جمهرة العلوم

جمهرة العلوم (http://jamharah.net/index.php)
-   توجيه القراءات (http://jamharah.net/forumdisplay.php?f=1080)
-   -   توجيه القراءات في سورة يونس (http://jamharah.net/showthread.php?t=27813)

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 03:04 PM

توجيه القراءات في سورة يونس
 
توجيه القراءات في سورة يونس

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 03:05 PM

مقدمات سورة يونس
 
مقدمات توجيه القراءات في سورة يونس
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (سورة يونس). [معاني القراءات وعللها: 2/39]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (ومن السورة التي يذكر فيها (يونس صلى الله عليه وسلم) ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/260]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): ([ذكر اختلافهم في] سورة يونس). [الحجة للقراء السبعة: 4/243]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (سورة يونس). [المحتسب: 1/307]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : (10 - سورة يونس عليه السّلام). [حجة القراءات: 327]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (سورة يونس عليه السلام). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/512]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (سورة يونس عليه السلام). [الموضح: 612]

نزول السورة:
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (مكية). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/512]

عد الآي:
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (وهي مائة آية وتسع آية في المدني والكوفي). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/512]

ياءات الإضافة:
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (28- فيها خمس ياءات إضافة قوله: {لي أن أبدله} «15» {إني أخاف} «15» قرأهما الحرميان وأبو عمرو بالفتح.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/523]
{نفسي إن أتبع} «15»، {وربي إنه} «53» قرأهما نافع وأبو عمرو بالفتح.
{إن أجري إلا} «72» قرأهما نافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص بالفتح حيث وقع). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/524]

الياءات الزائدة:
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (ليس فيها زائدة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/524]

الياءات المحذوفة:
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (حذفت من هذه السورة ياءان:
إحداهما: {ولا تُنظِرُونِي} أثبتها يعقوب في الوصل والوقف، والأخرى: {نُنجِي المُؤْمِنِينَ} أثبتها في الوقف (يعقوب)، وهي تسقط في الوصل، وحذفهما الباقون في الحالين.
والوجه أن ياء {تُنظِرُونِي} ياء ضمير منصوب، فيجوز حذفها تخفيفًا والاكتفاء بكسرة النون التي قبلها، وإثباتها هو الأصل، إلا أنه يحسن حذفها ههنا؛ لأنها فاصلة.
وأما الياء في {نُنجِي} فهي لام الفعل، فلابد من أن تثبت، إلا أنها ساكنة، فإذا اجتمعت مع ساكن بعدها حذفت لالتقاء الساكنين، إلا أن حذفها في حال الوقف على إجراء الفعل مجرى الاسم في نحو قولك: هذا القاض، في الوقف، و{الكَبِيرُ المُتَعَالِ} من غير ياء). [الموضح: 640]

الياءات المختلف فيها:
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): ( (وفي هذه السورة من الياءات المختلف فيها):
{لي أن أبدله من تلقاء نفسي} [15] {إني أخاف} [15].
{أي وربي إنه لحق} [53] {إن أجري إلا على الله} [72].
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/276]
فتحهن نافع وأبو عمرو.
وفتح ابن كثير {لي أن أبدله} و{إني أخاف}.
وفتح ابن عامر وحفص عن عاصم واحدة {إن أجري إلا} وأسكنهن الباقون). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/277]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (اختلفوا في خمس ياءات إضافة وهن:
قوله {لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ} و{نَفْسِي إنْ أَتَّبِعُ} {إنِّي أَخَافُ} {إي ورَبِّي إنَّهُ} {أَجْرِيَ إلاَّ}.
ففتحهن نافع وأبو عمرو كلهن.
وفتح ابن كثير حرفين {لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ} {إنِّي أَخَافُ وأسكن الباقي.
وفتح ابن عامر و- ص- عن عاصم حرفًا واحداً {أَجْرِيَ إلاَّ} وحده، وكانا يفتحان ياء {أَجْرِيَ إلاَّ} في كل القرآن.
وقرأ حمزة والكسائي وعاصم- ياش- ويعقوب بالإسكان في الجميع.
والوجه في فتح هذه الياءات أنها ضمائر، فالأصل فيها أن تكون مفتوحة،
[الموضح: 639]
قياسًا على الكاف في غلامك وإنك ونحوهما، والإسكان فيها تخفيف؛ لأن الحركة أثقل على كل حال من السكون، فهي تستثقل على الياء، وإن كانت فتحة، ثم إن الإسكان يجعل الياء بعرض الحذف حتى تحذف، ويكتفى بالكسرة التي قبلها.
ومن قرأ بعضها بالفتح وبعضها بالإسكان، فإنه أراد الجمع بين الوجهين الجائزين). [الموضح: 640]
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 03:06 PM

سورة يونس
[ من الآية (1) إلى الآية (4) ]

{ الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (1) أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ (2) إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (3) إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (4) }

قوله تعالى: {الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (1)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
قوله جلّ وعزّ: (الر)
قرأ ابن كثير وحفص عن عاصم (الر) مفتوحة، وقرأ نافع بين الفتح والكسر.
وقال المسيبي عنه بالفتح، وقرأ أبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي (الر) مكسورة على الهجاء، وكذلك روى خلف عن يحيى عن أبي بكر عن عاصم بالكسر.
واتفقوا على قصر الراء فتحت أو كسرت). [معاني القراءات وعللها: 2/39]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (1- قوله تعالى: {الر ...} [1].
قرأ ابن كثير ونافع وحفص عن عاصم بفتح الراء.
وقرأ الباقون {الر...} بكسر الراء.
وكلهم يقصر {الر ...} فمن فتح فعلى الأصل، ومن كسر وأمال فتخفيفًا، وأهل الحجاز يقولون (يا) و(تا ... وغيرهم يقولون (ياء) و(تاء) ... وأهل الحجاز يقولون (طا) و(حا) ... وغيرهم يقولون (طاء) و(حاء).
واعلم أن هذه الحروف، أعني حروف المعجم يجوز تذكيرها وتأنيثها وفتحها وكسرها ومدها وقصرها، كل ذلك صواب). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/260]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في إمالة الراء وتفخيمها. فقرأ ابن كثير: الر [1] مفتوحة الراء.
وقال حفص عن عاصم: الراء خفيفة تام لا تمدّ الراء في كلّ القرآن غير مكسورة.
وقال هبيرة عن حفص عن عاصم: الراء مكسورة.
وقال نافع في رواية المسيبي: الراء مفتوحة وليست بممدودة.
وقال أحمد بن صالح عن ورش وقالون: لا تفخّم الراء.
وقال ابن جمّاز عن نافع: بكسر الراء.
وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وابن عامر: الر الراء على الهجاء مكسورة
[الحجة للقراء السبعة: 4/243]
أبو بكر عن عاصم في رواية خلف عن يحيى بن آدم: الراء مكسورة مثل أبي عمرو.
قال أبو علي: من قال: [الر فلم يمل فتحة الرّاء، فلأن الكثير من العرب لا يميل ما يجوز فيه الإمالة عند غيرهم.
وحسّن ترك الإمالة هنا، أنّ معه حرفا يمنع الإمالة كما يمنعها المستعلي. فأما من أمال فقال: رايا. فلأنها أسماء لما يلفظ به من الأصوات المتقطعة في مخارج الحروف، كما أن غاق اسم للصوت الذي يصوّته الغراب، وكما أن طيخ اسم للصوت الذي يفعله الضاحك، فجازت الإمالة فيها من حيث كانت أسماء، ولم تكن كالحروف التي تمتنع فيها الإمالة نحو:
ما، ولا، وما أشبههما من الحروف.
فإن قلت: فهلّا امتنعت الإمالة في را، لشبه الراء بالمستعلي في منعها الإمالة؟ فالقول: إنه لم تمتنع الإمالة فيها لما أريد من تبيين أنه اسم، كما أنه لم تمتنع الإمالة من خاف وطاب وصار مع المستعلي، لما أريد من طلب الكسرة في خفت وطبت وصرت، وكذلك جازت الإمالة في را* لما قصد بها من إعلام أنه اسم ليس بحرف. فإن قلت: فإن الأسماء لا تكون على حرفين أحدهما حرف لين، وإنما تكون على هذه الصفة الحروف نحو: ما ولا.
[الحجة للقراء السبعة: 4/244]
فالقول: إن هذه الأسماء لم يمتنع أن تكون على حرفين أحدهما حرف لين، لأن التنوين لا يلحقها، فيؤمن لامتناع التنوين من اللحاق لها، أن تبقى على حرف واحد، وإذا أمن ذلك، لم يمتنع أن يكون الاسم على حرفين، أحدهما حرف لين، ألا ترى أنهم قالوا: هذه شاة، فجاء على حرفين، أحدهما حرف لين، لمّا أمن لحاق التنوين له، لاتصال علامة التأنيث به، وكذلك قولك: رأيت رجلا ذا مال، لاتصال المضاف إليه به، وكذلك قولهم: كسرت فازيد، ومثل شاة في كونها على حرفين: أحدهما حرف لين، لما دخلت عليه علامة التأنيث قولهم في الباءة: باه كأنه أراد الباءة، فأبدل من الهمزة الألف، كما أبدل في قوله:
لا هناك المرتع فاجمعت ألفان، فحذف إحداهما لالتقاء الساكنين، فبقي الاسم على حرفين: أحدهما حرف لين، أنشدنا محمد بن السريّ عن أبي محمد اليزيدي:
فيا شرّ ملك ملك قيس بن عاصم* على أنّ قيسا لم يطأ باه محرم ومثل باه في القياس ما رواه محمد بن السري عن أحمد ابن يحيى عن سلمة قال: سمعت الفرّاء يحكي عن الكسائي أنه
[الحجة للقراء السبعة: 4/245]
سمع [من يقول]: اسقني شربة ما يا هذا، يريد: شربة ماء، فقصر، وأخرجه على لفظ من التي للاستفهام، هذا إذا مضى، فإذا وقف قال: شربة ما.
والقول فيه: كالقول في باه إلا أن باها أحسن من ما، لتكثّرها بعلامة التأنيث، وليس هذا كذلك، ووجهه أنه جعل الهمزة التي قلبت على غير القياس في حكم المخففة على القياس، وحذف إحدى الألفين لالتقاء الساكنين، فلحق التنوين الباقية، وحذفت كما حذفت من نحو: رحا وعصا.
وقد قيل في قولهم: م الله، إنه محذوف من: أيمن الله، وليس هذا بالكثير، ولا مما ينبغي أن يقاس عليه.
ومن ذلك: اللا في معنى: اللائي، هو على حرفين:
أحدهما حرف لين، لأن التنوين لا يلحقه، من حيث لم يلحق ذا، لا من حيث كانت فيه الألف واللام، وينشد البغداديون في ذلك:
[الحجة للقراء السبعة: 4/246]
فدومي على العهد الّذي كان بيننا... أم أنت من اللّا ما لهنّ عهود
ومن ذلك قولهم: أيش تقول؟ حكاه أبو الحسن والفرّاء.
والقول فيه: أنّه كان أي شيء؟، فخففت الهمزة، وألقيت كسرتها على الياء، وكثر الكلام بها، فكرهت حركة الياء بالكسرة، كما كرهت في قاضين، وغازين ونحوه، فأسكنت والتقت مع التنوين، وكل واحد منهما ساكن، فحذفت الياء لالتقاء الساكنين، فإذا وقفت عليها قلت: أيش فأسكنت.
ومن قال: برجلي، فأبدل من التنوين الياء، قال: أيشي.
فهذه الأسماء ما لم يلحق بها التنوين، لم يمتنع أن تكون على حرفين، أحدهما حرف لين، وإنّما لم يلحقها التنوين، ولم تعرب كما لم تعرب، ولم ينوّن ما كان منها زائدا على حرفين نحو: لام الف عين جيم، فكما أنّ هذه الحروف على الوقف، ولا تنوّن، كذلك ما كان منها نحو: را، يا، تا، ثا.
كما أن أسماء العدد كذلك، فإن أخبر عن شيء منها فتمكّن لذلك، وأعرب، ولحقه التنوين؛ زيد على ما كان على حرفين أحدهما حرف لين، حرف مثل ما هو فيه، حتى يصير بالمزيد على ثلاثة أحرف، ومدّ إن كان الآخر الياء، فقيل:
[الحجة للقراء السبعة: 4/247]
باء، وياء، وراء، كما تقول: ثلاثة أكثر من اثنين، فعلى هذا مجرى هذه الحروف.
فإن قلت: فهل يستدلّ بجواز الإمالة في را، ويا، ونحوهما على أن الألف منقلبة عن الياء، كما تقول في ذا: إن الألف فيه منقلبة عن الياء.
فالقول: إن الاستدلال بجواز الإمالة في را ونحوها، أن الألف فيه منقلبة عن الياء: لا يصح، لأنّه إنما أميل عندهم لما قدمنا من ذكره، فليس بمنزلة قولهم: ذا، لأنّ را ونحوها أسماء للأصوات، والأصوات لا تشتق كما لا تشتق الحروف، فأما قولهم: ذا، فليس من الأصوات ولكنه من الأسماء المظهرة، ألا ترى أنه قد وصف، ووصف به، وحقّر في نحو:
مررت بذا الرجل، وبزيد ذا. وحقّروه فقالوا: ذيّا، من حيث كان اسما على الوصف الذي ذكرنا، فصار بمنزلة سائر المظهرة، وساغ الاستدلال على حروفها، كما ساغ في غيره من الأسماء، فلذلك قال أبو الحسن: إن قولهم ذا من مضاعف الياء، وذلك أن سيبويه حكى فيه الإمالة، فإذا جازت فيه الإمالة حمل على انقلاب الألف فيه عن الياء في الأمر
[الحجة للقراء السبعة: 4/248]
الأكثر، فإذا ثبت أن ألفه ياء، لم يجز أن تكون اللام واوا، لأنه ليس مثل حيوت، وإذا لم يجز أن يكون واوا؛ ثبت أنه ياء، وأنه من باب حييت، وعييت.
فإن قلت: إنه قال فيه: إذا سمّى به رجلا: ذاء، كما تقول في لا: لاء، وفي لو: لوّ، ولو كان كما ذكرت، لوجب أن يكون: ذيا، كما قالوا: حيا وحييان، أو ذيّ، قيل:
الذي قاله عن الخليل ويونس إذا سمّي به رجل: ذاء، قياس، وذلك أن هذا الاسم قد ضارع با ويا وتا، ألا ترى أنه غير معرب، كما أن هذه الأسماء التي أريدت بها الأصوات غير معربة، فلمّا ساوتها في البناء جعلها بمنزلتها إذا أعربها.
وممّا يدلّك على مشابهتها لها أن الألف ليست في موضع حركة، فيلزمها الانقلاب، كما أنها في را* ونحوها ليست في موضع حركة، فإذا كان كذلك كانت الألف في ذا بمنزلتها في هذه الأسماء التي هي نحو را، با، تا، والأول الذي قدمناه، وقلنا: إنه من باب حييت وعييت، قد قاله أبو الحسن.
ومن حيث قال الخليل في ذا: إنك إذا سميت به قلت:
ذاء، قال في ذو، من قولهم: هذا رجل ذو مال، إذا سميت به
[الحجة للقراء السبعة: 4/249]
رجلا، قلت: ذو، وقياس قول يونس عندي في ذو إذا سمّي به رجل أن يكون بمنزلة قول الخليل، إلّا أنه حكى ذو عن الخليل، ولم يحكه عن يونس.
ولم نعلمهم نوّنوا من هذه الكلم شيئا، كما نوّنوا غاق، وكما نوّنوا صه، لأنهم ليس ينوّنون جميع هذه الأصوات، وإن كانوا قد نوّنوا بعضها، ألا ترى أنّا لا نعلمهم نوّنوا «طخ» الذي يحكى به الضحك، ولا «قبّ» الذي يحكي به وقع السيف، وإن كانوا قد نوّنوا «غاق» وغيره من الأصوات، وكذلك هذه الحروف التي هي: را، يا، تا.
ولا يقاس هذا، وإنّما يحكى منه ما سمع، فلا ينوّن ما لم ينوّن، كما لا يترك تنوين ما نوّن، وإنّما كان كذلك، لأن ما لم ينوّن جعل بمنزلة العلم معرفة، وليس يضعون هذه الأسماء التي للأعلام، وجارية مجراها على كل شيء، ألا ترى أنهم قالوا للبحر: خضارة ؟ ولم نعلمهم خصّوا البرّ باسم على هذا النحو، وقالوا: غدوة، فجعلوه بمنزلة طلحة، ولم يفعلوا ذلك في الطّهر، وقالوا: لقيته فينة، فجعلوه كالعلم، ولم يفعلوا ذلك ببرهة، وقالوا للغراب: ابن دأية، ولم يفعلوا ذلك بالرخم.
وقالوا في ضرب من الحيات: ابن قترة، ولم يفعلوا ذلك في كل الأحناش، وكذلك هذا الباب.
[الحجة للقراء السبعة: 4/250]
ومن ثمّ عاب الأصمعيّ على ذي الرمّة قوله:
وقفنا فقلنا إيه عن أمّ سالم وزعم أن المسموع فيه التنوين، وكأنّ ذا الرّمّة أجرى ذلك مجرى غاق وغاق وصه وصه، فأجراه مجرى بعض ما يشبهه من غير أن يكون سمع فيه ما قاله). [الحجة للقراء السبعة: 4/251]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : (قرأ نافع وابن كثير وحفص {الر} بفتح الرّاء وقرأ الباقون بكسر الرّاء وهما لغتان أهل الحجاز يقولون وباء وثاء وراء وطاء وغيرهم يقولون باء وتاء وراء وطاء). [حجة القراءات: 327]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (قد ذكرنا الإمالة في «الر والمر» وعلة ذلك، وتقدم ذكر «الساحر» وذكر إمالة «أدراك» ونحو ذلك). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/512]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (1- {الرَ} [آية/ 1] مفتوحة الراء:
قرأها ابن كثير ونافع- ل- وعاصم- ص- ويعقوب، وكذلك {الّـمر}.
وكان نافع- ش- و- ن- يجعلها بين الفتح والكسر، وهو إلى الفتح أقرب.
وقرأ أبو عمرو وابن عامر وعاصم- ياش- وحمزة والكسائي {الرَ} و{الّـمر} بالإمالة في الجميع.
والوجه في فتح الراء وترك الإمالة أن الإمالة حكم غير واجب بل هو جائز، وكثير من العرب لا يميلون شيئًا وإن كان فيه ما يستدعي الإمالة، وحسن ههنا ترك الإمالة لشيء آخر وهو وجود الراء المفتوحة، وهي حرف يمنع الإمالة، كما يمنعها الحرف المستعلي؛ لأنها حرف مكرر، فالفتحة فيه بمنزلة فتحتين.
وأما وجه ما بين الفتح والكسر، فهو أنه حرف من حروف التهجي، وهو
[الموضح: 612]
اسم لا يستحق الإعراب؛ لأنه يجري مجرى الأصوات، فكره فيه الإمالة لشبهه بالحروف، وللفتحة الحاصلة في الراء أيضًا، وكره أيضًا فيه ترك الإمالة؛ لنها اسم لما يتلفظ به من الأصوات المقطعة للتهجي، والأسماء يجوز فيها الإمالة، فلهذا جعلها بين الفتح والكسر.
وأما وجه الإمالة فهو أن الراء كما ذكرنا اسمٌ؛ لأن حروف التهجي أسماء لهذه الأصوات المخصوصة كالشيب والجوت ونحوهما، فأرادوا إبانة كونها أسماء فأمالوها لذلك؛ لأن حروف المعاني لا يجوز فيها الإمالة، وأجروا الألف منها مجرى المنقلب عن الياء). [الموضح: 613]

قوله تعالى: {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ (2)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (2- وقوله تعالى: {لساحر مبين} [2].
قرأ ابن كثير وعاصم وحمزة والكسائي: {لساحر} بألف.
وقرأ الباقون: {لسحر}.
فمن قرأ بألف أراد النبي صلى الله عليه وسلم، ومن قرأ بغير ألف أراد: القرآن، ومثله قوله: {ساحرن تظاهرا} و{سحارن} فـ {ساحران} أراد موسى ومحمدًا عليهما السلام، و{سحران} أراد التوراة والفرقان). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/260]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في إثبات الألف وإسقاطها من قوله جلّ وعزّ: لسحر مبين [يونس/ 2].
فقرأ ابن كثير وعاصم وحمزة والكسائي: لساحر مبين بألف، وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر لسحر* بغير ألف.
قال أبو علي: يدلّ على قول من قال: سحر* قوله: فلما جاءهم الحق قالوا هذا سحر وإنا به كافرون [الزخرف/ 30]. ويدلّ على ساحر قوله تعالى: وقال الكافرون هذا ساحر كذاب [ص/ 4]. والقول في الوجهين
[الحجة للقراء السبعة: 4/251]
جميعا قد تقدم ومن قال: ساحر أراد الرجل، ومن قال: سحر* أراد: الذي أوحي سحر، أي: الذي تقولون أنتم فيه: إنه أوحي: سحر، وليس كما تقولون: إنه وحي). [الحجة للقراء السبعة: 4/252]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({أكان للنّاس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم} {قال الكافرون إن هذا لساحر مبين}
قرأ ابن كثير وأهل الكوفة {قال الكافرون إن هذا لساحر مبين} بالألف قوله {إن هذا} إشارة إلى المرسل وحجتهم قوله {أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر النّاس} {قال الكافرون إن هذا} يعني النّبي صلى الله عليه {لساحر مبين}
وقرأ الباقون {سحر مبين} بغير ألف يعنون القرآن وحجتهم أن السحر يدل على السّاحر لأن الفعل لا يكون إلّا من فاعل والساحر قد يوجد ولا يوجد معه السحر). [حجة القراءات: 327]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (2- {لَسِحْرٌ مُّبِينٌ} [آية/ 2] بغير ألف:
قرأها نافع وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب.
[الموضح: 613]
والوجه أنه قد تقدم ذكر الوحي في قوله {أَنْ أَوْحَيْنَا إلَى رَجُلٍ ... قَالَ الكَافِرُونَ إنَّ هَذَا لَسِحرٌ} أي هذا الوحي سحر، يعني أن الذي تدعون أنه وحي سحرٌ مبينٌ، كما قال تعالى {ولَمَّا جَاءَهُمُ الحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ}.
وقرأ ابن كثير والكوفيون {لَسَاحِرُ} بالألف.
والوجه أنه قد تقدم ذكر الرجل في قوله تعالى {إلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ والتقدير: فقال الكافرون إن هذا الرجل ساحرٌ مبين). [الموضح: 614]

قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (3)}

قوله تعالى: {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (4)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (من ذلك قراءة أبي جعفر والأعمش وسهل بن شعيب: [وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا أَنَّهُ يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ].
قال أبو الفتح: إن شئت كان تقديره: وعد الله حقًّا؛ لأنه يبدأ الخلق ثم يعيده؛ أي: من قدرَ على هذا الأمر العظيم فإنه غني عن إخلاف الوعد، وإن شئت كان تقديره: أي وَعَدَ الله وعدًا حقًّا أنه يبدأ الخلق ثم يعيده، فتكون "أنه" منصوبة بالفعل الناصب لقوله: "وعدًا"، ولا يجوز أن يكون "أنه" منصوبة الموضع بنفس "وَعْد" لأنه قد وصف بقوله حقًّا، والصفة إذا جرت على موصوفها أذِنت بتمامه وانقضاء أجزائه، فهي من صلته، فكيف يوصف قبل تمامه؟ فأما قول الحطيئة:
أَزمعتُ يأْسًا مبينًا من نَوَالِكُمُ ... ولن تَرى طاردًا للحُرِّ كالياس
فلا يكون قوله: من نوالكم من صلة يأس من حيث ذكرنا، ألا تراه قد وصفه بقوله: "مبينًا"؟ وإذا كان المعنى لعمري عليه ومُنع الإعراب منه أُضمر له ما يتناول حرف الجر، ويكون يأسًا دليلًا عليه؛ كأنه قال فيما بعد: يئست من نوالكم). [المحتسب: 1/307]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 03:16 PM

سورة يونس
[ الآيتين (5) ، (6) ]

{ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5) إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (6) }

قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (يفصّل الآيات)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحفص ويعقوب (يفصّل الآيات) بالياء، وقرأ الباقون (نفصّل الآيات) بالنون.
قال أبو منصور: من قرأ (يفصّل الآيات) بالياء فهو إخبار عن فعل اللّه، ومن قرأ بالنون فهو فعله تبارك وتعالى). [معاني القراءات وعللها: 2/39]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (3- وقوله تعالى: {يفصل الآيات} [5].
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحفص عن عاصم بالياء.
وقرأ الباقون بالنون، فمن قرأ بالنون فالله تعالى يخبر عن نفسه بلفظ الجماعة، لأنه ملك الأملاك.
ومن قرأ بالياء فالتقدير: قل يا محمد: الله يدبر الأمر ويفصل الآيات). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/261]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (5- وقوله تعالى: {هو الذي جعل الشمس ضيآءً والقمر نورًا} [5].
قرأ ابن كثير وحده في رواية قنبل {ضيئآء} بهمزتين، فقال ابن مجاهد: هو غلط.
وقرأ الباقون {ضيآءً} بهمزة بعد الألف وهو الصواب.
قال أبو عبد الله: ضيآءٌ جمع ضوء مثل بحر وبحار فالضاد فاء الفعل والواو عين الفعل، والهمزة لام الفعل، فلما اجتمعت وجب أن تقول: ضواءً،
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/261]
فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها كما تقول: ميزان وميقات، والأصل: موزان وموقات، وكما قالوا: سياط وحياض، والأصل: سواط وحواض، وجائز أن يكون الضياء مصدرًا مثل الصوم والصلاة، وقد حكى ضواءً قالوا: على الأصل لغة، ومنه صام صيامًا وقام قيامًا والأصل: صوام وقوام فقلبت الواو ياء فأعرف ذلك.
وكأن ابن كثير شبه {ضئآء} حيث قرأ بهمزتين بقوله: {رئأء الناس} فيجوز أن يكون «ضئآء» مصدرًا لقولهم: ضاء القمر يضوء ضوءًا وضئاء كما تقول: قام يقوم قياما، والاختيار أضاء القمر يضيء إضاءة. وزاد اللحياني ضواء القمر لغة ثالثة؛ لأن الله تعالى قال: {كلما أضاء لهم}.
فإن سأل سائل فقال: لم قال الله تعالى: {هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل} ولم يقل: قدرهما؟
ففي ذلك جوابان:
أحدهما: أن الهاء تعود على القمر فقط، إذ كان يعلم به انقضاء السنة والشهور والحساب.
والجواب الثاني: أن يكون أراد قدرهما فاجتزى بأحدهما كما قال تعالى: {والله ورسوله أحق أن يرضوه} أنشدني ابن مجاهد رحمة الله عليه:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/262]
رماني بأمر كنت منه ووالدي = بريئًا ومن أجل الطوى رماني
ولم يقل: بريئين. [ويروى} «ومن جول» [وهو] الصواب، والجول والجال: جانب البئر، ومعنى هذا البيت أن هذا الرجل الذي شتمني وقذفني يرجع مغبة فعله عليه). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/264]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الياء والنون من قوله جلّ وعزّ: يفصل الآيات [يونس/ 5].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية حفص: يفصل الآيات بالياء.
وروى محمد بن صالح عن شبل عن ابن كثير بالنون.
حدّثني مضر بن محمد عن البزّيّ بإسناده عن ابن كثير بالنون.
وحدّثني الحسن بن مخلد عن البزّيّ بالياء.
وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر وابن عامر وحمزة والكسائي: نفصل* بالنون.
قال أبو علي: من قال: يفصل فلأنّه قد تقدم ذكر الله تعالى، فأضمر الاسم في الفعل. ومن قال: نفصل بالنون؛ فهذا المعنى يريد، ويقوّيه: تلك آيات الله نتلوها [البقرة/ 252، آل عمران/ 108، الجاثية/ 6] وقد تقدم
[الحجة للقراء السبعة: 4/252]
أوحينا فيكون نفصل* محمولا على أوحينا إلا أن الياء أولى، لأنّ الاسم الذي يعود إليه أقرب إليه من أوحينا). [الحجة للقراء السبعة: 4/253]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: وقرأ ابن كثير وحده: ضئاء والقمر نورا [يونس/ 5] بهمزتين في كلّ القرآن، الهمزة الأولى قبل الألف، والثانية بعدها، كذلك قرأت على قنبل، وهو غلط.
وقرأ الباقون بهمزة واحدة في كلّ القرآن.
وكان أصحاب البزّي، وابن فليح ينكرون هذا، ويقرءون مثل قراءة الناس ضياء.
وأخبرني الخزاعيّ عن عبد الوهاب بن فليح عن أصحابه عن ابن كثير: ضياء بهمزة بعد الألف في كلّ القرآن، ولا يعرفون الأخرى.
قال أبو علي: الضياء لا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون جمع ضوء، كسوط، وسياط وحوض، وحياض، أو مصدر ضاء يضوء ضياء، كقولك: عاذ عياذا، وقام قياما وعاد عيادة وعلى أيّ الوجهين حملته، فالمضاف محذوف.
المعنى: جعل الشمس ذات ضياء، والقمر ذا نور.
أو يكون: جعلا النور والضياء لكثرة ذلك منهما.
فأمّا الهمزة في موضع العين من ضياء، فيكون على القلب، كأنه قدّم اللام التي هي همزة إلى موضع العين،
[الحجة للقراء السبعة: 4/258]
وأخّرت العين التي هي واو إلى موضع اللام، فلما وقعت طرفا بعد ألف زائدة، انقلبت همزة، كما انقلبت في: شقاء وغلاء. وهذا إذا قدّرته جمعا كان أسوغ، ألا ترى أنهم قالوا:
قوس وقسيّ، فصحّحوا الواحد، وقلبوا في الجميع.
وإذا قدّرته مصدرا كان أبعد، لأن المصدر يجري على فعله في الصحّة والاعتلال، والقلب ضرب من الاعتلال، فإذا لم يكن في الفعل لم ينبغ أن يكون في المصدر أيضا، ألا ترى أنّهم قالوا: لاوذ لواذا، وبايع بياعا، فصحّحوهما في المصدر لصحتهما في الفعل، وقالوا: قام قياما؛ فأعلّوه ونحوه لاعتلاله في الفعل). [الحجة للقراء السبعة: 4/259]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({هو الّذي جعل الشّمس ضياء} {ما خلق الله ذلك إلّا بالحقّ يفصل الآيات لقوم يعلمون}
[حجة القراءات: 327]
قرأ ابن كثير في رواية القواس (جعل الشّمس ضئاء) بهمزتين وحجته قوله تعالى {رئاء النّاس} وضئاء جمع ضوء مثل بحر وبحار والأصل ضواء فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها فصارت ضياء كما تقول ميزان وميقات وجائز أن يكون الضياء مصدرا مثل الصّوم والصّيام والأصل صوام فقلبت الواو ياء تقول ضاء القمر يضوء ضوءا وضياء كما تقول قام يقوم قياما
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحفص {يفصل الآيات} بالياء إخبار عن الله وحجتهم قوله {ما خلق الله ذلك إلّا بالحقّ} فجعلوا الفعل مسندًا إليه بلفظ التّوحيد فكأنّه قال يفصل الله الآيات
وقرأ الباقون {نفصل} بالنّون وحجتهم أن ما جاء في القرآن من قوله {فصلنا} و{نفصل} بلفظ الجمع كثير فألحق به ما كان له نظيرا ليكون الكلام على سياق واحد). [حجة القراءات: 328]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (1- قوله: «ضياءً» قرأه قنبل بهمزتين، بينهما ألف، حيث وقع، وقرأ الباقون بياء قبل الألف.
وحجة من قرأ بهمزتين أن «ضياء» جمع ضوء كسوط وسياط فالياء منقلبة من واو، لانكسار ما قبلها، ويجوز أن تكون مصدرًا لـ «ضاء»، لكنه في الوجهين قلبت عين الفعل، وهو الياء المنقلبة إلى موضع لام الفعل، وهو الهمزة وردت الهمزة في موضع الياء، فلما تطرفت الياء بعد ألف زائدة قلبت همزة، كما فعل في «دعاء وسقاء» فصارت همزة قبل الألف، وهي الأصلة التي هي لام الفعل من «ضوء» وهمزة بعد الألف، وهي المنقلبة عن الياء، المنقلبة عن واو، ولو
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/512]
قلت: إن الهمزة انقلبت عن واو؛ لأن الياء لما تأخرت وزالت عنها الكسرة، التي قبلها، رجعت إلى أصلها وهو الواو، فقلبت همزة كـ «دعاء» لجاز ذلك.
2- وحجة من لم يهمز، وترك الياء قبل الألف، على حالها أنه أتى بالاسم على أصله ولم يقلب من حروفه شيئًا في موضع شيء، والياء بدل من واو «ضوء» لانكسار ما قبلها، وكونه مصدرًا في هذه القراءة أحسن، لأن المصدر يبعد فيه القلب والتغيير، إنما حقه أن يجري على فعله في الاعتلال، وفعله غير مقلوب، ويجوز أن يكون جمعًا غير مقلوب أتى على أصله، وكون «ضياء » جمع «ضوء» في قراءة من همز همزتين أحسن لأن الجمع يحسن فيه القلب ويكثر، كـ «قسا» والاختيار ترك القلب والتغيير، وتركُ الهمز في موضع الياء، لأن عليه الجماعة وهو الأصل). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/513]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (3- قوله: {يُفصل الآيات} قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحفص بالياء على لفظ الغائب، ردوه ع لى قوله: {ما خلق الله ذلك}، وعلى قوله: {هو الذي جعل الشمس}، وعلى قوله: {إن ربكم الله} «3» وعلى قوله: {ذلكم الله ربكم}، وعلى قوله: {وعد الله} «4» كله بلفظ الغيبة، على الإخبار عن الله جل ذكره، وقرأ الباقون «نفصل» بالنون، على لفظ
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/513]
الإخبار عن الله جل ذكره عن نفسه بفعله، وهو يرجع إلى القراءة بالياء في المعنى ودليله قوله تعالى: {تلك آيات الله نتلوها عليك} «البقرة 252» وهو إجماع، ويقويه أن قبله {أوحينا} «3» على الإخبار من الله جل ذكره عن نفسه، وهو الاختيار؛ لأن الأكثر عليه.). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/514]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (3- {ضِئَاءً} [آية/ 5] بهمزتين:
قرأها ابن كثير- ل- في كل القرآن، وروى الخزاعي وأبو ربيعة المكي عنه بهمزة واحدة.
وقرأ الباقون {ضِيَاءً} بهمزة واحدة.
[الموضح: 614]
والوجه في الهمزتين أن أصله {ضِيَاءً} بياء بعد الضاد وهمزة واحدة في الطرف؛ لأنه مصدر ضاء ضياء كقام قيامًا، أو جمع ضوء كسوط وسياط وثوب وثياب، فالياء فيه منقلبة عن واو، فالأصل: ضواء بالواو، فقلبت الواو ياء لكسرة ما قبلها ولاعتلالها في الفعل أو الواحد، ولقربها من الطرف، فبقي ضياء كقراءة الأكثرين، ثم إنهم قلبوا الكلمة، فجعلوا الهمزة التي وقعت طرفًا في موضع العين، وجعلوا الياء التي هي عين في الطرف فبقي ضئايٌ بهمزة بعد الضاد وياء بعد الألف، ثم إنهم قلبوا الياء همزة لوقوعها طرفًا بعد ألف زائدة فبقي ضئاء بهمزتين، وإذا حملت الكلمة على أنها جمع كان أولى؛ لأن القلب بالجمع أليق.
وأما قراءة الباقين وهم الأكثرون {ضِيَاءً} بهمزة واحدةٍ، فهو الأصل الذي لم يقلب، وهو فعال جمعًا أو مصدراً كما ذكرناه). [الموضح: 615]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (4- {يُفَصِّلُ الآيَاتِ} [آية/ 5] بالياء:
قرأها ابن كثير وأبو عمرو وعاصم- ص- ويعقوب.
والوجه أن الفعل لله تعالى، وقد تقدم ذكرا لله تعالى في قوله {مَا خَلَقَ الله ذَلِكَ إلاَّ بِالْحَقِّ} ففي {يُفَصِّلُ} ضمير اسم الله عز وجل.
وقرأ الباقون {نُفَصِّلُ} بالنون.
والوجه أنه في المعنى مثل ما تقدم؛ لأن الذي يفصل الآيات هو الله تعالى، إلا أنه ذكره بالنون؛ ليوافق لفظ ما تقدم من قوله سبحانه {أَنْ أَوْحَيْنَا
[الموضح: 615]
إلَى رَجُلٍ وقد سبق كثيرٌ من أمثاله، فمضى الكلام فيه). [الموضح: 616]

قوله تعالى: {إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (6)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 03:18 PM

سورة يونس
[ من الآية (7) إلى الآية (10) ]

{ إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آَيَاتِنَا غَافِلُونَ (7) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (8) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9) دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (10) }

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آَيَاتِنَا غَافِلُونَ (7)}

قوله تعالى: {أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (8)}

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9)}

قوله تعالى: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (10)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن محيصن وبلال بن أبي بُردة ويعقوب: [أنَّ الحمدَ لله].
قال أبو الفتح: هذه القراءة تدل على أن قراءة الجماعة: {أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ} على أَنَّ [أَنْ] مخففة من أَنَّ، بمنزلة قول الأعشى:
في فِتيةٍ كسيوف الهند قد علِموا ... أَنْ هالكٌ كلُّ من يَحفي وينتعل
أي: أنه هالك، فكأنه على هذا: وآخر دعواهم أنه الحمد الله، وعلى أنه لا يجوز أن يكون "أنْ" هنا زائدة كما زيدت في قوله:
ويومًا تُوافينا بوجه مقسَّم ... كأَنْ ظبيةٍ تعطو إلى وارق السَّلَمْ
أي: كظبية، وإذا لم يكن ذلك كذلك لم يكن تقديره: وآخر دعواهم الحمد الله، هو كقولك: أول ما أقوله: زيد منطلق. وعلى أن هذا مع ما ذكرناه جائز في العربية؛ لكنَّ فيه خلافًا لتقدير قراءة الجماعة. وفيه أيضًا الحمل على زيادة "أنْ"، وليس بالكثير.
ولو قرأ قارئ: إنَّ الحمدَ لله، بكسر الهمزة على الحكاية التي للفظ بعينه لكان جائزًا؛ لكن لا يُقْدَم على ذلك إلا أن يَرد به أَثر وإن كان في العربية سائغًا. وإذا فتح فقال: أنَّ الحمد لله، فلم يحكِ اللفظ بعينه؛ وإنما جاء بمعنى الكلام كقولنا: بلغني أن زيدًا منطلق، فليس هذا على حكاية ما سمع لفظًا، ألا تراه إذا قيل له: قد انطلق زيد، فقال: بلغني أن زيدًا منطلق كان صادقًا وإن لم يؤد نفس اللفظ الذي سمعه؛ لكنه أدى معناه؟ وإن كسَر فقال: إنَّ الحمد لله، فهو مؤدٍ لنفس اللفظ وحَاكٍ له ألبتة). [المحتسب: 1/308]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 03:20 PM

سورة يونس

[ من الآية (11) إلى الآية (14) ]

{وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (11) وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (12) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (13) ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (14) }

قوله تعالى: {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (11)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (لقضي إليهم أجلهم)
[معاني القراءات وعللها: 2/39]
قرأ ابن عامر والحضرمي (لقضى) بفتح القاف، و(أجلهم) نصبًا، وقرأ الباقون (لقضي) بضم القاف، (أجلهم) رفعًا.
قال أبو منصور: من قرأ (لقضى) فمعناه: لقضى اللّه أجلهم، أي: أمضاه.
ومن قرأ (لقضي) فهو على ما لم يسم فاعله، ولذلك رفع (أجلهم) ). [معاني القراءات وعللها: 2/40]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (4- وقوله تعالى: {لقضي إليهم أجلهم} [11].
قرأ ابن عامر وحده: {لقضي إليهم أجلهم} بفتح القاف، أي: لقضى الله إليهم أجلهم، وحجته: {ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم} [11].
وقرأ الباقون {لقضي إليهم أجلهم ....} على ما لم يُسم فاعله، وكلا القراءتين حسنة، ومثلها قوله {فيمسك التى قضى عليها الموت} و{قضى عليها الموت} ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/261]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح القاف وضمّها من قوله جل وعزّ: لقضي إليهم أجلهم [يونس/ 11].
فقرأ ابن عامر وحده: لقضى إليهم بفتح القاف، أجلهم* نصبا.
وقرأ الباقون: لقضي إليهم بضمّ القاف، أجلهم رفعا.
قال أبو علي: اللام في قوله سبحانه: لقضي جواب لو* من قوله: ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي [يونس/ 11]، فالمعنى والله أعلم: ولو يعجّل الله للناس دعاء الشرّ، أي ما يدعون به من الشرّ على أنفسهم في حال ضجر وبطر استعجالهم إياه بدعاء الخير، فأضيف المصدر إلى المفعول، وحذف الفاعل [كقوله
[الحجة للقراء السبعة: 4/253]
من دعاء الخير [فصلت/ 49] في حذف ضمير الفاعل] والتقدير:
ولو يعجّل الله للناس الشرّ استعجالا مثل استعجالهم بالخير، لقضي إليهم أجلهم.
قال أبو عبيدة: لقضي إليهم أجلهم: لفرغ من أجلهم، وأنشد لأبي ذؤيب:
وعليهما مسرودتان قضاهما... داود أو صنع السّوابغ تبّع
ومثل ما أنشده أبو عبيدة من قوله: قضاهما داود، قول الآخر:
قضيت أمورا ثم غادرت بعدها... بوائق في أكمامها لم تفتّق
[الحجة للقراء السبعة: 4/254]
فالتقدير في قوله: لقضي إليهم أجلهم أي: لفرغ من أجلهم ومدّتهم المضروبة للحياة، وإذا انتهت مدّتهم المضروبة للحياة، هلكوا. وهذا قريب من قوله تعالى:
ويدعو الإنسان بالشر دعاءه بالخير، وكان الإنسان عجولا [الإسراء/ 11].
وقالوا للميّت: مقضّ، كأنّه قضى إذا مات، وقضّى: فعّل، التقدير فيه: استوفى أجله، وفرغ منه؛ قال ذو الرّمّة:
إذا الشخص فيها هزّه الآل أغمضت... عليه كإغماض المقضّي هجولها
المعنى: أغمضت هجول هذه البلاد على الشخص الذي فيها، فلم ير لغرقه في الآل، كإغماض المقضّي، وهو الميّت، لعينه، وهذا في المعنى كقوله:
ترى قورها يغرقن في الآل مرّة... وآونة يخرجن من غامر ضحل
[الحجة للقراء السبعة: 4/255]
فأما قوله سبحانه: لقضي إليهم أجلهم [يونس/ 11] وما يتعلّق به هذا الجارّ، فإنه لمّا كان معنى قضى: فرغ، وكان قولهم: فرغ، قد يتعدّى بهذا الحرف في قوله:
ألان فقد فرغت إلى نمير... فهذا حين صرت لهم عذابا
وفي التنزيل: سنفرغ لكم أيها الثقلان [الرحمن/ 31] أمكن أن يكون الفعل يتعدى باللام كما تعدى بإلى، كما أن أوحى في قوله: وأوحينا إليه [يوسف/ 15] قد تعدى بإلى، واللام في قوله: بأن ربك أوحى لها [الزلزلة/ 5]، فلمّا كان معنى قضي فرغ، وفرغ تعلّق بها إلى، كذلك تعلّق بقضى.
ووجه قراءة ابن عامر: لقضى إليهم أجلهم على إسناد الفعل إلى الفاعل؛ فلأن الذكر قد تقدم في قوله ولو يعجل
[الحجة للقراء السبعة: 4/256]
الله للناس الشر [يونس/ 10]. فقال: لقضى* على هذا، ومن حجّته في ذلك قوله سبحانه: ثم قضى أجلا، وأجل مسمى عنده [الأنعام/ 2]، فهذا الأجل الذي في هذه الآية هو الأجل المضروب للمحيا، كما أن الأجل في قوله: لقضى إليهم أجلهم كذلك.
فكما أسند الفعل بالأجل المضروب للحياة إلى الفاعل في قوله: ثم قضى أجلا عند الجميع؛ كذلك أسنده ابن عامر في قوله: لقضى إليهم أجلهم إلى الفاعل، ولم يسنده إلى الفعل المبنيّ للمفعول، ويدلّ على أنّ الأجل في قوله ثم قضى أجلا أجل المحيا، وأن قوله: وأجل مسمى عنده أجل البعث، يبين ذلك قوله: ثم أنتم تمترون [الأنعام/ 2]، أي: أنتم أيها المشركون تشكّون في البعث، فلا تصدّقون به، وقوله: ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده [الأنعام/ 2] في المعنى كقوله: فأحياكم ثم يميتكم [الحج/ 66].
ومن قرأ لقضي فبنى الفعل للمفعول به، فلأنّه في المعنى كقول من بنى الفعل للفاعل). [الحجة للقراء السبعة: 4/257]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ولو يعجل الله للنّاس الشّرّ استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم}
قرأ ابن عامر {لقضي إليهم} بفتح القاف والضّاد أجلهم ذهب أي لقضى الله إليهم أجلهم وحجته قوله {ولو يعجل الله للنّاس الشّرّ استعجالهم} وقرأ الباقون {لقضي إليهم أجلهم} على ما لم يسم فاعله). [حجة القراءات: 328]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (5- {لَقَضى إلَيْهِمْ أَجَلَهُمْ} [آية/ 11] بفتح القاف والضاد من {قَضَى}، ونصب {أَجَلَهُمْ}:
قرأها ابن عامر ويعقوب.
والوجه أنه فعل مبني للفاعل، وقد أسند إلى الله تعالى، وذكره قد تقدم في قوله سبحانه {ولَوْ يُعَجِّلُ الله لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ} أي لقضى الله إليهم أجلهم، ونصب {أَجَلَهُمْ} على أنه مفعول به.
وقرأ الباقون {لَقُضِيَ} بضم القاف وكسر الضاد {أَجَلُهُمْ} بالرفع.
والوجه أن الفعل مبني للمفعول به؛ لأنه معلوم أن القاضي هو الله عز وجل، فسواء بني الفعل للفاعل أم للمفعول به؛ إذ المعنى واحد). [الموضح: 616]

قوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (12)}

قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (13)}

قوله تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (14)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك ابن شعيب قال: سمعت يحيى بن الحارث يقرأ: [لِنَظُّرَ كيف تَعْمَلون] بنون واحدة. قال: فقلت له: ما سمعت أحدًا يقرؤها، قال: هكذا رأيتها في الإمام: مصحف عثمان. أيوب عن يحيى عن ابن عامر: [لِنَظُّرَ] بنون واحدة مثله.
قال أبو الفتح: ظاهر هذا أنه أدغم نون ننظر في الظاء، وهذا لا يُعرف في اللغة، ويشبه أن تكون مخفاة؛ فظنها القراء مدغمة على عادتهم في تحصيل كثير من الإخفاء إلى أن يظنوه مدغمًا؛ وذلك أن النون لا تُدغم إلا في ستة أحرف، ويجمعها قولك: يَرْمُلون). [المحتسب: 1/309]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 03:21 PM

سورة يونس
[ من الآية (15) إلى الآية (17) ]

{ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآَنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (16) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (17) }

قوله تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآَنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ما يكون لي أن أبدّله من).
فتح الياء من (لي) ابن كثير ونافع وأبو عمرو، وأسكنها الباقون). [معاني القراءات وعللها: 2/41]

قوله تعالى: {قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (16)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ولا أدراكم به)
قرأ نافع وحفص والحضرمي (أدراكم به)، و(أدراك) بالفتح في كل القرآن، وقرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم بين الفتح والكسر، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي (أدريكم به " كسرًا حيث وقع، وقرأ ابن كثير فيما أقرأني (ولأدراكم به) كلمة واحدة بمعنى: ولأعلمكم.
قال أبو منصور؛ أما اللغات التي رويت في قوله (ولا أدراكم) من الإمالة والتفخيم فهي كلها معروفة، بأيّها قرأت فأنت مصيب. وأمّا ما روي
[معاني القراءات وعللها: 2/40]
لابن كثير (ولأدراكم به) فاللام لام التأكيد، وليست القراءة بها فاشية، والقراءة ما عليه القراء، و(لا) حرف نفي، و(أدراكم) كلمة أخرى). [معاني القراءات وعللها: 2/41]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (6- وقوله تعالى: {ولا أدراكم به} [16].
قرأ ابن كثير وحفص عن عاصم وابن عامر برواية هشام {ولا أدراكم
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/263]
به} بالفتح، معناه: ولا أعلمكم به، من درى يدري.
وقرأ الباقون بالإمالة {أدريكم} من أجل الراء والياء، فمن فخم فعلى أصل الكلمة، وكان الأصل: {أدريكم} فانقلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فهي ألف في اللفظ ياء في الخط كقوله تعالى: {حتى يتوفاهن الموت} والأصل: يتوفيهن.
وفيها قراءة ثالثة: حدثني أحمد بن عبدان عن علي عن أبي عبيد أن الحسن البصري قرأ: {ولا أدرأتكم به} بالهمز والتاء.
قال النحويون: هو غلط، وذلك أن العرب تهمز بعض ما لا يهمز تشبيهًا بما يهمز فيقولون: حلات السوق والأصل: حليت تشبيهًا بحلات الإبل عن الماء. يقولون: رثات الميت والأصل: رثيت تشبيهًا بالرثيئة، وهي اللبن. ويقولون: لبأت لفلان، والأصل لبيت تشبيهًا باللباء. ويقولون: نشئت ريحًا وأصله ترك الهمزة. وقرأ أبو جعفر: {اهتزت وربأت} تشبيهًا بالربيئة، وهو من ربأت القوم: إذا كنت لهم حافظًا وعينًا.
وقرأ ابن كثير في رواية قنبل: {ولأدرايكم} بغير مد؛ لأنه كان لا يرى مد حرف بحرف مثل: {بما أنزل إليك} والباقون يمدون، وهو الصواب). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/264]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح الراء وكسرها من قوله جل وعز: ولا أدراكم به [يونس/ 16].
فقرأ ابن كثير وعاصم في رواية حفص ونافع ولا أدراكم به بفتح الراء، والألف.
وقرأ أبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر وابن عامر وحمزة والكسائي: ولا أدريكم به بكسر الراء وبألف.
قال أبو علي قوله: ولا أدراكم به حكى سيبويه:
[الحجة للقراء السبعة: 4/259]
دريته، ودريت به، قال: والأكثر في الاستعمال بالباء، ويبيّن ما قاله من ذلك قوله سبحانه: ولا أدراكم به، ولو جاء على اللغة الأخرى لكان: ولا أدراكموه، وقالوا: الدّرية، فجاء على فعلة، كما قالوا: الشّعرة، والدّرية، والفطنة، وهي مصادر يراد بها ضروب من العلم.
وجاء هذا البناء في غير هذا النحو كقولهم: الردّة قال:
قليل ردّتي إلا أمامي فأمّا الدراية فكالهداية والدّلالة، وكأن الدراية التأنّي والتعمّل لعلم الشيء، وعلى هذا المعنى ما تصرّف، ومن هذه الكلمة أنشد أبو زيد:
فإنّ غزالك الذي كنت تدّري... إذا شئت ليث خادر بين أشبل
قال أبو زيد: تدّري: تختل، ومنه الدّريّة في قول أكثر الناس في الحجل الذي يستتر به الصائد من الوحش، كأنه يختل به، فيأتي الوحش من حيث لا تعلم.
وقالوا: داريت الرجل: إذا لا ينته وختلته.
[الحجة للقراء السبعة: 4/260]
وإذا كان هذا الحرف على هذا، فالداري في وصف القديم لا يسوغ، فأما قول الراجز:
لا همّ لا أدري وأنت الداري فلا يكون حجة في جواز ذلك لأمرين: أحدهما: أنه لما تقدم لا أدري، استجاز أن يذكر الداري بعد ما تقدم لا أدري، كما جاء: فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه [البقرة/ 194] ونحو ذلك، ولو لم يتقدم ذكر الاعتداء، لم يحسن في الابتداء الأمر بالاعتداء، وكذلك إن تسخروا منا، فإنا نسخر منكم [هود/ 38]، وقوله سبحانه: إنما نحن مستهزئون، الله يستهزىء بهم [البقرة/ 14].
والأمر الآخر: أن العرب ربّما ذكروا أشياء لا مساغ لجوازها كقوله:
لا همّ إن كنت الذي بعهدي... ولم تغيّرك الأمور بعدي
وقول الآخر:
لو خافك الله عليه حرّمه
[الحجة للقراء السبعة: 4/261]
فأمّا الهمز في أدراكم على ما يروى عن الحسن، فلا وجه له لأن الدّرء الدفع، على ما جاء في قوله سبحانه:
فادرؤوا عن أنفسكم الموت [آل عمران/ 168]، وقوله: فادارأتم فيها [البقرة/ 72]، وما روي من قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «ادرءوا الحدود بالشّبهات ».
وقولهم لما طعن من الجبل فاندفع عن سائر الصفيحة: درء ودروء، وقال:
وترمي دروء دونه بالأجادل فأما ما حكي من الهمز في الدّريئة للجمل الذي يختل به الوحش، فمن همز جعله من صفة يليق وصفه بها، وقال:
إنه يدفع به نحو الوحش، ولا يستقيم هذا المعنى في الآية.
[الحجة للقراء السبعة: 4/262]
فأمّا إمالة الفتحة من الراء في أدراكم به وإمالة الألف عنها، فلأن الألف تنقلب إلى الياء في أدريته، وهما مدريان، وأمّا من لم يمل؛ فلأنّ هذه الألفات كثير من العرب لا يميلونها، وهو الأصل، وعليه ناس كثير من العرب الفصحاء). [الحجة للقراء السبعة: 4/263]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن عباس والحسن وابن سيرين: [ولا أَدْرَأْتُكم به].
قال أبو الفتح: هذه قراءة قديمة التناكر لها والتعجب منها. ولعمري إنها في بادئ أمرها على ذلك، غير أن لها وجهًا وإن كانت فيه صنعة وإطالة.
وطريقه أن يكون أراد: ولا أَدريتكم به، ثم قلب الياء لانفتاح ما قبلها وإن كانت ساكنة ألفًا؛ كقولهم في ييئس: ياءَس، وفي ييبس: يابَس، وكقولهم: ضَرب عليهم سايَة؛ وإنما
[المحتسب: 1/309]
يريد: سَيَّة، وهي فَعْلة من سوّيت، فقلبت الواو ياء وأدغمت في الياء فصار سَيَّة، ثم قلبت الياء الأولى لانفتاح ما قبلها وإن كانت ساكنة ألفًا؛ فصارت ساية.
وقالوا في الإضافة إلى الْحِيرَة: حاريّ، وإلى طَيّ: طائِيّ، وقالوا: حاحيت وعاييت وهاهيت، والأصل: حيحيت وعيعيت وهيهيت، فقلت الياءات السواكن في هذه الأماكن ألفات، فكذلك أيضًا قلبت ياء [أدريتكم] ألفًا فصارت [أدرأتكم]. وعلى ذلك أيضًا ما رويناه عن قطرب: أن لغة عقيل أن يقولوا في أعطيتُك: أعطاتك، فلما صارت "أدريتكم" إلى "أرداتكم" همز على لغة مَن قال في الباز: البأز، وفي العالم: العألم، وفي الخاتم: الخأتم، وفي التابل وتابَلْتُ القدر: التأبل، وتأبلت القدر. وأنشد ابن الأعرابي:
ولَّى نعامُ بني صفوان زَوْزَأةً ... لَمَّا رأى أسدًا في الغار قد وثبا
يريد: زوزاة. ولنحو هذا نظائر قد أوردناها في كتابنا الموسوم بالخصائص في باب ما همَزَتْهُ العرب ولا أصل له في همز مثله، فهذا وإن طالت الصنعة فيه أمثل من أن تُعْطَى اليد بفساده وترك النظر في أمره). [المحتسب: 1/310]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به}
قرأ ابن كثير (ولأدراكم به) بغير مد لأنّه كان لا يرى مد حرف لحرف
[حجة القراءات: 328]
وقرأ الباقون {ولا أدراكم} أي ولا أدراكم الله به أي ولا أعلمكم به أي ولا أنزل هذا القرآن عليكم). [حجة القراءات: 329]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (4- قوله: {ولا أدراكم به} قرأ قنبل بغير ألف قبل الهمزة، وقرأ الباقون بألف.
وحجة من قرأ بألف أنه عطفه على ما يتلوه، فأتى بالفعل رباعيًا على معنى: ولو شاء الله ما أعلمكم به، فعطف نفيًا على نفي.
5- وحجة من قرأ بغير ألف أنه على تأويل تسهيل همزة «أدراكم» بين الهمزة المفتوحة والألف، لأنها مفتوحة بعد ألف، فقربت من الساكن وقبلها ألف ساكنة، فحذفت الألف لالتقاء الساكنين، ثم ردت الهمزة المسهلة إلى أصلها، وهو التحقيق، وهذا قول ضعيف، لا أصل له في العل، فيكون المعنى على هذا كالمعنى في القراءة الأخرى، عطف نفي، والأحسن أن تكون هذه القراءة على تقدير أن اللام في {ولا أدراكم} جواب «لو» المضمرة، لأن التقدير، لو شاء الله ما تلوته عليكم، ولو شاء الله لأدراكم به، أي: لأعلمكم به قبل إتياني إليكم، فيكون المعنى على هذا أن الثاني غير نفي، والاختيار إثبات الألف، لثباتها في المصحف، ولأن الجماعة على إثباتها في اللفظ، وليشترك المعطوف فيما دخل فيه المعطوف عليه
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/514]
من النفي). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/515]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (6- {ولأَدْرَاكُم بِهِ} [آية/ 16] بلام التأكيد من غير لا:
قرأها ابن كثير وحده- ل-، إنما يجعلها لامًا دخلت على أدراكم، وفي رواية البزي عنه {ولا أَدْرَاكُم} بهمزة بعد لا.
والوجه في {لأَدْرَاكُم} بلام التأكيد من غير لا، أنه دخل فيه لام التأكيد،
[الموضح: 616]
لما كان معطوفًا على جواب لو، وليس فيه نفي، وإن كان في المعطوف عليه النفي، والتقدير: لو شاء الله لما تلوته عليكم ولأدراكم به، أي ولأعلمكم الله تعالى به من غير أن أتلوه عليكم؛ فلما كان أدراكم معطوفًا على قوله {مَا تَلَوْتُهُ} وهو جواب لو، أدخل على أدراكم اللام؛ لأن المعطوف والمعطوف عليه في حكم واحد، وجاز دخول اللام في جواب لو فكذلك فيما عطف عليه.
وقرأ الباقون {ولا أَدْرَاكُم} بهمزة بعد لا، مثل رواية البزي.
والوجه أن {لا} للنفي، وقد دخل على {أَدْرَاكُم فانعطف على النفي المتقدم في قوله {ما تَلَوْتُهُ عليكم} ولا أعلمكم الله تعالى به أيضًا، وهي قراءة الجمهور، وهي القراءة الفاشية.
وقرأها ابن كثير وابن عامر وعاصم- ص- ويعقوب بفتح الراء من غير إمالة، وكان نافع يضجعها قليلاً، وأمالها أبو عمرو وعاصم- ياش- وحمزة والكسائي.
والوجه في ترك الإمالة أنه هو الأصل، والإمالة ليست بحكم واجب، وكثير من العرب لا يرون الإمالة في شيء.
والوجه في الإمالة أن الألف تنقلب فيه إلى الياء في أدريته وهما مدريان، وحسن الإمالة فيه لهذا.
وأما الاضجاع فهو كالإمالة، وإنما ذهب إليه من ذهب، لأنه كره أن يعود إلى الياء الذي هرب منه، وقد تقدم ذكر ذلك). [الموضح: 617]

قوله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (17)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 03:22 PM

سورة يونس
[ من الآية (18) إلى الآية (20) ]

{ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (18) وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (19) وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (20) }

قوله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (18)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (عمّا يشركون)
ها هنا، وفي النحل في موضعين، وفي النمل، وفي الروم.
قرأهنّ أبو عمرو وعاصم ويعقوب بالياء كلهن، وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر (خيرٌ أمّا تشركون) بالتاء، والباقي بالياء. وقرأهن حمزة والكسائي خمستهن بالتاء، واتفقوا فيما سوى هذه الخمسة الأحرف.
قال أبو منصور: من قرأ بالتاء فهو مخاطبة، ومن قرأ بالياء فهو خبر). [معاني القراءات وعللها: 2/41]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (7- وقوله تعالى: {عما يشركون} [18].
قرأ نافع وابن كثير بالياء هاهنا وحرفين في (النحل) وفي (الروم) وقرأ في (النمل) بالتاء، ولم يختلف القراء في غير هذه الخمسة.
وقرأ أبو عمرو وعاصم وابن عامر كل ذلك بالياء.
وقرأ حمزة والكسائي بالتاء كل ذلك.
فمن قرأ بالياء جعل الإخبار عن المشركين وهم غيب. ومن قرأ بالتاء، أي: قل لهم يا محمد تعالى الله عما تشركون يا كفرة). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/265]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الياء والتاء من قوله سبحانه: عما يشركون [يونس/ 18] في خمسة مواضع: فقرأ ابن كثير ونافع هاهنا بالياء، وحرفين في النحل [الآية/ 1 - 3] وحرفا في سورة الروم، [الآية/ 40]، وحرفا في النمل بالتاء، خير أما تشركون [59].
وقرأ أبو عمرو وعاصم وابن عامر خمسة الأحرف بالياء، كذا في كتابي عن أحمد بن يوسف التغلبيّ عن ابن ذكوان عن ابن عامر: خمسة الأحرف بالياء، ورأيت في كتاب موسى بن موسى عن ابن ذكوان بإسناده في سورة النمل بالتاء، وكذلك حدثني أحمد بن محمد بن بكر عن هشام بن عمار بإسناده عن ابن عامر: خمسة الأحرف بالتاء، وقرأ حمزة والكسائي: خمسة الأحرف بالتاء.
ولم يختلفوا في غير هذه الخمسة.
قال أبو علي: من قرأ في يونس: وتعالى عما تشركون
[الحجة للقراء السبعة: 4/263]
بالتاء، فلقوله: قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما تشركون.
ومن قرأ بالياء احتمل وجهين:
أحدهما على: قل، كأنه قيل له: قل أنت: سبحانه وتعالى عما يشركون.
والوجه الآخر: على أنه يكون هو سبحانه نزّه نفسه عما افتروه فقال: سبحانه وتعالى عما يشركون.
ومن قرأ في النّحل: سبحانه وتعالى عما تشركون [الآية/ 1]، فعلى أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، أمر بأن يخاطبهم بذلك كأنّه:
قل لهم: تعالى عمّا تشركون.
ومن قرأ هذا بالياء، فعلى أنه نزّه نفسه فقال: سبحانه وتعالى عما يشركون، وفي النمل: من قرأ آلله خير أم ما تشركون [59] فهو على: قل لهم: آلله خير أم ما تشركون؟ فهذا بالتاء لأنهم مخاطبون. ومن قرأ بالياء لم يصرف الخطاب إليهم، فقيل: آلله خير أم ما يشركون على وجه التبكيت والتقريع لهم، كما قالوا. السعادة أحبّ إليك أم الشقاء!؟ وعلى هذا النحو يحمل هذا الضرب). [الحجة للقراء السبعة: 4/264]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السّماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عمّا يشركون}
قرأ حمزة والكسائيّ (سبحانه وتعالى عمّا تشركون) بالتّاء وحجتهما أن ذلك أتى عقيب المخاطبة فأجرى الكلام على لفظ ما تقدمه وذلك قوله تعالى {قل أتنبئون الله بما لا يعلم} وقرأ الباقون بالياء وحجتهم قوله {ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم} ولم يقل وتعبدون ما لا يضركم فلذلك جاء الإخبار في قوله {عمّا يشركون} ولأن القرآن هو مخاطبة للنّبي صلى الله عليه وآله وأصحابه). [حجة القراءات: 329]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (6- قوله: {عما يشركون} قرأ حمزة والكسائي بالتاء، وقرأ الباقون بالياء، ومثله موضعان في النحل وموضع في الروم.
وحجة من قرأ التاء في يونس أنه رده على ما قبله من لفظ الخطاب في قوله: {أتنبئون الله} فحمل آخر الكلام على أوله في الخطاب.
وحجة من قرأ بالياء أنه حمله على معنى: أن الله جل ذكره نزه نفسه عما يشركون فقال: {سبحانه وتعالى عما يشركون} فردّ «يشركون» على الهاء في «سبحانه»، ويجوز أن يكون على الأمر لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول سبحانه وتعالى عما يشركون، وهو الاختيار لصحة معناه ولأن الجماعة عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/515]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (7- {عَمَّا تُشْرِكُونَ} [آية/ 18] بالتاء:
قرأها حمزة والكسائي، وفي النحل أيضًا {تُشْرِكُونَ} في الحرفين، وفي النمل {أَمَّا تُشْرِكُونَ وفي الروم {عَمَّا تُشْرِكُونَ}.
وقرأ أبو عمرو وعاصم ويعقوب {يَشْكُرُونَ} بالياء في الخمسة الأحرف.
وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر حرفًا واحداً بالتاء وهو {أَمَّا تُشْرِكُونَ} في النمل، والباقي بالياء.
والوجه في القراءة بالتاء ههنا أنه قد تقدم قبله خطاب، وهو قوله تعالى {قُلْ أَتُنَبِّئُونَ الله بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ ولا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى عَمَّا تُشْرِكُونَ فلا كان ما قبله على الخطاب كان إجراؤه على الخطاب ليوافق ما قبله أولى.
وأما وجه القراءة بالياء ههنا، فهو أنه كلام منه تعالى نزه فيه نفسه عما افتروه، فقال {سُبْحَانَهُ وتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}.
ومن قرأ في النحل {تُشْرِكُونَ} بالتاء فعلى تقدير: قل، كأنه قال: يا محمد قل لهم: تعالى الله عما تشركون أنتم أيها الكفار، ويجوز أن يكون تقدم قوله {فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ} وهو خطاب، أجري هذا أيضًا على الخطاب.
[الموضح: 618]
ومن قرأ بالياء فعلى الغيبة؛ لأن المخاطب هو النبي صلى الله عليه (وسلم)، كأنه قال: سبحانه وتعالى يا محمد عما يشرك هؤلاء.
ومن قرأ في النمل بالتاء فعلى قل لهم: الله خير أما تشركون، فهم مخاطبون لذلك.
ومن قرأ بالياء لم يصرف الخطاب إليهم، وإنما أخبر عنهم على سبيل التقريع.
ومن قرأ في الروم بالتاء فلأن ما قبله خطاب، وهو قوله تعالى {هَلْ مِن شُرَكَائِكُم ومن قرأ بالياء فعلى أن الباري تعالى نزه نفسه عما كانوا يفترونه من ذلك، وعلى مثل هذا يحمل هذا النوع). [الموضح: 619]

قوله تعالى: {وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (19)}
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (7- قوله: {لقضي إليهم} قرأه ابن عامر بفتح القاف والصاد، ونصب «أجلهم» على الإخبار عن الله جل ذكره، ورده على قوله: {ولو يعجل الله للناس} فجاء الفعل مضافًا إلى الله فيهما جميعًا، ونصب «أجلهم» بوقوع القضاء عليهم وتطابق الكلام بإضافة الفعل إلى الله فيهما جميعًا، ودليله قوله: {ثم قضى أجلًا} «الأنعام 2» فأضاف القضاء إلى الله جل ذكره، وهو إجماع، وقرأ فاعله، فرفعوا به «أجلهم» أقاموه مقام الفاعل، ولولا الجماعة لكانت القراءة الأولى أولى بالاتباع، لصحة معناها). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/515]

قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (20)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 03:26 PM

سورة يونس
[ من الآية (21) إلى الآية (23) ]

{ وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آَيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ (21) هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (23) }

قوله تعالى: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آَيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ (21)}
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (8- {إنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا يَمْكُرُونَ} [آية/ 21] بالياء:
قرأها يعقوب وحده- ح- و- ان-.
والوجه أنه على الغيبة ليوافق ما قبله، وهو قوله تعالى {إذَا لَهُم مَّكْرٌ فِي آيَاتِنَا} والضمير في {لَهُم} عائد إلى لفظ {النَّاسُ} في قوله تعالى {وَإذَا أَذَقْنَا النَّاسَ}.
وقرأ الباقون {مَا تَمْكُرُونَ} بالتاء، وكذلك- يس- عن يعقوب.
والوجه أنه محمول على القول في قوله تعالى {قُلِ الله أَسْرَعُ مَكْرًا إنَّ
[الموضح: 619]
رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ} فالرسول صلى الله عليه وسلم مأمور بأن يخاطبهم بجميع ذلك). [الموضح: 620]

قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (هو الّذي يسيّركم).
قرأ ابن عامر وحده (ينشركم) بالشين، من النّشر، وقرأ الباقون (يسيّركم) بالسين من التسيير.
[معاني القراءات وعللها: 2/41]
قال أبو منصور: من قرأ (ينشركم) فمعناه: يبثكم، ومن قرأ (يسيّركم)
فهو (تفعيل) من سار، وسيّره غيره). [معاني القراءات وعللها: 2/42]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (8- [وقوله تعالى: {يسيركم} [22]]
قرأ ابن عامر {ينشركم} بالشين.
وقرأ الباقون {يسيركم} بالسين غير معجمة.
فالشين من النشر، ومنه نشرت الثوب ومعناه: يبسطكم عن البر والبحر وينبتكم، وشاهده قوله: {فانشروا في الأرض} و{إذا أنتم بشر تنتشرون} والسين من السير، وشاهده {سيروا} و{أو لم يسيروا} واختراها بغير التاء [لقوله:] {جرين}، وقال: لأنهما أشبه بقوله: {وجرين بهم بريح طيبة} [22] والوجهان مختاران.
وهذا المعنى موجود في النشر لغير هذا بسير وغيره). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/265]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله [عزّ وجلّ]: هو الذي يسيركم في
[الحجة للقراء السبعة: 4/264]
البر والبحر [يونس/ 22]، فقرأ ابن عامر وحده: هو الذي ينشركم بالنون والشين، من النّشر.
وقرأ الباقون: يسيركم بضم الياء وفتح السين من السّير.
قال أبو علي: قالوا: سار الدابّة، وسرته. قال:
فلا تجزعن من سنّة أنت سرتها وقالوا أيضا: سيّرته.. قال لبيد لسيّان حرب أو تبوءوا
بخزية... وقد يقبل الضّيم الذّليل المسيّر
فهذا يدل على قراءة من قرأ: يسيركم. ويقوي هذا الوجه قوله سبحانه وتعالى: فامشوا في مناكبها [الملك/ 15]، وانتشروا في الأرض [الجمعة/ 10] قل سيروا في الأرض [الأنعام/ 11 النمل/ 69 العنكبوت/ 20 الروم/ 42].
[الحجة للقراء السبعة: 4/265]
وحجة ابن عامر: أنّ ينشركم في المعنى مثل قوله:
وبث منهما رجالا كثيرا ونساء [النساء/ 1]، ومن آياته خلق السموات والأرض وما بث فيهما من دابة [الشورى/ 29]، فالبثّ تفريق ونشر في المعنى). [الحجة للقراء السبعة: 4/266]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أم الدرداء: [حتى إذا كننتم في الفُلْكِيِّ] بكسر الكاف وتثبت الياء.
قال أبو الفتح: اعلم أن العرب زادت ياء الإضافة فيما لا يحتاج إليها؛ من ذلك قولهم في الأحمر: أَحمريّ، وفي الأَشهر: أَشهريّ.
قال العجاج:
والدهر بالإنسان دَوّاريّ
[المحتسب: 1/310]
أي: دوَّار. وقال فيها أيضًا:
غُضْف طواها الأَمس كَلَّابي
أي: كَلَّاب.
فإن قيل: فإن هذا أمر يختص بالصفات، وليس "الفلك" بصفة فتلحقه ياء النسب، قيل: قد جاء ذلك في الاسم أيضًا.
ألا ترى إلى قول الصلتان:
أنا الصلتانيّ الذي
وأيضًا فقد شُبه كل واحد من الاسم والصفة بصاحبه، فغير منكَر أن يُشَبه الفلك بالحلو والمر. ويزيد في شبهه به أن الفلك عندنا اسم مكسَّر، وليس عندنا كما ذهب إليه الفراء فيه من أنه اسم مفرد يقع على الواحد والجمع؛ كالطاغوت ونحوه. وإذا كان جمعًا مكسرًا أشبه الفعل من حيث كان التكسير ضربًا من التصرف، وأصل التصرف للفعل، ألا ترى أن ضربًا من الجمع أشبه الفعل فمُنع من الصرف وهو باب مفاعل ومفاعيل؟ ولأن التكسير أيضًا ثانٍ كما أن الفعل ثانٍ، وإذا أشبه التكسير الفعل من حيث وصفنا قارب الصفة لشدة ملابسة الصفة للفعل لفظًا ومعنًى وعملًا، فهذا عندي هو العذر في إلحاق [الفُلك] ياءي الإضافة في هذه القراءة). [المحتسب: 1/311]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({هو الّذي يسيركم في البر والبحر}
قرأ ابن عامر (هو الّذي ينشركم) بالنّون والشين أي يبثكم وهو من النشر وحجته قوله تعالى {فانتشروا في الأرض} وقرأ الباقون {يسيركم} من التسيير أي يحملكم في البر والبحر وعن ابن عبّاس يحفظكم إذا سافرتم). [حجة القراءات: 329]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (8- قوله: {هو الذي يسيركم} قرأه ابن عامر بالنون والشين، من النشور، فالمعنى: هو الذي يبثكم ويفرقكم في البر والبحر، كما قال: {فانتشروا في الأرض} «الجمعة 10» وقال: {وبث فيها من كل دابة} «البقرة 164» وقال: {وبث منها رجالًا كثيرًا ونساء} «النساء 1» والبث التفريق والنشر، وقرأ الباقون بالياء والسين من التسيير وهو السير وهو المشي كما قال: {قل سيروا في الأرض} «النمل 69» أي: امشوا فيها، وقد قال: {فامشوا في مناكبها} «الملك 15» وهو الاختيار، للإجماع عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/516]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (9- {هُوَ الَّذِي يَنْشُرُكُمْ} [آية/ 22] بفتح الياء ونون بعده وشين مضمومة:
قرأها ابن عامر وحده.
والوجه أنه من النشر الذي هو التفريق، يقال نشرته فانتشر، والمعنى يفرقكم في البر والبحر، كما قال {ومِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ ومَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ فالبث والنشر كلاهما بمعنى واحد وهو التفريق.
وقرأ الباقون {يُسَيِّرُكُمْ} بضم الياء وبالسين والياء مشددة.
والوجه أنه من التسيير، أي يجعلكم تسيرون فيها، كما قال {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا} و{قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ} ). [الموضح: 620]

قوله تعالى: {فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (23)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (متاع الحياة الدّنيا (23)
قرأ حفص عن عاصم (متاع الحياة الدّنيا) نصبًا وكذلك روى هارون عن ابن كثيرٍ، وقرأ الباقون بالرفع.
قال أبو منصور: من قرأ (متاع الحياة الدّنيا) فعلى المصدر، المعنى: تمتعون (متاع الحياة الدّنيا).
ومن: قرأ (متاع الحياة الدّنيا) بالرفع فمن جهتين:
إحداهما: أن يكون (متاع الحياة الدّنيا) خبرًا لقوله (إنّما بغيكم على أنفسكم متاع)
ويجوز أن يكون: خبر الابتداء قوله (على أنفسكم): ويكون (متاع الحياة الدّنيا) على إضمار (هو)، والمعنى: إن ما تنالونه بهذا الفساد والبغي، إنما تتمتعون به في الدنيا ثم إلينا مرجعكم). [معاني القراءات وعللها: 2/42]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (9- وقوله: {متاع الحياة الدنيا} [23].
روى حفص عن عاصم {متاع} بالنصب.
وقرأ الباقون بالرفع على ضربين:
- أن تجعله خبر: {إنما بغيكم على أنفسكم متاع}.
- والوجه الثاني: أن يتم الوقف على قوله: {بغيكم على أنفسكم} ثم تبتدئ: {متاع الحياة الدنيا} على تقدير: هو متاع الحياة الدنيا كما قال تعالى: {بشر من ذلكم} ثم قال: - {النار وعدها الله ...} أي: هي النار، ومتاع لا يثنى ولا يجمع ومثله الأُاث، والمتاع في اللغة: كل ما لتذ به قال الشاعر:
أرحلت من سلمى بغير متاع = قبل الفراق ورعتها بوداع
قال: معنى {بغير متاع} هنا: قبلة كانت وعبرته. ويقال: متاع وأمتعة وأثاث وأثثه، وقيل: أثاث وأثث، وقيل: أثاثة واحد، والجمع: أثاث. وقال آخرون: يجوز أن تقول: أثاث وأثث وآثاث وآثة، ومتاع وأمتعة وامتاع ومتع.
وحجة حفص في نصب «متاع» أنه جعله حالاً وقطعًا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/266]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: كلّهم قرأ: إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا [يونس/ 23] رفعا إلّا ما رواه حفص عن عاصم فإنّه روى عنه متاع الحياة الدنيا نصبا، حدّثني عبيد الله بن علي عن [نصر بن علي] عن أبيه عن هارون عن ابن كثير متاع نصبا.
قال أبو علي: قوله على أنفسكم يحتمل تأويلين:
أحدهما: أن يكون متعلّقا بالمصدر لأن فعله متعدّ بهذا الحرف، يدلّك على ذلك قوله سبحانه: بغى بعضنا على بعض [ص/ 22] وثم بغي عليه لينصرنه الله [الحج/ 60]، فإذا جعلت الجارّ من صلة المصدر كان الخبر:
متاع الحياة الدنيا*، والمعنى: بغي بعضكم على بعض متاع الحياة الدنيا، وليس مما يقرّب إلى الله، وإنما تأتونه لحبّكم العاجلة، وإيثارها على ما يقرّب إلى الله من الطاعات.
[الحجة للقراء السبعة: 4/266]
ويجوز أن تجعل على* متعلقا بمحذوف، ولا تجعله من صلة المصدر؛ فإذا جعلته كذلك كان خبرا للمصدر، وفيه ذكر يعود إلى المصدر، كما أنك إذا قلت: الصلاة في المسجد، كان كذلك، والمعنى: أن المصدر مضاف إلى الفاعل، ومفعول المصدر محذوف، المعنى: إنّما بغي بعضكم على بعض عائد على أنفسكم، ف «على» هذا متعلّق بمحذوف دون المصدر المبتدأ، وهذا في المعنى كقوله: ولا يحيق المكر السيىء إلا بأهله [فاطر/ 43]، من نكث فإنما ينكث على نفسه [الفتح/ 10]، وفي قوله سبحانه ثم بغي عليه لينصرنه الله [الحج/ 60] إبانة عن هذا المعنى، ألا ترى أن المبغيّ عليه إذا نصره الله لم ينفذ فيه بغي الباغي عليه ولا كيده، فإذا لم ينفذ ذلك فيه صار كالعائد على الباغي.
فإذا رفعت متاع الحياة الدنيا* على هذا التأويل، كان خبر مبتدأ محذوف، كأنك قلت:
ذلك متاع الحياة الدنيا، أو هو متاع الحياة الدنيا.
ومن نصب متاع الحياة الدنيا احتمل النصب فيه وجهين: أحدهما: أن تجعل على* من صلة المصدر، فيكون الناصب للمتاع هو المصدر الذي هو البغي، ويكون خبر المبتدأ محذوفا، وحسن حذفه لطول الكلام، ولأن بغيكم* يدلّ على تبغون، فيحسن الحذف لذلك، وهذا الخبر المقدّر، لو أظهرته
[الحجة للقراء السبعة: 4/267]
لكان يكون مذموم أو مكروه أو منهيّ عنه، أو نحو ذلك.
والآخر: أن تجعل على* من قوله: على أنفسكم خبر المبتدأ، فإذا جعلته على هذا احتمل نصب متاع وجهين:
أحدهما: تمتّعون متاعا، فيدلّ انتصاب المصدر عليه.
والآخر: أن تضمر تبغون، وما يجري مجرى ذكره قد تقدم، كأنه لو أظهره، لكان: تبغون متاع الحياة الدنيا، فيكون مفعولا له. ومثل هذا قوله تعالى: إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون [الشعراء/ 72] تقديره: مقتكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون، ألا ترى أن قوله: إذ تدعون لا يجوز أن يتعلّق بالمصدر للفصل بين الصلة والموصول، فكذلك لا يجوز أن أن يتعلّق المنصوب بالمصدر في قوله: إنما بغيكم على أنفسكم متاع وقد جعلت على* خبرا لقوله: إنما بغيكم على أنفسكم لفصلك بين الصّلة والموصول). [الحجة للقراء السبعة: 4/268]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({إنّما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدّنيا}
[حجة القراءات: 329]
قرأ حفص عن عاصم {متاع الحياة الدّنيا} وقرأ الباقون {متاع} بالرّفع ورفعه من وجهين أحدهما أن يكون {متاع الحياة الدّنيا} خبرا لقوله تعالى {بغيكم على أنفسكم} والوجه الثّاني أن يتم الوقف على قوله {بغيكم على أنفسكم} ثمّ يبتدأ {متاع الحياة} على تقدير هو متاع فيكون خبر الابتداء قال الزّجاج ومعنى الكلام أن ما تنالونه لهذا الفساد والبغي تتمتعون به في الدّنيا). [حجة القراءات: 330]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (9- قوله: {متاع الحياة الدنيا} قرأه حفص بالنصب، وقرأ الباقون بالرفع.
وحجة من نصب أنه أعمل فيه البغي على أنه مفعول له، أي: إنما بغيكم على أنفسكم من أجل متاع الحياة الدنيا، أي: يبغي بعضكم على بعض لأجل متاع الحياة الدنيا، فـ «على» متعلقة بـ «البغي» في صلته، وخبر البغي محذوف تقديره: إنما بغي بعضكم على بعض لأجل طلب الدنيا مذموم أو مكروه، ونحوه، ويجوز نصب «متاع» على تقدير: يمتنعون متاع الحياة الدنيا، ويكون {على أنفسكم} خبرًا لـ «البغي» غير داخل في صلة البغي، ويجوز أن تنصب {متاع الحياة} بإضمار فعل دل عليه الكلام، والتقدير: يبغون متاع الحياة الدنيا، ودل «بغيكم» على «تبغون» المحذوف.
10- وحجة من رفعه أنه جعله خبرًا لـ «بغيكم»، و«على» متعلقة بالبغي، وتقديره: إنما بغي بعضكم على بعض متاع الحياة الدنيا، ويجوز أن ترفع «متاعًا» على إضمار مبتدأ وتجعل «على أنفسكم» خبرًا لـ «بغيكم» على تقدير: إنما بغيكم راجع واله عليكم، أي: بغي بعضكم على بعض عائد
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/516]
على «أنفسكم» هو متاع الحياة الدنيا، وذلك متاع، والرفع الاختيار، لصحته في الإعراب، ولأن الجماعة عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/517]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (10- {مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا} [آية/ 23] بفتح العين:
قرأها عاصم وحده- ص-.
والوجه أنه يجوز أن يكون منصوبًا على أنه مفعول البغي، والبغي مصدر عمل عمل الفعل، والمعنى طلبكم متاع الحيوة الدنيا، وقوله {عَلَى أَنفُسِكُم} من صلة البغي في هذا التقدير، وليس بخبر المبتدأ، بل خبر المبتدأ محذوف، والتقدير: بغيكم متاع الحيوة الدنيا محذور أو مكروه.
[الموضح: 620]
ويجوز أن يكون {مَّتَاعَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا} منصوبًا بفعل مضمر دل عليه {بَغْيُكُمْ والتقدير: إنما بغيكم واقع وباله على أنفسكم، ثم قال تبغون متاع الحياة الدنيا، وهذا إذا جعلت قوله {عَلَى أَنفُسِكُم} خبر المبتدأ الذي هو {بَغْيُكُمْ}.
وقرأ الباقون و- ياش- عن عاصم {مَّتَاعَ الحَيَاةِ} بالرفع.
والوجه أنه يجوز أن يكون خبراً لقوله {بَغْيُكُمْ وقوله {عَلَى أَنفُسِكُم} من صلة البغي، و{مَّتَاعَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا} خبرا لمبتدأ، والمبتدأ هو {بَغْيُكُمْ}.
ويجوز أن يكون {مَّتَاعَ الحَيَاةِ} خبراً لمبتدأ محذوف، وقوله {عَلَى أَنفُسِكُم} خبراً لبغيكم، والتقدير: ذاك متاع الحياة الدنيا، أو هو متاع الحيوة الدنيا). [الموضح: 621]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 03:28 PM

سورة يونس
[ الآيتين (24) ، (25) ]

{ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24) وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (25) }

قوله تعالى: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الأعرج: [وأَزْينَت]، وهي أيضًا قراءة نصر بن عاصم وأبي العالية والحسن بخلاف وقتادة وأبي رجاء بخلاف والشعبي وعيسى الثقفي. وقرأ: [وازْيأَنَّت] أبو عثمان النهدي.
قال أبو الفتح: أما [أَزْيَنَتْ] فمعناه: صارت إلى الزينة بالنبت، ومثله من أَفعَل أي: صار إلى كذا، أجذع المهر صار إلى الإجذاع، وأحصد الزرع وأجزَّ النخل: أي صار إلى الحصاد
[المحتسب: 1/311]
والجزاز، إلا أنه أخرج العين على الصحة، وكان قياسه أَزانت، مثل أشاع الحديث، وأباع الثوب: أي عرضه للبيع.
وأما [ازْيأَنَّت] فإنه أراد فعالَّت، وأصله: ازيانَّت مثل: ابياضَّت واسوادَّت، إلا أنه كره التقاء الألف والنون الأولى ساكنتين، فحرك الألف فانقلبت همزة، كقول كُثير:
وللأرض أما سُودُها فتجللت ... بياضًا وأما بِيضها فادهأَمت
وقد تقدم نظير ذلك فيه). [المحتسب: 1/312]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة مروان على المنبر: [كَأَنْ لَمْ تَتَغَنَّ بِالْأَمْس].
قال أبو الفتح: جاء هذا مجيء نظائره؛ كقولهم: تمتعت بكذا، وتأنقت فيه، وتلبَّست بالأمر، مما جاء تفعَّلت على هذا الحد). [المحتسب: 1/312]

قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (25)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 03:39 PM

سورة يونس
[ الآيتين (26) ، (27) ]

{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26) وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (27)}

قوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26)}

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (27)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (قطعًا من اللّيل (27)
[معاني القراءات وعللها: 2/42]
قرأ ابن كثير والكسائي والحضرمي (قطعًا) ساكنة الطاء، وقرأ الباقون (قطعًا) مثقلاً.
قال أبو منصور - من مقرأ (قطعًا من اللّيل) أراد: طائفة من الليل.
ومن قرأ (قطعًا) فهو جمع قطعة - فمن قرأ (قطعًا) جعل (مظلمًا) نعت القطع، ومن قرأ (قطعًا) جعل (مظلمًا) حالاً من الليل، المعنى: أغشيت وجوههم (قطعًا) من الليل في حاله إظلامه). [معاني القراءات وعللها: 2/43]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (10- وقوله تعالى: {كأنما أغشيت وجوههم قطعا} [27].
قرأ ابن كثير والكسائي {قطعا} بإسكان الطاء مثل قوله: {فأسر بأهلك بقطع من الليل} ومعناه بساعة من الليل تقول العرب: مضى هزيع من الليل، وطبيق من الليل، وهل من الليل، وقطع من الليل. ويجوز أن يكون أراد: قطعًا فأسكن كما تقول: نطع، والأصل نطع.
وقرأ الباقون: {قطعًا} جمع قطعة مثل كسرة وكسر وكسفة وكسف، وقال الفراء رضي الله عنه: {بقطع من الليل} جمع أقطاع، وقال الخليل رضي الله عنه: القطع طائفة من الليل وأنشد:
افتحي الباب فانظري في النجوم = كم علينا من قطع ليل بهيم). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/267]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح الطاء وإسكانها من قوله [جل وعز]: قطعا من الليل [يونس/ 27].
فقرأ ابن كثير والكسائيّ: قطعا ساكنة الطاء، وقرأ الباقون: قطعا مفتوحة الطاء.
[الحجة للقراء السبعة: 4/268]
قال أبو عبيدة: قطعا من الليل مظلما جماعة قطعة من الليل، وهو بعض الليل، وأتيته بقطع: أي بساعة من الليل، وقطع وأقطاع.
قال أبو علي: القطع: الجزء من الليل الذي فيه ظلمة يدلّ على ذلك قوله تعالى: وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل [الصافات/ 138]، فقوله: وبالليل خلاف الإصباح الذي هو الوضح، فقوله: وبالليل يراد به الظلمة، والمعنيان في اللفظتين يتقاربان، وإن اختلفا، وذلك أن المراد وصف وجوههم بالسواد، كقوله سبحانه: ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة [الزمر/ 60]. وقيل في قوله: يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام [الرحمن/ 41]: إنه سواد الوجوه، وزرقة الأعين في قوله: ونحشر المجرمين يومئذ زرقا [طه/ 102]، فإذا أغشيت وجوههم قطعا من اللّيل اسودّت وجوههم منه، كما أنها إذا أغشيت قطعا- التي هي جمع قطعة- اسودّت منها.
فأما قوله سبحانه: مظلما إذا أجريته على قطع
[الحجة للقراء السبعة: 4/269]
فيحتمل نصبه وجهين: أحدهما: أن يكون صفة للقطع، وهو أحسن، لأنه على قياس قوله: وهذا كتاب أنزلناه مبارك [الأنعام/ 92 - 155] وصف الكتاب بالمفرد بعد ما وصف بالجملة، وأجري على النّكرة. ويجوز أن تجعله حالا من الذّكر الذي في الظّرف في قوله: من الليل، ولكن يكون مظلما صفة للقطع، ولا يكون حالا من الذكر الذي في الظرف.
ومن قرأ: قطعا لم يكن مظلما صفة للقطع، ولا حالا من الذكر الذي في قوله: من الليل، ولكن يكون حالا من الليل، والعامل في الحال ما يتعلق به من الليل وهو الفعل المختزل.
ومثل ذلك في إرادة الوصف بالسواد قوله:
ألا طرقت ليلى بنيّان بعد ما... طلى الليل بيدا، فاستوت، وإكاما
أي: اسودّت لظلمة الليل، وقال الآخر:
[الحجة للقراء السبعة: 4/270]
ودوّيّة مثل السّماء اعتسفتها... وقد صبغ الليل الحصى بسواد
أي: سوّدتها الظلمة). [الحجة للقراء السبعة: 4/271]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({كأنّما أغشيت وجوههم قطعا من اللّيل مظلما}
قرأ الكسائي وابن كثير {قطعا من اللّيل} ساكنه الطّاء وإسكانه على وجهين أحدهما أن تريد أن تجمع قطعة قطعا كما تقول في سدرة وسدر وبسرة وبسر وإن شئت جعلت القطع واحدًا تريد ظلمة من اللّيل أو بقيّة من سواد اللّيل وقوله {مظلما} من نعت القطع
وقرأ الباقون قطعا بفتح الطّاء جمع قطعة مثل خرقة وخرق وكسرة وكسر وإنّما اختاروا الجمع لأن معنى الكلام كأنّما أغشي وجه كل إنسان منهم قطعة من اللّيل ثمّ جمع ذلك لأن الوجوه جماعة وجعلوا {مظلما} حالا من اللّيل المعنى أغشيت وجوههم قطعا من اللّيل في حال ظلمته
اعلم أن من حرك الطّاء جعل مظلما حالا لليل كما ذكرنا لأنّه لو كان من نعت القطع كانت مظلمة لأن القطع جمع). [حجة القراءات: 330]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (11- قوله: {قطعًا من الليل} قرأه ابن كثير والكسائي بإسكان الطاء، وفتحها الباقون.
وحجة من فتح أنه جعله جمع «قطعة» كـ «دمنة ودمن» ففيه معنى المبالغة في سواده وجوه الكفار، ويكون «مظلمًا» حالا من «الليل» ولا يكون حالًا من «القطع»، ولا من الضمير في الليل، لأن ذلك جمع و«مظلمًا» واحد.
12- وحجة من أسكن أنه أجراه على التوحيد أنه بعض الليل، فيكون «مظلمًا» صفة لـ «قطع» أو حالًا من الضمير في «من الليل»). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/517]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (11- {قِطَعًا مِّنَ اللَّيْلِ} [آية/ 27] بسكون الطاء:
قرأها ابن كثير والكسائي ويعقوب.
والوجه أن القطع بكسر القاف وسكون الطاء هو الجزء من الليل، يقال أتاني بعد قطع من الليل، أي بعد جزءٍ وساعةٍ منه، وقوله {مُظْلِمًا} على هذا صفة لقوله {قِطَعًا}.
ويجوز عند أبي علي أن يكون حالاً من الضمير الذي في الجار والمجرور، وتقديره: قطعًا يكون من الليل مظلمًا، فقوله {مُظْلِمًا} حال من الضمير المقدر في الجار والمجرور، وذاك: هو.
[الموضح: 621]
وقرأ الباقون {قِطَعًا} بفتح الطاء.
والوجه أن القطع بفتح الطاء جمع قطعة، والمراد بعض الليل، والمعنيان في القراءتين متقاربان؛ لأنه أراد أن وجوههم لسوادها كأنها أغشيت بعضًا من الليل، فأما قوله {مُظْلِمًا} في هذه القراءة فإنه حال من الليل، ولا يكون صفة للقطع؛ لأنها جمعٌ، فهو مؤنث، و{مُظْلِمًا} واحد، فهو مذكر، فلا يكون صفة لها، ولا يكون أيضًا حالاً من الضمير في الجار والمجرور كما سبق في القراءة الأولى؛ لأن الضمير فيه ضمير القطع وهي جمع، و{مُظْلِمًا} واحد، فلا يكون حالاً من ضمير الجمع، فقد وضح أنه لا يكون إلا حالاً من الليل). [الموضح: 622]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 03:41 PM

سورة يونس

[ من الآية (28) إلى الآية (30) ]

{ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ (28) فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ (29) هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (30) }

قوله تعالى: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ (28)}

قوله تعالى: {فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ (29)}

قوله تعالى: {هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (30)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله عزّ وجلّ: (هنالك تبلو كلّ نفسٍ (30)
قرأ حمزة والكسائي (تتلوا) بالتاء، وقرأ الباقون (تبلوا) بالباء.
[معاني القراءات وعللها: 2/43]
قال أبو منصور: أما قوله (هنالك) فهو ظرف، والمعنى في ذلك الوقت، وهو منصرف ب (تبلوا)، إلا أنه غير متمكن، واللام زائدة، والأصل: (هناك) فكسرت اللام لسكونها وسكون الألف، والكاف للمخاطبة.
فمن قرأ (تبلوا) فمعناه: تخبر، أي: تعلم كل نفس ما قدّمت.
ومن قرأ (تتلوا) بتاءين فهو من التلاوة، أي: تقرأ كل نفس، ودليل ذلك قوله: (اقرأ كتابك).
وقال بعض المفسرين في قوله: (تتلو): تتبع كل نفس ما أسلفت، أي: قدمت من خير أو شر). [معاني القراءات وعللها: 2/44]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (11- وقوله تعالى: {هنالك تبلوا كل نفس ما أسلفت} [30].
قرأ حمزة والكسائي بالتاء {تتلوا} من التلاوة.
وقرأ الباقون بالباء، وحجتهم: {يوم تبلى السرائر} ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/267]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في التاء والباء من قوله [جلّ وعزّ]: هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت [يونس/ 30].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر: تبلو بالباء.
وقرأ حمزة والكسائي: تتلو بالتاء.
قال أبو علي: أمّا من قال: تبلو فمعناه: تختبر من قوله سبحانه: وبلوناهم بالحسنات والسيئات [الأعراف/ 168] أي: اختبرناهم، ومنه قولهم: البلاء ثم الثناء. أي: الاختبار للمثني عليه، ينبغي أن يكون قبل الثناء، ليكون الثناء عن علم بما يوجبه. ومعنى اختبارها ما أسلفت: أنّه إن قدّم خيرا أو شرا جوزي عليه، كما قال: فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره [الزلزلة/ 7 - 8]، وقوله: من عمل صالحا فلنفسه، ومن أساء فعليها [فصلت/ 46] ونحوها من الآية التي تدلّ على هذا المعنى.
ومن قال: تتلو فإنّه يكون من التلاوة التي هي القراءة،
[الحجة للقراء السبعة: 4/271]
ودليله قوله: أولئك يقرؤون كتابهم [الإسراء/ 71]، وقوله: اقرأ كتابك [الإسراء/ 14]، وقوله: ورسلنا لديهم يكتبون [الزخرف/ 80]، وقوله: ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها [الكهف/ 49]، فإنّما يتلون ذكر ما كانوا قدّموه من صالح أعمالهم وسيّئها مما أحصاه الله ونسوه، فيكون: تتلو: تتبع. من قولهم: تلا بعد الفريضة: إذا أتبعها النفل.
قال:
على ظهر عاديّ كأنّ أرومه... رجال يتلوّن الصّلاة قيام
فيكون المعنى في: تتلو كل نفس: تتبع كلّ نفس ما أسلفت من حسنة وسيّئة، فمن أحسن جوزي بالحسنات، ومن أساء جوزي به، فيكون على هذا في المعنى كمن قرأ:
تبلو بالباء). [الحجة للقراء السبعة: 4/272]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت}
قرأ حمزة والكسائيّ (هنالك تتلو) بالتّاء قال الأخفش تتلو من التّلاوة أي تقرأ كل نفس ما أسلفت وحجته قوله {اقرأ كتابك} وقال آخرون {تتلو} أي تتبع كل نفس ما أسلفت
وقرأ الباقون {تبلو} بالباء أي تخبر وتعاين ومعنى تخبر تعلم كل نفس ما قدمت من حسنة أو سيّئة). [حجة القراءات: 331]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (13- قوله: {هنالك تبلوا} قرأه حمزة والكسائي بتاءين، جعلاه من «التلاوة» منهم لأعمالهم، وهي القراءة لها من كتاب أعمالهم، فهم يقرؤونها يوم القيامة، دليله قوله: {فأولئك يقرءون كتابهم} «الإسراء 71» وقوله: {اقرأ كتابك} «الإسراء 14» وقوله: {ما لهذا الكتاب لا يُغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها} «الكهف 49» ويجوز أن يكون «تتلو» من «تبع يتبع» فيكون المعنى: هنالك تتبع كل نفس ما أسلفت من عمل، وقرأ الباقون «تبلو» بالباء من «الابتداء»، وهو الاختيار، أي: هنالك تختبر كل نفس ما أسلفت لها من عمل، أي: تطلع عليه لتجزى به، وقد تقدمت الحجة في
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/517]
«كلمات» والاختلاف فيها في الأنعام). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/518]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (12- {هُنَالِكَ تَتْلُوا} [آية/ 30] بتاءين:
قرأها حمزة والكسائي.
والوجه أنه من التلاوة وهي القراءة، أي تقرأ كل نفس ذكر ما قدمته من صالح الأعمال وسيئها، فحذف المضاف وهو الذكر، ومثل هذا في المعنى قوله تعالى {فَأُوْلَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ}.
ويجوز أن يكون {تَتْلُوا}: تتبع، أي تتبع كل نفس ما أسلفت، أي تعول على جزاء ما قدمت.
وقرأ الباقون {تَبْلُوا} بالباء.
[الموضح: 622]
والوجه أنه من البلاء وهو الاختبار، يقول تختبر كل نفس ما أسلف من خير أو شر، أي تلاقي جزاءه). [الموضح: 623]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين



جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 03:42 PM

سورة يونس

[ من الآية (31) إلى الآية (33) ]

{ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (31) فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32) كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (33) }

قوله تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (31)}

قوله تعالى: {فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32)}

قوله تعالى: {كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (33)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (12- وقوله تعالى: {كذلك حقت كلمت ربك} [33].
قرأ نافع وابن عامر {كلمات} بالجمع، وإنما اختارا ذلك لأنها في المصحف مكتوبة بالتاء.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/267]
وقرأ الباقون بالتوحيد و{لأنهم لا يؤمنون} في موضع رفع بدل من {كلمة} ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/268]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله سبحانه: [حقت كلمة ربك [يونس/ 33] في الجمع والتوحيد.
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائيّ:
[الحجة للقراء السبعة: 4/272]
حقت كلمة ربك واحدة وفي آخر السورة [96] كذلك.
وقرأ نافع وابن عامر: الحرفين كلمات* جماعة.
قال أبو علي: من قرأ: كلمة ربك على الإفراد احتمل وجهين: يجوز أن يكون جعل ما أوعد به الفاسقون كلمة، وإن كانت في الحقيقة كلما، لأنّهم قد يسمّون القصيدة والخطبة كلمة، وكذلك سمّي ما توعّد به الفاسقون من نحو قوله سبحانه: وأما الذين فسقوا فمأواهم النار، كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم [الحج/ 22] كلمة، كما أنّ قوله:
وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا [الأعراف/ 137] يعني به: ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض إلى قوله: يحذرون [القصص/ 5] كلمة.
ويجوز أن يكون كلمة ربك التي يراد به الجنس، وقد أوقعت على بعض الجنس، كما أوقع الجنس على بعضه في قوله سبحانه: وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل [الصافات/ 138]، وقول بعض الهذليين:
[الحجة للقراء السبعة: 4/273]
ببطن شريان يعوي عنده الذيب فأما من جمع فقال: كلمات ربك على الذين فسقوا فإنه جعل الكلم التي توعّدوا بها كلّ كلمة منها كلمة، ثم جمع فقال: كلمات، وكلاهما وجه. فأما قوله سبحانه وكلمة الله هي العليا [التوبة/ 40]، فيجوز أن يعنى بها نحو قوله: كتب الله لأغلبن أنا ورسلي [المجادلة/ 21]، كما فسّر قوله: وألزمهم كلمة التقوى [الفتح/ 26] أنه: لا إله إلا الله، أخبرنا يوسف بن يعقوب بإسناد ذكره عن مجاهد [بهذا التأويل] ). [الحجة للقراء السبعة: 4/274]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({كذلك حقت كلمة ربك}
قرأ نافع وابن عامر (وكذلك حقت كلمات) بالألف وكذلك الّذي بعده وحجتهما أنّهما كتبتا في المصاحف بالتّاء
وقرأ الباقون {كلمة ربك} وحجتهم إجماع الجميع على التّوحيد في قوله {وتمت كلمة ربك} فردّوا ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه). [حجة القراءات: 331]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (13- {حَقَّتْ كَلِمَاتُ} [آية/ 33] بالألف:
قرأها نافع وابن عامر، وكذلك في آخر السورة {كَلِمَاتُ} بالألف.
والوجه أنه جمع كلمة؛ لأنه جعل كل واحد مما توعد به الذين فسقوا كلمة، ثم جمع فقال {كَلِمَاتُ رَبِّكَ}.
وقرأ الباقون {كَلِمَةُ رَبِّكَ} على الإفراد ههنا وفي آخر السورة.
والوجه أنه يجوز أن يكون أراد الجنس فوحد، والمراد به الجمع؛ لأن لفظ الجنس محتمل للقليل والكثير.
ويجوز أن يكون على ما تستعمله العرب من إيقاع الكلمة موقع الجملة من الكلام كاستعمالهم الكلمة موضع القصيدة والخطبة، فيكون راجعًا أيضًا إلى معنى الجمع). [الموضح: 623]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 03:44 PM

سورة يونس
[ من الآية (34) إلى الآية (36) ]

{ قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (34) قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35) وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (36) }

قوله تعالى: {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (34)}

قوله تعالى: {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (أمّن لا يهدّي إلّا أن يهدى (35)
قرأ ابن كثير وابن عامر (أمّن لا يهدّي) بفتح الياء والهاء وتشديد الدال - وكان أبو عمرو يشم الهاء الفتحة.
وقرأ نافع (يهدّى -) بفتح الياء وسكون الهاء، وتشديد الدال، وقرأ أبو بكر عن عاصم في رواية يحيى " يهدّي) بكسر الياء والهاء وتشديد الدال.
وروى الأعشى عن أبي بكر عن عاصم (يهدّي) بفتح الياء وكسر الهاء وتشديد الدال.
وكذلك قرأ الحضرمي.
وقرأ حمزة والكسائي بفتح الياء وتخفيف الدال.
قال أبو منصور: أما من قرأ (أمّن يهدّى) بفتح الياء وسكون الهاء وتشديد الدال فإن القراءة وإن رويت فاللفظ بها ممتنع عند النحويين غير سائغة؛ لاجتماع
[معاني القراءات وعللها: 2/44]
الساكنين، والعرب لا تكاد تجمع بينهما، وقد حكى سيبويه أنها لغة، وأن مثلها قد يتكلم به.
ومن قرأ (أمّن لا يهدّي) بفتح الياء والهاء وتشديد الدال فهو جيد، والأصل فيها (يهتدي)، فأدغمت التاء في الدال، فطرحت فتحتها على الهاء.
والذين جمعوا بين ساكنين الأصل عندهم أيضًا (يهتدي)، فأدغمت التاء في الدال، وتركت الهاء ساكنة كما كانت في الأصل، فاجتمع ساكنان.
ومن قرأ (أمّن لا يهدّي) بكسر الهاء فهذه القراءة في الجودة كفتح الهاء، وإنما كسر الهاء [... ] لالتقاء الساكنين). [معاني القراءات وعللها: 2/45]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (13- وقوله تعالى: {أمن لا يهدي إلا أن يهدى} [35].
قرأ حمزة والكسائي {أمن لا يهدي} بإسكان الهاء، خفيفة الدال، من هدى يهدي هداية.
وقرأ نافع في رواية ورش، وابن كثير وأبو عمرو {أمن لا يهدي} بفتح الهاء وتشديد الدال، أرادوا يهتدي فنقلوا فتحة التاء إلى الهاء فأدغموا التاء في الدال، واحتجوا بقراءة عبد الله: {أمن لا يهتدي إلا أن يهدى} وهذا هو الصحيح في المعنى؛ لأن الله وبخهم لعبادة من لا يحسن التنقل من موقع إلى موضع حتى يُنقل، ولا يهتدي إلا حتى أن يُهدي.
وقرأ عاصم في رواية يحيى عن أبي بكر {أمن لا يهدي} بكسر الياء والهاء، أراد: يهتدي أيضًا فأدغم التاء في الدال، فالتقى ساكنان فكسر الهاء لالتقاء الساكنين، وكسر الياء لمجاورة الهاء، كما قيل في رمى رمى وفي منتن منتن.
وروى حفص عن عاصم {يهدي} بفتح الياء وكسر الهاء وتفسيره كتفسير الأول.
وروى قالون عن نافع {أمن لا يهدي} بإسكان الهاء وتشديد الدال، وهو رديء؛ لأنه جمع بين ساكنين وليس أحدهما حرف لين.
قال الأخفش: العرب تقول: فلان يحتجم ويُحَجَّمُ ويَحْجِمُ ويَحْجُمُ ويَحِجِّمُ فأما ما روى اليزيدي عن أبي عمرو أنه كان يسكن الهاء ويشمها الفتحة فترجمة غلط؛ لأن السكون ضد الحركة وهما لا يجتمعان فكأن أبا عمرو أخفى الفتحة فتوهم من سمعه أنه أسكن ولم يُسكن). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/268]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله سبحانه: أم من لا يهدي [يونس/ 35].
فقرأ ابن كثير وابن عامر: يهدي* مفتوحة الياء والهاء، مشدّدة الدال.
وقرأ نافع وأبو عمرو: يهدي* بإسكان الهاء وتشديد الدال، غير أن أبا عمرو كان يشمّ الهاء شيئا من الفتح،
[الحجة للقراء السبعة: 4/274]
وروى ورش عن نافع: يهدي* بفتح الهاء مثل ابن كثير.
وقرأ حمزة والكسائي: يهدي* ساكنة الهاء خفيفة الدال.
وقرأ عاصم في رواية يحيى بن آدم عن أبي بكر عن عاصم: يهدي* مكسورة الياء والهاء، مشدّدة الدال.
وروى حفص عن عاصم والكسائي عن أبي بكر عنه، وحسين عن أبي بكر عنه: يهدي* بفتح الياء وكسر الهاء.
قال أبو علي: من قرأ: لا يهدي* فقد نسبهم إلى غاية الذهاب عن الحقّ والزّيغ عنه في معادلتهم الآلهة بالقديم سبحانه، ألا ترى أن المعنى: أفمن يهدي غيره إلى طريق التوحيد والحقّ أحقّ أن يتّبع، أم من لا يهتدي هو، إلّا أن يهدى؟ والمعنى: أفمن يهدي غيره، فحذف المفعول الثابت في نحو قوله: فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه [البقرة/ 213].
فإن قلت: إن هذه التي اتخذوها لا تهتدي، وإن هديت، لأنّها موات من حجارة وأوثان ونحو ذلك.
قيل: إنّه كذلك، ولكنّ الكلام نزّل على أنّها إن هديت اهتدت، وإن لم تكن في الحقيقة كذلك، لأنهم لما اتخذوها آلهة عبّر عنها كما يعبّر عن الذي تجب له العبادة، ألا ترى أنه من قال: ما لا يملك لهم رزقا من السموات والأرض شيئا ولا
[الحجة للقراء السبعة: 4/275]
يستطيعون [النحل/ 73]، وكما قال: إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم [الأعراف/ 194].
وإنّما هي موات، ألا ترى أنّه قال: فادعوهم فليستجيبوا لكم ألهم أرجل يمشون بها.. [الأعراف/ 194 - 195].
وكذلك قوله: إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم [فاطر/ 14] فأجري عليها اللفظ بحسب
ما أجري على من يعلم فإلا... على هذا بمنزلة
حتى، كأنه قال: أم من لا يهتدي حتّى يهدى، أي: أم من لا يعلم حتى يعلّم، ومن لا يستدلّ على شيء حتى يدلّ عليه، وإن كان لو دلّ أو أعلم لم يعلم ولم يستدلّ.
وقراءة حمزة والكسائي: أم من لا يهدي فإن المعنى فيه: أم من لا يهدي غيره، لكن يهدى، أي: لا يعلم شيئا ولا يعرفه، لكن يهدى، أي: لا هداية له، ولو هدي أيضا لم
يهتد، إلا أن اللفظ جرى عليه، كما ذكرناه فيما تقدم.
فأمّا يهدّي ويهدّي ويهدي وتهدي، فمعانيها كلها: يفتعل، وإن اختلفت ألفاظها، فالجميع أدغموا التاء في الدال لمقاربتها لها. ألا ترى أن التاء والدال والطاء من حيّز واحد. واختلفوا
[الحجة للقراء السبعة: 4/276]
في تحريك الهاء، فمن قال: يهدي* ألقى حركة الحرف المدغم وهي الفتحة على الهاء، كما ألقاها على ما قبل المدغم في: معدّ وممدّ، وفي عدّ وفرّ وعضّ، ألا ترى أن الفاءات متحركة بحركة العينات، وكذلك يهدي*، لأنها في كلمة كما أن ممدّ ونحوه في كلمة، فمن قال: يهدي فحرّك الهاء بالكسر، فلأن الكلمة عنده أشبهت المنفصلة، نحو: ضربّ بكر، فإذا أشبهت المنفصلة، بدلالة الإظهار في نحو: اقتتلوا، لم تلق الحركة على ما قبل المدغم، كما أن المنفصل من نحو: قرم مالك، واسم موسى، لا يلقى على الساكن منه حركة المدغم، فلمّا لم يجز إلقاء الحركة على الساكن ترك الهاء على سكونها، فالتقت مع الحرف المدغم وهما ساكنان فحرّك الأول من الساكنين بالكسر لالتقاء الساكنين.
فإن قلت: فقد قالوا: عبشمس، فألقوا حركة المدغم في المنفصل على الأول منهما، وأجري المنفصل مجرى المتصل.
فذلك إنّما جاء في هذا الحرف وحده، ولم يعلم غيره، وشذّ ذلك، لأن الأعلام قد جاء فيها، وجاز ما لم يجز
[الحجة للقراء السبعة: 4/277]
في غيرها، ولم يجيء، ألا ترى أن فيها مثل: موهب، ومورق وتهلل وحيوة، فكذلك جاء هذا في عبشمس.
ويدلّك على أن إلقاء الحركة ليس بأصل في هذا الباب تحريكهم الساكن فيه بالضم، وإتباعهم الحرف الساكن ما قبله من الحركة، وذلك ما حكاه عن الخليل وهارون أنّ ناسا من العرب يقولون: مردفين [الأنعام/ 9]، ولست تجد هذا في ممدّ ونحوه.
فأمّا من قال: يهدي* بسكون الهاء، فقد قلنا في الجواز في جمع الساكنين في هذا النحو فيما تقدم، ويقوّيه ما أنشده من قوله:
ومسحيّ مرّ عقاب كاسر وأمّا من أشمّ في هذا ولم يسكن، فالإشمام في حكم التحريك.
[الحجة للقراء السبعة: 4/278]
وأمّا من قال: يهدي بكسر الياء، فإنه يفتعل وأتبع الياء ما بعدها من الكسر.
فإن قلت: إنّ الياء التي للمضارعة لا تكسر، ألا ترى أن من قال: تعلم، لم يقل: يعلم.
قيل: لم تكسر الياء في يهدّي من حيث كسرت النون من نعلم والتاء في تعلم، ولا كما كسرت حروف المضارعة فيما لحقت أوله همزة الوصل، ولا ما كان ينبغي أن تلحقه همزة الوصل نحو: تتغافل، ولكن لمعنى آخر، كما لم تكسر الياء في ييجل من حيث كسرت التاء في تعلم، ولو كسرت في ييجل من حيث كسرت النون في نعلم، لم تكسر في ييجل لأن من يقول نعلم: لا يقول: يعلم، ولكن كسرت الياء من ييجل، لتنقلب الواو ياء، فكذلك كسرت في قوله: يهدي للإتباع، لا من حيث كسر: أنت تهتدي، وأنت تعلم، كما كسرت في ييجل لتنقلب الواو إلى الياء.
وقد كسروا الياء في ييبا، فقالوا: أنت تيبا وهو ييبا، فحرّكوا بالكسر، والحركة في أنت تيبا، والكسرة فيه من حيث كسر أنت تعلم، وذلك أنّ المضارع لمّا كان على وزن يفعل نزّل الماضي كأنّه على فعل، فقالوا: أنت تيبا، كما قالوا:
[الحجة للقراء السبعة: 4/279]
أنت تعلم وكما قالوا: هما يشأيان بالياء، وهو من الشأو، لمّا كان المضارع على يفعل، نزّل الماضي كأنّه على فعل، وإذا كان على فعل لزم انقلاب الواو التي هي لام إلى الياء، فجاء المضارع بالياء في يشأيان على هذا التنزيل، كما جاء تيبا، على أن الماضي منه على فعل، وكسرت الياء في ييبا كما كسرت الحروف الأخر التي للمضارعة على وجه الشذوذ، وإن لم يكسروا الياء في غير هذا الحرف، ففي هذا بعض الإيناس بقول من قال: يهدي فكسر الياء، وإن كانت جهتا إيجاب الكسر فيهما مختلفتين). [الحجة للقراء السبعة: 4/280]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({أم من لا يهدي إلّا أن يهدى}
قرأ نافع (أمن لا يهدي) بإسكان الهاء وتشديد الدّال الأصل يهتدي فأدغمت التّاء في الدّال وتركت الهاء ساكنة كما كانت
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وورش (أمن لا يهدي) بفتح التّاء والهاء وتشديد الدّال والأصل يهتدي فأدغموا التّاء في الدّال وطرحوا فتحتها على الهاء واحتجّوا بقراءة عبد الله (أمن
[حجة القراءات: 331]
لا يهتدي) وكان ابن عبّاس يقول إن محمّد صلى الله عليه دعا قومه إلى دين الله وأرشدهم إلى طاعته فعصوه وهو أحق أن يتبع أم من لا يهتدي إلّا أن يهدى أي يرشده غيره
قرأ حمزة والكسائيّ (أمن لا يهدي) ساكنة الهاء خفيفة الدّال وحجتهما في ذلك أن يهدي في معنى يهتدي تقول هديت غيري وهديت أنا على معنى اهتديت قال الفراء العرب تقول هدى واهتدى بمعنى واحد وهما جميعًا في أهل الحجاز وسمع أعرابي فصيح يقول إن السهم لا يهدي إلّا بثلاث قذذ أي لا يهتدي
قرأ عاصم في رواية أبي بكر {أم من لا يهدي} بكسر الياء والهاء أراد يهتدي فأدغم التّاء في الدّال فالتقى ساكنان فكسر الهاء لالتقاء الساكنين وكسر الياء لمجاورة الهاء وأتبع الكسرة الكسرة
وقرأ حفص {أم من لا يهدي} يفتح الياء وكسر الهاء في الجودة كفتح الهاء في الجودة والهاء مكسورة لالتقاء الساكنين). [حجة القراءات: 332]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (14- قوله: {أمن لا يهدي} قرأ ابن كثير وابن عامر وورش بفتح الياء والهاء، وتشديد الدال، وكذلك قرأ أبو عمرو وقالون، غير أنهما اختلسا فتحة الهاء، وقرأ حمزة والكسائي بفتح الياء، وإسكان الهاء والتخفيف، وقرأ حفص بفتح الياء، وكسر الهاء، والتشديد، وكذلك قرأ أبو بكر، غير أنه كسر الياء مع كسر الهاء.
وحجة من شدده أنه بناه على «اهتدى يهتدي»، ثم أدغم التاء في الدال، بعد أن ألقى حركتها على الهاء، ففتحها، وفي هذه القراءة مبالغة في ذم الكفار، وآلهتهم أنها لا تهتدي في أنفسها، إلا أن تهدى، وهذه غاية النقص والضعف، والمعنى: أفمن يهدي غيره إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهتدي في نفسه إلا أن يُهدى، فهي إذا كانت لا تهتدي إلى نفع أنفسها أحرى أن لا تهدي أحدًا إلى شيء، وإنما جاز أن يخبر عنها بأنها تهتدي إذا هديت، وهي موات، لأنهم عبدوها فأقاموها مقام من يعقل، فعبر عنها كما يُعبر عمن يعقل، على مذهبهم فيها، أي: لو كانت ممن يعقل لم تهتد إلا أن تهدى، وهي في المعنى لا تهتدي وإن هديت؛ لأنها حجارة.
15- وحجة من أسكن الهاء وخفف أنه بناه على «هدى يهدي غيره» فالمفعول مضمر قام مفام الفاعل، ومعنى {إلا أن يهدي}، أي: إلا أن يهدى فلا يهتدي.
16- وحجة من كسر الهاء أنه لما أدغم الياء في الدال لم يلق حركة التاء على الهاء، وشبهه بالحرفين المنفصلين اللذين أدغم الاول في الثاني ولا تُلقى حركة الأول على ما قبله، بل تحذف، نحو إدغام أبي عمرو: {يجعل
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/518]
لكم} «الأنفال 29»، و{يقول له} «البقرة 117» وشبهه، فبقيت الهاء ساكنة، وأول المدغم ساكن، فكسر الهاء لالتقاء الساكنين.
17- وحجة من كسر الياء مع كسر الهاء أنه لما كسر الهاء، لالتقاء الساكنين، على ما ذكرنا، أتبع حركة الياء الهاء، وحركة الدال، ليعمل اللسان في ثلاث كسرات عملًا واحدا.
18- وحجة من اختلس الحركة في الهاء أنه لما ألقى حركة التاء على الهاء اختلسها، ولم يُشبعها، إذ ليست بأصل على الهاء، وليبين أنها حركة لغير الهاء، ولم يمكنه إبقاء الهاء ساكنة لسكون أول المدغم، فلم يكن بد من إلقاء حركة التاء، فاختلسها لتخلص الهاء من السكون، وليدل أنها ليست بأصل في الهاء، فتوسَّط حالة بين حالتين، كالذي يُقرأ في الحروف الممالة بين اللفظين، فأما ما روي عن قالون وعن أبي عمرو، من إسكان الهاء، فهو بعيد ضعيف، لا يجوز إلا في شعر نادر، والمشهور عنهما الاختلاس وإخفاء الحركة، والإخفاء مثل الاختلاس في العلة المذكورة، والقراءة فيه على معنى «يهتدي» أحب إلي، لتمكن معناها، ولأن الجماعة عليه، ولأنه أبلغ في ذم آلهتهم، وقد تقدم ذكر «كلمات» في موضعين في هذه السورة، و{يحشرهم} «45» الثاني في هذه السورة، وذكرنا {ولكن الناس} «44» و«الآن» في موضعين في هذه السورة «51، 91»، كله قد مضى بحجته، فأغنى ذلك عن إعادته). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/519]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (14- {أَمَّن لاَّ يَهِدِّي} [آية/ 35] بفتح الياء وكسر الهاء وتشديد الدال:
قرأها عاصم- ص- ويعقوب.
[الموضح: 623]
والوجه أن أصله يهتدي، فأرادوا إدغام التاء في الدال لمقاربتها لها من جهة أنهما من حيز واحد في المخرج، فأسكنوا التاء فأدغموها في الدال فبقي يهدي بسكون الهاء وتشديد الدال، فالتقى ساكنان الهاء والتاء الساكنة المدغمة في الدال فحرك الهاء بالكسر لالتقاء الساكنين فبقي {يَهِدِّي}.
وروى- ياش- عن عاصم {يِهِدِّي} بكسر الياء والهاء جميعًا.
والوجه أنه لما انتهت الصنعة إلى {يَهِدِّي} بفتح الياء وكسر الهاء وتشديد الدال، وهو الذي ذكرنا وجهه في القراءة التي تقدمت، اتبع الياء كسرة الهاء طلبًا للتجانس.
وقرأ ابن كثير ونافع- ش- وابن عامر {يَهَدِّي} بفتح الياء والهاء وتشديد الدال.
والوجه أن أصله يهتدي على ما سبق، فنقلوا حركة التاء إلى الهاء، وأدغموا التاء في الدال، فبقي يهدي بفتح الهاء.
وإنما فعلوا ذلك لأنهم ينقلون حركة الحرف الذي يراد إدغامه إلى ما قبله إن كان ساكنًا، ألا ترى أنهم فعلوا ذلك في معد وممدٍ.
وقرأ أبو عمرو {يَهْدِّي} بفتح الياء وإسكان الهاء وتشديد الدال، وكذلك روى- ن- و- يل- عن نافع، إلا أن الرواية عن أبي عمرو باختلاس فتحة الهاء.
[الموضح: 624]
والوجه في إسكان الهاء أن الأصل: يهتدي على ما سبق، فأسكنوا التاء إرادة الإدغام، فأدغمت التاء في الدال، فتركت الهاء على حالها من السكون، ولم تحرك، وفي ذلك جمع بين ساكنين، إلا انه لما كان الثاني مدغمًا، وكان يرتفع اللسان عنه مع المدغم فيه ارتفاعة واحدة، صار في حكم المتحرك، وقد سبق ذلك في سورة النساء.
وأما اختلاس أبي عمرو الفتحة فهو في حكم الفتحة، وقد ذكرنا علة فتحة الهاء.
وقرأ حمزة والكسائي {يَهْدِّي} بفتح الياء وسكون الهاء وتخفيف الدال.
والوجه أنه مضارع هدى يهدي هداية، وهو على وزن يفعل، وليس على يفتعل، والمعنى أم من لا يهدي غيره إلا أن يهدى، فحذف المفعول به.
ويجوز أن يكون بمعنى يهتدي أيضًا، فإن هدى قد جاء لازمًا بمعنى اهتدى). [الموضح: 625]

قوله تعالى: {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (36)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 03:46 PM

سورة يونس

[ من الآية (37) إلى الآية (41) ]

{ وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآَنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (37) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38) بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (39) وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (40) وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (41) }

قوله تعالى: {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآَنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (37)}

قوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة عمرو بن فائد: [بِسُورَةِ مِثْلِهِ] بالإضافة.
قال أبو الفتح: هو عندي على حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه؛ أي: بسورة كلام مثله، أو حديثٍ مثله، أو ذِكْرٍ مثله، وقد ذكرنا حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه). [المحتسب: 1/312]

قوله تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (39)}

قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (40)}

قوله تعالى: {وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (41)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 03:48 PM

سورة يونس

[ من الآية (42) إلى الآية (44) ]

{وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ (42) وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ (43) إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (44) }


قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ (42)}

قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ (43)}

قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (44)}
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (15- {ولَكِن النَّاسُ} [آية/ 44] بتخفيف نون {لَكِنْ}، ورفع {النَّاسُ}:
قرأها حمزة والكسائي، وقرأ الباقون {ولَكِنَّ النَّاسَ} بتشديد النون من {لَكِنَّ ونصب {النَّاسَ}.
وقد مضى الكلام في مثله في سورة البقرة). [الموضح: 625]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 03:51 PM

سورة يونس

[ من الآية (45) إلى الآية (49) ]

{ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (45) وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ (46) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (47) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (48) قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (49) }

قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (45)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (22- قوله تعالى: {ويوم نحشرهم} عن خمس وأربعين [45].
قرأ عاصم في رواية حفص بالياء إخبارًا عن الله تعالى وقرأ الباقون بالنون، الله يخبر عن نفسه). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/275]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: وكلّهم قرأ: ويوم نحشرهم، بالنون غير عاصم، فإن حفصا روى عنه: ويوم يحشرهم* بالياء. عند الخمس والأربعين منها.
قال أبو علي: يحتمل قوله: كأن لم يلبثوا ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يكون صفة لليوم، والآخر: أن يكون صفة للمصدر المحذوف، والثالث: أن يكون حالا من الضمير في نحشرهم.
فإذا جعلته صفة لليوم، احتمل ضربين من التأويل:
أحدهما: أن يكون التقدير: كأن لم يلبثوا قبله إلا ساعة، فحذفت الكلمة بدلالة المعنى عليها، ومثل ذلك في حذف هذا النحو منه قوله: فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف [الطلاق/ 2] أي: أمسكوهنّ قبله. وكذلك: فإن فاؤوا فإن الله [البقرة/ 226] أي قبل انقضاء الأربعة الأشهر، وكذلك قوله: يتربصن بأنفسهن [البقرة/ 228]، قال أبو الحسن:
يتربّصن بعدّتهم.
[الحجة للقراء السبعة: 4/300]
ويجوز أن يكون المعنى: كأن لم يلبثوا قبله، فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، ثم حذفت الهاء من الصفة، كقولك: الناس رجلان: رجل أكرمت، ورجل أهنت.
ومثل هذا في حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه قوله:
ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا، وهو واقع بهم [الشورى/ 22]، التقدير: وجزاؤه واقع بهم، فحذف المضاف.
وإن جعلته صفة للمصدر كان على هذا التقدير الذي وصفنا، وتمثيله: كأن لم يلبثوا قبله، فحذف، وأقيم المضاف إليه مقامه، ثم حذف العائد من الصفة، كما تحذفه من الصلة في نحو: أهذا الذي بعث الله رسولا [الفرقان/ 41]، وإن جعلته حالا من الضمير المنصوب، لم تحتج إلى حذف شيء في اللفظ لأنّ الذكر من الحال قد عاد إلى ذي الحال، والمعنى: نحشرهم مشابهة أحوالهم أحوال من لم يلبث إلّا ساعة.
فأمّا يوم نحشرهم فإنه يصلح أن يكون معمولا لأحد شيئين، أحدهما: أن يكون معمول: يتعارفون، والآخر: أن يكون معمولا لما دلّ عليه قوله: كأن لم يلبثوا، فإذا جعلته معمولا لقوله: يتعارفون انتصب يوم* على وجهين: أحدهما:
أن يكون ظرفا معناه: يتعارفون في هذا اليوم، والآخر: أن يكون مفعولا على السعة على:
يا سارق الليلة أهل الدار
[الحجة للقراء السبعة: 4/301]
ومعنى يتعارفون يحتمل أمرين. أحدهما: أن يكون المعنى: يتعارفون مدّة إماتتهم التي وقع حشرهم بعدها وحذف المفعول للدّلالة عليه، كما حذف في مواضع كثيرة، وعدّي تفاعل، كما عدّي في قول ذي الرّمة:
.... تحاسنت... به الوشي قرّات الرّياح وخورها
وأنشد أبو عبيدة.
تخاطأت النّبل أحشاءه أو يكون أعمل الفعل الذي دلّ عليه يتعارفون، ألا ترى أنّه قد دلّ على يستعملون ويتعرفون، ومن حذف المفعول قوله: وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا
[الحجة للقراء السبعة: 4/302]
فأغشيناهم [يس/ 9]، التقدير: فأغشيناهم السدّ، أو مثل السدّ فهم لا يبصرون لما أغشيناهموه من ذلك. وتعرّفوا مدّة اللبث هاهنا، كما تعرّفوها في قوله: قال قائل منهم كم لبثتم، قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم، قالوا ربكم أعلم بما لبثتم [الكهف/ 19]، وكقوله: قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين، قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم [المؤمنون/ 112]، فتعارفهم مدّة لبثهم كما ذكرت لك في هذه الآي.
والآخر في التعارف ما جاء من قوله: وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون. قال قائل إني كان لي قرين، [الصافات/ 50 - 51] وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون. قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين [الطور/ 25 - 26] وتعرّفهم يكون على أحد هذين الوجهين. فعلى هذا يكون قوله: ويوم نحشرهم معمول يتعارفون، والآخر: أن يكون يوم نحشرهم معمول ما دلّ عليه قوله: كأن لم يلبثوا، ألا ترى أن المعنى:
تشابه أحوالهم أحوال من لم يلبث، فيعمل في الظرف هذا المعنى، ولا يمنع المعنى من أن يعمل في الظرف، وإن تقدم الظرف عليه، كقولهم: أكلّ يوم لك ثوب، ومثل ذلك في الحمل على المعنى قوله: يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين [الفرقان/ 22] وقول أبي دواد:
قرّبنه ولا تقيلنّ واعلم... أنّه اليوم إنّما هو ناد
[الحجة للقراء السبعة: 4/303]
فإذا حملته على هذا، لم يجز أن يكون صفة للمصدر، لأن الموصوف الذي هو المصدر موضعه بعد الفعل، تقديره:
يوم نحشرهم حشرا كأن لم يلبثوا، أو لم يلبثوا قبله، والصفة لا يتقدّم عليها ما تعمل فيه، ولا يجوز أيضا أن تجعله صفة لليوم على هذا، لأنّ الصفة لا تعمل في الموصوف، ألا ترى الصفة إيضاح للموصوف وتبيين له، كما أنّ الصلة كذلك، وإذا كان على هذا لم يسغ عمل واحد منهما فيما يوضحه ويبينه، لتنزّله منزلة بعضه، فإن قلت: فإذا قدّرت كأن لم يلبثوا تقدير الحال
من الضمير هل يجوز أن يكون يوم... معمولا له؟ فإنّ ذلك لا
يجوز لأنّ العامل في الحال نحشر، ونحشر قد أضيف اليوم إليه، فلا يجوز أن يعمل في المضاف المضاف إليه، ولا ما يتعلق بالمضاف إليه، لأنّ ذلك يوجب تقديمه على المضاف ألا ترى أنّه لم يجز: القتال زيدا حين تأتي.
وإذا جعلت يتعارفون العامل في يوم نحشرهم لم يجز أن يكون صفة لليوم على أنّك كأنّك وصفت اليوم بقوله: كأن لم يلبثوا، ويتعارفون، فوصفت يوم نحشرهم بجملتين، لم يجز أن يكون معمولا لقوله: يتعارفون لأنّ الصفة لا تعمل في الموصوف، وجاز وصف اليوم بالجمل، وإن أضيف لأنّ الإضافة ليست بمحضة فلم تعرّفه.
ويدلّ على النون في يوم نحشرهم قوله: وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا [الكهف/ 47] وقوله: فجمعناهم جمعا [الكهف/ 99]، وقال: ونحشره يوم القيامة أعمى [طه/ 124].
[الحجة للقراء السبعة: 4/304]
ويدلّ على الياء قوله: ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه [النساء/ 87] ويدلّ على مقاربة الياء والنون في ذا النحو قوله: وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه [طه/ 127]، فنعلم من هذا أنّ كلّ واحد منهما يجري مجرى الآخر). [الحجة للقراء السبعة: 4/305]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلّا ساعة من النّهار}
قرأ حفص {ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا} بالياء إخبار عن الله وقرأ الباقون بالنّون الله يخبر عن نفسه). [حجة القراءات: 332]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (16- {ويَوْمَ يَحْشُرُهُمْ} [آية/ 45] بعد الأربعين، بالياء:
قرأها عاصم- ص-.
والوجه أن الحاشر هو الله تعالى، وقد تقدم الإخبار عنه في قوله {لَيَجْمَعَنَّكُمْ} بالياء، فقال {يَحْشُرُهُمْ} بالياء أيضًا؛ ليوافق ما قبله.
وقرأ الباقون {نَحْشُرُهُمْ} بالنون.
والوجه أنه قد ورد في التنزيل كثير من أمثاله بالنون، نحو {ويَوْمَ نَحْشُرُهُمْ ومَا يَعْبُدُونَ} {وحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا} {ونَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْمَى}.
والمعنى في كونه بالياء والنون واحد؛ لأن الفاعل هو الله تعالى، ويدل على أنهما واحد في المعنى قوله {وكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ ولَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ} ولم يقل بآياتنا إذ هما واحد). [الموضح: 626]

قوله تعالى: {وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ (46)}

قوله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (47)}

قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (48)}

قوله تعالى: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (49)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 03:53 PM

سورة يونس
[ من الآية (50) إلى الآية (53) ]

{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (50) أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آَمَنْتُمْ بِهِ آَلْآَنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (51) ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (52) وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (53) }

قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (50)}

قوله تعالى: {أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آَمَنْتُمْ بِهِ آَلْآَنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (51)}
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({آلآن وقد كنتم به تستعجلون}
[حجة القراءات: 332]
قرأ نافع {الآن} بفتح اللّام وإسقاط الهمزة نقل فتح الهمزة إلى اللّام كما قرأ ورش {الأرض} {الآخرة} وقرأ إسماعيل عن نافع {الآن} بإسكان اللّام وبه قرأ الباقون على أصل الكلمة). [حجة القراءات: 333]

قوله تعالى: {ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (52)}

قوله تعالى: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (53)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الأعمش: [آلحقُّ هو].
قال أبو الفتح: اعلم أن الأجناس تتساوى فائدتا معرفتها ونكرتها في نحو هذا، تقول:
[المحتسب: 1/312]
ثق بأمانٍ من الله، وثق بالأمان من الله، وهذا حق، وهذا الحق، وهذا صدق، وهذا الصدق.
ومنه قولهم: خرجت فإذا بالباب أسد، وإذا بالباب الأسد، المعنى واحد ووضع اللفظ مختلف؛ وسبب ذلك كون الموضع جنسًا، وقد تقدم نحو هذا). [المحتسب: 1/313]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 04:01 PM

سورة يونس
[ من الآية (54) إلى الآية (56) ]
{ وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (54) أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (55) هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (56)}

قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (54)}

قوله تعالى: {أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (55)}

قوله تعالى: {هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (56)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 09:15 PM

سورة يونس
[ الآيتين (57) ، (58) ]

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)}

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57)}

قوله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (14- وقوله تعالى: {فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون} [58].
قرأ ابن عامر وحده {فليفرحوا} بالياء و{تجمعون} بالتاء وروى عن الرسول صلى الله عليه وسلم فلتفرحوا بالتاء على أصل الأمر؛ وذلك أن كل أمر للغائب والحاضر فلا بد من لام تجزم الفعل، كقولك: ليقم زيد {لينفق ذو سعة من سعته} وكذلك إذا قلت قم واذهب والأصل: لتقم ولتذهب بإجماع النحويين، غير أن المواجهة كثر استعماله فحذفت اللام اختصارًا واستغنوا بـ «افرحوا» عن «لتفرحوا» وبـــ «قم» عن «لتقم» وفي حرف أُبَيِّ {فبذلك فافرحوا} فأما اللام من الغائب فلا يجوز حذفها إلا في ضرورة شعر كما قال:
محمد تفد نفسك كل نفس = إذا ما خفت من أمر تبالا
وكذلك قرأ القراء الباقون: {فبذلك فليفرحوا} بالياء على أمر الغائب
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/269]
وشاهده: {هو خير مما يجمعون}.
ومن قرأ بالتاء فمعناه: فبذلك يا أصحاب محمد فلتفرحوا أي: بالقرآن، وهو خير مما يجمع الكافرون؛ لأن قبل الآية: {قد جاءتكم موعظة من ربكم} [57] يعني القرآن). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/270]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: كلّهم قرأ: فليفرحوا، هو خير مما يجمعون [يونس/ 58] بالياء، غير ابن عامر فإنّه قرأ: خير مما تجمعون بالتاء.
ولم يذكر عنه في: فليفرحوا شيء، هذه رواية ابن ذكوان وهشام جميعا.
وقال غير أحمد بن موسى: قراءة ابن عامر: فبذلك فليفرحوا بالياء هو خير مما تجمعون بالتاء.
قال أبو علي: قوله سبحانه: قل بفضل الله وبرحمته
[الحجة للقراء السبعة: 4/280]
[يونس/ 58] الجار فيه متعلق بمضمر استغني عن ذكره، لدلالة ما تقدّم من قوله سبحانه: قد جاءتكم موعظة عليه كما أنّ قوله: آلآن وقد عصيت [يونس/ 91] يتعلّق الظرف فيه بمضمر، يدلّ عليه ما تقدّم ذكره من الفعل، وكذلك قوله:.. آلآن وقد كنتم به تستعجلون [يونس/ 51]، فأمّا قوله فبذلك فليفرحوا فإن الجارّ في قوله: فبذلك يتعلق بقوله: فليفرحوا لأنّ هذا الفعل يصل به، قال: وفرحوا بها [آل عمران/ 120] وقال:
فرحت بما قد كان من سيّديكما فأما الفاء في قوله: فليفرحوا فزيادة يدل على ذلك أن المعنى: ما فرحوا بذلك، ومثل الآية في زيادة الفاء قول الشاعر:
وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي فالفاء في فاجزعي، زيادة، كما كانت التي في قوله:
فليفرحوا كذلك، ولا تكون إلا وبها الزيادة، لأنّ الظرف إنما
[الحجة للقراء السبعة: 4/281]
يتعلّق باجزعي، والجار في فليفرحوا فيما قبل الفاء [فكذلك يتعلّق بما قبل الفاء].
وقرءوا: فليفرحوا لأنّهم جعلوه أمرا للغائب، واللام إنّما تدخل على فعل الغائب، لأنّ المواجه استغني فيه عن اللام بقولهم: افعل، فصار شبيها بالماضي من يدع الذي استغني عنه بترك.
ولو قلت، فلتفرحوا فألحقت التاء لكنت مستعملا لما هو كالمرفوض، وإن كان الأصل، فلا ترجّح القراءة بالتاء، فإنّ ذلك هو الأصل، لما قد ترى كثيرا من الأصول المرفوضة.
فأما قراءة من قرأ من سواهم: فلتفرحوا فلأنه اعتبر الخطاب الذي قبل، وهو قوله سبحانه: قد جاءتكم موعظة... فلتفرحوا [يونس/ 57 - 58]، وزعموا أنها في حرف أبيّ: فافرحوا.
[الحجة للقراء السبعة: 4/282]
قال أبو الحسن: وزعموا أنها لغة، قال: وهي قليلة، يعني نحو: لتضرب، وأنت تخاطب.
فأما قراءة ابن عامر: هو خير مما تجمعون بالتاء، فعلى أنّه عنى المخاطبين، والغيب جميعا، إلا أنّك غلّبت المخاطب على الغيبة، كما غلّبت التذكير على التأنيث، فكأنه أراد به المؤمنين وغيرهم.
ومن قرأ بالياء كان المعنى: فافرحوا بذلك أيّها المؤمنون، أي: افرحوا بفضل الله ورحمته، فإن ما آتاكموه من الموعظة، وشفاء ما في الصدور، وثلج اليقين بالإيمان وسكون النفس إليه، خير مما يجمعه غيركم من أعراض الدنيا، ممّن فقد هذه الخلال التي حزتموها.
فإن قلت: فكيف جاء الأمر للمؤمنين بالفرح وقد ذمّ ذلك في غير موضع من التنزيل؟ من ذلك قوله سبحانه: لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين [القصص/ 76] وقال: إنه لفرح فخور [هود/ 10]، قيل: إن عامّة ما جاء مقترنا بالذمّ من هذه اللفظة إذا جاءت مطلقة، فإذا قيّدت لم يكن ذمّا، كقوله سبحانه:... يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله [آل عمران/ 170]، وقد قيّدت في الآية بقوله فبذلك.
[الحجة للقراء السبعة: 4/283]
فإن قلت: فقد جاء قوله تعالى: فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله [التوبة/ 81] وهو مقيّد، وهو مع التقييد موضع ذمّ. فإن التقييد لا يمتنع أن يجيء في الذمّ، لأنّه يبيّنه كما يبيّن ما كان غير ذمّ، فأما الذي يختصّ بالذمّ فهو أن يجيء على الإطلاق.
فأما قوله سبحانه: فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم [غافر/ 83]، وقوله سبحانه: ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله [الروم/ 4]، فالفرح بنصر الله المؤمنين محمود كما كان القعود عن رسول الله [صلّى الله عليه وآله وسلّم مذموم]، فالتقييد في الموضعين تبيين وتخصيص). [الحجة للقراء السبعة: 4/284]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة النبي -صلى الله عليه وسلم- وعثمان بن عفان وأُبي بن كعب والحسن وأبي رجاء ومحمد بن سيرين والأعرج وأبي جعفر بخلاف والسلمي وقتادة والجحدري وهلال بن يَسَاف والأعمش بخلاف وعباس بن الفضل وعمرو بن فائد: [فَبِذَلِكَ فَلْتفْرَحُوا] بالتاء، وقرأ: [فبِذَلِكَ فافرَحُوا] أبي بن كعب.
قال أبو الفتح: أما قراءة أبي هذه [فافرحوا] فلا نظر فيها؛ لكن [فلتفرحوا] بالتاء خرجت على أصلها؛ وذلك أن أصل الأمر أن يكون بحرف الأمر وهو اللام، فأصل اضرب لتضرب، وأصل قم لتقم، كما تقول للغائب: ليقم زيد، ولتضرب هند؛ لكن لما كثر أمر الحاضر نحو: قم، واقعد، وادخل، واخرج، وخذ، ودع؛ حذفوا حرف المضارعة تخفيفًا، بقى ما بعده ودل حاضر الحال على أن المأمور هو الحاضر المخاطب، فلما حذف حرف المضارعة بقى ما بعده في أكثر الأمر ساكنًا؛ فاحتيج إلى همزة الوصل ليقع الابتداء بها، فقيل: اضرب، اذهب، ونحو ذلك.
فإن قيل: ولِمَ كان أمر الحاضر أكثر حتى دعت الحال إلى تخفيفه لكثرته؟
قيل: لأن الغائب بعيد عنك، فإذا أردت أن تأمره احتجت إلى أن تأمر الحاضر لتؤدي إليه أنك تأمره، فقلت: يا زيد، قل لعمرو: قم، ويا محمد، قل لجعفر: اذهب، فلا تصل إلى أمر الغائب إلا بعد أن تأمر الحاضر أن يؤدي إليه أمرك إياه، والحاضر لا يحتاج إلى ذلك؛ لأن خطابك إياه قد أغنى عن تكليفك غيره أن يتحمل إليه أمرك له.
ويدلك على تمكن أمر الحاضر أنك لا تأمر الغائب بالأسماء المسمى بها الفعل في الأمر، نحو:
[المحتسب: 1/313]
صَه، ومَه، وإِيه، وإِيهًا، وحيَّهل، ودونك، وعندك، ونحو ذلك.
لا تقول: دونه زيدًا، ولا عليه جعفرًا، كقولك: دونك زيدًا، وعليك سعدًا. وقد شذ حرف من ذلك فقالوا: عليه رجلًا لَيْسَنِي. ولهذا المعنى قوِي ضمير الحاضر على ضمير الغائب فقالوا: أنت وهو، فلما صاغوا لهما اسمًا واحدًا صاغوه على لفظ الحضور لا لفظ الغيبة، فقالوا: أنتما، فضموا الغائب إلى الحاضر، ولم يقولوا: هما، فيضموا الحاضر إلى الغائب، فهذا كله يريك استغناءَهم بقُمْ عن لِتَقُم ونحوه.
وكأن الذي حسَّن التاءَ هنا أنه أمر لهم بالفرح، فخوطبوا بالتاء لأنها أذهب في قوة الخطاب، فاعرفه، ولا تقل قياسًا على ذلك: فبذلك فلتحزنوا؛ لأن الحزن لا تقبله النفس قبول الفرح، إلا أن تريد إصغارهم وإرغامهم، فتؤكد ذلك بالتاء على ما مضى). [المحتسب: 1/314]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فبذلك فليفرحوا هو خير ممّا يجمعون}
قرأ يعقوب في رواية رويس (فبذلك فلتفرحوا هو خير ممّا تجمعون) بالتّاء فيهما
اعلم أن كل أمر للغائب والحاضر لابد من لام تجزم الفعل كقولك ليقم زيد {لينفق ذو سعة} وكذلك إذا قلت قم واذهب فالأصل لتقم ولتذهب بإجماع النّحويين فتبين أن المواجهة كثر استعمالهم لها فحذفت اللّام اختصارا وإيجازا واستغنوا ب افرحوا عن لتفرحوا وب قم عن لتقم فمن قرأ بالتّاء فإنّما قرأ على الأصل وجته أنّها عن النّبي صلى الله عليه وسلم عن أبي بن كعب قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم
أمرت أن أقرأ عليك قال قلت وقد سماني ربك قال نعم قال فقرأ عليّ يعني النّبي صلى الله عليه (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فلتفرحوا هو خير ممّا تجمعون) بالتّاء وقد روي عن النّبي صلى الله عليه
أنه قال لتأخذوا مصافكم أي خذوا مصافكم فهذا أمر المواجهة
[حجة القراءات: 333]
وقرأ ابن عامر (خير ممّا تجمعون) بالتّاء أي تجمعون أنتم من أعراض الدّنيا
وقرأ الباقون {فليفرحوا} و{يجمعون} بالياء فيهما على أمر الغائب أي ليفرح المؤمنون بفضل الله أي الإسلام وبرحمته أي القرآن خير ممّا يجمعه الكافرون في الدّنيا). [حجة القراءات: 334]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (19-: {مما يجمعون} قرأه ابن عامر بالتاء، على الخطاب، لأن بعده خطابًا في قوله: {قل أرأيتم} «59»، وقوله: {فجعلتم منه}، وقوله: {أذن لكم} فحمل صدر الكلام على آخره، ليتفق اللفظ، فيكون الضمير في «تجمعون» وفي «فلتفرحوا» للكفار على معنى: ولو كنتم مؤمنين لوجب أن تفرحوا بذلك، فهو خير مما تجمعون من دنياكم أيها الكفار، وقد روي عن ابن عامر وغيره أنه قرأ: «فلتفرحوا» بالتاء على الخطاب للكفار، أي: لو كنتم مؤمنين لكان فرحكم بالإسلام والإيمان خيرًا مما تجمعون من دنياكم، ولم أقرأ «فليفرحوا» إلا بالياء للجميع، ويجوز أن يكون الضمير في قوله: «فليفرحوا» في هذه القراءة للمؤمنين وقرأ الباقون بالياء في «يجمعون» أجروه على الإخبار عن الكفار، لا عن المؤمنين لأن المؤمنين هم الذين أعطوا فضل الله، وهو الإسلام وأعطوا رحبته، وهو القرآن لم يُعط ذلك الكفار، فقل: إنما أعطي المؤمنون من الإسلام والقرآن خير مما يجمع هؤلاء الكفار من دنياهم، ففي «يفرحوا» ضمير المؤمنين، وفي «ويجمعون» ضمير الكفار، وهو الاختيار؛ لأن الجماعة عليه، ولصحة معناه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/520]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (18- {فَبِذَلِكَ فَلْتَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا تَجْمَعُونَ} [آية/ 58] بالتاء فيهما:
قرأها يعقوب وحده- يس-.
والوجه أنه أصل مرفوض في الأمر، وذلك لأن أصل الأمر أن يكون بحرف كما أن النهي بحرف، لكنهم استغنوا عن ذلك بصيغة إفعل في أمر المواجه، وبقي في الغائب على أصله من كونه بحرف جازم، فقيل: ليضرب زيد، فمن قال للمخاطب لتضرب بالتاء فقد استعمل الأصل المرفوض في الأمر.
وزعم أبو الحسن أنها لغة، وهي قليلة.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في بعض المغازي: "لتأخذوا مصافكم" بالتاء.
وإنما اختار يعقوب هذه اللغة؛ لأنه أراد أن يكون على المخاطبة ليوافق ما
[الموضح: 628]
قبله من قوله تعالى {قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ وكره مخالفة المصحف، فقرأها بالتاء.
ويؤيد هذه القراءة أن في حرف أبي {فَبِذَلِكَ فَاَفْرَحُوا} على الخطاب.
وأما {تَجْمَعُونَ} بالتاء، فوجهه أنه أيضًا على الخطاب، كما أن {فَلْتَفْرَحُوا} على الخطاب، والمعنى افرحوا أيها المؤمنون بذلك فهو خير مما تجمعونه من عروض الدنيا.
ويجوز أن يكون {تَجْمَعُونَ} للمخاطبين والغائبين جميعًا، لكن غلب المخاطبون، والمراد هو خير مما تجمعونه أنتم وغيركم.
وقرأ الباقون ويعقوب- ح- و- ان- {فَلْيَفْرَحُوا} {مِّمَّا يَجْمَعُونَ} بالياء فيهما، إلا ابن عامر فإنه قرأ {فَلْيَفْرَحُوا} بالياء و{تَجْمَعُونَ} بالتاء.
والوجه في {فَلْيَفْرَحُوا} بالياء أنه أمر للغائب، وأمر الغائب يكون بالياء وباللام، تقول: ليضرب زيدٌ عمراً، وإنما هو الأصل في باب الأمر بقي على ما هو القياس.
وأما وجه {يَجْمَعُونَ} بالياء فلأنه أريد به الغيب، والمعنى فبذلك فليفرح المؤمنون، فهو خيرٌ مما يجمعونه من الأموال.
ووجه قراءة ابن عامر أن المراد فبذلك فليفرح المؤمنون فهو خير مما تجمعونه أيها المخاطبون.
وأما الفاء في قوله "فليفرحوا" فزائدة، كما هي في قول الشاعر:
47- لا تجزعي إن منفسا أهلكته = وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي
[الموضح: 629]
والتقدير: فبذلك افرحوا، فعند ذلك اجزعي). [الموضح: 630]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 09:16 PM

سورة يونس
[ من الآية (59) إلى الآية (61) ]

{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آَللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (59) وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (60) وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآَنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (61) }

قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آَللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (59)}

قوله تعالى: {وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (60)}

قوله تعالى: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآَنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (61)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (15- وقوله تعالى: {وما يعزب عن ربك} [61].
قرأ الكسائي وحده: {وما يعزب} بكسر الزاي في كل القرآن.
وقرأ الباقون بالضم، وهما لغتان (يعزب) و(يعزب) مثل عكف يعكف ويعكف، ومعنى لا يعزب عنه: لا يبعد عن الله شيء في الأرض ولا في السماء دق أو جل، ولا تخفى عليه خافية). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/270]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (16- وقوله تعالى: {ولا أصغر من ذلك ولا أكبر} قرأهما حمزة برفع الراء فيهما ردًا على قوله {من مثقال ذرة} لأن موضع «مثقال» رفع قبل دخول «من» لأنها زائدة والتقدير: لا يعزب عن ربك مثقال ذرة ولا أصغر ولا أكبر كما قال تعالى: {ما لكم من إله غيره}.
وقرأ الباقون بفتح الراء على أنهما في موضع خفض إلا أنهما لا ينصرفان لأن (أفعل) إذا كان صفة أو [؟] لم ينصرف، والتقدير: من مثقال ذرة ولا من أصغر ولا أكبر). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/270]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح الراء وضمّها من قوله جلّ وعزّ: ولا أصغر من ذلك ولا أكبر [يونس/ 61].
فقرأ حمزة وحده: ولا أصغر من ذلك ولا أكبر* بضمّ الراء فيهما، وقرأ الباقون: ولا أصغر، ولا أكبر بفتح الراء فيهما.
[الحجة للقراء السبعة: 4/284]
قال أبو علي: من فتح الراء في: ولا أصغر، ولا أكبر [من أكبر وأصغر] فلأنّ أفعل في الموضعين، في موضع جرّ لأنّه صفة للمجرور الذي هو قوله: من مثقال ذرة [يونس/ 61]، وإنّما فتح لأنّ أفعل إذا اتصل به منك كان صفة، وإذا كان صفة لم ينصرف في النكرة.
ومن رفع فقال: ولا أصغر من ذلك ولا أكبر* حمله على موضع الموصوف، وذلك أن الموصوف الذي هو من مثقال ذرة الجار والمجرور فيه في موضع رفع، كما كانا في موضعه في قوله: كفى بالله شهيدا [الفتح/ 28] وقوله:
ألم يأتيك والأنباء تنمي بما لاقت...
فحمل الصفة على الموضع، وممّا يجوز أن يكون محمولا على الموضع قوله: ما لكم من إله غيره [الأعراف/ 59]. يجوز أن يكون صفة بمنزلة مثل، ويجوز أن يكون استثناء كما تقول: ما لكم من إله إلا الله.
وممّا جاء من الحمل على الموضع قوله سبحانه:
[الحجة للقراء السبعة: 4/285]
فأصدق وأكن من الصالحين [المنافقون/ 10]، وقوله:
ويذرهم في طغيانهم يعمهون [الأعراف/ 186].
وقال:
فلسنا بالجبال ولا الحديدا وقد يجوز أن يعطف قوله: ولا أصغر من ذلك* على ذرة* فيكون التقدير: ما يعزب عن ربّك مثقال ذرة ولا مثقال أصغر، فإذا حمل على هذا لم يجز فيه إلا الجرّ، لأنه لا موضع للذّرّة غير لفظها، كما كان لقوله: من مثقال ذرة موضع غير لفظه، ولا يجوز على قراءة حمزة أن يكون معطوفا على ذرة*، كما جاز في قول الباقين، لأنّه إذا عطف على ذرة* وجب أن يكون أصغر* مجرورا، وإنما فتح لأنّه لا ينصرف، وكذلك يكون على قول من عطفه على الجار الذي هو من*). [الحجة للقراء السبعة: 4/286]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السّماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلّا في كتاب مبين}
قرأ الكسائي {وما يعزب} بكسر الزّاي وقرأ الباقون بالرّفع وهما لغتان تقول عزب يعزب ويعزب مثل عكف يعكف ويعكف
قرأ حمزة {ولا أصغر من ذلك ولا أكبر} بالرّفع فيهما رد على قوله {من مثقال ذرة} لأن موضع {مثقال} رفع قبل دخول من لأنّها زائدة التّقدير ما يعزب عن ربك مثقال ذرة ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلّا في كتاب مبين
قال الزّجاج ويجوز رفعه من جهة أخرى على الابتداء ويكون المعنى ولا ما هو أصغر من ذلك ولا ما هو أكبر إلّا في كتاب مبين
وقرأ الباقون {ولا أصغر} {ولا أكبر} بالفتح على معنى ما يعزب عن ربك من مثقال ذرة ولا مثقال أصغر من ذلك ولا أكبر والموضوع موضع خفض إلّا أنه فتح لأنّه لا ينصرف). [حجة القراءات: 334]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (20- قوله: {وما يعزب} قرأه الكسائي بكسر الزاي، هنا وفي سبأ وقرأ الباقون برفعهما، وهما لغتان مثل: يعرِش ويعرُش). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/520]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (21- قوله: {ولا أصغر من ذلك ولا أكبر} قرأهما حمزة بالرفع، عطفهما على موضع «من مثقال» وموضعه رفع بـ «يعزب» و«من» زائدة، وقرأ الباقون بالفتح عطفوه على لفظ «مثقال» وحقه الخفض، لكن لا ينصرف لأنه صفة، ولأنه على وزن الفعل، ويجوز عطفه على «ذرة» لكن لا ينصرف، وقد تقدم ذكر «ساحر» في الأعراف). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/521]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (19- {ومَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ} [آية/ 61] بكسر الزاي:
قرأها الكسائي، وكذلك في سبأ، وقرأ الباقون {يَعْزُبُ} بضم الزاي.
والوجه أنهما لغتان، يقال: عزب يعزب ويعزب بضم الزاي وكسرها إذا بعد). [الموضح: 630]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (20- {ولا أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ ولا أَكْبَرَ} [آية/ 61] بالرفع فيهما:
قرأهما حمزة ويعقوب، وقد اتفقوا جميعًا فيهما على الرفع في سبأ.
والوجه أنهما محمولان على موضع قوله {مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ} فإن الجار والمجرور ههنا في موضع رفع، كما في قوله تعالى {كَفَى بِالله شَهِيدًا} كذلك، والتقدير: وما يعزب عن ربك مثقال ذرة، فحمل العطف في قوله {أَصْغَرَ} و{أَكْبَرَ} على الموضع، فلذلك رفعهما.
[الموضح: 630]
وقرأ الباقون {ولا أَصْغَر} {ولا أَكْبَرَ} بالنصب فيهما.
والوجه أنهما معطوفان على المجرور بمن، وهو قوله {مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ وهما غير مصروفين ينصبان في موضع الجر، كأنه قال: وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة ولا من أصغر من ذلك ولا من أكبر.
ويجوز أن يكونا معطوفين على {ذَرَّةٍ} وهي مجرورة بإضافة {مِّثْقَالِ} إليها، والتقدير: وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة ولا مثقال أصغر من ذلك). [الموضح: 631]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 09:18 PM

سورة يونس
[ من الآية (62) إلى الآية (64) ]

{ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64) }

قوله تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)}

قوله تعالى: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63)}

قوله تعالى: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 09:20 PM

سورة يونس
[ من الآية (65) إلى الآية (67) ]

{ وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (65) أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (66) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (67) }

قوله تعالى: {وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (65)}
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (21- {ولا يُحْزِنكَ قَوْلُهُمْ} [آية/ 65] بضم الياء وكسر الزاي:
قرأها نافع وحده، وقرأ الباقون {ولا يَحْزُنكَ} بفتح الياء وضم الزاي.
والوجه أن حزنه وأحزنه واحد، يقال حزنه الشيء يحزنه وأحزنه يحزنه فهما لغتان لمعنى واحد.
وقال بعضهم: إن يحزن ويحزن مستعملان جميعًا، إلا أن أحزن بالألف متروك الاستعمال، كأنهم تركوا ماضيه واستعملوا مضارعه كما استعملوا يذر ويدع، وتركوا استعمال الماضي منهما). [الموضح: 631]

قوله تعالى: {أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (66)}

قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (67)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 09:24 PM

سورة يونس

[ من الآية (68) إلى الآية (70) ]

{ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (68) قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (69) مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (70) }


قوله تعالى: {قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (68)}

قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (69)}

قوله تعالى: {مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (70)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 09:26 PM

سورة يونس

[ من الآية (71) إلى الآية (74) ]
{ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآَيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ (71) فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (72) فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73) ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ (74) }

قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآَيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ (71)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (17- وقوله تعالى: {فأجمعوا أمركم} [71].
روى خارجة عن نافع {فأجمعوآ} بوصل الألف من جمعت.
وقرأ الباقون {فأجمعوآ}من أجمعت وهو الاختيار؛ لأن العرب تقول:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/270]
أجمعت على الأمر إذا أحكمته وعزمت عليه، أنشدني ابن مجاهد رضي الله عنه:
يا ليت شعري والمنى لا تنفع = هل أغدون يوما وأمرى مجمع
فهذا من أجمعت، ولو كان من جمعت لكان مجموعًا كما قال تعالى: {ذلك يوم مجموع له الناس}.
فأما قوله: {وشركآءكم} فقرأ القراء بالنصب قال الفراء: نصبه بإضمار فعل والتقدير: فاجمعوا أمركم وادعوا شركاءكم.
وقال البصريون: هو مفعول معه؛ لأن الواو بمعنى «مع» التقدير: فاجمعوا أمركم مع شركاءكم.
وقرا الحسن وحده {وشركاؤكم} بالرفع فعطف ظاهرًا على مكني مرفوع، وإنما صلح ذلك حيث فصل بينهما المفعول فناب عن التأكيد، والتأكيد أن تقول: فاجمعوا أمركم أنت وشركاؤكم.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/271]
كما قال الشاعر شاهدًا لأجمعوا بقطع الألف.
أجمعوا أمرهم بليل فلما = أصبحوا أصبحت لهم ضوضاء). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/272]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: وروى نصر بن علي عن الأصمعيّ قال: سمعت نافعا يقرأ: فاجمعوا أمركم [71]، مفتوحة الميم من
[الحجة للقراء السبعة: 4/286]
جمع. وروى غير الأصمعي عن نافع مثل سائر القرّاء.
وكلّهم قرأ: فأجمعوا أمركم بالهمز وكسر الميم من:
أجمعت.
قال أبو علي: ما رواه الأصمعي عن نافع من قراءته:
فاجمعوا أمركم من جمعت، فالأكثر في الأمر أن يقال:
أجمعت، كما قال: وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم [يوسف/ 102]. وقال:
هل أغدون يوما وأمري مجمع وقال:
أجمعوا أمرهم بليل فلمّا... أصبحوا أصبحت لهم ضوضاء
فيمكن أن يكون أراد: فاجمعوا ذوي الأمر منكم. أي:
رؤساءكم ووجوهكم، كما قال سبحانه: وإلى أولي الأمر منهم [النساء/ 83]، فحذف المضاف، وجرى على المضاف
[الحجة للقراء السبعة: 4/287]
إليه، ما كان يجري على المضاف، لو ثبت، ويجوز أن يكون جعل الأمر ما كانوا يجمعونه من كيدهم الذي كانوا يكيدونه به، فيكون بمنزلة قوله: فأجمعوا كيدكم ثم ائتوا صفا [طه/ 64]، على أنّ أبا الحسن زعم أنّ وصل الألف في فاجمعوا أمركم وشركاءكم، أكثر في كلام العرب، قال: وإنما يقطعونها إذا قالوا: أجمعوا على كذا وكذا، قال: والقراءة بالقطع عربيّة. ومن قرأ: اجمعوا، من: جمعت، حمل الشركاء على هذا الفعل الظاهر، لأنّك جمعت الشركاء، وجمعت القوم، وعلى هذا جاء: ذلك يوم مجموع له الناس [هود/ 103].
ومن قال: فأجمعوا أمركم على أفعل، أضمر للشركاء فعلا آخر كأنّه: فأجمعوا أمركم، واجمعوا شركاءكم، فدلّ المنصوب على الناصب، كقول الشاعر:
علفتها تبنا وماء باردا... حتّى شتت همّالة عيناها
وكقول الآخر:
شرّاب ألبان وتمر وأقط
[الحجة للقراء السبعة: 4/288]
وكقوله:
متقلّدا سيفا ورمحا لمّا لم يجز أن يحمل الرمح على التقليد، أضمر له فعلا كما أضمر لنصب الشركاء لمّا لم يجز الحمل على: أجمعوا.
وزعموا أنّ في حرف أبيّ: وادعوا شركاءكم فحمل الكلام على الذي يراد به الانتصار، كقوله: وادعوا من استطعتم من دون الله [هود/ 13] وادعوا شهداءكم من دون الله [البقرة/ 23].
ويجوز أن يكون انتصاب الشركاء على أنه مفعول معه، أي: أجمعوا أمركم مع شركائكم، كقولهم: استوى الماء والخشبة، وجاء البرد والطّيالسة. ويدلّك على جوازه أن
الشركاء فاعله في المعنى، كما أن الطيالسة كذلك، ومن ثمّ قرأ الحسن فيما زعموا فاجمعوا أمركم وشركاؤكم.
وزعم أبو الحسن أن قوما يقيسون هذا الباب، ويجعلونه مستمرّا، وأن قوما يقصرونه على ما سمع، والقول الأوّل عندي أقيس). [الحجة للقراء السبعة: 4/289]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أبي عبد الرحمن والحسن وابن أبي إسحاق وعيسى الثقفي وسلام ويعقوب، ورُويت عن أبي عمرو: [فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ] مكسورة الميم ورفع [شركاؤكم]. وقرأ: [فَاجْمَعُوا أَمْرَكُمْ] غير مهموزة والميم مفتوحة [وشُرَكاءَكم] نصبًا الأعرج وأبو رجاء وعاصم الجحدري والزهري، ورُوي عن الأعمش. وفي قراءة أبي: [وادْعُوا شُرَكاءَكم ثم اجمَعوا أَمْرَكم].
قال أبو الفتح: أما [فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ] بالرفع، فرفعه على العطف على الضمير في [أَجْمِعوا]، وساغ عطفه عليه من غير توكيد للضمير في [أَجْمِعوا] من أجل طول الكلام بقوله: [أْمْرَكُم]. وعلى نحو من هذا يجوز أن تقول: قم إلى أخيك وأبو محمد، واذهب مع عبد الله وأبو بكر، فتعطف على الضمير من غير توكيد وإن كان مرفوعًا ومتصلًا؛ لما ذكرنا من طول الكلام بالجار والمجرور. وإذا جاز قول الله تعالى: {مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا}، وأن نكتفي بطول الكلام بـ"لا" وإن كانت بعد حرف العطف؛ كان الاكتفاء من التوكيد بما هو أطول من "لا"، وهو أيضًا قبل الواو، كما أن التوكيد لو ظهر لكان قبلها أحرى.
[المحتسب: 1/314]
وعلى ذلك فلو قال قائل: قم وزيد، فعطف على الضمير المرفوع من غير توكيد كان أقبح من قولنا: قمت وزيد؛ وذلك أن المعطوف عليه في قم وزيد ضمير لا لفظ له، فهو أضعف من الضمير في قمت؛ لأن له لفظًا وهو التاء، وقمت وزيد أضعف من قمنا وزيد؛ لأن "نا" من قمنا أتم لفظًا من التاء في قمت.
وعليه أيضًا تعلم أن قمتما وزيد أشبه شيئًا من قمنا وزيد؛ لأن "تُما" من قمتما أتم لفظًا من "نا" من قمنا. وكذلك أيضًا قولك للنساء: ادْخلْنانِّ وزيد، أمثل من قولك: دخلتنَّ وزيد؛ لأن "نانِّ" من ادخلنان أطول من "تُنَّ" من دخلتن.
فهذه مصارفة وإن خفيت ولطفت تؤثِّر في أنفس العارفين بها ما لا تخطر على أوهام الساهين عنها.
وكذلك لو قلت: اضربنا"نِّهِ" وزيد؛ لكان أمثل من ادخلنانِّ وزيد؛ لأن "نانِّهِ" ستة أحرف و"نانِّ" أربعة أحرف، وكذلك اضربنانِّهما وزيد أمثل من اضربنانِّه وزيد؛ لأن "نانِّهما" سبعة أحرف و"نانِّه" ستة أحرف، وكذلك الزيدين الثوبين اكسُونانِّهما هما، أمثل من قولك: الزيدين اكسونانِّهما؛ لأن "نانِّهما هما " عشرة أحرف "ونانِّهما" سبعة أحرف.
فهذا مبنًى يعاد عليه، ويثنى أشباهه إليه. وجميعه من بعد ليس في قوة التوكيد نحو: قم أنت وزيد، و {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ}؛ وذلك أن التوكيد وإن لم يكن في طول هذه الفروق والفصول، فإن فيه معنى ليس فيها وهو تثبيتة معنى الاسمية للمضمر المتصل الذي قد شَعَّثَ الفعل فمازجه وصار كجزء منه، فضعفت عن العطف عليه، كما لا يجوز العطف على جزء من الفعل، فإذا وُكِّد صار في حيز الأسماء، ولحق بما يحسن العطف عليه بعد توكيده كما حسن عليها). [المحتسب: 1/315]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة السري بن يَنْعُم: [ثم أَفْضُوا إليَّ] من أفضيت.
قال أبو الفتح: معناه: أَسرعوا إليَّ، وهو أَفعلْت من الفضاء؛ وذلك أنه إذا صار إلى الفضاء تمكن من الإسراع، ولو كان في ضيق لم يقدر من الإسراع على ما يقدر عليه من السبعة، ولام
[المحتسب: 1/315]
أفضيت والفضاء وما تصرف منهما واو لقولهم: فَضَا الشيء يقضو إذا اتسع، فقولهم: أفضيت: صرت إلى الفضاء؛ كقولهم: أَعرَق الرجل: إذا صار إلى العراق، وأعمن الرجل: إذا صار إلى عُمان، وأنجد: أتى نجدًا، ونحو ذلك). [المحتسب: 1/316]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (22- {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ} [آية/ 71] بوصل الألف وفتح الميم:
قرأها نافع وحده- عي-.
والوجه أنه من جمع يجمع، والمراد اجمعوا ذوي أمركم، فحذف
[الموضح: 631]
المضاف، والمعنى اجمعوا رؤساءكم.
ويجوز أن يكون المراد بالأمر كيدهم الذي يكيدونه به، فيكون المعنى اجمعوا كيدكم كما قال تعالى {فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًا}.
وقرأ الباقون {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ} بقطع الألف وكسر الميم.
والوجه أن أجمع يكون بالأمر أخص، يقال أجمعت الأمر وجمعت القوم، قال الله تعالى {ومَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وقال الشاعر:
48- هل أغدون يومًا وأمري مجمع
فلما كان المفعول به ههنا الأمر في قوله {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ} كان أجمعوا بقطع الألف به أليق). [الموضح: 632]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (23- {شُرَكَاؤُكُمُ} [آية/ 71] بالرفع:
قرأها يعقوب وحده.
والوجه ان الشركاء معطوف على الضمير المرفوع، وهو ضمير الجمع في أجمعوا، أي أجمعوا أنتم وشركاؤكم، والعطف على الضمير المرفوع المستكن لا يصلح في سعة الكلام إلا بالتوكيد أو بما يقوم مقامه، لا تقول قم وزيد، إلا أن تؤكد، فتقول: قم أنت وزيد، ولو قلت قم يوم الجمعة وزيد
[الموضح: 632]
جاز؛ لأن الظرف الفاصل بينهما قام مقام التوكيد، وهذا منه؛ لأن قوله {أَمْرَكُمْ} الفاصل بين الضمير وبين ما عطف عليه يقوم مقام التأكيد، فلذلك جاز.
وقرأ الباقون {وشُرَكَاؤُكُمُ} بالنصب.
والوجه أن {شُرَكَاؤُكُمُ} عند من قرأ {اَجْمَعُوا} بوصل الألف، معطوف على الأمر، أي اجمعوا أمركم وشركاءكم جميعًا، وعند من قرأ {أَجْمِعُوا} بالقطع، منصوب بفعل مضمر؛ لأنه لا يقال أجمعت الشركاء، إنما يقال أجمعت الأمر أي عزمت عليه، وجمعت الشركاء، فكأنه قال أجمعوا أمركم وأجمعوا شركاءكم، كما قال الشاعر:
49- شراب ألبان وتمر وأقط
أرادوا أكال تمر: وقال:
50- علفتها تبنًا وماءً بارداً
أراد وسقيتها ماءً بارداً.
ويجوز أن يكون منصوبًا على أنه مفعول معه، والتقدير: اجمعوا أمركم مع شركائكم كما يقال جاء البرد والطيالسة، أي مع الطيالسة). [الموضح: 633]

قوله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (72)}

قوله تعالى: {فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73)}

قوله تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ (74)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 09:28 PM

سورة يونس
[ من الآية (75) إلى الآية (78) ]
{ ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآَيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (75) فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ (76) قَالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (77) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ (78) }

قوله تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآَيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (75)}

قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ (76)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة مجاهد وسعيد بن جبير: [إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ].
قال أبو الفتح: هذا -على قول قراءة الجماعة: {لَسِحْرٌ مُبِينٌ} - إشارة إلى الفعل الواقع هناك من قلب العصا حية ونحوه، وهذا -على من قرأ: [لَسَاحِر]- إشارة إلى موسى عليه السلام، كما أن هذا -من قول الله تعالى: {هَذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ} - إشارة إلى اليوم، وهذا -على قراءة من قرأ: [هَذَا يَوْمَ لا يَنْطِقُونَ] بالنصب- إشارة إلى الفعل الواقع في هذا اليوم). [المحتسب: 1/316]

قوله تعالى: {قَالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (77)}

قوله تعالى: {قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ (78)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 09:30 PM

سورة يونس
[ من الآية (79) إلى الآية (82) ]

{ وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (79) فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (80) فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (81) وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (82) }

قوله تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (79)}
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم}
قرأ حمزة والكسائيّ {بكل سحار عليم} وقرأ الباقون {ساحر} الألف قبل الحاء وقد ذكرنا الحجّة في سورة الأعراف). [حجة القراءات: 335]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (24- {بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ} [آية/ 79] مشددة على وزن فعال:
قرأها حمزة والكسائي، وقرأ الباقون {سَاحِرٌ} على فاعل، وقد مضى الكلام فيه). [الموضح: 634]

قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (80)}

قوله تعالى: {فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (81)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (18- وقوله تعالى: {ما جئتم به السحر} [81].
قرأ أبو عمرو وحده {آلسحر} بالمد جعل «ما» بمعنى أي والتقدير: أي، شيء جئتم به آلسحر هو؟ كما قال تعالى: {أسحر هذا} وهذه الألف توبيخ في لفظ الاستفهام فهُم قد علموا أنه سحر.
وقرأ الباقون: {ما جئتم به السحر} أي: الذي جئتم به السحر، و«ما» ابتداء و«جئتم به» صلته. و«السحر» خبر الابتداء كما تقول: الذي مررت به زيد. وفي حرف ابن مسعود بغير ألف ولام، وفي قراءتنا بالألف واللام؛ لأنه قد تقدم ذكره، فكل نكرة إذا أعيدت صارت معرفة، وفي حرف أُبَيِّ: {ما أتيتم به السحر}.
وحدثني ابن مجاهد عن السمري عن الفراء قال: يجوز في النحو «ما جئتم به السحر» بالنصب، على أن يجعل «ما» شرطًا، وجوابه الفاء مضمرة في قوله: «إن الله لا يصلح عمل المفسدين» وتلخيصه: فإن الله لا يصلح عمل المفسدين). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/272]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في مدّ الألف وترك المدّ من قوله سبحانه: السحر [81].
[الحجة للقراء السبعة: 4/289]
فقرأ أبو عمرو وحده: آلسحر ممدودة الألف.
وكلّهم قرأها بغير مدّ، على لفظ الخبر.
قال أبو علي: قول أبي عمرو: ما جئتم به آلسحر، ما*: ترتفع فيه بالابتداء، وجئتم به في موضع الخبر، والكلام استفهام يدلك على ذلك استقلال الكلام بقوله: جئتم به، ولو كانت موصولة احتاجت إلى جزء آخر.
فأمّا وجه الاستفهام مع علم موسى أنه سحر، فإنه على وجه التقرير، كما قال: أأنت قلت للناس [المائدة/ 11] وهذا كثير، ولا يلتبس بالشرط وإن كان الشرط لا صلة له، لأنه لا جزاء هاهنا، والشرط يلزمه الجزاء، ومن قال: زيدا مررت به، كان ما* في قوله: ما جئتم به في موضع نصب بمضمر يفسّره جئتم به، وعلى هذا قوله:
ورهبانية ابتدعوها [الحديد/ 27] فمن قال: آلسحر؟، فألحق حرف الاستفهام، كان السحر بدلا من ما* المبتدأ، ولزم إن يلحق السحر الاستفهام ليساوي المبدل منه، في أنّه استفهام، ألا ترى أنه ليس في قولك: السحر استفهام،
[الحجة للقراء السبعة: 4/290]
وعلى هذا قالوا: كم مالك: أعشرون أم ثلاثون؟ فجعلت العشرون بدلا من كم، وألحقت أم، لأنك في قولك: كم درهما مالك؟ مدّع أنّ له مالا كما أنك في قولك: أعشرون أم ثلاثون، مالك؟ مدع أنه أحد الشيئين، ولا يلزم أن تضمر للسّحر خبرا على هذا لأنك إذا أبدلت من المبتدأ، صار في موضعه، وصار ما كان خبرا لما أبدلت منه في موضع خبر المبتدأ، فأما قول الشاعر:
وكأنه لهق السّراة كأنّه* ما حاجبيه معيّن بسواد فإنه أبدل الحاجبين من الضمير على حدّ قولك:
ضربت زيدا رأسه، فإن قلت: أبدل من الأول، وقدّر الخبر عن الأول، لأن المبدل منه قد لا يكون في نيّة الإسقاط بدلالة إجازتهم: الذي مررت به زيد أبو عبد الله، ولو كان البدل في تقدير الإسقاط، وما لا يعتد به، لم يجز هذا الكلام فهو قول،
[الحجة للقراء السبعة: 4/291]
وإن قلت: حمل الكلام على المعنى، فلما كان حاجباه بعضه حمل الكلام عليه كأنه قال: كأنّه بعضه معيّن بسواد، فأفرد لذلك؛ فهو قول. وزعموا أن إلحاق الهمز في السحر قراءة مجاهد وأصحابه.
ومن قال: ما جئتم به السحر كان ما* في قوله:
ما جئتم موصولا، وجئتم به الصلة والهاء المجرورة عائدة على الموصول، وخبر المبتدأ الذي هو الموصول السحر، ومما يقوي هذا الوجه ما زعموا أنه في حرف عبد الله: ما جئتم به سحر). [الحجة للقراء السبعة: 4/292]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله}
قرأ أبو عمرو {ما جئتم به السحر} بالمدّ جعل ما بمعنى أي والتّقدير أي شيء جئتم آلسحر هو استفهام على جهة التوبيخ لأنهم قد علموا أنه سحر فقد دخل استفهام على استفهام فلهذا يقف على قوله {ما جئتم به} ثمّ يبتدئ {السحر} بالرّفع وخبره محذوف المعنى الحسر هو
وقرأ الباقون {ما جئتم به السحر} و{ما} على هذه القراءة في معنى الّذي جئتم به السحر والّذي ابتداء والسحر خبر الابتداء كما تقول الّذي مررت به زيد). [حجة القراءات: 335]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (22- قوله: {ما جئتم به السحر} قرأه أبو عمرو بالمد والهمز، على لفظ الاستفهام، وقرأ الباقون بألف وصل، من غير مد ولا همز.
وحجة من مد أنه جعل «ما» استفهامًا، في موضع رفع بالابتداء، «وجئتم به» الخبر، ثم أبدل «السحر» من «ما» فلحقته ألف الاستفهام، لتدل على الاستفهام لأنه بدل من استفهام، وحسن ذلك ليتساوى البدل والمبدل منه في الاستفهام، كما تقول: كم مالك أعشرون أم ثلاثون، فـ «كم» استفهام و«عشرون» بدل من «كم» فدخلت عليها ألف الاستفهام، ليتفق البدل والمبدل منه في الاستفهام، ومعنى الاستفهام في هذه القراءة، ليس على معنى الاستخبار؛ لأن موسى صلى الله عليه وسلم قد علم وأيقن أن الذي جاءوا به سحر، لكنه استفهام في اللفظ ومعناه التقرير، ولا خبر لـ «السحر» لأن خبر الأول المبدل منه يغني عن خبر المبدل، كما تقول: كم مالك أعشرون، فخبر «كم» هو خبر «عشرون» وتقول: زيد منطلق أبوه، فالأب بدل من زيد، وخبره خبر زيد وهو «منطلق».
23- وحجة من قرأ بغير مد أنه جعل «ما» في قوله {ما جئتم به} بمعنى «الذي» في موضع رفع بالابتداء، و«جئتم به» صلة «ما» و«السحر» خبر الابتداء، ويقوي هذا أن في حرف أبي «ما جئتم به
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/521]
سحر» وهو الاختيار؛ لأن الجماعة عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/522]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (25- {مَا جِئْتُم بِهِ السِحْر} [آية/ 81] بقطع الألف والمد على الاستفهام:
قرأها أبو عمرو وحده.
والوجه أن {مَا} عنده للاستفهام، وليست بموصولة، وهي مبتدأة و{جِئْتُم بِهِ} خبرها، والمعنى أي شيء جئتم به، وقوله {آالسِحْر} بدل عن {مَا} المبتدأة، وليس بجملة مستأنفة، وإنما كان السحر بدلا عن {مَا لأنهما قد اشتركا في كون كل واحد منهما استفهامًا، وهذا كما تقول: كم مالك؟، ثم تقول: أعشرون درهمًا؟، فقولك أعشرون بدل عن كم، وليس بمستأنف بعد الكلام الأول.
وقد يجوز أن يكون موضع {مَا} نصبًا، وذلك على قول من قال: زيداً مررت به؟، والتقدير أي شيء جئتم به؟، بنصب أي، فيكون {آالسِحْر} على هذا جملة مستأنفة، والتقدير: آلسحر هو، فيكون مبتدأ حذف خبره.
وقرأ الباقون {مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْر} بوصل الألف من غير مد.
والوجه أن {مَا} في هذه القراءة موصولة، فهي بمعنى الذي، و{جِئْتُم بِهِ} صلتها، والهاء في {بِهِ} عائدة على {مَا و{مَا} مع الصلة في موضع الرفع بالابتداء، وقوله {السِحْر} خبره، أي الذي جئتم به السحر.
ويقوي هذه القراءة ما روي أن في حرف عبد الله {مَا جِئْتُم بِهِ سِحْرٌ}
[الموضح: 634]
بغير الألف واللام). [الموضح: 635]

قوله تعالى: {وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (82)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 09:31 PM

سورة يونس
[ من الآية (83) إلى الآية (86) ]

{ فَمَا آَمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ (83) وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (84) فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85) وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (86) }

قوله تعالى: {فَمَا آَمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ (83)}

قوله تعالى: {وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (84)}

قوله تعالى: {فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85)}

قوله تعالى: {وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (86)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 09:33 PM

سورة يونس

[ من الآية (87) إلى الآية (89) ]
{ وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآَ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (87) وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آَتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (88) قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (89) }

قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآَ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (87)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (25- وقوله تعالى: {أن تبوءا لقومكما} [87].
اتفقوا القراء على همزه في الدرج؛ لأنه من بوأ يبوىء إذا أنزل نزل. {لنبوئنهم من الجنة غرفا} {والذين تبوءوا الدار والإيمان} واختلفوا في الوقف فكان حمزة يقف {تبوآ} بغير همز، يشير بصدره، ووقف عاصم في رواية حفص {أن تبويا} بياء.
والباقون يقفون كما يصلون على لفظ الاثنين بالهمز). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/276]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (حفص عن عاصم يقف تبويا [يونس/ 87] بياء من غير همز، ذكر لي ذلك عبيد الله بن عبد الرحمن بن أبي مسلم عن أبيه عن حفص عن عاصم.
قال: وكان حمزة يقف تبوا* غير أنه يليّن الهمزة، يشير إليها بصدره. والباقون يقفون بهمزة بعدها ألف في وزن تبوّعا.
قال أبو علي: حدثنا محمد بن السري أن أبا زيد
[الحجة للقراء السبعة: 4/308]
قال: بوّأت فلانا منزلا تبويئا، والاسم البيئة: فقوله تبوءا في قوله: أن تبوءا فعل يتعدى إلى مفعولين، يدلّ على ذلك قوله: لنبوئنهم من الجنة غرفا [العنكبوت/ 58]، فأمّا اللام من قوله: لقومكما فكالّتي في قوله: ردف لكم [النمل/ 72]، والمفعول الأوّل لعلامة الضمير في قوله:
لنبوئنهم، ألا ترى أن المطاوع من الأفعال على ضربين:
أحدهما: أن لا يتعدّى نحو: انشوى وانثأى، في مطاوع شويته وثأيته. والآخر: أن يتعدّى كما تعدّى ما هو مطاوع له، وذلك نحو: تعلّقته، وتقطّعته، فتعلّقته يتعدّى كما تعدّى علقته، وليس فيه أن ينقص مفعول المطاوع عمّا كان يتعدّى إليه ما هو مطاوع له. فإذا كان كذلك، كان اللّام على الحدّ الذي ذكرنا، ويقوّي ذلك قوله: وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت [الحج/ 26]، فدخلت اللام على غير المطاوع كما دخل على المطاوع في قوله: أن تبوءا لقومكما.
فأمّا قوله: مكان البيت فيحتمل ضربين: أحدهما: أن يكون ظرفا، والآخر: أن يكون مفعولا ثانيا، فأما الظرف فيدلّ عليه قوله:
[الحجة للقراء السبعة: 4/309]
وبوّئت في صميم معشرها... فصحّ في قومها مبوّئها
فكما أن قوله: «في صميم معشرها» ظرف كذلك يكون مكان البيت.
والمفعول الثاني الذي ذكر في قوله: لنبوئنهم من الجنة غرفا [العنكبوت/ 58]، ولم يذكر في هذه لأنّ الفعل من باب أعطيت، فيجوز أن لا يذكر، ويقتصر على الأول، ويجوز أن يكون مكان البيت مفعولا ثانيا، وكذلك قوله: ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق [يونس/ 93]، ويجوز أن يكون مكانا مثل مكان البيت، والمفعول الثاني فيه محذوف، وهو القرية* التي ذكرت في قوله: وإذ قيل لهم اسكنوا هذه القرية وكلوا منها [الأعراف/ 161]، ويجوز أن يكون مصدرا، أي تبوّؤ صدق، ويجوز أن يكون مفعولا ثانيا من وجهين: أحدهما: أن تجعله اسما غير ظرف كما قال:
[الحجة للقراء السبعة: 4/310]
وأنت مكانك من وائل... مكان القراد من است الجمل
والآخر: أن تجعله بعد أن تستعمله ظرفا اسما، كما قال:
وسطها قد تفلّقا وفي التنزيل: هم درجات عند الله [آل عمران/ 163].
ويجوز فيه وجه ثالث: وهو أن يتّسع فيقدّر نصبه، وإن كان مصدرا، تقدير انتصاب المفعول به، فأما قوله:
لها حكمها حتّى إذا ما تبوّأت... بأخفافها مأوى تبوّأ مضجعا
فعلى حذف أحد المفعولين، أي: تبوّأت مرعاها مأوى، وتبوّأ الراعي بقعة مضجعا، وكذلك قوله: وبوأكم في الأرض [الأعراف/ 74] بوّأكم في الأرض منازل أو بلادا.
وأما قوله: ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق [يونس/ 93]، فالمبوّأ يجوز أن يكون مصدرا، ويجوز أن
[الحجة للقراء السبعة: 4/311]
بكون مكانا، والمفعول الثاني على هذا محذوف كما حذف من قوله: وبوأكم في الأرض، ويجوز أن ينصب المبوّأ على الاتساع، وإن كان مصدرا نصب المفعول به، ألا ترى أنه أجاز ذلك في قوله: أما الضّرب فأنت ضارب، وأما البيوت من قوله:
بمصر بيوتا فمفعول به، وليست البيوت بظرف لاختصاصها فالبيوت كالغرف من قوله: لنبوئنهم من الجنة غرفا [العنكبوت/ 58].
فأما قوله: نتبوأ من الجنة حيث نشاء [الزمر/ 74]، فيجوز في قياس قول أبي الحسن أن يكون قوله: من الجنة كقولك: نتبوّأ الجنّة. فأمّا قوله: حيث نشاء فيحتمل أن يكون ظرفا، فإذا جعلته ظرفا كان المفعول الثاني محذوفا، كأنه: نتبوّأ الجنّة منازلها حيث نشاء، ويجوز أن يكون: حيث نشاء في موضع نصب، بأنه المفعول الثاني، يدلّ على ذلك قول الشمّاخ:
وحلّأها عن ذي الأراكة عامر... أخو الخضر يرمي حيث تكوى النّواحز
[الحجة للقراء السبعة: 4/312]
فأمّا قولك: بوّأت فلانا منزلا، وتعدّيه إلى مفعولين، فكأنه مفعول من قولك: باء فلان منزله، أي: لزمه، وإن كنّا لا نروي ذلك. ولكن يدلّ على ذلك قولهم: المباءة، وقالوا:
الإبل في المباءة، وهي المراح الذي تبيت فيه، فالمباءة اسم المكان، وإذا كان اسم المكان مفعلا، أو مفعلة، فالفعل منه قد يكون: فعل يفعل، فكأنّه: باء المنزل، وبوّأته أنا المنزل.
فأمّا وقف عاصم في قوله: تبويا، وقلبه الهمزة ياء في الوقف، وإن كان من بوّأت؛ فلأنّ الهمزة قد تبدل منها في الوقف حروف اللين، ألا ترى أنهم قالوا: هو الكلو، في الوقف، وقالوا: من الكلي، وإنما فعل ذلك بالهمزة عند الوقف لأنّها تخفى فيه كما تخفى الألف، فأبدل منها حرف اللين، كما أبدل من الألف في قولهم: أفعو وأفعي، لأن هذين الحرفين أظهر من الألف والهمزة وأبين للسمع. فإن قلت: فإنّما يفعل ذلك بالهمزة إذا كان آخر الكلمة، وليست الهمزة آخرا في تبويا قيل: يجوز أن يكون لم يعتدّ بالألف لما كانت للتثنية، والتثنية غير لازمة للكلمة، فلمّا لم تلزم لم يعتدّ بها، فصار الوقف كأنّه على الهمزة، لأن كثيرا من الحروف التي لا تلزم لا يعتدّ بها، ومن ثم لم تقع حرف رويّ، كما لم تقع ألف النّصب رويّا لاجتماعها معها في أنها لا تلزم، لأن من العرب من يقول: رأيت زيد، فلا يبدل ويحذف، وعلى هذا قوله:
[الحجة للقراء السبعة: 4/313]
وآخذ من كلّ حيّ عصم ولا تثبت أيضا في موضع الرفع والجر، فصار الوقف لذلك كأنه على نفس الهمزة.
فأمّا وقف حمزة تبوا* فهذا على أنه خفّف الهمزة، وتخفيف هذه الهمزة أن تجعل بين بين، ولا تلحقه ألف التثنية.
على هذا يتأوله ناس من القراء وهو الصحيح. فأمّا قول أحمد:
يشير إليها بصدره، فهو من ترجمة القراء، وصحّته على ما ذكرت لك، وهذا في قول حمزة على وزن: تبوّعا، إلا أن الهمزة إذا خفّفت نقص الصوت بحركتها، فأشبهت الساكن، وهي متحركة في الحقيقة. فأمّا قوله: والذين تبوؤوا الدار والإيمان [الحشر/ 9]، فيكون على: تبوّءوا الدار، أي:
تبوّءوا دار الهجرة واعتقدوا الإيمان، لأن الإيمان ليس بمكان فيتبوّأ، فيكون كقوله: فأجمعوا أمركم وشركاءكم [يونس/ 71]، ويجوز على: تبوّءوا الدار ومواضع الإيمان، ويجوز أن يكون: تبوّءوا الإيمان، على طريق المثل كما تقول:
تبوّءوا من بني فلان الصّميم، وعلى ذلك قول الشاعر:
وبوّئت في صميم معشرها... فصحّ في قومها مبوّئها
كلّ هذه الوجوه ممكن). [الحجة للقراء السبعة: 4/314]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (30- {أَن تَبُويَا} [آية/ 87]:
وقف عاصم- ص- على {تَبُويَا} بالياء.
ووقف حمزة عليه بالإشارة إلى الهمزة من غير تصريح.
ووقف الآخرون عليه بتبيين الهمزة على وزن تبوعًا، كحالة الوصل.
والوجه في قراءة عاصم أنه قلب الهمزة ياء في الوقف؛ لأن الهمزة قد
[الموضح: 638]
تقلب في الوقف حروف العلة نحو: هذا الكلو ومن الكلي، فقلبها عاصم ياء، ولم يعتد بألف التثنية؛ لأنها غير لازمة، فكأن الوقف على الهمزة.
وأما الوجه في قراءة حمزة فهو أنه خفف الهمزة، وتخفيفها ههنا أن تجعل بين الألف والهمزة.
وأما قراءة الباقين فهي على الأصل؛ لأن الكلمة من الهمز، يقال بوأت فلانًا منزلاً فتبوأه هو، والمباءة: المنزل). [الموضح: 639]

قوله تعالى: {وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آَتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (88)}
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ربنا ليضلوا عن سبيلك}
قرأ أهل الكوفة {ليضلوا} بضم الياء أي ليضلوا غيرهم وحجتهم في ذلك أن ما تقدم من وصف فرعون بما وصف أنه بذلك ضال غير مهتد فكان وصفه بعد ذلك بأنّه مع ذلك مضل لغيره ويزيد الكلام فائدة ومعرفة ما لم يكن مذكورا فيما تقدم من وصفه
[حجة القراءات: 335]
وقرأ الباقون {ليضلوا} بفتح الياء أي ليضلوا هم وحجتهم قوله {إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله} وقد ضلوا). [حجة القراءات: 336]

قوله تعالى: {قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (89)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (19- وقوله تعالى: {ولا تتبعان} [89].
قرأ ابن عامر وحده برواية ابن ذكوان {تتبعان} بتخفيف النون.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/272]
والباقون بتشديدها، وهي النون التي تدخل للتوكيد والنهي تكون مخففة ومشددة التاء من تبع يتبع). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/273]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: وقرأ ابن عامر وحده: ولا تتبعان [يونس/ 89] ساكنة التاء مخفّفة، مشدّدة النّون، وفي رواية الحلواني عن هشام بن عمّار: بالنون والتشديد، قال: وأحسب ابن ذكوان عنى بروايته خفيفة يعني التاء من تبع، قال: وإن كان كذلك فقد اتّفق هو وهشام في النون، وخالفه هشام في التاء،
[الحجة للقراء السبعة: 4/292]
وقال غير أحمد بن موسى: رواية الأخفش الدمشقي عن أصحابه عن ابن عامر: تتبعان خفيفة التاء والنون.
قال أبو علي: من قرأ: ولا تتبعان فالنون فيها النون الشديدة، وهي إذا دخلت على يفعل فتح لدخولها، وبني الفعل معها على الفتح نحو: لتفعلنّ، ويحذف التي تثبت في نحو:
يفعلان، في الرفع مع النون الشديدة، كحذف الضمة في ليفعلن وإنما كسرت الشديدة بعد ألف التثنية في نحو: ولا تتبعان لوقوعها بعد ألف التثنية، فأشبهت التي تلحق الألف في رجلان، ويفعلان لمّا كانت زائدة مثلها، وداخلة لمعنى كدخولها، فإن قلت: إن قبلها نونا، وليست التي للتثنية، كذلك فإن النون لما كانت ساكنة وجمعت إلى السكون الخفاء، لم يعتدّ بها فصارت المكسورة كأنها وليت الألف، ومثله في أنّه لم يعتدّ فيه بالحاجز لسكونه قولهم: هو ابن عمّي دنيا، وهو من الدّنوّ، وفتية، وهي من الواو فيما زعم سيبويه، ومنه قولهم في جمع عليّ، وصبيّ: علية وصبية وقالوا: عليان، وقد لا يعتدّون بالحاجز لخفائه، وإن كان متحرّكا، كما أجمعوا فيما زعم سيبويه على ردّها لخفاء الهاء وكما كرهوا- كثير منهم-: وضع عصاهو قبل، وخذوهو يا قوم، لأن الحرف لمّا كان خفيّا كان كأنّه التقى ساكنان، فإذا جاء ذلك في المتحرك فالساكن أولى.
فأمّا من قرأ: ولا تتبعان بتخفيف النون، فإنّه يمكن أن يكون خفّف الثقيلة للتضعيف، كما حذفوا: ربّ، وإنّ ونحوهما
[الحجة للقراء السبعة: 4/293]
من المضاعف، إلا أنه حذف الأول من المثلين، كما أبدلوا الأول من المثلين في نحو قيراط ودينار، ولزم ذلك في هذا الموضع، لأن الحذف لو لحق الثانية للزم التقاء ساكنين على غير ما يستعمل في الأمر العام الشائع. ألا ترى أن اجتماع الساكنين على هذا الحد غير مأخوذ به عند العامّة، وإن شئت كان على لفظ الخبر، والمعنى: الأمر، كقوله: يتربصن بأنفسهن [البقرة/ 228]، ولا تضار والدة بولدها [البقرة/ 233]، أي لا ينبغي ذلك، وإن شئت جعلته حالا من: استقيما، وتقديره: استقيما غير متبعين، ويدلّ على ذلك قول الشاعر:
ولا أسقي ولا يسقي شريبي... ويرويه إذا أوردت مائي
وقول الآخر:
[الحجة للقراء السبعة: 4/294]
أصاح الذي لو أنّ ما بي من الهوى... به لم أرعه لا يعزّي وينظره
وكقول الفرزدق:
بأيدي رجال لم يشيموا سيوفهم... ولم تكثر القتلى بها حين سلّت). [الحجة للقراء السبعة: 4/295]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أبي عبد الرحمن: [قَدْ أُجِيبَتْ دَعَوَاتُكُمَا].
قال أبو الفتح: هذه جمع دعوة، وبهذه القراءة تعلم أن قراءة الجماعة: {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} يراد فيها بالواحد معنى الكثرة؛ وساغ ذلك لأن المصدر جنس، وقد تقدم أن الأجناس يقع قليلها موقع كثيرها، وكثيرها موقع قليلها). [المحتسب: 1/316]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الّذين لا يعلمون}
قرأ ابن عامر ولا تتبعان بتخفيف النّون المعنى فاستقيما وأنتما لا تتبعان سبيل الّذين لا يعلمون وهو الّذي يسمّيه بعض أهل العربيّة الحال والمعنى فاستقيما غير متبعين سبيل الّذين لا يعلمون
وقرأ الباقون بالتّشديد {ولا تتبعان} بالتّشديد موضع تتبعان جزم إلّا أن النّون الشّديدة دخلت للنّهي مؤكدة وكسرت لسكونها وسكون النّون الّتي قبلها واختير له الكسر لأنّها بعد الألف وهي تشبه نون الاثنين). [حجة القراءات: 336]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (24- قوله: {ولا تتبعان} قرأه ابن ذكوان بتخفيف النون، كأنه استثقل التشديد للنون، مع التشديد في أول الكلمة، فخففها وهو يريد التشديد، لأنها النون التي تدخل مشددة للتأكيد في الأم والنهي وأخواتهما، كما خففوا «رب» وهو وجه ضعيف قليل، وقيل: إنه جعل «لا» بمعنى النفي فيكون لفظه لفظ الخبر ومعناه النهي، فرفع الفعل بالنون علم الرفع في الفعل، ويجوز أن يكون حالًا من الضمير في «استقيما» أي: استقيما غير متبعين، وقرأ الباقون بتشديد النون على أصلها؛ لأنها النون المشددة التي تدخل الأفعال للتأكيد في الأمر والنهي وشبهه، وهو الاختيار، لصحته في المعنى والإعراب، ولأن الجماعة عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/522]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (26- {ولا تَتَّبِعَانِّ} [آية/ 89]:
اتفقت القراء جميعًا على تشديد التاء الثانية وتشديد النون، إلا ابن عامر فإنه اختلفت الروايات عنه فيه، فبعضهم روى عنه {تَتْبَعَانِّ} بتخفيف التاء الثانية وفتح الباء وتشديد النون، وبعضهم روى عنه بتشديد التاء الثانية وكسر الباء وتخفيف النون، وبعضهم روى عنه كقراءة الجماعة.
والوجه في إسكان التاء الثانية وفتح الباء، هو أن الفعل من تبع يتبع على فعل يفعل كعلم يعلم.
ووجه تشديد التاء الثانية وكسر الباء، أن الفعل من اتبع يتبع على وزن افتعل يفتعل، والمعنى في اللغتين واحدٌ.
وأما تشديد النون من {تَتّبعانّ}، فلأنه فعل لنهي الاثنين لحقه نون التأكيد الشديدة، فكسرت نون التأكيد؛ لأنها نون وقعت بعد ألف التثنية فحقها
[الموضح: 635]
الكسر، كما قالوا في يفعلان عند الرفع، ولم يعتد بالنون الأولى من النونين المدغم أحدهما في الآخر لكونها ساكنة، وأنها غير حاجز حصين، فكأن النون الثانية تلي الألف، فهذه حال النون الشديدة، إذا دخلت على فعل التثنية.
وأما قراءة من قرأ بتخفيف النون من {تتبعانِ} فيجوز أن تكون النون هي الشديدة، لكن حذفت الأولى من النونين وهي الساكنة منهما، كما قالوا في رب رب بالتخفيف، فصار المشدد مخففًا، وإنما كان حذف النون الأولى أولى؛ لأن الأول من المثلين أولى بالتغيير، ألا ترى إلى ديوان وقيراط، والأصل دوان وقراط، فهذا وجه.
ويجوز أن تكون النون نون التثنية وليست بنون التأكيد، والكلمة على الخبر، إلا أنه خبر بمعنى النهي، كقوله تعالى {يَتَرَبَّصْنَ} و{يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} فلهذا خفف النون.
ويجوز أن يكون حالاً من الضمير في {اسْتَقِيمَا أي فاستقيما وأنتما لا تتبعان، والتقدير: فاستقيما غير متبعين، فهو في موضع نصب، والنون في هذين الوجهين الأخيرين علامة الرفع في الفعل، و{لا} للنفي، وليس للنهي). [الموضح: 636]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 10:08 PM

سورة يونس
[ من الآية (90) إلى الآية (92) ]

{ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آَلْآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آَيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92) }

قوله تعالى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (20- وقوله تعالى: {قال آمنت أنه لا إله إلا الذي أمنت به بنو إسرائيل} قرأ حمزة والكسائي {إنه} بالكسر على الاستئناف فيكون الوقف في هذه القراءة على {آمنت} تامًا.
وقرأ الباقون: {آمنت أنه} على تقدير: آمنت بأنه فلما سقط الخافض عمل الفعل فنصب). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/273]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح الألف وكسرها من قوله: آمنت أنه [يونس/ 90].
فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر: أنه بفتح الألف.
وقرأ حمزة والكسائيّ: آمنت إنه بكسر الألف.
قال أبو علي: من قال: آمنت أنّه فلأنّ هذا الفعل يصل بحرف الجر، في نحو يؤمنون بالغيب [البقرة/ 3]، ويؤمنون بالجبت [النساء/ 51]، فلما حذف الحرف وصل الفعل إلى أنّ، فصار في موضع نصب أو خفض على الخلاف في ذلك.
ومن قال: آمنت إنه حمله على القول المضمر، كأنه.
آمنت فقلت: إنه. وإضمار القول في هذا النحو كثير، ولإضمار القول من المزية هنا، أن قلت: إنه لا إله إلا الله في المعنى
[الحجة للقراء السبعة: 4/295]
إيمان، فإذا قال: آمنت فكأنه قد ذكر ذلك). [الحجة للقراء السبعة: 4/296]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قال آمنت أنه لا إله إلّا الّذي آمنت به بنو إسرائيل}
قرأ حمزة والكسائيّ {قال آمنت أنه} بكسر الألف وحجتهما أن كلام متناه عند قوله {آمنت} وأن الإيمان وقع على كلام محذوف نظير قوله {ربنا آمنا فاكتبنا} ولم يذكر ما وقع الإيمان عليه وتقديره آمنت بما كنت به قبل اليوم مكذبا ثمّ استأنف {أنه لا إله إلّا الّذي آمنت به بنو إسرائيل}
وقرأ الباقون {آمنت أنه} بالفتح على تقدير آمنت بأنّه فلمّا سقط الخافض عمل الفعل فنصب). [حجة القراءات: 336]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (25- قوله: {آمنت أنه} قرأ حمزة والكسائي بكسر الهمزة، لأنها بعد القول، والقول يحكي ما بعده، والتقدير: آمنت إنه قلت إنه، وقرأ الباقون بالفتح، أعملوا «آمن» في «أنه» ففتحت على تقدير حذف حرف الجر، والتقدير: آمنت بالله و«آمن» يتعدى بحرف جر كما قال: {يؤمنون بالغيب} «البقرة 3» فـ «أن» في موضع خفض، على قول الخليل، أعمل الحرف، وهو محذوف، لكثرة استعمال حذفه مع «أن» خاصة، وغير الخليل يقول: «أن» في موضع نصب لعدم الخافض، إذ لا يعمل وهو محذوف كما لا تعمل الإضافة والمضاف
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/522]
محذوف، ولأن الحرف لما حذف تعدى الفعل إلى ما بعد الجار فنصبه، والفتح هو الاختيار، لأن أكثر القراء عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/523]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (27- {قَالَ آمَنتُ إِنَّهُ} [آية/ 90] بكسر الألف من {إِنَّهُ}:
قرأها حمزة والكسائي.
والوجه أنه على إضمار قلت، كأنه قال آمنت وقلت: إنه لا إله إلا الذي
[الموضح: 636]
آمنت به بنو إسرائيل؛ لأن بعد القول ينكسر إن؛ لأنه يكون جملة مستأنفة محكية فهو على الابتداء.
ويجوز أن يكون على انقطاع الكلام الذي قبله، كأنه انقطع الكلام عند قوله {آمَنتُ} ثم استأنف فقال إنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل.
وقرأ الباقون {أَنَّهُ} بفتح الألف.
والوجه أنه على إضمار حرف الجر، كأنه قال آمنت بأنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل، فحذف الباء وأوصل الفعل بنفسه، فهو في موضع نصب). [الموضح: 637]

قوله تعالى: {آَلْآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (21- وقوله تعالى: {الئن وقد عصيت قبل} [91].
قرأ نافع في رواية ورش {اَلَان} بفتح اللام وإسقاط الهمزة نقل فتحة الهمزة إلى اللام وحرك الهمزة تخفيفًا كما قرأ: {قد افلح} يريد: قد أفلح، وغيره لا ينقل ولكن يهمز بعد اللام.
واختلف النحويون في (الآن) فقال الفراء رحمه الله أصله: أوان فقلبوا الواو ألفًا، قال: ويجوز أن يكون: آن لك أن تفعل كذا أي: حان لك، فيكون فعلاً ماضيًا فلما دخلت الألف واللام عليه تركوه على فتحه كما قالوا:
«نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قيل وقال ومنع وهات» وأنشد:
تفقا فوقه القلع السواري = وجن الخازباز به جنونا
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/273]
فــ «خازباز» مبني على الكسر، وحكم ما كان مبنيًا إذا أضيف أو دخله ألف ولام أن يزول عنه البناء ويعرب، فهذا الشاعر أدخل الألف واللام وبقى الاسم مبنيًا.
والخازباز: الذباب. والخازباز: صوت الذباب. والخازباز: داء يأخذ في الوجه فيقبحه، قال الشاعر:
* يا خازباز أرسل اللهازما *
بناه على الكسر وفيهما الألف واللام كما قال الآخر:
وإني حبست اليوم والأمس قبله = ببابك حتى كادت الشمس تغرب
ترك أمس مبنيًا على الكسر مع الألف واللام.
قال أبو عبد الله الحسين بن خالويه رضي الله عنه:
وفيه لغات الخازِبازِ والخازَبازَ والخُزباء والخِزبازَ والخازِباءَ ست
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/274]
لغات وقال سيبويه رحمه الله: الآن: إشارة إلى وقت أنت فيه بمنزلة هذا، والألف واللام تدخل لعهد تقدم، فلما دخلت الألف واللام على الآن لغير عهد ترك مبنيًا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/275]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله: آلآن وقد عصيت قبل [يونس/ 91]، فروى المسيبيّ وقالون عن نافع أنه قرأ: الآن* مستفهمة: جدّا، وكذلك قال ابن أويس عن نافع بهمزة واحدة، وقال ورش أيضا: إنه كان يقرأ بفتح اللام، ومدّ الهمزة الأولى، ولا يهمز بعد اللام، والباقون يهمزون بعد اللام واللام ساكنة [الآن].
وقال أحمد بن صالح عن قالون بهمزة واحدة بعدها مدّة.
وقال أبو خليد عن نافع: آلآن ليس بعد اللام همزة.
وأصل قول ورش عن نافع، أنه إذا كانت الهمزة قبلها ساكن، ألقى حركة الهمزة على الساكن، وترك الهمز مثل:
الارض، بفتح اللام، والاسماء، بفتح اللام بحركة الهمزة، وآلآن: لا يهمز بعد اللام، ويفتح اللام بحركة الهمزة.
وقال ابن جبير: عن الكسائيّ عن إسماعيل عن نافع، وعن حجاج بن منهال الأعور، عن ابن أبي الزناد عن نافع:
آلان لا يهمز بعد اللام.
قال أبو علي: إن لام المعرفة إذا دخلت على كلمة أوّلها
[الحجة للقراء السبعة: 4/296]
الهمزة، فخفّفت الهمزة فإن في تخفيفها وجهين: أحدهما: أن تحذف وتلقى حركتها على اللام وتقرّ همزة الوصل فيقال:
الحمر: وقد حكى ذلك سيبويه.
وحكى أبو عثمان عن أبي الحسن أن ناسا يقولون:
لحمر. فيحذفون الهمزة التي للوصل، فالذين أثبتوا الوصل أثبتوها لأن التقدير باللام السكون، وإن كانت في اللفظ متحركة، كما كان التقدير فيها السكون في قولهم في التذكّر، إلى إذا تذكر نحو القليل والقوم فكما لم تحذف الهمزة هنا، كذلك لم تحذف في نحو الحمر، ومثل ذلك في أنّ التقدير لما كان بالحركة السكون، قد جرى مجرى الساكن وإن كان متحرّكا في اللفظ قولهم: أردد الرجل، وآلى التحريك في المثلين لمّا كان الثاني فيهما في تقدير السكون، وإنّما تحرّك بحركة لا تلزم، فكذلك الحمر، وأما اللغة الأخرى فمن الدليل عليها ما أنشدنيه أحمد بن موسى عن الكسائيّ:
فقد كنت تخفي حبّ سمراء حقبة... فبح لان منها بالذي أنت بائح
[الحجة للقراء السبعة: 4/297]
فأسكن الحاء لما كانت اللام متحركة، ولو لم يعتدّ بالحركة، كما لم يعتدّ بها في الوجه الأول، فحرّك الحاء بالكسر، كما تحرّك به إذا قال: بح اليوم، لكن لما أسكن كان بمنزلة: بح بسرّك، وبح بأمرك، فنقول على قياس اللغة الأولى: قال لان [البقرة/ 71] فتحذف واو الضمير، لأن اللام في تقدير السكون، كما تحذفه في بح اليوم، وعلى قياس اللغة الأخرى: قالوا لان فتثبت واو الضمير، لأن اللام لم تنزّل تنزيل السكون، ألا ترى أنه حذف الهمزة التي تجلب لسكون الحرف الذي تدخل عليه، وتقول على قياس اللغة الأولى: ملآن، إذا أردت: من الآن، فحذفت النون لالتقاء الساكنين، كما حذفته من قول الشاعر:
أبلغ أبا دختنوس مألكة... غير الذي قد يقال ملكذب
وتقول على قياس اللغة الأخرى: من لان، فلا تحذف النون، لأنه لم يلتق ساكنان، كما لم تحرّك الحاء من قوله:
«فبح لان» فعلى هذا مجرى هذا الباب.
[الحجة للقراء السبعة: 4/298]
أما ما ذكره من رواية المسيّبي وقالون عن نافع أنه قرأ:
الآن* مستفهمة جدّا، وكذلك قال ابن أبي أويس، عن نافع:
بهمزة واحدة، فقوله: مستفهمة جدّا لا يخلو من أحد أمرين:
إمّا أن يريد أنه كان يمدّ، فإن أراد ذلك كان على لغة من قال:
الحمر، فلمّا ألحق همزة الاستفهام مدّ، ويريد أنه كان يقطع الهمزة، فلا يصلها كما يصل، ولا يقطع إذا لم تكن للاستفهام، فإذا كان كذلك فهو على قول من قال: لحمر، ولا همزة فيه، فتنقلب ألفا مع همزة الاستفهام، ويمدّ، فهو كقوله:
ألكم الذكر وله الأنثى [النجم/ 20] في أنّه لا يجوز أن يمدّ. ويقوي هذا الوجه ما قاله أحمد، وكذلك قال ابن أبي أويس عن نافع بهمزة واحدة. قال: وقال أحمد بن صالح عن قالون همزة واحدة بعدها مدّة، فهذا قد فسّر، ولا يكون هذا إلا على قول من قال: الحمر ءالان.
فأما ما روى ورش عن نافع من قوله: آلآن، إنه كان يقرأ بفتح اللام ومدّ الهمزة الأولى ولا يهمز بعد اللام، فإنّ ذلك على قول من قال: الحمر، كأنه قال: آلآن، فأثبت همزة الوصل مع تحرك اللام، كما أثبتها في قولهم: الحمر، فإذا دخلت همزة الاستفهام قلبت همزة الوصل ألفا، فقلت:
أالان، كما تقول: آلرجل قال ذاك؟ ومن فصل بين الهمزتين إذا التقتا بالألف فقال: أأنت أأنذرتهم لم يفصل هنا بها، لأنّه لا تثبت هنا همزتان، ألا ترى أن الثانية التي للوصل تقلب ألفا؟ فلا يحتاج إذن إلى الألف التي تفصل بين الهمزتين، كما تفصل بينه النونين إذا قلت: اضربنان زيدا، فعلى هذا وجه
[الحجة للقراء السبعة: 4/299]
قراءة نافع هذه التي حكاها ورش، وعلى هذا أيضا ما حكاه أحمد بن صالح عن قالون بهمزة واحدة بعدها مدة). [الحجة للقراء السبعة: 4/300]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (17- {آلآنَ وقَدْ عَصَيْتَ} [آية/ 91]:
قرأ نافع- ش- "آلان" بحذف الهمزة التي بعد اللام الساكنة وإلقاء حركتها
[الموضح: 626]
على اللام، وبمد الهمزة الأولى، فالكلمة على وزن عالان، وكذلك الحرف الآخر.
والوجه أن أصله أألان بهمزة الاستفهام قبل همزة الآن، إلا أن همزة ألان وهي الهمزة التي مع لام التعريف قلبت ألفًا لاجتماع الهمزتين فبقي أالآن، ثم إن الهمزة التي بعد اللام وهي همزة أصل الكلمة نقلت فتحتها إلى الساكن الذي قبلها وهو اللام، فحذفت الهمزة فبقي آلان على زنة عالان، وهذا هو التخفيف القياسي في الهمزة، فإنها إذا تحركت وسكن ما قبلها فتخفيفها أن تنقل حركتها إلى ما قبلها وتحذف الهمزة نحو {يُخْرِجُ الخَب} و{بَيْنَ المَرْ}.
وقرأ الباقون {آلأنَ} بهمزة ممدودة في الأول وإثبات همزة بعد اللام، وكذلك- ن- و- يل- عن نافع.
والوجه أنهم لما قلبوا الهمزة التي بعد همزة الاستفهام ألفًا لم يحذفوا الهمزة التي بعد اللام بل تركوها على أصلها غير مخففة.
وروى زمعة بن صالح عن ابن كثير {ألانَ} على مثال علان بغير مد ولا همز بعد اللام.
والوجه أن الهمزة التي بعد اللام حذفت للتخفيف القياسي وألقيت حركتها
[الموضح: 627]
على اللام، فلما تحركت اللام استغني عن همزة الوصل، وهي الهمزة الثانية التي بعد همزة الاستفهام فبقي: ألان، بهمزة واحدة، وهي الهمزة الأولى التي للاستفهام، ووزنه علان). [الموضح: 628]

قوله تعالى: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آَيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أُبي بن كعب ومحمد بن السميفع ويزيد البربري: [فاليومَ نُنَحِّيك] بالحاء.
[المحتسب: 1/316]
قال أبو الفتح: هذه نُفَعِّلك من الناحية؛ أي: نجعلك في ناحية من كذا، يقال: نَحوْتُ الشيء أنحوه: إذا قصدته، ونَحَّيت الشيء فتنحى: أي باعدته فتباعد فصار في ناحية.
قال رؤبة وهو في جماعة من أصحابه ممن يأخذ عنه، وقد أقبلت عجوز منصرفة عن السوق، وقد ضاق الطريق بها عليهم:
تَنَحَّ للعجوز عن طريقها ... إذ أقبلت رائحةً من سوقها
دعها فما النحويّ من صديقها
وقال الحطيئة لأمه:
تَنَحَّيْ فاقعدي مِنِّي بعيدا ... أراح الله منك العالمينا
وقد استَعملت العرب مصدر نحوت الشيء نحوًا ظرفًا؛ كقولك: زيد نحوك: أي في شِقِّك وناحيتك. وعليه ما أنشده أبو الحسن:
تَرمِي الأماعيز بِمُجْمَرَات ... بأَرجل رُوحٍ مُحَنِّبَات
يحدو بها كلُّ فتى هيَّات ... وهن نحو البيت عامدات
فنصب عامدات على الحال لتمام الكلام من قبلها. وقد جمعوا نحوًا على نُحُوّ، فأخرجوه على أصله.
ومنه حكاية الكتاب: إنكم لتنظرون في نُحُوّ كثيرة، ومثله من الشاذ بَهو وبُهُو للصدر، وأَب وأُبُوّ، وابن وبُنُوّ. قال القناني يمدح الكسائي:
أَبى الذمَّ أخلاق الكسائي وانتمى ... به المجدَ أخلاقُ الأُبُوّ السوابق). [المحتسب: 1/317]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (28- {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ} [آية/ 92] بسكون النون الثانية، مخففة الجيم:
قرأها يعقوب وحده، وكذلك {ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا} و{نُنجِي المُؤْمِنِينَ وفي مريم {نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وفي الزمر {ويُنَجِّي الله الَّذِينَ اتَّقَوْا}.
وقرأ الكسائي {نُنجِي المُؤْمِنِينَ} ههنا وفي مريم، كلاهما بالتخفيف.
وقرأ عاصم- ص- {نُنجِي} ههنا بالتخفيف، والباقي بالتشديد.
وقرأ الباقون بالتشديد في الأحرف الأربعة.
والوجه أن معنى القراءتين واحد؛ لأن التخفيف يكون من أنجى، والتشديد
[الموضح: 637]
يكون من نجى، وكلاهما متعدٍ، من نجا ينجو، وقد وردا جميعًا في التنزيل). [الموضح: 638]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 10:10 PM

سورة يونس
[ من الآية (93) إلى الآية (95) ]

{ وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (93) فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (94) وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (95) }

قوله تعالى: {وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (93)}

قوله تعالى: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (94)}

قوله تعالى: {وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (95)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 10:15 PM

سورة يونس

[ من الآية (96) إلى الآية (100) ]

{ إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آَيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (97) فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آَمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آَمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (98) وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99) وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (100) }

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (96)}

قوله تعالى: {وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آَيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (97)}

قوله تعالى: {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آَمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آَمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (98)}

قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99)}

قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (100)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (24- قوله تعالى: {ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون} [100].
قرأ عاصم وحده في رواية أبي بكر بالنون.
وقرأ الباقون بالياء.
والرجس والرجز جميعًا: العذاب كما يقال: الأزد والأسد، وفلان يزدي ويسدي إلى فلان خيرًا، وقال آخرون: الرجز: العذاب. والرجس: النتن). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/276]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (أبو بكر عن عاصم ونجعل الرجس [يونس/ 100] بالنون، وروى حفص عن عاصم بالياء، وكذلك الباقون.
حجة من قال: يجعل بالياء قوله: كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون [الأنعام/ 125]، وقد تقدم ذكر اسم الله في قوله: وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله [يونس/ 100]، والنون في هذا النحو مثل الياء، وقد تقدم ذكر ذلك.
فأما قوله: الرجس فقال أبو عبيدة: الرّجز: العذاب.
قال: والرجز والرجس واحد، والدّلالة على أن الرّجز العذاب.
قوله: لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك [الأعراف/ 134] وقوله: فلما كشفنا عنهم الرجز [الأعراف/ 135]، ومنه: فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء [البقرة/ 59]، وقال: والرجز فاهجر [المدثر/ 5]، وكأن المعنى- والله
[الحجة للقراء السبعة: 4/306]
أعلم- وذا الرجز، أي: الذي يؤدّي عبادته إلى العذاب. قال أبو الحسن: وقال بعضهم: والرجز فاهجر قال: وذكروا أنه صنم كانوا يعبدونه، قال: وأما الرّجز فهو الرّجس، قال، وقال:
إنما المشركون نجس [التوبة/ 28]، قال: والنّجس: القذر.
وقال الكسائيّ فيما أخبرنا أبو بكر: الرّجس: النتن:
قال أبو علي: فكأنّ الرّجس على ضربين: أحدهما: أن يكون في معنى الرجس، وهو العذاب، والآخر: أن يعنى به النجس والقذر، ومن ذلك قوله: أو لحم خنزير فإنه رجس [الأنعام/ 145] فقوله: ويجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون [الأنعام/ 125] يجوز أن يراد به أنهم يعذّبون، كما قال:
ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات [الفتح/ 6]، ويجوز أن يكون المعنى فيه أنه يحكم بأنّهم رجس، كما قال:
إنما المشركون نجس [التوبة/ 28]، أي: ليسوا من أهل الطهارة، فذمّوا على خروجهم، وإن لم تكن عليهم نجاسة من نحو البول والدم والخمر، والمعنى: أن الطّهارة الثابتة للمسلمين هم خارجون عنها، ومباينون لها، وهذه الطّهارة هي ما ثبت لهم من قوله: خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها [التوبة/ 103].
[الحجة للقراء السبعة: 4/307]
فقوله: تطهرهم، لا يخلو من أحد أمرين: إمّا أن يكون المعنى: تطهّرهم أنت أيّها الآخذ بأخذها منهم، أو: الصدقة تطهّرهم، فقوله: تزكيهم بها يقوّي الوجه الأوّل، لأن «تزكّي» للآخذ، فكذلك يكون تطهرهم له، ويجوز أن يكون منقطعا، أي: وأنت تزكّيهم بها، فهذه طهارة من جهة الحكم، وإن لم تزل شيئا نجسا عن أبدانهم.
وقد ثبت للمسلمين أيضا الطّهارة بقوله: يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين [التوبة/ 108] فأمّا قوله: طهر بيتي للطائفين [الحج/ 26] فيجوز أن يراد به: أخرج عنه ما يعبد من وثن من دون الله، حتى يطهر، لأنّ الأوثان قد أطلق عليها الرجس في قوله: فاجتنبوا الرجس من الأوثان [الحج/ 30] وقوله: والرجز فاهجر [المدثر/ 5] ). [الحجة للقراء السبعة: 4/308]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (27- قوله: {ويجعل الرجس} قرأه أبو بكر بالنون على الإخبار من الله جل ذكره عن نفسه ذلك، لأن قبله إخبارًا من الله عز وجل عن نفسه في قوله: {كشفنا عنهم}، {ومتعناهم} «98»، فرده على ما قبله، وقرأ الباقون بالياء، ردوه على لفظ الغيبة التي قبله في قوله: {إلا بإذن الله}، فذلك أقرب إليه من غيره، فردوه على ما هو أقرب إليه، فهو الاختيار، لأن الجماعة عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/523]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (29- {ونَجْعَلُ الرِّجْسَ} [آية/ 100] بالنون:
قرأها عاصم وحده- ياش-، وقرأ الباقون {ويَجْعَلُ} بالياء.
والوجه أن المعنى فيهما واحد، على ما سبق في مثله؛ لأنه معلوم أن الجاعل هو الله تعالى، سواء كان بالنون أم بالياء). [الموضح: 638]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 10:16 PM

سورة يونس
[ من الآية (101) إلى الآية (103) ]

{ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (101) فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (102) ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ (103) }

قوله تعالى: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (101)}

قوله تعالى: {فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (102)}

قوله تعالى: {ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ (103)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (23- وقوله تعالى: {ننج المؤمنين} [103].
قرأ الكسائي وحفص عن عاصم {ننج} خفيفة من أنجى ينجي وقرأ
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/275]
الباقون {ننجي} مشددًا من نَجى ينجي وهما لغتان مثل كرم وأكرم، غير أن التشديد الاختيار؛ لإجماعهم على تشديد الأول، وكذلك الثاني مثله، وقد كتبنا بنونين). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/276]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: كلّهم قرأ: ننجي رسلنا [103] مشدّدة الجيم غير الكسائي وحفص عن عاصم فإنّهما قرءا: ننجي رسلنا خفيفة، وقرأ الكسائي وحده في سورة مريم: ثم ننجي الذين اتقوا [72] ساكنة النون.
وقرأ الباقون: ننجي بفتح النون الثانية وتشديد الجيم.
قال أبو علي: قالوا نجا زيد، قال:
نجا سالم والرّوح منه بشدقه... ولم ينج إلا جفن سيف ومئزرا
فإذا عدّيته، فإن شئت قلت: أنجيته، وإن شئت قلت:
نجيّته، كما تقول فرح، وأفرحته وفرّحته.
ومن حجة من قال: ننجي*: فأنجاه الله من النار
[الحجة للقراء السبعة: 4/305]
[العنكبوت/ 24]، وحجّة من قال: ننجي ونجينا الذين آمنوا [فصّلت/ 18]، وكلاهما حسن، قال الشاعر:
ونجّى ابن هند سابح ذو علالة... أجشّ هزيم والرماح دواني). [الحجة للقراء السبعة: 4/306]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ثمّ ننجي رسلنا والّذين آمنوا كذلك حقًا علينا ننج المؤمنين}
قرأ الكسائي وحفص {كذلك حقًا علينا ننج المؤمنين} خفيفة وقرأ الباقون بالتّشديد وهما لغتان تقول أنجى ينجي ونجى ينجي مثل كرم وأكرم وعظم وأعظم وحجّة من شدد هي أن أكثرهم أجمعوا على تشديد قوله {ثمّ ننجي رسلنا} فرد ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه وحجّة من خفف قوله {ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين} وقول {فمهل الكافرين} ثمّ قال {أمهلهم رويدا} فجمع بينهما لمعنى واحد). [حجة القراءات: 337]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (26- قوله: {ننج المؤمنين} قرأه الكسائي وحفص بالتخفيف من «أنجى ينجي» وقرأ الباقون بالتشديد من «نجى ينجي» وهما لغتان وقد جاء القرآن بهما إجماعًا، قال الله تعالى: {فأنجيناه} «الأعراف 64» و{فأنجاه الله} «العنكبوت 24» وقال: {ونجينا الذين آمنوا} «فصلت 18» وهو كثير في القرآن، من «أنجى» ومن «نجى»، وفي التشديد معنى التكرير، وهو الاختيار؛ لأن الجماعة عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/523]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 10:19 PM

سورة يونس
[ من الآية (104) إلى الآية (107) ]

{ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (104) وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (105) وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ (106) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107) }

قوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (104)}

قوله تعالى: {وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (105)}

قوله تعالى: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ (106)}

قوله تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 8 صفر 1440هـ/18-10-2018م 10:20 PM

سورة يونس
[ الآيتين (108) ، (109) ]

{ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (108) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (109) }

قوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (108)}
قوله تعالى: {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (109)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


الساعة الآن 11:49 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة