جمهرة العلوم

جمهرة العلوم (http://jamharah.net/index.php)
-   تفسير سورة البقرة (http://jamharah.net/forumdisplay.php?f=810)
-   -   تفسير سورة البقرة [من الآية (219) إلى الآية (221) ] (http://jamharah.net/showthread.php?t=19981)

إشراق المطيري 9 ربيع الثاني 1434هـ/19-02-2013م 11:42 PM

تفسير سورة البقرة [من الآية (219) إلى الآية (221) ]
 
تفسير سورة البقرة
[من الآية (219) إلى الآية (221) ]


{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219) فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220) وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221)}


إشراق المطيري 18 ربيع الثاني 1434هـ/28-02-2013م 07:22 PM

جمهرة تفاسير السلف
 

جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وسمعت خالد بن أبي عمران أنه سأل القاسم وسالما عن قول الله: {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو}، قالا: العفو فضل المال ما تصدق به عن ظهر غنىً). [الجامع في علوم القرآن: 1/101]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (أخبرني القاسم بن عبد اللّه عن ابن دينارٍ عن عبد اللّه بن [عمر] قال: كلّ ما ألهى عن الصّلاة فهو ميسرٌ). [الجامع في علوم القرآن: 2/114-115]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (حدثني إسماعيل أيضا عن سليمان بن سليم وحبيب بن صالح عن يحيى بن جابر عن يزيد بن شريح المنيني قال: ثلاثٌ من الميسر: القمار، والضرب بالكعاب، والصفر بالحمام.
أخبرني إسماعيل عن موسى بن عقبة عن نافعٍ عن ابن عمر قال: الميسر القمار). [الجامع في علوم القرآن: 2/128-129]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وسألت مالكاً عن الميسر ما هو، قال: كل ما قومر عليه فهو حرامٌ). [الجامع في علوم القرآن: 2/139]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وقال في سورة النساء: {يا أيها الّذين آمنوا لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون}؛
وقال في سورة البقرة {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثمٌ كبيرٌ ومنافع للنّاس وإثمهما أكبر من نفعهما}؛
فنسخت في المائدة فقال: {يا أيها الّذين آمنوا إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشّيطان فاجتنبوه لعلّكم تفلحون}). [الجامع في علوم القرآن: 3/70] (م)
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة عن رجل عن مجاهد في قوله يسألونك عن الخمر والميسر قالا لما نزلت هذه الآية شربها بعض الناس وتركها بعضهم حتى نزل تحريمها في سورة المائدة قال قتادة والميسر القمار). [تفسير عبد الرزاق: 1/88]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن ليث عن مجاهد وسعيد قالا الميسر القمار كله حتى الجوز الذي يلعب به الصبيان). [تفسير عبد الرزاق: 1/88]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر قال أخبرني يزيد بن أبي زياد عن أبي الأحوص قال سمعت ابن مسعود يقول إياكم وزجرا بالكعبين أو قال بالكعبتين فإنهما من الميسر). [تفسير عبد الرزاق: 1/88]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله تعالى قل العفو قال هو الفضل). [تفسير عبد الرزاق: 1/88]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله تعالى لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة قال يقول لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة فتعرفون فضل الآخرة على الدنيا). [تفسير عبد الرزاق: 1/88]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا خالد بن عبد اللّه، عن عبد الملك، عن عطاءٍ، - في قوله عزّ وجلّ: {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} - قال: ((الفضل)).
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو معاوية، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عبّاسٍ، قال: ((الفضل عن العيال)) ). [سنن سعيد بن منصور: 3/838]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثمٌ كبيرٌ ومنافع للنّاس وإثمهما أكبر من نفعهما}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: يسألك أصحابك يا محمّد عن الخمر وشربها.
والخمر: كلّ شرابٍ خامر العقل فستره وغطّى عليه، وهو من قول القائل: خمّرت الإناء إذا غطّيته، وخمّر الرّجل: إذا دخل في الخمر، ويقال هو في خمار النّاس، وغمارهم، يراد به: دخل في عرض النّاس، ويقال للضّبع خامري أمّ عامرٍ، أي استتري. وما خامر العقل من داءٍ وسكرٍ فخالطه وغمره فهو خمرٌ، ومن ذلك أيضًا خمار المرأة؛ وذلك لأنّها تستر به رأسها فتغطّيه، ومنه يقال: هو يمشي لك الخمر، أي مستخفيًا. كما قال العجّاج:
في لامع العقبان لا يأتي الخمر = يوجّه الأرض ويستاق الشّجر
ويعني بقوله: لا يأتي الخمر: لا يأتي مستخفيًا، ولا مسارقةً ولكن ظاهرًا براياتٍ، وجيوشٍ؛ والعقبان: جمع عقابٍ، وهي الرّايات.
وأمّا الميسر فإنّها المفعل من قول القائل: يسّر لي هذا الأمر: إذا وجب لي فهو ييسر لي يسرًا وميسرًا، والياسر: الواجب، بقداحٍ وجب ذلك أو مباحه أو غير ذلك، ثمّ قيل للمقامر: ياسرٌ ويسرٌ كما قال الشّاعر:
فبتّ كأنّني يسرٌ غبينٌ = يقلّب بعد ما اختلع القداحا
وكما قال النّابغة:
أو ياسرٌ ذهب القداح بوفره = أسفٌ تآكله الصّديق مخلّع
يعني بالياسر: المقامر، وقيل للقمار: ميسرٌ.
وكان مجاهدٌ يقول نحو ما قلنا في ذلك.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {يسألونك عن الخمر والميسر}، قال: القمار، وإنّما سمّي الميسر لقولهم أيسروا، واجزروا، كقولك ضع كذا وكذا.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال حدّثنا سفيان، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، قال: كلّ القمار من الميسر، حتّى لعب الصّبيان بالجوز.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن عبد الملك بن عميرٍ، عن أبي الأحوص، قال: قال عبد اللّه: إيّاكم وهذه الكعاب الموسومة الّتي تزجرون بها زجرًا فإنّهنّ من الميسر.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن عبد الملك بن عميرٍ، عن أبي الأحوص، مثله.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن نافعٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن يزيد بن أبي زيادٍ، عن أبي الأحوص، عن عبد اللّه، أنّه قال: إيّاكم وهذه الكعاب الّتي تزجرون بها زجرًا، فإنّها من الميسر.
- حدّثني عليّ بن سعيدٍ الكنديّ، قال: حدّثنا عليّ بن مسهرٍ، عن عاصمٍ، عن محمّد بن سيرين، قال: القمار: ميسرٌ.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا أبو عامرٍ، قال: حدّثنا سفيان، عن عاصمٍ الأحول، عن محمّد بن سيرين، قال: كلّ شيءٍ له خطرٌ، أو في خطرٍ أبو عامرٍ شكّ فهو من الميسر.
- حدّثنا الوليد بن شجاعٍ أبو همّامٍ، قال: حدّثنا عليّ بن مسهرٍ، عن عاصمٍ، عن محمّد بن سيرين، قال: كلّ قمارٍ ميسرٌ حتّى اللّعب بالنّرد على القيام والصّياح والرّيشة يجعلها الرّجل في رأسه.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن عاصمٍ، عن ابن سيرين، قال: كلّ لعبٍ فيه قمارٌ من شربٍ، أو صياحٍ، أو قيامٍ فهو من الميسر.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا خالد بن الحارث، قال: حدّثنا الأشعث، عن الحسن، أنّه قال: الميسر: القمار.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا المعتمر، عن ليثٍ، عن طاووسٍ، وعطاءٍ، قالا: كلّ قمارٍ فهو من الميسر، حتّى لعب الصّبيان بالكعاب، والجوز.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عمرٍو، عن عطاءٍ، عن سعيدٍ، قال: الميسر: القمار.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا عبد الملك بن عميرٍ، عن أبي الأحوص، عن عبد اللّه، قال: إيّاكم وهاتين الكعبتين يزجر بهما زجرًا فإنّهما من الميسر.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة، قال: أمّا قوله والميسر، فهو القمار كلّه.
- حدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني يحيى بن عبد اللّه بن سالمٍ، عن عبيد اللّه بن عمر، أنّه سمع عمر بن عبيد اللّه، يقول للقاسم بن محمّدٍ: النّرد: ميسرٌ، أرأيت الشّطرنج ميسرٌ هو؟ فقال القاسم: كلّ ما ألهى عن ذكر اللّه، وعن الصّلاة، فهو ميسرٌ.
- حدّثني عليّ بن داود، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قال: الميسر: القمار، كان الرّجل في الجاهليّة يخاطر على أهله وماله، فأيّهما قمر صاحبه ذهب بأهله وماله.
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: الميسر القمار.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، قال: الميسر: القمار.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن اللّيث، عن مجاهدٍ، وسعيد بن جبيرٍ، قالا: الميسر: القمار كلّه، حتّى الجوز الّذي يلعب به الصّبيان.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ الفضل بن خالدٍ، قال: سمعت عبيد بن سليمان، يحدّث عن الضّحّاك، قوله: الميسر: قال: القمار.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة قال: الميسر: القمار.
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا أبو بدرٍ شجاع بن الوليد، قال: حدّثنا موسى بن عقبة، عن نافعٍ، أنّ ابن عمر، كان يقول: القمار من الميسر.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قال: الميسر قداح العرب، وكعاب فارس.
قال وقال ابن جريجٍ، وزعم عطاء بن ميسرة أنّ الميسر: القمار كلّه.
- حدّثنا ابن البرقيّ، قال: حدّثنا عمرو بن أبي سلمة، عن سعيد بن عبد العزيز، قال: قال مكحولٌ: الميسر: القمار.
- حدّثنا الحسين بن محمّدٍ الذّارع قال: حدّثنا الفضل بن سليمان، وشجاع بن الوليد، عن موسى بن عقبة، عن نافعٍ، عن ابن عمر، قال: الميسر: القمار.
وأمّا قوله: {قل فيهما إثمٌ كبيرٌ ومنافع للنّاس} فإنّه يعني بذلك جلّ ثناؤه: قل يا محمّد لهم فيهما، يعني في الخمر والميسر إثمٌ كبيرٌ. فالإثم الكبير الّذي فيهما ما ذكر عن السّدّيّ.
- فيما حدّثني به موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: أما قوله: {فيهما إثمٌ كبيرٌ} فإثم الخمر أنّ الرّجل يشرب فيسكر فيؤذي النّاس. وإثم الميسر أن يقامر الرّجل فيمنع الحقّ، ويظلم.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {قل فيهما إثمٌ كبيرٌ} قال: هذا أوّل ما عيبت به الخمر.
- حدّثني عليّ بن داود، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {قل فيهما إثمٌ كبيرٌ} يعني ما ينقص من الدّين عند من يشربها.
والّذي هو أولى بتأويل الآية، بالإثم الكبير الّذي ذكر اللّه جلّ ثناؤه أنّه في الخمر، والميسر، مما قاله السّدّيّ: زوال عقل شارب الخمر إذا سكر من شربه إيّاها حتّى يعزب عنه معرفة ربّه، وذلك أعظم الآثام، وذلك معنى قول ابن عبّاسٍ إن شاء اللّه. وأمّا في الميسر فما فيه من الشّغل به عن ذكر اللّه، وعن الصّلاة، ووقوع العداوة والبغضاء بين المتياسرين بسببه، كما وصف ذلك به ربّنا جلّ ثناؤه بقوله: {إنّما يريد الشّيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدّكم عن ذكر اللّه وعن الصّلاة}.
وأمّا قوله: {ومنافع للنّاس} فإنّ منافع الخمر كانت أثمانها قبل تحريمها، وما يصلون إليه بشربها من اللّذّة، كما قال الأعشى في صفتها..
لنا من ضحاها خبث نفسٍ وكأبةٌ = وذكرى همومٍ ما تغب أذاتها.
وعند العشى طيب نفسٍ ولذّةٌ = ومالٌ كثيرٌ عدّةٌ نشواتها
وكما قال حسّان:
فنشربها فتتركنا ملوكًا = وأسدًا ما ينهنهنا اللّقاء
وأمّا منافع الميسر فما يصيبون فيه من أنصباء الجزور، وذلك أنّهم كانوا يياسرون على الجزور، وإذا أفلج الرّجل منهم صاحبه نحره، ثمّ اقتسموا أعشارًا على عدد القداح، وفي ذلك يقول أعشى بني ثعلبة..
وجزور أيسارٍ دعوت إلى النّدى = ونياط مقفرةٍ أخاف ضلالها
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: المنافع هاهنا ما يصيبون من الجزور.
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: أمّا منافعهما فإنّ منفعة الخمر في لذّته وثمنه، ومنفعة الميسر فيما يصاب من القمار.
- حدّثنا أبو هشامٍ الرّفاعيّ، قال: حدّثنا ابن أبي زائدة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {قل فيهما إثمٌ كبيرٌ ومنافع للنّاس} قال: منافعهما قبل أن يحرّما.
- حدّثنا عليّ بن داود، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ: {ومنافع للنّاس} قال: يقول فيما يصيبون من لذّتها، وفرحها إذا شربوها.
واختلف القرّاء في قراءة ذلك، فقرأه عظم أهل المدينة وبعض الكوفيّين، والبصريّين {قل فيهما إثمٌ كبيرٌ} بالباء، بمعنى: قل في شرب هذه والقمار هذا كبيرٌ من الآثام. أى: عظيم وقرأه آخرون من أهل المصرين: البصرة والكوفة: قل فيهما إثمٌ كبيرٌ بمعنى الكثرة من الآثام، وكأنّهم رأوا أنّ الإثم بمعنى الآثام، وإن كان في اللّفظ واحدًا فوصفوه بمعناه من الكثرة.
وأولى القراءتين في ذلك بالصّواب قراءة من قرأه بالباء {قل فيهما إثمٌ كبيرٌ} لإجماع جميعهم على قوله: {وإثمهما أكبر من نفعهما} وقراءته بالباء؛ وفي ذلك دلالةٌ بيّنةٌ على أنّ الّذي وصف به الإثم الأوّل من ذلك هو العظم والكبر، لا الكثرة في العدد. ولو كان الّذي وصف به من ذلك الكثرة، لقيل وإثمهما أكثر من نفعهما). [جامع البيان: 3/669-679]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإثمهما أكبر من نفعهما}.
يعني بذلك عزّ ذكره: والإثم بشرب هذه، والقمار هذا أعظم وأكبر مضرّةً عليهم من النّفع الّذي يتناولون بهما. وإنّما كان ذلك كذلك، لأنّهم كانوا إذا سكروا وثب بعضهم على بعضٍ وقاتل بعضهم بعضًا، وإذا ياسروا وقع بينهم فيه بسببه الشّرّ، فأدّاهم ذلك إلى ما يأثمون به.
ونزلت هذه الآية في الخمر قبل أن يصرّح بتحريمها، فأضاف الإثم جلّ ثناؤه إليهما، وإنّما الإثم بأسبابهما، إذ كان عن سببهما يحدث.
وقد قال عددٌ من أهل التّأويل: معنى ذلك وإثمهما بعد تحريمهما أكبر من نفعهما قبل تحريمهما ذكر من قال ذلك.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {وإثمهما أكبر من نفعهما} قال: منافعهما قبل التّحريم، وإثمهما بعدما حرّما.
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: {ومنافع للنّاس وإثمهما أكبر من نفعهما} ينزّل المنافع قبل التّحريم، والإثم بعدما حرّم.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: أخبرني عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {وإثمهما أكبر من نفعهما} يقول: إثمهما بعد التّحريم أكبر من نفعهما قبل التّحريم.
- حدّثني عليّ بن داود، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وإثمهما أكبر من نفعهما} يقوله: ما يذهب من الدّين، والإثم فيه أكبر ممّا يصيبون في فرحها إذا شربوها.
وإنّما اخترنا ما قلنا في ذلك من التّأويل لتواتر الأخبار وتظاهرها بأنّ هذه الآية نزلت قبل تحريم الخمر، والميسر، فكان معلومًا بذلك أنّ الإثم الّذي ذكر اللّه في هذه الآية فأضافه إليهما إنّما عنى به الإثم الّذي يحدث عن أسبابهما على ما وصفنا، لا الإثم بعد التّحريم.
ذكر الأخبار الدّالّة على ما قلنا من أنّ هذه الآية
نزلت قبل تحريم الخمر.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا قيسٌ، عن سالمٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: لمّا نزلت: {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثمٌ كبيرٌ ومنافع للنّاس} فكرهها قومٌ لقوله: {فيهما إثمٌ كبيرٌ} وشربها قومٌ لقوله: {ومنافع للنّاس} حتّى نزلت: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى حتّى تعلّموا ما تقولون} قال: فكانوا يدعونها في حين الصّلاة ويشربونها في غير حين الصّلاة، حتّى نزلت: {إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشّيطان فاجتنبوه} فقال عمر: ضيعةً لك اليوم قرنت بالميسر.
- حدّثني محمّد بن معمرٍ، قال: حدّثنا أبو عامرٍ قال: حدّثنا محمّد بن أبي حميدٍ، عن أبي توبة المصريّ، قال: سمعت عبد اللّه بن عمر، يقول: أنزل اللّه عزّ وجلّ في الخمر ثلاثًا، فكان أوّل ما أنزل: {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثمٌ كبيرٌ} الآية، فقالوا: يا رسول اللّه ننتفع بها ونشربها، كما قال اللّه جلّ وعزّ في كتابه. ثمّ نزلت هذه الآية: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى} الآية، قالوا: يا رسول اللّه لا نشربها عند قرب الصّلاة قال: ثمّ نزلت: {إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشّيطان فاجتنبوه} الآية، قال: فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: حرّمت الخمر.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، قال: حدّثنا الحسين، عن يزيد النّحويّ، عن عكرمة، والحسن، قالا: قال اللّه: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى حتّى تعلموا ما تقولون} و{يسألونك عن الخمر والميسر} قل فيهما إثمٌ كبيرٌ ومنافع للنّاس وإثمهما أكبر من نفعهما فنسختها الآية الّتي في المائدة، فقال: {يا أيّها الّذين آمنوا إنّما الخمر والميسر} الآية.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الوهّاب، قال: حدّثنا عوفٌ، عن أبي القموص زيد بن عليٍّ، قال: أنزل اللّه عزّ وجلّ في الخمر ثلاث مرّاتٍ؛ فأوّل ما أنزل قال اللّه: {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثمٌ كبيرٌ ومنافع للنّاس وإثمهما أكبر من نفعهما} قال: فشربها من المسلمين من شاء اللّه منهم على ذلك، حتّى شرب رجلان، فدخلا في الصّلاة، فجعلا يهجران كلامًا لا يدري عوفٌ ما هو، فأنزل اللّه عزّ وجلّ فيهما: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى حتّى تعلموا ما تقولون} فشربها من شربها منهم، وجعلوا يتّقونها عند الصّلاة، حتّى شربها فيما زعم أبو القموص رجلٌ، فجعل ينوح على قتلى بدرٍ:
تحيّي بالسّلامة أمّ عمرٍو = وهل لك بعد رهطك من سلام.
ذريني أصطبح بكرًا فإنّي = رأيت الموت نقّب عن هشام.
وودّ بنو المغيرة لو فدوه = بألفٍ من رجالٍ أو سوام.
كأيٍّ بالطّويّ طويّ بدرٍ = من الشّيزى يكلّل بالسّنام.
كأيٍّ بالطّويّ طويّ بدرٍ = من الفتيان والحلل الكرام
قال: فبلغ ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فجاء فزعًا يجرّ رداءه من الفزع حتّى انتهى إليه، فلمّا عاينه الرّجل، فرفع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم شيئًا كان بيده ليضربه، قال: أعوذ باللّه من غضب اللّه ورسوله، واللّه لا أطعمها أبدًا فأنزل اللّه تحريمها: {يا أيّها الّذين آمنوا إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ} إلى قوله: {فهل أنتم منتهون} فقال عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه: انتهينا انتهينا.
- حدّثنا سفيان بن وكيعٍ، قال: حدّثنا إسحاق الأزرق، عن زكريّا، عن سماكٍ، عن الشّعبيّ، قال: نزلت في الخمر أربع آياتٍ: {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثمٌ كبيرٌ ومنافع للنّاس} فتركوها، ثمّ نزلت: {تتّخذون منه سكرًا ورزقًا حسنًا} فشربوها. ثمّ نزلت الآيتان في المائدة {إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام} إلى قوله: {فهل أنتم منتهون}.
- حدّثني موسى بن هارون قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: نزلت هذه الآية: {يسألونك عن الخمر والميسر} الآية، فلم يزالوا بذلك يشربونها، حتّى صنع عبد الرّحمن بن عوفٍ طعامًا، فدعا ناسًا من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فيهم عليّ بن أبي طالبٍ، فقرأ: قل يا أيّها الكافرون ولم يفهمها، فأنزل اللّه عزّ وجلّ يشدّد في الخمر: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى حتّى تعلموا ما تقولون} فكانت لهم حلالاً، يشربون من صلاة الفجر حتّى يرتفع النّهار أو ينتصف، فيقومون إلى صلاة الظّهر وهم مصحون، ثمّ لا يشربونها حتّى يصلّوا العتمة وهي العشاء، ثمّ يشربونها حتّى ينتصف اللّيل وينامون، ثمّ يقومون إلى صلاة الفجر وقد صحّوا. فلم يزالوا بذلك يشربونها، حتّى صنع سعد بن أبي وقّاصٍ طعامًا فدعا ناسًا من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فيهم رجلٌ من الأنصار، فشوى لهم رأس بعيرٍ ثمّ دعاهم عليه، فلمّا أكلوا وشربوا من الخمر سكروا وأخذوا في الحديث، فتكلّم سعدٌ بشيءٍ، فغضب الأنصاريّ، فرفع لحي البعير فكسر أنف سعدٍ، فأنزل اللّه نسخ الخمر وتحريمها وقال: {إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام} إلى قوله: {فهل أنتم منتهون}.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، وعن رجلٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {يسألونك عن الخمر، والميسر،} قال: لمّا نزلت هذه الآية شربها بعض النّاس وتركها بعضٌ، حتّى نزل تحريمها في سورة المائدة.
- حدّثنا محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {قل فيهما إثمٌ كبيرٌ} قال: هذا أوّل ما عيبت به الخمر.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {يسألونك عن الخمر والميسر، قل فيهما إثمٌ كبيرٌ ومنافع للنّاس} فذمّهما اللّه ولم يحرّمهما لمّا أراد أن يبلغ بهما من المدّة والأجل، ثمّ أنزل اللّه في سورة النّساء أشدّ منها: {لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى حتّى تعلموا ما تقولون} فكانوا يشربونها، حتّى إذا حضرت الصّلاة سكتوا عنها، فكان السّكر عليهم حرامًا. ثمّ أنزل اللّه جلّ وعزّ في سورة المائدة بعد غزوة الأحزاب: {يا أيّها الّذين آمنوا إنّما الخمر والميسر} إلى قوله: {لعلّكم تفلحون} فجاء تحريمها في هذه الآية قليلها وكثيرها، ما أسكر منها وما لم يسكر، وليس للعرب يومئذٍ عيشٌ أعجب إليهم منها.
- وحدّثت عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قوله: {يسألونك عن الخمر والميسر، قل فيهما إثمٌ كبيرٌ ومنافع للنّاس وإثمهما أكبر من نفعهما} قال: لمّا نزلت هذه الآية قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ ربّكم يقدم في تحريم الخمر، قال: ثمّ نزلت: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى حتّى تعلموا ما تقولون} قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ ربّكم يقدم في تحريم الخمر، قال: ثمّ نزلت: {يا أيّها الّذين آمنوا إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشّيطان فاجتنبوه} فحرّمت الخمر عند ذلك.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {يسألونك عن الخمر والميسر،} الآية كلّها، قال: نسخت ثلاثةً في سورة المائدة، وبالحدّ الّذي حدّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وضرب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يضربهم بذلك حدًّا، ولكنّه كان يعمل في ذلك برأيه، ولم يكن حدًّا مسمًّى وهو حدٌّ. وقرأ: {إنّما الخمر والميسر} الآية). [جامع البيان: 3/679-686]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو}.
يعني جلّ ذكره بذلك: ويسألك يا محمّد أصحابك: أيّ شيءٍ ينفقون من أموالهم فيتصدّقون به، فقل لهم يا محمّد أنفقوا منها العفو.
واختلف أهل التّأويل في معنى: {العفو} في هذا الموضع، فقال بعضهم. معناه: الفضل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا عمرو بن عليٍّ الباهليّ، قال: حدّثنا وكيعٌ، ح وحدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسمٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: العفو: ما فضل عن أهلكٍ.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: قل العفو: أي الفضل.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة قال: هو الفضل.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ قال: أخبرنا عبد الملك، عن عطاءٍ في قوله العفو، قال: الفضل.
- حدّثنا موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قال: العفو، يقول: الفضل.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} قال: كان القوم يعملون في كلّ يومٍ بما فيه، فإنّ فضل ذلك اليوم فضلٌ عن العيال قدّموه ولا يتركون عيالهم جوعًا، ويتصدّقون به على النّاس.
- حدّثنا عمرو بن عليٍّ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا يونس، عن الحسن، في قوله: {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} قال: هو الفضل فضل المال.
وقال آخرون: معنى ذلك ما كان عفوًا لا يبين على من أنفقه أو تصدّق به.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليّ بن داود، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ: {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} يقول: ما لا يتبيّن في أموالكم.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن جريجٍ، عن طاووسٍ، في قول اللّه جلّ وعزّ: {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} قال: اليسير من كلّ شيءٍ
وقال آخرون: معنى ذلك: الوسط من النّفقة ما لم يكن إسرافًا، ولا إقتارًا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن بزيعٍ، قال: حدّثنا بشر بن المفضّل، عن عوفٍ، عن الحسن، في قوله: {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} يقول: لا تجهد مالك حتّى ينفد للنّاس.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: سألت عطاءً، عن قوله: {يسألونك ماذا ينفقون قل العفو} قال: العفو في النّفقة أن لا تجهد مالك حتّى ينفد، فتسأل النّاس.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: سألت عطاءً، عن قوله: {يسألونك ماذا ينفقون قل العفو} قال: العفو: ما لم يسرفوا، ولم يقتروا في الحقّ.
قال: وقال مجاهدٌ العفو صدقةٌ عن ظهر غنًى.
- حدّثنا عمرو بن عليٍّ، قال: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، قال: حدّثنا عوفٌ، عن الحسن في قوله: {يسألونك ماذا ينفقون قل العفو} قال: هو أن لا تجهد مالك.
وقال آخرون: معنى ذلك {قل العفو} خذ منهم ما أتوك به من شيءٍ قليلاً أو كثيرًا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} يقول: ما أتوك به من شيءٍ قليلٍ، أو كثيرٍ، فاقبله منهم.
وقال آخرون: معنى ذلك ما طاب من أموالكم.
ذكر من قال ذلك
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قوله: {يسألونك ماذا ينفقون قل العفو} قال: يقول الطّيب منه، يقول: أفضل مالك، وأطيبه.
- حدّثت عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن قتادة، قال: كان يقول: العفو: الفضل. يقول: أفضل مالك.
وقال آخرون: معنى ذلك الصّدقة المفروضة.
ذكر ذلك من قال ذلك
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن قيس بن سعدٍ أو عيسى عن قيسٍ، عن مجاهدٍ، شكّ أبو عاصمٍ قول اللّه جلّ وعزّ: {قل العفو} قال: الصّدقة المفروضة.
وأولى هذه الأقوال بالصّواب قول من قال: معنى العفو: الفضل من مال الرّجل عن نفسه، وأهله في مئونهم وما لا بدّ لهم منه. وذلك هو الفضل الّذي تظاهرت به الأخبار عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالإذن في الصّدقة، وصدقته في وجه البرّ.
ذكر بعض الأخبار الّتي رويت عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بذلك.
- حدّثنا عليّ بن مسلمٍ، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن ابن عجلان، عن المقبريّ، عن أبي هريرة، قال: قال رجلٌ يا رسول اللّه عندي دينارٌ قال: أنفقه على نفسك؟ قال: عندي آخر قال: أنفقه على أهلك قال: عندي آخر قال: أنفقه على ولدك قال: عندي آخر قال: فأنت أبصر.
- حدّثني محمّد بن معمرٍ البحرانيّ، قال: حدّثنا روح بن عبادة قال: حدّثنا ابن جريجٍ، قال أخبرني أبو الزّبير، أنّه سمع جابر بن عبد اللّه، يقول: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إذا كان أحدكم فقيرًا فليبدأ بنفسه، فإن كان له فضل فليبدأ مع نفسه بمن يعول، ثمّ إن وجد فضلاً بعد ذلك فليتصدّق على غيرهم.
- حدّثنا عمرو بن عليٍّ قال: حدّثنا يزيد بن هارون قال: حدّثنا محمّد بن إسحاق، عن عاصمٍ بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيدٍ، عن جابر بن عبد اللّه، قال: أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رجلٌ ببيضةٍ من ذهبٍ أصابها في بعض المعادن، فقال: يا رسول اللّه، خذ هذه منّي صدقةً، فواللّه ما أصبحت أملك غيرها فأعرض عنه، فأتاه من ركنه الأيمن، فقال له مثل ذلك، فأعرض عنه. ثمّ قال له مثل ذلك فأعرض عنه. ثمّ قال له مثل ذلك، فقال: هاتها مغضبًا، فأخذها فحذفه بها حذفةً لو أصابه شجّه، أو عقره، ثمّ قال: يجيء أحدكم بماله كلّه يتصدّق به ويجلس يتكفّف النّاس إنّما الصّدقة عن ظهر غنًى.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ قال: حدّثنا شعبة، عن إبراهيم الهجريّ قال: سمعت أبا الأحوص يحدّث عن عبد اللّه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: ارضخ من الفضل، وابدأ بمن تعول، ولا تلام على كفافٍ.
وما أشبه ذلك من الأخبار الّتي يطول باستقصاء ذكرها الكتاب.
فإذا كان الّذي أذن صلّى اللّه عليه وسلّم لأمّته الصّدقة من أموالهم الفضل عن حاجة المتصدّق فالفضل من ذلك، هو العفو من مال الرّجل؛ إذ كان العفو في كلام العرب في المال وفي كلّ شيءٍ هو الزّيادة والكثرة، ومن ذلك قوله جلّ ثناؤه: {حتّى عفوا} بمعنى: زادوا على ما كانوا عليه من العدد وكثروا، ومنه قول الشّاعر:
ولكنّا يعضّ السّيف منّا = بأسوق عافيات الشّحم كوم
يعني به كثيرات الشّحوم. ومن ذلك قيل للرّجل: خذ ما عفا لك من فلانٍ، يراد به: ما فضل فصفا لك عن جهده بما لم تجهده. كان بيّنًا أنّ الّذي أذن اللّه به في قوله {قل العفو} لعباده من النّفقة، فأذنهم بإنفاقه إذا أرادوا إنفاقه هو الّذي بيّن لأمّته رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بقوله: خير الصّدقة ما أنفقت عن غنًى وأذنهم به.
فإن قال لنا قائلٌ: وما تنكر أن يكون ذلك العفو هو الصّدقة المفروضة؟ قيل: أنكرنا ذلك لقيام الحجّة على أنّ من حلّت في ماله الزّكاة المفروضة، فهلك جميع ماله إلاّ قدر الّذي لزم ماله لأهل سهمان الصّدقة، أنّ عليه أن يسلّمه إليهم، إذا كان هلاك ماله بعد تفريطه في أداء الواجب كان لهم في ماله إليهم، وذلك لا شكّ أنّه جهده إذا سلّمه إليهم لا عفوه، وفي تسمية اللّه جلّ ثناؤه ما علم عباده وجه إنفاقهم من أموالهم عفوًا، ما يبطل أن يكون مستحقًّا اسم جهدٍ في حالةٍ، وإذا كان ذلك كذلك فبين فساد قول من زعم أنّ معنى العفو هو ما أخرجه ربّ المال إلى إمامه، فأعطاه كائنًا ما كان من قليل ماله، وكثيره، وقول من زعم أنّه الصّدقة المفروضة.
وكذلك أيضًا لا وجه لقول من يقول: إنّ معناه ما لم يتبيّن في أموالكم، لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا قال له أبو لبابة: إنّ من توبتي أن أنخلع إلى اللّه ورسوله من مالي صدقةً، قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: يكفيك من ذلك الثّلث وكذلك روي عن كعب بن مالكٍ أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال له نحوًا من ذلك. والثّلث لا شكّ أنّه بيّنٌ فقده من مال ذي المال، ولكنّه عندي كما قال جلّ ثناؤه: {والّذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قوامًا} وكما قال جلّ ثناؤه لمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: {ولا تجعل يدك مغلولةً إلى عنقك ولا تبسطها كلّ البسط فتقعد ملومًا محسورًا} وذلك هو ما حدّه صلّى اللّه عليه وسلّم فيما دون ذلك على قدر المال، واحتماله.
ثمّ اختلف أهل العلم في هذه الآية: هل هي منسوخةٌ، أم ثابتة الحكم على العباد؟ فقال بعضهم: هي منسوخةٌ نسختها الزّكاة المفروضة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليّ بن داود، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {يسألونك ماذا ينفقون قل العفو} قال: كان هذا قبل أن تفرض الصّدقة.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {يسألونك ماذا ينفقون قل العفو} قال: لم تفرض فيه فريضةٌ معلومةٌ، ثمّ قال: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} ثمّ نزلت الفرائض بعد ذلك مسمّاةً.
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: {يسألونك ماذا ينفقون قل العفو} هذه نسختها الزّكاة.
وقال آخرون: بل مثبتة الحكم غير منسوخةٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن قيس بن سعدٍ أو عيسى، عن قيسٍ، عن مجاهدٍ،؛ - شكّ أبو عاصمٍ - قال: قال: العفو: الصّدقة المفروضة.
والصّواب من القول في ذلك ما قاله ابن عبّاسٍ، على ما رواه عنه عطيّة من أنّ قوله: {قل العفو} ليس بإيجاب فرضٍ فرض من اللّه حقًّا في ماله. ولكنّه إعلامٌ منه ما يرضيه من النّفقة ممّا يسخطه جوابًا معه لمن سأل نبيّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم عمّا فيه له رضًا، فهو أدبٌ من اللّه لجميع خلقه على ما أدّبهم به في الصّدقة غير المفروضات ثابت الحكم غير ناسخٍ لحكمٍ كان قبله بخلافه، ولا منسوخٌ بحكمٍ حدث بعده، فلا ينبغي لذي ورعٍ ودينٍ أن يتجاوز في صدقاته التّطوّع وهباته وعطايا النّفل وصدقته ما أدّبهم به نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم بقوله: إذا كان عند أحدكم فضلٌ فليبدأ بنفسه، ثمّ بأهله، ثمّ بولده، ثمّ يسلك حينئذٍ في الفضل مسالكه الّتي ترضي اللّه ويحبّها. وذلك هو القوام بين الإسراف، والإقتار الّذي ذكره اللّه عزّ وجلّ في كتابه إن شاء اللّه تعالى.
ويقال لمن زعم أنّ ذلك منسوخٌ: ما الدّلالة على نسخه؟ وقد أجمع الجميع لا خلاف بينهم على أنّ للرّجل أن ينفق من ماله صدقةً، وهبةً، ووصيّة الثّلث. فما الّذي دلّ على أنّ ذلك منسوخٌ؟ فإن زعم أنّه يعني بقوله: إنّه منسوخٌ أنّ إخراج العفو من المال غير لازمٍ فرضًا، وأنّ فرض ذلك ساقطٌ بوجود الزّكاة في المال؛ قيل له: وما الدّليل على أنّ إخراج العفو كان فرضًا، فأسقطه فرض الزّكاة؟ ولا دلالة في الآية على أنّ ذلك كان فرضًا، إذ لم يكن أمرٌ من اللّه عزّ ذكره، بل فيها الدّلالة على أنّها جوّاب ما سأل عنه القوم على وجه التّعرّف لما فيه للّه الرّضا من الصّدقات، ولا سبيل لمدّعي ذلك إلى دلالةٍ توجب صحّة ما ادّعى.
وأمّا القرّاء فإنّهم اختلفوا في قراءة العفو، فقرأته عامّة قرّاء الحجاز، وقرّاء الحرمين وعظم قرّاء الكوفيّين: (قل العفو) نصبًا، وقرأه بعض قرّاء البصريّين: قل العفو رفعًا. فمن قرأه نصبًا جعل ماذا حرفًا واحدًا، ونصبه بقوله: {ينفقون} على ما قد بيّنت قبل، ثمّ نصب العفو على ذلك؛ فيكون معنى الكلام حينئذٍ: ويسألونك أيّ شيءٍ ينفقون؟
ومن قرأه رفعًا جعل ما من صلة ذا ورفعوا العفو؛ فيكون معنى الكلام حينئذٍ: ما الّذي ينفقون، قل الّذي ينفقون العفو.
ولو نصب العفو، ثمّ جعل ماذا حرفين بمعنى يسألونك ماذا ينفقون؟ قل ينفقون العفو، ورفع الّذين جعلوا ماذا حرفًا واحدًا بمعنى ما ينفقون؟ قل الّذي ينفقون؛ خبرًا كان صوابًا صحيحًا في العربيّة.
وبأيّ القراءتين قرئ ذلك فهو عندي صوابٌ لتقارب معنييهما مع استفاضة القراءة بكلّ واحدةٍ منهما. غير أنّ أعجب القراءتين إليّ وإن كان الأمر كذلك قراءة من قرأه بالنّصب، لأنّ من قرأ به من القرّاء أكثر وهو أعرف وأشهر). [جامع البيان: 3/686-696]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات لعلّكم تتفكّرون (219) في الدّنيا والآخرة}.
يعني بقول عزّ ذكره: {كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات} هكذا يبيّن أي كما بيّنت لكم أعلامي، وحججي، وهي آياته في هذه السّورة، وعرّفتكم فيها ما فيه خلاصكم من عقابي، وبيّنت لكم حدودي، وفرائضي، ونبّهتكم فيها على الأدلّة على وحدانيّتي، ثمّ على حجج رسولي إليكم، فأرشدتكم إلى ظهور الهدى، فكذلك أبيّن لكم في سائر كتابي الّذي أنزلته على نبيّي محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم آياتي وحججي، وأوضّحها لكم لتتفكّروا في وعدي، ووعيدي، وثوابي، وعقابي، فتجاوزا طاعتي الّتي تنالون بها ثوابي في الدّار الآخرة، والفوز بنعيم الأبد على القليل من اللّذّات، واليسير من الشّهوات، بركوب معصيتي في الدّنيا الفانية الّتي من ركبها، كان معاده إليّ، ومصيره إلى ما لا قبل له به من عقابي، وعذابي.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا عليّ بن داود، قال حدّثنا أبو صالحٍ قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، {كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات لعلّكم تتفكّرون (219) في الدّنيا والآخرة} قال: يعني في زوال الدّنيا وفنائها، وإقبال الآخرة، وبقائها.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {لعلّكم تتفكّرون في الدّنيا والآخرة} يقول: لعلّكم تتفكّرون في الدّنيا والآخرة، فتعرفون فضل الآخرة على الدّنيا.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قوله: {كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات لعلّكم تتفكّرون (219) في الدّنيا والآخرة} قال: أما الدّنيا فتعلمون أنّها دار بلاءٍ ثمّ فناءٍ، والآخرة دار جزاءٍ ثمّ بقاءٍ، فتتفكّرون، فتعملون للباقية منهما قال: وسمعت أبا عاصمٍ يذكر نحو هذا أيضًا.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات لعلّكم تتفكّرون (219) في الدّنيا والآخرة} وأنّه من تفكّر فيهما عرف فضل إحداهما على الأخرى، وعرف أنّ الدّنيا دار بلاءٍ ثمّ دار فناءٍ، وأنّ الآخرة دار جزاءٍ ثمّ دار بقاءٍ، فكونوا ممّن يصرم حاجة الدّنيا لحاجة الآخرة). [جامع البيان: 3/696-698]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: يسألونك عن الخمر
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ، ثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن شرحبيل، قال: قال عمر: اللّهمّ بيّن لنا في الخمر. فنزلت فيهما إثمٌ كبيرٌ ومنافع للنّاس قال: اللّهمّ بيّن لنا في الخمر. فنزلت لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى فقال: اللّهمّ بيّن لنا في الخمر. فنزلت إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام حتّى بلغ فهل أنتم منتهون فقال عمر انتهينا، إنّها تذهب المال وتذهب العقل.
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا حجاج، عن ابن جريج وعثمان ابن عطاءٍ، عن عطاءٍ الخراسانيّ، عن ابن عبّاسٍ في قوله: يسئلونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثمٌ كبيرٌ ومنافع للنّاس فنسختها هذه الآية: إنّما الخمر والميسر). [تفسير القرآن العظيم: 1/388-389]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: الخمر
- حدّثنا يونس بن حبيبٍ ثنا أبو داود، ثنا محمّد بن أبي حميدٍ، عن المصريّ، يعني: أبا طعمة قارئ مصر، قال: سمعت ابن عمر يقول: نزلت في الخمر ثلاث آياتٍ، فأوّل شيءٍ: يسئلونك عن الخمر والميسر الآية. فقيل: حرّمت الخمر. فقالوا: يا رسول اللّه دعنا ننتفع بها كما قال اللّه. قال: فسكت عنهم. ثمّ نزلت هذه الآية: لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى فقيل: حرّمت الخمر فقالوا يا رسول اللّه إنّا لا نشربها قرب الصّلاة. فسكت عنهم. ثمّ نزلت: يا أيّها الّذين آمنوا إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام الآية. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: حرّمت الخمر
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا ابن أبي غنيّة، أنبأ أبو حيّان التّيميّ عن الشّعبيّ، عن عبد اللّه بن عمر بن الخطّاب، قال: قام عمر عليّ. فحمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ قال: ألا وأنّ الخمر نزل تحريمها يوم نزل، من خمسٍ: من العنب والعسل والتّمر والحنطة والشّعير والخمر: ما خامر العقل، ثلاثًا.
- حدّثنا أبي، ثنا بشر بن محمّدٍ السّكّريّ، ثنا عبد الحكم القسمليّ عن أنس بن مالكٍ، قال: كنّا نشرب الخمر فأنزلت: يسئلونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثمٌ كبيرٌ فقلنا نشرب منها ما ينفعنا فأنزلت في المائدة: إنما الخمر والميسر الآية. قالوا اللّهمّ قد انتهينا، فأرقناها إذ نودي: ألا إنّ الخمر قد حرّمت قال ثابتٌ لأنسٍ: وما كان خمركم؟ قال: فضيخكم هذا.
- حدّثنا أبي ثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا هشام الدّستوائيّ، ثنا قتادة، عن سعيد بن المسيّب، قال: إنّما سمّيت الخمر لأنّها صفا صفوها وسفل كدرها). [تفسير القرآن العظيم: 1/389-390]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: والميسر
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا شجاع بن الوليد أبو بدرٍ، عن موسى بن عقبة، عن نافعٍ، عن ابن عمر، قال: الميسر: هو القمار.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ
قوله: والميسر القمار- قال إنّما سمّي الميسر لقولهم: أيسروا جزورًا، كقولك: ضع كذا وكذا.
قال أبو محمّدٍ: وروي عن عبد اللّه بن مسعودٍ وابن عبّاس وعطاءٍ وطاوسٍ وسعيد بن جبيرٍ والحسن وابن سيرين وقتادة ومقاتلٍ والسّدّيّ وعطاءٍ الخراسانيّ، نحو ذلك.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أحمد بن منصورٍ الرّماديّ، ثنا هشام بن عمّارٍ، ثنا صدقة ثنا عثمان بن أبي العاتكة عن عليّ بن يزيد عن القاسم، عن أبي أمامة، عن أبي موسى الأشعريّ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: اجتنبوا هذه الكعاب المرسومة الّتي يزجر بها زجرًا فإنّها من الميسر.
- حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن يزيد، ثنا سفيان، عن عبد الملك بن عميرٍ وإبراهيم الهجريّ، عن أبي الأحوص، عن عبد اللّه، قال: إيّاكم وهذه الكعاب المومسات، فإنّها ميسر العجم. قال أبو محمّدٍ: ويروى عن عليٍّ وابن عمر وعائشة، نحو ذلك.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي، ثنا عبيس بن مرحومٍ، ثنا حاتمٌ، ثنا جعفر بن محمّدٍ، عن أبيه عن عليّ بن أبي طالبٍ، أنّه كان يقول: الشّطرنج من الميسر.
الوجه الرّابع:
- حدّثنا أبي ثنا القعنبيّ، قال: قرأت على مالكٍ، عن داود بن حصينٍ أنّه سمع سعيد بن المسيّب يقول: كان من ميسر أهل الجاهليّة بيع اللّحم بالشّاة والشّاتين.
الوجه الخامس:
- حدّثنا أحمد بن عصامٍ، ثنا روحٌ، ثنا عبد اللّه بن عمر، عن عبيد الله ابن عمر، قال: سألت القاسم بن محمّدٍ، عن النّرد: أهي من الميسر؟ قال: كلّ ما لهى عن ذكر اللّه وعن الصّلاة فهو ميسرٌ.
الوجه السّادس:
- حدّثنا محمّد بن عزيزٍ الأيليّ، ثنا سلامة، عن عقيلٍ، عن ابن شهابٍ أنّ الأعرج قال: الميسر: الضّرب بالقداح على الأموال والثّمار.
الوجه السّابع:
- حدّثنا أبي ثنا العبّاس بن الوليد الخلال، ثنا ابن عيّاشٍ، حدثنا سليمان بن سليم، عن يحي بن جابرٍ، عن يزيد بن شريحٍ، أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: ثلاثٌ من الميسر: الصّغير بالحمّام، والقمار، والضّرب بالكعاب). [تفسير القرآن العظيم: 1/390-391]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: قل فيهما إثمٌ كبيرٌ
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قال قل فيهما إثمٌ كبيرٌ يعني: فيما ينقص من الدّين عند شربها.
- حدثنا أبو زرعة، ثنا نحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ، قال اللّه: فيهما إثمٌ كبيرٌ لأنّ في شرب الخمر والقمار، ترك الصّلاة، وترك ذكر اللّه). [تفسير القرآن العظيم: 1/391]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: ومنافع للناس
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ ومنافع يقول: فيما يصيبون من لذّتها وفرحها إذا شربوا
الوجه الثّاني:
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/392]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: ومنافع للنّاس المنافع: ثمنها وما يصيبون من الجزور.
- قال أبو محمّدٍ: خالفه ابن أبي زائدة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، فقال: ثمنها قبل أن تحرّم، حدّثني بذلك أبي، ثنا سهل بن عثمان، ثنا نحيى بن أبي زائدة. وتابع شبلٌ، شبابة فقال: من الجزور. وكذلك قاله ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا نحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني ابن لهيعة حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قول اللّه: ومنافع للنّاس يعني أكبر من نفعهما يعني: قبل التّحريم، فذمّها ولم يحرّمها، وكان المسلمون يشربونها على المنافع وهي يومئذٍ لهم حلالٌ.
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ، فيما كتب إليّ حدّثني أبي ثنا عمّي الحسين، عن أبيه، عن جدّه، عن ابن عبّاسٍ: ومنافع للنّاس ومنافعهما قبل التّحريم وإثمهما بعد ما حرّمت). [تفسير القرآن العظيم: 1/392]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: وإثمهما أكبر من نفعهما
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: وإثمهما أكبر من نفعهما يقول: ما يذهب من الدّين، والإثم فيه، أكبر مما يصيبون من فرحتها ولذتها.
- قرأت على محمّد بن الفضل بن موسى، ثنا محمّد بن عليّ بن الحسن أنبأ محمّد بن مزاحمٍ، ثنا بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان، قوله: وإثمهما أكبر من نفعهما يقول: إثمهما اليوم بعد التّحريم أكبر من منفعتهما قبل التحريم). [تفسير القرآن العظيم: 1/392-392]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: ويسألونك ماذا ينفقون
- حدّثنا أبي، ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا إبان، ثنا نحيى، أنّه بلغه أنّ معاذ بن جبلٍ، وثعلبة أتيا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقالا: يا رسول اللّه إن لنا أرقّاء وأهلين، فما ننفق من أموالنا؟ فأنزل اللّه عز وجل ويسئلونك ماذا ينفقون). [تفسير القرآن العظيم: 1/393]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: قل العفو
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا حفص بن عمر المكتب، وعقبة بن خالدٍ عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسمٍ عن ابن عبّاسٍ: ويسئلونك ماذا ينفقون قل العفو قال: ما يفضل عن أهلك. قال أبو محمّدٍ: وروي عن عبد اللّه بن عمر ومجاهدٍ وعطاءٍ والحسن وعكرمة ومحمّد بن كعبٍ وقتادة والقاسم وسالمٍ وسعيد بن جبيرٍ وعطاءٍ الخراسانيّ والرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ قوله ويسئلونك ماذا ينفقون قال: اليسر من كلّ شيءٍ، عن طاوسٍ.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن الدّشتكيّ، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قوله: ويسئلونك ماذا ينفقون، قل العفو: يقول:
الطّيّب منه، يقول: أفضل مالك وأطيبه.
والوجه الرّابع:
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ قال:
كان مجاهدٌ يقول: العفو الصّدقة المفروضة، عن قيسٍ المكّيّ.
الوجه الخامس:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: ويسئلونك ماذا ينفقون قل العفو يقول: ما لا يتبيّن في أموالكم وكان هذا قبل أن تفرض الصّدقة.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السدي ويسئلونك ماذا ينفقون قل العفو يقول: الفضل هذا نسخته الزّكاة. قال أبو محمّدٍ: وروي عن عطاءٍ الخراسانيّ، نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/393-394]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات لعلّكم تتفكّرون (219) في الدنيا والآخرة
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات لعلّكم تتفكّرون في الدّنيا والآخرة يعني: في زوال الدّنيا وفنائها وإقبال الآخرة وبقائها.
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن عليٍّ الطّنافسيّ، ثنا أبو أسامة، عن الصّعق التّميميّ، قال: شهدت الحسن، وقرأ هذه الآية في البقرة: لعلّكم تتفكّرون في الدّنيا والآخرة قال: هي واللّه لمن تفكّر فيها ليعلم أنّ الدّنيا دار بلاءٍ ثمّ دار فناءٍ وليعلم أنّ دار الآخرة، دار جزاءٍ، ثمّ دار بقاءٍ.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق، أنبأ معمرٌ، عن قتادة لعلّكم تتفكّرون في الدّنيا والآخرة فتعرفوا فضل الآخرة على الدّنيا). [تفسير القرآن العظيم: 1/394]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير هذا أول ما عيبت به الخمر ومنافع للناس ما يصيبون فيها ومن الميسر والميسر هو القمار وإنما سمي الميسر لقولهم أيسروا أي أجزروا كقوله ضع كذا وكذا). [تفسير مجاهد: 106]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن طاوس في قوله قل العفو يعني الميسر). [تفسير مجاهد: 106]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله العفو الصدقة المفروضة). [تفسير مجاهد: 106]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أحمد بن مهران.......، ثنا عبيد اللّه بن موسى، ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة، عن عمر، قال: لمّا نزلت تحريم الخمر، قال عمر رضي اللّه عنه: «اللّهمّ بيّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا». فنزلت: {يسألونك عن الخمر والميسر} [البقرة: 219] الّتي في سورة البقرة، فدعي عمر فقرئت عليه فقال: «اللّهمّ بيّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا» ، فنزلت الّتي في المائدة، فدعي عمر فقرئت عليه فلمّا بلغ: {فهل أنتم منتهون} [المائدة: 91] قال عمر: «قد انتهينا» هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين، ولم يخرّجاه "). [المستدرك: 2/305]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، ثنا الخضر بن أبان الهاشميّ، ثنا إسحاق بن يوسف الأزرق، ثنا سعيد بن إياسٍ الجريريّ، عن ثمامة بن حزنٍ القشيريّ، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، قال: قام رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فقال: «يا أهل المدينة، إنّ اللّه يعرّض عليّ في الخمر تعريضًا لا أدري لعلّه ينزّل عليّ فيه أمرًا» ثمّ قام فقال: «يا أهل المدينة، إنّ اللّه قد أنزل تحريم الخمر، فمن أدركته هذه الآية، وعنده منها شيءٌ، فلا يشربها ولا يبعها» قال: فسكبوها في طرق المدينة «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط مسلمٍ، ولم يخرّجاه» ). [المستدرك: 2/306]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {ويسألونك ماذا ينفقون} [البقرة: 219].
- عن ابن عبّاسٍ: {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} [البقرة: 219] قال: الفضل على العيال.
رواه الطّبرانيّ، وفيه محمّد بن أبي ليلى وهو سيّئ الحفظ، وبقيّة رجاله ثقاتٌ). [مجمع الزوائد: 6/319]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون.
أخرج ابن أبي شيبة وأحمد، وعبد بن حميد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وأبو يعلى، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه وأبو الشيخ، وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي والضياء المقدسي في المختارة عن عمر، أنه قال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فإنها تذهب المال والعقل فنزلت {يسألونك عن الخمر والميسر} التي في سورة البقرة فدعي عمر فقرئت عليه فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت الآية التي سورة النساء (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) (النساء الآية 43) فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقام الصلاة نادى أن لا يقربن الصلاة سكران فدعي عمر فقرئت عليه فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت الآية التي في المائدة فدعي عمر فقرئت عليه فلما بلغ (فهل لأنتم منتهون) (المائدة الآية 91) قال عمر: انتهينا انتهينا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أنس قال: كنا نشرب الخمر فأنزلت {يسألونك عن الخمر والميسر} الآية، فقلنا: نشرب منها ما ينفعنا، فأنزلت في المائدة (إنما الخمر والميسر) (المائدة الآية 90)، الآية، فقالوا: اللهم قد انتهينا.
وأخرج الخطيب في تاريخه عن عائشة قال لما نزلت سورة البقرة نزل فيها تحريم الخمر فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب قال: إنما سميت الخمر لأنها صفاء صفوها وسفل كدرها.
وأخرج أبو عبيد والبخاري في الأدب المفرد، وابن جرير، وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عمر قال: الميسر القمار.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: الميسر القمار وإنما سمي الميسر لقولهم أيسر جزورا كقولك ضع كذا وكذا.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه عن ابن عباس في قوله {يسألونك عن الخمر والميسر} قال: الميسر القمار كان الرجل في الجاهلية يخاطر عن أهله وماله فأيهما قهر صاحبه ذهب بأهله وماله، وفي قوله {قل فيهما إثم كبير} يعني ما ينقص من الدين عند شربها {ومنافع للناس} يقول: فيما يصيبون من لذتها وفرحها إذا شربوها {وإثمهما أكبر من نفعهما} يقول: ما يذهب من الدين والإثم فيه أكبر مما يصيبون من لذتها وفرحها إذا شربوها فأنزل الله بعد ذلك (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) (النساء الآية 43) الآية، فكانوا لا يشربونها عند الصلاة فإذا صلوا العشاء شربوها فما يأتي الظهر حتى يذهب عنهم السكر ثم إن ناسا من المسلمين شربوها فقاتل بعضهم بعضا وتكلموا بما لا يرضي الله من القول، فأنزل الله (إنما الخمر والميسر والأنصاب) (المائدة الآية 90) الآية، فحرم الخمر ونهى عنها.
وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله {يسألونك عن الخمر} الآية، قال: نسخها (إنما الخمر والميسر) (المائده الآيه 90) الآية.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد في قوله {قل فيهما إثم كبير} قال: هذا أول ما عيبت به الخمر {ومنافع للناس} قال: ثمنها وما يصيبون من السرور.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس} قال: منافعهما قبل التحريم وإثمهما بعدما حرما). [الدر المنثور: 2/544-547]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأمّا قوله تعالى: {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو}.
أخرج ابن إسحاق، وابن أبي حاتم عن ابن عباس أن نفرا من الصحابة حين أمروا بالنفقة في سبيل الله أتوا النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا لا ندري ما هذه النفقة التي أمرنا بها في أموالنا فما ننفق منها فأنزل الله {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} وكان قبل ذلك ينفق ماله حتى لا يجد ما يتصدق به ولا ما لا يأكل حتى يتصدق عليه.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق أبان عن يحيى أنه بلغه أن معاذ بن جبل وثعلبة أتيا رسول الله فقالا: يا رسول الله إن لنا أرقاء وأهلين فما ننفق من أموالنا فأنزل الله {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو}.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه عن ابن عباس في قوله {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} قال: هو ما لا يتبين في أموالكم وكان هذا قبل أن تفرض الصدقة.
وأخرج وكيع وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه والطبراني والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس في قوله {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} قال: ما يفضل عن أهلك وفي لفظ قال: الفضل من العيال.
وأخرج ابن المنذر عن عطاء بن دينار الهذلي، أن عبد الملك بن مروان كتب إلى سعيد بن جبير يسأله عن العفو، فقال: العفو على ثلاثة أنحاء، نحو تجاوز عن الذنب ونحو في القصد في النفقة {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} ونحو في الإحسان فيما بين الناس (إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) (البقرة الآية 237).
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن في قوله {قل العفو} قال: ذلك أن لا تجد مالك ثم تقعد تسأل الناس.
وأخرج عبد بن حميد عن عطاء في قوله {قل العفو} قال: الفضل.
وأخرج عبد بن حميد من طريق بن أبي نجيح، عن طاووس قال: العفو اليسر من كل شيء قال: وكان مجاهد يقول {العفو} الصدقة المفروضة.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {قل العفو} قال: لم تفرض فيه فريضة معلومة ثم قال (خذ العفو وأمر بالعرف) (الأعراف الآية 199) ثم نزلت الفرائض بعد ذلك مسماة.
وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله {قل العفو} قال: هذا نسخته الزكاة.
وأخرج البخاري والنسائي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الصدقة ما ترك غني واليد العليا خير من اليد السفلى وأبدأ بمن تعول تقول المرأة: إما أن تطعمني وأما أن تطلقني ويقول العبد أطعمني واستعملني ويقول الابن: اطعمني إلى من تدعني.
وأخرج ابن خزيمة عن أبي هريرة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال خير الصدقة ما أبقت غنى واليد العليا خير من اليد السفلى وأبدأ بمن تعول تقول المرأة: أنفق علي أو طلقني ويقول مملوكك: أنفق علي أو بعني، ويقول ولدك: إلى من تكلني.
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى وأبدا بمن تعول.
وأخرج أبو داود والنسائي، وابن جرير، وابن حبان والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصدقة فقال رجل: يا رسول الله عندي دينار، قال: تصدق به على نفسك، قال: عندي آخر قال: تصدق به على ولدك قال: عندي آخر، قال: تصدق به على زوجتك، قال: عندي آخر، قال: تصدق به على خادمك، قال: عندي آخر، قال: أنت أبصر.
وأخرج ابن سعد وأبو داود والحاكم وصححه، عن جابر بن عبد الله قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل وفي لفظ: قدم أبو حصين السلمي بمثل بيضة من الحمامة من ذهب فقال: يا رسول الله أصبت هذه من معدن فخذها فهي صدقة ما أملك غيرها فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أتاه من خلفه فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فحذفه بها فلو أصابته لأوجعته أو لعقرته، فقال: يأتي أحدكم بما يملك
فيقول هذه صدقة ثم يقعد يستكف الناس خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى وأبدا بمن تعول.
وأخرج البخاري ومسلم عن حكيم بن حزام عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال اليد العليا خير من اليد السفلى وأبدأ بمن تعول وخير الصدقة ما كان على ظهر غنى ومن يستعف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله.
وأخرج مسلم والنسائي، عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل: أبدأ بنفسك فتصدق عليها فإن فضل شيء فلأهلك فإن فضل شيء عن أهلك فلذي قرابتك فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا.
وأخرج أبو يعلى والحاكم وصححه عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الأيدي ثلاث، فيد الله العليا ويد المعطي التي تليها ويد السائل السفلى إلى يوم القيامة فاستعفف عن السؤال وعن المسألة ما استطعت فإن أعطيت خيرا فلير عليك وأبدأ بمن تعول وارضخ من الفضل ولا تلام على الكفاف.
وأخرج أبو داود، وابن حبان والحاكم عن مالك بن نضلة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الأيدي ثلاث، فيد الله العليا ويد المعطي التي تليها ويد السائل السفلى فأعط الفضل ولا تعجز عن نفسك.
وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي والحاكم وصححه عن أبي سعيد الخدري قال دخل رجل المسجد فأمر النّبيّ صلى الله عليه وسلم الناس أن يطرحوا أثوابا فطرحوا فأمر له منها بثوبين ثم حث على الصدقة فجاء فطرح أحد الثوبين فصاح به وقال: خذ ثوبك
وأخرج أبو داود والنسائي والحاكم وصححه عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت.
وأخرج البزار عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اليد العليا خير من اليد السفلى وأبدأ بمن تعول.
وأخرج أحمد ومسلم والترمذي عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا ابن آدم إنك إن تبدل الفضل خير لك وإن تمسكه شر لك ولا تلام على كفاف وأبدأ بمن تعول واليد العليا خير من اليد السفلى.
وأخرج ابن عدي والبيهقي في الشعب عن عبد الرحمن بن عوف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا ابن عوف إنك من الأغنياء ولن تدخل الجنة إلا زحفا فأقرض الله
يطلق لك قدميك، قال: وما الذي أقرض يا رسول الله قال: تبرأ مما أمسيت فيه، قال: أمن كله أجمع يا رسول الله قال: نعم، فخرج وهو يهم بذلك فأتاه جبريل فقال: مر ابن عوف فليضف الضيف وليطعم المساكين وليعط السائل وليبدأ بمن يعول فإنه إذا فعل ذلك كان تزكية مما هو فيه.
وأخرج البيهقي في الشعب عن ركب المصري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم طوبى لمن تواضع من غير منقصة وذل في نفسه من غير مسكنة وأنفق مالا جمعه في غير معصية ورحم أهل الذلة والمسكنة وخالط أهل العفة والحكمة طوبى لمن ذل في نفسه وطاب كسبه وصلحت سريرته وكرمت علانيته وعزل عن الناس شره وأنفق الفضل من ماله وأمسك الفضل من قوله.
وأخرج البزار عن أبي ذر قال: قلت يا رسول الله ما تقول في الصلاة قال: تمام العمل، قلت: يا رسول الله أسألك عن الصدقة قال: شيء عجيب قلت: يا رسول الله تركت أفضل عمل في نفسي أو خيره قال: ما هو قلت: الصوم، قال: خير وليس هناك، قلت: يا رسول الله وأي الصدقة قال: تمرة، قلت: فإن لم أفعل قال: بكلمة طيبة، قلت: فإن لم أفعل قال: تريد أن لا تدع فيك من الخير شيئا.
وأخرج أحمد ومسلم والترمذي والنسائي، وابن ماجة من طريق أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل دينار ينفقه الرجل على أصحابه في سبيل الله قال أبو قلابة: وبدأ بالعيال ثم قال أبو قلابة: وأي رجل أعظم أجرا من رجل ينفق على عيال صغار يعفهم أو ينفعهم الله به ويعينهم.
وأخرج مسلم والنسائي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم دينار أنفقته في سبيل الله ودينار أنفقته في رقبة ودينار تصدقت به على مسكين ودينار أنفقته على أهلك أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن كدير الضبي قال: أتى أعرابي على النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: نبئني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار، قال: تقول العدل وتعطي الفضل قال: هذا شديد لا أستطيع أن أقول العدل كل ساعة ولا أن أعطي فضل مالي، قال: فأطعم الطعام وأفش السلام قال: هذا شديد والله قال: هل لك من إبل قال: نعم، قال: انظر بعيرا من إبلك وسقاء فاسق أهل
بيت لا يشربون إلا غبا فلعلك أن لا يهلك بعيرك ولا ينخرق سقاؤك حتى تجب لك الجنة، قال: فانطلق يكبر ثم إنه استشهد بعد.
وأخرج ابن سعد عن طارق بن عبد الله قال: أتيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم وهو يخطب فسمعت من قوله: تصدقوا فإن الصدقة خير لكم واليد العليا خير من اليد السفلى وأبدأ بمن تعول أمك وأباك وأختك وأخاك ثم أدناك فأدناك.
وأخرج مسلم عن خيثمة قال: كنا جلوسا مع عبد الله بن عمرو إذ جاءه قهرمان له فدخل فقال: أعطيت الرقيق قوتهم قال: لا، قال: فأنطلق فأعطهم وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كفى بالمرء إثما أن يحبس عمن يملك قوته). [الدر المنثور: 2/547-556]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أما قوله تعالى: {كذلك يبين الله لكم الآيات} الآية.
أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس في قوله {كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون} في الدنيا والآخرة يعني في زوال الدنيا وفنائها وإقبال الآخرة وبقائها.
وأخرج عبد الرزاق عن قتادة في قوله {لعلكم تتفكرون} في الدنيا والآخرة، قال: لتعلموا فضل الآخرة على الدنيا.
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن الصعق بن حزن التميمي قال: شهدت الحسن وقرأ هذه الآية من البقرة {لعلكم تتفكرون} في الدنيا والآخرة، قال: هي والله لمن تفكرها ليعلمن أن الدنيا دار بلاء ثم دار فناء وليعلمن أن الآخرة دار جزاء ثم دار بقاء.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في الآية قال: من تفكر في الدنيا عرف فضل إحداهما على الأخرى عرف أن الدنيا دار بلاء ثم دار فناء وأن الآخرة دار بقاء ثم دار جزاء فكونوا ممن يصرم حاجة الدنيا لحاجة الآخرة). [الدر المنثور: 2/556-557]

تفسير قوله تعالى: (فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني يحيى بن أيوب، عن ابن جريج أن مجاهدا قال: لما أنزلت آية الشدة التي في سورة النساء في اليتيم عزلوا أموال اليتامى، فأنزلت هذه الآية الأخرى: {وإن تخالطوهم فإخوانكم}، قال مجاهد: الراعي والأدم). [الجامع في علوم القرآن: 1/148-149]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة قال لما نزلت ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن اعتزل الناس اليتامى فلم يخالطوهم في مأكل ولا مشرب ولا مال فشق ذلك على الناس فسألوا النبي فأنزل الله تعالى ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم). [تفسير عبد الرزاق: 1/89]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن سالمٍ الأفطس عن سعيد بن جبيرٍ قال: لمّا نزلت {إنّ الّذين يأكلون أموال اليتامى ظلما} عزلوا أموالهم من أموالهم فنزلت {يسألونك عن اليتامى قل إصلاحٌ لهم خير} إلى آخر الآية قال: فخلطوا أموالهم بأموالهم [الآية: 10]). [تفسير الثوري: 91] (م)
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله عزّ وجلّ: {ولا تؤتوا السّفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً} وقالوا: لمّا نزلت: {إنّ الّذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا إنّما يأكلون في بطونهم نارًا وسيصلون سعيراً} قال: فارقهم المسلمون وفرقوا من ذلك فرقًا شديدًا حتّى عزلوا طعامهم من طعامهم، وشرابهم من شرابهم، وآنيتهم من آنيتهم، قال: فأضرّ ذلك بالأيتام، فنزلت {ويسألونك عن اليتامى قل إصلاحٌ لهم خيرٌ وإن تخالطوهم فإخوانكم واللّه يعلم المفسد من المصلح} إنّ اللّه لا يخفى عليه الّذين يريدون الإصلاح لهم والإفساد عليهم، قال: فرجعوا فخالطوهم كما كانوا يخالطونهم). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 80] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات لعلّكم تتفكّرون (219) في الدّنيا والآخرة}.
يعني بقول عزّ ذكره: {كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات} هكذا يبيّن أي كما بيّنت لكم أعلامي، وحججي، وهي آياته في هذه السّورة، وعرّفتكم فيها ما فيه خلاصكم من عقابي، وبيّنت لكم حدودي، وفرائضي، ونبّهتكم فيها على الأدلّة على وحدانيّتي، ثمّ على حجج رسولي إليكم، فأرشدتكم إلى ظهور الهدى، فكذلك أبيّن لكم في سائر كتابي الّذي أنزلته على نبيّي محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم آياتي وحججي، وأوضّحها لكم لتتفكّروا في وعدي، ووعيدي، وثوابي، وعقابي، فتجاوزا طاعتي الّتي تنالون بها ثوابي في الدّار الآخرة، والفوز بنعيم الأبد على القليل من اللّذّات، واليسير من الشّهوات، بركوب معصيتي في الدّنيا الفانية الّتي من ركبها، كان معاده إليّ، ومصيره إلى ما لا قبل له به من عقابي، وعذابي.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا عليّ بن داود، قال حدّثنا أبو صالحٍ قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، {كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات لعلّكم تتفكّرون (219) في الدّنيا والآخرة} قال: يعني في زوال الدّنيا وفنائها، وإقبال الآخرة، وبقائها.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {لعلّكم تتفكّرون في الدّنيا والآخرة} يقول: لعلّكم تتفكّرون في الدّنيا والآخرة، فتعرفون فضل الآخرة على الدّنيا.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قوله: {كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات لعلّكم تتفكّرون (219) في الدّنيا والآخرة} قال: أما الدّنيا فتعلمون أنّها دار بلاءٍ ثمّ فناءٍ، والآخرة دار جزاءٍ ثمّ بقاءٍ، فتتفكّرون، فتعملون للباقية منهما قال: وسمعت أبا عاصمٍ يذكر نحو هذا أيضًا.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات لعلّكم تتفكّرون (219) في الدّنيا والآخرة} وأنّه من تفكّر فيهما عرف فضل إحداهما على الأخرى، وعرف أنّ الدّنيا دار بلاءٍ ثمّ دار فناءٍ، وأنّ الآخرة دار جزاءٍ ثمّ دار بقاءٍ، فكونوا ممّن يصرم حاجة الدّنيا لحاجة الآخرة). [جامع البيان: 3/696-698] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ويسألونك عن اليتامى قل إصلاحٌ لهم خيرٌ وإن تخالطوهم فإخوانكم}.
اختلف أهل التّأويل فيما نزلت هذه الآية: فقال بعضهم نزلت
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا يحيى بن آدم، عن إسرائيل، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: لمّا نزلت {ولا تقربوا مال اليتيم إلاّ بالّتي هي أحسن} عزلوا أموال اليتامى، فذكروا ذلك لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فنزلت: {وإن تخالطوهم فإخوانكم}، {ولو شاء اللّه لأعنتكم} فخالطوهم.
- حدّثنا سفيان بن وكيعٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: لمّا نزلت {ولا تقربوا مال اليتيم إلاّ بالّتي هي أحسن} و{إنّ الّذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا إنّما يأكلون في بطونهم نارًا وسيصلون سعيرًا} انطلق من كان عنده يتيمٌ فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه، فجعل يفضل الشّيء من طعامه، فيحبس له حتّى يأكله أو يفسد. فاشتدّ ذلك عليهم، فذكروا ذلك لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {ويسألونك عن اليتامى قل إصلاحٌ لهم خيرٌ وإن تخالطوهم فإخوانكم} فخلطوا طعامهم بطعامهم، وشرابهم بشرابهم.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عمرٍو، عن عطاءٍ، عن سعيدٍ، قال: لمّا نزلت: {ولا تقربوا مال اليتيم إلاّ بالّتي هي أحسن} قال: كانّ يصنع لليتيم طعام فيفضل منه الشّيء، فيتركونه حتّى يفسد، فأنزل اللّه: {وإن تخالطوهم فإخوانكم}.
- حدّثنا يحيى بن داود الواسطيّ، قال: حدّثنا أبو أسامة، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، قال: سئل عبد الرّحمن بن أبي ليلى، عن مال اليتيم، فقال: لمّا نزلت: {ولا تقربوا مال اليتيم إلاّ بالّتي هي أحسن} اجتنبت مخالطتهم، واتّقوا كلّ شيءٍ حتّى اتّقوا الماء، فلمّا نزلت {وإن تخالطوهم فإخوانكم} قال: فخالطوهم.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ويسألونك عن اليتامى} الآية كلّها، قال: كان اللّه أنزل قبل ذلك في سورة بني إسرائيل: {ولا تقربوا مال اليتيم إلاّ بالّتي هي أحسن} فكبرت عليهم، فكانوا لا يخالطونهم في مأكلٍ ولا في غيره. فاشتدّ ذلك عليهم، فأنزل اللّه الرّخصة، فقال: {وإن تخالطوهم فإخوانكم}.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، قال: لمّا نزلت: {ولا تقربوا مال اليتيم إلاّ بالّتي هي أحسن} اعتزل النّاس اليتامى فلم يخالطوهم في مأكلٍ، ولا مشربٍ، ولا مالٍ، قال: فشقّ ذلك على النّاس، فسألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {ويسألونك عن اليتامى قل إصلاحٌ لهم خيرٌ وإن تخالطوهم فإخوانكم}.
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، في قوله: {ويسألونك عن اليتامى، قل إصلاحٌ لهم خيرٌ وإن تخالطوهم..} الآية، قال: فذكر لنا واللّه أعلم أنّه أنزل في بني إسرائيل: {ولا تقربوا مال اليتيم إلاّ بالّتي هي أحسن حتّى يبلغ أشدّه} فكبرت عليهم، فكانوا لا يخالطونهم في طعامٍ ولا شرابٍ ولا غير ذلك. فاشتدّ ذلك عليهم، فأنزل اللّه الرّخصة فقال: {ويسألونك عن اليتامى قل إصلاحٌ لهم خيرٌ وإن تخالطوهم فإخوانكم} يقول: مخالطتهم في ركوب الدّابّة، وشرب اللّبن، وخدمة الخادم. يقول للوليٍّ الّذي يلي أمرهم: فلا بأس عليه أن يركب الدّابّة، أو يشرب اللّبن، أو يخدمه الخادم.
وقال آخرون في ذلك بما؛
- حدّثني عمرو بن عليٍّ قال: حدّثنا عمران بن عيينة، قال: حدّثنا عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {إنّ الّذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا إنّما يأكلون في بطونهم} الآية، قال: كان يكون في حجر الرّجل اليتيم، فيعزل طعامه، وشرابه، وآنيته، فشقّ ذلك على المسلمين، فأنزل اللّه: {وإن تخالطوهم فإخوانكم واللّه يعلم المفسد من المصلح} فأحلّ خلطهم.
- حدّثني أبو السّائب، قال: حدّثنا حفص بن غياث، قال: حدّثنا أشعث، عن الشّعبيّ، قال: لمّا نزلت هذه الآية: {إنّ الّذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا إنّما يأكلون في بطونهم نارًا وسيصلون سعيرًا} قال: فاجتنب النّاس الأيتام، فجعل الرّجل يعزل طعامه من طعامه وماله من ماله، وشرابه من شرابه، قال: فاشتدّ ذلك على النّاس، فنزلت: {وإن تخالطوهم فإخوانكم واللّه يعلم المفسد من المصلح} قال الشّعبيّ: فمن خالط يتيمًا فليتوسّع عليه، ومن خالطه ليأكل من ماله فلا يفعل.
- حدّثني عليّ بن داود، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ويسألونك عن اليتامى قل إصلاحٌ لهم خيرٌ} وذلك أنّ اللّه لمّا أنزل: {إنّ الّذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا إنّما يأكلون في بطونهم نارًا وسيصلون سعيرًا} كره المسلمون أن يضمّوا اليتامى، وتحرّجوا أن يخالطوهم في شيءٍ، فسألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأنزل اللّه: {قل إصلاحٌ لهم خيرٌ وإن تخالطوهم فإخوانكم}.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال، سألت عطاء بن أبي رباحٍ، عن قوله: {ويسألونك عن اليتامى، قل إصلاحٌ لهم خيرٌ وإن تخالطوهم فإخوانكم} قال: لمّا نزلت سورة النّساء عزل النّاس طعامهم، فلم يخالطوهم قال: ثمّ جاءوا إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقالوا: إنّا يشقّ علينا أن نعزل طعام اليتامى وهم يأكلون معنا فنزلت {وإن تخالطوهم فإخوانكم}.
- قال ابن جريجٍ، وقال مجاهدٌ: عزلوا طعامهم عن طعامهم، وألبانهم عن ألبانهم، وأدمهم عن أدمهم، فشقّ ذلك عليهم، فنزلت: {وإن تخالطوهم فإخوانكم} قال: مخالطة اليتيم في المراعي، والأدم.
- قال ابن جريجٍ: وقال ابن عبّاسٍ: الألبان، وخدمة الخادم، وركوب الدّابّة قال ابن جريجٍ: وفي المساكن، قال: والمساكن يومئذٍ عزيزةٌ.
- حدّثنا محمّد بن سنانٍ، قال: حدّثنا الحسين بن الحسن الأشقر، قال: أخبرنا أبو كدينة، عن عطاءٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: لمّا نزلت: {ولا تقربوا مال اليتيم إلاّ بالّتي هي أحسن} و{إنّ الّذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا} قال: اجتنب النّاس مال اليتيم، وطعامه، حتّى كان يفسد إن كان لحمًا أو غيره، فشقّ ذلك على النّاس، فشكوا ذلك إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأنزل اللّه: {ويسألونك عن اليتامى قل إصلاحٌ لهم خيرٌ}.
- حدّثنا محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن قيس بن سعدٍ أو عيسى، عن قيس بن سعدٍ، - شكّ أبو عاصمٍ - عن مجاهدٍ: {وإن تخالطوهم فإخوانكم} قال: مخالطة اليتيم في الرّعي، والأدم.
وقال آخرون: بل كان اتّقاء مال اليتيم واجتنابه من أخلاق العرب، فاستفتوا في ذلك لمشقّته عليهم، فأفتوا بما بيّنّه اللّه في كتابه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ويسألونك عن اليتامى، قل إصلاحٌ لهم خيرٌ وإن تخالطوهم فإخوانكم واللّه يعلم المفسد من المصلح} قال: كانت العرب يشدّدون في اليتيم حتّى لا يأكلوا معه في قصعةٍ واحدةٍ، ولا يركبوا له بعيرًا، ولا يستخدموا له خادمًا، فجاءوا إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فسألوه عنه، فقال: {قل إصلاحٌ لهم خيرٌ} يصلح له ماله وأمره له خيرٌ، وإن يخالطه فيأكل معه، ويطعمه، ويركب راحلته، ويحمله، ويستخدم خادمه ويخدمه، فهو أجود. {واللّه يعلم المفسد من المصلح}.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ويسألونك عن اليتامى قل إصلاحٌ لهم خيرٌ} إلى: {إنّ اللّه عزيزٌ حكيمٌ} وإنّ النّاس كانوا إذا كان في حجر أحدهم اليتيم جعل طعامه على ناحيةٍ، ولبنه على ناحيةٍ، مخافة الوزر. وإنّه أصاب المؤمنين الجهد، فلم يكن عندهم ما يجعلون خدمًا لليتامى، فقال اللّه: {قل إصلاحٌ لهم خيرٌ وإن تخالطوهم} إلى آخر الآية.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك يقول في قوله: {ويسألونك عن اليتامى} كانوا في الجاهليّة يعظّمون شأن اليتيم، فلا يمسّون من أموالهم شيئًا، ولا يركبون لهم دابّةً، ولا يطعمون لهم طعامًا. فأصابهم في الإسلام جهدٌ شديدٌ، حتّى احتاجوا إلى أموال اليتامى، فسألوا نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن شأن اليتامى، وعن مخالطتهم، فأنزل اللّه: {وإن تخالطوهم فإخوانكم} يعني بالمخالطة: ركوب الدّابّة، وخدمة الخادم، وشرب اللّبن.
فتأويل الآية إذًا: ويسألك يا محمّد أصحابك عن مال اليتامى، وخلطهم أموالهم به في النّفقة، والمطاعمة، والمشاربة، والمساكنة، والخدمة، فقل لهم: تفضّلكم عليهم بإصلاحكم أموالهم من غير مرزئة شيءٍ من أموالهم، وغير أخذ عوضٍ من أموالهم على إصلاحكم ذلك لهم خيرٌ لكم عند اللّه، وأعظم لكم أجرًا، لما لكم في ذلك من الأجر، والثّواب، وخيرٌ لهم في أموالهم في عاجل دنياهم، لما في ذلك من توفّر أموالهم عليهم. وإن تخالطوهم فتشاركوهم بأموالكم أموالهم في نفقاتكم، ومطاعمكم، ومشاربكم، ومساكنكم، فتضمنوا من أموالهم عوضًا من قيامكم بأمورهم، وأسبابهم، وإصلاح أموالهم، فهم إخوانكم، والإخوان يعين بعضهم بعضًا، ويكنف بعضهم بعضًا؛ فذو المال يعين ذا الفاقة، وذو القوّة في الجسم يعين ذا الضّعف.
يقول تعالى ذكره: فأنتم أيّها المؤمنون وأيتامكم كذلك إن خالطتموهم بأموالكم، فخلطتم طعامكم بطعامهم، وشرابكم بشرابهم وسائر أموالكم بأموالهم، فأصبتم من أموالهم فضل مرفقٍ بما كان منكم من قيامكم بأموالهم وولائهم، ومعاناة أسبابهم على النّظر منكم لهم نظر الأخ الشّفيق لأخيه العامل فيما بينه وبينه بما أوجب اللّه عليه وألزمه، فذلك لكم حلالٌ، لأنّكم إخوان بعضكم لبعضٍ.
- كما حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: {وإن تخالطوهم فإخوانكم} قال: قد يخالط الرّجل أخاه.
- حدّثني أحمد بن حازمٍ، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا سفيان، عن أبي مسكينٍ، عن إبراهيم، قال: إنّي لأكره أن يكون، مال اليتيم كالعرة.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن هشامٍ الدّستوائيّ، عن حمّادٍ، عن إبراهيم، عن عائشة، قالت: إنّى لأكره أن يكون مال اليتم عندي على حدةٍ، حتّى أخلط طعامه بطعامي، وشرابه بشرابي.
فإن قال لنا قائلٌ: وكيف قال {فإخوانكم} فرفع الإخوان، وقال في موضعٍ آخر: {فإن خفتم فرجالاً أو ركبانًا}. قيل: لافتراق معنييهما، وذلك أنّ أيتام المؤمنين إخوان المؤمنين، خالطهم المؤمنون بأموالهم أو لم يخالطوهم. فمعنى الكلام: وإن تخالطوهم فهم إخوانكم. والإخوان مرفوعون بالمعنى المتروك ذكره وهو هم لدلالة الكلام عليه، وإنّه لم يرد بالإخوان الخبر عنهم أنّهم كانوا إخوانًا من أجل مخالطة ولاتهم إيّاهم. ولو كان ذلك المراد لكانت القراءة نصبًا، وكان معناه حينئذٍ وإن تخالطوهم فخالطوا إخوانكم، ولكنّه قرئ رفعًا لما وصفت من أنّهم إخوانٌ للمؤمنين الّذين يلونهم خالطوهم أو لم يخالطوهم.
وأمّا قوله: {فرجالاً أو ركبانًا} فنصبٌ لأنّهما حالان للفعل غير ذاتيين، ولا يصلح معهما هو، وذلك أنّك لو أظهرت هو معهما لاستحال الكلام. ألا ترى أنّه لو قال قائلٌ: إن خفت من عدوّك أن تصلّي قائمًا، فهو راجلٌ أو راكبٌ لبطل المعنى المراد بالكلام؟ وذلك أن تأويل الكلام: فإن خفتم أن تصلّوا قيامًا من عدوّكم، فصلّوا رجالاً أو ركبانًا؛ ولذلك نصبه إجراءً على ما قبله من الكلام كما تقول في نحوه من الكلام: إن لبست ثيابًا فالبياض، فتنصبه لأنّك تريد إن لبست ثيابًا فالبس البياض، ولست تريد الخبر عن أنّ جميع ما يلبس من الثّياب فهو البياض، ولو أردت الخبر عن ذلك لقلت: إن لبست ثيابًا فالبياض رفعًا، إذ كان مخرج الكلام على وجه الخبر منك عن اللاّبس أنّ كلّ ما يلبس من الثّياب فبياضٌ، لأنّك تريد حينئذٍ: إن لبست ثيابًا فهي بياضٌ.
فإن قال: فهل يجوز النّصب في قوله: {فإخوانكم}؟ قيل: جائزٌ في العربيّة، فأمّا في القراءة فإنّما منعناه لإجماع القرّاء على رفعه. وأمّا في العربيّة فإنّما أجزناه لأنّه يحسن معه تكرير ما يحمل في الّذي قبله من الفعل فيهما: وإن تخالطوهم فإخوانكم تخالطون؛ فيكون ذلك جائزًا في كلام العرب). [جامع البيان: 3/698-707]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واللّه يعلم المفسد من المصلح}.
يعني تعالى ذكره بذلك: إنّ ربّكم وإن أذن لكم في مخالطتكم اليتامى على ما أذن لكم به، فاتّقوا اللّه في أنفسكم أن تخالطوهم وأنتم تريدون أكل أموالهم بالباطل، وتجعلون مخالطتكم إيّاهم ذريعةً لكم إلى إفساد أموالهم، وأكلها بغير حقّها، فتستوجبوا بذلك منه العقوبة الّتي لا قبل لكم بها، فإنّه يعلم من خالط منكم يتيمه، فشاركه في مطعمه، ومشربه، ومسكنه، وخدمه، ورعاته في حال مخالطته إيّاه ما الّذي يقصد بمخالطته إيّاه إفساد ماله، وأكله بالباطل، أم إصلاحه وتثميره، لأنّه لا يخفى عليه منه شيءٌ، ويعلم أيّكم المريد إصلاح ماله، من المريد إفساده.
- كما حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قول اللّه تعالى ذكره: {واللّه يعلم المفسد من المصلح} قال: اللّه يعلم حين تخلط مالك بماله أتريد أن تصلح ماله أو تفسده فتأكله بغير حقٍّ.
- حدّثني أبو السّائب، قال: حدّثنا حفص بن غياث، قال: حدّثنا أشعث، عن الشّعبيّ: {واللّه يعلم المفسد من المصلح} قال الشّعبيّ: فمن خالط يتيمًا فليتوسّع عليه، ومن خالطه ليأكل ماله فلا يفعل). [جامع البيان: 3/707-708]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولو شاء اللّه لأعنتكم}.
يعني تعالى ذكره بذلك: ولو شاء اللّه لحرّم ما أحلّه لكم من مخالطة أيتامكم بأموالكم أموالهم، فجهدكم ذلك وشقّ عليكم، ولم تقدروا على القيام باللاّزم لكم من حقّ اللّه تعالى، والواجب عليكم في ذلك من فرضه، ولكنّه رخّص لكم فيه، وسهّله عليكم، رحمةً بكم ورأفةً.
واختلف أهل التّأويل في تأويل قوله: {لأعنتكم} فقال بعضهم بما؛
- حدّثني به محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن قيس بن سعدٍ أو عيسى، عن قيس بن سعدٍ، عن مجاهدٍ، شكّ أبو عاصمٍ، في قول اللّه تعالى ذكره: {ولو شاء اللّه لأعنتكم} لحرّم عليكم المرعى، والأدم.
قال أبو جعفرٍ: يعني بذلك مجاهدًا، رعي مواشي والي اليتيم مع مواشي اليتيم، والأكل من إدامه، لأنّه كان يتأوّل في قوله: {وإن تخالطوهم فإخوانكم} أنّه خلطة الوليّ اليتيم بالرّعي، والأدم.
- حدّثني عليّ بن داود، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {ولو شاء اللّه لأعنتكم} يقول: ولو شاء اللّه لأحرجكم، فضيّق عليكم، ولكنّه وسّع ويسّر، فقال: {ومن كان غنيًّا فليستعفف ومن كان فقيرًا فليأكل بالمعروف}.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال، حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {ولو شاء اللّه لأعنتكم} يقول: لجهدكم، فلم تقوموا بحقٍّ، ولم تؤدّوا فريضةً.
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، نحوه، إلاّ أنّه قال: فلم تعملوا بحقٍّ.
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ولو شاء اللّه لأعنتكم} لشدّد عليكم.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قول اللّه: {ولو شاء اللّه لأعنتكم} قال: لشقّ عليكم في الأمر، ذلك العنت.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن الحكم، عن مقسمٍ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ولو شاء اللّه لأعنتكم} قال: ولو شاء اللّه لجعل ما أصبتم من أموالٍ موبقًا.
وهذه الأقوال الّتي ذكرناها عمّن ذكرت عنه، وإن اختلفت ألفاظ قائليها فيها، فإنّها اليتامى موبقًا وهذه الأقوال الّتي ذكرناها عمّن ذكرت عنه، وإن اختلفت ألفاظ قائليها فيها، فإنّها متقاربات المعاني؛ لأنّ من حرّم عليه شيءٌ فقد ضيّق عليه في ذلك الشّيء، ومن ضيّق عليه في شيءٍ، فقد أحرج فيه، ومن أحرج في شيءٍ، أو ضيّق عليه فيه فقد جهد، وكلّ ذلك عائدٌ إلى المعنى الّذي وصفت من أنّ معناه الشّدّة والمشقّة، ولذلك قيل: عنت فلانٌ: إذا شقّ عليه وجهده فهو يعنت عنتًا، كما قال تعالى ذكره: {عزيزٌ عليه ما عنتّم} يعني ما شقّ عليكم وآذاكم وجهدكم، ومنه قوله تعالى ذكره: {ذلك لمن خشي العنت منكم} فهذا إذا عنت العانت، فإن صيّره غيره كذلك قيل: أعنته فلانٌ في كذا: إذا جهده وألزمه أمرًا جهده القيام به يعنته إعناتًا، فكذلك قوله: {لأعنتكم} معناه: لأوجب لكم العنت بتحريمه عليكم ما يجهدكم ويحرجكم ممّا لا تطيقون القيام باجتنابه وأداء الواجب له عليكم فيه.
وقال آخرون: معنى ذلك: لأوبقكم، وأهلككم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا طلق بن غنّامٍ، عن زائدة، عن منصورٍ، عن الحكم، عن مقسمٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: قرأ علينا: {ولو شاء اللّه لأعنتكم} قال ابن عبّاسٍ، ولو شاء اللّه لجعل ما أصبتم من أموال اليتامى موبقًا.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا يحيى بن آدم، عن فضيلٍ، وجريرٍ، عن منصورٍ، وحدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن الحكم، عن مقسمٍ، عن ابن عبّاسٍ: {ولو شاء اللّه لأعنتكم} قال: لجعل ما أصبتم موبقًا). [جامع البيان: 3/708-710]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ اللّه عزيزٌ حكيمٌ}.
يعني تعالى ذكره بذلك: إنّ اللّه عزيزٌ في سلطانه لا يمنعه مانعٌ ممّا أحلّ بكم من عقوبةٍ، لو أعنتكم بما يجهدكم القيام به من فرائضه، فقصّرتم في القيام به، ولا يقدر دافعٌ أن يدفعه عن ذلك ولا عن غيره ممّا يفعله بكم وبغيركم من ذلك لو فعله ولكنّه بفضل رحمته منّ عليكم بترك تكليفه إيّاكم ذلك، وهو حكيمٌ في ذلك لو فعله بكم، وفي غيره من أحكامه، وتدبيره لا يدخل أفعاله خللٌ، ولا نقصٌ، ولا وهي، ولا عيبٌ، لأنّه فعل ذي الحكمة الّذي لا يجهل عواقب الأمور، فيدخل تدبيره مذمّة عاقبةٍ، كما يدخل ذلك أفعال الخلق لجهلهم بعواقب الأمور، لسوء اختيارهم فيها ابتداءً). [جامع البيان: 3/710-711]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات لعلّكم تتفكّرون (219) في الدنيا والآخرة
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات لعلّكم تتفكّرون في الدّنيا والآخرة يعني: في زوال الدّنيا وفنائها وإقبال الآخرة وبقائها.
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن عليٍّ الطّنافسيّ، ثنا أبو أسامة، عن الصّعق التّميميّ، قال: شهدت الحسن، وقرأ هذه الآية في البقرة: لعلّكم تتفكّرون في الدّنيا والآخرة قال: هي واللّه لمن تفكّر فيها ليعلم أنّ الدّنيا دار بلاءٍ ثمّ دار فناءٍ وليعلم أنّ دار الآخرة، دار جزاءٍ، ثمّ دار بقاءٍ.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق، أنبأ معمرٌ، عن قتادة لعلّكم تتفكّرون في الدّنيا والآخرة فتعرفوا فضل الآخرة على الدّنيا). [تفسير القرآن العظيم: 1/394] (م)
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (في الدّنيا والآخرة ويسألونك عن اليتامى قل إصلاحٌ لهم خيرٌ وإن تخالطوهم فإخوانكم واللّه يعلم المفسد من المصلح ولو شاء اللّه لأعنتكم إنّ اللّه عزيزٌ حكيمٌ (220) ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ ولأمةٌ مؤمنةٌ خيرٌ من مشركةٍ ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتّى يؤمنوا ولعبدٌ مؤمنٌ خيرٌ من مشركٍ ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النّار واللّه يدعو إلى الجنّة والمغفرة بإذنه ويبيّن آياته للنّاس لعلّهم يتذكّرون (221)
قوله تعالى: ويسئلونك عن اليتامى قل إصلاحٌ لهم خيرٌ
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا عبيد اللّه بن موسى، عن إسرائيل، عن السّدّيّ، عن من حدّثه، عن ابن عباس: ويسئلونك عن اليتامى قل إصلاحٌ لهم خيرٌ وإن تخالطوهم فإخوانكم واللّه يعلم المفسد من المصلح
قال: من يتعمّد أكل مال اليتيم، ومن يتحرّج عنه، لا يألو عن إصلاحه.
- قرأت على محمّد بن الفضل بن موسى، ثنا محمّد بن عليّ بن الحسن أنبأ محمّد بن مزاحمٍ، ثنا بكير بن معروفٍ عن مقاتل بن حيان. قوله: ويسئلونك عن اليتامى قل إصلاحٌ لهم خيرٌ يعني: الّذين يلون أموال اليتامى، يقول: إصلاح اليتامى خيرٌ قال أبو محمّدٍ: وروي عن السّدّيّ وسعيد بن جبيرٍ وإبراهيم، نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/394-395]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: قل إصلاحٌ لهم خيرٌ
- أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً، ثنا ابن وهبٍ، أخبرني ابن لهيعة عن عقيل بن خالدٍ، قال: سألت ابن شهابٍ عن قول اللّه تعالى: قل إصلاحٌ لهم خيرٌ قال: فترى أنّ خيرًا لهم أن يصلح ما لهم معزولا على حدته، ولا يلبس بغيره.
ومن كان يرى أنّ خلط أموالهم بماله أزيد لهم وأصلح للقيام على أموالهم، فيرى أن يفعل ذلك بهم إن كان خيرًا لهم). [تفسير القرآن العظيم: 1/395]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: وإن تخالطوهم
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا عمران بن عيينة، عن عطاء بن السّائب عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: لمّا نزلت: إنّ الّذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا جعل كلّ رجلٍ في حجره يتيمٌ، يعزل ماله على حدةٍ. فشقّ ذلك على المسلمين، فأنزل اللّه: وإن تخالطوهم فإخوانكم واللّه يعلم المفسد من المصلح فأحلّ لهم خلطتهم.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا عبيد اللّه بن موسى، عن إسرائيل، عن السّدّيّ، عن من حدّثه، عن ابن عبّاسٍ وإن تخالطوهم فإخوانكم قال:
المخالطة: أن تشرب من لبنه، ويشرب من لبنك، وتأكل من قصعته ويأكل من قصعتك، وتأكل من ثمرته، ويأكل من ثمرتك.
- حدّثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيدٍ القطّان، ثنا أبو داود، عن زمعة، عن ابن طاوسٍ، عن أبيه قوله: وإن تخالطوهم فإخوانكم قال: هذا إذا كان طعامك أفضل من طعامه.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن نجيحٍ عن مجاهدٍ، قوله: وإن تخالطوهم فإخوانكم قال: مخالطة اليتيم في الرّعي والأدم). [تفسير القرآن العظيم: 1/395]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: فإخوانكم
- ذكر زائدة، عن منصورٍ، عن الحكم، عن مقسمٍ، عن ابن عبّاسٍ، قرأ علينا هذه الآية: وإن تخالطوهم فإخوانكم في الدّين.
- أخبرنا موسى بن هارون الطّوسيّ فيما كتب إليّ، ثنا الحسين بن محمّدٍ، ثنا شيبان، عن قتادة قوله: فإخوانكم قال: يكونون من إخوة الإسلام). [تفسير القرآن العظيم: 1/396]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: واللّه يعلم المفسد من المصلح
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا عبيد اللّه بن موسى، عن إسرائيل عن السّدّيّ، عن من حدّثه، عن ابن عبّاسٍ واللّه يعلم المفسد من المصلح قال: من يتعمّد أكل مال اليتيم، ومن يتحرّج عنه ولا يألو عن إصلاحه.
- حدّثنا أبي ثنا عيسى بن جعفرٍ، ثنا مسلم بن خالدٍ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: واللّه يعلم المفسد من المصلح يعني: أنّ اللّه لا يخفى عليه الّذين يريدون منكم الإصلاح لهم، والإفساد عليهم. قال أبو محمّدٍ: وروي عن مقاتل ابن حيّان والسّدّيّ، نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/396]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: ولو شاء اللّه لأعنتكم إنّ اللّه عزيزٌ حكيمٌ
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا عبيد اللّه بن موسى، عن إسرائيل عن السّدّيّ، عن من حدّثه، عن ابن عبّاسٍ: ولو شاء اللّه لأعنتكم قال: لو شاء ما أحلّ لكم ما أصبتم ممّا لا تعمّدون.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ ولو شاء اللّه لأعنتكم يقول: لو شاء اللّه لأحرجكم وضيّق عليكم، ولكنّه وسّع ويسّر، فقال: ومن كان غنيًّا فليستعفف ومن كان فقيرًا فليأكل بالمعروف.
- حدّثنا أبي، ثنا نحيى بن المغيرة، ثنا جريرٌ، عن منصورٍ عن الحكم عن مقسمٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قول اللّه: ولو شاء اللّه لأعنتكم ولو شاء اللّه لجعل ما أصبتم من أموال اليتامى موبقًا.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ: ولو شاء اللّه لأعنتكم حرّم عليكم الرّعي والأدم.
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن الدّشتكيّ، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه عن الرّبيع بن أنسٍ: ولو شاء اللّه لأعنتكم يقول: لأجهدكم فلم تقوموا بحقٍّ، ولم تؤدّوا فريضةً.
- حدّثنا عبد اللّه بن سليمان بن الأشعث، ثنا حم بن نوحٍ البلخيّ ثنا أبو معاذٍ، يعني: خالد بن سليمان، ثنا أبو مصلحٍ، عن الضّحّاك في قوله: ولو شاء اللّه لأعنتكم قال: لو لم يبيّن لكم لأثمتم). [تفسير القرآن العظيم: 1/396-397]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، ثنا الحسن بن عليّ بن عفّان، ثنا يحيى بن آدم، ثنا إسرائيل، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، قال: لمّا نزلت: {ولا تقربوا مال اليتيم، إلّا بالّتي هي أحسن} [الأنعام: 152] عزلوا أموالهم عن أموال اليتامى، فجعل الطّعام يفسد، واللّحم ينتن، فشكوا ذلك إلى رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم " فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {قل إصلاحٌ لهم خيرٌ وإن تخالطوهم فإخوانكم} [البقرة: 220] " قال: فخالطوهم «هذا حديثٌ صحيح الإسناد، ولم يخرّجاه» ). [المستدرك: 2/306]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا أبو زكريّا العنبريّ، ثنا محمّد بن عبد السّلام، ثنا إسحاق بن إبراهيم، أنبأ جريرٌ، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، قال: لمّا أنزل اللّه " {ولا تقربوا مال اليتيم إلّا بالّتي هي أحسن} [الأنعام: 152] ، {إنّ الّذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا إنّما يأكلون في بطونهم نارًا، وسيصلون سعيرًا} [النساء: 10] ، قال: انطلق من كان عنده يتيمٌ، فعزل طعامه من طعامه، وشرابه من شرابه، فجعل يفضل الشّيء من طعامه وشرابه، فيحبس حتّى يأكله أو يفسد، فاشتدّ ذلك عليهم فذكروا ذلك لرسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فأنزل اللّه " {ويسألونك عن اليتامى، قل إصلاحٌ لهم خيرٌ، وإن تخالطوهم فإخوانكم} [البقرة: 220] فخلطوا طعامهم بطعامهم، وشرابهم بشرابهم «هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/331] (م)
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (د س) ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزل قوله تعالى: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن} [الإسراء: 34] وقوله: {إنّ الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً} [النساء: 10] انطلق من كان عنده يتيم، فعزل طعامه من طعامه، وشرابه من شرابه، فإذا فضل من طعام اليتيم وشرابه شيءٌ، حبس له، حتى يأكله أو يفسد، فاشتدّ ذلك عليهم، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى: {ويسألونك عن اليتامى قل إصلاحٌ لهم خيرٌ وإن تخالطوهم فإخوانكم} [البقرة: 220] «فخلطوا طعامهم بطعامهم، وشرابهم بشرابهم».أخرجه أبو داود والنسائي). [جامع الأصول: 2/38]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: في الدنيا والآخرة ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء الله لأعنتكم إن الله عزيز حكيم.
أخرج أبو داود والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن
مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس قال لما أنزل الله (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) (الإسراء الآية 34) و(إن الذين يأكلون أموال اليتامى) (النساء الآية 10) الآيتين انطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه فجعل يفضل له الشيء من طعامه فيجلس له حتى يأكله أو يفسد فيرمى به فاشتد عليهم فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله {ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم} فخلطوا طعامهم بطعامهم وشرابهم بشرابهم.
وأخرج عبد بن حميد عن عطاء قال: لما نزل في اليتيم ما نزل اجتنبهم الناس فلم يؤاكلوهم ولم يشاربوهم ولم يخالطوهم فأنزل الله {ويسألونك عن اليتامى} الآية، فخالطهم الناس في الطعام وفيما سوى ذلك.
وأخرج عبد بن حميد، وابن الأنبياري والنحاس عن قتادة في قوله {ويسألونك عن اليتامى} الآية، قال: كان أنزل قبل ذلك في سورة بني اسرائيل (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) (الإسراء الآية 34) فكانوا لا يخالطونهم في مطعم ولا غيره فاشتد ذلك عليهم فأنزل الله الرخصة {وإن تخالطوهم فإخوانكم}.
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير قال: لما نزلت (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما) (النساء الآية 10) الآية، أمسك الناس ولم يخالطوا الأيتام في الطعام والأموال حتى نزلت {ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير} الآية
وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير قال كان أهل البيت يكون عندهم الأيتام في حجورهم فيكون لليتيم الصرمة من الغنم ويكون الخادم لأهل البيت فيبعثون خادمهم فيرعى غنم الأيتام أو يكون لأهل اليتيم الصرمة من الغنم ويكون الخادم للأيتام فيبعثون خادم الأيتام فيرعى غنهم فإذا كان الرسل وضعوا أيديهم جميعا أو يكون الطعام للأيتام ويكون الخادم لأهل البيت فيأمرون خادمهم فيصنع الطعام ويكون الطعام لأهل البيت ويكون الخادم للأيتام فيأمرون خادم الأيتام أن يصنع الطعام فيضعون أيديهم جميعا فلما نزلت هذه الآية (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما) (النساء الآية 10) الآية، قالوا: هذه موجبة فاعتزلوهم وفرقوا ما كان من خلطتهم فشق عليهم ذلك فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن الغنم قد بقيت ليس لها راع والطعام ليس له من يصنعه، فقال: قد سمع الله قولكم فإن شاء أجابكم، فنزلت هذه الآية {ويسألونك عن اليتامى} ونزل أيضا (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى) (النساء الآية 3) الآية، فقصروا على أربع فقال: كما خشيتم أن لا تقسطوا في اليتامى وتحرجتم من مخالطتهم حتى سألتم عنها فهلا سألتم عن العدل في جمع النساء
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن ابن عباس {وإن تخالطوهم} قال: المخالطة أن يشرب من لبنك وتشرب من لبنه ويأكل في قصعتك وتأكل في قصعته وتأكل من ثمرته {والله يعلم المفسد من المصلح} قال: يعلم من يتعمد أكل مال اليتيم ومن يتحرج منه ولا يألو عن إصلاحه {ولو شاء الله لأعنتكم} يقول: لو شاء ما أحل لكم ما أصبتم مما لا تتعمدون.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال: إن الله لما أنزل {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما} الآية، كره المسلمون أن يضمنوا اليتامى وتحرجوا أن يخالطوهم في شيء فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله {قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء الله لأعنتكم} يقول: لأحرجكم وضيق عليكم ولكنه وسع ويسر.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قرأ (وإن تخالطوهم فإخوانكم في الدين).
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله {والله يعلم المفسد من المصلح} قال: الله يعلم حين تخلط مالك بماله أتريد أن تصلح ماله أو تفسده فتأكله بغير حق.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {ولو شاء الله لأعنتكم} قال: لو شاء الله لجعل ما أصبتم من أموال اليتامى موبقا.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {ولو شاء الله لأعنتكم} قال: لو شاء الله لأعنتكم فلم تؤدوا فريضة ولم تقوموا بحق.
وأخرج وكيع، وعبد بن حميد عن الأسود قال: قالت عائشة: اخلط طعامه بطعامي وشرابه بشرابي فإني أكره أن يكون مال اليتيم عندي كالعيرة). [الدر المنثور: 2/557-561]

تفسير قوله تعالى: (وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): ({ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمةٌ مؤمنةٌ خيرٌ من مشركةٍ ولو أعجبتكم}؛
فنسخ واستثنى منها: فأحل من المشركات نساء أهل الكتاب في سورة المائدة؛
قال الله: {اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حلٌ لكم وطعامكم حلٌ لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم}،
وقال: {لا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله}، {فلا جناح عليهما فيما افتدت به}). [الجامع في علوم القرآن: 3/67]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله تعالى ولا تنكحوا المشركات قال المشركات ممن ليس من أهل الكتاب وقد تزوج حذيفة يهودية أو نصرانية). [تفسير عبد الرزاق: 1/89]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال معمر عن الزهري وقتادة في قوله تعالى ولا تنكحوا المشركين قال لا يحل لك أن تنكح يهوديا ولا نصرانيا ولا مشركا من غير ذلك). [تفسير عبد الرزاق: 1/89]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ}
اختلف أهل التّأويل في هذه الآية: هل نزلت مرادًا بها كلّ مشركةٍ، أم مرادًا بحكمها بعض المشركات دون بعضٍ؟ وهل نسخ منها بعد وجوب الحكم بها شيءٌ أم لا؟ فقال بعضهم: نزلت مرادًا بها تحريم نكاح كلّ مشركةٍ على كلّ مسلمٍ من أيّ أجناس الشّرك كانت عابدة وثنٍ أو كانت يهوديّةً أو نصرانيّةً أو مجوسيّةً أو من غيرهم من أصناف الشّرك، ثمّ نسخ تحريم نكاح أهل الكتاب بقوله: {يسألونك ماذا أحلّ لهم قل أحلّ لكم الطّيّبات} إلى {وطعام الّذين أوتوا الكتاب حلٌّ لكم وطعامكم حلٌّ لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم}..
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليّ بن داود، قال: حدّثني عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ} ثمّ استثنى نساء أهل الكتاب فقال: {والمحصنات من الّذين أوتوا الكتاب} حلٌّ لكم {إذا آتيتموهنّ أجورهنّ}.
- حدّثنا محمّد بن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، عن الحسين بن واقدٍ، عن يزيد النّحويّ، عن عكرمة، والحسن البصريّ، قالا: {ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ} فنسخ من ذلك نساء أهل الكتاب أحلّهنّ للمسلمين.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ} قال: نساء أهل مكّة ومن سواهنّ من المشركين، ثمّ أحلّ منهنّ نساء أهل الكتاب.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قوله: {ولا تنكحوا المشركات} إلى قوله: {لعلّهم يتذكّرون} قال: حرّم اللّه المشركات في هذه الآية، ثمّ أنزل في سورة المائدة، فاستثنى نساء أهل الكتاب، فقال: {والمحصنات من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهنّ أجورهنّ}.
وقال آخرون: بل أنزلت هذه الآية مرادًا بحكمها مشركات العرب لم ينسخ منها شيءٌ ولم يستثن، إنّما هي آيةٌ، عامّ ظاهرها خاصّ تأويلها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثت بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ} يعني مشركات العرب اللاّتي ليس لهنّ كتابٌ يقرأنه.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، قوله: {ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ} قال: المشركات من ليس من أهل الكتاب؛ وقد تزوّج حذيفة يهوديّةً، أو نصرانيّةً.
- حدّثت عن عمّارٍ قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن قتادة، في قوله: {ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ} يعني مشركات العرب اللاّتي ليس لهنّ كتابٌ يقرأنه.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن حمّادٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قوله: {ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ} قال: مشركات أهل الأوثان.
وقال آخرون: بل أنزلت هذه الآية مرادًا بها كلّ مشركةٍ من أيّ أصناف الشّرك كانت غير مخصوصٍ منها مشركةٌ دون مشركةٍ، وثنيّةً كانت، أو مجوسيّةً، أو كتابيّةً، ولا نسخ منها شيءٌ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا عبيد بن آدم بن أبي إياسٍ العسقلانيّ، قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا عبد الحميد بن بهرام الفزاريّ، قال: حدّثنا شهر بن حوشبٍ، قال: سمعت عبد اللّه بن عبّاسٍ، يقول: نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن أصناف النّساء إلاّ ما كان من المؤمنات المهاجرات، وحرّم كلّ ذات دينٍ غير الإسلام، وقال اللّه تعالى ذكره: {ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله} وقد نكح طلحة بن عبيد اللّه يهوديّةً، ونكح حذيفة بن اليمان نصرانيّةً فغضب عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه غضبًا شديدًا حتّى همّ بأن يسطو عليهما، فقالا: نحن نطلّق يا أمير المؤمنين ولا تغضب، فقال: لئن حلّ طلاقهنّ، لقد حلّ نكاحهنّ، ولكن أنتزعهنّ منكم صغرةً قماءً.
وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية ما قاله قتادة، من أنّ اللّه تعالى ذكره عنى بقوله: {ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ} من لم يكن من أهل الكتاب من المشركات، وأنّ الآية عامٌّ ظاهرها خاصٌّ باطنها، لم ينسخ منها شيءٌ، وأنّ نساء أهل الكتاب غير داخلاتٍ فيها.
وذلك أنّ اللّه تعالى ذكره أحلّ بقوله: {والمحصنات من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم} للمؤمنين من نكاح محصناتهنّ، مثل الّذي أباح لهم من نساء المؤمنات.
وقد بيّنا في غير هذا الموضع من كتابنا هذا، وفي كتابنا كتاب اللّطيف من البيان أنّ كلّ آيتين أو خبرين كان أحدهما نافيًا حكم الآخر في فطرة العقل، فغير جائزٍ أن يقضى على أحدهما بأنّه ناسخٌ حكم الآخر إلاّ بحجّةٍ من خبرٍ قاطعٍ للعذر مجيئه، وذلك غير موجودٍ أنّ قوله: {والمحصنات من الّذين أوتوا الكتاب} ناسخٌ ما كان قد وجب تحريمه من النّساء بقوله: {ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ} فإن لم يكن ذلك موجودًا كذلك، فقول القائل: هذه ناسخةٌ هذه دعوى لا برهان له عليها، والمدّعي دعوى لا برهان له عليها متحكّمٌ، والتّحكّم لا يعجز عنه أحدٌ.
وأمّا القول الّذي روي عن شهر بن حوشبٍ، عن ابن عبّاسٍ، عن عمر رضي اللّه عنه من تفريقه بين طلحة، وحذيفة وامرأتيهما اللّتين كانتا كتابيّتين، فقولٌ لا معنى له لخلافه ما الأمّة مجتمعةٌ على تحليله بكتاب اللّه تعالى ذكره، وخبر رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقد روي عن عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه من القول خلاف ذلك بإسنادٍ هو أصحّ منه وهو ما؛
- حدّثني به موسى بن عبد الرّحمن المسروقيّ، قال: حدّثنا محمّد بن بشرٍ، قال: حدّثنا سفيان بن سعيدٍ، عن يزيد بن أبي زيادٍ، عن زيد بن وهبٍ، قال: قال عمر: المسلم يتزوّج النّصرانيّة، ولا يتزوّج النّصرانيّ المسلمة.
وإنّما كره عمر، لطلحة، وحذيفة، رحمه اللّه عليهم نكاح اليهوديّة، والنّصرانيّة، حذرًا من أن يقتدي بهما النّاس في ذلك فيزهدوا في المسلمات، أو لغير ذلك من المعاني، فأمرهما بتخليتهما.
- كما حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن إدريس، قال: حدّثنا الصّلت بن بهرام، عن شقيقٍ، قال: تزوّج حذيفة يهوديّةً، فكتب إليه عمر: خلّ سبيلها، فكتب إليه: أتزعم أنّها حرامٌ فأخلّي سبيلها؟ فقال: لا أزعم أنّها حرامٌ، ولكن أخاف أن تعاطوا المومسات منهنّ.
- وقد حدّثنا تميم بن المنتصر، قال: أخبرنا إسحاق الأزرق، عن شريكٍ، عن أشعث بن سوّارٍ، عن الحسن، عن جابر بن عبد اللّه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نتزوّج نساء أهل الكتاب ولا يتزوّجون نساءنا.
فهذا الخبر وإن كان في إسناده ما فيه، فالقول به لإجماع الجميع على صحّة القول به أولى من خبر عبد الحميد بن بهرام، عن شهر بن حوشبٍ.
فمعنى الكلام إذًا: ولا تنكحوا أيّها المؤمنون مشركاتٍ غير أهل الكتاب حتّى يؤمنّ، فيصدّقن باللّه ورسوله، وما أنزل عليه). [جامع البيان: 3/711-716]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولأمةٌ مؤمنةٌ خيرٌ من مشركةٍ}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {ولأمةٌ مؤمنةٌ} باللّه وبرسوله، وبما جاء به من عند اللّه خيرٌ عند اللّه، وأفضل من حرّةٍ مشركةٍ كافرةٍ وإن شرف نسبها وكرم أصلها. يقول: ولا تبتغوا المناكح في ذوات الشّرف من أهل الشّرك باللّه، فإنّ الإماء المسلمات عند اللّه خير منكحًا منهنّ.
وقد ذكر أنّ هذه الآية نزلت في رجلٍ نكح أمةً، فعذل في ذلك وعرضت عليه حرّةٌ مشركة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ ولأمةٌ مؤمنةٌ خيرٌ من مشركةٍ ولو أعجبتكم} قال: نزلت في عبد اللّه بن رواحة، وكانت له أمةٌ سوداء، وأنّه غضب عليها فلطمها ثمّ فزع، فأتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فأخبره بخبرها، فقال له النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: ما هي يا عبد اللّه؟ قال: يا رسول اللّه هي تصوم، وتصلّي، وتحسن الوضوء، وتشهد أن لا إله إلاّ اللّه، وأنّك رسول اللّه. فقال: هذه مؤمنةٌ فقال عبد اللّه: فوالّذي بعثك بالحقّ لأعتقنّها، ولأتزوّجنّها ففعل، فطعن عليه ناسٌ من المسلمين، فقالوا: تزوّج أمةً. وكانوا يريدون أن ينكحوا إلى المشركين، وينكحوهم رغبةً في أحسابهم. فأنزل اللّه فيهم: {ولأمةٌ مؤمنةٌ خيرٌ من مشركةٍ} وعبدٌ مؤمنٌ خيرٌ من مشركٍ.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني الحجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ، في قوله: {ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ} قال: المشركات لشرفهنّ حتّى يؤمنّ). [جامع البيان: 3/716-718]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولو أعجبتكم}.
يعني تعالى ذكره بذلك: وإن أعجبتكم المشركة من غير أهل الكتاب في الجمال، والحسب، والمال فلا تنكحوها، فإنّ الأمّة المؤمنة خيرٌ عند اللّه منها.
وإنّما وضعت لو موضع إن لتقارب مخرجيهما ومعنييهما، ولذلك تجاب كلّ واحدةٍ منهما بجواب صاحبتها على ما قد بيّنّا فيما مضى قبل). [جامع البيان: 3/718]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا تنكحوا المشركين حتّى يؤمنوا ولعبدٌ مؤمنٌ خيرٌ من مشركٍ ولو أعجبكم}.
يعني تعالى ذكره بذلك: أنّ اللّه قد حرّم على المؤمنات أن ينكحن مشركًا، كائنًا من كان المشرك من أيّ أصناف الشّرك كان. فلا تنكحوهنّ أيّها المؤمنون منهم فإنّ ذلك حرامٌ عليكم، ولأن تزوّجوهنّ من عبدٍ مؤمنٍ مصدّقٍ باللّه وبرسوله، وبما جاء به من عند اللّه خيرٌ لكم من أن تزوّجوهنّ من حرٍّ مشركٍ ولو شرف نسبه وكرم أصله، وإن أعجبكم حسبه، ونسبه.
وكان أبو جعفرٍ محمّد بن عليٍّ، يقول: هذا القول من اللّه تعالى ذكره دلالةٌ على أنّ أولياء المرأة أحقّ بتزويجها من المرأة.
- حدّثنا محمّد بن يزيد أبو هشامٍ الرّفاعيّ، قال: أخبرنا حفص بن غياثٍ، عن شيخٍ، لم يسمّه، قال أبو جعفرٍ: النّكاح بوليٍّ في كتاب اللّه. ثمّ قرأ: {ولا تنكحوا المشركين حتّى يؤمنوا} برفع التّاء.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، والزّهريّ، في قوله: {ولا تنكحوا المشركين} قال: لا يحلّ لك أن تنكح يهوديًّا، أو نصرانيًّا، ولا مشركًا من غير أهل دينك.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ: {ولا تنكحوا المشركين} لشرفهم {حتّى يؤمنوا}.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، عن الحسين بن واقدٍ، عن يزيد النّحويّ، عن عكرمة، والحسن البصريّ: {ولا تنكحوا المشركين حتّى يؤمنوا} قال: حرّم المسلمات على رجالهم يعني رجال المشركين). [جامع البيان: 3/718-719]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أولئك يدعون إلى النّار واللّه يدعو إلى الجنّة والمغفرة بإذنه ويبيّن آياته للنّاس لعلّهم يتذكّرون}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {أولئك} هؤلاء الّذين حرّمت عليكم أيّها المؤمنون مناكحتهم من رجال أهل الشّرك، ونسائهم يدعونكم إلى النّار، يعني يدعونكم إلى العمل بما يدخلكم النّار، وذلك هو العمل الّذي هم به عاملون من الكفر باللّه ورسوله.
يقول: ولا تقبلوا منهم ما يقولون، ولا تستنصحوهم، ولا تنكحوهم، ولا تنكحوا إليهم، فإنّهم لا يألونكم خبالاً؛ ولكن اقبلوا من اللّه ما أمركم به، فاعملوا به، وانتهوا عمّا نهاكم عنه، فإنّه يدعوكم إلى الجنّة. يعني بذلك: يدعوكم إلى العمل بما يدخلكم الجنّة ويوجب لكم النّجاة إن عملتم به من النّار، وإلى ما يمحو خطاياكم وذنوبكم فيعفو عنها، ويسترها عليكم.
وأمّا قوله: {بإذنه} فإنّه يعني أنّه يدعوكم إلى ذلك بإعلامه إيّاكم سبيله وطريقه الّذي به الوصول إلى الجنّة والمغفرة، ثمّ قال تعالى ذكره: {ويبيّن آياته للنّاس لعلّهم يتذكّرون} يقول: ويوضع حججه وأدلّته في كتابه الّذي أنزله على لسان رسوله لعباده ليتذكّروا فيعتبروا، ويميّزوا بين الأمرين اللّذين أحدهما دعاءٌ إلى النّار والخلود فيها، والآخر دعاءٌ إلى الجنّة وغفران الذّنوب، فيختاروا خيرهما لهم. ولم يجهل التّمييز بين هاتين إلاّ غبيّ الرّأي، مدخول العقل). [جامع البيان: 3/719-720]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ ثمّ استثنى نساء أهل الكتاب، فقال: والمحصنات من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهنّ أجورهنّ محصنين غير مسافحين قال أبو محمّدٍ: وروي عن عكرمة وسعيد بن جبيرٍ والحسن ومكحولٍ والضّحّاك والرّبيع بن أنسٍ وزيد بن أسلم، نحو ذلك.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا محمّد بن إسماعيل الأحمس، ثنا وكيعٌ، ثنا سفيان عن حمّادٍ عن سعيد بن جبيرٍ في قوله: ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ قال: أهل الأوثان.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو زيادٍ، ثنا ابن مهديٍّ، عن سفيان، عن حمّادٍ مثله غير أنّه قال: أهل الأوثان: المجوس.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/397]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ من نساء مكّة من المشركين، ثمّ أحلّ منهنّ، نساء أهل الكتاب.
الوجه الرّابع:
- حدّثنا محمّد بن إسماعيل الأحمس، ثنا وكيعٌ، عن جعفر بن برقان، عن ميمون بن مهران، عن ابن عمر، أنّه كره نكاح أهل الكتاب ويتأوّل ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ.
الوجه الخامس:
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ، أنبأ محمّد بن مزاحمٍ، ثنا بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان، قوله: ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ نزلت في أبي مرثدٍ الغنويّ، استأذن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في عناقٍ أن يتزوّجها، وهي امرأةٌ مسكينةٌ من قريشٍ، وكانت ذات حظٍّ من الجمال، وهي مشركةٌ، وأبو مرثدٍ يومئذٍ مسلمٌ، فقال: يا رسول اللّه إنّها تعجبني. فأنزل اللّه:
ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ ولأمةٌ مؤمنةٌ خيرٌ من مشركةٍ ولو أعجبتكم
الوجه السّادس:
- حدّثنا جعفر بن محمّد بن هارون بن عزرة، ثنا عبد الوهّاب بن عطاءٍ عن سعيدٍ، عن قتادة: ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ قال: يعني بذلك نساء مشركات العرب، ليس لهن كتاب يقرءونه). [تفسير القرآن العظيم: 1/397-398]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: ولأمةٌ مؤمنةٌ خيرٌ من مشركةٍ ولو أعجبتكم
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: ولأمةٌ مؤمنةٌ خيرٌ من مشركةٍ ولو أعجبتكم قال: نزلت في عبد اللّه بن رواحة، وكانت له أمةٌ سوداء، وأنّه غضب عليها فلطمها، ثمّ فزع فأتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم:
ما هي با عبد اللّه؟ قال يا رسول اللّه، هي تصوم وتصلّي وتحسن الوضوء، وتشهد ألا إله إلا اللّه، وأنّك رسول اللّه. فقال يا عبد اللّه: هذه مؤمنةٌ. فقال عبد اللّه:
فو الذي بعثك بالحقّ لأعتقنّها ولأتزوّجنّها. ففعل. فطعن عليه أناسٌ من المسلمين، فقالوا: نكح أمةً، وكانوا يريدون أن ينكحوا إلى المشركين وينكحونهم، رغبةً في أحسابهم، فأنزل اللّه تعالى: ولأمةٌ مؤمنةٌ خير من مشركة.
- قرأت على محمّد بن الفضل بن موسى، ثنا محمّد بن عليّ بن الحسن أنبأ محمّد بن مزاحمٍ، عن بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان، قوله: ولأمةٌ مؤمنةٌ بلغنا واللّه أعلم أنّها كانت أمةٌ لحذيفة سوداء فأعتقها وتزوّجها حذيفة، يعني: ونسخ من هذه الآية نساء أهل الكتاب وأحلّهنّ للمسلمين). [تفسير القرآن العظيم: 1/398-399]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: ولا تنكحوا المشركين حتّى يؤمنوا
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق، أنبأ معمرٌ، عن الزّهريّ وقتادة، في قوله: ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا قال: لا يحلّ لك أن تنكح يهوديًّا ولا نصرانيًّا ولا مشركًا، من غير أهل دينك.
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن عبد الرّحمن العرزميّ، ثنا حفص بن غياثٍ عن بعض الكوفيّين، عن أبي جعفرٍ محمّد بن عليٍّ قال: في القرآن آيةٌ عرفها من عرفها، وجهلها من جهلها قوله: ولا تنكحوا المشركين حتّى يؤمنوا قال أبو محمّدٍ: يعني أنّه أصلٌ بأنّ النّكاح لا يجوز إلا بوليٍّ، لمخاطبته الأولى: ولا تنكحوا لا تزوّجوا). [تفسير القرآن العظيم: 1/399]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: ولعبدٌ مؤمنٌ خيرٌ من مشركٍ ولو أعجبكم
- حدّثنا أبي، ثنا صفوان بن صالحٍ الدّمشقيّ، ثنا مروان يعني ابن معاوية قال: سألت مالك بن أنسٍ عن تزويج القدريّ؟ فقال: لا، قال اللّه تعالى: ولعبدٌ مؤمنٌ خيرٌ من مشركٍ ولو أعجبكم). [تفسير القرآن العظيم: 1/399]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: أولئك يدعون إلى النّار واللّه يدعوا إلى الجنّة والمغفرة بإذنه ويبيّن آياته للنّاس لعلهم يتذكرون
- حدثنا محمد بن نحيى أنبأ الحسن بن عمرٍو بيّاعٌ السّابريّ، ثنا يزيد بن زريعٍ ثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، قوله: أولئك يدعون إلى النار والله يدعوا إلى الجنّة والمغفرة بإذنه إلى: يتذكّرون ذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، كان يقول والّذي نفس محمّدٍ بيده لتدخلن الجنة إلا من أبى). [تفسير القرآن العظيم: 1/399]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن يعني نساء أهل الكتاب ثم أحل لهم نساء أهل الكتاب). [تفسير مجاهد: 106-107]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنحكوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين الله آياته للناس لعلهم يتذكرون.
أخرج ابن أبي حاتم، وابن المنذر عن مقاتل بن حبان قال نزلت هذ الآية في أبي مرثد الغنوي استأذن النّبيّ صلى الله عليه وسلم في عناق أن يتزوجها وكانت ذا حظ من جمال وهي مشركة وأبو مرثد يؤمئذ مسلم، فقال: يا رسول الله إنها تعجبني، فأنزل الله {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم}.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس في قوله {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} قال: استثنى الله من ذلك نساء أهل الكتاب فقال (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب) (المائدة الآية 5).
وأخرج أبو داود في ناسخه عن ابن عباس في قوله {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} قال: نسخ من ذلك نكاح نساء أهل الكتاب أحلهن للمسلمين وحرم المسلمات على رجالهم.
وأخرج البيهقي في "سننه" عن ابن عباس في قوله {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} قال: نسخت وأحل من المشركات نساء أهل الكتاب.
وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية {ولا تنكحوا المشركات} فحجز الناس عنهن حتى نزلت الآية التي بعدها (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) (المائدة الآية 5) فنكح الناس نساء أهل الكتاب.
وأخرج وكيع، وابن جرير، وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه والبيهقي في "سننه" عن سعيد بن جبير في قوله {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} قال: يعني أهل الأوثان.
وأخرج آدم، وعبد بن حميد والبيهقي عن مجاهد {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} قال: نساء أهل مكة من المشركين ثم أحل منهم نساء أهل الكتاب.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد عن قتادة {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} قال: مشركات العرب اللاتي ليس لهن كتاب.
وأخرج عبد بن حميد عن حماد قال: سألت إبراهيم عن تزويج اليهودية والنصرانية فقال: لا بأس به، فقلت: أليس الله يقول {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} قال: إنما ذاك المجوسيات وأهل الأوثان.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير والبيهقي عن شقيق قال: تزوج حذيفة بيهودية فكتب إليه عمر أن خل سبيلها فكتب إليه أتزعم أنها حرام فأخلي سبيلها فقال: لا أزعم أنها حرام ولكن أخاف أن تعاطوا المومسات منهن.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن أبي حاتم عن ابن عمر أنه كره نكاح نساء أهل الكتاب وتأول {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن}.
وأخرج البخاري والنحاس في ناسخه عن نافع عن عبد الله بن عمر كان إذا سأل عن نكاح الرجل النصرانية أو اليهودية قال: حرم الله المشركات على المسلمين ولا أعرف شيئا من الإشراك أعظم من أن تقول المرأة: ربها عيسى أو عبد من عباد الله). [الدر المنثور: 2/561-564]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأمّا قوله تعالى: {ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم}.
أخرج الواحدي، وابن عباس من طريق السدي عن أبي مالك عن ابن عباس في هذه الآية {ولأمة مؤمنة خير من مشركة} قال نزلت في عبد الله بن رواحة وكانت له أمة سوداء وأنه غضب عليها فلطمها ثم إنه فزع فأتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأخبره خبرها، فقال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم: ما هي يا عبد الله قال: تصوم وتصلي وتحسن الوضوء وتشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسوله، فقال: يا عبد الله هذه مؤمنة، فقال عبد الله: فوالذي بعثك بالحق لأعتقها ولأتزوجها ففعل فطعن عليه ناس من المسلمين وقالوا: نكح أمة وكانوا يريدون أن ينكحوا إلى المشركين وينكحوهم رغبة في أحسابهم فأنزل الله {ولأمة مؤمنة خير من مشركة}.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن السدي مثله سواء معضلا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان في قوله {ولأمة مؤمنة} قال: بلغنا أنها كانت أمة الحذيفة سوداء فأعتقها وتزوجها حذيفة.
وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد في مسنده، وابن ماجة والبيهقي في "سننه" عن عبد الله بن عمرو عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال لا تنكحوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن ولا تنكحوهن على أموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن وانكحوهن على الدين فلأمة سوداء خرماء ذات دين أفضل
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي، وابن ماجة والبيهقي في "سننه" عن أبي هريرة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك.
وأخرج مسلم والترمذي والنسائي والبيهقي، عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: إن المرأة تنكح على دينها ومالها وجمالها فعليك بذات الدين تربت يداك.
وأخرج أحمد والبزار وأبو يعلى، وابن حبان والحاكم وصححه عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تنكح المرأة على إحدى خصال: لجمالها ومالها ودينها فعليك بذات الدين والخلق تربت يمينك.
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أنس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال من تزوج امرأة لعزها لم يزده الله إلا ذلا ومن تزوجها لمالها لم يزده الله إلا فقرا ومن تزوجها لحسبها لم يزده الله إلا دناءة ومن تزوج امرأة لم يرد بها إلا أن يغض بصره ويحصن فرجه أو يصل رحمه بارك الله له فيها وبارك لها فيه.
وأخرج البزار عن عوف بن مالك الأشجعي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عودوا المريض واتبعوا الجنازة ولا عليكم أن تأتوا العرس ولا عليكم أن لا تنكحوا المرأة من أجل حسنها فعل أن لا يأتي بخير ولا عليكم أن لا تنكحوا المرأة لكثرة مالها فعل مالها أن لا يأتي بخير ولكن ذوات الدين والأمانة). [الدر المنثور: 2/564-567]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأمّا قوله تعالى: {ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا}.
أخرج ابن جرير عن أبي جعفر محمد بن علي قال: النكاح بولي في كتاب الله ثم قرأ {ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا}.
وأخرج أبو داود والترمذي، وابن ماجة والحاكم وصححه والبيهقي في "سننه" عن أبي موسى أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: لا نكاح إلا بولي.
وأخرج ابن ماجة والبيهقي عن عائشة، وابن عباس قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نكاح إلا بولي وفي حديث عائشة: والسلطان ولي من لا ولي له.
وأخرج الشافعي وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي، وابن ماجة والحاكم وصححه والبيهقي في "سننه" عن عائشة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ثلاثا فإن أصابها فلها المهر بما استحل من فرجها وإن استجرأوا فالسلطان ولي من لا ولي له.
وأخرج ابن ماجة والبيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تزوج المرأة المرأة ولا تزوج المرأة نفسها فإن الزانية هي التي تزوج نفسها.
وأخرج البيهقي عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل.
وأخرج البيهقي عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجوز نكاح إلا بولي وشاهدي عدل
وأخرج مالك والبيهقي عن عمر بن الخطاب قال: لا تنكح المرأة إلا بإذن وليها أو ذي الرأي من أهلها أو السلطان.
وأخرج الشافعي والبيهقي عن ابن عباس قال: لا نكاح إلا بولي مرشد وشاهدي عدل). [الدر المنثور: 2/567-569]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأمّا قوله تعالى: {ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم}.
أخرج البخاري، وابن ماجة عن سهل بن سعد قال مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما تقولون في هذا قالوا: حري إن خطب أن ينكح وإن شفع أن يشفع وإن قال أن يستمع، قال: ثم سكت فمر رجل من فقراء المسلمين فقال: ما تقولون في هذا قالوا: حري إن خطب أن لا ينكح وإن شفع أن لا يشفع وإن قال لا يسمع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا خير من ملء الأرض مثل هذا.
وأخرج الترمذي، وابن ماجة والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إن لا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض
وأخرج الترمذي والبيهقي في "سننه" عن أبي حاتم المزني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فانكحوه إن لا تفعلوا تكن فتنة في الأرض
وفساد عريض، قالوا: يا رسول الله وإن كان فيه قال: إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فانكحوه ثلاث مرات.
وأخرج الحاكم وصححه عن معاذ الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أعطى لله ومنع لله وأحب لله وأبغض لله فقد استكمل إيمانه). [الدر المنثور: 2/569-570]


إشراق المطيري 9 جمادى الأولى 1434هـ/20-03-2013م 03:33 PM

التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (قوله: {قل العفو...}
وجه الكلام فيه النصب، يريد: قل ينفقون العفو. وهو فضل المال [قد] نسخته الزكاة [تقول: قد عفا]). [معاني القرآن: 1/141]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {الميسر} القمار.
{قل العفو}أي: الطاقة التي تطيقها والقصد، تقول: خذ ما عفا لك، أي: ما صفا لك). [مجاز القرآن: 1/73]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثمٌ كبيرٌ ومنافع للنّاس وإثمهما أكبر من نّفعهما ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات لعلّكم تتفكّرون}
قال: {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} إذا جعلت {ماذا} بمنزلة (ما).
وإن جعلت {ماذا} بمنزلة "الذي" قلت: {قل العفو} والأولى منصوبة وهذا مرفوعة كأنه قال: {ما الذي ينفقون} فقال: "الذي ينفقون العفو".
وإذا نصبت فكأنه قال: "ما ينفقون" فقال: "ينفقون العفو" لأن (ما) إذا لم تجعل بمنزلة "الذي" فـ"العفو" منصوب بـ"ينفقون".
وإن جعلت بمنزلة "الذي" فهو مرفوع بخبر الابتداء كما قال: {مّاذا أنزل ربّكم قالوا أساطير الأوّلين} جعل {مّاذا} بمنزلة "الذي"
وقال: {ماذا أنزل ربّكم قالوا خيراً} جعل {ماذا} بمنزلة "ما".
وقد يكون إذا جعلها بمنزلة "ما" وحدها الرفع على المعنى. لأنه لو قيل له: "ما صنعت"؟ فقال: "خيرٌ"، أي: الذي صنعت خيرٌ، لم يكن به بأس. ولو نصبت إذا جعلت "ذا" بمنزلة "الذي" كان أيضاً جيدا لأنه لو قيل لك: "ما الذي صنعت" فقلت: "خيراً" أي: صنعت خيراً. كان صوابا. قال الشاعر:

دعي ماذا علمت سأتّقيه = ولكن بالمغيّب نبئّيني
جعل "ما" و"ذا" بمنزلة "ما" وحدها، ولا يجوز أن يكون "ذا" بمنزلة "الذي" في هذا البيت لأنك لو قلت: "دعي ما الذي علمت" لم يكن كلاما.
وقال أهل التأويل في قوله: {ماذا أنزل ربّكم قالوا أساطير الأوّلين} لأن الكفار جحدوا أن يكون ربهم أنزل شيئا فقالوا لهم: "ما تقولون أنتم أساطير الأوّلين" أي: "الذي تقولون أنتم أساطير الأولين" ليس على "أنزل ربّنا أساطير الأولين". وهذا المعنى فيما نرى والله أعلم - كما قال: {وإن تخالطوهم فإخوانكم} أي: فهم إخوانكم).
[معاني القرآن: 1/139-140]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الأعمش {فيهما إثم كثير}.
[معاني القرآن لقطرب: 269]
وقراءة الحسن وأبي جعفر وشيبة ونافع {فيهما إثم كبير}.
الحسن وأبو عمرو {ماذا ينفقون قل العفو} بالرفع؛ كأنه قال: الذي ينفقون العفو.
الأعرج {العفو} بالنصب على: ينفقون العفو، يعمل الفعل، وكل حسن). [معاني القرآن لقطرب: 270]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قول الله عز وجل {يسألونك عن الخمر والميسر} وسنذكر ما في هذا اللفظ في موضعه، إن شاء الله.
فأما معنى الميسر عندهم:
فإن الرجل كان يقوم، فيقول: أين أيسار الجزور، كقول الرجل: يسروا ثمن الجزور؛ فيقوم الرهط ما كانوا، فيشترون الجزور بينهم، ثم يجعلون لكل رجل منهم سهمًا، ثم يقترعون عليها بسهامهم، فمن خرج سهمه برئ من ثمنها، وأخذ نصيبه؛ ثم يبقى على آخرهم ثمن الجزور، ولا يذوق من لحم الجزور شيئًا؛ هذا قول ابن عباس رحمه الله.
[معاني القرآن لقطرب: 358]
والقول الآخر: الميسر القمار عند الجزور بالقداح، إذا أجالوها.
وقال في فعله: يسرت الجزور يسارة، ويسر الرجل ييسر يسرًا، وهو رجل يسر: إذا كان له نصيب في القداح، والبرم: الذي لا نصيب له.
وقال علقمة بن عبدة:
لو ييسرون بخير قد يسرت به = وكل ما يسر الأقوام مغروم
وقال المسيب بن علس:
هم الياسرون فلا ضارب = يلاقي قداحهم الدهر زورا
وتفسير الميسر أن العرب كانت تجزئ الجزور عشرة أجزاء:
الكتفان كل واحد منهما جزء، والزور جزء، وأبناء ملاط - وهما العضدان - كل واحد منهما جزء؛ وابن مخدش - وهو الكاهل - وهو جزء، والملحاء جزء - وهي ما بين السنام إلى العجز -، والعجز جزء، والفخذان كل واحد منهما جزء، إلا خرز العنق والطفاطف ترد على الفخذين حتى يكونا جزأين؛ والرأس والفراسن للجزار؛ فإذا جاءهم القدار - وهو الجزار، قال الشاعر:
.............. = ضرب القدار نقيعة القدام
نحر الجزور، ثم نادى في الحي: أين أيسار الحي؟ وهم الرجال؛ فإذا جاءوه نحر جزوره، ثم جزأها على وضم أعشارًا؛ فإن استوت فسبيل ذلك، وإن فضل منهما عظم، وقد استوت فذلك العظم يقال له: الريم.
فإذا جزأ تلك الأجزاء العشرة المسماة فيرد عليها ما بقي من الجنبين والسنام والكبد وجميع ما يبقى سوى الأعضاء العشرة؛ فيوزع ذلك على الأجزاء العشرة؛ فإن بقي عظم أو لحم بعد استواء العشرة الجزاء قيل لذلك الباقي: ريم.
فإن أخذ آخذ العظم الذي هو ريم رجل من الأيسار سب به؛ وإلا فهو للجزار؛ فإن أبا الجزار قبوله، فهو للأوباد؛ أوباد الحي؛ وهم أولوا الحاجة الشديدة، يقال: رجل وبد؛ قال الشاعر:
[معاني القرآن لقطرب: 359]
وكنتم كعظم الريم لم يدر جازر = على أي بدأي مقسم اللحم يجعل
ثم يدعى بالحرضة؛ وهو الرجل الذي لا يأكل لحمًا بثمن، ولا يأكله إلا في منزل غيره؛ فيجعل على كفه سلفتان لئلا يجس قدحًا له فيه هوى؛ ويقال للسلفتين على يديه: الربابة، وقال بعضهم: ربابة فضم؛ وهي لفعة من أديم، تجعل فيها القداح، والربابة أيضًا: جماعة القداح.
قال أبو ذؤيب الهذلي:
وكأنهن ربابة وكأنه يسر = يفيض على القداح ويصدع
ثم يؤتى بالقداح وقد عصبت، وقد عرف قدح كل رجل منهم:
فأولها الفذ، وفيه فرض واحد؛ فإن فاز أخذ جزءًا واحدًا وإن خاب غرم جزءًا واحدًا.
ثم الثاني: توأم، وفيه فرضان، فإن فاز أخذ جزأين، وإن خاب غرم الجزأين.
ثم الثالث: يقال له: الضريب فيه ثلاثة فروض؛ فإن فاز أخذ ثلاثة أجزاء، وإن خاب غرم ثلاثة أجزاء.
ثم الرابع: الحلس، وقد قالوا: الحلس لقدح منها؛ قال أبو علي قطرب: يغلب على أنه الحلس بعينه؛ فيه أربعة فروض؛ فإن فاز أخذ أربعة أجزاء، وإن خاب غرم أربعة أجزاء.
ثم الخامس: النافس، وقد قالوا: الأنفس لقدح منها، قال: يغلب علي أنه النافس، فيه خمسة فروض، فإن فاز أخذ خمسة أجزاء، وإن خاب غرم خمسة أجزاء.
ثم السادس: المسبل، فيه ستة، فإن فاز أخذ ستة أجزاء، وإن خاب غرم ستة أجزاء.
ثم السابع: المعلى، فيه سبعة فروض؛ فإن فاز أخذ سبعة أجزاء، وإن خاب غرم سبعة أجزاء.
وقال أبو النجم:
كما يفيض الياسر القدوحا = صك معلاهن والمنحيا
وقال طرفة أيضًا:
[معاني القرآن لقطرب: 360]
وجامل خوع مني به ضرب المعلى أصلاً والسفيح
ثم يدخل في القداح أربعة قداح أغفال؛ وهي التي لا فروض فيها تتصل بها القداح:
فأولها المصدر؛ والثاني المضعف؛ والثالث المنيح، والرابع السفيح.
ثم يؤتى بثوب شديد البياض، يقال له: مجول؛ يجعل على يدي الحرضة، حتى يعشي بياض الثوب بصره؛ ثم يدس إليه القداح بشماله فينكرها بيمينه؛ فإذا نشز منها قدح، استله الحرضة فلم ينظر إليه حتى يدفعه إلى الرقيب؛ فإن خرج الفذ أخذ نصيبه، وغن خرج المعلى قبله أخذ سبعة أنصباء؛ فإن خرج المسبل بعد المعلى أخذ الثلاثة الباقية، وغرم له الذين خابت قداحهم ثلاثة أجزاء من جزور أخرى، وضمنوا للجزار ثمن الجزور، ولم يحل لهم أن يأكلوا من لحمها؛ فإن لم يكملوا فأخذ الرجل القدحين أو الثلاثة فذلك التتميم، فإن فاز قدحه، ثم رد على خطار، فذلك التثنية.
قال النابغة:
إني أتمم أيساري بذي أود = مثنى الأيادي وأكسو الجنفة الأدما
ومعنى "مثنى الأيادي": أن يأخذ ما عجز عنه الأيسار من عدة الأنصباء، فيتمم ذلك؛ فهذا الميسر.
وأما قوله {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} وقوله {حتى عفوا وقالوا} فالفعل: عفوا يعفون عفوًا؛ أي كثروا؛ وقالوا: أكلنا عفوة الروضة؛ أي أولها لم ترع قبلنا، فهي أنف؛ يقول: غير الجهد من أموالكم.
وقالوا: عفت وفرة الرجل؛ أي كثرت؛ وعفت اللحية: كثرت، وقالوا: عفوت الكبش: جززت صوفه؛ وعفا الشيء يعفو: درس؛ وعفوت صوف الشاة: أخذته، وأعفيته: تركته حتى طال؛
[معاني القرآن لقطرب: 361]
وقالوا: عفوا عفاء وعفوا، وعفت الريح الدار: أخذت منها؛ ويكون بيت امرئ القيس على التمام الذي لم يدرس، قوله:
فتوضح فالمقرات لم يعف رسمها = لما نسجتها من جنوب وشمأل
يجوز أن يكون: بقاه ولم يدرس؛ ويجوز على لم يعف رسمها: أي لم يبق، ويكون على مثل: عفا القوم؛ أي كثروا.
وأما قول لبيد:
عفت الديار محلها فمقامها = ..............
يريد: درس وذهب.
ومن هذا اللفظ: عفوت عنه؛ والعافية من ذلك؛ كأنه: وفرته واستبقيته؛ ومن هذا اللفظ: العفو والعفو والعفاء: اسم للجحش). [معاني القرآن لقطرب: 362]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({الميسر}: القمار كله.
{قل العفو}: العفو في التفسير ما فضل عن أهلك، وقال بعضهم: هو ما أطقته منن غير أن تجهد نفسك). [غريب القرآن وتفسيره: 92]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({والميسر}: القمار.
وقد ذكرناه في سورة المائدة، وذكرنا النفع به.

{ويسألونك ماذا ينفقون}؟ أي: ماذا يتصدقون ويعطون؟
{قل العفو} يعني: فضل المال. يريد: أن يعطي ما فضل عن قوته وقوت عياله. ويقال: «خذ ما عفا لك» أي ما أتاك سهلا بلا إكراه ولا مشقة.
ومنه قوله عز وجل: {خذ العفو وأمر بالعرف} [الأعراف:199]، أي: اقبل من الناس عفوهم، وما تطوعوا به: من أموالهم، ولا تستقص عليهم). [تفسير غريب القرآن:82-83]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للنّاس وإثمهما أكبر من نفعهما ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات لعلّكم تتفكّرون}
{الخمر} المجمع عليه، وقياس كل ما عمل عملها أن يقال له خمر.
وأن يكون في التحريم بمنزلتها.
وتأويل الخمر في اللغة: أنه كل ما ستر العقل، يقال لكل ما ستر الإنسان من شجر وغيره خمر، وما ستره من شجر خاصة ضرى، " مقصور "، ويقال دخل فلان في خمار أي في الكثير الذي يستتر فيه وخمار المرأة قناعها، وإنما قيل له خمار لأنه يغطي، والخمرة التي يسجد عليها إنما سميت بذلك لأنها تستر الوجه عن الأرض، وقيل للعجين قد اختمر لأن فطرته قد غطاها الخمر أعني الاختمار - يقال قد اختمر العجين وخمرته، وفطرته وأفطرته.
فهذا كله يدل على أن كل مسكر خمر وكل مسكر مخالط العقل ومغط عليه، وليس يقول أحد للشارب إلا مخمور - من كل سكر - وبه خمار، فهذا بيّن واضح.
وقد لبّس على أبي الأسود الدؤلي فقيل له: إن هذا المسكر الذي سموه بغير الخمر حلال فظن أن ذلك كما قيل له، ثم قاده طبعه إلى أن حكم بأنهما واحد، فقال:
دع الخمر يشربها الغواة فإنني... رأيت أخاها مجزيا لمكانها
فإلا يكنها أو تكنه فإنه... أخوها غذته أمها بلبانها
وقال أهل التفسير في قوله عزّ وجلّ: {قل فيهما إثم كبير} وقرئت " كثير " قال قوم زهّد فيها في هذا الموضع وبين تحريمها في سورة المائدة في قوله: {إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشّيطان فاجتنبوه لعلّكم تفلحون (90) إنّما يريد الشّيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدّكم عن ذكر اللّه وعن الصّلاة فهل أنتم منتهون (91)}.
ومعنى{فهل أنتم منتهون}: التحضيض على الانتهاء والتفديد على ترك الانتهاء.
وقال قوم: لا بل تحرم بما بين ههنا مما دل عليه الكتاب في موضع آخر.
لأنه قال: {إثم كبير} وقد حرم الله الإثم نصّا فقال: {قل إنّما حرّم ربّي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحقّ}.
وإنما بينا تحريم الخمر وإن كان مجمعا عليه ليعلم أن نص ذلك في الكتاب.
فأما الإثم الكبير الذي في الخمر: فبين، لأنها توقع العداوة والبغضاء وتحول بين المرء وعقله الذي يميز به ويعرف ما يجب لخالقه.
والقمار: يورث العداوة والبغضاء وإن مال الإنسان يصير إلى غيره بغير جزاء يؤخذ عليه،
وأما المنافع للناس فيه: فاللذة في الخمر والربح في المتجّر فيها، وكذلك المنفعة في
القمار، يصير الشيء إلى الإنسان بغير كد ولا تعب فأعلم اللّه أن الإثم فيهما {إثم} أكبر من نفعهما.
وقوله عزّ وجلّ: {ويسألونك ماذا ينفقون}.
النصنب والرفع في {العفو} جميعا، من " جعل {ماذا} اسما واحدا رد العفو عليه ومن جعل " ما " اسما و " إذا " خبرها وهي في معنى الذي رد العفو عليه فرفع، كأنه قال: ما الذي ينفقون؟
فقال: العفو، ويجوز أن ينصب العفو وإن كان ما وحدها اسما فتحمل العفو علي ينفقون، كأنه قيل أنفقوا العفو.
ويجوز أيضا أن ترفع - وإن جعلت {ماذا} بمنزلة شيء واحد على "قل هو العفو".
والعفو في اللغة: الفضل والكثرة، يقال عفا القوم إذا كثروا.
فأمروا أن ينفقوا الفضل إلى أن فرضت الزكاة، فكان أهل المكاسب يأخذ أحدهم من كسبه ما يكفيه ويتصدق بباقيه، ويأخذ أهل الذهب والفضة ما يكفيهم في عامهم وينفقون باقيه هذا قد روي في التفسير، والذي عليه الإجماع أن الزكاة في سائر الأشياء قد بينت ما يجب فيها.

وقوله عزّ وجلّ: {كذلك يبين اللّه لكم الآيات} أي: مثل هذا البيان في الخمر والميسر {يبين الله لكم الآيات}: لأن خطاب النبي - صلى الله عليه وسلم - مشتمل على خطاب أمته كما قال عزّ وجلّ: {يا أيّها النّبيّ إذا طلّقتم النّساء}
ومثل هذا في القرآن كثير يحكي مخاطبة الإجماع بذلك، وذلكم أكثر في اللغة، وقد أتي في القرآن في غير " ذلك " للجماعة - قال اللّه تعالى:
{يا نساء النّبيّ من يأت منكنّ بفاحشة مبيّنة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على اللّه يسيرا } -
والأصل ذلكن، إلا أن الجماعة في معنى القبيل.
وقوله عز وجل: {لعلّكم تتفكّرون (219) في الدّنيا والآخرة}يجوز أن يكون:
(تتفكرون في الدنيا والآخرة) من صلة تتفكرون المعنى لعلكم تتفكرون في أمر الدنيا وأمر الآخرة -،
ويجوز أن يكون في الدنيا والآخرة من صلة كذلك يبين الله لكم الآيات).

أي: يبين لكم الآيات في أمر الدنيا وأمر الآخرة لعلكم تتفكرون). [معاني القرآن: 1/291-294]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله تعالى: {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس}
روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس} ثم أنزل {لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون} فكانوا يدعونها فإذا صلوا العشاء شربوها فلا يصبحون حتى يذهب عنهم السكر فإذا صلوا الغداة شربوها فما يأتي الظهر حتى يذهب عنهم السكر ثم إن ناسا شربوها فقاتل بعضهم بعضا وتكلموا بما لا يرضي الله فأنزل الله تعالى: {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه} فحرم الله الخمر ونهى عنها وأمر باجتنابها كما أمر باجتناب الأوثان
وروى أبو توبة عن ابن عمر أنزلت {إنما الخمر} إلى قوله: {فهل أنتم منتهون} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((حرمت)).
وقال عمرو بن شرحبيل: فقال عمر: انتهينا فإنها تذهب المال والعقل.
وأهل التفسير يذهبون إلى أن المحرم لها هذا.
وقال بعض الفقهاء: المحرم لها آيتان:
إحداهما: {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم}.
قال أبو إسحاق: الخمر هذه المجمع عليها وقياس كل ما تحمل عملها أن يقال له خمر وأن يكون بمنزلتها في التحريم لأن إجماع العلماء أن القمار كله حرام وإنما ذكر الميسر من بينه فجعل كله قياسا على الميسر والميسر إنما يكون قمارا في الجزر خاصة وكذلك كل ما كان كالخمر فهو بمنزلتها
وتأويل الخمر في اللغة: أنه ما ستر على العقل يقال لكل ما ستر الإنسان من شجر وغيره خمر وما ستر من شجر خاصة الضرا مقصور
ودخل في خمار الناس، أي: الكثير الذي يستتر فيه
وخمار المرأة: قناعها لأنه يغطي الرأس.
والخمرة: التي سجد عليها لأنها تستر الوجه عن الأرض وكل مسكر خمر لأنه يخالط العقل ويغطيه وفلان مخمور من كل مسكر.

قال سعيد بن جبير ومجاهد: الميسر القمار كله
فأما الإثم الذي في الخمر فالعداوة والبغضاء وتحول بين الإنسان وبين عقله الذي يميز به ويعرف به ما يجب لخالقه
والقمار يورث العداوة لأن مال الإنسان يصير إلى غيره بغير جزاء يأخذه عليه
والمنافع لذة الخمر والربح فيها ومصير الشيء إلى الإنسان في القمار بغير كد
وقال الضحاك: منافعهما قبل التحريم وإثمهما بعد التحريم). [معاني القرآن: 1/170-174]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله تعالى: {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو}
قال طاووس: اليسير من كل شيء .
وقال خالد بن أبي عمران سألت القاسم وسالما فقالا فضل المال ما يصدق به عن ظهر غنى.
وقال قتادة: هو الفضل.
قال أبو جعفر: وهذه الأقوال ترجع إلى شيء واحد لأن العفو في اللغة ما سهل يقال خذ ما عفا لك أي ما سهل لك وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أفضل الصدقة ما تصدق به عن ظهر غنى))
فعلى هذا تأويل قول القاسم وسالم وفي المعنى قول آخر.
قال مجاهد: هي الصدقة المفروضة والظاهر يدل على القول الأول). [معاني القرآن: 1/174-176]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة}
قال أبو جعفر: حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة بن شبيب قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة في قول الله تعالى: {لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة}
قال: يقول لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة فتعرفون فضل الآخرة على الدنيا.
قال أبو جعفر: والتقدير على قول قتادة لعلكم تتفكرون في أمر الدنيا والآخرة
وقيل هو على التقديم أي كذلك يبين الله لكم الآيات في أمر الدنيا والآخرة لعلكم تتفكرون). [معاني القرآن: 1/176]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ({والميسر}: القمار). [ياقوتة الصراط:179-180]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({والميسر} القمار.
{قل العفو} أي: يعطي ما فضل عن قوته وقوت عياله...). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 40]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الْمَيْسِرِ}: القمار.
{الْعَفْوَ}:
ما عفي عنه ولم يطالبه به).
[العمدة في غريب القرآن: 90]

تفسير قوله تعالى: {فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ويسألونك عن اليتامى...}
يقال للغلام يتم ييتم يتماً ويتماً. قال: وحكي لي يتم ييتم.
{وإن تخالطوهم فإخوانكم} ترفع الإخوان على الضمير (فهم)؛ كأنك قلت (فهم إخوانكم) ولو نصبته كان صوابا؛ يريد: فإخوانكم تخالطون، ومثله {فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم} ولو نصبت ههنا على إضمار فعل (ادعوهم إخوانكم ومواليكم).
وفي قراءة عبد الله "إن تغذّبهم فعبادك" وفي قراءتنا "فإنّهم عبادك" وإنما يرفع من ذا ما كان اسما يحسن فيه "هو" مع المرفوع. فإذا لم يحسن فيه "هو" أجريته على ما قبله؛ فقلت: إن اشتريت طعاما فجيّدا، أي فاشتر الجّيد، وإن لبست ثيابا فالبياض؛ تنصب لأن "هو" لا يحسن ههنا، والمعنى في هذين ههنا مخالف للأوّل؛ ألا ترى أنك تجد القوم إخوانا وإن جحدوا، ولا تجد كلّ ما يلبس بياضا، ولا كلّ ما يشترى جيّدا. فإن نويت أن ما ولي شراءه فجيّد رفعت إذا كان الرجل قد عرف بجودة الشراء وبلبوس البياض. وكذلك قول الله {فإن خفتم فرجالا} نصب؛ لأنه شيء ليس بدائم، ولا يصلح فيه "هو" ألا ترى أن المعنى: إن خفتم أن تصلّوا قياما فصلّوا رجالا أو ركبانا [رجالا يعني: رجّالة] فنصبا لأنهما حالان للفعل لا يصلحان خبرا.

{واللّه يعلم المفسد من المصلح} المعنى في مثله من الكلام: الله يعلم أيّهم يفسد وأيّهم يصلح. فلو وضعت أيّا أو من مكان الأوّل رفعته، فقلت: أنا أعلم أيّهم قام من القاعد،
قال [الفرّاء] سمعت العرب تقول: ما يعرف أي من أيّ. وذلك أن (أيّ) و(من) استفهامان، والمفسد خبر.
ومثله ما أبالى قيامك أو قعودك، ولو جعلت في الكلام استفهاما بطل الفعل عنه فقلت: ما أبالي أقائم أنت أم قاعد. ولو ألقيت الاستفهام اتّصل الفعل بما قبله فانتصب.
والاستفهام كله منقطع مما قبله لخلقة الابتداء به).
[معاني القرآن: 1/141-142]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ولو شاء اللّه لأعنتكم...} يقال: قد عنت الرجل عنتا، وأعنته الله إعناتا). [معاني القرآن: 1/143]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {لأعنتكم} أي: لأهلككم، من العنت). [مجاز القرآن: 1/73]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قول الله عز وجل {ولو شاء الله لأعنتكم} الفعل: عنت الرجل، عنتا، من كسر أو جراحة أصابه، وأعنته أنا، إعناتًا.
وقول الله عز وجل {ذلك لمن خشي العنت منكم} وقالوا أيضًا: العنت والعنوت). [معاني القرآن لقطرب: 362]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({ولو شاء الله لأعنتكم}: أهلككم. والعنت الهلاك). [غريب القرآن وتفسيره: 92]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ويسألونك عن اليتامى قل إصلاحٌ لهم خيرٌ} أي: تثمير أموالهم، والتنزّه عن أكلها لمن وليها - خير.
{وإن تخالطوهم} فتوآكلوهم {فإخوانكم} فهم إخوانكم، حكمهم في ذلك حكم إخوانكم من المسلمين.
{واللّه يعلم المفسد من المصلح} أي: من كان يخالطهم على جهة الخيانة والإفساد لأموالهم، ومن كان يخالطهم على جهة التنزه والإصلاح.
{ولو شاء اللّه لأعنتكم} أي: ضيق عليكم وشدّد. لكنه لم يشأ إلّا التسهيل عليكم. ومنه يقال: أعنتني فلان في السؤال، إذا شدّد عليّ وطلب عنتي، وهو الإضرار. يقال: عنتت الدابة، وأعنتها البيطار، إذا ظلعت). [تفسير غريب القرآن: 83]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم واللّه يعلم المفسد من المصلح ولو شاء اللّه لأعنتكم إنّ اللّه عزيز حكيم}
هذا مما نحكم تفسيره في سورة النساء إن شاء الله، إلا أن جملته أنهم كانوا يظلمون اليتامى، فيتزوجون العشر ويأكلون أموالهم مع أموالهم، فشدّد عليهم في أمر اليتامى تشديدا خافوا معه التزويج بنساء اليتامى ومخالطتهم، فأعلمهم اللّه أن الإصلاح لهم هو خير الأشياء، وأن مخالطتهم في التزويج وغيره جائزة مع تحري الإصلاح فقال: {وإن تخالطوهم فإخوانكم} أي: فهم إخوانكم.
فالرفع على هذا. والنصب جائز {وإن تخالطوهم فإخوانكم} أي: فإخوانكم تخالطون، ولا أعلم أحدا قرأ بها، فلا تقرأنّ بها إلا أن تثبت رواية صحيحة.
وقوله عزّ وجلّ: {ولو شاء اللّه لأعنتكم}
قال أبو عبيدة معناه: لأهلككم، وحقيقته ولو شاء الله لكلفكم ما يشتد عليكم فتعنتون،
وأصل العنت في اللغة: من قولهم عنت البعير يعنت إذا حدث في رجله كسر بعد جبر لا يمكنه معه تصريفها، ويقال أكمة غنوت إذا كان لا يمكن أن يحازيها إلا بمشقة عنيفة.

وقوله عزّ وجلّ: {إنّ اللّه عزيز حكيم} أي: يفعل بعزته ما يحب لا يدفعه عنه دافع.
{حكيم} أي: ذو حكمة فيما أمركم به من أمر اليتامى وغيره). [معاني القرآن: 1/294-295]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير}
قال سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما نزلت: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما} إلى آخرها قالوا هذه موجبة فاعتزلوهم وتركوا خلطتهم فشق ذلك عليهم فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم إن الغنم قد بقيت ليس لها راع والطعام ليس له من يصنعه فنزلت: {ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير} إلى آخرها). [معاني القرآن: 1/177]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {والله يعلم المفسد من المصلح} أي: يعلم من يخالطهم للخيانة ومن لا يريد الخيانة). [معاني القرآن: 1/177]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {ولو شاء الله لأعنتكم}
قال مجاهد: أي لو شاء لم يطلق لكم مخالطتهم في الأدم والمرعى.
وروى الحكم عن مقسم عن ابن عباس ولو شاء الله لأعنتكم قال: لو شاء لجعل ما أحببتم من أموال اليتامى موبقا.
وقال أبو عبيدة: لأعنتكم لأهلككم.
وقال أبو إسحاق: حقيقته لكلفكم ما يشتد عليكم فتعنتون.
قال: وأصل العنت في اللغة: من قولهم عنت البعير عنتا إذا حدث في رجله كسر بعد جبر لا يمكنه معه تصريفها
{إن الله عزيز} أي: يفعل بعزته ما يحب لا يدفعه عنه أحد.
{حكيم} ذو الحكمة فيما أمركم به من أمر اليتامى وغيره). [معاني القرآن: 1/177-179]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): (والإعنات: تكليف غير الطاقة). [ياقوتة الصراط: 180]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({لأعْنَتَكُـــمْ}: لأهلككــم). [العمدة في غريب القرآن: 90]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ولا تنكحوا المشركات...}
يريد: لا تزوّجوا، والقرّاء على هذا، ولو كانت: ولا تنكحوا المشركات أي: لا تزوّجوهن المسلمين كان صوابا.
ويقال: نكحها نكحا ونكاحا.

وقوله: {ولو أعجبتكم...}
كقوله: وإن أعجبتكم. ولو وإن متقاربان في المعنى.
ولذلك جاز أن يجازى لو بجواب إن، إن بجواب لو في قوله: {ولئن أرسلنا ريحاً فرأوه مصفراً لظلّوا من بعده يكفرون}. وقوله: "فرأوه" يعني بالهاء الزّرع).
[معاني القرآن: 1/143]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ} أي: لا تتزوجوا الإماء المشركات.
{ولا تنكحوا المشركين} [أي لا تزوجوا المشركين] {حتّى يؤمنّ}). [تفسير غريب القرآن:83-84]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتّى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النّار واللّه يدعو إلى الجنّة والمغفرة بإذنه ويبيّن آياته للنّاس لعلّهم يتذكّرون}
معنى {لا تنكحوا}: لا تتزوجوا المشركات، ولو قرئت ولا تنكحوا المشركات كان وجها، ولا أعلم أحدا قرأ بها، والمعنى في هذا: ولا تتزوجوا المشركات حتى يؤمن،
ومعنى المشركات: ههنا لكل من كفر بالنبي - صلى الله عليه وسلم - واللغة تطلق على كل كافر إنما يقال له مشرك - وكان التحريم قد نزل في سائر الكفار في تزويج نسائهم من المسلمين، ثم أحل تزويج نساء أهل الكتاب من بينهم. فقال اللّه - عزّ وجلّ: {اليوم أحلّ لكم الطّيّبات وطعام الّذين أوتوا الكتاب حلّ لكم وطعامكم حلّ لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم}

فإن قال قائل: من أين يقال لمن كفر بالنبي - صلى الله عليه وسلم - مشرك وإن قال إن اللّه عزّ وجل واحد؟
فالجواب: في ذلك أنه إذا كفر بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فقد زعم أن ما أتى به من القرآن من عند غير اللّه - جل ثناؤه - والقرآن إنما هو من عند اللّه - عزّ وجلّ - لأنه يعجز المخلوقين أن يأتوا بمثله - فقد زعم أنه قد أتى غير الله بما لا يأتي به إلا اللّه - عزّ وجلّ - فقد أشرك به غيره.
{ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتّى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النّار واللّه يدعو إلى الجنّة والمغفرة بإذنه ويبيّن آياته للنّاس لعلّهم يتذكّرون}
وقوله عزّ وجلّ: {ولا تنكحوا المشركين حتّى يؤمنوا} أي: لا تزوجوهم مسلمة.
وقوله: {ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم} معناه: وإن أعجبكم، إلا أن " لو " تأتي فتنوب عن أن في الفعل الماضي.
ومعنى الكلام: أن الكافر شر من المؤمن لكم وإن أعجبكم أي أعجبكم أمره في باب الدنيا، لان الكافر والكافرة يدعوان إلى النار أي يعملان بأعمال أهل النار - فكأن نسلكم يتربى مع من هذه حاله.
وقوله عزّ وجلّ: {واللّه يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه} أي: يدعوكم إلى مخالطة المؤمنين لأن ذلك أوصل لكم إلى الجنة.
ومعنى {بإذنه} أي: بعلمه الذي أعلم إنّه وصلة لكم إليها.

{ويبيّن آياته} أي: علاماته، يقال آية وآي، وآيات أكثر وعليها أتى القرآن الكريم.
وقوله عزّ وجلّ: {لعلّهم يتذكّرون}
معنى لعل ههنا: الترجي لهم أي ليكونوا هم راجين - واللّه أعلم أيتذكرون أم لا، ولكنهم خوطبوا على قدر لفظهم واستعمالهم). [معاني القرآن: 1/295-296]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن}
أكثر أهل العلم على هذه الآية: منسوخة نسخها {اليوم أحل لكم الطيبات} إلى قوله: {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم}
هذا قول ابن عباس ومكحول وهو مذهب الفقهاء مالك وسفيان والأوزاعي
وروى سفيان عن حماد قال سألت سعيد بن جبير عن نكاح اليهودية والنصرانية فقال: لا بأس به قال قلت فإن الله يقول {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} فقال: أهل الأوثان والمجوس.
وروى معمر عن قتادة ولا تنكحوا المشركات قال: المشركات ممن ليس من أهل الكتاب وقد تزوج حذيفة يهودية أو نصرانية
فأما المحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم فقيل هن العفائف والإماء). [معاني القرآن: 1/179-180]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا} أي: لا تزوجوهم بمسلمات ولو أعجبكم أي وإن أعجبكم أمره في الدنيا فمصيره إلى النار
{أولئك يدعون إلى النار} أي: يعملون بأعمال أهلها فيكون نسلكم يتربى مع من هذه حاله {والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه}أي: يدعوكم إلى أعمال أهل الجنة.
{والمغفرة بإذنه} أي: بعلمه قيل أي يعلمه أي ما دعاكم إليه وصلة إليهما.
وقيل بما أمركم به ويبين آياته أي علاماته
{لعلهم يتذكرون} ليكونوا على رجاء التذكر). [معاني القرآن: 1/180-181]


إشراق المطيري 2 جمادى الآخرة 1434هـ/12-04-2013م 11:35 PM

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219) }
قال أبو زكريا يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (و«الخمر» أنثى، وربما ذكّروها. قال الشاعر:


وعـيـنـان قـــال الله كـونــا فـكـانـتـافعولان بالألباب ما يفعل الخمر

وقال: هكذا أنشدني بعضهم، فاستفهمته فرجع إلى التأنيث، فقال: ما تفعل الخمر. ويروى: فعولين.
وقد ذكرها الأعشى، فقال:


وكأن الخمر العتيق من الإســفــنــط مـمـزوجــة بــمـــاء زلال

). [المذكور والمؤنث: 73-74]
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (



وكـان اللحـم ييسـره أبـوهـاأحب إلى الفتاة من العبير

يَيْسِرُهُ من الميسر وهو القمار بالقداح على الجزور، وأكثر ما يكون الميسر في الجدب؛ ويقال للرجل يفعل ذلك: ياسِرٌ ويَسِرٌ، والجمع: الأيسار؛ ويقال للذي لا يدخل في الميسر: برم، والجمع: الأبرام). [رواية أبي سعيد السكري لديوان جران العود: 27]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (والعفوة إنما هو ما عفا، أي ما فضل، {خُذِ الْعَفْوَ}، قالوا: الفضل، وكذلك قوله جل اسمه: {وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} ). [الكامل: 3/1364] (م)

تفسير قوله تعالى: (فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220) )
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (هذا باب مالا يعمل فيه ما قبله من الفعل
الذي يتعدى إلى المفعول ولا غيره
لأنه كلامٌ قد عمل بعضه في بعض فلا يكون إلاّ مبتدأ لا يعمل فيه شيء قبله لأنّ ألف الاستفهام تمنعه من ذلك.
وهو قولك قد علمت أعبد الله ثمّ أم زيدٌ وقد عرفت أبو من زيدٌ وقد عرفت أيّهم أبوه وأما ترى أي برقٍ هاهنا. فهذا في موضع مفعول كما أنّك إذا قلت عبد الله هل رأيته فهذا الكلام في موضع المبنىّ على المبتدأ الذي يعمل فيه فيرفعه.
ومثل ذلك ليت شعري أعبد الله ثمّ أم زيدٌ وليت شعري هل رأيته فهذا في موضع خبر ليت. فإنّما أدخلت هذه الأشياء على قولك أزيدٌ ثمّ أم عمرو وأيّهم أبوك لما احتجت إليه من المعاني. وسنذكر ذلك في باب التسوية.
ومثل ذلك قوله عزّ وجلّ: {لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا} وقوله تعالى: {فلينظر أيها أزكى طعاما}.
ومن ذلك قد علمت لعبد الله خيرٌ منك. فهذه اللام تمنع العمل كما تمنع ألف الاستفهام لأنّها إنّما هي لام الابتداء وإنما أدخلت عليه علمت لتؤكد وتجعله يقيناً قد علمته ولا تحيل على علم غيرك. كما أنّك إذا قلت قد علمت أزيدٌ ثمّ أم عمروٌ أردت أن تخبر أنّك قد علمت أيّهما ثمّ وأردت أن تسوى علم المخاطب فيهما كما استوى علمك في المسألة حين قلت أزيدٌ ثمّ
أم عمرٌ و. ومثل ذلك قوله عزّ وجلّ: {ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاقٍ}.
ولو لم تستفهم ولم تدخل لام الابتداء لأعملت علمت كما تعمل عرفت ورأيت وذلك قولك قد علمت زيداً خيرا منك كما قال تعالى جدّه: {ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت} وكما قال جلّ ثناؤه: {لا تعلمونهم الله يعلمهم} كقولك لا تعرفونهم الله يعرفهم. وقال سبحانه: {والله يعلم المفسد من المصلح} ). [الكتاب: 1/235-237] (م)


تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221) }
قال محمد بن المستنير البصري (قطرب) (ت:206هـ): (تسمية النكاح
من الشهوة والشبق
قالوا في مثل نكاح الإنسان:
نكح الإنسان نَكْحا ونكاحا، ومطأ الرجل المرأة، وباشرها، ولامسها لماسا، والملامسة، والبضع، والعَتْر –بالتسكين والتحريك- النكاح كله.
ويقال: طمثها يطمثها ويطمثها: إذا غشيها، قال الله عز وجل: {لم يطمثهن إنس قبلهم}، قال ابن الحدادية الخزاعي:


يـبـوســان لـــــم يـطـمـثـهـا در حــالـــبعلى الشوط والإتعاب كان مراهما

). [الفرق في اللغة: 77] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (سَمِع أعرابي واليًا يَخْطُب فَلَحن مرّةً أو اثنتين، فقال: أشْهَدُ أنك مَلَكتَ بقَدَر.

وسَمِع أعرابي إمامًا يقرأ: {وَلاَ تَنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَى يُؤْمِنُوا} بفتح تاء تنكحوا، فقال سبحانَ الله! هذا قبلَ الإسلام قبيح فكيف بَعْدَه! فقيل له: إنه لحنَ، والقراءةُ {وَلَا تُنْكِحُوا} فقال: قبحه الله، لا تجعلوه بعدها إِمامًا فإنه يُحِلُّ ما حَرَّمَ اللّه. قال الشاعر في جارية له:


أوّلُ ما اسْمَعُ منها في السحَرْتذكيرُهـا الأنْثَـى وتأنيـثُ الذَكَـرْ

والسًوْءَةُ السوءُ في ذِكْر القَمَرْ). [عيون الأخبار: 5/160]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (ويقال أمة وأمتان وإماء وإموان وأموان وآم، قال الشاعر:
أما الإماء فلن يدعونني ولدًا = إذا تداعى بنو الإموان بالعار). [شرح المفضليات: 789]

محمد أبو زيد 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م 11:53 AM

تفاسير القرن الثالث الهجري


.....

محمد أبو زيد 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م 11:53 AM

تفاسير القرن الرابع الهجري


.....

محمد أبو زيد 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م 11:53 AM

تفاسير القرن الخامس الهجري


.....

محمد أبو زيد 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م 11:53 AM

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {يسألونك عن الخمر والميسر} الآية، السائلون هم المؤمنون، والخمر مأخوذة من خمر إذا ستر، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «خمروا الإناء»، ومنه خمار المرأة، والخمر ما واراك من شجر وغيره، ومنه قول الشاعر:
ألا يا زيد والضحاك سيرا ....... فقد جاوزتما خمر الطريق
أي سيرا مدلين فقد جاوزتما الوهدة التي يستتر بها الذئب وغيره، ومنه قول العجاج:
في لامع العقبان لا يمشي الخمر ....... ... ... ... ...
يصف جيشا جاء برايات غير مستخف، ومنه قولهم: دخل فلان في غمار الناس وخمارهم، أي هو بمكان خاف، فلما كانت الخمر تستر العقل وتغطي عليه سميت بذلك، والخمر ماء العنب الذي غلي ولم يطبخ وما خامر العقل من غير ذلك فهو في حكمه.
قال أبو حنيفة: «قد تكون الخمر من الحبوب»، قال ابن سيده: «وأظنه تسفحا منه، لأن حقيقة الخمر إنما هي ماء العنب دون سائر الأشياء»، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الخمر من هاتين الشجرتين: العنب والنخلة»، وحرمت الخمر بالمدينة يوم حرمت وهي من العسل والزبيب والتمر والشعير والقمح، ولم تكن عندهم خمر عنب، وأجمعت الأمة على خمر العنب إذا غلت ورمت بالزبد أنها حرام قليلها وكثيرها، وأن الحد واجب في القليل منها والكثير، وجمهور الأمة على أن ما أسكر كثيره من غير خمر العنب فمحرم قليله وكثيره.
والحد في ذلك واجب. وقال أبو حنيفة وسفيان الثوري وابن أبي ليلى وابن شبرمة وجماعة من فقهاء الكوفة: «ما أسكر كثيره من غير خمر العنب، فما لا يسكر منه حلال، وإذا سكر أحد منه دون أن يتعمد الوصول إلى حد السكر فلا حد عليه».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وهذا قول ضعيف يرده النظر، وأبو بكر الصديق وعمر الفاروق والصحابة على خلافه»، وروي أن النبي عليه السلام قال: «كل مسكر خمر، وكل خمر حرام، وما أسكر كثيره فقليله حرام»، قال ابن المنذر في الإشراف: «لم يبق هذا الخبر مقالة لقائل ولا حجة لمحتج»، وروي أن هذه الآية أول تطرق إلى تحريم الخمر، ثم بعده {لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى} [النساء: 43]، ثم قوله تعالى: {إنّما يريد الشّيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدّكم عن ذكر اللّه وعن الصّلاة، فهل أنتم منتهون} [المائدة: 91]، ثم قوله تعالى: {إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشّيطان فاجتنبوه} [المائدة: 90]، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حرمت الخمر»، ولم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم في حد الخمر إلا أنه جلد أربعين، خرجه مسلم وأبو داود، وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه ضرب فيها ضربا مشاعا، وحزره أبوبكر أربعين سوطا، وعمل بذلك هو ثم عمر، ثم تهافت الناس فيها فشدد عليهم الحد وجعله كأخف الحدود ثمانين، وبه قال مالك، وقال الشافعي بالأربعين، وضرب الخمر غير شديد عند جماعة من العلماء لا يبدو إبط الضارب، وقال مالك: «الضرب كله سواء لا يخفف ولا يبرح»، ويجتنب من المضروب الوجه والفرج والقلب والدماغ والخواصر بإجماع، وقالت طائفة: هذه الآية منسوخة بقوله: {فاجتنبوه لعلّكم تفلحون} [المائدة: 90]، يريد ما في قوله ومنافع للنّاس من الإباحة والإشارة إلى الترخيص.
والميسر مأخوذ من يسر إذا جزر، والياسر الجازر، ومنه قول الشاعر:
فلم يزل بك واشيهم ومكرهم ....... حتّى أشاطوا بغيب لحم من يسروا
ومنه قول الآخر:
أقول لهم بالشّعب إذ ييسرونني ....... ألم تيأسوا إنّي ابن فارس زهدم؟
والجزور الذي يستهم عليه يسمى ميسرا لأنه موضع اليسر، ثم قيل للسهام ميسر للمجاورة. وقال الطبري: «الميسر مأخوذ من يسر لي هذا إذا وجب وتسنى»، ونسب القول إلى مجاهد، ثم جلب من نص كلام مجاهد ما هو خلاف لقوله، بل أراد مجاهد الجزر، واليسر: الذي يدخل في الضرب بالقداح، وجمعه أيسار وقيل يسر جمع ياسر، كحارس وحرس وأحراس، وسهام الميسر سبعة لها حظوظ وفيها فروض على عدة الحظوظ، وثلاثة لا حظوظ لها، ولا فروض فيها، وهي الفذ والتوأم والرقيب والحلس والنافس والمسبل والمعلى، والثلاثة التي لا حظوظ لها المنيح والسفيح والوغد، تزاد هذه الثلاثة لتكثر السهام وتختلط على الحرضة وهو الضارب بها، فلا يجد إلى الميل مع أحد سبيلا، وكانت عادة العرب أن تضرب بهذه القداح في الشتوة وضيق الوقت وكلب البرد على الفقراء، تشتري الجزور ويضمن الأيسار ثمنها ثم تنحر وتقسم على عشرة أقسام، وأخطأ الأصمعي في قسمة الجزور، فذكر أنها كانت على قدر حظوظ السهام ثمانية وعشرين قسما، وليس كذلك. ثم يضرب على العشرة الأقسام، فمن فاز سهمه بأن يخرج من الربابة متقدما أخذ أنصباءه وأعطاها الفقراء، وفي أحيان ربما تقامروا لأنفسهم ثم يغرم الثمن من لم يفز سهمه. ويعيش بهذه السيرة فقراء الحي، ومنه قول الأعشى:
المطعمو الضيف إذا ما شتا ....... والجاعلو القوت على الياسر
ومنه قول الآخر:
بأيديهم مقرومة ومغالق ....... يعود بأرزاق العفاة منيحها
والمنيح في هذا البيت المستمنح، لأنهم كانوا يستعيرون السهم الذي قد أملس وكثر فوزه، فذلك المنيح الممدوح، وأما المنيح الذي هو أحد الثلاثة الأغفال، فذلك إنما يوصف بالكر، وإياه أراد جرير بقوله:
ولقد عطفن على فزارة عطفة ....... كرّ المنيح وجلن ثمّ مجالا
ومن الميسر قول لبيد:
إذا يسروا لم يورث اليسر بينهم ....... فواحش ينعى ذكرها بالمصائف
فهذا كله هو نفع الميسر، إلا أنه أكل المال بالباطل، ففيه إثم كبير، وقال محمد بن سيرين والحسن وابن عباس وابن المسيب وغيرهم: «كل قمار ميسر من نرد وشطرنج ونحوه حتى لعب الصبيان بالجوز».
وقوله تعالى: {قل فيهما إثمٌ كبيرٌ ومنافع للنّاس} الآية، قال ابن عباس والربيع: «الإثم فيهما بعد التحريم، والمنفعة فيهما قبله»، وقالت طائفة: الإثم في الخمر ذهاب العقل والسباب والافتراء والإذاية والتعدي الذي يكون من شاربها، والمنفعة اللذة بها كما قال حسان بن ثابت:
ونشربها فتتركنا ملوكا ....... وأسدا ما ينهنهنا اللقاء
إلى غير ذلك من أفراحها، وقال مجاهد: «المنفعة بها كسب أثمانها»، ثم أعلم الله عز وجل أن الإثم أكبر من النفع وأعود بالضرر في الآخرة، فهذا هو التقدمة للتحريم، وقرأ حمزة والكسائي «كثير» بالثاء المثلثة، وحجتها أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الخمر ولعن معها عشرة: بائعها، ومبتاعها، والمشتراة له، وعاصرها، والمعصورة له، وساقيها، وشاربها، وحاملها، والمحمولة إليه، وآكل ثمنها، فهذه آثام كثيرة، وأيضا فجمع المنافع يحسن معه جمع الآثام، و «كثير» بالثاء المثلثة يعطي ذلك، وقرأ باقي القراء وجمهور الناس «كبير» بالباء بواحدة، وحجتها أن الذنب في القمار وشرب الخمر من الكبائر فوصفه بالكبير أليق، وأيضا فاتفاقهم على أكبر حجة لكبير بالباء بواحدة، وأجمعوا على رفض أكثر بالثاء مثلثة، إلا ما في مصحف ابن مسعود فإن فيه «قل فيهما إثم كثير وإثمهما أكثر» بالثاء مثلثة في الحرفين، وقوله تعالى: {فيهما إثمٌ} يحتمل مقصدين: أحدهما أن يراد في استعمالهما بعد النهي، والآخر أن يراد خلال السوء التي فيهما، وقال سعيد بن جبير: «لما نزلت {قل فيهما إثمٌ كبيرٌ ومنافع للنّاس} كرهها قوم للإثم وشربها قوم للمنافع، فلما نزلت {لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى} [النساء: 43] تجنبوها عند أوقات الصلوات الخمس، فلما نزلت {إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشّيطان فاجتنبوه لعلّكم تفلحون} [المائدة: 90] قال عمر بن الخطاب: «ضيعة لك اليوم قرنت بالميسر والأنصاب»، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حرمت الخمر».
ولما سمع عمر بن الخطاب قوله تعالى: {فهل أنتم منتهون} [المائدة: 91] قال: «انتهينا، انتهينا»، قال الفارسي: «وقال بعض أهل النظر: حرمت الخمر بهذه الآية لأن الله تعالى قال: {قل إنّما حرّم ربّي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم} [الأعراف: 33]، وأخبر في هذه الآية أن فيها إثما، فهي حرام.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «ليس هذا النظر بجيد لأن الإثم الذي فيها هو الحرام، لا هي بعينها على ما يقتضيه هذا النظر». وقال قتادة: «ذم الله الخمر بهذه الآية ولم يحرمها».
وقوله تعالى: {ويسئلونك ماذا ينفقون قل العفو} قال قيس بن سعد: «هذه الزكاة المفروضة». وقال جمهور العلماء: «بل هي نفقات التطوع». وقال بعضهم: نسخت بالزكاة. وقال آخرون: هي محكمة وفي المال حق سوى الزكاة.
والعفو: هو ما ينفقه المرء دون أن يجهد نفسه وماله. ونحو هذا هي عبارة المفسرين، وهو مأخوذ من عفا الشيء إذا كثر، فالمعنى أنفقوا ما فضل عن حوائجكم ولم تؤذوا فيه أنفسكم فتكونوا عالة، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم: قال: «من كان له فضل فلينفقه على نفسه، ثم على من يعول، فإن فضل شيء فليتصدق به»، وقال صلى الله عليه وسلم: «خير الصدقة ما أبقت غنى»، وفي حديث آخر: «ما كان عن ظهر غنى».
وقرأ جمهور الناس «العفو» بالنصب، وقرأ أبو عمرو وحده «العفو» بالرفع، واختلف عن ابن كثير، وهذا متركب على ماذا، فمن جعل «ما» ابتداء و «ذا» خبره بمعنى الذي وقدر الضمير في ينفقون هـ عائدا قرأ «العفو» بالرفع، لتصح مناسبة الجمل، ورفعه على الابتداء تقديره العفو إنفاقكم، أو الذي تنفقون العفو، ومن جعل ماذا اسما واحدا مفعولا ب ينفقون، قرأ «قل العفو» بالنصب بإضمار فعل، وصح له التناسب، ورفع «العفو» مع نصب «ما» جائز ضعيف، وكذلك نصبه مع رفعها.
وقوله تعالى: {كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات لعلّكم تتفكّرون} الإشارة إلى ما تقدم تبيينه من أمر الخمر والميسر والإنفاق، وأخبر تعالى أنه يبين للمؤمنين الآيات التي تقودهم إلى الفكرة في الدنيا والآخرة، وذلك طريق النجاة لمن تنفعه فكرته، وقال مكي: «معنى الآية أنه يبين للمؤمنين آيات في الدنيا والآخرة تدل عليهما وعلى منزلتيهما لعلهم يتفكرون في تلك الآيات»، فقوله في الدّنيا متعلق على هذا التأويل ب الآيات، وعلى التأويل الأول وهو المشهور عن ابن عباس وغيره يتعلق في الدّنيا ب تتفكّرون). [المحرر الوجيز: 1/ 526-536]


تفسير قوله تعالى: {فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {في الدّنيا والآخرة ويسئلونك عن اليتامى قل إصلاحٌ لهم خيرٌ وإن تخالطوهم فإخوانكم واللّه يعلم المفسد من المصلح ولو شاء اللّه لأعنتكم إنّ اللّه عزيزٌ حكيمٌ (220) ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ ولأمةٌ مؤمنةٌ خيرٌ من مشركةٍ ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتّى يؤمنوا ولعبدٌ مؤمنٌ خيرٌ من مشركٍ ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النّار واللّه يدعوا إلى الجنّة والمغفرة بإذنه ويبيّن آياته للنّاس لعلّهم يتذكّرون (221)}
قوله قبل في الدّنيا ابتداء آية، وقد تقدم تعلقه، وكون تتفكّرون موقفا يقوي تعلق في الدّنيا ب الآيات، وقرأ طاوس «قل أصلح لهم خير»، وسبب الآية فيما قال السدي والضحاك: «أن العرب كانت عادتهم أن يتجنبوا مال اليتيم ولا يخالطوه في مأكل ولا مشرب ولا شيء، فكانت تلك مشقة عليهم، فسألوا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم»، وقال ابن عباس وسعيد بن المسيب: «سببها أن المسلمين لما نزلت {ولا تقربوا مال اليتيم} [الأنعام: 152] الآية ونزلت {إنّ الّذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً} [النساء: 10] تجنبوا اليتامى وأموالهم وعزلوهم عن أنفسهم، فنزلت {وإن تخالطوهم فإخوانكم} الآية»، وقيل: إن السائل عبد الله بن رواحة، وأمر الله تعالى نبيه أن يجيب بأن من قصد الإصلاح في مال اليتيم فهو خير، وما فعل بعد هذا المقصد من مخالطة وانبساط بعوض منه فلا حرج، ورفع تعالى المشقة في تجنب اليتيم ومأكله ومشربه، وأباح الخلطة في ذلك إذا قصد الإصلاح ورفق اليتيم، مثال ذلك أن يكتفي اليتيم دون خلطة بقدر ما في الشهر، فإن دعت خلطة الولي إلى أن يزاد في ذلك القدر فهي مخالطة فساد، وإن دعت إلى الحط من ذلك القدر فهي مخالطة إصلاح، وقوله تعالى: {فإخوانكم} خبر ابتداء محذوف، وقوله: {واللّه يعلم المفسد من المصلح} تحذير، والعنت المشقة، منه عنت العزبة، وعقبة عنوت أي شاقة، وعنت البعير إذا انكسر بعد جبر، فالمعنى: لأتعبكم في تجنب أمر اليتامى، ولكنه خفف عنكم، وقال ابن عباس: «المعنى لأوبقكم بما سلف من نيلكم من أموال اليتامى»، وعزيزٌ مقتضاه لا يرد أمره، وحكيمٌ أي محكم ما ينفذه). [المحرر الوجيز: 1/ 536-537]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ} الآية، قرأ جمهور الناس «تنكحوا» بفتح التاء، وقرئت في الشاذ بالضم كأن المتزوج لها أنكحها من نفسه، ونكح أصله الجماع، ويستعمل في التزوج تجوزا واتساعا، وقالت طائفة: المشركات هنا من يشرك مع الله إلها آخر، فلم تدخل اليهوديات ولا النصرانيات في لفظ هذه الآية، ولا في معناها، وسببها قصة أبي مرثد كناز بن حصين مع عناق التي كانت بمكة، وقال قتادة وسعيد بن جبير: «لفظ الآية العموم في كل كافرة، والمراد بها الخصوص في الكتابيات، وبينت الخصوص آية المائدة ولم يتناول قط الكتابيات»، وقال ابن عباس والحسن: «تناولهن العموم ثم نسخت آية سورة المائدة بعض العموم في الكتابيات»، وهذا مذهب مالك رحمه الله، ذكره ابن حبيب وقال: «ونكاح اليهودية والنصرانية وإن كان قد أحله الله مستثقل مذموم»، وكره مالك رحمه الله تزوج الحربيات لعلة ترك الولد في دار الحرب ولتصرفها في الخمر والخنزير، وأباح نكاح الكتابيات عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وجابر بن عبد الله وطلحة وعطاء بن أبي رباح وابن المسيب والحسن وطاوس وابن جبير والزهري والشافعي وعوام أهل المدينة والكوفة، ومنه مالك والشافعي وأبو حنيفة والأوزاعي وإسحاق نكاح المجوسية، وقال ابن حنبل: «لا يعجبني»، وروي أن حذيفة بن اليمان تزوج مجوسية، وقال ابن الفصار: «قال بعض أصحابنا: يجب- على أحد القولين أن لهم كتابا- أن تجوز مناكحتهم». وقال ابن عباس في بعض ما روي عنه: «إن الآية عامة في الوثنيات والمجوسيات والكتابيات، وكل من كان على غير الإسلام حرام».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «فعلى هذا هي ناسخة للآية التي في سورة المائدة»، وينظر إلى هذا قول ابن عمر في الموطأ: «ولا أعلم إشراكا أعظم من أن تقول المرأة: ربها عيسى»، وروي عن عمر أنه فرق بين طلحة بن عبيد الله وحذيفة بن اليمان وبين كتابيتين وقالا: «نطلق يا أمير المؤمنين ولا تغضب»، فقال: «لو جاز طلاقكما لجاز نكاحكما، ولكن أفرق بينكما صغرة قمأة».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وهذا لا يستند جيدا»، وأسند منه أن عمر أراد التفريق بينهما فقال له حذيفة: «أتزعم أنها حرام فأخلي سبيلها يا أمير المؤمنين؟» فقال: «لا أزعم أنها حرام، ولكني أخاف أن تعاطوا المومسات منهن»، وروي عن ابن عباس نحو هذا، وقوله تعالى: {ولأمةٌ مؤمنةٌ} إخبار أن المؤمنة المملوكة خير من المشركة وإن كانت ذات الحسب والمال ولو أعجبتكم في الحسن وغير ذلك، هذا قول الطبري وغيره، وقال السدي: «نزلت في عبد الله بن رواحة كانت له أمة سوداء فلطمها في غضب، ثم ندم فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، وقال: هي تصوم وتصلي وتشهد الشهادتين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذه مؤمنة». فقال ابن رواحة: لأعتقنّها ولأتزوجنّها، ففعل، فطعن عليه ناس فنزلت الآية فيه»، ومالك رحمه الله لا يجوز عنده نكاح الأمة الكتابية، وقال أشهب في كتاب محمد فيمن أسلم وتحته أمة كتابية: «إنه لا يفرق بينهما»، وروى ابن وهب وغيره عن مالك أن الأمة المجوسية لا يجوز أن توطأ بملك اليمين، وأبو حنيفة وأصحابه يجيزون نكاح الإماء الكتابيات.
وقوله تعالى: {ولا تنكحوا المشركين حتّى يؤمنوا} الآية، أجمعت الأمة على أن المشرك لا يطأ المؤمنة بوجه لما في ذلك من الغضاضة على دين الإسلام، والقراء على ضم التاء من تنكحوا، وقال بعض العلماء: إن الولاية في النكاح نص في لفظ هذه الآية.
ولعبدٌ مؤمنٌ مملوك خيرٌ من مشركٍ حسيب ولو أعجبك حسنه وماله حسبما تقدم، وليس التفضيل هنا بلفظة خيرٌ من جهة الإيمان فقط لأنه لا اشتراك من جهة الإيمان، لكن الاشتراك موجود في المعاشرة والصحبة وملك العصمة وغير شيء، وهذا النظر هو على مذهب سيبويه في أن لفظة «أفعل» التي هي للتفضيل لا تصح حيث لا اشتراك. كقولك «الثلج أبرد من النار»، والنور أضوأ من الظلمة»، وقال الفراء وجماعة من الكوفيين: تصح لفظة «أفعل» حيث الاشتراك وحيث لا اشتراك، وحكى مكي عن نفطويه أن لفظة التفضيل تجيء في كلام العرب إيجابا للأول ونفيا عن الثاني.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وتحتمل الآية عندي أن يكون ذكر العبد والأمة عبارة عن جميع الناس حرهم ومملوكهم، كما قال صلى الله عليه وسلم: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله»، وكما نعتقد أن الكل عبيد الله، وكما قال تعالى: {نعم العبد إنّه أوّابٌ} [ص: 30]، فكأن الكلام في هذه الآية: ولامرأة ولرجل».
وقوله تعالى: {أولئك} الإشارة إلى المشركات والمشركين، أي أنّ صحبتهم ومعاشرتهم توجب الانحطاط في كثير من هواهم مع تربيتهم النسل، فهذا كله دعاء إلى النار مع السلامة من أن يدعو إلى دينه نصا من لفظه، والله تعالى يمن بالهداية ويبين الآيات ويحض على الطاعات التي هي كلها دواع إلى الجنة، وقرأ الحسن بن أبي الحسن «والمغفرة» بالرفع على الابتداء، والإذن العلم والتمكين، فإن انضاف إلى ذلك أمر فهو أقوى من الإذن، لأنك إذا قلت «أذنت كذا» فليس يلزمك أنك أمرت، ولعلّهم ترجّ في حق البشر، ومن تذكر عمل حسب التذكر فنجا). [المحرر الوجيز: 1/ 537-542]

محمد أبو زيد 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م 11:53 AM

تفاسير القرن السابع الهجري


.....

محمد أبو زيد 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م 11:53 AM

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثمٌ كبيرٌ ومنافع للنّاس وإثمهما أكبر من نفعهما ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات لعلّكم تتفكّرون (219) في الدّنيا والآخرة ويسألونك عن اليتامى قل إصلاحٌ لهم خيرٌ وإن تخالطوهم فإخوانكم واللّه يعلم المفسد من المصلح ولو شاء اللّه لأعنتكم إنّ اللّه عزيزٌ حكيمٌ (220)}
قال الإمام أحمد: حدّثنا خلف بن الوليد، حدّثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة، عن عمر أنّه قال: «لمّا نزل تحريم الخمر قال: اللّهمّ بيّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا. فنزلت هذه الآية التي في البقرة: {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثمٌ كبيرٌ ومنافع للنّاس} فدعي عمر فقرئت عليه، فقال: اللّهمّ بيّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا. فنزلت الآية التي في النّساء: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى} [النّساء: 43]، فكان منادي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا أقام الصّلاة نادى: ألّا يقربنّ الصّلاة سكران. فدعي عمر فقرئت عليه، فقال: اللّهمّ بيّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا. فنزلت الآية التي في المائدة. فدعي عمر، فقرئت عليه، فلمّا بلغ: {فهل أنتم منتهون} [المائدة: 91]؟ قال عمر: انتهينا، انتهينا».
وهكذا رواه أبو داود، والتّرمذيّ، والنّسائيّ من طرقٍ، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق. وكذا رواه ابن أبي حاتمٍ وابن مردويه من طريق الثّوريّ، عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة، واسمه عمرو بن شرحبيل الهمداني الكوفيّ، عن عمر. وليس له عنه سواه، لكن قال أبو زرعة: لم يسمع منه. واللّه أعلم. وقال علي بن المديني: هذا إسناد صالحٌ وصحّحه التّرمذيّ. وزاد ابن أبي حاتمٍ -بعد قوله: انتهينا -: إنّها تذهب المال وتذهب العقل. وسيأتي هذا الحديث أيضًا مع ما رواه أحمد من طريق أبي هريرة أيضًا -عند قوله في سورة المائدة: {إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشّيطان فاجتنبوه لعلّكم تفلحون} [المائدة: 90] الآيات.
فقوله: {يسألونك عن الخمر والميسر} أمّا الخمر فكما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب: «إنّه كلّ ما خامر العقل». كما سيأتي بيانه في سورة المائدة، وكذا الميسر، وهو القمار.
وقوله: {قل فيهما إثمٌ كبيرٌ ومنافع للنّاس} أمّا إثمهما فهو في الدّين، وأمّا المنافع فدنيويّةٌ، من حيث إنّ فيها نفع البدن، وتهضيم الطّعام، وإخراج الفضلات، وتشحيذ بعض الأذهان، ولذّة الشّدّة المطربة التي فيها، كما قال حسّان بن ثابتٍ في جاهليّته:

ونشربها فتتركنا ملوكًا ....... وأسدًا لا ينهنهها اللقاء

وكذا بيعها والانتفاع بثمنها. وما كان يقمّشه بعضهم من الميسر فينفقه على نفسه أو عياله. ولكنّ هذه المصالح لا توازي مضرّته ومفسدته الرّاجحة، لتعلّقها بالعقل والدّين، ولهذا قال: {وإثمهما أكبر من نفعهما}؛ ولهذا كانت هذه الآية ممهّدةً لتحريم الخمر على البتات، ولم تكن مصرّحةً بل معرّضةً؛ ولهذا قال عمر، رضي اللّه عنه، لمّا قرئت عليه: «اللّهمّ بين لنا في الخمر بيانًا شافيًا»، حتّى نزل التّصريح بتحريمها في سورة المائدة: {يا أيّها الّذين آمنوا إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشّيطان فاجتنبوه لعلّكم تفلحون * إنّما يريد الشّيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدّكم عن ذكر اللّه وعن الصّلاة فهل أنتم منتهون} [المائدة: 90، 91] وسيأتي الكلام على ذلك في سورة المائدة إن شاء اللّه، وبه الثّقة.
قال ابن عمر، والشّعبيّ، ومجاهدٌ، وقتادة، والرّبيع بن أنسٍ، وعبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: «هذه أوّل آيةٍ نزلت في الخمر: {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثمٌ كبيرٌ ومنافع للنّاس} ثمّ نزلت الآية التي في سورة النّساء، ثمّ التي في المائدة، فحرّمت الخمر».
وقوله: {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} قرئ بالنّصب وبالرّفع وكلاهما حسنٌ متّجه قريبٌ.
قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا موسى بن إسماعيل، حدّثنا أبان، حدّثنا يحيى أنّه بلغه: «أنّ معاذ بن جبلٍ وثعلبة أتيا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقالا يا رسول اللّه، إن لنا أرقّاء وأهلين فما ننفق من أموالنا. فأنزل اللّه: {ويسألونك ماذا ينفقون}».
وقال الحكم، عن مقسم، عن ابن عبّاسٍ: {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} قال: «ما يفضل عن أهلك».
وكذا روي عن ابن عمر، ومجاهدٍ، وعطاءٍ، وعكرمة، وسعيد بن جبيرٍ، ومحمّد بن كعبٍ، والحسن، وقتادة، والقاسم، وسالمٍ، وعطاءٍ الخراسانيّ، والرّبيع بن أنسٍ، وغير واحدٍ: أنّهم قالوا في قوله: {قل العفو} «يعني الفضل».
وعن طاوسٍ: «اليسير من كلّ شيءٍ»، وعن الرّبيع أيضًا: «أفضل مالك، وأطيبه».
والكلّ يرجع إلى الفضل.
وقال عبد بن حميدٍ في تفسيره: حدّثنا هوذة بن خليفة، عن عوفٍ، عن الحسن: {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} قال: «ذلك ألّا تجهد مالك ثمّ تقعد تسأل النّاس».
ويدلّ على ذلك ما رواه ابن جريرٍ: حدّثنا عليّ بن مسلمٍ، حدّثنا أبو عاصمٍ، عن ابن عجلان، عن المقبريّ، عن أبي هريرة قال: «قال رجلٌ: يا رسول اللّه، عندي دينارٌ؟ قال: «أنفقه على نفسك». قال: عندي آخر؟ قال: «أنفقه على أهلك». قال: عندي آخر؟ قال: «أنفقه على ولدك». قال: عندي آخر؟ قال: «فأنت أبصر».
وقد رواه مسلمٌ في صحيحه. وأخرج مسلمٌ أيضًا عن جابرٍ: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال لرجلٍ: «ابدأ بنفسك فتصدّق عليها، فإن فضل شيءٌ فلأهلك، فإن فضل شيءٌ عن أهلك فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيءٌ فهكذا وهكذا».
وعنده عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «خير الصّدقة ما كان عن ظهر غنًى، واليد العليا خيرٌ من اليد السّفلى، وابدأ بمن تعول».
وفي الحديث أيضًا: «ابن آدم، إنّك إن تبذل الفضل خيرٌ لك، وإن تمسكه شرٌّ لك، ولا تلام على كفافٍ».
ثمّ قد قيل: إنّها منسوخةٌ بآية الزّكاة، كما رواه عليّ بن أبي طلحة، والعوفيّ عن ابن عبّاسٍ، وقاله عطاءٌ الخراسانيّ والسّدّيّ، وقيل: مبيّنةٌ بآية الزّكاة، قاله مجاهدٌ وغيره، وهو أوجه.
وقوله: {كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات لعلّكم تتفكّرون * في الدّنيا والآخرة} أي: كما فصّل لكم هذه الأحكام وبينها وأوضحها، كذلك يبيّن لكم سائر الآيات في أحكامه ووعده، ووعيده، لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة). [تفسير ابن كثير: 1/ 578-580]


تفسير قوله تعالى: {فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات لعلّكم تتفكّرون * في الدّنيا والآخرة} أي: كما فصّل لكم هذه الأحكام وبينها وأوضحها، كذلك يبيّن لكم سائر الآيات في أحكامه ووعده، ووعيده، لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة.
قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: «يعني في زوال الدّنيا وفنائها، وإقبال الآخرة وبقائها».
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا علي بن محمد الطّنافسي، حدثنا أبو أسامة، عن الصعّق العيشيّ قال: شهدت الحسن -وقرأ هذه الآية من البقرة: {لعلّكم تتفكّرون * في الدّنيا والآخرة} قال: «هي واللّه لمن تفكّر فيها، ليعلم أنّ الدّنيا دار بلاءٍ، ثمّ دار فناءٍ، وليعلم أنّ الآخرة دار جزاءٍ، ثمّ دار بقاءٍ».
وهكذا قال قتادة، وابن جريج، وغيرهما.
وقال عبد الرّزّاق عن معمر، عن قتادة: «لتعلموا فضل الآخرة على الدّنيا». وفي روايةٍ عن قتادة: «فآثروا الآخرة على الأولى».
وقد ذكرنا عند قوله تعالى في سورة آل عمران: {إنّ في خلق السّماوات والأرض واختلاف اللّيل والنّهار لآياتٍ لأولي الألباب} [آل عمران: 190] آثارًا كثيرةً عن السّلف في معنى التّفكّر والاعتبار.
وقوله: {ويسألونك عن اليتامى قل إصلاحٌ لهم خيرٌ وإن تخالطوهم فإخوانكم واللّه يعلم المفسد من المصلح ولو شاء اللّه لأعنتكم} الآية: قال ابن جريرٍ:
حدّثنا سفيان بن وكيع، حدّثنا جريرٌ، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاسٍ قال: «لمّا نزلت: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالّتي هي أحسن} [الإسراء: 34] و {إنّ الّذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا إنّما يأكلون في بطونهم نارًا وسيصلون سعيرًا} [النّساء: 10] انطلق من كان عنده يتيمٌ فعزل طعامه من طعامه، وشرابه من شرابه، فجعل يفضل له الشّيء من طعامه فيحبس له حتّى يأكله أو يفسد، فاشتدّ ذلك عليهم، فذكروا ذلك لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأنزل اللّه: {ويسألونك عن اليتامى قل إصلاحٌ لهم خيرٌ وإن تخالطوهم فإخوانكم} فخلطوا طعامهم بطعامهم وشرابهم بشرابهم».
وهكذا رواه أبو داود، والنّسائيّ، وابن أبي حاتمٍ، وابن مردويه، والحاكم في مستدركه من طرقٍ، عن عطاء بن السّائب، به. وكذا رواه عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ. وكذا رواه السّدّيّ، عن أبي مالكٍ وعن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ -وعن مرّة، عن ابن مسعودٍ -بمثله. وهكذا ذكر غير واحدٍ في سبب نزول هذه الآية كمجاهدٍ، وعطاءٍ، والشّعبيّ، وابن أبي ليلى، وقتادة، وغير واحدٍ من السّلف والخلف.
قال وكيع بن الجرّاح: حدّثنا هشامٌ الدّستوائي عن حمّادٍ، عن إبراهيم قال: قالت عائشة: «إنّي لأكره أن يكون مال اليتيم عندي عرّة حتّى أخلط طعامه بطعامي وشرابه بشرابي».
فقوله: {قل إصلاحٌ لهم خيرٌ} أي: على حدة {وإن تخالطوهم فإخوانكم} أي: وإن خلطتم طعامكم بطعامهم وشرابكم بشرابهم، فلا بأس عليكم؛ لأنّهم إخوانكم في الدّين؛ ولهذا قال: {واللّه يعلم المفسد من المصلح} أي: يعلم من قصده ونيّته الإفساد أو الإصلاح.
وقوله: {ولو شاء اللّه لأعنتكم إنّ اللّه عزيزٌ حكيمٌ} أي: ولو شاء لضيّق عليكم وأحرجكم ولكنّه وسّع عليكم، وخفّف عنكم، وأباح لكم مخالطتهم بالّتي هي أحسن، كما قال: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالّتي هي أحسن} [الأنعام: 152]، بل قد جوّز الأكل منه للفقير بالمعروف، إمّا بشرط ضمان البدل لمن أيسر، أو مجّانًا كما سيأتي بيانه في سورة النّساء، إن شاء اللّه، وبه الثّقة). [تفسير ابن كثير: 1/ 580-582]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ ولأمةٌ مؤمنةٌ خيرٌ من مشركةٍ ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتّى يؤمنوا ولعبدٌ مؤمنٌ خيرٌ من مشركٍ ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النّار واللّه يدعو إلى الجنّة والمغفرة بإذنه ويبيّن آياته للنّاس لعلّهم يتذكّرون (221)}
هذا تحريمٌ من اللّه عزّ وجلّ على المؤمنين أن يتزوّجوا المشركات من عبدة الأوثان. ثمّ إن كان عمومها مرادًا، وأنّه يدخل فيها كلّ مشركةٍ من كتابيّةٍ ووثنيّةٍ، فقد خص من ذلك نساء أهل الكتاب بقوله: {والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهنّ أجورهنّ محصنين غير مسافحين ولا متّخذي أخدانٍ} [المائدة: 5].
قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ}« استثنى اللّه من ذلك نساء أهل الكتاب». وهكذا قال مجاهدٌ، وعكرمة، وسعيد بن جبيرٍ، ومكحولٌ، والحسن، والضّحّاك، وزيد بن أسلم، والرّبيع بن أنسٍ، وغيرهم.
وقيل: بل المراد بذلك المشركون من عبدة الأوثان، ولم يرد أهل الكتاب بالكلّيّة، والمعنى قريبٌ من الأوّل، واللّه أعلم.
فأمّا ما رواه ابن جريرٍ: حدّثني عبيد بن آدم بن أبي إياسٍ العسقلانيّ، حدّثنا أبي، حدّثنا عبد الحميد بن بهرام الفزاريّ، حدّثنا شهر بن حوشب قال: سمعت عبد اللّه بن عبّاسٍ يقول: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن أصناف النّساء، إلّا ما كان من المؤمنات المهاجرات، وحرّم كلّ ذات دينٍ غير الإسلام، قال اللّه عزّ وجلّ: {ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله} [المائدة: 5]». وقد نكح طلحة بن عبيد اللّه يهوديّةً، ونكح حذيفة بن اليمان نصرانيّةً، فغضب عمر بن الخطّاب غضبًا شديدًا، حتّى همّ أن يسطو عليهما. فقالا نحن نطلق يا أمير المؤمنين، ولا تغضب! فقال: لئن حلّ طلاقهنّ لقد حلّ نكاحهنّ، ولكنّي أنتزعهنّ منكم صغرة قمأة -فهو حديثٌ غريبٌ جدًّا. وهذا الأثر عن عمر غريب أيضًا.
قال أبو جعفر بن جريرٍ، رحمه اللّه، بعد حكايته الإجماع على إباحة تزويج الكتابيّات: وإنّما كره عمر ذلك، لئلّا يزهد النّاس في المسلّمات، أو لغير ذلك من المعاني، كما حدّثنا أبو كريب، حدّثنا ابن إدريس، حدّثنا الصّلت بن بهرام، عن شقيقٍ قال: «تزوّج حذيفة يهوديّةً، فكتب إليه عمر: خل سبيلها، فكتب إليه: أتزعم أنّها حرامٌ فأخلي سبيلها؟ فقال: لا أزعم أنّها حرامٌ، ولكنّي أخاف أن تعاطوا المومسات منهنّ». وهذا إسنادٌ صحيحٌ، وروى الخلّال عن محمّد بن إسماعيل، عن وكيع، عن الصّلت نحوه.
وقال ابن جريرٍ: حدّثني موسى بن عبد الرّحمن المسروقيّ، حدّثنا محمّد بن بشرٍ، حدّثنا سفيان بن سعيدٍ، عن يزيد بن أبي زيادٍ، عن زيد بن وهبٍ قال: قال لي عمر بن الخطّاب: «المسلم يتزوّج النّصرانيّة، ولا يتزوّج النّصرانيّ المسلمة». قال: وهذا أصحّ إسنادًا من الأوّل .
ثمّ قال: وقد حدّثنا تميم بن المنتصر، أخبرنا إسحاق الأزرق عن شريكٍ، عن أشعث بن سوّارٍ، عن الحسن، عن جابر بن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «نتزوّج نساء أهل الكتاب ولا يتزوّجون نساءنا».
ثمّ قال: وهذا الخبر -وإن كان في إسناده ما فيه -فالقول به لإجماع الجميع من الأمّة على صحّة القول به.
كذا قال ابن جريرٍ، رحمه اللّه.
وقد قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا محمّد بن إسماعيل الأحمسيّ، حدّثنا وكيع، عن جعفر بن برقان، عن ميمون بن مهران، عن ابن عمر: «أنّه كره نكاح أهل الكتاب، وتأوّل {ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ}».
وقال البخاريّ: وقال ابن عمر: «لا أعلم شركًا أعظم من أن تقول: ربّها عيسى».
وقال أبو بكرٍ الخلّال الحنبليّ: حدّثنا محمّد بن هارون حدّثنا إسحاق بن إبراهيم (ح) وأخبرني محمّد بن عليٍّ، حدّثنا صالح بن أحمد: «أنّهما سألا أبا عبد اللّه أحمد بن حنبل، عن قول اللّه: {ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ} قال: «مشركات العرب الّذين يعبدون الأوثان».
وقوله: {ولأمةٌ مؤمنةٌ خيرٌ من مشركةٍ ولو أعجبتكم} قال السّدّيّ: «نزلت في عبد اللّه بن رواحة، كانت له أمةٌ سوداء، فغضب عليها فلطمها، ثمّ فزع، فأتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأخبره خبرها. فقال له: «ما هي؟»قال: تصوم، وتصلي، وتحسن الوضوء، وتشهد أن لا إله إلّا اللّه وأنّك رسول اللّه. فقال: «يا أبا عبد اللّه، هذه مؤمنةٌ». فقال: والّذي بعثك بالحقّ لأعتقنّها ولأتزوجنها. ففعل، فطعن عليه ناسٌ من المسلمين، وقالوا: نكح أمة. وكانوا يريدون أن ينكحوا إلى المشركين، وينكحوهم رغبةً في أحسابهم، فأنزل اللّه: {ولأمةٌ مؤمنةٌ خيرٌ من مشركةٍ ولو أعجبتكم} {ولعبدٌ مؤمنٌ خيرٌ من مشركٍ ولو أعجبكم}.
وقال عبد بن حميدٍ: حدّثنا جعفر بن عونٍ، حدّثنا عبد الرّحمن بن زيادٍ الإفريقيّ، عن عبد اللّه بن يزيد، عن عبد اللّه بن عمرو، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «لا تنكحوا النّساء لحسنهنّ، فعسى حسنهنّ أن يرديهنّ، ولا تنكحوهنّ على أموالهنّ فعسى أموالهنّ أن تطغيهنّ وانكحوهنّ على الدّين، فلأمةٌ سوداء خرماء ذات دينٍ أفضل». والإفريقيّ ضعيفٌ.
وقد ثبت في الصّحيحين عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «تنكح المرأة لأربعٍ: لمالها، ولحسبها ولجمالها، ولدينها؛ فاظفر بذات الدّين تربت يداك». ولمسلمٍ عن جابرٍ مثله. وله، عن ابن عمر: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «الدّنيا متاعٌ، وخير متاع الدّنيا المرأة الصالحٍة».
وقوله: {ولا تنكحوا المشركين حتّى يؤمنوا} أي: لا تزوّجوا الرّجال المشركين النّساء المؤمنات، كما قال تعالى: {لا هنّ حلٌّ لهم ولا هم يحلّون لهنّ} [الممتحنة: 10].
ثمّ قال تعالى: {ولعبدٌ مؤمنٌ خيرٌ من مشركٍ ولو أعجبكم} أي: ولرجلٌ مؤمنٌ -ولو كان عبدًا حبشيًّا -خيرٌ من مشركٍ، وإن كان رئيسًا سريًا {أولئك يدعون إلى النّار} أي: معاشرتهم ومخالطتهم تبعث على حبّ الدّنيا واقتنائها وإيثارها على الدّار الآخرة، وعاقبة ذلك وخيمةٌ {واللّه يدعو إلى الجنّة والمغفرة بإذنه} أي: بشرعه وما أمر به وما نهى عنه {ويبيّن آياته للنّاس لعلّهم يتذكّرون} ). [تفسير ابن كثير: 1/ 582-584]


الساعة الآن 08:02 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة