جمع أبي بكر القرآن في مصحف واحد
● جمع أبي بكر القرآن في مصحف واحد ● عناصر الموضوع: الآثار الواردة في جمع أبي بكر رضي الله عنه ... - أثر زيد بن ثابت رضي الله عنه ... - أثر آخر عن زيد بن ثابت رضي الله عنه ... - أثر علي بن أبي طالب رضي الله عنه ... - أثر صعصعة بن صوحان رحمه الله ... - أثر أبي العالية الرياحي رحمه الله أقوال العلماء في جمع أبي بكر رضي الله عنه ... - كلام عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ) ... - كلام أبي زكريَّا يَحْيَى بْنُ شَرَفٍ النَّوَوِيُّ (ت: 676هـ) ... - كلام عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الخَازِنُ (ت: 725هـ) ... - كلام إسماعيلُ بنُ عمرَ ابنُ كثيرٍ القُرَشيُّ (ت:774هـ) ... - كلام مُحَمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ بَهَادرَ الزَّرْكَشِيُّ (ت: 794هـ) ... - كلام جلالُ الدينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أبي بكرِ السيوطيُّ (ت: 911هـ) ... - أقوال شُرّاح الأحاديث في شرح أثر زيد بن ثابت رضي الله عنه |
الآثار الواردة في جمع أبي بكر رضي الله عنه أثر زيد بن ثابت رضي الله عنه في جمع أبي بكر رضي الله عنه قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : ( حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن إبراهيم بن سعد، عن الزهري، عن عبيد بن السباق، أن زيد بن ثابت، حدثه قال: أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة، فإذا عنده عمر، فقال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر بقراء القرآن يوم اليمامة، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن كلها، فيذهب بقرآن كثير، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن. قال: فقلت له: كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ .قال لي: هو والله خير. فلم يزل عمر يراجعني في ذلك حتى شرح الله صدري له، ورأيت فيه الذي رأى عمر.قال: قال زيد: وقال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك، قد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن، فاجمعه.قال زيد: فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي من ذلك. فقلت: كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله؟.فقال أبو بكر: هو والله خير.فلم يزل يراجعني في ذلك أبو بكر , وعمر , حتى شرح الله صدري للذي شرح صدورهما؛ فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والعسب واللخاف ومن صدور الرجال، فوجدت آخر سورة براءة من خزيمة بن ثابت: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم }حتى ختم السورة. قال عبد الرحمن: فحدثني رجل عن إبراهيم بن سعد في هذا الحديث قال: فكانت الصحف عند أبي بكر حتى مات، ثم كانت عند عمر حتى مات، ثم كانت عند حفصة) [فضائل القرآن : ](م) قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) :(حدثنا أبو اليمان، عن شعيب بن أبي حمزة، عن ابن شهاب، عن ابن السباق، أن زيد بن ثابت، قال: أرسل إلي أبو بكر مقتل اليمامة. ثم ذكر مثل حديث إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن ابن السباق عن زيد، ومثل حديثه عن ابن شهاب عن أنس عن حذيفة في مقالته لعثمان، ومثل حديثه عن خارجة بن زيد في الآية في الأحزاب، ولم يذكر ما سوى ذلك من حديث إبراهيم بن سعد). [فضائل القرآن : ] قال أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني (ت: 241هـ): (حدثنا أبو كامل، حدثنا إبراهيم بن سعد، حدثنا ابن شهاب، عن عبيد بن السباق: عن زيد بن ثابت، قال: أرسل إلي أبو بكر رضي الله عنه مقتل أهل اليمامة، فقال أبو بكر: يا زيد بن ثابت، إنك غلام شاب عاقل لا نتهمك، قد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه). [مسند الإمام أحمد/مسند أبي بكر الصديق] قال أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني (ت: 241هـ): (حدثنا عثمان بن عمر، قال: أخبرنا يونس، عن الزهري، قال: أخبرني ابن السباق، قال: أخبرني زيد بن ثابت: أن أبا بكر أرسل إليه مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر عنده، فقال أبو بكر: إن عمر أتاني، فقال: إن القتل قد استحر بأهل اليمامة من قراء القرآن من المسلمين، وأنا أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن فيذهب قرآن كثير لا يوعى، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن، فقلت لعمر: وكيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: هو والله خير، فلم يزل يراجعني في ذلك حتى شرح الله بذلك صدري، ورأيت فيه الذي رأى عمر، قال زيد: وعمر عنده جالس لا يتكلم. فقال أبو بكر: إنك شاب عاقل لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فاجمعه. قال زيد: فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان بأثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن، فقلت: كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟). [مسند الإمام أحمد/مسند أبي بكر الصديق] قال أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني (ت: 241هـ): (حدثنا أبو كامل، حدثنا إبراهيم بن سعد، حدثنا ابن شهاب، عن عبيد بن السباق، عن زيد بن ثابت، قال: "أرسل إلي أبو بكر مقتل اليمامة، فإذا عمر عنده جالس، قال أبو بكر: يا زيد بن ثابت، إنك غلام شاب عاقل، لا نتهمك، قد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن، فاجمعه ". قال زيد: "فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال، ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن، فقلت: أتفعلان شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هو والله خير. فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري بالذي شرح له صدر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما). [مسند الإمام أحمد/مسند زيد بن ثابت] قال محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري (ت 256هـ): (حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، قال: أخبرني ابن السباق، أن زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه - وكان ممن يكتب الوحي - قال: أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة وعنده عمر، فقال أبو بكر: إن عمر أتاني، فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بالناس، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن، فيذهب كثير من القرآن إلا أن تجمعوه، وإني لأرى أن تجمع القرآن "، قال أبو بكر: قلت لعمر: «كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟» فقال عمر: هو والله خير، فلم يزل عمر يراجعني فيه حتى شرح الله لذلك صدري، ورأيت الذي رأى عمر، قال زيد بن ثابت: وعمر عنده جالس لا يتكلم، فقال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل، ولا نتهمك، «كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم»، فتتبع القرآن فاجمعه، فوالله لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن، قلت: «كيف تفعلان شيئا لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم؟» فقال أبو بكر: هو والله خير، فلم أزل أراجعه حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له صدر أبي بكر وعمر، فقمت فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف، والعسب وصدور الرجال، حتى وجدت من سورة التوبة آيتين مع خزيمة الأنصاري لم أجدهما مع أحد غيره، {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم} [التوبة: 128] إلى آخرهما، وكانت الصحف التي جمع فيها القرآن عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حتى توفاه الله، ثم عند حفصة بنت عمر تابعه عثمان بن عمر، والليث، عن يونس، عن ابن شهاب، وقال الليث: حدثني عبد الرحمن بن خالد، عن ابن شهاب، وقال: مع أبي خزيمة الأنصاري، وقال موسى: عن إبراهيم، حدثنا ابن شهاب، مع أبي خزيمة، وتابعه يعقوب بن إبراهيم، عن أبيه، وقال أبو ثابت: حدثنا إبراهيم. وقال: مع خزيمة أو أبي خزيمة). [صحيح البخاري/كتاب تفسير القرآن/باب قوله: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم، حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم} «من الرأفة»]. قال محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري (ت 256هـ): (حدثنا موسى بن إسماعيل، عن إبراهيم بن سعد، حدثنا ابن شهاب، عن عبيد بن السباق، أن زيد بن ثابت رضي الله عنه، قال: «أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده»، قال أبو بكر رضي الله عنه: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء بالمواطن، فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن، قلت لعمر: «كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟» قال عمر: هذا والله خير، «فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر»، قال زيد: قال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه، «فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن»، قلت: «كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟»، قال: هو والله خير، " فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف، وصدور الرجال، حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع أحد غيره، {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم} [التوبة: 128] حتى خاتمة براءة، فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر رضي الله عنه). [صحيح البخاري/كتاب فضائل القرآن/باب جمع القرآن] قالَ أحمدُ بنُ شُعيبٍ النَّسَائِيُّ (ت:303هـ): (أخبرنا الهيثم بن أيوب قال: حدثني إبراهيم يعني ابن سعد , قال ثنا ابن شهاب , عن عبيد بن السباق , عن زيد بن ثابت قال : أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة فأتيته , وعنده عمر فقال :إن عمر أتاني , فقال: إن القتل استحر يوم اليمامة بقراء القرآن , وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن .فقلت: كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله ؟.فقال عمر : هو والله خير .فلم يزل يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر عمر, ثم قال: إنك غلام , شاب عاقل , لا نتهمك قد كنت تكتب الوحي لرسول الله , فتتبع القرآن فاجمعه .فقلت: كيف تفعلان شيئا لم يفعله رسول الله ؟.فقال أبو بكر :هو والله خير .فلم يزل يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر , وعمر , والله لو كلفاني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي من الذي كلفاني , ثم تتبعت القرآن أجمعه من العسب والرقاع والصحف وصدور الرجال.)[فضائل القرآن للنَّسائي: ]- قال محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري (ت 256هـ): (حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن يونس، عن ابن شهاب، أن ابن السباق، قال: إن زيد بن ثابت، قال: أرسل إلي أبو بكر رضي الله عنه قال: إنك كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فاتبع القرآن، " فتتبعت حتى وجدت آخر سورة التوبة آيتين مع أبي خزيمة الأنصاري، لم أجدهما مع أحد غيره، {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم} [التوبة: 128] إلى آخره). [صحيح البخاري/كتاب فضائل القرآن/باب كاتب النبي صلى الله عليه وسلم] - قال محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري (ت 256هـ): (حدثنا محمد بن عبيد الله أبو ثابت، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب، عن عبيد بن السباق، عن زيد بن ثابت، قال: بعث إلي أبو بكر لمقتل أهل اليمامة وعنده عمر، فقال أبو بكر: " إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بقراء القرآن في المواطن كلها، فيذهب قرآن كثير، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن "، قلت: «كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟»، فقال عمر: هو والله خير، فلم يزل عمر يراجعني في ذلك حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر عمر، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر، قال زيد: قال أبو بكر: «وإنك رجل شاب عاقل، لا نتهمك قد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن، فاجمعه»، قال زيد: فوالله لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان بأثقل علي مما كلفني من جمع القرآن ، قلت: كيف تفعلان شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال أبو بكر: «هو والله خير»، فلم يزل يحث مراجعتي حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له صدر أبي بكر وعمر، ورأيت في ذلك الذي رأيا، فتتبعت القرآن، أجمعه من العسب والرقاع واللخاف وصدور الرجال، فوجدت في آخر سورة التوبة: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} إلى آخرها مع خزيمة، أو أبي خزيمة، فألحقتها في سورتها، وكانت الصحف عند أبي بكر حياته، حتى توفاه الله عز وجل، ثم عند عمر حياته، حتى توفاه الله، ثم عند حفصة بنت عمر، قال محمد بن عبيد الله: " اللخاف: يعني الخزف "). [صحيح البخاري/كتاب فضائل القرآن/باب يستحب للكاتب أن يكون أمينًا عاقلًا] - قال محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري (ت 256هـ): (حدثنا موسى، عن إبراهيم، حدثنا ابن شهاب، عن عبيد بن السباق، أن زيد بن ثابت، وقال الليث: حدثني عبد الرحمن بن خالد، عن ابن شهاب، عن ابن السباق، أن زيد بن ثابت، حدثه قال: «أرسل إلي أبو بكر فتتبعت القرآن، حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري، لم أجدها مع أحد غيره»، {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} [التوبة: 128] حتى خاتمة براءة. حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن يونس بهذا، وقال: مع أبي خزيمة الأنصاري). [صحيح البخاري/كتاب التوحيد/باب {وكان عرشه على الماء}، و{وهو رب العرش العظيم}] قال أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي (ت: 279هـ): (حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن الزهري ، عن عبيد بن السباق ، أن زيد بن ثابت ، حدثه قال : بعث إلي أبو بكر الصديق مقتل أهل اليمامة فإذا عمر بن الخطاب عنده فقال : إن عمر بن الخطاب قد أتاني فقال : إن القتل قد استحر بقراء القرآن يوم اليمامة ، وإني لأخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن كلها فيذهب قرآن كثير ، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن ، قال أبو بكر لعمر : كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال عمر : هو والله خير ، فلم يزل يراجعني في ذلك حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر عمر ، ورأيت فيه الذي رأى ، قال زيد : قال أبو بكر : إنك شاب عاقل لا نتهمك ، قد كنت تكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي فتتبع القرآن ، قال : فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي من ذلك ، قال : قلت : كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال أبو بكر : هو والله خير ، فلم يزل يراجعني في ذلك أبو بكر وعمر حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدرهما : صدر أبي بكر وعمر. قال الترمذي: هذا حديث حسن ، لا نعرفه إلا من حديث عوف ، عن يزيد الفارسي ، عن ابن عباس ويزيد الفارسي قد روى عن ابن عباس ، غير حديث ، ويقال هو : يزيد بن هرمز ، ويزيد الرقاشي هو : يزيد بن أبان الرقاشي ولم يدرك ابن عباس إنما روى عن أنس بن مالك ، وكلاهما من أهل البصرة ، ويزيد الفارسي أقدم من يزيد الرقاشي). [جامع الترمذي/أبواب تفسير القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم/باب ومن سورة التوبة] أثر آخر عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ): (قال ابن شهاب: فأخبرني خارجة بن زيد، عن أبيه زيد بن ثابت، قال: فقدت آية من سورة الأحزاب كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها:{من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا}, قال: فالتمستها فوجدتها مع خزيمة، أو أبي خزيمة، فألحقتها في سورتها). [فضائل القرآن : ](م) قال أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني (ت: 241هـ): (حدثنا الحكم بن نافع، أخبرنا شعيب، عن الزهري، أخبرني خارجة بن زيد، أن زيد بن ثابت، قال: لما نسخنا المصاحف " فقدت آية من سورة الأحزاب، قد كنت أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بها "، فالتمستها، فلم أجدها مع أحد إلا مع خزيمة بن ثابت الأنصاري، الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته شهادة رجلين، قول الله عز وجل: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه}). [مسند الإمام أحمد/مسند زيد بن ثابت] قال محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري (ت 256هـ): (حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، ح وحدثنا إسماعيل، قال: حدثني أخي، عن سليمان، أراه عن محمد بن أبي عتيق، عن ابن شهاب، عن خارجة بن زيد، أن زيد بن ثابت رضي الله عنه، قال: «نسخت الصحف في المصاحف، ففقدت آية من سورة الأحزاب كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها، فلم أجدها إلا مع خزيمة بن ثابت الأنصاري الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته شهادة رجلين»، وهو قوله: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه}). [صحيح البخاري/كتاب تفسير القرآن]. قال محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري (ت 256هـ): (قال ابن شهاب: وأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت، سمع زيد بن ثابت قال: " فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف، قد كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها، فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} [الأحزاب: 23] فألحقناها في سورتها في المصحف). [صحيح البخاري/كتاب فضائل القرآن/باب جمع القرآن] أثر عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (حدثنا عبد الرحمن، عن سفيان، عن السدي، عن عبد خير، عن علي، قال: رحم الله أبا بكر، كان أول من جمع القرآن). [فضائل القرآن : ] قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) :( حدثنا المطلب بن زياد، عن السدي، عن عبد خير، قال:أول من جمع القرآن بين اللوحين أبو بكر رضي الله عنه).[فضائل القرآن : ] قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (أوّل من جمع القرآن. - حدّثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن السّدّيّ، عن عبد خيرٍ، قال: قال عليٌّ: يرحم اللّه أبا بكرٍ هو أوّل من جمع بين اللّوحين).[مصنف ابن أبي شيبة: 10/544] قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا قبيصة، قال: حدّثنا ابن عيينة، عن مجالدٍ، عن الشّعبيّ، عن صعصعة، قال: أوّل من جمع بين اللّوحين وورّث الكلالة أبو بكرٍ).[مصنف ابن أبي شيبة: 10/545] أثر أبي العالية الرياحي رحمه الله قالَ محمَّدُ بنُ أيُّوبَ بنِ الضُّرَيسِ البَجَلِيُّ (ت: 294هـ): (قرأت على محمد بن سعيد، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية: «أنهم جمعوا القرآن في مصحف في خلافة أبي بكر، فكان رجال يكتبون، ويملّ عليهم أبي بن كعب حتى انتهوا إلى هذه الآية في سورة براءة {ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون} فظنوا أن هذا آخر ما أنزل من القرآن. فقال أبيّ بن كعب: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أقرأني بعد هذا آيتين: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم . فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم} [فضائل القرآن:1/39]قال: فهذا آخر ما أنزل من القرآن. قال: فختم الأمر بما فتح به بلا إله إلا الله، يقول الله عز وجل: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} ) |
كلام عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ) قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): ( وقال عبد الله: حدثنا أبو الطاهر، أنا ابن وهب، أخبرني ابن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه قال: لما استحر القتل بالقراء يومئذ، فرق أبو بكر على القرآن أن يضيع، فقال لعمر بن الخطاب ولزيد بن ثابت: اقعدا على باب المسجد، فمن جاءكم بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه. ومعنى هذا الحديث – والله أعلم – من جاءكم بشاهدين على شيء من كتاب الله، الذي كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلا فقد كان زيد جامعا للقرآن. ويجوز أن يكون معناه: من جاءكم بشاهدين على شيء من كتاب الله – أي من الوجوه السبعة التي نزل بها القرآن ، ولم يرد: على شيء مما لم يقرأ أصلا ولم يعلم بوجه آخر). [جمال القراء :1/86](م) قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (قال عبد الله: حدثنا عبد الله بن محمد بن النعمان قال، نا محمد قال: نا أبو جعفر، عن ربيع، عن أبي العالية، إنهم جمعوا القرآن في مصحف في خلافة أبي بكر، فكان رجال يكتبون ويملي عليهم أبي بن كعب، فلما انتهوا إلى هذه الآية من سورة (براءة): {ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون} فظنوا أنها آخر ما أنزل من القرآن، فقال أبي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأني بعدهن آيتين: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم * فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم}. قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (وقال عبد الله: حدثنا عمرو بن علي بن بحر، نا أبو داود، نا إبراهيم بن سعيد، نا الزهري، أخبرني عبيد بن السباق أن زيد بن ثابت حدثه قال: أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة، وكان عنده عمر فقال: إن هذا أتاني فقال: إن القتل قد استحر بالقراء، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في سائر المواطن، فيذهب القرآن، وقد رأيت أن تجمعوه.. فقلت لعمر: كيف نفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم.! فقال عمر: هو والله خير، فلم يزل يراجعني في ذلك حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدره، ورأيت فيه الذي رآه.فقال أبو بكر: إنك شاب – أو رجل عاقل – وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لا نتهمك، فاكتبه. قال: فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان بأثقل علي منه. فقلت لهما: كيف تفعلان شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم.! قال أبو بكر وعمر: هو والله خير. فلم يزل أبو بكر وعمر يراجعاني في ذلك حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدرهما، ورأيت فيه الذي رأياه.فتتبعت القرآن أنسخه، من الصحف والعسب واللخاف وصدور الرجال، حتى فقدت آية كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} فالتمستها، فوجدتها عند خزيمة بن ثابت، فأثبتها في سورتها. واللخاف: الحجارة الرقاق). [جمال القراء :1/86-87](م) فهذا آخر ما نزل من القرآن، فختم الأمر بما فتح به. يقول الله جل ثناؤه: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون}. وأقول: إن أبيا – رحمه الله – إنما كان يتتبع ما كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في اللخاف والأكتاف والعسب ونحو ذلك، لا لأن القرآن العزيز كان معدوما. وأما قوله: "وصدور الرجال" فإنه كتب الوجوه السبعة التي نزل بها القرآن، فكان يتتبعها من صدور الرجال ليحيط بها علما، ودليل ذلك أنه كان عالما بالآيتين اللتين في آخر (براءة)، ثم لم يقنع بذلك حتى طلبهما وسأل عنهما غيره فوجدهما عند خزيمة، وإنما طلبهما من غيره مع علمه بهما، ليقف على وجوه القراءة، والله أعلم. قال عبد الله: حدثنا أبو الطاهر قال، أنا ابن وهب قال، أخبرني مالك عن ابن شهاب عن سالم وخارجة: أن أبا بكر الصديق كان قد جمع القرآن في قراطيس، وكان قد سأل زيد بن ثابت النظر في ذلك فأبى، حتى استعان عليه بعمر ففعل، فكانت تلك الكتب عند أبي بكر حتى توفي، ثم عند عمر حتى توفي، ثم عند حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم. فأرسل إليها عثمان فأبت أن تدفعها إليه حتى عاهدها ليردنها إليها، فبعثت بها إليه، فنسخ عثمان هذه المصاحف، ثم ردها إليها، فلم تزل عندها حتى أرسل مروان فأخذها فحرقها". وفي الرواية عن أنس بن مالك: "فلما كان مروان أمير المدينة، أرسل إلى حفصة يسألها عن الصحف ليحرقها، وخشي أن يخالف بعض الكتاب بعضا، فمنعته إياها" . قال ابن شهاب: "فحدثني سالم بن عبد الله قال: فلما توفيت حفصة، أرسل إلى عبد الله بن عمر بعزيمة لترسلن بها.. فساعة رجعوا من جنازة حفصة أرسل بها عبد الله بن عمر إلى مروان فغسلها وحرقها، مخافة أن يكون في شيء من ذلك اختلاف لما نسخ عثمان رحمة الله عليه.).[جمال القراء:1/87-88](م) قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (وروى أبو عبيد عن السدي عن عبد خير قال: أول من جمع القرآن بين اللوحين أبو بكر رضي الله عنه. وعن علي عليه السلام: "رحم الله أبا بكر، كان أول من جمع القرآن). [جمال القراء:1/85]قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (وحدثني أبو المظفر عبد الخالق الجوهري رحمه الله أنا القاضي أبو الفضل محمد بن عمر بن يوسف، أنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن محمد بن عمر بن الحسن بن المسلمة، أنا أبو عمر عثمان بن محمد بن القاسم البزار المعروف بالأدمي، ثنا أبو بكر عبد الله بن سليمان بن الأشعث السجستاني حدثنا عمر بن شبة، حدثنا أبو أحمد الزبيري، نا سفيان عن السدي عن عبد خير عن علي رضي الله عنه قال: "أعظم الناس أجرا في المصاحف أبو بكر، وإنه أول من جمع بين اللوحين). [جمال القراء:1/85] قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (قال عبد الله، وحدثنا هارون بن إسحاق، نا عبدة عن هشام عن أبيه، أن أبا بكر هو الذي جمع القرآن بعد النبي صلى الله عليه وسلم، يقول ختمه).[جمال القراء:1/86] |
كلام أبي زكريَّا يَحْيَى بْنُ شَرَفٍ النَّوَوِيُّ (ت: 676هـ) اعلم أن القرآن العزيز كان مؤلفا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم على ما هو في المصاحف اليوم، ولكن لم يكن مجموعا في مصحف بل كان محفوظا في صدور الرجال فكان طوائف من الصحابة يحفظونه كله وطوائف يحفظون أبعاضا منه، فلما كان زمن أبي بكر الصديق رضي الله عنه وقتل كثير من حملة القرآن خاف موتهم واختلاف من بعدهم فيه، فاستشار الصحابة رضي الله عنهم في جمعه في مصحف فأشاروا بذلك فكتبه في مصحف وجعله في بيت حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها، فلما كان في زمن عثمان رضي الله عنه وانتشر الإسلام خاف عثمان وقوع الاختلاف المؤدي إلى ترك شيء من القرآن أو الزيادة فيه فنسخ من ذلك المجموع الذي عند حفصة الذي أجمعت الصحابة عليه مصاحف، وبعث بها إلى البلدان وأمر بإتلاف ما خالفها وكان فعله هذا باتفاق منه ومن علي بن أبي طالب وسائر الصحابة وغيرهم رضي الله عنهم، وإنما لم يجعله النبي صلى الله عليه وسلم في مصحف واحد لما كان يتوقع من زيادته ونسخ بعض المتلو ولم يزل ذلك التوقع إلى وفاته صلى الله عليه وسلم، فلما أمن أبو بكر وسائر أصحابه ذلك التوقع واقتضت المصلحة جمعه فعلوه رضي الله عنهم.). [التبيان في آداب حملة القرآن:186- 190] (م) |
كلام عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الخَازِنُ (ت: 725هـ) قالَ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الخَازِنُ (ت: 725هـ): ( (الفصل الثالث في جمع القرآن وترتيب نزوله وفي كونه نزل على سبعة أحرف) وتقدم حديث زيد ثابت وفيه أنه استحر القتل بقراء القرآن فثبت بمجموع هذه الأحاديث أن القرآن كان على هذا التأليف والجمع في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما ترك جمعه في مصحف واحد لأن النسخ كان يرد على بعضه ويرفع الشيء بعد الشيء من التلاوة كما كان ينسخ بعض أحكامه فلم يجمع في مصحف واحد ثم لو رفع بعض تلاوته أدى ذلك إلى الاختلاف واختلاط أمر الدين فحفظ الله كتابه في القلوب إلى انقضاء زمن النسخ ثم وفق لجمعه الخلفاء الراشدين رضي الله تعالى عنهم. وثبت بالدليل الصحيح أن الصحابة إنما جمعوا القرآن بين الدفتين كما أنزله الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم من غير أن زادوا فيه أو نقصوا منه شيئا. والذي حملهم على جمعه ما جاء مبينا في الحديث وهو أنه كان مفرقا في العسب واللخاف وصدور الرجال؛ فخافوا ذهاب بعضه بذهاب حفظته؛ ففزعوا إلى خليفة رسول رب العالمين صلى الله عليه وسلم أبي بكر؛ فدعوه إلى جمعه فرأى في ذلك رأيهم فأمر بجمعه في موضع واحد باتفاق من جميعهم فكتبوه كما سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير أن قدموا أو أخروا شيئا أو وضعوا له ترتيبا لم يأخذوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقن أصحابه ويعلمهم ما ينزل عليه من القرآن على الترتيب الذي هو الآن في مصاحفنا بتوقيف جبريل عليه السلام إياه على ذلك وإعلامه عند نزول كل آية أن هذه الآية تكتب عقب آية كذا في سورة كذا فثبت أن سعي الصحابة كان في جمعه في موضع واحد لا في ترتيبه فإن القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ على النحو الذي هو في مصاحفنا الآن. وقد صح في حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرض القرآن على جبريل عليه السلام في كل عام مرة في رمضان وأنه عرضه في العام الذي توفي فيه مرتين، ويقال: إن زيد بن ثابت شهد العرضة الأخيرة التي عرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على جبريل عليه السلام، وهي العرضة التي نسخ فيها ما نسخ، وبقي فيها ما بقي. ولهذا أقام أبو بكر زيد بن ثابت في كتابة المصحف وألزمه بها لأنه قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم في العام الذي توفي فيه مرتين فكان جمع القرآن سببا لبقائه في الأمة رحمة من الله تعالى لعباده وتحقيقا لوعده في حفظه على ما قال تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}). [لباب التأويل: 1/10] |
كلام إسماعيلُ بنُ عمرَ ابنُ كثيرٍ القُرَشيُّ (ت:774هـ) قال إسماعيلُ بنُ عمرَ ابنُ كثيرٍ القُرَشيُّ (ت:774هـ): (قال البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل عن إبراهيم بن سعد ثنا ابن شهاب عن عبيد بن السباق أن زيد بن ثابت قال: أرسل إلى أبو بكر مقتل أهل اليمامة فإذا عمر بن الخطاب عنده , فقال أبو بكر: إن عمر بن الخطاب أتاني فقال: إن القتل قد استحر بقراء القرآن , وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن , فيذهب كثير من القرآن , وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن .قلت لعمر: كيف نفعل شيئا لم يفعله رسول الله؟ .قال عمر: هذا والله خير؟ , فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك , ورأيت في ذلك الذي رأى عمر .قال زيد: قال أبو بكر: إنك رجل شاب, عاقل , لا نتهمك , وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم, فتتبع القرآن فاجمعه.فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان على أثقل مما أمرني به من جمع القرآن .قلت: كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟.قال: هو والله خير .فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما , فتتبعت القرآن أجمعه من العسب , واللخاف , وصدور الرجال , ووجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع غيره {لقد جاءكم رسول من أنفسكم}حتى خاتمة براءة .فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله , ثم عند عمر حياته , ثم عند حفصة بنت عمر رضي الله عنهم . وقد روى البخاري هذا في غير موضع من كتابه, ورواه الإمام أحمد, والترمذي, والنسائي من طرق عن الزهري به, وهذا من أحسن وأجل وأعظم ما فعله الصديق رضي الله عنه؛ فإنه أقامه الله تعالى بعد النبي صلى الله عليه وسلم مقاما لا ينبغي لأحد من بعده: قاتل الأعداء من ما نعي الزكاة, والمرتدين, والفرس, والروم, ونفذ الجيوش, وبعث البعوث والسرايا, ورد الأمر إلى نصابه بعد الخوف من تفرقه وذهابه, وجمع القرآن العظيم من أماكنه المتفرقة حتى تمكن القارئ من حفظه كله , وكان هذا من سر قوله تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} فجمع الصديق الخير, وكف الشرور رضي الله عنه وأرضاه؛ ولهذا روى عن غير واحد من الأئمة منهم: وكيع وابن زيد, وقبيصة, عن سفيان الثوري, عن إسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكبير, عن عبد خير, عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: أعظم الناس أجرا في المصاحف أبو بكر, إن أبا بكر كان أول من جمع القرآن بين اللوحين . هذا إسناد صحيح). [فضائل القرآن: ](م) |
كلام مُحَمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ بَهَادرَ الزَّرْكَشِيُّ (ت: 794هـ) قالَ مُحَمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ بَهَادرَ الزَّرْكَشِيُّ (ت: 794هـ): (النوع الثالث عشر: في بيان جمعه ومن حفظه من الصحابة رضي الله عنهم *جمع القرآن على عهد أبي بكر: روى البخاري في صحيحه عن زيد بن ثابت قال: أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده، فقال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر بيوم اليمامة بقراء القرآن وإني أخشى أن يستحر القتل بالمواطن فيذهب كثير من القرآن وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن. قلت لعمر: كيف نفعل شيئا لم يفعله رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال عمر: والله إن هذا خير. فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، وقد رأيت في ذلك الذي رأى عمر. قال زيد: وقال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل لا أتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتتبع القرآن واجمعه. قال زيد: فوالله لوكلفني نقل جبل من الجبال ما كان بأثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن. قلت: كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال: هو والله خير. فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر، فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدورالرجال حتى وجدت آخر التوبة: {لَقَدْ جَاءَكُمْ} مع أبي خزيمة الأنصاري الذي جعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شهادته بشهادة رجلين لم أجدها مع أحد غيره فألحقتها في سورتها فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر حتى قبض ثم عند حفصة بنت عمر. وفي رواية ابن شهاب: وأخبرني خارجة بن زيد سمع زيد بن ثابت يقول: فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف، قد كنت أسمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ بها، لم أجدها مع أحد إلا مع خزيمة الأنصاري: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} فألحقناها في سورتها وخزيمة الأنصاري شهادته بشهادتين. وقول زيد "لم أجدها إلا مع خزيمة" ليس فيه إثبات القرآن بخبر الواحد؛ لأن زيدا كان قد سمعها وعلم موضعها في سورة الأحزاب بتعليم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكذلك غيره من الصحابة، ثم نسيها، فلما سمع ذكره وتتبعه للرجال كان للاستظهار لا لاستحداث العلم.وسيأتي أن الذين كانوا يحفظون القرآن من الصحابة على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربعة، والمراد أن هؤلاء كانوا اشتهروا به، فقد ثبت أن غيرهم حفظه وثبت أن القرآن مجموعه محفوظ كله في صدور الرجال أيام حياة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مؤلفا على هذا التأليف إلا سورة براءة. قال ابن عباس: قلت لعثمان ما حملكم أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني، وإلى براءة وهي من المئين فقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما سطر (بسم الله الرحمن الرحيم)؟ قال عثمان كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مما يأتي عليه الزمان وتنزل عليه السور وكان إذا نزل عليه شيء دعا بعض من كان يكتبه، فقال: ضعوا هذه الآيات في السورةالتي يذكر فيها كذا وكذا، وكانت الأنفال من أوائل ما نزل من المدينة، وكانت براءة من آخر القرآن، وكانت قصتها شبيهة بقصتها فقبض رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يبين لنا أنها منها فمن أجل ذلك قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ثم كتبت". فثبت أن القرآن كان على هذا التأليف والجمع في زمن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإنما ترك جمعه في مصحف واحد لأن النسخ كان يرد على بعض فلو جمعه ثم رفعت تلاوة بعض لأدى إلى الاختلاف، واختلاط الدين، فحفظه الله في القلوب إلى انقضاء زمان النسخ، ثم وفق لجمعه الخلفاء الراشدين). [البرهان في علوم القرآن: 1/233-235](م) قالَ مُحَمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ بَهَادرَ الزَّرْكَشِيُّ (ت: 794هـ): ( وقال الإمام أبو عبد الله الحارث بن أسد المحاسبي في كتاب فهم السنن: كتابة القرآن ليست محدثة فإنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يأمر بكتابته، ولكنه كان مفرقا في الرقاع والأكتاف والعسب، وإنما أمر الصديق بنسخها من مكان إلى مكان وكان ذلك بمنزلة أوراق وجدت في بيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها القرآن منتشر فجمعها جامع وربطها بخيط حتى لا يضيع منها شيء. وفي قول زيد بن ثابت "فجمعته من الرقاع والأكتاف وصدور الرجال" ما أوهم بعض الناس أن أحدا لم يجمع القرآن في عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأن من قال: إنه جمع القرآن أبي بن كعب وزيد ليس بمحفوظ، وليس الأمر على ما أوهم وإنما طلب القرآن متفرقا ليعارض بالمجتمع عند من بقي ممن جمع القرآن ليشترك الجميع في علم ما جمع، فلا يغيب عن جمع القرآن أحد عنده منه شيء. فإن قيل: كيف وقعت الثقة بأصحاب الرقاع وصدور الرجال؟ قيل: لأنهم كانوا يبدون عن تأليف معجز، ونظم معروف وقد شاهدوا تلاوته من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عشرين سنة، فكان تزويد ما ليس منه مأمونا، وإنما كان الخوف من ذهاب شيء من صحيحه. فإن قيل: كيف لم يفعل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك؟ قيل: لأن الله تعالى كان قد أمنه من النسيان بقوله: {سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ} أن يرفع حكمه بالنسخ، فحين وقع الخوف من نسيان الخلق حدث ما لم يكن، فأحدث بضبطه ما لم يحتج إليه قبل ذلك. ولا يرتاب أحد فيما يودع المصحف ولا يشكو في أنه جمع عن ملأ منهم. فأما قوله: "وجدت آخر براءة مع خزيمة بن ثابت ولم أجدها مع غيره" يعنى ممن كانوا في طبقة خزيمة لم يجمع القرآن، وأما أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود ومعاذ بن جبل فبغير شك جمعوا القرآن والدلائل عليه متظاهرة. قال: ولهذا المعنى لم يجمعوا السنن في كتاب إذ لم يمكن ضبطها كما ضبط القرآن. قال: ومن الدليل على ذلك أن تلك المصاحف التي كتب منها القرآن كانت عند الصديق لتكون إماما، ولم تفارق الصديق في حياته ولا عمر أيامه، ثم كانت عند حفصة لا تمكن منها، ولما احتيج إلى جمع الناس على قراءة واحدة وقع الاختيار عليها في أيام عثمان، فأخذ ذلك الإمام ونسخ في المصاحف التي بعث بها إلى الكوفة وكان الناس متروكين على قراءة ما يحفظون من قراءتهم المختلفة حتى خيف الفساد، فجمعوا على القراءة التي نحن عليها. قال: والمشهور عند الناس أن جامع القرآن عثمان رضي الله عنه، وليس كذلك إنما حمل عثمان الناس على القراءة بوجه واحد على اختيار وقع بينه وبين من شهده من المهاجرين والأنصار لما خشي الفتنة عند اختلاف أهل العراق والشام في حروف القراءات والقرآن. وأما قبل ذلك فقد كانت المصاحف بوجوه من القراءات المطلقات على الحروف السبعة التي أنزل بها القرآن. فأما السابق إلى جمع الجملة فهو الصديق. روى عن علي أنه قال: "رحم الله أبا بكر هو أول من جمع بين اللوحين" ولم يحتج الصحابة في أيام أبي بكر وعمر إلى جمعه على وجه ما جمعه عثمان؛ لأنه لم يحدث في أيامهما من الخلاف فيه ما حدث في زمن عثمان، ولقد وفق لأمر عظيم ورفع الاختلاف وجمع الكلمة وأراح الأمة. وأما تعلق الروافض بأن عثمان أحرق المصاحف؛ فإنه جهل منهم وعمى فإن هذا من فضائله وعلمه، فإنه أصلح ولم الشعث، وكان ذلك واجبا عليه ولو تركه لعصى لما فيه من التضييع وحاشاه من ذلك وقولهم إنه سبق إلى ذلك ممنوع لما بيناه أنه كتب في زمن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الرقاع والأكتاف وأنه في زمن الصديق جمعه في حرف واحد. قال: وأما قولهم إنه أحرق المصاحف فإنه غير ثابت، ولو ثبت لوجب حمله على أنه أحرق مصاحف قد أودعت ما لا يحل قراءته، وفي الجملة إنه إمام عدل غير معاند ولا طاعن في التنزيل ولم يحرق إلا ما يجب إحراقه؛ ولهذا لم ينكر عليه أحد ذلك بل رضوه وعدوه من مناقبه، حتى قال علي: "لو وليت ما ولى عثمان لعملت بالمصاحف ما عمل". انتهي ملخصا). [البرهان في علوم القرآن:1/237-240](م) |
كلام جلالُ الدينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أبي بكرِ السيوطيُّ (ت: 911هـ) قالَ جلالُ الدينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أبي بكرِ السيوطيُّ (ت: 911هـ): (النوع الثامن عشر في: جمعه وترتيبه قال الديرعاقولي في فوائده: حدثنا إبراهيم بن بشار حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عبيد عن زيد بن ثابت قال: قبض النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن القرآن جمع في شيء. قال الخطابي: إنما لم يجمع صلى الله عليه وسلم القرآن في المصحف لما كان يترقبه من ورود ناسخ لبعض أحكامه أو تلاوته فلما انقضى نزوله بوفاته ألهم الله الخلفاء الراشدين ذلك وفاء بوعده الصادق بضمان حفظه على هذه الأمة فكان ابتداء ذلك على يد الصديق بمشورة عمر. وأما ما أخرجه مسلم من حديث أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تكتبوا عني شيئا غير القرآن . . .)) الحديث، فلا ينافي ذلك؛ لأن الكلام في كتابة مخصوصة على صفة مخصوصة، وقد كان القرآن كتب كله في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن غير مجموع في موضع واحد ولا مرتب السور. *القول في جمع القرآن ثلاث مرات: وقال الحاكم في المستدرك جمع القرآن ثلاث مرات: إحداها: بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أخرج بسند على شرط الشيخين عن زيد بن ثابت قال: "كنا عند رسول الله نؤلف القرآن من الرقاع ..." الحديث. قال البيهقي: يشبه أن يكون أن المراد به تأليف ما نزل من الآيات المتفرقة في سورها وجمعها فيها بإشارة النبي صلى الله عليه وسلم. الثانية: بحضرة أبي بكر، روى البخاري في صحيحه عن زيد بن ثابت قال: "أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة فإذا عمر بن الخطاب عنده، فقال أبو بكر: إن عمر أتاني، فقال: إن القتل قد استحر بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن. فقلت لعمر: كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال عمر: وهو والله خير. فلم يزل يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر. قال زيد: قال أبو بكر: إنك شاب عاقل لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه. فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن. قلت: كيف تفعلان شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: هو والله خير. فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح به صدر أبي بكر وعمر، فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال، ووجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع غيره: {لقد جاءكم رسول} حتى خاتمة براءة، فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر حياته ثم عند حفصة بنت عمر". وأخرج ابن أبي داود في المصاحف بسند حسن عن عبد خير قال: "سمعت عليا يقول أعظم الناس في المصاحف أجرا أبو بكر رحمة الله على أبي بكر هو أول من جمع كتاب الله". لكن أخرج أيضا من طريق ابن سيرين قال: قال علي: "لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم آليت ألا آخذ علي ردائي إلا لصلاة جمعة حتى أجمع القرآن" فجمعه. قال ابن حجر: هذا الأثر ضعيف لانقطاعه، وبتقدير صحته فمراده بجمعه: (حفظه في صدره)، وما تقدم من رواية عبد خير عنه أصح فهو المعتمد. قلت: ورد من طريق آخر أخرجه ابن الضريس في فضائله، حدثنا بشر ابن موسى حدثنا هوذة بن خليفة حدثنا عون عن محمد بن سيرين عن عكرمة قال: لما كان بعد بيعة أبي بكر قعد علي بن أبي طالب في بيته، فقيل لأبي بكر: قد كره بيعتك، فأرسل إليه فقال: أكرهت بيعتي؟ قال: لا والله. قال: ما أقعدك عني؟ قال: رأيت كتاب الله يزاد فيه، فحدثت نفسي ألا ألبس ردائي إلا لصلاة حتى أجمعه. قال له أبو بكر: فإنك نعم ما رأيت". قال محمد فقلت لعكرمة ألفوه كما أنزل الأول فالأول. قال: لو اجتمعت الإنس والجن على أن يؤلفوه ذلك التأليف ما استطاعوا. وأخرجه ابن أشته في المصاحف من وجه آخر عن ابن سيرين، وفيه أنه كتب في مصحفه الناسخ والمنسوخ وأن ابن سيرين قال: فطلبت ذلك الكتاب وكتبت فيه إلى المدينة فلم أقدر عليه. وأخرج ابن أبي داود من طريق الحسن أن: عمر سأل عن آية من كتاب الله، فقيل: كانت مع فلان قتل يوم اليمامة. فقال: إنا لله. وأمر بجمع القرآن فكان أول من جمعه في المصحف. إسناده منقطع، والمراد بقوله: (فكان أول من جمعه) أي أشار بجمعه. قلت: ومن غريب ما ورد في أول من جمعه ما أخرجه ابن اشته في كتاب المصاحف من طريق كهمس عن ابن بريدة قال: "أول من جمع القرآن في مصحف سالم مولى أبي حذيفة، أقسم لا يرتدي برداء حتى يجمعه ثم ائتمروا ما يسمونه. فقال بعضهم: سموه السفر. قال: ذلك اسم تسميه اليهود، فكرهوه، فقال: رأيت مثله بالحبشة يسمى المصحف، فاجتمع رأيهم على أن يسموه المصحف". إسناده منقطع أيضا وهو محمول على أنه كان أحد الجامعين بأمر أبي بكر. وأخرج ابن أبي داود من طريق يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال: قدم عمر فقال: "من كان تلقى من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا من القرآن فليأت به". وكانوا يكتبون ذلك في الصحف والألواح والعسب، وكان لا يقبل من أحد شيئا حتى يشهد شهيدان، وهذا يدل على أن زيدا كان لا يكتفي لمجرد وجدانه مكتوبا حتى يشهد به من تلقاه سماعا، مع كون زيد كان يحفظ فكان يفعل ذلك مبالغة في الاحتياط. وأخرج ابن أبي داود أيضا من طريق هشام بن عروة عن أبيه أن أبا بكر قال لعمر ولزيد: "اقعدا على باب المسجد فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه". رجاله ثقات مع انقطاعه. قال ابن حجر: وكأن المراد بالشاهدين الحفظ والكتاب. وقال السخاوي في جمال القراء: المراد أنهما يشهدان على أن ذلك المكتوب كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أو المراد أنهما يشهدان على أن ذلك من الوجوه التي نزل بها القرآن. قال أبو شامة: وكان غرضهم ألا يكتب إلا من عين ما كتب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، لا من مجرد الحفظ. قال: ولذلك قال في آخر سورة التوبة "لم أجدها مع غيره" أي: لم أجدها مكتوبة مع غيره؛ لأنه كان لا يكتفي بالحفظ دون الكتابة. قلت: أو المراد أنهما يشهدان على أن ذلك مما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم عام وفاته، كما يؤخذ مما تقدم آخر النوع السادس عشر. وقد أخرج ابن اشته في المصاحف عن الليث بن سعد قال: أول من جمع القرآن أبو بكر وكتبه زيد، وكان الناس يأتون زيد بن ثابت، فكان لا يكتب آية إلا بشاهدي عدل، وأن آخر سورة براءة لم توجد إلا مع خزيمة بن ثابت، فقال: "أكتبوها فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل شهادته بشهادة رجلين" فكتب، وإن عمر أتي بآية الرجم فلم يكتبها لأنه كان وحده. وقال الحارث المحاسبي في كتاب (فهم السنن): كتابة القرآن ليست بمحدثة فإنه صلى الله عليه وسلم كان يأمر بكتابته، ولكنه كان مفرقا في الرقاع والأكتاف والعسب، فإنما أمر الصديق بنسخها من مكان إلى مكان مجتمعا، وكان ذلك بمنزلة أوراق وجدت في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها القرآن منتشر فجمعها جامع وربطها بخيط حتى لا يضيع منها شيء. قال: فإن قيل: كيف وقعت الثقة بأصحاب القاع وصدور الرجال؟ قيل: لأنهم كانوا يبدون عن تأليف معجز ونظم معروف، قد شاهدوا تلاوته من النبي صلى الله عليه وسلم عشرين سنة، فكان تزوير ما ليس منه مأمونا، وإنما كان الخوف من ذهاب شيء من صحفه، وقد تقدم في حديث زيد أنه (جمع القرآن من العسب واللخاف)، وفي رواية (والرقاع)، وفي أخرى (وقطع الأديم)، وفي أخرى (والأكتاف)، وفي أخرى (والأضلاع)، وفي أخرى (والأقتاب)؛ فالعسب: جمع "عسيب" وهو جريد النخل كانوا يكشطون الخوص ويكتبون في الطرف العريض، واللخاف: بكسر اللام وبخاء معجمة خفيفة آخره فاء جمع "لخفة" بفتح اللام وسكون الخاء وهي الحجارة الدقاق، وقال الخطابي: صفائح الحجارة. والرقاع: جمع "رقعة" وقد تكون من جلد أو رق أو كاغد، والأكتاف: جمع "كتف" وهو العظم الذي للبعير أو الشاة كانوا إذا جف كتبوا عليه، والأقتاب: جمع "قتب" هو الخشب الذي يوضع على ظهر البعير ليركب عليه. وفي موطأ ابن وهب عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله ابن عمر قال: جمع أبو بكر القرآن في قراطيس وكان سأل زيد بن ثابت في ذلك فأبى حتى استعان بعمر ففعل. وفي مغازي موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال: لما أصيب المسلمون باليمامة فزع أبو بكر، وخاف أن يذهب من القرآن طائفة فأقبل الناس بما كان معهم وعندهم حتى جمع على عهد أبي بكر في الورق فكان أبو بكر أول من جمع القرآن في الصحف. قال ابن حجر: ووقع في رواية عمارة بن غزية أن زيد بن ثابت قال: فأمرني أبو بكر فكتبته في قطع الأديم والعسب فلما هلك أبو بكر وكان عمر كتبت ذلك في صحيفة واحدة فكانت عنده. قال: والأول أصح إنما كان في الأديم والعسب أولا، قبل أن يجمع في عهد أبي بكر ثم جمع في الصحف في عهد أبي بكر كما دلت عليه الأخبار الصحيحة المترادفة. قال الحاكم: والجمع الثالث هو ترتيب السور في زمن عثمان روى البخاري عن أنس أن: حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة فقال لعثمان: أدرك الأمة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى. فأرسل إلى حفصة أن: أرسلي إلينا الصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك. فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنه إنما نزل بلسانهم. ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة ومصحف أن يحرق. قال زيد: فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف قد كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} فألحقناها في سورتها في المصحف. قال ابن حجر: وكان ذلك في سنة خمس وعشرين. قال: وغفل بعض من أدركناه فزعم أنه كان في حدود سنة ثلاثين، ولم يذكر له مستندا. انتهى. وأخرج ابن أشته من طريق أيوب عن أبي قلابة قال: حدثني رجل من بني عامر يقال له أنس بن مالك قال: اختلفوا في القراءة على عهد عثمان حتى اقتتل الغلمان والمعلمون فبلغ ذلك عثمان بن عفان فقال عندي تكذبون به وتلحنون فيه فمن نأى عني كان أشد تكذيبا وأكثر لحنا، يا أصحاب محمد اجتمعوا فاكتبوا للناس إماما، فاجتمعوا فكتبوا، فكانوا إذا اختلفوا وتدارؤوا في آية قالوا: هذه أقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلانا. فيرسل إليه وهو على رأس ثلاث من المدينة فقال له: كيف أقرأك رسول الله صلى الله عليه وسلم آية كذا وكذا؟ فيقول: كذا وكذا فيكتبونها وقد تركوا لذلك مكانا". وأخرج ابن أبي داود من طريق محمد بن سيرين عن كثير بن أفلح قال: لما أراد عثمان أن يكتب المصاحف جمع له اثني عشر رجلا من قريش والأنصار فبعثوا إلى الربعة التي في بيت عمر فجيء بها وكان عثمان يتعاهدهم فكانوا إذا تدارؤوا في شيء أخروه. قال محمد: فظننت أنما كانوا يؤخرونه لينظروا أحدثهم عهدا بالعرضة الأخيرة فيكتبونه على قوله. وأخرج ابن أبي داود بسند صحيح عن سويد بن غفلة قال: قال علي: "لا تقولوا في عثمان إلا خيرا فوالله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلا عن ملأ منا، قال: ما تقولون في هذه القراءة فقد بلغني أن بعضهم يقول: إن قراءتي خير من قراءتك، وهذا يكاد يكون كفرا. قلنا: فما ترى؟ قال: أرى أن يجمع الناس على مصحف واحد فلا تكون فرقة ولا اختلاف. قلنا: نعم ما رأيت". قال ابن التين وغيره: الفرق بين جمع أبي بكر وجمع عثمان أن: 1- جمع أبي بكر كان لخشية أن يذهب من القرآن شيء بذهاب جملته؛ لأنه لم يكن مجموعا في موضع واحد، فجمعه في صحائف مرتبا لآيات سوره على ما وقفهم عليه النبي صلى الله عليه وسلم. 2- وجمع عثمان كان لما كثر الاختلاف في وجوه القراءة حتى قرؤوه بلغاتهم على اتساع اللغات، فأدى ذلك بعضهم إلى تخطئة بعض فخشي من تفاقم الأمر في ذلك فنسخ تلك الصحف في مصحف واحد مرتبا لسوره، واقتصر من سائر اللغات على لغة قريش محتجا بأنه نزل بلغتهم، وإن كان قد وسع قراءته بلغة غيرهم رفعا للحرج والمشقة في ابتداء الأمر فرأى أن الحاجة إلى ذلك قد انتهت فاقتصر على لغة واحدة. وقال القاضي أبو بكر في الانتصار: لم يقصد عثمان قصد أبي بكر في جمع نفس القرآن بين لوحين، وإنما قصد جمعهم على القراءات الثابتة المعروفة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإلغاء ما ليس كذلك، وأخذهم بمصحف لا تقديم فيه ولا تأخير، ولا تأويل أثبت مع تنزيل، ولا منسوخ تلاوته كتب مع مثبت رسمه ومفروض قراءته، وحفظه خشية دخول الفساد والشبهة على من يأتي بعد. وقال الحارث المحاسبي: المشهور عند الناس إن جامع القرآن عثمان وليس كذلك، إنما حمل عثمان الناس على القراءة بوجه واحد على اختيار وقع بينه وبين من شهده من المهاجرين والأنصار لما خشي الفتنة عند اختلاف أهل العراق والشام في حروف القراءات، فأما قبل ذلك فقد كانت المصاحف بوجوه من القراءات المطلقات على الحروف السبعة التي نزل بها القرآن فأما السابق إلى جمع الحملة فهو الصديق وقد قال علي لو وليت لعملت بالمصاحف عمل عثمان بها. انتهى). [الإتقان في علوم القرآن:2/377-393] (م) |
شرح أثر زيد بن ثابت رضي الله عنه في جمع أبي بكر رضي الله عنه
قال يحيى بن هُبيرة بن محمد الذهلي الشيبانيّ (ت: 560هـ): ( وقوله: (مع خزيمة الأنصاري قد كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها) وهذا يدل على أنه أضاف قول خزيمة إلى علمه بذلك. * وفيه من الفقه: أنهم رضي الله عنهم لم يكونوا مهملين لشيء من القرآن، حتى إنهم اختلفوا في (التابوت - والتابوه)، حتى أثبتوه (التابوت) بلسان قريش. * وفي هذا الحديث من الفقه أيضًا: ما قد يدل على شرف قريش، وأنهم أفصح العرب؛ لقول عثمان رضي الله عنه: (فإن القرآن نزل بلغة قريش)، وقد صدقه في ذلك القرآن بقوله عز وجل: {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه}. * وفيه أيضًا من الفقه: أن المؤمن قد يتخوف من الإقدام على الأمر إلى أن يتيقن جوازه، ألا ترى قول زيد بن ثابت: (فلو كلفاني نقل جبل ...) إلى آخر حديثه، إلا أن هذا قد يعرض للإنسان فيما الصواب ضده، فينبغي للإنسان أن لا يقف مع خواطره. * وفي هذا الحديث من الفقه: أن المؤمن قد يستدل بانشراح صدره في الأمر على كونه رضا لله عز وجل إذا كان قد عرف منه وعرف من نفسه معاصاة الهوى، وإباء الميل إلى الدنيا). [الإفصاح عن معاني الصحاح: 1/82-83] قال أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني (ت: 852هـ): (قوله قال بن شهاب وأخبرني خارجة الخ هذه هي القصة الثالثة وهي موصولة إلى بن شهاب بالإسناد المذكور كما تقدم بيانه وأضحا وقد تقدمت موصولة مفردة في الجهاد وفي تفسير سورة الأحزاب وظاهر حديث زيد بن ثابت هذا أنه فقد آية الأحزاب من الصحف التي كان نسخها في خلافة أبي بكر حتى وجدها مع خزيمة بن ثابت ووقع في رواية إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع عن بن شهاب أن فقده إياها إنما كان في خلافة أبي بكر وهو وهم منه والصحيح ما في الصحيح وأن الذي فقده في خلافة أبي بكر الآيتان من آخر براءة وأما التي في الأحزاب ففقدها لما كتب المصحف في خلافة عثمان وجزم بن كثير بما وقع في رواية بن مجمع وليس كذلك والله أعلم قال بن التين وغيره الفرق بين جمع أبي بكر وبين جمع عثمان أن جمع أبي بكر كان لخشية أن يذهب من القرآن شيء بذهاب حملته لأنه لم يكن مجموعا في موضع واحد فجمعه في صحائف مرتبا لآيات سوره على ما وقفهم عليه النبي صلى الله عليه و سلم وجمع عثمان كان لما كثر الاختلاف في وجوه القرآن حين قرءوه بلغاتهم على اتساع اللغات فأدى ذلك ببعضهم إلى تخطئة بعض فخشي من تفاقم الأمر في ذلك فنسخ تلك الصحف في مصحف واحد مرتبا لسوره كما سيأتي في باب تأليف القرآن واقتصر من سائر اللغات على لغة قريش محتجا بأنه نزل بلغتهم وإن كان قد وسع في قراءته بلغة غيرهم رفعا للحرج والمشقة في ابتداء الأمر فرأى أن الحاجة إلى ذلك انتهت فاقتصر على لغة واحدة وكانت لغة قريش أرجح اللغات فاقتصر عليها وسيأتي مزيد بيان لذلك بعد باب واحد تنبيه قال بن معين لم يرو أحد حديث جمع القرآن أحسن من سياق إبراهيم بن سعد وقد روى مالك طرفا منه عن بن شهاب). [فتح الباري:؟؟] |
شرح حديث زيد بن ثابت في جمع أبي بكر رضي الله عنه القرآن =================== =================== =================== وفي آخره: حتى وجدت من سورة التوبة آيتين مع خزيمة الأنصاري، لم أجدهما مع أحد غيره {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم} [التوبة: 128] إلى آخرهما، وكانت الصحف التي جمع فيها القرآن عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حتى توفاه الله، ثم عند حفصة بنت عمر. ثم قال: تابعه عثمان بن عمر والليث، عن يونس، عن ابن شهاب. وقال الليث: حدثني عبد الرحمن بن خالد، عن ابن شهاب وقال: مع أبي خزيمة الأنصاري. وقال موسى: عن إبراهيم حدثنا ابن شهاب: مع أبي خزيمة. وتابعه يعقوب بن إبراهيم عن أبيه. وقال أبو ثابت: حدثنا إبراهيم، وقال: مع خزيمة، أو أبي خزيمة. قلت: أما متابعة عثمان فأخرجها أبو بكر عبد الله بن سليمان الأشعث: حدثنا محمد بن يحيى ثني عثمان به. وتعليق موسى أسنده البخاري في الأحكام عن موسى وقوله: (وتابعه يعقوب عن أبيه) يريد المتابعة في أبي خزيمة، لكن ابن أبي داود، لما ذكر حديث يعقوب هذا عن أبيه، عن ابن شهاب، عن ابن السباق، عن زيد قال في الحديث: حتى وجدت آخر سورة التوبة مع خزيمة بن ثابت . وتعليق أبي ثابت أخرجه في الأحكام عنه -واسمه محمد بن عبيد الله، مولى عثمان بن عفان- وأخرجه مسلم دونه من حديث جعفر بن عون، عن إبراهيم بن إسماعيل الأنصاري، عن الزهري به . وخزيمة بن ثابت شهد أحدا، وما بعدها، ذو الشهادتين، شهد صفين ممسكا عن القتال، فلما قتل عمار، قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لعمار: "تقتلك الفئة الباغية" فجرد سيفه وقاتل حتى قتل ، وهو صاحب آية الأحزاب كما سيأتي، وكان ابنه عمارة فقيها راوية، وولده خزيمة بن عمارة، وخزيمة صاحب الترجمة له أخوان عبد الله، ووحوح لا عقب له . وأبو خزيمة هذا هو ابن أوس بن زيد بن أصرم بن زيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار، وهم بنو اللات بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج، شهد بدرا وما بعدها من المشاهد وتوفي في خلافة عثمان، وليس له عقب، وأخوه أبو محمد مسعود بن أوس الذي كان يزعم أن الوتر واجب، شهد بدرا وما بعدها، وتوفي في خلافة عمر، وقيل: إنه شهد صفين مع علي، وليس له عقب، وهو صاحب هذه الآية . وأكثر روايات خزيمة بغير شك، وادعى ابن الجوزي وهم رواية أبي خزيمة فليس بحديثه. ولما ذكر الحميدي هذا الحديث في مسند الصديق [قال] : المسند منه قول الصديق لزيد: قد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم . ولما ذكر خلف أن أبا مسعود قال: رواه البخاري من جميع طرقه عن الزهري، قال: خارجة بن زيد وابن السباق عن زيد. قال: ليس كما قال، إنما رواه البخاري من حديث عبيد وحده؛ لأن حديث خارجة عنده إنما هو في فقد آية من الأحزاب، فوجدها مع خزيمة {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} [الأحزاب: 23] كما ستعلمه في موضعه، ولا اضطراب فيهما؛ لأن آية التوبة وجدها أيام الصديق، وآية الأحزاب وجدها أيام عثمان كما صرح به أحمد بن (خالد) في "مسنده" وغيره. فصل: هذه الآية {لقد جاءكم رسول} الآية، قال أبي بن كعب: هي آخر ما نزل من القرآن صححه الحاكم على شرط الشيخين ، زاد القاضي إسماعيل: إلى آخر السورة، وروى ابن مروديه في "تفسيره" من حديث مجالد عن زياد بن علاقة، عن قطبة بن مالك، عن سعد بن أبي وقاص قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فجاءه قوم من جهينة فقالوا: إنك نزلت بين أظهرنا فأوثق لنا. قال: "ولم سألتم بهذا؟ " قالوا: نطلب الأمن فأنزل الله تعالى هذه الآية {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} . وروى ابن أبي داود عن أبي العالية قال: كان رجال يكتبون ويملي عليهم أبي بن كعب في خلافة أبي بكر، فلما انتهوا إلى قوله: {صرف الله قلوبهم} الآية ظنوا أنهاآخر ما نزل من القرآن، فقال أبي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأني بعدها: {لقد جاءكم} إلى آخر السورة، فهذا آخر ما نزل . وفي "تفسير ابن مردويه " قال: ختم الأمر بما فتح به لا إله إلا الله، يقول الله: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون (25)} [الأنبياء: 25]. فصل: السبعة على ضم الفاء، أي: من جلدتكم وقبيلتكم ونسلكم. قال ابن عباس: ليس في العرب قبيلة إلا ولدت رسول الله صلى الله عليه وسلم مضرها وربيعها ويمنها . وقيل: أي من نكاح لا من سفاح، وقد أخبر به كذلك. وقيل: أي: بشر مثلكم ليس من جنس الملائكة، وقرأ ابن عباس وغيره بفتح الفاء من النفاسة، أي: أفضلكم خلقا وأشرفكم نسبا وأكثركم طاعة . فائدة: جمعت هذه الآية ست صفات لرسول الله صلى الله عليه وسلم الرسالة والنفاسة والعزة، وهو المنع الغالب الشديد. والعنت: المشقة. وقال ابن الأنباري: أصله التشديد، وقال الضحاك: الإثم، وقال ابن أبي عروبة: الضلال. وقيل: الضر، وقيل: الهلاك . ومعناه: عزيز عليه أن تدخلوا النار. الرابعة: حرصه على إيصال الهداية إليكم في الدنيا والآخرة، وقيل: حريص عليكم لتؤمنوا، وقيل: حريص على دخولكم الجنة: {رؤوف رحيم}: فعول من الرأفة والرحمة، قال الحسن بن الفضل: لم يجمع الله لنبي من الأنبياء اسمين من أسمائه إلا الرسول، حيث قال: {بالمؤمنين رءوف رحيم} وقال: {إن الله بالناس لرءوف رحيم} [البقرة: 143]. فصل: مقتل أهل اليمامة سنة اثنتي عشرة من الهجرة، سميت اليمامة باسم المصلوبة على بابها التي كانت تبصر من مسيرة ثلاثة أيام، وتعرف بالزرقاء لزرقة عينها، واسمها عنز، ومن أسمائها حواء، قال عياض: والعروض بفتح العين المهملة. فصل: معنى (يستحر القتل): يشتد ويكثر، استفعل من الحر، وذلك أن المكروه يضاف إلى الحر، والمحبوب يضاف إلى البرد، ومنه المثل: ول حارها من تولى قارها. وقتل بها من المسلمين ألف وأربعمائة منهم سبعون جمعوا القرآن. فصل: قول الصديق: (فقلت لعمر: كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟) هو كلام من يؤثر الاتباع ويخشى الابتداع، وإنما لم يجمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه كان بمعرض أن ينسخ أو يزاد فيه، فلو جمعه لكتب فكان من عنده نقصان ينكر على من عنده زيادة، فلما أمن هذا الأمر بموته جمعه الصديق. ومعنى (تتبعت القرآن): تتبعت وجوهه وقراءته، وسأل عنها غيره ليحيط بالأحرف السبعة الذي نزل به، ويعلم القراءة التي هي غير قراءته. وروى ابن أبي داود من حديث هشام بن عروة عن أبيه أن أبا بكر قال لعمر ولزيد: اقعدا فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه . وعند الثعلبي عن يحيى بن جعدة قال: كان عمر بن الخطاب لا يثبت آيه في الصحف حتى يشهد عليها رجلان، فجاءه رجل من الأنصار بالآيتين منآخر براءة، فقال عمر: والله لا أسألك عليها بينة كذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرؤهما فأثبتهما. وعنه: أشهد لسمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكذا روي عن هلال بن أمية وهي آخر آيه نزلت من السماء في قول بعضهم، وآخر سورة كاملة سورة براءة. وعن قتادة: آخر عهدنا بالوحي هاتان الآيتان خاتمة سورة براءة {لقد جاءكم} إلى {رب العرش العظيم} . فصل: هذا وما سلف يدفع قول من اعترض وقال: كيف يثبت القرآن بخبر واحد؟ لأن عمر وهلالا وأبيا وزيدا وأبا خزيمة وخزيمة شهدوا بها، فلئن سلمنا ما قالوا -ولا نسلمه- فخزيمة أذكرهم ما نسوه، ولهذا قال زيد: وجدتها مع خزيمة -يعني: مكتوبة- ولم يقل: عرفني أنها من القرآن مع تصريح زيد بأنه سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يقال: إن خزيمة جعل الشارع شهادته بشهادتين، فإذا شهد في هذا وحده كان كافيا، ولعل هذا هو المراد من شهادته، كأن الله أطلع نبيه على هذا الأمر بعده، وأنه يحتاج إليه في شيء لا يوجد إلا عنده ويكتفي به. وهو من أعلام نبوته، وأما ما ذكره ابن التين من قوله لخزيمة لما جعل شهادته بشهادتين لا يعد يحتاج إلى تثبت، ويجوز أن يكون زيد سألهما ليقف على وجوه القراءة فيهما لا على وجدانهما. فصل: عثمان - رضي الله عنه - لم يصنع في القرآن شيئا، وأنما أخذ الصحف التي حفظها عمر عند حفصة وأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن الحارث بن هشام وسعيد بن العاصي وأبي بن كعب في اثني عشر رجلا من قريش والأنصار، فكتب منها مصاحف وسيرها إلى الأمصار؛ لأن حذيفة أخبره بالاختلاف في ذلك، فلما توفيت حفصة أخذ مروان ابن الحكم تلك الصحف فغسلها وقال: أخشى أن يخالف بعض القرآن بعضا، وفي لفظ: أخاف أن يكون فيه شيء يخالف ما نسخ عثمان. وإنما فعل عثمان هذا ولم يفعله الصديق ولا عمر؛ لأن غرض أبي بكر كان جمع القرآن بجميع حروفه ووجوهه التي نزل بها وهي على لغة قريش وغيرها، وكان غرض عثمان تجريد لغة قريش من تلك الغرائب، وقد جاء ذلك تصريحا به من قول عثمان لهؤلاء الكتاب، فجمع أبي بكر غير جمع عثمان، وقصد بإحضار المصحف -وقد كان زيد ومن أضيف إليه حفظوه- سد باب المقالة، وأن يزعم زاعم أن في الصحف قرآنا لم يكتب، ولئلا يرى إنسان فيما كتبوه شيئا مما لم يقرأ به فينكره، فالصحف شاهدة بصحة جميع ما كتبوه. فصل: قوله: (أجمعه من الرقاع والأكتاف والعسب وصدور الرجال) الرقاع: جمع رقعة تكون من ورق ومن جلد وشيء شبهه. والأكتاف جمع كتف: وهو عظم عريض يكون في أصل كتف الحيوان ينشف ويكتب فيه، والعسب جمع عسيب: وهو أصل جريد النخل العريض منه كانوا يكشطون طرفها ويتخذونها عصا وكانوا يكتبون في طرفها العريض.وقال ابن فارس: عسيب النخل كالقضبان لغيره . وقال الداودي: هي العيدان التي يمكن القراءة فيها، وذكر في التفسير، واللخاف وهو بالخاء المعجمة: وهي حجارة بيض رقاق واحدتها لخفة، وقال الأصمعي فيها: عرض ورقة، وقيل: الخزف. فصل: (لم أجدها مع أحد غيره). قيل: يريد وجدها عنده مكتوبة، وقد كان القرآن مؤلفا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدور الرجال. هذا التأليف الذي يشاهد إلا سورة براءة كانت من آخر ما نزل لم يبين الشارع موضعها، ذكره ابن التين، قال: وبيانه في خبر ابن عباس: قلت لعثمان: ما حملكم على أن عمدتم إلى براءة وهي من المئين وإلى الأنفال وهي من المثاني فقرنتم بينهما ولم تجعلوا بينهما البسملة ووضعتموها في السبع الطوال؟ فقال عثمان: كان - عليه السلام - تنزل عليه الآيات فيقول: "ضعوها في موضع كذا". وكانت الأنفال أول ما نزل عليه بالمدينة وبراءة آخر ما نزل عليه من القرآن، وكانت تشبه قصتها، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يبين أمرها، وظننت أنها منها، فمن أجل ذلك جعلتها في السبع الطوال . ). [التوضيح لشرح الجامع الصحيح، 22/435-443] =================== =================== وفيه: دليل على اتخاذ الكاتب السلطان والحاكم وأنه ينبغي أن يكون الكاتب عاقلا فطنا مقبول الشهادة، هذا قول كافة الفقهاء. وقال الشافعي: ينبغي لكاتب القاضي أن يكون عاقلا لئلا يخدع ويحرص على أن يكون فقيها لئلا يؤتى من جهالة، ويكون بعيدا عن الطمع . فصل: وفيه: أن من سبقت له معرفة بالخدمة أولى بالولاية وأحق بها ممن لا سابقة له بذلك ولا معرفة. وفيه: جواز مراجعة الكاتب للسلطان في الرأي ومشاركته له فيه. فصل: إن قال رافضي: كيف جاز للصديق أن يجمع القرآن ولم يجمعه الشارع؟ أجاب ابن الطيب: إنه يجوز أن يفعل الفاعل ما لم يفعله الشارع إذا [كان] فيه مصلحة في وقته واحتياط للدين، وليس في أدلة الكتاب والسنة ما يدل على فساد جمعه بين اللوحين وتحصينه، وجمع همهم على تأصيله، وتسهيل الانتساخ منه والرجوع إليه، والغنى به عن تطلب القرآن من الرقاع والعسب وغير ذلك مما لا يؤمن عليه الضياع، فوجب إضافته إلى الصديق وأنه من أعظم فضائله وأشرف مناقبه، حين سبق إلى ما (لم) يسبق إليه أحد من الأمة، وبأن اجتهاده في النصح لله ورسوله ولكتابه ولدينه وجميع المؤمنين، وأنه في ذلك تبع لله ولرسوله؛ لإخباره تعالى في كتابه أن القرآن إن كان مكتوبا في الصحف الأولى، وأخبر عن تلاوة رسوله في الصحف بقوله: {رسول من الله يتلو صحفا مطهرة فيها كتب قيمة } [البينة: 2، 3] فلم يكن جمع الصديق مخالفا لله ولرسوله؛ لأنه لم يجمع ما لم يكن مجموعا، ولم يكتب ما لم يكن مكتوبا، وقد أمرهم الشارع بكتابته، فقال: "لا تكتبوا عني شيئا سوى القرآن" فألف المكتوب وصانه وأحرزه، وجمعه بين لوحيه، ولم يغير منه شيئا، ولا قدم منه مؤخرا، ولا أخر منه مقدما، ولا وضع حرفا ولا آية في غير موضعها. ودليل آخر: أن الله ضمن لرسوله ولسائر الخلق جمع القرآن وحفظه، فقال تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } [الحجر: 9] وقال: {إن علينا جمعه وقرآنه (17)} [القيامة: 17] وقال: {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه} [فصلت: 42]، فنفى عنه إبطال الزائغين وإلباس الملحدين، ثم أمر رسوله والأمة بحفظه والعمل به، فوجب أن يكون كل أمر عاد بتحصينه وأدى إلى حفظه واجبا على كافة الأمة فعله، فإذا قام به البعض فقد أحسن، وناب عن باقي الأمة. وقد روى عبد خير عن علي - رضي الله عنه - أنه قال: يرحم الله أبا بكر هو أول من جمع القرآن بين لوحين . وهذا تعظيم لشأنه ومدح له، وعلي - رضي الله عنه - أعلم من الرافضة بصواب هذا الفعل فيجب ترك قولهم لقوله. ومما يدل على صحة هذه الرواية عن علي - رضي الله عنه - ابتغاؤه لأجره وإطلاقه للناس كتب المصاحف وحضه عليها، وإظهاره تحكيم ما ضم الصديق والجماعة بين لوحين، ولو كان ذلك عنده منكرا لما أخرج إلى الدعاء إلى من يخالفه مصحفا تنشره الريح، وإنما كان يخرجه من الصحف، والعسب واللخاف على وجه ما كان مكتوبا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدل أنه مصوب لفعل الصديق والجماعة، وإن ذلك رأيه ودينه . وقد سلف في باب جمع القرآن من كتاب فضائل القرآن بقية الكلام في معاني هذا الحديث، فراجعه. فصل: فيه من الفوائد: جواز دخول أهل الفضل والعلم على أهل الفضل والعلم من الأمراء والحرص على جمع القرآن وضبطه بالكتاب وفي إثباته إثبات العلم، ومراجعة العلماء في ذلك خيفة أن ينقطع العلم بموت العلماء، وبذل النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين، والرجوع إلى الحق إذا تبين. واختيار الأئمة لمن يفد مؤنة في الأمور ممن اجتمع فيه العلم والفقه والضبط [...] . وأن المصالح العامة ينبغي للإمام أن ينظر فيها ويصونها عنده ولا يهملها كما فعل الصديق والفاروق فيما جمعه زيد من القرآن. فصل: قوله: (قال أبو بكر: هو والله خير، فلم يزل يحث مراجعتي) كذا هنا، وقال في جمع القرآن: فلم يزل أبو بكر يراجعني). [التوضيح لشرح الجامع الصحيح، 32/561-564]. =================== =================== =================== والحديث أخرجه الترمذي في التفسير عن بندار. وأخرجه النسائي في فضائل القرآن عن الهيثم بن أيوب. قوله: (مقتل أهل اليمامة) ، أي: أيام مقاتلة الصحابة رضي الله عنهم، مسيلمة الكذاب الذي ادعى النبوة وكان مقتلهم سنة إحدى عشرة من الهجرة، واليمامة بفتح الياء آخر الحروف وتخفيف الميم مدينة باليمن وسميت باسم المصلوبة على بابها وهي التي كانت تبصر من مسيرة ثلاثة أيام وتعرف بالزرقاء لزرقة عينها واسمها عنزة، وقال البكري: كان إسم اليمامة في الجاهلية: جو، بفتح الجيم وتشديد الواو حتى سماها الملك الحميري لما قتل المرأة التي تسمى اليمامة باسمها، وقال الملك الحميري: وقلنا فسموا اليمامة باسمها ... وسرنا وقلنا لا نريد الإقامة وزعم عياض أنها تسمى أيضا: العروض، بفتح العين المهملة، وقال البكري: العروض إسم لمكة والمدينة معروف. قوله: (قد استحر) ، أي: اشتد وكثر على وزن استفعل من الحر، وذلك أن المكروه يضاف إلى الحر والمحبوب يضاف إلى البرد ومنه المثل: تولى حارها من تولى قارها، وقتل بها من المسلمين ألف ومائة، وقيل: ألف وأربعمائة منهم سبعون جمعوا القرآن. قوله: (في المواطن) أي: المواضع التي سيغزو فيها المسلمون ويقتل ناس من القراء فيذهب كثير من القرآن. قوله: (كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم) ، قال ابن الجوزي: هذا كلام من يؤثر الاتباع ويخشى الابتداع، وإنما لم يجمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه كان بمعرض أن ينسخ منه أو يزاد فيه، فلو جمعه لكتب وكان الذي عنده نقصان ينكر على من عنده الزيادة، فلما أمن هذا الأمر بموته صلى الله عليه وسلم جمعه أبو بكر رضي الله عنه، ولم يصنع عثمان في القرآن شيئا، وإنما أخذ الصحف التي وضعها عند حفصة رضي الله عنها. وأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن الحارث بن هشام وسعيد بن العاص وأبي بن كعب في إثني عشر رجلا من قريش والأنصار فكتب منها مصاحف وسيرها إلى الأمصار لأن حذيفة أخبره بالاختلاف في ذلك، فلما توفيت حفصة أخذ مروان بن الحكم تلك الصحف فغسلها، وقال: أخشى أن يخالف بعض القرآن بعضا، وفي لفظ: أخاف أن يكون فيه شيء يخالف ما نسخ عثمان، وإنما فعل عثمان هذا ولم يفعله الصديق رضي الله عنه، لأن غرض أبي بكر كان جمع القرآن بجميع حروفه ووجوهه التي نزل بها وهي على لغة قريش وغيرها، وكان غرض عثمان تجريد لغة قريش من تلك القراءات، وقد جاء ذلك مصرحا به في قول عثمان لهؤلاء الكتاب، فجمع أبو بكر غير جمع عثمان، فإن قيل: فما قصد عثمان بإحضار الصحف وقد كان زيد ومن أضيف إليه حفظوه؟ . قيل: الغرض بذلك سد باب المقالة وأن يزعم أن في الصحف قرآنا لم يكتب ولئلا يرى إنسان فيما كتبوه شيئا مما لم يقرأ به فينكره، فالصحف شاهدة بجميع ما كتبوه. قوله: (هو والله خير) ، يحتمل أن يكون لفظ: خير، أفعل التفضيل. فإن قلت: كيف ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو خير؟ قلت: هذا خير في هذا الزمان وكان تركه خيرا في زمانه صلى الله عليه وسلم لعدم تمام النزول واحتمال النسخ كما أشرنا إليه عن قريب. قوله: (إنك رجل شاب) ، يخاطب به أبو بكر زيد بن ثابت رضي الله عنهما، وإنما قال: شاب، لأن عمره كان إحدى عشرة سنة حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وخطاب أبي بكر إياه بذلك في خلافته، فإذا اعتبرت هذا يكون عمره حئنذ ما دون خمس وعشرين سنة، وهي أيام الشباب. قوله: (لا تتهمك) ، دل على عدم اتهامه به. قوله: (كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم) ، وكتابته الوحي تدل على أمانته الغاية، وكيف وكان من فضلاء الصحابة ومن أصحاب الفتوى؟ قوله: (فتتبع) أمر، و (القرآن) منصوب. قوله: (فوالله لو كلفني) ، من كلام زيد، يحلف بالله أن أبا بكر لو كلفه كذا وكذا. قوله: (ما كان أثقل) جواب: لو قوله: (فتتبعت القرآن) ، قيل: إن زيدا كان جامعًا للقرآن فما معنى هذا التتبع والطلب لشيء إنما هو ليحفظه ويعلمه، أجيب: أنه كان يتتبع وجوهه وقراءاته ويسأل عنهما غيره ليحيط بالأحرف السبعة التي نزل بها الكتاب العزيز، ويعلم القراءات التي هي غير قراءته. قوله: (أجمعه) حال من الأحوال المقدرة المنتظرة. قوله: (من الرقاع) ، بكسر الراء: جمع رقعة يكون من ورق ومن جلد ونحوهما. قوله: (والأكتاف) ، جمع كتف وهو عظم عريض يكون في أصل كتف الحيوان ينشف ويكتب فيه. قوله: (والعسب) ، بضم العين والسين المهملتين: جميع عسيب وهو جريد النخل العريض منه وكانوا يكشطون خوصها ويتخذونها عصا وكانوا يكتبون في طرفها العريض، وقال ابن فارس: عسيب النخل كالقضبان لغيره، وذكر في التفسير: اللخاف، بالخاء المعجمة وهي حجارة بيض رقاق واحدها لخفة. وقال الأصمعي: فيها عرض ودقة، وقيل: الخزف. قوله: (مع خزيمة الأنصاري) ، وهو خزيمة بن ثابت بن الفاكه الأنصاري الخطمي ذو الشهادتين، شهد صفين مع علي رضي الله عنه، وقتل يومئذ سنة سبع وثلاثين. قوله: (لم أجدهما مع أحد غير خزيمة) ، فإن قيل: كيف ألحق هاتين الآيتين بالقرآن وشرطه أن يثبت بالتواتر؟ قيل له: معناه: لم أجدهما مكتوبتين عند غيره، أو المراد: لم أجدهما محفوظتين، ووجهه أن المقصود من التواتر إفادة اليقين، والخبر الواحد المحفوف بالقرائن يفيد أيضا اليقين، وكان ههنا قرائن مثل كونهما مكتوبتين ونحوهما وأن مثله لا يقدر في مثله بمحضر الصحابة أن يقول إلا حقا وصدقا. قلت: إن خزيمة أذكرهم ما نسوه ولهذا قال زيد: وجدتهما مع خزيمة، يعني مكتوبتين ولم يقل: عرفني أنهما من القرآن، مع تصريح زيد بأنه سمعهما من النبي صلى الله عليه وسلم، أو نقول: ثبت أن خزيمة شهادته بشهادتين فإذا شهد في هذا وحده كان كافيا. قوله: (لقد جاءكم) إلى آخر بيان الآيتين. تابعه عثمان بن عمر والليث عن يونس عن ابن شهاب أي: تابع شعيبا في روايته عن الزهري عثمان بن عمر بن فارس البصري العبدي والليث بن سعيد البصري كلاهما عن يونس بن يزيد الأيلي عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، وروى متابعة عثمان أبو بكر عبد الله بن سليمان بن الأشعث عن محمد ابن يحيى عن عثمان بن عمر عن يونس عن الزهري فذكره، وأما متابعة الليث عن يونس فرواها البخاري في فضائل القرآن وفي التوحيد. وقال الليث: حدثني عبد الرحمان بن خالد عن ابن شهاب وقال مع أبي خزيمة الأنصاري أشار بهذا إلى أن الليث رحمه الله، له فيه شيخ آخر عن ابن شهاب، وأنه رواه عنه بإسناده المذكور ولكنه خالف في قوله: مع خزيمة الأنصاري، فقال: (أبي خزيمة) ورواية الليث هذه وصلها أبو القاسم البغوي في (معجم الصحابة) من طريق أبي صالح كاتب الليث عنه به، وقال أبو الفرج: قوله: أبو خزيمة، وهم ورد عليه بصحة الطريق إليه ولاحتمال أن يكونا سمعاها كلاهما. قلت: أبو خزيمة هذا هو ابن أوس بن زيد بن أصرم بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار، شهد بدرا وما بعدها من المشاهد وتوفي في خلافة عثمان وهو أخو مسعود بن أوس، وقال أبو عمر: قال ابن شهاب عن عبيدا السباق عن زيد بن ثابت: وجدت آخر التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري. وقال موسى عن إبراهيم حدثنا ابن شهاب مع أبي خزيمة أي: قال موسى بن إسماعيل عن إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب، قال: مع أبي خزيمة، وهذا التعليق وصله البخاري في فضائل القرآن، وفي (التلويح) : هذا التعليق رواه البخاري مسندا في كتاب الأحكام في (صحيحه) . وتابعه يعقوب بن إبراهيم عن أبيه أي: تابع موسى في روايته عن إبراهيم بن يعقوب بن إبراهيم المذكور عن أبيه إبراهيم، ووصل هذه المتابعة في أبي خزيمة أبو بكر بن أبي داود في كتاب (المصاحف) من طريقه وقال أبو ثابت حدثنا إبراهيم وقال مع خزيمة أو مع أبي خزيمة أبو ثابت محمد بن عبيد الله المدني يروي عن إبراهيم بن سعد، وشك في روايته حيث قال: مع خزيمة، أو مع أبي خزيمة، وكذا رواه البخاري في الأحكام بالشك، والحاصل هنا أن أصحاب إبراهيم بن سعد اختلفوا، فقال بعضهم: مع أبي خزيمة، وقال بعضهم: مع خزيمة، وشك بعضهم. وعن موسى بن إسماعيل أن آية التوبة مع أبي خزيمة، وآية الأحزاب مع خزيمة.). [عمدة القاري شرح صحيح البخاري، 18/281-283]. =================== والحديث مضى في التفسير في آخر سورة براءة فإنه أخرجه هناك عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري، قال: أخبرني ابن السباق أن زيد بن ثابت إلى آخره، ومضى الكلام فيه هناك، ولنتكلم في بعض شيء. فقوله: (مقتل أهل اليمامة) أي: بعد قتل مسيلمة الكذاب، وقتل من القراء يومئذ سبعمائة وقيل أكثر. قوله: (قد استحر) بسين مهملة ومثناة من فوق مفتوحة وحاء مهملة مفتوحة وراء مشددة أي: اشتد وكثر وهو على وزن استفعل من الحر خلاف البرد قوله: (بالمواطن) ، أي: في المواطن أي الأماكن التي يقع فيها القتال مع الكفار. قوله: (لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم) ، قال الخطابي وغيره: يحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم إنما لم يجمع القرآن في الصحف لما كان يترقب من ورود ناسخ لبعض أحكامه أو تلاوته، فلما انقضى نزوله بوفاته صلى الله عليه وسلم ألهم الله الخلفاء الراشدين ذلك وفاء لوعده الصادق بضمان حفظه على هذه الأمة المحمدية، فكان ابتداء ذلك على يد الصديق، رضي الله تعالى عنه، بمشورة عمر، رضي الله تعالى عنه، ويؤيده ما أخرجه ابن أبي داود في المصاحف بإسناد حسن عن عبد خير قال: سمعت عليا، رضي الله تعالى عنه، يقول: أعظم الناس في المصاحف أجرا أبو بكر رحمة الله على أبي بكر، هو أول من جمع كتاب الله. فإن قلت: أخرج ابن أبي داود في المصاحف من طريق ابن سيرين، قال: قال علي، رضي الله تعالى عنه: لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم آليت أن لا آخذ على ردائي إلا لصلاة جمعة حتى أجمع القرآن، فجمعه قلت: إسناده ضعيف لانقطاعه، ولئن سلمنا كونه محفوظا فمراده بجمعه حفظه في صدره قوله: (والله خير) ، يعني: خير في زمانهم. قوله: (فتتبع القرآن) صيغة أمر، وكذلك قوله: (فاجمعه) قوله: (فتتبعت القرآن أجمعه) حال أي: حال كوني أجمعه، وقت التتبع. قوله: (من العسب) بضم العين والسين المهملتين بعدهما باء موحدة جمع عسب وهو جريد النخل كانوا يكشطون الخوص ويكتبون في الطرف العريض، وقيل: العسب طرف الجريد العريض الذي لم ينبت عليه الخوص، والذي ينبت عليه الخوص هو السعف، ووقع في رواية ابن عيينة عن ابن شهاب: القصب والعسب والكرانيف وجرائد النخل. وفي الرواية المتقدمة في التفسير من الرقاع، الأكتاف والعسب وصدور الرجال، والرقاع جمع رقعة، وقد يكون من جلد أو ورق أو كاغد، وفي رواية عمارة بن غزية: وقطع الأديم. وفي رواية ابن أبي داوود من طريق أبي داوود الذيالسي عن إبراهيم بن سعد: والصحف وفي رواية ابن أبي داود والأضلاع، وعنده أيضا: والاقتاب جمع قتب البعير. قوله: (واللخاف) ، بكسر اللام وبالخاء المعجمة وبعد الألف فاء وهو جمع لخفة، بفتح اللام وسكون الخاء المعجمة وهو الحجر الأبيض الرقيق، وقال الخطابي: اللخاف صفائح الحجارة الرقاق. قوله: (مع أبي خزيمة الأنصاري) ووقع في رواية عبد الرحمن بن مهدي عن إبراهيم بن سعد مع خزيمة بن ثابت، أخرجه أحمد والترمذي، ورواية من قال: مع أبي خزيمة أصح، والذي وجد معه آخر سورة التوبة أبو خزيمة بالكنية، والذي وجد معه الآية من الأحزاب خزيمة، واسم أبي خزيمة لا يعرف وهو مشهور بكنيته وهو ابن أوس بن زيد بن أصرم. قوله: (فكانت) أي: الصحف التي جمعها زيد بن ثابت عند أبي بكر إلى أن توفاه الله تعالى. قوله: (ثم عند عمر حياته) ، أي: ثم كانت عند عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، مدة حياته. قوله: (ثم عند حفصة) ، أي: ثم بعد عمر كانت عند حفصة بنت عمر في خلافة عثمان، رضي الله تعالى عنه، وإنما كانت عند حفصة لأن عمر أوصى بذلك فاستمرت عندها إلى أن طلبها من له الطلب. هذا موصول بالإسناد الأول، وذكره البخاري موصولا مفردا في الجهاد وفي تفسير سورة الأحزاب ورواه أيضا في الأحكام عن موسى بن إسماعيل عن إبراهيم بن سعد عن الزهري كما رواه هنا، وظاهر حديث زيد بن ثابت هذا أنه فقد آية الأحزاب من الصحف التي كان نسخها في خلافة أبي بكر، رضي الله تعالى عنه، حتى وجدها مع خزيمة بن ثابت، رضي الله تعالى عنه ووقع في رواية إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع عن ابن شهاب أن فقده إياها إنما كان خلافة أبي بكر، وهو وهم منه، والصحيح ما في الصحيح وأن الذي فقده في خلافة أبي بكر آيتان من آخر براءة، وأما التي في الأحزاب ففقدها لما كتب المصحف في خلافة عثمان، وجزم ابن كثير بما وقع في رواية ابن مجمع، وليس كذلك والله أعلم. قيل: كيف ألحقها بالمصحف وشرط القرآن التواتر؟ وأجيب بأنه كانت مسموعة عندهم من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسورتها وموضعها معلومة لهم ففقدوا كتابتها. قيل: لما كان القرآن متواترا فما هذا التتبع والنظر في العسب؟ وأجيب للاستظهار، وقد كتبت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وليعلم هل فيها قراءة لغير قراءته من وجوهها أم لا قيل: شرط القرآن كونه متواترا فكيف أثبت فيه ما لم يجده مع أحد غيره؟ وأجيب: بأن معناه لم يجده مكتوبا عند غيره، وأيضا لا يلزم من عدم وجدانه أن لا يكون متواترا وأن لا يجد غيره، أو الحفاظ نسوها ثم تذكروها. 4 - (باب كاتب النبي صلى الله عليه وسلم) أي: هذا باب في بيان كاتب النبي صلى الله عليه وسلم، وفي بعض النسخ: باب ذكر كاتب النبي صلى الله عليه وسلم، وكأنه وقع عند البعض: باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم بالجمع، وقد ترجم: كتاب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر إلا زيد بن ثابت، وهذا عجيب، فكأنه لم يقع له على شرط غير هذا فإن صح ذكر الترجمة بالجمع فكلامه موجه وإلا فليس بذاك، وكتاب النبي صلى الله عليه وسلم كثيرون غير ويد بن ثابت لأنه أسلم بعد الهجرة وكان له كتاب بمكة، فأول من كتب له بمكة من قريش عبد الله بن أبي سرح ثم ارتد ثم عاد إلى الإسلام يوم الفتح، وكتب له في الجملة الخلفاء الأربعة والزبير بن العوام وخالد وأبان ابنا سعيد بن العاص بن أمية وحنظلة بن الربيع الأسدي ومعيقيب بن أبي فاطمة وعبد الله بن الأرقم الزهري وشرحبيل بن حسنة وعبد الله بن رواحة، وأول من كتب بالمدينة أبي بن كعب، كتب له قبل زيد بن ثابت وجماعة آخرون كتبوا له. 9894 - حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب: أن ابن السباق قال: إن زيد بن ثابت قال: أرسل إلي أبو بكر رضي الله عنه، قال: إنك كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبع القرآن فتبعت حتى وجدت آخر سورة التوبة آيتين مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدهما مع أحد غيره: { لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم} (التوبة: 821) إلى آخرها.. مطابقته للترجمة في قوله: (إنك كنت تكتب الوحي لرسول صلى الله عليه وسلم) وابن السباق هو عبيد، وقد مر الحديث في الباب الذي قبله، وهذا طرف منه). [عمدة القاري شرح صحيح البخاري، 20/16-19]. =================== والحديث مضى في تفسير سورة براءة وفي فضائل القرآن ومضى الكلام فيه. قوله: اليمامة بفتح الياء آخر الحروف وتخفيف الميم الأولى: جارية زرقاء كانت تبصر الراكب من مسيرة ثلاثة أيام، وبلاد الجون منسوبة إليها وهي من اليمن وفيها قتل مسيلمة الكذاب، وقتل من القراء سبعون أو سبعمائة. قوله: استحر أي: اشتد وكثر. قوله: خير يحتمل أن يكون أفعل التفضيل، وأن لا يكون. قيل: كيف يكون فعلهم خيرا مما كان في زمن رسول الله، صلى الله تعالى عليه وآله وسلم؟ وأجيب: يعني هو خير في زمانهم، وكذا الترك كان خيرا في زمانه لعدم تمام النزول واحتمال النسخ، فلو جمعت بين الدفتين وسارت به الركبان إلى البلدان ثم نسخ لأدى ذلك إلى اختلاف عظيم. قوله: من العسب بضم العين وسكون السين المهملتين جمع عسيب، وهو جريد النخل إذا نزع منه الخوص. قوله: والرقاع جمع رقعة. قوله: واللخاف بالخاء المعجمة جمع اللخفة وهو الحجر الأبيض، وقيل: الخزف. قوله: مع خزيمة بن ثابت الأنصاري قوله: أو أبي خزيمة شك من الراوي، وأبو خزيمة بن أوس بن يزيد بن أصرم شهد بدرا وما بعدها من المشاهد وتوفي في خلافة عثمان، رضي الله تعالى عنه، قيل: قد مر في: باب جمع القرآن أن الآية التي مع خزيمة: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا} من سورة الأحزاب؟ أجيب: بأن آية التوبة كانت عند النقل من العسب إلى الصحف، وآية الأحزاب عند النقل من الصحيفة إلى المصحف قيل: كيف ألحقها بالقرآن وشرطه التواتر؟ قيل له: معناه لم أجدها مكتوبة عند غيره، قيل: لما كان متواترا فما هذا التتبع؟ أجيب: للاستظهار، لا سيما وقد كتب بين يدي رسول الله وليعلم هل فيها قراءة أخرى أم لا. قيل: ما وجه ما اشتهر أن عثمان هو جامع القرآن؟ أجيب: بأن الصحف كانت مشتملة على جميع أحرفه ووجوهه التي نزل بها، فجرد عثمان اللغة القرشية منها، أو كانت صحفا فجعلها مصحفا واحدا جمع الناس عليها، وأما الجامع الحقيقي سورا وآيات فهو رسول الله بالوحي. قوله: قال محمد بن عبيد الله هو شيخ البخاري. فإنه فسر اللخاف بالخزف). [عمدة القاري شرح صحيح البخاري، 24/264]. =================== والحديث مضى في آخر تفسير سورة التوبة مطولا. قال الليث تعليق، ومر هناك من وصله عن سعيد بن عفير: حدثنا الليث به. قوله: مع أبي خزيمة الأنصاري هو ابن أوس بن زيد بن أصرم بن زيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار، واسمه: تيم اللات، شهد بدرا وما بعدها، مات في خلافة عثمان، رضي الله تعالى عنه. وأبو خزيمة هو الذي جعل الشارع شهادته بشهادة رجلين، قال الكرماني: فإن قلت: شرط القرآن التواتر فكيف ألحقها به؟ قلت: معناه لم أجدها مكتوبة عند غيره. حدثنا يحياى بن بكير حدثنا الليث عن يونس بهاذا، وقال: مع أبي خزيمة الأنصاري. هذا طريق آخر عن يحيى بن بكير هو يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي المصري عن الليث بن سعد عن يونس بن يزيد، بهذا ... أي بهذا الحديث). [عمدة القاري شرح صحيح البخاري، 24/264]. =================== (قال زيد بن ثابت): قال أبو بكر ذلك (وعمر عنده جالس لا يتكلم) ولأبي ذر جالس عنده (فقال) ليس (أبو بكر: إنك) يا زيد (رجل شاب) أشار إلى نشاطه وقوته فيما يطلب منه وبعده عن النسيان (عاقل) تعي المراد (ولا نتهمك) بكذب ولا نسيان والذي لا يتهم تركن النفس إليه وسقطت الواو لأبي ذر (كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم) أي فهو أكثر ممارسة له من غيره فجمع هذه الخصوصيات الأربعة فيه يدل على أنه أولى بذلك ممن لم تجتمع فيه (فتتبع القرآن فاجمعه) وقد كان القرآن كله كتب في العهد النبوي لكن غير مجموع في موضع واحد ولا مرتب السور قال زيد: (فوالله لو كلفني) أي أبو بكر (نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن) قال ذلك خوفا من التقصير في إحصاء ما أمر بجمعه (قلت) للعمرين (كيف تفعلان شيئا لم يفعله النبي) ولأبي ذر رسول الله (صلى الله عليه وسلم؟ فقال) لي (أبو بكر: هو والله خير فلم أزل أراجعه حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له صدر أبي بكر وعمر) لما في ذلك من المصلحة العامة (فقمت فتتبعت القرآن) حال كوني (أجمعه) مما عندي وعند غيري (من الرقاع) بكسر الراء جمع رقعة من أديم أو ورق أو نحوهما (والأكتاف) بالمثناة الفوقية جمع كتف عظم عريض في أصل كتف الحيوان ينشف ويكتب فيه (والعسب) بضم العين والسين المهملتين آخره موحدة جمع عسيب وهو جريد النخل يكشطون خوصه ويكتبون في طرفه العريض (وصدور الرجال) الذين جمعوا القرآن وحفظوه كاملا في حياته صلى الله عليه وسلم كأبي بن كعب ومعاذ بن جبل فيكون ما في الرقاع والأكتاف وغيرهما تقريرا على تقرير (حتى وجدت من سورة التوبة آيتين مع خزيمة الأنصاري) هو ابن ثابت بن الفاكه الخطمي ذو الشهادتين (لم أجدهما) أي الآيتين (مع أحد غيره) كذا بالنصب على كشط في الفرع كأصله وفي فرع آخر غيره بالجر أي لم أجدهما مع غير خزيمة مكتوبتين فالمراد بالنفي نفي وجودهما مكتوبتين لا نفي كونهما محفوظتين. وعند ابن أبي داود من رواية يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب فجاء خزيمة بن ثابت فقال: إني رأيتكم تركتم آيتين لم تكتبوهما قالوا: وما هما؟ قال: تلقيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ({لقد جاءكم رسول من أنفسكم}) إلى آخر السورة. فقال عثمان: وأنا أشهد فأين ترى أن نجعلهما. قال: اختم بهما آخر ما نزل من القرآن. وعن أبي العالية عن أبي بن كعب عند عبد الله ابن الإمام أنهم جمعوا القرآن في المصاحف في خلافة أبي بكر، وكان رجال يكتبون ويملي عليهم أبي بن كعب، فلما انتهوا إلى هذه الآية ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون فظنوا أن هذا آخر ما نزل من القرآن فقال لهم أبي بن كعب: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأني بعدها آيتين {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} إلى {وهو رب العرش العظيم} [التوبة: 128 - 129]. وعند أحمد قال: أتى الحارث بن خزيمة بهاتين الآيتين {لقد جاءكم رسول} إلى عمر بن الخطاب فقال: من معك على هذا؟ قال: لا أدري والله إني أشهد لسمعتهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعيتهما وحفظتهما فقال عمر: وأنا أشهد لسمعتهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم} (إلى آخرها) وسقط لأبي ذر: حريص عليكم (وكانت الصحف التي جمع فيها القرآن عند أبي بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر حتى توفاه الله ثم عند حفصة بنت عمر) رضي الله تعالى عنهما. (تابعه) أي تابع شعيبا في روايته عن الزهري (عثمان بن عمر) بضم العين وفتح الميم ابن فارس البصري العبدي فيما وصله أحمد وإسحاق في مسنديهما عنه (و) تابعه أيضا (الليث) بن سعد الإمام فيما وصله المؤلف في فضائل القرآن وفي التوحيد كلاهما (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري. (وقال الليث) بن سعد فيما وصله أبو القاسم البغوي في فضائل القرآن (حدثني) بالإفراد (عبد الرحمن بن خالد) الفهمي أمير مصر (عن ابن شهاب) الزهري فزاد الليث فيه شيخا آخر عن الزهري (وقال مع أبي خزيمة الأنصاري) وهو ابن أوس بن أصرم بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار بلفظ الكنية فخالف السابق. (وقال موسى) بن إسماعيل فيما وصله المؤلف في فضائل القرآن (عن إبراهيم) بن سعد أنه قال: (حدثنا ابن شهاب) الزهري وقال: (مع أبي خزيمة) بلفظ الكنية. (وتابعه) أي وتابع موسى بن إسماعيل في روايته عن إبراهيم (يعقوب بن إبراهيم عن أبيه) إبراهيم بن سعد المذكور على قوله أبي خزيمة بالكنية وهذه وصلها أبو بكر بن أبي داود في كتاب المصاحف وغيره. (وقال أبو ثابت) محمد بن عبيد الله المدني فيما وصله المؤلف في الأحكام (حدثنا إبراهيم) بن سعد المذكور (وقال مع خزيمة أو أبي خزيمة) بالشك والتحقيق كما قال في فتح الباري أن آية التوبة مع أبي خزيمة بالكنية، وآية الأحزاب مع خزيمة. وهذا الحديث أخرجه الترمذي في التفسير والنسائي في فضائل القرآن). [إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري، 7/162-164]. =================== رجل شاب) أشار به إلى حدة نظره وبعده عن النسيان وضبطه وإتقانه (عاقل لا نتهمك) أشار إلى عدم كذبه وأنه صدوق وفيه تمام معرفته وغزارة علومه وشدة تحقيقه وتمكنه من هذا الشأن (وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتتبع القرآن فاجمعه) بصيغتي الأمر (فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان) ثقله (أثقل علي مما أمرني به) أبو بكر (من جمع القرآن). فإن قلت: كيف عبر أولا بقوله: لو كلفوني وأفرده في قوله مما أمرني به؟ أجيب: بأنه جمع باعتبار أبي بكر ومن وافقه وأفرد باعتبار أنه الآمر بذلك وحده وإنما قال زيد ذلك خشية من التقصير في ذلك لكن الله تعالى يسره له تصديقا لقوله تعالى: {ولقد يسرنا القرآن للذكر} [القمر: 54]. (قلت) لهم: (كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال) أبو بكر (هو) أي جمعه (والله خير فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فتتبعت القرآن) حال كوني (أجمعه) وقت التتبع مما عندي وعند غيري (من العسب) بضم العين والسين المهملتين ثم الموحدة جريد النخل العريض العاري عن الخوص (واللخاف) بكسر اللام وفتح الخاء المعجمة وبعد الألف فاء الحجارة الرقاق أو هي الخزف بالخاء والزاي المعجمتين والفاء (وصدور الرجال) حيث لا يجد ذلك مكتوبا أو الواو بمعنى مع أي أكتبه من المكتوب الموافق للمحفوظ في الصدور. وعند أبي داود أن عمر رضي الله عنه قام فقال: من كان تلقى من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا من القرآن فليأت به وكانوا يكتبون ذلك في الصحف والألواح والعسب قال: وكان لا يقبل من أحد شيئا حتى يشهد شاهدان، وهذا يدل على أن زيدا كان لا يكتفي بمجرد وجدانه مكتوبا حتى يشهد به من تلقاه سماعا مع كون زيد كان يحفظه فكان يفعل ذلك مبالغة في الاحتياط، ولأبي داود أيضا من طريق هشام بن عروة عن أبيه أن أبا بكر قال لعمر ولزيد: اقعدا على باب المسجد فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه ورجاله ثقات مع انقطاعه، ولعل المراد بالشاهدين الحفظ والكتاب أو المراد أنهما يشهدان أن ذلك المكتوب كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أنهما يشهدان أن ذلك من الوجوه التي نزل بها القرآن وكان غرضهم أن لا يكتب إلا من عين ما كتب بين يديه صلى الله عليه وسلم لا من مجرد اللفظ والمراد بصدور الرجال الذين جمعوا القرآن وحفظوه في صدورهم كاملا في حياته صلى الله عليه وسلم كأبي بن كعب ومعاذ بن جبل. (حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة) بن أوس بن يزيد بن حرام وأبو خزيمة مشهور بكنيته لا يعرف اسمه وشهد بدرا وما بعدها (الأنصاري) النجاري (لم أجدها) مكتوبة (مع أحد غيره {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم} [التوبة: 128] حتى خاتمة براءة) ولا يلزم من عدم وجدانه إياها حينئذ أن لا تكون تواترت عند من تلقاها من النبي صلى الله عليه وسلم وإنما كان زيد يطلب التثبت عمن تلقاها بغير واسطة ولقد اجتمع في هذه الآية كما قاله الخطابي زيد بن ثابت، وأبو خزيمة، وعمر، وسقط قوله: {عزيز عليه ما عنتم} لأبي ذر. (فكانت الصحف) التي جمع فيها زيد بن ثابت القرآن (عند أبي بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر حياته) حتى توفاه الله (ثم عند حفصة بنت عمر رضي الله عنه) وعنها لأنها كانت وصية عمر فاستمر ما كان عنده عندها إلى أن شرع عثمان في كتابة المصحف). [إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري، 7/446-448]. =================== =================== تأمر بجمع القرآن) قال أبو بكر لزيد (قلت) لعمر (كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) لي (عمر: هو) أي جمعه (والله خير). واستشكل التعبير بخير الذي هو أفعل التفضيل لأنه يلزم من فعلهم هذا أن يكون خيرا من تركه في الزمن النبوي وأجيب: بأنه خير بالنسبة لزمانهم والترك كان خيرا في الزمن النبوي لعدم تمام النزول واحتمال النسخ إذ لو جمع بين الدفتين وسارت به الركبان إلى البلدان ثم نسخ لأدى ذلك إلى اختلاف عظيم قال أبو بكر: (فلم يزل عمر يراجعني في ذلك حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر عمر ورأيت في ذلك الي رأى عمر قال زيد قال) لي (أبو بكر) رضي الله عنه: (وإنك) يا زيد وللكشميهني إنك (رجل) بإسقاط الواو وأشار بقوله (شاب) إلى حده ونظره وقوة ضبطه (عاقل لا نتهمك قد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم) ذكر له أربع صفات مقتضية لخصوصيته بذلك. كونه شابا فيكون أنشط لذلك، وكونه عاقلا فيكون أوعى له، وكونه لا يتهم فتركن النفس إليه، وكونه كان كاتب الوحي فيكون أكثر ممارسة له. وقول ابن بطال عن المهلب إنه يدل على أن العقل أجل الخصال المحمودة لأنه لم يوصف زيد بأكثر من العقل وجعله سببا لائتمانه ورفع التهمة عنه، تعقبه في الفتح بأن أبا بكر ذكر عقب الوصف المذكور قد كنت تكتب الوحي، فمن ثم اكتفى بوصفه بالعقل لأنه لو لم تثبت أمانته وكفايته وعقله لما استكتبه النبي صلى الله عليه وسلم الوحي، وإنما وصفه بالعقل وعدم الاتهام دون ما عداهما إشارة إلى استمرار ذلك له وإلا فمجرد قوله لا نتهمك مع قوله عاقل لا يكفي في ثبوت الأمانة والكفاية فكم من بارع في العقل والمعرفة وجدت منه الخيانة (فتتبع القرآن فاجمعه) بالفاء ولأبي ذر واجمعه (قال زيد: فوالله لو كلفني) أبو بكر (نقل جبل من الجبال ما كان) نقله (بأثقل علي) بتشديد الياء (مما كلفني به) أبو بكر (من جمع القرآن. قلت): أي للعمرين (كيف تفعلان شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال أبو بكر) رضي الله عنه: (هو والله خير فلم يزل يحث) بالمثلثة بعد المهملة المضمومة ولأبي ذر يحب (مراجعتي) بالموحدة بدل المثلثة وضم أوله (حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له صدر أبي بكر وعمر ورأيت في ذلك الذي رأيا فتتبعت القرآن) حال كوني (أجمعه من العسب) بضم العين والسين المهملتين آخره موحدة جريد النخل العريض المكشوط عنه الخوص المكتوب فيه (والرقاع) بالراء المكسورة والقاف وبعد الألف عين مهملة جمع رقعة من جلد أو ورق وفي رواية أخرى وقطع الأديم (واللخاف) باللام المشددة المكسورة والمعجمة وبعد الألف فاء الحجارة الرقيقة أو الخزف كما في هذا الباب (وصدور الرجال) الذين حفظوه وجمعوه في صدورهم فى حياته صلى الله عليه وسلم كاملا كأبي بن كعب ومعاذ بن جبل (فوجدت آخر سورة التوبة {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} [التوبة: 128، 129] إلى آخرها مع خزيمة) بن ثابت بن الفاكه بالفاء والكاف المكسورة الأنصاري الأوسي الذي جعل النبي صلى الله عليه وسلم شهادته شهادة رجلين (أو أبي خزيمة) بن أوس بن يزيد وهو مشهور بكنيته الأنصاري النجاري بالشك. وعند أحمد والترمذي من رواية عبد الرحمن بن مهدي عن إبراهيم بن سعد مع خزيمة بن ثابت، وفي رواية شعيب في آخر سورة التوبة مع خزيمة الأنصاري، وفي مسند الشاميين من طريق أبي اليمان عند الطبراني خزيمة بن ثابت الأنصاري، لكن قول من قال مع أبي خزيمة أصح، وقد اختلف فيه على الزهري فمن قائل مع أبي خزيمة ومن قائل مع خزيمة ومن شاك فيه يقول خزيمة أو أبي خزيمة، والأرجح أن الذي وجد معه آخر سورة التوبة أبو خزيمة بالكنية والذي معه آية الأحزاب خزيمة. وعند أبي داود في كتاب المصاحف من طريق ابن إسحاق حدثني يحيى بن عباد عن أبيه عباد بن عبد الله بن الزبير قال: أتى الحارث بن خزمة إلى عمر بهاتين الآيتين {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} [التوبة: 128 - 129] إلى آخر السورة فقال: أشهد أني سمعتهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعيتهما فقال عمر: وأنا أشهد لقد سمعتهما. وخزمة قال في الإصابة: بفتح المعجمة والزاي ابن عدي بن أبي غنم بن سالم الخزرجي الأنصاري (فألحقتها في سورتها. وكانت الصحف) التي كتبوا فيها القرآن ولأبي ذر عن الكشميهني فكانت بالفاء بدل الواو (عند أبي بكر) رضي الله عنه (حياته حتى توفاه الله عز وجل، ثم عند عمر حياته حتى توفاه الله ثم عند حفصة بنت عمر) رضي الله عنهما عبيد الله) بضم العين ابن محمد بن زيد مولى عثمان بن عفان شيخ البخاري المذكور أول هذا الباب (اللخاف) المذكور في الحديث (يعني) به: (الخزف) بالخاء والزاي المعجمتين ثم فاء وفي الحديث اتخاذ الحاكم الكاتب وأن يكون الكاتب عاقلا فطنا مقبول الشهادة، ومراجعة الكاتب للحاكم في الرأي ومشاركته له فيه). [إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري، 10/254-256]. =================== وهذا التعليق وصله أبو القاسم البغوي في فضائل القرآن. وبه قال: (حدثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي المصري قال: (حدثنا الليث) بن سعد المصري (عن يونس) بن يزيد الأيلي (بهذا) الحديث السابق (وقال) فيه (مع أي خزيمة الأنصاري) كما في الأولى ووقع في تفسير سورة براءة من طريق أبي اليمان عن شعيب عن الزهري مع خزيمة الأنصاري بإسقاط أبي وفي متابعة يعقوب بن إبراهيم لموسى بن إسماعيل قي روايته عن إبراهيم بن سعد، وقال مع خزيمة أو أبي خزيمة بالشك، لكن قال في فتح الباري: والتحقيق أن آية التوبة مع أبي خزيمة بالكنية وآية الأحزاب مع خزيمة). [إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري، 10/395]. =================== قال الحافظ هذا يدل على أن كثيرا ممن قتل في وقعة اليمامة كان قد حفظ القرآن لكن يمكن أن يكون المراد أن مجموعهم جمعه لا أن كل فرد فرد جمعه (كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله) قال الخطابي وغيره يحتمل أن يكون إنما لم يجمع القرآن في المصحف لما كان يترقبه من ورود ناسخ لبعض أحكامه أو تلاوته فلما انقضى نزوله بوفاته ألهم الله الخلفاء الراشدين ذلك وفاء لوعده الصادق بضمان حفظه على هذه الأمة المحمدية زادها الله شرفا فكان ابتداء ذلك على يد الصديق رضي الله عنه بمشورة عمر ويؤيده ما أخرجه بن أبي داود في المصاحف بإسناد حسن عن عبد خير قال سمعت عليا يقول أعظم الناس في المصاحف أجرا أبو بكر رحمة الله على أبي بكر هو أول من جمع كتاب الله وأما ما أخرجه مسلم من حديث أبي سعيد قال قال رسول الله لا تكتبوا عني شيئا غير القرآن الحديث فلا ينافي ذلك لأن الكلام في كتابة مخصوصة على صفة مخصوصة وقد كان القرآن كله كتب في عهد النبي لكن غير مجموع في موضع واحد ولا مرتب السور وأما ما أخرجه بن أبي داود وفي المصاحف من طريق بن سيرين قال قال علي لما مات رسول الله آليت أن آخذ علي ردائي إلا لصلاة جمعة حتى أجمع القرآن فجمعه فإسناده ضعيف لانقطاعه وعلى تقدير أن يكون محفوظا فمراده بجمعه حفظه في صدره قال والذي وقع في بعض طرقه حتى جمعته بين اللوحين وهم من راويه قال الحافظ ورواية عبد خير عن علي يعني التي تقدمت آنفا أصح فهو المعتمد ووقع عند بن أبي داود أيضا بيان السبب في إشارة عمر بن الخطاب بذلك فأخرج من طريق الحسن أن عمر سأل عن آية من كتاب الله فقيل كانت مع فلان فقتل يوم اليمامة فقال إنا لله وأمر بجمع القرآن فكان أول من جمعه في المصحف وهذا منقطع فإن كان محفوظا حمل على أن المراد بقوله فكان أول من جمعه أي أشار بجمعه في خلافة أبي بكر فنسب الجمع إليه لذلك (قال أبو بكر إنك شاب عاقل لا نتهمك قد كنت تكتب لرسول الله الوحي) ذكر له أربع صفات مقتضية خصوصيته بذلك كونه شابا فيكون أنشط لما يطلب منه وكونه عاقلا فيكون أوعى له وكونه لا يتهم فتركن النفس إليه وكونه كان يكتب الوحي فيكون أكثر ممارسة له وهذه الصفات التي اجتمعت له قد توجد في غيره لكن مفرقة (فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي من ذلك) أي مما أمرني به من جمع القرآن كما في رواية البخاري قال الحافظ كأنه جمع أولا باعتبار أبي بكر ومن وافقه وأفرد باعتبار أنه الآمر وحده بذلك وإنما قال زيد بن ثابت ذلك لما خشيه من التقصير في إحصاء ما أمر بجمعه لكن الله تعالى يسر له ذلك (فتتبعت القرآن أجمعه) حال من الفاعل أو المفعول أي من الأشياء التي عندي وعند غيري (من الرقاع) جمع رقعة وقد تكون من جلد أو ورق أو كاغد وفي رواية وقطع الأديم (والعسب) بضم المهملتين ثم موحدة جمع عسيب وهو جريد النخل كانوا يكشطون الخوص ويكتبون في الظرف العريض وقيل العسيب طرف الجريدة العريض وقيل العسيب طرف الجريدة العريض الذي لم ينبت عليه الخوص والذي ينبت عليه الخوص هو السعف (واللخاف) بكسر اللام ثم حاء معجمة خفيفة وآخره فاء وهي الحجارة البيض الرقاق واحدتها لخفة بفتح اللام وسكون المعجمة وعند بن أبي داود في المصاحف من طريق يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال قام عمر فقال من كان تلقى من رسول الله شيئا من القرآن فليأت به وكانوا يكتبون ذلك في الصحف والألواح والعسب قال وكان لا يقبل من أحد شيئا حتى يشهد شاهدان وهذا يدل على أن زيدا كان لا يكتفي بمجرد وجدانه مكتوبا حتى يشهد به من تلقاه سماعا مع كون زيد كان يحفظه وكان يفعل ذلك مبالغة في الاحتياط وعند بن أبي داود أيضا من طريق هشام بن عروة عن أبيه أن أبا بكر قال لعمر ولزيد اقعدا على باب المسجد فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه ورجاله ثقات مع انقطاعه وكأن المراد بالشاهدين الحفظ والكتاب والمراد أنهما يشهدان على أن ذلك المكتوب كتب بين يدي رسول الله أو المراد أنهما يشهدان على أن ذلك من الوجوه التي نزل بها القرآن وكان غرضهم أن لا يكتب إلا من عين ما كتب بين يدي النبي لا من مجرد الحفظ (وصدور الرجال) أي الحفاظ منهم أي حيث لا أجد ذلك مكتوبا أو الواو بمعنى مع أي اكتبه من المكتوب الموافق للمحفوظ في الصدور (فوجدت آخر سورة براءة مع خزيمة بن ثابت) وفي رواية البخاري في فضائل القرآن من طريق إبراهيم بن سعد عن الزهري عن عبيد بن السباق عن زيد بن ثابت حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري قال الحافظ وقع في رواية عبد الرحمن بن مهدي عن إبراهيم بن سعد مع خزيمة بن ثابت أخرجه أحمد والترمذي ووقع في رواية شعيب عن الزهري كما تقدم في سورة التوبة مع خزيمة الأنصاري وقد أخرجه الطبراني في مسند الشاميين من طريق أبي اليمان عن شعيب فقال فيه خزيمة بن ثابت الأنصاري وكذا أخرجه بن أبي داود من طريق يونس بن يزيد عن بن شهاب وقول من قال عن إبراهيم بن سعد مع أبي خزيمة أصح وقد تقدم البحث فيه في تفسير سورة التوبة وأن الذي وجد معه آخر سورة التوبة غير الذي وجد معه الآية التي في الأحزاب فالأول اختلف الرواة فيه على الزهري فمن قائل مع خزيمة ومن قائل مع أبي خزيمة ومن شاك فيه يقول خزيمة أو أبي خزيمة والأرجح أن الذي وجد معه آخر سورة التوبة أبو خزيمة بالكنية والذي وجد معه الآية من الأحزاب خزيمة وأبو خزيمة قيل هو بن أوس بن يزيد بن أصرم مشهور بكنيته دون اسمه وقيل هو الحرث بن خزيمة وأما خزيمة فهو بن ثابت ذو الشهادتين كما تقدم صريحا في سورة الأحزاب انتهى (لقد جاءكم رسول من أنفسكم) أي من جنسكم في كونه عربيا قرشيا مثلكم تعرفون نسبه وحسبه وأنه من ولد إسماعيل لا من العجم ولا من الجن ولا من الملك والخطاب للعرب عند جمهور المفسرين وقال الزجاج هي خطاب لجميع العالم (عزيز عليه ما عنتم) ما مصدرية والعنت التعب والمشقة والمعنى شديد وشاق عليه عنتكم ومشقتكم ولقاءكم المكروه (حريص عليكم) أي على إيمانكم وهدايتكم (بالمؤمنين رؤوف رحيم) أي شديد الرحمة (فإن تولوا أي أعرضوا عن الإيمان بك (فقل حسبي الله) أي يكفيني وينصرني (لا إله إلا هو) أي المتفرد بالألوهية وهذه الجملة الحالية كالدليل لما قبلها (عليه توكلت) أي به وثقت لا بغيره (وهو رب العرش العظيم) وصفه بالعظم لأنه أعظم المخلوقات قرأ الجمهور بالجر على أنه صفة العرش وقرىء بالرفع صفة لرب ورويت هذه القراءة عن بن كثير قال أبو بكر الأصم وهذه القراءة أعجب إلي لأن جعل العظيم صفة للرب أولى من جعله صفة للعرش قال بن عباس إنما سمي العرش عرشا لارتفاعه قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والبخاري والنسائي). [تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، 8/405-409]. =================== |
جمع أبي بكرٍ الصّدّيق رضي اللّه عنه القرآن في المصاحف بعد رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم قال أبو بكر عبد الله بن سليمان ابن أبي داود السجستاني (ت: 316هـ): (جمع أبي بكرٍ الصّدّيق رضي اللّه عنه القرآن في المصاحف بعد رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم - حدّثنا عبد اللّه قال: حدّثنا يعقوب بن سفيان قال: حدّثنا أبو نعيمٍ قال: حدّثنا سفيان، عن السّدّيّ، عن عبد خيرٍ، عن عليٍّ رضي اللّه عنه قال: (رحم اللّه أبا بكرٍ هو أوّل من جمع بين اللّوحين) . - حدّثنا عبد اللّه قال: حدّثنا عمر بن شبّة قال: حدّثنا أبو أحمد الزّبيريّ قال: حدّثنا سفيان، عن السّدّيّ، عن عبد خيرٍ، عن عليٍّ قال: (أعظم النّاس أجرًا في المصاحف أبو بكرٍ فإنّه أوّل من جمع بين اللّوحين) . - حدّثنا عبد اللّه قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن الحسين بن حفصٍ قال: حدّثنا خلّادٌ قال: حدّثنا سفيان، عن السّدّيّ، عن عبد خيرٍ، عن عليٍّ قال: (رحمة اللّه على أبي بكرٍ كان أعظم النّاس أجرًا في جمع المصاحف، وهو أوّل من جمع بين اللّوحين) . _ حدّثنا عبد اللّه قال: حدّثنا يعقوب بن سفيان قال: حدّثنا قبيصة قال: حدّثنا سفيان، عن السّدّيّ، عن عبد خيرٍ قال:سمعت عليًّا يقول: (أعظم النّاس أجرًا في المصاحف أبو بكرٍ رحمة اللّه على أبي بكرٍ هو أوّل من جمع بين اللّوحين) . - حدّثنا عبد اللّه قال: حدّثنا أحمد بن عبد الجبّار الدّارميّ قال: حدّثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن السّدّيّ، عن عبد خيرٍ قال: سمعت عليًّا يقول: (رحمة اللّه على أبي بكرٍ كان أوّل من جمع بين اللّوحين) . - حدّثنا عبد اللّه قال: حدّثنا هارون بن إسحاق قال: حدّثنا عبدة، عن سفيان، عن السّدّيّ، عن عبد خيرٍ قال: (رحم اللّه أبا بكرٍ كان أوّل من جمعه بين اللّوحين) . - حدّثنا عبد اللّه قال: حدّثنا محمّد بن أيّوب بن يحيى بن ضريسٍ قال: حدّثنا عليّ بن الحسين قال: (أبو بكرٍ كان يلقّب كراعٌ) . - حدّثنا المطّلب، عن السّدّيّ، عن عبد خيرٍ قال: (أوّل من جمع كتاب اللّه بين اللّوحين أبو بكرٍ) . - حدّثنا عبد اللّه قال حدّثنا هارون بن إسحاق قال: حدّثنا عبدة، عن هشامٍ، عن أبيه : ( أنّ أبا بكرٍ هو الّذي جمع القرآن بعد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: ختمه) . - حدّثنا عبد اللّه قال: حدّثنا محمّد بن منصورٍ الطّوسيّ، حدّثني شبابة بن سوّارٍ قال: حدّثنا بسّامٌ قال: كنت عند أبي جعفرٍ وعنده حمزة المزاديّ فقال حمزة: تكلّموا فإنّ بيننا وبينه سترًا، فلمّا خرج قلنا لأبي جعفرٍ إنّه قال: كذا وكذا فقال: (ما له فعل اللّه به وفعل ما كان هذا لأحدٍ إلّا للنّبيّ، فإنّ أبا بكرٍ كان يسمع مناجاة جبريل للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولا يراه) . - حدّثنا عبد اللّه قال: حدّثنا أبو الطّاهر قال: أخبرنا ابن وهبٍ، أخبرني ابن أبي الزّناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال لمّا استحرّ القتل بالقرّاء يومئذٍ فرق أبو بكرٍ على القرآن أن يضيع فقال لعمر بن الخطّاب ولزيد بن ثابتٍ: (اقعدوا على باب المسجد فمن جاءكما بشاهدين على شيءٍ من كتاب اللّه فاكتباه) . - حدّثنا عبد اللّه قال: حدّثنا عمرو بن عليّ بن بحرٍ قال: حدّثنا أبو داود قال: حدّثنا إبراهيم بن سعدٍ: حدّثنا الزّهريّ قال: أخبرني عبيد بن السّبّاق، أنّ زيد بن ثابتٍ حدّثه قال: (أرسل إليّ أبو بكرٍ مقتل أهل اليمامة وكان عنده عمر فقال: إنّ هذا أتاني فقال: إنّ القتل قد استحرّ بالقرّاء، وإنّي أخشى أن يستحرّ القتل بالقرّاء في سائر المواطن فيذهب القرآن، وقد رأيت أن تجمعوه فقلت لعمر: كيف تفعل شيئًا لم يفعله رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فقال عمر: هو واللّه خيرٌ فلم يزل يراجعني في ذلك حتّى شرح اللّه صدري للّذي شرح اللّه له صدره ورأيت فيه الّذي رأى فقال أبو بكرٍ: إنّك شابٌّ أو رجلٌ عاقلٌ، وقد كنت تكتب الوحي لرسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم لا نتّهمك فاكتبه. قال: فواللّه لو كلّفوني نقل جبلٍ من الجبال ما كان بأثقل عليّ منه، فقلت لهما: كيف تفعلان شيئًا لم يفعله رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم؟ قال أبو بكرٍ وعمر: هو واللّه خيرٌ فلم يزل أبو بكرٍ وعمر يراجعانني في ذلك حتّى شرح اللّه صدري للّذي شرح له صدرهما ورأيت فيه الّذي رأيا فتتبّعت القرآن أنسخه من الصّحف والعسب واللّخاف. -قال أبو بكرٍ: اللّخف: الحجارة الرّقاق- ، وصدور الرّجال حتّى فقدت آيةً كنت أسمع رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم يقرؤها: {لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم} [التوبة: 128] فالتمستها فوجدتها مع خزيمة بن ثابتٍ فأثبتها في سورتها ) . -قال أبو داود: اللّخف: الحجارة الرّقاق- . - حدّثنا عبد اللّه قال حدّثنا محمّد بن بشّارٍ بندارٌ قال: حدّثنا عبد الرّحمن، حدّثنا إبراهيم بن سعدٍ، عن الزّهريّ، عن عبيد بن السّبّاق، أنّ زيد بن ثابتٍ قال: ( بعث إليّ أبو بكرٍ الصّدّيق مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطّاب عنده فقال: إنّ عمر بن الخطّاب أتاني فقال: إنّ القتل قد استحر بقرّاء القرآن يوم اليمامة وإنّي أخشى أن يستحرّ القتل بالقرّاء في المواطن كلّها فيذهب قرآنٌ كثيرٌ، وإنّي أرى أن نأمر بجمع القرآن فقال أبو بكرٍ لعمر: كيف أفعل شيئًا لم يفعله رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم؟ فقال: هو واللّه خيرٌ فلم يزل يراجعني في ذلك حتّى شرح اللّه صدري بما شرح له صدر عمر ورأيت الّذي رأى قال زيد بن ثابتٍ: قال أبو بكرٍ: إنّك شابٌّ عاقلٌ لا نتّهمك قد كنت تكتب لرسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم الوحي فتتبّع القرآن، فواللّه لو كلّفوني نقل جبلٍ من الجبال ما كان أثقل عليّ من ذلك، قلت: فكيف تفعلون شيئًا لم يفعله رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم؟ قال أبو بكرٍ هو واللّه خيرٌ، فلم يزل يراجعني في ذلك أبو بكرٍ وعمر حتّى شرح اللّه صدري للّذي شرح اللّه له صدرهما -صدر أبي بكرٍ وعمر- ، فتتبّعت القرآن أجمعه من الرّقاع والعسب واللّخاف -يعني: الحجارة- وصدور الرّجال فوجدت آخر سورة التّوبة {براءة} مع خزيمة بن ثابتٍ: {لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عنتّم حريصٌ عليكم بالمؤمنين رءوفٌ رحيمٌ فإن تولّوا فقل حسبي اللّه لا إله إلّا هو عليه توكّلت وهو ربّ العرش العظيم}). - حدّثنا عبد اللّه قال: حدّثنا عليّ بن حربٍ قال: حدّثنا جعفر بن عونٍ، عن إبراهيم بن إسماعيل الأنصاريّ، عن الزّهريّ، عن عبيد بن السّبّاق، عن زيد بن ثابتٍ قال: ( دعاني أبو بكرٍ فقال: إنّك رجلٌ شابٌّ كنت تكتب الوحي بين يدي رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم اجمع القرآن فاكتبه، فواللّه لو كلّفوني نقل الجبال كان أيسر عليّ من الّذي كلّفني، فجعلت أتتبّع من صدور الرّجال، ومن العسب، ومن الرّقاع، ومن الأضلاع، ففقدت آيةً كنت أسمعها من رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم لم أجدها عند أحدٍ، فوجدتها عند رجلٍ من الأنصار: {من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه} [الأحزاب: 23] فألحقتها في سورتها، فكانت الصّحف عند أبي بكرٍ حتّى مات، ثمّ عند عمر حتّى مات، ثمّ عند حفصة ) . - حدّثنا عبد اللّه قال: حدّثنا محمّد بن يحيى قال: حدّثنا عثمان بن عمر قال: حدّثنا يونس، عن الزّهريّ قال: أخبرني ابن السّبّاق، عن زيد بن ثابتٍ قال: وحدّثنا يعقوب بن إبراهيم قال: حدّثنا أبي، عن ابن شهابٍ، عن عبيد بن السّبّاق، أنّ زيد بن ثابتٍ حدّثه -وهذا حديث عثمان- قال: ( أرسل إليّ أبو بكرٍ مقتل أهل اليمامة فأتيته وعنده عمر رضي اللّه عنه فقال أبو بكرٍ: إنّ عمر أتاني فقال: إنّ القتل قد استحرّ بأهل اليمامة من قرّاء القرآن، وأنا أخشى أن يستحرّ القتل بالقرّاء في المواطن فيذهب كثيرٌ من القرآن لا يوعى، وإنّي أرى أن تأمر بجمع القرآن فقلت لعمر: كيف أفعل شيئًا لم يفعله رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم؟ فقال: هو واللّه خيرٌ، فلم يزل يراجعني في ذلك حتّى شرح اللّه لذلك صدري ورأيت فيه الّذي رأى عمر قال زيدٌ: وعمر جالسٌ عنده لا يتكلّم فقال عمر: إنّك شابٌّ عاقلٌ لا نتّهمك وكنت تكتب الوحي لرسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فتتبّع هذا القرآن فاجمعه، فواللّه لو كلّفوني نقل جبلٍ من الجبال ما كان بأثقل عليّ ممّا كان أمروني به من جمع القرآن قلت: وكيف تفعلون شيئًا لم يفعله رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم؟ ولم يزل أبو بكرٍ يراجعني حتّى شرح اللّه صدري بالّذي شرح له صدر أبي بكرٍ وعمر فجمعت القرآن من الأكتاف والأقتاب والعسب وصدور الرّجال، حتّى وجدت آخر سورة التّوبة مع خزيمة بن ثابتٍ الأنصاريّ لم أجدها مع أحدٍ غيره: {لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم} [التوبة: 128] الآية. قال يعقوب في حديثه: فكانت الصّحف عند أبي بكرٍ حياته حتّى مات، ثمّ عند عمر حياته حتّى مات، ثمّ عند حفصة بنت عمر رضي اللّه عنها ) . - حدّثنا عبد اللّه قال: حدّثنا عبد اللّه بن محمّد بن النّعمان قال: حدّثنا محمّدٌ قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية: (أنّهم جمعوا القرآن في مصحفٍ في خلافة أبي بكرٍ الصّدّيق، فكان رجالٌ يكتبون ويملي عليهم أبيّ بن كعبٍ، فلمّا انتهوا إلى هذه الآية من سورة براءة: {ثمّ انصرفوا صرف اللّه قلوبهم بأنّهم قومٌ لا يفقهون} [التوبة: 127] فظنّوا أنّ هذا آخر ما أنزل من القرآن فقال أبيٌّ: إنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم قد أقرأني بعدهنّ آيتين: {لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عنتّم حريصٌ عليكم بالمؤمنين رءوفٌ رحيمٌ، فإن تولّوا فقل حسبي اللّه لا إله إلّا هو عليه توكّلت وهو ربّ العرش العظيم} قال: فهذا آخر ما أنزل من القرآن فختم الأمر بما فتح به لقول اللّه جلّ ثناؤه: {وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ إلّا نوحي إليه أنّه لا إله إلّا أنا فاعبدون} [الأنبياء: 25]). - حدّثنا عبد اللّه قال: حدّثنا أبو الطّاهر قال: أخبرنا ابن وهبٍ قال: أخبرني مالكٌ، عن ابن شهابٍ، عن سالمٍ، وخارجة: (أنّ أبا بكرٍ الصّدّيق كان جمع القرآن في قراطيس وكان قد سأل زيد بن ثابتٍ النّظر في ذلك، فأبى حتّى استعان عليه بعمر ففعل، وكانت تلك الكتب عند أبي بكرٍ حتّى توفّي، ثمّ عند عمر حتّى توفّي، ثمّ كانت عند حفصة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأرسل إليها عثمان فأبت أن تدفعها إليه حتّى عاهدها ليردّنّها إليها، فبعثت بها إليه فنسخها عثمان في هذه المصاحف ثمّ ردّها إليها فلم تزل عندها حتّى أرسل مروان فأخذها فحرّقها) ). [المصاحف:57-48] قال أبو بكر عبد الله بن سليمان ابن أبي داود السجستاني (ت: 316هـ): (جمع عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه القرآن في المصحف - حدّثنا عبد اللّه قال: حدّثنا عبد اللّه بن محمّد بن خلّادٍ قال: حدّثنا يزيد قال: أخبرنا مباركٌ، عن الحسن، أنّ عمر بن الخطّاب سأل عن آيةٍ من كتاب اللّه فقيل كانت مع فلانٍ فقتل يوم اليمامة فقال: (إنّا للّه وأمر بالقرآن فجمع، وكان أوّل من جمعه في المصحف) . - حدّثنا عبد اللّه قال: حدّثنا أبو الطّاهر، أخبرنا ابن وهبٍ، أخبرني عمر بن طلحة اللّيثيّ، عن محمّد بن عمرو بن علقمة، عن يحيى بن عبد الرّحمن بن حاطبٍ قال: أراد عمر بن الخطّاب أن يجمع القرآن، فقام في النّاس فقال: (من كان تلقّى من رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم شيئًا من القرآن فليأتنا به، وكانوا كتبوا ذلك في الصّحف والألواح والعسب، وكان لا يقبل من أحدٍ شيئًا حتّى يشهد شهيدان) ,فقتل وهو يجمع ذلك إليه فقام عثمان بن عفّان فقال: (من كان عنده من كتاب اللّه شيءٌ فليأتنا به وكان لا يقبل من ذلك شيئًا حتّى يشهد عليه شهيدان) ، فجاء خزيمة بن ثابتٍ فقال: (إنّي قد رأيتكم تركتم آيتين لم تكتبوهما. قالوا: وما هما؟ قال: تلقّيت من رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: {لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عنتّم حريصٌ عليكم بالمؤمنين رءوفٌ رحيمٌ} إلى آخر السّورة قال عثمان: فأنا أشهد أنّهما من عند اللّه فأين ترى أن نجعلهما؟ قال: اختم بها آخر ما نزل من القرآن فختمت بها براءة ) . - حدّثنا عبد اللّه قال: حدّثنا إسماعيل بن أسدٍ قال: حدّثنا هوذة قال: حدّثنا عوفٌ، عن عبد اللّه بن فضالة قال: لمّا أراد عمر أن يكتب الإمام أقعد له نفرًا من أصحابه وقال: (إذا اختلفتم في اللّغة فاكتبوها بلغة مضر، فإنّ القرآن نزل على رجلٍ من مضر) . - حدّثنا عبد اللّه قال: حدّثنا عبد اللّه بن محمّدٍ الزّهريّ قال: حدّثنا وهب بن جرير بن حازمٍ قال: حدّثنا أبي قال: سمعت عبد الملك بن عميرٍ يحدّث، عن عبد اللّه بن معقلٍ قال: قال عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه: (لا يملينّ في مصاحفنا إلّا غلمان قريشٍ وثقيفٍ) - حدّثنا إسحاق بن إبراهيم قال: حدّثنا سليمان قال: حدّثنا جريرٌ بهذا حدّثنا عبد اللّه قال: حدّثنا عبد اللّه بن محمّد بن خلّادٍ قال: حدّثنا يزيد قال: أخبرنا شيبان، عن عبد الملك بن عميرٍ، عن جابر بن سمرة قال: سمعت عمر بن الخطّاب يقول: (لا يملّينّ في مصاحفنا هذه إلّا غلمان قريشٍ أو غلمان ثقيفٍ) ). [المصاحف: 65-60] |
الساعة الآن 04:25 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة