاق التاء في كاد من وجه آخر، وهو أن ترفع
[الحجة للقراء السبعة: 4/238]
قلوب فريق بكاد، فيلحقه علامة التأنيث من حيث كان مسندا إلى مؤنث كقوله سبحانه: قالت الأعراب [الحجرات/ 14] وتكون على هذا في تزيغ ضمير القلوب لأن النية بتزيغ التأخير). [الحجة للقراء السبعة: 4/239]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({الّذين اتّبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم}
قرأ حمزة وحفص {من بعد ما كاد يزيغ} بالياء وقرأ الباقون بالتّاء
اعلم أن فعل جماعة يتقدّم لمذكر أو مؤنث إن شئت أنثت فعله إذا قدمته وإن شئت ذكرته كما قال جلّ وعز {لن ينال الله لحومها ولا دماؤها} و{لا يحل لك النّساء} فإذا أنثت أردت جماعة وإذا ذكرت أردت جمعا ومن قرأ {يزيغ} بالياء جعل في كاد اسما وترتفع القلوب ب {يزيغ} والتّقدير كاد الأمر يزيغ قلوب فريق منهم وإنّما قدرنا هذا التّقدير لأن كاد فعل ويزيغ فعل والفعل لا يلي الفعل وعلى هذه القراءة لا يجوز أن يرتفع القلوب ب كاد ومن قرأ بالتّاء ارتفعت القلوب ب كاد
[حجة القراءات: 325]
فلا يجوز حينئذٍ إلّا تزيغ بالتّاء لأن فيه إضمارا للقلوب ومعناه التّأخير والتّقدير من بعدما كاد قلوب فريق منهم تزيغ ومن رفع القلوب ب تزيغ أضمر في كاد الأمر كما ذكرنا في قراءة حمزة وحجّة التّاء قوله {وتطمئن قلوبنا} ولم يقرأ أحد بالياء في هذا الموضع
مسألة فإن قيل لم أنث تزيغ ولم تؤنث كاد وهما فعلان
الجواب قال الفراء {كاد} فعل و(تزيغ) فعل فلك أن تذكرهما جميعًا ولك أن تؤنثهما جميعًا فلمّا كان لك الوجهان ذكرت الأول لأن بعده فعلا آخر ملتزما بالقلوب فذكرت الأول لأنّه تباعد من القلوب وأنثت الّذي بجنب القلوب
وقال آخرون {كاد} ليس بفعل متصرف ولا يكادون يقولون منه فاعلا ولا مفعولا به فذكرته وأنثت (تزيغ) لأنّه فعل مستقبل متصرف). [حجة القراءات: 326]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (30- قوله: {كاد يزيغ} قرأه حفص وحمزة بالياء، على تذكير الجمع، كما قال: {وقال نسوة} «يوسف 30» وفي «كاد» إضمار الحديث، فارتفعت «القلوب» بـ «يزيغ»، ولأجل هذا الإضمار جاز أن يلي «يزيغ» كاد، كأن ذلك المضمر حالًا بينهما، وصارت {يزيغ قلوب} خبر «كاد» ويجوز أن ترتفع «القلوب» بـ «كاد»، ويقدر في «يزيغ» التأخير، والتقدير: من بعد ما كادت قلوب فريق منهم تزيغ، وهذا التقدير في قراءة من قرأ بالتاء يحسن، وهم الباقون من القراء غير حمزة وحفص، لتأخير الفعل به بعد المؤنث، وجاز تقديم «تزيغ» إلى «كاد» كما جاز تقديم خبر كان في قولك: كان قائمًا زيد، لكن التقديم مع الفعل فيه قبح، لو قلت: كان يقوم زيد على أن تجعل «يقوم» خبر كان، و«زيد» اسمها قبح، لأن الفعل يقوي فيعمل في الاسم بعده، فإنما يحسن هذا على أن تضمر في «كان» الحديث أو الخبر، وتكون الجملة من الفعل والفاعل خبر كان، وقد اختلف في نحو هذا في قوله تعالى: {وأنه كان يقول سفيهنا} «الجن 4» فقيل: إن في كان اسمها، أي: كان الحديث أو الأمر أو الخبر يقول سفيهنا، فالجملة من الفعل والفاعل على الخبر، وقيل: بل «سفيهنا» اسم كان، و«يقول» خبر مقدم على الاسم، وفيه بعد.
وحجة من قرأ بالتاء أنه أنَّث لتأنيث الجماعة كما قال: {قالت الأعراب} «الحجرات 14» والكلام على «كاد وتزيغ» مثلما تقدم، وهو الاختيار،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/510]
لأن الجماعة عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/511]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (33- {مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ تَزِيغُ} [آية/ 117] بالتاء:
قرأها ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر والكسائي ويعقوب (وعاصم- ياش-).
والوجه أن في {كَادَ} ضمير الشأن أو الحديث، فالفعل مشغول بضميره، و{تَزِيغُ} فعل القلوب، وهي مؤنثة لكونها جماعة، فلهذا ذكر الفعل الأول وهو {كَادَ وأنث الفعل الثاني وهو {تَزِيغُ}.
ويجوز أن تكون القلوب فاعل {كَادَ ولم يؤنث {كَادَ} لتقدم الفعل، و{تَزِيغُ} فعل القلوب أيضًا، لكنه مؤخر عنها في التقدير؛ لأن التقدير كاد قلوب فريق منهم تزيغ، فلتأخر الفعل أنث الضمير في {تَزِيغُ}.
وقرأ حمزة و- ص- عن عاصم {كَادَ يَزِيغُ} بالياء.
والوجه أن في {كَادَ} ضمير الشأن، و{يَزِيغُ} فعل القلوب وهي مؤنثة، لكن الفعل مقدم، فجاز تذكيره لتقدمه، سيما والتأنيث غير حقيقي). [الموضح: 610]

قوله تعالى: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الناس: {الَّذِينَ خُلِّفُوا}، وقرأ: [خَلَفُوا] -بفتح الخاء واللام خفيفة- عكرمة وزر بن حُبيش وعمرو بن عبيد، ورُويت عن أبي عمرو، قرأ: [خالَفُوا]
[المحتسب: 1/305]
أبو جعفر محمد بن علي وعلي بن الحسين وجعفر بن محمد وأبو عبد الرحمن السلمي.
قال أبو الفتح: من قرأ: [خَلَفُوا] فتأويله: أقاموا ولم يبرحوا، ومَن قرأ: [خالَفُوا] فمعناه عائد إلى ذلك؛ وذلك أنهم إذا خالفوهم فأقاموا فقد خلفوا هناك). [المحتسب: 1/306]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 02:47 PM

سورة التوبة
[ من الآية (119) إلى الآية (121) ]

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119) مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120) وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (121) }

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)}

قوله تعالى: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120)}

قوله تعالى: {وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (121)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 02:49 PM

سورة التوبة
[ الآيتين (122) ، (123) ]
{ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123) }

قوله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122)}

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وليجدوا فيكم غلظةً... (123)
روى المفضل عن عاصم (غلظةً) بفتح الغين، وقرأ الباقون (غلظةً) بكسر الغين.
قال أبو منصور: هما لغتان: (غلظةً)، و(غلظةً). وأجودهما الكسر.
وفيه لغة ثالثة لم يقرأ بها (غلظةً) بالضم. فلا تقرأ بها.
انتهى الجزء الأول ويليه الجزء الثاني ويبدأ بسورة يونس). [معاني القراءات وعللها: 1/469]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (25- وقوله تعالى: {وليجدوا فيكم غلظة} [123].
قرأ عاصم وحده في رواية المفضل {غلظة} بفتح العين.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/257]
وقرأ الباقون بالكسر.
وقرأ أبان بن تغلب ويكنى أبا سعد -: «غلظة» بالضم وهن لغات ثلاث غلظة وغلظة وغظلة بمعنى واحد مثل ركوة وربوة). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/258]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال أحمد: حدثني أحمد بن علي الخزّاز قال: حدثني محمد بن يحيى القطعيّ قال: حدثنا سعيد ابن أوس عن المفضل عن عاصم: أنه قرأ: غلظة [التوبة/ 123] بفتح الغين.
وقرأ الباقون: غلظة بكسر الغين.
قال أبو علي قوله: وليجدوا فيكم غلظة في المعنى مثل قوله سبحانه: جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم [التوبة/ 73] [وقوله: والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم] [الفتح/ 29] وقوله: أذلة على المؤمنين أعزة على
[الحجة للقراء السبعة: 4/241]
الكافرين [المائدة/ 54] أي: لا ينقادون لهم ولا يخفضون لهم جناحا وأذلة على المؤمنين، أي: يذلون لهم ذل الخضوع، فيتركون الترفع عليهم؛ فهذا قريب من قوله: رحماء بينهم، ولم يرد بقوله: أذلة على المؤمنين ذلّ الهوان، ولكن الذلّ الذي يقتضيه الدين من إلانة الجانب له، وتسوّيه به.
قال أبو الحسن: غلظة: قراءة الناس بالكسر، وهي العربية، وبها نقرأ.
قال: ولا أعلم غلظة إلا لغة، وقال غيره: هي لغة). [الحجة للقراء السبعة: 4/242]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (34- {غَلْظَةً} [آية/ 123] بفتح الغين:
قرأها عاصم في رواية المفضل، وقرأ الباقون {غِلْظَةً} بكسر الغين.
والوجه أنهما لغتان بالفتح والكسر، (والكسر) أكثر). [الموضح: 611]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


الساعة الآن 05:37 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة