جمهرة العلوم

جمهرة العلوم (http://jamharah.net/index.php)
-   تفسير سورة البقرة (http://jamharah.net/forumdisplay.php?f=810)
-   -   تفسير سورة البقرة [من الآية (222) إلى الآية (225) ] (http://jamharah.net/showthread.php?t=19982)

إشراق المطيري 9 ربيع الثاني 1434هـ/19-02-2013م 11:46 PM

تفسير سورة البقرة [من الآية (222) إلى الآية (225) ]
 
تفسير سورة البقرة
[من الآية (222) إلى الآية (225) ]


{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223) وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224) لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225)}


إشراق المطيري 18 ربيع الثاني 1434هـ/28-02-2013م 07:24 PM

جمهرة تفاسير السلف
 

جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله تعالى ويسألونك عن المحيض قل هو أذى قال قذر وقوله تعالى فأتوهن من حيث أمركم الله يقول طئوهن غير حيض). [تفسير عبد الرزاق: 1/89]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ في قوله: {يسألونك عن المحيض قل هو أذًى فاعتزلوا النساء في الحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن} قال: حين يطهرن من الدّم قال: {فإذا تطهّرن} قال اغتسلن: فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه} [الآية: 222].
سفيان [الثوري] عن عثمان بن الأسود عن مجاهدٍ قال: أمروا أن لا يأتوهنّ
[تفسير الثوري: 66]
من حيث نهوا عنه). [تفسير الثوري: 67]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا عبد بن حميدٍ قال: حدّثني سليمان بن حربٍ، قال: حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن ثابتٍ، عن أنسٍ، قال: كانت اليهود إذا حاضت امرأةٌ منهم لم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوها في البيوت، فسئل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن ذلك، فأنزل اللّه تعالى: {ويسألونك عن المحيض قل هو أذًى} فأمرهم رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم أن يؤاكلوهنّ ويشاربوهنّ وأن يكونوا معهنّ في البيوت، وأن يفعلوا كلّ شيءٍ ما خلا النّكاح.
[سنن الترمذي: 5/64]
فقالت اليهود: ما يريد أن يدع شيئًا من أمرنا إلاّ خالفنا فيه، قال: فجاء عبّاد بن بشرٍ وأسيد بن حضيرٍ إلى رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم فأخبراه بذلك، وقالا: يا رسول الله أفلا ننكحهنّ في المحيض، فتمعّر وجه رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم حتّى ظننّا أنّه قد غضب عليهما، فقاما فاستقبلتهما هديّةٌ من لبنٍ، فأرسل رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم في أثرهما فسقاهما، فعلما أنّه لم يغضب عليهما.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ). [سنن الترمذي: 5/65]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {ويسألونك عن المحيض قل هو أذًى فاعتزلوا النّساء في المحيض}
- أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا سليمان بن حربٍ، حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن ثابتٍ، عن أنسٍ، قال: " كانت اليهود إذا حاضت المرأة منهم لم يؤاكلوهنّ، ولم يشاربوهنّ، ولم يجامعوهنّ في البيوت، فسألوا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن ذلك، فأنزل الله تعالى {ويسألونك عن المحيض} [البقرة: 222] قل هو أذًى فاعتزلوا النّساء في المحيض فأمرهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يؤاكلوهنّ، وأن يشاربوهنّ، وأن يجامعوهنّ في البيوت، وأن يصنعوا بهنّ كلّ شيءٍ ما خلا النّكاح "). [السنن الكبرى للنسائي: 10/31]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ويسألونك عن المحيض قل هو أذًى}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {ويسألونك عن المحيض} ويسألك يا محمّد أصحابك عن الحيض وقيل المحيض لأنّ ما كان من الفعل ماضيه بفتح عين الفعل وكسرها في الاستقبال، مثل قول القائل: ضرب يضرب، وحبس يحبس، ونزل ينزل، فإنّ العرب تبني مصدره على المفعل، والاسم على المفعل مثل المضرب والمضرب من ضربت، ونزلت منزلاً ومنزلاً. ومسموعٌ في ذوات الياء والألف المعيش والمعاش والمعيب والمعاب، كما قال رؤبة في المعيش:
إليك أشكو شدّة المعيش = ومرّ أعوامٍ نتفن ريشي
[جامع البيان: 3/720]
وإنّما كان القوم سألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فيما ذكر لنا عن الحيض؛ لأنّهم كانوا قبل بيان اللّه لهم ما يتبيّنون من أمره، لا يساكنون حائضًا في بيتٍ، ولا يؤاكلونهنّ في إناءٍ، ولا يشاربونهنّ، فعرّفهم اللّه بهذه الآية أنّ الّذي عليهم في أيّام حيض نسائهم أن يجتنبوا جماعهنّ فقط دون ما عدا ذلك من مضاجعتهنّ، ومؤاكلتهنّ، ومشاربتهنّ.
- كما حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ويسألونك عن المحيض} حتّى بلغ: {حتّى يطهرن} فكان أهل الجاهليّة لا تساكنهم حائضٌ في بيتٍ، ولا تؤاكلهم في إناءٍ، فأنزل اللّه تعالى ذكره في ذلك، فحرّم فرجها ما دامت حائضًا، وأحلّ ما سوى ذلك: أن تصبغ لك رأسك، وتؤاكلك من طعامك، وأن تضاجعك في فراشك إذا كان عليها إزارٌ محتجزةٌ به دونك.
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، مثله.
وقد قيل: إنّهم سألوا عن ذلك، لأنّهم كانوا في أيّام حيضهنّ يجتنبون إتيانهنّ في مخرج الدّم ويأتونهنّ في أدبارهنّ. فنهاهم اللّه عن أن يقربوهنّ في أيّام حيضهنّ حتّى يطهرن، ثمّ أذن لهم إذا تطهّرن من حيضهنّ في إتيانهنّ من حيث أمرهم باعتزالهنّ، وحرّم إتيانهنّ في أدبارهنّ بكلّ حالٍ.
[جامع البيان: 3/721]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن عبد الملك بن أبي الشّوارب، قال: حدّثنا عبد الواحد، قال: حدّثنا خصيفٌ، قال: حدّثني مجاهدٌ، قال: كانوا يجتنبون النّساء في المحيض، ويأتونهنّ في أدبارهنّ، فسألوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن ذلك، فأنزل اللّه: {ويسألونك عن المحيض} إلى: {فإذا تطهّرن فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه} في الفرج ولا تعدوه.
وقيل: إنّ السّائل الّذي سأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن ذلك كان ثابت بن الدّحداح الأنصاريّ.
- حدّثني بذلك موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ). [جامع البيان: 3/722]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل هو أذًى}.
يعني تعالى ذكره بذلك: قل لمن سألك من أصحابك يا محمّد عن المحيض هو أذًى.
والأذى: هو ما يوذي به من مكروهٍ فيه، وهو في هذا الموضع يسمّى أذًى لنتن ريحه، وقذره، ونجاسته، وهو جامعٌ لمعانٍ شتّى من خلال الأذى غير واحدةٍ.
وقد اختلف أهل التّأويل في البيان عن تأويل ذلك على تقارب معاني بعض ما قالوا فيه من بعضٍ، فقال بعضهم قوله: {قل هو أذًى} قل هو قذرٌ.
[جامع البيان: 3/722]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: {قل هو أذًى} قال: أمّا أذًى: فقذرٌ.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {قل هو أذًى} قال: قل هو أذًى، قال: قذرٌ.
وقال آخرون: قل هو دمٌ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا مؤمّلٌ، قال: حدّثنا سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {ويسألونك عن المحيض قل هو أذًى} قال: الأذى: الدّم). [جامع البيان: 3/723]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فاعتزلوا النّساء في المحيض}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {فاعتزلوا النّساء في المحيض} فاعتزلوا جماع النّساء، ونكاحهنّ في محيضهنّ.
- كما حدّثني عليّ بن داود، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {فاعتزلوا النّساء في المحيض} يقول: اعتزلوا نكاح فروجهنّ.
[جامع البيان: 3/723]
واختلف أهل العلم في الّذي يجب على الرّجل اعتزاله من الحائض، فقال بعضهم: الواجب على الرّجل اعتزال جميع بدنها أن يباشره بشيءٍ من بدنه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا حمّاد بن مسعدة، قال: حدّثنا عوفٌ، عن محمّدٍ، قال: قلت لعبيدة: ما يحلّ لي من امرأتي إذا كانت حائضًا؟ قال: اللّحاف واحدٌ، والفراش شتّى.
- حدّثني تميم بن المنتصر، قال: أخبرنا يزيد، قال: حدّثنا محمّدٌ، عن الزّهريّ، عن عروة، عن ندبة، مولاة آل عبّاسٍ قالت: بعثتني ميمونة ابنة الحارث أو حفصة ابنة عمر، إلى امرأة عبد اللّه بن عبّاسٍ، وكانت بينهما قرابةٌ من قبل النّساء، فوجدت فراشها معتزلاً فراشه، فظننت أنّ ذلك عن الهجران، فسألتها عن اعتزال فراشه فراشها، فقالت: إنّي طامثٌ، وإذا طمثت اعتزل فراشي. فرجعت فأخبرت بذلك ميمونة أو حفصة، فردّتني إلى ابن عبّاسٍ، تقول لك أمّك: أرغبت عن سنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فواللّه لقد كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ينام مع المرأة من نسائه، وإنّها لحائضٌ، وما بينه وبينها إلاّ ثوبٌ ما يجاوز الرّكبتين.
[جامع البيان: 3/724]
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن أيّوب، وابن عونٍ، عن محمّدٍ، قالت لعبيدة، ما للرّجل من امرأته إذا كانت حائضًا؟ قال: الفراش واحدٌ، واللّحاف شتًّى، فإن لم يجد إلاّ أن يردّ عليها من ثوبه ردّ عليها منه.
واعتلّ قائلو هذه المقالة بأنّ اللّه تعالى ذكره أمر باعتزال النّساء في حال حيضهنّ، ولم يخصّص منهنّ شيئًا دون شيءٍ، وذلك عامٌّ على جميع أجسادهنّ واجبٌ اعتزال كلّ شيءٍ من أبدانهنّ في حيضهنّ.
وقال آخرون: بل الّذي أمر اللّه تعالى ذكره باعتزاله منهنّ موضع الأذى، وذلك موضع مخرج الدّم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا حميد بن مسعدة، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثني عيينة بن عبد الرّحمن بن جوشنٍ، قال: حدّثنا مروان الأصفر، عن مسروق بن الأجدع، قال: قلت لعائشة: ما يحلّ للرّجل من امرأته إذا كانت حائضًا؟ قالت: كلّ شيءٍ إلاّ الجماع.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، وحدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: ذكر لنا عن عائشة، أنّها قالت: وأينا كان ذا الفراشين، وذا اللّحافين؟.
[جامع البيان: 3/725]
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن مسروقٍ، قال: قلت لعائشة: ما يحرم على الرّجل من امرأته إذا كانت حائضًا؟ قالت: فرجها.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الوهّاب، قال: حدّثنا أيّوب، عن كتّاب أبي قلابة: أنّ مسروقًا، ركب إلى عائشة، فقال: السّلام على النّبيّ وعلى أهله فقالت عائشة: أبو عائشة مرحبًا فأذنوا له، فدخل، فقال: إنّي أريد أن أسألك عن شيءٍ وأنا أستحيي، فقالت: إنّما أنا أمّك وأنت ابني. فقال، ما للرّجل من امرأته وهي حائضٌ؟ قالت له: كلّ شيءٍ إلاّ فرجها.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن أبي زائدة، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن ميمون بن مهران، عن عائشة، قالت له: ما فوق الإزار.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: أخبرنا أيّوب، عن نافعٍ: أنّ عائشة، قالت: في مضاجعة الحائض: لا بأس بذلك إذا كان عليها إزارٌ.
[جامع البيان: 3/726]
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن أيّوب، عن أبي معشرٍ، قال: سئلت عائشة: ما للرّجل من امرأته إذا كانت حائضًا؟ فقالت: كلّ شيءٍ إلاّ الفرج.
- حدّثنا أبو كريبٍ قال: حدّثنا ابن أبي زائدة، عن محمّد بن عمرٍو، عن محمّد بن إبراهيم بن الحارث قال: قال ابن عبّاسٍ: إذا جعلت الحائض على فرجها ثوبًا أو ما يكفّ الأذى، فلا بأس أن يباشر جلدها زوجها.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن إدريس، قال: حدّثنا يزيد، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، أنّه سئل: ما للرّجل من امرأته إذا كانت حائضًا؟ قال: ما فوق الإزار.
- حدّثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هاشم بن القاسم، قال: حدّثنا الحكم بن فضيلٍ، عن خالدٍ الحذّاء، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: اتّق من الدّم مثل موضع النّعل.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: أخبرنا أيّوب، عن عكرمة، عن أمّ سلمة، قالت في مضاجعة الحائض: لا بأس بذلك إذا كان على فرجها خرقةٌ.
[جامع البيان: 3/727]
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الأعلى، عن سعيدٍ، عن قتادة، عن الحسن، قال: للرّجل من امرأته كلّ شيءٍ ما خلا الفرج (يعني وهي حائضٌ).
قال: يبيتان في لحافٍ واحدٍ، يعني الحائض إذا كان على الفرج ثوبٌ.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، عن عوفٍ، عن الحسن، قال: يبيتان في لحافٍ واحدٍ يعني الحائض إذا كان على الفرج ثوبٌ.
- حدّثنا تميمٌ، قال: أخبرنا إسحاق، عن شريكٍ، عن ليثٍ، قال: تذاكرنا عند مجاهدٍ الرّجل يلاعب امرأته وهي حائضٌ، قال: اطعن بذكرك حيثما شئت فيما بين الفخذين والأليتين والسّرّة، ما لم يكن في الدّبر، أو الحيض.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن أبي زائدة، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن عامرٍ، قال: يباشر الرّجل امرأته وهي حائضٌ؟ قال: إذا كفّت الأذى.
- حدّثنا حميد بن مسعدة، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثني عمران بن حديرٍ، قال: سمعت عكرمة، يقول: كلّ شيءٍ من الحائض لك حلالٌ غير مجرى الدّم.
وعلّة قائل هذه المقالة، قيام الحجّة بالأخبار المتواترة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه كان يباشر نساءه وهنّ حيضٌ، ولو كان الواجب اعتزال جميعهنّ لما فعل ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فلمّا صحّ ذلك عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، علم أنّ مراد اللّه تعالى ذكره بقوله: {فاعتزلوا النّساء في المحيض} هو اعتزال بعض جسدها دون بعضٍ. وإذا كان ذلك كذلك، وجب أن يكون ذلك هو الجماع المجمع على تحريمه على الزّوج في قبلها دون ما كان فيه اختلافٌ من جماعها في سائر بدنها.
[جامع البيان: 3/728]
وقال آخرون: بل الّذي أمر اللّه تعالى ذكره باعتزاله منهنّ في حال حيضهنّ ما بين السّرّة إلى الرّكبة، وما فوق ذلك ودونه منها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن أبي زائدة، عن ابن عونٍ، عن ابن سيرين، عن شريحٍ، قال له: ما فوق السّرّة، وذكر الحائض.
- حدّثنا أبو كريبٍ، وأبو السّائب، قالا: حدّثنا ابن إدريس، قال: أخبرنا يزيد، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: سئل ابن عبّاسٍ، عن الحائض: ما لزوجها منها؟ فقال: ما فوق الإزار.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن أيّوب، وابن عونٍ، عن محمّدٍ، قال: قال شريحٌ: له ما فوق سرّتها.
- حدّثنا ابن المثنّى قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، عن شعبة، عن واقد بن محمّد بن زيد بن عبد اللّه بن عمر، قال: سئل سعيد بن المسيّب: ما للرّجل من الحائض؟ قال: ما فوق الإزار.
وعلّة من قال هذه المقالة صحّة الخبر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بما؛
- حدّثني به ابن أبي الشّوارب، قال: حدّثنا عبد الواحد بن زيادٍ، قال: حدّثنا سليمان الشّيبانيّ، وحدّثني أبو السّائب، قال: حدّثنا حفصٌ، قال: حدّثنا الشّيبانيّ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن شدّاد بن الهاد، قال: سمعت ميمونة، تقول: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا أراد أن يباشر امرأةً من نسائه وهي حائضٌ أمرها فاتّزرت.
[جامع البيان: 3/729]
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، قال: حدّثنا سفيان، عن الشّيبانيّ، عن عبد اللّه بن شدّادٍ، عن ميمونة: أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كان يباشرها وهي حائضٌ فوق الإزار.
- حدّثني سفيان بن وكيعٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، قالت: كانت إحدانا إذا كانت حائضًا أمرها فاتّزرت بإزارٍ ثمّ يباشرها.
- حدّثنا سفيان بن وكيعٍ، قال: حدّثنا المحاربيّ، عن الشّيبانيّ، عن عبد الرّحمن بن الأسود، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كانت إحدانا إذا كانت حائضًا أمرها النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أن تأتزر ثمّ يباشرها.
ونظائر ذلك من الأخبار الّتي يطول باستيعاب ذكر جميعها الكتاب.
قالوا: فما فعل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم من ذلك فجائزٌ، وهو مباشرة الحائض ما دون الإزار وفوقه، وذلك دون الرّكبة وفوق السّرّة، وما عدا ذلك من جسد الحائض فواجبٌ اعتزاله لعموم الآية.
[جامع البيان: 3/730]
وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب قول من قال: إنّ للرّجل من امرأته الحائض ما فوق المؤتزر ودونه لما ذكرنا من العلّة لهم). [جامع البيان: 3/731]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا تقربوهنّ حتّى يطهرن}.
اختلف القرّاء في قراءة ذلك، فقرأه بعضهم: {حتّى يطهرن} بضمّ الهاء وتخفيفها، وقرأه آخرون بتشديد الهاء وفتحها.
وأمّا الّذين قرءوه بتخفيف الهاء وضمّها فإنّهم وجّهوا معناه إلى: ولا تقربوا النّساء في حال حيضهنّ حتّى ينقطع عنهنّ دم الحيض ويطهرن. وقال بهذا التّأويل جماعةٌ من أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا ابن مهديٍّ، ومؤمّلٌ، قالا: حدّثنا سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {ولا تقربوهنّ حتّى يطهرن} قال: انقطاع الدّم.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن سفيان أو عثمان بن الأسود: {ولا تقربوهنّ حتّى يطهرن} حتّى ينقطع الدّم عنهنّ.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، قال: حدّثنا عبيد اللّه العتكيّ، عن عكرمة، في قوله: {ولا تقربوهنّ حتّى يطهرن} قال: حتّى ينقطع الدّم.
[جامع البيان: 3/731]
وأمّا الّذين قرءوا ذلك بتشديد الهاء وفتحها، فإنّهم عنوا به: حتّى يغتسلن بالماء وشدّدوا الطّاء لأنّهم قالوا: معنى الكلمة: حتّى يتطهّرن أدغمت التّاء في الطّاء لتقارب مخرجيهما.
وأولى القراءتين بالصّواب في ذلك قراءة من قرأ: (حتّى يطّهّرن) بتشديدها، وفتحها، بمعنى: حتّى يغتسلن، لإجماع الجميع على أنّ حرامًا على الرّجل أن يقرب امرأته بعد انقطاع دم حيضها حتّى تطهر.
وإنّما اختلف في التّطهّر الّذي عناه اللّه تعالى ذكره، فأحلّ له جماعها، فقال بعضهم: هو الاغتسال بالماء، ولا يحلّ لزوجها أن يقربها حتّى تغسل جميع بدنها.
وقال بعضهم: هو الوضوء للصّلاة.
وقال آخرون: بل هو غسل الفرج، فإذا غسلت فرجها فذلك تطهّرها الّذي يحلّ به لزوجها غشيانها.
فإذا كان إجماعٌ من الجميع أنّها لا تحلّ لزوجها بانقطاع الدّم حتّى تطهر، كان بيّنًا أنّ أولى القراءتين بالصّواب أنفاهما للبسٍ عن فهمٍ سامعها، وذلك هو الّذي اخترنا، إذ كان في قراءة قارئها بتخفيف الهاء وضمّها ما لا يؤمن معه اللّبس على سامعها من الخطأ في تأويلها، فيرى أنّ للزّوج غشيانها بعد انقطاع دم حيضها عنها وقبل اغتسالها وتطهّرها.
فتأويل الآية إذًا: ويسألونك عن المحيض، قل هو أذًى، فاعتزلوا جماع نسائكم في وقت حيضهنّ، ولا تقربوهنّ حتّى يغتسلن فيتطهّرن من حيضهنّ بعد انقطاعه). [جامع البيان: 3/732]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فإذا تطهّرن}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {فإذا تطهّرن فأتوهنّ} فإذا اغتسلن فتطهّرن بالماء فجامعوهنّ.
فإن قال قائلٌ: أففرض جماعهنّ حينئذٍ؟ قيل: لا. فإن قال: فما معنى قوله إذًا: {فأتوهنّ} قيل: ذلك إباحة ما كان منع قبل ذلك من جماعهنّ وإطلاقٍ لما كان حظر في حال الحيض، وذلك كقوله: {وإذا حللتم فاصطادوا}، وقوله {فإذا قضيت الصّلاة فانتشروا في الأرض} وما أشبه ذلك.
واختلف أهل التّأويل في تأويل قوله {فإذا تطهّرن} فقال بعضهم: معنى ذلك، فإذا اغتسلن.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاومة بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {فإذا تطهّرن} يقول: فإذا طهرت من الدّم وتطهّرت بالماء.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثني ابن مهديٍّ، ومؤمّلٌ، قالا: حدّثنا سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {فإذا تطهّرن} فإذا اغتسلن.
[جامع البيان: 3/733]
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيي بن واضحٍ، قال: حدّثنا عبيد اللّه العتكيّ، عن عكرمة، في قوله: {فإذا تطهّرن} يقول: اغتسلن.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن سفيان أو عثمان بن الأسود: {فإذا تطهّرن} إذا اغتسلن.
- حدّثنا عمران بن موسى، حدّثنا عبد الوارث، حدّثنا عامرٌ، عن الحسن: في الحائض ترى الطّهر، قال: لا يغشاها زوجها حتّى تغتسل وتحلّ لها الصّلاة.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال، حدّثنا هشيمٌ، عن مغيرة، عن إبراهيم: أنّه كره أن يطأها، حتّى تغتسل؛ يعني المرأة إذا طهرت.
وقال آخرون: معنى ذلك فإذا تطهّرن للصّلاة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال، أخبرنا ليث، عن طاووسٍ، ومجاهدٍ، أنّهما قالا: إذا طهرت المرأة من الدّم فشاء زوجها أن يأمرها بالوضوء قبل أن تغتسل إذا أدركه الشّبق فليصب.
[جامع البيان: 3/734]
وأولى التّأويلين بتأويل الآية قول من قال، معنى قوله، {فإذا تطهّرن} فإذا اغتسلن لإجماع الجميع على أنّها لا تصير بالوضوء بالماء طاهرًا الطّهر للّذي يحلّ لها به الصّلاة، وأنّ القول لا يخلو في ذلك من أحد أمرين. إمّا أن يكون معناه: فإذا تطهّرن من النّجاسة فأتوهنّ. وإن كان ذلك معناه، فقد ينبغي أن يكون متى انقطع عنها الدّم فجائزٌ لزوجها جماعها إذا لم تكن هنالك نجاسةٌ ظاهرةٌ، هذا إن كان قوله: {فإذا تطهّرن} جائزًا استعماله في التّطهّر من النّجاسة، ولا أعلمه جائزًا إلاّ على استكراه الكلام أو يكون معناه: فإذا تطهّرن للصّلاة وفي إجماع الجميع من الحجّة على أنّه غير جائزٍ لزوجها غشيانها بانقطاع دم حيضها، إذا لم يكن هنالك نجاسةٌ دون التّطهّر بالماء إذا كانت واجدته أدلّ الدّليل على أنّ معناه: فإذا تطهّرن الطّهر الّذي يجزيهنّ به الصّلاة. وفي إجماع الجميع من الأمّة على أنّ الصّلاة لا تحلّ لها إلاّ بالاغتسال أوضح الدّلالة على صحّة ما قلنا من أنّ غشيانها حرامٌ إلاّ بعد الاغتسال، وأنّ معنى قوله: {فإذا تطهّرن} فإذا اغتسلن فصرن طواهر الطّهر الّذي يجزيهنّ به الصّلاة). [جامع البيان: 3/735]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه}.
اختلف أهل التّأويل في تأويل قوله: {فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه} فقال بعضهم: معنى ذلك: فأتوا نساءكم إذا تطهّرن من الوجه الّذي نهيتكم عن إتيانهنّ منه في حال حيضهنّ، وذلك الفرج الّذي أمر اللّه بترك جماعهنّ فيه في حال الحيض.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن محمّد بن إسحاق، قال: حدّثني أبان بن صالحٍ، عن مجاهدٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ، في قوله: {فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه} قال: من حيث أمركم أن تعتزلوهنّ.
[جامع البيان: 3/735]
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثنا معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه} يقول: في الفرج لا تعدوه إلى غيره، فمن فعل شيئًا من ذلك فقد اعتدى.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: حدّثنا خالدٌ الحذّاء، عن عكرمة، في قوله: {فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه} قال: من حيث أمركم أن تعتزلوا.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: حدّثنا أبو صخرٍ، عن أبي معاوية البجليّ، عن سعيد بن جبيرٍ، أنّه قال: بينا أنا ومجاهدٌ، جالسان عند ابن عبّاسٍ، أتاه رجلٌ فوقف على رأسه، فقال: يا أبا العبّاس، أو يا أبا الفضل ألا تشفيني عن آية المحيض؟ قال: بلى فقرأ: {ويسألونك عن المحيض} حتّى بلغ آخر الآية، فقال ابن عبّاسٍ: من حيث جاء الدّم، من ثمّ أمرت أن تأتي.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن أبي زائدة، عن عثمان، عن مجاهدٍ، قال: دبر المرأة مثله من الرّجل، ثمّ قرأ: {ويسألونك عن المحيض} إلى: {فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه} قال: من حيث أمركم أن تعتزلوهنّ.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا مؤمّلٌ، قال: حدّثنا سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه} قال: أمروا أن يأتوهنّ من حيث نهوا عنه.
[جامع البيان: 3/736]
- حدّثنا ابن أبي الشّوارب، قال: حدّثنا عبد الواحد، قال: حدّثنا خصيفٌ، قال: حدّثني مجاهدٌ: {فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه} في الفرج، ولا تعدوه.
- حدّثنا محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه} يقول: إذا تطهّرن فأتوهنّ من حيث نهي عنه في المحيض.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن سفيان أو عثمان بن الأسود: {فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه} باعتزالهنّ منه.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه} أي من الوجه الّذي يأتي منه المحيض طاهرًا غير حائضٍ، ولا تعدوا ذلك إلى غيره.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، في قوله: {فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه} قال: طواهر من غير جماعٍ ومن غير حيضٍ من الوجه الّذي يأتي المحيض ولا يتعدّى إلى غيره قال سعيدٌ: ولا أعلمه إلاّ عن ابن عبّاسٍ.
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، في قوله: {فإذا تطهّرن فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه} من حيث نهيتم عنه في المحيض.
[جامع البيان: 3/737]
- وعن أبيه، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {فإذا تطهّرن فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه} من حيث نهيتهم عنه، واتّقوا الأدبار.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا ابن إدريس، قال: سمعت أبي، عن يزيد بن الوليد، عن إبراهيم، في قوله: {فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه} قال: في الفرج.
وقال آخرون: معناه: فأتوهنّ من الوجه الّذي أمركم اللّه فيه أن تأتوهنّ منه، وذلك الوجه هو الطّهر دون الحيض. فكان معنى قائل ذلك في الآية: فأتوهنّ من قبل طهرهنّ لا من قبل حيضهنّ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه} يعني أن يأتيها طاهرًا غير حائضٍ.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا سفيان، عن منصورٍ، عن أبي رزينٍ، في قوله: {فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه} قال: من قبل الطّهر.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا محمّد بن محبب، قال: حدّثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي رزينٍ، بمثله.
[جامع البيان: 3/738]
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عمرٍو، عن منصورٍ، عن أبي رزينٍ: {فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه} يقول: ائتوهنّ من عند الطّهر.
- حدّثني محمّد بن عبيدٍ المحاربيّ، قال: حدّثنا عليّ بن هاشمٍ، عن الزّبرقان، عن أبي رزينٍ: {فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه} قال: من قبل الطّهر، ولا تأتوهنّ من قبل الحيضة.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، قال: حدّثنا عبيد اللّه العتكيّ، عن عكرمة، قوله: {فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه} يقول: إذا اغتسلن فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه يقول: طواهر غير حيّضٍ.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه} قال: يقول طواهر غير حيضٍ.
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: {من حيث أمركم اللّه} من الطّهر.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سلمة بن نبيطٍ، عن الضّحّاك: فأتوهنّ طهرًا غير حيضٍ.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: حدّثنا عبيد بن سليمان، عن الضّحّاك، قوله: {فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه} قال: ائتوهنّ طاهراتٍ غير حيضٍ.
[جامع البيان: 3/739]
- حدّثنا عمرو بن عليٍّ، قال: حدّثنا وكيعٌ، قال: حدّثنا سلمة بن نبيطٍ، عن الضّحّاك: {فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه} قال: طهرًا غير حيضٍ في القبل.
وقال آخرون: بلى معنى ذلك: فأتوا النّساء من قبل النّكاح لا من قبل الفجور.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا عمرو بن عليٍّ، قال: حدّثنا وكيعٌ، قال: حدّثنا إسماعيل الأزرق، عن أبي عمر الأسديّ، عن ابن الحنفيّة: {فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه} قال: من قبل الحلال من قبل التّزويج.
وأولى الأقوال بالصّواب في تأويل ذلك عندي قول من قال: معنى ذلك: فأتوهنّ من قبل طهرهنّ؛ وذلك أنّ كلّ أمرٍ بمعنًى فنهي عن خلافه وضدّه، وكذلك النّهي عن الشّيء أمرٌ بضدّه وخلافه. فلو كان معنى قوله: {فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه} فأتوهنّ من قبل مخرج الدّم الّذي نهيتكم أن تأتوهنّ من قبله في حال حيضهنّ، لوجب أن يكون قوله: {ولا تقربوهنّ حتّى يطهرن} تأويله: ولا تقربوهنّ في مخرج الدّم دون ما عدا ذلك من أماكن جسدها، فيكون مطلقًا في حال حيضها إتيانهنّ في أدبارهنّ.
وفي إجماع الجميع على أنّ اللّه تعالى ذكره لم يطلّق في حال الحيض من إتيانهنّ في أدبارهنّ شيئًا حرّمه في حال الطّهر ولا حرّم من ذلك في حال الطّهر شيئًا أحلّه في حال الحيض، ما يعلم به فساد هذا القول.
[جامع البيان: 3/740]
وبعد: فلو كان معنى ذلك على ما تأوّله قائلو هذه المقالة لوجب أن يكون الكلام: فإذا تطهّرن فأتوهنّ فى حيث أمركم اللّه، حتّى يكون معنى الكلام حينئذٍ على التّأويل الّذي تأوّله، ويكون ذلك أمرًا بإتيانهنّ في فروجهنّ؛ لأنّ الكلام المعروف إذا أريد ذلك أن يقال: أتى فلانٌ زوجته من قبل فرجها، ولا يقال: أتاها من فرجها إلاّ أن يكون أتاها من قبل فرجها في مكانٍ غير الفرج.
فإن قال لنا قائلٌ: فإنّ ذلك وإن كان كذلك، فليس معنى الكلام: فأتوهنّ في فروجهنّ، وإنّما معناه، فأتوهنّ من قبل قبلهنّ في فروجهنّ، كما يقال: أتيت هذا الأمر من مأتاه.
قيل له: إن كان ذلك كذلك، فلا شكّ أنّ مأتيّ الأمر ووجهه غيره، وأنّ ذلك مطلبه. فإن كان ذلك على ما زعمتم، فقد يجب أن يكون معنى قوله: {فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه} غير الّذي زعمتم أنّه معناه بقولكم: ائتوهنّ من قبل مخرج الدّم ومن حيث أمرتم باعتزالهنّ، ولكنّ الواجب أن يكون تأويله على ذلك: فأتوهنّ من قبل وجوههنّ في أقبالهنّ، كما كان قول القائل ائت الأمر من مأتاه إنّما معناه: اطلبه من مطلبه، ومطلب الأمر غير الأمر المطلوب، فكذلك يجب أنّ يكون مأتيّ الفرج الّذي أمر اللّه في قولهم بإتيانه غير الفرج. وإذا كان ذلك وكان معنى الكلام عندهم: فأتوهنّ من قبل وجوههنّ في فروجهنّ، وجب أن يكون على قولهم محرّمًا إتيانهنّ في فروجهنّ من قبل أدبارهنّ، وذلك إن قالوه خرج من قاله من قيل أهل الإسلام، وخالف نصّ كتاب اللّه تعالى ذكره وقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
[جامع البيان: 3/741]
وذلك أنّ اللّه يقول: {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم} وأذن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في إتيانهنّ في فروجهنّ من قبل أدبارهنّ.
فقد تبيّن إذًا إذ كان الأمر على ما وصفنا فساد تأويل من قال معنى ذلك: فأتوهنّ في فروجهنّ حيث نهيتكم عن إتيانهنّ في حال حيضهنّ، وصحّة القول الّذي قلناه، وهو أنّ معناه: فأتوهنّ في فروجهنّ من الوجه الّذي أذن اللّه لكم بإتيانهنّ، وذلك حال طهرهنّ وتطهّرهنّ دون حال حيضهنّ). [جامع البيان: 3/742]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ اللّه يحبّ التّوّابين ويحبّ المتطهّرين}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {إنّ اللّه يحبّ التّوّابين} المنيبين من الإدبار عن اللّه وعن طاعته إليه وإلى طاعته وقد بيّنّا معنى التّوبة قبل.
واختلف في معنى قوله: {ويحبّ المتطهّرين} فقال بعضهم: هم المتطهّرون بالماء.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، قال: حدّثنا طلحة، عن عطاءٍ، قوله: {إنّ اللّه يحبّ التّوّابين} قال: التّوّابين من الذّنوب، {ويحبّ المتطهّرين} قال: المتطهّرين بالماء للصّلاة.
[جامع البيان: 3/742]
- حدّثني أحمد بن حازمٍ، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا طلحة، عن عطاءٍ، مثله.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن طلحة بن عمرٍو، عن عطاءٍ: {إنّ اللّه يحبّ التّوّابين} من الذّنوب لم يصيبوها {ويحبّ المتطهّرين} بالماء للصّلاة.
وقال آخرون: معنى ذلك إنّ اللّه يحبّ التّوّابين من الذّنوب، ويحبّ المتطهّرين من أدبار النّساء أن يأتوها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أحمد بن حازمٍ، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا إبراهيم بن نافعٍ، قال: سمعت سليما، مولى أمّ عليٍّ، قال: سمعت مجاهدًا، يقول: من أتى امرأته في دبرها فليس من المتطهّرين.
وقال آخرون: معنى ذلك: ويحبّ المتطهّرين من الذّنوب أن يعودوا فيها بعد التّوبة بها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: {يحبّ التّوّابين} من الذّنوب لم يصيبوها {ويحبّ المتطهّرين} من الذّنوب: لا يعودون فيها.
[جامع البيان: 3/743]
وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب قول من قال: إنّ اللّه يحبّ التّوّابين من الذّنوب، ويحبّ المتطهّرين بالماء للصّلاة؛ لأنّ ذلك هو الأغلب من ظاهر معانيه. وذلك أنّ اللّه تعالى ذكره ذكر أمر المحيض، فنهاهم عن أمورٍ كانوا يفعلونها في جاهليّتهم، من تركهم مساكنة الحائض، ومؤاكلتها، ومشاربتها، وأشياء غير ذلك ممّا كان تعالى ذكره يكرهها من عباده. فلمّا استفتى أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رسول اللّه عن ذلك أوحى اللّه تعالى إليه في ذلك، فبيّن لهم ما يكرهه ممّا يرضاه ويحبّه، وأخبرهم أنّه يحبّ من خلقه من أناب إلى رضاه ومحبّته، تائبًا ممّا يكرهه. وكان ممّا بيّن لهم من ذلك أنّه قد حرّم عليهم إتيان نسائهم وإن طهرن من حيضهنّ حتّى يغتسلن، ثمّ قال: {ولا تقربوهنّ حتّى يطهرن فإذا تطهّرن فأتوهنّ} فإنّ اللّه يحبّ المتطهّرين، يعني بذلك المتطهّرين من الجنابة والأحداث للصّلاة، والمتطهّرات بالماء من الحيض، والنّفاس، والجنابة، والأحداث من النّساء. وإنّما قال: ويحبّ المتطهّرين، ولم يقل المتطهّرات، وإنّما جرى قبل ذلك ذكر التّطهّر للنّساء؛ لأنّ ذلك بذكر المتطهّرين يجمع الرّجال والنّساء، ولو ذكر ذلك بذكر المتطهّرات لم يكن للرّجال في ذلك حظٌّ، وكان للنّساء خاصّةً، فذكر اللّه تعالى ذكره بالذّكر العامّ جميع عباده المكلّفين، إذ كان قد تعبّد جميعهم بالتّطهّر بالماء، وإن اختلفت الأسباب الّتي توجب التّطهّر عليهم بالماء في بعض المعاني واتّفقت في بعضٍ). [جامع البيان: 3/744]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ويسألونك عن المحيض قل هو أذًى فاعتزلوا النّساء في المحيض ولا تقربوهنّ حتّى يطهرن فإذا تطهّرن فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه إنّ اللّه يحبّ التّوّابين ويحبّ المتطهّرين (222)
قوله تعالى: ويسألونك عن المحيض
- حدّثنا محمّد بن أحمد بن الجنيد الدّقاق البغداديّ، ثنا عمرو بن عاصمٍ الكلابيّ، ثنا حمّاد بن سلمة، أنبأ ثابتٌ وعاصمٌ الأحول، عن أنس بن مالكٍ، أنّ اليهود كانوا إذا حاضت منهم المرأة، أخرجوها من البيت، ولم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوها في البيوت، فسئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن ذلك، فأنزل اللّه تعالى ويسئلونك عن المحيض قل هو أذى الآية. قال: فأمرهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يؤاكلوهنّ وأن يكونوا معهنّ في البيوت، وأن يصيبوا كلّ شيءٍ، إلا النّكاح.
- حدّثنا عبد اللّه بن أحمد الدّشتكيّ، حدّثني أبي، عن أبيه عن إبراهيم الصّائغ، عن يزيد النّحويّ، عن عكرمة، أنّ ابن عبّاسٍ أخبره أنّ القرآن أنزل في شأن الحائض، والمسلمون يخرجونهنّ من بيوتهنّ كفعل العجم. ثمّ استفتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في ذلك. فجاء القرآن في ذلك: فقال الله لرسوله: ويسئلونك عن المحيض
- قرأت على محمّد بن الفضل بن موسى، ثنا محمّد بن عليّ بن الحسن ابن شقيقٍ، أنبأ محمّد بن مزاحمٍ، عن بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان، قوله: ويسألونك عن المحيض أنزلت في ثابت بن الدّحداح، هو وأبو الدّحداح صاحب الحديقة). [تفسير القرآن العظيم: 1/400]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: هو أذًى
- حدّثنا عبد اللّه بن أحمد، حدّثني أبي، حدّثني أبي، عن أبيه عن إبراهيم الصّائغ، عن يزيد النّحويّ، عن عكرمة أنّ ابن عبّاسٍ أخبره أنّ القرآن أنزل في شأن الحائض، فقال الله عز وجل لرسوله: ويسئلونك عن المحيض قال:
قل هو أذًى لهم أذى.
[تفسير القرآن العظيم: 2/400]
- حدّثنا أسيد بن عاصمٍ، ثنا الحسين بن حفصٍ، ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في هذه الآية: ويسئلونك عن المحيض قل هو أذًى قال:
الدّم: أذًى.
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق أنبأ معمرٌ، عن قتادة في قوله: ويسئلونك عن المحيض قل هو أذًى قال: قذرٌ. قال أبو محمّدٍ: وروي عن السّدّيّ نحو قول قتادة). [تفسير القرآن العظيم: 1/401]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: فاعتزلوا النّساء في المحيض
- حدّثنا عبد اللّه بن أحمد، حدّثني أبي، عن أبيه عن إبراهيم يعني:
الصّائغ، عن يزيد النّحويّ عن عكرمة، أنّ ابن عبّاسٍ أخبره أنّ القرآن أنزل في شأن الحائض، المسلمون يخرجونهم من بيوتهم كفعل العجم، فاستفتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في ذلك، فجاء القرآن في ذلك، فقال اللّه لرسوله: ويسئلونك عن المحيض قال اللّه: هو أذًى لهم أذًى فاعتزلوا النّساء في المحيض فظنّ المؤمنون أنّ الاعتزال، كما كانوا يفعلون، يخرجونهم من بيوتهم، حتّى إذا قرأ آخر الآية، فهم المؤمنون ما الاعتزال إذ قال اللّه: ولا تقربوهنّ حتّى يطهرن
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ ابن أبي طلحة، عن ابن عبّاس، قوله: فاعتزلوا النّساء في المحيض يقول:
اعتزلوا نكاح فروجهنّ. قال أبو محمّدٍ: وروي عن مجاهدٍ ومقاتل بن حيّان، نحو ذلك.
- حدّثنا عبد اللّه بن سعيدٍ أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا ابن يمانٍ عن الزّبرقان، قال: سألت أبا رزينٍ، عن قوله: فاعتزلوا النّساء في المحيض قال: ائتوهنّ من قبل الطّهر، ولا تأتونهنّ من قبل الحيض). [تفسير القرآن العظيم: 1/401]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: ولا تقربوهنّ
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي حدّثني عمّي الحسين، عن أبيه، عن جدّه، عن ابن عبّاسٍ: ولا تقربوهنّ حتّى يطهرن قال:
يقول: إذا طهرت من الدّمّ. قال أبو محمّدٍ: وروي عن عكرمة ومجاهدٍ والحسن نحو ذلك.
[تفسير القرآن العظيم: 2/401]
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ، أنبأ محمّد بن مزاحمٍ، عن بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان: حتّى يطهرن يعني يغتسلن من المحيض). [تفسير القرآن العظيم: 1/402]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: فإذا تطهّرن
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، يعني قوله: فإذا تطهّرن يقول: إذا طهرت من الدّمّ، وتطهّرت بالماء. قال أبو محمّدٍ: وروي عن مجاهدٍ وعكرمة والحسن ومقاتل ابن حيّان واللّيث بن سعدٍ، نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/402]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: فأتوهن من حيث أمركم الله
[الوجه الأول]
- أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً، أنبأ ابن وهبٍ، أخبرني أبو صخرٍ عن أبي معاوية البجلي يعني: عمار الدهني، عن سعيد بن جبيرٍ قال بينا أنا ومجاهدٌ جالسان عند ابن عبّاسٍ إذ أتاه رجلٌ، فقال ألا تشفيني عن آية الحيض؟ قال: بلى فاقترأ: ويسئلونك عن المحيض قل هو أذًى إلى قوله: فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه فقال ابن عبّاسٍ: من حيث جاء الدّمّ، من ثمّ أمرت أن تأتي.
قال أبو محمّدٍ: وروي عن مجاهدٍ وإبراهيم، أنّهما قالا: في الفرج.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ، ثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، عن سفيان، عن الأعمش، عن أبي رزينٍ: فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه قال: من قبل الطّهر. قال أبو محمّدٍ: وروي عن عكرمة والرّبيع بن أنسٍ وقتادة والضّحّاك. ومقاتل بن حيّان وعطاءٍ الخراسانيّ، نحو ذلك.
والوجه الثّالث
- حدّثنا محمّد بن إسماعيل الأحمسيّ، ثنا وكيعٌ، عن إسماعيل الأزرق، عن أبي محمّدٍ الأسديّ، عن ابن الحنفيّة، في قوله: فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه قال: من قبل الحلال، من قبل التّزويج). [تفسير القرآن العظيم: 1/402]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: إنّ اللّه يحبّ التّوّابين
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا حفصٌ، ثنا عاصم بن سليمان الأحول عن الشّعبيّ قال: التّائب من الذّنب كمن لا ذنب له، ثمّ قرأ: إنّ اللّه يحبّ التّوّابين ويحبّ المتطهّرين
- حدّثنا أبي ثنا، أبو نعيمٍ الفضل بن دكينٍ، ثنا طلحة بن عمرٍو عن عطاءٍ، في قوله: إنّ اللّه يحبّ التّوّابين قال: التّوّابين من الذّنوب ويحبّ المتطهّرين قال: المتطهّرين بالماء للصّلاة. وروي عن أبي العالية ومجاهدٍ ومقاتل بن حيان وجابر ابن زيدٍ، نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/403]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: ويحبّ المتطهّرين
[الوجه الأول]
- حدّثنا عمرو بن عبد اللّه الأوديّ، ثنا وكيعٌ، عن شعبة، عن مسلمٍ القرّيّ، قال: قلت لابن عبّاسٍ: أصبّ الماء على رأسي وأنا محرمٌ؟ قال: لا بأس.
إنّ اللّه يقول يحبّ التّوّابين ويحبّ المتطهّرين
- حدّثنا محمّد بن عبد الرّحمن الهرويّ، ثنا أبو داود الحفريّ، عن سفيان، عن طلحة بن عمرٍو، عن عطاءٍ، في قوله: إنّ اللّه يحبّ التّوّابين قال:
التّوّابين من الذّنوب: ويحبّ المتطهّرين قال: المتطهّرين بالماء.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو أسامة، عن عوفٍ، عن المنهال، قال كنت عند أبي العالية، فتوضّأ وتوضّأت، فقلت: إنّ اللّه يحبّ التّوّابين ويحبّ المتطهّرين فقال: إنّ الطّهور بالماء لحسنٌ، ولكنّهم المتطهّرون من الذّنوب.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا سليمان بن داود القزّاز ثنا أبو داود، ثنا إبراهيم بن نافعٍ، عن سليمٍ يعني مولى أمّ عليٍّ، عن مجاهدٍ، قال: من فعله فليس من المتطهّرين، يعني:
من أتى امرأته في دبرها.
[تفسير القرآن العظيم: 2/403]
والوجه الرّابع:
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا سهل بن زنجلة، ثنا أبو يحيى التّيميّ، عن الأعمش، في قوله: إنّ اللّه يحبّ التّوّابين ويحبّ المتطهّرين قال: التّوبة من الذّنب والتّطهّر من الشّرك). [تفسير القرآن العظيم: 1/404]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ويسألونك عن المحيض قال أمروا أن يعتزلوا مجامعة النساء في المحيض ثم قال فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله قال أمروا أن يأتوهن إذا تطهرن من حيث نهوا عنه في محيضهن). [تفسير مجاهد: 107]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {ويسألونك عن المحيض} [البقرة: 222] وقوله: {نساؤكم حرثٌ لكم} [البقرة: 223].
- عن ابن عمر قال: إنّما أنزلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {نساؤكم حرثٌ لكم} [البقرة: 223] رخصةً في إتيان الدّبر.
رواه الطّبرانيّ في الأوسط عن شيخه عليّ بن سعيد بن بشيرٍ وهو حافظٌ، وقال فيه الدّارقطنيّ: ليس بذاك، وبقيّة رجاله ثقاتٌ.
- وعن أبي سعيدٍ قال: «أبعر رجلٌ امرأته على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقالوا: أبعر فلانٌ امرأته. فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم} {نساؤكم حرثٌ لكم} [البقرة: 223]».
رواه أبو يعلى عن شيخه الحارث بن سريجٍ البقّال وهو ضعيفٌ كذّابٌ.
- وعن ابن عمر «أنّ رجلًا أصاب امرأةً في دبرها زمن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأنكر ذلك النّاس، فأنزل اللّه: {نساؤكم حرثٌ لكم} [البقرة: 223]».
رواه الطّبرانيّ في الأوسط، وفيه يعقوب بن حميد بن كاسبٍ، وثّقه ابن حبّان وضعّفه الأكثرون، وبقيّة رجاله ثقاتٌ.
- وعن ابن عبّاسٍ قال: «جاء عمر إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه هلكت. فقال: " وما أهلكك؟ ". قال: حوّلت رحلي البارحة.
فلم يردّ عليّ شيئًا، قال: فأوحي إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم هذه الآية: {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم} [البقرة: 223] أقبل وأدبر واتّق الحيضة والدّبر».
رواه أحمد، ورجاله ثقاتٌ.
- وعن ابن عبّاسٍ قال: «نزلت هذه الآية: {نساؤكم حرثٌ لكم} [البقرة: 223] في أناسٍ من الأنصار أتوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فسألوه، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " ائتها على كلّ حالٍ إذا كان في الفرج».
رواه أحمد، وفيه رشدين بن سعدٍ وهو ضعيفٌ. قلت: وقد تقدّم في النّكاح أحاديث من هذا الباب.
- وعن جابرٍ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم
[مجمع الزوائد: 6/319]
«في قول اللّه تعالى: {ويسألونك عن المحيض قل هو أذًى فاعتزلوا النّساء في المحيض} [البقرة: 222] فقالوا: إنّ اليهود قالوا: من أتى امرأته في دبرها كان ولده أحول.
وكان نساء الأنصار لا يدعن أزواجهنّ يأتونهنّ من أدبارهنّ، فجاؤوا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فسألوه عن إتيان الرّجل امرأته وهي حائضٌ، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {ويسألونك عن المحيض قل هو أذًى فاعتزلوا النّساء في المحيض ولا تقربوهنّ حتّى يطهرن} [البقرة: 222] حتّى الأطهار {فإذا تطهّرن} [البقرة: 222] الاغتسال {فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه إنّ اللّه يحبّ التّوّابين ويحبّ المتطهّرين نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم} [البقرة: 222] إنّما الحرث من حيث الولد».
قلت: رواه مسلمٌ - باختصارٍ - رواه البزّار، وفيه عبيد اللّه بن يزيد بن إبراهيم القردوانيّ، ولم يروه عنه غير ابنه، وبقيّة رجاله وثّقوا). [مجمع الزوائد: 6/320]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (حدّثنا محمّد بن عبيد اللّه بن يزيد الحرّانيّ، حدّثني أبي، حدّثني سابق بن عبد اللّه الرّقّيّ، عن خصيفٍ، عن محمّد بن المنكدر، عن جابرٍ، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في قول اللّه تبارك وتعالى: {ويسألونك عن الحنيض قل هو أذًى فاعتزلوا النّساء في المحيض} [البقرة: 222] فقال: إنّ اليهود قالوا: من أتى امرأته، في دبرها كان ولده أحول، وكنّ نساء الأنصار لا يدعن أزواجهنّ يأتوهنّ من أدبارهنّ، فجاءوا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فسألوه عن
[كشف الأستار عن زوائد البزار: 3/41]
إتيان الرّجل امرأته وهي حائضٌ، فأنزل اللّه تبارك وتعالى: {ويسألونك عن الح،يض قل هو أذًى فاعتزلوا النّساء في الحليض ولا تقربوهنّ حتّى يطهرن} [البقرة: 222] الأطهار {فإذا تطهّرن} [البقرة: 222] الاغتسال {فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه إنّ اللّه يحبّ التّوّابين ويحبّ المتطهّرين {222} نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم} [البقرة: 222-223] إنّما الحرث من حيث الولد.
قلت: اختصره مسلمٌ.
قال البزّار: لا نعلمه عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إلا بهذا الإسناد). [كشف الأستار عن زوائد البزار: 3/42]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين.
أخرج أحمد، وعبد بن حميد والدارمي ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجة وأبو يعلى، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه، وابن حبان والبيهقي في "سننه" عن أنس أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة منهم أخرجوها من البيت ولم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوها في البيوت، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأنزل الله {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض} الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: جامعوهن في البيوت واصنعوا كل شيء إلا النكاح، فبلغ ذلك اليهود فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر فقالا: يا رسول الله إن اليهود
[الدر المنثور: 2/570]
قالت كذا وكذا أفلا نجامعهن فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننا أن قد وجد عليهما فخرجا فاستقبلهما هدية من لبن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل في أثرهما فسقاهما فعرفا أنه لم يجد عليهما.
وأخرج النسائي والبزار واللفظ له، عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى {ويسألونك عن المحيض} قال أن اليهود قالوا: من أتى المرأة من دبرها كان ولده أحول وكان نساء الأنصار لا يدعن أزواجهن يأتونهن من أدبارهن فجاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه عن إتيان الرجل امرأته وهي حائض فأنزل الله {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن}
بالإغتسال {فأتوهن من حيث أمركم الله}، (نساؤكم حرث لكم) إنما الحرث موضع الولد.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس، أن القرآن نزل في شأن الحائض والمسلمون يخرجونهن من بيوتهن كفعل العجم فاستفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك فأنزل الله {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في
[الدر المنثور: 2/571]
المحيض} فظن المؤمنون أن الإعتزال كما كانوا يفعلون بخروجهن من بيوتهن حتى قرأ آخر الآية ففهم المؤمنون ما الإعتزال إذ قال الله {ولا تقربوهن حتى يطهرن}.
وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله {ويسألونك عن المحيض} قال: الذي سأل عن ذلك ثابت بن الدحداح.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان في قوله {ويسألونك عن المحيض} قال: أنزل في ثابت بن الدحداح.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة قال: كان أهل الجاهلية لا تساكنهم حائض في بيت ولم يؤاكلوهم في إناء فأنزل الله الآية في ذلك فحرم فرجها ما دامت حائضا وأحل ما سوى ذلك.
وأخرج البخاري ومسلم عن عائشة أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال لها وقد حاضت: إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وسعيد بن منصور ومسدد في مسنده عن ابن مسعود قال: كان نساء بني اسرائيل يصلين مع الرجال في
[الدر المنثور: 2/572]
الصف فاتخذن قوالب يتطاولن بها لتنظر إحداها إلى صديقها فألقى الله عليهن الحيض ومنعهن المساجد وفي لفظ: فألقى عليهن الحيض فأخرن قال ابن مسعود: فأخروهن من حيث أخرهن الله.
وأخرج عبد الرزاق عن عائشة قالت: كان نساء بني اسرائيل يتخذن أرجلا من خشب يتشوفن للرجال في المساجد فحرم الله عليهن المساجد وسلطت عليهن الحيضة.
وأخرج أحمد والبيهقي في "سننه" عن يزيد بن بابنوس قال: قلت لعائشة: ما تقولين في العراك قالت الحيض تعنون قلنا: نعم، قالت: سموه كما سماه الله.
وأخرج الطبراني والداقطني عن أبي أمامة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال أقل الحيض ثلاث وأكثره عشر.
وأخرج الطبراني في الأوسط عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحائض تنتظر ما بينها وبين عشر فإن رأت الطهر فهي طاهرة
[الدر المنثور: 2/573]
وإن جاوزت العشر فهي مستحاضة.
وأخرج أبو يعلى والدارقطني عن أنس بن مالك قال: لتنتظر الحائض خمسا سبعا ثمانيا تسعا عشرا فإذا مضت العشر فهي مستحاضة.
وأخرج الدارقطني عن أنس قال: الحيض ثلاث وأربع وخمس وست وسبع وثمان وتسع وعشر.
وأخرج الدارقطني عن ابن مسعود قال: الحيض ثلاث وأربع وخمس وست وسبع وثمان وتسع وعشر فإن زاد فهي استحاضة.
وأخرج الدارقطني عن أنس قال: أدنى الحيض ثلاث وأقصاه عشر.
وأخرج الدارقطني عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقل الحيض ثلاث وأكثره عشرة أيام.
وأخرج الدارقطني عن أنس قال: لا يكون الحيض أكثر من عشرة.
وأخرج الدارقطني عن عطاء بن أبي رباح قال: أدنى وقت الحائض يوم
[الدر المنثور: 2/574]
وأخرج الدارقطني عن عطاء قال: أكثر الحيض خمسة عشر.
وأخرج الدارقطني عن شريك وحسين بن صالح قال: أكثر الحيض خمسة عشر.
وأخرج الطبراني عن شريك قال: عندنا امرأة تحيض خمسة عشر من الشهر حيضا مستقيما صحيحا.
وأخرج الدارقطني عن الأوزاعي قال: عندنا امرأة تحيض غدوة وتطهر عشية). [الدر المنثور: 2/575]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأمّا قوله تعالى: {قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض}.
أخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله {قل هو أذى} قال: الأذى الدم.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير عن قتادة في قوله {قل هو أذى} قال: هو قذر.
وأخرج ابن المنذر عن أبي إسحاق الطالقاني عن محمد بن حمير عن فلان بن السرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اتقوا النساء في المحيض فإن
[الدر المنثور: 2/575]
الجذام يكون من أولاد الحيض.
وأخرج أبو العباس السراج في مسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أتى امرأته وهي حائض فجاءه ولد أجذم فلا يلومن إلا نفسه.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس في قوله {فاعتزلوا النساء} يقول: اعتزلوا نكاح فروجهن.
وأخرج أبو داود والبيهقي عن بعض أزواج النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد من الحائض شيئا ألقى على فرجها ثوبا ثم صنع ما أراد.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير والنحاس في ناسخه والبيهقي عن عائشة أنها سئلت ما للرجل من امرأته وهي حائض فقالت: كل شيء إلا فرجها.
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود، وابن ماجة عن عائشة قالت كانت إحدانا إذا كانت حائضا فأراد النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن يباشرها أمرها أن تتزر في فور حيضتها ثم يباشرها، قالت: وأيكم يملك أربه كما كان
[الدر المنثور: 2/576]
رسول الله يملك إربه.
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والبيهقي عن ميمونة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يباشر امرأة من نسائه أمرها فاتزرت وهي حائض.
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والنسائي عن ميمونة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يباشر المرأة من نسائه وهي حائض إذا كان عليها إزار إلى أنصاف الفخذين أو الركبتين محتجزة به.
وأخرج أبو داود والنسائي والبيهقي عن عائشة قالت كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نبيت في الشعار الواحد وأنا حائض طامث فإن أصابه مني شيء غسل مكانه لم يعده وإن أصاب ثوبه مني شيء غسل مكانه لم يعده وصلى فيه
[الدر المنثور: 2/577]
وأخرج أبو داود عن عمارة بن غراب أن عمة له حدثته أنها سألت عائشة قالت: إحدانا تحيض وليس لها ولزوجها إلا فراش واحد قالت: أخبرك ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل فمضى إلى مسجده فلم ينصرف حتى غلبتني عيني وأوجعه البرد فقال: ادني مني، فقلت: إني حائض، فقال: وأن اكشفي عن فخذيك فكشفت عن فخذي فوضع خده وصدره على فخذي وحنيت عليه حتى دفى ء ونام.
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجة عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حضت يأمرني أن أتزر ثم يباشرني.
وأخرج مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن عائشة رضي الله عنها كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعة في ثوب واحد وأنها وثبت وثبة شديدة فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: مالك لعلك نفست - يعني الحيضة - قالت: نعم، فقال: شدي عليك إزارك ثم عودي إلى مضجعك.
وأخرج البخاري ومسلم والنسائي عن أم سلمة قالت بينا أنا مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم مضطجعة في خميصة إذ حضت فانسللت فأخذت ثياب حيضتي
[الدر المنثور: 2/578]
فقال: أنفست قلت: نعم، فدعاني فاضطجعت معه في الخميلة.
وأخرج ابن ماجة عن أم سلمة قالت كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في لحافه فوجدت ما تجد النساء من الحيضة فانسللت من اللحاف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنفست قلت: وجدت ما تجد النساء من الحيضة، قال: ذاك ما كتب على بنات آدم، قالت: فانسللت فأصلحت من شأني ثم رجعت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعالي فادخلي معي في اللحاف، قالت: فدخلت معه.
وأخرج ابن ماجة عن معاوية بن أبي سفيان أنه سأل أم حبيبة: كيف كنت تصنعين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحيض قالت: كانت إحدانا في فورها أول ما تحيض تشد عليها إزار إلى أنصاف فخذيها ثم تضطجع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج أبو داود، وابن ماجة عن عبد الله بن سعد الأنصاري أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يحل لي من إمرأتي وهي حائض فقال: لك ما فوق الإزار.
وأخرج الترمذي وصححه عن عبد الله بن سعد قال سألت النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن مؤاكلة الحائض فقال: واكلها
[الدر المنثور: 2/579]
وأخرج أحمد وأبو داود عن معاذ بن جبل قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يحل للرجل من امرأته وهي حائض قال: ما فوق الإزار والتعفف عن ذلك أفضل.
وأخرج مالك والبيهقي عن زيد بن أسلم أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ماذا يحل لي من إمرأتي وهي حائض فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لتشد عليها إزارها ثم شأنك بأعلاها.
وأخرج مالك والشافعي والبيهقي عن نافع عن عبد الله بن عمر أرسل إلى عائشة يسألها هل يباشر الرجل امرأته وهي حائض فقالت: لتشد إزارها على أسفلها ثم ليباشرها إن شاء.
وأخرج البيهقي عن عائشة أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم سئل ما يحل للرجل من المرأة الحائض قال: ما فوق الإزار.
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو يعلى عن عمر قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يحل للرجل من امرأته وهي حائض قال: ما فوق الإزار
[الدر المنثور: 2/580]
وأخرج الطبراني عن ابن عباس أن رجلا قال: يا رسول الله ما لي من إمرأتي وهي حائض قال: تشد إزارها ثم شأنك بها.
وأخرج الطبراني عن عبادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل ما يحل للرجل من امرأته وهي حائض قال: ما فوق الإزار وما تحت الأزرار منها حرام.
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أم سلمة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتقي سورة الدم ثلاثا ثم يباشر بعد ذلك.
وأخرج ابن جرير عن مسروق قال: قلت لعائشة: ما يحل للرجل من امرأته إذا كانت حائضا قال: كل شيء إلا الجماع.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن قال: لا بأس أن يلعب على بطنها وبين فخذيها). [الدر المنثور: 2/581]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أما قوله تعالى {ولا تقربوهن حتى يطهرن}.
أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس في قوله {ولا تقربوهن حتى يطهرن}
[الدر المنثور: 2/581]
قال: من الدم.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر والنحاس عن مجاهد في قوله {ولا تقربوهن حتى يطهرن} قال: حتى ينقطع الدم.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد، وعبد بن حميد والترمذي والنسائي، وابن ماجة والبيهقي في "سننه" عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجة والحاكم وصححه عن ابن عباس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال: يتصدق بدينار أو بنصف دينار.
وأخرج أبو داود والحاكم عن ابن عباس قال: إذا أصابها في الدم فدينار وإذا أصابها في انقطاع الدم فنصف دينار
[الدر المنثور: 2/582]
وأخرج الترمذي عن ابن عباس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال إذا كان دما أحمر فدينار وإذا كان دما أصفر فنصف دينار.
وأخرج أبو داود عن ابن عباس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أمره أن يتصدق بخمسي دينار.
وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال جاء رجل إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أصبت إمرأتي وهي حائض فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعتق نسمة وقيمة النسمة يومئذ دينار). [الدر المنثور: 2/583]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أما قوله تعالى: {فإذا تطهرن}.
أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه والبيهقي عن ابن عباس في قوله {فإذا تطهرن} قال: بالماء.
وأخرج سفيان بن عينية وعبد الرزاق في المصنف، وابن جرير، وابن المنذر والنحاس عن مجاهد في قوله {فإذا تطهرن} قال: إذا اغتسلن ولا تحل لزوجها حتى تغتسل
[الدر المنثور: 2/583]
وأخرج ابن جرير عن عكرمة، مثله.
وأخرج ابن جرير من وجه آخر، عن طاووس ومجاهد قالا: إذا طهرت أمرها بالوضوء وأصاب منها.
وأخرج ابن المنذر من وجه آخر عن مجاهد وعطاء قالا: إذا رأت الطهر فلا بأس ان تستطيب بالماء ويأتيها قبل أن تغتسل.
وأخرج البيهقي في "سننه" عن أبي هريرة قال: جاء أعرابي فقال: يا رسول الله إنا نكون بالرمل أربعة أشهر فيكون فينا النفساء والحائض والجنب فما ترى قال: عليكم بالصعيد.
وأخرج البخاري ومسلم والنسائي عن عائشة أن امرأة سألت النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن غسلها من المحيض فأمرها كيف أن تغتسل قال: خذي فرصة من مسك فتطهري بها، قالت: كيف أتطهر بها قال: تطهري بها، قال: كيف قال: سبحان الله تطهري بها، فاجتذبها فقلت:
[الدر المنثور: 2/584]
تتبعي أثر الدم). [الدر المنثور: 2/585]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أما قوله تعالى: {فأتوهن من حيث أمركم الله}.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {فأتوهن من حيث أمركم الله} قال: يعني أن يأتيها طاهرا غير حائض.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {فأتوهن من حيث أمركم الله} قال: طواهر غير حيض.
وأخرج الدارمي، وابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله {فأتوهن من حيث أمركم الله} قال: من حيث أمركم أن تعتزلوهن.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عكرمة، مثله.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس {فأتوهن من حيث أمركم الله} يقول: في الفرج ولا تعدوه إلى غيره.
وأخرج وكيع، وابن أبي شيبة عن مجاهد {فأتوهن من حيث أمركم الله} قال: حيث نهاكم الله أن تأتوهن وهن حيض يعني من قبل الفرج
[الدر المنثور: 2/585]
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي رزين {فأتوهن من حيث أمركم الله} قال: من قبل الطهر ولا تأتوهن من قبل الحيض.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن الحنفية {فأتوهن من حيث أمركم الله} قال: من قبل التزويج من قبل الحلال.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن مجاهد {فأتوهن من حيث أمركم الله} قال: من حيث خرج الدم فإن لم يأتها من حيث أمر فليس من التوابين ولا من المتطهرين). [الدر المنثور: 2/586]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أما قوله تعالى: {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين}.
أخرج وكيع، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن عطاء في قوله {إن الله يحب التوابين} من الذنوب {ويحب المتطهرين} قال: بالماء.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الأعمش في قوله {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين} قال: التوبة من الذنوب والتطهر من الشرك.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال: من أتى امرأته في دبرها فليس من المتطهرين
[الدر المنثور: 2/586]
وأخرج وكيع، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن أبي العالية: أن رأى رجلا يتوضأ فلما فرغ قال: اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين، قال: إن الطهور بالماء حسن ولكنهم المتطهرون من الذنوب.
وأخرج الترمذي عن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من توضأ فأحسن
الوضوء ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمد عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين فتحت له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيها شاء.
وأخرج ابن أبيب شيبة عن علي بن أبي طالب، أنه كان إذا فرغ من وضوئه قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله رب اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الضحاك قال: كان حذيفة إذا تطهر قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين.
وأخرج القشيري في الرسالة، وابن النجار عن أنس سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: التائب من الذنب كمن لا ذنب له وإذا أحب الله عبده لم
[الدر المنثور: 2/587]
يضره ذنب ثم تلا {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين} قيل: يا رسول الله وما علامة التوبة قال الندامة.
وأخرج وكيع، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن الشعبي قال: التائب من الذنب كمن لا ذنب له ثم قرأ {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين}.
وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي، وابن المنذر والبيهقي في الشعب عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون.
وأخرج أحمد في الزهد عن قتادة قال: أوحى الله إلى نبي من أنبياء بني اسرائيل أن كان بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن أبي حاتم عن ابن عباس، أنه قيل له أصب الماء على رأسي وأنا محرم قال: لا بأس {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين}). [الدر المنثور: 2/588]

تفسير قوله تعالى: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني الحارث عن ليث بن أبي سليم، عن عيسى بن قيس
[الجامع في علوم القرآن: 1/80]
عن ابن المسيب: {نساؤكم حرثٌ لكم}، قال: هو العزل، إن شئت عزلت، وإن شئت لم تعزل، وإن شئت سقيته، وإن شئت أظمأته). [الجامع في علوم القرآن: 1/81]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال كانت العرب تبرك نساءها وكانت اليهود تعيرهم يقولون إذا ولد لأحدهم ولد كان أحول فأنزل الله عز و جل نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم). [تفسير عبد الرزاق: 1/89]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن ابن خيثم عن ابن شابط عن حفصة بنت عبد الرحمن عن أم سلمة أن امرأة سألتها عن الرجل يأتي امرأته منحنية فسألت أم سلمة رسول الله فقال نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم صماما واحدا). [تفسير عبد الرزاق: 1/90]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (محمد بن كثير قال نا عبد الله بن وافد قال حدثني طلحة بن عمرو عن عطاء في قوله وقدموا لأنفسكم قال التسمية عند الجماع). [تفسير عبد الرزاق: 1/90]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو عوانة، عن محمّد بن المنكدر، عن جابرٍ قال: ((قالت اليهود: إنّما يكون الولد أحول إذا أتى الرّجل امرأته من خلفها، فأنزل اللّه - عزّ وجلّ -: {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم} من بين يديها، ومن خلفها، ولا يأتيها إلّا في المأتى)).
[سنن سعيد بن منصور: 3/840]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن محمّد بن المنكدر، قال: سمعت جابرًا يقول: ((كانت اليهود تقول: من أتى امرأته من دبرها في قبلها، كان الولد أحول، فنزلت: {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم} )).
[سنن سعيد بن منصور: 3/845]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا عبد العزيز بن محمّدٍ، عن يزيد بن عبد اللّه بن أسامة بن الهاد، عن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن حصين، عن (هرمي بن عبد اللّه) الواقفي، عن خزيمة بن ثابتٍ، أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم قال: ((إنّ اللّه لا يستحيي من الحقّ، لا تأتوا النساء في أدبارهنّ)).
[سنن سعيد بن منصور: 3/846]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، قال: نا يزيد بن عبد اللّه، عن عمارة بن خزيمة، عن أبيه، قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: ((إنّ اللّه لا يستحيي من الحقّ، لا تأتوا النّساء في أدبارهن)).
[سنن سعيد بن منصور: 3/862]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا إسماعيل بن إبراهيم، قال: حدّثني أبو عبد اللّه الشّقري، قال: حدّثني أبو القعقاع، قال: شهدت القادسيّة وأنا غلامٌ - أو يافعٌ -، قال: جاء رجلٌ إلى عبد اللّه فقال: آتي امرأتي كيف شئت؟ قال: ((نعم)). قال: وحيث شئت؟ قال: ((نعم)). قال: وأنّى شئت؟ قال: ((نعم)). قال: ففطن له رجلٌ، فقال: إنّه يريد أن يأتيها في مقعدتها، فقال: ((لا، محاشّ النساء عليكم حرام)) ). [سنن سعيد بن منصور: 3/864]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ): (باب {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم وقدّموا لأنفسكم} [البقرة: 223] الآية
[صحيح البخاري: 6/29]
- حدّثنا إسحاق، أخبرنا النّضر بن شميلٍ، أخبرنا ابن عونٍ، عن نافعٍ، قال: كان ابن عمر رضي اللّه عنهما: " إذا قرأ القرآن لم يتكلّم حتّى يفرغ منه، فأخذت عليه يومًا، فقرأ سورة البقرة، حتّى انتهى إلى مكانٍ، قال: تدري فيم أنزلت؟ قلت: لا، قال: أنزلت في كذا وكذا، ثمّ مضى
- وعن عبد الصّمد، حدّثني أبي، حدّثني أيّوب، عن نافعٍ، عن ابن عمر {فأتوا حرثكم أنّى شئتم} [البقرة: 223] . قال: يأتيها في، رواه محمّد بن يحيى بن سعيدٍ، عن أبيه، عن عبيد اللّه، عن نافعٍ، عن ابن عمر
[صحيح البخاري: 6/29]
- حدّثنا أبو نعيمٍ، حدّثنا سفيان، عن ابن المنكدر، سمعت جابرًا رضي اللّه عنه، قال: " كانت اليهود تقول: إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول، فنزلت: {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم} [البقرة: 223] "). [صحيح البخاري: 6/29]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله
- ثنا إسحاق ثنا النّضر بن شميل أنا ابن عون عن نافع قال كان ابن عمر رضي اللّه عنهما إذا قرأ القرآن لم يتكلّم حتّى يفرغ منه فأخذت عليه يومًا فقرأ سورة البقرة حتّى انتهى إلى مكان قال تدري فيم أنزلت قلت لا قال أنزلت في كذا وكذا ثمّ مضى
- وعن عبد الصّمد حدثني أبي حدثني أيّوب عن نافع عن ابن عمر {فأتوا حرثكم أنى شئتم} قال يأتيها في
رواه محمّد بن يحيى بن سعيد عن أبيه عن عبيدالله عن نافع عن ابن عمر
أما حديث عبد الصّمد فإنّه عطف على حديث النّضر وهكذا رواه أبو نعيم في
[تغليق التعليق: 4/180]
المستخرج عن أبي أحمد عن عبد الله بن محمّد عن إسحاق بن إبراهيم عن النّضر وعن عبد الصّمد فرقهما به
وقد قال أبو جعفر بن جرير في تفسيره ثنا أبو قلابة ثنا عبد الصّمد حدثني أبي عن أيّوب عن نافع عن ابن عمر في قوله {فأتوا حرثكم أنى شئتم} قال يأتيها في الدبر
وأما حديث محمّد بن يحيى بن سعيد فأخبرت عن أبي نصر بن الشرازي في كتابه عن عبد الحميد بن عبد الرشيد أن أبا العلاء الحسن بن أحمد بن الحسن الهمداني العطّار أخبرهم أنا أبو علّي الحسن بن أحمد بن الحسن المقرئ أنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد الحافظ ثنا سليمان بن أحمد بن أيّوب الطّبرانيّ ثنا علّي بن سعيد ثنا محمّد بن أبي عتاب الأعين أبو بكر ثنا محمّد بن يحيى بن سعيد القطّان ثنا أبي عن عبيدالله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال إنّما نزلت على رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم {نساؤكم حرث لكم} رخصة في إتيان الدبر
قال الطّبرانيّ لم يروه عن عبيدالله إلّا يحيى بن سعيد تفرد به ابنه محمّد بن يحيى
[تغليق التعليق: 4/181]
قلت ورواه الحسن بن سفيان في مسنده عن أبي بكر الأعين ولفظه أن رجلا وقع على امرأته فأنزل الله {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم}
ومن طريقه رواه أبو نعيم في المستخرج والحاكم في التّاريخ ورجاله ثقات). [تغليق التعليق: 4/182]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ): ( (بابٌ: {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم وقدّموا لأنفسكم} الآية (البقرة: 223)
أي: هذا باب فيه قوله تعالى: {نساؤكم حرث لكم} الآية قوله: {حرث لكم} أي: مواضع حرث لكم، وهذا مجاز شبههن بالمحارث تشبيها لما يلقى في أرحامهن من النطف الّتي منها النّسل بالبذر، وروى الإمام أحمد بإسناده إلى ابن عبّاس أنزلت هذه الآية {نساؤكم حرث لكم} في أناس من الأنصار أتوا النّبي صلى الله عليه وسلم، فسألوه. فقال النّبي صلى الله عليه وسلم: ائتها على كل حال إذا كان في الفرج، وروي أيضا عن ابن عبّاس، قال: جاء عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: يا رسول الله {هلكت} قال: ما الّذي أهلكك؟ قال: حولت رحلي البارحة فلم يرد عليه شيئا. قال: فأوحى الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} أقبل وأدبر واتّق الدبر والحيضة، ورواه التّرمذيّ، وقال: حسن غريب. قوله: (أنّى شئتم)، أي: كيف شئتم مقبلة أو مدبرة إذا كان في صمام واحد. أي: في مسلك واحد، والصمام ما يسد به الفرجة فسمى به الفرج ويجوز أن يكون في موضع صمام على حذف مضاف، وهو بكسر الصّاد المهملة وتحفيف الميم، ويروى بالسّين المهملة.
- حدّثنا إسحاق أخبرنا النّضر بن شميلٍ أخبرنا ابن عونٍ عن نافعٍ قال كان ابن عمر رضي الله عنهما إذا قرأ القرآن لم يتكلّم حتّى يفرغ منه فأخذت عليه يوما فقرأ سورة البقرة حتّى انتهى إلى مكانٍ قال تدري فما أنزلت؟ قلت: لا. قال: أنزلت في كذا وكذا ثمّ مضى.
مطابقته للتّرجمة تؤخذ من قوله: (في كذا وكذا) لأن المراد به في إتيان النّساء في أدبارهن على ما نذكره عن قريب. وإسحاق هو ابن راهويه يروي عن النّضر، بالضاد المعجمة ابن شميل، بالشين المعجمة مصغر شمل يروي عن عبد الله بن عون بفتح العين وبالنون. عن نافع مولى بن عمر عن عبد الله بن عمر.
وأخرج هذا الحديث في تفسيره، وقال بدل قوله: (حتّى انتهى إى مكان قال: تدري) إلى قوله: قلت: لا. قال: (نزلت في إتيان النّساء في أدبارهن) وهكذا أورده ابن جرير من طريق إسماعيل بن علية عن ابن عون مثله، وهذا قد فسر ذاك المبهم في حديث الباب قوله: (ثمّ مضى أي: في قراءته).
- وعن عبد الصّمد حدّثني أبي حدّثني أيّوب عن نافعٍ عن ابن عمر {فأتوا حرثكم أنّى شئتم} قال يأتيها في رواه محمّد بن يحيى بن سعيدٍ عن أبيه عن عبيد الله عن نافعٍ عن ابن عمر.
هذا معطوف على قوله أخبرنا بالنضر بن شميل، يعني: النّضر يروي أيضا عن عبد الصّمد بن عبد الوارث، وهو يروي عن أبيه عبد الوارث بن سعيد عن أيّوب السّختيانيّ عن نافع عن ابن عمر، رضي الله تعالى عنهما، وهذه الرّواية رواها جرير ابن في (التّفسير) عن أبي قلابة الرقاشي عن عبد الصّمد بن عبد الوارث حدثني أبي فذكره بلفظ: يأتيها في الدبر، ووقع هنا في رواية البخاريّ يأتيها في وسكت عن مجرورها، ولم يذكر في أي شيء، وهكذا وقع في جميع النّسخ، ولكن الحميدي ذكر
[عمدة القاري: 18/116]
في (الجمع بين الصّحيحين) يأتيها في الفرج، وبهذا قد تبين أن مجرور كما نفي هو الفرج، وقال بعضهم: هو من عنده بحسب فهمه وليس مطابقا لما في نفس الأمر، وأيد كلامه بقوله: وقد قال أبو بكر بن العربيّ أورد البخاريّ هذا الحديث في (التّفسير) فقال: يأتيها في وترك بياضًا. انتهى قلت: لا نسلم عدم المطابقة لما في نفس الأمر لأن ما في نفس الأمر عند من لا يرى إباحة إتيان النّساء في أدبارهن أن يقدر بعد كلمة في إمّا لفظ في الفرج، أو في القبل أو في موضع الحرث، والظّاهر من حال البخاريّ أنه لا يرى إباحة ذلك، ولكن لما ورد في حديث أبي سعيد الخدريّ ما يفهم منه إباحة ذلك، ووردت أحاديث كثيرة في منع ذلك تأمل في ذلك ولم يترجّح عنده في ذلك الوقت أحد الأمرين فترك بياضًا بعد في، ليكتب فيه ما يترجّح عنده من ذلك. والظّاهر أنه لم يدركه فبقي البياض بعده مستمرا فجاء الحميدي وقدر ذلك حيث قال: يأتيها في الفرج نظرا إلى حال البخاريّ أنه لا يرى خلافه. ولو كان الحميدي علم من حال البخاريّ أنه يبيح الإتيان في إدبار النّساء لم يقدر هذا بل كان يقدر يأتيها في أي موضع شاء، كما صرح في رواية ابن جرير في نفس حديث عبد الصّمد يأتيها في دبرها ثمّ قال: هذا القائل: هذا الّذي استعمله البخاريّ نوع من أنواع البديع يسمى الاكتفاء ولا بد له من نكتة يحسن سببها استعماله. قلت: ليت شعري من قال من أهل صناعة البديع أن حذف المجرور وذكر الجار وحده من أنواع البديع، والاكتفاء إنّما يكون في شيئين متضادين يذكر أحدها ويكتفي به عن الآخر كما في قوله تعالى: {سرابيل تقيكم الحر} (النّحل: 81) والتّقدير: والبرد أيضا، ولم يبين أيضا ما هو المحسن لذلك على أن جمهور النّحاة لا يجوزون حذف المجرور إلّا أن بعضهم قد جوز ذلك في ضرورة الشّعر. وقد عاب الإسماعيليّ على صنيع البخاريّ ذلك، فقال: جميع ما أخرج عن ابن عمر مبهم لا فائدة فيه، وقد رويناه عن عبد العزيز، يعني: الدّراوردي عن مالك، وعبيد الله بن عمر، وابن أبي ذئب ثلاثتهم عن نافع بالتفسير، ورواية الدّراوردي المذكورة قد أخرجها الدّارقطنيّ في (غرائب مالك) من طريقه عن الثّلاثة عن نافع نحو رواية ابن عون عنه، ولفظ: نزلت في رجل من الأنصار أصاب امرأته في دبرها فأعظم النّاس ذلك، قال: فقلت له من دبرها في قبلها؟ قال لا إلاّ في دبرها.
وأما اختلاف العلماء في هذا الباب فذهب محمّد بن كعب القرظيّ وسعيد بن يسار المدني ومالك إلى إباحة ذلك، واحتجّوا في ذلك بما رواه أبو سعيد، أن رجلا أصاب امرأته في دبرها فأنكر النّاس ذلك عليه، وقالوا: اثغرها؟ فأنزل الله عز وجل {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} (البقرة: 223) وقالوا: معنى الآية. حيث شئتم من القبل والدبر، وقال عياض: تعلق من قال: بالتحليل بظاهر الآية وقال ابن العربيّ في كتابه (أحكام القرآن) جوزته طائفة كثيرة، وقد جمع ذلك ابن شعبان في كتابه (جماع النسوان) وأسند جوازه إلى زمرة كبيرة من الصّحابة والتّابعين وإلى مالك من روايات كثيرة، وقال أبو بكر الجصّاص في كتابه (أحكام القرآن) المشهور عن مالك إباحة ذلك وأصحابه ينفون عنه هذه المقالة لقبحها وشناعتها وهي عنه أشهر من أن تدفع بنفيهم عنه وقد روى محمّد بن سعد عن أبي سليمان الجوزجاني، قال: كنت عند مالك بن أنس، فسئل عن النّكاح في الدبر، فضرب بيده على رأسه، وقال: السّاعة اغتسلت منه ورواه عنه ابن القاسم: ما أدركت أحدا اقتدى به في ديني يشك فيه أنه حلال، يعني: وطء المرأة في دبرها، ثمّ قرأ: {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} قال: فأي شيء أبين من هذا، وما أشك فيه وأما مذهب الشّافعي فيه فما قاله الطّحاويّ: حكى لنا محمّد بن عبد الله بن عبد الحكم أنه سمع الشّافعي يقول: ما صحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، في تحريمه ولا في تحليله والقياس أنه حلال. وقال الحاكم: لعلّ الشّافعي كان يقول ذلك في القديم، وأما في الجديد فصرح بالتّحريم.
وذهب الجمهور إلى تحريمه فمن الصّحابة عليّ بن أبي طالب ابن عبّاس وابن مسعود وجابر بن عبد الله وعبد الله بن عمرو بن العاص وأبو الدّرداء وخزيمة بن ثابت وأبو هريرة وعلي بن طلق وأم سلمة وقد اختلف عن عبد الله بن عمر بن الخطاب، والأصح عنه المنع، ومن التّابعين سعيد بن المسيب ومجاهد وإبراهيم النّخعيّ وأبو سلمة بن عبد الرّحمن وعطاء بن أبي رباح، ومن الأئمّة سفيان الثّوريّ وأبو حنيفة والشّافعيّ في الصّحيح، وأبو يوسف ومحمّد وأحمد وإسحاق وآخرون كثيرون، واحتجّوا في ذلك بأحاديث كثيرة منها: حديث ابن خزيمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إن الله لا يستحيي من الحق، لا تأتوا النّساء في أدبارهن، أخرجه الطّحاويّ والطّبرانيّ وإسناده صحيح ومنها: حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النّبي صلى الله عليه وسلم، قال: هي اللوطية
[عمدة القاري: 18/117]
الصّغرى، يعني وطء النّساء في أدبارهن، أخرجه الطّحاويّ بإسناد صحيح، والطّيالسي والبيهقيّ. ومنها: حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ينظر الله عز وجل إلى رجل وطىء امرأة في دبرها، أخرجه الطّحاويّ وابن أبي شيبة وابن ماجه وأحمد. ومنها حديث جابر بن عبد الله نحو حديث خزيمة وفي رواية لا بحل ما تأتي النّساء في حشوشهن وفي رواية في محاشهن اخرجه الطّحاويّ ومنها: حديث طلق بن عليّ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله لا يستحيي من الحق لا تأتوا النّساء في أعجازهن، أخرجه الطّحاويّ وابن أبي شيبة، وفي رواية في أعجازهن، أو قال: في أدبارهن، وأما الآية فتأولوها: بفأتوا حرثكم أنى شئتم مستقبلين ومستدبرين، ولكن في موضع الحرث، وهو الفرج. فإن قلت: القاعدة عندكم أن العبرة لعموم اللّفظ لا لخصوص السّبب. قلت: نعم لكن وردت أحاديث كثيرة فأخرجت الآية عن عمومها وأقصرتها على إباحة الوطء في الفرج، ولكن على أي وجه كان.
- حدّثنا أبو نعيم حدّثنا سفيان عن ابن المنكدر سمعت جابر ارضى الله عنه قال كانت اليهود تقول إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول فنزلت {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم} (البقرة: 223).
مطابقته للتّرجمة ظاهرة. وأبو نعيم الفضل بن دكين، وسفيان هو الثّوريّ قاله بعضهم: وذكر الحافظ المزي أنه سفيان بن عيينة، وابن المنكدر. بالنّون محمّد بن المنكدر.
والحديث أخرجه مسلم في النّكاح وغيره عن قتيبة. وأخرجه التّرمذيّ في التّفسير عن ابن أبي عمر. وأخرجه النّسائيّ في عشرة النّساء عن إسحاق بن إبراهيم وأخرجه ابن ماجه في النّكاح عن سهل بن أبي سهل، وغيره.
وظاهر حديث جابر هذا يوهم أنه مطابق لحديث ابن عمر، رضي الله تعالى عنهما، وليس كذلك فإنّه روى بوجوه كلها ترجع إلى معنى واحد، فروى الطّحاويّ من حديث الزّهريّ عن محمّد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله أن يهوديّا قال: إذا نكح الرجل امرأته مجبية خرج ولده أحول فأنزل الله تعالى: {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} إن شئتم مجبية، وإن شئتم غير مجببة إذا كان ذلك في صمام واحد. وأخرجه مسلم أيضا نحوه: وروى الطّحاويّ أيضا من حديث ابن جريج عن محمّد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله أن اليهود قالوا للمسلمين: من أتى امرأته وهي مدبرة جاء ولده أحول، فأنزل الله عز وجل: {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مدبرة ومقبلة ما كان في الفرج، وفي رواية لمسلم من طريق سفيان بن عيينة عن ابن المنكدر، بلفظ: إذا أتى الرجل امرأته من دبرها في قبلها، ومن طريق أبي حازم عن ابن المنكدر بلفظ: إذا أتيت المرأة من دبرها فحملت. وقوله: (فحملت) يدل على أن مراده أن الإتيان في الفرج لا في الدبر. وقال الطّحاويّ: ففي توقيت النّبي صلى الله عليه وسلم في ذلك على الفرج إعلام منه إيّاهم أن الدبر بخلاف ذلك. قلت: لأن تنصيصه على الفرج ينافي دخول الدبر قوله: (مجبية) من جبى يجبى تجبية، كعلى يعلى تعلية، ومادته جيم وياء موحدة وألف، ومعناه: مكّيّة على وجهها تشبيها بهيئة السّجود، وعن سعيد بن المسيب: أنزلت هذه الآية الكريمة في الغزل، أخرجه الدّارميّ ولفظه (نساؤكم حرث لكم أنى شئتم)، قال: إن شئت فاعزل وإن شئت فلا تعزل، ورواه الطّحاويّ عن ابن عبّاس نحوه: وعند الطّبريّ: أن أناسًا من حمير أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل منهم: يا رسول الله: إنّي رجل أحب النّساء، فكيف ترى في ذلك؟ فنزلت: وعنده مقاتل، قال: حييّ بن أخطب ونفر من اليهود للمسلمين إنّه لا يحل لكم جماع النّساء إلّا مستلقيات، وإنّا نجد في كتاب الله عز وجل أن جماع المرأة غير مستلقية دنس عند الله تعالى، فنزلت: وعن ابن عبّاس الحرث منبت الولد، وقال السّديّ: هي مزرعة يزع فيها أو يحرث فيها، وقال ابن حزم: ما رويت إباحة الوطء في دبرها إلاّ عن ابن عمرو وحده باختلاف عنه، وعن مالك باختلاف عنه فقط، وذكر أبو الحسن المرغيناني، أن من أتى امرأته في المحل المكروه فلا حد عليه عند الإمام أبي حنيفة ويعزر، وقال هو كالزّنا، وقال أبو زكريّا اتّفق العلماء الّذين يعتد بهم على تحريم وطء المرأة في دبرها قال: وقال أصحابنا: لا يحل الوطء في الدبر في شيء من الآدميّين ولا غيرهم من الحيوان على حال من الأحوال). [عمدة القاري: 18/118]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم وقدّموا لأنفسكم} [البقرة: 223] الآية
(باب) قوله تعالى: ({نساؤكم حرث لكم}) مبتدأ وخبر وجاز الإخبار عن الحرث بالمصدر
إما للمبالغة أو على حذف مضاف من الأوّل أي وطء نسائكم حرث أي كحرث أو الثاني أي نساؤكم ذوات حرث ولكم في موضع رفع صفة لحرث متعلق بمحذوف، وأفرد الخبر والمبتدأ جمع لأنه مصدر والأفصح فيه الإفراد والتذكير حينئذٍ.
وقال في الكشاف: حرث لكم مواضع حرث لكم، وهذا مجاز شبهن بالمحارث تشبيهًا لما يلقي في أرحامهن من النطف التي منها الغسل بالبذور.
قال في المصابيح: قوله؛ وهذا مجاز قيل باعتبار إطلاق الحرث على مواضع الحرث، وقيل باعتبار تغير حكم الكلمة في الإعراب من جهة حذف المضاف كما في: {واسأل القرية} [يوسف: 82] وقيل باعتبار حمل المشبه به على المشبه بعد حذف الأداة كما في زيد أسد فكثيرًا ما يقال له المجاز وإن لم يكن له استعارة وكأن التجوّز في ظاهر الحكم بأنه هو، ثم أشار إلى أن هذا التشبيه متفرع على تشبيه النطف الملقاة في أرحامهن بالبذور إذ لولا اعتبار ذلك لم يكن بهذا الحسن، وقيل المراد بالمجاز الاستعارة بالكناية لأن في جعل النساء محارث دلالة على أن النطف بذور على ما أشار إليه بقوله تشبيهًا لما يلقى الخ كما تقول: إن هذا الموضع لمفترس الشجعان.
قال المولى سعد الدين التفتازاني: ولا أرى ذلك جاريًا على القانون إلا أن يقال: التقدير نساؤكم حرث لنطفكم ليكون المشبه مصرحًا والمشبه به مكنيًا انتهى. وقد روي عن مقاتل فروج نسائكم مزرعة للولد.
({فأتوا حرثكم}) أي فأتوهن كما تأتون المحارث ({أنّى شئتم}) أي
[إرشاد الساري: 7/33]
كيف شئتم مستقبلين ومستدبرين إذا كان في صمام واحد، وقيل: أنى بمعنى حيث، وقيل: متى ({وقدّموا لأنفسكم}) [البقرة: 223] (الآية) أي ما يدخر لكم من الثواب وقيل هو طلب الولد وعند ابن جرير عن عطاء. قال: أراه عن ابن عباس {وقدّموا لأنفسكم} قال: يقول بسم الله التسمية عند الجماع، وسقط لأبي ذر قوله: {وقدموا لأنفسكم}.
- حدّثنا إسحاق، أخبرنا النّضر بن شميلٍ، أخبرنا ابن عونٍ، عن نافعٍ قال: كان ابن عمر -رضي الله عنهما- إذا قرأ القرآن لم يتكلّم حتّى يفرغ منه فأخذت عليه يومًا، فقرأ سورة البقرة حتّى انتهى إلى مكانٍ قال: تدرى فيما أنزلت؟ قلت: لا. قال: أنزلت في كذا وكذا ثمّ مضى. [الحديث 4526 - أطرافه في: 4527].
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد (إسحاق) هو ابن راهويه قال: (أخبرنا النضر بن شميل) بالضاد المعجمة وشميل بضم الشين المعجمة وفتح الميم قال: (أخبرنا ابن عون) بفتح العين المهملة وسكون الواو وبالنون عبد الله الفقيه المشهور (عن نافع) مولى ابن عمر أنه (قال: كان ابن عمر -رضي الله عنهما- إذا قرأ القرآن لم يتكلم) بغير القرآن (حتى يفرغ منه فأخدت عليه يومًا) أي أمسكت المصحف وهو يقرأ عن ظهر قلب، وعند الدارقطني في غرائب مالك من
رواية عبيد الله بن عمر عن نافع قال: قال لي ابن عمر: أمسك علي المصحف يا نافع (فقرأ سورة البقرة حتى انتهى إلى مكان) هو قوله: {نساؤكم حرث لكم} (قال: تدري فيما) بألف بعد الميم، ولأبي ذر: فيم (أنزلت) قال نافع: (قلت: لا. قال: أنزلت في كذا وكذا) أي في إتيان النساء في أدبارهن (ثم مضى) أي في قراءته، وقد ساق المؤلّف هذا الحديث مبهمًا لمكان الآية والتفسير.
وقد أخرج إسحاق بن راهويه في مسنده وتفسيره بالإسناد المذكور هنا هذا الحديث بلفظ: حتى انتهى إلى {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم} فقال: تدري فيم أنزلت هذه الآية؟ قلت: لا. قال: نزلت في إتيان النساء في أدبارهن فبين فيه ما أبهم هنا، ثم عطف المؤلّف على قوله أخبرنا النضر بن شميل قوله:
- وعن عبد الصّمد حدّثني أبي حدّثني أيّوب عن نافعٍ، عن ابن عمر {فأتوا حرثكم أنّى شئتم} قال: يأتيها في. رواه محمّد بن يحيى بن سعيدٍ عن أبيه، عن عبيد اللّه عن نافعٍ، عن ابن عمر.
(وعن عبد الصمد) هو ابن عبد الوارث التنوري أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (أبي) عبد الوارث بن سعيد قال: (حدّثني) بالإفراد أيضًا (أيوب) السختياني (عن نافع عن ابن عمر) -رضي الله عنهما- أنه قال: في قوله تعالى: ({فأتوا حرثكم أنى شئتم}) قال: (يأتيها) زوجها (في) بحذف المجرور وهو الظرف أي في الدبر كما وقع التصريح به عند ابن جرير في هذا الحديث من طريق عبد الصمد عن أبيه، قيل: وأسقط المؤلّف ذلك لاستنكاره، وقول الكرماني فيه دليل على جواز حذف المجرور والاكتفاء بالجار، عورض بأن هذا لا يجوز إلا عند بعض النحويين في ضرورة الشعر، وقول الحافظ ابن حجر أنه نوع من أنواع البديع يسمى الاكتفاء ولا بد من نكتة يحسن بسببها استعماله. تعقبه العيني فقال: ليت شعري من قال من أهل صناعة البديع أن حذف المجرور وذكر الجار وحده من أنواع البديع، والاكتفاء إنما يكون في شيئين متضادين يذكر أحدهما ويكتفى به عن الآخر كما في قوله تعالى: {سرابيل تقيكم الحر} [النحل: 81] أي والبرد. وأجاب في انتقاض الاعتراض بأن ما ذكره العيني هو أحد أنواع الاكتفاء والنوع الثاني: الاكتفاء ببعض الكلام وحذف باقيه، والثالث: أشذ منه وهو حذف بعض الكلمة. قال: وهذا المعترض لا يدري وينكر على من يدري انتهى.
وفي سراج المريدين أن المؤلّف ترك بياضًا بعد في فقال بعضهم: لأنه لما رأى أحاديث تدل للإباحة كحديث ابن عمر وأخرى تدل للمنع ولم يترجح عنده في ذلك شيء بيض له حتى يثبت عنده الترجيح فاخترمته المنية.
(رواه) أي الحديث (محمد بن يحيى بن سعيد) القطان البصري فيما رواه الطبراني في الأوسط (عن أبيه) يحيى بن سعيد بن فروخ بفتح الفاء وتشديد الراء المضمومة وسكون الواو ثم
معجمة (عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر (عن نافع عن ابن عمر) ولفظ الطبراني قال: إنما نزلت على رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم {نساؤكم حرث لكم} [البقرة: 223] رخصة في إتيان الدبر. قال الطبراني: لم يروه عن عبيد الله بن عمر إلاّ يحيى بن سعيد تفرد به ابنه.
قال في الفتح لم يتفرد به يحيى بن سعيد فقد رواه عبد العزيز الدراوردي عن عبيد الله بن عمر عن نافع أيضًا كما عند الدارقطني في غرائب مالك. ورواه الدارقطني أيضًا في الغرائب من طريق الدراوردي عن مالك عن نافع عن ابن عمر بلفظ: نزلت في رجل من
[إرشاد الساري: 7/34]
الأنصار أصاب امرأته في دبرها فأعظم الناس ذلك، فنزلت قال فقلت له من دبرها في قبلها. قال: لا إلا في دبرها، لكن قال الحافظ ابن كثير: لا يصح، وقال في الفتح: وتابع نافعًا على روايته زيد بن أسلم عن ابن عمر عند النسائي بإسناد صحيح، وتكلم الأزدي في بعض رواته وردّ عليه ابن عبد البر وأصاب. قال: ورواية ابن عمر لهذا المعنى صحيحة مشهورة من رواية نافع عنه فغير نكير أن يرويها عنه زيد بن أسلم. قال ابن أبي حاتم الرازي: لو كان هذا عند زيد بن أسلم عن ابن عمر لما أولع الناس بنافع، قال ابن كثير: وهذا تعليل منه لهذا الحديث، وقد رواه عن ابن عمر أيضًا ابنه عبد الله كما عند النسائي، وسالم ابنه وسعيد بن يسار كما عند النسائي وابن جرير، ولم يتفرد ابن عمر بذلك بل رواه أيضًا أبو سعيد الخدري كما عند ابن جرير والطحاوي في مشكله بلفظ: إن رجلًا أصاب امرأته في دبرها فأنكر الناس عليه فأنزل الله الآية.
وقد نقل إباحة ذلك عن جماعة من السلف لهذه الأحاديث وظاهر الآية ونسبه ابن شعبان لكثير من الصحابة والتابعين ولإمام الأئمة مالك في روايات كثيرة قال أبو بكر الجصاص في أحكام القرآن له المشهور عن مالك إباحته وأصحابه ينفون هذه المقالة عنه لقبحها وشناعتها وهي عنه أشهر من أن تندفع بنفيهم عنه انتهى.
لكن روى الخطيب عن مالك من طريق إسرائيل بن روح وقال: سألت مالكًا عن ذلك فقال: ما أنتم قوم عرب هل يكون الحرث إلا موضع الزرع لا تعدوا الفرج. قلت: يا أبا عبد الله إنهم يقولون إنك تقول ذلك. قال: يكذبون عليّ يكذبون عليّ، فالظاهر أن أصحابه المتأخرين اعتمدوا على هذه القصة، ولعل مالكًا رجع عن قوله الأول أو كان يرى العمل على خلاف حديث ابن عمر فلم يعمل به، وإن كانت الرواية فيه صحيحة على قاعدته، ولذا قال بعض المالكية: إن ناقل إباحته عن مالك كاذب مفتر، ونقل عن ابن وهب أنه قال: سألت مالكًا فقلت حكوا عنك أنك تراه. قال: معاذ الله وتلا: {نساؤكم حرث لكم} قال: ولا يكون الحرث إلا موضع الزرع وإنما نسب هذا الكتاب السر هو كتاب مجهول لا يعتمد عليه. قال القرطبي ومالك أجلّ من أن يكون له كتاب سر، ومذهب الشافعي وأبي حنيفة وصاحبيه وأحمد والجمهور التحريم لورود النهي عن فعله وتعاطيه، ففي حديث خزيمة بن ثابت عند أحمد نهى رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم أن يأتي الرجل امرأته في دبرها. وحديث ابن عباس عند الترمذي مرفوعًا: لا
ينظر الله إلى رجل أتى امرأته في دبرها في أحاديث كثيرة يطول ذكرها وحملوا ما ورد عن ابن عمر على أنه يأتيها في قبلها من دبرها. وقد روى النسائي بإسناد صحيح عن أبي النضر أنه قال لنافع: إنه قد أكثر عليك القول أنك تقول عن ابن عمر أنه أفتى أن تؤتى النساء في أدبارهن. قال: كذبوا عليّ، ولكن سأحدثك كيف كان الأمر إن ابن عمر عرض المصحف يومًا وأنا عنده حتى بلغ: {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم} [البقرة: 223] فقال: يا نافع هل تعلم من أمر هذه الآية؟ قلت: لا. قال: إنّا كنا معشر قريش نحني النساء فلما دخلنا المدينة ونكحنا نساء الأنصار أردنا منهن مثل ما كنا نريد، فإذا هن قد كرهن ذلك وأعظمنه، وكانت نساء الأنصار قد أخذن بحال اليهود إنما يؤتين على جنوبهن فأنزل الله {نساؤكم حرث لكم}.
وقد روى أبو جعفر الفريابي عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن ابن عمر مرفوعًا: "سبعة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ويقول ادخلوا النار مع الداخلين. الفاعل والمفعول به وناكح يده وناكح البهيمة وناكح المرأة في دبرها والجامع بين المرأة وابنتها والزاني بحليلة جاره والمؤذي جاره حتى يلعنه".
وأما ما حكاه الطحاوي عن محمد بن عبد الحكم أنه سمع الشافعي يقول: ما صح عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم في تحليله ولا تحريمه شيء، والقياس أنه حلال فقال أبو نصر بن الصباغ: كان يحلف بالله الذي لا إله إلا هو لقد كذب يعني ابن عبد الحكم على الشافعي في ذلك، فإن الشافعي نص على تحريمه في ستة كتب من كتبه انتهى.
[إرشاد الساري: 7/35]
وأما ما ذكره الحاكم في مناقب الشافعي من طريق ابن عبد الحكم أيضًا أنه حكى عن الشافعي مناظرة جرت بينه وبين محمد بن الحسن في ذلك، وأن ابن الحسن احتج عليه بأن الحرث إنما يكون في الفرج فقال له: فيكون ما سوى الفرج محرمًا فالتزمه فقال: أرأيت لو وطئها بين ساقيها أو في أعكانها أي ذلك حرث؟ قال: لا. قال: أفيحرم؟ قال: لا. قال: فكيف تحتج بما لا تقول به فيحتمل كما قال الحاكم أن يكون ألزم محمدًا بطريق المناظرة وأن كان لا يقول بذلك والحجة عنده التحريم غير المسلك الذي سلكه محمد كما يشير إليه كلامه في الأم.
- حدّثنا أبو نعيمٍ، حدّثنا سفيان عن ابن المنكدر، سمعت جابرًا -رضي الله عنه- قال: كانت اليهود تقول إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول، فنزلت: {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم}.
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا سفيان) هو الثوري كما جزم به في الفتح ونقل في العمدة عن المزي أنه ابن عيينة (عن ابن المنكدر) محمد أنه قال: "سمعت جابرًا -رضي الله عنه- قال: كانت اليهود تقول إذا جامعها من ورائها) لفظ رواية الإسماعيلي من طريق يحيى بن أبي زائدة عن سفيان الثوري باركة مدبرة في فرجها من ورائها. وعند مسلم من طريق
سفيان بن عيينة عن ابن المنكدر إذا أتى الرجل امرأته من دبرها في قبلها. ومن طريق أبي حازم عن ابن المنكدر فحملت (جاء الولد أحول فنزلت) تكذيبًا لليهود في زعمهم ({نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم}) فأباح للرجال أن يتمتعوا بنسائهم كيف شاؤوا أي فأتوهن كما تأتون أرضكم التي تريدون أن تحرثوها من أي جهة شئتم لا يحظر عليكم جهة دون جهة، والمعنى جامعوهن من أي شق أردتم بعد أن يكون المأتي واحدًا وهو موضع الحرث، وهذا من الكنايات اللطيفة والتعريضات المستحسنة قاله الزمخشري.
قال الطيبي: لأنه أبيح لهم أن يأتوها من أي جهة شاؤوا كالأراضي المملوكة، وقيد بالحرث ليشير أن لا يتجاوز البتة موضع البذر، وأن يتجاوز عن مجرد الشهوة فالغرض الأصلي طلب النسل لا قضاء الشهوة.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في النكاح وغيره، والترمذي في التفسير، والنسائي في عشرة النساء، وابن ماجه في النكاح). [إرشاد الساري: 7/36]
- قال محمدُ بنُ عبدِ الهادي السِّنْديُّ (ت: 1136هـ) : (باب {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم}
قوله: ({فأتوا حرثكم أنى شئتم}) فأباح للرجال أن يتمتعوا بنسائهم كيف شاءوا، أي:
[حاشية السندي على البخاري: 3/41]
فأتوهن كما تأتون أرضكم التي تريدون أن تحرثوها من أي جهة شئتم لا يحظر عليكم جهة دون جهة، والمعنى جامعوهن من أي شق أردتم بعد أن يكون المأتى واحداً، وهو موضع الحرث، وهذا من الكنايات اللطيفة والتعريضات المستحسنة، قاله الزمخشري. قال الطيبي: لأنه أبيح لهم أن يأتوهن من أي جهة شاءوا كالأراضي المملوكة، وقيد بالحرث ليشير أن لا يتجاوز ألبتة موضع البذر، وأن يتجاوز عن مجرد الشهوة فالغرض الأصلي طلب النسل لا قضاء الشهوة اهـ قسطلاني). [حاشية السندي على البخاري: 3/42]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، عن حمّاد بن سلمة، عن ثابتٍ، عن أنسٍ، نحوه بمعناه.
حدّثنا ابن أبي عمر، قال: حدّثنا سفيان، عن ابن المنكدر، سمع جابرًا، يقول: كانت اليهود تقول: من أتى امرأته في قبلها من دبرها كان الولد أحول، فنزلت: {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم}.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ). [سنن الترمذي: 5/65]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، قال: حدّثنا سفيان، عن ابن خثيمٍ، عن ابن سابطٍ، عن حفصة بنت عبد الرّحمن، عن أمّ سلمة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في قوله تعالى: {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم} يعني: صمامًا واحدًا.
هذا حديثٌ حسنٌ، وابن خثيمٍ هو: عبد الله بن عثمان بن خثيمٍ، وابن سابطٍ هو: عبد الرّحمن بن عبد الله بن سابطٍ الجمحيّ المكّيّ، وحفصة هي بنت عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ الصّدّيق. ويروى في سمامٍ واحدٍ). [سنن الترمذي: 5/65]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا عبد بن حميدٍ، قال: حدّثنا الحسن بن موسى، قال: حدّثنا يعقوب بن عبد الله الأشعريّ، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: جاء عمر إلى رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول الله هلكت قال: وما أهلكك؟ قال: حوّلت رحلي اللّيلة، قال: فلم يردّ عليه رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم شيئًا، قال: فأوحي إلى رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم هذه الآية: {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم} أقبل وأدبر، واتّق الدّبر والحيضة.
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ، ويعقوب بن عبد الله الأشعريّ هو: يعقوب القمّيّ). [سنن الترمذي: 5/66]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم}
- أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا سفيان، عن ابن المنكدر، عن جابرٍ، قال: كانت اليهود تقول في الرّجل يأتي امرأته من قبل دبرها في قبلها إنّ الولد يكون أحول، فنزلت {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم} [البقرة: 223]
[السنن الكبرى للنسائي: 10/31]
10972 - أخبرنا قتيبة بن سعيدٍ، حدّثنا أبو عوانة، عن محمّد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، قال: قالت اليهود: إذا أتى الرّجل امرأته من قبل دبرها كان الحول من ذلك، فأنزل الله تبارك وتعالى {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا} [البقرة: 223] قال: قائمًا وقاعدًا وباركًا بعد أن يكون في المأتى "
[السنن الكبرى للنسائي: 10/32]
10973 - أخبرنا أحمد بن الخليل، حدّثنا يونس بن محمّدٍ، حدّثنا يعقوبٌ، حدّثنا جعفرٌ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: جاء عمر بن الخطّاب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: " يا رسول الله، هلكت، قال: «وما الّذي أهلكك؟» قال: حوّلت رحلي اللّيلة، فلم يردّ عليه شيئًا، قال: فأوحي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هذه الآية {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم} [البقرة: 223] يقول: أقبل وأدبر، واتّق الدّبر والحيضة "). [السنن الكبرى للنسائي: 10/32]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم وقدّموا لأنفسكم واتّقوا اللّه واعلموا أنّكم ملاقوه وبشّر المؤمنين}.
يعني تعالى ذكره بذلك: نساؤكم مزدرع أولادكم، فأتوا مزدرعكم كيف شئتم، وأين شئتم. وإنّما عنى بالحرث وهو الزرع المحترث المزدرع، ولكنّهنّ لمّا كنّ من أسباب الحرث جعلن حرثًا، إذ كان مفهومًا معنى الكلام.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن عبيدٍ المحاربيّ، قال: حدّثنا ابن المبارك، عن يونس، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: {فأتوا حرثكم} قال: منبت الولد.
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {نساؤكم حرثٌ لكم} أمّا الحرث فهي مزرعةٌ يحرث فيها). [جامع البيان: 3/745]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فأتوا حرثكم أنّى شئتم}.
يعني تعالى ذكره بذلك: فانكحوا مزدرع أولادكم من حيث شئتم من وجوه المأتى. والإتيان في هذا الموضع كنايةٌ عن اسم الجماع.
واختلف أهل التّأويل في معنى قوله: {أنّى شئتم} فقال بعضهم: معنى أنّى: كيف.
[جامع البيان: 3/745]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن عطيّة، قال: حدّثنا شريكٌ، عن عطاءٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {فأتوا حرثكم أنّى شئتم} قال: يأتيها كيف شاء ما لم يكن يأتيها في دبرها أو في الحيض.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا شريكٌ، عن عطاءٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم} قال: ائتها أنّى شئت مقبلةً، ومدبرةً، ما لم تأتها في الدّبر، والمحيض.
- حدّثنا عليّ بن داود، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {فأتوا حرثكم أنّى شئتم} يعني بالحرث: الفرج، يقول: تأتيه كيف شئت مستقبلةً، ومستدبرةً وعلى أيّ ذلك أردت بعد أن لا تجاوز الفرج إلى غيره، وهو قوله: {فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه}.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق الأهوازيّ، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا شريكٌ، عن عبد الكريم، عن عكرمة: {فأتوا حرثكم أنّى شئتم} قال: يأتيها كيف شاء ما لم يعمل عمل قوم لوطٍ.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا الحسن بن صالحٍ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ: {فأتوا حرثكم أنّى شئتم} قال: يأتيها كيف شاء، واتّق الدّبر، والحيض.
[جامع البيان: 3/746]
- حدّثني عبيد اللّه بن سعدٍ، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه قال: حدّثني يزيد، أنّ ابن كعبٍ، كان يقول: إنّما قوله: {فأتوا حرثكم أنّى شئتم} يقول: ائتها مضطجعةً، وقائمةً، ومنحرفةً، ومقبلةً، ومدبرةً كيف شئت إذا كان في قبلها.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا حصين، عن مرّة الهمدانيّ، قال: سمعته يحدّث: أنّ رجلاً من اليهود لقي رجلاً من المسلمين، فقال له: أيأتي أحدكم أهله باركًا؟ قال: نعم، قال: فذكر ذلك لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: فنزلت هذه الآية: {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم} يقول: كيف شاء بعد أن يكون في الفرج.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم} إن شئت قائمًا، أو قاعدًا، أو على جنبٍ إذا كان يأتيها من الوجه الّذي يأتي منه المحيض، ولا يتعدّى ذلك إلى غيره.
- حدّثنا موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {فأتوا حرثكم أنّى شئتم} ائت حرثك كيف شئت من قبلها، ولا تأتيها في دبرها {أنّى شئتم} قال: كيف شئتم.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ،
[جامع البيان: 3/747]
قال: أخبرنا عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلالٍ، أنّ عبد اللّه بن عليٍّ، حدّثه: أنّه، بلغه أنّ ناسًا من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم جلسوا يومًا ورجلٌ من اليهود قريبٌ منهم، فجعل بعضهم يقول: إنّي لآتي امرأتي وهي مضطجعةٌ، ويقول الآخر: إنّي لآتيها وهي قائمةٌ، ويقول الآخر: إنّي لآتيها على جنبها، وباركةً فقال اليهوديّ: ما أنتم إلاّ أمثال البهائم، ولكنّا إنّما نأتيها على هيئةٍ واحدةٍ، فأنزل اللّه تعالى ذكره: {نساؤكم حرثٌ لكم} فهو القبل.
وقال آخرون: معنى: {أنّى شئتم} من حيث شئتم، وأيّ وجهٍ أحببتم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا سهل بن موسى الرّازيّ، قال: حدّثنا ابن أبي فديكٍ، عن إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة الأشهليّ، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: أنّه كان يكره أن تؤتى، المرأة في دبرها ويقول: إنّما المحترث من القبل الّذي يكون منه النّسل، والحيض. وينهى عن إتيان المرأة في دبرها ويقول: إنّما نزلت هذه الآية: {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم} يقول: من أيّ وجهٍ شئتم.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا ابن واضحٍ، قال: حدّثنا العتكيّ، عن عكرمة: {فأتوا حرثكم أنّى شئتم} قال: ظهرها لبطنها غير معاجزةٍ، يعني الدّبر.
- حدّثنا عبيد اللّه بن سعدٍ، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن يزيد، عن الحارث بن كعبٍ، عن محمّد بن كعبٍ، قال: إنّ ابن عبّاسٍ، كان يقول: اسق نباتك من حيث نباته.
[جامع البيان: 3/748]
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قوله: {فأتوا حرثكم أنّى شئتم} يقول: من أين شئتم. ذكر لنا واللّه أعلم أنّ اليهود قالوا: إنّ العرب يأتون النّساء من قبل أعجازهنّ، فإذا فعلوا ذلك جاء الولد أحول؛ فأكذب اللّه أحدوثتهم، فقال: {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم}.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قال: يقول: ائتوا النّساء في غير أدبارهنّ على كلّ نحو.
- قال ابن جريجٍ: سمعت عطاء بن أبي رباحٍ، قال: تذاكرنا هذا عند ابن عبّاسٍ، فقال ابن عبّاسٍ: ائتوهنّ من حيث شئتم مقبلةً، ومدبرةً فقال رجلٌ: كأنّ هذا حلالٌ فأنكر عطاءٌ أن يكون هذا هكذا، وأنكره، كأنّه إنّما يريد الفرج مقبلةً، ومدبرةً في الفرج.
وقال آخرون: معنى قوله: {أنّى شئتم} متى شئتم.
[جامع البيان: 3/749]
ذكر من قال ذلك
- حدّثت عن حسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ الفضل بن خالدٍ، قال: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {فأتوا حرثكم أنّى شئتم} يقول: متى شئتم.
- حدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: حدّثنا أبو صخرٍ، عن أبي معاوية البجليّ وهو عمّارٌ الدّهنيّ، عن سعيد بن جبيرٍ، أنّه قال: بينا أنا ومجاهد، جالسان عند ابن عبّاسٍ، أتاه رجلٌ فوقف على رأسه، فقال: يا أبا العبّاس، أو يا أبا الفضل ألا تشفيني عن آية المحيض؟ فقال: بلى فقرأ: {ويسألونك عن المحيض} حتّى بلغ آخر الآية، فقال ابن عبّاسٍ: من حيث جاء الدّم من ثمّ أمرت أن تأتي، فقال له الرّجل: يا أبا الفضل كيف بالآية الّتي تتبعها {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم} فقال: إي ويحك، وفي الدّبر من حرثٍ؟ لو كان ما تقول حقًّا لكان المحيض منسوخًا إذا اشتغل من هاهنا جئت من هاهنا ولكن أنّى شئتم من اللّيل، والنّهار.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أين شئتم، وحيث شئتم.
[جامع البيان: 3/750]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يعقوب، قال: ابن عليه، قال: أخبرنا ابن عونٍ، عن نافعٍ، قال: كان ابن عمر، إذا قرئ القرآن لم يتكلّم، قال: فقرأت ذات يومٍ هذه الآية: {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم} فقال: أتدري فيمن نزلت هذه الآية؟ قلت: لا، قال: نزلت في إتيان النّساء في أدبارهنّ.
- حدّثني إبراهيم بن عبد اللّه بن مسلم أبو مسلمٍ، قال: حدّثنا أبو عمر الضّرير، قال: حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم صاحب الكرابيسيّ، عن ابن عونٍ، عن نافعٍ، قال: كنت أمسك على ابن عمر المصحف، إذ تلا هذه الآية: {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم} فقال: أن يأتيها في دبرها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عبد الرّحمن بن عبد اللّه بن عبد الحكم، قال: حدّثنا عبد الملك بن مسلمة، قال: حدّثنا الدّراورديّ، قال: قيل لزيد بن أسلم: إنّ محمّد بن المنكدر ينهى عن إتيان النّساء، في أدبارهنّ فقال زيدٌ: أشهد على محمّدٍ لأخبرني أنّه يفعله.
- حدّثني عبد الرّحمن بن عبد اللّه بن عبد الحكم، قال: حدّثنا أبو زيدٍ عبد الرّحمن بن أحمد بن أبي الغمر،
[جامع البيان: 3/751]
قال: حدّثني عبد الرّحمن بن القاسم، عن مالك بن أنسٍ، أنّه قيل له: يا أبا عبد اللّه، إنّ النّاس، يروون عن سالمٍ: كذب العبد أو العلج على أبي، فقال مالكٌ: أشهد على يزيد بن رومان أنّه أخبرني عن سالم بن عبد اللّه، عن ابن عمر، مثل ما قال نافعٌ. فقيل له: إن الحارث بن يعقوب، يروي، عن أبي الحباب سعيد بن يسارٍ، أنّه سأل ابن عمر فقال له: يا أبا عبد الرّحمن إنّا نشتري الجواري، فنحمّض لهنّ؟ فقال: وما التّحميض؟ فذكر له الدّبر، فقال ابن عمر: أفٍّ أفٍّ، يفعل ذلك مؤمنٌ؟ أو قال مسلمٌ فقال مالكٌ: أشهد على ربيعة لأخبرني عن أبي الحباب عن ابن عمر مثل ما قال نافعٌ.
- حدّثني محمّد بن إسحاق، قال: أخبرنا عمرو بن طارقٍ قال: أخبرنا يحيى بن أيّوب، عن موسى بن أيّوب الغافقيّ، قال: قلت لأبي ماجدٍ الزّياديّ، إنّ نافعًا يحدّث، عن ابن عمر: في دبر المرأة، فقال: كذب نافعٌ، صحبت ابن عمر، ونافعٌ مملوكٌ، فسمعته يقول: ما نظرت إلى فرج امرأتي منذ كذا وكذا.
- حدّثني أبو قلابة، قال: حدّثنا عبد الصّمد، قال: حدّثني أبي، عن أيّوب، عن نافعٍ، عن ابن عمر: {فأتوا حرثكم أنّى شئتم} قال: في الدّبر.
[جامع البيان: 3/752]
- حدّثني أبو مسلمٍ، قال: حدّثنا أبو عمر الضّرير، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال حدّثنا روح بن القاسم، عن قتادة، قال: سئل أبو الدّرداء عن إتيان النّساء، في أدبارهنّ، فقال: هل يفعل ذلك إلاّ كافرٌ قال روحٌ: فشهدت ابن أبي مليكة يسأل عن ذلك، فقال: قد أردته من جاريةٍ لي البارحة فاعتاص عليّ، فاستعنت بدهنٍ أو بشحمٍ، قال: فقلت له: سبحان اللّه أخبرنا قتادة أنّ أبا الدّرداء قال: هل يفعل ذلك إلاّ كافرٌ فقال: لعنك اللّه ولعن قتادة فقلت: لا أحدّث عنك شيئًا أبدًا، ثمّ ندمت بعد ذلك.
واعتلّ قائلو هذه المقالة لقولهم بما؛
- حدّثني به محمّد بن عبد اللّه بن عبد الحكم، قال: أخبرنا أبو بكر بن أبي أويسٍ الأعشى، عن سليمان بن بلالٍ، عن زيد بن أسلم، عن ابن عمر: أنّ رجلاً أتى امرأته في دبرها فوجد في نفسه من ذلك، فأنزل اللّه: {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم}.
[جامع البيان: 3/753]
- حدّثني يونس، قال: أخبرني ابن نافعٍ، عن هشام بن سعدٍ، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسارٍ: أنّ رجلاً، أصاب امرأته في دبرها على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأنكر النّاس ذلك وقالوا: أثفرها فأنزل اللّه تعالى ذكره: {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم}. الآية.
وقال آخرون: معنى ذلك: ائتوا حرثكم كيف شئتم، إن شئتم فاعزلوا وإن شئتم فلا تعزلوا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا الحسن بن صالحٍ، عن ليثٍ، عن عيسى بن سنانٍ، عن سعيد بن المسيّب: {فأتوا حرثكم أنّى شئتم} إن شئتم فاعزلوا، وإن شئتم فلا تعزلوا.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن يونس، عن أبي إسحاق، عن زائدة بن عميرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: إن شئت فاعزل، وإن شئت فلا تعزل.
[جامع البيان: 3/754]
وأمّا الّذين قالوا: معنى قوله: {أنّى شئتم} كيف شئتم مقبلةً ومدبرةً في الفرج والقبل، فإنّهم قالوا: إنّ الآية إنّما نزلت في استنكار قومٍ من اليهود استنكروا إتيان النّساء في أقبالهنّ من قبل أدبارهنّ، قالوا: وفي ذلك دليلٌ على صحّة ما قلنا من أنّ معنى ذلك على ما قلنا.
واعتلّوا لقيلهم ذلك بما؛
- حدّثني به أبو كريبٍ، قال: حدّثنا المحاربيّ، قال: حدّثنا محمّد بن إسحاق، عن أبان بن صالحٍ، عن مجاهدٍ، قال: عرضت المصحف على ابن عبّاسٍ، ثلاث عرضاتٍ من فاتحته إلى خاتمته أوقفه عند كلّ آيةٍ وأسأله عنها، حتّى انتهى إلى هذه الآية: {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم} فقال ابن عبّاسٍ: إنّ هذا الحيّ من قريشٍ، كانوا يشرحون النّساء بمكّة، ويتلذّذون بهنّ مقبلاتٍ، ومدبراتٍ. فلمّا قدموا المدينة تزوّجوا في الأنصار، فذهبوا ليفعلوا بهنّ كما كانوا يفعلون بالنّساء بمكّة، فأنكرن ذلك وقلن: هذا شيءً لم نكن نؤتى عليه فانتشر الحديث حتّى انتهى إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأنزل اللّه تعالى ذكره في ذلك: {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم} إن شئت فمقبلةً وإن شئت فمدبرةً وإن شئت فباركةً وإنّما يعني بذلك موضع الولد للحرثٍ، يقول: ائت الحرث من حيث شئت.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا يونس بن بكيرٍ، عن محمّد بن إسحاق، بإسناده نحوه.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا ابن مهديٍّ، قال: حدّثنا سفيان،
[جامع البيان: 3/755]
عن محمّد بن المنكدر، قال: سمعت جابرًا، يقول: إنّ اليهود كانوا يقولون: إذا جامع الرّجل أهله في فرجها من ورائها كان ولده أحول، فأنزل اللّه تعالى ذكره: {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم}.
- حدّثنا مجاهد بن موسى، قال: حدّثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن محمّد بن المنكدر، عن جابر بن عبد اللّه، قال: قالت اليهود: إذا أتى الرّجل امرأته في قبلها من دبرها وكان بينهما ولدٌ كان أحول، فأنزل اللّه تعالى ذكره: {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم}.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحيم بن سليمان، عن عبد اللّه بن عثمان بن خثيمٍ، عن عبد الرّحمن بن سابطٍ، عن حفصة بنت عبد الرّحمن بن أبي بكر، عن أمّ سلمة، زوج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، قالت: تزوّج رجلٌ امرأةً، فأراد أن يجبّيها، فأبت عليه، وقالت: حتّى أسأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، قالت أمّ سلمة: فذكرت ذلك لي. فذكرت أمّ سلمة ذلك لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: أرسلي إليها فلمّا جاءت قرأ عليها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم} صمامًا واحدًا، صمامًا واحدًا.
[جامع البيان: 3/756]
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا معاوية بن هشامٍ، عن سفيان، عن عبد اللّه بن عثمان، عن ابن سابطٍ، عن حفصة ابنة عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ، عن أمّ سلمة، قالت: قدم المهاجرون فتزوّجوا في الأنصار، وكانوا يجبّون، وكانت الأنصار لا تفعل ذلك، فقالت امرأةٌ لزوجها: حتّى آتي النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فأسأله عن ذلك. فأتت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فاستحيت أن تسأله، فسألت أنا. فدعاها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقرأ عليها: {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم} صمامًا واحدًا، صمامًا واحدًا.
- حدّثني أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا سفيان، عن عبد اللّه بن عثمان، عن عبد الرّحمن بن سابطٍ، عن حفصة بنت عبد الرّحمن، عن أمّ سلمة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بنحوه.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، وابن المثنّى، قالا: حدّثنا ابن مهديٍّ، قال: حدّثنا سفيان الثّوريّ، عن عبد اللّه بن عثمان بن خثيمٍ، عن عبد الرّحمن بن سابطٍ، عن حفصة ابنة عبد الرّحمن، عن أمّ سلمة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم} قال: صمامًا واحدًا، صمامًا واحدًا.
[جامع البيان: 3/757]
- حدّثني محمّد بن معمرٍ البحرانيّ، قال: حدّثنا يعقوب بن إسحاق الحضرميّ، قال: حدّثني وهيبٌ، قال: حدّثني عبد اللّه بن عثمان، عن عبد الرّحمن بن سابط، قال: قلت لحفصة: إنّي أريد أن أسألك عن شيءٍ وأنا أستحي منك أن أسألك، قالت: سل يا بنيّ عمّا بدا لك قلت: أسألك عن غشيان النّساء في أدبارهنّ؟ قالت: حدّثتني أمّ سلمة، قالت: كانت الأنصار لا تجبّي، وكان المهاجرون يجبّون، فتزوّج رجلٌ من المهاجرين امرأةً من الأنصار. ثمّ ذكر نحو حديث أبي كريبٍ، عن معاوية بن هشامٍ.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثني وهب بن جريرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن ابن المنكدر: قال: سمعت جابر بن عبد اللّه، يقول: إنّ اليهود كانوا يقولون: إذا أتى الرّجل امرأته باركةً جاء الولد أحول، فنزلت {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم}.
- حدّثني محمّد بن أحمد بن عبد اللّه الطّوسيّ، قال: حدّثنا الحسن بن موسى، قال: حدّثنا يعقوب القمّيّ، عن جعفرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: جاء عمر إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه هلكت قال: وما الّذي أهلكك؟ قال: حوّلت رحلي اللّيلة، قال: فلم يردّ عليه شيئًا، قال: فأوحى اللّه إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم هذه الآية: {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم} أقبل وأدبر، واتّق الدّبر، والحيضة.
[جامع البيان: 3/758]
- حدّثنا زكريّا بن يحيى المصريّ، قال: حدّثنا أبو صالحٍ الحرّانيّ، قال: حدّثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيبٍ، أنّ عامر بن يحيى، أخبره عن حنشٍ الصّنعانيّ، عن ابن عبّاسٍ: أنّ ناسًا، من حميرٍ أتوا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يسألونه عن أشياء، فقال رجلٌ منهم: يا رسول اللّه إنّي رجلٌ أجبّى النّساء، فكيف ترى في ذلك؟ فأنزل اللّه تعالى ذكره في سورة البقرة بيان ما سألوا عنه، وأنزل فيما سأل عنه الرّجل: {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم} فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ائتها مقبلةً، ومدبرةً إذا كان ذلك في الفرج.
والصّواب من القول في ذلك عندنا قول من قال: معنى قوله {أنّى شئتم} من أيّ وجهٍ شئتم، وذلك أنّ أنّى في كلام العرب كلمةٌ تدلّ إذا ابتدئ بها في الكلام على المسألة عن الوجوه، والمذاهب، فكأنّ القائل إذا قال لرجلٍ: أنّى لك هذا المال؟ يريد من أيّ الوجوه لك، ولذلك يجيب المجيب فيه بأن يقول: من كذا وكذا، كما قال تعالى ذكره مخبرًا عن زكريّا في مسألته مريم: {أنّى لك هذا قالت هو من عند اللّه} وهي مقاربةٌ أين وكيف في المعنى،
[جامع البيان: 3/759]
ولذلك تداخلت معانيها، فأشكلت أنّى على سامعها، ومتأوّلها حتّى تأوّلها بعضهم بمعنى أين، وبعضهم بمعنى كيف، وآخرون بمعنى متى، وهي مخالفةٌ جميع ذلك في معناها وهنّ لها مخالفاتٌ. وذلك أنّ أين إنّما هي حرف استفهامٍ عن الأماكن والمحال، وإنّما يستدلّ على افتراق معاني هذه الحروف بافتراق الأجوبة عنها. ألا ترى أنّ سائلاً لو سأل آخر فقال: أين مالك؟ لقال بمكان كذا، ولو قال له: أين أخوك؟ لكان الجوّاب أن يقول: ببلدة كذا، أو بموضع كذا، فيجيبه بالخبر عن محلّ ما سأله عن محلّه، فيعلم أنّ أين مسألةٌ عن المحلّ. ولو قال قائلٌ لآخر: كيف أنت؟ لقال: صالحٌ أو بخيرٍ أو في عافيةٍ، وأخبره عن حاله الّتي هو فيها، فيعلم حينئذٍ أنّ كيف مسألةٌ عن حال المسئول عن حاله. ولو قال له: أنّى يحيي اللّه هذا الميّت؟ لكان الجوّاب أن يقال: من وجه كذا ووجه كذا، فيصف قولاً نظير ما وصف اللّه تعالى ذكره للّذي قال: {أنّى يحيي هذه اللّه بعد موتها} فعلاً حين بعثه من بعد مماته.
وقد فرّقت الشّعراء بين ذلك في أشعارها، فقال الكميت بن زيدٍ:
تذكّر من أنّى ومن أين شربه = يؤامر نفسيه كذي الهجمة الأبل
وقال أيضًا:
أنّى ومن أين اابك الطّرب = من حيث لا صبوةٌ، ولا ريب
[جامع البيان: 3/760]
فيجاء بـ أنّى للمسألة عن الوجه وأين للمسألة عن المكان، فكأنّه قال: من أيّ وجهٍ ومن أيّ موضعٍ رجعك الطّرب.
والّذي يدلّ على فساد قول من تأوّل قول اللّه تعالى ذكره: {فأتوا حرثكم أنّى شئتم} كيف شئتم، أو تأوّله بمعنى حيث شئتم، أو بمعنى متى شئتم، أو بمعنى أين شئتم؛ أنّ قائلاً لو قال لآخر: أنّى تأتي أهلك؟ لكان الجوّاب أن يقول: من قبلها أو من دبرها، كما أخبر اللّه تعالى ذكره عن مريم إذ سئلت: {أنّى لك هذا} أنّها قالت: {هو من عند اللّه} وإذ كان ذلك هو الجوّاب، فمعلومٌ أنّ معنى قول اللّه تعالى ذكره: {فأتوا حرثكم أنّى شئتم} إنّما هو: فأتوا حرثكم من حيث شئتم من وجوه المأتى، وأنّ ما عدا ذلك من التّأويلات فليس للآية بتأويلٍ.
وإذ كان ذلك هو الصّحيح، فبيّنٌ خطأ قول من زعم أنّ قوله: {فأتوا حرثكم أنّى شئتم} دليلٌ على إباحة إتيان النّساء في الأدبار، لأنّ الدّبر لا يحترث فيه، وإنّما قال تعالى ذكره: {حرثٌ لكم} فأتوا الحرث من أيّ وجوهه شئتم، وأيّ محترثٍ في الدّبر فيقال ائته من وجهه.
وبيّن بما بيّنّا صحّة معنى ما روي عن جابرٍ، وابن عبّاسٍ من أنّ هذه الآية نزلت فيما كانت اليهود تقوله للمسلمين إذا أتى الرّجل المرأة من دبرها في قبلها جاء الولد أحول). [جامع البيان: 3/761]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وقدّموا لأنفسكم}.
اختلف أهل التّأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: قدّموا لأنفسكم الخير.
[جامع البيان: 3/761]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، أما قوله: {وقدّموا لأنفسكم} فالخير.
وقال آخرون: بل معنى ذلك {وقدّموا لأنفسكم} ذكر اللّه عند الجماع، وإتيان الحرث قبل إتيانه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني محمّد بن كثيرٍ، عن عبد اللّه بن واقدٍ، عن عطاءٍ، قال: أراه عن ابن عبّاسٍ: {وقدّموا لأنفسكم} قال: يقول: بسم اللّه، التّسمية عند الجماع.
والّذي هو أولى بتأويل الآية، ما روّينا عن السّدّيّ، وهو أنّ قوله: {وقدّموا لأنفسكم} أمرٌ من اللّه تعالى ذكره عباده بتقديم الخير، والصّالح من الأعمال ليوم معادهم إلى ربّهم، عدّةً منهم ذلك لأنفسهم عند لقائه في موقف الحساب، فإنّه قال تعالى ذكره: {وما تقدّموا لأنفسكم من خيرٍ تجدوه عند اللّه}.
وإنّما قلنا ذلك أولى بتأويل الآية؛ لأنّ اللّه تعالى ذكره عقّب قوله: {وقدّموا لأنفسكم} بالأمر باتّقائه في ركوب معاصيه، فكان الّذي هو أولى بأن يكون الّذي قبل التّهديد على المعصية عامًّا الأمر بالطّاعة عامًّا.
[جامع البيان: 3/762]
فإن قال لنا قائلٌ: وما وجه الأمر بالطّاعة بقوله: {وقدّموا لأنفسكم} من قوله: {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم}.
قيل: إنّ ذلك لم يقصد به ما توهّمته، وإنّما عنى به وقدّموا لأنفسكم من الخيرات الّتي ندبناكم إليها بقولنا: {يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خيرٍ فللوالدين والأقربين} وما بعده من سائر ما سألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأجيبوا عنه ممّا ذكره اللّه تعالى ذكره في هذه الآيات، ثمّ قال تعالى ذكره: قد بيّنّا لكم ما فيه رشدكم وهدايتكم إلى ما يرضي ربّكم عنكم، فقدّموا لأنفسكم الخير الّذي أمركم به، واتّخذوا عنده به عهدًا لتجدوه لديه إذا لقيتموه في معادكم، واتّقوه في معاصيه أن تقربوها وفي حدوده أن تضيّعوها، واعلموا أنّكم لا محالة ملاقوه في معادكم، فمجازٍ المحسن منكم بإحسانه، والمسيء بإساءته). [جامع البيان: 3/763]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واتّقوا اللّه واعلموا أنّكم ملاقوه وبشّر المؤمنين}.
وهذا تحذيرٌ من اللّه تعالى ذكره عباده أن يأتوا شيئًا ممّا نهاهم عنه من معاصيه، وتخويفٌ لهم عقابه عند لقائه، كما قد بيّنّا قبل، وأمرٌ لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم أن يبشّر من عباده بالفوز يوم القيامة، وبكرامة الآخرة، وبالخلود في الجنّة من كان منهم محسنًا مؤمنًا بكتبه ورسله وبلقائه، مصدّقًا إيمانه قولاً بعمله ما أمره به ربّه، وافترض عليه من فرائضه وفيما ألزمه من حقوقه، وبتجنّبه ما أمره بتجنّبه من معاصيه). [جامع البيان: 3/763]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم وقدّموا لأنفسكم واتّقوا اللّه واعلموا أنّكم ملاقوه وبشّر المؤمنين (223)
قوله تعالى: نساؤكم حرثٌ لكم
- أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً، ثنا ابن وهبٍ، أخبرني ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيبٍ، عن عامر بن يحيى، عن حنش بن عبد اللّه عن عبد اللّه بن عبّاسٍ، قال: أتى ناسٌ من حمير إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فسألوه عن أشياء، فقال له رجلٌ: إنّي أجبّ النّساء فكيف ترى؟ فأنزل اللّه تعالى: نساؤكم حرثٌ لكم). [تفسير القرآن العظيم: 1/404]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: فأتوا حرثكم أنى شئتم
[الوجه الأول]
- حدّثنا محمّد بن إسماعيل الأحمسيّ، ثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن ابن خثيمٍ، عن ابن سابطٍ، عن حفصة، عن أمّ سلمة، قالت: لمّا قدم المهاجرون المدينة:
على الأنصار، تزوّجوا من نسائهم، وكان المهاجرون يجبّون وكانت الأنصار لا تجبّي، فأراد رجلٌ من المهاجرين من امرأته على ذلك فأبت عليه، حتّى تسأل النبي صلى الله عليه وسلم، فأتته، فاستحين أن تسأله فسألته أمّ سلمة، فنزلت هذه الآية نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم ثمّ قال: لا، إلا في صمامٍ واحدٍ.
- قال أبو محمّدٍ: ذكر لي عن الخليل بن أحمد، أنّه قال: يجبّ على وجهه باركًا قال: ووجهٌ آخر: جبّى: يجبّي، إذا ركع: يركع، وهو أن تضع يديك على ركبتيك وأنت قائمٌ.
- أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً، أنبأ ابن وهبٍ، أخبرني مالك بن أنسٍ، وابن جريجٍ وسفيان بن سعيدٍ الثّوريّ، أنّ محمّد بن المنكدر حدّثهم عن جابر بن عبد اللّه، أخبره أنّ اليهود قالوا للمسلمين: من أتى امرأةً وهي مدبرةً، جاء
[تفسير القرآن العظيم: 2/404]
ولده أحول، فأنزل اللّه تعالى: نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم قال ابن جريجٍ في الحديث: فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: مقبلةً ومدبرةً إذا كان ذلك في الفرج.
- حدّثنا محمّد بن عبيد اللّه بن أبي داود المناديّ، ثنا يونس بن محمّدٍ المؤدّب، ثنا يعقوب القمّيّ، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ، قال: جاء عمر إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: يا رسول اللّه، هلكت.. قال: مالذي أهلكك؟ قال: حوّلت رحلي اللّيلة. فلم يردّ عليه شيئًا، فأوحى اللّه إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم يقول: أقبل وأدبر، واتّق الدّبر والحيضة
والوجه الثّاني:
- حدّثنا يونس بن عبد الأعلى ثنا ابن وهبٍ، ثنا أبو صخرٍ، عن أبي معاوية البجليّ، يعني عمار الدهني، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: بينا أنا ومجاهدٌ جالسان عند ابن عبّاسٍ، أتاه رجلٌ فوقف فقال: كيف بالآية: نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم قال: أي ويحك، وفي الدّبر من حرثٍ. لو كان ما تقول حقًّا لكان المحيض منسوخًا إذا شغل من هاهنا جئت من هاهنا، ولكن: أنّى شئتم من اللّيل والنّهار.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا محمّد بن إسماعيل الأحمسيّ، ثنا وكيعٌ، عن يونس بن أبي إسحاق عن زائدة بن عميرٍ الطّائيّ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: فأتوا حرثكم أنّى شئتم قال: إن شئت عربي وإن شئت غير عربيٍّ). [تفسير القرآن العظيم: 1/405]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: وقدّموا لأنفسكم واتّقوا اللّه واعلموا أنّكم ملاقوه وبشّر المؤمنين
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو تميلة، ثنا أبو المنيب عن عكرمة:
وقدّموا لأنفسكم قال: الولد.
[تفسير القرآن العظيم: 2/405]
الوجه الثّاني:
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ، أنبأ محمّد بن مزاحمٍ، عن بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان: وقدّموا لأنفسكم يقول:
طاعة ربّكم وأحسنوا عبادته.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّاد بن طلحة، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، أمّا قوله: وقدّموا لأنفسكم فالخير.
والوجه الرّابع:
- ذكر لي عن عبد اللّه بن واقدٍ أبي رجاءٍ الهرويّ، عن طلحة بن عمرٍو عن عطاءٍ
: وقدّموا لأنفسكم قال: التّسمية عند الجماع.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا نحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه حدّثني عطاءٌ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قول اللّه: واتّقوا اللّه يعني: المؤمنين، يحذّرهم.
- حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن يزيد المقري، ثنا سفيان، عن سهيل بن أبي صالحٍ، عن أبيه، عن أبي هريرة، يبلغ به النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: يلقى العبد ربّه يوم القيامة، فيقول: يعني الرّبّ عزّ وجلّ: ألم أكرّمك، وأسوّدك، وأسخّر لك الخيل والإبل وأذرك ترأس وتربع، فظننت أنّك غير ملاقي.
- حدثنا أبو زرعة، ثنا يحي، ثنا ابن لهيعة، حدّثني عطاءٌ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قول اللّه وبشّر المؤمنين يقول: بشّرهم بالجنّة في الآخرة). [تفسير القرآن العظيم: 1/406]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا عبد الرّحمن بن حمدان الجلّاب، ثنا هلال بن العلاء الرّقّيّ، ثنا عبد اللّه بن جعفرٍ، ثنا عبيد اللّه بن عمرٍو، عن زيد بن أبي أنيسة، عن أبي إسحاق، عن زائدة بن عميرٍ، قال: سألت ابن عبّاسٍ عن العزل، فقال: إنّكم قد أكثرتم، فإن كان قال فيه رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم شيئًا فهو كما قال، وإن لم يكن قال فيه شيئًا فأنا أقول: {نساؤكم حرثٌ لكم، فأتوا حرثكم أنّى شئتم} [البقرة: 223] «فإن شئتم فاعزلوا، وإن شئتم فلا تفعلوا» هذا حديثٌ صحيح الإسناد، ولم يخرّجاه "). [المستدرك: 2/306]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو زكريّا يحيى بن محمّدٍ العنبريّ، ثنا محمّد بن عبد السّلام، ثنا إسحاق بن إبراهيم، أنبأ عبد الرّحمن بن محمّدٍ المحاربيّ، عن محمّد بن إسحاق، سمع أبان بن صالحٍ يحدّث عن مجاهدٍ، قال: عرضت القرآن على ابن عبّاسٍ ثلاث عرضاتٍ، أوقفه على كلّ آيةٍ، أسأله فيما نزلت، وكيف كانت؟ فأتيت على قوله: {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم} [البقرة: 223] الآية، قال: كان هذا الحيّ من المهاجرين يشرحون النّساء شرحًا منكرًا، حيث ما لقوهنّ مقبلاتٍ ومدبراتٍ، فلمّا قدموا المدينة، تزوّجوا النّساء من الأنصار، فأرادوهنّ على ما كانوا يفعلون بالمهاجرات، فأنكرن ذلك فشكين ذلك إلى رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، " فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم} [البقرة: 223] " يقول: مقبلاتٍ ومدبراتٍ من دبرها بعد أن يكون للفرج، قال ابن عبّاسٍ: وإنّما كانت من قبل دبرها في قبلها). [المستدرك: 2/307]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ) نافع مولى ابن عمر رضي الله عنهما قال: «كان ابن عمر إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه، فأخذت عليه يوماً، فقرأ سورة
[جامع الأصول: 2/38]
البقرة، حتى انتهى إلى مكانٍ، فقال: أتدري فيم أنزلت؟ قلت: لا، قال: نزلت في كذا وكذا، ثم مضى». أخرجه البخاري). [جامع الأصول: 2/39]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ) نافع مولى ابن عمر رضي الله عنهما أنّ ابن عمر قال: {فائتوا حرثكم أنّى شئتم} قال: يأتيها في... قال الحميدي: يعني في الفرج. أخرجه البخاري.
[جامع الأصول: 2/39]
وفي رواية ذكرها رزين - ولم أجدها - قال: {فائتوا حرثكم أنّى شئتم}، يأتيها في الفرج، إن شاء مجبّية، أو مقبلة، أو مدبرة، غير أنّ ذلك في صمامٍ واحدٍ.
[شرح الغريب]
(حرثكم) الحرث: كنى به عن المرأة وإتيانها.
(أنّى شئتم) بمعنى: متى شئتم، وقد يكون «أنّى» بمعنى: أين في غير هذا الموضع.
(مجبّية) التّجبية: أن ينكب الإنسان على وجهه، باركاً على ركبتيه.
[جامع الأصول: 2/40]
(صمام واحد) الصمام: ما تسدّ به الفرجة، فسمي به الفرج، ويجوز أن يكون على حذف المضاف، أي: في موضع صمام). [جامع الأصول: 2/41]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ م ت د) جابر رضي الله عنه قال: كانت اليهود تقول: إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول، فنزلت: {نساؤكم حرثٌ لكم فائتوا حرثكم أنّى شئتم } أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود.
وأخرجه الترمذي قال: كانت اليهود تقول: من أتى امرأة في قبلها من دبرها... وذكر الحديث). [جامع الأصول: 2/41]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت) ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، هلكت، قال: «وما أهلكك؟» قال: حوّلت رحلي اللّيلة، قال: فلم يردّ عليه شيئاً، قال: فأوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {نساؤكم حرثٌ لكم فائتوا حرثكم أنّى شئتم} أقبل، وأدبر، واتّق
[جامع الأصول: 2/41]
الدّبر والحيضة. أخرجه الترمذي.
[شرح الغريب]
(حوّلت رحلي) كنى بتحويل الرحل عن الإتيان في غير المحل المعتاد. كذا الظاهر، ويجوز أن يريد به، أنه أتاها في المحل المعتاد، لكن من جهة ظهرها، كما قد جاء في التفسير). [جامع الأصول: 2/42]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (د) ابن عباس رضي الله عنهما قال: إنّ ابن عمر - والله يغفر له - أوهم : إنّما كان هذا الحيّ من الأنصار - وهم أهل وثنٍ - مع هذا الحيّ من يهود - وهم أهل كتابٍ - فكانوا يرون أنّ لهم فضلاً عليهم في العلم، فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم، وكان من أمر أهل الكتاب: أن لا يأتوا النساء إلا على حرفٍ، وذلك أستر ما تكون المرأة، فكان هذا الحيّ من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم، وكان هذا الحيّ من قريش يشرحون النّساء شرحاً منكراً، ويتلذّذون منهنّ مقبلاتٍ ومدبراتٍ، ومستلقياتٍ،
[جامع الأصول: 2/42]
فلمّا قدم المهاجرون المدينة: تزوّج رجلٌ منهن امرأة من الأنصار، فذهب يصنع بها ذلك، فأنكرته عليه، وقالت: إنّا كنّا نؤتى على حرفٍ، فاصنع ذلك، وإلا فاجتنبني، حتّى شري أمرهما، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل: {نساؤكم حرث لكم فائتوا حرثكم أنّى شئتم}، أي: مقبلاتٍ، ومدبراتٍ ومستلقياتٍ، يعني بذلك موضع الولد. أخرجه أبو داود.
[شرح الغريب]
(أوهم) وهم بسكر الهاء: غلط، وبفتحها: ذهب وهمه إليه. قال الخطابي: الذي وقع في رواية هذا الحديث «أوهم» والصواب «وهم» بغير ألف.
(الوثن) الصنم، وقيل: الصورة لا جثة لها.
(الحرف) : الجانب، وحرف كل شيء: جانبه.
(يشرحون) قال الهروي، يقال: شرح فلان جاريته،: إذا وطئها على قفاها، وأصل الشّرح: البسط، ومنه: انشراح الصدر بالأمر، وهو انفتاحه، وانبساطه.
(شري) أمرهما: أي ارتفع وعظم وتفاقم، وأصله: من شري
[جامع الأصول: 2/43]
البرق: إذا لج في اللمعان، واستشرى الرجل: إذا ألح في الأمر). [جامع الأصول: 2/44]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت) أم سلمة رضي الله عنها أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في قوله تعالى: {نساؤكم حرث لكم فائتوا حرثكم أنّى شئتم}: «في صمامٍ واحدٍ» ويروى: «في سمامٍ واحد» بالسين. أخرجه الترمذي). [جامع الأصول: 2/44]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {ويسألونك عن المحيض} [البقرة: 222] وقوله: {نساؤكم حرثٌ لكم} [البقرة: 223].
- عن ابن عمر قال: إنّما أنزلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {نساؤكم حرثٌ لكم} [البقرة: 223] رخصةً في إتيان الدّبر.
رواه الطّبرانيّ في الأوسط عن شيخه عليّ بن سعيد بن بشيرٍ وهو حافظٌ، وقال فيه الدّارقطنيّ: ليس بذاك، وبقيّة رجاله ثقاتٌ.
- وعن أبي سعيدٍ قال: «أبعر رجلٌ امرأته على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقالوا: أبعر فلانٌ امرأته. فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم} {نساؤكم حرثٌ لكم} [البقرة: 223]».
رواه أبو يعلى عن شيخه الحارث بن سريجٍ البقّال وهو ضعيفٌ كذّابٌ.
- وعن ابن عمر «أنّ رجلًا أصاب امرأةً في دبرها زمن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأنكر ذلك النّاس، فأنزل اللّه: {نساؤكم حرثٌ لكم} [البقرة: 223]».
رواه الطّبرانيّ في الأوسط، وفيه يعقوب بن حميد بن كاسبٍ، وثّقه ابن حبّان وضعّفه الأكثرون، وبقيّة رجاله ثقاتٌ.
- وعن ابن عبّاسٍ قال: «جاء عمر إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه هلكت. فقال: " وما أهلكك؟ ". قال: حوّلت رحلي البارحة.
فلم يردّ عليّ شيئًا، قال: فأوحي إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم هذه الآية: {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم} [البقرة: 223] أقبل وأدبر واتّق الحيضة والدّبر».
رواه أحمد، ورجاله ثقاتٌ.
- وعن ابن عبّاسٍ قال: «نزلت هذه الآية: {نساؤكم حرثٌ لكم} [البقرة: 223] في أناسٍ من الأنصار أتوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فسألوه، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " ائتها على كلّ حالٍ إذا كان في الفرج».
رواه أحمد، وفيه رشدين بن سعدٍ وهو ضعيفٌ. قلت: وقد تقدّم في النّكاح أحاديث من هذا الباب.
- وعن جابرٍ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم
[مجمع الزوائد: 6/319]
«في قول اللّه تعالى: {ويسألونك عن المحيض قل هو أذًى فاعتزلوا النّساء في المحيض} [البقرة: 222] فقالوا: إنّ اليهود قالوا: من أتى امرأته في دبرها كان ولده أحول.
وكان نساء الأنصار لا يدعن أزواجهنّ يأتونهنّ من أدبارهنّ، فجاؤوا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فسألوه عن إتيان الرّجل امرأته وهي حائضٌ، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {ويسألونك عن المحيض قل هو أذًى فاعتزلوا النّساء في المحيض ولا تقربوهنّ حتّى يطهرن} [البقرة: 222] حتّى الأطهار {فإذا تطهّرن} [البقرة: 222] الاغتسال {فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه إنّ اللّه يحبّ التّوّابين ويحبّ المتطهّرين نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم} [البقرة: 222] إنّما الحرث من حيث الولد».
قلت: رواه مسلمٌ - باختصارٍ - رواه البزّار، وفيه عبيد اللّه بن يزيد بن إبراهيم القردوانيّ، ولم يروه عنه غير ابنه، وبقيّة رجاله وثّقوا). [مجمع الزوائد: 6/320] (م)
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (أخبرنا أبو يعلى حدّثنا أبو خيثمة حدّثنا يونس بن محمّد حدثنا يعقوب القمي حدّثنا جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ قال جاء عمر رضوان الله عليه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هلكت فقال: "وما أهلكك" قال حوّلت رحلي اللّيلة قال فلم يردّ عليه شيئًا فأوحى اللّه إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هذه الآية: {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم} يقول أقبل وأدبر واتّق الدبر والحيضة). [موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان: 1/426]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (حدّثنا محمّد بن عبيد اللّه بن يزيد الحرّانيّ، حدّثني أبي، حدّثني سابق بن عبد اللّه الرّقّيّ، عن خصيفٍ، عن محمّد بن المنكدر، عن جابرٍ، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في قول اللّه تبارك وتعالى: {ويسألونك عن الحنيض قل هو أذًى فاعتزلوا النّساء في المحيض} [البقرة: 222] فقال: إنّ اليهود قالوا: من أتى امرأته، في دبرها كان ولده أحول، وكنّ نساء الأنصار لا يدعن أزواجهنّ يأتوهنّ من أدبارهنّ، فجاءوا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فسألوه عن
[كشف الأستار عن زوائد البزار: 3/41]
إتيان الرّجل امرأته وهي حائضٌ، فأنزل اللّه تبارك وتعالى: {ويسألونك عن الح،يض قل هو أذًى فاعتزلوا النّساء في الحليض ولا تقربوهنّ حتّى يطهرن} [البقرة: 222] الأطهار {فإذا تطهّرن} [البقرة: 222] الاغتسال {فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه إنّ اللّه يحبّ التّوّابين ويحبّ المتطهّرين {222} نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم} [البقرة: 222-223] إنّما الحرث من حيث الولد.
قلت: اختصره مسلمٌ.
قال البزّار: لا نعلمه عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إلا بهذا الإسناد). [كشف الأستار عن زوائد البزار: 3/42] (م)
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (وقال أحمد بن منيعٍ: ثنا أبو قطنٍ، ثنا يونس بن أبي إسحاق، عن زائدة بن عميرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: "قلت: ما تقول- أو ما ترى- في العزل؟ قال: إن كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال فيه شيء فهو كما قال، وإلا فإنّي أقول: (نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم) من شاء عزل ومن شاء ترك"). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/181]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (وقال أبو يعلى الموصليّ: ثنا أبو خيثمة، ثنا يونس بن محمّدٍ، ثنا يعقوب القمّيّ، ثنا جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: "جاء عمر- رضي اللّه عنه- إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: هلكت. قال: وما أهلكك؟ قال: حوّلت رحلي اللّيلة. قال: فلم يردّ عليه شيئًا، فأوحى اللّه إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم هذه الآية (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم) يقول: أقبل وأدبر واتّق الدّبر والحيضة".
[إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/181]
- رواه ابن حبّان في صحيحه: ثنا أحمد بن عليّ بن المثنّى ... فذكره). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/182]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (وقال أبو يعلى الموصليّ: ثنا الحارث بن سريج، ثنا عبد اللّه بن نافعٍ، ثنا هشام بن سعدٍ، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسارٍ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ قال: "أبعر رجلٌ امرأته في عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقالوا: أبعر فلانٌ امرأته. فأنزل اللّه- عزّ وجلّ- (نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم"). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/182]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (حدثنا الحارث بن (سريجٍ)، ثنا عبد اللّه بن نافعٍ، ثنا هشام بن سعدٍ، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسارٍ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ رضي الله عنه. قال: (أثفر) رجلٌ امرأته في عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقالوا: (أثفر) فلانٌ امرأته، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم}). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 14/515]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين.
أخرج وكيع، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد والبخاري وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجة، وابن جرير وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في "سننه" قال: كانت اليهود تقول: إذا أتى الرجل امرأته من خلفها في قبلها ثم حملت جاء الولد
أحول، فنزلت {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} إن محنية وإن شاء غير محنية غير أن ذلك في صمام واحد.
وأخرج سعيد بن منصور والدارمي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن جابر، أن اليهود قالوا للمسلمين: من أتى امرأته وهي مدبرة جاء الولد أحول، فأنزل الله {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلة ومدبرة إذا كان ذلك في الفرج.
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف، وعبد بن حميد، وابن جرير عن مرة الهمذلني أن بعض اليهود لقي بعض المسلمين فقال له: تأتون النساء وراءهن كأنه كره الأبراك فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت !
[الدر المنثور: 2/589]
{نساؤكم حرث لكم} الآية، فرخص الله للمسلمين أن يأتوا النساء في الفروج كيف شاؤوا وأنى شاؤوا من بين أيديهن ومن خلفهن.
وأخرج ابن أبي شيبة عن مرة قال: كانت اليهود يسخرون من المسلمين في إتيانهم النساء فأنزل الله {نساؤكم حرث لكم} الآية.
وأخرج ابن عساكر، عن جابر بن عبد الله قال: كانت الأنصار تأتي نساءها مضاجعة وكانت قريش تشرح شرحا كثيرا فتزوج رجل من قريش امرأة من الأنصار فأراد أن يأتيها فقالت: لا إلا كما يفعل، فأخبر بذلك رسول الله فأنزل {فأتوا حرثكم أنى شئتم} أي قائما وقاعدا ومضطجعا بعد أن يكون في صمام واحد.
وأخرج ابن جرير من طريق سعيد بن أبي هلال أن عبد الله بن علي حدثه: أنه بلغه أن ناسا من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم جلسوا يوما ورجل من اليهود قريب منهم فجعل بعضهم يقول: إني لآتي إمرأتي وهي مضطجعة، ويقول الآخر: إني لآتيها وهي قائمة ويقول الآخر: إني لآتيها وهي باركة، فقال اليهودي: ما أنتم إلا أمثال البهائم ولكنا إنما نأتيها على هيئة واحدة، فأنزل الله {نساؤكم حرث لكم} الآية
[الدر المنثور: 2/590]
وأخرج وكيع، وابن أبي شيبة والدارمي عن الحسن قال: كانت اليهود لا يألون ما شدد على المسلمين كانوا يقولون: يا أصحاب محمد إنه - والله - ما يحل لكم أن تأتوا نساءكم إلا من وجه واحد فأنزل الله {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} فخلى الله بين المؤمنين وبين حاجتهم.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن، أن اليهود كانوا قوما حسدا فقالوا: يا أصحاب محمد إنه - والله - ما لكم أن تأتوا النساء إلا من وجه واحد فكذبهم الله فأنزل الله {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} فخلى بين الرجال وبين نسائهم يتفكه الرجل من امرأته يأتيها إن شاء من قبلها وإن شاء من قبل دبرها غير أن المسلك واحد.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال: قالت اليهود للمسلمين: إنكم تأتون نساءكم كما تأتي البهائم بعضها بعضا يبركوهن فأنزل الله {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} ولا بأس أن يغشى الرجل المرأة كيف شاء إذا أتاها في الفرج.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} قال: ذلك أن اليهود عرضوا بالمؤمنين في نسائهم وعيروهم فأنزل الله في ذلك وأكذب اليهود وخلى بين المؤمنين وبين حوائجهم في نسائهم
[الدر المنثور: 2/591]
وأخرج ابن عساكر من طريق محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان قال: كان عبد الله بن عمر يحدثنا: أن النساء كن يؤتين في أقبالهن وهي موليات، فقالت اليهود: من جاء امرأته وهي مولية جاء ولده أحول، فأنزل الله {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم}.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد والبيهقي في الشعب من طريق صفية بنت شيبة عن أم سلمة قالت لما قدم المهاجرون المدينة أرادوا أن يأتوا النساء من أدبارهن في فروجهن فأنكرن ذلك فجئن أم سلمة فذكرن ذلك لها فسألت النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} صماما واحدا.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد الدارمي، وعبد بن حميد والترمذي وحسنه، وابن جرير، وابن أبي حاتم والبيهقي في "سننه" عن عبد الرحمن بن سابط قال سألت حفصة بنت عبد الرحمن فقلت لها: إني أريد أن أسألك عن شيء وأنا أستحي أن أسألك عنه، قالت: سل ابن أخي عما بدا لك، قال: أسألك عن إتيان النساء في أدبارهن فقالت: حدثتني أم سلمة قالت:
[الدر المنثور: 2/592]
كانت الأنصار لا تجبي وكانت المهاجرون تجبي وكانت اليهود تقول: إنه من جبى امرأته كان الولد أحول فلما قدم المهاجرون المدينة نكحوا في نساء الأنصاء فجبوهن فأبت امرأة أن تطيع زوجها
وقالت: لن تفعل ذلك حتى نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتت أم سلمة فذكرت لها ذلك فقالت: اجلسي حتى يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم استحيت الأنصارية أن تسأله فخرجت فذكرت ذلك أم سلمة للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: ادعوها لي، فدعيت فتلا عليها هذه الآية {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} صماما واحدا، قال: والصمام السبيل الواحد.
وأخرج في مسند أبي حنيفة عن حفصة أم المؤمنين أن امرأة أتتها فقالت: إن زوجي يأتيني مجباة ومستقبلة فكرهته فبلغ ذلك النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: لا بأس إذا كان في صمام واحد.
وأخرج أحمد، وعبد بن حميد والترمذي وحسنه والنسائي وأبو
[الدر المنثور: 2/593]
يعلى، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن حبان والطبراني والخرائطي في مساوى ء الأخلاق والبيهقي في "سننه" والضياء في المختارة عن ابن عباس قال جاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هلكت، قال: وما أهلكك قال: حولت رحلي الليلة، فلم يرد عليه شيئا فأوحى الله إلى رسوله هذه الآية {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} يقول: أقبل وأدبر واتق الدبر والحيض.
وأخرج أحمد عن ابن عباس قال نزلت هذه الآية {نساؤكم حرث لكم} في أناس من الأنصار أتوا النّبيّ صلى الله عليه وسلم فسألوه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ائتها على كل حال إذا كان في الفرج.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم والطبراني والخرائطي عن ابن عباس قال أتى ناس من حمير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه عن أشياء فقال له رجل: إني أحب النساء وأحب أن آتي إمرأتي مجباة فكيف ترى في ذلك فأنزل الله في سورة البقرة بيان ما سألوا عنه وأنزل فيما سأل عنه الرجل {نساؤكم حرث لكم} الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ائتها مقبلة ومدبرة إذا كان ذلك في الفرج
[الدر المنثور: 2/594]
وأخرج ابن راهويه والدارمي وأبو داود، وابن جرير، وابن المنذر والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في "سننه" من طريق مجاهد عن ابن عباس قال أن ابن عمر - والله يغفر له - أو هم إنما كان هذا الحي من الأنصار وهم أهل وثن مع هذا الحي من اليهود وهم أهل كتاب كانوا يرون لهم فضلا عليهم في العلم فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم فكان من أمر أهل الكتاب لا يأتون النساء إلا على حرف وذلك استر ما
تكون المرأة فكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم وكان هذا الحي من قريش يشرحون النساء شرحا ويتلذذون منهن مقبلات مدبرات ومستلقيات فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار فذهب يصنع بها ذلك فأنكرته عليه وقالت: إنما كنا نؤتى على حرف واحد فاصنع ذلك وإلا فاجتنبني فسرى أمرهما فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} يقول: مقبلات ومدبرات بعد أن يكون في الفرج وإنما كانت من قبل دبرها في قبلها، زاد الطبراني قال ابن عباس: قال ابن عمرو: في دبرها فأوهم ابن عمر - والله يغفر له - وإنما كان الحديث على هذا.
وأخرج عبد بن حميد والدارمي عن مجاهد قال: كانوا يجتنبون النساء في المحيض ويأتوهن في أدبارهن فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأنزل
[الدر المنثور: 2/595]
الله {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى} إلى قوله {من حيث أمركم الله} في الفرج ولا تعدوه.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: بينا أنا ومجاهد جالسان عند ابن عباس إذ أتاه رجل فقال: ألا تشفيني من آية المحيض قال: بلى فأقرأ {ويسألونك عن المحيض} إلى قوله {فأتوهن من حيث أمركم الله} فقال ابن عباس: من حيث جاء الدم من ثم أمرت أن تأتي فقال: كيف بالآية {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} فقال: أي ويحك وفي الدبر من حرث، لو كان ما تقول حقا لكان المحيض منسوخا إذا شغل من ههنا جئت من ههنا ولكن {أنى شئتم} من الليل والنهار.
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد {فأتوا حرثكم أنى شئتم} قال: ظهر البطن كيف شئت إلا في دبر والحيض.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي صالح {فأتوا حرثكم أنى شئتم} قال: إن شئت فأتها مستلقية وإن شئت فمحرفة وإن شئت فباركة.
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير {فأتوا حرثكم أنى شئتم} قال: يأتيها من بين يديها ومن خلفها ما لم يكن في الدبر
[الدر المنثور: 2/596]
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد {فأتوا حرثكم أنى شئتم} قال: ائتوا النساء في إقبالهن على كل نحو.
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال: جاء رجل إلى ابن عباس فقال: كنت آتي أهلي في دبرها وسمعت قول الله {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} فظننت أن ذلك لي حلال، فقال: يا لكع إنما قوله {أنى شئتم} قائمة وقاعدة ومقبلة ومدبرة في إقبالهن لا تعد ذلك إلى غيره.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس {فأتوا حرثكم} قال: منبت الولد.
وأخرج سعيد بن منصور والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس قال: ائت حرثك من حيث نباته.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس {فأتوا حرثكم أنى شئتم} قال: يأتيها كيف شاء ما لم يأتيها في دبرها أو في الحيض.
وأخرج ابن جرير والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس {فأتوا حرثكم أنى شئتم} يعني بالحرث الفرج، يقول: تأتيه كيف شئت مستقبلة ومستدبرة وعلى أي ذلك أردت بعد أن لا تجاوز الفرج إلى غيره وهو قوله {من حيث أمركم الله}
[الدر المنثور: 2/597]
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس أنه كان يكره أن تؤتى المرأة في دبرها ويقول: إنما الحرث من القبل الذي يكون منه النسل والحيض ويقول: إنما أنزلت هذه الآية {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} يقول: من أي وجه شئتم.
وأخرج الدارمي والخرائطي في مساوى ء الأخلاق عن ابن عباس {فأتوا حرثكم أنى شئتم} قال: يأتيها قائمة وقاعدة ومن بين يديها ومن خلفها وكيف يشاء بعد أن يكون في المأتى.
وأخرج البيهقي في "سننه" عن مجاهد قال: سألت ابن عباس عن هذه الآية {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} فقال: ائتها من حيث يكون الحيض والولد.
وأخرج البيهقي عن ابن عباس في الآية قال: تؤتى مقبلة ومدبرة في الفرج.
وأخرج ابن أبي شيبة والخرائطي في مساوى ء الأخلاق عن عكرمة قال: يأتيها كيف شاء قائما وقاعدا وعلى كل حال ما لم يكن في دبرها
[الدر المنثور: 2/598]
وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد والدارمي والبيهقي عن أبي القعقاع الحرمي قال: جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود فقال: آتي إمرأتي كيف شئت
قال: نعم، قال: وحيث شئت قال: نعم، قال: وأنى شئت قال: نعم، ففطن له رجل فقال: إنه يريد أن يأتيها في مقعدتها فقال: لا محاش (محاش: أسفل مواطن الطعام في البطن المؤدي إلى المخرج) النساء عليكم حرام.
وأخرج أحمد، وعبد بن حميد وأبو داود والنسائي عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قلت يا نبي الله نساؤنا ما نأتي منهن وما نذر قال: حرثكم ائت حرثك أنى شئت غير أن لا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت وأطعم إذا طعمت واكس إذا اكتسيت كيف وقد أفضى بعضكم إلى بعض إلا بما حل عليها.
وأخرج الشافعي في الأم، وابن أبي شيبة وأحمد والنسائي، وابن ماجة، وابن المنذر والبيهقي في "سننه" من طرف عن خزيمة بن ثابت أن سائلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إتيان النساء في أدبارهن فقال: حلال، أو قال: لا بأس، فلما ولى دعاه فقال: كيف قلت من دبرها في قبلها فنعم وأما من دبرها في دبرها فلا إن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في
[الدر المنثور: 2/599]
أدبارهن.
وأخرج الحسن بن عرفة في جزئه، وابن عدي والدارقطني، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم استحيوا إن الله لا يستحي من الحق لا يحل مأتى النساء في حشوشهن.
وأخرج ابن عدي، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اتقوا محاشي النساء.
وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وحسنه والنسائي، وابن حبان عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينظر الله إلى رجل أتى رجلا أو امرأة في الدبر.
وأخرج أبو داود والطيالسي وأحمد والبيهقي في "سننه" عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: الذي يأتي امرأته في دبرها هي اللوطية الصغرى
[الدر المنثور: 2/600]
وأخرج النسائي عن أبي هريرة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال استحيوا من الله حق الحياء لا تأتوا النساء في أدبارهن.
وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ملعون من أتى امرأة في دبرها.
وأخرج ابن عدي عن أبي هريرة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال من أتى شيئا من الرجال أو النساء في الأدبار فقد كفر.
وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد والنسائي والبيهقي عن أبي هريرة قال إتيان الرجال والنساء في أدبارهن كفر، قال الحافظ بن كثير: هذا الموقوف أصح.
وأخرج وكيع في مصنفه والبزار عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن.
وأخرج النسائي عن عمر بن الخطاب قال: استحيوا من الله فإن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن، قال الحافظ بن كثير: هذا
[الدر المنثور: 2/601]
الموقوف أصح.
وأخرج ابن عدي في الكامل عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تأتوا النساء في أعجازهن.
وأخرج ابن وهب، وابن عدي عن عقبه بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ملعون من أتى النساء في محاشيهن.
وأخرج أحمد عن طلق بن يزيد أو يزيد بن طلق عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: إن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أستاههن.
وأخرج اين أبي شيبة عن عطاء قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تؤتى النساء في أعجازهن، وقال: إن الله لا يستحي من الحق.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وحسنه والبيهقي عن علي بن طلق سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تأتوا النساء في أستاههن فإن الله لا يستحي من الحق
[الدر المنثور: 2/602]
وأخرج عبد الرزاق في المصنف، وابن أبي شيبة وأحمد، وعبد بن حميد وأبو داود والنسائي، وابن ماجة والبيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الذي يأتي امرأته في دبرها لا ينظر الله إليه يوم القيامة.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد والنسائي والبيهقي في الشعب، عن طاووس قال: سئل ابن عباس عن الذي يأتي امرأته في دبرها فقال: هذا يسألني عن الكفر.
وأخرج عبد الرزاق والبيهقي في الشعب عن عكرمة: أن عمر بن الخطاب ضرب رجلا في مثل ذلك.
وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد والبيهقي عن أبي الدرداء: أنه سئل عن إتيان النساء في أدبارهن فقال: وهل يفعل ذلك إلا كافر.
وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد والبيهقي عن عبد الله
[الدر المنثور: 2/603]
بن عمرو في الذي يأتي المرأة في دبرها قال: هي اللوطية الصغرى.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد والبيهقي عن الزهري قال: سألت ابن المسيب وأبا سلمة بن عبد الرحمن عن ذلك فكرهاه ونهياني عنه.
وأخرج عبد الله بن أحمد والبيهقي عن قتادة في الذي يأتي امرأته في دبرها قال: حدثني عقبة بن وشاح أن أبا الدرداء قال: لا يفعل ذلك إلا كافر، قال: وحدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تلك اللوطية الصغرى.
وأخرج البيهقي في الشعب وضعفه عن أبي بن كعب قال: أشياء تكون في آخر هذه الأمة عند اقتراب الساعة فمنها نكاح الرجل امرأته أو أمته في دبرها فذلك مما حرم الله ورسوله ويمقت الله عليه ورسوله ومنها نكاح المرأة للمرأة وذلك مما حرم الله ورسوله وليس لهؤلاء صلاة ما أقاموا على هذا حتى يتوبوا إلى الله توبة نصوحا، قال زر: قلت لأبي بن كعب وما التوبة النصوح قال: سألت عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم
[الدر المنثور: 2/604]
فقال هو الندم على الذنب حين يفرط منك فستغفر الله بندامتك عند الحافر ثم لا تعود إليه أبدا.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال: من أتى امرأته في دبرها فهو من المرأة مثله من الرجل ثم تلا (ويسألونك عن المحيض) (البقرة الآية 242) إلى قوله {فأتوهن من حيث أمركم الله} أن تعتزلوهن في المحيض في الفروج ثم تلا {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} قال: إن شئت قائمة وقاعدة ومقبلة ومدبرة في الفرج.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال: سئل طاووس عن إتيان النساء في أدبارهن فقال: ذلك كفر ما بدأ قوم لوط إلا ذاك أتوا النساء في أدبارهن وأتى الرجال الرجال.
وأخرج أبو بكر الأشرم في "سننه" وأبو بشر الدولابي في الكنى عن ابن مسعود قال: قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم محاشي النساء عليكم حرام.
وأخرج ابن أبي شيبة والدارمي والبيهقي في "سننه" عن ابن مسعود قال محاشي النساء عليكم حرام، قال ابن كثير: هذا الموقوف أصح
[الدر المنثور: 2/605]
قال الحافظ: في جميع الأحاديث المرفوعة في هذا الباب وعدتها نحو عشرين حديثا كلها ضعيفة لا يصح منها
شيء والموقوف منها هو الصحيح، وقال الحافظ ابن حجر في ذلك: منكر لا يصح من وجه كما صرح بذلك البخاري والبزار والنسائي وغير واحد.
وأخرج النسائي والطبراني، وابن مردويه عن أبي النضر، أنه قال لنافع مولى ابن عمر: أنه قد أكثر عليك القول أنك تقول عن ابن عمر: أنه أفتى أن يؤتى النساء في أدبارهن قال: كذبوا علي ولكن سأحدثك كيف كان الأمر: إن ابن عمر عرض المصحف يوما وأنا عنده حتى بلغ {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} فقال: يا نافع هل تعلم من أمر هذه الآية قلت: لا، قال: إنا كنا معشر قريش نجبي النساء فلما دخلنا المدينة ونكحنا نساء الأنصار أردنا منهن ما كنا نريد فإذا هن قد كرهن ذلك وأعظمنه وكانت نساء الأنصار قد أخذت بحال اليهود إنما يؤتين على جنوبهن فأنزل الله {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم}.
وأخرج الدارمي عن سعيد بن يسار أبي الحباب قال: قلت لابن عمر: ما تقول في الجواري نحمض لهن قال: وما التحميض فذكر الدبر، فقال:
[الدر المنثور: 2/606]
وهل يفعل ذلك أحد من المسلمين.
وأخرج البيهقي في "سننه" من طريق عكرمة عن ابن عباس، أنه كان يعيب النكاح في الدبر عيبا شديدا.
وأخرج الواحدي من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال نزلت هذه الآية في المهاجرين لما قدموا المدينة ذكروا إتيان النساء فيما بينهم وبين الأنصار واليهود من بين أيديهن ومن خلفهن إذا كان المأتى واحدا في الفرج فعابت اليهود ذلك إلا من بين أيديهن خاصة وقالوا: إنا نجد في كتاب الله أن كل إتيان النساء غير مستلقيات دنس عند الله ومنه يكون الحول والخبل فذكر المسلمون ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: إنا كنا في الجاهلية وبعدما أسلمنا نأتي النساء كيف شئنا وإن اليهود عابت علينا فأكذب الله اليهود ونزلت {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} يقول: الفرج مزرعة الولد فأتوا حرثكم أتى شئتم من بين يديها ومن خلفها في الفرج، ذكر القول الثاني في الآية.
أخرج إسحاق ابن راهويه في مسنده وتفسيره والبخاري، وابن جرير عن نافع قال قرأت ذات يوم {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} قال: ابن عمر
أتدري فيم أنزلت هذه الآية قلت: لا، قال: نزلت
[الدر المنثور: 2/607]
في إتيان النساء في أدبارهن.
وأخرج البخاري، وابن جرير عن ابن عمر {فأتوا حرثكم أنى شئتم} قال: في الدبر.
وأخرج الخطيب في رواة مالك من طريق النضر بن عبد الله الأزدي عن مالك عن نافع عن ابن عمر في قوله {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} قال: إن شاء في قبلها وإن شاء في دبرها.
وأخرج الحسن بن سفيان في مسنده والطبراني في الأوسط والحاكم وأبو نعيم في المستخرج بسند حسن عن ابن عمر قال: إنما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم {نساؤكم حرث لكم} الآية، رخصة في إتيان الدبر.
وأخرج ابن جرير والطبراني في الأوسط، وابن مردويه، وابن النجار بسند حسن عن ابن عمر أن رجلا أصاب امرأته في دبرها زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكر ذلك الناس وقالوا: اثفروها، فأنزل الله {نساؤكم حرث لكم} الآية
[الدر المنثور: 2/608]
وأخرج الخطيب في رواة مالك من طريق أحمد بن الحكم العبدي عن مالك عن نافع عن ابن عمر قال جاءت امرأة من الأنصار إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم تشكو زوجها فأنزل الله {نساؤكم حرث لكم} الآية.
وأخرج النسائي، وابن جرير من طريق زيد بن أسلم عن ابن عمر، أن رجلا أتى امرأته في دبرها فوجد في نفسه من ذلك وجدا شديدا فأنزل الله {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم}.
وأخرج الدارقطني في غرائب مالك من طريق أبي بشر الدولابي نبأنا أبو الحرث أحمد بن سعيد نبأنا أبو ثابت محمد بن عبيد الله المدني حدثني عبد العزيز محمد الدراوردي عن عبد الله بن عمر بن حفص، وابن أبي ذئب ومالك بن أنس فرقهم كلهم عن نافع قال: قال لي ابن عمر: أمسك على المصحف يا نافع فقرأ حتى أتى على {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} قال لي: أتدري يا نافع فيم نزلت هذه الآية قلت: لا، قال: نزلت في رجل من الأنصلر أصاب امرأته في دبرها فأعظم الناس ذلك فأنزل الله {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} الآية، قلت له: من دبرها في قبلها قال: لا إلا في دبرها، وقال الرفا في فوائده تخريج الدارقطني نبأنا أبو أحمد بن
[الدر المنثور: 2/609]
عبدوس نبأنا علي بن الجعد نبأنا ابن أبي ذئب عن نلفع عن ابن عمر قال: وقع رجل على امرأته في دبرها فأنزل الله {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} قال: فقلت لابن أبي ذئب ما تقول أنت في هذا قال: ما أقول فيه بعد هذا.
وأخرج الطبراني، وابن مردويه وأحمد بن أسامة التجيبي في فوائده عن نافع قال: قرأ ابن عمر هذه السور فمر بهذه الآية {نساؤكم حرث لكم} الآية، فقال: تدري فيم أنزلت هذه الآية قال: لا، قال: في رجال كانوا يأتون النساء في أدبارهن.
وأخرج الدارقطني ودعلج كلاهما في غرائب مالك من طريق أبي مصعب وإسحاق بن محمد القروي كلاهما عن نافع عن ابن عمر أنه قال: يا نافع أمسك على المصحف فقرأ حتى بلغ {نساؤكم حرث لكم} الآية، فقال: يا نافع أتدري فيم أنزلت هذه الآية قلت: لا، قال: نزلت في رجل من الأنصار أصاب امرأته في دبرها فوجد في نفسه من ذلك فسأل النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأنزل الله الآية قال الدارقطني: هذا ثابت عن مالك وقال ابن عبد البر: الرواية عن ابن عمر بهذا المعنى صحيحة معروفة عنه
[الدر المنثور: 2/610]
مشهورة.
وأخرج ابن راهويه وأبو يعلى، وابن جرير والطحاوي في مشكل الآثار، وابن مردويه بسند حسن عن أبي سعيد الخدري أن رجلا أصاب امرأته في دبرها فأنكر الناس عليه ذلك فأنزلت {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم}.
وأخرج النسائي والطحاوي، وابن جرير والدارقطني من طريق عبد الرحمن بن القاسم عن مالك بن أنس، أنه قيل له: يا أبا عبد الله إن الناس يروون عن سالم بن عبد الله أنه قال: كذب العبد أو العلج على أبي، فقال مالك: أشهد على يزيد بن رومان أنه أخبرني عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر مثل ما قال لنافع، فقيل له: فإن الحارث بن يعقوب يروي عن أبي الحباب سعيد بن يسار أنه سأل ابن عمر فقال: يا أبا عبد الرحمن إنا نشتري الجواري أفنحمض لهن قال: وما التحميض فذكر له الدبر، فقال ابن عمر: أف أف أيفعل ذلك مؤمن، أو قال: مسلم، فقال مالك: أشهد على ربيعة أخبرني عن أبي الحباب عن ابن عمر مثل ما قال نافع، قال الدارقطني: هذا محفوظ عن مالك صحيح.
وأخرج النسائي من طريق يزيد بن رومان عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، أن عبد الله بن عمر كان لا يرى بأسا أن يأتي الرجل المرأة في دبرها
[الدر المنثور: 2/611]
وأخرج البيهقي في "سننه" عن محمد بن علي قال: كنت عند محمد بن كعب القرظي فجاءه رجل فقال: ما تقول في إتيان المرأة في دبرها فقال: هذا شيخ من قريش فسله يعني عبد الله بن علي بن السائب، فقال: قذر ولو كان حلالا.
وأخرج ابن جرير عن الدراوردي قال: قيل لزيد بن أسلم: إن محمد بن المنكدر نهى عن إتيان النساء في أدبارهن، فقال زيد: أشهد على محمد لأخبرني أنه يفعله.
وأخرج ابن جرير عن ابن أبي مليكة، أن سأل عن إتيان المرأة في دبرها فقال: قد أردته من جارية البارحة فاعتاصت علي فاستعنت بدهن.
وأخرج الخطيب في رواة مالك عن أبي سليمان الجرجاني قال: سألت مالك بن أنس عن وطء الحلائل في الدبر فقال لي: الساعة غسلت رأسي منه.
وأخرج ابن جرير في كتاب النكاح من طريق ابن وهب عن مالك: أنه مباح.
وأخرج الطحاوي من طريق أصبغ بن الفرج عن عبد الله بن القاسم قال: ما أدركت أحدا اقتدى به في ديني يشك في أنه حلال يعني وطء
[الدر المنثور: 2/612]
المرأة في دبرها ثم قرأ {نساؤكم حرث لكم} ثم قال: فأي شيء أبين من هذا.
وأخرج الطحاوي والحاكم في مناقب الشافعي والخطيب عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أن الشافعي سأل عنه فقال: ما صح عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم في تحليله ولا تحريمه شيء والقياس أنه حلال.
وأخرج الحاكم عن ابن عبد الحكم، أن الشافعي ناظر محمد بن الحسن في ذلك فاحتج عليه ابن الحسن بأن الحرث إنما يكون في الفرج فقال له فيكون ما سوى الفرج محرما فالتزمه فقال: أرأيت لو وطئها بين ساقيها أو في أعكانها أفي ذلك حرث قال: لا، قال: أفيحرم قال: لا، قال: فكيف تحتج بما لا تقول به قال الحاكم: لعل الشافعي كان يقول ذلك في القديم وأما في الجديد فصرح بالتحريم، ذكر القول الثالث في الآية.
أخرج وكيع، وابن أبي شيبة، وابن منيع، وعبد بن حميد، وابن جرير
[الدر المنثور: 2/613]
وابن المنذر
وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم، وابن مردويه والضياء في المختارة عن زائدة بن عمير قال: سألت ابن عباس عن العزل فقال: إنكم قد أكثرتم فإن كان قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فهو كما قال وإن لم يكن قال فيه شيئا قال: أنا أقول {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} فإن شئتم فاعزلوا وإن شئتم فلا تفعلوا.
وأخرج وكيع، وابن أبي شيبة عن أبي ذراع قال: سألت ابن عمر عن قول الله {فأتوا حرثكم أنى شئتم} قال: إن شاء عزل وإن شاء غير العزل.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير هن سعيد بن المسيب في قوله {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} قال: إن شئت فاعزل وإن شئت فلا تعزل.
وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي، وابن ماجة والبيهقي، عن جابر: كنا نعزل والقرآن ينزل فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينهنا عنه
[الدر المنثور: 2/614]
وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة ومسلم وأبو داود والبيهقي، عن جابر أن رجلا أتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي جارية وأنا أطوف عليها وأنا أكره أن تحمل فقال: اعزل عنها إن شئت فإنها سيأتيها ما قدر لها فذهب الرجل فلم يلبث يسيرا ثم جاء فقال: يا رسول الله الجارية قد حملت، فقال: قد أخبرتك أنه سيأتيها ما قدر لها.
وأخرج مالك وعبد الرزاق، وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي، وابن ماجة والبيهقي عن أبي سعيد قال سئل النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن العزل فقال: أو تفعلون، لا عليكم أن لا تفعلوا فإنما هو القدر ما نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة.
وأخرج مسلم والبيهقي عن أبي سعيد قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزل فقال: ما من كل الماء يكون الولد وإذا أراد الله خلق شيء لم يمنعه شيء.
وأخرج عبد الرزاق والترمذي وصححه والنسائي، عن جابر قال قلنا
[الدر المنثور: 2/615]
يا رسول الله: إنا كنا نعزل فزعمت اليهود أنها الموءودة الصغرى، فقال: كذبت اليهود إن الله إذا أراد أن يخلقه لم يمنعه.
وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة وأبو داود عن أبي سعيد الخدري أن رجلا قال: يا رسول الله إن لي جارية وأنا أعزل عنها وأنا أكره أن تحمل
وأنا أريد ما أراد الرجال وإن اليهود تحدث أن العزل هو الموءودة الصغرى، قال: كذبت يهود لو أراد الله أن يخلقه ما استطعت أن تصرفه.
وأخرج البزار والبيهقي عن أبي هريرة قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزل قال إن اليهود تزعم أن العزل هي الموءودة الصغرى، قال: كذبت يهود.
وأخرج مالك وعبد الرزاق والبيهقي عن زيد بن ثابت أنه سئل عن العزل فقال: هو حرثك إن شئت سقيته وإن شئت أعطشته.
وأخرج عبد الرزاق والبيهقي عن ابن عباس، أن سئل عن العزل فقال:
[الدر المنثور: 2/616]
ما كان ابن آدم ليقتل نفسا قضى الله خلقها هو حرثك إن شئت عطشته وإن شئت سقيته.
وأخرج ابن ماجة والبيهقي عن ابن عمر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها.
وأخرج البيهقي عن ابن عمر قال: تعزل عن الأمة وتستأمر الحرة.
وأخرج عبد الرزاق والبيهقي عن ابن عباس قال: تستأمر الحرة في العزل ولا تستأمر الأمة.
وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي والبيهقي عن ابن مسعود قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره عشر خلال، التختم بالذهب وجر الإزار والصفرة يعني الخلوق وتغيير الشيب والرقى إلا بالمعوذات وعقد التمائم والضرب بالكعاب والتبرج بالزينة لغير محلها وعزل الماء عن محله وإفساد الصبي عشر محرمة
[الدر المنثور: 2/617]
ذكر القول الرابع في الآية.
أخرج عبد بن حميد عن ابن الحنفية في قوله {فأتوا حرثكم أنى شئتم} قال: إذا شئتم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله {وقدموا لأنفسكم} قال: الولد.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس {وقدموا لأنفسكم} قال: التسمية عند الجماع يقول: بسم الله.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف، وابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجة والبيهقي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو
أن أحدكم إذا أتى أهله قال: بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فقضى بينهما ولد لم يضره الشيطان أبدا
[الدر المنثور: 2/618]
وأخرج عبد الرزاق والعقيلي في الضعفاء عن سلمان قال أمرنا خليلي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم أن لا نتخذ من المتاع إلا أثاثا كأثاث المسافر ولا نتخذ من السباء إلا ما ينكح أو ينكح وأمرنا إذا دخل أحدنا على أهله أن يصلي ويأمر أهله أن تصلي خلفه ويدعو يأمرها تؤمن.
وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة عن أبي وائل قال: جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود فقال له: إني تزوجت جارية بكرا وإن قد خشيت أن تعركني، فقال عبد الله: إن الألف من الله وإن العرك من الشيطان ليكره إليه ما أحل الله له فإذا أدخلت عليك فمرها أن تصلي خلفك ركعتين وقل: اللهم بارك في أهلي وبارك لهم في وارزقني منهم وارزقهم مني واللهم اجمع بيننا ما جمعت وفرق بيننا ما فرقت إلى خير.
وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة عن أبي سعيد مولى بني أسد قال: تزوجت امرأة فدعوت أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم فيهم أبو ذر، وابن مسعود فعلموني وقالوا: إذا دخل عليك أهلك فصل ركعتين ومرها فلتصل خلفك
[الدر المنثور: 2/619]
وخذ بناصيتها وسل الله خيرها وتعوذ به من شرها ثم شأنك وشأن أهلك.
وأخرج عبد الرزاق عن الحسن قال: يقال إذا آتى الرجل أهله فليقل: بسم الله اللهم بارك لنا فيما رزقتنا ولا تجعل للشياطين نصيبا فيما رزقتنا، قال: فكان يرجى إن حملت أن يكون ولدا صالحا.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي وائل قال: اثنتان لا يذكر الله العبد فيهما، إذا أتى الرجل أهله يبدأ فيسمي الله وإذا كان في الخلاء.
وأخرج ابن أبي شيبة والخرائطي في مساوى ء الأخلاق عن علقمة، أن ابن مسعود كان إذا غشي امرأته فأنزل قال: اللهم لا تجعل للشيطان فيما رزقتنا نصيبا.
وأخرج الخرائطي عن عطاء في قوله {وقدموا لأنفسكم} قال: التسمية عند الجماع). [الدر المنثور: 2/620]

تفسير قوله تعالى: (وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله تعالى ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم قال هو الرجل يحلف في الأمر الذي ر يصلح له فإذا كلم في ذلك قال إني قد حلفت فيجعل يمينه عرضة لذلك فأنزل الله تعالى ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم). [تفسير عبد الرزاق: 1/90]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (حدثنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة في قوله تعالى ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم قال: قال النبي لا يتلجج أحدكم باليمين في أهله فهو إثم له عند الله من الكفارة التي أمر الله بها). [تفسير عبد الرزاق: 1/91]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن ابن طاوس عن أبيه في قوله تعالى ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم قال هو الرجل يحلف على الأمر الذي لا يصلح ثم يعتل بيمينه يقول الله تعالى أن تبروا وتتقوا خير من أن تمضي على ما لا يصلح). [تفسير عبد الرزاق: 1/92]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {ولا تجعلوا الله عرضةً لأيمانكم أن تبرّوا وتتّقوا وتصلحوا بين النّاس والله سميعٌ عليمٌ} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيم، قال: نا مغيرة، عن إبراهيم - في قوله عزّ وجلّ: {ولا تجعلوا الله عرضةً لأيمانكم} -، قال: ((هو الرّجل يحلف أن لا يصل رحمه، ولا يبرّ قرابته، ولا يصلح بين اثنين، فلا تمنعه يمينه من أن يفعل ذلك، ويكفّر عن يمينه)).
[سنن سعيد بن منصور: 3/868]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، قال: نا يونس، عن الحسن مثل ذلك.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيم، قال: نا مغيرة، عن الشّعبي قال: ((يصل رحمه، ويبرّ قرابته، ويصلح بين النّاس، ولا كفّارة عليه، ولو أمرته بالكفّارة، لأمرته أن لا يتمّ على قوله)).
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا خالد بن عبد اللّه، عن مغيرة، عن إبراهيم - في هذه الآية -، قال: ((هو الرّجل يحلف أن لا يصل رحمًا، ولا يتّقي اللّه، ولا يصلح بين اثنين)) ). [سنن سعيد بن منصور: 3/869]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا تجعلوا اللّه عرضةً لأيمانكم أن تبرّوا وتتّقوا وتصلحوا بين النّاس واللّه سميعٌ عليمٌ}.
اختلف أهل التّأويل في تأويل قوله: {ولا تجعلوا اللّه عرضةً لأيمانكم} فقال بعضهم: معناه: ولا تجعلوه علّةً لأيمانكم، وذلك إذا سئل أحدكم الشّيء من الخير والإصلاح بين النّاس، قال: عليّ يمينٌ باللّه إلاّ أفعل ذلك، أو قد حلفت باللّه أن لا أفعله. فيعتلّ في تركه فعل الخير، والإصلاح بين النّاس بالحلف باللّه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن ابن طاووسٍ، عن أبيه: {ولا تجعلوا اللّه عرضةً لأيمانكم} قال: هو الرّجل يحلف على الأمر الّذي لا يصلح ثمّ يعتلّ بيمينه يقول اللّه: {أن تبرّوا وتتّقوا} يقول: هو خيرٌ له من أن يمضي على ما لا يصلح، وإن حلفت كفّرت عن يمينك وفعلت الّذي هو خيرٌ لك.
[جامع البيان: 4/5]
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا سويد بن نصرٍ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن معمرٍ؛ عن ابن طاووسٍ، عن أبيه مثله، إلاّ أنّه قال: وإن حلفت فكفّر عن يمينك، وافعل الّذي هو خيرٌ.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا عبيد اللّه، عن إسرائيل، عن السّدّيّ، عمّن حدّثه عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {ولا تجعلوا اللّه عرضةً لأيمانكم أن تبرّوا وتتّقوا وتصلحوا بين النّاس} قال: هو أن يحلف الرّجل أن لا يكلّم قرابته، ولا يتصدّق، أو يكون بينه وبين إنسانٍ مغاضبةٌ، فيحلف لا يصلح بينهما ويقول: قد حلفت، قال: يكفّر عن يمينه {ولا تجعلوا اللّه عرضةً لأيمانكم}.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ولا تجعلوا اللّه عرضةً لأيمانكم أن تبرّوا وتتّقوا} يقول: لا تعتلّوا باللّه أن يقول أحدكم: إنّه تألّى أن لا يصل رحمًا، ولا يسعى في صلاحٍ، ولا يتصدّق من ماله، مهلاً مهلاً بارك اللّه فيكم فإنّ هذا القرآن إنّما جاء بترك أمر الشّيطان، فلا تطيعوه، ولا تنفّذوا له أمرًا في شيءٍ من نذوركم، ولا أيمانكم.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا ابن مهديٍّ، قال: حدّثنا سفيان، عن أبي حصينٍ، عن سعيد بن جبيرٍ: {ولا تجعلوا اللّه عرضةً لأيمانكم} قال: هو الرّجل يحلف لا يصلح بين النّاس ولا يبرّ، فإذا قيل له قال: قد حلفت.
- حدّثني القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ،
[جامع البيان: 4/6]
عن ابن جريجٍ، قال: سألت عطاءً عن قوله: {ولا تجعلوا اللّه عرضةً لأيمانكم أن تبرّوا وتتّقوا وتصلحوا بين النّاس} قال: الإنسان يحلف ألا يصنع الخير الأمر الحسن يقول حلفت، قال اللّه: افعل الّذي هو خيرٌ، وكفّر عن يمينك، ولا تجعل اللّه عرضةً.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {ولا تجعلوا اللّه عرضةً لأيمانكم..} الآية، هو الرّجل يحرّم ما أحلّ اللّه له على نفسه، فيقول: قد حلفت فلا يصلح إلاّ أن أبرّ يميني، فأمرهم اللّه أن يكفّروا أيمانهم، ويأتوا الحلال.
- حدّثنا موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ولا تجعلوا اللّه عرضةً لأيمانكم أن تبرّوا وتتّقوا وتصلحوا بين النّاس} أمّا {عرضةً} فيعرض بينك، وبين الرّجل الأمر، فتحلف باللّه لا تكلّمه، ولا تصله، وأمّا {تبرّوا} فالرّجل يحلف لا يبرّ ذا رحمه، فيقول: قد حلفت، فأمر اللّه أن لا يعرض بيمينه بينه وبين ذي رحمه، وليبرّه ولا يبالي بيمينه وأمّا {تصلحوا} فالرّجل يصلح بين الاثنين فيعصيانه، فيحلف أن لا يصلح بينهما، فينبغي له أن يصلح ولا يبالي بيمينه، وهذا قبل أن تنزل الكفّارات.
[جامع البيان: 4/7]
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا سويدٌ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن هشيمٍ، عن مغيرة، عن إبراهيم، في قوله: {ولا تجعلوا اللّه عرضةً لأيمانكم} قال: يحلف أن لا يتّقي اللّه، ولا يصل رحمه، ولا يصلح بين اثنين، فلا يمنعه يمينه.
وقال آخرون: معنى ذلك: ولا تعترضوا بالحلف باللّه في كلامكم فيما بينكم، فتجعلوا ذلك حجّةً لأنفسكم في ترك فعل الخير.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى بن إبراهيم، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ولا تجعلوا اللّه عرضةً لأيمانكم} يقول: لا تجعلني عرضةً ليمينك أن لا تصنع الخير، ولكن كفّر عن يمينك واصنع الخير.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ولا تجعلوا اللّه عرضةً لأيمانكم أن تبرّوا وتتّقوا وتصلحوا بين النّاس} كان الرّجل يحلف على الشّيء من البرّ، والتّقوى ولا يفعله، فنهى اللّه عزّ وجلّ عن ذلك، فقال: {ولا تجعلوا اللّه عرضةً لأيمانكم أن تبرّوا}.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم، في قوله: {ولا تجعلوا اللّه عرضةً لأيمانكم} قال: هو الرّجل يحلف أن لا يبرّ قرابته، ولا يصل رحمه ولا يصلح بين اثنين. يقول: فليفعل وليكفّر عن يمينه.
[جامع البيان: 4/8]
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن مغيرة، عن محمّد بن عبد الرّحمن بن يزيد، عن إبراهيم النّخعيّ، في قوله: {ولا تجعلوا اللّه عرضةً لأيمانكم أن تبرّوا وتتّقوا وتصلحوا بين النّاس} قال: لا تحلف أن لا تتّقي اللّه، ولا تحلف أن لا تبرّ، ولا تعمل خيرًا، ولا تحلف أن لا تصل، ولا تحلف أن لا تصلح بين النّاس، ولا تحلف أن تقتل وتقطع.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عمرو بن عونٍ، قال: أخبرنا هشيمٌ، عن داود، عن سعيد بن جبيرٍ، ومغيرة، عن إبراهيم، في قوله: {ولا تجعلوا اللّه عرضةً..} الآية، قالا: هو الرّجل يحلف أن يبرّ، ولا يتّقي، ولا يصلح بين النّاس، وأمر أن يتّقي اللّه، ويصلح بين النّاس، ويكفّر عن يمينه.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {ولا تجعلوا اللّه عرضةً لأيمانكم} فأمروا بالصّلة، والمعروف، والإصلاح بين النّاس، فإن حلف حالفٌ أن لا يفعل ذلك فليفعله وليدع يمينه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، في قوله: {ولا تجعلوا اللّه عرضةً لأيمانكم} الآية، قال ذلك في الرّجل يحلف أن لا يبرّ، ولا يصل رحمه، ولا يصلح بين النّاس، فأمره اللّه أن يدع يمينه، ويصل رحمه، ويأمر بالمعروف ويصلح بين النّاس.
[جامع البيان: 4/9]
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا محمّد بن حربٍ، قال: حدّثنا ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، عن عائشة، في قوله: {ولا تجعلوا اللّه عرضةً لأيمانكم أن تبرّوا وتتّقوا وتصلحوا بين النّاس} قالت: لا تحلفوا باللّه وإن بررتم.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: حدّثت أنّ قوله: {ولا تجعلوا اللّه عرضةً لأيمانكم} الآية، نزلت في أبي بكرٍ في شأن مسطحٍ.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا ابن فضيلٍ، عن مغيرة، عن إبراهيم، قوله: {ولا تجعلوا اللّه عرضةً لأيمانكم} الآية، قال: يحلف الرّجل أن لا يأمر بالمعروف، ولا ينهى عن المنكر، ولا يصل رحمه.
- حدّثني المثنّى، حدّثنا سويدٌ، أخبرنا ابن المبارك، عن هشيمٍ، عن المغيرة، عن إبراهيم، في قوله: {ولا تجعلوا اللّه عرضةً لأيمانكم} قال: يحلف أن لا يتّقي اللّه، ولا يصل رحمه، ولا يصلح بين اثنينٍ، فلا يمنعه يمينه.
[جامع البيان: 4/10]
- حدّثني ابن عبد الرّحيم البرقيّ، قال: حدّثنا عمرو بن أبي سلمة، عن سعيدٍ، عن مكحولٍ، أنّه قال في قول اللّه تعالى ذكره: {ولا تجعلوا اللّه عرضةً لأيمانكم} قال: هو أن يحلف الرّجل أن لا يصنع خيرًا، ولا يصل رحمه، ولا يصلح بين النّاس، نهاهم اللّه عن ذلك.
وأولى التّأويلين بالآية تأويل من قال: معنى ذلك لا تجعلوا الحلف باللّه حجّةً لكم في ترك فعل الخير فيما بينكم وبين اللّه وبين النّاس. وذلك أنّ العرضة في كلام العرب: القوّة والشّدّة، يقال منه: هذا الأمر عرضةً له، يعني بذلك: قوّةٌ لك على أسبابك، ويقال: فلانة عرضةٌ للنّكاح: أي قوّةٌ، ومنه قول كعب بن زهيرٍ في صفة نوقٍ:
من كلّ نضّاخة الذّفرى إذا عرقت = عرضتها طامس الأعلام مجهول
يعني ب عرضتها: قوّتها وشدّتها.
فمعنى قوله تعالى ذكره: {ولا تجعلوا اللّه عرضةً لأيمانكم} إذن: لا تجعلوا اللّه قوّةً لأيمانكم في أن لا تبرّوا، ولا تتّقوا، ولا تصلحوا بين النّاس، ولكن إذا حلف أحدكم فرأى الّذي هو خيرٌ ممّا حلف عليه من ترك البرّ والإصلاح بين النّاس فليحنث في يمينه، وليبرّ، وليتّق اللّه، وليصلح بين النّاس، وليكفّر عن يمينه،
[جامع البيان: 4/11]
وترك ذكر لا من الكلام لدلالة الكلام عليها واكتفاءً بما ذكر عمّا ترك، كما قال امرؤ القيس:
فقلت يمين اللّه أبرح قاعدًا = ولو قطّعوا رأسي لديك وأوصالي
بمعنى: فقلت: يمين اللّه لا أبرح. فحذف لا اكتفاءً بدلالة الكلام عليها.
وأمّا قوله: {أن تبرّوا} فإنّه اختلف في تأويل البرّ الّذي عناه اللّه تعالى ذكره، فقال بعضهم: هو فعل الخير كلّه. وقال آخرون: هو البرّ بذي رحمه، وقد ذكرت قائلي ذلك فيما مضى.
وأولى ذلك بالصّواب قول من قال: عنى به فعل الخير كلّه، وذلك أنّ أفعال الخير كلّها من البرّ. ولم يخصّص اللّه في قوله {أن تبرّوا} معنًى دون معنًى من معاني البرّ، فهو على عمومه، والبرّ بذوي القرابة أحد معاني البرّ.
وأمّا قوله: {وتتّقوا} فإنّ معناه: أن تتّقوا ربّكم فتحذروه وتحذروا عقابه في فرائضه، وحدوده أن تضيّعوها أو تتعدّوها.
وقد ذكرنا تأويل من تأوّل ذلك أنّه بمعنى التّقوى قبل.
وقال آخرون في تأويله بما؛
- حدّثني به محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {أن تبرّوا وتتّقوا} قال: كان الرّجل يحلف على الشّيء من البرّ والتّقوى لا يفعله، فنهى اللّه عزّ وجلّ عن ذلك، فقال: {ولا تجعلوا اللّه عرضةً لأيمانكم أن تبرّوا وتتّقوا وتصلحوا بين النّاس} الآية، قال: ويقال: لا يتّق بعضكم بعضًا بي، تحلفون بي وأنتم كاذبون ليصدّقكم النّاس وتصلحون بينهم، فذلك قوله: {أن تبرّوا وتتّقوا..} الآية.
[جامع البيان: 4/12]
وأمّا قوله: {وتصلحوا بين النّاس} فهو الإصلاح بينهم بالمعروف فيما لا مأثم فيه، وفيما يحبّه اللّه دون ما يكرهه.
وأمّا الّذي ذكرنا عن السّدّيّ من أنّ هذه الآية نزلت قبل نزول كفّارات الأيمان، فقولٌ لا دلالة عليه من كتابٍ، ولا سنّةٍ، والخبر عمّا كان لا تدرك صحّته إلاّ بخبرٍ صادقٍ، وإلاّ كان دعوى لا يتعذّر مثلها وخلافها على أحدٍ. وغير محالٍ أن تكون هذه الآية نزلت بعد بيان كفّارات الأيمان في سورة المائدة، واكتفي بذكرها هناك عن إعادتها هاهنا، إذ كان المخاطبون بهذه الآية قد علموا الواجب من الكفّارات في الأيمان الّتي يحنث فيها الحالف). [جامع البيان: 4/13]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واللّه سميعٌ عليمٌ}.
يعني تعالى ذكره بذلك: واللّه سميعٌ لما يقوله الحالف منكم باللّه إذا حلف، فقال: واللّه لا أبرّ، ولا أتّقي، ولا أصلح بين النّاس، ولغير ذلك من قيلكم وأيمانكم عليمٌ بما تقصدون وتبتغون بحلفكم ذلك الخير تريدون أم غيره، لأنّي علاّم الغيوب وما تضمره الصّدور، لا تخفى عليّ خافيةٌ، ولا ينكتم عنّي أمرٌ علن فظهر أو خفي فبطن.
وهذا من اللّه تعالى ذكره تهدّدٌ ووعيدٌ. يقول تعالى ذكره: واتّقون أيّها النّاس أن تظهروا بألسنتكم من القول، أو بأبدانكم من الفعل، ما نهيتكم عنه، أو تضمروا في أنفسكم، وتعزموا بقلوبكم من الإرادات والنّيّات فعل ما زجرتكم عنه، فتستحقّوا بذلك منّي العقوبة الّتي قد عرّفتكموها، فإنّي مطّلعٌ على جميع ما تعلنونه أو تسرّونه). [جامع البيان: 4/13]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ولا تجعلوا اللّه عرضةً لأيمانكم أن تبرّوا وتتّقوا وتصلحوا بين النّاس واللّه سميعٌ عليمٌ (224)
قوله تعالى: ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي ثنا أبو غسّان- مالك بن إسماعيل، ثنا نحيى بن سلمة بن كهيلٍ، عن أبيه عن عطاءٍ قال: جاء رجلٌ إلى عائشة، فقال: يا أمّ المؤمنين: إنّي نذرت إن كلّمت فلانًا، فإنّ كلّ مملوكٍ لي عتيقٌ لوجه اللّه، وكلّ مالٍ لي سترٌ للبيت.
قالت: لا تجعل مملوكيك عتقًا لوجه اللّه، ولا تجعل مالك سترًا للبيت فإنّ اللّه يقول: ولا تجعلوا اللّه عرضةً لأيمانكم أن تبرّوا قالت: فكفر عن يمينك.
[تفسير القرآن العظيم: 2/406]
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: ولا تجعلوا اللّه عرضةً لأيمانكم يقول: لا تجعلنّ عرضةً ليمينك ألا تصنع الخير ولكن كفّر عن يمينك واصنع الخير. قال أبو محمّدٍ: وروي عن مسروقٍ وسعيد بن جبيرٍ وإبراهيم النّخعيّ والشّعبيّ ومجاهدٍ وعطاءٍ والزّهريّ والحسن وعكرمة وطاوس ومكحولٍ ومقاتل بن حيّان وقتادة والرّبيع بن أنسٍ والضّحّاك وعطاءٍ الخراسانيّ والسّدّيّ، نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/407]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: أن تبرّوا
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قوله: أن تبرّوا يعني: ألا تصلوا القرابة.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ عن السدي وأمّا:
تبرّوا فالرّجل يحلف ألا يبرّ ذا رحمه، فيقول: قد حلفت. فأمرهم اللّه ألا يعرّض بيمينه بينه وبين ذي رحمه وليبرّه، ولا يبالي بيمينه). [تفسير القرآن العظيم: 1/407]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: وتتّقوا
- حدّثنا أبي ثنا النّفيليّ، ثنا عبيد اللّه بن عمرٍو عن عبد الكريم الجزريّ، في قول اللّه: أن تبرّوا وتتّقوا قال: التّقوى: تحلف وتقول: قد حلفت ألا أعتق ولا أصّدّق). [تفسير القرآن العظيم: 1/407]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: وتصلحوا بين النّاس
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا نحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني ابن لهيعة حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قول اللّه: وتتّقوا وتصلحوا بين النّاس قال: كان الرّجل يريد الصّلح بين اثنين فيغضبه أحدهما أو يتّهمه، فيحلف ألا يتكلّم بينهما في الصّلح، قال: أن تصلوا إلى القرابة وتتّقوا، يعني: وتتّقوا وتصلحوا بين النّاس، فهو خيرٌ من وفاء اليمين في المعصية.
[تفسير القرآن العظيم: 2/407]
- قال أبو محمّدٍ: وروي عن السّدّيّ نحو ذلك، وقال: هذا قبل أن تنزل الكفّارات). [تفسير القرآن العظيم: 1/408]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: واللّه سميعٌ عليمٌ
وبالإسناد عن سعيد بن جبيرٍ، في قول اللّه: واللّه سميعٌ عليمٌ يعني: اليمين الّذي حلفوا عليها). [تفسير القرآن العظيم: 1/408]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: عليمٌ
- وبه عن سعيد بن جبيرٍ، في قول اللّه: عليمٌ يعني علم بها كان هذا قبل أن تنزل كفّارة اليمين). [تفسير القرآن العظيم: 1/408]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم قال أمروا بالصلة والمعروف والإصلاح وإن حلف حالف ألا يفعله فليفعله وليكفر يمينه). [تفسير مجاهد: 107]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس والله سميع عليم
أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في مسنده عن ابن عباس {ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم} يقول: لا تجعلني في عرضة
[الدر المنثور: 2/620]
ليمينك أن لا تضع الخير ولكن كفر عن يمينك واصنع الخير.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن ابن عباس في الآية قال: هو أن يحلف الرجل أن لا يكلم قرابته أو لا يتصدق أو يكون بين رجلين مغاضبة فيحلف لا يصلح بينهما ويقول قد حلفت، قال: يكفر عن يمينه.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: كان الرجل يحلف على الشيء من البر والتقوى لا يفعله فنهى الله عن ذلك.
أخرج ابن المنذر عن ابن عباس في الآية قال: هو الرجل يحلف لا يصل رحمه ولا يصلح بين الناس فأنزل الله {ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال: جاء رجل إلى عائشة فقال: إني نذرت إن كلمت فلانا فإن كل مملوك لي عتيق وكل مال لي ستر للبيت، فقالت: لا تجعل مملوكيك عتقاء ولا تجعل مالك سترا للبيت فإن الله يقول {ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا} الآية، فكفر عن يمينك
[الدر المنثور: 2/621]
وأخرج ابن جرير عن عائشة في الآية قالت: لا تحلفوا بالله وإن نذرتم.
وأخرج عبد الرزاق، عن طاووس في قوله {ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم} قال: هو الرجل يحلف على الأمر الذي لا يصلح ثم يعتل بيمينه يقول الله {أن تبروا وتتقوا} هو خير من أن تمضي على ما لا يصلح.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: كان الرجل يريد الصلح بين اثنين فيغضبه أحدهما أو يتهمه فيحلف أن لا يتكلم بينهما في الصلح فنزلت الآية.
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال: حدثت أن قوله {ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم} الآية نزلت في أبي بكر في شأن مسطح.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله {والله سميع} يعني اليمين التي حلفوا عليها {عليم} يعني عالم بها كان هذا قبل أن تنزل كفارة اليمين.
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم، وابن ماجة عن أبي هريرة عن
[الدر المنثور: 2/622]
النبي صلى الله عليه وسلم لأن يلج أحدكم في يمينه في أهله أتم له عند الله من أن يعطى كفارته التي افترض عليه.
وأخرج أحمد وأبو داود، وابن ماجة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نذر ولا يمين فيما لا يملك ابن آدم ولا في معصية الله ولا في قطيعة الرحم ومن حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليدعها وليأت الذي هو خير فإن تركها كفارتها.
وأخرج ابن ماجة، وابن جرير عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حلف على يمين قطيعة رحم أو معصية فبره أن يحنث فيها ويرجع عن يمينه.
وأخرج مالك ومسلم والترمذي والنسائي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه وليفعل الذي هو خير.
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي، وابن ماجة عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني - والله إن شاء الله - لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها.
وأخرج مسلم والنسائي، وابن ماجة عن عدي بن حاتم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير فليكفر عن يمينه
[الدر المنثور: 2/623]
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن عبد الرحمن بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها وإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فأت الذي هو خير وكفر عن يمينك.
وأخرج أبو داود والحاكم وصححه عن سعيد بن المسيب، أن أخوين من الأنصار كان بينهما ميراث فسأل أحدهما صاحب القسمة فقال: إن عدت تسألني القسمة لم أكلمك أبدا وكل ما لي في رتاج الكعبة، فقال له عمر:
[الدر المنثور: 2/624]
إن الكعبة لغنية عن مالك كفر عن يمينك وكلم أخاك فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يمين ولا نذر في معصية الرب ولا في قطعية الرحم وفيما لا تملك.
وأخرج النسائي، وابن ماجة عن مالك الجشمي قال قلت: يا رسول الله يأتيني ابن عمي فأحلف أن لا أعطيه ولا أصله قال: كفر عن يمينك). [الدر المنثور: 2/625]

تفسير قوله تعالى: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (حدثني بكر بن مضر عمن حدثه عن زيد
[الجامع في علوم القرآن: 2/110]
ابن أسلم [ .... ] في لغو اليمين هو قول الرجل: حربني الله من مالي، لا ردني الله إلى أهلي [ ........ .. ]، وأشباه هذا؛ فأما إذا قال: والله، ثم حنث فعليه الكفارة). [الجامع في علوم القرآن: 2/111]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة في قوله تعالى لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قال: قالت هم القوم يتدارءون في الأمر يقول هذا لا والله وبلى والله وكلا والله يتدارءون في الأمر لا يعقد عليه قلوبهم). [تفسير عبد الرزاق: 1/90]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر وقال الحسن وقتادة هو الخطأ غير العمد كقول الرجل والله إن هذا لكذا وكذا وهو يرى أنه صادق ولكن لا يكون كذلك). [تفسير عبد الرزاق: 1/91]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا الثوري عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قال هو الرجل يحلف على الشيء يرى أنه كذلك وليس كذلك ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان قال أن تحلف على الشيء وأنت تعلمه). [تفسير عبد الرزاق: 1/91]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا هشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير في قوله تعالى لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قال هو الرجل يحلف على الحرام فلا يؤاخذ الله بتركه). [تفسير عبد الرزاق: 1/91]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا هشيم عن مغيرة عن إبراهيم قال هو الرجل يحلف على الشيء ثم ينساه
[تفسير عبد الرزاق: 1/91]
رأيت ابن المبارك يقرأ على معمر التفسير). [تفسير عبد الرزاق: 1/92]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {لا يؤاخذكم الله باللّغو في أيمانكم}
- أخبرني شعيب بن يوسف، عن يحيى، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، في قوله: {لا يؤاخذكم الله باللّغو في أيمانكم} [البقرة: 225] قالت: " نزلت في قول الرّجل: لا والله، بلى والله "). [السنن الكبرى للنسائي: 10/84]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم واللّه غفورٌ حليمٌ}.
اختلف أهل التّأويل في تأويل قوله: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} وفي معنى اللّغو. فقال بعضهم في معناه: لا يؤاخذكم اللّه بما سبقتكم به ألسنتكم من الأيمان على عجلةٍ وسرعةٍ، فيوجب عليكم به كفّارةً إذا لم تقصدوا الحلف واليمين، وذلك كقول القائل: فعل هذا واللّه، أو أفعله واللّه، أو لا أفعله واللّه، على سبوق المتكلّم بذلك لسانه بما وصل به كلامه من اليمين.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشّهيد، قال: حدّثنا عتّاب بن بشيرٍ، عن خصيفٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} قال: هي بلى واللّه، ولا واللّه.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن الزّهريّ، عن القاسم، عن عائشة، في قوله: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} قالت: لا واللّه، وبلى واللّه.
[جامع البيان: 4/14]
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن أبي نجيحٍ، عن عطاءٍ، عن عائشة، نحوه.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: سألت عائشة، عن لغو اليمين، قالت: هو لا واللّه، وبلى واللّه، ما يتراجع به النّاس.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا وكيعٌ، وعبدة، وأبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، في قول اللّه: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} قالت: لا واللّه، وبلى واللّه.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} قالت: لا واللّه، وبلى واللّه، يصل بها كلامه.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّام بن سلمٍ، عن عبد الملك، عن عطاءٍ قال: دخلت مع عبيد بن عميرٍ، على عائشة، فقال لها: يا أمّ المؤمنين قوله: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} قالت: هو لا واللّه، وبلى واللّه، ليس ممّا عقّدتم الأيمان.
[جامع البيان: 4/15]
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا ابن أبي ليلى، عن عطاءٍ، قال: أتيت عائشة، مع عبيد بن عميرٍ، فسألها عبيدٌ عن قوله: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} فقالت عائشة: هو قول الرّجل: لا واللّه، وبلى واللّه، ما لم يعقد عليه قلبه.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة قال: أخبرنا ابن جريجٍ، عن عطاءٍ، قال: انطلقت مع عبيد بن عميرٍ، إلى عائشة، وهي مجاورةٌ في ثبيرٍ، فسألها عبيدٌ عن لغو اليمين، فقالت: لا واللّه، وبلى واللّه.
- حدّثنا محمّد بن موسى الحرشيّ، قال: حدّثنا حسّان بن إبراهيم الكرمانيّ، قال: حدّثنا إبراهيم الصّائغ، عن عطاءٍ، في قوله: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} قال: قالت عائشة، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: هو قول الرّجل في بيته كلاّ واللّه وبلى واللّه.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الزّهريّ، عن عروة، عن عائشة، في قوله: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} قالت: هم القوم يتدارءون في الأمر، فيقول هذا: لا واللّه، وبلى واللّه، وكلاّ واللّه، يتدارءون في الأمر لا تعقد عليه قلوبهم.
[جامع البيان: 4/16]
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن مغيرة، عن الشّعبيّ، في قوله: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} قال: قول الرّجل: لا واللّه، وبلى واللّه، يصل به كلامه ليس فيه كفّارةٌ.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا المغيرة، عن الشّعبيّ، قال: هو الرّجل يقول: لا واللّه، وبلى واللّه، يصل حديثه.
- حدّثنا حميد بن مسعدة، قال: حدّثنا بشر بن المفضّل، قال: حدّثنا ابن عونٍ، قال: سألت عامرًا عن قوله: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} قال: هو لا واللّه، وبلى واللّه.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، وحدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، جميعًا، عن ابن عونٍ، عن الشّعبيّ، مثله.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، وابن وكيعٍ، قالا: حدّثنا ابن عليّة، قال: حدّثنا أيّوب، قال: قال أبو قلابة، في لا واللّه، وبلى واللّه: أرجو أن يكون لغةً.
وقال يعقوب في حديثه: أرجو أن يكون لغوًا. وقال ابن وكيعٍ في حديثه: أرجو أن يكون لغةً، ولم يشكّ.
- حدّثنا أبو كريبٍ، وابن وكيعٍ، وهنّادٌ، قالوا: حدّثنا وكيعٌ، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن أبي صالحٍ، قال: لا واللّه، وبلى واللّه.
[جامع البيان: 4/17]
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن مالكٍ، عن عطاءٍ، قال: سمعت عائشة، تقول في قوله: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} قالت: لا واللّه، وبلى واللّه.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن مالك بن مغولٍ، عن عطاءٍ، مثله.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن عاصمٍ الأحول، عن عكرمة، في قوله: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} قال: هو قول النّاس: لا واللّه، وبلى واللّه.
- حدّثنا سفيان بن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن عاصمٍ، عن الشّعبيّ، وعكرمة، قالا: لا واللّه، وبلى واللّه.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن عيينة، عن عمرٍو، عن عطاءٍ، قال: دخلت مع عبيد بن عميرٍ على عائشة، فسألها، فقالت: لا واللّه، وبلى واللّه.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا حفصٌ، عن ابن أبي ليلى، وأشعث، عن عطاءٍ، عن عائشة: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} قالت: لا واللّه، وبلى واللّه.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، وجريرٌ، عن هشامٍ، عن أبيه، عن عائشة، قالت: لا واللّه، وبلى واللّه.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، وهنّادٌ، قالا: حدّثنا يعلى، عن عبد الملك، عن عطاءٍ، قال: قالت عائشة، في قول اللّه: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو} في أيمانكم قالت: هو قولك: لا واللّه، وبلى واللّه، ليس لها عقد الأيمان.
[جامع البيان: 4/18]
- حدّثنا هنّادٌ، قالا: حدّثنا أبو الأحوص، عن مغيرة، عن الشّعبيّ؛ قال: اللّغو: قول الرّجل: لا واللّه، وبلى واللّه، يصل به كلامه ما لم يك شيئًا يعقد عليه قلبه.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني عمرٌو، أنّ سعيد بن أبي هلالٍ، حدّثه أنّه، سمع عطاء بن أبي رباحٍ، يقول: سمعت عائشة، تقول: لغو اليمين قول الرّجل: لا واللّه، وبلى واللّه فيما لم يعقد عليه قلبه.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال عمرٌو: وحدّثني عبد اللّه بن عبد الرّحمن بن أبي حسينٍ النّوفليّ، عن عطاءٍ، عن عائشة، بذلك.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن الحكم، عن مجاهدٍ، في قوله: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} قال: الرّجلان يتبايعان، فيقول أحدهما: واللّه لا أبيعك بكذا وكذا، ويقول الآخر. واللّه لا أشتريه بكذا وكذا؛ فهذا اللّغو لا يؤاخذ به.
وقال آخرون: بل اللّغو في اليمين: اليمين الّتي يحلف بها الحالف وهو يرى أنّه كما يحلف عليه ثمّ يتبيّن غير ذلك وأنّه بخلاف الّذي حلف عليه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرني ابن نافعٍ، عن أبي معشرٍ، عن محمّد بن قيسٍ، عن أبي هريرة، أنّه كان يقول: لغو اليمين: حلف الإنسان على الشّيء يظنّ أنّه الّذي حلف عليه، فإذا هو غير ذلك.
[جامع البيان: 4/19]
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} واللّغو: أن يحلف الرّجل على الشّيء يراه. حقًّا وليس بحقٍّ.
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} هذا في الرّجل يحلف على أمر إضرارٍ أن يفعله فلا يفعله، فيرى الّذي هو خيرٌ منه، فأمر اللّه أن يكفّر عن يمينه ويأتي الّذي هو خيرٌ ومن اللّغو أيضًا: أن يحلف الرّجل على أمرٍ لا يألو فيه الصّدق وقد أخطأ في يمينه، فهذا الّذي عليه الكفّارة ولا إثم عليه.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، وابن المثنّى، قالا: حدّثنا أبو داود، قال: حدّثنا هشامٌ، عن قتادة، عن سليمان بن يسارٍ، في قوله: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} قال: خطأٌ غير عمدٍ.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، عن عوفٍ، عن الحسن، في هذه الآية: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} قال: هو أن تحلف على الشّيء وأنت يخيّل إليك أنّه كما حلفت وليس كذلك؛ فلا يؤاخذه اللّه ولا كفّارة، ولكنّ المؤاخذة، والكفّارة فيما حلف عليه على علمٍ.
[جامع البيان: 4/20]
- حدّثنا هنّادٌ، وابن وكيعٍ، قالا: حدّثنا وكيعٌ، عن الفضل بن دلهمٍ، عن الحسن، قال: هو الرّجل يحلف على اليمين لا يرى إلاّ أنّه كما حلف.
- حدّثنا سفيان، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن عاصمٍ، عن الحسن: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} قال: هو الرّجل يحلف على اليمين يرى أنّها كذلك، وليست كذلك.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا عبدة، عن سعيدٍ، عن قتادة، عن الحسن، في قوله: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} قال: هو الرّجل يحلف على الشّيء، وهو يرى أنّه كذلك، فلا يكون كما قال فلا كفّارة عليه.
- حدّثنا هنّادٌ، وأبو كريبٍ، وابن وكيعٍ، قالوا: حدّثنا وكيعٌ، عن سفيان، وحدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} قال: هو الرّجل يحلف على اليمين لا يرى إلاّ أنّها كما حلف عليه، وليست كذلك.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، في قول اللّه: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} قال: من حلف باللّه ولا يعلم إلاّ أنّه صادقٌ فيما حلف.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} حلف الرّجل على الشّيء وهو لا يعلم إلاّ أنّه على ما حلف عليه فلا يكون كما حلف، كقوله: إنّ هذا البيت لفلانٍ وليس له، وإنّ هذا الثّوب لفلانٍ وليس له.
[جامع البيان: 4/21]
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا أبو الأحوص، عن مغيرة، عن إبراهيم، في قوله: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} قال: هو الرّجل يحلف على الشّيء يرى أنّه فيه صادقٌ.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم، في قوله: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} قال: هو الرّجل يحلف على الأمر يرى أنّه كما حلف عليه فلا يكون كذلك، قال: فلا يؤاخذ بذلك، قال: وكان يحبّ أن يكفّر.
- حدّثنا موسى بن عبد الرّحمن المسروقيّ، قال: حدّثنا الجعفيّ، عن زائدة، عن منصورٍ، قال: قال إبراهيم: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} قال: أن يحلف على الشّيء وهو يرى أنّه صادقٌ وهو كاذبٌ، فذلك اللّغو لا يؤاخذ به.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عمرٍو، عن منصورٍ، عن إبراهيم، نحوه، إلاّ أنّه قال: إن حلفت على الشّيء وأنت ترى أنّك صادقٌ وليس كذلك.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا أبن إدريس، قال: أخبرنا حصينٌ، عن أبي مالكٍ، أنّه قال: اللّغو: الرّجل يحلف على الأيمان، وهو يرى أنّه كما حلف.
[جامع البيان: 4/22]
- حدّثني إسحاق بن حبيب بن الشّهيد، قال: حدّثنا عتّاب بن بشيرٍ، عن خصيفٍ، عن زيادٍ، قال: هو الّذي يحلف على اليمين يرى أنّه فيها صادقٌ.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا يعقوب بن إسحاق الحضرميّ، قال: حدّثنا بكير بن أبي السّميط، عن قتادة، في قوله: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} قال: هو الخطأ غير العمد، الرّجل يحلف على الشّيء يرى أنّه كذلك وليس كذلك.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عمرو بن عونٍ، قال: أخبرنا هشيمٌ، عن منصورٍ، ويونس، عن الحسن، قال: اللّغو: الرّجل يحلف على الشّيء يرى أنّه كذلك فليس عليه فيه كفّارةٌ.
- حدّثنا هنّادٌ، وابن وكيعٍ، قال هنّادٌ: حدّثنا وكيعٌ، وقال ابن وكيعٍ: حدّثني أبي، عن عمران بن حديرٍ، قال: سمعت زرارة بن أوفى، قال: هو الرّجل يحلف على اليمين لا يرى إلاّ أنّها كما حلف.
- حدّثنا أحمد بن حازمٍ، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا عمر بن بشيرٍ، قال: سئل عامرٌ، عن هذه الآية: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} قال: اللّغو: أن يحلف الرّجل لا يألو عن الحقّ فيكون غير ذلك، فذلك اللّغو الّذي لا يؤاخذ به.
[جامع البيان: 4/23]
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} فاللّغو: اليمين الخطأ غير العمد، أن تحلف على الشّيء وأنت ترى أنّه كما حلفت عليه ثمّ لا يكون كذلك، فهذا لا كفّارة عليه، ولا مأثم فيه.
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} أمّا اللّغو: فالرّجل يحلف على اليمين، وهو يرى أنّها كذلك فلا تكون كذلك، فليس عليه كفّارةٌ.
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، في قوله: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} قال: اللّغو: اليمين الخطأ في غير عمدٍ أن يحلف على الشّيء وهو يرى أنّه كما حلف عليه، وهذا ما ليس عليه فيه كفّارةٌ.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا أبو الأحوص، عن حصينٍ، عن أبي مالكٍ، قال: أما اليمين الّتي لا يؤاخذ بها صاحبها فالرّجل يحلف على اليمين وهو يرى أنّه فيها صادقٌ، فذلك اللّغو.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا حصين، عن أبي مالكٍ، مثله، إلاّ أنّه قال: الرّجل يحلف على الأمر، يرى أنّه كما حلف عليه فلا يكون كذلك، فليس عليه فيه كفّارةٌ، وهو اللّغو.
[جامع البيان: 4/24]
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني معاوية بن صالحٍ، عن يحيى بن سعيدٍ، وعن ابن أبي طلحة، - كذا قال ابن أبي جعفرٍ -، قالا: من قال: واللّه لقد فعلت كذا وكذا وهو يظنّ أن قد فعله، ثمّ تبيّن أنّه لم يفعله، فهذا لغو اليمين، وليس عليه فيه كفّارةٌ.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن رجلٍ، عن الحسن، في قوله: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} قال: هو الخطأ غير العمد، كقول الرّجل: واللّه إنّ هذا لكذا وكذا وهو يرى أنّه صادقٌ ولا يكون كذلك قال معمرٌ: وقاله قتادة أيضًا.
- حدّثني ابن البرقيّ، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: سئل سعيدٌ، عن اللّغو في اليمين، قال سعيدٌ، وقال مكحولٌ: الخطأ غير العمد، ولكنّ الكفّارة فيما عقدت قلوبكم.
- حدّثني ابن البرقيّ، قال: حدّثنا عمرٌو، عن سعيد بن عبد العزيز، عن مكحولٍ، أنّه قال: اللّغو الّذي لا يؤاخذ اللّه به: أن يحلف الرّجل على الشّيء الّذي يظنّ أنّه فيه صادقٌ، فإذا هو فيه غير ذلك، فليس عليه فيه كفّارةٌ، وقد عفا اللّه عنه.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن إبراهيم، في قوله: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} قال: إذا حلف على اليمين وهو يرى أنّه فيه صادقٌ وهو كاذبٌ، فلا يؤاخذ به، وإذا حلف على اليمين وهو يعلم أنّه كاذبٌ، فذاك الّذي يؤاخذ به.
[جامع البيان: 4/25]
وقال آخرون: بل اللّغو من الأيمان الّتي يحلف بها صاحبها في حال الغضب على غير عقد قلبٍ ولا عزمٍ، ولكن وصلةً للكلام.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا مالك بن إسماعيل، عن خالدٍ، عن عطاءٍ، عن وسيمٍ، عن طاووسٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: لغو اليمين: أن تحلف، وأنت غضبان.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، قال: حدّثنا أبو حمزة، عن عطاءٍ، عن طاووسٍ، قال: كلّ يمينٍ حلف عليها رجلٌ وهو غضبان فلا كفّارة عليه فيها، قوله: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم}.
وعلّة من قال هذه المقالة ما؛
- حدّثني به، أحمد بن منصورٍ المروزيّ، قال: حدّثنا عمر بن يونس اليماميّ، قال: حدّثنا سليمان بن أبي سليمان الزّهريّ، عن يحيى بن أبي كثيرٍ، عن طاووسٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: لا يمين في غضبٍ.
وقال آخرون: بل اللّغو في اليمين: الحلف على فعل ما نهى اللّه عنه، وترك ما أمر اللّه بفعله.
[جامع البيان: 4/26]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا هنّادٌ قال: حدّثنا حفص بن غياثٍ، عن داود بن أبي هندٍ، عن سعيد بن جبيرٍ قال: هو الّذي يحلف على المعصية، فلا يفي ويكفّر يمينه قوله: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم}.
- حدّثنا محمّد بن عبد الملك بن أبي الشّوارب، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا داود، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: لغو اليمين أن يحلف الرّجل على المعصية للّه لا يؤاخذه اللّه بإلغائها.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، عن داود، عن سعيد بن جبيرٍ، بنحوه، وزاد فيه: قال: وعليه كفّارته.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثني عبد الأعلى، ويزيد بن هارون، عن داود، عن سعيدٍ بنحوه.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الوهّاب، قال: حدّثنا داود، عن سعيد بن جبيرٍ: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} قال: هو الرّجل يحلف على المعصية فلا يؤاخذه اللّه أن يكفّر عن يمينه ويأتي الّذي هو خيرٌ.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة،
[جامع البيان: 4/27]
وحدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن شعبة، عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، في هذه الآية: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} قال: الرّجل يحلف على المعصية فلا يؤاخذه اللّه بتركها.
- حدّثنا الحسن بن الصّبّاح البزّار، قال: حدّثنا إسحاق بن عيسى ابن بنت داود بن أبي هندٍ، قال: حدّثنا خالد بن إلياس، عن أمّ أبيه: أنّها حلفت أن لا تكلّم ابنة ابنها ابنة أبي الجهم، فأتت سعيد بن المسيّب، وأبا بكرٍ، وعروة بن الزّبير، فقالوا: لا يمين في معصيةٍ، ولا كفّارة عليها.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قوله: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} قال: هو الرّجل يحلف على المعصية فلا يؤاخذه اللّه بتركها إن تركها، قلت: فكيف يصنع؟ قال: يكفّر عن يمينه ويترك المعصية.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا هشيمٌ، عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قوله: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} قال: هو الرّجل يحلف على الحرام، فلا يؤاخذه اللّه بتركه.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: أخبرنا داود، عن سعيد بن جبيرٍ، قال في لغو اليمين، قال: هي اليمين في المعصية، قال: أو لا تقرأ فتفهم؟ قال اللّه: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقّدتم الأيمان} قال: فلا يؤاخذه بالإلغاء، ولكن يؤاخذه بالتّمام عليها، قال: وقال {لا تجعلوا اللّه عرضةً لأيمانكم..} إلى قوله: {واللّه غفورٌ حليمٌ}.
[جامع البيان: 4/28]
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويد بن نصرٍ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن هشيمٍ، عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قوله: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} قال: الرّجل يحلف على المعصية فلا يؤاخذه اللّه بتركها، ويكفّر.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا وهب بن جريرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن عاصمٍ، عن الشّعبيّ، عن مسروقٍ: في الرّجل يحلف على المعصية، فقال: أيكفّر خطوات الشّيطان؟ ليس عليه كفّارةٌ.
- حدّثني ابن المثنّى، قال: حدّثنا وهب بن جريرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن عاصمٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، مثل ذلك.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، عن داود، عن الشّعبيّ: في الرّجل يحلف على المعصية قال: كفّارتها أن يتوب منها.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا مغيرة، عن الشّعبيّ، أنّه كان يقول: يترك المعصية ولا يكفّر، ولو أمرته بالكفّارة لأمرته أن يتمّ على قوله.
- حدّثنا يحيى بن داود الواسطيّ، قال: حدّثنا أبو أسامة، عن مجالدٍ، عن عامرٍ، عن مسروقٍ، قال: كلّ يمينٍ لا يحلّ لك أن تفي بها فليس فيها كفّارةٌ.
وعلّة من قال هذا القول من الأثر.
[جامع البيان: 4/29]
- ما حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا أبو أسامة، عن الوليد بن كثيرٍ، قال: حدّثني عبد الرّحمن بن الحارث، عن عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن عبد اللّه بن عمرٍو، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: من نذر فيما لا يملك فلا نذر له، ومن حلف على معصيةٍ للّه فلا يمين له، ومن حلف على قطيعة رحمٍ فلا يمين لا.
- حدّثني عليّ بن سعيدٍ الكنديّ، قال: حدّثنا عليّ بن مسهرٍ، عن حارثة بن محمّدٍ، عن عمرة، عن عائشة، قالت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: من حلف على يمين قطيعة رحمٍ، أو معصيةٍ للّه فبرّه أن يحنث بها ويرجع عن يمينه.
وقال آخرون: اللّغو من الأيمان: كلّ يمينٍ وصل الرّجل بها كلامه على غير قصدٍ منه إيجابها على نفسه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: حدّثنا هشامٌ، قال: حدّثنا حمّادٌ، عن إبراهيم، قال: لغو اليمين: أن يصل، الرّجل كلامه بالحلف، واللّه ليأكلنّ، واللّه ليشربنّ، ونحو هذا؛ لا يتعمّد به اليمين ولا يريد به حلفًا، ليس عليه كفّارةٌ.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا ابن عليّة، عن هشامٍ الدّستوائيّ، عن حمّادٍ، عن إبراهيم: لغو اليمين: ما يصل به كلامه: واللّه لتأكلنّ، واللّه لتشربنّ.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن الحكم، عن مجاهدٍ: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} قال: هما الرّجلان يتساومان بالشّيء، فيقول أحدهما: واللّه لا أشتريه منك بكذا، ويقول الآخر: واللّه لا أبيعك بكذا وكذا.
[جامع البيان: 4/30]
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهابٍ، أنّ عروة حدّثه أنّ عائشة، زوج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، قالت: أيمان اللّغو ما كان في الهزل، والمراء، والخصومة، والحديث الّذي لا يعتمد عليه القلب.
وعلّة من قال هذا القول من الأثر ما؛
- حدّثنا به محمّد بن موسى الحرسيّ قال: حدّثنا عبيد اللّه بن ميمونٍ المراديّ، قال: حدّثنا عوفٌ الأعرابيّ، عن الحسن بن أبي الحسن، قال: مرّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بقومٍ ينتضلون يعني يرمون ومع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم رجلٌ من أصحابه، فرمى رجلٌ من القوم، فقال: أصبت واللّه وأخطأت فقال الّذي مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: حنث الرّجل يا رسول اللّه، قال: كلاّ أيمان الرّماة لغوٌ لا كفّارة فيها، ولا عقوبة.
وقال آخرون: اللّغو من الأيمان: ما كان من يمينٍ بمعنى الدّعاء من الحالف على نفسه إن لم يفعل كذا وكذا، أو بمعنى الشّرك، والكفر.
[جامع البيان: 4/31]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عبد اللّه بن عبد الحكم المصريّ، قال: حدّثنا إسماعيل بن مرزوقٍ، عن يحيى بن أيّوب، عن محمّد بن عجلان، عن زيد بن أسلم، في قول اللّه: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} قال: هو كقول الرّجل: أعمى اللّه بصري إن لم أفعل كذا وكذا، أخرجني اللّه من مالي إن لم آتك غدًا. فهو هذا، ولا يترك اللّه له مالاً ولا ولدًا. يقول: لو يؤاخذكم اللّه بهذا لم يترك لكم شيئًا.
- حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن عبد الحكم، قال: حدّثنا إسماعيل، قال: حدّثني يحيى بن أيّوب، عن عمرو بن الحارث، عن زيد بن أسلم، بمثله.
- حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن عبد الحكم، قال: حدّثنا إسماعيل بن مرزوقٍ، قال: حدّثني يحيى بن أيّوب، أنّ زيد بن أسلم، كان يقول في قوله: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} مثل قول الرّجل: هو كافرٌ وهو مشركٌ، قال: لا يؤاخذه حتّى يكون ذلك من قلبه.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} قال: اللّغو في هذا: الحلف باللّه ما كان بالألسن فجعله لغوًا، وهو أن يقول: هو كافرٌ باللّه، وهو إذن يشرك باللّه، وهو يدعو مع اللّه إلهًا. فهذا اللّغو الّذي قال اللّه في سورة البقرة.
وقال آخرون: اللّغو في الأيمان: ما كانت فيه كفّارةٌ.
[جامع البيان: 4/32]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} فهذا في الرّجل يحلف على أمر إضرارٍ أن يفعله فلا يفعله، فيرى الّذي هو خيرٌ منه، فأمره اللّه أن يكفّر يمينه، ويأتي الّذي هو خيرٌ.
- حدّثني يحيى بن جعفرٍ، قال: حدّثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا جويبرٌ، عن الضّحّاك، في قوله: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} قال: اليمين المكفّرة.
وقال آخرون: اللّغو من الأيمان: هو ما حنث فيه الحالف ناسيًا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا هشيمٌ، قال: أخبرني مغيرة، عن إبراهيم، قال: هو الرّجل يحلف على الشّيء ثمّ ينساه؛ يعني في قوله: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم}.
قال أبو جعفرٍ: واللّغو من الكلام في كلام العرب كلّ كلامٍ كان مذمومًا، وفعلاً لا معنى له مهجورًا، يقال منه: لغا فلانٌ في كلامه يلغو لغوًا: إذا قال قبيحًا من الكلام، ومنه قول اللّه تعالى ذكره: {وإذا سمعوا اللّغو أعرضوا عنه}، وقوله: {وإذا مرّوا باللّغو مرّوا كرامًا} ومسموعٌ من العرب لغيت باسم فلانٍ، بمعنى أولعت بذكره بالقبيح.
[جامع البيان: 4/33]
فمن قال لغيت، قال ألغى لغًا، وهي لغةٌ لبعض العرب، ومنه قول الرّاجز:
وربّ أسراب حجيجٍ كظّم = عن اللّغا، ورفث التّكلّم
فإذا كان اللّغو ما وصفت، وكان الحالف باللّه ما فعلت كذا وقد فعل؛ ولقد فعلت كذا وما فعل، واصلاً بذلك كلامه على سبيل سبوق لسانه من غير تعمّد إثمٍ في يمينه، ولكن لعادةٍ قد جرت له عند عجلة الكلام، والقائل: واللّه إنّ هذا لفلانٌ وهو يراه كما قال، أو واللّه ما هذا فلانٌ وهو يراه ليس به، والقائل: ليفعلنّ كذا واللّه، أو لا يفعل كذا واللّه، على سبيل ما وصفنا من عجلة الكلام، وسبوق اللّسان للعادة، على غير تعمّد حلفٍ على باطلٍ، والقائل هو مشركٌ أو هو يهوديّ أو نصرانيّ إن لم يفعل كذا، أو إن فعل كذا من غير عزمٍ على كفرٍ، أو يهوديّةٌ أو نصرانيّةٌ؛ جميعهم قائلون هجرًا من القول، وذميمًا من المنطق، وحالفون من الأيمان بألسنتهم ما لم تتعمّد فيه الإثم قلوبهم. كان معلومًا أنّهم لغاةٌ في أيمانهم لا تلزمهم كفّارةٌ في العاجل، ولا عقوبةٌ في الآجل لإخبار اللّه تعالى ذكره أنّه غير مؤاخذ عباده بما لغوا من أيمانهم، وأنّ الّذي هو مؤاخذهم به ما تعمّدت فيه الإثم قلوبهم.
وإذ كان ذلك كذلك، وكان صحيحًا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: من حلف على يمينٍ فرأى غيرها خيرًا منها فليأت الّذي هو خيرٌ وليكفّر عن يمينه
[جامع البيان: 4/34]
فأوجب الكفّارة بإتيان الحالف ما حلف أن لا يأتيه مع وجوب إتيان الّذي هو خيرٌ من الّذي حلف عليه أن لا يأتيه، وكانت الغرامة في المال، أو إلزام الجزاء من المجزيّ أبدان الجازين، لا شكّ عقوبةٌ كبعض العقوبات الّتي جعلها اللّه تعالى ذكره نكالاً لخلقه فيما تعدّوا من حدوده، وإن كان يجمع جميعها أنّها تمحيصٌ، وكفّاراتٌ لمن عوقب بها فيما عوقبوا عليه كان بيّنًا أنّ من ألزم الكفّارة في عاجل دنياه فيما حلف به من الأيمان فحنث فيه، وإن كانت كفّارةً لذنبه فقد وأخذه اللّه بها بإلزامه إيّاه الكفّارة منها، وإن كان ما عجّل من عقوبته إيّاه على ذلك مسقطًا عنه عقوبته في أجله. وإذ كان تعالى ذكره قد واخذه بها، فغير جائزٍ لقائلٍ أن يقول: وقد واخذه بها هي من اللّغو الّذي لا يؤاخذ به قائله.
فإذ كان ذلك غير جائزٍ، فبيّن فساد القول الّذي روي عن سعيد بن جبيرٍ أنّه قال: اللّغو: الحلف على المعصية لأنّ ذلك لو كان كذلك لم يكن على الحالف على معصية اللّه كفّارةٌ بحنثه في يمينه وفي إيجاب سعيدٍ عليه الكفّارة دليلٌ واضحٌ على أنّ صاحبها بها مؤاخذٌ لما وصفنا: من أنّ من لزمه الكفّارة في يمينه؛ فليس ممّن لم يؤاخذ بها.
فإذا كان اللّغو هو ما وصفنا ممّا أخبرنا اللّه تعالى ذكره أنّه غير مؤاخذنا به، وكلّ يمينٍ لزمت صاحبها بحنثه فيها الكفّارة في العاجل، وأوعد اللّه تعالى ذكره صاحبها العقوبة عليها في الآجل، وإن كان وضع عنه كفّارتها في العاجل، فهي ممّا كسبته قلوب الحالفين، وتعمّدت فيه الإثم نفوس المقسمين، وما عدا ذلك فهو اللّغو وقد بيّنّا وجوهه.
[جامع البيان: 4/35]
فتأويل الكلام إذًا: لا تجعلوا اللّهً أيّها المؤمنون قوةً لأيمانكم، وحجّةً لأنفسكم في أقسامكم في أن لا تبرّوا، ولا تتّقوا، ولا تصلحوا بين النّاس، فإنّ اللّه لا يؤاخذكم بما لغته ألسنتكم من أيمانكم، فنطقت به من قبيح الأيمان وذميمها، على غير تعمّدكم الإثم وقصدكم بعزائم صدوركم إلى إيجاب عقد الأيمان الّتي حلفتم بها، ولكنّه إنّما يؤاخذكم بما تعمّدتم فيه عقد اليمين وإيجابها على أنفسكم، وعزمتم على الإتمام على ما حلفتم عليه بقصدٍ منكم وإرادةٍ، فيلزمكم حينئذٍ إمّا كفّارةٌ في العاجل، وإمّا عقوبةٌ في الآجل). [جامع البيان: 4/36]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم}.
اختلف أهل التّأويل في المعنى الّذي أوعد اللّه تعالى ذكره بقوله: {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم} عباده أنّه مؤاخذهم به بعد إجماع جميعهم على أنّ معنى قوله: {بما كسبت قلوبكم} ما تعمّدت. فقال بعضهم: المعنى الّذي أوعد اللّه عباده مؤاخذتهم به هو حلف الحالف منهم على كذبٍ، وباطلٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن إبراهيم، قال: إذا حلف الرّجل على اليمين وهو يرى أنّه صادقٌ وهو كاذبٌ، فلا يؤاخذ بها، وإذا حلف وهو يعلم أنّه كاذبٌ، فذاك الّذي يؤاخذ به.
[جامع البيان: 4/36]
- حدّثني موسى بن عبد الرّحمن المسروقيّ، قال: حدّثنا حسينٌ الجعفيّ، عن زائدة، عن منصورٍ، قال: قال إبراهيم: {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم} قال: أن يحلف على الشّيء وهو يعلم أنّه كاذبٌ، فذاك الّذي يؤاخذ به.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عمرٍو، عن منصورٍ، عن إبراهيم: {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم} أن تحلف وأنت كاذبٌ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد الله بن صالح، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {ولكن يؤاخذكم بما عقّدتم الأيمان} وذلك اليمين الصّبر الكاذبة، يحلف بها الرّجل على ظلمٍ، أو قطيعةٍ. فتلك لا كفّارة لها إلاّ أن يترك ذلك الظّلم، أو يردّ ذلك المال إلى أهله، وهو قوله تعالى ذكره: {إنّ الّذين يشترون بعهد اللّه وأيمانهم ثمنًا قليلاً} إلى قوله: {ولهم عذابٌ أليمٌ}.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم} ما عقدت عليه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن عبد الملك،
[جامع البيان: 4/37]
عن عطاءٍ، قال: لا تؤاخذ حتّى تصعد الأمر ثمّ تحلف عليه باللّه الّذي لا إله إلاّ هو فتعقد عليه يمينك.
والواجب على هذا التّأويل أن يكون قوله تعالى ذكره: {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم} في الآخرة بما شاء من العقوبات، وأن تكون الكفّارة إنّما تلزم الحالف في الأيمان الّتي هي لغوٌ. وكذلك روي عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ أنّه كان لا يرى الكفّارة إلاّ في الأيمان الّتي تكون لغوًا. فأمّا ما كسبته القلوب، وعقدت فيه على الإثم، فلم يكن يوجب فيه الكفّارة وقد ذكرنا الرّواية عنهم بذلك فيما مضى قبل.
وإذ كان ذلك تأويل الآية عندهم، فالواجب على مذهبهم أن يكون معنى الآية في سورة المائدة: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} فكفّارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم، أو تحرير رقبةٍ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيّامٍ، ذلك كفّارة أيمانكم إذا حلفتم، ولكن يؤاخذكم بما عقّدتم واحفظوا أيمانكم.
وبنحو ما ذكرناه عن ابن عبّاسٍ من القول في ذلك كان سعيد بن جبيرٍ، والضّحّاك بن مزاحمٍ، وجماعةٌ أخر غيرهم يقولون، وقد ذكرنا الرّواية عنهم بذلك آنفًا.
وقال آخرون: المعنى الّذي أوعد اللّه تعالى عباده المؤاخذة به بهذه الآية هو حلف الحالف على باطلٍ يعلمه باطلاً، وبذلك أوجب اللّه عندهم الكفّارة دون اللّغو الّذي يحلف به الحالف وهو مخطئٌ في حلفه يحسب أنّ الّذي حلف عليه كما حلف وليس ذلك كذلك.
[جامع البيان: 4/38]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم} يقول: بما تعمّدت قلوبكم، وما تعمّدت فيه المأثم، فهذا عليك فيه الكفّارة.
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، مثله سواءً
وكأنّ قائلي هذه المقالة وجّهوا تأويل مؤاخذة اللّه عبده على ما كسبه قلبه من الأيمان الفاجرة، إلى أنّها مؤاخذةٌ منه له بها بإلزامه الكفّارة فيه.
وقال بنحو قول قتادة جماعةٌ أخر في إيجاب الكفّارة على الحالف اليمين الفاجرة، منهم عطاءٌ، والحكم.
- حدّثنا أبو كريبٍ، ويعقوب، قالا: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا حجّاجٌ، عن عطاءٍ، والحكم: أنّهما كانا يقولان فيمن حلف كاذبًا متعمّدًا: يكفّر.
وقال آخرون: بل ذلك معنيان: أحدهما مؤاخذٌ به العبد في حال الدّنيا بإلزام اللّه إيّاه الكفّارة منه، والآخر منهما مؤاخذٌ به في الآخرة، إلاّ أن يعفو.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ،
[جامع البيان: 4/39]
عن السّدّيّ: {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم} أمّا ما كسبت قلوبكم: فما عقدت قلوبكم، فالرّجل يحلف على اليمين يعلم أنّها كاذبةٌ إرادة أن يقضي أمره. والأيمان ثلاثةٌ: اللّغو، والعمد، والغموس، والرّجل يحلف على اليمين وهو يريد أن يفعل ثمّ يرى خيرًا من ذلك، فهذه اليمين الّتي قال اللّه تعالى ذكره: {ولكن يؤاخذكم بما عقّدتم الأيمان} فهذه لها كفّارةٌ.
وكأنّ قائل هذه المقالة وجّه تأويل قوله: {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم} إلى غير ما وجّه إليه تأويل قوله: {ولكن يؤاخذكم بما عقّدتم الأيمان} وجعل قوله: {بما كسبت قلوبكم} الغموس من الأيمان الّتي يحلف بها الحالف على علمٍ منه بأنّه في حلفه بها مبطلٌ، وقوله: {بما عقّدتم الأيمان} اليمين الّتي يستأنف فيها الحنث، أو البرّ، وهو في حال حلفه بها عازمٌ على أن يبرّ فيها.
وقال آخرون: بل ذلك هو اعتقاد الشّرك باللّه، والكفر.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عبد اللّه بن عبد الحكم، قال: حدّثنا إسماعيل بن مرزوقٍ، قال: حدّثني يحيى بن أيّوب، عن محمّدٍ يعني ابن عجلان، أن يزيد بن أسلم، كان يقول في قول اللّه تعالى ذكره: {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم} مثل قول الرّجل: هو كافرٌ، هو مشركٌ، قال: لا يؤاخذه اللّه حتّى يكون ذلك من قلبه.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ،
[جامع البيان: 4/40]
قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} قال: اللّغو في هذا: الحلف باللّه ما كان بالألسن فجعله لغوًا، وهو أن يقول: هو كافرٌ باللّه، وهو إذًا يشرك باللّه، وهو يدعو مع اللّه إلهًا، فهذا اللّغو الّذي قال اللّه تعالى في سورة البقرة: {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم} قال: بما كان في قلوبكم صدقًا واخذك به، فإن لم يكن في قلبك صدقًا لم يؤاخذك به، وإن أثمت.
والصّواب من القول في ذلك أن يقال: إنّ اللّه تعالى ذكره أوعد عباده أن يؤاخذهم بما كسبت قلوبهم من الأيمان، فالّذي تكسبه قلوبهم من الأيمان، هو ما قصدته، وعزمت عليه على علمٍ ومعرفةٍ منها بما تقصده وتريده، وذلك يكون منها على وجهين: أحدهما على وجه العزم على ما يكون به العازم عليه في حال عزمه بالعزم عليه آثمًا، وبفعله مستحقًّا المؤاخذة من اللّه عليها، وذلك كالحالف على الشّيء الّذي لم يفعله أنّه قد فعله، وعلى الشّيء الّذي قد فعله أنّه لم يفعله، قاصدًا أصل الكذب، وذاكرًا أنّه قد فعل ما حلف عليه أنّه لم يفعله، أو أنّه لم يفعل ما حلف عليه أنّه قد فعل، فيكون الحالف بذلك إن كان من أهل الإيمان باللّه وبرسوله في مشيئة اللّه يوم القيامة إن شاء واخذه به في الآخرة، وإن شاء عفا عنه بتفضّله، ولا كفّارة عليه فيها في العاجل، لأنّها ليست من الإيمان الّتي يحنث فيها، وإنّما الكفّارة تجب في الأيمان بالحنث فيها، والحالف الكاذب في يمينه ليست يمينه ممّا يتبدّأ فيه الحنث فتلزم فيه الكفّارة.
والوجه الآخر منهما: على وجه العزم على إيجاب عقد اليمين في حال عزمه على ذلك، فذلك ممّا لا يؤاخذ به صاحبه حتّى يحنث فيه بعد حلفه، فإذا حنث فيه بعد حلفه كان مؤاخذًا بما كان اكتسبه قلبه من الحلف باللّه على إثمٍ، وكذبٍ في العاجل بالكفّارة الّتي جعلها اللّه كفّارةً لذنبه). [جامع البيان: 4/41]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واللّه غفورٌ حليمٌ}.
يعني تعالى ذكره بذلك: واللّه غفورٌ لعباده فيما لغوا من أيمانهم الّتي أخبر اللّه تعالى ذكره أنّه لا يؤاخذهم بها، ولو شاء واخذهم بها، ولمّا واخذهم بها فكفروها في عاجل الدّنيا بالتّكفير فيه، ولو شاء واخذهم في آجل الآخرة بالعقوبة عليه، فساترٌ عليهم فيها، وصافٍحٌ لهم بعفوه عن العقوبة فيها وغير ذلك من ذنوبهم، حليمٌ في تركه معاجلة أهل معصيته العقوبة على معاصيهم). [جامع البيان: 4/42]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم واللّه غفورٌ حليمٌ (225)
قوله: لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم
[الوجه الأول]
- حدّثنا هارون بن إسحاق الهمدانيّ، ثنا عبدة بن سليمان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة في قول اللّه: لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم قالت: هو قول الرّجل: لا واللّه، وبلى واللّه.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني ابن لهيعة عن أبي الأسود، عن عروة بن الزّبير، قال: كانت عائشة تقول: إنّما اللّغو في المزاحة والهزل، وهو قول الرّجل، لا واللّه، وبلى واللّه، فذلك لا كفّارة فيه، إنّما الكفّارة فيما عقد عليه قلبه أن يفعله ثمّ لا يفعله. قال أبو محمّدٍ: وروي عن ابن عمر وابن عبّاسٍ في أحد أقواله، والشّعبيّ وعكرمة في أحد قوليه وعطاءٍ والقاسم بن محمّدٍ وعروة بن الزّبير وأبي قلابة والضّحّاك في أحد قوليه وأبي صالحٍ والزّهريّ، نحو ذلك.
والوجه الثّاني
، وهو أحد قولي عائشة:
- قرئ على يونس بن عبد الأعلى، أنا ابن وهبٍ، أخبرني الثّقة عن ابن شهابٍ، عن عروة بن الزّبير، عن عائشة، أنّها كانت تتأوّل هذه الآية يعني قوله: لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم وتقول: هو الشّيء يحلف عليه أحدكم، لا يريد منه إلا الصّدق، فيكون على غير ما حلف عليه. قال أبو محمّدٍ: وروي عن أبي هريرة وابن عبّاسٍ في أحد قوليه وسليمان بن يسارٍ وسعيد بن جبيرٍ ومجاهدٍ في أحد
[تفسير القرآن العظيم: 2/408]
قوليه والحسن وإبراهيم وزرارة بن أوفى وأبي مالك وعطاء الخرساني وبكر بن عبد اللّه، وأحد قولي عكرمة وحبيب بن أبي ثابتٍ والسّدّيّ ومكحولٍ ومقاتلٍ وطاوس وقتادة والربيع بن أنس ونحيى بن سعيدٍ وربيعة، نحو ذلك.
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا شبابة، عن جابر، عن عطاء ابن أبي رباحٍ، عن عائشة، قالت: هو قول: لا واللّه، وبلى واللّه، وهو يرى أنّه صادقٌ.
ولا يكون كذلك.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا عقبة بن خالدٍ، عن شعبة، عن أبي بشرٍ عن سعيد بن جبيرٍ لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم قال: هو الرّجل يحلف على المعصية، يعني: ألا يصلّي، ولا يصنع الخير.
- حدّثنا عصام بن روّادٍ ثنا هشيمٌ، ثنا أبو بشرٍ وداود بن أبي هند، عن سعيد بن جبيرٍ، في قوله: لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم قال: هو الرّجل يحلف على المعصية، فلا يؤاخذ إن تركها، ولكن يؤاخذ إن عمل بها.
والوجه الرّابع:
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق قال هشيمٌ أخبرني المغيرة، عن إبراهيم، قال: هو الرّجل يحلف على الشّيء، ثمّ ينسى.
والوجه الخامس:
- حدّثنا أبي، قال بلغني عن يحيى بن أيّوب، عن ابن عجلان، وعمرو بن الحارث، عن زيد بن أسلم: لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم قال: هو قول الرّجل: أعمى اللّه بصري إن لم أفعل كذا وكذا أخرجني اللّه من مالي، إن لم آتك غدًا، فهو هذا.
والوجه السّادس:
- أخبرني أبي ثنا أبو الجماهر، ثنا سعيد بن بشيرٍ، حدّثني أبو بشرٍ عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: لغو اليمين: أن تحرّم ما أحلّ اللّه لك، فذلك ما ليس عليك فيه كفّارةٌ. قال أبو محمّدٍ: وروي عن سعيد بن جبيرٍ، نحو ذلك.
[تفسير القرآن العظيم: 2/409]
والوجه السّابع:
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا مسدّدٌ، ثنا خالدٌ، ثنا عطاءٌ عن طاوسٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: لغو يمين: أن تحلف وأنت غضبانٌ). [تفسير القرآن العظيم: 1/410]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: ولكن يؤاخذكم
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا مسدّدٌ، ثنا أبو عوانة، عن أبي بشرٍ عن سعيد ابن جبيرٍ، في قوله: لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم قال: قلت: هو قول الرّجل: لا واللّه، وبلى واللّه؟ قال: لا، ولكنّه تحريمك ما أحلّ اللّه لك، فذلك الّذي لا يؤاخذكم اللّه بتركه، وكفّر عن يمينك). [تفسير القرآن العظيم: 1/410]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: بما كسبت قلوبكم
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي ثنا أبو الجماهر، أنبأ سعيد بن بشيرٍ، أخبرني أبو بشرٍ عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم ما تعمّدت قلوبكم فيه المآثم، فهذا عليك فيه الكفّارة. قال أبو محمّدٍ: وروي عن مجاهدٍ وعطاءٍ والسّدّيّ وسعيد بن جبيرٍ وقتادة والرّبيع بن أنسٍ ومقاتل بن حيّان والحسن، نحو ذلك.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم من الشّكّ والنّفاق.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي ثنا نحيى بن المغيرة، أنبأ جريرٌ، عن منصورٍ عن إبراهيم، في هذه الآية يعني قوله: ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم إذا حلف على اليمين وهو يعلم أنّه كاذبٌ، فذاك الّذي يؤاخذ به.
[تفسير القرآن العظيم: 2/410]
والوجه الرّابع:
- أخبرني أبي، قال روي عن نحيى بن أيّوب، عن محمّد بن عجلان، وعمرو ابن الحارث، عن زيد بن أسلم، في قوله: ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم مثل قول الرّجل: هو كافرٌ هو مشركٌ. لا يؤاخذه اللّه حتّى يكون ذلك من قلبه). [تفسير القرآن العظيم: 1/411]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: واللّه غفورٌ
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا نحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني ابن لهيعة حدّثني عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ، في قوله: غفورٌ يعني: إذا تجاوز عن اليمين الّتي حلف عليها). [تفسير القرآن العظيم: 1/411]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: حليمٌ
- وبه عن سعيد بن جبيرٍ، في قول اللّه: حليمٌ: إذ لم يجعل فيها الكفّارة، ثمّ نزلت الكفّارة). [تفسير القرآن العظيم: 1/411]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم قال هو أن يحلف بالله ولا يعلم إلا أنه صادق بما حلف عليه ثم لا يكون كذلك ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم يقول بما عقدت عليه قلوبكم). [تفسير مجاهد: 107]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ ط د) - عائشة رضي الله عنها قالت: «نزل قوله تعالى: {لا يؤاخذكم الله باللّغو في أيمانكم} [البقرة: 225] في قول الرجل: لا والله، وبلى والله». هذه رواية البخاري والموطأ.
وفي رواية أبي داود قال: اللّغو في اليمين، قالت عائشة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هو قول الرجل في بيته: كلا والله، وبلى والله» ورواه
[جامع الأصول: 2/44]
أيضاً عنها موقوفاً.
قال مالك في الموطأ: «أحسن ما سمعت في ذلك: أنّ اللغو: حلف الإنسان على الشيء يستيقن أنه كذلك، ثم يوجد بخلافه، فلا كفّارة فيه، قال: والذي يحلف على الشيء وهو يعلم أنّه فيه آثمٌ كاذبٌ ليرضي به أحداً، أو يعتذر لمخلوق أو يقتطع به مالاً، فهذا أعظم [من] أن تكون فيه كفارةٌ، قال: وإنما الكفارة على من حلف أن لا يفعل الشّيء المباح له فعله، ثم يفعله، أو أن يفعله، ثم لا يفعله، مثل أن حلف لا يبيع ثوبه بعشرة دراهم، ثمّ يبيعه بذلك، أو يحلف ليضربنّ غلامه، ثم لا يضربه».
[شرح الغريب]
(يقتطع) يفتعل من قطع، أي: يأخذه لنفسه متملكاً). [جامع الأصول: 2/45]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله غفور حليم.
أخرج مالك في الموطأ ووكيع والشافعي في الأم وعبد الرزاق والبخاري ومسلم، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي في "سننه" من طرق عن عائشة قالت: أنزلت هذه الآية {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} في قول الرجل: لا والله وبلى والله وكلا والله زاد ابن جرير: يصل بها كلامه.
وأخرج أبو داود، وابن جرير، وابن حبان، وابن مردويه والبيهقي من طريق عطاء بن أبي رباح أنه سئل عن اللغو في اليمين فقال: قالت عائشة: أن
[الدر المنثور: 2/625]
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هو كلام الرجل في يمينه كلا والله وبلى والله.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن عائشة {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} قالت: هو القوم يتدارؤون في الأمر يقول هذا: لا والله ويقول هذا: كلا والله يتدارؤون في الأمر لا تعقد عليه قلوبهم.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن عائشة قالت: إنما اللغو في المزاحة والهزل وهو قول الرجل: لا والله وبلى والله فذاك لا كفارة فيه إن الكفارة فيما عقد عليه قلبه أن يفعله ثم لا يفعله.
وأخرج ابن جرير عن الحسن قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوم ينتضلون ومع النّبيّ صلى الله عليه وسلم رجل من أصحابه فرمى رجل من القوم فقال: أصبت والله أخطأت والله فقال الذي مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم: حنث الرجل يا رسول الله، فقال: كلا أيمان الرماة لغو لا كفارة فيها ولا عقوبة.
وأخرج أبو الشيخ من طريق عطاء عن عائشة، وابن عباس، وابن عمرو، أنهم كانوا يقولون: اللغو لا والله وبلى والله
[الدر المنثور: 2/626]
وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر والبيهقي من طريق عكرمة عن ابن عباس قال: لغو اليمين لا والله وبلى والله.
وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن المنذر والبيهقي من طريق طاووس عن ابن عباس قال: لغو اليمين أن تحلف وأنت غضبان.
وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي عن عائشة، أنها كانت تتأول هذه الآية {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} وتقول: هو الشيء يحلف عليه أحدكم لا يريد منه إلا الصدق فيكون على غير ما حلف عليه.
وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة قال: لغو اليمين حلف الإنسان على الشيء يظن أنه الذي حلف عليه فإذا هو غير ذلك.
وأخرج ابن جرير من طريق عطية العوفي عن ابن عباس قال: اللغو أن يحلف الرجل على الشيء يراه حقا وليس بحق.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} قال: هذا في الرجل يحلف على أمر أضرار أن يفعله أو لا يفعله فيرى الذي خير منه فأمر الله أن
[الدر المنثور: 2/627]
يكفر عن يمينه ويأتي الذي هو خير، قال: ومن اللغو أن يحلف الرجل على أمر لا يرى فيه الصدق وقد أخطأ في ظنه فهذا الذي عليه الكفارة ولا إثم فيه.
وأخرج ابن ابي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} قال: لغو اليمين أن تحرم ما أحل الله لك فذلك ما ليس عليك فيه كفارة {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم} قال: ما تعمدت قلوبكم فيه المأثم فهذا عليك فيه الكفارة.
وأخرج وكيع وعبد الرزاق، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} قال: هو الرجل يحلف على المعصية يعني أن لا يصلي ولا يصنع الخير.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن إبراهيم النخعي في قوله {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} قال: هو الرجل يحلف على الشيء ثم ينسى فلا يؤاخذه الله به ولكن يكفر.
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ من طريق قتادة عن سليمان بن يسار {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} قال: الخطأ غير المتعمد
[الدر المنثور: 2/628]
وأخرج عبد بن حميد عن أبي قلابة في قول الرجل: لا والله وبلى والله، قال: إنها لمن لغة العرب ليست بيمين.
وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم}
قال: هو الرجل يحلف على الشيء يرى أنه صادق وهو كاذب فذاك اللغو لا يؤاخذكم به {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم} قال: يحلف على الشيء وهو يعلم أنه كاذب فذاك الذي لا يؤاخذ به.
وأخرج ابن المنذر عن الضحاك قال: كان قوم حلفوا على تحريم الحلال فقالوا: أما إذ حلفنا وحرمنا على أنفسنا فإنه ينبغي لنا أن نبر، فقال اله (أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس) (البقرة الآية 224) ولم يجعل لها كفارة فأنزل الله (يا أيها النّبيّ لم تحرم ما أحل الله لك، قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم) (التحريم الآيتان 1 - 2) فأمر النّبيّ عليه السلام بالكفارة لتحريم ما حرم على نفسه الجارية التي كان حرمها على نفسه أمره أن يكفر يمينه ويعاود جاريته ثم أنزل الله {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله {والله غفور} يعني إذا جاوز اليمين التي حلف عليها {حليم} إذ لم يجعل فيها الكفارة ثم نزلت الكفارة). [الدر المنثور: 2/629]


إشراق المطيري 9 جمادى الأولى 1434هـ/20-03-2013م 03:35 PM

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {حتّى يطهرن...}
بالياء. وهي في قراءة عبد الله إن شاء الله "يتطهرن" بالتاء، والقرّاء بعد يقرءون "حتى يطهرن، ويطّهّرن" [يطهرن]: ينقطع عنهن الدم، ويتطهرن: يغتسلن بالماء. وهو أحبّ الوجهين إلينا: يطّهّرن.
{فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه} ولم يقل: في حيث، وهو الفرج. وإنما قال: من حيث كما تقول للرجل: ايت زيدا من مأتاه من الوجه الذي يؤتى منه. فلو ظهر الفرج ولم يكن عنه قلت في الكلام: ايت المرأة في فرجها. {فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه} يقال: ايت الفرج من حيث شئت). [معاني القرآن: 1/143]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ويسألونك عن المحيض قل هو أذًى فاعتزلوا النّساء في المحيض ولا تقربوهنّ حتّى يطهرن فإذا تطهّرن فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه إنّ اللّه يحبّ التّوّابين ويحبّ المتطهّرين}
قال: {ويسألونك عن المحيض} وهو: الحيض. وإنما أكثر الكلام في المصدر إذا بني هكذا أن يراد به "المفعل" نحو قولك: "ما في برّك مكالٌ" أي: كيلٌ. وقد قيلت الأخرى أي: قيل "مكيلٌ" وهو مثل "محيضٍ" من الفعل إذا كان مصدرا للتي في القرآن وهي أقل. قال الشاعر:
بنيت مرافقهنّ فوق مزلّةٍ = لا يستطيع بها القراد مقيلا
يريد: "قيلولةً". وتقول: "جئت مجيئاً حسناً". فبنوه على "مفعل" وهو مصدره.
وقال: {ولا تقربوهنّ حتّى يطهرن} لأنك تقول: "طهرت المرأة" فـ"هي تطهر".
وقال بعضهم "طهرت".
وقالوا: "طلقت" "تطلق" "و "طلقت" "تطلق" أيضا.
ويقال للنفساء إذا أصابها النفاس: "نفست" فإذا أصابها الطلق [قيل]: طلقت").
[معاني القرآن: 1/140-141]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقراءة أهل المدينة {حتى يطهرن}؛ من طهرت تطهر طهورًا، وطهارة، وهو الطهور؛ وأما الطهور بالضم فالمصدر مثل: الوضوء والوضوء بالفتح والضم.
وقيس تقول: تطهر بالفتح، وبعض بني تميم: طهرت المرأة على فعلت؛ وقال بعضهم: طهرت، فكسر الطاء على هذه اللغة، لمكان الهاء؛ كقولك: لعب وفخذ؛ وقالوا: ما يطهر على فلان أحد؛ أي ما يسلم منه أحد.
أصحاب عبد الله "يتطهرن" و{يطهرن} ). [معاني القرآن لقطرب: 270]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله عز وجل {حتى يطهرن} فالفعل: طهرت المرأة، طهرًا وطهارة، وطهرت أيضًا مقولة، طهرت تطهر طهرًا.
[معاني القرآن لقطرب: 362]
وقالوا: ما يطهر على فلان أحد، ولا يطهر؛ أي ما يسلم عليه أحد.
وقالوا: طهرت المرأة بكسر الطاء والهاء؛ فكأن هذا على لغة من قال: طهرت، ثم كسر للهاء؛ لأنها أحد الستة الأحرف التي سمينا في صدر الكتاب، حروف الحلق.
وقالوا: هو الطهور للاسم، والطهور المصدر، كما قالوا: الوضوء والوضوء.
وقوله {ويسألونك عن المحيض} فالحيضة المصدر، حاضت حيضة، والحيضة الاسم، ودرست المرأة درسًا؛ أي حاضت؛ والطمث أيضًا كذلك.
وقوله عز وجل {ولا تنكحوا} فقالوا في التفسير: كل نكاح في القرآن تزويج؛ قالوا: نكح، نكحًا ونكحًا جميعًا). [معاني القرآن لقطرب: 363]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ولا تقربوهنّ حتّى يطهرن} أي: ينقطع عنهن الدم.
يقال: طهرت وطهرت، إذا رأت الطّهر، وإن لم تغتسل بالماء.
ومن قرأ (يطّهرن) أراد: يغتسلن بالماء.
والأصل: «يتطهرون». فأدغم التاء في الطاء).
[تفسير غريب القرآن: 84]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النّساء في المحيض ولا تقربوهنّ حتّى يطهرن فإذا تطهّرن فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه إنّ اللّه يحبّ التّوّابين ويحبّ المتطهّرين}
يقال: حاضت المرأة تحيض حيضا ومحاضا ومحيضا،
وعند النحويين أن المصدر في هذا الباب "المفعل"، و "المفعل" جيّد بالغ فيه يقال ما في برّك "مكال" أي كيل ويجوز ما فيه "مكيل".

قال الشاعر وهو الراعي:
بنيت مرافقهن فوق مزلّة... لا يستطيع بها القراد مقيلا
أي: قيلولة،
ومعنى الآية: أن العرب كانت تفعل في أمر الحائض ما كانت تفعل المجوس، فكانوا يجتنبون تكليفها عمل أي شيء وتجتنب في الجماع وسائر ما تكلّفه النساء، يريدون أنها نجس، فأعلم اللّه أن الذي ينبغي أن يجتنب منها بضع فقط، وأنها لا تنخس شيئا، وأعلم أن المحيض أذى،
أي: مستقذر، ونهى أن تقرب المرأة حتى تتطهر من حيضها - بالماء بعد أن تطهر من الدم أي تنقى منه، فقال: {ولا تقربوهن حتى يطهرن} -
المعنى يتطهرن أي: يغتسلن بالماء، بعد انقطاع الدم - وقرئت حتى يطهّرن " ولكن {فإذا تطهّرن} يدل على {ولا تقربوهن حتى يطهرن}
وكلاهما (يطهرن) ويطهّرن - وقرئ بهما - جيّدان.
ويقال طهرت وطهرت جميعا وطهرت أكثر.
وقوله عزّ وجلّ: {فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه} أي: من الجهات التي يحل فيها أن تقرب المرأة، ولا تقربوهن من حيث لا يجب، أعني ولا تقربوهن صاحبات ولا عشيقات،
وقد قيل في التفسير: {من حيث أمركم اللّه} في الفروج، ولا يجوز أن يقربن في الدبر، والذي يروى عن مالك ليس بصحيح لأن إجماع المسلمين أن الوطء، حيث يبتغى
النسل، وأن أمر الدّبر فاحشة، وقد جاء الحديث أن محاشّ النساء حرام.
ويكنى به عن الدبر). [معاني القرآن: 1/296-298]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى}
قال قتادة: أي قذر.
وروى ثابت عن أنس أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة أخرجوها من البيت فلم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوها في بيت، فسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأنزل الله عز وجل: {يسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض} الآية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((جامعوهن في البيوت واصنعوا كل شيء إلا النكاح))
فتبين بهذا الحديث معنى فاعتزلوا النساء في المحيض أن معناه فاعتزلوهن في الجماع). [معاني القرآن: 1/181-182]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {ولا تقربوهن حتى يطهرن} أي: حتى ينقطع الدم عنهن.
وقرأ أهل الكوفة (يطهرن) أي: يغتسلن.
وكذا معنى يتطهرن قرأ به ابن مسعود وأبي وقد عاب قوم يطهرن بالتخفيف قالوا لأنه لا يحل المسيس حتى يغتسلن.
قال أبو جعفر: وهذا لا يلزم
فيجوز أن يكون معناه كمعنى يطهرن.
ويجوز أن يكون معناه حتى يحل لهن أن يتطهرن كما يقال للمطلقة إذا انقضت عدتها قد حلت للرجال وقد بين ذلك بقوله: {فإذا تطهرن}). [معاني القرآن: 1/182-183]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {فأتوهن من حيث أمركم الله}
قال مجاهد: من حيث نهوا عنه في محيضهن.
وقال إبراهيم: في الفرج.
وقال ابن الحنيفة: من قبل التزويج من قبل الحلال.
وقال أبو رزين: من قبل الطهر.
وقال أبو العالية: ويحب المتطهرين من الذنوب.
وقال عطاء: بالماء.
قال أبو جعفر: وقول عطاء أولى للحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأهل مسجد قباء: ((إن الله قد أثنى عليكم في الطهور خيرا أفلا تخبروني)) قالوا: يا رسول الله نجده مكتوبا علينا في التوراة الاستنجاء بالماء
وهذا لما نزل {فيه رجال يحبون أن يتطهروا}). [معاني القرآن: 1/183-184]

تفسير قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ:(ت:207هـ): (وقوله: {فأتوا حرثكم أنّى شئتم...}
[أي] كيف شئتم. حدّثنا محمد بن الجهم، قال حدّثنا الفرّاء قال حدثني شيخ عن ميمون بن مهران قال: قلت لابن عباس: إن اليهود تزعم أن الرجل إذا أتى امرأته من ورائها في قبلها خرج الولد أحول، قال: فقال ابن عباس: كذبت يهود {نساؤكم حرثٌ لّكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم} يقول: ايت الفرج من حيث شئت). [معاني القرآن: 1/144]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {نساؤكم حرثٌ لكم} كنايةٌ، وتشبيه، قال: {فأتوا حرثكم أنّى شئتم}). [مجاز القرآن: 1/73]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({نساؤكم حرثٌ} لكم كناية.
وأصل الحرث: الزّرع، أي: هنّ للولد كالأرض للزرع.

{فأتوا حرثكم أنّى شئتم} أي: كيف شئتم.
{وقدّموا لأنفسكم}: في طلب الولد). [تفسير غريب القرآن:84-85]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم وقدّموا لأنفسكم واتّقوا اللّه واعلموا أنّكم ملاقوه وبشّر المؤمنين}
زعم أبو عبيدة أنه كناية، والقول عندي فيه أن معناه أن نساءكم حرث لكم منهن تحرثون الولد واللذة.
وقوله عزّ وجلّ: {فأتوا حرثكم أنّى شئتم}أي: كيف شئتم، أي ائتوا موضع حرثكم كيف شئتم، وإنما قيل لهم كيف شئتم، لأن اليهود كانت تقول: إذا جامع الرجل المرأة من خلف خرج الولد أحول، فأعلم اللّه أن الجماع إذا كان في الفرج حلال على كل جهة.
وقوله عزّ وجلّ: {وقدّموا لأنفسكم واتّقوا اللّه} أي: اتقوا الله فيما حدّ لكم من الجماع وأمر الحيض،
{وقدّموا لأنفسكم}
أي: قدموا طاعته واتباع أمره، فمن اتبع ما أمر الله به فقد قدّم لنفسه خيرا). [معاني القرآن: 1/298]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {نساؤكم حرث لكم}أي: موضع حرث لكم كما تقول هذه الدار منفعة لك أي مكان نفع لك فالمعنى أنكم تحرثون منهن الولد). [معاني القرآن: 1/185]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {فأتوا حرثكم أنى شئتم}
أصح ما روي في هذا أن مالك بن أنس وسفيان وشعبة رووا عن محمد بن المنكدر عن جابر أن اليهود قالوا من أتى امرأة في فرجها من دبرها خرج ولدها أحول فأنزل الله: {نساوكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم}.
وكذلك قال مجاهد: قائمة وقاعدة ومقبلة ومدبرة في الفرج .
وروى أبو إسحاق عن زايدة عن عميرة قال: سألت ابن عباس عن العزل فقال: {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} إن شئت فاعزل وإن شئت فلا تعزل.
قال أبو جعفر وقال الضحاك: {أنى شئتم} متى شئتم.
ومعناه: من أين شئتم، أي: من أي الجهات شئتم
قال أبو جعفر: وأصل الحرث ما يخرج مما يزرع والله تعالى يخلق من النطفة الولد). [معاني القرآن: 1/185-186]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {واتقوا الله} فدل على العظة في أن لا يجاوزوا هذا). [معاني القرآن: 1/186]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {وقدموا لأنفسكم} أي: الطاعة. وقيل في طلب الولد). [معاني القرآن: 1/186]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({نساؤكم حرث لكم} أي: هن لكم للولد بمنزلة الأرض للزارع.
{أنى شئتم} أي: كيف شئتم في موضع الولد). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 40]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ولا تجعلوا اللّه عرضةً لأيمانكم أن تبرّوا...}
يقول: لا تجعلوا الحلف بالله مانعا معترضا {أن تبرّوا وتتّقوا وتصلحوا بين النّاس} يقول: لا يمتنعنّ أحدكم أن يبرّ ليمين إن حلف عليها، ولكن ليكفّر يمينه ويأت الذي هو خير). [معاني القرآن: 1/144]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (ولا تجعلوا الله عرضةً لأيمانكم) (224) أي نصباً). [مجاز القرآن: 1/73]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقول الله عز وجل {عرضة لأيمانكم} فكان ابن عباس رحمه الله يقول: تحلة لأيمانكم). [معاني القرآن لقطرب: 362]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({عرضة لأيمانكم}: نصبا كقولك جعلت فلانا عرضة للناس). [غريب القرآن وتفسيره: 92]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ولا تجعلوا اللّه عرضةً لأيمانكم أن تبرّوا وتتّقوا} يقول لا تجعلوا اللّه بالحلف به - مانعا لكم من أن تبروا وتتقوا. ولكن إذا حلفتم على أن لا تصلوا رحما، ولا تتصدقوا، ولا تصلحوا، وعلى أشباه ذلك من أبواب البر -: فكفّروا، أوتوا الذي هو خير). [تفسير غريب القرآن: 85]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ولا تجعلوا اللّه عرضة لأيمانكم أن تبرّوا وتتّقوا وتصلحوا بين النّاس واللّه سميع عليم}
موضع " أن " نصب بمعنى عرضة المعنى لا تعرضوا باليمين باللّه في أن تبروا - فلما سقطت " في " أفضى لمعنى الاعتراض، فنصب أن.
وقال غير واحد من النحويين إن موضعها جائز أن يكون خفضا وإن سقطت " في " لأن " أن " الحذف معها مستعمل، تقول جئت لأن تضرب زيدا، وجئت أن تضرب زيدا، فحذفت اللام مع " أن " ولو قلت جئت ضرب زيد تريد لضرب زيد لم يجز كما جاز مع " أن " لأن " أن " إذا وصلت - دل ما بعدها على الاستقبال.
والمعنى: كما تقول: جئتك أن ضربت زيدا، وجئتك أن تضرب زيدا، فلذلك جاز حذف اللام.
وإذا قلت: جئتك ضرب زيد لم يدل الضرب على معنى الاستقبال.

والنصب في " أن " في هذا الموضع هو الاختيار عند جميع النحويين.
ومعنى الآية: أنهم كانوا يعتلون في البر بأنهم حلفوا، فأعلم اللّه أن الإثم إنما هو في الإقامة على ترك البر والتقوى، وإن اليمين إذا كفرت فالذنب فيها مغفور، فقال عزّ وجلّ: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم واللّه غفور حليم}). [معاني القرآن: 1/298-299]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس}
قال سعيد بن جبير ومجاهد وهذا لفظ سعيد وهو الرجل يحلف أن لا يبر ولا يصلي ولا يصلح فيقال له بر فيقول قد حلفت
والتقدير في العربية كراهة أن تبروا). [معاني القرآن: 1/187]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم} أي: لا تجعلوا يمينكم به مانعا لكم {أن تبروا وتتقوا}، ولكن إذا حلفتم على ألا تطيعوا، أو على أن تعصوا، فكفروا وأطيعوا، ولا تعصوا. وقيل {عرضة} نصبا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 40]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({عُرْضَــةً}: حجة تصدون بها). [العمدة في غريب القرآن: 90]

تفسير قوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {لاّ يؤاخذكم اللّه بالّلغو في أيمانكم...}
فيه قولان:
يقال: هو ممّا جرى في الكلام من قولهم: لا والله، وبلى والله.
والقول الآخر: الأيمان أربع. فيمينان فيهما الكفّارة والاستغفار، وهو قولك: والله لا أفعل، ثم تفعل، ووالله لأفعلنّ ثم لا تفعل. ففي هاتين الكفارة والاستغفار [لأن الفعل فيهما مستقبل]. واللتان فيهما الاستغفار ولا كفّارة فيهما قولك: والله ما فعلت وقد فعلت، وقولك: والله لقد فعلت ولم تفعل. فيقال هاتان لغو؛ إذ لم تكن فيهما كفّارة. وكان القول الأوّل - وهو قول عائشة: إن اللغو ما يجرى في الكلام على غير عقد - أشبه بكلام العرب). [معاني القرآن: 1/144]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):{اللّغو}: لا والله، وبلى والله، وليس بيمينٍ تقتطع بها مالاً أو تظلم بها). [مجاز القرآن: 1/73]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({لاّ يؤاخذكم اللّه بالّلغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم واللّه غفورٌ حليمٌ}
قال: {لاّ يؤاخذكم اللّه بالّلغو في أيمانكم} نقول: "لغوت في اليمين" فـ"أنا ألغو" "لغواً" ومن قال: "هو يمحا" قال: "هو يلغا" "لغواً" و"محواً".
وقد سمعنا ذلك من العرب. وتقول: "لغيت باسم فلان" فـ"أنا ألغى به" "لغى" أي: أذكره). [معاني القرآن: 1/141]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم}: ذكر بعض الفقهاء أنه لا والله وبلى والله وكل يمين لا تقتطع بها مالا ولا تظلم بها أحدا، وقال آخرون هو أن يحلف الرجل على اليمين لا يرى أنه كما حلف. وقال بعضهم هو الحلف على المعصية). [غريب القرآن وتفسيره: 93]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم}،
واللغو في اليمين:
ما يجري في الكلام على غير عقد. ويقال: اللغو أن تحلف على الشيء ترى أنه كذلك وليس كذلك، يقول: لا يؤاخذكم اللّه بهذا، {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم} أي: بما تحلفون عليه وقلوبكم متعمدة، وتعلمون أنكم فيه كاذبون). [تفسير غريب القرآن: 85]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ( {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم واللّه غفور حليم}
فقيل في معنى اللغو غير قول،
1- قال بعضهم معناه:
" لا واللّه " و " بلى واللّه "
2- وقيل: إن معنى اللغو الإثم - فالمعنى لا يؤاخذكم اللّه بالإثم في الحلف إذا كفرتم.

وإنّما قيل له لغو لأن الإثم يسقط فيه إذا وقعت الكفارة.
وقوله عزّ وجلّ: {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم}أي: بعزمكم على ألا تبروا وألا تتقوا، وأن تعتلوا في ذلك بأنكم قد حلفتم، ويقال: لغوت ألغو لغوا، ولغوت ألغى لغوا، مثل محوت أمحو محوا، وأمحى، ويقال لغيت في الكلام ألغى لغى، إذا أتيت بلغو، وكل ما لا خير فيه مما يؤثم فيه أو يكون غير محتاج إليه في الكلام فهو لغو ولغى.
قال العجاج:
عن اللّغا ورفث التكلم
وجملة الحلف أنه على أربعة أوجه،
فوجهان: منها الفقهاء يجمعون أن
الكفارة فيهما واجبة، وهو قولك: واللّه لا أفعل أو واللّه لأفعلنّ، ففي هاتين الكفارة إذا آثر أن يخالف ما حلف عليه، إذا رأى غيره خيرا منه فهذا فيه الكفارة لا محالة.
ووجهان: أكثر الفقهاء لا يرون فيهما الكفارة، وهما قولك: " واللّه ما قد فعلت "،. وقد فعل أو " واللّه لقد فعلت " ولم يفعل.
فهذا هو كذب أكّده بيمين، فينبغي أن يستغفر اللّه منه، فهذا جملة ما في اليمين.
ويجوز أن يكون موضع " أن ": رفعا، فيكون المعنى: "ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم، أن تبروا وتتقوا وتصلحوا أولى، أي البر والتقى أولى، ويكون أولى محذوفا كما جاء حذف أشياء في القرآن.
لأن في الكلام دليلا عليها، يشبه هذا منه: {طاعة وقول معروف} أي: طاعة وقول معروف أمثل.
والنصب في أن والجر مذهب النحويين ولا أعلم أحدا منهم ذكر هذا المذهب ونحن نختار ما قالوه لأنه جيد، ولأن الاتباع أحب وإن كان غيره جائزا.
وقوله عزّ وجلّ: {واللّه سميع عليم}معناه: في هذا الموضع يسمع أيمانكم ويعلم ما تقصدون بها). [معاني القرآن: 1/299-300]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم}
فيه أقوال:
قال أبو هريرة وابن عباس وهذا لفظ أبي هريرة لغو اليمين حلف الإنسان على الشيء يظن أنه كما حلف عليه فإذا هو غير ذلك.
وقال الحسن بهذا القول ومجاهد ومنصور ومالك.
وروى مالك وشعبة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت: لغو اليمين قول الإنسان لا والله وبلى والله، وقال بهذا الشعبي.
وقال سعيد بن جبير: هو الرجل يحلف في الأمر الحلال يحرمه.
وقال زيد بن أسلم قولا رابعا: قال وهو قول الرجل أعمى الله بصري إن لم أفعل كذا أخرجني الله من مالي إن لم آتك غدا فلو أخذه بهذا لم يترك له شيئا
{ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم}
قال نحو الرجل هو كافر هو مشرك لا يؤاخذه حتى يكون ذلك من قبله.
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال قول عائشة لأن يحيى القطان قال حدثنا هشام بن عروة قال أخبرني أبي عن عائشة في قوله: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} قالت: نزلت في قول الرجل لا والله وبلى والله.
فهذا إخبار منها عن علمها بحقيقة ما نزلت فيه هذه الآية.
واللغو في اللغة: ما يلغى فيقول الرجل عند الغضب والعجلة لا والله وبلى والله مما يعقده عليه قلبه.
وقول أبي هريرة وابن عباس: غير خارج من ذا أيضا لأن الحالف إذا حلف على الشيء يظن أنه الذي حلف عليه فلم يقصده إلى غير ما حلف عليه فيحلف على ضده واليمينان لغو والله أعلم.
فأما قول سعيد بن جبير: فبعيد لأن ترك ما حلف عليه من حلال يحرمه إذا كفر فليس مذنبا معفوا عنه بل مثابا قابلا أمر الله.
وقول زيد بن أسلم: محال لأن قول الرجل أعمى الله بصري دعاء وليس بيمين
وقيل اللغو قد ألغي إثمه.
ثم قال تعالى: {والله غفور رحيم}أي: غفر لكم يمين اللغو فلم يأمركم فيها بكفارة ولا ألزمكم عقوبة {حليم} في تركه المعاجلة بالعقوبة لمن حلف كاذبا والله أعلم). [معاني القرآن: 1/187-191]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم}
قال ابن جريج: قلت لعطاء قلت لشيء أعمده والله لا أفعله ولم أعقده قال وذلك أيضا مما كسبت قلوبكم وتلا {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم}
قال عطاء: والتعقيد والله الذي لا إله إلا هو.

ففسر عطاء أن قوله والله لا أفعل مما اكتسبه القلب وفيه الكفارة وأن اليمين والله الذي لا إله إلا هو
وروى ابن نجيح عن مجاهد بما كسبت قلوبكم قال: بما عقدتم عليه). [معاني القرآن: 1/191-192]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ):{اللغو}: ما لم يكن باعتقاد منه). [ياقوتة الصراط: 180]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): (واللغو في اليمين: أن يحلف على الشيء بتحققه، ثم يظهر له أنه بخلاف ذلك). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 40]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({اللَّغْـــوِ}: ما لم تعقــده). [العمدة في غريب القرآن: 90]

إشراق المطيري 2 جمادى الآخرة 1434هـ/12-04-2013م 11:36 PM

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (هذا باب اشتقاقك الأسماء

لمواضع بنات الثلاثة التي ليست فيها زيادة من لفظها
أما ما كان من فعل يفعل فإن موضع الفعل مفعل وذلك قولك هذا محبسنا ومضربنا ومجلسنا كأنهم بنوه على بناء يفعل فكسروا العين كما كسروها في يفعل.
فإذا أردت المصدر بنيته على مفعل وذلك قولك إن في ألف درهم لمضرباً أي لضرباً قال الله عز وجل: {أين المفر} يريد أين الفرار فإذا أراد المكان قال المفر كما قالوا المبيت حين أرادوا المكان
لأنها من بات يبيت وقال الله عز وجل: {وجعلنا النهار معاشا} أي جعلناه عيشاً.
وقد يجيء المفعل يراد به الحين فإذا كان من فعل يفعل بنيته على مفعل تجعل الحين الذي فيه الفعل كالمكان وذلك قولك أتت الناقة على مضربها وأتت على منتجها إنما تريد الحين الذي فيه النتاج والضراب.
وربما بنوا المصدر على المفعل كما بنوا المكان عليه إلا أن تفسير الباب وجملته على القياس كما ذكرت لك وذلك قولك المرجع قال الله عز وجل: {إلى ربكم مرجعكم} أي رجوعكم وقال: {ويسألونك عن المحيض قل هو أذًى فاعتزلوا النساء في المحيض} أي في الحيض). [الكتاب: 4/87-88] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (فإن كان المصدر لفعل على أكثر من ثلاثة كان على مثال المفعول؛ لأن المصدر مفعول. وكذلك إن بنيت من الفعل اسماً لمكان أو زمان، كان كل واحد منهما على مثال المفعول. لأن الزمان والمكان مفعول فيهما. وذلك قولك في المصادر: أدخلته مدخلاً، كما قال عز وجل: {أنزلني منزلاً مباركاً} و{باسم الله مجريها ومرساها}.
و كذلك: سرحته مسرحاً، وهذا مسرحنا؛ أي في موضع تسريحنا، وهذا مقامنا؛ لأنك تريد به المصدر والمكان من أقمت. وعلى ذلك قال الله عز وجل: {إنها ساءت مستقراً ومقاماً} لأنها من أقمت. وقال: {يا أهل يثرب لا مقام لنا} لأنها من قمت. موضع قيام ومن قرأ لا مقام إنما يريد: لا إقامة.
قال الشاعر:



ألم تعلم مسرحي القوافيفـلا عيـاً بهـن ولا اجتلابـا

أي تسريحي. وقال الآخر:



ومـــا هـــي إلا فــــي إزار وعـلـقــةٍمغار بن همامٍ على حي خثعما

أي وقت إغارة ابن همام.
وهذا أوضح من أن يكثر فيه الاحتجاج؛ لأن المصدر هو المفعول الصحيح؛ ألا ترى أنك إذا قلت: ضربت زيداً، أنك لم تفعل زيداً وإنما فعلت الضرب، فأوصلته إلى زيد، وأوقعته به، لأنك إنما أوقعت به فعلك. فأما قول الله عز وجل: {وجعلنا النهار معاشاً} فمعناه: عيشاً، ثم قال: {ويسألونك عن المحيض} أي الحيض. فكان أحد المصدرين على مفعل والآخر على مفعل.
وقوله عز وجل: {سلامٌ هي حتى مطلع الفجر}.
ومطلع الفجر وما أشبه هذا فله باب يذكر فيه إن شاء الله). [المقتضب: 2/118-120] (م)

تفسير قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223) }
قال أبو عبيدةَ مَعمرُ بنُ المثنَّى التيمي (ت:209هـ): (


فلقد أنى لك أن تودع خُلةفنيـت وكــان حبالـهـا أرمـامـا

أنى وآن بمعنى حان. الخُلة: المودة). [نقائض جرير والفرزدق: 38]
قال أبو عبيدةَ مَعمرُ بنُ المثنَّى التيمي (ت:209هـ): (وناجية الذي كانت تميم = تعيش بحزمه أنى أشار
...
أنى بمعنى كيف). [نقائض جرير والفرزدق: 257]
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (




وتنـكـرت لـــي بـعــد ود ثـابــتأنى تجامع وصل ذي الألوان

أنى، بمعنى كيف). [شرح ديوان كعب بن زهير: 215]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224) }
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): (وقول الله عز وجل: {أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} أي تصلوا. و{أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا} أي تصلوا. وقوله تعالى: {الْبَرُّ الرَّحِيمُ} أي الصادق). [مجالس ثعلب: 100] (م)

تفسير قوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (وما أتى من العقل فهو نحو من ذا قالوا حلم يحلم حلماً وهو حليم فجاء فعل في هذا الباب كما جاء فعل فيما ذكرنا). [الكتاب: 4/34]
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (وقالوا رفق يرفق رفقاً وهو رفيق كما قالوا حلم يحلم حلماً وهو حليم وقالوا رفق كما قالوا فقه). [الكتاب: 4/35]

محمد أبو زيد 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م 12:18 PM

تفاسير القرن الثالث الهجري


.....

محمد أبو زيد 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م 12:18 PM

تفاسير القرن الرابع الهجري


.....

محمد أبو زيد 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م 12:18 PM

تفاسير القرن الخامس الهجري


.....

محمد أبو زيد 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م 12:18 PM

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ويسألونك عن المحيض قل هو أذىً فاعتزلوا النّساء في المحيض ولا تقربوهنّ حتّى يطهرن فإذا تطهّرن فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه إنّ اللّه يحبّ التّوّابين ويحبّ المتطهّرين (222) نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم وقدّموا لأنفسكم واتّقوا اللّه واعلموا أنّكم ملاقوه وبشّر المؤمنين (223) ولا تجعلوا اللّه عرضةً لأيمانكم أن تبرّوا وتتّقوا وتصلحوا بين النّاس واللّه سميعٌ عليمٌ (224)}
ذكر الطبري عن السدي أن السائل ثابت بن الدحداح، وقال قتادة وغيره: «إنما سألوا لأن العرب في المدينة وما والاها كانوا قد استنوا بسنة بني إسرائيل في تجنب مؤاكلة الحائض ومساكنتها، فنزلت هذه الآية»، وقال مجاهد: «كانوا يتجنبون النساء في الحيض ويأتونهن في أدبارهنّ فنزلت الآية في ذلك»، والمحيض مصدر كالحيض، ومثله المقيل من قال يقيل. قال الراعي:
بنيت مرافقهنّ فوق مزلّة ....... لا يستطيع بها القراد مقيلا
وقال الطبري: «المحيض اسم الحيض»، ومنه قول رؤبة في المعيش:
إليك أشكو شدّة المعيش ....... ومرّ أعوام نتفن ريشي
وأذىً لفظ جامع لأشياء تؤذي لأنه دم وقذر ومنتن ومن سبيل البول، وهذه عبارة المفسرين للفظة، وقوله تعالى: {فاعتزلوا} يريد جماعهن بما فسر من ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن يشد الرجل إزار الحائض ثم شأنه بأعلاها، وهذا أصح ما ذهب إليه في الأمر، وبه قال ابن عباس وشريح وسعيد بن جبير ومالك وجماعة عظيمة من العلماء، وروي عن مجاهد أنه قال: «الذي يجب اعتزاله من الحائض الفرج وحده»، وروي ذلك عن عائشة والشعبي وعكرمة، وروي أيضا عن ابن عباس وعبيدة السلماني أنه يجب أن يعتزل الرجل فراش زوجته إذا حاضت، وهذا قول شاذ، وقد وقفت ابن عباس عليه خالته ميمونة رضي الله عنهما، وقالت له: «أرغبة عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟».
وقوله تعالى: {ولا تقربوهنّ حتّى يطهرن} قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وعاصم في رواية حفص عنه: «يطهرن» بسكون الطاء وضم الهاء، وقرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر والمفضل عنه «يطهّرن» بتشديد الطاء والهاء وفتحهما، وفي مصحف أبيّ وعبد الله حتى يتطهرن، وفي مصحف أنس بن مالك «ولا تقربوا النساء في محيضهن، واعتزلوهن حتى يتطهرن»، ورجح الطبري قراءة تشديد الطاء وقال: هي بمعنى يغتسلن لإجماع الجميع على أن حراما على الرجل أن يقرب امرأته بعد انقطاع الدم حتى تطهر، قال: «وإنما الاختلاف في الطهر ما هو؟» فقال قوم: هو الاغتسال بالماء. وقال قوم: هو وضوء كوضوء الصلاة. وقال قوم: هو غسل الفرج وذلك يحلها لزوجها وإن لم تغتسل من الحيضة.
ورجح أبو علي الفارسي قراءة تخفيف الطاء إذ هو ثلاثي مضاد لطمثت، وهو ثلاثي.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وكل واحدة من القراءتين تحتمل أن يراد بها الاغتسال بالماء وأن يراد بها انقطاع الدم وزوال أذاه»، وما ذهب إليه الطبري من أن قراءة شد الطاء مضمنها الاغتسال وقراءة التخفيف مضمنها انقطاع الدم: أمر غير لازم، وكذلك ادعاؤه الإجماع، أما إنه لا خلاف في كراهية الوطء قبل الاغتسال بالماء، وقال ابن عباس والأوزاعي: «من فعله تصدق بنصف دينار، ومن وطئ في الدم تصدق بدينار»، وأسند أبو داود عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال: «يتصدق بدينار أو بنصف دينار»، وقال ابن عباس: «الدينار في الدم، والنصف عند انقضائه»، ووردت في الشدة في هذا الفعل آثار، وجمهور العلماء على أنه ذنب عظيم يتاب منه ولا كفارة فيه بمال، وذهب مالك رحمه الله وجمهور العلماء إلى أن الطهر الذي يحل جماع الحائض التي يذهب عنها الدم هو تطهرها بالماء كطهور الجنب، ولا يجزي من ذلك تيمم ولا غيره، وقال يحيى بن بكير وابن القرظي: «إذا طهرت الحائض وتيممت حيث لا ماء حلّت لزوجها وإن لم تغتسل». وقال مجاهد وعكرمة وطاوس: «انقطاع الدم يحلها لزوجها ولكن بأن تتوضأ».
وحتّى غاية لا غير، وتقربوهنّ يريد بجماع، وهذا من سد الذرائع، وقوله تعالى: {فإذا تطهّرن)} الآية، القراءة تطهّرن بتاء مفتوحة وهاء مشددة، والخلاف في معناه كما تقدم من التطهير بالماء أو انقطاع الدم. ومجاهد وجماعة من العلماء يقولون هنا: «إنه أريد الغسل بالماء، ولا بد بقرينة الأمر بالإتيان وإن كان قربهن قبل الغسل مباحا، لكن لا تقع صيغة الأمر من الله تعالى إلا على الوجه الأكمل، وفأتوهن إباحة، والمعنى من حيث أمركم اللّه باعتزالهن وهو الفرج أو من السرة إلى الركبتين. أو جميع الجسد، حسبما تقدم». هذا كله قول واحد، وقال ابن عباس وأبو رزين: «المعنى من قبل الطهر لا من قبل الحيض»، وقاله الضحاك. وقال محمد بن الحنفية: «المعنى من قبل الحلال لا من قبل الزنا»، وقيل: المعنى من قبل حال الإباحة، لا صائمات ولا محرمات ولا غير ذلك.
والتوابون: الراجعون، وعرفه من الشر إلى الخير، والمتطهرون: قال عطاء وغيره: «المعنى بالماء»، وقال مجاهد وغيره: «المعنى من الذنوب»، وقال أيضا مجاهد: «المعنى من إتيان النساء في أدبارهن».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «كأنه نظر إلى قوله تعالى حكاية عن قوم لوط: {أخرجوهم من قريتكم إنّهم أناسٌ يتطهّرون}» [الأعراف: 82]، وقرأ طلحة بن مصرف «المطّهّرين» بشد الطاء والهاء). [المحرر الوجيز: 1/ 542-545]

تفسير قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {نساؤكم حرثٌ لكم} الآية، قال جابر بن عبد الله والربيع: «سببها أن اليهود قالت: إن الرجل إذا أتى المرأة من دبرها في قبلها جاء الولد أحول، وعابت على العرب ذلك، فنزلت الآية تتضمن الرد على قولهم»، وقالت أم سلمة وغيرها: «سببها أن قريشا كانوا يأتون النساء في الفرج على هيئات مختلفة، فلما قدموا المدينة وتزوجوا أنصاريات أرادوا ذلك، فلم ترده نساء المدينة إذ لم تكن عادة رجالهم إلا الإتيان على هيئة واحدة وهي الانبطاح، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وانتشر كلام الناس في ذلك، فنزلت الآية مبيحة الهيئات كلها إذا كان الوطء في موضع الحرث»، وحرثٌ تشبيه، لأنهنّ مزدرع الذرية، فلفظة «الحرث» تعطي أن الإباحة لم تقع إلا في الفرج خاصة، إذ هو المزدرع، وقوله: {أنّى شئتم} معناه عند جمهور العلماء من صحابة وتابعين وائمة: من أي وجه شئتم مقبلة ومدبرة وعلى جنب، وأنّى إنما تجيء سؤالا أو إخبارا عن أمر له جهات، فهي أعم في اللغة من كيف ومن أين ومن متى، هذا هو الاستعمال العربي، وقد فسر الناس أنّى في هذه الآية بهذه الألفاظ. وفسرها سيبويه ب «كيف» ومن أين باجتماعهما، وذهبت فرقة ممن فسرها ب «أين» إلى أن الوطء في الدبر جائز، روي ذلك عن عبد الله بن عمر، وروي عنه خلافه وتكفير من فعله، وهذا هو اللائق به، ورويت الإباحة أيضا عن ابن أبي مليكة ومحمد بن المنكدر، ورواها مالك عن يزيد بن رومان عن سالم عن ابن عمر، وروي عن مالك شيء في نحوه، وهو الذي وقع في العتبية، وقد كذب ذلك على مالك، وروى بعضهم أن رجلا فعل ذلك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فتكلم الناس فيه، فنزلت هذه الآية.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مصنف النسائي وفي غيره أنه قال: «إتيان النساء في أدبارهن حرام»، وورد عنه فيه أنه قال: «ملعون من أتى امرأة في دبرها»، وورد عنه أنه قال: «من أتى امرأة في دبرها فقد كفر بما أنزل على قلب محمد صلى الله عليه وسلم»، وهذا هو الحق المتبع، ولا ينبغي لمؤمن بالله واليوم الآخر أن يعرج في هذه النازلة على زلة عالم بعد أن تصح عنه، والله المرشد لا رب غيره.
وقال السدي: «معنى قوله تعالى: {وقدّموا لأنفسكم} أي الأجر في تجنب ما نهيتم عنه وامتثال ما أمرتم به»، وقال ابن عباس: «هي إشارة إلى ذكر الله على الجماع»، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «لو أن أحدكم إذا أتى امرأته قال: اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فقضي بينهما ولد لم يضره»، وقيل: معنى قدّموا لأنفسكم طلب الولد، واتّقوا اللّه تحذير، واعلموا أنّكم ملاقوه خبر يقتضي المبالغة في التحذير، أي فهو مجازيكم على البر والإثم، وبشّر المؤمنين تأنيس لفاعلي البر ومتبعي سنن الهدى). [المحرر الوجيز: 1/ 545-547]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ولا تجعلوا اللّه عرضةً لأيمانكم} الآية، عرضةً فعلة بناء للمفعول، أي كثيرا ما يتعرض بما ذكر، تقول «جمل عرضة للركوب» و «فرس عرضة للجري»، ومنه قول كعب بن زهير:
من كل نضاخة الذفرى إذا عرقت ....... عرضتها طامس الاعلام مجهول
ومقصد الآية: ولا تعرضوا اسم الله تعالى للأيمان به، ولا تكثروا من الأيمان فإن الحنث مع الإكثار، وفيه قلة رعي لحق الله تعالى، ثم اختلف المتأولون: فقال ابن عباس وإبراهيم النخعي ومجاهد والربيع وغيرهم: «المعنى فيما تريدون الشدة فيه من ترك صلة الرحم والبر والإصلاح». قال الطبري: «التقدير لأن لا تبروا ولا تتقوا ولا تصلحوا»، وقدره المهدوي: «كراهة أن تبروا»، وقال بعض المتأولين: المعنى ولا تحلفوا بالله كاذبين إذا أردتم البر والتقوى والإصلاح، فلا يحتاج إلى تقدير «لا» بعد «أن»، ويحتمل أن يكون هذا التأويل في الذي يريد الإصلاح بين الناس، فيحلف حانثا ليكمل غرضه، ويحتمل أن يكون على ما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «نزلت في تكثير اليمين بالله نهيا أن يحلف الرجل به برا فكيف فاجرا»، فالمعنى: إذا أردتم لأنفسكم البر وقال الزجاج وغيره: «معنى الآية أن يكون الرجل إذا طلب منه فعل خير ونحوه اعتل بالله تعالى، فقال عليّ يمين، وهو لم يحلف»، وأن تبرّوا مفعول من أجله، والبر جميع وجوه الخير. «بر الرجل» إذا تعلق به حكمها ونسبها كالحاج والمجاهد والعالم وغير ذلك. وهو مضاد للإثم، إذ هو الحكم اللاحق عن المعاصي. وسميعٌ أي لأقوال العباد عليمٌ بنياتهم، وهو مجاز على الجميع.
وأما سبب الآية فقال ابن جريج: «نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه إذ حلف أن يقطع إنفاقه عن مسطح بن أثاثة حين تكلم مسطح في حديث الإفك»، وقيل: نزلت في أبي بكر الصديق مع ابنه عبد الرحمن في حديث الضيافة حين حلف أبو بكر أن لا يأكل الطعام، وقيل: نزلت في عبد الله بن رواحة مع بشير بن سعد حين حلف أن لا يكلمه، واليمين الحلف، وأصله أن العرب كانت إذا تحالفت أو تعاهدت أخذ الرجل يمين صاحبه بيمينه، ثم كثر ذلك حتى سمي الحلف والعهد نفسه يمينا). [المحرر الوجيز: 1/ 547-549]

تفسير قوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم واللّه غفورٌ حليمٌ (225) للّذين يؤلون من نسائهم تربّص أربعة أشهرٍ فإن فاؤ فإنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ (226) وإن عزموا الطّلاق فإنّ اللّه سميعٌ عليمٌ (227)}
«اللغو» سقط الكلام الذي لا حكم له، ويستعمل في الهجر والرفث وما لا حكم له من الأيمان، تشبيها بالسقط من القول، يقال منه لغا يلغو لغوا ولغى يلغي لغيا، ولغة القرآن بالواو، والمؤاخذة هي التناول بالعقوبة، واختلف العلماء في اليمين التي هي لغو، فقال ابن عباس وعائشة وعامر الشعبي وأبو صالح ومجاهد: «لغو اليمين قول الرجل في درج كلامه واستعجاله في المحاورة: لا والله، وبلى والله، دون قصد لليمين»، وروي أن قوما تراجعوا القول بينهم وهم يرمون بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، فحلف أحدهم: لقد أصبت وأخطأت يا فلان، فإذا الأمر بخلافه، فقال رجل: حنث يا رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أيمان الرماة لغو لا إثم فيها ولا كفارة»، وقال أبو هريرة وابن عباس أيضا والحسن ومالك بن أنس وجماعة من العلماء: «لغو اليمين ما حلف به الرجل على يقينه فكشف الغيب خلاف ذلك».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وهذا اليقين هو غلبة ظن أطلق الفقهاء عليه لفظة اليقين تجوزا»، قال مالك: «مثله أن يرى الرجل على بعد فيعتقد أنه فلان لا يشك، فيحلف، ثم يجيء غير المحلوف عليه»، وقال سعيد بن المسيب وأبو بكر بن عبد الرحمن وعبد الله وعروة ابنا الزبير: «لغو اليمين الحلف في المعاصي كالذي يحلف ليشربن الخمر أو ليقطعن الرحم، فبره ترك ذلك الفعل ولا كفارة عليه»، وقال سعيد بن جبير مثله، إلا أنه قال: «يكفر، فأشبه قوله بالكفارة قول من لا يراها لغوا»، وقال ابن عباس أيضا وطاوس: «لغو اليمين الحلف في حال الغضب»، وروى ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يمين في غضب»، وقال مكحول الدمشقي وجماعة من العلماء: «لغو اليمين أن يحرم الرجل على نفسه ما أحل الله فيقول مالي عليّ حرام إن فعلت كذا، أو الحلال عليّ حرام»، وقال بهذا القول مالك بن أنس إلا في الزوجة فإنه ألزم فيها التحريم إلا أن يخرجها الحالف بقلبه، وقال زيد بن أسلم وابنه: «لغو اليمين دعاء الرجل على نفسه أعمى الله بصره، أذهب الله ماله، هو يهودي، هو مشرك، هو لغيّة إن فعل كذا»، وقال ابن عباس أيضا والضحاك: «لغو اليمين هو المكفرة، أي إذا كفرت اليمين فحينئذ سقطت وصارت لغوا، ولا يؤاخذ الله بتكفيرها والرجوع إلى الذي هو خير»، وقال إبراهيم النخعي: «لغو اليمين ما حنث فيه الرجل ناسيا»، وحكى ابن عبد البر قولا: «إن اللغو أيمان المكره».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وطريقة النظر أن يتأمل لفظة اللغو ولفظة الكسب، ويحكم موقعهما في اللغة، فكسب المرء ما قصده ونواه، واللغو ما لم يتعمده أو ما حقه لهجنته أن يسقط»، فيقوى على هذه الطريقة بعض الأقوال المتقدمة ويضعف بعضها، وقد رفع الله عز وجل المؤاخذة بالإطلاق في اللغو، فحقيقته ما لا إثم فيه ولا كفارة، والمؤاخذة في الأيمان هي بعقوبة الآخرة في الغموس المصبورة، وفيما ترك تكفيره مما فيه كفارة، وبعقوبة الدنيا في إلزام الكفارة، فيضعف القول بأنها اليمين المكفرة، لأن المؤاخذة قد وقعت فيها، وتخصيص المؤاخذة بأنها في الآخرة فقط تحكم.
وقوله تعالى: {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم} قال ابن عباس والنخعي وغيرهما: «ما كسب القلب هي اليمين الكاذبة الغموس، فهذه فيها المؤاخذة في الآخرة، والكفارة إنما هي فيما يكون لغوا إذا كفر»، وقال مالك وجماعة من العلماء: «الغموس لا تكفر، هي أعظم ذنبا من ذلك»، وقال الشافعي وقتادة وعطاء والربيع: «اليمين الغموس تكفر، والكفارة مؤاخذة، والغموس ما قصد الرجل في الحلف به الكذب، وكذلك اليمين المصبورة: المعنى فيهما واحد، ولكن الغموس سميت بذلك لأنها غمست صاحبها في الإثم، والمصبورة سميت بذلك لأنها صبرها مغالبة وقوة عليها، كما يصبر الحيوان للقتل والرمي»، وقال زيد بن أسلم: «قوله تعالى: {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم} هو في الرجل يقول هو مشرك إن فعل، أي هذا لغو إلا أن يعقد الإشراك بقلبه ويسكبه»، وغفورٌ حليمٌ صفتان لائقتان بما ذكر من طرح المؤاخذة، إذا هو باب رفق وتوسعة). [المحرر الوجيز: 1/ 549-552]

محمد أبو زيد 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م 12:18 PM

تفاسير القرن السابع الهجري


.....

محمد أبو زيد 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م 12:19 PM

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {ويسألونك عن المحيض قل هو أذًى فاعتزلوا النّساء في المحيض ولا تقربوهنّ حتّى يطهرن فإذا تطهّرن فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه إنّ اللّه يحبّ التّوّابين ويحبّ المتطهّرين (222) نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم وقدّموا لأنفسكم واتّقوا اللّه واعلموا أنّكم ملاقوه وبشّر المؤمنين (223)}
قال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن ثابتٍ، عن أنسٍ: «أنّ اليهود كانوا إذا حاضت المرأة منهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوها في البيوت، فسأل أصحاب النّبيّ النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {ويسألونك عن المحيض قل هو أذًى فاعتزلوا النّساء في المحيض ولا تقربوهنّ حتّى يطهرن فإذا تطهّرن} حتّى فرغ من الآية. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «اصنعوا كلّ شيءٍ إلّا النّكاح». فبلغ ذلك اليهود، فقالوا: ما يريد هذا الرّجل أن يدع من أمرنا شيئًا إلّا خالفنا فيه! فجاء أسيد بن حضير وعبّاد بن بشرٍ فقالا يا رسول اللّه، إنّ اليهود قالت كذا وكذا، أفلا نجامعهنّ؟ فتغيّر وجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتّى ظننّا أن قد وجد عليهما، فخرجا، فاستقبلتهما هديّةٌ من لبنٍ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل في آثارهما، فسقاهما، فعرفا أن لم يجد عليهما».
رواه مسلمٌ من حديث حمّاد بن سلمة.
فقوله: {فاعتزلوا النّساء في المحيض} يعني في الفرج، لقوله: «اصنعوا كلّ شيءٍ إلّا النّكاح» ؛ ولهذا ذهب كثيرٌ من العلماء أو أكثرهم إلى أنّه تجوز مباشرة الحائض فيما عدا الفرج.
قال أبو داود: حدّثنا موسى بن إسماعيل، حدّثنا حمّادٌ، عن أيّوب، عن عكرمة، عن بعض أزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم : «أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كان إذا أراد من الحائض شيئًا، ألقى على فرجها ثوبًا».
وقال أبو داود أيضًا: حدّثنا القعنبيّ، حدّثنا عبد اللّه -يعني ابن عمر بن غانمٍ -عن عبد الرّحمن -يعني ابن زيادٍ -عن عمارة بن غراب: أنّ عمّة له حدّثته: أنّها سألت عائشة قالت: «إحدانا تحيض، وليس لها ولزوجها فراشٌ إلّا فراشٌ واحدٌ؟ قالت: أخبرك بما صنع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: دخل فمضى إلى مسجده -قال أبو داود: تعني مسجد بيتها -فما انصرف حتّى غلبتني عيني، وأوجعه البرد، فقال: «ادني منّي». فقلت: إنّي حائضٌ. فقال: «اكشفي عن فخذيك». فكشفت فخذي، فوضع خدّه وصدره على فخذي، وحنيت عليه حتّى دفئ ونام صلّى اللّه عليه وسلّم».
وقال: أبو جعفر بن جريرٍ: حدّثنا ابن بشّارٍ، حدّثنا عبد الوهّاب، حدّثنا أيّوب عن كتاب أبي قلابة: «أنّ مسروقًا ركب إلى عائشة، فقال: السّلام على النّبيّ وعلى أهله. فقالت عائشة: أبو عائشة! مرحبًا مرحبًا. فأذنوا له فدخل، فقال: إنّي أريد أن أسألك عن شيءٍ، وأنا أستحي. فقالت: إنّما أنا أمّك، وأنت ابني. فقال: ما للرّجل من امرأته وهي حائضٌ؟ فقالت: له كلّ شيءٍ إلّا فرجها».
ورواه أيضًا عن حميد بن مسعدة، عن يزيد بن زريعٍ، عن عيينة بن عبد الرّحمن بن جوشن، عن مروان الأصفر، عن مسروقٍ قال: «قلت لعائشة: ما يحلّ للرّجل من امرأته إذا كانت حائضًا؟ قالت: كلّ شيءٍ إلّا الجماع».
وهذا قول ابن عبّاسٍ، ومجاهدٍ، والحسن، وعكرمة.
وروى ابن جريرٍ أيضًا، عن أبي كريب، عن ابن أبي زائدة، عن حجّاجٍ، عن ميمون بن مهران، عن عائشة قالت: «له ما فوق الإزار».
قلت: وتحلّ مضاجعتها ومؤاكلتها بلا خلافٍ. قالت عائشة: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يأمرني فأغسل رأسه وأنا حائضٌ، وكان يتّكئ في حجري وأنا حائضٌ، فيقرأ القرآن». وفي الصّحيح عنها قالت: «كنت أتعرّق العرق وأنا حائضٌ، فأعطيه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فيضع فمه في الموضع الّذي وضعت فمي فيه، وأشرب الشّراب فأناوله، فيضع فمه في الموضع الّذي كنت أشرب».
وقال أبو داود: حدّثنا مسدّد، حدّثنا يحيى، عن جابر بن صبح سمعت خلاسًا الهجري قال: سمعت عائشة تقول: «كنت أنا ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نبيت في الشّعار الواحد، وإنّي حائضٌ طامثٌ، فإن أصابه منّي شيءٌ، غسل مكانه لم يعده، وإن أصاب -يعني ثوبه -شيءٌ غسل مكانه لم يعده، وصلّى فيه».
فأمّا ما رواه أبو داود: حدّثنا سعيد بن عبد الجبّار، حدّثنا عبد العزيز -يعني ابن محمّدٍ -عن أبي اليمان، عن أمّ ذرّة، عن عائشة: أنّها قالت: «كنت إذا حضت نزلت عن المثال على الحصير، فلم نقرب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ولم ندن منه حتّى نطهر» -فهو محمولٌ على التّنزّه والاحتياط.
وقال آخرون: إنّما تحلّ له مباشرتها فيما عدا ما تحت الإزار، كما ثبت في الصّحيحين، عن ميمونة بنت الحارث الهلاليّة قالت: «كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إذا أراد أن يباشر امرأةً من نسائه أمرها فاتّزرت وهي حائضٌ». وهذا لفظ البخاريّ. ولهما عن عائشة نحوه.
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، والتّرمذيّ، وابن ماجه من حديث العلاء بن الحارث، عن حزام بن حكيمٍ، عن عمّه عبد اللّه بن سعدٍ الأنصاريّ: أنّه سأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ما يحل لي من امرأتي وهي حائضٌ؟ قال: «ما فوق الإزار».
ولأبي داود أيضًا، عن معاذ بن جبلٍ قال: «سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عمّا يحلّ لي من امرأتي وهي حائضٌ. قال: «ما فوق الإزار والتّعفّف عن ذلك أفضل». وهو روايةٌ عن عائشة -كما تقدّم -وابن عبّاسٍ، وسعيد بن المسيّب، وشريحٍ.
فهذه الأحاديث وما شابهها حجّة من ذهب إلى أنّه يحلّ ما فوق الإزار منها، وهو أحد القولين في مذهب الشّافعيّ رحمه اللّه، الّذي رجّحه كثيرٌ من العراقيّين وغيرهم. ومأخذهم أنّه حريم الفرج، فهو حرامٌ، لئلّا يتوصّل إلى تعاطي ما حرّم اللّه عزّ وجلّ، الّذي أجمع العلماء على تحريمه، وهو المباشرة في الفرج. ثمّ من فعل ذلك فقد أثم، فيستغفر اللّه ويتوب إليه. وهل يلزمه مع ذلك كفّارةٌ أم لا؟ فيه قولان:
أحدهما: نعم، لما رواه الإمام أحمد، وأهل السّنن، عن ابن عبّاسٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في الّذي يأتي امرأته وهي حائضٌ: «يتصدّق بدينارٍ، أو نصف دينارٍ». وفي لفظٍ للتّرمذي: «إذا كان دمًا أحمر فدينارٌ، وإن كان دمًا أصفر فنصف دينارٍ». وللإمام أحمد أيضًا، عنه: «أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم جعل في الحائض تصاب، دينارًا فإن أصابها وقد أدبر الدّم عنها ولم تغتسل، فنصف دينارٍ».
والقول الثّاني: وهو الصّحيح الجديد من مذهب الشّافعيّ، وقول الجمهور: «أنّه لا شيء في ذلك، بل يستغفر اللّه عزّ وجلّ، لأنّه لم يصحّ عندهم رفع هذا الحديث»، فإنّه قد روي مرفوعًا كما تقدّم وموقوفًا، وهو الصّحيح عند كثيرٍ من أئمّة الحديث، فقوله تعالى: {ولا تقربوهنّ حتّى يطهرن} تفسيرٌ لقوله: {فاعتزلوا النّساء في المحيض} ونهيٌ عن قربانهنّ بالجماع ما دام الحيض موجودًا، ومفهومه حلّه إذا انقطع، وقد قال به طائفةٌ من السّلف. قال القرطبيّ: وقال مجاهدٌ وعكرمة وطاوسٌ: «انقطاع الدّم يحلّها لزوجها ولكن بأن تتوضّأ».
وقوله: {فإذا تطهّرن فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه} فيه ندبٌ وإرشادٌ إلى غشيانهنّ بعد الاغتسال. وذهب ابن حزمٍ إلى وجوب الجماع بعد كلّ حيضةٍ، لقوله: {فإذا تطهّرن فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه} وليس له في ذلك مستندٌ، لأنّ هذا أمرٌ بعد الحظر. وفيه أقوالٌ لعلماء الأصول، منهم من يقول: إنّه للوجوب كالمطلق. وهؤلاء يحتاجون إلى جواب ابن حزمٍ، ومنهم من يقول: إنّه للإباحة، ويجعلون تقدّم النّهي عليه قرينةً صارفةً له عن الوجوب، وفيه نظرٌ. والّذي ينهض عليه الدّليل أنّه يردّ الحكم إلى ما كان عليه الأمر قبل النّهي، فإن كان واجبًا فواجبٌ، كقوله تعالى: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين} [التّوبة: 5]، أو مباحًا فمباحٌ، كقوله تعالى: {وإذا حللتم فاصطادوا} [المائدة: 2]، {فإذا قضيت الصّلاة فانتشروا في الأرض} [الجمعة: 10] وعلى هذا القول تجتمع الأدلّة، وقد حكاه الغزّاليّ وغيره، واختاره بعض أئمّة المتأخّرين، وهو الصّحيح.
وقد اتّفق العلماء على أنّ المرأة إذا انقطع حيضها لا تحلّ حتّى تغتسل بالماء أو تتيمّم، إنّ تعذّر ذلك عليها بشرطه، [إلّا يحيى بن بكيرٍ من المالكيّة وهو أحد شيوخ البخاريّ، فإنّه ذهب إلى إباحة وطء المرأة بمجرّد انقطاع دم الحيض، ومنهم من ينقله عن ابن عبد الحكم أيضًا، وقد حكاه القرطبيّ عن مجاهدٍ وعكرمة عن طاوسٍ كما تقدّم]. إلّا أنّ أبا حنيفة، رحمه اللّه، يقول: «فيما إذا انقطع دمها لأكثر الحيض، وهو عشرة أيّامٍ عنده: إنّها تحلّ بمجرّد الانقطاع ولا تفتقر إلى غسلٍ ولا يصحّ لأقلّ من ذلك المزيد في حلّها من الغسل ويدخل عليها وقت صلاةٍ إلّا أن تكون دمثةً، فيدخل بمجرّد انقطاعه واللّه أعلم».
وقال ابن عبّاسٍ: {حتّى يطهرن} «أي: من الدّم»{فإذا تطهّرن} «أي: بالماء». وكذا قال مجاهدٌ، وعكرمة، والحسن، ومقاتل بن حيّان، واللّيث بن سعدٍ، وغيرهم.
وقوله: {من حيث أمركم اللّه} قال ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، وغير واحدٍ: يعني الفرج؛ قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه} يقول في الفرج ولا تعدوه إلى غيره، فمن فعل شيئًا من ذلك فقد اعتدى.
وقال ابن عبّاسٍ ومجاهدٌ وعكرمة: {فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه} «أي: أن تعتزلوهنّ». وفيه دلالةٌ حينئذٍ على تحريم الوطء في الدّبر، كما سيأتي تقريره قريبًا.
وقال أبو رزين، وعكرمة، والضّحّاك وغير واحدٍ: {فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه} «يعني: طاهراتٌ غير حيّض»، ولهذا قال تعالى: {إنّ اللّه يحبّ التّوّابين} «أي: من الذّنب وإنّ تكرّر غشيانه»، {ويحبّ المتطهّرين} «أي: المتنزّهين عن الأقذار والأذى، وهو ما نهوا عنه من إتيان الحائض، أو في غير المأتى»). [تفسير ابن كثير: 1/ 584-588]


تفسير قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {نساؤكم حرثٌ لكم} قال ابن عبّاسٍ: «الحرث موضع الولد {فأتوا حرثكم أنّى شئتم} أي: كيف شئتم مقبلةً ومدبرةً في صمام واحدٍ، كما ثبتت بذلك الأحاديث».
قال البخاريّ: حدّثنا أبو نعيم، حدّثنا سفيان عن ابن المنكدر قال: «سمعت جابرًا قال: «كانت اليهود تقول: إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول، فنزلت: {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم}» ورواه داود من حديث سفيان الثوري به.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا يونس بن عبد الأعلى، أخبرنا ابن وهبٍ، أخبرني مالك بن أنسٍ وابن جريجٍ وسفيان بن سعيدٍ الثّوريّ: أنّ محمّد بن المنكدر حدّثهم: أنّ جابر بن عبد اللّه أخبره: «أنّ اليهود قالوا للمسلمين: من أتى امرأةً وهي مدبرةٌ جاء الولد أحول، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم}»، قال ابن جريجٍ في الحديث: فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «مقبلةٌ ومدبرةٌ، إذا كان ذلك في الفرج».
وفي حديث بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيريّ، عن أبيه، عن جدّه أنّه قال: يا رسول اللّه، نساؤنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: «حرثك، ائت حرثك أنّى شئت، غير ألّا تضرب الوجه، ولا تقبّح، ولا تهجر إلّا في المبيت». الحديث، رواه أحمد، وأهل السّنن.
حديثٌ آخر: قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا يونس، أخبرنا ابن وهبٍ، أخبرني ابن لهيعة عن يزيد ابن أبي حبيبٍ، عن عامر بن يحيى، عن حنش بن عبد اللّه، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ قال: «أتى ناسٌ من حمير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألوه عن أشياء، فقال له رجلٌ: «إنّي أجبي النّساء، فكيف ترى في ذلك»، فأنزل اللّه: {نساؤكم حرثٌ لكم}».
حديثٌ آخر: قال أبو جعفرٍ الطّحاويّ في كتابه "مشكل الحديث": حدّثنا أحمد بن داود بن موسى، حدّثنا يعقوب بن كاسبٍ، حدّثنا عبد اللّه بن نافعٍ، عن هشام بن سعدٍ، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسارٍ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ:«أنّ رجلًا أصاب امرأةً في دبرها، فأنكر النّاس عليه ذلك، فأنزل اللّه:{نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم}» ورواه ابن جريرٍ عن يونس وعن يعقوب، به.
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا عفّان، حدّثنا وهيبٌ، حدّثنا عبد اللّه بن عثمان بن خثيم عن عبد الرّحمن بن سابطٍ قال: «دخلت على حفصة ابنة عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ فقلت: إنّي سائلك عن أمرٍ، وإنّى أستحيي أن أسألك. قالت: فلا تستحي يا ابن أخي. قال: عن إتيان النّساء في أدبارهنّ؟ قالت: حدّثتني أمّ سلمة أنّ الأنصار كانوا لا يجبّون النّساء، وكانت اليهود تقول: إنّه من جبّى امرأته كان الولد أحول، فلمّا قدم المهاجرون المدينة نكحوا في نساء الأنصار، فجبّوهنّ، فأبت امرأةٌ أن تطيع زوجها وقالت: لن تفعل ذلك حتّى آتي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. فدخلت على أمّ سلمة فذكرت لها ذلك، فقالت: اجلسي حتّى يأتي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فلمّا جاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم استحيت الأنصاريّة أن تسأله، فخرجت، فحدثت أمّ سلمة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال:«ادعي الأنصاريّة»:فدعيت، فتلا عليها هذه الآية:«{نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم}صمامًا واحدًا».ورواه التّرمذيّ، عن بندار، عن ابن مهديٍّ، عن سفيان، عن ابن خثيم به. وقال: حسنٌ.
قلت: وقد روي من طريق حمّاد بن أبي حنيفة، عن أبيه، عن ابن خثيم عن يوسف بن ماهك، عن حفصة أمّ المؤمنين: «أنّ امرأةً أتتها فقالت: إن زوّجي يأتيني محيّية ومستقبلةً فكرهته، فبلغ ذلك النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: «لا بأس إذا كان في صمامٍ واحدٍ».
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا حسنٌ، حدّثنا يعقوب -يعني القمي -عن جعفرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: «جاء عمر بن الخطّاب إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه، هلكت! قال: «ما الّذي أهلكك؟» قال: حوّلت رحلي البارحة! قال: فلم يردّ عليه شيئًا. قال: فأوحى اللّه إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم هذه الآية: «{نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم} «أقبل وأدبر، واتّق الدّبر والحيضة».رواه التّرمذيّ، عن عبد بن حميدٍ، عن حسن بن موسى الأشيب، به. وقال: حسنٌ غريبٌ.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا يحيى بن غيلان، حدّثنا رشدين، حدّثني الحسن بن ثوبان، عن عامر بن يحيى المعافريّ، عن حنش، عن ابن عبّاسٍ قال: أنزلت هذه الآية: «{نساؤكم حرثٌ لكم} في أناسٍ من الأنصار، أتوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فسألوه، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «آتها على كلّ حالٍ، إذا كان في الفرج».
وقال الحافظ أبو يعلى: حدّثنا الحارث بن سريجٍ حدّثنا عبد اللّه بن نافعٍ، حدّثنا هشام بن سعدٍ، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسارٍ، عن أبي سعيدٍ قال: «أثفر رجلٌ امرأته على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقالوا: أثفر فلانٌ امرأته، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم} ».
وقال أبو داود: حدّثنا عبد العزيز بن يحيى أبو الأصبغ، قال: حدّثني محمد -يعني ابن سلمة -عن محمد ابن إسحاق، عن أبان بن صالحٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: «إنّ ابن عمر -واللّه يغفر له -أوهم، إنّما كان أهل هذا الحيّ من الأنصار -وهم أهل وثنٍ -مع أهل هذا الحيّ من يهود -وهم أهل كتابٍ -وكانوا يرون لهم فضلًا عليهم في العلم، فكانوا يقتدون بكثيرٍ من فعلهم، وكان من أمر أهل الكتاب لا يأتون النّساء إلّا على حرفٍ، وذلك أستر ما تكون المرأة، فكان هذا الحيّ من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم، وكان هذا الحيّ من قريشٍ يشرحون النّساء شرحًا منكرًا، ويتلذّذون بهنّ مقبلاتٍ ومدبراتٍ ومستلقياتٍ. فلمّا قدم المهاجرون المدينة تزوّج رجلٌ منهم امرأةً من الأنصار، فذهب يصنع بها ذلك، فأنكرته عليه، وقالت: إنّما كنّا نؤتى على حرفٍ. فاصنع ذلك وإلّا فاجتنبني، فسرى أمرهما، فبلغ ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأنزل اللّه: {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم} أي: مقبلاتٌ، ومدبراتٌ، ومستلقياتٌ -يعني بذلك موضع الولد». تفرّد به أبو داود، ويشهد له بالصّحّة ما تقدّم من الأحاديث، ولا سيّما رواية أمّ سلمة، فإنّها مشابهةٌ لهذا السّياق.
وقد روى هذا الحديث الحافظ أبو القاسم الطّبرانيّ من طريق محمّد بن إسحاق، عن أبان بن صالحٍ، عن مجاهدٍ قال: «عرضت المصحف على ابن عبّاسٍ من فاتحته إلى خاتمته، أوقفه عند كلّ آيةٍ منه وأسأله عنها، حتّى انتهيت إلى هذه الآية: {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم} فقال ابن عبّاسٍ: «إنّ هذا الحيّ من قريشٍ كانوا يشرحون النّساء بمكّة، ويتلذّذون بهنّ.. فذكر القصّة بتمام سياقها».
وقول ابن عبّاسٍ: «إنّ ابن عمر -واللّه يغفر له -أوهم». كأنّه يشير إلى ما رواه البخاريّ: حدّثنا إسحاق، حدّثنا النّضر بن شميلٍ، أخبرنا ابن عونٍ عن نافعٍ قال: «كان ابن عمر إذا قرأ القرآن لم يتكلّم حتّى يفرغ منه، فأخذت عليه يومًا فقرأ سورة البقرة، حتّى انتهى إلى مكانٍ قال:«أتدري فيم أنزلت؟» قلت: «لا». قال: «أنزلت في كذا وكذا». ثمّ مضى».
وعن عبد الصّمد قال: حدّثني أبي، حدّثني أيّوب، عن نافعٍ، عن ابن عمر: {فأتوا حرثكم أنّى شئتم} قال: يأتيها في ... هكذا رواه البخاريّ، وقد تفرّد به من هذه الوجوه.
وقال ابن جريرٍ: حدّثني يعقوب بن إبراهيم، حدّثنا ابن عليّة، حدّثنا ابن عونٍ، عن نافعٍ قال: «قرأت ذات يومٍ: {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم} فقال ابن عمر: «أتدري فيم نزلت؟» قلت: «لا». قال: «نزلت في إتيان النّساء في أدبارهنّ».
وحدّثني أبو قلابة، حدّثنا عبد الصّمد بن عبد الوارث، حدّثني أبي، عن أيّوب، عن نافعٍ، عن ابن عمر: {فأتوا حرثكم أنّى شئتم} قال: «في الدّبر». وروي من حديث مالكٍ، عن نافعٍ، عن ابن عمر، ولا يصحّ.
وروى النّسائيّ، عن محمّد بن عبد اللّه بن عبد الحكم، عن أبي بكر بن أبي أويسٍ، عن سليمان بن بلالٍ، عن زيد بن أسلم، عن ابن عمر: «أنّ رجلًا أتى امرأته في دبرها، فوجد في نفسه من ذلك وجدًا شديدًا، فأنزل اللّه: {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم}». قال أبو حاتمٍ الرّازيّ: لو كان هذا عند زيد بن أسلم، عن ابن عمر لما أولع النّاس بنافعٍ. وهذا تعليلٌ منه لهذا الحديث.
وقد رواه عبد اللّه بن نافعٍ، عن داود بن قيس، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسارٍ، عن ابن عمر -فذكره.
وهذا محمولٌ على ما تقدّم، وهو أنّه يأتيها في قبلها من دبرها، لما رواه النّسائيّ أيضًا عن عليّ بن عثمان النّفيليّ، عن سعيد بن عيسى، عن المفضّل بن فضالة عن عبد اللّه بن سليمان الطّويل، عن كعب بن علقمة، عن أبي النّضر: أنّه أخبره أنّه قال لنافعٍ مولى ابن عمر: «إنّه قد أكثر عليك القول: إنّك تقول عن ابن عمر إنّه أفتى أن تؤتى النّساء في أدبارهنّ قال: كذبوا عليّ، ولكن سأحدّثك كيف كان الأمر: إنّ ابن عمر عرض المصحف يومًا وأنا عنده، حتّى بلغ: {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم} فقال: يا نافع، هل تعلم من أمر هذه الآية؟ قلت:لا. قال: إنّا كنّا معشر قريشٍ نجبّي النّساء، فلمّا دخلنا المدينة ونكحنا نساء الأنصار، أردنا منهنّ مثل ما كنّا نريد فإذا هنّ قد كرهن ذلك وأعظمنه، وكانت نساء الأنصار قد أخذن بحال اليهود، إنّما يؤتين على جنوبهنّ، فأنزل اللّه: {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم}».
وهذا إسنادٌ صحيحٌ، وقد رواه ابن مردويه، عن الطّبرانيّ، عن الحسين بن إسحاق، عن زكريّا بن يحيى الكاتب العمريّ، عن مفضّل بن فضالة، عن عبد اللّه بن عيّاشٍ عن كعب بن علقمة، فذكره. وقد روّينا عن ابن عمر خلاف ذلك صريحًا، وأنّه لا يباح ولا يحلّ كما سيأتي، وإن كان قد نسب هذا القول إلى طائفةٍ من فقهاء المدينة وغيرهم، وعزاه بعضهم إلى الإمام مالكٍ في كتاب السّرّ وأكثر النّاس ينكر أن يصحّ ذلك عن الإمام مالكٍ، رحمه اللّه. وقد وردت الأحاديث المرويّة من طرقٍ متعدّدةٍ بالزّجر عن فعله وتعاطيه؛ فقال الحسن بن عرفة: حدّثنا إسماعيل بن عيّاشٍ عن سهيل بن أبي صالحٍ، عن محمّد بن المنكدر، عن جابرٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «استحيوا، إنّ اللّه لا يستحيي من الحقّ، لا يحلّ مأتى النّساء في حشوشهنّ».
وقال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الرّحمن، حدّثنا سفيان، عن عبد بن شدّادٍ عن رجلٍ عن خزيمة بن ثابتٍ: «أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نهى أن يأتي الرّجل امرأته في دبرها».
طريقٌ أخرى: قال أحمد: حدّثنا يعقوب، سمعت أبي يحدّث، عن يزيد بن عبد اللّه بن أسامة ابن الهاد: أنّ عبيد اللّه بن الحصين الوالبيّ حدّثه أنّ هرميّ بن عبد اللّه الواقفيّ حدّثه: أنّ خزيمة بن ثابتٍ الخطميّ حدّثه: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «لا يستحيي اللّه من الحق، لا يستحي اللّه من الحقّ -ثلاثًا -لا تأتوا النّساء في أعجازهنّ». ورواه النّسائيّ، وابن ماجه من طرقٍ، عن خزيمة بن ثابتٍ. وفي إسناده اختلافٌ كثيرٌ.
حديثٌ آخر: قال أبو عيسى التّرمذيّ، والنّسائيّ: حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، حدّثنا أبو خالدٍ الأحمر، عن الضّحّاك بن عثمان، عن مخرمة بن سليمان، عن كريب، عن ابن عبّاسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا ينظر اللّه إلى رجلٍ أتى رجلًا أو امرأةً في الدّبر». ثمّ قال التّرمذيّ: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ. وهكذا أخرجه ابن حبّان في صحيحه. وصحّحه ابن حزمٍ أيضًا. ولكن رواه النّسائيّ، عن هنّادٍ، عن وكيعٍ، عن الضّحّاك، به موقوفًا.
وقال عبدٌ: أخبرنا عبد الرّزّاق، أخبرنا معمرٌ عن ابن طاوسٍ، عن أبيه: «أنّ رجلًا سأل ابن عبّاسٍ عن إتيان المرأة في دبرها، قال: «تسألني عن الكفر»! إسنادٌ صحيحٌ.
وكذا رواه النّسائيّ، من طريق ابن المبارك، عن معمرٍ -به نحوه.
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الصّمد، حدّثنا همامٌ، حدّثنا قتادة، عن عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن جدّه، أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «الّذي يأتي امرأته في دبرها هي اللّوطيّة الصّغرى».
وقال عبد اللّه بن أحمد: حدّثني هدبة، حدّثنا همامٌ، قال: سئل قتادة عن الّذي يأتي امرأته في دبرها. فقال قتادة: حدّثنا عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه عن جدّه: أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «هي اللّوطيّة الصّغرى».
قال قتادة: وحدّثني عقبة بن وسّاج، عن أبي الدّرداء قال: «وهل يفعل ذلك إلّا كافرٌ؟».
وقد روى هذا الحديث يحيى بن سعيدٍ القطّان، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أبي أيّوب، عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص، قوله. وهذا أصحّ، واللّه أعلم.
وكذلك رواه عبد بن حميدٍ، عن يزيد بن هارون، عن حميدٍ الأعرج، عن عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن عبد اللّه بن عمرٍو، موقوفًا من قوله.
طريقٌ أخرى: قال جعفرٌ الفريابيّ: حدّثنا قتيبة، حدّثنا ابن لهيعة، عن عبد الرّحمن بن زياد بن العم، عن أبي عبد الرّحمن الحبلي، عن عبد اللّه بن عمرٍو قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «سبعةٌ لا ينظر اللّه إليهم يوم القيامة ولا يزكّيهم، ويقول: ادخلوا النّار مع الدّاخلين: الفاعل والمفعول به، والنّاكح يده، وناكح البهيمة، وناكح المرأة في دبرها، وجامعٌ بين المرأة وابنتها، والزّاني بحليلة جاره، والمؤذي جاره حتّى يلعنه». ابن لهيعة وشيخه ضعيفان.
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الرّزّاق، أخبرنا سفيان، عن عاصمٍ، عن عيسى بن حطان، عن مسلم بن سلام، عن عليّ بن طلقٍ، قال: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم إن تؤتى النّساء في أدبارهنّ؛ فإنّ اللّه لا يستحيي من الحقّ».
وأخرجه أحمد أيضًا، عن أبي معاوية، وأبو عيسى التّرمذيّ من طريق أبي معاوية أيضًا، عن عاصمٍ الأحول به وفيه زيادةٌ، وقال: هو حديثٌ حسنٌ.
ومن النّاس من يورد هذا الحديث في مسند عليّ بن أبي طالبٍ، كما وقع في مسند الإمام أحمد بن حنبلٍ والصّحيح أنّه عليّ بن طلقٍ.
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الرّزّاق، أخبرنا معمر، عن سهيل بن أبي صالحٍ، عن الحارث بن مخلّد، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ الّذي يأتي امرأته في دبرها لا ينظر اللّه إليه».
وحدّثنا عفّان، حدّثنا وهيبٌ، حدّثنا سهيلٌ، عن الحارث بن مخلدٍ، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:«لا ينظر اللّه إلى رجلٍ جامع امرأته في دبرها». وكذا رواه ابن ماجه من طريق سهيلٍ.
وحدّثنا وكيع، حدّثنا سفيان عن سهيل بن أبي صالحٍ، عن الحارث بن مخلدٍ، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ملعونٌ من أتى امرأةً في دبرها». وهكذا رواه أبو داود، والنّسائيّ من طريق وكيع، به.
طريقٌ أخرى: قال الحافظ أبو نعيمٍ الأصبهانيّ: أخبرنا أحمد بن القاسم بن الرّيّان، حدّثنا أبو عبد الرّحمن النّسائيّ، حدّثنا هنّادٌ، ومحمّد بن إسماعيل -واللّفظ له -قالا حدّثنا وكيعٌ، حدّثنا سفيان، عن سهيل بن أبي صالحٍ، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ملعونٌ من أتى امرأة في دبرها». ليس هذا الحديث هكذا في سنن النّسائيّ، وإنّما الّذي فيه عن سهيلٍ، عن الحارث بن مخلدٍ، كما تقدّم. قال شيخنا الحافظ أبو عبد اللّه الذّهبيّ: ورواية أحمد بن القاسم بن الرّيّان هذا الحديث بهذا السّند، وهمٌ منه، وقد ضعّفوه.
طريقٌ أخرى: رواها مسلم بن خالدٍ الزّنجي، عن العلاء بن عبد الرّحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى عليه وسلّم قال: «ملعونٌ من أتى النّساء في أدبارهنّ». ومسلم بن خالدٍ فيه كلامٌ، واللّه أعلم.
طريقٌ أخرى: رواها الإمام أحمد، وأهل السّنن من حديث حمّاد بن سلمة، عن حكيمٍ الأثرم، عن أبي تميمة الهجيمي، عن أبي هريرة: أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلم قال: «من أتى حائضًا أو امرأةً في دبرها، أو كاهنًا فصدّقه، فقد كفر بما أنزل على محمّدٍ».
وقال التّرمذيّ: ضعّف البخاريّ هذا الحديث. والّذي قاله البخاريّ في حديث حكيمٍ الأثرم عن أبي تميمة: لا يتابع في حديثه.
طريقٌ أخرى: قال النّسائيّ: حدّثنا عثمان بن عبد اللّه، حدّثنا سليمان بن عبد الرّحمن من كتابه، عن عبد الملك بن محمّدٍ الصّنعانيّ، عن سعيد بن عبد العزيز، عن الزّهريّ، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «استحيوا من اللّه حقّ الحياء، لا تأتوا النّساء في أدبارهنّ». تفرّد به النّسائيّ من هذا الوجه.
قال حمزة بن محمّدٍ الكناني الحافظ: هذا حديثٌ منكرٌ باطلٌ من حديث الزّهريّ، ومن حديث أبي سلمة ومن حديث سعيدٍ؛ فإن كان عبد الملك سمعه من سعيدٍ، فإنّما سمعه بعد الاختلاط، وقد رواه الزّهريّ عن أبي سلمة أنّه كان ينهى عن ذلك، فأمّا عن أبي هريرة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فلا. انتهى كلامه.
وقد أجاد وأحسن الانتقاد؛ إلّا أنّ عبد الملك بن محمّدٍ الصّنعانيّ لا يعرف أنّه اختلط، ولم يذكر ذلك أحدٌ غير حمزة الكنانيّ، وهو ثقةٌ، ولكن تكلّم فيه دحيم، وأبو حاتمٍ، وابن حبّان، وقال: لا يجوز الاحتجاج به، فاللّه أعلم. وقد تابعه زيد بن يحيى بن عبيدٍ، عن سعيد بن عبد العزيز. وروي من طريقين آخرين، عن أبي سلمة. ولا يصحّ منها شيءٌ.
طريقٌ أخرى: قال النّسائيّ: حدّثنا إسحاق بن منصورٍ، حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، عن سفيان الثّوريّ، عن ليث بن أبي سليمٍ، عن مجاهدٍ، عن أبي هريرة قال: «إتيان الرجال النساء في أدبارهنّ كفرٌ».
ثمّ رواه، عن بندار، عن عبد الرّحمن، به. قال: من أتى امرأةً في دبرها ملك كفره. هكذا رواه النّسائيّ، من طريق الثّوريّ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، عن أبي هريرة موقوفًا. وكذا رواه من طريق علي بن بذيمة، عن مجاهدٍ، عن أبي هريرة -موقوفًا. ورواه بكر بن خنيسٍ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «من أتى شيئًا من الرّجال والنّساء في الأدبار فقد كفر» والموقوف أصحّ، وبكر بن خنيسٍ ضعّفه غير واحدٍ من الأئمّة، وتركه آخرون.
حديثٌ آخر: قال محمّد بن أبان البلخيّ: حدّثنا وكيعٌ، حدّثنا زمعة بن صالحٍ، عن ابن طاوسٍ، عن أبيه -وعن عمرو بن دينارٍ، عن عبد اللّه بن يزيد بن الهاد قالا قال عمر بن الخطّاب: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ اللّه لا يستحيي من الحقّ، لا تأتوا النّساء في أدبارهنّ».
وقد رواه النّسائيّ: حدّثنا سعيد بن يعقوب الطّالقانيّ، عن عثمان بن اليمان، عن زمعة بن صالح، عن ابن طاوسٍ، عن أبيه، عن ابن الهاد، عن عمر قال: «لا تأتوا النّساء في أدبارهنّ».
وحدّثنا إسحاق بن إبراهيم، حدّثنا يزيد بن أبي حكيمٍ، عن زمعة بن صالحٍ، عن عمرو بن دينارٍ، عن طاوسٍ، عن عبد اللّه بن الهاد اللّيثيّ قال: قال عمر رضي اللّه عنه: «استحيوا من اللّه، فإنّ اللّه لا يستحيي من الحقّ، لا تأتوا النّساء في أدبارهنّ». الموقوف أصحّ.
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا غندر ومعاذ بن معاذٍ قالا حدّثنا شعبة عن عاصمٍ الأحول، عن عيسى بن حطان، عن مسلم بن سلام، عن طلق بن يزيد -أو يزيد بن طلقٍ -عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «إنّ اللّه لا يستحيي من الحقّ، لا تأتوا النّساء في أستاههنّ».
وكذا رواه غير واحدٍ، عن شعبة. ورواه عبد الرّزّاق، عن معمرٍ، عن عاصمٍ الأحول، عن عيسى بن حطّان، عن مسلم بن سلّامٍ، عن طلق بن عليٍّ، والأشبه أنّه عليّ بن طلقٍ، كما تقدّم، واللّه أعلم.
حديثٌ آخر: قال أبو بكرٍ الأثرم في سننه: حدّثنا أبو مسلمٍ الحرميّ، حدّثنا أخي أنيس بن إبراهيم أنّ أباه إبراهيم بن عبد الرّحمن بن القعقاع أخبره، عن أبيه أبي القعقاع، عن ابن مسعود، رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «محاش النّساء حرامٌ».
وقد رواه إسماعيل بن عليّة، وسفيان الثّوريّ، وشعبة، وغيرهم، عن أبي عبد اللّه الشّقريّ -واسمه سلمة بن تمامٍ: ثقةٌ -عن أبي القعقاع، عن ابن مسعودٍ -موقوفًا. وهو أصحّ.
طريقٌ أخرى: قال ابن عديٍّ: حدّثنا أبو عبد اللّه المحامليّ، حدّثنا سعيد بن يحيى الأمويّ، حدّثنا محمّد بن حمزة، عن زيد بن رفيعٍ عن أبي عبيدة، عن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا تأتوا النّساء في أعجازهنّ» محمّد بن حمزة هو الجزريّ وشيخه، فيهما مقالٌ.
وقد روي من حديث أبيّ بن كعبٍ والبراء بن عازبٍ، وعقبة بن عامرٍ وأبي ذرٍّ، وغيرهم. وفي كلٍّ منها مقالٌ لا يصحّ معه الحديث، واللّه أعلم.
وقال الثّوريّ، عن الصّلت بن بهرام، عن أبي المعتمر، عن أبي جويرية قال: «سأل رجلٌ عليًّا عن إتيان امرأةٍ في دبرها، فقال: سفلت، سفّل اللّه بك! ألم تسمع إلى قول اللّه عزّ وجلّ: {أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحدٍ من العالمين} [الأعراف: 80]».
وقد تقدّم قول ابن مسعودٍ، وأبي الدّرداء، وأبي هريرة، وابن عبّاسٍ، وعبد اللّه بن عمرٍو في تحريم ذلك، وهو الثّابت بلا شكٍّ عن عبد اللّه بن عمر، رضي اللّه عنهما، أنّه يحرّمه.
قال أبو محمّدٍ عبد اللّه بن عبد الرّحمن بن الدّارميّ في مسنده: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، حدّثنا اللّيث، عن الحارث بن يعقوب، عن سعيد بن يسارٍ أبي الحباب قال: «قلت لابن عمر: ما تقول في الجواري، أنحمض لهنّ؟ قال: وما التّحميض؟ فذكر الدّبر. فقال: وهل يفعل ذلك أحدٌ من المسلمين؟»
وكذا رواه ابن وهبٍ وقتيبة، عن اللّيث، به. وهذا إسنادٌ صحيحٌ ونصٌّ صريحٌ منه بتحريم ذلك، فكلّ ما ورد عنه ممّا يحتمل ويحتمل فهو مردودٌ إلى هذا المحكم.
وقال ابن جريرٍ: حدّثني عبد الرّحمن بن عبد اللّه بن عبد الحكم، حدّثنا أبو زيدٍ عبد الرّحمن بن أحمد بن أبي الغمر حدّثني عبد الرّحمن بن القاسم، عن مالك بن أنسٍ أنّه قيل له: يا أبا عبد اللّه، إنّ النّاس يروون عن سالم بن عبد اللّه أنّه قال: كذب العبد، أو العلج، على أبي عبد اللّه فقال مالكٌ: أشهد على يزيد بن رومان أنّه أخبرني، عن سالم بن عبد اللّه، عن ابن عمر مثل ما قال نافعٌ. فقيل له: فإنّ الحارث بن يعقوب يروي عن أبي الحباب سعيد بن يسارٍ: أنّه سأل ابن عمر فقال له: «يا أبا عبد الرّحمن، إنّا نشتري الجواري أفنحمض لهنّ؟ فقال: وما التّحميض؟ فذكر له الدّبر. فقال ابن عمر: أفٍّ! أفٍّ! أيفعل ذلك مؤمنٌ -أو قال: مسلم - فقال مالك: أشهد على ربيعة لأخبرني عن أبي الحباب، عن ابن عمر، مثل ما قال نافعٌ».
وروى النّسائيّ، عن الرّبيع بن سليمان، عن أصبغ بن الفرج الفقيه، حدّثنا عبد الرّحمن بن القاسم قال: قلت لمالكٍ: إنّ عندنا بمصر اللّيث بن سعدٍ يحدّث عن الحارث بن يعقوب، عن سعيد بن يسارٍ، قال: قلت لابن عمر: «إنّا نشتري الجواري، فنحمّض لهنّ؟ قال: وما التّحميض؟ قلت: نأتيهنّ في أدبارهنّ. فقال: أفٍّ! أفٍّ! أو يعمل هذا مسلمٌ؟ فقال لي مالكٌ: فأشهد على ربيعة لحدّثني عن سعيد بن يسارٍ أنّه سأل ابن عمر، فقال: لا بأس به».
وروى النّسائيّ أيضًا من طريق يزيد بن رومان، عن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عمر أنّ ابن عمر كان لا يرى بأسًا أن يأتي الرّجل المرأة في دبرها.
وروى معن بن عيسى، عن مالكٍ: أنّ ذلك حرامٌ.
وقال أبو بكر بن زيادٍ النّيسابوريّ: حدّثني إسماعيل بن حصينٍ، حدّثني إسماعيل بن روحٍ: سألت مالك بن أنسٍ: «ما تقول في إتيان النّساء في أدبارهنّ: قال: ما أنتم قومٌ عربٌ. هل يكون الحرث إلّا موضع الزّرع، لا تعدو الفرج.قلت: يا أبا عبد اللّه، إنّهم يقولون: إنّك تقول ذلك؟! قال: يكذبون عليّ، يكذبون عليّ».
فهذا هو الثّابت عنه، وهو قول أبي حنيفة، والشّافعيّ، وأحمد بن حنبلٍ وأصحابهم قاطبةً. وهو قول سعيد بن المسيّب، وأبي سلمة، وعكرمة، وطاوسٍ، وعطاءٍ، وسعيد بن جبيرٍ، وعروة بن الزّبير، ومجاهد بن جبرٍ والحسن وغيرهم من السّلف: «أنّهم أنكروا ذلك أشدّ الإنكار، ومنهم من يطلق على فاعله الكفر»، وهو مذهب جمهور العلماء.
وقد حكي في هذا شيءٌ عن بعض فقهاء المدينة، حتّى حكوه عن الإمام مالكٍ، وفي صحّته عنه نظرٌ. وقد روى ابن جريرٍ في كتاب النّكاح له وجمعه عن يونس بن عبد الأحوص بن وهبٍ إباحته.
قال الطّحاويّ: روى أصبغ بن الفرج، عن عبد الرّحمن بن القاسم قال: «ما أدركت أحدًا أقتدي به في ديني يشكّ أنّه حلالٌ»- يعني وطء المرأة في دبرها-، ثمّ قرأ: {نساؤكم حرثٌ لكم} ثمّ قال: فأيّ شيءٍ أبين من هذا؟» هذه حكاية الطّحاويّ.
وقد روى الحاكم، والدّارقطنيّ، والخطيب البغداديّ، عن الإمام مالك من طرق ما يقتضي إباحة ذلك. ولكن في الأسانيد ضعفٌ شديدٌ، وقد استقصاها شيخنا الحافظ أبو عبد اللّه الذّهبيّ في جزءٍ جمعه في ذلك، فاللّه أعلم.
وقال الطّحاويّ: حكى لنا محمّد بن عبد اللّه بن عبد الحكم أنّه سمع الشّافعيّ يقول: «ما صحّ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في تحليله ولا تحريمه شيءٌ. والقياس أنّه حلالٌ». وقد روى ذلك أبو بكرٍ الخطيب، عن أبي سعيدٍ الصّيرفيّ، عن أبي العبّاس الأصمّ، سمعت محمّد بن عبد اللّه بن عبد الحكم، سمعت الشّافعيّ يقول: فذكر. قال أبو نصرٍ الصّبّاغ: «كان الرّبيع يحلف باللّه الّذي لا إله إلّا هو: لقد كذب -يعني ابن عبد الحكم -على الشّافعيّ في ذلك فإنّ الشّافعيّ نصّ على تحريمه في ستّة كتبٍ من كتبه، واللّه أعلم».
وقال القرطبيّ في تفسيره: «وممّن ينسب إليه هذا القول -وهو إباحة وطء المرأة في دبرها -سعيد ابن المسيّب ونافعٌ وابن عمر ومحمّد بن كعبٍ القرظيّ وعبد الملك بن الماجشون». وهذا القول في العتبيّة. وحكى ذلك عن مالكٍ في كتابٍ له أسماه كتاب السّرّ، وحذّاق أصحاب مالكٍ ومشايخهم ينكرون ذلك الكتاب، ومالكٌ أجلّ من أن يكون له كتاب السّرّ ووقع هذا القول في العتبيّة، وذكر ابن العربيّ أنّ ابن شعبان أسند هذا القول إلى زمرةٍ كبيرةٍ من الصّحابة والتّابعين وإلى مالكٍ من روايةٍ كثيرةٍ من كتاب جماع النّسوان وأحكام القرآن هذا لفظه قال: «وحكى الكيا الهرّاسيّ الطّبريّ عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ أنّه استدلّ على جواز ذلك بقوله: {أتأتون الذّكران من العالمين* وتذرون ما خلق لكم ربّكم من أزواجكم بل أنتم قومٌ عادون} [الشّعراء: 165، 166]».
يعني مثله من المباح ثمّ ردّه بأنّ المراد بذلك من خلق اللّه لهم من فروج النّساء لا أدبارهنّ قلت: وهذا هو الصّواب وما قاله القرظيّ إن كان صحيحًا إليه فخطأٌ. وقد صنّف النّاس في هذه المسألة مصنّفاتٍ منهم أبو العبّاس القرطبيّ وسمى كتابه إطهار إدبار من أجاز الوطء في الأدبار.
وقوله تعالى: {وقدّموا لأنفسكم} أي: من فعل الطّاعات، مع امتثال ما نهاكم عنه من ترك المحرّمات؛ ولهذا قال: {واتّقوا اللّه واعلموا أنّكم ملاقوه} أي: فيحاسبكم على أعمالكم جميعًا.
{وبشّر المؤمنين} أي: المطيعين للّه فيما أمرهم، التّاركين ما عنه زجرهم.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا القاسم، حدّثنا حسينٌ، حدّثني محمّد بن كثيرٍ، عن عبد اللّه بن واقدٍ، عن عطاءٍ -قال: أراه عن ابن عبّاسٍ -: {وقدّموا لأنفسكم} قال: «يقول: " باسم اللّه "، التّسمية عند الجماع».
وقد ثبت في صحيح البخاريّ، عن ابن عبّاسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لو أنّ أحدهم إذا أراد أن يأتي أهله قال: باسم اللّه، اللّهمّ جنّبنا الشّيطان وجنّب الشّيطان ما رزقتنا، فإنّه إن يقدّر بينهما ولدٌ في ذلك لم يضرّه الشّيطان أبدًا»). [تفسير ابن كثير: 1/ 588-599]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {ولا تجعلوا اللّه عرضةً لأيمانكم أن تبرّوا وتتّقوا وتصلحوا بين النّاس واللّه سميعٌ عليمٌ (224) لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم واللّه غفورٌ حليمٌ (225)}
يقول تعالى: لا تجعلوا أيمانكم باللّه تعالى مانعةً لكم من البرّ وصلة الرّحم إذا حلفتم على تركها، كقوله تعالى: {ولا يأتل أولو الفضل منكم والسّعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل اللّه وليعفوا وليصفحوا ألا تحبّون أن يغفر اللّه لكم واللّه غفورٌ رحيمٌ} [النّور: 22]، فالاستمرار على اليمين آثم لصاحبها من الخروج منها بالتّكفير. كما قال البخاريّ:
حدّثنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا عبد الرّزّاق، أخبرنا معمر، عن همّام بن منبّهٍ، قال: هذا ما حدّثنا أبو هريرة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «نحن الآخرون السّابقون يوم القيامة»، وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «واللّه لأن يلجّ أحدكم بيمينه في أهله آثم له عند اللّه من أن يعطي كفّارته الّتي افترض اللّه عليه». وهكذا رواه مسلمٌ، عن محمّد بن رافعٍ عن عبد الرّزّاق، به. ورواه أحمد، عنه، به.
ثمّ قال البخاريّ: حدّثنا إسحاق بن منصورٍ، حدّثنا يحيى بن صالحٍ، حدّثنا معاوية، هو ابن سلّامٍ، عن يحيى، وهو ابن أبي كثيرٍ، عن عكرمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «من استلجّ في أهله بيمينٍ، فهو أعظم إثمًا، ليس تغني الكفّارة».
وقال عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ في قوله تعالى: {ولا تجعلوا اللّه عرضةً لأيمانكم} قال: «لا تجعلنّ عرضةً ليمينك ألّا تصنع الخير، ولكن كفّر عن يمينك واصنع الخير».
وهكذا قال مسروقٌ، والشّعبيّ، وإبراهيم النّخعيّ، ومجاهدٌ، وطاوسٌ، وسعيد بن جبيرٍ، وعطاءٌ، وعكرمة، ومكحولٌ، والزّهريّ، والحسن، وقتادة، ومقاتل بن حيّان، والرّبيع بن أنسٍ، والضّحّاك، وعطاءٌ الخراسانيّ، والسّدّيّ. ويؤيّد ما قاله هؤلاء الجمهور ما ثبت في الصّحيحين، عن أبي موسى الأشعريّ رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّي واللّه -إن شاء اللّه -لا أحلف على يمينٍ فأرى غيرها خيرًا منها إلّا أتيت الّذي هو خيرٌ وتحلّلتها» وثبت فيهما أيضًا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال لعبد الرّحمن بن سمرة: «يا عبد الرّحمن بن سمرة، لا تسأل الإمارة، فإنّك إن أعطيتها من غير مسألةٍ أعنت عليها، وإنّ أعطيتها عن مسألةٍ وكلت إليها، وإذا حلفت على يمينٍ فرأيت خيرًا منها فأت الّذي هو خيرٌ وكفّر عن يمينك».
وروى مسلمٌ، عن أبي هريرة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «من حلف على يمينٍ فرأى غيرها خيرًا منها، فليكفّر عن يمينه، وليفعل الّذي هو خيرٌ».
وقال الإمام أحمد: حدّثنا أبو سعيدٍ مولى بني هاشمٍ، حدّثنا خليفة بن خيّاطٍ، حدّثني عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن جدّه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «من حلف على يمينٍ فرأى غيرها خيرًا منها فتركها كفّارتها».
ورواه أبو داود من طريق عبيد اللّه بن الأخنس، عن عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن جدّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا نذر ولا يمين فيما لا يملك ابن آدم، ولا في معصية اللّه، ولا في قطيعة رحمٍ، ومن حلف على يمينٍ فرأى غيرها خيرًا منها فليدعها، وليأت الّذي هو خيرٌ، فإنّ تركها كفّارتها».
ثمّ قال أبو داود: «والأحاديث عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كلّها:فليكفّر عن يمينه» وهي الصّحاح.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا عليّ بن سعيدٍ الكنديّ، حدّثنا عليّ بن مسهر، عن حارثة بن محمّدٍ، عن عمرة، عن عائشة قالت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «من حلف على قطيعة رحمٍ أو معصيةٍ، فبرّه أن يحنث فيها ويرجع عن يمينه».
وهذا حديثٌ ضعيفٌ؛ لأنّ حارثة هذا هو ابن أبي الرّجال محمّد بن عبد الرّحمن، متروك الحديث، ضعيفٌ عند الجميع.
ثمّ روى ابن جريرٍ عن ابن جبيرٍ وسعيد بن المسيّب، ومسروقٍ، والشّعبيّ: أنّهم قالوا: «لا يمين في معصيةٍ، ولا كفّارة عليها» ). [تفسير ابن كثير: 1/ 599-601]

تفسير قوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} أي: لا يعاقبكم ولا يلزمكم بما صدر منكم من الأيمان اللّاغية، وهي الّتي لا يقصدها الحالف، بل تجري على لسانه عادةً من غير تعقيدٍ ولا تأكيدٍ، كما ثبت في الصّحيحين من حديث الزّهريّ، عن حميد بن عبد الرّحمن، عن أبي هريرة: أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلم قال: «من حلف فقال في حلفه: واللّات والعزّى، فليقل: لا إله إلّا اللّه» فهذا قاله لقومٍ حديثي عهدٍ بجاهليّةٍ، قد أسلموا وألسنتهم قد ألفت ما كانت عليه من الحلف باللّات من غير قصدٍ، فأمروا أنّ يتلفّظوا بكلمة الإخلاص، كما تلفّظوا بتلك الكلمة من غير قصدٍ، لتكون هذه بهذه؛ ولهذا قال تعالى: {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم واللّه غفورٌ حليمٌ} كما قال في الآية الأخرى في المائدة: {ولكن يؤاخذكم بما عقّدتم الأيمان} [المائدة:89].
قال أبو داود: باب لغو اليمين: حدّثنا حميد بن مسعدة الشّاميّ حدّثنا حسّان -يعني ابن إبراهيم -حدّثنا إبراهيم -يعني الصّائغ -عن عطاءٍ: في اللّغو في اليمين، قال: قالت عائشة: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال: «هو كلام الرّجل في بيته:كلّا واللّه وبلى واللّه».
ثمّ قال أبو داود: رواه داود بن أبي الفرات، عن إبراهيم الصّائغ، عن عطاءٍ، عن عائشة موقوفًا. ورواه الزهري، وعبد الملك، ومالك بن معول، كلّهم عن عطاءٍ، عن عائشة، موقوفًا أيضًا. قلت: وكذا رواه ابن جريجٍ، وابن أبي ليلى، عن عطاءٍ، عن عائشة، موقوفًا.
ورواه ابن جريرٍ، عن هنّادٍ، عن وكيع، وعبدة، وأبي معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة في قوله: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} [المائدة:89] قالت: «لا واللّه، بلى واللّه».
ثمّ رواه عن محمّد بن حميدٍ، عن سلمة، عن ابن إسحاق، عن هشامٍ، عن أبيه، عنها. وبه، عن ابن إسحاق، عن الزّهريّ، عن القاسم، عنها. وبه، عن سلمة عن ابن أبي نجيح، عن عطاءٍ، عنها.
وقال عبد الرّزّاق: أخبرنا معمرٌ، عن الزّهريّ، عن عروة عن عائشة في قوله: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} قالت: «هم القوم يتدارؤون في الأمر، فيقول هذا: لا واللّه، وبلى واللّه، وكلّا واللّه يتدارؤون في الأمر: لا تعقد عليه قلوبهم».
وقد قال ابن أبي حاتمٍ: أخبرنا هارون بن إسحاق الهمدانيّ، حدّثنا عبدة -يعني ابن سليمان -عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة في قول اللّه: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} قالت: «هو قول الرّجل: لا واللّه، وبلى واللّه».
وحدّثنا أبي، حدّثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة قال: كانت عائشة تقول: «إنّما اللّغو في المزاحة والهزل، وهو قول الرّجل: لا واللّه، وبلى واللّه. فذاك لا كفّارة فيه، إنّما الكفّارة فيما عقد عليه قلبه أن يفعله، ثمّ لا يفعله».
ثمّ قال ابن أبي حاتمٍ: وروي عن ابن عمر، وابن عبّاسٍ في أحد أقواله، والشّعبيّ، وعكرمة في أحد قوليه، وعطاءٍ، والقاسم بن محمّدٍ، ومجاهدٍ في أحد قوليه، وعروة بن الزّبير، وأبي صالحٍ، والضّحّاك في أحد قوليه، وأبي قلابة، والزّهريّ، نحو ذلك.
الوجه الثّاني: قرئ على يونس بن عبد الأعلى، أخبرنا ابن وهب، أخبرني الثّقة، عن ابن شهابٍ، عن عروة، عن عائشة: أنّها كانت تتأوّل هذه الآية -يعني قوله: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} وتقول: «هو الشّيء يحلف عليه أحدكم، لا يريد منه إلّا الصّدق، فيكون على غير ما حلف عليه».
ثمّ قال: وروي عن أبي هريرة، وابن عبّاسٍ -في أحد قوليه - وسليمان بن يسارٍ، وسعيد بن جبيرٍ، ومجاهدٍ -في أحد قوليه -وإبراهيم النّخعيّ -في أحد قوليه -والحسن، وزرارة بن أوفى، وأبي مالكٍ، وعطاءٍ الخراسانيّ، وبكر بن عبد اللّه، وأحد قولي عكرمة، وحبيب بن أبي ثابتٍ، والسّدّيّ، ومكحولٍ، ومقاتلٍ، وطاوسٍ، وقتادة، والرّبيع بن أنسٍ، ويحيى بن سعيدٍ، وربيعة، نحو ذلك.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا محمّد بن موسى الحرشيّ حدّثنا عبد اللّه بن ميمونٍ المرالي، حدّثنا عوفٌ الأعرابيّ عن الحسن بن أبي الحسن، قال: «مرّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بقومٍ ينتضلون -يعني: يرمون -ومع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رجلٌ من أصحابه، فرمى رجلٌ من القوم فقال: أصبت واللّه وأخطأت واللّه. فقال الّذي مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: حنث الرّجل يا رسول اللّه. قال: «كلّا أيمان الرّماة لغوٌ لا كفّارة فيها ولا عقوبة» هذا مرسلٌ حسنٌ عن الحسن.
وقال ابن أبي حاتمٍ: وروي عن عائشة القولان جميعًا.
حدّثنا عصام بن روّادٍ، أخبرنا آدم، أخبرنا شيبان، عن جابرٍ، عن عطاء بن أبي رباحٍ، عن عائشة قالت: «هو قوله: لا واللّه، وبلى واللّه، وهو يرى أنّه صادقٌ، ولا يكون كذلك».
أقوالٌ أخر: قال عبد الرّزّاق، عن هشيمٍ، عن مغيرة، عن إبراهيم: «هو الرّجل يحلف على الشّيء ثمّ ينساه».
وقال زيد بن أسلم: «هو قول الرّجل: أعمى اللّه بصري إن لم أفعل كذا وكذا، أخرجني اللّه من مالي إن لم آتك غدًا، فهو هذا».
قال ابن أبي حاتمٍ: وحدّثنا عليّ بن الحسين، حدّثنا مسدّدٌ، حدّثنا خالدٌ، أخبرنا عطاءٌ، عن طاوسٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: «لغو اليمين أن تحلف وأنت غضبان».
وأخبرني أبي، أخبرنا أبو الجماهر، حدّثنا سعيد بن بشيرٍ، حدّثني أبو بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عباس قال: «لغو اليمين أن تحرّم ما أحلّ اللّه لك، فذلك ما ليس عليك فيه كفّارةٌ»، وكذا روي عن سعيد بن جبيرٍ.
وقال أبو داود "باب اليمين في الغضب": حدّثنا محمّد بن المنهال، أنبأنا يزيد بن زريعٍ، حدّثنا حبيبٌ المعلّم، عن عمرو بن شعيبٍ، عن سعيد بن المسيّب: «أنّ أخوين من الأنصار كان بينهما ميراثٌ، فسأل أحدهما صاحبه القسمة فقال: إن عدت تسألني عن القسمة، فكلّ مالي في رتاج الكعبة. فقال له عمر: إنّ الكعبة غنيّةٌ عن مالك، كفّر عن يمينك وكلّم أخاك، سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «لا يمين عليك، ولا نذر في معصية الرّبّ عزّ وجلّ، ولا في قطيعة الرّحم، ولا فيما لا تملك».
وقوله: {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم} قال ابن عبّاسٍ ومجاهدٌ وغير واحدٍ: هو أن يحلف على الشّيء وهو يعلم أنّه كاذبٌ. قال مجاهدٌ وغيره: «وهي كقوله: {ولكن يؤاخذكم بما عقّدتم الأيمان} الآية [المائدة:89]».
{واللّه غفورٌ حليمٌ} أي: غفورٌ لعباده، حليمٌ عليهم). [تفسير ابن كثير: 1/ 601-604]


الساعة الآن 08:33 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة