جمهرة العلوم

جمهرة العلوم (http://jamharah.net/index.php)
-   توجيه القراءات (http://jamharah.net/forumdisplay.php?f=1080)
-   -   توجيه القراءات في سورة الأنعام (http://jamharah.net/showthread.php?t=27809)

جمهرة علوم القرآن 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م 12:05 PM

توجيه القراءات في سورة الأنعام
 
توجيه القراءات في سورة الأنعام

جمهرة علوم القرآن 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م 12:05 PM

مقدمات توجيه القراءات في سورة الأنعام
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (سورة الأنعام). [معاني القراءات وعللها: 1/345]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (ومن السورة التي تُذكر فيها (الأنعام) ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/152]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (سورة الأنعام). [الحجة للقراء السبعة: 3/285]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (سورة الأنعام). [المحتسب: 1/223]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : (6 - سورة الأنعام). [حجة القراءات: 242]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (سورة الأنعام). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/425]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (سورة الأنعام). [الموضح: 460]

ياءات الإضافة:
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): ( (في هذه السورة ثماني ياءات إضافة)
{إني أخاف} [15] {إني أريك} [74] فتحهما نافع وأبو عمرو وابن كثير، وأسكنهما الباقون.
{إني أمرت} [14] {ومماتي لله} [162] فتحهما نافع.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/174]
{صراطي مستقيمًا} [153] فتحها ابن عامر.
{ربي إني ...} [161] فتحها نافع وأبو عمرو، وأسكنها الباقون {وجهي لله} [79] فتحها نافع وابن عامر وحفص عن عاصم.
والاختيار الإسكان، إذا لم يستقبلها همزة، غير أن من فتحها كره أن يجمع بين أربع كسرات، كسرة الهاء واللام، والياء تعد بكسرتين). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/175]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (94- فيها من ياءات الإضافة ثماني: قوله تعالى: {إني أخاف} «15» {إني أراك} «74» فتحها الحرميان وأبو عمرو.
قوله: {إني أمرت} «14»، {مماتي لله} «162» فتحهما نافع.
قوله: {وجهي للذي} «79» فتحها نافع وابن عامر وحفص.
وقوله: {ربي إلى صراط} «161» فتحها نافع وأبو عمرو.
وقوله: {صراطي} «153» فتحها ابن عامر.
قوله: {محياي} «192» أسكنها قالون، وعن ورش الوجهان). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/459]

الياءات الزائدة:
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (فيها زائدة: قوله: {وقد هداني} «80» أثبتها أبو عمرو في الوصل). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/459]

الياءات:
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (أما اختلاف القراء في هذه السورة في قوله {هَدَانِي} وحذف الياء منه وإثباتها، فمن أثبت في جميع الأحوال وهو يعقوب، فإنه هو الأصل،
[الموضح: 519]
ومن أثبتها في الوصل دون الوقف وهو أبو عمرو ونافع'، فإنهما يجريانه في حال الوصل على الأصل، ويحذفانها في حال الوقف تخفيفًا واكتفاء بالكسرة عن الياء؛ لأن الوقف باب تغيير، وأما من حذفها في جميع الأحوال وهم الباقون من القراء، فإنهم آثروا التخفيف بحذف الياء، والاجتزاء عنها بكسرة ما قبلها). [الموضح: 520]



نزول السورة:
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (مكية). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/425]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (وعن ابن عباس: أن ثلاث آيات نزلن بالمدينة قوله تعالى: {قل تعالوا} «115» إلى تمام الثلاث آيات). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/425]

عد الآي:
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (وهي مائة آية وسبع وستون آية في المدني، وخمس في الكوفي). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/425]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م 12:08 PM

سورة الأنعام
[ من الآية (1) إلى الآية (5) ]
{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (2) وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ (3) وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (4) فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (5) }

قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1)}

قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (2)}

قوله تعالى: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ (3)}

قوله تعالى: {وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (4)}

قوله تعالى: {فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (5)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م 12:11 PM

سورة الأنعام
[ من الآية (6) إلى الآية (9) ]
{أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آَخَرِينَ (6) وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ (8) وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ (9)}

قوله تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آَخَرِينَ (6)}

قوله تعالى: {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7)}

قوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ (8)}

قوله تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ (9)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
قرأ ابن عامر فيما روى ابن مجاهد له: (وللبسنا عليهم ما يلبسون (9)
بفتح الباء، ولا يعرف ذلك أهل الشام.
وقرأ الباقون (يلبسون) بكسر الباء.
قال أبو منصور: القراء (يلبسون) بكسر الباء؛ لأنه من لبس الأمر يلبس، إذا لبس الأمر حتى يشتبه الصواب، فلا يتبين، وأما (يلبس) فإنه لا يكون إلا من لبس الثوب يلبسه لبسًا، ونيس هذا موضعه، ولا يجوز القراءة إلا بكسر الباء). [معاني القراءات وعللها: 1/345]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م 03:40 PM

سورة الأنعام

[ من الآية (10) إلى الآية (13) ]
{وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (10) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11) قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (12) وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (13)}

قوله تعالى: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (10)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ولقد استهزئ... (10)
روى الأعشى عن أبي بكر عن عاصم (استهزي) بغير همز، وقرأ الباقون بالهمز.
قال أبو منصور: القراءة بالهمز لتتابع القراء عليه، وأنه أفصح وأتم). [معاني القراءات وعللها: 1/345]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (1- {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ} [آية/ 10] بكسر الدال في الوصل:-
قرأها أبو عمرو وعاصم وحمزة ويعقوب، حيث وقع من القرآن.
وذلك لأنه اجتمع ساكنان أحدهما الدال من {لَقَدِ}، والثاني السين من {اسْتُهْزِئَ} فكسرت الدال لالتقاء الساكنين.
وقرأ الباقون {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ} بضم الدال في الوصل حيث وقع.
والوجه أن الدال ضمت إتباعًا لضمة التاء من {اسْتُهْزِئَ}، كما قالوا: ادخل ادل بضم اللام الأولى إتباعا لضمة الخاء الثانية، ومنه قراءة من قرأ {أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا} و{عَذَابِنُ ارْكُضْ} بالضم،
[الموضح: 460]
لما ذكرنا من الإتباع). [الموضح: 461]

قوله تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11)}

قوله تعالى: {قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (12)}

قوله تعالى: {وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (13)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م 03:45 PM

سورة الأنعام
[ من الآية (14) إلى الآية (18) ]
{قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (14) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (16) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (18)}

قوله تعالى: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (14)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (قل إنّي أمرت... (14)
حرك الياء نافع وحده، وأرسلها الباقون). [معاني القراءات وعللها: 1/346]

قوله تعالى: {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله: (إنّي أخاف... (15)
فتحها ابن كثير ونافع وأبو عمرو، وأسكنها الباقون). [معاني القراءات وعللها: 1/346]

قوله تعالى: {مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (16)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (من يصرف عنه يومئذٍ... (16)
[معاني القراءات وعللها: 1/345]
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص (من يصرف عنه) بضم الياء، وفتح الراء.
وفتحها الباقون مع كسر الراء.
قال أبو منصور: من قرأ (يصرف عنه) فهو على أنه مفعول لم يسم فاعله، ومن قرأ (من يصرف عنه) فالفعل لله، فالمعنى: من يصرف اللّه عنه الهلاك والعذاب). [معاني القراءات وعللها: 1/346]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (1- قوله تعالى: {من يصرف عنه يومئذ} [16].
قرأ أهل الكوفة بفتح الياء إلا حفصًا.
وقرأ الباقون بضم الياء.
فمن فتحه فحجته قوله تعالى: {فقد رحمه} لأن في {رحمه} اسم الله مضمرًا فكذلك {من يصرف}.
ومن ضم قال: كرهت أن أضمر شيئين، اسم الله تعالى والعذاب؛ لأن التقدير: من يصرف الله عنه العذاب). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/152]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في ضمّ الياء وفتحها من قوله تعالى: من يصرف عنه يومئذ [الأنعام/ 16].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر يصرف عنه مضمومة الياء مفتوحة الراء.
وقرأ حمزة والكسائي: يصرف عنه مفتوحة الياء مكسورة الراء.
واختلف عن عاصم فروى أبو بكر عنه من يصرف مثل حمزة وروى حفص: يصرف عنه مثل أبي عمرو. فاعل يصرف الضمير العائد إلى ربي* من قوله: إني أخاف إن عصيت ربي [الأنعام/ 15]، وينبغي أن يكون حذف الضمير العائد إلى
[الحجة للقراء السبعة: 3/285]
العذاب، والمعنى: من يصرفه عنه، وكذلك هو في قراءة أبيّ فيما زعموا، وليس حذف هذا الضمير بالسهل، وليس بمنزلة الضمير الذي يحذف من الصلة، لأنّ من* جزاء، ولا يكون صلة على أنّ الضمير إنّما يحذف من الصلة إذا عاد إلى الموصول نحو: أهذا الذي بعث الله رسولا [الفرقان/ 41]. وسلام على عباده الذين اصطفى [النمل/ 59] أي: بعثه واصطفاهم. ولا يعود الضمير المحذوف هنا إلى موصول ولا إلى من* التي للجزاء إنّما يرجع إلى العذاب في قوله: قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم [الأنعام/ 15] وليس هذا بمنزلة قوله: والحافظين فروجهم والحافظات [الأحزاب/ 35]، لأنّ هذا فعل واحد قد تكرّر، وعدّي الأول منهما إلى المفعول، فعلم بتعدية الأول، أنّ الثاني بمنزلته.
وأمّا قراءة من قرأ يصرف فالمسند إليه: الفعل المبني للمفعول، ضمير العذاب المتقدّم ذكره، وليس هذا كقول من قال: يصرف بفتح الياء، لأنّ ضمير المنصوب هنا محذوف، وفي قول من قرأ: يصرف مضمر ليس بمحذوف، والذكر العائد إلى المبتدأ الذي هو من في القراءتين جميعا الضمير الذي في عنه. ومما يقوي ذلك قوله: ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم [هود/ 8]. ألا ترى أنّ الفعل مبني للمفعول به وفيه ضمير العذاب؟ وممّا يحسّن قراءة من قرأ: يصرف، بفتح الياء، أنّ ما
[الحجة للقراء السبعة: 3/286]
بعده من قوله: فقد رحمه فعل مسند إلى ضمير اسم الله تعالى، فقد اتّفق الفعلان في الإسناد إلى هذا الضمير فيمن قرأ يصرف بفتح الياء.
ومما يقوي قراءة من قرأ: من يصرف بفتح الياء، أنّ الهاء المحذوفة من يصرفه لما كانت في حيز الجزاء، وكان ما في حيز الجزاء في أنّه لا يتسلّط على ما تقدّمه، بمنزلة ما في الصلة، في أنّه لا يجوز تسلّطه على الموصول، حسن حذف الهاء منه، كما حسن حذفها من الصلة). [الحجة للقراء السبعة: 3/287]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({من يصرف عنه يومئذٍ فقد رحمه}
[حجة القراءات: 242]
قرأ حمزة والكسائيّ وأبو بكر {من يصرف} بفتح الياء وكسر الرّاء أي من يصرف الله عنه العذاب يومئذ
وحجتهم قوله قبلها {قل لمن ما في السّماوات والأرض قل لله} فكذلك {من يصرف عنه} وأخرى أنه ختم الكلام بمثل معنى يصرف فقال {فقد رحمه} ولم يقل فقد رحم فيكون على نظيره ممّا لم يسم فاعله فكان التّوفيق بين أوله وآخره أولى من أن يخالف بينهما فجعل آخره مثل الأول ملحقًا به
وقرأ الباقون {من يصرف عنه} بضم الياء وفتح الرّاء على ما لم يسم فاعله وحجتهم أن هذا الوجه أقل إضمارا لأنّه إذا قال {من يصرف عنه يومئذٍ فقد رحمه} أي فقد رحمه الله لأنّه تقدمه {إن عصيت ربّي} وفي {يصرف} ذكر العذاب وإذا قال {من يصرف} أضمر ذكر العذاب وفي قراءتهم ذكر العذاب في {يصرف} فحسب). [حجة القراءات: 243]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (1- قوله: {من يُصرف عنه} قرأه أبو بكر وحمزة والكسائي بفتح الياء، وكسر الراء، وقرأ الباقون بضم الياء، وفتح الراء.
وحجة من قرأ بفتح الياء أنه أخبر بالفعل عن الفاعل المتقدم الذكر، وإضماره مستتر في {يصرف}، وشاهده أن في قراءة أبي: «من يصرفه الله عنه»، وفي قراءة ابن مسعود: «يصرف الله عنه» فالمعنى: من يصرب الرب عنه يومئذ العذاب فقد رحمه، فالمفعول محذوف، وهو «العذاب»؛ لدلالة الكلام عليه، ولا يحسن أن يقدّر حرف «ها» مع «يصرف» لأن الهاء، إنما تحذف من الصلات، وليس في الكلام موصول؛ لأن «من» للشرط لا صلة لها.
2- وحجة من ضم الياء أنه بنى الفعل لما لم يُسم فاعله، فأضمر فيه ذكر العذاب، لتقدم ذكره، وأقامه مقام الفاعل، فلا حذف في الكلام، ويقوي ذلك قوله:{ليس مصروفًا عنهم} «هود 8» يعني العذاب، فبناه لما لم يُسم فاعله، وأضمر فيه العذاب، أقامه مقام الفاعل أيضًا، وهو إجماع، وهو الاختيار لأن أكثر القراء عليه، ولأنه أقل إضمارًا من القراءة بفتح الياء). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/425]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (2- {مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ} [آية/ 16]، بفتح الياء وكسر الراء:-
قرأها عاصم في رواية أبي بكر، وحمزة والكسائي ويعقوب.
والوجه أن {يُصْرَفْ} فعل الرب تعالى، وقد جرى ذكره في قوله تعالي {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} والمفعول به محذوف، وهو الضمير العائد إلى العذاب، والتقدير: من يصرفه ربي عنه، أي من يصرف الله العذاب عنه فقد رحمه، ويؤيد هذه القراءة أن ما بعده من جواب الشرط الذي هو قوله {فَقَدْ رَحِمَهُ} ورد على إسناده إلى ضمير اسم الله تعالى، فقد اتفق الفعلان في الإسناد.
وقرأ الباقون {يُصْرَفْ} بضم الياء وفتح الراء، على ما لم يسم فاعله.
والمصروف هو العذاب، والتقدير من يصرف عنه العذاب يومئذ، ويقوي هذه القراءة قوله تعالى {أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ} على بناء الفعل للمفعول به، وفيه ضمير العذاب). [الموضح: 461]

قوله تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17)}

قوله تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (18)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م 03:57 PM

سورة الأنعام
[ من الآية (19) إلى الآية (20) ]
{قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآَنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آَلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (19) الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20)}


قوله تعالى: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآَنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آَلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (19)}

قوله تعالى: {الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م 07:18 PM

سورة الأنعام
[ من الآية (21) إلى الآية (26) ]

{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (21) وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (22) ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (23) انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (25) وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (26) }

قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (21)}

قوله تعالى: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (22)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (2- وقوله تعالى: {ويوم نحشرهم ....} [22].
قرأ حفص عن عاصم بالياء هاهُنا وفي (يُونس) قبل الثلاثين، وقرأ سائر القرآن بالنون.
وقرأ الباقون كل ذلك بالنون. فمن قرأ بالنون فالله تعالى يُخبر عن نفسه، وإنما أتى بلفظ الجمع؛ لأن الملك يخبر عن نفسه بلفظ الجماعة تعظيمًا وتخصيصًا كما قال الله: {إنا نحن نزلنا الذكر} والله تعالى، وحده لا شريك له). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/152]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: وقرأ عاصم في رواية حفص ويوم نحشرهم [الأنعام/ 22] بالنون حرفين هاهنا، وفي يونس قبل الثلاثين أيضا:
ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا [يونس/ 28] وباقي القرآن بالياء.
وروى أبو بكر عن عاصم ذلك كلّه بالنون.
وقرأ الباقون بالنون إلّا أنّهم اختلفوا في سورة الفرقان، ويأتي في موضعه [إن شاء الله].
حجّة من قرأ بالنون قوله: وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا [الكهف/ 47] وقوله: ويوم نحشرهم [الأنعام/ 22]، والياء في المعنى كالنون). [الحجة للقراء السبعة: 3/290]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (3- {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ} بالياء، {ثُمَّ يَقُولُ} [آية/ 22] بالياء فيهما:-
[الموضح: 461]
قرأها يعقوب (وحده)، وقرأ الباقون بالنون فيهما.
ومعنى القراءتين واحد في أن الفعل لله تعالى، وقد مضى الكلام في مثله). [الموضح: 462]

قوله تعالى: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (23)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ثمّ لم تكن فتنتهم... (23)
قرأ ابن كثير وابن عامر وحفص (ثمّ لم تكن) بالتاء (فتنتهم) رفعًا، وقرأ نافع وأبو عمرو وأبو بكر عن عاصم (ثمّ لم تكن فتنتهم) نصبًا، وكذلك روى شبل عن ابن كثير، وقرأ حمزة والكسائي والحضرمي (ثمّ لم يكن فتنتهم) نصبًا.
قال أبو منصور: من نصب (فتنتهم) فهو على أنه خبر (تكن)، ويكون (أن قالوا) الاسم، وأنثت (تكن) وهو لـ (أن قالوا) لأنّ (أن قالوا) ها هنا هي الفتنة، ومن قرأ (ثمّ لم تكن فتنتهم) بالرفع فعلى أن الفتنة هي الاسم لـ (تكن)، ويكون (أن قالوا) الخبر.
وقال بعضهم: من قرأ (لم يكن) بالياء وجعله لـ (أن قالوا) فمعناه: (القول)، وهو مذكّر). [معاني القراءات وعللها: 1/347]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (واللّه ربّنا... (23)
قرأ حمزة والكسائي (واللّه ربّنا) نصب على الدعاء، وقرأ الباقون (واللّه ربّنا) خفضا.
[معاني القراءات وعللها: 1/347]
قال أبو منصور: من قرأ (ربّنا) فعلى البدل، كأنه قال: وربّنا.
وقال الزجاج: من قرأ (ربّنا) فعلى النعت والثناء لقوله: (والله).
ومن نصب فعلى وجهين:
أحدهما: على الدعاء، كأنهم قالوا: والله يا ربّنا ما كنّا مشركين.
ويجوز أن يكون نصبه على المدح، كأنه قال: والله أعني (ربّنا) وأذكر (ربّنا) ). [معاني القراءات وعللها: 1/348]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (3- وقوله تعالى: {ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا} [23].
قرأ حمزة والكسائي {يكن} بالياء ونصبا {فتنتهم}.
وقرأ ابن كثير وحفص عن عاصم وابن عامر بالتاء ورفع الفتنة. فأما ابن كثير فإنه يجعل الفتنة اسم الكون، والخبر {إلا أن قالوا} لأن «أن» مع الفعل بتقدير المصدر، وتلخيصه: ثم لم تكن فتنتهم إلا قولهم ....
وقرأ الباقون بالتاء ونصب الفتنة، فأما حمزة فإنه يجعل {أن قالوا} الاسم، والفتنة الخبر، وهو الاختيار لعلتين:
إحداهما: أن الفتنة تكون معرفة ونكرة، والضمير في {أن قالوا} لا يكون إلا معرفة.
وأما حجة أبي عمرو ومن تبعه قال: لما كانت الفتنة هي القول والقول هو الفتنة جاز أن تحل محله). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/153]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (4- وقوله: {والله ربنا ما كنا مشركين} [23].
قرأ حمزة والكسائي {ربنا} بالنصب على: والله يا ربنا؛ لأن الله تعالى قد ذكر نفسه قبل ذلك وخاطبوه.
وقرأ الباقون: {والله ربنا} بالخفض فجعلوه مقسمًا به تعالى، وقالوا: هذا أحسن في اللفظ والمعنى أن تقول: والله العظيم ما فعلت كيت وكيت، من أن تقول: والله يا أيها العظيم). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/153]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في الياء والتاء والرفع والنصب من قوله [جلّ وعزّ]: ثم لم تكن فتنتهم [الأنعام/ 23].
فقرأ ابن كثير في رواية قنبل عن القواس، وعبيد بن عقيل عن شبل عن ابن كثير، وابن عامر، وحفص عن عاصم ثم لم تكن بالتاء فتنتهم رفعا.
وروى خلف وغيره عن عبيد عن شبل عن ابن كثير: ثم لم تكن بالتاء فتنتهم نصبا.
[الحجة للقراء السبعة: 3/287]
وقرأ نافع وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر تكن بالتاء فتنتهم نصبا.
وقرأ حمزة والكسائي ثم لم يكن بالياء فتنتهم نصبا.
[قال أبو علي] من قرأ: ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا [الأنعام/ 23] تكن بالتاء ورفع الفتنة، كان ذلك حسنا لإثباته علامة التأنيث في الفعل المسند إليه الفتنة، والفتنة مؤنثة بلحاقها علامة التأنيث وأن قالوا على هذه القراءة: في موضع نصب، والتقدير: لم تكن فتنتهم إلّا قولهم. فأمّا ما روي عن ابن كثير من قراءته: ثم لم تكن
بالتاء فتنتهم نصبا، فقد أنّث، أن قالوا لمّا كان الفتنة في المعنى، وفي التنزيل: فله عشر أمثالها [الأنعام/ 160] فأنّث الأمثال، وواحدها مثل، حيث كانت الأمثال في المعنى الحسنات، وقد كثر مجيء هذا في الشعر والرواية الأولى أوجه من حيث كان الكلام محمولا فيها على اللفظ. ومثل هذا قراءة نافع، وأبي عمرو، وعاصم في رواية أبي بكر. ومما جاء على هذا في الشعر قوله:
[الحجة للقراء السبعة: 3/288]
.. وكانت عادة... منه إذا هي عرّدت إقدامها
فأنّث الإقدام لما كان العادة في المعنى، وهذا البيت، وهذه الآية إذا قرئت على القياس أقرب من قول الشاعر:
هم أهل بطحاوي قريش كليهما... هم صلبها ليس الوشائظ كالصلب
لأنّ بطحاوي مكة مؤنث، والمذكر: الأبطح، فهو لفظ غير لفظ المؤنّث، والفتنة هي: القول.
وقد جاء في الكلام: ما جاءت حاجتك، فأنّث ضمير (ما) حيث كان الحاجة في المعنى: وألزم التأنيث ونصبت الحاجة. ومثل
[الحجة للقراء السبعة: 3/289]
ذلك قولهم: من كانت أمّك، فأنّث ضمير من حيث كان الأمّ ومثله: ومن تقنت منكن [الأحزاب/ 31]. وممّا يقوّي [نصب فتنتهم] أنّ قوله: أن قالوا: أن يكون الاسم دون الخبر أولى، لأنّ أن* إذا وصلت لم توصف فأشبهت بامتناع وصفها المضمر. فكما أنّ المضمر إذا كان مع المظهر كان أن يكون الاسم أحسن، كذلك أن* إذا كانت مع اسم غيرها، كانت أن تكون الاسم أولى). [الحجة للقراء السبعة: 3/290]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الخفض والنصب من قوله تعالى: والله ربنا [الأنعام/ 23].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر بالكسر فيهما.
وقرأ حمزة والكسائي: والله ربنا بالنصب.
من قرأ والله ربنا: جعل الاسم المضاف وصفا للمفرد، ومثل ذلك: رأيت زيدا صاحبنا، وبكرا جاركم. وقوله: ما كنا مشركين [الأنعام/ 23] جواب القسم.
ومن قال: والله ربنا، فصل بالاسم المنادى بين القسم والمقسم عليه بالنداء، والفصل به لا يمتنع، وقد فصل بالمنادى بين الفعل ومفعوله [كما فعل ذلك] في نحو قوله: إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك [يونس/ 88] والمعنى آتيتهم زينة وأموالا ليضلوا فلا يؤمنوا، وفصل به في أشدّ من ذلك، وهو الفصل بين الصلة والموصول قال:
[الحجة للقراء السبعة: 3/291]
فلأحشأنّك مشقصا* أوسا أويس من الهبالة وهذا لكثرة النداء في الكلام ومثل ذلك في الفصل قوله:
ذاك الّذي وأبيك تعرف مالك... والحقّ يدفع ترّهات الباطل). [الحجة للقراء السبعة: 3/292]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ثمّ لم تكن فتنتهم إلّا أن قالوا والله ربنا ما كنّا مشركين}
قرأ ابن كثير وابن عامر وحفص {ثمّ لم تكن} بالتّاء {فتنتهم} رفع جعلوا الفتنة اسم كان والخبر {إلّا أن قالوا} لأن أن مع الفعل في تقدير المصد ر المعنى ثمّ لم تكن فتنتهم إلّا قولهم
وقرأ نافع وأبو عمرو وأبو بكر {ثمّ لم تكن} بالتّاء {فتنتهم} نصب جعلوا الفتنة خبرا والاسم {إلّا أن قالوا} وتقدير الكلام ثمّ لم تكن فتنتهم إلّا قولهم يقال لم أنث تكن والاسم مذكّر الجواب إنّما أنث لأن الفعل لما جاء ملاصقا للفتنة أنث لتأنيثها وإنّما جاز ذلك لأن الفتنة هي القول والقول هو الفتنة فجاز أن يحل محله
[حجة القراءات: 243]
ولا يؤثر في الخبر إلّا فيما كان الأول بعينه نحو كان زيد أخاك فالخبر هو الاسم فكذلك الفتنة هي القول
وجواب آخر وهو أن المصدر قد يقدر مؤنثا ومذكرا التّقدير ثمّ لم تكن فتنتهم إلّا مقالتهم والاسم مؤنث
قرأ حمزة والكسائيّ (ثمّ لم يكن) بالياء {فتنتهم} نصبا جعلا {أن قالوا} الاسم التّقدير ثمّ لم يكن فتنتهم إلّا قولهم وحجتهما إجماع القرّاء على نصب قوله {فما كان جواب قومه إلّا أن قالوا} وأخرى وهي أن في حرف عبد الله (فما كان فتنتهم) فهذا دليل على التّذكير
قرأ حمزة والكسائيّ {والله ربنا} بالنّصب أي يا ربنا على النداء وحجتهما أن الآية ابتدئت بمخاطبة الله إيّاهم إذ قال للّذين أشركوا {أين شركاؤكم} فجرى جوابهم إيّاه على نحو سؤاله لمخاطبتهم إيّاه فقالوا {والله ربنا} بمعنى والله يا ربنا ما كنّا مشركين فأجابوه مخاطبين له كما سألهم مخاطبين
وقرأ الباقون {والله ربنا} خفضا على النّعت والثناء وحجتهم في ذلك أنّك إذا قلت أحلف باللّه ربّي كان أحسن من أن تقول أحلف باللّه يا رب). [حجة القراءات: 244]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (3- قوله: {تكن فتنتهم} قرأه حمزة والكسائي بالياء، وقرأ الباقون بالتاء، وقرأ ابن كثير وابن عامر وحفص «فتنتُهم» بالرفع، وقرأ الباقون بالنصب.
وحجة من قرأ بالتاء أنه أنّث الفعل لتأنيث لفظ الفتنة، إن رفع الفتنة أنّث؛ لأن الفاعل مؤنث اللفظ، وإن نصب الفتنة أنّث؛ لأن الفاعل في المعنى هو الفتنة؛ لأن خبر كان هو اسمها في المعنى.
4- وحجة من قرأ بالياء أنه أتى بلفظ التذكير، لتذكير «أن» وما بعدها، في قوله: {إلا أن} إذا نصب {فتنتهم}، فإن رفعها ذكر؛ لأن الفتنة المعذرة، والمعذرة والعُذر واحد، فذكر لتذكير العذر، ويجوز أن يكون ذكر لأن «الفتنة » «القول» في المعنى، فذكّر لتذكير القول إذ القول هو الفتنة.
5- وحجة من رفع الفتنة أنها لما كانت معرفة، وتقدمت «القول» جعلها اسم كان، و{أن قالوا} الخبر، فأتى الكلام في الإعراب على رتبته، من غير تقديم ولا تأخير، لا سيما إذا قرئ بالتاء، فهو أقوى لرفع الفتنة، لأن التأنيث في الفعل يدل على إضافة الفعل إلى «الفتنة» فقوي الرفع في «الفتنة» لتأنيث الفعل، ولتقدّم «الفتنة» في اللفظ، ولأنها معرفة، فأما إذا قرئ {تكن} بالتاء فالرفع يقوى، لتقدم «الفتنة» في اللفظ، ولأنها معرفة ولأنها هي «القول» الذ حمل التذكير عليه.
6- وحجة من نصب «الفتنة» أنه لما وقع بعد «كان» معرفتان، وكان أحدهما أعرف جعله اسم «كان»، وهو «أن» وما بعدها، وإنما كانت أعرف لأنها لا توصف، كما لا يوصف المضمر، فأشبهت المضمر، فجعلت اسم كان كما يجعل المضمر إذا وقع بعد كان اسمها والظاهر خبرها، ولأنها
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/426]
لا تتنكر أبدًا كما تتنكر «الفتنة»، وتنفصل عما أضيفت إليه، لا سيما إذا قرئ «يكن» بالياء، فهو أقوى في نصب «الفتنة»؛ لأنه قد بان أن الفعل لـ «القول» بالتذكير، والاختيار القراءة بالتاء، ونصب «الفتنة»؛ لأنها هي القول في المعنى ولأنها بمعنى العذر ولأن «أن» وما بعدها أعرف؛ لأن على ذلك أكثر القراء). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/427]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (7- قوله: {والله ربنا} قرأه حمزة والكسائي «ربنا» بالنصب على النداء المضاف، وفصل به بين القَسَم وجوابه، وذلك حسن، لأن فيه معنى الخضوع والتضرع حين لا ينفع ذلك، وقرأه الباقون بالخفض، على النعت لـ «الله» عز وجل، أو على البدل). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/427]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (4- {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ} بالتاء {فِتْنَتُهُمْ} [آية/ 23] بالرفع:-
قرأها ابن كثير وابن عامر و-ص- عن عاصم.
ووجهه أن التاء لعلامة التأنيب لأجل الفتنة، والفتنة مؤنثة للحاق علامة التأنيث لها وهي الهاء، و{فِتْنَتُهُمْ} رفع لكونها اسم {تَكُنْ}، وقوله {أَنْ قَالُوا} خبره، وهو في موضع نصب، والتقدير: ثم لم تكن فتنتهم إلا قولهم.
وقرأ نافع وأبو عمرو و-ياش- عن عاصم {تَكُنْ} بالتاء {فِتْنَتُهُمْ} بالنصب؛ لأنهم جعلوا {أَنْ قَالُوا} اسم كان و{فِتْنَتُهُمْ} بالنصب خبرها، وأنثوا {أَنْ قَالُوا} وإن كان التقدير: قولهم، والقول مذكر؛ لأنه هو الفتنة في المعنى، كما قال تعالى {فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} ولم يقل عشرة؛ إذ كانت الأمثال هي الحسنات في المعنى.
وقرأ حمزة والكسائي {يَكُنْ} بالياء {فِتْنَتُهُمْ} بالنصب.
[الموضح: 462]
وهذا على القياس؛ لأن اسم {يَكُنْ} ههنا {أَنْ قَالُوا} وهو مذكر؛ لأنه في تقدير القول، والمراد ثم لم يكن فتنتهم بالنصب -إلا قولهم -بالرفع-، فأن قالوا اسم كان و{فِتْنَتُهُمْ} خبره، فلما كان اسم كان مذكرًا ألحق الياء بيكن لأنه علم التذكير). [الموضح: 463]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (5- {وَالله رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [آية/ 23] بجر {الله} ونصب {رَبِّنَا}:-
قرأها حمزة والكسائي.
ووجه ذلك أن قوله تعالى {وَالله} قسم، و{رَبِّنَا} منادى، وانتصابه على أنه منادى مضاف، وقد فصل بهذا المنادى بين القسم والمقسم عليه، والتقدير: والله يا ربنا ما كنا مشركين.
وقرأ الباقون {وَالله رَبِّنَا} بالجر فيهما، على أن الاسم المضاف الذي هو {رَبِّنَا} صفة لله، كما تقول: مررت بزيد صاحبنا وبكر أخينا، فالجر في {رَبِّنَا} لكونه صفة لله، والجر في {وَالله} لكونه مقسما به). [الموضح: 463]

قوله تعالى: {انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24)}

قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (25)}

قوله تعالى: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (26)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م 07:20 PM

سورة الأنعام
[ من الآية (27) إلى الآية (30) ]

{وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآَيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (27) بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (28) وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (29) وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (30)}

قوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآَيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (27)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (نردّ ولا نكذّب بآيات ربّنا ونكون من المؤمنين (27)
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وأبو بكر والكسائي (نردّ ولا نكذّب... ونكون) بالرفع، وقرأ ابن عامر (ولا نكذّب) رفعًا، و(نكون) نصبًا.
وقد روى هشام بن عمار بإسناده عن ابن عامر النصب
[معاني القراءات وعللها: 1/348]
فيهما، وقرأ الباقون (ولا نكذّب... ونكون) بالنصب جميعًا.
قال أبو منصور: ومن قرأ بالرفع في (ولا نكذّب... ونكون) فالمعنى: يا ليتنا نرد ونحن لا نكذب بآيات ربنا أبدًا، رددنا أو لم نرد، ونكون من المؤمنين قد عيّنّا وشاهدنا ما لا نكذب معه أبدًا.
ويجوز الرفع على وجه آخر: على معنى: يا ليتنا نرد ويا ليتنا لا نكذب بآيات ربّنا، كأنما تمنوا الرد والتوفيق للتصديق، (ونكون) معطوف عليه.
ومن قرأ (يا ليتنا نردّ ولا نكذّب... ونكون) فهو على الجواب بالواو في التمني، كما تقول: ليتك تصير إلينا ونكرمك، وهذا قول أبى إسحاق.
وقال أحمد بن يحيى: جواب التمني إنما يكون بالفاء نصبًا، فأما الواو، فإنما ينصب على الصرف). [معاني القراءات وعللها: 1/349]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (5- وقوله تعالى: {يا ليتنا نرد ولا نكذب} [27].
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/153]
قرأ حمزة وحفص {نكذب .... ونكون} بنصب الباء والنون ووافق شامي في النون؛ جعلوه جواب التمني؛ لأن الجواب بالواو ينصب كما ينصب بالفاء كقول الشاعر:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله = عار عليك إذا فعلت عظيم
وكقراءة الأعرج: {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء} بالنصب.
وقرأ الباقون بالرفع كل ذلك.
فمن رفع جعل الكلام كله خبرًا؛ لأن القوم تمنوا الرد، ولم يتمنوا الكذب والتقدير: يا ليتنا نرد ونحن لا نكذب). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/154]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الرفع والنصب من قوله [جلّ وعزّ]: ولا نكذب بآيات ربنا ونكون [الأنعام/ 27].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي، وعاصم في رواية أبي بكر: ولا نكذب ونكون* جميعا بالرفع.
وقرأ ابن عامر وحمزة وعاصم في رواية حفص: ولا نكذب ونكون بنصبهما هذه رواية ابن ذكوان عن أصحابه عن أيوب بن تميم عن ابن عامر. وقال هشام ابن عمار عن أصحابه عن ابن عامر: ولا نكذب مرفوعة، ونكون نصبا.
[الحجة للقراء السبعة: 3/292]
[قال أبو علي]: [فأمّا] من قرأ بالرفع جاز في قراءته وجهان: أحدهما: أن يكون معطوفا على نرد فيكون قوله: ولا نكذب ونكون* داخلا في التمني دخول نرد فيه، فعلى هذا: قد تمنّى الردّ، وأن لا نكذّب، والكون من المؤمنين.
ويحتمل الرفع وجها آخر: وهو أن تقطعه من الأول، فيكون التقدير على هذا: يا ليتنا نردّ ونحن لا نكذب بآيات ربّنا، ونكون.
قال سيبويه: وهو على قولك: فإنّا لا نكذب، كما تقول: دعني ولا أعود، أي: فإنّي ممن لا يعود، فإنّما يسألك الترك، وقد أوجب على نفسه أن لا يعود ترك أو لم يترك، ولم يرد أن يسأل: أن يجمع له الترك وأن لا يعود.
وهذا الوجه الثاني ينبغي أن يكون أبو عمرو ذهب إليه في قراءته جميع ذلك بالرفع، فالأوّل الذي هو [عطف على] الردّ داخل في التمني، وقوله: ولا نكذب بآيات ربنا ونكون* على نحو: دعني ولا أعود، يخبرون على البتات أن لا يكذّبوا ويكونوا من المؤمنين، لأنّ أبا عمرو روي عنه أنّه استدلّ على خروجه من التمني بقوله: وإنهم لكاذبون [الأنعام/ 28] فقال: قوله:
وإنهم لكاذبون يدلّ على أنّهم أخبروا بذلك عن أنفسهم، ولم
[الحجة للقراء السبعة: 3/293]
يتمنوه، لأنّ التمني لا يقع فيه الكذب، إنّما يكون الكذب في الخبر دون التمني. وأهل النظر يذهبون إلى أنّ الكذب لا يجوز وقوعه في الآخرة، فإذا لم يجز ذلك فيها كان تأويل قوله: وإنهم لكاذبون. على تقدير: إنّهم لكاذبون في الدنيا في تكذيبهم الرسل، وإنكارهم البعث، ويكون قوله: وإنهم لكاذبون حكاية للحال التي كانوا عليها في الدنيا، كما أنّ قوله: وكلبهم باسط ذراعيه [الكهف/ 18] حكاية للحال الماضية، وكما أنّ قوله: وإن ربك ليحكم بينهم [النحل/ 124] حكاية للحال الآتية.
ولو جاز الكذب في الآخرة لكان ذلك حجة للرفع على الوجه الذي ذكرنا.
وحجّة من نصب فقال: يا ليتنا نرد ولا نكذب ونكون [الأنعام/ 37] أنّه أدخل ذلك في التمني، لأنّ التمني غير موجب، فهو كالاستفهام والأمر والنهي والعرض في انتصاب ما بعد ذلك كلّه من الأفعال إذا دخلت عليها الفاء على تقدير ذكر مصدر الفعل الأول، كأنّه في التمثيل: يا ليتنا يكون لنا ردّ وانتفاء للتكذيب، وكون من المؤمنين. ومن رفع نرد ولا نكذب ونصب ونكون [فإنّ الفعل الثاني من الفعلين المرفوعين] يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون داخلا في التمني فيكون في
[الحجة للقراء السبعة: 3/294]
المعنى كالنصب. والوجه الآخر أنّه يخبر على البتات أن لا يكذّب ردّ أو لم يردّ. ومن نصب ولا نكذب ونكون جعلهما جميعا داخلين في المعنى في التمني كما أنّ من رفع ذلك، وعطفه على التمني كان كذلك). [الحجة للقراء السبعة: 3/295]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين}
[حجة القراءات: 244]
قرأ حمزة وحفص {فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون} بنصب الياء والنّون جعلاه جواب التّمنّي لأن الجواب بالواو ينصب كما ينصب بالفاء قال الشّاعر:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم
وكما تقول ليتك تصير إلينا ونكرمك المعنى ليت مصيرك يقع وإكرامنا ويكون المعنى ليت ردنا وقع ولا نكذب أي إن رددنا لم نكذب
وقرأ ابن عامر {يا ليتنا نرد ولا نكذب} بالرّفع {ونكون} بالنّصب جعل الأول نسقا والثّاني جوابا كأنّه قال ونحن لا نكذب ثمّ رد الجواب إلى {يا ليتنا} المعنى يا ليتنا نرد فنكون من المؤمنين
وحجته قوله {لو أن لي كرة فأكون من المحسنين}
وقرأ الباقون {يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون} بالرّفع فيهما جعلوا الكلام منقطعًا عن الأول قال الزّجاج المعنى أنهم تمنوا الرّد وضمنوا أنهم لا يكذبون المعنى يا ليتنا نرد ونحن لا نكذب بآيات ربنا رددنا أم لم نرد ونكون من المؤمنين أي عانينا وشاهدنا ما لا نكذب معه أبدا قال ويجوز الرّفع على وجه آخر على معنى يا ليتنا نرد ويا ليتنا لا نكذب بآيات ربنا كأنّهم تمنوا الرّد والتوفيق للتصديق). [حجة القراءات: 245]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (8- قوله: {ولا تكذب}، {ونكون} قرأه حفص وحمزة «ولا نكذب» بالنصب، وقرأ ابن عامر وحمزة وحفص «ويكون» بالنصب، ورفعهما الباقون.
وحجة من نصب أنه جعل الفعلين جوابًا للتمني؛ لأنه غير واجب، ليكونا داخلين في التمني، على معنى أنهم تمنوا الرد، وترك التكذيب، الكون من المؤمنين، والنصب بإضمار «أن» كما تنصب في جواب الاستفهام والأمر والنهي والعرض، لأن جميعه غير واجب، ولا واقع بعد، فينصب الجواب مع الواو، كأنه عطف على مصدر الأول، كأنهم قالوا: يا ليتنا يكون لنا رد، وانتفاء من التكذيب، وكون من المؤمنين، فحملا على مصدر «يرد» في
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/427]
العطف، إذ لم يكن أن يحملا على العطف على «نرد» لانقلاب المعنى إلى الرفع، فلم يكن بد من إضمار «أن» لتكون مع الفعل مصدرًا، فيعطف مصدرًا على مصدر، وبه يتم النصب في الفعلين.
9- وحجة من رفعهما أنه عطفهما على «نرد» فيكون قوله: «ولا نكذب ونكون» داخلين في التمني، تمنوا ثلاثة أشياء على ما ذكرنا، ويجوز أن يرفع، على أن يقطعه من الأول على تقدير: يا ليتنا نرد، ونحن لا نكذب بآيات ربنا، ونكون من المؤمنين، رددنا أو لم نرد، وقوله: {وإنهم لكاذبون} «28» يدل على كذبهم فيما أخبروا به عن أنفسهم، من أنهم لا يكذبون ويكونون من المؤمنين، ولم يتمنوا ذلك في هذا التقدير، لأن التمني لا يقع مع التكذيب، إنما يكون التكذيب في الخبر، إنما التزموه ردوا أو لم يُردوا، حكم سيبويه: دعني ولا أعود، بالرفع على معنى: ولا أعود تركتني أو لم تتركني، ولم يسأل أن يجمع له الترك والعود، وأهل النظر على أن التكذيب لا يجوز في الآخرة؛ لأنها دار جزاء، على ما كان في الدنيا، والتأويل عندهم: وإنهم لكاذبون في الدنيا، في تكذيبهم للرسل، وإنكارهم البعث، فيكون ذلك حكاية عن الحال التي كانوا عليها في الدنيا كما قال: {وإن ربك ليحكم بينهم} فجعله حكاية عن الحال الآتية، وقد حُكي أن أبا عمرو احتج للرفع بقوله: {وإنهم لكاذبون} وأجاز التكذيب في الآخرة.
10- وحجة من رفع «نكذب» ونصب «ونكون» أنه رفع الأول على أحد الوجهين المذكورين المتقدمين، على أن يكون داخلًا في التمني، فيكون الرفع كالنصب، ونصب «ونكون» على جواب التمني فكلا الفعلين دخل في التمني، ويجوز رفع «ونكذب» على معنى الثبات على
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/428]
ترك التكذيب، أي: لا نكذب رددن أو لم نرد، فيكون غير داخلًا في التمني ويكون داخلًا في التمني إذا نصبته). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/429]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (6- {وَلا نُكَذِّبَ} {وَنَكُونَ} [آية/ 27] منصوبتان:-
قرأهما حمزة وعاصم -ص- ويعقوب.
والوجه أن انتصابهما لأجل كونهما جوابًا للتمني؛ لأن التمني غير موجب
[الموضح: 463]
فهو كالاستفهام والأمر والنهي إذا دخلت على الفعل الذي بعدها الفاء أو الواو نحو: هل زيد عندك فأكرمه، واعطني فأشكرك، ولا تشتمني فأضربك، وليت لي مالا فأنفقه.
وحكم الواو في ذلك كحكم الفاء، وهو على إضمار أن بعد الواو أو الفاء، والكلام محمول على المصدر، والتقدير: يا ليتنا يكون لنا وانتفاء من التكذيب وكون من المؤمنين.
وقرأ ابن عامر {وَلا نُكَذِّبَ} رفعة و{وَنَكُونَ} نصبًا.
ووجه الرفع في {نُكَذِّبَ} أنه جعله معطوفة على {نُرَدُّ} داخلا في التمني، والنصب في {نَكُونَ}؛ من أجل أنه جواب التمني.
وقرأ الباقون بالرفع في {نُكَذِّبَ} و{نَكُونَ} جميعًا، وله وجهان:
أحدهما: أن يكونا معطوفين على {نُرَدُّ} داخلين في التمني.
والثاني: أن يكونا على الاستئناف والقطع من الأول، والتقدير: يا ليتنا نرد ونحن لا نكذب بآيات ربنا ونكون). [الموضح: 464]

قوله تعالى: {بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (28)}

قوله تعالى: {وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (29)}

قوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (30)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م 07:22 PM

سورة الأنعام
[ من الآية (31) إلى الآية (34) ]
{قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (31) وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (32) قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33) وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34)}

قوله تعالى: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (31)}

قوله تعالى: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (32)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (للّذين يتّقون أفلا تعقلون (32)
ونظائره في الأعراف، ويوسف والقصص ويس.
قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي في القصص بالتاء، والباقي بالياء.
وقرأ أبو عمرو خمسهن بالياء، وهما سيّان، وقد خيّر أبو عمرو في القصص فقال: إن شئت بالتاء، وإن شئت بالياء، وقال: وهما سيّان.
وقرأهن نافع وابن عامر كلهن بالتاء، وتابعهما حفص إلا في يس
[معاني القراءات وعللها: 1/350]
فإنه قرأ (يعقلون) بالياء، وقرأ أبو بكر في رواية الأعشى عنه في القصص بالتاء، والباقي بالياء مثل حمزة، وفي رواية يحيى عنه في يوسف وفي القصص بالتاء، والباقي بالياء.
وقرأ الأصم في الأنعام والقصص ويس (أفلا تعقلون) بالتاء، والباقي بالياء.
قال أبو منصور: من قرأ بالتاء فللمخاطب، ومن قرأ بالياء فللغيبة). [معاني القراءات وعللها: 1/351]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ولدار الآخرة خيرٌ (32)
قرأ ابن عامر وحده: (ولدار الآخرة خيرٌ) بلام واحد، وخفض الآخرة، وقرأ الباقون: (وللدّار الآخرة خيرٌ) بلامين، (الآخرة) رفع.
قال أبو منصور: من قرأ (وللدّار الآخرة) فالآخرة نعت للدار، وهي أجود القراءتين، ومن قرأ (ولدار الآخرة) فإنه أضاف الدار إلى الآخرة.
والعرب تضيف الشيء إلى نعته، كقول الله: (وحبّ الحصيد)،
[معاني القراءات وعللها: 1/351]
وكقوله: (وذلك دين القيّمة)، وكل ذلك فصيحٌ جيد). [معاني القراءات وعللها: 1/352]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (6- وقوله تعالى: {وللدار الآخرة} [32].
قرأ ابن عامر بحذف لامه الأولى {والآخرة} بالخفض والباقون بإثبات اللام و{الآخرة} بالرفع). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/155]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (7- وقوله تعالى: {للذين يتقون أفلا تعقلون} [32].
اختلفوا في خمس (؟ كذا) مواضع، في (الأنعام) و(الأعراف) و(يوسف) و(القصص) و(يس) فقرأهن كلهن نافع بالتاء إلا في سورة (يوسف). وروى [عن] حفص كل ذلك بالتاء إلا في (يس).
وقرأ ابن عامر وعاصم كل ذلك بالتاء إلا هشامًا في (يس) وقرأ الباقون كل ذلك بالياء إلا في (القصص) غير أنا أبا عمرو كان يخير في التاء والياء في (القصص) كما خير في (آل عمران). فمن قرأ بالتاء فالتقدير: قل يا محمد {أفلا تعقلون} يا كفرة، ومن قرأ بالياء فالله تعالى يخبر عنهم أنهم لا يعقلون). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/155]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الياء والتاء من قوله: تتقون أفلا تعقلون [الأنعام/ 32] في خمسة مواضع في الأنعام والأعراف [169] ويوسف [109]، ويس [68]، والقصص [60].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي بالياء في أربعة مواضع وفي القصص بالتاء.
وقرأ نافع ذلك كلّه بالتاء.
وقرأ عاصم في رواية حفص ذلك بالتاء إلّا قوله في يس:
في الخلق أفلا يعقلون [الآية/ 68] بالياء.
وروى أبو بكر بن عياش: ذلك كلّه بالياء إلّا قوله في يوسف أفلا تعقلون فإنّه قرأه بالتاء وفي القصص أيضا: بالتاء.
وقرأ ابن عامر واحدا بالياء، وسائر ذلك بالتاء، وهو قوله في يس: ننكسه في الخلق أفلا يعقلون وكلّهم قرأ في القصص بالتاء إلّا أبا عمرو فإنّه يقرأ بالتاء والياء.
[الحجة للقراء السبعة: 3/295]
[قال أبو علي] العقل والحجا والنّهى كلم مختلفة الألفاظ متقاربة المعاني، قال الأصمعي: بالدّهناء خبراء، فالدهناء يقال لها: معقلة، قال: [أبو علي] ونراها سمّيت
معقلة لأنّها تمسك الماء، كما يمسك الدواء البطن، فالعقل: الإمساك، عن القبيح، وقصر النفس وحبسها على الحسن. والحج أيضا:
احتباس وتمكّث، قال:
فهنّ يعكفن به إذا حجا روى محمد بن السري، وأنشد الأصمعي:
حيث تحجّى مطرق بالفالق تحجّى: أقام، فكأنّ الحجا مصدر كالشبع. ومن هذا الباب، الحجيّا: للّغز، لتمكّث الّذي يلقى عليه حتى يستخرجها.
قال أبو زيد: حج حجيّاك فالحجيّا جاءت مصغّرة كالثّريّا، والحديّا، ويشبه أن يكون ما حكاه أبو زيد من قولهم: حج
[الحجة للقراء السبعة: 3/296]
حجيّاك، على القلب، تقديره: فع، وحذف اللام المقلوبة إلى موضع العين. وهذا يدلّ على أنّ الكلمة لامها واو. وكذلك النهى لا يخلو من أن يكون مصدرا كالهدى، أو جمعا كالظلم، وقوله تعالى: لأولي النهى [طه/ 128] يقوّي أنّه جمع لإضافة الجمع إليه، وإن كان المصدر يجوز أن يكون مفردا في موضع الجمع وهو في المعنى ثبات وحبس. ومنه النهي والنهي والتنهية: للمكان الذي ينتهي إليه الماء فيستنقع فيه لتسفّله، ويمنعه ارتفاع ما حوله من أن يسيح ويذهب على وجه الأرض.
ووجه القراءة بالياء في قوله: وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا يعقلون أنه قد تقدّم ذكر الغيبة وهو قوله: للذين يتقون والمعنى: أفلا يعقل الذين يتّقون أنّ الدار الآخرة خير لهم من هذه الدار [فيعملوا لما ينالون] به الدرجة الرفيعة [والنعم الدائمة] فلا يفترون في طلب ما يوصل إلى ذلك.
وفي الأعراف: وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق ودرسوا ما فيه والدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا يعقلون [الآية/ 169] [أفلا
[الحجة للقراء السبعة: 3/297]
يعقل] هؤلاء الذين ارتكبوا المحارم في أخذ عرض هذا الأدنى، وأخذ مثله مع أنّهم أخذ الميثاق عليهم في كتابهم، ومعرفتهم له بدرسهم ما في كتابهم أن لا يقولوا على الله إلّا الحقّ، فلا يستحلوا ما حرّم عليهم من تناول أموال غيرهم المحظورة عليهم، وفي يوسف: أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ولدار الآخرة خير للذين اتقوا أفلا تعقلون [الآية/ 109]، محمول على الغيبة التي قبله في قوله: أفلم يسيروا في الأرض أي: أفلا يعقلون أنّ من تقدّمك من الرسل كانوا رجالا، ولم يكونوا ملائكة، فلا يقترحوا إنزال الملائكة في قولهم: وقالوا لولا أنزل عليه ملك [الأنعام/ 8] وقولهم: لولا أنزل علينا الملائكة [الفرقان/ 21] وليعتبروا بما فيه عاقبة من كان قبلهم فيما نزل من ضروب العذاب.
ووجه القراءة في القصص بالتاء، أن قبله خطابا، وهو قوله تعالى: وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى أفلا تعقلون [القصص/ 60] [أي أفلا
[الحجة للقراء السبعة: 3/298]
تعقلون] فتعملوا بما تستحقون به المنزلة في التي هي خير وأبقى، ولا تركنوا إلى العاجلة التي تفنى ولا تبقى.
وقراءة نافع ذلك كلّه بالتاء، أنّه يصلح أن يوجّه الخطاب في ذلك كلّه إلى الذين خوطبوا بذلك، ويجوز أن يراد الغيب والمخاطبون، فيغلّب الخطاب، وهكذا وجه رواية حفص عن عاصم في قراءته ذلك كلّه بالتاء، وقراءته في يس* بالياء أفلا يعقلون [الآية/ 68]. وجهه أن يحمله على أنّ فاعل يعقلون من تقدّم ذكره من الغيب في قوله: ومن نعمره ننكسه في الخلق [يس/ 68] أفلا يعقل من نعمره أنّه يصير إلى حالة لا يقدر فيها.
أن يعمل ما يعمله قبل الضعف للسن، فيقدّم قبل ذلك من القرب والأعمال الصالحة ما يرفع له، ويدّخر، ويجازى عليه الجزاء الأوفى.؟.
ورواية أبي بكر بن عياش ذلك كلّه بالياء، إلّا قوله في يوسف أفلا تعقلون [الآية/ 109] أي: أفلا تعقلون أيها
[الحجة للقراء السبعة: 3/299]
المخاطبون أن ذلك خير؟ أو على: قل لهم: أفلا تعقلون؟ وفي القصص أيضا بالتاء، فهذا لأنّ قبله خطابا، وقد تقدّم ذكر ذلك.
وقراءة ابن عامر من ذلك واحدا بالياء، وسائر ذلك بالتاء، فوجه التاء قد ذكر.
وأما وجه الياء في قوله: أفلا يعقلون فللغيبة التي قبل، وهو قوله: ومن نعمره ننكسه في الخلق [يس/ 68]، وجاء يعقلون على معنى من، لأنّ معناها الكثرة، وجاء في قوله:
نعمره وننكسه على لفظ من*، ولو جاء على معناها لكان حسنا أيضا، ومثل ذلك في المعنى قوله: ومنكم من يرد إلى أرذل العمر [النحل/ 70]، وقوله: لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم، ثم رددناه أسفل سافلين [التين/ 5].
وقراءة أبي عمرو في القصص بالياء والتاء وتخييره في ذلك، فوجه التاء أبين للخطاب الذي قبله، وهو قوله: وما أوتيتم..
أفلا تعقلون والياء على قوله: أفلا يعقل المميّزون ذلك؟ أراد:
أفلا يعقل المخاطبون بذلك أنّ هذا هكذا). [الحجة للقراء السبعة: 3/300]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: وكلهم قرأ وللدار الآخرة [الأنعام/ 32] بلامين ورفع الآخرة غير ابن عامر فإنّه قرأ: ولدار الآخرة بلام واحدة وخفض الآخرة.
الحجة لقراءتهم قوله: وإن الدار الآخرة لهي الحيوان
[الحجة للقراء السبعة: 3/300]
[العنكبوت/ 64]، وقوله: تلك الدار الآخرة [القصص/ 83]، فالآخرة صفة للدار، وإذا كانت صفة لها وجب أن يجرى عليها في الإعراب، ولا يضاف إليها.
والدّليل على كونها صفة للدّار قوله: وللآخرة خير لك من الأولى [الضحى/ 4] فقد علمت بإقامتها مقامها أنّها هي، وليس غيرها، فيستقيم أن يضاف إليها. ووجه قول ابن عامر أنّه لم يجعل الآخرة صفة للدار، ولكنّه أضاف الآخرة إلى الدار، فلا تكون الآخرة على هذا صفة للدار، لأنّ الشيء لا يضاف إلى نفسه، ولكنّه جعلها صفة للساعة، فكأنّه قال: ولدار الساعة الآخرة، وجاز وصف الساعة بالآخرة، كما وصف اليوم بالآخر في قوله: وارجوا اليوم الآخر [العنكبوت/ 36] وحسن إضافة الدار إلى الآخرة ولم يقبح من حيث استقبحت إقامة الصفة مقام الموصوف لأنّ الآخرة صارت كالأبطح والأبرق، ألا ترى أنّه قد جاء: وللآخرة خير لك من الأولى؟ فاستعملت استعمال الأسماء، ولم تكن مثل الصفات التي لم تستعمل استعمال الأسماء، ومثل الآخرة في أنّها استعملت استعمال الأسماء قولهم:
الدنيا لمّا استعملت استعمال الأسماء حسن أن لا تلحق لام
[الحجة للقراء السبعة: 3/301]
التعريف في نحو قوله:
في سعي دنيا طال ما قد مدّت). [الحجة للقراء السبعة: 3/302]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وللدار الآخرة خير للّذين يتّقون أفلا تعقلون} 32
قرأ ابن عامر {ولدار الآخرة} بلام واحدة {الآخرة} جر وحجته في ذلك إجماع الجمي على قوله في سورة يوسف {كيف كان عاقبة الّذين من قبلهم ولدار الآخرة} بلام واحدة فرد ابن عامر ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه
وقرأ الباقون {وللدار الآخرة} بلامين الآخرة رفع نعت وحجتهم ما في سورة الأعراف {والدّار الآخرة خير للّذين يتّقون}
قرأ نافع وابن عامر وحفص {أفلا تعقلون} بالتّاء أي قل لهم أفلا تعقلون
وقرأ الباقون بالياء وحجتهم أن صدر الآية خبر). [حجة القراءات: 246]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (11- قوله: {أفلا تعقلون} قرأ نافع وابن عامر وحفص بالتاء، ومثله في الأعراف ويوسف، غير أن أبا بكر يكون معهم في يوسف على التاء، وخير أبو عمرو في التاء والياء في سورة القصص، والأشهر عنه الياء، وقرأ نافع وابن ذكوان {أفلا تعقلون} في يس بالتاء، وقرأ الباقون بالياء في ذلك كله.
وحجة من قرأ بالياء أنه رده على ما قبله، من لفظ الغيبة، في قوله: {خير للذين يتقون}، وكذلك في الأعراف، ردوه على «يتقون» أيضًا، وكذلك في يوسف، ردوه على قوله: {فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم} «109».
12- وحجة من قرأ بالتاء أنه جعله خطابًا للذين أخبر عنهم بما قبله). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/429]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (13- قوله: {وللدار الآخرة} قرأه ابن عامر بلام واحدة، وحفص «الآخرة»، وقرأ الباقون بلامين، ورفع «الآخرة».
وحجة من قرأ بلامين أنه أدخل لام الابتداء على الدال، ورفع «الدار» بالابتداء وجعل «الآخرة» نعتًا لها، والخبر {خير للذين} كما قال: {وإن الدار الآخرة لهي الحيوان} «العنكبوت 64» وقال: {تلك الدار الآخرة} «القصص 83» فأنّث «الآخرة» صفة لـ «الدار» فيهما، ولما كانت «الآخرة» صفة
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/429]
لم يصح أن تضيف الموصوف إليها، وقد اتسع في هذه الصفة فأقيمت مقام الموصوف، كما أقيمت الأولى مقام الموصوف، قال الله تعالى ذكره: {وللآخرة خير لك من الأولى} «الضحى 4» وهو الاختيار لإجماع القراء عليه ولصحة معناه في الصفة، والتعريف لـ «الدار».
14- وحجة من قرأ بلام واحدة أنه لم يجعل «الآخرة» صفة لـ «الدار» فأضاف «الدار» إليها، فلم يمكن دخول الألف واللام عليها للإضافة، و«الآخرة» في الأصل صفة للساعة، كأنه قال، ولدار الساعة الآخرة، فوصف الساعة بالآخرة، كما وصف اليوم بالآخر، في قوله: {وارجوا اليوم الآخر} «العنكبوت 36» لكن توسع فيها فاستعملت استعمال الأسماء، فجازت الإضافة إليها كما فعلوا ذلك في «الدنيا»، وأصلها الصفة من «الدنو»، وقد تقدم ذكر «ليحزنك» وبابه وعلته). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/430]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (7- {وَلَدَّارُ الْآخِرَةُ} [آية/ 32] بلام واحدة، وجر {الْآخِرَةُ}:-
قرأها ابن عامر وحده.
[الموضح: 464]
والوجه أنه جعل الدار مضافة إلى الآخرة، وليس الآخرة صفة للدار، فإن الشيء لا يضاف إلى نفسه، ولكن في {الْآخِرَةُ} صفة موصوف محذوف، والتقدير دار الساعة الآخرة.
وقرأ الباقون {وَلَلدَّارُ} بلامين في {الْآخِرَةُ} رفع.
والوجه أن {الْآخِرَةُ} صفة للدار، كما قال تعالى {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ} و{تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا} فالآخرة صفة للدار، وإذا كانت صفة لها كانت تابعة لها في الإعراب، ولا تكون مضافا إليها، واللام الأولى من {لَلدَّارُ} هي لام الابتداء دخلت على لام التعريف). [الموضح: 465]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (8- {أَفَلا تَعْقِلُونَ} [آية/ 32] بالتاء:-
قرأها نافع وابن عامر ويعقوب، وكذلك في الأعراف ويوسف والقصص ويس.
وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي في القصص بالتاء، والباقي بالياء.
وقرأ عاصم -ياش- بالتاء في يوسف والقصص.
[الموضح: 465]
ووجه التاء أنها على خطاب الذين خوطبوا، أي أفلا تعقلون أيها المخاطبون؟.
ويجوز أن يكون على تقدير: قل لهم أفلا تعقلون؟.
ويجوز أن يكون المراد به الغائبون والحاضرون، فغلب الخطاب.
وقرأ أبو عمرو بالياء في الجميع.
والوجه أنه قد تقدم ذكر الغيبة، وهو قوله {لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ}، والمعنى: أفلا يعقل الذين يتقون أن الدار الآخرة خير لهم من هذه الدار فيعملوا لها). [الموضح: 466]

قوله تعالى: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فإنّهم لا يكذّبونك... (33)
قرأ نافع، والأعشى عن أبي بكر، والكسائي (فإنّهم لا يكذبونك) خفيفا. وشدد الباقون.
قال أبو منصور: من قرأ (لا يكذبونك) مخففا فمعناه: لا يقدرون أن يقولوا لك فيما أنبأت به مما في كتبهم: كذبت؛ لأن معنى: أكذبت الرجل: أريت أن ما أتى به كذب.
ومن قرأ (لا يكذّبونك) بالتشديد، فمعناه: لا يقولون لك: كذبت، يقال: كذبت الرجل، إذا نسبته إلى الكذب، وأكذبته، أي: وجدته كذابًا). [معاني القراءات وعللها: 1/352]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (8- وقوله تعالى: {فإنهم لا يكذبوك} [33].
قرأ نافع والكسائي {لا يكذبونك} بالتخفيف.
وقرأ الباقون بالتشديد {يكذبونك}.
فمن شدد فمعناه: إنهم يكذبونه في نفسه، ومن خفف فالتقدير: غنهم لا يصيبونك كاذبًا؛ لأن المشركين ما شكوا في صدق النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: نكذب بما جئت به). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/155]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (9- وقوله تعالى: {إنه ليحزنك الذي يقولون} [33].
قرأ نافع وحده {يحزنك} بالضم. [وكسر الزاي}.
وقرأ الباقون بالفتح، وهو الاختيار واللغة الفصيحة لقولهم: محزون ولا يقال محزن؛ لأن من قال: أحزنت فلانًا وجب أن يكون الفاعل محزنًا والمفعول محزنًا، والاختيار حزنني الأمر، أنشدني ابن عرفة رضي الله عنه:
لا تحزنيني بالفراق فإنني = لا تستهل من الفراق شؤوني). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/156]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في التخفيف والتشديد من قوله تعالى: فإنهم لا يكذبونك [الأنعام/ 33].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة وعاصم وابن عامر: فإنهم لا يكذبونك مشدّدة.
وقرأ نافع والكسائيّ يكذبونك خفيفة.
يجوز أن يكون المعنى في من ثقّل فقال: يكذبونك: قلت له: كذبت، مثل: زنّيته وفسّقته، نسبته إلى الزّنا والفسق، وفعّلت في هذا المعنى قد جاء في غير شيء نحو: خطّأته أي، نسبته إلى الخطأ، وسقّيته، ورعّيته، قلت له: سقاك الله، ورعاك الله، وقد جاء في هذا المعنى «أفعلته» قالوا: أسقيته، قلت له: سقاك الله، قال:
وأسقيه حتّى كاد ممّا أبثّه... تكلّمني أحجاره وملاعبه
فيجوز على هذا أن يكون معنى القراءتين واحدا، وإن
[الحجة للقراء السبعة: 3/302]
اختلف اللفظان، إلّا أنّ: فعّلت إذا أراد أن ينسبه إلى أمر أكثر من أفعلت. ويؤكّد أن القراءتين بمعنى، أنّهم قالوا: قلّلت وكثّرت، وأقللت وأكثرت بمعنى، حكاه سيبويه.
ومعنى لا يكذبونك: لا يقدرون أن ينسبوك إلى الكذب فيما أخبرت به ممّا جاء في كتبهم.
ويجوز لا يكذبونك لا يصادفونك كاذبا، كما تقول:
أحمدته، إذا أصبته محمودا، لأنّهم يعرفونك بالصّدق والأمانة، ولذلك سمي الأمين قال أبو طالب:
إنّ ابن آمنة الأمين محمّدا ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون [الأنعام/ 33] أي يجحدون بألسنتهم ما يعلمونه يقينا لعنادهم، وما يؤثرونه من ترك الانقياد للحقّ، وقد قال في صفة قوم وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا [النمل/ 14]، ويدلّ على أنّ يكذبونك في قول من خفّف [ينسبونك إلى الكذب] قول الشاعر.
فطائفة قد أكفرتني بحبّكم... وطائفة قالوا مسيء ومذنب
[الحجة للقراء السبعة: 3/303]
أي: قد نسبتني إلى الكفر.
قال أحمد بن يحيى: كان الكسائيّ يحكي عن العرب:
أكذبت الرجل، إذا أخبرت أنّه جاء بكذب، وكذّبته: إذا أخبرت أنّه كذّاب، فقوله: أكذبته: إذا أخبرت أنّه جاء بكذب كقولهم:
أكفرته، إذا نسبوه إلى الكفر، وكذّبته: أخبرت أنّه كذاب، مثل:
فسّقته، إذا أخبرت أنّه فاسق). [الحجة للقراء السبعة: 3/304]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قرأ نافع وحده: قد نعلم أنه ليحزنك الذي يقولون [الأنعام/ 33] بضم الياء وكسر الزاي.
وقرأ الباقون ليحزنك بفتح الياء وضمّ الزاي.
يقال: حزن يحزن حزنا وحزنا، قال: ولا تحزن عليهم [النمل/ 70]، ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون [البقرة/ 62].
قال سيبويه: قالوا: حزن الرجل وحزنته، قال: وزعم الخليل أنّك حيث قلت حزنته لم ترد أن تقول: جعلته حزينا، كما أنّك حيث قلت: أدخلته، أردت جعلته داخلا، ولكنّك أردت أن تقول: جعلت فيه حزنا، كما قلت: كحلته، جعلت فيه كحلا.
ودهنته، جعلت فيه دهنا، ولم ترد بفعلته هاهنا. تغيير قوله:
حزن، ولو أردت ذلك لقلت: أحزنته.
ومثل ذلك شتر الرجل وشترت عينه، فإذا أردت تغيير شتر
[الحجة للقراء السبعة: 3/304]
الرجل، قلت: أشترت، كما تقول: فزع وأفزعته. انتهى كلام سيبويه.
فعل وفعلته جاء في حروف، واستعمال حزنته أكثر من أحزنته، فإلى كثرة الاستعمال ذهب عامة القراء.
وقال: إني ليحزنني أن تذهبوا به [يوسف/ 13] وحجّة نافع: أنّه أراد تغيير حزن فنقله بالهمز.
وقال الخليل: إذا أردت تغيير حزن قلت: أحزنته، فدلّ هذا من قوله على أنّ أحزنته مستعمل. وإن كان حزنته أكثر في الاستعمال.
ويقوّي قوله: أنّ أبا زيد حكى في كتاب «خبأة»: أحزنني الأمر إحزانا وهو يحزنني، ضمّوا الياء.
وقال سيبويه: قال بعض العرب: أفتنت الرجل، وأحزنته، وأرجعته، وأعورت عينه، أرادوا: جعلته حزينا وفاتنا، فغيّروا ذلك كما فعلوا ذلك بالباب الأوّل). [الحجة للقراء السبعة: 3/305]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قد نعلم إنّه ليحزنك الّذي يقولون فإنّهم لا يكذبونك ولكن الظّالمين بآيات الله يجحدون}
قرأ نافع {ليحزنك} بضم الياء وكسر الزّاي في جميع القرآن إلّا في سورة الأنبياء فإنّه قرأ {لا يحزنهم} بفتح الياء وضم الزّاي فإن سأل سائل فقال لم خالف أصله الجواب عنه ما ذكره سيبويهٍ أن بين أحزنته وحزنته فرقانا وهو أن أحزنته أدخلته في الحزن وحزنته أوصلت إليه الحزن فقولهم {لا يحزنهم الفزع الأكبر} أي لا يصيبهم أدنى حزن فإذا قلت أحزنته أي أدخلته في الحزن أي أحاط به وما اهتدى إلى هذا الفرقان غير نافع
[حجة القراءات: 246]
قرأ نافع والكسائيّ {فإنّهم لا يكذبونك} بإسكان الكاف وتخفيف الذّال قال الكسائي معنى لا يكذبونك أنهم ليسوا يكذبون قولك فيما سوى ذلك قال والعرب تقول أكذبت الرجل إذا أخبرت أنه جاء بالكذب وكذبته أخبرت أنه كاذب فكان الكسائي يذهب إلى أن الإكذاب يكون في بعض حديث الرجل وأخباره الّتي يرويها والتكذيب يكون في كل ما أخبر أو حدث به وهذا معنى قول الفراء وذاك أنه قال معنى التّخفيف والله أعلم لا يجعلونك كذابا وإنّما يريدون أن ما جئت به باطل لأنهم لم يجربوا عليه كذبا فيكذبوه إنّما أكذبوه أي ما جئت به كذب لا نعرفه والتّفسير يصدق قولهم
روي عن عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه قال إن أبا جهل قال للنّبي صلى الله عليه وآله إنّا لا نكذبك إنّك عندنا لصادق ولكن نكذب الّذي جئت به فأنزل الله الآية
وحجتهم في ذلك قوله جلّ وعز {وكذب به قومك وهو الحق} أي قالوا ما جئتنا به كذب إذ لم يقل وكذبك قومك وهو الحق كأنّهم قالوا هو كذب أخذته عن غيرك كما قال جلّ وعز {إنّما يعلمه بشر}
وقد اختلف في ذلك المتقدمون فقال محمّد بن كعب فإنّهم
[حجة القراءات: 247]
لا يكذبونك أي لا يبطلون ما في يديك وقال قطرب أكذبت الرجل إذا دللت على كذبه فكان تأويل ذلك لا يدلون على كذبك ببرهان يبطل ما جئتهم به وقال ابن مسلم {فإنّهم لا يكذبونك} أي لا يجدونك كاذبًا تقول أكذبت الرجل إذا وجدته كاذبًا كما تقول أحمدت الرجل إذا وجدته محمودًا
وكان قوم من أهل العربيّة يذهبون إلى أنّهما لغتان مثل أوفيت الرجل حقه ووفيته وأعظمته وعظمته
وقرأ الباقون {فإنّهم لا يكذبونك} بالتّشديد قال ابن عبّاس لا يسمونك كذابا ولكنهم ينكرون آيات الله بألسنتهم وقلوبهم موقنة بأنّها من عند الله وحجتهم ما وراه اليزيدي عن أبي عمرو فقال
[حجة القراءات: 248]
وتصديقها قوله بعدها {ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا} فتأويل ابي عمرو فإن الكفّار لا يكذبونك جهلا منهم بصدق قولك بل هم موقنون بأنك رسول من عند ربهم ولكنهم يكذبونك قولا
وقال الزّجاج وتفسير {لا يكذبونك} أي لا يقدرون أن يقولوا لك فيما أنبأت به ممّا في كتبهم كذبت ووجه آخر أنهم لا يكذبونك بقلوبهم أي يعلمون أنّك صادق والّذي يدل على هذا القول أنهم لا يكذبونك بقلوبهم قوله {ولكن الظّالمين بآيات الله يجحدون} والجحد أن تنكر بلسانك ما تستيقنه في نفسك ألا ترى أنّك تقول جحدني حقي قال الله جلّ وعز {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم} وكان ابن عبّاس يحتج بهذا
وقد اختلف في ذلك أهل العربيّة فقال عبد الله ابن مسلم {فإنّهم لا يكذبونك} أي لا ينسبونك إلى الكذب تقول كذبت الرجل أي نسبته إلى الكذب وظلمته أي نسبته إلى الظّلم
وقال بعض أهل العربيّة {فإنّهم لا يكذبونك} أي لا يصححون عليك الكذب تقول كذبته أي صححت عليه الكذب). [حجة القراءات: 249]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (15- قوله: {لا يكذبونك} قرأن نافع والكسائي التخفيف، وشدد الباقون.
وحجة من خففه أنه حمله على معنى: لا يجدونك كاذبًا، لأنهم يعرفونك بالصدق، فهو من باب: أحمدت الرجل، وجدته محمودًا، ودل على صحة ذلك قوله: {ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون} أي: يجحدون بأنفسهم ما يعلمون صحته يقينًا عيانًا عنادًا منهم، وحكى الكسائي عن العرب «أكذبت الرجل» إذا أخبرت أنه جاء بكذب، وكذبتَه إذا أخبرت أنه كذاب، وقيل: معنى التخفيف: فإنهم لا يجعلونك كذابًا، إذ لم يجربوا عليك الكذب، وحكى قطرب: أكذبت الرجل دللت على كذبه، وقيل: التخفيف والتشديد لغتان.
16- وحجة من شدد أنه حمله على معنى: فإنهم لا ينسبونك إلى الكذب،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/430]
كما يقال: فسقته وخطأته، نسبته إلى الفسق وإلى الخطأ، فالمعنى: فإنهم لا يقدرون أن ينسبوك إلى الكذب، فيما جئتهم به، لأنه في كتبهم). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/431]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (9- {فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ} [آية/ 33] بتسكين الكاف وتخفيف الذال:-
قرأها نافع والكسائي.
والمعنى: لا يقدرون على أن ينسبوك إلى الكذب فيما أخبرت به، يقال: أكذب الرجل إذا نسبته إلى الكذب، مثل كذبته.
ويجوز أن يكون المعنى: لا يصادفونك كاذبًا، كما تقول: أحمدته إذا وجدته محمودًا.
وقرأ الباقون {لا يُكَذِّبُونَكَ} بفتح الكاف وتشديد الذال.
وهذا هو الأكثر الأشهر في معنى النسبة، يقال: زنيت الرجل وفسقته وكفرته كلها بالتشديد إذا نسبته إلى الزنى والفسق والكفر، وقد جاء في غير
[الموضح: 466]
شيء نحو: خطأته: نسبة إلى الخطأ، وهو أكثر من أن يحصى، فيجوز أن يكون معنى القراءتين واحدًا). [الموضح: 467]

قوله تعالى: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م 07:24 PM

سورة الأنعام
[ من الآية (35) إلى الآية (37) ]

{وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآَيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (35) إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (36) وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آَيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (37)}

قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآَيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (35)}

قوله تعالى: {إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (36)}

قوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آَيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (37)}
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (10- {إِنَّ الله قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً} [آية/ 37] بالتخفيف:-
قرأها ابن كثير وحده، وقرأ الباقون {يُنَزِّلَ} مشددة.
وقد مضى الكلام في نزل وأنزل أنهما بمعنى واحد). [الموضح: 467]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م 07:26 PM

سورة الأنعام
[ من الآية (38) إلى الآية (41) ]

{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (39) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (40) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ (41)}

قوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38)}

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (39)}

قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (40)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (قل أرأيتكم... (40)، و: (أرأيت) و(أرأيتم).
[معاني القراءات وعللها: 1/352]
قرأ نافع كل هذا في القرآن بألف في تقدير الهمز، ولا يهمز، وقرأ الكسائي بغير ألف وبغير همز (أريتكم) وقرأ الباقون بالهمز في هذا كله.
قال أبو منصور: من قرأ (أرأيتكم) و(أرأيتم) بالهمز فعلى أن أصل الحرف مهموز، ومن قرأ (أرايتم) فعلى تخفيف الهمز، ومن قرأ (أريتكنم) و(أريتم) فعلى حذف الهمز، وكلها لغات صحيحة.
والعلة في قوله (أرأيتكم) هو خطاب للجماعة، ولم يقل: (أرأيتموكم)؛ لأن العرب إذا أرادت بمعنى (أرأيت) الاستخبار تركوا التاء مفتوحة في الواحد والجمع والمؤنث، وإذا أرادوا رؤية العين ثنوا وجمعوا وأنّثوا، فقالوا للرجلين: (أرأيتماكما)، وللجماعة: (أرأيتموكم)، وللنساء: (أرأيتنّكن)، وللمرأة: (أرأيتك) بكسر التاء.
فاعرف الفرق بين المعنيين.
ومعنى قول الله عزّ وجلّ: (قل أرأيتكم) استفهام معناه التقرير، يستخبرهم ليقرّرهم). [معاني القراءات وعللها: 1/353]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (10- وقوله تعالى: {قل أرأيتم ....} [40].
قرأ نافع جميع ما في القرآن من الاستفهام بترك الهمزة تخفيفًا؛ وذلك أنه كره أن يجمع بين همزتين الأولى: همزة استفهام، وهي زائدة والثانية: عين الفعل، وهي أصلية، وهذا إنما يكون في الماضي فأما الفعل المضارع نحو يرى وترى فإجماع القراء والعرب على ترك الهمزة إلا الشاعر كإنه إذا اضطر همز على الأصل كقوله:
أرى عيني ما لم ترأياه
كلانا عالم بالترهات
وأهل الحجاز يقولون في الأمر: يا زيد براء واحدة، وتزيد هاء للسكت
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/156]
فتقول: ره. وتميم إرء بالهمز يردون الهمزة.
وقرأ الكسائي: {أرايت} بإسقاط الهمزة من غير تليين. وذلك أن الكسائي لما وجد العرب مجتمعة على ترك الهمز في المستقبل بنى الماضي على المستقبل مع زيادة الهمزة في أولها، وهل لغة مشهورة قال الشاعر:
أريت إن جئت به أملودا
مرجلاً ويلبس البرودا
أقائلن أحضروا الشهودا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/157]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله} 40
[حجة القراءات: 249]
قرأ نافع {قل أرأيتكم} و{أرأيتم} بالألف من غير همز وحجته في ذلك أنه كره أن يجمع بين همزتين ألا ترى أنه قرأ {وإذا رأيت} بالهمز لأنّه لم يتقدمه همزة الاستفهام فيترك الثّانية
وقرأ الكسائي (أريتكم) بغير همزة ولا ألف وحجته إجماع العرب على ترك الهمزة في المستقبل في وقولهم ترى ونرى فبني الماضي على المستقبل مع زيادة الهمزة في أولها فإذا لم تكن في أولها همزة الاستفهام لم يترك الهمزة مثل رأيت لأن من شرطه إذا تقدمها همزة الاستفهام فحينئذٍ يستثقل الجمع بينهما وأخرى وهي أنّها كتبت في المصافح بغير ألف
وقرأ الباقون {أرأيتكم} و{أرأيتم} بالهمزة وحجتهم أنهم لم يختلفوا فيما كان من غير استفهام فكذلك إذا دخل حرف الاستفهام فالحرف على أصله ألا ترى أنهم لم يختلفوا في قوله {رأيت المنافقين} و{ورأيت النّاس} ). [حجة القراءات: 250]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (17- قوله: {أرأيتكم} و{أرأيتم} و{أرأيت} الكهف «63» قرأ نافع في ذلك كله، حيث وقع بتخفيف الهمزة الثانية، وحذفها الكسائي، وحققها الباقون.
وحجة من حقق أنه أتى بالكلمة على أصلها، والأصل الهمز، لأن همزة الاستفهام دخلت على «رأيت» فالهمزة عين الفعل، والياء ساكنة، لاتصال المضمر المرفوع بها.
18- وحجة من خفف الثانية أنه استثقل اجتماع همزتين في فعل، مع اتصال الفعل بضمير، وذلك كله ثقيل، فخفف الثانية بين الهمزة والألف على الأصل المتقدم الذكر، والياء ساكنة على أصلها، ولم يمتنع تخفيف الهمزة بين بين، مع سكونها ما بعدها، لأنها في زنة المخففة المتحركة، وقد روي عن ورش أنه أبدل من الهمزة ألفًا، لأن الرواية عنه أنه يمد الثانية، والمد لا يتمكن إلا مع البدل، والبدل فرع على الأصول، والأصل أن تجعل الهمزة بين الهمزة المفتوحة والألف، وعليه كل من خفف الثانية غير ورش، وحسن جواز البدل في الهمزة، وبعدها ساكن؛ لأن الأول حرف مد ولين، فالمد الذي يحذف مع الساكن يقوم مقام حركة، يوصل بها إلى النطق بالساكن الثاني، وقد مضى ذكر هذا). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/431]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (11- {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ} [آية/ 40] بغير همز:-
قرأها الكسائي وحده، وكذلك مثلها في جميع القرآن.
والوجه أنه حذف الهمزة حذفًا على غير التخفيف القياسي؛ لأن القياس في تخفيفها فهنا أن تجعل بين بين، كما قرأ نافع، لكن هذا حذف على غير قياس، كما قالوا: ويلمه.
وكان نافع يشير بعد الراء إلى الألف من غير همز في جميع القرآن.
[الموضح: 467]
ووجهه أنه خفف الهمزة على القياس، وقياسها إذا خففت في هذا النحو أن تجعل بين بين.
وقرأ الباقون {أَرَأَيْتَكُمْ} وبابها بالهمز في كل القرآن، وهو الأصل في الكلمة؛ لأن الأصل فيها تحقيق الهمزة؛ لأنها فعلت من الرؤية، فالهمزة عين الفعل). [الموضح: 468]

قوله تعالى: {بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ (41)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م 07:28 PM

سورة الأنعام
[ من الآية (42) إلى الآية (45) ]

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (45)}

قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42)}

قوله تعالى: {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43)}

قوله تعالى: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فتحنا عليهم أبواب كلّ شيءٍ... (44).
[معاني القراءات وعللها: 1/354]
قرأ ابن عامر فيما روى ابن مجاهد (فتّحنا) بتشديد التاء، وقرئ على أبي الحسن - الدمشقي لابن عامر بالتخفيف، وقرأ الباقون بالتخفيف.
قال: من شدد التاء من (فتّحنا) فلتكثير الأبواب، ومن خفف فلأن الفعل واحد، وكل ذلك جائز، والتخفيف أكثر في القراءة). [معاني القراءات وعللها: 1/355]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (11- [وقوله تعالى: {فتحنا عليهم...} [44]].
قرأ ابن عامر: {فتحنا عليهم} هنا وفي (الأعراف) و(القرم) {وفتحت} في (الأنبياء) بتشديد التاء في الأربعة.
والباقون بتخفيفها). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/157]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قرأ ابن عامر وحده فتحنا عليهم* [الأنعام/ 44].
مشدّدة، وقرأها الباقون مخفّفة.
حجة التشديد مفتحة لهم الأبواب [ص/ 50]، وحجة التخفيف قوله:
ما زلت أفتح أبوابا وأغلقها). [الحجة للقراء السبعة: 3/441]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فلمّا نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء}
قرأ ابن عامر {فتحنا عليهم} بالتّشديد أي مرّة بعد مرّة وحجته قوله {أبواب كل شيء} الأبواب فذكر الأبواب ومع الأبواب تشدد كما قال {مفتحة لهم الأبواب} وكذلك قرأ في الأعراف والأنبياء والقمر بالتّشديد
[حجة القراءات: 250]
وقرأ الباقون بالتّخفيف وحجتهم أن التّخفيف يصلح للقليل وللكثير). [حجة القراءات: 251]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (19- قوله: {فتحنا} قرأه ابن عامر هنا وفي الأعراف «فتحنا» وفي الأنبياء {فتحت} وفي القمر {ففتحنا} بالتشديد في الأربعة، وخففهن الباقون وكلهم خفف ما جاء بعده اسم مفرد نحو: {ولو فتحنا عليهم بابا} «الحجر 14» والتخفيف والتشديد لغتان، غير أن التشديد فيه معنى التكثير والتكرير، والتخفيف الاختيار للإجماع عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/432]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (12- {فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ} [آية/ 44] بالتشديد:-
قرأها ابن عامر، وكذلك جميع ما في القرآن من لفظ التفتيح، ووافقه يعقوب إلا في حرفين: في الأنعام {فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ}، وفي الأعراف {لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ} خففهما وشدد ما سواهما.
وإنما خففهما؛ لأنه لم تكن الأبواب فيهما حقيقة، وإنما هما على المجاز، والأبواب فيما سواهما حقيقة.
وقرأ الباقون بالتخفيف في الأنعام والأعراف والقمر، واختلفوا في البواقي، وتذكر في موضعها إن شاء الله.
قد سبق القول في فعل وفعل بالتخفيف والتشديد، وأن التخفيف يصلح للقليل والكثير، والتشديد يخص الكثير). [الموضح: 468]

قوله تعالى: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (45)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م 07:29 PM

سورة الأنعام
[ من الآية (46) إلى الآية (49) ]

{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (46) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (47) وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آَمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (48) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (49)}

قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (46)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (يأتيكم به انظر... (46)
روى ابن المسيبي عن أبيه عن نافع وأبو قرة عنه (به انظر) بضم الهاء، وكسرها الباقون.
قال أبو منصور: هما لغتان، وقد مر تفسيرهما في أول الكتاب). [معاني القراءات وعللها: 1/354]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في الهمز وتركه، وإثبات الألف من غير همز من قوله تعالى: أرأيتم [الأنعام/ 46] وأ رأيتكم [الأنعام/ 40]، وأ رأيت [الكهف/ 63].
فقرأ ابن كثير، وعاصم، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة:
[الحجة للقراء السبعة: 3/305]
أرأيتم وأرأيتكم وأرأيت بألف في كلّ القرآن بالهمز.
وقرأ نافع: أرايتم، وأ رايتكم، وأ رايت بألف في كل القرآن من غير همز على مقدار ذوق الهمز.
وقرأ الكسائيّ: أريتم، وأريتكم، وأريت، وأريتك بغير همز ولا ألف.
[قال أبو علي] من قال: أرأيتم وأرأيتكم فهمز، وحقّق الهمز فوجه قوله بيّن، لأنّه فعلت من الرؤية، فالهمزة عين الفعل.
وقوله: قرأ نافع بألف في كل القرآن من غير همز على مقدار ذوق الهمز، يريد: أن نافعا كان يجعل الهمزة بين بين، وقياسها إذا خفّفت أن تجعل بين بين، أي بين الهمزة والألف، فهذا التخفيف على قياس التحقيق.
وأمّا قول الكسائي أريتم، وأريت فإنّه حذف الهمزة حذفا على غير التخفيف، ألا ترى أنّ التخفيف القياسيّ فيها أن تجعل بين بين، كما قرأ نافع؟ وهذا حذف للتخفيف، كما قالوا: ويلمّه، وكما أنشده أحمد بن يحيى:
[الحجة للقراء السبعة: 3/306]
إن لم أقاتل فالبسوني برقعا وكقول أبي الأسود:
يا با المغيرة ربّ أمر معضل ولو كان ذلك كلّه على التخفيف القياسي، لكانت بين بين، ولم تحذف، وقد زعموا أنّ عيسى كذلك كان يقرؤها على الحذف.
وممّا يقوّي ذلك من استعمالهم قول الشاعر:
فمن را مثل معدان بن ليلى... إذا ما النسع طال على المطيّة
فهذا على أنّه قلب الهمزة ألفا كما قلبها في قوله:
لا هناك المرتع فاجتمعت مع المنقلبة عن اللّام، فحذفت إحداهما لالتقاء الساكنين، فهذا يقوّي قول عيسى والكسائي.
وممّا جاء على ذلك قول الراجز:
[الحجة للقراء السبعة: 3/307]
أريت إن جئت به أملودا... مرجّلا ويلبس البرودا
فأمّا القول في: أرأيتك زيدا ما فعل، وفتح التاء في جميع الأحوال، فالقول في ذلك أنّ الكاف في أرأيتك لا يخلو من أن يكون للخطاب مجردا، ومعنى الاسم مخلوع منه، [أو يكون دالا عليه مع دلالته] على الخطاب فالدّليل على أنّه للخطاب مجردا من علامة الاسم أنّه لو كان اسما لوجب أن يكون
[الحجة للقراء السبعة: 3/308]
الاسم الذي بعده في نحو قوله: أرأيتك هذا الذي كرمت علي [الإسراء/ 62] وقولهم: أرأيتك زيدا ما صنع؟ لو كان الكاف اسما ولم يكن حرفا للخطاب لوجب أن يكون الاسم الذي بعده الكاف الكاف في المعنى، ألا ترى أنّ أرأيت: يتعدّى إلى مفعولين يكون الأوّل منهما هو الثاني في المعنى وفي كون المفعول الذي بعده ليس الكاف، وإنّما هو غيره دلالة على أنّه ليس باسم، وإذا لم يكن اسما كان حرفا للخطاب مجردا من معنى الاسمية، كما أنّ الكاف في «ذلك- وهنالك- وأبصرك زيدا» للخطاب، وكما أنّ التاء في أنت، كذلك، فإذا ثبت أنّه للخطاب معرّى من معنى الاسميّة ثبت أنّ التاء لا يجوز أن يكون فيه معنى الخطاب، ألا ترى أنّه لا ينبغي أن تلحق الكلمة علامتان للخطاب، كما لا تلحقها علامتان للتأنيث، ولا علامتان للاستفهام فلما لم يجز ذلك، أفردت التاء في جميع الأحوال، لمّا كان الفعل لا بدّ له من فاعل، وجعل في جميع الأحوال على لفظ واحد، لأنّ ما يلحق الكاف من معنى الخطاب يبيّن الفاعلين، فيخصّص التأنيث من التذكير، والتثنية من الجمع، ولو لحقت
[الحجة للقراء السبعة: 3/309]
علامة التأنيث والجمع التاء، لاجتمعت علامتان للخطاب مما يلحق التاء وما يلحق الكاف، فلمّا كان ذلك يؤدّي إلى ما لا نظير له، رفض، وأجري على ما عليه سائر كلامهم من هذا النحو.
وكلّهم قرأ: به، انظر [الأنعام/ 46] بكسر الهاء إلّا أنّ ابن المسيبي روى عن أبيه عن نافع به انظر برفع الهاء، وكذلك أبو قرّة عن نافع أيضا، ولم يروه عن نافع غيرهما.
من قال: به انظر حذف الياء التي تلحق الهاء في نحو:
بهي عيب، لالتقاء الساكنين: وهما الياء والفاء من انظر.
ومن قال: به انظر فهو على قول من قال: فخسفنا بهو وبدار هو [القصص/ 81] فحذف الواو لالتقاء الساكنين، كما حذف الياء من بهي لذلك فصار به انظر، وممّا يحسّن هذا الوجه أنّ الضّمّة فيه مثل الضمة في أن اقتلوا [النساء/ 66] أو انقص [المزمل/ 3] ونحو ذلك.
فأمّا قوله: قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم، وختم على قلوبكم [الأنعام/ 46] ثمّ قال: يأتيكم به [الأنعام/ 46] فقال أبو الحسن: هو على السمع أو على ما أخذ منكم). [الحجة للقراء السبعة: 3/310] (م)
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (13- {بِهِ انْظُرْ} [آية/ 46] بضم الهاء في الوصل:
رواها الأصفهاني عن -ش- عن نافع، وهو على قراءة من قرأ {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ} وقد تقدم وجهه، وحذف الواو من {بِهِ انْظُرْ} لالتقاء الساكنين وهما الواو والنون من {انْظُرْ}، ويحسن هذا الوجه أن الضمة فيه مثل الضمة في {أَنِ اقْتُلُوا}. وقرأ الباقون بكسر الهاء.
والوجه أنه حذف الياء من بهي لالتقائه مع النون من {انْظُرْ} كما سبق في القراءة الأولى). [الموضح: 469]

قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (47)}

قوله تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آَمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (48)}

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (49)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م 07:31 PM

سورة الأنعام
[ من الآية (50) إلى الآية (53) ]

{قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ (50) وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (51) وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52) وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (53)}

قوله تعالى: {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ (50)}

قوله تعالى: {وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (51)}

قوله تعالى: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (بالغداة والعشيّ... (52)
قرأ ابن عامر وحده (بالغدوة) بواو في السورتين، ها هنا وفي الكهف، وقرأ الباقون (بالغداة) بألف في الحرفين.
[معاني القراءات وعللها: 1/358]
وأخبرني المنذري عن أبي طالب عن أبيه عن الفراء أنه قال: (غدوة) لا يدخلها الألف واللام؛ لأنها معرفة بغير ألف ولام، قال الفراء: وسمعت أبا الجراح يقول: ما رأيت كغدوة قط، يريد: كغداة يومه، والعرب لا تضيفها، وكذلك لا يدخلون فيها الألف واللام، إنما يقولون: أتيناه غداة الخميس، ولا يقولون: غدوة الخميس، فهذا دليل على أنها معرفة.
قال أبو منصور: وإذا لم يردوا بغدوة غداة يومٍ بعينه وأرادوا غدوةً من الغدوات جاز دخول الألف واللام، وعلى هذا المعنى توجّه قراءة ابن عامر). [معاني القراءات وعللها: 1/359]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (13- وقوله تعالى {بالغداوة والعشي} [52].
قرأ ابن عامر وحده {بالغدوة والعشي} بالواو، وإنما حمله على ذلك؛ لأنه وجده في المصحف بالواو، وإنما كتب بالواو كما كتب «الصلوة» بالواو؛ وإنما لم يكن ذلك الوجه، لأن غداة نكرة، وغدوة معرفة ولا يستعمل بالألف واللام، ومراد الله تعالى والله أعلم ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي أي: غداة كل يوم. نزل ذلك في فقراء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/158]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (كلّهم قرأ بالغداة والعشي [الأنعام/ 52] بألف، غير ابن عامر، فإنّه قرأ: بالغدوة والعشي في كل القرآن بواو.
الوجه: الغداة، لأنّها تستعمل نكرة وتتعرف بالألف واللام.
وأمّا غدوة فمعرفة، وهو علم صيغ له.
قال سيبويه: غدوة وبكرة، جعل كلّ واحد منهما اسما للحين، كما جعلوا أمّ حبين اسما لدابة معروفة.
[الحجة للقراء السبعة: 3/319]
قال: وزعم يونس عن أبي عمرو، وهو قوله:- وهو القياس- أنّك إذا قلت: لقيته يوما من الأيام: غدوة أو بكرة، وأنت تريد المعرفة لم تنوّن، فهذا يقوي قراءة من قرأ: بالغداة والعشي*.
ووجه ذلك قراءة ابن عامر أن سيبويه قال: زعم الخليل أنّه يجوز أن تقول: أتيتك اليوم غدوة وبكرة، فجعلهما بمنزلة ضحوة.
ومن حجّته أن بعض أسماء الزمان جاء معرفة بغير ألف ولام نحو ما حكاه أبو زيد من قولهم: لقيته فينة، غير مصروف، والفينة بعد الفينة، فألحق لام المعرفة ما استعمل
معرفة.
ووجه ذلك أنه يقدّر فيه التنكير والشّياع، كما يقدّر فيه ذلك إذا ثني، وذلك مستمرّ في جميع هذا الضرب من المعارف. ومثل ذلك ما حكاه سيبويه من قول العرب: هذا يوم اثنين مباركا فيه وأتيتك يوم اثنين مباركا فيه. فجاء معرفة بلا ألف ولام كما جاء بالألف واللّام، ومن ثمّ انتصب الحال، ومثل ذلك قولهم: هذا ابن عرس مقبل.
إمّا أن يكون جعل عرسا نكرة، وإن كان علما، وإنّما أن يكون أخبر عنه بخبرين). [الحجة للقراء السبعة: 3/320]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ولا تطرد الّذين يدعون ربهم بالغداة والعشي}
قرأ ابن عامر (بالغدوة والعشي) بالواو وضم الغين وحجته في ذلك أنه وجده في المصحف بالواو فقرأ ذلك اتباعا للخطّ فإن قيل لم أدخل الألف واللّام على المعرفة فالجواب أن العرب تدخل الألف واللّام على المعرفة إذا جاورتها فيه الألف واللّام ليزدوج الكلام كما قال الشّاعر:
رأيت الوليد بن اليزيد مباركًا ... شديدا بأحناء الخلافة كاهله
فأدخل الألف واللّام في اليزيد لما جاور الوليد فكذلك أدخل الألف واللّام في «الغدوة» لما جاور {العشي}
وقرا الباقون {بالغداة} وهذا هو الوجه لأن غداة نكرة وغدوة معرفة ولا تستعمل بالألف واللّام ودخلت على غداة لأنّها نكرة والمعنى والله أعلم ولا تطرد الّذين يدعون ربهم بالغداة والعشي أي غداة كل يوم). [حجة القراءات: 251]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (20- قوله: {بالغداة} قرأه ابن عامر بالواو، وضم الغين، ومثله في الكهف وقرأهما الباقون بفتح الغين بألف بعد الدال.
وحجة من قرأ بألف أن «غداة» في كلام العرب نكرة وأدخل عليها الألف واللام للتعريف، و«غدوة» أكثر ما تستعمل معرفة بغير ألف ولام، فترك القراءة بها لثبات الألف واللام في الخط، وهما لا تدخلان على معرفة، فالتزم القراءة بـ «غداة» لأنها نكرة، يحسن فيها دخول الألف واللام، ولا يحسن في «غدوة» لأنها في أكثر اللغات، معرفة بغير ألف ولام، ولا تصرفها العرب، حكي: «أتيتك غدوة باكرًا» بغير صرف، وقال سيبويه: غدوة بكرة، جعل كل واحد منهما اسما للحين، يعني معرفة، وذلك دليل على أنها معرفة فمنعت الصرف، للتأنيث والتعريف.
21- وحجة من قرأ بضم العين أن بعض العرب ينكر «غدوة» فيصرفها في النكرة، فلما وجدها تنكر أدخل عليها الألف واللام للتعريف اتباعًا للخط، والاختيار القراءة بالألف، لأنها نكرة بإجماع، لم يستعمل أحد من العرب في «غداة» التعريف فوجب دخول الألف واللام عليها لتتعرف). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/432]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (14- {بالغُدْوَةِ} [آية/ 52] بضم الغين، وبالواو:-
قرأها ابن عامر وحده، وكذلك في الكهف.
ووجه ذلك أن غدوة وإن كان اسمًا علما صيغ لهذا الوقت المعلوم، ومن حقه أن لا يدخله الألف واللام، فإنه قدر فيه التنكير والشياع، وذلك مستمر في جميع هذا الضرب من الأعلام، نحو ما حكاه سيبويه عن العرب: هذا يوم اثنين مباركا فيه، فلما قدر في غدوة التنكير، جوز إدخال الألف
[الموضح: 469]
واللام عليه، وهذا كما يقال: لقيته فينة، غير مصروف، ثم تقول لقيته الفينة بعد الفينة، فتدخل الألف واللام على ما يستعمل معرفة.
وقرأ الباقون {بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ}.
وهو الأوجه؛ لأن {غَدَاةِ} تكون نكرة وتتعرف بالألف واللام، والحكم فيه كالحكم في عشي والعشي). [الموضح: 470]

قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (53)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م 07:32 PM

سورة الأنعام
[ من الآية (54) إلى الآية (58) ]

{وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54) وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (55) قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (56) قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (57) قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (58)}

قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (أنّه من عمل منكم سوءًا بجهالةٍ ثمّ تاب من بعده وأصلح فأنّه غفورٌ رحيمٌ (54)
قرأ ابن كثير وحمزة وأبو عمرو والكسائي (إنّه من عمل) و(فإنّه) بكسر الألف فيهما، وقرأ نافع (أنّه من عمل) نصبًا، (فإنّه غفورٌ) بالكسر، وقرأ ابن عامر وعاصم ويعقوب
[معاني القراءات وعللها: 1/355]
((أنّه... فأنّه) منصوبين.
وقال أبو إسحاق: يجوز (أنّه من عمل منكم سوءًا... فأنّه) يجوز بالفتح فيهما جميعًا، ويجوز كسرها جميعًا، ويجوز فتح الأولى وكسر الثانية، ويجوز كسر الأولى وفتح الثانية.
فأما من فتح الأولى والثانية فعلى أن موضع الأولى نصب، المعنى: كتب ربكم على نفسه المغفرة، وهي بدل من الرحمة، كأنه قال: كتب ربكم على نفسه الرحمة، وهي المغفرة للمؤمنين التائبين، لأن معنى (أنه غفورً رحيم) المغفرة منه.
ويجوز أن تكون (أنّ) الثانية وقعت مؤكدة للأولى؛ لأن المعنى: كتب ربكم أنه غفور رحيم، فلما طال الكلام أعيد ذكر (أنّ).
وأما من كسرهما جميعًا فعلى مذهب الحكاية، كأنه لما قال: (كتب ربّكم على نفسه الرّحمة) قال: (إنّه من عمل منكم سوءًا بجهالةٍ ثمّ تاب من بعده وأصلح فإنّه غفورٌ رحيمٌ) بالكسر.
ودخلت الفاء جوابا للجزاء فكسرت (إنّ) لأنها دخلت على ابتداء وخبر، كأنك قلت: فهو غفور رحيم، إلا أنّ الكلام بـ إنّ أوكد.
[معاني القراءات وعللها: 1/356]
ومن كسر الأولى فعلى ما ذكرنا من الحكاية، وإذا فتح الثانية مع كسر الأولى كان معناها المصدر، والخبر محذوف، المعنى: إنه من عمل منكم كذا وكذا فمغفرة الله له.
ومن فتح الأولى وكسر الثانية فالمعنى راجع إلى المصدر، كأنك لم تذكر (إنّ) الثانية، المعنى: كتب ربكم على نفسه أنه غفور رحيم). [معاني القراءات وعللها: 1/357]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (12- وقوله تعالى: {أنه من عمل منكم ...} [54].
قرأ عاصم وابن عامر {أنه} {فانه} بالفتح نصب الأول بقوله {كتب على نفسه الرحمة} «بأنه» و«لأنه» فلما سقط الخافض عمل الفعل «وأن» المفتوحة مع ما بعدها بمنزلة المصدر، واثلانية نسق على الأول.
وقرأ نافع {أنه} بالفتح {فإنهْ بالكسر نصب الأول بـ {كتب} وجعل الفاء جواب الشرط لـ «من» واستأنف «إن»؛ لأن ما بعد فاء الشرط
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/157]
يكون الكلام مستأنفًا كقوله تعالى: {ومن عاد فينتقم الله منه} وكقولك: من يزر زيدًا فعبد الله عنده.
وقرأ الباقون: {إنه} {فإنه} مكسورتين، جعلوه حكاية، ولم يعملوا {كتب} كما تقول: قال زيد عبد الله في الدار، و{كتب ربكم على نفسه الرحمة} لمن كان حاله كيت وكيت). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/158]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح الألف وكسرها من قوله [جلّ وعزّ]: إنه من عمل... فإنه غفور رحيم [الأنعام/ 54].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائيّ: إنه من عمل فإنه غفور رحيم مكسورة الألف فيهما.
وقرأ عاصم وابن عامر أنه من عمل فإنه بفتح الألف فيهما.
وقرأ نافع الرحمة أنه [الأنعام/ 54] بفتح الألف فإنه غفور رحيم كسرا.
من كسر فقال: الرحمة إنه من عمل منكم جعله تفسيرا للرّحمة، كما أنّ قوله: لهم مغفرة وأجر عظيم [المائدة/ 9] تفسير للوعد.
فأمّا كسر إنّ من قوله: فإنه غفور رحيم فلأنّ ما بعد الفاء حكمه الابتداء، ومن ثمّ حمل قوله: ومن عاد فينتقم الله منه [المائدة/ 95] على إرادة المبتدأ بعد الفاء، وحذفه.
وأمّا من فتح أنّ في قوله: أنه فإنّه جعل أن* الأولى بدلا من الرّحمة، كأنّه: كتب ربّكم على نفسه أنّه من عمل منكم.
[الحجة للقراء السبعة: 3/311]
وأمّا فتحها بعد الفاء من قوله: فأنه غفور رحيم [الأنعام/ 54]، فعلى أنّه أضمر له خبرا تقديره: فله أنّه غفور رحيم، أي: فله غفرانه، أو أضمر مبتدأ يكون أنّ خبره، كأنّه، فأمره أنّه غفور رحيم. وعلى هذا التقدير يكون الفتح في قول من فتح: ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم [التوبة/ 63] تقديره: فله أنّ له نار جهنّم، إلّا أنّ إضماره هنا
أحسن لأنّ ذكره قد جرى في صلة أن...، وإن شئت قدّرت، فأمره
أنّ له نار جهنّم، فيكون خبر هذا المبتدأ المضمر.
ومثل البدل في هذا قوله: وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم [الأنفال/ 7] المعنى: وإذ يعدكم الله كون إحدى الطائفتين، مثل قوله: وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره [الكهف/ 63].
ومن ذهب في هذه الآية إلى أنّ أنّ التي بعد الفاء تكرير من
الأولى لم يستقم قوله وذلك أنّ من... لا تخلو من أن تكون للجزاء
الجازم الذي اللفظ عليه، أو تكون موصولة، ولا يجوز أن يقدّر التكرير مع الموصولة، ولو كانت موصولة لبقي المبتدأ بلا خبر. ولا يجوز ذلك في الجزاء الجازم، لأنّ الشرط يبقى بلا جزاء، فإذا لم يجز ذلك، ثبت أنّه على ما ذكرنا، على أنّ ثبات الفاء في قوله:
فأن له، يمنع من أن يكون بدلا، ألا ترى أنّه لا يكون بين البدل
[الحجة للقراء السبعة: 3/312]
والمبدل منه الفاء العاطفة، ولا التي للجزاء؟ فإن قلت: إنّها زائدة، بقي الشرط بلا جزاء، فلا يجوز إذا تقدير زيادتها هنا، وإن جاءت زائدة في غير هذا الموضع.
وأمّا قراءة نافع كتب أنه... فإنه! فالقول فيها أنّه أبدل من الرحمة واستأنف ما بعد الفاء.
قال سيبويه: بلغنا أنّ الأعرج قرأ: أنه من عمل منكم سوءا بجهالة... فإنه غفور رحيم [الأنعام/ 54] قال: ونظيره البيت الذي أنشدتك يعني بالبيت الذي أنشده:
قول ابن مقبل.
وعلمي بأسدام المياه فلم تزل... قلائص تخدى في طريق طلائح
وأنّي إذا ملّت ركابي مناخها... فإنّي على حظّي من الأمر جامح
يريد أنّ قوله: وأني إذا ملّت ركابي محمول على ما قبله،
[الحجة للقراء السبعة: 3/313]
كما أنّ قوله: من عمل محمول على ما قبله، وما بعده من قوله: «فإنّي على حظّي من الأمر» مستأنف، كما أنّ قوله: فإنه غفور رحيم مستأنف به منقطع مما قبله). [الحجة للقراء السبعة: 3/314]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({كتب ربكم على نفسه الرّحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثمّ تاب من بعده وأصلح فأنّه غفور رحيم}
[حجة القراءات: 251]
قرأ عاصم وابن عامر {كتب ربكم على نفسه الرّحمة أنه من عمل} {فأنّه غفور رحيم} الألف فيهما مفتوحة
قال الزّجاج موضع {إن} الأولى النصب المعنى كتب ربكم على نفسه المغفرة وهي بدل من الرّحمة كأنّه قال كتب ربكم على نفسه الرّحمة وهي المغفرة للمذنبين التائبين لأن معنى أنه غفور رحيم المغفرة منه فيجعل أنه بدلا من الرّحمة وتفسيرا عنها قال ويجوز أن تكون أن الثّانية وقعت مؤكدة للأولى لأن المعنى كتب ربكم أنه غفور رحيم فلمّا طال الكلام أعيد ذكر أن
وقال أبو حاتم يجوز أن تكون في موضع رفع على ضمير هي أنه كأنّه فسر الرّحمة فقال هي أنه وحمل الثّاني على الأول لأن المعنى كتب ربكم أنه غفور رحيم للّذي يتوب ويصلح
وقرأ نافع {أنه من عمل منكم} بفتح الألف {فأنّه غفور رحيم} بالكسر جعل الفاء جواب الشّرط ل من واستأنف كقوله {ومن عاد فينتقم الله منه} وكقوله {ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنّم} وقال الزّجاج من فتح الأولى وكسر الثّانية فالمعنى
[حجة القراءات: 252]
راجع إلى المصدر وكأنك لم تذكر إن الثّانية المعنى كتب ربكم على نفسه الرّحمة إنّه غفور رحيم
وقرأ الباقون إنّه فإنّه بكسر الألف فيهما على مذهب الحكاية كأنّه لما قال {كتب ربكم على نفسه الرّحمة} قال {أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثمّ تاب من بعده وأصلح فأنّه غفور رحيم} ). [حجة القراءات: 253]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (22- قوله: {أنه من عمل}، {فأنه غفور} قرأ نافع وابن عامر عاصم «أنه» بالفتح، وقرأ عاصم وابن عامر «فأنه غفور» بالفتح وقرأ الباقون بالكسر فيهما.
وحجة من كسر «إنه من عمل» أنه جعله تفسيرًا للرحمة، فسرها بالجملة التي بعدها و«أن» تكون مكسورة إذا دخلت على الجمل.
23- وحجة من كسر «فإنه غفور» أن ما بعد الفاء حكمه الابتداء والاستئناف، فكسر لذلك؛ لأن حكم «إن» في الابتداء والاستئناف الكسر.
24- وحجة من فتح «أنه من عمل» أنه جعل «أن» بدلًا من «الرحمة» على بدل الشيء من الشيء، وهو هو، فأعمل فيها «كتب» ن، كأنه قال: كتب ربكم على نفسه «أنه من عمل».
25- وحجة من «فأنه غفور» أنه أضمر خبرًا مقدمًا، ورفع «أن» بالابتداء، لأن ما بعد الفاء مبتدأ، كأنه قال: فله أنه غفور له، أي فله غفران الله، ويجوز رفع «أن» بالظرف المضمر، ويجوز أن يضمر مبتدأ تكون «أن» خبره، تقديره: فأمره غفران ربه له، وقد قيل: إن «أن» الثاني تأكيد وتكرير للأولى). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/433]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (15- {أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ} {فَأَنَّهُ} [آية/ 54] بفتح الألف فيهما:-
قرأها ابن عامر وعاصم ويعقوب.
أما فتح {أنه} فعلي البدل من {الرَّحْمَةَ} من قوله {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ}، والتقدير: كتب ربكم على نفسه أنه من عمل منكم سوءًا، وموضعه نصب بكتب.
وأما فتحها بعد الفاء من قوله {فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} فعلى أنه أضمر له خبرة، والتقدير: فله أنه غفور رحيم، أي قله غفرانه، ويجوز أن يكون المضمر مبتدأ، والتقدير: فأمره أنه غفور رحيم.
وقرأ الباقون {إِنَّهُ} {فَأَنَّهُ} بالكسر فيهما، إلا نافعًا فإنه قرأ {أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ} بالفتح {فَإِنَّهُ} بالكسر.
أما وجه قراءة نافع، فهو أنه {أَنَّهُ} وأنهه من {الرَّحْمَةَ}، وكسر ما بعد
[الموضح: 470]
الفاء حملاً له على معنى الجملة المبتدأ بها الواقعة في جواب الشرط، نحو: من أحسن إليه فإن الله مجازيه، بكسر إن.
وأما قراءة الباقين فوجهها أن الجملة مستأنفة مفسرة للرحمة، فكسرت إن من أجل أنها مبتدأة، كما كان قوله تعالى {لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} تفسيرًا للوعد، وأما كسر إن من قوله {فَإِنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}؛ فعلى ما ذكرنا في قراءة نافع من أن ما بعد الفاء الواقع في جواب الشرط محكمة الابتداء). [الموضح: 471]

قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (55)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ولتستبين سبيل المجرمين (55)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وحفص ويعقوب (ولتستبين) بالتاء (سبيل) بالرفع، وقرأ نافع (ولتستبين) بالتاء (سبيل) بالنصب، وقرأ أبو بكر وحمزة والكسائي (وليستبين) بالياء (سبيل) بالرفع.
قال أبو منصور: الاستبانة: أن تبين ويتبين.
من قرأ (ولتستبين سبيل) فمعناه: ولتبين والفعل للسبيل، وهي مؤنثة،
[معاني القراءات وعللها: 1/357]
كقوله: (قل هذه سبيلي).
ومن قرأ (وليستبين سبيل) بالياء فإنه ذكر السبيل، قال الله تعالى: (وإنّها لبسبيلٍ مقيمٍ)، والسبيل والطريق يذكران ويؤنثان.
وأما قراءة نافع (ولتستبين سبيل) بالنصب فالمعنى: ولتستبين أنت يا محمد سبيل المجرمين يقال: تبينت الأمر والسبيل، واستبنته بمعنى واحد.
فإن قال قائل: أفلم يكن النبي مستبينا سبيل المجرمين؟
فالجواب في هذا: أن جميع ما يخاطب به المؤمنون يخاطب به النبي - صلى الله عليه وسلم - فكأنه قيل: لتستبينوا سبيل المجرمين، أي: لتزدادوا استبانة، ولم يحتج إلى أن يقول: ولتستبين سبيل المؤمنين، مع ذكر سبيل المجرمين، لأن سبيل المجرمين إذا بانت فقد بانت معها سبيل المؤمنين). [معاني القراءات وعللها: 1/358]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (14- وقوله تعالى: {ولتستبين سبيل المجرمين} [55].
قرأ أهل الكوفة غير حفص {وليستبين} بالياء {سبيل} بالرفع.
وقرأ ابن عامر وابن كثير وأبو عمرو وحفص بالتاء والرفع، وقرأ نافع {ولتستبين} بالتاء {سبيل} بالنصب، والمعنى ولتستبين أنت يا محمد سبيل المجرمين، والسبيل: الطريق يذكر ويؤنث). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/158]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الياء والتاء والرّفع والنصب من قوله [جلّ وعزّ]: ولتستبين سبيل المجرمين [الأنعام/ 55].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر: ولتستبين بالتاء، سبيل رفعا.
وقرأ نافع: ولتستبين بالتاء أيضا، سبيل المجرمين نصبا.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائيّ وليستبين بالياء سبيل رفعا حفص عن عاصم مثل أبي عمرو.
وجه قراءة ابن كثير وأبي عمرو وابن عامر ولتستبين بالتاء سبيل رفعا، أنهم جعلوا السبيل فاعل الاستبانة، وأنّث السبيل كما قال: قل هذه سبيلي أدعوا [يوسف/ 108] وقد ذكّر السبيل أيضا في قوله: وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا [الأعراف/ 146].
فالسّبيل على هذا فاعل الاستبانة. قال سيبويه: استبان
[الحجة للقراء السبعة: 3/314]
الشيء واستبنته. وقراءة نافع: ولتستبين سبيل التاء فيها ليس على ما تقدّم ولكنّها لك أيّها المخاطب ففي الفعل ضمير المخاطب. والفعل في القراءة الأولى فارغ لا ضمير فيه، والتاء تؤذن بأنّ الفاعل المسند إلى الفعل مؤنث.
ومثل هذا في أنّ تفعل يحتمل الأمرين، الخطاب والتأنيث، قوله: يومئذ تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها [الزلزلة/ 4]، أي: يومئذ تحدّث الأرض، يريد: أهل الأرض، ويكون تحدّث أنت أيّها الإنسان، فأمّا قول الهذليّ:
زجرت لها طير الشمال فإن تكن... هواك الذي يهوى يصبك اجتنابها
فالفعل للغائبة على حد قولك: هند تهوى كذا.
وقول الأعشى:
فآليت لا أرثي لها من كلالة... ولا من حفى حتى تلاقي محمّدا
يكون تلاقي فيه: مرة للخطاب وأخرى للغيبة،
[الحجة للقراء السبعة: 3/315]
فالخطاب: على أن تكون الياء في تلاقي ضمير المؤنّث على الرجوع من الغيبة إلى الخطاب، كقوله تعالى: الحمد لله ثمّ قال: إياك نعبد [الفاتحة/ 5].
وأمّا الغيبة فإنّه على حدّ قولك: هند تفعل، إلّا أنّه أسكن الياء للضرورة كما قال:
سوّى مساحيهنّ تقطيط الحقق فالتاء في قراءة نافع للخطاب دون التأنيث على قولك: استبنت الشيء.
وقراءة حمزة والكسائي: وليستبين بالياء سبيل رفعا.
فالفعل على هذا مسند إلى السبيل إلّا أنّه ذكّر السبيل على قوله: يتخذوه سبيلا [الأعراف/ 146].
والمعنى: وليستبين سبيل المجرمين وسبيل المؤمنين، فحذف لأنّ ذكر أحد السبيلين يدل على الآخر، ومثله: سرابيل تقيكم الحر [النحل/ 81] ولم يذكر البرد لدلالة الفحوى عليه). [الحجة للقراء السبعة: 3/317]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قرأ عاصم في رواية أبي بكرخفية* بكسر الخاء هاهنا
[الحجة للقراء السبعة: 3/316]
[الأنعام/ 63] وفي الأعراف عند قوله: ادعوا ربكم تضرعا وخفية [الآية/ 55].
وقرأ الباقون خفية بضم الخاء هاهنا، وفي الأعراف.
وروى حفص عن عاصم خفية بضم الخاء أيضا في الموضعين.
قال أبو عبيدة: خفية: تخفون في أنفسكم.
وحكى غيره: خفية، وخفية وهما لغتان.
وروي عن الحسن: التضرّع: العلانية، والخفية بالنية.
وأمّا قوله تعالى: تضرعا وخيفة فخيفة فعلة من الخوف، وانقلبت الواو للكسرة والمعنى: ادعوا خائفين وجلين، قال:
فلا تقعدنّ على زخّة... وتضمر في القلب وجدا وخيفا). [الحجة للقراء السبعة: 3/317]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ولتستبين سبيل المجرمين}
قرأ نافع {ولتستبين} بالتّاء {سبيل} نصب أي ولتستبين أنت يا محمّد سبيل المجرمين فإن قال قائل أفلم يكن النّبي صلى الله عليه وآله مستبينا سبيل المجرمين فالجواب في هذا إن جميع ما يخاطب به المؤمنون يخاطب به النّبي صلى الله عليه فكأنّه قيل ولتستبينوا سبيل المجرمين أي لتزدادوا استبانة لها ولم يحتج إلى أن يقول ولتستبين سبيل المؤمنين مع ذكر سبيل المجرمين لأن سبيل المجرمين إذا بانت فقد بان معها سبيل المؤمنين
وقرأ حمزة والكسائيّ وأبو بكر «وليستبين» بالياء {سبيل} رفع وقرأ الباقون بالتّاء
اعلم أن السّبيل يذكر ويؤنث جاء القرآن بالوجهين فالتأنيث قوله {ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا} و{قل هذه سبيلي} والتذكير قوله {وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا} ). [حجة القراءات: 253]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (26- قوله: {ولتستبين سبيل} قرأه أبو بكر وحمزة والكسائي بالياء، ورفع «السبيل» حملوه على تذكير السبيل، إذ قد أضافوا الفعل إليه فرفعوه به، و«السبيل» تذكر وتؤنث، قال الله تعالى ذكره: {وإن يروا سبيل
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/433]
الرشد لا يتخذوه} «الأعراف 146» فذكر، ومثله الثاني بعده، وقرأ الباقون بالتاء على تأنيث «السبيل» إذ قد أسند الفعل إليه فرفع به، وقد قال الله تعالى: {قل هذه سبيلي} «يوسف 108» فأنث.
27- فأما من قرأ بالتاء ونصب «السبيل» وهو نافع، فإنه جعل الفعل خطابًا للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو الفاعل، و«السبيل» مفعول به، والاختيار التاء ورفع «السبيل»، فهو أبين في المعنى، وعليه أكثر القراء). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/434]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (16- {وَلِيَسْتَبِينَ} بالياء {سَبِيلُ} بالرفع [آية/ 55]:-
قرأها حمزة والكسائي و-ياش- عن عاصم.
والوجه أنهم أسندوا الفعل الذي هو الاستبانة إلى السبيل، وجعلوا السبيل مذكرًا، فإن السبيل يذكر ويؤنث، ويقال: بأن الشيء واستبان وتبين وأبان، كله لازم، والمعنى وليتبين سبيل المجرمين وسبيل المؤمنين، فحذف ذكر القبيل الآخر؛ لأن أحد القبيلين يدل على الأخر.
وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو و-ص- عن عاصم ويعقوب {وَلِتَسْتَبِينَ} بالتاء {سَبِيلُ} بالرفع.
والوجه أن الفعل ههنا أيضًا مسند إلى السبيل، لكن جعلوا السبيل في هذه القراءة مؤنثة، كما قال تعالى {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي} فأنث السبيل.
وحجة القراءة الأولى قوله تعالي {وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ} فذكر السبيل.
[الموضح: 471]
وقرأ نافع وحده {وَلِتَسْتَبِينَ} بالتاء أيضًا {سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} بالنصب.
والوجه أن التاء ههنا للمخاطب، ففي الفعل ضمير المخاطب، والمعنى ولتستبين أنت يا محمد سبيل المجرمين، والسبيل ههنا مفعول به، يقال: تبينت الشيء واستبنته، فهو متعد). [الموضح: 472]

قوله تعالى: {قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (56)}

قوله تعالى: {قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (57)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (يقصّ الحقّ وهو خير الفاصلين (57)
قرأ ابن كثير ونافع وعاصم (يقصّ الحقّ) بالصاد، وقرأ الباقون (يقض الحقّ) بالضاد.
قال أبو منصور: من قرأ (يقصّ الحقّ) فمعناه: يتبع الحق، ورويت هذه القراءة عن علي بن أبي طالب، ومن قرأ (يقض الحقّ) فله وجهان:
أحدهما: أنه يقضى القضاء الحق،
والثاني: أن معنى يقضي: يصنع ويحكم، ومنه قول أبي ذؤيب:
[معاني القراءات وعللها: 1/359]
وعليهما مسرودتان قضاهما... داود...............
أي: صنعهما داود فأحكمهما.
وقيل في تفسير قوله (يقصّ الحقّ) أن معناه: أن جميع ما أنبأ به وأمر به فهو من أقاصيص الحق.
وكتبت (يقض الحق) بطرح الياء لاستقبالها الألف واللام، كما كتب (سندع الزّبانية) بغير واو في موضع الرفع). [معاني القراءات وعللها: 1/360]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (15- وقوله تعالى: {يقص الحق} [57].
قرأ ابن كثير ونافع وعاصم {يقص الحق} بالصاد؛ لأن في المصحف بغير ياء.
وقرأ الباقون: {يقض الحق}: قال أبو عمرو: وإنما قرأتها كذا لقوله: {وهو خير الفاصلين} والفصل لا يكون إلا في القضاء. وإنما حذفت الياء خطا لما سقطت لفظًا لسكونها وسكون اللام). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/159]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الضاد والصاد من قوله [جلّ وعزّ]: يقضي الحق [الأنعام/ 57].
فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم: يقص الحق بالصاد.
وقرأ أبو عمرو وحمزة وابن عامر والكسائيّ: يقضي الحق بالضّاد.
حجّة من قرأ يقضي* أنّهم زعموا أنّ في حرف ابن مسعود يقضي بالحق، بالضاد وذكر عن أبي عمرو أنّه استدلّ على يقضي بقوله: وهو خير الفاصلين [الأنعام/ 57] قال: والفصل في القضاء ليس في القصص.
ومن حجّتهم قوله تعالى: والله يقضي بالحق وهو يهدي السبيل [الأحزاب/ 4].
وحجّة من قال يقص الحق قوله: نحن نقص عليك أحسن القصص [يوسف/ 3] وإن هذا لهو القصص الحق [آل عمران/ 62].
وأمّا ما احتجّ به من قرأ: يقضي* من قوله: وهو خير الفاصلين [الأنعام/ 57] في أنّ الفصل في الحكم لا في القول، فإنّهم قالوا: قد جاء الفصل في القول أيضا في نحو قوله: إنه لقول فصل [الطارق/ 13] وقال: أحكمت آياته ثم فصلت
[الحجة للقراء السبعة: 3/318]
[هود/ 1]، وقال: نفصل الآيات [الأنعام/ 55]، فقد حمل الفصل على القول، واستعمل معه كما جاء مع القضاء، وقال: لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى، ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء [يوسف/ 111]، فقد ذكر في القصص أنّه تفصيل. فأمّا الحقّ في قوله: يقضي الحق [الأنعام/ 57] فيحتمل أمرين: يجوز أن يكون صفة مصدر محذوف، يقضي القضاء الحقّ، أو يقصّ القصص الحقّ. ويجوز أن تكون مفعولا به مثل يفعل الحق كقوله:
قضاهما داود). [الحجة للقراء السبعة: 3/319]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({إن الحكم إلّا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين}
قرأ نافع وابن كثير وعاصم {إن الحكم إلّا لله يقص الحق} بضم القاف والصّاد المعنى إن جميع ما أنبأ به أو أمر به فهو من أقاصيص الحق واحتج ابن عبّاس على هذه القراءة بقوله {نحن نقص عليك} وقال {إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل} و{ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي} وأخرى قال مجاهد لو كان يقضي لكانت يقضي بالحقّ والعرب تقول قضيت بالحقّ قال الله جلّ وعز {والله يقضي بالحقّ} بإثبات الياء والباء مع القضاء
وقرأ الباقون «يقضي الحق» بالضاد وسكون القاف من قضى يقضي إذا حكم وفصل وحجتهم قوله {وهو خير الفاصلين} والفصل يكون في القضاء لا في القصص وكان أبو عمرو يعتبر بهذه وقال إنّما الفصل في القضاء لا في القصص وكان الكسائي يعتبرها بقراءة ابن مسعود قال وفي قراءته {يقضي بالحقّ} ). [حجة القراءات: 254]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (28- قوله: {يقص الحق} قرأه الحرميان وعاصم بالصاد، مضمومة غير معجمة، وقرأ الباقون بالضاد، معجمة مكسورة، وأصلها أن يتصل بها ياء؛ لأنه فعل مرفوع من القضاء، لكن الخط بغير ياء، فتكون الياء حذفت لدلالة الكسرة عليها.
29- من قرأ بالصاد غير معجمة أنه جعله من القصص كقوله: {نحن نقص عليك} «يوسف 3» و{إن هذا لهو القصص} «آل عمران 62».
30- وحجة من قرأ بالضاد معجمة أنه جعله من القضاء، ودل على ذلك أن بعده {خير الفاصلين}، والفصل لا يكون إلا عن قضاء دون قصص، ويقوي ذلك أن في قراءة ابن مسعود {إن الحكم إلا لله يقضي بالحق} فدخول الياء يؤكد معنى القضاء، ولا يوقف عليه في هذه القراءة؛ لأن أصله الياء، فإن وقفت بالياء، على الأصل، خالفت الخط وإن وقفت بغير ياء خالفت الأصل، والقراءة بالصاد غير معجمة أحب إلي، لاتفاق الحرميين وعاصم على ذلك، ولأنه لو كان من القضاء للزمت الياء فيه، كما أتت في قراءة ابن مسعود). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/434]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (17- {يَقُصُّ الْحَقَّ} [آية/ 57] بالصاد مشددة:-
قرأها ابن كثير ونافع وعاصم.
والوجه أنه من القصص، أي يحدث بالأنباء الصادقة؛ لأن جميع ما أنبأ به فهو من أقاصيص الحق، وقال الله تعالى {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ}.
وقرأ الباقون {يَقْضِي الحَقَّ} بالضاد، بعدها باء.
والوجه أنه من القضاء، والمعنى يقضي القضاء الحق، ويجوز أن يكون التقدير: يقضي بالحق، فحذف الجار، والمراد بحكم الحق، ويؤيد هذه القراءة قوله {وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ}؛ لأن الفصل إنما يكون في القضاء). [الموضح: 472]

قوله تعالى: {قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (58)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م 07:34 PM

سورة الأنعام
[ آية (59) ]

{وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59)}

قوله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م 07:35 PM

سورة الأنعام
[ من الآية (60) إلى الآية (62) ]

{وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (60) وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (61) ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ (62)}

قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (60)}

قوله تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (61)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (توفّته رسلنا وهم لا يفرّطون (61).
قرأ حمزة وحده (توفاه) بألف ممالة، وقرأها الباقون (توفّته) بالتاء.
قال أبو منصور: إذا تقدم فعل الجماعة فأنت مخير في تذكير الفعل أو تأنيثه، وله نظائر في القرآن.
وقوله جلّ وعزّ: (قل من ينجّيكم من ظلمات البرّ والبحر تدعونه تضرّعًا وخفيةً لئن أنجانا من هذه لنكوننّ من الشّاكرين (63) قل اللّه ينجّيكم)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر (قل من ينجّيكم)... لئن أنجيتنا)... قل اللّه ينجيكم) خفيفة، وقرأ الكوفيون (قل اللّه ينجّيكم) (من ينجّيكم) (لئن أنجانا) بألف وأمالها حمزة والكسائي، وفخمها عاصم، وقرأ يعقوب (قل من ينجيكم) (قل اللّه ينجيكم) مخففتين
[معاني القراءات وعللها: 1/361]
(لئن أنجيتنا) بالتاء.
قال أبو منصور: يقال أنجيته ونجّيته بمعنى واحد، وقوله (لئن أنجيتنا) مخاطبة لله جلّ وعزّ.
ومن قرأ (لئن أنجانا) بمعناه: لئن أنجانا الله، إخبار عن فعله). [معاني القراءات وعللها: 1/362]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (كلّهم قرأ: توفته رسلنا [الأنعام/ 61] بالتاء غير حمزة فإنّه قرأ: توفاه حجّة من قال: توفته بالتاء قوله: كذبت رسل من قبلك [الأنعام/ 34]، وقوله: إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم [فصلت/ 14].
جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم وقالت رسلهم: أفي الله شك [إبراهيم/ 9].
وحجّة حمزة أنّه فعل متقدّم مسند إلى مؤنّث غير حقيقي، وإنّما التأنيث للجمع، فهو مثل قوله: وقال نسوة في المدينة [يوسف/ 30]، وما أشبه ذلك ممّا تأنيثه تأنيث الجمع.
وإن كان الكتاب في المصحف بسينة، فليس ذلك بخلاف له، لأنّ الألف الممالة قد كتبت ياء). [الحجة للقراء السبعة: 3/321]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الأعرج: [وهُمْ لا يُفْرِطُون].
قال أبو الفتح: يقال: أفرط في الأمر إذا زاد فيه، وفرَّط فيه: إذا قصَّر، فكما أن قراءة العامة: {لا يُفَرِّطُونَ}: لا يقصرون فيما يؤمرون به من تَوَفِّي من تحضر منيته، فكذلك أيضًا لا يزيدون، ولا يَتَوَفَّوْنَ إلا من أُمروا بتَوَفِّيه. ونظيره قوله جل وعز: {وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَار} ). [المحتسب: 1/223]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({توفته رسلنا وهم لا يفرطون}
قرأ حمزة «توفاه رسلنا» بالياء وقرأ الباقون بالتّاء الوجهان جميعًا جائزان لأن الجماعة يلحقها اسم التّأنيث لأن معناها معنى جماعة ويجوز أيعبر عنها بلفظ التّذكير كما يقال جمع الرّسل والتأنيث
[حجة القراءات: 254]
كما قال {قد جاءت رسل ربنا بالحقّ} ). [حجة القراءات: 255]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (31- قوله: {توفته} و{استهوته} قرأهما حمزة بالألف والإمالة، على تذكير الجميع، كما قال: {وقال نسوة} «يوسف 30» وقرأ الباقون بالتاء على تأنيث الجماعة، كما قال: {قالت الأعراب} «الحجرات 14»، و{قالت لهم رسلهم} «إبراهيم 11» و{إذ جاءتهم الرسل} «فصلت 14» وهو الأكثر، وهو الاختيار، والإمالة تحسن فيه، لأن الألف أصلها الياء، لأنه من «هوى يهوي» ولأن الألف رابعة وخامسة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/435]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (18- {تَوَفَّاهُ رُسُلُنَا} [آية/ 61] بالألف ممالة:-
قراها حمزة وحده.
وإنما ذكر الفعل وإن كان مسندا إلى مؤنث؛ لأن التأنيث غير حقيقي، فإن التأنيث تأنيث جمع، فالأمر فيه سهل؛ لأنه يجوز تذكيره، وقد انضاف إلى ذلك أن الفعل قد تقدم.
وأما الإمالة في مثل هذا فقد سبق حكمها.
وقرأ الباقون {تَوَفَّتْهُ} بالتاء، لتأنيث الرسل، فالرسل مؤنثة لكونه جمعا، وقال الله تعالى في تأنيث الرسل {فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ} وقال: {إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ} وقال {قَالَتْ رُسُلُهُمْ} ). [الموضح: 473]

قوله تعالى: {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ (62)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م 07:37 PM

سورة الأنعام

[ من الآية (63) إلى الآية (67) ]
{قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (64) قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65) وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (66) لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (67)}

قوله تعالى: {قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (تضرّعًا وخفيةً... (63).
قرأ عاصم في رواية أبي بكر (تضرّعًا وخفيةً) بكسر الخاء في السورتين، وقرأ الباقون (وخفيةً) بضم الخاء.
قال أبو منصور: هما لغتان (خفية وخفية)، والضم أجودهما، ومعناهما: ضد الجهر.
وانتصاب (تضرّعًا وخفيةً) على وجهين:
أحدهما: أنهما جعلا مصدرين لقوله: (تدعونه)؛ لأن معنى تدعون وتتضرعون واحد، وإن شئت جعلتهما مصدرين أقيما مقام الحال، كأنه قال: تدعونه متضرعين مخفين الدعاء). [معاني القراءات وعللها: 1/362]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (16- وقوله تعالى {تضرعا وخفية} [63].
قرأ عاصم وحده في رواية أبي بكر {وخفية} بالكسر.
وقرأ الباقون {خفية} بالضم، وهما لغتان: خِفْيَةٌ وخُفْيَةٌ وفيها لغة ثالثة ما قرأ بها أحد لخلاف المصحف غير أن ابن مجاهد خبرني عن السمري عن الفراء قال: يقال خُفية وخِفية وخُفوة وخِفوة بالواو مثل حُبوة وحِبوة). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/159]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (17- وقوله تعالى: {قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر} [63].
قرأ القراء كلهم {ينجيكم} مشددًا إلا علي بن نصر فإنه روى عن أبي عمرو {ينجيكم} خفيفة، والأمر بينهما قريب، نجي وأنجي مثل كرم وأكرم). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/159]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (19- وقوله تعالى: {لئن أنجينا من هذه} [63].
قرأ الكوفيون {لئن أنجينا} على لفظ الخبر عن غائب.
وقرأ الباقون: {لئن أنجيتنا من هذه} على لفظ الخطاب لله تعالى، وكان عاصم يفخم على أصل الكلمة {أنجانا}.
وحمزة والكسائي يميلان {أنجانا} لأنه من ذوات الياء). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/160]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في التخفيف والتّشديد من قوله [جلّ وعزّ]: قل من ينجيكم.... قل الله ينجيكم [الأنعام/ 63، 64].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر قل من ينجيكم مشدّدة قل الله ينجيكم مخففة.
[الحجة للقراء السبعة: 3/321]
وروى عليّ بن نصر عن أبي عمرو قل من ينجيكم خفيفة، قل الله ينجيكم مثله مخفّفة.
وقرأ عاصم وحمزة والكسائيّ قل من ينجيكم.. قل الله ينجيكم مشدّدتين.
وقرأ الكوفيون: عاصم وحمزة والكسائيّ: لئن أنجانا بألف.
وقرأ الحجازيون وأهل الشام: ابن كثير ونافع وابن عامر:
لئن أنجيتنا [يونس/ 22] وأبو عمرو مثلهم لئن أنجيتنا.
وكان حمزة والكسائيّ يميلان الجيم وغيرهما لا يميل.
وجه التشديد والتخفيف في ينجيكم وينجيكم أنّهم قالوا:
نجا زيد، قال:
نجا سالم والنّفس منه بشدقه فإذا نقل الفعل فحسن نقله بالهمزة في أفعل كحسن نقله بتضعيف العين، ومثل ذلك: أفرحته وفرّحته، وأغرمته وغرّمته، وما أشبه ذلك. وفي التنزيل: فأنجاه الله من النار [العنكبوت/ 24]، فأنجيناه والذين معه [الأعراف/ 64]
[الحجة للقراء السبعة: 3/322]
وفيه ونجينا الذين آمنوا [فصلت/ 18] ولئن أنجيتنا من هذه [يونس/ 22]، فلما أنجاهم [يونس/ 23]، فإذا جاء التنزيل باللغتين جميعا تبينت من ذلك استواء القراءتين في الحسن.
فأمّا حجّة من قرأ لئن أنجانا [الأنعام/ 63] فهي أنّه حمله على الغيبة، وذلك قوله: تدعونه لئن أنجانا، وكذلك ما بعده قل الله ينجيكم قل هو القادر [الأنعام/ 65]، فهذه كلّها أسماء غيبة، فأنجانا أولى من أنجيتنا، لكونه على ما قبله وما بعده من لفظ الغيبة، وإذا كان مشاكلا لما قبله وما بعده كان أولى وموضع تدعونه نصب على الحال، تقديره: قل من ينجّيكم داعين وقائلين: لئن أنجانا. وكذلك من قرأ: لئن أنجيتنا تقديره داعين وقائلين: لئن أنجيتنا، فواجهوا بالخطاب، ولم يراعوا ما راعاه الكوفيون من المشاكلة.
ويقوّي قول من خالف الكوفيين قوله في أخرى لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين [يونس/ 22]. قل الله ينجيكم، فجاء أنجيتنا على الخطاب وبعده اسم غيبة.
فأمّا إمالة حمزة والكسائي في أنجانا فمذهب حسن، لأنّ هذا النحو من الفعل إذا كان على أربعة أحرف. استمرت فيه
[الحجة للقراء السبعة: 3/323]
الإمالة لانقلاب الألف إلى الياء في المضارع، وإذا كانت الإمالة قد حسنت في «غزا» مع أنّه على ثلاثة أحرف لأنّ الياء تثبت فيه إذا بني الفعل للمفعول، مع أنّ الواو تصحّ فيه في فعلت، فلا إشكال في حسنها في أنجا وأغزا ونحو ذلك). [الحجة للقراء السبعة: 3/324] (م)
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({تدعونه تضرعا وخفية لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشّاكرين * قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب} 63 و64
قرأ عاصم وحمزة والكسائيّ {لئن أنجانا من هذه} بغير تاء على لفظ الخبر عن غائب بمعنى لئن أنجانا الله وحجتهم أنّها في مصاحفهم بغير تاء
وقرأ الباقون {لئن أنجيتنا} بالتّاء على الخطاب لله أي لئن أنجيتنا يا ربنا وحجتهم ما في يونس {لئن أنجيتنا من هذه} وهذا مجمع عليه فردّوا ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه
قرأ عاصم وحمزة والكسائيّ {قل الله ينجيكم منها} بالتّشديد من نجى ينجي وحجتهم إجماعهم على تشديد قوله قبلها {قل من ينجيكم من ظلمات} فكان إلحاق نظير لفظه به أولى من المخالفة بين اللّفظين
وقرأ الباقون {قل الله ينجيكم} بالتّخفيف وحجتهم قوله {لئن أنجيتنا من هذه} ولم يقل نجيتنا
قرأ أبوبكر {تضرعا وخفية} بكسر الخاء وفي الأعراف مثله وقرأ الباقون بالضّمّ وهما لغتان مثل رشوة ورشوة من أخفيت الشّيء إذا سترته والّتي في خاتمة الأعراف {تضرعا وخيفة} وهو من الخوف فتقلب الواو ياء للكسرة الّتي في الخاء). [حجة القراءات: 255] (م)
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (32- قوله: {وخفية} قرأه أبو بكر بكسر الخاء، ومثله في الأعراف، وضمَّ الباقون، وهما لغتان مشهورتان). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/435]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (33- قوله: {لئن أنجانا} قرأه الكوفيون بألف، من غير تاء، على لفظ الغيبة؛ لأن بعده: {قل الله ينجيكم} «64» وبعده: {قل هو القادر} «65» وقبله: {تدعونه} والهاء للغائب، وأجراه على ذلك مما بعده ومما قبله، وأماله حمزة والكسائي، لأن أصل الألف الياء، إذ هي رابعة، وقرأ الباقون بالتاء على لفظ الخطاب، فهو أبلغ في الدعاء والابتهال والسؤال، وهو الاختيار؛ لأن الأكثر من القراء عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/435]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (19- {قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ} [آية/ 63] {قُلِ الله يُنَجِّيكُمْ} [آية/ 64] بالتخفيف في الحرفين:-
قرأهما يعقوب وحده، وقرأ الكوفيون بالتشديد في الحرفين، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر {قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ} مشددة {قُلِ الله يُنَجِّيكُمْ} مخففة.
وجه التشديد والتخفيف فيهما واحد، وذلك أن العرب تقول: نجيت زيدا وأنجيته، وحسن نقل الفعل في هذا الباب بالهمزة كحسن نقله بتضعيف
[الموضح: 473]
العين، تقول: أفرحت زيدا وفرحته، وغرمته وأغرمته، وأشباه ذلك كثيرة، قال الله تعالى {فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ}، وقال تعالى {وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا} وقد مضى مثله). [الموضح: 474]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (20- {لَئِنْ أَنْجَانَا} [آية/ 63] بالألف:
قرأها الكوفيون، وعاصم فتحها، وأمالها حمزة والكسائي.
والوجه أنهم حملوه على الغيبة؛ لأن ما قبله على الغيبة، وذلك قوله {تَدْعُونَهُ... لَئِنْ أَنْجَانَا} أي أنجانا الله، وكذلك ما بعده على لفظ الغيبة، وهو قوله {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا} فأنجانا على لفظ الغيبة أولى من أنجيتنا لمشاكلة ما قبله وما بعده.
وقرأ الباقون {أَنْجَيْتَنَا} بالياء والتاء، على المواجهة بالخطاب، وذلك أن هؤلاء لم يراعوا ما راعاه الكوفيون من المشاكلة، فاختاروا لفظ الخطاب؛ لأن في {تَدْعُونَهُ} معنى القول، كأنه قال: يقولون له لئن أنجيتنا، ويقوي هذه القراءة قوله تعالى في آية أخرى {لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ}.
فأما إمالة حمزة والكسائي الألف في {أَنْجَانَا} فحسنة؛ لأن هذا الضرب
[الموضح: 474]
من الفعل إذا كان على أربعة أحرف حسنت فيه الإمالة؛ لانقلاب الألف فيه إلى الياء في المضارع، وذلك نحو أنجى ينجي، وإذا كانت الإمالة تحس في مثل غزا ودعا مع أنه على ثلاثة أحرف ومن بنات الواو؛ لأن الألف ينقلب فيه ياء إذا بني للمفعول به نحو غزي ودعي، فلأن تحسن الإمالة في أنجى وأغزي لانقلاب الألف فيه ياء في مضارعه أولى). [الموضح: 475]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (22- {تَضُرُّعًا وَخِفْيَةً} [آية/ 63] بكسر الخاء:-
قرأها عاصم وحده في رواية -ياش-، وكذلك في الأعراف، الباقون {خُفْيَةً} بضم الخاء.
والوجه أنهما لغتان، يقال خفية وخفية، وانتصاب {تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} على وجهين:
أحدهما: أن يكونا مصدرين لقوله: تدعون؛ لأن في معنى الدعاء التضرع، كأنه قال: يتضرعون تضرعًا.
ويجوز: أن يكونا مصدرين أقيما مقام الحال، كأنه قال: تدعونه متضرعين مخفين للدعاء.
وأما التي في آخر الأعراف {وَخِفْيَةً} بكسر الخاء، والياء قبل الفاء، فهي فعله من الخوف انقلبت الواو فيها ياء لكسرة ما قبلها، وهو اتفاق لا خلاف بين القراء فيه). [الموضح: 476]

قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (64)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (18- وقوله تعالى: {قل الله ينجيكم منها} [64].
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/159]
قرأ عاصم وحمزة والكسائي وابن عامر برواية هشام {قل الله ينجيكم} مشددة.
والباقون مخففة، ويجوز أن يكون التشديد للتكرير شيئًا بعد شيء. ويجوز لأبي عمرو وغيره لمن شدد الأولى وخفف الثانية {أنه} أتى باللغتين ليُعلم أن كلتيهما صواب). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/160]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في التخفيف والتّشديد من قوله [جلّ وعزّ]: قل من ينجيكم.... قل الله ينجيكم [الأنعام/ 63، 64].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر قل من ينجيكم مشدّدة قل الله ينجيكم مخففة.
[الحجة للقراء السبعة: 3/321]
وروى عليّ بن نصر عن أبي عمرو قل من ينجيكم خفيفة، قل الله ينجيكم مثله مخفّفة.
وقرأ عاصم وحمزة والكسائيّ قل من ينجيكم.. قل الله ينجيكم مشدّدتين.
وقرأ الكوفيون: عاصم وحمزة والكسائيّ: لئن أنجانا بألف.
وقرأ الحجازيون وأهل الشام: ابن كثير ونافع وابن عامر:
لئن أنجيتنا [يونس/ 22] وأبو عمرو مثلهم لئن أنجيتنا.
وكان حمزة والكسائيّ يميلان الجيم وغيرهما لا يميل.
وجه التشديد والتخفيف في ينجيكم وينجيكم أنّهم قالوا:
نجا زيد، قال:
نجا سالم والنّفس منه بشدقه فإذا نقل الفعل فحسن نقله بالهمزة في أفعل كحسن نقله بتضعيف العين، ومثل ذلك: أفرحته وفرّحته، وأغرمته وغرّمته، وما أشبه ذلك. وفي التنزيل: فأنجاه الله من النار [العنكبوت/ 24]، فأنجيناه والذين معه [الأعراف/ 64]
[الحجة للقراء السبعة: 3/322]
وفيه ونجينا الذين آمنوا [فصلت/ 18] ولئن أنجيتنا من هذه [يونس/ 22]، فلما أنجاهم [يونس/ 23]، فإذا جاء التنزيل باللغتين جميعا تبينت من ذلك استواء القراءتين في الحسن.
فأمّا حجّة من قرأ لئن أنجانا [الأنعام/ 63] فهي أنّه حمله على الغيبة، وذلك قوله: تدعونه لئن أنجانا، وكذلك ما بعده قل الله ينجيكم قل هو القادر [الأنعام/ 65]، فهذه كلّها أسماء غيبة، فأنجانا أولى من أنجيتنا، لكونه على ما قبله وما بعده من لفظ الغيبة، وإذا كان مشاكلا لما قبله وما بعده كان أولى وموضع تدعونه نصب على الحال، تقديره: قل من ينجّيكم داعين وقائلين: لئن أنجانا. وكذلك من قرأ: لئن أنجيتنا تقديره داعين وقائلين: لئن أنجيتنا، فواجهوا بالخطاب، ولم يراعوا ما راعاه الكوفيون من المشاكلة.
ويقوّي قول من خالف الكوفيين قوله في أخرى لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين [يونس/ 22]. قل الله ينجيكم، فجاء أنجيتنا على الخطاب وبعده اسم غيبة.
فأمّا إمالة حمزة والكسائي في أنجانا فمذهب حسن، لأنّ هذا النحو من الفعل إذا كان على أربعة أحرف. استمرت فيه
[الحجة للقراء السبعة: 3/323]
الإمالة لانقلاب الألف إلى الياء في المضارع، وإذا كانت الإمالة قد حسنت في «غزا» مع أنّه على ثلاثة أحرف لأنّ الياء تثبت فيه إذا بني الفعل للمفعول، مع أنّ الواو تصحّ فيه في فعلت، فلا إشكال في حسنها في أنجا وأغزا ونحو ذلك). [الحجة للقراء السبعة: 3/324] (م)
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({تدعونه تضرعا وخفية لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشّاكرين * قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب} 63 و64
قرأ عاصم وحمزة والكسائيّ {لئن أنجانا من هذه} بغير تاء على لفظ الخبر عن غائب بمعنى لئن أنجانا الله وحجتهم أنّها في مصاحفهم بغير تاء
وقرأ الباقون {لئن أنجيتنا} بالتّاء على الخطاب لله أي لئن أنجيتنا يا ربنا وحجتهم ما في يونس {لئن أنجيتنا من هذه} وهذا مجمع عليه فردّوا ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه
قرأ عاصم وحمزة والكسائيّ {قل الله ينجيكم منها} بالتّشديد من نجى ينجي وحجتهم إجماعهم على تشديد قوله قبلها {قل من ينجيكم من ظلمات} فكان إلحاق نظير لفظه به أولى من المخالفة بين اللّفظين
وقرأ الباقون {قل الله ينجيكم} بالتّخفيف وحجتهم قوله {لئن أنجيتنا من هذه} ولم يقل نجيتنا
قرأ أبوبكر {تضرعا وخفية} بكسر الخاء وفي الأعراف مثله وقرأ الباقون بالضّمّ وهما لغتان مثل رشوة ورشوة من أخفيت الشّيء إذا سترته والّتي في خاتمة الأعراف {تضرعا وخيفة} وهو من الخوف فتقلب الواو ياء للكسرة الّتي في الخاء). [حجة القراءات: 255] (م)
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (34- قوله: {قل الله ينجيكم} قرأه الكوفيون وهشام بالتشديد، جعلوه من «نجا ينجي»، وقرأ الباقون بالتخفيف جعلوه من «أنجى يُنجي» والمعنى واحد، وأصل الفعل «نجا» ثم يثقل للتعدية بالهمز وبالتشديد، فالهمزة فيه كالتشديد في تعديته، وكل واحد يقوم مقام الآخر في التعدي إلى
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/435]
مفعول، واللغتان في القرآن إجماع، قال الله تعالى جل ذكره: {فأنجاه من النار} «العنكبوت 24» وقال: {وإذ أنجيناكم} «الأعراف 141» وقال: {فنجيناه ومن معه} «يونس 73» وهما في القرآن كثير، فالقراءتان متعادلتان، غير أن التشديد فيه معنى التكرير للفعل، على معنى «نجاة بعد نجاة»). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/436]

قوله تعالى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65)}

قوله تعالى: {وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (66)}

قوله تعالى: {لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (67)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م 07:39 PM

سورة الأنعام
[ من الآية (68) إلى الآية (70) ]

{وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68) وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (69) وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (70)}

قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وإمّا ينسينّك الشّيطان... (68).
قرأ ابن عامر وحده (ينسّينّك) بتشديد السين، وخفف الباقون.
قال: يقال: أنسى ونسّى بمعنى واحد، مثل: أنجى ونجّى، والقراءة بالتخفيف أكثر). [معاني القراءات وعللها: 1/363]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (20- وقوله تعالى: {وإما ينسينك الشيطان} [68].
قرأ ابن عامر وحده {ينسينك} من نسى ينسى، جاء في الحديث: «لا يقولن أحدكم نسيت أنه كذا وكذا إنما هو ينسى» وقرأ الباقون: {ينسينك} بالتخفيف، يقال: نسيت الشيء أنساه، وأنساني غيري ونساني غيري أيضًا. ويجوز أن نسي مرة بعد مرة). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/160]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (كلّهم قرأ وإما ينسينك الشيطان [الأنعام/ 68] بتسكين النون الأولى، وتشديد الثانية غير ابن عامر فإنّه قرأ ينسينك بفتح النون وتشديد السين مع النون الثانية.
الحجّة لهم في قراءتهم وإما ينسينك قوله: وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره [الكهف/ 63] فجاء في التنزيل: على أفعل.
ووجه قول ابن عامر أنّك تقول: نسيت الشيء، فإذا أردت أن غيرك أنساكه جاز أن تنقل الفعل بتضعيف العين كما تنقله بالهمزة، وعلى هذا قالوا: غرّمته وأغرمته، ففعّل وأفعل يجري كل واحد منهما مجرى الآخر، وفي التنزيل: فمهل الكافرين أمهلهم رويدا [الطارق/ 17] ). [الحجة للقراء السبعة: 3/324]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وإمّا ينسينك الشّيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظّالمين}
قرأ ابن عامر {وإمّا ينسينك الشّيطان} بالتّشديد تقول نسيت الشّيء وأنساني غيري ونساني أيضا وحجته ما جاء في الحديث لا يقولن أحدكم نسيت آية كذا وكذا بل هو نسي
وقرأ الباقون {وإمّا ينسينك} بالتّخفيف من أنساني غيري وحجتهم قوله {فأنساه الشّيطان ذكر ربه} ولم يقل فنساه). [حجة القراءات: 256]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (35- قوله: {وإما ينسينك الشيطان} قرأه ابن عامر بتشديد السين، وخفف الباقون، وهو مثل «أنجا ونجا» يقال: «نسيته وأنسيته» كما «نجيته وأنجيته» وقد تقدم ذكر الإمالة والاختلاف في: {رأى كوكبًا} «الأنعام 76» وفي شبهه، وفي: {رأى القمر} «الأنعام 77» وفي شبهه ولم يختلف في فتح ما أتى فيه الساكن بعد الهمزة في كلمة، نحو: «رأته ورأوه ورأيته» وشبهه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/436]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (21- {وَإِمَّا يُنَسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ} [آية/ 68] بفتح النون وتشديد السين:-
قرأها ابن عامر وحده، وقرأ الباقون {يُنْسِيَنَّكَ} بسكون النون وتخفيف السين.
والوجه فيهما ما ذكرناه في غير موضع من هذا الكتاب من أن أفعل وفعل سواء في نقل الفعل فيهما عن اللزوم إلى التعدي، وكلاهما في الحسن واحد، نحو: أغرمته وغرمته، قال الله تعالى {فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا}.
وكل هؤلاء شددوا النون الأخيرة في {يُنسِيَنَّكَ} إلا زيدا عن يعقوب، فإنه قرأ {يُنْسِيَنْكَ} بإسكان النون الأخيرة.
ووجه التشديد أن النون نون تأكيد ثقيلة، وإذا كانت ثقيلة كانت التأكيد فيها أكثر.
[الموضح: 475]
ووجه التخفيف أن النون نون تأكيد خفيفة، وهي للتأكيد أيضًا، وإن كان أقل من الأول). [الموضح: 476]

قوله تعالى: {وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (69)}

قوله تعالى: {وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (70)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م 07:41 PM

سورة الأنعام
[ من الآية (71) إلى الآية (73) ]

{قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (71) وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (72) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (73)}

قوله تعالى: {قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (71)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (كالّذي استهوته الشّياطين... (71).
قرأ حمزة (كالّذي استهويه) بألف ممالة، وقرأ الباقون بالتاء.
قال أبو منصور: التاء والياء قريبان من السواء إذا تقدم فعل الجماعة، وقد مر مثله في (توفته وتوفيه).
ومعنى استهوته الشياطين: استخفته حتى هوى، أي: أسرع إلى ما دعت إليه، وهذا من هوي يهوى، لا من هوى يهوى). [معاني القراءات وعللها: 1/363]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (21- وقوله تعالى: {كالذي استهوته الشياطين} [71].
قرأ حمزة {استهويه} بالياء.
والباقون بالتاء. فهذا فعل الجماعة يذكر ويؤنث كما يقال قام الرجال وقامت الرجال، وقال الأعراب وقالت الأعراب كل ذلك صواب). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/160]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (كلّهم قرأ: استهوته الشياطين [الأنعام/ 71] بالتاء غير حمزة فإنّه قرأ: استهواه بألف [و] يميلها.
[الحجة للقراء السبعة: 3/324]
قال أبو عبيدة: كالذي استهوته الشياطين أي: استمالته، أي: ذهبت به.
وقرأ حمزة استهواه الشياطين. على قياس قراءته توفاه رسلنا [الأنعام/ 61] وكلا المذهبين حسن.
قال الشاعر:
وكنّا ورثناه على عهد تبّع... طويلا سواريه شديدا دعائمه
وأرى قولهم: استهواه كذا، إنّما هو من قولهم: هوى من حالق: إذا تردّى منه، ويشبّه به الذي يزلّ عن الطريق المستقيم، كما أنّ زلّ إنّما هو من العثار في المكان كقوله.
قام إلى منزعة زلخ فزلّ ثمّ يشبّه به المخطئ في طريقته. وتقول: أزلّه غيره، كما قال: فأزلهما الشيطان عنها [البقرة/ 63]، فكذلك: هوى هو، وأهواه غيره، قال: والمؤتفكة أهوى [النجم/ 53]، فتقول: أهويته واستهويته، كما قال: فأزلهما الشيطان وإنّما استزلّهم الشيطان، فكما أنّ استزلّه بمنزلة أزلّه. كذلك استهواه
[الحجة للقراء السبعة: 3/325]
بمنزلة أهواه، كما أنّ استجابه بمنزلة أجابه في قوله:
فلم يستجبه عند ذاك مجيب). [الحجة للقراء السبعة: 3/326]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({كالّذي استهوته الشّياطين}
قرأ حمزة {كالّذي استهوته الشّياطين} بالياء ذهب إلى جمع الشّياطين
وقرأ الباقون {استهوته} بالتّاء ذهبوا إلى جماعة الشّياطين). [حجة القراءات: 256]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (23- {اسْتَهْوَاهُ} [آية/ 71] بالألف ممالة:-
قرأها حمزة وحده، وقرأ الباقون {اسْتَهْوَتْهُ} بالتاء.
والقول في استهواه الشياطين واستهوته، كالقول في توفاه رسلنا وتوفته، وكلا المذهبين في التذكير والتأنيث، وقد مضى الكلام فيه، وفي الإمالة أيضا). [الموضح: 477]

قوله تعالى: {وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (72)}

قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (73)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م 07:43 PM

سورة الأنعام

[ من الآية (74) إلى الآية (79) ]
{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آَزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آَلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (74) وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآَفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79)}

قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آَزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آَلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (74)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر... (74).
قرأ الحضرمي وحده (لأبيه آزر) رفعًا، وقرأ الباقون (آزر) نصبًا.
[معاني القراءات وعللها: 1/363]
قال أبو منصور: من قرأ (آزر) فعلى النداء (يا آزر)، ومن قرأ (آزر) فهو في موضع الخفض؛ لأنه بدل لأبيه، المعنى: لآزر.
ونصب لأنه لا ينصرف). [معاني القراءات وعللها: 1/364]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (إنّي أراك وقومك... (74).
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو (إنّي أراك) محرك الياء، وأرسلها الباقون). [معاني القراءات وعللها: 1/366]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أُبي وابن عباس والحسن ومجاهد والضحاك وابن يزيد المدني ويعقوب، ورُويت عن سليمان التيمي: [لِأَبِيهِ آزَرُ].
وقرأ ابن عباس بخلاف: [أَأَزْرًا نَتَّخِذ] بهمزتين، واستفهام، وينصبهما، وينون.
وقرأ أبو إسماعيل رجل من أهل الشام: [أَئزرًا] مسكورة الألف منونة [تتَّخذ].
قال أبو الفتح: أما [آزَرُ] فنداء، وأما [أَئِزْرًا] فقيل: [إِزْرًا] هو الصنم، و[أَزْرًا] بالفتح أيضًا). [المحتسب: 1/223]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (24- {لِأَبِيهِ آزَرَ} [آية/ 74] رفعًا:
قرأها يعقوب وحده.
ووجهه أنه منادى حذف منه يا، والتقدير: يا آزر، وآزر اسم علم، فلذلك جاز حذف حرف النداء منه.
وقرأ الباقون {آزَرَ} بفتح الراء.
وهو مجرور إلا أنه غير منصرف، فهو نصب في حال الجر؛ لأنه كان غير منصرف، والجر ممتنع منه، وهو في حال الجر منصوب، و{آزَرَ} بدل من {لِأَبِيهِ} أو عطف البيان). [الموضح: 477]

قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75)}

قوله تعالى: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآَفِلِينَ (76)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (رأى كوكبًا... (76). ونظائره.
قرأ ابن كثير وحفص، عن عاصم والأعشى عن أبي بكر عن عاصم ويعقوب (رأى كوكبًا) و(رأى قميصه) و(رأى أيديهم) ونحو هذا بفتح الراء والهمز حيث كان، وقرأ نافع هذا كله بين الفتح والكسر، وقرأ أبو عمرو (رأى) بفتح الراء وكسر الهمزة في جميع القرآن، وقرأ ابن عامر (ريى كوكبا) بكسر الراء والهمزة في هذه الحروف كلها ونحوها مما اسم الرؤية فيه مظهرة، مثل (رأى قميصه) و(رأى أيديهم).
وفتح الراء والهمز في جميع القرآن مع الكنايات، وقرأ أبو بكر وحمزة والكسائي (رئى) بكسر الراء والهمزة، وكذلك روى عبيد عن أبي عمرو
[معاني القراءات وعللها: 1/364]
(رأى كوكبًا)، وقال أبو جعفر البزار عن يحيى عن أبي عاصم بكسر الراء والهمزة عند الاسم الظاهر، وبفتح الراء والهمزة عند الكنى نحو (رآها تهتزّ) و(رآه نزلةً أخرى) و(أن رآه استغنى).
وقال ابن مجاهد كسر الراء عند الظاهر والمكنى في كل القرآن.
وروى نصيرا عن الكسائي (رأى كوكبًا)، و(رأى قميصه) ونحو هذا بالفتح مثل ابن كثير، و(رأى الشّمس) و(رأى القمر) ونحوه بكسر الراء وفتح الهمزة مثل حمزة، وهذا ضد رواية أبي عمرو وأبى الحارث وغيرهما، هذه رواية أبي جعفر النحوي عن نصير عنه وأظنه وهمًا. والله أعلم.
[معاني القراءات وعللها: 1/365]
وقرأ أبو بكر عن عاصم وحمزة (رأى القمر) و(رأى الشمس) و(رأى المؤمنون) و(رأى المجرمون) ونحو هذا إذا لقي الهمزة ساكن بكسر الراء وفتح الهمزة، وقال خلف عن يحيى عن أبي بكر بكسر الراء والهمزة جميعًا، والأعشى عن أبي بكر بفتح الراء والهمزة، وقرأ الباقون هذا الجنس بفتح الراء والهمزة.
قال أبو منصور: والذي نختاره من هذه الوجوه (رئى) بفتح الراء وكسر الهمزة، وهو اختيار أبي عمرو، وإن قرئ بفتح الراء والهمز فهو صحيح جيد، ومن قرأ (رئى) و(رأى) فلا ينبغي له أن يشبع كسر الراء، وإنما يشمّها كسرةً للفظ الراء، ومن أشبع الراء كسرة في هذا الباب فليس من كلام العرب). [معاني القراءات وعللها: 1/366]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (22- وقوله تعالى: {رأى كوكبًا} [76].
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/160]
قرأ نافع في رواية [ورش] بين الكسر والفتح.
وقرأ ابن كثير وحفص عن عاصم وابن عامر في رواية [هشام] بالتفخيم يفتحون الراء والهمزة جميعًا.
وقرأ أبو عمرو بخلاف السوسي بفتح الراء وكسر الهمزة.
وقرأ الباقون بكسر الراء والهمزة، فمن فخمه فعلى أصل الكلمة، والأصل: رأى مثل دعى فقلبت الياء ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها فصارت ألفًا في اللفظ وياءً في الخط. ومن أمال الهمزة فلمجاورة الياء، وفي الحقيق الألف هي الممالة. أشير إلى كسرة الهمزة كما يُشار إلى كسرة الميم في قوله: {ولكن الله رمى} وإنما أمالوا تخفيفًا، ليعمل اللسان من وجه واحد.
ومن كسر الراء فإنه أتبع الإمالة الإمالة فكسر الهمزة لمجاورة الياء، وكسر الراء لمجاورة الهمزة، فإذا استقبل الياء ألف ولام مثل {رأى القمر} [77] {ورأى الشمس} [78] و{رأى المجرمون} و{رأى الذين ظلموا} و{رأى الذين أشركوا} فإن القراء فتحوا؛ لأن الإمالة كانت من أجل الياء، فلما سقطت الياء لاجتماع الساكنين ذهبت الإمالة إلا حمزة وعاصمًا في رواية أبي بكر وأبا عمرو في رواية السوي بخلاف عنه فإنهما أمالا الراء وفتحا الهمزة ليدلا على أن الأصل ممال قبل الوصل.
وروى خلف عن يحيى بن آدم عن أبي بكر عن عاصم {رأى القمر}
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/161]
ونحوها بكسر الراء والهمزة، وهو رديء جدًا ونحوه قرأ حمزة: {ولقد رآه} بكسر الراء والهمزة، والاختيار التفخيم). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/162]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في فتح الراء والهمزة وكسرهما من قوله تعالى: رأى كوكبا [الأنعام/ 76].
فقرأ ابن كثير وعاصم في رواية حفص، رأى بفتح الراء والهمزة.
وقرأ نافع: بين الفتح والكسرة.
وقرأ أبو عمرو: رأى كوكبا بفتح الراء وكسر الهمزة.
وروى القطعيّ عن عبيد بن عقيل عن أبي عمرو: بكسر الراء والهمزة جميعا.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وابن عامر وحمزة والكسائيّ
[الحجة للقراء السبعة: 3/326]
رأى* بكسر الراء والهمزة.
وجه قول ابن كثير وعاصم في إحدى الروايتين عنه أنّهما لم يميلا، كما أنّ من قال: رعى ورمى لمّا لم يمل الألف لم يمل الفتحة التي قبلها، كما يميلها من يرى الإمالة ليميل الألف نحو الياء.
قال: وقرأ نافع بين الفتح والكسر [قوله: بين الفتح والكسر] لا يخلو من أن يريد الفتحتين اللتين على الراء والهمزة، أو الفتحة التي على الهمزة وحدها، فإن كان يريد فتحة الهمزة فإنّما أمالها نحو الكسرة لتميل الألف التي في رأى نحو الياء، كما أمال الفتحة التي على الدّال من هدى* والميم من رمى*.
وإن كان يريد أنّه أمال الفتحتين جميعا، الّتي على الراء، والتي على الهمزة، فإمالة فتحة الهمزة على ما تقدّم ذكره.
وأمّا إمالة الفتحة التي على الراء، فإنّما أمالها لاتباعه إياها إمالة فتحة الهمزة، كأنّه أمال الفتحة لإمالة الفتحة، كما أمال الألف لإمالة الألف في قولهم: رأيت عمادا، فأمال ألف النصب لإمالة الألف في عماد، والتقديم والتأخير في ذلك سواء، والفتحة الممالة منزلة منزلة الكسرة، فكما أملت الفتحة في قولك من عمرو، لكسرة الراء، كذلك أملت فتحة الراء من رأى* لإمالة الفتحة التي على الهمزة.
[الحجة للقراء السبعة: 3/327]
قال: وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وابن عامر وحمزة والكسائيّ رأي* بكسر الراء والهمزة.
قال: وجه قراءتهم أنّهم كسروا الراء من رأى، لأنّ المضارع منه على يفعل، وإذا كان المضارع على «يفعل» فكأنّ الماضي على «فعل»، ألّا ترى أنّ المضارع في الأمر العام إذا كان على يفعل كان الماضي على فعل؟ وعلى هذا قالوا: أنت تينا، فكسروا حرف المضارعة كما كسروه في نحو: تعلم وتفهم، وكسروا الياء أيضا في هذا الحرف فقالوا: ييبا، ولم يكسروه في يعلم، وإذا كان الماضي كأنّه على فعل فيما ينزّل، كسرت الراء التي هي فاء لأنّ العين همزة، وحروف الحلق إذا جاءت في كلمة على زنة فعل* كسرت فيها الفاء لكسرة العين في الاسم والفعل، وذلك قولهم: عير نعر، ورجل جئز، ومحك، وماضغ لهم.
وكذلك الفعل نحو: شهد ولعب ونعم، وكسرة الراء على هذا كسرة مخلّصة محضة، وليست بفتحة ممالة.
وأمّا كسر الهمزة فإنّه يراد به إمالة فتحها إلى الكسر، لتميل الألف نحو الياء وذلك قولك: رأي كوكبا.
[الحجة للقراء السبعة: 3/328]
فإن قلت: إنّ الفاء إنّما تكسر لتتبع الكسرة في العين في نحو شهد* والهمزة في رأى* مفتوحة، فكيف أجيزت كسرة الراء.
مع أنّ بعدها حرفا مفتوحا؟. فالقول في ذلك أنّه فيما نزّلناه بمنزلة الفتح، فأتبع الفتحة الكسرة المقدّرة، لمّا نزّلناه بمنزلة الكسرة تبعته فتحة الراء، كما أنّ ضمّة ياء يعفر لما كان في تقدير الفتحة ترك صرف الاسم معها، كما ترك مع فتحة الياء في يعفر، وترك صرفه مع ضمّة الياء حكاه أبو الحسن، وكما أنّ الفتحة في يطأ، ويسع لما كانت في تقدير الكسرة حذفت معها الفاء، كما حذفت في: يزن ويعد.
ومثل تنزيلهم الفتحة في رأى... منزلة الكسرة، تنزيلهم لها
أيضا منزلة الكسرة في قولهم: هما يشأيان في يفعلان، من الشأو، لمّا قالوا: يشأى، نزّلوا الماضي على فعل، فقالوا في المضارع:
يشأيان، كما قالوا: يشقيان.
واختلفوا فيها إذا لقيها ساكن.
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائيّ وابن عامر: رأى القمر [الأنعام/ 77] ورأى الشمس [الأنعام/ 78] ورأى المجرمون [الكهف/ 53] ورأى الذين أشركوا [النحل/ 86]، وما كان مثله بفتح الراء والهمزة.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة: رأى القمر ورأى الشمس بكسر الراء وفتح الهمزة في كل القرآن.
[الحجة للقراء السبعة: 3/329]
وذكر خلف عن يحيى بن آدم عن أبي بكر عن عاصم:
رأى القمر ورأى الشمس بكسر الراء والهمزة معا.
قال بعض أصحاب أحمد: قوله: بكسر الراء والهمزة، خطأ، وإنّما هو بكسر الراء وإمالة الهمزة.
قال أبو علي: تحقيق هذا: وإمالة فتحة الهمزة.
وروى حفص عن عاصم: بفتح الراء والهمزة في رأى* في كل القرآن.
وجه إزالتهم الإمالة عن فتحة الهمزة في رأى*: أنّهم إنّما كانوا أمالوا الفتحة لتميل الألف نحو الياء، فلمّا سقطت الألف بطلت إمالتها لسقوطها، ولمّا بطلت إمالتها لسقوطها
بطلت إمالة الفتحة نحو الكسرة لسقوط الألف التي كانت الفتحة الممالة يميلها نحو الياء.
وأمّا موافقة ابن عامر والكسائيّ وعاصم في رواية أبي بكر وابن كثير نافعا وأبا عمرو، في رأى المجرمون، وفتحهم الراء، وقد كانوا كسروها في رأى كوكبا فلأنّهم آثروا الأخذ باللغتين، كسر الراء وفتحها، فكسرها لما ذكر، وفتحها لأنّهم جعلوها بمنزلة الراء في رمى ورعى ولأنّهم أعلّوا الرّاء
[الحجة للقراء السبعة: 3/330]
وقدّروا فيه ما قدّروا لإعلال الهمزة بإمالة فتحتها [فلمّا غيّروها]، غيّروا الراء أيضا ألا ترى أنّهم لما أعلّوا اللّام بالقلب في عصي، وعتي ونحوهما أعلّوا الفاء أيضا بالكسر في عصيّ؟ ولمّا أعلّوا الاسم بحذف التاء منه في النسب إلى: ربيعة، وحنيفة: ألزموه في الأمر العام الإعلال والتغيير، بحذف الياء منه أيضا، فقالوا: ربعيّ، وحنفيّ.
ووجه قراءة عاصم في رواية أبي بكر وحمزة رأى القمر ورأى الشمس بكسر الراء وفتح الهمزة في كل القرآن: فلأنّ كسر الرّاء إنّما هو للتنزيل الذي ذكرنا، وهو معنى منفصل من إمالة فتحة الهمزة، ألا ترى أنّه يجوز أن يعمل هذا المعنى من لا يرى الإمالة، كما يجوز أن يعمله من يراها؟ فإذا كان كذلك، كان انفصال أحدهما من الآخر سائغا غير ممتنع.
وأمّا رواية خلف عن يحيى عن أبي بكر عن عاصم: رأي القمر ورأي الشمس بكسر الرّاء والهمزة معا، يريد بكسر الهمزة إمالة فتحتها، فوجه كسر الرّاء قد ذكر، وأمّا إمالة فتحتها مع زوال ما كان يوجب إمالتها من حذف الألف، فلأنّ الألف محذوفة لالتقاء الساكنين، وما يحذف لالتقاء الساكنين، فقد ينزّل تنزيل المثبت، ألا ترى أنّهم قد أنشدوا:
[الحجة للقراء السبعة: 3/331]
ولا ذاكر الله إلّا قليلا فنصب الاسم بعد ذاكر، وإن كان النون قد حذفت لمّا كان الحذف لالتقاء الساكنين، والحذف لهما في تقدير الإثبات من حيث كان التقاؤهما غير لازم ومن ثمّ لم تردّ الألف في نحو: رمت المرأة.
وممّا يشهد لذلك أنّهم قالوا: شهد* فكسروا الفاء لكسرة العين، ثمّ أسكنوا فقالوا: شهد*، فبقّوا الكسرة في الفاء مع زوال ما كان اجتلبها، وعلى هذا ينشد قول الأخطل:
إذا غاب عنّا غاب عنّا فراتنا... وإن شهد أجدى فضله ونوافله
ويشهد لذلك أيضا أنّهم قالوا: صعق، ثم نسبوا إليه، فقالوا صعقي فأقرّوا كسرة الفاء مع زوال كسرة العين التي لها كسرت الفاء، فكذلك تبقية إمالة فتحة الهمزة في قراءة حمزة رأى القمر.
وزعم أبو الحسن أنّ ذلك لغة مع ما ذكرنا من وجوه المقاييس فيه، وأنّها قراءة: في القتلى الحر). [الحجة للقراء السبعة: 3/332]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فلمّا جن عليه اللّيل رأى كوكبا} {فلمّا رأى القمر} {فلمّا رأى الشّمس} 76 78
قرأ أبو عمرو {فلمّا جن عليه اللّيل رأى كوكبا} بفتح الرّاء وكسر الهمزة وإنّما كسر الهمزة لمجاورة الياء والألف هي الممالة وأشير إلى كسر الهمزة كما يشار إلى كسر الميم في قوله {ولكن الله رمى} وإلى كسر الضّاد في قوله ثمّ قضى فكذلك كسر الهمزة لمجاورة الألف الممالة
[حجة القراءات: 256]
قرأ ابن عامر وحمزة والكسائيّ وأبو بكر {رأى كوكبا} بكسر الرّاء وإنّما كسروا الرّاء لمجاورة الهمزة ومن العرب من يقول رمى بكسر الرّاء والميم
وقرأ أهل الحجاز وحفص بفتح الرّاء والهمزة على أصل الكلمة والأصل رأى مثل رعى فقلبوا الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فصارت ألفا في اللّفظ ياء في الخط
قرأ حمزة وأبو بكر {رأى القمر} و{رأى الشّمس} بكسر الرّاء وفتح الهمزة
وقرأ الباقون بفتح الرّاء وحجتهم في ذلك أن الرّاء إنّما كسرت لمجاورة الهمزة المكسورة والهمزة كسرت لمجاورة الياء فلمّا سقطت الياء عادت الهمزة إلى أصلها فلمّا عادت الهمزة إلى أصلها عادت الرّاء إلى أصلها
وحجّة من كسر الرّاء وفتح الهمزة أن الياء لما سقطت فعادت الهمزة إلى الفتح الّذي هو أصلها لم يبق في الفعل ما يدل على مذهبه فترك في الرّاء من الكسر ما يدل على مذهبه). [حجة القراءات: 257] (م)
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (25- {رَأى كَوْكَبًا} [آية/ 76] بفتح الراء والهمزة:-
قراها ابن كثير وعاصم -ص- ويعقوب، وكذلك {رَأى أَيْدِيَهُمْ} و{رَأى
[الموضح: 477]
نَارًا} و{رَآكَ} و{رَآهُ} و{رَآهَا} وما أشبهها في كل القرآن.
والوجه في ذلك أنه الأصل، والإمالة فرغ عليه؛ لأن الأصل هو الفتح وترك الإمالة، والإمالة دخيلة، وكثير من العرب لا يميلون شيئا؛ لأن الإمالة حكم جائر وليس بواجب.
وقرأ أبو عمرو {رَأى} و{رَآكَ} و{رَآهُ} بفتح الراء وكسر الهمزة، ونافع بفتح الراء فيها كلها، ويضجع الهمزة قليلا.
والوجه أن فتحة الراء متروكة بحالها من غير تغيير، لكن فتحة الهمزة ممالة في هذه القراءة نحو الكسرة ليميل الألف التي بعدها نحو الياء، كما أميلت الفتحة التي في الدال من: هدى، والميم من: رمى، نحو الكسرة لتميل الألف التي بعدها، وهكذا تكون الإمالة في كل ممال أن تنحو بالفتحة التي قبل الألف التي يراد إمالتها نحو الكسرة لتميل الألف نحو الياء.
[الموضح: 478]
وروي -ش- عن نافع بإمالة الراء والهمزة.
والعله في إمالتها أنهم لما أمالوا فتحة الهمزة نحو الكسرة لتميل الألف التي بعدها، أتبعوا فتحة الهمزة فتح الراء الممالة، فأمالوا أيضًا فتحة الراء نحو الكسرة على سبيل الإتباع، كما أمالوا الألف لإمالة الألف في قولهم: رأيت عمادا، فأميلت ألف النصب لإمالة ألف عماد.
وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وعاصم في رواية -ياش- {رَأى} بكسر الراء والهمزة في كل القرآن؛ إلا أن ابن عامر خالفهم ففتح الراء والهمزة فيما فيه هاء الضمير أو الكاف نحو {رَآهُ} و{رَآهَا} و{رَآكَ}.
ووجه كسر الراء والهمزة أن الراء إنما كسر من {رَأى}؛ لأن المضارع منه على يفعل، وإذا كان المضارع على يفعل بالفتح، فكأن الماضي على فعل بالكسر؛ لأن يفعل بالفتح أكثره يأتي مضارعة لفعل بالكسر، وما كان على فعل بكسر العين فقد يكسر فاء الفعل منه لكسرة العين، نحو: شهد بكسر الشين في شهد، ولعب بكسر اللام في ليب، وكسروا أيضًا راء {رَأى} تشبيها لها بفاء فعل بكسر العين وهي كسرة خالصة محضة. وأما كسرة الهمزة فليست بكسرة خالصة، وإنما هي إمالة للفتحة نحو الكسرة لتميل الألف التي بعدها نحو الياء، وهذه الكسرة وإن لم تكن كسرة خالصة بل هي إمالة، فإنهم نزلوها منزلة الكسرة الخالصة، ولذلك أتبعوها حركة فاء الفعل حتى كسروها.
وأما فتح ابن عامر لما كان معه هاء الضمير، أو كاف الضمير، فيجوز أن يكون أراد الأخذ باللغتين، أو كرة الإمالة لما صار الألف حشوًا للكلمة بلحاق الضمير، أو لتشبيهه الهاء بالألف، والألف إذا وقعت بعد الحرف الممال
[الموضح: 479]
ضعفت الإمالة فيه، وكذلك الفتحة.
وإذا لقيت هذه الحروف ألف ولام {رَأى الشَّمْسَ} {رَأى الْقَمَرَ} و{رَأى الْمُجْرِمُونَ} فعاصم في رواية -ياش- وحمزة يكسران الراء ويفتحان الهمزة، والباقون يفتحونهما.
أما من كسر الراء وفتح الهمزة مع التقاء الساكنين فإنما كسر الراء على ما قدمنا علته من تشبيه الفعل بفعل بكسر العين، وأما فتح الهمزة فلأن الألف التي كسرت الهمزة لأجل إمالتها قد زال لالتقاء الساكنين في {رَأى الْقَمَرَ}، فما زالت الألف الممالة زالت الكسرة التي اجتلبت لأجلها.
وأما من فتح الراء والهمزة جميعا فعلى الأصل.
وروي رستم عن نصير، {رَأى الْقَمَرَ} بإمالة الراء والهمزة جميعا؛ لأن الألف الممالة وإن كانت محذوفة، فإنما حذفت لالتقاء الساكنين، وما كان يحذف لالتقاء الساكنين فإنما هو بمنزلة المثبت غير الزائل). [الموضح: 480]

قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77)}
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فلمّا جن عليه اللّيل رأى كوكبا} {فلمّا رأى القمر} {فلمّا رأى الشّمس} 76 78
قرأ أبو عمرو {فلمّا جن عليه اللّيل رأى كوكبا} بفتح الرّاء وكسر الهمزة وإنّما كسر الهمزة لمجاورة الياء والألف هي الممالة وأشير إلى كسر الهمزة كما يشار إلى كسر الميم في قوله {ولكن الله رمى} وإلى كسر الضّاد في قوله ثمّ قضى فكذلك كسر الهمزة لمجاورة الألف الممالة
[حجة القراءات: 256]
قرأ ابن عامر وحمزة والكسائيّ وأبو بكر {رأى كوكبا} بكسر الرّاء وإنّما كسروا الرّاء لمجاورة الهمزة ومن العرب من يقول رمى بكسر الرّاء والميم
وقرأ أهل الحجاز وحفص بفتح الرّاء والهمزة على أصل الكلمة والأصل رأى مثل رعى فقلبوا الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فصارت ألفا في اللّفظ ياء في الخط
قرأ حمزة وأبو بكر {رأى القمر} و{رأى الشّمس} بكسر الرّاء وفتح الهمزة
وقرأ الباقون بفتح الرّاء وحجتهم في ذلك أن الرّاء إنّما كسرت لمجاورة الهمزة المكسورة والهمزة كسرت لمجاورة الياء فلمّا سقطت الياء عادت الهمزة إلى أصلها فلمّا عادت الهمزة إلى أصلها عادت الرّاء إلى أصلها
وحجّة من كسر الرّاء وفتح الهمزة أن الياء لما سقطت فعادت الهمزة إلى الفتح الّذي هو أصلها لم يبق في الفعل ما يدل على مذهبه فترك في الرّاء من الكسر ما يدل على مذهبه). [حجة القراءات: 257] (م)

قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78)}
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فلمّا جن عليه اللّيل رأى كوكبا} {فلمّا رأى القمر} {فلمّا رأى الشّمس} 76 78
قرأ أبو عمرو {فلمّا جن عليه اللّيل رأى كوكبا} بفتح الرّاء وكسر الهمزة وإنّما كسر الهمزة لمجاورة الياء والألف هي الممالة وأشير إلى كسر الهمزة كما يشار إلى كسر الميم في قوله {ولكن الله رمى} وإلى كسر الضّاد في قوله ثمّ قضى فكذلك كسر الهمزة لمجاورة الألف الممالة
[حجة القراءات: 256]
قرأ ابن عامر وحمزة والكسائيّ وأبو بكر {رأى كوكبا} بكسر الرّاء وإنّما كسروا الرّاء لمجاورة الهمزة ومن العرب من يقول رمى بكسر الرّاء والميم
وقرأ أهل الحجاز وحفص بفتح الرّاء والهمزة على أصل الكلمة والأصل رأى مثل رعى فقلبوا الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فصارت ألفا في اللّفظ ياء في الخط
قرأ حمزة وأبو بكر {رأى القمر} و{رأى الشّمس} بكسر الرّاء وفتح الهمزة
وقرأ الباقون بفتح الرّاء وحجتهم في ذلك أن الرّاء إنّما كسرت لمجاورة الهمزة المكسورة والهمزة كسرت لمجاورة الياء فلمّا سقطت الياء عادت الهمزة إلى أصلها فلمّا عادت الهمزة إلى أصلها عادت الرّاء إلى أصلها
وحجّة من كسر الرّاء وفتح الهمزة أن الياء لما سقطت فعادت الهمزة إلى الفتح الّذي هو أصلها لم يبق في الفعل ما يدل على مذهبه فترك في الرّاء من الكسر ما يدل على مذهبه). [حجة القراءات: 257] (م)

قوله تعالى: {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله: (وجهي للّذي... (79).
[معاني القراءات وعللها: 1/366]
فتح الياء نافع وابن عامرٍ وحفص والأعشى عن أبي بكر عن عاصم، وأرسلها الباقون). [معاني القراءات وعللها: 1/367]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م 07:44 PM

سورة الأنعام
[ من الآية (80) إلى الآية (83) ]

{وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آَتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83)}

قوله تعالى: {وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (80)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (قال أتحاجّونّي في اللّه... (80).
قرأ نافع وابن عامر (قال أتحاجّوني في اللّه) مخففة النون، وشددها الباقون.
قال أبو منصور: من قرأ (أتحاجّونّي) بتشديد النون فالأصل: أتحاجونني بنونين، أدغمت إحداهما في الأخرى وشددت، ومن خفف النون فإنه يحذف إحدى النونين استثقالاً للجمع بينهما، وكذلك قوله: (فبم تبشّرون)، وهما لغتان، وأجودهما تشديد النون). [معاني القراءات وعللها: 1/367]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (23- وقوله تعالى: {أتحاجوني في الله} [80].
قرأ نافع وابن عامر {أتحاجوني} بتخفيف النون.
وقرأ الباقون بالتشديد. والأصل: أتحاجونني بنونين، الأولى علامة الرفع، والثانية مع ياء المتكلم في موضع النصب، ومثله {أفغير الله تأمروني} الأصل: تأمرونني فاجتمع حرفان متجانسان فأدغموا تخفيفًا.
وأما نافع فإنه لما كره الجمع بين نونين حذف واحدة). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/162]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (24- وقوله تعالى: {وقد هدان} [80].
قرأ الكسائي وحده {هدان} بالإمالة لمجاورة الكسرة والياء، وذلك أن الأصل قبل اتصالها بالمكني هدى ثمل قضى فلما اتصلت بالمكني والنون مكسورة بقاها على إمالتها والأصل: هديني فقلبت الياء ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها.
وقرأ الباقون {هدان} بالتفخيم، على أصل الكلمة.
وقرأ أبو عمرو وحده {هداني} بالياء في الوصل على الأصل ووقف بغير ياء اتباعًا للمصحف.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/162]
والباقون يصلون بغير ياء اجتزاءً بالكسرة كما بينته في صدر هذا الكتاب). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/163]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في تشديد النون وتخفيفها من قوله تعالى: أتحاجوني في الله [الأنعام/ 80] وتأمروني [الزمر/ 64].
[الحجة للقراء السبعة: 3/332]
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائيّ:
أتحاجوني، وتأمروني مشدّدتين. وقرأ نافع وابن عامر مخفّفتين.
لا نظر في قول من شدّد.
فأمّا وجه التخفيف: فإنّهما حذفا النون الثانية لالتقاء النونين، والتضعيف يكره، فيتوصّل إلى إزالته تارة بالحذف نحو:
«علماء بنو فلان» وتارة بالإبدال نحو:
لا أملاه حتّى يفارقا ونحو: «ديوان وقيراط» فحذفا الثانية من المثلين كراهة التضعيف، ولا يجوز أن يكون المحذوف: النون الأولى لأنّ الاستثقال يقع بالتكرير في الأمر الأعمّ، والأولى أيضا فيها أنّها دلالة الإعراب، وإنّما حذفت الثانية كما حذفتها من ليتي في قوله:
.. إذ قال ليتي... أصادفه وأفقد بعض مالي
[الحجة للقراء السبعة: 3/333]
وكقوله:
تراه كالثّغام يعلّ مسكا... يسوء الفاليات إذا فليني
فالمحذوفة المصاحبة للياء ليسلم سكون لام الفعل وما يجري مجراها أو حركتها، ولا يجوز أن تكون المحذوفة الأولى، فيبقى الفعل بلا فاعل، كما لا تحذف الأولى في أتحاجوني، لأنّها الإعراب، ويدلّك على أنّ المحذوف الثانية أنّها قد حذفت مع الجارّ أيضا في نحو قوله.
قدني من نصر الخبيبي قدي وقد جاء حذف هذه النون في كلامهم قال:
أبالموت الّذي لا بدّ أنّي... ملاق لا أباك تخوّفيني
[الحجة للقراء السبعة: 3/334]
وزعموا أنّ المفضّل أنشد:
تذكرونا إذ نقاتلكم... إذ لا يضرّ معدما
عدمه وزعم بعض البصريين في حذف هذه النون أنّها لغة لغطفان. وحكى سيبويه هذه القراءة، فزعم أنّ بعض القراء، قرأ أتحاجوني واستشهد بها في حذف النونات لكراهة التضعيف). [الحجة للقراء السبعة: 3/335]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قرأ الكسائيّ وحده هداني* [الأنعام/ 80] بإمالة الدّال.
وقرأ الباقون بالفتح.
الإمالة في هداني* حسنة لأنّه من هدى يهدي، فهو من الياء، وإذا كانوا قد أمالوا نحو: غزا، ودعا، لأنّه قد يصير إلى الياء في: غزي، ودعي فلا إشكال في حسنها، فيما كان الأصل فيه الياء). [الحجة للقراء السبعة: 3/335]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({أتحاجوني في الله}
قرأ نافع وابن عامر {أتحاجوني} بتخفيف النّون
وقرأ الباقون {أتحاجوني} بالتّشديد الأصل أتحاجونني بنونين الأولى علامة الرّفع والثّانية مع ياء المتكلّم في موضع النصب
[حجة القراءات: 257]
فاجتمع حرفان من جنس واحد فأدغموا الأولى في الثّانية ومثله {أفغير الله تأمروني}
وأما نافع فإنّه كره الجمع بين نونين فحذف إحدى النونين طلبا للتّخفيف وحجته قول الشّاعر:
تراه كالثغام يعل مسكا ... يسوء الفاليات إذا فليني
أراد فلينني فحذف إحدى النونين). [حجة القراءات: 258]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (36- قوله: {أتحاجوني} قرأ نافع وابن عامر بتخفيف النون، وشدد الباقون.
وحجة من شدده أن الأصل فيه بنونين، الأولى علامة الرفع، والثانية فاصلة بين الفعل والياء، فلما اجتمع مثلان في فعل، وذلك ثقيل، أدغم إحدى النونين في الأخرى، فوقع التشديد لذلك، ولابد من مد الواو للمشدد، لئلا يلتقي ساكنان، الواو، وأول المشدد، فصارت المدة تفصل بين الساكنين، كما تفصل الحركة بينهما.
37- وحجة من خفف أنه حذف النون الثانية استخفافًا، لاجتماع
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/436]
المثلين متحركين، وللتضعيف، الذي في الفعل، في الجيم، ولا يحسن أن يكون المحذوف هو النون الأولى، لأنها علم الرفع في الفعل، وحذفها علم النصب والجزم، فلو حذفت استخفافًا لاشتبه المرفوع بالمجزوم والمنصوب وأيضًا فإن الاستثقال إنما يقع بالتكرير، فحذفت ما يحدث به الاستثقال أولى من غيره، وحذف هذه النون في العربية قبيح مكروه، إنما يجوز في الشعر لضرورة الوزن، والقرآن لا يُحمل على ذلك، إذ لا ضرورة تلجئ إليه، وقد لحن بعض النحويين من قرأ به، لأن النون الثانية وقاية للفعل ألا تتصل به الياء فيكسر آخره فيغير، فإذا حذفتها اتصلت الياء بالنون، التي هي علامة الرفع، وأصلها الفتح، فغيرتها عن أصلها وكسرتها، فتغير الفعل، والاختيار تشديد النون؛ لأنه الأصل، ولأن الحذف يوجب التغيير في الفعل، ولأن عليه أكثر القراء). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/437]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (26- {أَتُحَاجُّونِّي} [آية/ 80] بتخفيف النون:-
قرأها نافع وابن عامر، وكذلك في الزمر {تَأْمُرُونِّي}، غير ابن عامر فإنه يقرأ في الزمر بنونين.
[الموضح: 480]
والوجه في التخفيف أن النون الثانية حذفت لالتقاء النونين ولكراهة. التضعيف، ولا يجوز أن تكون النون الأولى محذوفة؛ لأنها دلالة الإعراب؛ ولأن الاستثقال إنما يقع بالتكرير في الأمر الأعم.
وقرأ الباقون {أَتُحَاجُّونِّي} و{تَأْمُرُونِّي} بتشديد النون فيهما.
وهو الأصل في الكلمة، لأن أصلها {أَتُحاجُّونَنِي} بنونين، إلا أنه أدغم النون التي هي علامة رفع الفعل في النون التي تصحب ضمير المتكلم). [الموضح: 481]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (27- {وَقَدْ هَدَانِي} [آية/ 80] بالإمالة:-
قرأها الكسائي وحده، وكذلك {إِنَّنِي هَدَانِي}.
وإمالته حسنة؛ لأن الكلمة من الياء؛ لأنها من هدى يهدي، وقد مضى الكلام في مثله.
وقرأ الباقون بالفتح؛ لأنه هو الأصل، وقد ذكرنا أن الإمالة ليست بواجبة). [الموضح: 481]

قوله تعالى: {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81)}

قوله تعالى: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)}

قوله تعالى: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آَتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (نرفع درجاتٍ من نشاء... (83)
وفي يوسف مثلها.
[معاني القراءات وعللها: 1/367]
قرأ أهل الكوفة (درجاتٍ) منونة بالتنوين، قرأ يعقوب هنا "درجاتٍ) منونًا، وفي يوسف مضافًا، وقرأ الباقون (درجات من نشاء) بالإضافة في السورتين.
قال أبو منصور: من قرأ (درجات من نشاء) أوقع الفعل على (درجات) وحدها، وهي في موضع النصب، وجعل (من) في موضع الخفض إضافة (درجاتٍ) إليها، ومن قرأ (درجاتٍ من نشاء) جعل (نرفع) متعديًا إلى مفعولين: أحدهما: (درجاتٍ) والثاني: (من) ). [معاني القراءات وعللها: 1/368]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (25- وقوله تعالى: {نرفع درجات من نشاء} [83].
قرأ أهل الكوفة بالتنوين.
وقرأ الباقون بغير تنوين مضافًا مثل نرفع أعمال من نشاء، ومن نون جعل «من» «نصب» و{نشاء} صلتها، و{درجات} مفعولاً ثانيًا، أو حالاً، أو بدلاً، أو تمييزًا، والتقدير: نرفع من نشاء درجات، وإنما كسرت التاء، وهي في موضع نصب؛ لأن الجمع جمع سلامة، والتاء غير أصيلة ثمل قوله: {إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات} و{ما هن أمهاتهم} ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/163]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الإضافة والتنوين من قوله تعالى: نرفع درجات من نشاء [الأنعام/ 83].
[الحجة للقراء السبعة: 3/335]
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر نرفع درجات من نشاء بالنون مضافا، وكذلك في سورة يوسف الآية/ 76].
وقرأ عاصم وحمزة والكسائيّ: درجات من نشاء منونا، وكذلك في يوسف.
قوله: ورفع بعضهم درجات [البقرة/ 253] يدلّ على قراءة من نوّن، ألا ترى أنّه في ذكر الرّسل قال: تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله، ورفع بعضهم درجات [البقرة/ 253].
فأمّا قوله تعالى: ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا [الزخرف/ 32] فإنّه في الرّتب وارتفاع الأحوال في الدنيا واتضاعها. يدلّك على ذلك قوله: نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا [الزخرف/ 32].
ويقوّي قراءة من أضاف، قوله: تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض، فمن فضّل على غيره فقد رفعت درجته عليه، فقوله: فضلنا بمنزلة قولك رفعنا درجته). [الحجة للقراء السبعة: 3/336]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({نرفع درجات من نشاء}
قرأ عاصم وحمزة والكسائيّ {نرفع درجات من نشاء} بالتّنوين جعلوا المرفوع هو الإنسان وحجتهم في ذلك أن الله قد بين معنى هذا الكلام في غير موضع من القرآن فجعل المرفوع هو الإنسان وبين فضل من أحب أن يفضله بأن يرفعه فقال {يرفع الله الّذين آمنوا منكم} وقال {وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما} فجعلهم هم المرفوعين دون الدّرجات وفي الآية تقديم وتأخير المعنى نرفع من نشاء درجات ومن في موضع النصب ونجعل درجات مفعولا ثانيًا أو حالا
وقرأ الباقون {نرفع درجات} بغير تنوين وحجتهم ذكرها اليزيدي فقال كقولك نرفع أعمال من نشاء فجعل اليزيدي
[حجة القراءات: 258]
الرّفع للأعمال دون الإنسان والّذي يدل على هذا أن الآثار قد جاءت في الدّعاء مضافة كقولهم للميت اللّهمّ شرف بنيانه وارفع درجته ولا يقال ارفعه وقد روي في التّفسير في قوله {نرفع درجات من نشاء} أي في العلم). [حجة القراءات: 259]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (38- قوله: {درجات} قرأه الكوفيون بالتنوين، ومثله في يوسف، وقرأهما الباقون بغير تنونين.
وحجة من نون أنه أوقع الفعل على «من» لأنه المرفوع في الحقيقة ليست الدرجات هي المرفوعة المقصود إليها بالرفع، إنما المرفوع صاحبها فهو كقوله: {ورفع بعضهم درجاتٍ} «البقرة 253»
39- وحجة من لم ينون أنه أوقع الفعل على «درجات» وأضاف «الدرجات» إلى «من» لأن الدرجات إذا رفعت فصاحبها مرفوع إليها، ودليله قوله: {رفيع الدرجات} «غافر 15» فأضاف الرفع إلى «الدرجات»، وهو
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/437]
لا إله إلا هو الرفيع المتعال في شرفه وفضله، فالقراءتان متقاربتان؛ لأن من رفعت درجاته فقد رفع، ومن رفع فقد رفعت درجاته). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/438]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (28- {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ} [آية/ 83] منونا غير مضاف: -
قرأها الكوفيون، وكذلك في يوسف، وقرأ يعقوب في الأنعام في {دَرَجَاتٍ} بالتنوين، وفي يوسف بالإضافة.
والوجه أن الرفع إنما هو واقع على أصحاب الدرجات لا على الدرجات، والتقدير: نرفع من نشاء درجات، كما قال {وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ}، فالفعل واقع على {مَنْ} التي هي لأهل الدرجات، لا على الدرجات، كما أن الفعل واقع على البعض في الآية الأخرى لا على الدرجات.
وقرأ الباقون {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ}، بالإضافة.
وهذه القراءة في معنى القراءة الأولى؛ لأن الرفع ههنا واقع على الدرجات، فإن من رفع فقد رفع درجته). [الموضح: 482]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م 07:46 PM

سورة الأنعام
[ من الآية (84) إلى الآية (90) ]

{وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86) وَمِنْ آَبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (87) ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (88) أُولَئِكَ الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89) أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90)}

قوله تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84)}

قوله تعالى: {وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85)}

قوله تعالى: {وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (واليسع... (86)
قرأ حمزة والكسائي (والليسع) بلامين في السورتين، وقرأ الباقون بلام واحدة في الموضعين.
[معاني القراءات وعللها: 1/368]
قال الفراء: من شدد اللام فهو أشببه بأسماء العجم من قراءة من قرأ (اليسع)؛ لأن العرب لا تكاد تدخل الألف واللام فيما لا يجرى، مثل: يزيد ويعمر إلا في ضرورة الشعر، وأنشد بعضهم:
وجدنا الوليد بن اليزيد مباركاً... شديداً بأعباء الخلافة كاهله أحناء الأمور: مشكلاتها، وأصلها من أحناء الوادي، ومحانيه، وهي: معاطفه رمراقيعه.
وقال النابغة:
يقسّم أحناء الأمور فهارب.. وشاصٍ عن الحرب العوان ودائن
قال الفراء: وإنما دخل في (يزيد) الألف واللام لما أدخلهما في (الوليد)، والعرب إذا فعلت ذلك فقد أمست الاسم مدحًا). [معاني القراءات وعللها: 1/369]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (26- وقوله تعالى: {واليسع} [86].
قرأ حمزة والكسائي {والليسع} بلامين، والاختيار {واليسع} بلام مثل اليحمد: قبيلة من العرب، والأصل: يسع مثل يزيد ويشكر، وإنما تدخل الألف واللام عند الفراء للمدح كما قال الشاعر:
وجدنا الوليد بن اليزيد مباركا = شديدًا بأعباء الخلافة كاهله
وعند البصريين لا تدخل الألف واللام على اسم معرفة إلا إذا كان صفة نحو الزبير والعباس). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/163]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في زيادة اللّام ونقصانها في قوله تعالى: واليسع [الأنعام/ 86].
فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر بلام واحدة.
وقرأ حمزة والكسائيّ: والليسع بلامين وفي «صاد» مثله.
[قال أبو علي]: اعلم أن لام المعرفة تدخل الأسماء على ضربين: أحدهما للتعريف، والآخر زيادة زيدت، كما تزاد الحروف، فلا تدلّ على المعاني التي تدلّ عليها إذا لم تكن زائدة.
والتعريف الذي يحدث بها على ضروب: منها: أن يكون إشارة إلى معهود بينك وبين المخاطب نحو: الرجل والغلام، إذا أردت بها رجلا وغلاما عرفتماه بعهد كان بينكما.
والآخر أن يكون إشارة إلى ما في نفوس الناس من علمهم للجنس، فهذا الضرب، وإن كان معرفة، كالأول، فهو مخالف له من حيث كان الأول قد علمه حسا، وهذا لم يعلمه كذلك، إنّما يعلمه معقولا.
فأمّا نحو: مررت بهذا الرجل، فإنّما أشير به إلى الشاهد الحاضر لا إلى غائب معلوم بعهد، ألا ترى أنّك تقول ذلك فيما
[الحجة للقراء السبعة: 3/337]
لا عهد فيه بينك وبين مخاطبك. وممّا يدلّ على ذلك قولك في النداء، يا أيّها الرجل، فتشير به إلى المخاطب الحاضر، وهما يجريان مجرى الاسم الواحد، كما أنّ ماذا من قوله تعالى: ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا [النحل/ 30]، يجريان مجرى الاسم الواحد، فلا يجوز أن يكون الاسم معرّفا بتعريفين مختلفين أحدهما حاضر والآخر غائب.
ويدلّك على أنّهما يجريان مجرى الاسم الواحد أنّه لا يوصف بالمضاف نحو: مررت بهذا ذي المال، ولا يوصف بالأسماء المفردة، إذا ثنّيت، فلا يجوز مررت بهذين، الطويل والقصير، كما تقول: مررت بالرجلين القائم والقاعد، وذلك أنّه قد صار مع الأول كالشيء الواحد، ويبيّن ذلك من جهة المعنى، وهو أنّك تستفيد بهما ما تستفيد من الاسم المفرد من معنى الجنس.
فأمّا الأسماء الأعلام، فلا تدخل عليها الألف واللام، وذلك أنّ تعليقها على من تعلّق عليه، وتخصيصه بها يغني عن الألف واللام، وذلك نحو التسمية: بجدار، وحمار، وثور، وأسد، وكلب، وزيد، وزياد، وبشر، وحمد.
[الحجة للقراء السبعة: 3/338]
فأمّا نحو العبّاس، والحارث، والقاسم، والحسن، فإنّما دخلت الألف واللام فيها على تنزيل أنّها صفات جارية على موصوفين، وهذا يعني الخليل بقوله: جعلوه الشيء بعينه، فإن لم ينزّل هذا التنزيل، لم يلحقوها الألف واللام، فقالوا: حارث وعباس وقاسم وعلى كلا المذهبين جاء ذلك في كلامهم، قال الفرزدق:
تقعّدهم أعراق حذلم بعد ما... رجا الهتم إدراك العلى والمكارم
وقال:
ثلاث مئين للملوك وفى بها... ردائي وجلّت عن وجوه الأهاتم
[الحجة للقراء السبعة: 3/339]
فجعله مرة بمنزلة: أضحاة، وأضاح، ومرّة بمنزلة أحمر وحمر.
وجمع الأعشى بين الأمرين في بيت وذلك قوله:
أتاني وعيد الحوص من آل جعفر... فيا عبد عمرو لو نهيت الأحاوصا
وأنشد الأصمعيّ:
أحوى من العوج وقاح الحافر والعوج نسب إلى أعوج كما أنّ الحوص نسب إلى أحوص، فإذا حذفت ياءي النسب، جعلتها بعد التسمية به بمنزلته، وهو صفة لم يسمّ بها، فكسّر الصفة، وهذا يدلّ على صحّة قول من لم يصرف أحمر، إذا نكّره بعد أن سمّى به.
فإذا كسّره تكسير الاسم نحو: الأفاكل، والأرامل، قال:
الأحاوص، وعلى هذا القياس تقول: الأعاوج، كما تقول:
الأهاتم، ومثل هذا قولهم: الفرس في جمع فارسي، [حذفت منه ياءً النسب كما حذفتا] من الأعوجي، وكسّر فاعل، على فعل. كبازل وبزل، وعائط وعيط، وحائل وحول، وهذا مما
[الحجة للقراء السبعة: 3/340]
يقوّي العوج، ألا ترى أنّه جمعه جمع الصفات وإن كانت ياءً النسب فيه محذوفتين ؟. قال ابن مقبل.
طافت به الفرس حتّى بذّ ناهضها فأما قوله:
والتّيم ألأم من يمشي وألأمهم... ذهل بن تيم بنو السود المدانيس
فإنّه يحتمل أمرين: يجوز أن يكون بمنزلة العباس، وذلك أن التيم مصدر، والمصادر قد أجريت مجرى أسماء الفاعلين، ألا ترى أنّه قد وصف بها كما وصف بأسماء الفاعلين. وجمع جمعها في نحو: نور ونوّار، وسيل، وسوائل؟ فلمّا كانت مثلها أجراها مجراها، وعلى هذا قالوا: الفضل، في اسم رجل، كأنّهم جعلوه الشيء الذي هو خلاف النقص.
والآخر أن يكون تيميّ وتيم، كزنجيّ وزنج، ويهودي،
[الحجة للقراء السبعة: 3/341]
ويهود، وفي التنزيل وقالت اليهود [البقرة/ 113]، واليهود إنّما هو جمع يهوديّ، ولو لم يكن جمعا لم تدخل اللام، لأنّ يهود جرت عندهم اسما للقبيلة، فصارت بمنزلة مجوس عندهم. أنشدنا علي بن سليمان:
فرّت يهود وأسلمت جيرانها... صمّي لما فعلت يهود صمام
وفي حديث القسامة: «تقسم يهود.. ».
ومن الصفات الغالبة التي تجري مجرى، الحارث والقاسم قولهم: النابغة، فالنابغة له اسم يجري مجرى الأعلام، وغلب عليه هذا الوصف، كما أنّ الحارث ونحوه قد نزل تنزيل من له اسم
[الحجة للقراء السبعة: 3/342]
علم فغلب عليه هذا الوصف، فجرى هذا الوصف الغالب مجرى العلم، وسدّ مسدّه، حتى صار يعرف به كما يعرف بالعلم، فلمّا سدّ مسدّه وكفى منه أجراه مجرى العلم نحو: جعفر وثور فقال:
ونابغة الجعديّ بالرّمل بيته..........
ومن ذلك قولهم في اسم اليوم: الاثنان، لما جرى مجرى العلم، استجيز حذف اللام فيه كما استجازوا حذف اللّام من النابغة، وذلك فيما حكاه سيبويه من قولهم: هذا يوم اثنين مباركا فيه.
فأمّا قولهم الغدوة والفينة، فدخول لام التعريف فيهما على وجه آخر وهو: أن غدوة، وفينة كانا معرفتين، كما تكون الأسماء التي للألقاب معارف، فأزيل هذا التعريف عنهما... كما أزيل التعريف عن الاسم الموضوع وضع الأعلام، وذلك في أحد تأويلي سيبويه في قولهم: هذا ابن عرس مقبل، فلما أزيل هذا
[الحجة للقراء السبعة: 3/343]
التعريف عنهما عرّفا بالألف واللام، فقرأ من قرأ بالغدوة [على هذا].
وحكى أبو زيد: لقيته فينة، والفينة بعد الفينة.
ومثل إزالة هذا الضرب من التعريف عن هذه الأسماء إزالتهم إياه في قولهم: أمّا البصرة فلا بصرة لك، وأمّا خراسان فلا خراسان لك: وعلى هذا قوله:
ولا أميّة بالبلاد و «قضيّة ولا أبا حسن».
ومثل هذا زوال تعريف العلم عن الأعلام المثنّاة
[الحجة للقراء السبعة: 3/344]
والمجموعة نحو: الجعفران والعمران، فزال تعريف العلم عن الجعفرين، كما زال تعريف العدل عن العمرين، والقثمين، ولو لم يزل لم يجز دخول لام المعرفة عليه، كما لم يجز دخولها قبل التثنية، ولا تدخل لام المعرفة على المعدول.
واستدلّ أبو عثمان على أنّ الثلاثاء والأربعاء غير معدولين بدخول لام المعرفة عليهما، وقال: المعدول لا تدخل عليه الألف واللام، فأمّا أبانان، وعرفات فلم تدخلهما اللّام لأنّ التسمية وقعت بالجمع والتثنية، كما وقعت بالمفرد، فلم تدخل اللّام، كما لم تدخل على المفرد.
فأمّا الألف واللّام في اليسع، فلا يخلو من أن تكون على حدّ الرجل إذا أردت المعهود أو الجنس نحو: إن الإنسان لفي خسر [العصر/ 2]، أو على حدّ دخولها في العباس، فلا يجوز أن يكون على واحد من ذلك، ولا يجوز أن يكون على حدّ العبّاس، لأنّه لو كان كذلك كان صفة، كما أنّ العباس كذلك، ولو كان كذلك لوجب أن يكون فعلا، ولو كان فعلا: لوجب أن يلزمه الفاعل، ولو لزمه الفاعل لوجب أن يحكى من حيث كان جملة، ولو كان كذلك لم يجز لحاق اللّام له، ألا ترى أنّ اللّام لا تدخل على الفعل؟ وليس بإشارة كقولك: هذا الرجل، فإذا لم يجز فيه شيء من ذلك ثبت أنّه زيادة، ومثل ذلك فيما جاءت اللّام فيه زائدة قول الشاعر:
[الحجة للقراء السبعة: 3/345]
أما ودماء لا تزال كأنّها... على قنّة العزّى وبالنسر عند ما
وما سبّح الرهبان في كل بيعة... أبيل الأبيلين المسيح بن مريما
فتعلم زيادة اللّام فيه بما في التنزيل من قوله: ولا يغوث ويعوق ونسرا [نوح/ 23] فأمّا انتصاب عندم في البيت فيأخذ شيئين: أحدهما بما في كأنّ من معنى الفعل والآخر أن تجعل «على قنّة العزّى» مستقرا، فيكون الحال عنه، فإن نصبت بالأول:
فذو الحال الضمير الذي في كأنها...، وإن نصبته عن المستقرّ،
فذو الحال الذكر الّذي في المستقرّ، والمعنى على حذف المضاف، كأنّه مثل. عندم، فحذف. ومثل ذاك ما أنشده محمد بن السّريّ للمرّار الفقعسي:
إذا نهلت بسفرتها وعلّت... ذنوبا مثل لون الزّعفران
المعنى: ماء ذنوب مثل لون الزعفران، ولو جعلت العندم هو الدم لموافقته إياه في اللون لكان مذهبا، ولو رفعت مثل لون
[الحجة للقراء السبعة: 3/346]
الزعفران جاز، ويكون التقدير: ذنوبا لونه مثل لون الزعفران، فحذفت المبتدأ، والجملة في موضع نصب، ومثل ذلك قوله:
وهي تنوش الحوض نوشا من علا المعنى على ماء الحوض، ألا ترى أنّها تتناول ماءه لا نفس الحوض؟
ومثل ذلك قول الآخر:
لا عيش إلّا كلّ حمراء غفل... تناول الحوض إذا الحوض شغل
ومما جاءت اللام فيه زيادة ما أنشده أبو عثمان:
باعد أمّ العمر من أسيرها وأنشد أحمد بن يحيى:
[الحجة للقراء السبعة: 3/347]
يا ليت أمّ العمر كانت صاحبي... مكان من أنشا على الرّكائب
فأما قوله:
ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلا... ولقد نهيتك عن بنات الأوبر
فإنّه يحتمل أمرين: يجوز أن يكون قد اعتقب عليه تعريفان، كما اعتقب على غدوة، والغدوة، واثنين والاثنين، من قولهم: اليوم يوم الاثنين، فيكون التعريف الذي وضع له في أول أمره في تقدير الزوال عنه، كما قدّر سيبويه ذلك في أحد تأويلية في قولك: هذا ابن عرس مقبل.
وممّا جاء فيه الألف واللام زائدة قولهم: الخمسة العشر درهما، حكاه أبو الحسن الأخفش. ألا ترى أنّهما اسم واحد، ولا يجوز أن يعرّف اسم واحد بتعريفين، كما لا يجوز أن يتعرّف بعض الاسم دون بعض، فإذا كان كذلك، علمت
[الحجة للقراء السبعة: 3/348]
زيادة اللام في الخمسة العشر درهما، ويذهب أبو الحسن في اللات في قوله: أفرأيتم اللات والعزى [النجم/ 19]، إلى أنّ اللام في اللات زائدة، وذلك صحيح لأنّ اللات معرفة. أما العزى فبمنزلة العبّاس، فإذا كانت اللات معرفة ولم تكن بمنزلة العباس، ثبت أن اللام فيها زائدة، وقياس قول أبي الحسن هذا أن تكون اللام في اليسع* أيضا زائدة، لأنه علم مثل اللات وليس بصفة كما أن اللات ليست بصفة.
فإن قلت: فلم لا تكون اللات صفة، ويكون مأخوذا من: لوى على الشيء: إذا عطف عليه، ومن قول الشاعر:
........ فإنّني... ألوي عليك لو انّ لبّك يهتدي
ويؤكد هذا قوله: واصبروا على آلهتكم [ص/ 6]
[الحجة للقراء السبعة: 3/349]
فهذا من العطف عليها والتمسّك بعبادتها، فإن ذلك لا تقوله، ألا ترى أنه يلزم أن يكون قد وصفت باسم على حرفين ثالثه تاء التأنيث، وهذا مما لم نعلمه جاء في الصفات، فإذا كان كذلك وجب أن يكون مطّرحا.
ومما جاءت اللام فيه زائدة ما أنشده بعض البغداديّين:
وجدنا الوليد بن اليزيد مباركا... شديدا بأحناء الخلافة كاهله
فأمّا قول من قال: الليسع، فإنه تكون اللام فيه على حدّ ما في الحارث ألا ترى أنه على وزن الصفات؟ فهو كالحارث، إلّا أنه، وإن كان كذلك، فليس له مزيّة على القول الآخر، ألا ترى أنّه لم يجيء في الأسماء الأعجميّة المنقولة في حال التعريف، نحو: إسماعيل وإبراهيم شيء على هذا النحو، كما لم يجيء فيها شيء فيه لام التعريف؟
فإذا كان كذلك، كان الليسع بمنزلة: اليسع في أنّه خارج عما كان عليه الأسماء الأعجمية المختصة المعربة). [الحجة للقراء السبعة: 3/350]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وإسماعيل واليسع}
قرأ حمزة والكسائيّ (والليسع) بلامين وحجتهما في ذلك أن الليسع اشبه بالأسماء الأعجمية ودخول الألف واللّام في اليسع قبيح لأنّك لا تقول اليزيد ولا اليحي وتشديد اللّام أشبه بالأسماء العجمية
وقرأ الباقون {واليسع} بلام واحدة وحجتهم ذكرها اليزيدي عن أبي عمرو فقال هو مثل اليسر وإنّما هو يسر ويسع فردّت الألف واللّام فقال اليسع مثل اليحمد قبيلة من العرب واليرمع الحجارة والأصل يسع مثل يزيد وإنّما تدخل الألف واللّام عند الفراء للمدح فإن كان عربيا فوزنه يفعل والأصل يوسع مثل يصنع وإن كان أعجميا لا اشتقاق له فوزنه فعل تجعل الياء أصليّة
قال الأصمعي كان الكسائي يقرأ الليسع ويقول لا يكون
[حجة القراءات: 259]
اليفعل كما لا يكون اليحي قال فقلت له اليرمع واليحمد حيّ من اليمن فسكت
ومن قرأ بلامين وزنه فيعل اللّام أصليّة مثل صيرف ثمّ أدخلت الألف واللّام للتعريف فقلت الليسع مثل الصيرف والله أعلم). [حجة القراءات: 260]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (40- قوله: {واليسع} قرأه حمزة والكسائي بلامين إحداهما مدغمة في الأخرى، وإسكان الياء، ومثله في صاد وقرأ الباقون بلام واحدة ساكنة، وفتح الياء.
وحجة من قرأ بلام واحدة أنه جعله اسمًا أعجميًا، والأسماء الأعجمية في أبنيتها مخالفة العربية في الأكثر، فهو معرفة بغير ألف ولام، فالألف واللام فيه زائدتان، إذ هو معرفة بغيرهما، فأصله «يسع» كيزد ويشكر، معرفتان، لا تدخلهما الألف واللام، إذ لا يتعرف الاسم من وجهين، فلابد من تقدير زيادة الألف واللام في «اليسع» عند حُذاق أهل النحو، وقد قيل: إنهما للتعريف كسائر الأسماء.
41- وحجة من قرأ بلامين أن أصل الاسم «ليسع»، ثم دخلت الألف واللام للتعريف، ولو كان أصله «يسع» لما دخلته الألف واللام، إذ لا تدخلان على «يزيد ويشكر» اسمان لرجلين، ولأنهما معرفتان علمان، فإنما أصله «ليسع» نكرة، وقد دخلته الألف واللام للتعريف، والقراءة بلام واحدة أحب إلي لأن أكثر القراء عليه، والقراءة بلامين حسنة، قوية في الإعراب، ولولا مخالفة الجماعة لاخترتها). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/438]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (29- {وَالْيَسَعَ} [آية/ 86] بتشديد اللام:-
قرأها حمزة والكسائي، وكذلك في ص.
والوجه أن الكلمة إنما هي ليسع، وهو اسم أعجمي، والألف واللام فيه زيادة، وليست للتعريف؛ لأنه اسم أعجمي ثقل معرفة نحو: إبراهيم وإسماعيل، وهذا الضرب لم يجيء في شيء منه لام التعريف؛ لكونه علمًا، فالألف واللام فيه زائدة، كما زيدت في الاسم العلم من العربي، نحو قوله:
28- وجدنا الوليد بن اليزيد مباركًا = شديدًا بأحناء الخلافة كاهله
وهذا أشبه بالأسماء الأعجمية مما في القراءة الأخيرة.
وقرأ الباقون {وَالْيَسَعَ} بتخفيف اللام.
والوجه أن الألف واللام أيضًا زائدة، كما كانت في القراءة الأولى، والاسم يسع وهو أعجمي أيضًا، ولو كان عربيًا أيضًا لكان الألف واللام زائدة؛ لأنه كان مثل يزيد ويشكر، ولا تدخل الألف واللام على هذا الضرب من الأسماء، وإن دخلت كانت زائدة، كالبيت الذي أنشدناه وهو: وجدنا الوليد). [الموضح: 483]

قوله تعالى: {وَمِنْ آَبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (87)}
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في التّوحيد والجمع من قوله جلّ وعزّ: وأزواجهم وذرياتهم [غافر/ 8] في غير هذا الموضع. ولم يختلفوا في هذا الموضع [أنه بالجمع].
قد قلنا فيما تقدم في الذرية، وأنه يكون واحدا وجمعا، فيغني ذلك عن الإعادة هنا. فأما قوله: أزواجهم* فواحدها زوج، وهو الأكثر، ولغة التنزيل قال: اسكن أنت وزوجك الجنة [البقرة/ 35]، وإن هذا عدو لك ولزوجك [طه/ 117] وقد قالوا: زوجة، قال:
فبكى بناتي شجوهنّ وزوجتي). [الحجة للقراء السبعة: 3/355]

قوله تعالى: {ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (88)}

قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89)}

قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فبهداهم اقتده... (90).
[معاني القراءات وعللها: 1/369]
قرأ ابن عامر وحده (فبهداهم اقتدهي) مجرورةً بياء في اللفظ، جعلها اسمًا ولم يجعلها هاء السكت. لأنها لو كانت عنده هاء السكت ما جرّها، والمعنى: فبهداهم اقتد اقتداء، وهو مذهب حسن في اللغة.
وقال أبو إسحاق: هذه الهاء التي في (اقتده) تثبت في الوقف يبين بها كسرة الدال، فإن وصلت قلت: (اقتد قل لا أسألكم) قال: والذي أختاره ويختاره من أثق بعلمه أن يوقف عند هذه الهاءات نحو (كتابيه) و(حسابيه)، وكذلك (يتسنّه) وكذلك (ما هيه) ). [معاني القراءات وعللها: 1/370]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (27- وقوله تعالى: {فبهدائهم اقتده} [90].
قرأ حمزة والكسائي {اقتد} بغير هاء في الوصل، وفي الوقف بالهاء.
وقرأ الباقون بالهاء وصلوا ووقفوا، وهذه هاء السكت وقد بينت علتها في سورة (البقرة).
فأما ابن عامر فإنه قرأ برواية هشام {اقتده} بكسر الهاء غير صلة، وبرواية ابن ذكوان {اقتدهي} بكسر الهاء وصلتها، وغلط؛ لأن هاء السكت لا يجوز حركتها). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/164]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في إثبات الهاء في [قوله تعالى]: اقتده [الأنعام/ 90] في الوصل، فقرأ ابن كثير
[الحجة للقراء السبعة: 3/350]
وأهل مكّة ونافع وأبو عمرو وأهل المدينة وعاصم: فبهداهم اقتده قل، يثبتون الهاء في الوصل ساكنة.
وقرأ حمزة والكسائيّ: فبهداهم اقتد قل بغير هاء في الوصل، ويقفان بالهاء.
وقرأ عبد الله بن عامر: فبهداهم اقتده، قل يكسر الدال، ويشمّ الهاء الكسر من غير بلوغ ياء. وهذا غلط، لأن هذه الهاء هاء وقف لا تعرب في حال من الأحوال، وإنّما تدخل لتبيّن بها حركة ما قبلها.
قال أبو علي: الوجه: الوقف على الهاء لاجتماع الكثرة، والجمهور على إثباته، ولا ينبغي أن يوصل، والهاء ثابتة، لأن هذه الهاء في السكت بمنزلة همزة الوصل في الابتداء، في أنّ الهاء للوقف، كما أنّ همزة الوصل للابتداء بالساكن، وكما لا تثبت الهمزة في الوصل، كذلك ينبغي أن لا تثبت الهاء.
قال أبو الحسن: وكذلك قوله: قل هو الله أحد [الإخلاص/ 1]، ولتركبن طبقا عن طبق [الانشقاق/ 19]، وكلا لينبذن في الحطمة [الهمزة/ 4]. يسكتون عنده
[الحجة للقراء السبعة: 3/351]
أجمع، وقوله: الذي جمع مالا وعدده [الهمزة/ 2]. هكذا تكلّم به العرب على الوقف.
قال: وكان أبو عمرو يقرأ: قل هو الله أحد الله [الإخلاص/ 1] على السكون. وقول حمزة والكسائيّ القياس، وفي ترك قول الأكثر ضرب من الاستيحاش، وإن كان الصواب والقياس ما قرآ به.
وقراءة ابن عامر بكسر الدال وإشمام الهاء الكسرة من غير بلوغ ياء ليس بغلط، ووجهها: أن تجعل الهاء كناية عن المصدر لا التي تلحق للوقف، وحسن إضماره لذكر الفعل الدّالّ عليه. ومثل ذلك قول الشاعر:
فجال على وحشيّه وتخاله... على ظهره سبّا جديدا يمانيا
كأنه قال: تخاله خيلانا على ظهره سبّا جديدا يمانيا.
[الحجة للقراء السبعة: 3/352]
فعلى متعلّق بمحذوف، وعلى هذا قول الشاعر:
هذا سراقة للقرآن يدرسه... والمرء عند الرّشا إن يلقها ذيب
فالهاء كناية عن المصدر، ودلّ يدرسه على الدرس، ولا يجوز أن يكون ضمير القرآن لأنّ الفعل قد تعدّى إليه باللام، فلا يجوز أن يتعدى إليه وإلى ضميره، كما أنّك إذا قلت:
أزيدا ضربته، لم تنصب زيدا بضربت لتعديه إلى ضميره.
ومثل ذلك ما حكاه أبو الحسن من قراءة بعضهم: ولكل وجهة هو موليها [البقرة/ 148]، فاللام متعلّقة بمولّ على هذه القراءة.
والهاء كناية عن التولية، ودلّ عليه قوله: مول فعلى هذا أيضا قراءة ابن عامر: فبهداهم اقتده قل: وقياسه: إذا وقف عليه أن يقول: اقتده فيسكن هاء الضمير، كما تقول:
اشتره، في الوقف. وفي الوصل: اشترهي يا هذا، واشترهو قبل). [الحجة للقراء السبعة: 3/353]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فبهداهم اقتده قل لا أسألكم عليه أجرا}
قرأ حمزة والكسائيّ (اقتد قل لا أسألكم) بغير هاء في الوصل وحجتهما في ذلك أن الهاء إنّما دخلت للوقف ولبيان الحركة في حال الوقف فإذا وصل القارئ قراءته اتّصلت الدّال بما بعدها فاستغنى عن الهاء لزوال السّبب الّذي أدخلها من أجله فطرحها
وقرأ الباقون بإثبات الهاء في الوصل وحجتهم في ذلك أنّها مثبتة في المصحف فكرهوا إسقاط حرف من المصاحف
وقرأ ابن عامر (اقتدهي) بالإشباع جعلها اسما قال بعض أهل البصرة جعل ابن عامر الهاء فيه ضميرا لمصدر وهو الاقتداء كأن الأصل فيه فبهداهم اقتد اقتداء ثمّ أضمر الاقتداء فقال (بهداهم اقتدهي) ). [حجة القراءات: 260]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (42- قوله: {اقتده قل} قرأ حمزة والكسائي بغير هاء
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/438]
في الوصل، لأنها هاء سكت، إنما جيء بها في الوقف خاصة لبيان حركة الدال، فلا وجه لإثباتها في الوصل؛ لأن الدال متحركة فيه، فهي كألف الوصل التي جيء بها للابتداء، ولا حظ لها في الوصل، فمن أثبت الهاء في الوصل كمن همز ألف الوصل في الوصل، وهي أيضًا على مذهب البصريين كألف «أنا» التي تحذف في الوصل، وتثبت في الوقف؛ لبيان حركة النون، وقرأ الباقون بالهاء في الوصل، على نية الوقف، لا على نية الإدراج ابتاعًا لثباتها في الخط، وإنما تثبت في الخط ليعلم أن الوقف بالهاء، لئلا تثبت في الوصل، وأجاز ابن الأنباري أن تكون الهاء كناية عن المصدر، فيصح إثباتها في الوصل وتسكن كما أسكنت في {يؤده} «آل عمران 75»، {ونصله} «النساء 115» على قراءة من أسكنهان وقد حكى ابن الأنباري أن من العرب من يثبت هاء السكت في الوصل والوقف، بنوا الوصل على الوقف غير أن ابن ذكوان يصل الهاء بياء وهشام يكسرها، كأنهما جعلا الهاء لغير لسكت، جعلاها كناية عن المصدر، والفعل يدل على مصدره، كأنه في التقدير «اقتد الاقتداء» ففيه معنى التأكيد، كأنه قال: فبهداهم اقتد اقتد، ثم جعل المصدر عوضًا من الفعل الثاني، لتكرر اللفظ فاتصل بالفعل الأول فأضمر، فجاز كسر الهاء، وصلتها بياء على ما يجوز في هاء الكناية). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/439]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (30- {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِ قُلْ} [آية/ 90] بإسقاط الهاء في الوصل دون الوقف:-
قرأها حمزة والكسائي ويعقوب.
هذا هو الأصل والقياس، وذلك أنه صيغة أمر من اقتدى يقتدي، فالقياس يقتضي أن لا يدخل فيه هاء في حال الوصل، كما تقول: اهتد، من اهتدى يهتدي، فأما في حال الوقف فمن العرب من يلحق الكلمة هاء لبيان الحركة التي في آخرها، فتقف على الهاء، فتقول: اقتده بالهاء ساكنه في حال الوقف، وتسمى هذه الهاء هاء السكت وهاء الوقف وهاء الاستراحة وهاء بيان الحركة، وهذه الهاء في آخر الكلمة بمنزلة ألف الوصل في أول الكلمة، فكما أن ألف الوصل إنما تكون في حال الابتداء وعلى ما قبله، فكذلك هذه الهاء إنما تثبت في حال الوقف والانقطاع، وكلاهما لا يثبتان في حال الوصل.
وقرأ الباقون بإثبات الهاء في الحاليين.
والوجه أنها في حال الوقف قياس على ما بيناه، وأما في حال الوصل فكان من القياس أن لا يثبت، لكنهم أجروا الوصل فيها مجرى الوقف، كما قال:
29- ببازل وجناء أو عيهل.
والأصل فيه: عيهل بالتخفيف، لكنهم أجروا الوصل مجرى الوقف فيه،
[الموضح: 484]
فإنهم يشددون آخر الكلمة من مثل ذلك في حال الوقف دون الوصل، ومثل هذا كثير في كلامهم، أعني ما أجري فيه الوصل مجرى الوقفي.
وقرأ ابن عامر بكسر الهاء وإشباعها.
والوجه أنه جعل الهاء كناية عن المصدر، ولم يجعلها الهاء التي تلحق للوقف، وحسن إضمار المصدر لذكر الفعل الدال عليه، والتقدير: فبهداهم اقتد الاقتداء، كما قال:
30- هذا سراقة للقرآن يدرسه = والمرء عند الرشا إن يلقها ذيب
أي يدرس الدرس). [الموضح: 485]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م 07:47 PM

سورة الأنعام

[ من الآية (91) إلى الآية (92) ]
{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آَبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91) وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (92)}

قوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آَبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91) }
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرًا... (91).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو ثلاثهن بالياء، وقرأهن الباقون بالتاء.
[معاني القراءات وعللها: 1/370]
قال أبو منصور: من قرأ بالياء فعلى الخبر عن الغائب، ومن قرأ بالتاء فعلى المخاطبة، وهي أجود القراءتين، وقوله: (وعلّمتم ما لم تعلموا) ولم يقل: وعلموا ما لم يعلموا). [معاني القراءات وعللها: 1/371]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (28- وقوله تعالى: {تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرًا} [91].
قرأ ابن كثير وأبو عمرو بالياء كل ذلك، جعل الإخبار عن غيب.
قرأ الباقون بالتاء على الخطاب، فحجتهم قوله: {وعلمتم ما لم تعلموا} ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/164]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في التاء والياء من قوله جلّ وعزّ: تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا [الأنعام/ 91].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: يجعلونه قراطيس يبدونها، ويخفون كثيرا بالياء جميعا.
[الحجة للقراء السبعة: 3/354]
وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائيّ كلّ ذلك بالتاء.
من قرأ بالياء فلأنّهم غيب، يدلّك على ذلك قوله: وما قدروا الله حق قدره، إذ قالوا، وقوله: من أنزل الكتاب... يجعلونه [الأنعام/ 91] فيحمله على الغيبة، لأنّ ما قبله كذلك أيضا.
ومن قرأ بالتاء فعلى الخطاب، قل لهم: تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا.
ومعنى: تجعلونه قراطيس: تجعلونه ذوات قراطيس أي: تودعونه إياها، وتخفون أي: تكتمونه كما قال: إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى [البقرة/ 159].
وقوله تبدونها وتخفون كثيرا يحتمل موضعه ضربين:
أحدهما: أن يكون صفة للقراطيس، لأن النكرة توصف بالجمل.
والآخر: أن تجعله حالا من ضمير الكتاب في قوله:
يجعلونه على أن تجعل الكتاب القراطيس في المعنى، لأنه مكتتب فيها.
ويؤكد قراءة من قرأ بالتاء قوله: وعلمتم ما لم تعلموا أنتم [الأنعام/ 91]،
[الحجة للقراء السبعة: 3/355]
فجاء على الخطاب، وكذلك يكون ما قبله من قوله: تجعلونه قراطيس تبدونها). [الحجة للقراء السبعة: 3/356]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قل من أنزل الكتاب الّذي جاء به موسى نورا وهدى للنّاس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم}
قرأ ابن كثير وأبو عمرو (يجعلونه قراطيس يبدونها ويخفون
[حجة القراءات: 260]
كثيرا) والياء قال أبو عمرو يعني أهل الكتاب {وعلمتم ما لم تعلموا} يعني المسلمين لأن العرب لم يكن لها قبل ذلك كتاب وحجته قوله {جاء به موسى نورا وهدى للنّاس} أي يجعله النّاس قراطيس يعني اليهود فلمّا قرب الفعل منهم جعل الفعل لهم
وقرأ الباقون بالتّاء قال أبو عبيد التّاء تختار للمخاطبة قبلها وبعدها فالتي قبل قوله {قل من أنزل الكتاب} والّتي بعدها قوله {وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم} يعني وعلمتم فيما أنزله عليكم في الكتاب ما لم تعلموا فكأن قراءتهم ما توسط بين الخطابين من الكلام على لفظ ما قبله وما بعده ليأتلف نظام الكلام على سياق واحد أولى). [حجة القراءات: 261]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (43- قوله: {تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون} قرأ الثلاث ابن كثير وأبو عمرو بالياء، رداه على لفظ الغيبة في قوله: {وما قدروا الله} وقوله: {إذ قالوا}، وقرأهن الباقون بالتاء، ردوه على المخاطبة التي قبله، في قوله: {قل من أنزل الكتاب} فذلك أقرب إليه، وهو أولى أن يحمل على ما قرب منه مما بعد، وأيضًا فإن بعده خطابًا، فحمل على ما قبله، وما بعده، وهو قوله: {وعلمتم ما لم تعلموا أنتم} فحثمل على ما قبله وما بعده، فذلك أحسن في المشاكلة والمطابقة، واتصال بعض الكلام ببعض، وهو الاختيار، لهذه العلل، ولأن أكثر القراء عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/440]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (31- {يَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ يُبْدُونَهَا وَيُخْفُونَ} [آية/ 91] بالياء فيهن:-
قرأها ابن كثير وأبو عمرو.
[الموضح: 485]
والوجه أنهم غيب، يدل على ذلك قوله {وَمَا قَدَرُوا الله حَقَّ قَدْرِهِ} فما قبل الكلام على الغيبة، وهذا محمول عليه.
وقرأ الباقون بالتاء في الأحرف الثلاثة.
وهو على الخطاب، أي قل لهم تجعلونه، يدل على ذلك أنه تعالى قال {قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى}، ويؤيده قوله {وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ} فجاء على الخطاب). [الموضح: 486]

قوله تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (92)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ولتنذر أمّ القرى... (92).
قرأ أبو بكر عن. عاصم (لينذر) بالياء، وقرأ الباقون بالتاء). [معاني القراءات وعللها: 1/371]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (29- وقوله تعالى: {ولتنذر أم القرى} [92].
قرأ عاصم في رواية ابي بكر {ولينذر} بالياء أي: ولينذر القرآن.
وقرأ الباقون بالتاء، أي: ولتنذر أنت يا محمد أهل مكة، وشاهده من القرآن: {إنما أنت منذر} ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/164]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في الياء والتاء في قوله: ولتنذر أم القرى [الأنعام/ 92].
فقرأ عاصم وحده في رواية أبي بكر: ولينذر أم القرى بالياء.
وقرأ الباقون: ولتنذر أم القرى بالتاء، وكذلك روى حفص عن عاصم بالتاء أيضا.
وجه من قرأ بالتاء قوله: إنما أنت منذر [الرعد/ 7]، وإنما أنت منذر من يخشاها [النازعات/ 45]، وو أنذر به الذين يخافون [الأنعام/ 51].
ومن قرأ بالياء جعل الكتاب هو المنذر، لأن فيه إنذارا، ألا ترى أنه قد خوّف به في نحو قوله: هذا بلاغ للناس ولينذروا به [إبراهيم/ 52]. وو أنذر به الذين يخافون [الأنعام/ 51]. و: قل إنما أنذركم بالوحي [الأنبياء/ 45]، فلا يمتنع أن يسند الإنذار إليه على الاتساع). [الحجة للقراء السبعة: 3/356]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الّذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها}
قرأ أبو بكر (ولينذر أم القرى) وحجته قوله {وهذا كتاب أنزلناه مبارك} أي لينذر الكتاب أهل مكّة
وقرأ الباقون بالتّاء أي لتنذر أنت يا محمّد أهل مكّة وحجتهم قوله {إنّما أنت منذر}). [حجة القراءات: 261]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (44- قوله: {ولتنذر أم القرى} قرأه أبو بكر، رده على «الكتاب» فأسند الفعل، وهو الإنذار إلى «الكتاب»، كما قال: {ولينذروا به} «إبراهيم 52»، وقال: {إنما أنذركم بالوحي} «الأنبياء 45»، وقرأ الباقون بالتاء على الخطاب للنبي عليه السلام، فهو فاعل الإنذار، كما قال: {إنما أنت منذر من يخشاها} «النازعات 56»، {وأنذر به} «الأنعام 51»). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/440]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (32- {وَلِيُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى} [آية/ 92]:
قرأها عاصم وحده -ياش-.
والوجه أنه يعود على الكتاب، أي لينذر الكتاب أم القرى، فجعل الكتاب منذرًا؛ لأن فيه إنذارًا، كما قال تعالى {هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ} و{أَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ} و{قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ}، فلا يبعد إسناد الإنذار إليه على الاتساع لذلك.
وقرأ الباقون {وَلِتُنْذِرَ} بالتاء.
أي ولتنذر أنت يا محمد، ويؤيده قوله تعالى {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ} و{إِنَّمَا
[الموضح: 486]
أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا}). [الموضح: 487]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م 07:49 PM

سورة الأنعام

[ من الآية (93) إلى الآية (94) ]
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آَيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93) وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (94)}

قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آَيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93)}

قوله تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (94)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقول جلّ وعزّ: (لقد تقطّع بينكم... (94).
قرأ نافع وحفص والكسائي (بينكم) نصبًا، وقرأ الباقون (بينكم) رفعًا.
قال أبو منصور: وروى أبو حاتم لأبي عمرو بن العلاء قال: من قرأ (بينكم) لم يجز إلا بموصول كقولك: لقد تقطع ما بينكم.
ولا يجوز حذف الموصول وبقاء الصلة، لا تجيز العرب (إن قام زيد) بمعنى: أن الذي قام زيد.
وروى أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي أنه قال: من قرأ (بينكم) فمعناه: لقد تقطع الذي كان بينكم.
قال أبو إسحاق: المعنى لقد تقطع ما كنتم فيه من الشركة بينكم.
[معاني القراءات وعللها: 1/371]
ومن قرأ (لقد تقطّع بينكم) بالرفع فمعناه: لقد تقطع وصلكم، والبين في كلام العرب يكون وصلاً، ويكون فراقًا.
وأجود القراءتين الرفع.
وقال الفراء: في قراءة عبد الله (لقد تقطّع ما بينكم) قال: وهو وجه الكلام إذا جعل الفعل لـ (بين) ترك نصبا، كما قالوا: أتاني دونك من الرجال. فترك نصبًا، وهو في موضع رفع؛ لأنه صفة، فإذا قالوا: هذا دونٌ من الرجال، رفعوه، وهو في موضع الرفع، وكذلك يقول: بين الرجلين بين بعيد، وبون بعيد، إذا أفردته أجريته بالعربية). [معاني القراءات وعللها: 1/372]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (30- وقوله تعالى: {لقد تقطع بينكم} [94].
قرأ نافع والكسائي وحفص عن عاصم {بينكم} بالنصب جعلوه ظرفًا. وفي حرف عبد الله تصديقه {لقد تقطع ما بينكم} وقرأ الباقون: {بينكم}
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/164]
بالضم أي: وصلكم، جعلوه اسمًا كما يقال: جاءني رجل دونك، وهذا رجل دون أي: خسيس.
قال الشاعر:
كأن رماحهم أشطان بئر = بعيد بين جاليها جرور
يقال: بينهما بون بعيد، وبين بعيد، والبين: مصدر بان يبين بينًا، والبين بالكسر قدر مد البصر من الأرض وأنشد:
بسرو حمير أبوال البغال به = أني تسديت وهنًا ذلك البينا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/165]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في رفع النّون ونصبها من قوله: عزّ وجل:
[الحجة للقراء السبعة: 3/356]
لقد تقطع بينكم [الأنعام/ 94].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم. في رواية أبي بكر، وابن عامر وحمزة: لقد تقطع بينكم رفعا.
وقرأ نافع والكسائيّ بينكم نصبا. وكذلك روى حفص عن عاصم بالنّصب أيضا.
[قال أبو علي]: البين مصدر بان يبين إذا فارق، قال:
بان الخليط برامتين فودّعوا... أو كلّما ظعنوا لبين تجزع
وقال أبو زيد: بان الحيّ بينونة وبينا: إذا ظعنوا، وتباينوا تباينا: إذا كانوا جمعا، فتفرقوا. قال: والبين: ما ينتهي إليه بصرك من حائط وغيره.
واستعمل هذا الاسم على ضربين: أحدهما أن يكون اسما متصرفا كالافتراق. والآخر: أن يكون ظرفا. فالمرفوع في
[الحجة للقراء السبعة: 3/357]
قراءة من قرأ لقد تقطع بينكم هو الذي كان ظرفا ثم استعمل اسما.
والدليل على جواز كونه اسما قوله: ومن بيننا وبينك حجاب [فصلت/ 5]، و: هذا فراق بيني وبينك [الكهف/ 78]، فلما استعمل اسما في هذه المواضع. جاز أن يسند إليه الفعل الذي هو تقطع* في قول من رفع. ويدلّ على أن هذا المرفوع هو الذي استعمل ظرفا أنّه لا يخلو من أن يكون الذي هو ظرف اتسع فيه، أو يكون الذي هو مصدر، فلا يجوز أن يكون هذا القسم، لأن التقدير يصير: لقد تقطّع افتراقكم. وهذا، مع بعده عن القصد، خلاف المعنى المراد، ألا ترى أنّ المراد: لقد تقطّع وصلكم وما كنتم تتألفون عليه.
فإن قلت: كيف جاز أن يكون بمعنى الوصل، وأصله الافتراق والتباين، وعلى هذا قالوا:
بان الخليط....
إذا فارق،
وفي الحديث «ما بان من الحيّ فهو ميتة».
قيل: إنه لما استعمل مع الشيئين المتلابسين في نحو:
[الحجة للقراء السبعة: 3/358]
بيني وبينه شركة، وبيني وبينه رحم وصداقة، صارت لاستعمالها في هذه المواضع بمنزلة الوصلة على خلاف الفرقة، فلهذا جاء: لقد تقطع بينكم بمعنى: لقد تقطّع وصلكم.
ومثل بين في أنه يجري في الكلام ظرفا، ثم يستعمل اسما: «وسط» الساكن العين، ألا ترى أنّك تقول: جلست وسط القوم، فتجعله ظرفا، لا يكون إلّا كذلك، ثم استعملوه اسما في نحو قول القتّال:
من وسط جمع بني قريط بعد ما... هتفت ربيعة يا بني جوّاب
وقال آخر:
أتته بمجلوم كأنّ جبينه... صلاءة ورس وسطها قد تفلّقا
فجعله مبتدأ وأخبر عنه، كما جرّه الآخر بالحرف الجارّ.
وحكى سيبويه: هو أحمر بين العينين.
فأمّا من قال: لقد تقطع بينكم بالنصب ففيه مذهبان:
[الحجة للقراء السبعة: 3/359]
أحدهما: أنه أضمر الفاعل في الفعل ودلّ عليه مما تقدّم في قوله: وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء [الأنعام/ 94]، ألا ترى أن هذا الكلام فيه دلالة على التقاطع والتهاجر؟ وذلك أن المضمر هو الوصل كأنّه قال: لقد تقطّع وصلكم بينكم.
وقد حكى سيبويه: أنّهم قالوا: إذا كان غدا فائتني، فأضمر ما كانوا فيه من بلاء أو رخاء، لدلالة الحال عليه، فصار دلالة الحال عليه بمنزلة جري الذكر وتقدّمه.
والمذهب الآخر: انتصاب البين في قوله: لقد تقطع بينكم على شيء يقوله أبو الحسن، وهو أنه يذهب إلى أن قوله: لقد تقطع بينكم إذا نصب يكون معناه معنى المرفوع، فلمّا جرى في كلامهم منصوبا ظرفا، تركوه على ما يكون عليه في أكثر الكلام وكذلك يقول في قوله: يوم القيامة يفصل بينكم [الممتحنة/ 3]، وكذلك يقول في قوله: وإنا منا الصالحون ومنا دون ذلك [الجن/ 11]، فدون في موضع
[الحجة للقراء السبعة: 3/360]
رفع عنده، وإن كان منصوب اللفظ، ألا ترى أنك تقول: منا الصّالح ومنّا الطّالح فترفع). [الحجة للقراء السبعة: 3/361]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({لقد تقطع بينكم}
قرأ نافع والكسائيّ وحفص {لقد تقطع بينكم} بالفتح أي لقد تقطع ما بينكم كذا قال أهل الكوفة واستدلّوا عليه بقراءة عبد الله لأن في قراءته (لقد تقطع ما بينكم) ف ما عندهم موصولة وبين صلة وحذفوا الموصول وهو ما وبقيت الصّلة وهي بينكم
[حجة القراءات: 261]
وعند أهل البصرة غير جائز هذا لأن الصّلة والموصول اسم واحد ومحال أن يحذف صدر الاسم ويبقى آخر الاسم ولكن التّقدير لقد تقطع الأمر بينكم والسّبب بينكم لأن الأمر والسّبب ليسا ممّا يحتاج إلى صلة ف بين إذا نصب على الظّرف عند أهل البصرة والكوفة وإنّما اختلفوا في تقدير الكلام). [حجة القراءات: 262]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (45- قوله: {لقد تقطع بينكم} قرأه نافع والكسائي وحفص بالنصب، وقرأ الباقون بالرفع.
وحجة من رفع أنه جعل «البين» اسمًا غير ظرف، فأسند الفعل إليه، فرفعه به، ويقوي جعل «بين» اسما دخول حرف الجر عليه، في قوله: {ومن بيننا وبينك حجابٌ} «فصلت 5»، و{هذا فراق بيني وبينك} «الكهف 78» ولا يحسن أن يكون مصدرًا، وترفعه بالفعل، لأنه يصير المعنى، لقد تقطع افتراقكم، وإذا انقطع افتراقهم لم يفترقوا، فيحول المعنى، وينقلب المراد، وإنما تم على أنهم تفرقوا، وأصل «بين» أن تبين عن الافتراق، وقد
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/440]
استعملت في هذا الموضع وغيره، إذا ارتفعت، بمعنى الوصل، والمعنى: لقد تقطع وصلكم، وإذا تقطع وصلهم افترقوا، وهو المعنى المقصود إليه، وإنما استعملت بضد ما بنيت عليه، بمعنى الوصل؛ لأنها تستعمل كثيرًا مع السببين المتلابسين، بمعنى الوصل، تقول: بيني وبينه شركة، وبيني وبينه رحم وصداقة، فلما استعملت في هذه المواضع بمعنى الوصل جاز استعمالها في الآية كذلك.
46- وحجة من نصب أنه جعله ظرفًا، والتقدير: لقد تقطع وصلكم بينكم. ودل على حذف الوصل قوله: {وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء}، فدل هذا على التقاطع والتهاجر بينهم وبين شركائهم، إذ تبرؤوا منهم، ولم يكونوا معهم، وتقاطعهم لهم هو ترك وصلهم لهم، فحسن إضمار الوصل بعد «تقطع» لدلالة الكلام عليه، وفي حرف ابن مسعود ما يدل على النصب فيه قرأ: «لقد تقطع ما بينكم» وهذا لا يجوز فيه إلا النصب، لأنك ذكرت التقطع، وهو ما كأنه قال: لقد تقطع الوصل بينكم، ويجوز أن تكون القراءة بالنصب كالقراءة بالرفع، على أن «بينا» اسم، لكنه لما كثر استعماله ظرفًا منصوبًا جرى في إعرابه، في حال كونه غير ظرف على ذلك، ففتحن وهو في موضع رفع، هو مذهب الأخفش، فالقراءتان على هذا بمعنى واحد، فاقرأ بأيهما شئت). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/441]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (33- {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} [آية/ 94] نصب:-
قرأها نافع والكسائي و-ص- عن عاصم.
والوجه أن {بَيْنَكُمْ} ظرف، والفاعل ضمير، والتقدير: لقد تقطع وصلكم بينكم، فأضمر الوصل لدلالة ما قبله من الكلام عليه.
ويجوز أن يكون على مذهب أبي الحسن، وذلك أن يكون {بَيْنَكُمْ} وإن كان منصوب اللفظ فإنه مرفوع الموضع؛ لأنه لما جرى في كلامهم ظرفًا تركوه على نصبه، وإن كان في موضع رفع، كما قال {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} فقوله {دُونَ ذَلِكَ} في موضع رفع، وإن كان منصوب اللفظ، وقرأ الباقون {بَيْنَكُمْ} رفع.
والوجه أنه وإن كان في الأصل ظرفًا، فإنه استعمل ههنا اسمًا، وأخرج عن كونه ظرفًا، ولهذا جاز أن يسند إليه الفعل الذي هو {تُقَطَّعَ}، والمعنى: لقد تقطع وصلكم، وإنما جاز أن يعني به الوصل؛ لأن الوصل مما يكون بين الاثنين فجعل بينا لما كان يقع في البين). [الموضح: 487]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م 07:50 PM

سورة الأنعام

[ من الآية (95) إلى الآية (99) ]
{إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95) فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97) وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (98) وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99)}

قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95)}

قوله تعالى: {فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وجاعل اللّيل سكنًا... (96).
قرأ الكوفيون: (وجعل اللّيل سكنًا) نصبا، وقرأ الباقون: (وجاعل اللّيل سكنًا) بالخفض.
قال أبو منصور: من قرأ (وجعل اللّيل) نصبه بالفعل؛ لأنه مفعول به، ونصب (سكنًا) لأنه مفعول ثان.
ومن قرأ (وجاعل اللّيل) خفض الليل للإضافة إليه.
[معاني القراءات وعللها: 1/372]
وأما انتصاب قوله: (والشمس والقمر حسبانًا) على قراءة من قرأ (وجاعل الليل) فإنه عطف الشمس والقمر على موضع النصب في قوله (وجاعل الليل) لأن معناه: وجاعل الليل، وكذلك نصب (سكنًا).
وقال الفراء: (الليل) في موضع فصبٍ في المعنى، فرد الشمس والقمر على معناه لما فرق بينهما بقوله: (سكنًا) قال: وإذا لم يفرق بينهما بشيء آثروا الخفض، وقد يجوز النصب وإن لم يحل بينهما بشيء أنشدونا:
وبينا نحن ننظره أتانا... معلق شكوةً وزناد راعٍ
فعطف (زناد) على (شكوة)؛ لأن معناها النصب، كأنه قال: معلقًا شكوةً). [معاني القراءات وعللها: 1/373]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (31- وقوله تعالى: {فالق الإصباح وجعل الليل سكنا} [96].
قرأ أهل الكوفة {وجعل الليل} فعلاً ماضيًا.
وقرأ الباقون {وجعل الليل} جعلوه اسم الفاعل مثل ضارب وفالق، ورد فاعل على فاعل أحسن من رد فعل على فاعل). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/165]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في إدخال الألف وإخراجها من قوله [عز وجل]: وجاعل الليل سكنا [الأنعام/ 96].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: وجاعل الليل سكنا بألف.
وقرأ عاصم وحمزة والكسائيّ: وجعل الليل سكنا بغير ألف.
وجه قول من قال: جاعل* أن قبله اسم فاعل: إن الله فالق الحب والنوى... فالق الإصباح وجاعل، ليكون فاعل المعطوف مثل، فاعل المعطوف عليه، ألا ترى أنّ حكم الاسم أن يعطف على اسم مثله، لأن الاسم بالاسم أشبه من الفعل بالاسم.
وقد رأيتهم راعوا هذه المشاكلة في كلامهم، وذلك نحو ما جاء في قوله: يدخل من يشاء في رحمته، والظالمين أعد لهم عذابا أليما [الإنسان/ 31]، وقوله: وكلا ضربنا له الأمثال [الفرقان/ 39]، وفريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة [الأعراف/ 30]، نصبوا كلّ هذه الأسماء التي اشتغل عنها الفعل، ليكون القارئ بنصبها كالعاطف جملة من فعل
[الحجة للقراء السبعة: 3/361]
وفاعل على جملة من فعل وفاعل، وكما أن الفعل بالفعل أشبه من المبتدأ بالفعل، كذلك الاسم بالاسم أشبه من الفعل بالاسم، وإذا كان كذلك كان جاعل الليل أولى من جعل، ويقوي ذلك قولهم:
للبس عباءة وتقرّ عيني...
وقوله:
ولولا رجال من رزام أعزّة... وآل سبيع أو أسوءك علقما
ومن قرأ: وجعل فلأن اسم الفاعل الذي قبله بمعنى المضيّ، فلما كان (فاعل) بمنزلة (فعل) في المعنى عطف عليه فعل لموافقته إياه في المعنى، ويدلّك على أنه بمنزلة (فعل)
[الحجة للقراء السبعة: 3/362]
أنه نزل منزلته فيما عطف عليه، وهو قوله: والشمس والقمر حسبانا [الأنعام/ 96] ألا ترى أنه لما كان المعنى فعل، حمل المعطوف على ذلك، فنصب الشمس والقمر على فعل كما كان فاعل كفعل. ويقوي ذلك قولهم: هذا معطي زيد درهما أمس. فالدرهم محمول على أعطى، لأن اسم الفاعل، إذا كان لما مضى، لم يعمل عمل الفعل، فإنما جعل معط بمنزلة أعطى فكذلك جعل: فالق الإصباح [الأنعام/ 96] بمنزلة فلق، لأنّ اسم الفاعل لما مضى، فعطف عليه فعل، لمّا كان بمنزلته فأما قول الشاعر:
قعودا لدى الأبواب طلّاب حاجة... عوان من الحاجات أو حاجة بكرا
فليس يوافق الآية لأنّ طلاب جمع اسم فاعل، الذي يراد به الحال، وإنّما حذف التنوين مستخفّا، وحمل حاجة على اسم الفاعل الذي للحال، واسم الفاعل في الآية لما مضى). [الحجة للقراء السبعة: 3/363]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فالق الإصباح وجعل اللّيل سكنا والشّمس والقمر حسبانا}
قرأ عاصم وحمزة والكسائيّ {وجعل اللّيل سكنا} بغير ألف
وقرأ الباقون (وجاعل اللّيل) بالألف وكسر اللّيل وحجتهم قوله {فالق الإصباح} فأجروا (جاعل اللّيل) على لفظ ما تقدمه إذ أتى في سياقه ونصبوا {والشّمس والقمر} على تأويل وجعل الشّمس والقمر حسبانا قال الزّجاج لأن في {جاعل} معنى جعل وبه نصب {سكنا} قال أبو عمرو ونصب {الشّمس والقمر} على الإتباع لما قلت {سكنا} أتبعت النصب النصب
وحجّة من قرأ {وجعل اللّيل سكنا} هي أن الأفعال الّتي عطفت عليه جاءت بلفظ الماضي وهو قوله بعدها {وهو الّذي جعل لكم النّجوم} {وهو الّذي أنشأكم} {وهو الّذي أنزل} فلأن تكون معطوفة على شبهها ويكون ما تقدمها جرى بلفظها أولى). [حجة القراءات: 262]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (47- قوله: {وجعل الليل سكنًا} قرأ الكوفيون «وجعل الليل» بغير ألف، ونصبوا «الليل» بالفعل، وحملوا «جعل» على معنى «فالق» في الموضعين؛ لأنه بمعنى «فلق» لأنه أمر قد كان فحمل «جعل» على المعنى وأيضًا فإن بعده أفعالًا ماضية، فحمل عليها، وهو قوله: {جعل لكم النجوم} «97» وقله: {أنزل من السماء ما} «99» وكذلك ما بعده: فحمل أول الكلام على آخره في «فعل»، لتكرر ذلك، ويقوي ذلك إجماعهم على نصب
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/441]
«الشمس» وما بعده على إضمار «فعل» ولم يحملوه على فاعل، فيخفضوه، فأجري ما قبله عليه، للمشاكلة لما بعده، وقرأ الباقون «جاعل» على العطف على «فاعل» الذي قبله، وخفض «الليل» فشاكلوا بينه وبين ما قبله في اللفظ، كما شاكل من قرأ «جعل» بينه وبين ما بعده في المعنى، ويقوي ذلك أن حكم الأسماء أن تعطف عليها أسماء مثلها، فكان عطف «فاعل» على «فاعل» أولى من عطف «فعل» على «اسم»، والقراءتان بمعنى واحد، فجاء على تقوية ما قبله، و«جعل» يقويه ما بعده، فاقرأ بأيهما شئت). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/442]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (34- {وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا} [آية/ 96] بغير ألف، فعلاً ماضيًا، {اللَّيْلَ} نصب:
قرأها الكوفيون.
والوجه أن الذي عطف هذا عليه اسم فاعل بمعنى المضي، وهو قوله تعالى {فَالِقُ الْإِصْبَاحِ}، والمعنى: فلق الإصباح وجعل الليل سكنا، فهو في التقدير: عطف فعل ماض على فعل ماض.
وقرأ الباقون {وَجَاعَلَ اللَّيْلَ} بالألف على فاعل، {اللَّيْلَ} خفض.
والوجه أن ما قبله اسم فاعل، فعطف اسم فاعل على اسم فاعل، وهو قوله {فَالِقُ الْإِصْبَاحِ} وما قبله أيضا اسم فاعل، وهو قوله {إِنَّ الله فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى} وهذا أقرب إلى التناسب؛ لأنه عطف اسم على اسم مثله). [الموضح: 488]

قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97)}

قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (98)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فمستقرٌّ ومستودعٌ... (98).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو (فمستقرٌّ ومستودعٌ) بكسر القاف وقرأ الباقون بفتحها.
[معاني القراءات وعللها: 1/373]
قال أبو منصور: من قرأ (فمستقرٌّ) بفتح القاف عنى به: الرحم، وهو موضع استقرار الولد، فيه ما يولد، وقوله (ومستودع): صلب الرجل، مستودع للمني الذي خلق الولد منه.
ومن قرأ (فمستقرٌّ) بكسر القاف عنى به: الولد القار في الرحم إلى وقت الولد). [معاني القراءات وعللها: 1/374]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (32- وقوله تعالى: {فمستقر ومستودع} [98].
قرأ ابن كثير وأبو عمرو {فمستقر} بالكسر.
وقرأ الباقون بالفتح. فمن كسر جعل الفعل له؛ لأنه يقال: قر الشيء يقر واستقر يستقر بمعنى واحد {ومستودع} مفتوح لا غير. وإنما ارتفاع؛ لأن تقديره: فمنكم مستقر ولكم مستودع). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/166]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في كسر القاف وفتحها من قوله تعالى: فمستقر [الأنعام/ 98].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: فمستقر بكسر القاف.
وقرأ نافع وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائيّ: فمستقر بفتح القاف.
قال سيبويه: قالوا: قرّ في مكانه واستقرّ، كما قالوا: جلب الجرح وأجلب، يريد بهما شيئا واحدا. فكما بني هذا على فعلت، بني هذا على استفعلت، فمن كسر القاف كان المستقرّ بمعنى القارّ.
وإذا كان كذلك وجب أن يكون خبره المضمر منكم، أي: منكم مستقرّ، كقولك: بعضكم مستقرّ، أي: مستقرّ في الأرحام، وقال: يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق [الزمر/ 6]، كما قال: وقد خلقكم أطوارا [نوح/ 14].
ومن فتح مستقر* فليس على أنه مفعول به. ألا ترى أنّ استقرّ لا يتعدى؟، وإذا لم يتعدّ لم يكن منه اسم
[الحجة للقراء السبعة: 3/364]
مفعول به، وإذا لم يكن مفعولا به كان اسم مكان، فالمستقرّ بمنزلة المقرّ كما أن المستقرّ بمنزلة القارّ، وإذا كان كذلك لم يجز أن يكون خبره المضمر منكم، كما جاز ذلك في قول من كسر القاف، فإذا لم يجز ذلك جعلت الخبر المضمر لكم، فيكون التقدير: لكم مقرّ.
وأما المستودع فإن استودع فعل يتعدى إلى مفعولين، تقول: استودعت زيدا، وأودعت زيدا ألفا، فاستودع مثل أودع كما أن استجاب بمنزلة أجاب والمستودع يجوز أن يكون الإنسان الذي استودع ذلك المكان ويجوز أن يكون المكان نفسه، فمن قرأ: فمستقر بفتح القاف، جعل المستودع مكانا ليكون مثل المعطوف عليه، أي: فلكم مكان استقرار ومكان استيداع.
ومن قرأ: فمستقر فالمعنى: منكم مستقرّ في الأرحام، ومنكم مستودع في الأصلاب، فالمستودع اسم المفعول به فيكون مثل المستقرّ في أنه اسم لغير المكان فعلى هذا يوجّه). [الحجة للقراء السبعة: 3/365]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وهو الّذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع}
قرأ ابن كثير وأبو عمرو {فمستقر} بكسر القاف جعلا الفعل
[حجة القراءات: 262]
له أي فمنكم مستقر ومنكم مستودع تقول قر الشّيء يقر واستقر يستقرّ بمعنى واحد وحجتهم ذكرها اليزيدي فقال فمستقر في الرّحم يعني الولد ومستودع في أصلاب الرّجال كما تقول هذا ولد مستقر في رحم أمه وأنا مستقر في مكان كذا وعن الحسن البصريّ قال مستقر في القبر ومستودع في الدّنيا يوشك أن يلحق بصاحبه قال الزّجاج وجائز أن يكون فمستقر أي فمنكم مستقر في الأحياء ومنكم مستودع في الثرى فجعل أبو عمرو المستقر فاعلا والمستودع مفعولا
وقرأ الباقون {فمستقر} بالفتح وحجتهم إجماع الجميع على فتح الدّال في مستودع على معنى أن الله استودعه فكذلك مستقر موجه إلى أن الله استقره في مقره فهو مستقر كما هو مستودع في مستودعه وقوله {ويعلم مستقرها ومستودعها} يشهد للفتح
والوجهان يتداخلان لأن الله إذا أقره استقر ولا شكّ أنه لا يستقرّ حتّى يقره فهو مفعول وفاعل
قال الزّجاج أما رفع فمستقر ومستودع فعلى معنى لكم مستقر ولكم مستودع أي فلكم في الأرحام مستقر ولكم في الأصلاب مستودع وجائز أن يكون مستقر في الدّنيا ومستودع في الأصلاب لم يخلق بعد). [حجة القراءات: 263]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (48- قوله: {فمستقر} قرأ ابن كثير وأبو عمرو بكسر القاف، جعلاه اسمًا غير ظرف، على معنى: فمستقر في الأرحام، بمعنى قار في الأرحام، لأن «قر واستقر» بمعنى لا يتعديان، ورفعه بالابتداء، والخبر محذوف، لأن «قر واستقر» بمعنى لا يتعديان، ورفعه بالابتداء، والخبر محذوف، أي: فمنكم مستقر، أي: فمنكم قار في الأرحام، أي: بعضكم قار في الأرحام، وبعضكم مستودع في الأصلاب، وقيل: في القبور، وهذا المستودع، في قراءة من كسر القاف، هو الإنسان بعينه، فتعطف اسمًا على اسم، كما قال: {يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقًا من بعد خلق} «الزمر 6» وقرأ الباقون بفتح القاف، جعلوه اسم مكان، ورفعه أيضًا بالابتداء، والخبر محذوف كالأول، والتقدير: فلكم مستقر، أي: مقر، أي مكان تقرون فيه، وتسكنون فيه، ويكون «مستودع» أيضًا اسم مكان، على معنى: فلكم استقرار مكان استيداع، «فمستقر» في قراءة من فتح القاف، ليس هو الإنسان، إنما ه اسم لمكان الإنسان، والمعنى: فلكم مستقر في الأرحام مستودع في الأصلاب، على معنى: استقرار ومكان استيداع، فتعطف مكانًا على مكان، وهو الاختيار، لأن أكثر القراء عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/442]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (35- {فَمُسْتَقَرٌّ} [آية/ 98] بكسر القاف:-
قرأها ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب إلا رويسا.
والوجه أنه أراد منكم مستقر في الأرحام، وهو اسم الفاعل من استقر، {وَمُسْتَوْدَعٌ} بفتح الدال لا غير، أي ومنكم مستودع في الأصلاب، فالمستودع اسم المفعول به.
[الموضح: 488]
وقرأ الباقون {فَمُسْتَقَرٌّ} بفتح القاف، وكلهم فتح الدال من {مُسْتَوْدَعٌ}.
والوجه في: مستقر بالفتح أن المراد فلكم مستقر، أي موضع استقرار، ومستودع أي موضع استيداع، وكلاهما للموضع، فالمعطوف مثل المعطوف عليه). [الموضح: 489]

قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وجنّاتٍ من أعنابٍ... (99).
روى الأعشى عن أبي بكر (وجنّاتٌ) رفعًا، وقرأ الباقون (وجنّاتٍ) كسرًا.
قال أبو منصور: من قرأ (وجنّاتٌ) عطفها على قوله: (ومن النخل من طلعها قنوانٌ دانية وجناتٌ)، ومن قرأ (وجنّاتٍ من أعنابٍ فهو في موضع النصب، معطوف على قوله (فأخرجنا منه خضرًا... وجناتٍ من أعنابٍ)، والقراءة عليه.
[معاني القراءات وعللها: 1/374]
والجنة: البستان. وكل نبتٍ يتكاثف ويستر بعضه بعضًا فهو جنّة، من جننت الشيء، إذا سترته). [معاني القراءات وعللها: 1/375]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه... (99)
قرأ حمزة والكسائي (إلى ثمره) و(ليأكلوا من ثمره) و(كلوا من ثمره) بضم الثاء والميم.
وقرأ الباقون بفتحهما.
وافترقوا في الكهف: فقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وحمزة والكسائي (وكان له ثمرٌ) و(أحيط بثمره) بضمتين، وقرأ أبو عمرو في الكهف (وكان له ثمر) و(أحيط بثمره) بضم الثاء وسكون الميم، وقرأ عاصم: (وكان له ثمرٌ) و(أحيط بثمره) بفتحتين.
وقرأ الحضرمي (وكان له ثمرٌ) بفتحتين، و(أحيط بثمره) بضمتين.
قال أبو منصور: من قرأ ثمرًا وثمرًا فمعناهما واحد، هما جمع ثمرة ومن قرأ (إلى ثمره) فهو جمع الثمرة، وتجمع ثمار. والثمر: اسم للجنس، وأثمار الشجر: عقده أول ما يعقد، فهو مثمر، قبل النضج، فإذا
[معاني القراءات وعللها: 1/375]
قيل: ثامر، فمعناه: النضج). [معاني القراءات وعللها: 1/376]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (33- وقوله تعالى: {انظروا إلى ثمره إذا أثمر} [99].
قرأ حمزة والكسائي {ثمره} بضم الثاء ولاميم.
وقرأ الباقون بالفتح فثمرة وثمر مثل شجرة وشجر، الواحدة بالهاء والجمع بحذف الهاء، وثمر: جمع ثمار وثمر مثل حمار وحمر). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/166]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في الثاء، والميم من قوله: انظروا إلى ثمره [الأنعام/ 99]، ومن ثمره [الأنعام/ 141]، و ليأكلوا من ثمره [يس/ 35]، في الفتح فيها والضم.
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم بالفتح في ذلك كلّه.
وقرأ حمزة والكسائيّ بالضم في ذلك.
وجه قول من فتح فقال: من ثمره:
أن سيبويه يرى: أن الثّمر جمع ثمرة، ونظيره فيما قال: بقرة وبقر وشجرة وشجر، وجزرة وجزر، ويدل على أن واحد الثمر ثمرة قوله: ومن ثمرات النخيل والأعناب [النحل/ 67]، وقد كسّروه على فعال فقالوا ثمار، كما قالوا:
أكمة وإكام، وجذبة وجذاب، ورقبة ورقاب.
وأما قول حمزة والكسائيّ: من ثمره*، فإنه يحتمل وجهين: الأبين أن يكون جمع ثمرة على ثمر، كما جمعوا
[الحجة للقراء السبعة: 3/366]
خشبة على خشب في قوله: كأنهم خشب مسندة [المنافقون/ 4] وكذلك أكمه وأكم، في نحو قوله:
نحن الفوارس يوم ديسقة ال... مغشو الكماة غوارب الأكم
ونظيره من المعتل: ساحة وسوح، وقارة وقور، ولابة ولوب، وناقة ونوق. قال أبو عمر: أنشدنا الأصمعيّ لرجل من هذيل.
وكان سيّان أن لا يسرحوا نعما... أو يسرحوه بها واغبرّت السوح
والآخر أن يكون جمع ثمارا على ثمر فيكون: ثمر جمع الجمع، وجمعوه على فعل، كما جمعوه على فعائل في
[الحجة للقراء السبعة: 3/367]
قولهم: جمال وجمائل قال:
وقرّبن بالزّرق الجمائل بعد ما... تقوّب عن غربان أوراكها الخطر
ولم أعلم سيبويه ذكر تكسيره على فعل، وإن كان قد حكى تكسيره على فعائل، ولا يمتنع في القياس، ألا ترى أن فعلا جمع للكثير كما أن فعائل جمع له، وجمعوه بالألف والتّاء أيضا في قول من قرأ: كأنه جمالات صفر [المرسلات/ 33].
وأنشد بعض البغداديين:
أحبّ كلب في كلابات الناس... إليّ نبحا كلب أمّ العبّاس
فأما قول الشاعر:
كنّا بها إذ الحياة حيّ فليس حيّ بجمع حياة: كبدنة وبدن، وقارة وقور، إنما الحيّ مصدر كالعيّ، ولو كان جمعا على فعل لجاز في فائه
[الحجة للقراء السبعة: 3/368]
الضمّ والكسر، كما قالوا: قرن ألوى، وقرون ليّ وليّ.
قال: اختلفوا في سورة الكهف، فقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وحمزة والكسائيّ، وكان له ثمر [الكهف/ 34]، وأحيط بثمره [الكهف/ 42] بضمتين.
وقرأ أبو عمرو: بثمره بضمّة واحدة وأسكن الميم.
وقرأ عاصم: وكان له ثمر، وأحيط بثمره، بفتح الثاء والميم فيهما.
أمّا حمزة والكسائيّ فقراءتهما في ذلك كقراءتهما فيما تقدّم، وابن كثير ونافع وابن عامر أخذوا بذلك في هذا الموضع لأن اللفظتين جميعا للجمع، ألا ترى أن الثمر جمع كما كان الثمر كذلك.
ووافقهم أبو عمرو في الأخذ بالجمع الذي هو: فعل، إلّا أنه خفّف العين، كما خفف في بدنه وبدن، قال: والبدن جعلناها لكم [الحج/ 36] وكما قالوا: الأكم، في جمع أكمة في قوله:
ترى الأكم منه سجّدا للحوافر وعلى هذا قالوا: أسد وأسد. وقد فسّر الثّمر في سورة الكهف أنّه من تثمير المال.
[الحجة للقراء السبعة: 3/369]
وروي عن مجاهد: وكان له ثمر قال: ذهب وورق.
قال أبو علي: وكأنّ الذهب والورق، قيل له ثمر على التفاؤل، لأن الثمر نماء في ذي الثمر، ولا يمتنع أن يكون الثّمر جمع ثمرة، كما قدّمنا، ويدلّ على ذلك أن عاصما قرأ:
وكان له ثمر في الموضعين في الكهف. وكأنّ الثمر الذي هو الجنا أشبه في التفسير من الذهب والورق لأنّه أشدّ مشاكلة بالمذكور معه. ألا ترى أنه قال: واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب، وحففناهما بنخل...
وفجرنا خلالهما نهرا، وكان له ثمر، فقال لصاحبه [الكهف/ 32، 34] فالثمر الذي هو الجنا أشبه بالنخيل والأعناب، من الذهب والورق منهما وأشدّ مشاكلة، ويقوّي ذلك قوله في الأخرى في وصف جنّة: أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب... له فيها من كل الثمرات [البقرة/ 266].
فكما أنّ الثمرات في هذه لا تكون إلّا الجنا، كذلك في الأخرى يكون إياه. ويقوي أن الثمر ليس بالذهب والورق هنا قوله: وأحيط بثمره، والإحاطة به إهلاك له، واستئصال بالآفة التي حلت بها كما حلّت بالأخرى في قوله: فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت [البقرة/ 266]، وكما قال: فأصبحت كالصريم [القلم/ 20]
[الحجة للقراء السبعة: 3/370]
أي: سوداء كسواد الليل بالاحتراق، ويقوي ذلك قوله فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها [الكهف/ 42]، والإنفاق في الأمر العام إنّما يكون من الورق لا من الشجر.
قال: وقرأ عاصم: وكان له ثمر وأحيط بثمره بفتح الثاء والميم فيهما لأنّ ثمر* جمع، كما أنّ ثمر كذلك.
ويدلّك على أن الثّمر ونحوه جمع قوله: وينشئ السحاب الثقال [الرعد/ 12]، وقوله: كأنهم أعجاز نخل خاوية [الحاقة/ 7]. وإنما جاء التأنيث لمعنى الجمع، كما جاء التذكير في نحو: من الشجر الأخضر [يس/ 80]، وأعجاز نخل منقعر [القمر/ 20]، على تذكير اللفظ، وإن كان المعنى الجمع.
وقد يجوز أن يكون ثمر* جمع ثمر، لأن سيبويه قد حكى: ثمر، وجاز أن يكون ثمر جمع على ثمر كما جمع فعل على فعل وذلك قولهم: نمر ونمر قال:
[الحجة للقراء السبعة: 3/371]
فيه عياييل أسود ونمر والأول الوجه لأنه الأكثر كما رأيت). [الحجة للقراء السبعة: 3/372]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الأعرج: [قَنْوَان] بالفتح.
قال أبو الفتح: ينبغي أن يكون قَنْوَان هذا اسمًا للجمع غير مكسر، بمنزلة رَكْب عند سيبويه والجامل والباقر؛ وذلك أن فَعْلان ليس من أمثلة الجمع.
[المحتسب: 1/223]
وقرأت على أبي علي في بعض كتب أبي زيد قوله:
خلع الملوك وسار تحت لوائه ... شَجَرُ العُرا وعُرَاعِرُ الأقوام
وقال أبو زيد: عُراعِر جمع عُرْعُرة، فقلت لأبي علي: كيف يكون هذا وأوله مضموم؟ فقال -يعني أبو زيد: إنه اسم للجمع يفيد مفاد التكسير). [المحتسب: 1/224]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فأخرجنا منه خضرًا نخرج منه حبا متراكبا ومن النّخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب} {انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه}
[حجة القراءات: 263]
قرأ الأعشى عن أبي بكر {وجنات} قال الفراء ولو رفعت الجنات تتبع القنوان كان صوابا
وقرأ الباقون {جنّات} نصب نسق على قوله {خضرًا} أي فأخرجنا من الماء خضرًا وجنات من اعناب
قرأ حمزة والكسائيّ {انظروا إلى ثمره} بضم الثّاء والميم أراد جمع الجمع تقول ثمرة وثمار وثمر كما تقول أكمة وإكام وأكم
وقرأ الباقون {ثمرة} بفتح الثّاء والميم جمع ثمرة مثل بقر وبقرة وشجرة وشجر). [حجة القراءات: 264]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (49- قوله: {إلى ثمره} قرأ حمزة والكسائي بضم الثاء والميم، في موضعين ههنا، وفي موضع في يس، جعلاه جمع «ثمرة» كخشبة وخشُب، ويجوز أن يكون جمع «ثمار» كحمار وحُمر، وثمار جمع ثمرة كأكمة وإكام، فهو جمع جمع الجمع على هذا، وقرأ الباقون بفتح الثاء والميم، جعلوه جمع تمرة كبقرة وبقر، ما بين واحدة وجمه الهاء، والقراءتان حسنتان، وقد شرحنا هذا في الكهف بأشبع من هذا). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/443]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (36- {انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ} [آية/ 99] مضمومة الثاء والميم:-
قرأها حمزة والكسائي، وكذلك {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ}، وفي الكهف {وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ} و{أُحِيطَ بِثَمَرِهِ}، وفي يس {لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ} كل ذلك بضمتين.
والوجه أنه يجوز أن يكون جمع ثمرة على ثمر، كما قيل خشبة وخشب، ويجوز أن يكون ثمر جمع ثمار ككتاب وكتب، وثمار جمع ثمرة، فثمر على هذا جمع الجمع.
وقرأ عاصم ويعقوب {ثَمَرِ} و{ثَمَرِهِ} كه بفتح الثاء والميم فيهن، إلا في رواية -يس- في {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ} فإنه ضم الثاء والميم.
والوجه في الفتحتين أن الثمر جمع ثمرة كبقر في جمع بقرة وشجر في
[الموضح: 489]
جمع شجرة، وما كان من هذا النوع من الجمع أعني ما بين واحده وجمعه الهاء، فإن أكثر النحويين يسمونه جنس وليس بجمع.
وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر في الأنعام ويس بالفتحتين وفي الكهف بالضمتين، وكذلك أبو عمرو إلا أنه يسكن الميم في الكهف في الحرفيين.
والوجه أنهم أرادوا الأخذ باللغتين جميعًا، فالحكم واحد في المواضع، فاللفظان جميعًا للجمع، وأما تسكين أبي عمرو الميم فإنه تخفيف؛ لأن فعلا بضم العين قد يخفف العين منه، كما قالوا في بدن بدن وأسد أسد). [الموضح: 490]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م 08:37 PM

سورة الأنعام

[ من الآية (100) إلى الآية (103) ]
{وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ (100) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101) ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102) لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103)}

قوله تعالى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ (100)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وخرقوا له بنين وبناتٍ بغير علمٍ... (100).
قرأ نافع (وخرّقوا له) مشددًا، وقرأ الباقون (وخرقوا) خفيفًا.
قال أبو منصور: التخفيف هو الوجه، يقال: خرق فلان الكذب، واخترقه. وخلقه، واختلقه. وخرصه، واخترصه، إذا افتراه، ومن شدد فقرأ (وخرّقوا) فالمعنى: أنهم أبدأوا في ذلك وأعادوا، لأن التشديد للكثرة. والله أعلم). [معاني القراءات وعللها: 1/376]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (34- وقوله تعالى: {وخرقوا له بنين وبنات} [100].
قرأ نافع وحده {وخرقوا} بتشديد الراء.
والباقون يخففون. فخرقوا واخترقوا وخلقوا واختلقوا وبشكوا وابتشكوا وكذبوا بمعنى واحد). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/166]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في تشديد الراء وتخفيفها في قوله تعالى: وخرقوا له [الأنعام/ 100].
[فقرأ ابن كثير وعاصم وابن عامر وأبو عمرو وحمزة والكسائيّ: وخرقوا له بنين وبنات، خفيفة].
وقرأ نافع وحده وخرقوا له مشددة الراء.
[قال أبو علي: قال] أبو عبيدة: وخرقوا له بنين وبنات أي: جعلوا له وأشركوه.
[الحجة للقراء السبعة: 3/372]
اخترق واختلق، وابتشك سواء. وقال أحمد بن يحيى: خرّق واخترق. وقال أبو الحسن: الخفيفة أعجب إليّ، لأنها أكثر وبها أقرأ.
وقيل: إن المعنى أن المشركين ادّعوا الملائكة: بنات الله، والنّصارى: المسيح، واليهود: عزيرا.
ومن شدّد، فكأنه ذهب إلى التكثير). [الحجة للقراء السبعة: 3/373]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن يعمر: [وخَلْقَهم] بجزم اللام.
قال أبو الفتح: أي وخَلْق الجن، يعني ما يَخْلُقونه: ما يأفكون فيه ويتكذَّبونه. يقول: جعلوا له الجن شركاء، وأفعالهم شركاء أفعاله أو شركاء له إذا عَني بذلك الأصنام ونحوها). [المحتسب: 1/224]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة عمر وابن عباس رضي الله عنهما: [وحَرَّفُوا له] بالحاء والفاء.
وقال أبو الفتح: هذا شاهد بكذبهم، ومثله: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} وأصله من الانحراف؛ أي: الانعدال عن القصد، وكلاهما من حرْفِ الشيء؛ لأنه زائل عن المقابلة والمعادلة، وهو أيضًا معنى قراءة الجماعة: {وَخَرَقُوا} بالخاء والقاف، ومعنى الجميع: كَذبوا). [المحتسب: 1/224]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم}
قرأ نافع {وخرقوا} بالتّشديد أي مرّة بعد مرّة مثل قتل وقتل
وقرأ الباقون {وخرقوا} بالتّخفيف ومعنى خرقوا واخترقوا واختلقوا كذبوا). [حجة القراءات: 264]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (50- قوله: {وخرقوا} قرأه نافع بالتشديد، على التكثير، لأن المشركين ادعوا أن لله بنات، وهم الملائكة، والنصارى ادعت أن المسيح ابن الله، واليهود ادعت أن عزيرًا ابن الله، فكثير ذلك من كفرهم، فشدد الفعل لمطابقة المعنى تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا، وقرأ الباقون بالتخفيف؛ لأن التخفيف يدل على القليل والكثير، ومعنى خرق واخترق واختلق سواء، أي أحدث). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/443]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (37- {وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ} [آية/ 100] بتشديد الراء:-
قرأها نافع وحده.
والوجه أن ذهب بها إلى التكثير؛ لأن الفاعلين لهذا الفعل كثير، فإن المشركين قالوا الملائكة بنات الله، واليهود قالوا عزير ابن الله، والنصارى قالوا المسيح ابن الله.
وقرأ الباقون {وَخَرَقُوا} بالتخفيف.
والوجه أن فعل يحتمل الكثرة وغيرها، فيجوز أن يحمل على الكثرة، فيكون المعنى كالمعنى الأول؛ ولأنهم يقولون: خرق فلان الكذب واخترقه وخلقه واختلقه إذا افتراه، ولفظ الفعل مطلقا يدل على القليل والكثير، ثم إن فعل مشددًا يختص بالكثرة، وقد مضى مثله). [الموضح: 490]

قوله تعالى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة إبراهيم: [وَلَم يَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ] بالياء.
قال أبو الفتح: يحتمل التذكير هنا ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يكون في [يكن] ضمير اسم الله؛ أي: لم يكن الله له صاحبة، وتكون الجملة التي هي [له صاحبة] خبر كان.
والثاني: أن يكون في "يكن" ضمير الشأن والحديث على شريطة التفسير، وتكون الجملة بعده تفسيرًا له وخبرًا، كقولك: كان زيد قائم؛ أي: كان الحديث والشأن زيد قائم.
[المحتسب: 1/224]
والثالث: أن تكون "صاحبة" اسم "كان"، وجاز التذكير هنا للفصل بين الفاعل والفعل بالظرف الذي هو الخبر؛ كقولنا: كان في الدار هند.
ومثل ما حكاه صاحب الكتاب من قولهم: حضر القاضيَ اليوم امرأةٌ.
وأنا أرى أن تذكير "كان" مع تأنيث اسمها أسهل من تذكير الأفعال سواها وسوى أخواتها مع فاعليها.
وكان في الدار هند أسوغ من قام في الداره هند؛ وذلك أنه إنما احتيج إلى تأنيث الفعل عند تأنيث فاعله؛ لأن الفعل انطبع بالفاعل حتى اكتسى لفظه من تأنيثه، فقيل: قامت هند وانطلقت جُمْل، من حيث كان الفعل والفاعل يجريان مجرى الجزء الواحد، وإنما كان ذلك كذلك لأن كل واحد منهما لا يستغني عن صاحبه، فأنث الفعل إيذانًا بأن الفاعل الموقع بعده مؤنث، وليس كذلك حديث كان وأخواتها؛ لأنه ليست "كان" مع اسمها كالجزء الواحد، من قِبَل أنك لو حذفت "كان" لاستقل ما بعدها برأسه، فقلت في قولك: كان أخوك جالسًا: أخوك جالس، فلما أن قام ما بعدها برأسه، ولم يحتج إليها؛ لم يتصل به اتصال الفاعل بفعله، نحو: قام جفعر وجلس بِشر.
ألا تراك لو حذفت الفعل هنا لانفرد الفاعل جزءًا برأسه، فلم يستقل بنفسه استقلال الجملة بعد "كان" بنفسها؟ فلما لم تَقْوَ حاجته إلى "كان" قوة حاجة الفاعل إلى الفعل انحطت رتبته في حاجته إلى "كان"، فامتاز منها امتيازًا قد أحطنا به، فساغ لذلك ألا يلزم تأنيث "كان" لاسمها إذا كان مونثًا تأنيث الفعل لفاعله إذا كان مؤنثًا، ولم يذكر أحد من أصحابنا هذا، فافهمه؛ فإن هذه حاله). [المحتسب: 1/225]

قوله تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102)}

قوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م 08:39 PM

سورة الأنعام

[ من الآية (104) إلى الآية (108) ]
{قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104) وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (105) اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (106) وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (107) وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (108)}

قوله تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104)}

قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (105)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وليقولوا درست ولنبيّنه لقومٍ يعلمون (105).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو (دارست) بألف.
وقرأ ابن عامر ويعقوب (درست) بسكون التاء، وقرأ الباقون، (درست) بغير ألف مع فتح التاء.
[معاني القراءات وعللها: 1/376]
قال أبو منصور: من قرأ (دارست) بألف فتأويله: جادلت اليهود وجادلوك.
كذلك قال ابن عباس، وبه قرأ مجاهد، وفسره: قرأت على اليهود وقرأوا عليك.
ومن قرأ (درست) بسكون التاء فالمعنى: تقادمت، أي: هذا الذي تتلوه علينا قد تطاول ومر بنا وامتحي أثره من قلوبنا، كما تدرس الآثار.
ومن قرأ (درست) بفتح التاء بغير ألف فالمعنى: أنك تعلمت من يهود، على الخطاب للنبي صلى الله عليه، أرادوا: أنك قرأت كتب أهل الكتاب.
وكله جائز). [معاني القراءات وعللها: 1/377]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (35- قوله تعالى: {وليقولوا درست} [105].
قرأ ابن كثير وأبو عمروو {درست} بألف على معنى قارأت وعالمت على فاعلت.
وقرأ ابن عامر {درست} على معنى إمحت وذهبت.
وقرأ الباقون {درست} أي: قرأت وتعلمت). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/166]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في إدخال الألف وإخراجها من قوله عزّ وجلّ: دارست [الأنعام/ 105].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: دارست بألف.
وقرأ نافع وعاصم وحمزة والكسائيّ درست ساكنة السين بغير ألف.
وقرأ ابن عامر درست مفتوحة السين ساكنة التاء بغير ألف.
قال أبو زيد: درست، أدرس، دراسة، وهي القراءة قال: وإنما يقال ذلك إذا قرأت على غيرك، قال الأصمعي: أنشدني ابن ميادة:
[الحجة للقراء السبعة: 3/373]
يكفيك من بعض ازديار الآفاق... سمراء ممّا درس ابن مخراق
قال: درس يدرس، مثل داس يدوس، وقال بعضهم: سمراء: ناقته، ودرسها: رياضتها، قال: ودرس السورة من هذا. أي يدرسها لتخفّ على لسانه.
وجه من قرأ: دارست. أي: دارست أهل الكتاب وذاكرتهم، ويقوي ذلك: إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون [الفرقان/ 4].
فإن قيل: ليس في المصحف ألف، فإن الألف قد تحذف في المصحف في نحو هذا، ويقوي ذلك قوله: وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا [الفرقان/ 5].
ووجه درست في حجّة هذه القراءة: أن أبيّا، وابن مسعود فيما زعموا قرآ درس وأسندا الفعل فيه إلى الغيبة، كما أسندا إلى الخطاب وهو فعل، من:
درست، كما أنّ دارست فاعلت منه.
[الحجة للقراء السبعة: 3/374]
وقراءة ابن عامر درست مفتوحة السين ساكنة التاء فهو من الدّروس الذي هو: تعفّي الأثر، وامّحاء الرّسم.
قال أبو عبيدة: درست: امّحت، فأما اللام في قوله: وليقولوا درست فعلى ضربين: من قال: درست فالمعنى في: ليقولوا لكراهة أن يقولوا، ولأن لا يقولوا: درست. أي: فصّلت الآيات وأحكمت لئلا يقولوا إنّها أخبار وقد تقدّمت وطال العهد بها، وباد من كان يعرفها، كما قالوا: أساطير الأولين [الفرقان/ 5].
لأنّ تلك الأخبار، لا تخلو من خلل، فإذا سلم الكتاب منه لم يكن لطاعن موضع طعن. وأما من قرأ: دارست، ودرست فاللام على قولهم كالتي في قوله: ليكون لهم عدوا وحزنا [القصص/ 8]، ولم يلتقطوه لذلك، كما لم تفصّل الآيات ليقولوا: درست، ودارست ولكن لمّا قالوا ذلك أطلق هذا عليه في الاتساع). [الحجة للقراء السبعة: 3/375]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن عباس بخلاف وقتادة، ورُويت عن الحسن: [دُرِسَتْ]، ابن مسعود وأُبي: [دَرَسَ]. ابن مسعود أيضًا: [دَرسْن].
[المحتسب: 1/225]
قال أبو الفتح: أما [دُرِسَتْ] ففيه ضمير الآيات، معناه: وليقولوا درستَها أنت يا محمد، كالقراءة العامة [دراسْتَ].
ويجوز أن يكون [دُرِسَتْ] أي: عفت وتنوسيت؛ لقراءة ابن مسعود: [دَرَسْن] أي: عفون، فيكون كقوله: {إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ}، ونحو ذلك.
وأما [دَرَس] ففيه ضمير النبي -صلى الله عليه وسلم- وشاهد هذا: دارسْتَ؛ أي: فإذا جئتهم بهذه القصص والأنباء قالوا: شيء قرأه أو قارأه فأَتى به، وليس من عند الله؛ أي: يفعل هذا بهم لتقوى أثرة التكليف عليهم زيادة في الابتلاء لهم؛ كالحج والغزو وتكليف المشاق المستحق عليها الثواب، وإن شئت كان معناه فإذا هم يقولون كذا، كقوله: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا} أي: فإذا هو عدو لهم). [المحتسب: 1/226]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وليقولوا درست}
قرأ أبو عمرو وابن كثير (دارست) بالألف أي ذاكرت أهل الكتاب وعن ابن عبّاس قارأت وتعلمت
وقرأ ابن عامر {درست} بفتح السّين وتسكين التّاء أي درست
[حجة القراءات: 264]
هذه الأخبار الّتي تتلوها علينا أي مضت وامحت
وقرأ أهل المدينة وأهل الكوفة {درست} بسكون السّين وفتح التّاء أي قرأت أنت وتعلمت أي درست أنت يا محمّد كتب الأوّلين وتعلمت من اليهود والنّصارى وحجتهم قراءة عبد الله (وليقولوا درس) دلّ على أن الفعل له وحده). [حجة القراءات: 265]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (51- قوله: {درست} قرأ أبو عمرو وابن كثير «دارست» بألف، كفاعلت، وقرأ ابن عامر «درستْ» بإسكان من غير ألف وفتح السين، كخرجتْ، وقرأ الباقون «درسْت» بفتح التاء وإسكان الشين من غير ألف، كخرجت.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/443]
وحجة من قرأ بألفأنه حمله على معنى: «يقولون دارت أهل الكتاب ودارسوك» أي: ذاكرتهم وذاكروك، ودل على هذا المعنى قوله عنهم: {وأعانه عليه قوم آخرون} «الفرقان 4» أي: يقولون أعان اليهود النبي صلى الله عليه وسلم على القرآن وذاكروه فيه، وهذا كله قول المشركين في النبي عليه السلام وفي القرآن، ومثله قوله: {وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين} «النحل 24» ومثله قوله عنهم: {وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا} «الفرقان 5».
52- وحجة من قرأ بإسكان التاء أنه أسند الفعل إلى الآيات، فأخبر عنهم أنهم يقولون: عفت وامحت وتقادمت، ودل على ذلك قوله: {قالوا أساطير الأولين}، أي: هو شيء قديم قد عفا وامحى رسمه لقدمه.
53- وحجة من فتح التاء من غير ألف، أنه أضاف الفعل إلى النبي، فأخبر عنهم أنهم يقولون: درس محمد الكتب، كتب الأولين، فأتى بهذا القرآن منها). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/444]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (38- {وَلِيَقُولُوا دَارَسْتَ} [آية/ 105] بالألف مفتوحة التاء:-
قرأها ابن كثير وأبو عمرو.
والوجه أنك دارست أهل الكتاب وذاكرتهم وقرأت عليهم وقرأوا عليك، وهو من المفاعلة التي تكون بين اثنين.
وقرأ ابن عامر ويعقوب {دَرَسْتَ} بغير ألف، مفتوحة السين، ساكنة التاء.
والوجه أنه من الدروس، وهو عفو الأثر وانمحاء الرسوم، والمعنى: إن هذا الذي يتلوه قد تطاول ومر بنا وانمحى أثره كما تدرس الآثار.
وقرأ نافع والكوفيون {دَرَسْتَ} بغير ألف، ساكنة السين، مفتوحة التاء.
والوجه أن المراد قرأت على أهل الكتاب فتعلمت منهم). [الموضح: 491]

قوله تعالى: {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (106)}

قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (107)}

قوله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (108)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فيسبّوا اللّه عدوًا بغير علمٍ... (108).
قرأ يعقوب (عدوًا) بضم العين والدال وتشديد الواو، وقرأ الباقون (عدوًا) بفتح العين وسكون الدال.
قال أبو منصور: من قرأ (عدوًا) و(عدوًا) فمعناهما واحد، يقال: عدا فلان عدوًا وعدوًا وعدًا، إذا جاوز الحدّ في الظلم.
[معاني القراءات وعللها: 1/377]
انتصب قوله (عدوًا) و(عدوًا) على المصدر.
وإن شئت على إرادة اللام، ويكون نصبه على الحال.
المعنى: فيسبّوا اللّه عادين. فأقام المصدر مقام الفاعلين.
وقرئ (فيسبّوا اللّه عدوًا) بفتح العين وتشديد الواو، وهي شاذة، ومعناه: فيسبوا الله أعداء. وانتصابه على الحال لا غير، يقال: هم عدو لي، أي: أعداء.
قال الله تبارك وتعالى: (فإنّهم عدوٌّ لي إلّا ربّ العالمين (77) ). [معاني القراءات وعللها: 1/378]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن وأبي رجاء وقتادة وسلام يعقوب وعبد الله بن يزيد: {فَيَسُبُّوا اللَّهَ عُدُوًّا}، ورُوي عنهم أيضًا: [بَغْيًا وعُدُوًّا].
قال أبو الفتح: العَدْوُ والعُدُوُّ جميعًا: الظلم والتعدي للحق، ومثلهما العدوان والعداء، قال الراعي:
كتبوا الدُّهَيْمَ على العَداء لمسرِف ... عادٍ يريدُ خيانةً وغُلُولا
ومثله الاعتداء، قال أبو نُخَيْلَة:
ويعتدى ويعتدى ويعتدى ... وهو بعين الأسد المسوَّد
[المحتسب: 1/226]
ومثل العُدُوِّ والعَدْوِ من التعدي الرُّكوب والرَّكب، قال:
أو رَكب البراذين
يريد: ركوب). [المحتسب: 1/227]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (39- {فَيَسُبُّوا الله عَدْوًا} [آية/ 108] بضم العين والدال وتشديد الواو:-
قرأها يعقوب وحده.
والوجه أنه مصدر من عدا عليه إذا جار عليه يعدو عدوًا، وانتصابه على المصدر، أي يعدو عليه عدوا أو يسبوه سبًا؛ لأن السب ههنا عدوان لا محالة.
ويجوز أن يكون مصدرًا في موضع الحال أي يسبوا الله عادين.
[الموضح: 491]
وقرأ الباقون {عَدْوًا} بفتح العين وسكون الدال وتخفيف الواو.
وهو مثل القراءة الأولى؛ لأن عدوا مصدر عدا يعدو أيضًا، فهما سواء في المعنى، وانتصابه على ما ذكرناه في القراءة الأولى). [الموضح: 492]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م 08:41 PM

سورة الأنعام

[ من الآية (109) إلى الآية (111) ]
{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ (109) وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110) وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (111)}

قوله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ (109)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وما يشعركم أنّها... (109).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب والأعشى عن أبي بكر عن عاصم (إنّها) بكسر الألف، وروى نصير عن الكسائي (إنّها) بكسر الألف، وكذلك روى الجعفي عن أبي بكر عن عاصم، ولم يحفظ يحيى عن أبي بكر في هذا كسرًا ولا فتحًا، وقال ابن مجاهد: قرأت على
[معاني القراءات وعللها: 1/378]
أصحاب البزار عن يحيى عن أبي بكر بالفتح والكسر جميعا، وقرأ حفص عن عاصم (أنّها) بالفتح، وقرأ الباقون (أنّها) بفتح الألف.
قال أبو منصور: من قرأ (إنّها) بالكسر فهو استئناف، المعنى: قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم، أي: ما يدريكم.
ثم استأنف فقال: إنها إذا جاءت لا يؤمنون، يعني الآيات.
ومن قرأ (أنها) بالفتح فإن الخليل قال: معناها، لعلّ المعنى لعلها إذا جاءت لا يؤمنون، قال الخليل: وهذا كقولك: أئت السوق، أنك تشتري لنا شيئا. أي: لعلك.
وقال بعضهم: إنما هي (أنّ) التي على أصل الباب، وجعل (لا) لغوًا، والمعنى: ويشعركم أنها إذا جاءت يؤمنون.
والقول هو الأول والله أعلم). [معاني القراءات وعللها: 1/379]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (إذا جاءت لا يؤمنون (109).
قرأ ابن عامر وحمزة (إذا جاءت لا تؤمنون) وقرأ الباقون (إذا جاءت لا يؤمنون) بالياء.
[معاني القراءات وعللها: 1/379]
قال أبو منصور: من قرأ بالتاء فهي تاء المخاطبة، ومن قرأ بالياء فللغيبة). [معاني القراءات وعللها: 1/380]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (36- وقوله تعالى: {وما يشعركم} [109].
قرأ أبو عمرو وحده باختلاس الحركة وهي الضمة في الراء كأنه يجزمها تخفيفًا مثل {يأمركم} و{ينصركم}.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/166]
والباقون يشبعون الضمة على الأصل {يشعركم}). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/167]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (37- وقوله تعالى: {أنها إذا جاءت} [109].
قرأ ابن كثير وأبو عمرو {إنها} بالكسر على أن الكلام قد تم، وقال يحيى عن ابن بكر: لا أحفظ عن عاصم في {أنهاْ شيئًا وروى غيره: {إنها} بالكسر.
وقرأ الباقون وحفص عن عاصم: {أنها} بالنصب، فقال الخليل: تقديره: وما يشعركم لعلها إذا جاءت لا يؤمنون فـــ «أن» المفتوحة بمعنى «لعل»). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/167]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (38- وقوله تعالى {لا يؤمنون} [109].
قرأ ابن عامر وحمزة بالتاء على الخطاب في الكاف والميم في {يشعركم}.
وقرأ الباقون بالياء لقوله: {ونقلب أفئدتهم} إخبار عن غيب، ولم يقل أفئدتكم). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/167]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح الألف وكسرها من قوله [جلّ وعزّ]: وما يشعركم إنها [الأنعام/ 109].
فقرأ ابن كثير: وما يشعركم إنها مكسورة الألف، قرأ
[الحجة للقراء السبعة: 3/375]
أبو عمرو بالكسر أيضا، غير أنّ أبا عمرو كان يختلس حركة الراء من يشعركم.
وقرأ نافع وعاصم في رواية حفص وحمزة والكسائيّ- وأحسب ابن عامر- أنها* بالفتح.
وأما أبو بكر بن عياش: فقال يحيى عنه: لم نحفظ عن عاصم كيف قرأ: أفتحا أم كسرا ؟.
وقال حسين الجعفي عن أبي بكر عن عاصم إنها* مكسورة، أخبرني به موسى بن إسحاق عن هارون بن حاتم عن حسين الجعفي بذلك. وحدثني موسى بن إسحاق عن أبي هشام محمد بن يزيد قال: سمعت أبا يوسف الأعشى: قرأها على أبي بكر: إنها* كسرا، [لا يؤمنون بالياء]. وكذلك روى داود الأودي أنه سمع عاصما يقرؤها إنها* كسرا.
قال سيبويه: سألته: يعني الخليل عن قوله عز وجل: وما يشعركم إنها إذا جاءت لا يؤمنون ما منعها أن تكون كقولك: ما يدريك أنه لا يفعل؟ فقال: لا يحسن ذلك
[الحجة للقراء السبعة: 3/376]
في هذا الموضع، إنما قال: وما يشعركم؟ ثم ابتدأ فأوجب فقال: إنها إذا جاءت لا يؤمنون. ولو قال: وما يشعركم أنها كان ذلك عنه عذرا لهم، وأهل المدينة يقولون: أنها* فقال الخليل: هي بمنزلة قول العرب: ائت السوق أنك تشتري لنا شيئا. أي: لعلّك، فكأنه قال: لعلّها إذا جاءت لا يؤمنون.
قوله: وما يشعركم ما* فيه استفهام، وفاعل يشعركم ضمير ما*، ولا يجوز أن يكون نفيا، لأن الفعل فيه يبقى بلا فاعل.
فإن قلت: يكون نفيا ويكون فاعل يشعركم ضمير اسم الله تعالى: قيل: ذلك لا يصحّ، لأن التقدير يصير: وما يشعركم الله انتفاء إيمانهم، وهذا لا يستقيم.
ألا ترى أن الله تعالى قد أعلمنا أنهم لا يؤمنون بقوله: ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله [الأنعام/ 111]، فالمعنى: ما يدريكم إيمانهم إذا جاءت، فحذف المفعول، وحذف المفعول كثير والتقدير: ما يدريكم إيمانهم إذا
[الحجة للقراء السبعة: 3/377]
جاءت: أي: هم لا يؤمنون، مع مجيء الآية إياهم.
فأما يشعركم، فإنك تقول: شعرت بالشيء كما تقول: دريت به، وقال: دريته، فيجوز أن يكون شعرت مثله في أنه يتعدّى مرة بحرف، ومرّة بلا حرف كدريت، فمن عدّاه بالحرف جاز أن يكون أنّ في قول من لم يجعله بمعنى: لعلّ، في موضع جر، لأن الكلام لما طال صار كالبدل منه وجاز أن يكون في موضع نصب.
فأما قراءة ابن كثير وأبي عمرو: فالتقدير فيها: وما يشعركم إيمانهم. فحذف المفعول، أي: لو جاءت الآية التي اقترحوها لم يؤمنوا، ثم قال: إنها إذا جاءت لا يؤمنون [الأنعام/ 109]، كما قال: ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله [الأنعام/ 111] [أي: إلّا أن يشاء إجبارهم على الإيمان].
ولو فتح أنّ، وجعلها التي في نحو: بلغني أن زيدا منطلق، لكان عذرا لمن أخبر عنهم أنهم لا يؤمنون، لأنه إذا قال القائل: إنّ زيدا لا يؤمن، فقلت: ما يدريك أنه لا يؤمن، فالمعنى أنه: يؤمن، وإذا كان كذلك كان عذرا لمن نفى الإيمان عنه.
فأما وجه قراءة من فتح أنّ، فإن في فتحها تأويلين:
أحدهما: أن يكون بمعنى لعلّ كقوله:
[الحجة للقراء السبعة: 3/378]
قلت لشيبان ادن من لقائه... أنّا نغدّي القوم من شوائه
أي: لعلنا. وقال آخر:
أريني جوادا مات هزلا لأنني... أرى ما ترين أو بخيلا مخلّدا
وقال الفرزدق:
هل انتم عائجون بنا لأنّا... نرى العرصات أو أثر الخيام
[الحجة للقراء السبعة: 3/379]
فالمعنى: وما يشعركم لعلها إذا جاءت لا يؤمنون، وهذا ما فسّره الخليل في قوله: ائت السوق أنّك تشتري لنا شيئا، أي: لعلّك، وقال عديّ بن زيد:
أعاذل ما يدريك أن منيّتي... إلى ساعة في اليوم أو في ضحى الغد
وفسّر على: لعل منيّتي. ويدل على صحة ذلك وجودته في المعنى: أنه قد جاء في التنزيل لعل بعد العلم، وذلك قوله: وما يدريك لعله يزكى [عبس/ 3]، وما يدريك لعل الساعة قريب [الشورى/ 17]، فكما جاء لعلّ بعد العلم، كذلك يكون أنها إذا جاءت بمنزلة: لعلّها إذا جاءت.
والتأويل الآخر لم يذهب إليه الخليل وسيبويه، وهو أن يكون أنّها في قوله: أنها إذا جاءت لا يؤمنون أنّ الشديدة التي تقع بعد الأفعال التي هي عبارات عن ثبات الشيء وتقرّره نحو: علمت، وتبينت، وتيقنت، على أن تكون لا زائدة فيكون التقدير: وما يشعركم أنّها إذا جاءت يؤمنون.
والمعنى على هذا أنها: لو جاءت لم يؤمنوا. ومثل
[الحجة للقراء السبعة: 3/380]
لا هذه في أنها تكون في تأويل: زائدة، وفي أخرى: غير زائدة. قول الشاعر:
أبا جوده لا البخل واستعجلت به... نعم من فتى لا يمنع الجود قاتله
ينشد: أبا جوده لا البخل، ولا البخل، فمن نصب البخل جعلها زائدة، كأنه قال: أبا جوده البخل، ومن قال: لا البخل، أضاف «لا» إلى البخل.
ومثل هذه الآية في أنّ لا فيها زائدة قوله: وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون [الأنبياء/ 95] فهذه تحتمل تأويلين: تكون لا في أحدهما زيادة، وأنّ في موضع رفع بأنّه خبر المبتدأ الذي هو: حرام* والمعنى: وحرام على قرية أنهم لا يرجعون، أي: أنّهم يرجعون، والتقدير: وحرام على قرية مهلكة رجوعهم إلى أهلهم كما قال: فلا يستطيعون توصية، ولا إلى أهلهم يرجعون [يس/ 50]، فلا* على هذا التأويل زيادتها كزيادتها في قوله: لئلا يعلم أهل الكتاب [الحديد/ 29]، وكزيادتها في قول الشاعر:
[الحجة للقراء السبعة: 3/381]
أفعنك لا برق كأنّ وميضه... غاب تسنّمه ضرام مثقب
والوجه الآخر: أن تكون لا غير زائدة، ولكنها متصلة بأهلكنا، كأنه قال: وحرام على قرية أهلكناها بأنّهم لا يرجعون، أي: أهلكناهم بالاصطلام والاستئصال بأنّهم إنما لا يرجعون إلى أهليهم للاستئصال الواقع بهم والإبادة لهم.
وخبر المبتدأ على هذا محذوف تقديره: وحرام على قرية أهلكناها بالاستئصال بقاؤهم أو حياتهم، ونحو ذلك، مما يكون في الكلام دلالة عليه، فهذه في أحد التأويلين مثل قوله: أنها إذا جاءت لا يؤمنون وأنت تريد به يؤمنون.
اختلفوا في الياء والتاء من قوله تعالى: لا يؤمنون.
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائيّ: لا يؤمنون بالياء. وروى حفص عن عاصم، وحسين الجعفي عن أبي بكر عن عاصم بالياء أيضا.
وقرأ ابن عامر وحمزة: لا تؤمنون بالتاء.
وجه القراءة بالياء: أن قوله: وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها [الأنعام/ 109] إنّما يراد به قوم
[الحجة للقراء السبعة: 3/382]
مخصوصون. يدلّك على ذلك قوله: ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى [الأنعام/ 111]، وليس كل الناس بهذا الوصف فالمعنى: وما يشعركم أيها المؤمنون، لعلّهم إذا جاءت الآية التي اقترحوها لم يؤمنوا، قال: وجه الياء في قوله: لا يؤمنون أنّ المراد بمن نفى عنه الإيمان، هم الغيب المقسمون، والوجه على هذا: لا يؤمنون، أي: لا يؤمن هؤلاء الغيب المقسمون، وليس الخطاب للمؤمنين فيكون قوله: لا تؤمنون بالتاء.
ووجه القراءة بالتاء: أنه انصراف من الغيبة إلى الخطاب، والمراد بالمخاطبين في يؤمنون هم الغيب المقسمون الذي أخبر عنهم أنهم لا يؤمنون مثل قوله الحمد لله [الفاتحة/ 1]، ثم قال: إياك نعبد ونحو ذلك مما يصرف إلى الخطاب بعد الغيبة). [الحجة للقراء السبعة: 3/383]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قل إنّما الآيات عند الله وما يشعركم أنّها إذا جاءت لا يؤمنون}
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وأبو بكر {وما يشعركم أنّها إذا جاءت} بكسر الألف قال اليزيدي الخبر متناه عند قوله {وما يشعركم} أي ما يدريكم ثمّ ابتدأ الخبر عنهم إنّهم لا يؤمنون إذا جاءتهم وكسروا الألف على الاستئناف قال سيبويهٍ سألت الخليل عن قوله {وما يشعركم أنّها إذا جاءت} ما منعها أن تكون كقولك وما يدريك أنه لا يفعل فقال لا يحسن ذلك في هذا الموضع إنّما قال {وما يشعركم} ثمّ ابتدأ فأوجب فقال {أنّها إذا جاءت لا يؤمنون} لو قال {وما يشعركم أنّها إذا جاءت لا يؤمنون} كان عذرا لهم وحجتهم قوله بعدها {ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة} إلى قوله {ما كانوا ليؤمنوا} فأوجب لهم الكفر وقال {ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرّة} أي إن الآية إن جاءتهم لم يؤمنوا
[حجة القراءات: 265]
كما لم يؤمنوا أول مرّة
وقرأ الباقون {أنّها إذا جاءت} بالفتح قال الخليل إن معناها لعلّها إذا جاءت لا يؤمنون قال وهذا كقولهم إيت السّوق أنّك تشتري لنا شيئا أي لعلّك أنشد أبو عبيدة:
أريني جوادا مات هزلا لأنني ... أرى ما ترين أو بخيلًا مخلدا
يريد لعلني أرى ما ترين
يروى في التّفسير أنهم اقترحوا الآيات وقالوا {لن نؤمن لك حتّى تفجر لنا من الأرض ينبوعا} إلى قوله {حتّى تنزل علينا كتابا نقرؤه} فأنزل الله {قل إنّما الآيات عند الله وما يشعركم أنّها إذا جاءت لا يؤمنون} أي لعلّها إذا جاءت لا يؤمنون على رجاء المؤمنين وقال آخرون بل المعنى وما يشعركم أنّها إذا جاءت يؤمنون فتكون لا مؤكدة للجحد كما قال {وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون} بمعنى وحرام عليهم أن يرجعوا قال الفراء سأل الكفّار رسول الله صلى الله عليه أن يأتيهم بالآية الّتي نزلت في الشّعراء {إن نشأ ننزل عليهم من السّماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين} وقال المؤمنون يا رسول الله سل ربك أن ينزلها حتّى يؤمنوا فأنزل الله {وما يشعركم أنّها إذا جاءت لا يؤمنون} أي إذا
[حجة القراءات: 266]
جاءت يؤمنون ولا صلة كقوله {ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك} أي أن تسجد
قرأ حمزة وابن عامر (إذا جاءت لا تؤمنون) بالتّاء وحجتهما قوله {وما يشعركم} قال مجاهد قوله {وما يشعركم} خطاب للمشركين الّذين أقسموا فقال جلّ وعز وما يدريكم أنكم تؤمنون وقرأ الباقون بالياء إخبارًا عنهم وحجتهم قوله {ونقلب أفئدتهم وأبصارهم} ولم يقل أفئدتكم). [حجة القراءات: 267]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (54- قوله: {أنها إذا جاءت} قرأ ابن كثير وأبو عمرو بكسر الهمزة، وقرأ الباقون بالفتح، وعن أبي بكر الوجهان.
وحجة من فتح الهمزة أنه جعل «أن» بمنزلة «لعل» لغة فيها، على قول الخليل، حكى عن العرب: ائت السوق أنك تشتري لنا شيئًا، أي: لعلك. ويجوز أن يعمل فيها «يشعركم» فيفتح على المفعول به؛ لأن معنى شعرت به دريت، فهو في اليقين كعلمت، وتكون «لا» في قوله: {لا يؤمنون} زائدة، والتقدير: وما يدريكم أيها المؤمنون أن الآية إذا جاءتهم يؤمنون، أي: إنهم لا يؤمنون إذا جاءتهم الآية التي اقترحوا بها وهذا المعنى، إنما يصح على قراءة
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/444]
من قرأ «يؤمنون» بالياء ويكون «يشعركم» خطابًا للمؤمنين، والضمير «يؤمنون» للكفار في القراءة بالياء، ومن قرأ «تؤمنون» بالتاء، فالخطاب في «يشعركم» للكفار، ويقوي هذا المعنى قوله بعد ذلك: {ما كان ليؤمنوا إلا أن يشاء الله} «111» و«ما» في الآية استفهام، وفي «يشعركم» ضمير «ما»، والمعنى: وأي شيء يدريكم أيها المؤمنون إيمانهم إذا جاءتهم الآية، أي: لا يؤمنون إذا جاءتهم الآية، ولا يحسن أن تكون «ما» نافية؛ لأنه يصير التقدير: وليس يدريكم الله أنهم لا يؤمنون، وهذا متناقض؛ لأنه تعالى قد أدرانا أنهم لا يؤمنون بقوله: {ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة} إلى قوله: {يجهلون}.
55- وحجة من كسر «أن» أنه استأنف بها الكلام بعد «يشعركم»، والتقدير: وما يشعركم إيمانهم، فالمفعول محذوف، ثم استأنف مخبرًا عنهم بما علم فيهم، فقال: {إنها إذا جاءت لا يؤمنون} ولا يحسن فتح «إن» على إعمال «يشعركم» فيها و«لا» غير زائدة؛ لأن ذلك يكون عذرًا لهم، ويصير المعنى: وما يدريكم أيها المؤمنون أن الآية {إذا جاءتهم لا يؤمنون} أي: لعلهم يؤمنون إذا جاءتهم، فيكون تأخير «الآية» عنهم عذرًا لهم، في ترك الإيمان، وهذا لا يجوز لأن الله قد أعلمنا أنهم لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية، وأن ذلك بمشيئته وإرادته، فإن جعلت «لا» زائدة حسن عمل «يشعركم» في «أن»؛ لأن التقدير: وما يشعركم أنها إذا جاءت يؤمنون، أي: لا يؤمنون إذا جاءتهم الآية التي اقترحوا بها، وهذا كله إنما يصح على قراءة من قرأ «يؤمنون» بالباء، فأما من قرأ بها، وهذا كله إنما يصح على قراءة من قرأ «يؤمنون» بالباء، فأما من قرأ تؤمنون بالتاء فالخطاب في «يشعركم» للكفار المقترحين الآية، وقد تقدم ذكر الاختلاس والإسكان في «يشعركم» والحجة في ذلك، والاختيار الفتح لأن عليه الجماعة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/445]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (56- قوله: {لا يؤمنون} قرأه حمزة وابن عامر بالتاء، على الخروج من الغيبة إلى الخطاب، كما قال: {الحمد لله رب العالمين}، ثم قال: {إياك نعبد}، والمراد به القوم الذين اقترحوا الآية دون المؤمنين، على معنى: لعلها إذا جاءتكم الآية التي اقترحتموها لا تؤمنون، أي على معنى: وما يشعركم أيها الكفار المقترحون بالآية أنها إذا جاءتكم تؤمنون، فـ «لا» زائدة على هذا التقدير، إذا أعملت «يشعركم» في «أنها»، والضمير في «تؤمنون» للكفار في القراءتين جميعًا، والخطاب في «يشعركم» للمؤمنين، إذا قرأ بالياء في يؤمنون، وهو للكفار، إذا قرأت تؤمنون بالتاء، وقرأ الباقون بالياء، ردوه على لفظ الغيبة المتقدمة في قوله: {وأقسموا بالله} وما بعده بلفظ الغيبة، فجرى «يؤمنون» على ذلك للمشاكلة والمطابقة، وارتباط بعض الكلام ببعض، وأيضا فإن بعده لفظ غيبة في قوله: {ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به} إلى قوله: {يجهلون} «111» كله بلفظ الغيبة، فحمل «يؤمنون» في لفظ على ما قبله وما بعده، فاتسق الكلام كله على نظام واحد، وذلك أفصح وأقوى، وهو الاختيار، مع أن أكثر القراء على الياء). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/446]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (40- {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا} [آية/ 109] بكسر الألف:-
قرأها ابن كثير وأبو عمرو وعاصم -ياش- ويعقوب.
والوجه أن الكلام استئناف، فلذلك جاء بإن؛ لأن إن حرف ابتداء، ومعناه على الابتداء، وهو على هذا خطاب للمشركين، والمراد قل يا محمد إنما الآيات عند الله، وما يشعركم أي وما يدريكم أيها المشركون أن الآيات عند الله، ثم استأنف فقال إنها أي إن الآيات إذا جاءتهم لا يؤمنون.
وقرأ الباقون {أَنَّهَا} بفتح الألف.
والوجه أن المعنى لعلها، فقد جاء أن بمعنى لعل، كقوله:
31- قلت لشيبان ادن من لقائه = أنا نفدي القوم من شوائه
أي لعلنا.
[الموضح: 492]
ويجوز أن تكون أن في قوله {أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ} هي الشديدة التي تقع بعد أفعال الاستقرار، نحو: علمت وتيقنت وأمثالهما، وهي المعروفة في كلام العرب، ثم تكون {لا} زائدة، والتقدير: وما يشعركم أنها إذا جاءت يؤمنون). [الموضح: 493]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (41- {لا تُؤْمِنُونَ} [آية/ 109] بالتاء:-
قرأها ابن عامر وحمزة.
والوجه أن رجوع عن الغيبة إلى الخطاب عند من جعل {وَمَا يُشْعِرُكُمْ} للمؤمنين، فأما من جعل الخطاب فيه للمشركين، فالكلام كله خطاب، وليس برجوع عن الغيبة إلى الخطاب، والمعنى: وما يشعركم أيها الكفار أنها إذا جاءت تؤمنون، أو على الاستئناف كما سبق.
وقرأ الباقون {لا يُؤْمِنُونَ} بالياء.
والوجه أنهم هم الغيب المقسمون في قوله تعالي {وَأَقْسَمُوا بِالله جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ}، والمراد: وما يدريكم أيها المؤمنون أن الآيات إذا جاءت يؤمن هؤلاء المقسمون، وهم الكفار). [الموضح: 493]

قوله تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن وأبي رجاء وقتادة وسلام ويعقوب وعبد لله بن يزيد والأعمش والهمذاني: [وَيَذَرْهُم] بالياء وجزم الراء.
قال أبو الفتح: قد تقدم ذكر إسكان المرفوع تخفيفًا، وعليه قراءة مَن قرأ أيضًا: [وَمَا يُشْعِرْكُم] بإسكان الراء، وكأن [يشعرْكم] أعذر من [يَذَرْهُم]؛ لأن فيه خروجًا من كسر إلى ضم، وهو في [يَذَرْهُم] خروج من فتح إلى ضم). [المحتسب: 1/227]

قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (111)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وحشرنا عليهم كلّ شيءٍ قبلًا... (111)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب: (كلّ شيءٍ قبلًا) بالضم، وفي الكهف (العذاب قبلًا) بكسر القاف، قرأ نافع وابن عامر (قبلًا) و(قبلًا) مكسورتين، وقرأهما الكوفيون مضمومتين.
قال أبو منصور: من قرأ (قبلًا) بالضم فله معنيان:
أحدهما: أن (قبلًا) جمع قبيل، وهم الجماعة ليسوا بني أبٍ واحد، المعنى: وحشرنا عليهم كل شيء (قبلًا) قبيلا، والقبيلة - بالهاء -: بنو أبٍ واحد، وجمعها: القبائل.
والوجه الثاني: قبلا جمع قبيل، وهو الكفيل، فيكون المعنى: لو حشر عليهم كل شيء فكفل لهم بصحة ما تقول ما كانوا ليؤمنوا.
ومن قرأ (قبلا) بكسر القاف فمعناه: عيانا ومعاينةً، يقال: كلمته قبلا ومقابلة، أي عيانا.
قال الفراء: وقد يكون قبلا: من قبل وجوههم، كما تقول: أتيتك قبلاً، ولم آتك دبرًا). [معاني القراءات وعللها: 1/380]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (39- [و] قوله تعالى: {وحشرنا عليهم كل شيء قبلا} [111].
قرأ نافع وابن عامر {قبلا} بكسر القاف وفتح الباء.
والباقون بضمهما). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/167]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في ضمّ القاف وكسرها من قوله تعالى: كل شيء قبلا [الأنعام/ 111].
فقرأ نافع وابن عامر: كل شيء قبلا، والعذاب قبلا [الكهف/ 55] بكسر القاف فيهما، وفتح الباء.
[الحجة للقراء السبعة: 3/383]
وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: كل شيء قبلا والعذاب قبلا.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: كل شيء قبلا مضمومة القاف، والعذاب قبلا مكسورة القاف.
قال أبو زيد: يقال: لقيت فلانا قبلا، ومقابلة، وقبلا، وقبلا، وقبليّا، وقبيلا، وكلّه واحد وهو المواجهة، فالمعنى في القراءتين على ما قاله أبو زيد واحد وإن اختلفت الألفاظ.
وقال أبو عبيدة: وحشرنا عليهم كل شيء قبلا جماعة قبيل أي: أصناف، أو يأتيهم العذاب قبلا [الكهف/ 55] أي معاينة.
فوجه قراءة نافع وابن عامر كل شيء قبلا والعذاب قبلا: أن المعنى: لو حشرنا عليهم كلّ شيء معاينة، أو أتاهم العذاب معاينة، لم يؤمنوا. كأنّهم من شدّة عنادهم وتركهم الإذعان، والانقياد للحق يشكّون في المشاهدات التي لا شكّ فيها.
ومثل قوله: أو يأتيهم العذاب قبلا أي: معاينة، قوله:
فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم، قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم [الأحقاف/ 24]،
[الحجة للقراء السبعة: 3/384]
وقوله: وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم [الطور/ 44].
وقراءة عاصم. وحمزة، والكسائي: كل شيء قبلا، يحتمل ثلاثة أضرب:
يجوز أن يكون قبلا جمع قبيل، الذي يعنى به الكفيل، ويجوز أن يكون جمع قبيل الذي يعنى به الصنف، كما فسّره أبو عبيدة، ويجوز أن يكون قبلا بمعنى قبل، كما فسّره أبو زيد. فليس بالسهل أن يحمل على القبيل الذي هو الكفيل لأنهم إذا لم يؤمنوا مع إنزال الملائكة إليهم، وأن يكلّمهم الموتى، مع أن ذلك مما يبهر ظهوره، ويضطرّ مشاهدته، فأن لا يؤمنوا بالكفالة التي هي قول لا يبهر ولا يضطرّ، ويجوز أن لا يصدّق، أجدر.
فإن قلت: إن موضع الآية الباهرة في قول من حمل قبلا على أنه جمع قبيل الذي هو الكفيل، هو حشر كلّ شيء. وفي الأشياء المحشورة ما ينطق وما لا ينطق، فإذا نطق بالكفالة من لا ينطق، كان ذلك موضع بهر الآية فهو قول.
وأمّا إذا حملت قوله: قبلا على أنّه جمع القبيل الذي هو الصنف، كما قال أبو عبيدة، فإنّ موضع إبانة الآية حشر جميع الأشياء جنسا جنسا، وجميع الأشياء ليس في العرف أن تجتمع
[الحجة للقراء السبعة: 3/385]
وتنحشر إلى موضع، فموضع ما يبهر هو اجتماعها، مع أنّ ذلك ليس في العرف.
وإن حملت قوله: قبلا على أنّه بمعنى، قبل، أي:
مواجهة، كما فسره أبو زيد، فإن قبلا حال من المفعول به، والمعنى: حشرناه مواجهة ومعاينة، وهو في المعنى كقراءة نافع وابن عامر قبلا*: معاينة.
فأما قراءة عاصم وحمزة والكسائي أو يأتيهم العذاب قبلا [الكهف/ 55] فمعناه: مواجهة، ولا يجوز أن يكون القبيل الذي يراد به الكفيل، ولا يمتنع أن يكون جمع قبيل الذي هو الصنف، فيكون المعنى: أو يأتيهم العذاب صنفا صنفا، فمما جاء القبل فيه بمعنى المقابلة قوله: إن كان قميصه قد من قبل [يوسف/ 26] ألا ترى أنه قد قوبل به قوله: قد من دبر [يوسف/ 27].
فأما قوله: أو تأتي بالله والملائكة قبيلا [الإسراء/ 92] فلا يخلو من أن يكون بمعنى الكفيل، أو يكون معناه معاينة، كما حكاه أبو زيد. فإذا حملته على المعاينة كان القبيل مصدرا كالنذير والنكير، وهو في موضع حال من المفعول به، ولو أراد به الكفيل لكان خليقا أن يجمع على: فعلاء كما قالوا: كفلاء، لأنّه في الأصل صفة، وإن كان قد استعمل استعمال الأسماء.
ويدلّ على أن المراد بالقبيل: المعاينة لا الكفيل قوله: وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا
[الحجة للقراء السبعة: 3/386]
[الفرقان/ 21] وكما اقترح ذلك غيرهم في قوله: أرنا الله جهرة [البقرة/ 55].
وأما قراءة ابن كثير وأبي عمرو: وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا [الأنعام/ 111]. فعلى الأضرب الثلاثة التي مضى ذكرها.
وقراءتهما: العذاب قبلا [الكهف/ 55]، فعلى المعاينة كما قال أبو زيد وأبو عبيدة). [الحجة للقراء السبعة: 3/387]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وحشرنا عليهم كل شيء قبلا}
قرأ نافع وابن عامر {قبلا} بكسر القاف أي عيانًا كما تقول لقته قبلا
وقرأ الباقون {قبلا} بضمّتين جمع قبيل والمعنى وحشرنا عليهم كل شيء قبيلا قبيلا أي جماعة جماعة قال الزّجاج ويجوز أن يكون قبلا جمع قبيل ومعناه الكفيل ليكون المعنى لو حشرنا عليهم كل شيء فتكفل لهم بصحّة ما يقول ما كانوا ليؤمنوا
وقال الفراء ويجوز أن يكون {قبلا} من قبل وجوههم أي
[حجة القراءات: 267]
ما يقابلهم والمعنى لو حشرنا عليهم كل شيء فقابلهم). [حجة القراءات: 268]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (57- قوله: {قبلا} قرأه نافع وابن عامر بكسر القاف، وفتح الباء وقرأ الباقون بضمهما.
وحجة من قرأ بالضم أنه جعله جمع «قبيل» كرغيف ورغف، فالمعنى: وحشرنا عليهم كل شيء قبيلا قبيلا، أي: صفًا صفًا، أي: لو عاينوا ذلك ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله، ويجوز أن يكون جمع «قبيل» الذي هو الكفيل، على معنى: وحشرنا عليهم كل شيء كفيلا، أي: يتكفل لهم ما يريدون، ويضمنه لهم ليؤمنوا، وفي كفالة مالا غفل آية عظيمة لهم ما آمنوا إلا أن يشاء
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/446]
الله، ويجوز أن يكون معنى «قبلا» مواجهة، أي: يعاينونه ويواجهونه: حكى أبو زيد: لقيت فلانًا قبلا ومقابلة، وقبلا وقُبلا، كله بمعنى المواجهة، فيكون الضم كالكسر في المعنى، وتستوي القراءتان، ويدل على أن القراءة بالضم بمعنى المقابلة قوله: {إن كان قميصه قد من قبل} «يوسف 26» فهذا من المقابلة لا غير، ألا ترى أن بعده {من دبر} فالدبر ضد القبل.
58- وحجة من قرأ بالكسر أنه جعله بمعنى المواجهة والمعاينة، أي: وحشرنا عليهم كل شيء يواجهونه ويعاينونه ما آمنوا إلا أن يشاء الله، وعلى هذه العلل والحجج يجري مجرى حجج الحرف الذي في الكهف غير أن معنى الكفيل لا يحسن في الكهف، وكذلك قوله تعالى: {أو تأتي بالله والملائكة قبيلا} «الإسراء 92» معناه: معاينة ومواجهة، ولا يحسن فيه معنى الكفيل؛ لأنه كان يلزم أن يجمع على «فعلا» لأنه في الأصل صفة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/447]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (42- {كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا} [آية/ 111] بكسر القاف وفتح الباء:-
قرأها نافع وابن عامر، وكذلك في الكهف {الْعَذَابُ قُبُلًا}.
والوجه أن المراد معاينه، أي لو حشرنا عليهم كل شيء معاينة فشهدوا بنبوتك لم يؤمنوا، كأنهم من شدة عنادهم شكوا في المشاهدات التي لا شك فيها، وكذلك ما في الكهف {أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا} أي مقابله ومعاينة.
وقرأ الكوفيون {قُبُلًا} بضم القاف والباء في السورتين.
فيجوز أن يكون جمع قبيل وهو الصنف، أي لو حشرنا عليهم كل شيء صنفًا لم يؤمنوا، واجتماع جميع الأشياء ليس في العرف.
ويجوز أن يكون جمع قبيل وهو الضمين، أي وحشرنا عليهم كل شيء فكفلوا لهم بأن ما تقوله حق.
ويجوز أن يكون {قُبُلًا} بمعني قبل وهو المقابلة، فيكون مثل القراءة الأولى.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب {قُبُلًا} بضم القاف في الأنعام و{قِبَلًا} بكسر القاف في الكهف.
والوجه أنهم أرادوا الأخذ باللغتين). [الموضح: 494]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م 08:42 PM

سورة الأنعام

[ من الآية (112) إلى الآية (113) ]
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113)}

قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112)}

قوله تعالى: {وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن وابن شرف: [ولْتَصْغَى، ولَيَرْضَوْه، ولْيَقْتَرِفُوا] بجزم اللام في جميع ذلك.
قال أبو الفتح: هذه اللام هي الجارة؛ أعني: لام كي، وهو معطوفة على الغرور من قول الله تعالى: {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} أي: للغرور [وَلِأَنْ تصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ]، إلا أن إسكان هذه اللام شاذ في الاستعمال على قوته في القياس؛ وذلك لأن هذا الإسكان إنما كثر عنهم في لام الأمر نحو قوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا}، وإنما أُسكنت تخفيفًا لثقل الكسرة فيها، وفرقوا بينها وبين لام كي بأن لم يسكنوها، فكأنهم إنما اختاروا
[المحتسب: 1/227]
السكون للام الأمر، والتحريك للام كي من حيث كانت لام كي نائبة في أكثر الأمر عن أن، وهي أيضًا في جواب كان سيفعل إذا قلت: ما كان ليفعل، محذوفة مع اللام ألبتة، فلما نابت عنها قووها بإقرار حركتها فيها؛ لأن الحرف المتحرك أقوى من الساكن، والأقوى أشبه بأن ينوب عن غيره من الأضعف.
نعم، وقد رأيناهم إذا أسكنوا بعض الحروف أنابوه عن حركته وعاقبوا بينه وبينها، وذلك نحو: الجواري والغواشي، صارت الياء في موضع الرفع والجر معاقِبة لضمتها وكسرتها في قولك: هؤلاء الجواري ومررت بالجواري، فكأن لام كي على هذا إذا أُسكنت معاقبة لأن، وكالمعاقِبة أيضًا لكسرتها؛ فلذلك أقروها على كسرتها، ولم يجمعوا عليها منابها في أكثر الأمر عن أن وقد ابْتُزَّت حركة نفسها أيضًا.
وأيضًا فإن الأمر موضع إيجاز واستغناء، ألا تراهم قالوا: صه ومه، فأنابوهما عن الفعل المتصرف، وكذلك حاءِ وعاءِ وهاءِ). [المحتسب: 1/228]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م 08:43 PM

سورة الأنعام

[ من الآية (114) إلى الآية (117) ]
{أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (114) وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115) وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (116) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (117)}

قوله تعالى: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (114)}
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (وقرأ ابن عامر وحفص عن عاصم: إنه منزل من ربك [الأنعام/ 114] مشدّدة الزاي، وخفّفها الباقون، وأبو بكر عن عاصم أيضا.
حجّة التشديد: تنزيل الكتاب من الله [الجاثية/ 2]، وحجة التخفيف: وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم [النحل/ 64] و: لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه [النساء/ 166] ). [الحجة للقراء السبعة: 3/387]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({يعلمون أنه منزل من ربك بالحقّ}
قرأ ابن عامر وحفص {أنه منزل من ربك} بالتّشديد من نزل ينزل جمعا بين اللغتين لأنّه قد تقدم قوله {وهو الّذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا} ولم يقل وهو الّذي نزل). [حجة القراءات: 268]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (61- قوله: {منزل} قرأ ابن عامر وحفص بالتشديد، جعلاه من «نزّل»، وهما لغتان بمعنى واحد، يقال: نزّل وأنزل، لكن التشديد معنى التكرير، وقرأ الباقون بالتخفيف، جعلوه من «أنزل»). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/448]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (43- {أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ} [آية/ 114] بتشديد الزاي:-
قرأها ابن عامر وعاصم -ص-، وقرأ الباقون {مُنَزَلٌ} بالتخفيف.
وقد سبق الكلام في مثلهما، وأن نزل وأنزل واحد، نحو فرحته وأفرحته ونجيته وأنجيته، وقد فرق بعض الناس بين أنزل ونزل بأن التنزيل لما ينزل شيئا بعد شيء، والإنزال لما يكون جملة أو تفصيلاً، ولم يرضه الحذاق من أهل العربية.
وحجة القراءة الأولى {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ} و{نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ} ونحوهما.
وحجة الأخرى {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ} و{لَكِنِ الله يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} ونحوهما). [الموضح: 495]

قوله تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وتمّت كلمت ربّك... (115).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو - هنا (كلمات ربّك) جماعة، وفي يونس (كلمت ربّك) في موضعين، وفي المؤمن: (حقّت كلمت ربّك)
[معاني القراءات وعللها: 1/380]
وقرأ نافع وابن عامر هذه الأربعة المواضع على الجمع، وقرأهن الباقون على التوحيد، لم يختلفوا في غير هذه الأربعة.
قال أبو منصور: الكلمة تنوب عن الكلمات:، تقول العرب: قال فلان في كلمته أي: في قصيدته، والقرآن كله كلمة الله، وكلم الله، وكلام الله، وكلمات الله، وكله صحيح من كلام العرب). [معاني القراءات وعللها: 1/381]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (40- وقوله تعالى: {وتمت كلمت ربك} [115].
قرأ أهل الكوفة {كلمت} على التوحيد.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/167]
وقرأ الباقون {كلمت} بالجمع.
فمن قرأ بالجمع لم يقف إلا على التاء، ومن قرأ بالتوحيد جاز أن يقف بالتاء والهاء). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/168]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في التوحيد والجمع في قوله: وتمت كلمات ربك [الأنعام/ 115]، في أربعة مواضع:
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وتمت كلمات ربك جماعا، وفي يونس حقت عليهم كلمت ربك في الموضعين [33 - 96]، وفي حم* المؤمن [6] كلمة ربك*. على واحدة.
[الحجة للقراء السبعة: 3/387]
وقرأ نافع وابن عامر هذه المواضع الأربعة كلّها كلمات* جماعة.
وقرأهنّ عاصم وحمزة والكسائيّ بالتوحيد كلمة*، ولم يختلفوا في غير هذه المواضع الأربعة.
الكلمة والكلمات- والله أعلم- ما جاء من وعد، ووعيد، وثواب، وعقاب، فلا تبديل فيه ولا تغيير له، كما قال: ما يبدل القول لدي [ق/ 29]، وقال: لا مبدل لكلماته [الكهف/ 27]. فكأنّ التقدير، وتمّت ذوات الكلمات، ولا يجوز أن يعنى بالكلمات الشرائع هنا، كما عني بقوله: وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن [البقرة/ 124]، وقوله: وصدقت بكلمات ربها [التحريم/ 12]، لأنه قد قال: لا مبدل لكلماته، والشرائع يجوز فيها النسخ والتبديل.
وصدقا، وعدلا مصدران ينتصبان على الحال من الكلمة، تقدير ذلك: صادقة وعادلة، وقد قدّمنا شيئا من القول فيما تقدم من هذا الكتاب.
ووجه قراءة ابن كثير وأبي عمرو: وتمت كلمات ربك جماعا، وفي سورة يونس حقت عليهم كلمت ربك في الموضعين، وفي حم* المؤمن: حقت كلمة ربك على
[الحجة للقراء السبعة: 3/388]
واحد. وقرأ نافع وابن عامر هذه المواضع كلّها: كلمات* جماعة. وجه جميع ذلك: أنّه لما كان جمعا كان في المعنى جمعا.
ووجه الإفراد أنهم قد قالوا: الكلمة، يعنون الكثرة كقولهم: قال زهير في كلمته، يعني: قصيدته، وقال قسّ في كلمته، يعني: خطبته، فقد وقع المفرد على الكثرة، فلما كان كذلك أغنى عن الجمع، وممّا جاء على ذلك قوله: وتمت كلمت ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا [الأعراف/ 137]، فإنما هو، والله أعلم، قوله: ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض... إلى آخر الآية [القصص/ 5]. فسمي هذا القصص كلّه كلمة.
وقال مجاهد [في قوله]: وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها [الفتح/ 26]، قال: لا إله إلّا الله. فإذا وقعت الكلمة على الكثرة، جاز أن يستغنى بها عن لفظ الجميع، وجاز أن يجمع على المعنى من حيث كان في المعنى جمعا.
وأما قراءة عاصم وحمزة والكسائي بالتوحيد، فهو على ما ذكرنا من أنّ الكلمة قد جاءت يراد بها الكثرة والجمع،
[الحجة للقراء السبعة: 3/389]
ويؤكد ذلك أمر آخر وهو أن المضاف قد يقع على الكثرة في نحو قوله: وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها [إبراهيم/ 34] ). [الحجة للقراء السبعة: 3/390]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته}
قرأ عاصم وحمزة والكسائيّ {وتمت كلمة ربك} على التّوحيد وحجتهم إجماع الجميع على التّوحيد في قوله {وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل} {وتمت كلمة ربك لأملأن جهنّم} فردّوا ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه
وقرأ الباقون (كلمات ربكم) على الجمع وحجتهم في ذلك أنّها مكتوبة بالتّاء فدلّ ذلك على الجمع وعلى أن الألف الّتي قبل التّاء اختصرت في المحصف وأخرى أن الكلمات جاءت بعدها بلفظ الجمع فقال {لا مبدل لكلماته} وفيها إجماع فكان الجمع في الأول أشبه بالصّواب للتوفيق بينهما إذ كانا بمعنى واحد). [حجة القراءات: 268]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (59- قوله: {وتمت كلمة ربك} قرأه الكوفيون بالتوحيد، وجمع الباقون، وقرأ نافع وابن عامر «كلمات» بالجمع في موضعين في يونس الأول «33» والآخر في موضع في غافر «6» وقرأهن الباقون بالتوحيد.
وحجة من جمع أن معنى «الكلمات» في هذا هو ما جاء من عند الله من وعد ووعيد وثواب وعقاب، وأخبار عما كان، وعما يكون، وذلك كثير، فجمع «الكلمات» لكثرة ذلك، وقد أجمعوا على الجمع في قوله: {لا تبديل لكلمات الله} «يونس 64»، {ولا مبدل لكلمات الله} «الأنعام 34» ولا يحسن أن يراد بالكلمات، في هذه المواضع، الشرائع كما قال: {وإذا ابتلى إبراهيم ربه
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/447]
بكلماتٍ} «البقرة 124» وقال: {وصدقت بكلمات ربها} «التحريم 12» لأن الشرائع قد تنسخ، ولا يحسن أن تُخبر عنها أنها لا تبدل، وإنما تتم ولا تتغير، فإنما المراد بالكلمات، في هذه المواضع، الأشياء التي لا يدخلها نسخ.
60- وحجة من قرأ بالتوحيد أن الواحد في مثل هذا يدل على الجمع، أجمعوا على التوحيد في قوله: {وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل} «الأعراف 137» وقال تعالى: {وألزمهم كلمة التقوى} «الفتح 26» وهي كلمة: لا إله إلا الله، في قول أكثر المفسرين، فلما كان لفظ الواحد يدل على الجمع، وكان أخف، قرئ بالتوحيد، إذ هي على معنى قراءة من قرأ بالجمع، وهو أخف، والاختيار الجمع؛ لأنه الأصل، وبه يرتفع الإشكال وعليه أكثر القراء في الأنعام). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/448]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (44- {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ} [آية/ 115] بغير ألف:-
قرأها الكوفيون ويعقوب، وكذلك في يونس في الموضعين {كَلِمَةُ رَبِّكَ} وفي المؤمن {كَلِمَةُ} الكل على التوحيد.
والوجه أن الكلمة قد جاءت في كلامهم، ويراد بها الكثرة، فإنهم يذكرون
[الموضح: 495]
الكلمة ويريدون بها القصيدة والخطبة، يقال قال زهير في كلمته، وقال قس في كلمته، فمحصول ذلك أنه يراد بالكلمة ما يراد بالكلمات.
وقرأ نافع وابن عامر {كَلِمات} جمعًا في الأربعة الأحرف.
والوجه أن المراد ما جاء في كلامه تعالى في وعد ووعيد وثواب وعقاب فهي ضروب، فلهذا جمعت، فأراد أن لا تبديل فيها ولا تغيير.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو في الأنعام {كَلِمَات} جمعًا، والباقي على التوحيد.
ولم يختلفوا في غير هذه الأربعة.
أراد أن يأخذا باللفظين لما كانا في معنى واحد). [الموضح: 496]

قوله تعالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (116)}

قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (117)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (إنّ ربّك هو أعلم من يضلّ عن سبيله... (117)
روى نصير عن الكسائي (من يضلّ عن سبيله) بضم الياء وفتح الضاد، وقرأ الباقون، (من يضلّ) بفتح الياء وكسر الضاد.
قال أبو منصور: من قرأ (من يضلّ عن سبيله) فموضع (من) رفع بالابتداء، ولفظها لفظ الاستفهام، المعنى: إن ربك هو أعلم أي الناس يضل عن سبيله.
وهو مثل قوله: (لنعلم أيّ الحزبين أحصى).
ومن قرأ (من يضلّ عن سبيله) فهو بهذا المعنى أيضًا، إلا أن الفعل خرج مخرج ما لم يسم فاعله، يقال: ضل فلان يضل ضلالاً، وأضله الله، أي: لم يهده). [معاني القراءات وعللها: 1/381]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن: [إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يُضِلُّ عَنْ سَبِيلِه] بضم الياء.
قال أبو الفتح: لا يجوز أن تكون [مَنْ] في موضع جر بإضافة "أعلم" إليها، لا فيمن ضم ياء يُضل، ولا فيمن فتحها؛ من حيث كانت "أعلم" أفعل، وأفعل هذه متى أضيفت إلى شيء فهو بعضه، كقولنا: زيد أفضل عشيرته؛ لأنه واحد منهم، ولا نقول: زيد أفضل إخوته؛ لأنه ليس منهم، لا نقول أيضًا: النبي -صلى الله عليه وسلم- أفضل بني تميم على هذا؛ لأنه ليس منهم؛ لكن تقول: محمد -صلى الله عليه وسلم- أفضل بني هاشم؛ لأنه منهم، والله يتعالى علوًّا عظيمًا أن يكون بعضَ المضلين أو بعض الضالين.
فأما قوله تعالى: {وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} فليس من هذا؛ إنما تأويل ذلك -والله أعلم- وجده ضالًّا، كقوله: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى}، وذلك مشروح في موضعه، فقوله أيضًا: [أَعْلَمُ مَنْ يُضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ] أي: يُجيرُه عن الحق ويصد عنه.
[المحتسب: 1/228]
كما أن قراءة مَن قرأ: [أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ]: مَنْ يجور عنه، ألا ترى إلى قوله قبل ذلك: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} فلا محالة أنه -سبحانه- أراد بمن يضل عن سبيله، فحذف الباء وأوصل "أعلم" هذه بنفسها، أو أضمر فعلًا واصلًا تدل هذه الظاهرة عليه، حتى كأنه قال: يعلم، أو علم مَن يُضِلُّ عن سبيله. يؤكد ذلك ظهور الباء بعده معه في قوله: {وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}، وقوله بعده: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ} .
وقد يجوز أن تكون [مَنْ] هذه مرفوعة بالابتداء، و[يُضل] بعدها خبر عنها، و"أعلم" هذه معلقة عن الجملة، حتى كأنه قال: إن ربك هو أعلم أيُّهم يُضِلُّ عن سبيله، كقوله تعالى: {لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا}.
فأما الجر فمدفوع من حيث ذكرنا، وإذا كان ذلك كذلك علمت أن "مَن" في قول الطائي:
غدوتُ بهم أَمَدَّ ذَوِيَّ ظِلًّا ... وأكثَرَ مَنْ ورَائِي ماءَ وادِي
لا يجوز أن تكون "مَنْ" في موضع جر بإضافة أكثر إليه؛ إذ ليس واحدًا ممن وراءه، فهو إذن منصوب الموضع لا محالة بأكثر أو بما دل عليه أكثر؛ أي كَثَرتُهم: كنتُ أكثرَهم ماء واد.
ولا يجوز فيه الرفع الذي جاز مع العلم؛ لأن كثرت ليس من الأفعال التي يجوز تعليقها؛ إنما تلك ما كان من الأفعال داخلًا على المبتدأ وخبره، وأظنني قد ذكرت نحو هذا في صدر هذا الكتاب). [المحتسب: 1/229]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م 08:47 PM

سورة الأنعام
[ من الآية (118) إلى الآية (121) ]

{فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآَيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ (118) وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119) وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ (120) وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121)}

قوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآَيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ (118)}


قوله تعالى: {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وقد فصّل لكم ما حرّم عليكم... (119).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر (وقد فصّل لكم ما حرّم عليكم) مضمومتين، وقرأ نافع وحفص عن عاصم ويعقوب (فصّل لكم ما حرّم عليكم) مفتوحتين، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي (وقد فصّل لكم) بفتح الفاء (ما حرّم عليكم) بضم الحاء.
قال أبو منصور: من قرأ (وقد فصّل لكم ما حرّم عليكم) فمعناه بالفتح: قد فصل لكم الحرام من الحلال، أي: ميّز وبيّن.
وموضع (ما) نصب.
ومن قرأ (وقد فصّل لكم ما حرّم عليكم) فهو على ما لم يسم فاعله، والمعنى واحد؛ لأن الله هو المفصل المحرّم). [معاني القراءات وعللها: 1/382]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وإنّ كثيرًا ليضلّون بأهوائهم... (119).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو: (ليضلّون)، وفي يونس (ليضلّون عن سبيلك)، وفي إبراهيم (أندادًا ليضلّوا)، وفي الحج (ثاني عطفه ليضلّ) فتح الياء.
وفي لقمان (ليضلّ عن سبيل اللّه)، وفي الزمر (ليضلّ) بفتح الياء في الستة المواضع، وقرأ نافع
[معاني القراءات وعللها: 1/382]
وابن عامر ها هنا، وفي يونس بفتح الياء، وفي الباقي بضم الياء، وقرأ الحضرمي في لقمان بضم الياء، وفتح الباقي.
وضمّهن الكوفيون كلهن.
قال أبو منصور: من قرأ بفتح الياء فمعناه: الذي يضل بنفسه.
ومن قرأ (يضل) فمعناه الذي يضله الله، والذي يضل الناس عن القرى، ويقال: ضللت الطريق أضله، وضللته أضله، وضل فلان الشيء يضله إذا جعله في مكان ثم لم يهتد له، وأضلّ الشيء إذا ضيعه). [معاني القراءات وعللها: 1/383]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (41- وقوله تعالى: {وقد فصل لكم ما حرم عليكم} [119].
قرأ نافع وحفص عن عاصم بفتح الفاء والحاء.
وقرأها أهل الكوفة {فصل} بالفتح و{حرم} بالضم.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بالضم جميعًا.
فمن فتح جعل الفعل لله، وقد تقدم اسمه جل ذكره قبل الآية. ومن ضم لم يُسم الفاعل). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/168]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (42- وقوله تعالى: {وإن كثيرًا ليضلون} [119].
قرأ أهل الكوفة بالضم.
وقرأ الباقون بالفتح.
فمن فتح الياء جعل الفعل لهم، وشاهده قوله تعالى: {قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا}.
ومن ضم الياء فتقديره: ليضلون غيرهم، وكأنه أبلغ؛ لأن كل من أضل غيره وكذب غيره فقد كذب هو وضل. والدليل على ذلك اتفاق القراء على قوله: {ليضل الناس} [144] لأنه قد أضل غيره). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/168]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في ضمّ الفاء والحاء من قوله عز وجل: وقد فصل لكم ما حرم عليكم [الأنعام/ 119] ونصبهما.
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر: وقد فصل لكم ما حرم عليكم. مرفوعتان جميعا.
وقرأ نافع، وعاصم في رواية حفص: وقد فصل لكم ما حرم عليكم بنصبهما جميعا.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائيّ: وقد فصل بفتح الفاء، ما حرم عليكم بضم الحاء.
حجة من ضمّ الحاء من حرم* و [الفاء من] فصل* قوله: حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير [المائدة/ 3]: فهذا تفصيل هذا العام المجمل بقوله: حرم* فكما أن الاتفاق هاهنا على حرمت.. الميتة كذلك يكون الذي أجمل فيه في قوله: وقد حرم عليكم على ما فصّل، وكما وجب حرم بضم الحاء لقوله: حرمت عليكم الميتة، كذلك ضمّ فصل* لأنّ هذا المفصّل هو ذلك المحرّم الذي قد أجمل في هذه الآية ذكره. وقال: وهو الذي أنزل إليكم الكتاب
[الحجة للقراء السبعة: 3/390]
مفصلا [الأنعام/ 114]؛ فمفصلا يدل على فصّل.
وحجة نافع وعاصم في إحدى الروايتين عنه في: فصل لكم ما حرم عليكم قوله: قد فصلنا الآيات [الأنعام/ 97] وحجّتهما في حرم* قوله: قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم [الأنعام/ 151]، الذين يشهدون أن الله حرم هذا [الأنعام/ 150].
ويدلّ على الفتح قوله: وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم [الأنعام/ 119] ينبغي أن يكون الفعل مبنيا للفاعل لتقدم ذكر اسم الله تعالى.
ووجه قراءة عاصم في إحدى الروايتين وحمزة والكسائيّ وقد فصل لكم ما حرم بضم الحاء وفتح الفاء قوله: قد فصلنا الآيات.
ووجه حرم* قوله: حرمت عليكم الميتة [المائدة/ 3]، وهو تفصيل المحرّم في قوله: ما حرم عليكم* ومعنى وقد فصل لكم ما حرم عليكم هو ما فصّله في قوله: حرمت عليكم الميتة والدم الآية... [المائدة/ 3] ومعنى إلا ما اضطررتم إليه [الأنعام/ 119]. إلّا ما أباحه عند الضرورة من الميتة وغيرها من المحرّمات بقوله: فمن اضطر غير باغ ولا عاد [البقرة/ 173]، وقوله: فمن اضطر
[الحجة للقراء السبعة: 3/391]
في مخمصة غير متجانف لإثم، فإن الله غفور رحيم [المائدة/ 3] ). [الحجة للقراء السبعة: 3/392]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في ضمّ الياء وفتحها في قوله [جلّ وعزّ]: وإن كثيرا ليضلون [الأنعام/ 119] في ستة مواضع.
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو ليضلون، هاهنا. وفي يونس [88]: ربنا ليضلوا عن سبيلك وفي سورة إبراهيم [30]: أندادا ليضلوا وفي سورة الحج [9]: ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله، وفي لقمان [6]: ليضل عن سبيل الله بغير علم، وفي الزّمر [8] أندادا ليضل عن سبيله بفتح الياء في هذه المواضع الستة.
وقرأ نافع وابن عامر ليضلون بأهوائهم بغير علم وفي يونس ربنا ليضلوا بفتح الياء فيهما، وفي الأربعة التي بعد هذين الموضعين يضمان الياء.
وقرأ عاصم وحمزة والكسائيّ في الستة المواضع بضم الياء.
قال أبو زيد: أبرمت الرّجل إبراما، وأضللته إضلالا حتى برم برما وضلّ ضلالة. قال: وتقول: ضللت الطريق، والدّار أضلّها ضلالا، وأضللت الفرس والناقة والصبيّ إضلالا، وكذلك كلّ ما ضلّ عنك فذهب.
[الحجة للقراء السبعة: 3/392]
وإذا كان الحيوان مقيما فأخطأت مكانه، فهو بمنزلة ما لا يبرح. مثل الدار والطريق؛ فهو كقولك: ضللت ضلالة.
وقال أبو عبيدة في قوله: فإنما يضل عليها [يونس/ 108]؛ فإنما ضلاله لنفسه وهداه لنفسه.
وقال أبو عبيدة في قوله: أن تضل إحداهما [البقرة/ 282] أي: تنسى، يقال: ضللت أي: نسيت قال: فعلتها إذا وأنا من الضالين [الشعراء/ 20] أي: نسيت، وضللت وجه الأمر.
وقال أبو الحسن في قوله: في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى [طه/ 52] تقديره: ولا يضلّ عن ربي، ففاعل يضل* على تقدير أبي الحسن (كتاب) المتقدم ذكره، وكان الأصل: لا يضلّ عن ربّي، لأن الضلال يتعدى بعن، يدلّك على ذلك قوله: وضلوا عن سواء السبيل [المائدة/ 77]. فلما حذف عن، وصل الفعل إلى المفعول به.
[الحجة للقراء السبعة: 3/393]
قال أبو علي: يقال: ضلّ زيد عن قصد الطريق، وأضلّه غيره عنه، وقال: ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل [المائدة/ 77]، وقال: أضل أعمالهم [محمد/ 1]، فهذا كقوله: فأحبط الله أعمالهم [الأحزاب/ 19] وكقوله: والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة... إلى قوله لم يجده شيئا [النور/ 39]، وكقوله: لا يقدرون على شىء مما كسبوا [البقرة/ 264] أي: على جزاء شيء مما كسبوا من الخير لبطوله بالإحباط.
وقال: أين ما كنتم تدعون من دون الله قالوا ضلوا عنا [غافر/ 74]، فهذا في الآلهة التي كانوا يعبدونها كقوله: فزيلنا بينهم [يونس/ 28]، فزيّلنا: إنما هو فعّلنا من زال يزيل.
وقولهم: زلته فلم ينزل، وفي غير الآلهة قوله: يوم القيامة يفصل بينكم [الممتحنة/ 3]. وقوله: ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون [الروم/ 14].
وأما قراءة ابن كثير وأبي عمرو وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم [الأنعام/ 119] أي: يضلّون باتّباع أهوائهم، كما قال: واتبع هواه [الأعراف/ 176]. أي: يضلّون في أنفسهم
[الحجة للقراء السبعة: 3/394]
من غير أن يضلّوا غيرهم من أتباعهم بامتناعهم من أكل ما ذكر اسم الله عليه، وغير ذلك مما يتبعونه، ويأخذون به ممّا لا شيء يوجبه من شرع ولا عقل؛ نحو السائبة والبحيرة، وغير ذلك ممّا كان يفعله أهل الجاهلية.
وأما قراءتهما في سورة يونس [88]: ربنا ليضلوا عن سبيلك، فالذي قاله أبو الحسن أن اللام في ليضلوا* إنما هو لما يؤول إليه الأمر؛ فالمعنى إنك آتيت فرعون وملأه زينة ليضلّوا عن سبيلك، فلا يؤمنوا، فقوله: فلا يؤمنوا [يونس/ 88] عطف على النصب الحادث مع اللام في ليضلوا* وما بين ذلك من قوله: ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم [يونس/ 88]، اعتراض بين (آتيت) وما يتّصل به، كما كان قوله: قل إن الهدى هدى الله [آل عمران/ 73] كذلك. وهذا الضّرب من الاعتراض كثير، وقد جاء بين الصّلة والموصول في قوله: والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها، وترهقهم ذلة [يونس/ 27].
فالمعنى: ربّنا إنّك آتيت فرعون وملأه زينة فضلّوا، كما أن معنى: فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا [القصص/ 8]. أي: فكان كذلك، فالفتح في قوله: ليضلوا* أحسن لهذا المعنى، لأنهم هم ضلّوا وطغوا لما أوتوه من الزينة والأموال.
[الحجة للقراء السبعة: 3/395]
وقراءتهما في إبراهيم [10]: وجعلوا لله أندادا ليضلوا عن سبيله أي لم ينتفعوا بما اتخذوا من الأنداد، إلّا ليزيغوا عن الطريق المستقيم الذي نصبت الأدلة عليه، فقوله: ليضلوا* فتح الياء فيه حسن لذلك.
وقوله في الحج [9]: ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله، أي: يجادل في الله بغير علم مستكبرا ثاني عطفه، ولاويا عنقه، ليضلّ عن سبيل الله، ويذهب عنه، لا أنّ له على ذلك حجّة أو لديه فيه بيان. ومثل ذلك في هذا المعنى إذا فريق منهم بربهم يشركون، ليكفروا [الروم/ 33] فيمن جعل اللام الجارّة، أي: أشركوا ليكفروا بما بيناه لهم، لا لأن لهم على ذلك حجّة ولا بيانا.
وفي لقمان [6]: ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم، أي: يذهب عنه، وقيل في لهو الحديث: أنه سماع الغناء، روينا ذلك عن الكندي عن المؤمّل عن ابن عليّة عن ليث عن مجاهد.
وفي الزّمر [8]: وجعل لله أندادا، ليضل عن سبيله وقد تقدم القول فيه.
قال: وقرأ عاصم وحمزة والكسائيّ في المواضع الستة بضم الياء. ومن حجة من ضمّ الياء في هذه المواضع أنه يدلّ
[الحجة للقراء السبعة: 3/396]
على أنّ الموصوف بذلك يكون في الضلال أذهب، ومن الهدى أبعد، ألا ترى أن كلّ مضلّ ضالّ، وليس كلّ ضالّ مضلا، لأن الضالّ قد يكون ضلاله مقصورا عليه نفسه لا يتعداه إلى سواه، والمضلّ أكثر استحقاقا للذم، وأغلظ حالا من الضال، لتحمّله إثم من أضلّه، كما قال: ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة، ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم [النحل/ 25]. وقوله: وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم [العنكبوت/ 13]. والمواضع التي فتح فيها الياء من فتح، يسوغ فيها تقدير الإضلال ويستقيم. فقوله: وإن كثيرا ليضلون [الأنعام/ 119]. على تقدير: ليضلّون أشياعهم؛ فحذف المفعول به، وحذف المفعول به كثير. ويقوي ذلك قوله: وما أضلنا إلا المجرمون [الشعراء/ 99] وقال: ربنا هؤلاء أضلونا [الأعراف/ 38]، وكذلك في يونس [88] ربنا ليضلوا عن سبيلك أي: ليضلّوا أشياعهم، ألا ترى أن في قصّتهم وأضلهم السامري [طه/ 85]، وكذلك أندادا ليضلوا [إبراهيم/ 30] أي ليضلّوا أشياعهم، وكذلك في المواضع الأخر، هذا التقدير سائغ فيها، وغير ممتنع من هذا التقدير.
فأما قراءة نافع وابن عامر ليضلون بأهوائهم
[الحجة للقراء السبعة: 3/397]
[الأنعام/ 119]، وفي يونس: ربنا ليضلوا عن سبيلك فحجتهما في فتح الياء حجة ابن كثير وأبي عمرو وقد تقدم القول فيه. وحجتهما في الأربعة المواضع: حجة عاصم وحمزة والكسائي). [الحجة للقراء السبعة: 3/398]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة عطية العَوْفِي: [وقدْ فَصَلَ لكم] خفيفة.
قال أبو الفتح: هو من قولك: قد فَصَلَ إليكم وخرج نحوكم). [المحتسب: 1/227]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وما لكم ألا تأكلوا ممّا ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلّا ما اضطررتم إليه وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم}
قرأ أبو بكر عن عاصم وحمزة والكسائيّ {وقد فصل}
[حجة القراءات: 268]
بفتح الفاء والصّاد وحجتهم ظهور اسم الله في قوله {وما لكم ألا تأكلوا ممّا ذكر اسم الله عليه} فلمّا قرب اسم الله من الفعل قرؤوا فصل لقرب اسمه منه فكان معناه وقد فصل الله لكم ثمّ قرؤوا {ما حرم} بترك تسمية الفاعل بدلالة ما جاء في القرآن من التّحريم بترك تسمية الفاعل في قوله {حرمت عليكم الميتة والدّم} و{وحرم عليكم صيد البر} جرى الكلام فيها بترك تسمية الفاعل فأجروا ما اختلفوا فيه من ذلك بلفظ ما اتّفقوا عليه وأخرى أن الكلام أتى عقيبه بترك تسمية الفاعل وهو قوله {إلّا ما اضطررتم إليه} فألحق قول {حرم} ليكون لفظا المستثنى والمستثنى منه متفقين
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر {وقد فصل} بضم الفاء {ما حرم} بضم الحاء على ما لم يسم فاعله وحجتهم قوله {ثمّ فصلت من لدن حكيم خبير} وهذه أحسن أعنى {فصل} و{حرم} ليأتلف اللفظان على نظام واحد إذ كان المفصل هو المحرم ولا ضرورة تدعو إلى المخالفة بين اللّفظين
وقرأ نافع وحفص {فصل} بفتح الفاء و{حرم} بالفتح أي بين الله لكم ما حرمه عليكم
قرأ عاصم حمزة والكسائيّ {وإن كثيرا ليضلون} بضم الياء وحجتهم في وصفهم بالإضلال أن الّذين أخبر الله عنهم بذلك قد ثبت لهم أنهم ضالون بما تقدم من وصفه جلّ وعز إيّاهم بالكفر به قبل أن يصفهم بالإضلال فلا معنى إذا لوصفهم بالضلال وقد تقدم أنهم
[حجة القراءات: 269]
ضالون فكان وصفهم بأنّهم يضلون النّاس يأتي بفائدة غير ما تقدم من وصفهم في الكلام الأول فهم الآن ضالون بشركهم ويضلون غيرهم بما جاؤوا به
جاء في التّفسير أنّها نزلت في قوم من المشركين قالوا للمسلمين تأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتل الله قالوا فإذا قرئ {ليضلون} بفتح الياء لم يكن في الكلام فائدة غير أنهم ضالون فقط وقد علم ضلالتهم بما تقدم من وصفهم فكأنّه كرر كلامين ومعناه واحد
وقرأ أهل الحجاز والشّام والبصرة {ليضلون} أي ليضلون هم وحجتهم قوله {إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله} وقوله {وأولئك هم الضالون} وصفهم بالضلال لا بالإضلال). [حجة القراءات: 270]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (62- قوله: {وقد فصَّل لكم ما حرم عليكم} قرأه نافع والكوفيون «فصل» بالفتح، وضم الباقون، وكسروا الصاد، وقرأ نافع وحفص «حرم» بالفتح، فمن فتح أضاف الفعلين لله جل ذكره، لتقدم ذكره في قوله: {مما ذكر اسم الله عليه}، وقد أجمعوا على الفتح في قوله: {قد فصلنا الآيات} «الأنعام 97» و{ما حرم ربكم عليكم} «الأنعام 151» و{أن الله حرم هذا} «الأنعام 150» فحمل الفعلان على نظام واحد، لأن المفضل هو المحرم في المعنى، وقرأ البانون بضم الحاء والفاء، وكسر الراء والصاد، بنوا الفعلين على
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/448]
ما لم يسم فاعله، كما قال: {حُرمت عليكم الميتة} «المائدة 3» وقال: {أنزل إليكم الكتاب مفصلا} «الأنعام 114» فهو من «فصل»، ولما ضم الأول ضم الثاني، لأنه هو في المعنى، فأما من ضم «حرم» وفتح «فصل» فإنه بنى «فصل» للفاعل، ففتحه لتقدم ذكره، ولقوله: {قد فصلنا الآيات} وحمل «حرم» على قوله {حرمت عليكم الميتة} فضمه، والاختيار فتح الأول والثاني، لأن الجماعة عليه، ولصحة معناه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/449]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (63- قوله: {وإن كثيرًا ليضلون} قرأ الكوفيون «ليضلون» هنا، و{ربنا ليضلوا عن سبيلك} في «يونس 88» بضم الياء «ليضلوا»، وقرأ الباقون بالفتح، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء في إبراهيم وفي الحج وفي لقمان وفي الزمر، وقرأهن الباقون بالضم.
وحجة من فتح في جميعها أنه جعله فعلًا ثلاثيًا غير متعدّ، يقال: ضل فلان يضل في نفسه، لا يدل على إضلاله غيره، فلا يتعدى ألبتة، لأنه ثلاثي.
64- وحجة من ضم الياء أنه جعله فعلًا رباعيًا، متعديًا إلى مفعول محذوف، والمعنى: ليضلون الناس، فهو أبلغ في ذمهم لأنهم لا يضلون الناس إلا وهم ضالون في أنفسهم، وليس إذا ضلوا في أنفسهم يضلون أحدًا بذلك الضلال، فالضم يتضمن معناه ومعنى الفتح، فهو أبلغ، ولا يتضمن الفتح معنى الضم، والضم أقوى وهو الاختيار). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/449]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (45- {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ} [آية/ 119] بضم الفاء:-
قرأها ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر.
والوجه أن الفعل وإن كان مسندًا إلى المفعول به، فإنه معلوم أن الذي
[الموضح: 496]
فصله هو الله تعالى، والمعنى: بين لكم المحرم عليكم، وهو المذكور في قوله سبحانه {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} فكما أن المذكور هناك على ما لم يسم فاعله، كذلك هذا، لأن هذا إشارة إلى ذاك، وهذا المحرم هو ذاك المفصل قد أجمل في هذه الآية ذكره.
وقرأ الباقون {فَصَّل} بالفتح.
والوجه أنه قد تقدم ذكر الله تعالى في قوله {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ الله عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ} فينبغي أن يكون الفعل مبنيًا للفاعل، لتقدم ذكر اسم الله تعالى). [الموضح: 497]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (46- {مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [آية/ 119] بفتح الحاء:-
قرأها نافع و-ص- عن عاصم ويعقوب.
والوجه أن الذي حرم المحرمات هو الله تعالى، فإذا جاء على إسناد الفعل إليه فلا كلام فيه، ثم إن ذكره تعالى قد تقدم كما بيناه، وقد وافق أيضا لفظ {فَصَّلَ} عند من قرأ بالفتح، ويؤيده قوله تعالى {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ}.
وقرأ الباقون {حُرَّمَ} بضم الحاء.
[الموضح: 497]
والوجه أنه إشارة إلى قوله تعالى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ...} وهذا المحرم هو مجمل ذاك التفصيل، وكلاهما على ما لم يسم فاعله). [الموضح: 498]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (47- {وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ} [آية/ 119] بضم الياء:-
قرأها الكوفيون، وكذلك في يونس {رَبَّنَا لِيُضِلُّوا} وفي إبراهيم {أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا} وفي الحج ولقمان والزمر {لِيُضِلَّ} بضم الياء في الأحرف الستة.
والوجه أن المراد: وإن كثيرا منهم ليضلون أشياعهم وأتباعهم، فحذف المفعول به، وكذلك في سائر المواضع على حذف المفعول به، والإضلال أكثر استحقاقًا للذم من الضلال؛ لأن لا يضل غيره إلا وهو ضال، ثم إن المضل يتحمل إثمه وإثم من أضله، كما قال تعالى {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ}.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء في الستة الأحرف.
والمعنى في هذا الموضع: أنهم يضلون في أنفسهم باتباع أهوائهم من غير أن يضلوا غيرهم، وضلالهم إنما هو بامتناعهم من أكل ما ذكر اسم الله عليه
[الموضح: 498]
وغير ذلك مما يأخذون به مما لا يوجبه شرع ولا عقل نحو السائبة والبحيرة وغير ذلك.
وأما {لِيُضِلُّوا} في يونس بفتح الياء، فمعناه إنك أتيت فرعون وملأه زينة وأموالا ليضلوا عن سبيلك فلا يؤمنوا، واللام لام العاقبة، ولم يؤتهم الله الزينة والأموال ليضلوا، ولكن لما كانت عاقبهم الضلال صاروا كأنهم أوتوا ذلك ليضلوا، والمعنى آتيت فرعون، وملأه زينة وأموالا فضلوا.
وأما فتح الياء من قوله في إبراهيم {وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا} فاللام أيضا لام العاقبة، فإنهم لم يجعلوا لله أندادا للضلال، ولكن آلت عاقبتهم إلى الضلال باتخاذهم الأنداد، فكأنهم اتخذوها للضلال، وقيل اللام لام كي، والمعنى: جعلوا لله الأنداد عن علم منهم بأنه ضلال، فقد فعلوا ذلك ليضلوا.
[الموضح: 499]
وأما في الحج ولقمان {لِيَضِلِّ} بفتح الياء، فيجوز أن يحمل على أن اللام لام العاقبة كما ذكرنا، وقيل معناه: ليذهب عن سبيل الله لا أن له على ذلك حجة وبيانًا.
وأما ما في الزمر فهو كما في يونس.
وقرأ نافع وابن عامر ويعقوب -ح- بالفتح في الأنعام ويونس، وبالضم في الباقي، و-يس- عن يعقوب {لِيُضِلِّ} بالضم في لقمان، والباقي بالفتح.
قد تقدم من القول في الوجهين ما فيه كفاية). [الموضح: 500]

قوله تعالى: {وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ (120)}

قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م 08:48 PM

سورة الأنعام

[ من الآية (122) إلى الآية (124) ]
{أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (123) وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ (124)}

قوله تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (أومن كان ميتًا فأحييناه... (122).
قرأ نافع والحضرمي (أومن كان ميّتًا) مشددًا، وخفف الباقون.
قال أبو منصور: المعنى في الميت والميّت واحد، وأراد بالميّت والميت: الكافر الضّال، وقوله: (فأحييناه) معناه: فهديناه). [معاني القراءات وعللها: 1/383]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (43- وقوله تعالى: {أو من كان ميتًا فأحييناه} [122].
قرأ نافع وحده {ميتا} بالتشديد، والأصل ميوت على (فيعل) عند
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/168]
البصريين. فقلبوا من الواو ياءً وأدغموا الياء في الياء.
وقرأ الباقون {ميتًا} بالتخفيف خفف من ثقل كراهية التشديد، يقال: هين لين وهين لين. والميت هاهنا -: الكافر فأحييناه بالإيمان). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/169]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قرأ نافع وحده أو من كان ميتا مشدّدة. [الأنعام/ 122].
وقرأ الباقون: ميتا بالتخفيف.
أبو عبيدة الميتة* مخففة، وهو تخفيف: ميّتة، بالتشديد ومعناهما واحد ثقّل أو خفّف قال ابن الرّعلاء الغساني:
ليس من مات فاستراح بميت... إنّما الميت ميّت الأحياء
إنّما الميت من يعيش كئيبا... كاسفا باله، قليل الرّجاء
وقد وصف الكفار بأنهم أموات في قوله: أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون [النحل/ 21]، وكذلك قوله:
أومن كان ميتا فأحييناه أي: صادفناه حيّا بالإسلام من بعد الكفر، كالكافر المصرّ على كفره!؟.
[الحجة للقراء السبعة: 3/398]
فأما قوله: وجعلنا له نورا يمشي به في الناس [الأنعام/ 122]، فيحتمل أمرين: أحدهما أن يراد به النور المذكور في قوله: يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم [الحديد/ 12]، وقوله يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم [الحديد/ 13]، ويجوز أن يراد بالنور: الحكمة التي يؤتاها المسلم بإسلامه، لأنه إذا جعل الكافر لكفره في الظلمات، فالمؤمن بخلافه.
والتخفيف مثل التشديد، والمحذوف من الياءين الثانية المنقلبة عن الواو، وأعلّت بالحذف كما أعلّت بالقلب). [الحجة للقراء السبعة: 3/399]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({أو من كان ميتا فأحييناه}
قرأ نافع {أو من كان ميتا} بالتّشديد وقرأ الباقون بالتّخفيف وقد ذكره فيما تقدم). [حجة القراءات: 270]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (48- {أَوَ مَنْ كَانَ مَيْتًا} [آية/ 122] بالتشديد:-
قرأها نافع ويعقوب.
والوجه أنه هو الأصل؛ لأنه فيعل من الموت، وأصله: ميوت، فاجتمع الياء والواو، وسبق إحداهما بالسكون، فقلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء، فبقي ميت، وهو مثل سيد وهين.
وقرأ الباقون {مَيْتًا} بالتخفيف، وهو مخفف من المشد، وتخفيفه أن تحذف الياء الأخيرة المنقلبة عن الواو، أعلوها بالحذف كما أعلوها بالقلب، والمخفف والمشدد سواء في المعنى، وقد مضى مثله). [الموضح: 500]

قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (123)}

قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ (124)}
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({حتّى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله الله أعلم حيث يجعل رسالته}
قرأ ابن كثير وحفص {الله أعلم حيث يجعل رسالته} على واحد
وقرأ الباقون على الجمع وحجتهم أن الله جلّ وعز ذكر الرّسل
[حجة القراءات: 270]
قبله فقال {حتّى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله} وما بعده يجب أن يكون الجمع ليأتلف اللّفظ والمعنى ومن قرأ بالتّوحيد اجتزأ بالواحد عن الجميع). [حجة القراءات: 271]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (65- قوله: {رسالته} قرأ ابن كثير وحفص بالتوحيد، وفتح التاء؛ لأنه مفعول به، وقرأ الباقون بالجمع، وكسر التاء، وقد تقدَّم الكلام على ذلك في
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/449]
المائدة، والاختيار الجمع؛ لأن عليه أكثر القراء، ولأنه أدل على المعنى، لكثرة رسائل الله جل ذكره). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/450]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (49- {حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [آية/ 124] على الوحدة:-
قرأها ابن كثير و-ص- عن عاصم.
وقرأ الباقون {رِسَالاتِهِ} على الجمع.
والمعنى فيهما واحد، وقد سبق مثله). [الموضح: 501]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م 08:50 PM

سورة الأنعام
[ من الآية (125) إلى الآية (127) ]

{فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (125) وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (126) لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (127)}

قوله تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (125)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ضيّقًا حرجًا كأنّما يصّعّد... (125).
[معاني القراءات وعللها: 1/383]
قرأ ابن كثير وحده (ضيقًا) خفيفا، وفي الفرقان مثله، وكذلك روى عقبة بن سنان عن أبي عمرو.
وشددهما الباقون.
قال أبو منصور: الضّيق والضّيّق واحد، والأصل التشديد، ويكون الضّيق في غير هذا الموضع بمعنى: الشك، قال الله تعالى: (ولا تكن في ضيقٍ ممّا يمكرون)، وروى أبو عبيدة عن أبي عمرو: الضّيق: الشك، بفتح الياء، وقوله (حرجًا) قرأ نافع وأبو بكر (حرجًا) بكسر الراء، وقرأ الباقون (حرجًا).
وقال يونس: الحرج والحرج لغتان معناهما: الضّيّق.
قال أبو إسحاق: من قال (حرج) فهو بمنزلة قولك: رجل دنف بكسر النون، ومن قال (حرج) فهو بمنزلة: رجل دنف. أي: ذو دنفٍ، وكذلك قليبٌ حرج، أي: ذو حرج وضيق.
ويقال للشجر المشجر الذي لا تصل إليه الراعية لتضايقه وتكاثفه: حرج وحرجة، شبّه الله صدر الكافر بها، المعنى: أنه لا تصل إليه الحكمة). [معاني القراءات وعللها: 1/384]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (كأنّما يصّعّد في السّماء... (125).
قرأ ابن كثير (كأنّما يصعد) خفيفة، وقرأ أبو بكر عن عاصم (يصّاعد) مشددا بألف، وقرأ الباقون (يصّعّد) بالتشديد بلا ألف.
قال أبو منصور: من قرأ (يصعد) فهو من صعد يصعد.
ومن قرأ (يصّاعد) أو (يصّعّد) فالأصل يتصاعد ويتصعّد، إلا أن التاء أدغمت منهما في الصاد فشددت.
المعنى: أن قلب الكافر كأنه (يصّعّد) في السماء نتوءًا عن الإسلام والحكمة، لا يعلق به شيء منهما، وقيل معناه: أنه كأنه كلّف أن يصعد إلى السماء إذا دعي إلى الإسلام من ضيق صدره عنه). [معاني القراءات وعللها: 1/385]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (44- وقوله تعالى: {ضيقا حرجا} [125].
قرأ ابن كثير {ضيقا} خفيفًا.
وقرأ الباقون {ضيقًا} مشددًا، وكذلك في (الفرقان).
وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر {حرجا} بكسر الراء.
وقرأ الباقون بالفتح، فقال قوم: الحرج والحرج؛ لغتان مثل الدنف والدنف. وقال آخرون: الحرج: الاسم. والحرج المصدر. فالحرج: الضيق. والحرج في اللغة الضيق، ومعنى ضيقًا حرجًا: الحرج أشد الضيق، كأنه قال: ضيقًا جدًا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/169]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (45- وقوله تعالى: {كأنما يصعد في السماء} [125].
قرأ ابن كثير {يصعد} خفيفًا.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر {يصعد} بالألف وتشديد الصاد أراد: يتصاعد فأدغم.
وقرأ الباقون {يصعد} بتشديد الصاد والعين من غير ألف، أرادوا: يتصعد فأدغموا التاء في الصاد، ومعناهن واحد، كله من الصعود). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/169]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في تشديد الياء وتخفيفها من قوله عز وجل: ضيقا [الأنعام/ 125].
فقرأ ابن كثير وحده: ضيقا* ساكنة الياء، وفي الفرقان [13] مكانا ضيقا خفيفتين.
وقرأ الباقون التي في سورة الأنعام: ضيقا مشدّدة.
[الحجة للقراء السبعة: 3/399]
وكذلك روى حجّاج بن محمد الأعور عن عقبة بن سنان عن أبي عمرو ضيقا* خفيفا. أخبرني بذلك أبو بكر محمد بن عبد الله المقري، قال: حدثنا عبد الرزّاق بن الحسن قال: حدثنا أحمد بن جبير مقرئ أنطاكيّة، قال: حدثنا حجّاج الأعور، عن عقبة، عن أبي عمرو أنّه قرأ: ضيقا* خفيفا.
الضّيق والضّيّق: مثل: الميت والميّت، في أن المحذوف مثل المتمّ في المعنى، والياء مثل الواو في الحذف، وإن لم يعتلّ بالقلب، كما اعتلّت الواو به، وأتبعت الياء الواو في هذا كما أتبعتها في قولهم: اتّسر. قالوا في اتسار الجزور:
اتّسروها، فجعلت بمنزلة اتعد). [الحجة للقراء السبعة: 3/400]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في فتح الراء وكسرها من قوله عزّ وجلّ: حرجا [الأنعام/ 125].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي: حرجا مفتوحة الراء.
وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر: حرجا* مكسورة الراء.
[الحجة للقراء السبعة: 3/400]
وروى حفص عن عاصم حرجا مثل أبي عمرو.
قال أبو زيد: حرج عليه السحور، يحرج حرجا: إذا أصبح قبل أن يتسحّر، وحرم عليه حرما، وهما واحد، وحرمت على المرأة الصلاة تحرم حرما، وحرجت عليها الصلاة تحرج حرجا، وهما واحد.
وقال أبو زيد: حرج فلان يحرج حرجا، إذا هاب أن يتقدم على الأمر، أو قاتل فصبر وهو كاره.
من فتح الراء كان وصفا بالمصدر، مثل: قمن وحرى، ودنف، ونحو ذلك من المصادر التي يوصف بها، ولا يكون كبطل، لأن اسم الفاعل في الأمر العامّ من فعل إنما يجيء على فعل. ومن قرأ: حرجا* فهو مثل دنف، وفرق، ومعنى الكلمة فيما فسّر أبو زيد: الضّيق والكراهة). [الحجة للقراء السبعة: 3/401]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في تشديد العين وتخفيفها، وإدخال الألف وإخراجها من قوله عزّ وجلّ: كأنما يصعد في السماء [الأنعام/ 125].
فقرأ ابن كثير وحده: كأنما يصعد في السماء. ساكنة الصاد بغير ألف خفيفة.
[الحجة للقراء السبعة: 3/401]
وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي:
يصعد مشدّدة العين بغير ألف.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر: يصاعد بألف مشدّدة الصاد.
وروى حفص عن عاصم مشدّدة بغير ألف يصعد مثل حمزة.
قراءة ابن كثير يصعد في السماء من الصعود، والمعنى أنه في نفوره من الإسلام وثقله عليه بمنزلة من تكلّف ما لا يطيقه، كما أن صعود السماء لا يستطاع.
ومن قال: يصّعّد أراد: يتصعّد، فأدغم، ومعنى يتصعّد:
أنه كأنه يتكلف ما يثقل عليه وكأنه يتكلف شيئا بعد شيء، كقولهم: يتفوّق ويتجرّع ونحو ذلك مما يتعاطى فيه الفعل شيئا بعد شيء، ويصّاعد مثل: يتصعّد في المعنى مثل:
ضاعف وضعّف وناعم ونعّم.
فإن قلت: هل يجوز أن يكون فاعل يشرح صدره الضمير، العائد إلى من* كأنّ المهديّ يشرح صدر نفسه؟
[الحجة للقراء السبعة: 3/402]
فإن ذلك صحيح في المعنى، والأشبه أن يكون الضمير الذي فيه عائدا إلى اسم الله عزّ وجلّ لقوله: أفمن شرح الله صدره للإسلام [الزمر/ 22]، وقوله: ألم نشرح لك صدرك [الانشراح/ 1] وكذلك يكون الضمير الذي في قوله يشرح صدره لاسم الله تعالى، والمعنى أنّ الفعل مسند إلى اسم الله تعالى في اللفظ، وفي المعنى: للمنشرح صدره، وإنّما نسبه إلى ضمير اسم الله لأنّه بقوته كان وتوفيقه كما قال: وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى [الأنفال/ 17]، ويدلّك على أن المعنى لفاعل الإيمان إسناد هذا الفعل إلى الكافر في قوله: ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله [النحل/ 106]، فكما أسند الفعل إلى فاعل الكفر كذلك يكون إسناده في المعنى إلى فاعل الإيمان. ومعنى شرح الصدر: اتساعه للإيمان أو الكفر وانقياده له، وسهولته عليه، يدلّك على ذلك وصف خلاف المؤمن بخلاف الشرح الذي هو اتساع وهو قوله: ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا [الأنعام/ 125] كأنما يفعل ما يعجز عنه، ولا يستطيعه لثقله عليه وتكاؤده له.
فأما قوله: كأنما يصاعد في السماء: فمن قال: يصّاعد
[الحجة للقراء السبعة: 3/403]
ويصّعّد، فهو من المشقّة وصعوبة الشيء ومن ذلك قوله: يسلكه عذابا صعدا [الجن/ 17]. وقوله: سأرهقه صعودا [المدثر/ 17]. أي: سأغشّيه عذابا صعودا، أي عقوبة صعودا أي: شاقا. ومن ذلك قول عمر: «ما تصعّدني شيء كما تصعّدتني خطبة النكاح»، أي: ما شق عليّ شيء مشقّتها، وكأنّ ذلك لما يتكلفه الخطيب في مدحه وإطرائه للمملك، وربما لم يكن كذلك، فتحتاج إلى تطلّب المخلص، فلذلك شقّ. ومن ذلك قول الشاعر:
وإن سيادة الأقوام فاعلم... لها صعداء مطلبها شديد
فكأنّ معنى يصعد... يتكلّف
مشقة في ارتقاء
[الحجة للقراء السبعة: 3/404]
صعدا، وعلى هذا قالوا: عقبة عنوت وعنتوت، وعقبة كئود، ولا تكون السماء في هذا القول المظلّة للأرض، ولكن كما قال سيبويه: القيدود: الطويل في غير سماء، يريد به في غير ارتفاع صعدا، وعلى هذا قوله: قد نرى تقلب وجهك في السماء [البقرة/ 144].
فأما قوله: يجعل صدره ضيقا حرجا فعلى تأويلين:
أحدهما: التسمية في قوله: وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا [الزخرف/ 19]، أي: سمّوهم بذلك، فكذلك يسمى القلب ضيّقا بمحاولة الإيمان وحرجا عنه.
والآخر: الحكم كقولهم: اجعل البصرة بغداد، وجعلت حسني قبيحا، أي: حكمت بذلك، ولا يكون هذا من الجعل الذي يراد به الخلق، ولا الذي يراد به الإلقاء كقولك: جعلت متاعك بعضه على بعض، وقوله: .. ويجعل الخبيث بعضه على بعض [الأنفال/ 37]). [الحجة للقراء السبعة: 3/405]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنّما يصعد في السّماء}
قرأ ابن كثير {ضيقا} خفيفا وقرأ الباقون بالتّشديد والأصل ضييق على وزن فيعل ابن كثير حذف الياء الثّانية والباقون أدغموا الياء ولم يحذفوا من الكلمة شيئا ومثله هين وهين
قرأ نافع وأبو بكر {حرجا} بكسر الرّاء وقرأ الباقون بالفتح وهما لغتان مثل الدنف الدنف وحجّة من فتح قوله {وما جعل عليكم في الدّين من حرج} فإن قال قائل لم قال الله {صدره ضيقا} مثقلًا الجواب إن الحرج أشد الضّيق فكأنّه قال ضيق جدا
قرأ ابن كثير {كأنّما يصعد} خفيفا من صعد يصعد وحجته قوله {إليه يصعد الكلم الطّيب} وقرأ أبو بكر (يصاعد) الأصل يتصاعد فأدغم التّاء في الصّاد لقربها من الصّاد
وقرأ الباقون {يصعد} الأصل يتصعّد فأدغموا التّاء في الصّاد ومعنى يصعد ويصاعد ويصعد كله واحد). [حجة القراءات: 271]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (66- قوله: {ضيقًا} قرأ ابن كثير بالتخفيف، هنا، وفي الفرقان على حذف إحدى الياءين استخفافًا واستثقالًا لياء مشددة مكسورة، والمحذوفة هي الثانية؛ لأن بها وقع الاستثقال، ولأنها قد غيرت، فهو بمنزلة «ميت»، وقرأ الباقون بالتشديد للياء؛ لأنه الأصل، كميت، واصله ياءان أدغمت الأولى في الثانية، فالأولى زائدة، والثانية عين الفعل أصلية؛ لأنه من «ضاق يضيق» مثل «كال يكيل»، وهو الاختيار، لأنه الأصل، ولأن أكثر القراء عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/450]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (67- قوله: {حرجا} قرأ نافع وأبو بكر بكسر الراء، جعلاه اسم فاعل كفرق وحذر، ومعناه الضيق، كرر المعنى، وحسن ذلك لاختلاف اللفظ، فالمعنى: يجعل صدره ضيقًا، إنما يقال: فلان حرج أي آثم، وقرأ الباقون بفتح الراء، جعلوه مصدرًا وصف به، كـ «دنف وقمن»، قال أبو زيد: حرج عليه السحور يحرج حرجًا، إذا أصبح قبل أن يتسحر، وحكى أبو زيد: حرج فلان يحرج حرجًا، إذا هاب أن يتقدم على الأمر، أو قاتل فصبر وهو كاره، وقيل: من فتح جعله جمع حرجة، وهو ما التف من الشجر، وقد اختلف في فتح الراء وكسرها عند عمر بن الخطاب، فسأل ابن الخطاب رجلًا من
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/450]
كنانة راعيًا فقال: ما الحرجة عندكم؟ قال: الحرجة الشجرة تكون بين الأشجار، لا تصل إليه راعية ولا وحشية ولا شيء، فقال عمر: كذلك قلب المنافق، لا يصل إليه شيء من الخير، فيكون المعنى أن الله جل ذكره وصف صدر الكافر بشدة الضيق، عن وصول الموعظة إليه، ودخول الإيمان فيه، فشبهه في امتناع وصول المواعظ إليه بالجرحة، وهي الشجرة التي لا يوصل إليها لرعي ولا لغيره فهذا يدل على الفتح، وهو الاختيار لصحة معناه، لأن أكثر القراء عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/451]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (68- قوله: {كأنما يصَّعد} قرأه ابن كثير بإسكان الصاد، مخففا الصعود، وهو الطلوع، شبه الله جل ذكره الكافر في نفوره عن الإيمان، وثقله عليه بمنزلة من تكلّف ما لا يطيقه، كما أن صعود السماء لا يُطاق، وقرأ أبو بكر بالتشديد وبألف، بناه على مستقبل «تصاعد» فأدغم التاء في الصاد، واصله «تتصاعد» فهو على مثل الأول غير أنه فيه معنى فعل شيء بعد شيء، وذلك أثقل على فاعله، فهو بمعنى يتعاطى، معناه: يريد أن يفعل ما لا يطيقه، وقرأ الباقون بالتشديد، من غير ألف، وهو كالذي قبله، معناه: يتكلف ما لا يطيق شيئًا بعد شيء، كقولك: يتجرع ويتفرق). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/451]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (50- {صَدْرَهُ ضَيِّقًا} [آية/ 125] بالتخفيف:-
قرأها ابن كثير وحده، وكذلك في الفرقان {مَكَانًا ضَيِّقًا} مخففة.
الضيق والضيق مخففًا ومشددًا واحد، مثل الميت والميت، والأصل التشديد على ما تقدم في الميت، إلا أن الضيق الياءان فيه أصليان، وليس أحدهما واو كالميت، إلا أن الياء جيل مثل الواو في الحذف وإن لم يعتل بالقلب كما اعتلت الواو به، إلا أن الياء أتبعت الواو في ذلك كما أتبعتها في اتسر من اليسر أو من الإيسار، جعلت بمنزلة اتعد من الوعد.
وقرأ الباقون {ضَيِّقًا} بالتشديد، وهو الأصل). [الموضح: 501]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (51- {حَرَجًا} [آية/ 125] بكسر الراء:-
قرأها نافع وعاصم -ياش-.
[الموضح: 501]
والوجه أنه اسم الفاعل من خرج يحرج حرجًا فهو حرج، قاله أبو زيد، وهو إذا هاب أن يتقدم على الأمر، ومثله دنف يدنف دنفا فهو دنف؛ لأن اسم الفاعل من فعل بكسر العين في الأكثر إنما هو على فعل بكسر العين، والمعنى: يجعل صدره ضيقًا مبالغًا في الضيق، وقيل آثمًا، وقيل شاكًا.
وقرأ الباقون {حَرَجًا} بفتح الراء.
وهو المصدر من حرج حرجًا، وهو مصدر وصف به كدنف وقمن وحرى). [الموضح: 502]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (52- {كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [آية/ 125] بسكون الصاد: -
قرأها ابن كثير وحده.
والوجه أنه مضارع صعد، والمعنى: أنه في ثقل الإسلام عليه وتجافيه عنه، كأنه كلف أن يصعد في السماء، وصعود السماء غير مستطاع، فهو بمنزلة من طلب ما لا يستطيعه.
وقرأ الباقون {يَصَّعَّدُ} بتشديد الصاد والعين، إلا عاصمًا في رواية ياش-. فإنه قرأ {يَصَّاعَدُ} بالألف مشددة الصاد.
ووجه {يَصَّعَّدُ} أن الأصل يتصعد، فأدغمت التاء في الصاد، والمعنى أنه لثقل الإسلام عليه فكأنه يتكلف الصعود شيئًا بعد شيء، كقولهم يترقي ويترجع ونحو ذلك.
[الموضح: 502]
وأما {يَصَّاعَدُ} فهو مثل يتصعد في المعنى، وهو من باب تضاعف وتضعف). [الموضح: 503]

قوله تعالى: {وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (126)}

قوله تعالى: {لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (127)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م 09:32 PM

سورة الأنعام

[ من الآية (128) إلى الآية (131) ]
{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (128) وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (129) يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (130) ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ (131)}

قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (128)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ويوم يحشرهم جميعًا يا معشر الجنّ... (128).
قرأ عاصم في رواية حفص عنه (ويوم يحشرهم) ها هنا وفي كل القرآن إلا في موضعين: عند العشرين من الأنعام، وقبل الثلاثين
[معاني القراءات وعللها: 1/385]
من يونس، فإنه قرأهما بالنون.
وقرأ الحضرمي ثلاثة مواضع بالياء: عند العشرين من الأنعام (ويوم يحشرهم جميعًا ثم يقول) وفي الفرقان (ويوم يحشرهم فيقول) بالياء، وفي سبأ (ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة).
وسائر القرآن بالنون.
وقرأ الباقون بالنون في كل القرآن إلا ابن كثير فإنه قرأ في الفرقان (ويوم يحشرهم) بالياء.
قال أبو منصور: المعنى واحد في (نحشرهم ويحشرهم)، الله الحاشر لا شريك له). [معاني القراءات وعللها: 1/386]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): ( [قوله: ويوم بحشرهم [الأنعام/ 128].
حفص عن عاصم ويوم يحشرهم بالياء.
وقرأ الباقون بالنون.
أما الياء فلقوله: لهم دار السلام عند ربهم [الأنعام/ 127]، ويوم يحشرهم، والنون كالياء في المعنى، والذي يتعلق به اليوم: هو القول المضمر. ويقوي النون قوله:
وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا [الكهف/ 47]، وقوله: ونحشره يوم القيامة أعمى [طه/ 124] ). [الحجة للقراء السبعة: 3/406]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (69- قوله: {ويوم يحشرهم} قرأه حفص بالياء، ردَّه في الغيب على قوله: {لهم دار السلام عند ربهم} «127» وهو الثاني في
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/451]
هذه السورة ومثله الثاني في يونس وفي الفرقان: {يوم نحشرهم} ومثله في سبأ، ووافقه ابن كثير على الياء في الفرقان، وقرأ الباقون بالنون في الأربعة على الإخبار من الله جل ذكره عن نفسه، فأتى بلفظ الإخبار بعد لفظ الغيبة، وهو كثير، كما قال: {والذين كفروا بآيات الله ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي} «العنكبوت 23» ودليله قوله: {وحشرناهم} «47» وقوله: {ونحشره يوم القيامة أعمى} «طه 124»). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/452]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (53- {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ} [آية/ 128] بالياء:-
قرأها عاصم -ص- ويعقوب -ح-، وقرأ الباقون {نَحْشُرُهُمْ} بالنون، وكذلك -يس- عن يعقوب.
والمعنى فيها واحد، فالله سبحانه حاشرهم، وقد تقدم مثله). [الموضح: 503]

قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (129)}

قوله تعالى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (130)}

قوله تعالى: {ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ (131)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م 09:33 PM

سورة الأنعام

[ من الآية (132) إلى الآية (135) ]
{وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (132) وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آَخَرِينَ (133) إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآَتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (134) قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (135)}

قوله تعالى: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (132)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وما ربّك بغافلٍ عمّا يعملون (132).
في ثلاثة مواضع قرأهن ابن عامر بالتاء، وقرأ حفص والحضرمي ونافع هنا بالياء، وآخر هود وآخر النمل بالتاء، وقرأهن الباقون ثلاثتهن بالياء). [معاني القراءات وعللها: 1/390]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (49- وقوله تعالى: {بغافل عما يعملون} [132].
قرأ ابن عامر وحده بالتاء.
وقرأ الباقون بالياء، وقد ذكرته بعلته في (البقرة) ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/170]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وما ربك بغافل عمّا يعملون}
[حجة القراءات: 271]
قرأ ابن عامر {وما ربك بغافل عمّا تعملون} بالتّاء على الخطاب وقرأ الباقون بالياء وحجتهم قوله قبلها ذلك {أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون} ). [حجة القراءات: 272]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (70- قوله: {عما يعملون} قرأه ابن عامر بالتاء، حمله على الخطاب الذي بعده، وهو قوله: {إن يشأ يذهبكم} «133» وما بعده: {كما أنشأكم}، وقرأ الباقون بالياء، حملوه على الغيبة التي قبله، وهو قوله: {ولكل درجات مما عملوا} وقوله قبل ذلك: {أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلمٍ وأهلها غافلون} «131»، وهو الاختيار؛ لأن الجماعة عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/452]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (54- {وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [آية/ 132] بالتاء:-
قرأها ابن عامر وحده.
والمعنى: قل لهم {وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}، ويجوز أن يكون المراد الغائبين والمخاطبين جميعا، فغلب الخطاب على الغيبة؛ لأنهما إذا اجتمعا فالغلبة للخطاب.
وقرأ الباقون {يَعْمَلُونَ} بالياء.
والوجه أن ما قبله على الغيبة، فإجراؤه على الغيبة أولى، وذاك قوله {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا} ). [الموضح: 503]

قوله تعالى: {وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آَخَرِينَ (133)}

قوله تعالى: {إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآَتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (134)}

قوله تعالى: {قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (135)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (اعملوا على مكانتكم... (135)
قرأ عاصم في رواية أبي بكر (مكاناتكم) جماعا في كل القرآن.
وقرأ الباقون (على مكانتكم).
قال أبو منصور: المكانة والمكان يكونان موضعا لكينونة الشيء فيه.
وأخبرني المنذري عن أبي جعفر الغساني عن سلمة عن أبي عبيدة
[معاني القراءات وعللها: 1/386]
في قوله (اعملوا على مكانتكم)، أي: حيالكم وناحيتكم.
قال: وأخبرني أبو العباس عن سلمة عن الفراء قال: يقال له في قلبي منزلة، مثل قولك له في قلبي محلة وموضعة وموقعة ومكانة ومجلسة). [معاني القراءات وعللها: 1/387]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (من تكون له عاقبة الدّار... (135).
قرأ حمزة والكسائي (من يكون له) بالياء ها هنا وفي القصص.
وقرأهما الباقون بالتاء.
قال أبو منصور: من قرأ بالتاء فلتأنيث العاقبة، ومن قرأ بالياء فلأن العاقبة معناها: العقب، وهو مذكر، وكذلك ما كان من المصادر المؤنثة، يجوز تذكير فعلها، مثل: الرحمة، والعافية، وما أشبههما). [معاني القراءات وعللها: 1/387]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (46- وقوله تعالى: {اعملوا على مكانتكم} [135].
قرأ عاصم وحده في رواية أبي بكر {مكانتكم} بالجمع في كل القرآن وقرأ الباقون {مكانتكم} ومعناه: تمكنكم وأمركم وحالكم، أي أثبتوا على ذلك). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/169]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (47- وقوله تعالى: {من تكون له عاقبة الدار} [135].
قرأ حمزة والكسائي بالياء.
وقرأ الباقون بالتاء.
فمن قرأ بالتاء فلتأنيث العاقبة.
ومن قرأها بالياء فلأن تأنيثها غير حقيقي؛ ولأنك فصلت بين العاقبة وفعلها بـ "له» وكذلك اختلافهم في (القصص) ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/170]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في: الجمع والتوحيد في قوله تعالى: على مكانتكم [الأنعام/ 135].
فقرأ الجميع: على مكانتكم على الواحد، واختلف عن عاصم؛ فروى أبو بكر علي مكاناتكم جماع في كلّ القرآن.
وروى حفص عن عاصم، وشيبان النحوي عن عاصم: مكانتكم واحدة في كلّ القرآن. حدثني موسى بن إسحاق قال: حدّثنا هارون بن حاتم قال: حدّثنا عبيد الله بن موسى عن شيبان عن عاصم أنه قرأ: على مكانتكم واحدة،
وكذلك قرأ الباقون على التوحيد أيضا.
[الحجة للقراء السبعة: 3/406]
قال أبو زيد: يقال: رجل مكين عند السلطان من قوم مكناء، وقد مكن مكانة، وقال أبو عبيدة: على مكانتكم، أي: على حيالكم [وناحيتكم]، وما جاء في التنزيل من قوله: إنك اليوم لدينا مكين أمين [يوسف/ 54]، وقوله:
مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم [الأنعام/ 6]؛ يدلّ على أن المكانة: المنزلة والتّمكّن، كأنه: اعملوا على قدر منزلتكم، وتمكّنكم من دنياكم، فإنّكم لن تضرّونا بذلك شيئا، كما قال: لن يضروكم إلا أذى [آل عمران/ 111]، ومثل هذا قوله: وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم إنا عاملون [هود/ 21].
ووجه الإفراد: أنه مصدر، والمصادر في أكثر الأمر مفردة.
ووجه الجمع أنها قد تجمع كقولهم: الحلوم والأحلام.
قال:
[الحجة للقراء السبعة: 3/407]
فأمّا إذا جلسوا بالعشيّ... فأحلام عاد وأيد هضم
والأمر العام على الوجه الأول). [الحجة للقراء السبعة: 3/408]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الياء والتاء من قوله [جلّ وعزّ]: من تكون له عاقبة الدار [الأنعام/ 135]، هاهنا وفي القصص [الآية/ 37].
فقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم وابن عامر من تكون له* بالتاء. وكذلك قراءتهم في سورة القصص.
وقرأ حمزة والكسائيّ: يكون له* في الموضعين بالياء.
العاقبة: مصدر كالعافية، وتأنيثه غير حقيقي، فمن أنّث فكقوله: وأخذت الذين ظلموا الصيحة [هود/ 94]، ومن ذكّر فكقوله: وأخذ الذين ظلموا الصيحة [هود/ 67].
وكقوله: قد جاءتكم موعظة من ربكم [يونس/ 57]، فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى [البقرة/ 275]، وكلا الأمرين حسن كثير). [الحجة للقراء السبعة: 3/408]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إنّي عامل فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدّار}
قرأ أبو بكر (اعملوا على مكاناتكم) على الجمع في كل القرآن
وقرأ الباقون {على مكانتكم} أي على تمكنكم وأمركم وحالكم والتوحيد هو الاختيار لأن الواحد ينوب عن الجمع ولا ينوب الجمع عن الواحد قوله {مكانتكم} وزنه مفعلة من الكون والميم زائدة والألف منقلبة عن الواو من كان يكون مفعلة وقال قوم وزنه فعال مثل ذهاب والألف زائدة والميم أصليّة والدّليل على ذلك أن فعالا تجمعه على أفعلة تقول أمكنة ولو كان مفعلا لم يجمع على أفعلة
قرأ حمزة والكسائيّ {من يكون} بالياء وكذلك في القصص لأن تأنيثهما غير حقيقيّ العاقبة والآخر واحد وحجتهما قوله {فانظر كيف كان عاقبة مكرهم} وقوله {ثمّ كان عاقبة الّذين}
وقرأ الباقون {من تكون} بالتّاء لتأنيث العاقبة). [حجة القراءات: 272]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (71- قوله: {مكانتكم} قرأه أبو بكر بالجمع، حيث وقع، جعله جمع مكانة، وهي الحالة التي هم عليها، فلما كانوا على أحوال مختلفة من أمر دنياهم جمع، لاختلاف الأنواع وهو مصدر، فالمعنى: اعملوا على أحوالكم التي أنتم عليها، فيلس يضرنا ذلك، وفي الكلام معنى التهدد والوعيد بمنزلة قوله: {كلوا وتمتعوا قليلًا} «المرسلات 46» وقرأ الباقون بالتوحيد، لأنه مصدر يدل على القليل والكثير من صنفه، من غير جمع ولا تثنية، وأصل المصدر أن لا يثنى ولا يُجمع، لأن فائدته فائدة الفعل، إذ الفعل منه أخذ، فكما لا يجمع الفعل كذلك لا يُجمع المصدر، إلا أن تختلف أنواعه، فيشابه المفعول، فيجوز
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/452]
جمعه، وأصله أن لا يجمع، يقال: مكن الرجل مكانه، فكأنه قال: اعملوا على حالكم وأمركم في دنياكم، على التهدد والوعيد، والتوحيد أحب إلي، لأن الجماعة عليه، ولأنه أخف، وهو الأصل). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/453]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (72- قوله: {من تكون له عاقبة الدار} قرأه حمزة والكسائي بالياء، ومثله في القصص، ذكر الفعل لمّا فرّق بين المؤنث وفعله، ولأن العاقبة تأنيثها غير حقيقي، ولأنها لا ذكر لها من لفظها، وقرأهما الباقون بالتاء، على تأنيث لفظ العاقبة، وهما سواء في النظر، وقد قال الله جل ذكره: {فمن جاءه موعظة} «البقرة 275»، وقال: {قد جاءتكم موعظة} «يونس 57» وقال: {وأخذ الذين ظلموا الصيحة} «هود 67»، وقال: {وأخذت الذين ظلموا الصيحة} «هود 94» فالقراءتان متعادلتان، والتأنيث هو الأصل). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/453]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (55- {اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ} [آية/ 135] بالجمع:-
قرأها عاصم وحده -ياش- في كل القرآن.
والوجه أن جمع مكانة، وهي مصدر من مكن يمكن مكانة عند السلطان، والمصادر قد تجمع على إرادة اختلاف الأنواع، وقد جمع الحلم والعلم على الأحلام والحلوم والعلوم، وقد جمع الشغل على الأشغال، ومثل ذلك كثير.
ويجوز أن يكون مفعلة من الكون، فيكون إما مصدرًا بمعنى الكينونة، أو موضعا كما يقال مكان ومكانة ومنزل ومنزلة، فجمع على المكانات، ولا غرابة في جمعه إذا كان غير مصدر.
وقرأ الباقون {مَكَانَتِكُمْ} على الوحدة.
والوجه أن من جعله مصدرًا فالأولى أن لا يجمعه؛ لأن المصادر تفرد ولا تجمع في الأمر العام، ومن جعله اسما غير مصدر كان وإن كان واحدا يؤدي معنى الجمع؛ لأنه لما أضيف إلى الجمع علم أنه جمع، والمعنى ليعمل كل واحد منكم على مكانته). [الموضح: 504]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (56- {مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ} [آية/ 135] بالياء: -
قرأها حمزة والكسائي.
[الموضح: 504]
والوجه أن تأنيثه غير حقيقي، فلهذا يمر كقوله تعالى {وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ} ثم إنه قد فصل بين الفعل وبين فاعله بقوله {لَهُ} فحسن التذكير، وقد مضى مثله.
وقرأ الباقون بالتاء فوقها نقطتان ههنا وفي القصص.
والوجه أن التاء لتأنيث اللفظ، فالعاقبة مصدر مؤنث لمكان تاء التأنيث فيه، وإذا كان مؤنث اللفظ أنث فعله، كقوله تعالى {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ} ). [الموضح: 505]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م 09:35 PM

سورة الأنعام

[ من الآية (136) إلى الآية (137) ]
{وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (136) وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (137)}

قوله تعالى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (136)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (هذا للّه بزعمهم... (136).
قرأ الكسائي وحده (بزعمهم) بضم الزاي في الحرفين.
[معاني القراءات وعللها: 1/387]
وقرأ الباقون (بزعمهم).
قال أبو منصور: وهما لغتان: زعم وزعم). [معاني القراءات وعللها: 1/388]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (48- وقوله تعالى: {هذا لله بزعمهم} [136].
قرأ الكسائي وحده {بزعمهم}.
وقرأ الباقون بالفتح. وفيه لغة ثالثة لم يقرأ بها أحد (زعم) بكسر الزاي.
وأخبرني ابن مجاهد رحمه الله عن السمري عن الفراء قال: الفَتك والفُتك ثلاث لغات بمعنى، وكذلك الزعم والزعم والزعم بمعنى). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/170]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح الزاي في قوله تعالى: بزعمهم [الأنعام/ 136] وضمّها.
فقرأ الكسائيّ وحده بزعمهم* مضمومة الزاي.
وقرأ الباقون: بزعمهم مفتوحة الزاي.
القول فيه أنهما لغتان.
وقرأ ابن عامر وحده: وما ربك بغافل عما تعملون [النمل/ 93] بالتاء، وقرأ الباقون بالياء). [الحجة للقراء السبعة: 3/409]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({هذا لله بزعمهم}
قرأ الكسائي {بزعمهم} بضم الزّاي وقرأ الباقون بالفتح وهما لغتان). [حجة القراءات: 273]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (73- قوله: {بزعمهم} قرأه الكسائي بضم الزاي، وفتح الباقون، وهما لغتان مشهورتان، وقد قيل: من فتحه جعله مصدرًا، ومن ضمه جعله اسمًا كالنَّصَب والنَّصْب). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/453]

قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (137)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وكذلك زيّن لكثيرٍ من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ... (137).
قرأ ابن عامر وحده ((وكذلك زيّن لكثيرٍ من المشركين قتل أولادهم شركائهم بضم الزاي، ورفع اللام من (قتل)، ونصب الدال (أولادهم)، (شركائهم) خفضا بالياء.
وقرأ الباقون (زيّن لكثيرٍ من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم) بفتح الزاي، واللام من (قتل)، ورفع الشركاء، وكسر الدال.
قال أبو منصور: أما قراءة ابن عامر فهي متروكة؛ لأنها لا تجوز إلا على التقديم والتأخير الذي قاله الشاعر، كان غير جيد ولا حسن.
[معاني القراءات وعللها: 1/388]
والمعنى على قراءته: زيّن لكثير من المشركين قتل شركائهم أولادهم.
وأنشد الفراء في مثله:
فزججتها متمكنًا... زجّ القلوص أبي مزاده
أراد: أبي مزادة القلوص.
قال أبو منصور: وهذا عند الفصحاء رديٌّ جدًّا، ولا يجوز عندي القراءة بها.
وأما قراءة العامة التي اجتمع عليها القراء فهي الجيدة البالغة بفتح الزاي، واللام من قتل، والرفع في (شركاؤهم)، فزين: فعل ماضٍ و(شركاؤهم) فاعلون، و(قتل) منصوب بالفعل.
والرفع في قوله (شركاؤهم) على تكرير الفعل، والمعنى: زينه شركاؤهم، فأضمره). [معاني القراءات وعللها: 1/389]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (50- وقوله تعالى: {وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركآءهم} [137].
فالأولاد في موضع نصب. وشركاؤهم: يرتفعون بفعلهم، وفعلهم التزيين. والتقدير: وكذلك زين شركاؤهم أن قتل كثير من المشركين أولادهم فهذه قراءة الناس كلهم إلا أهل الشام فإنهم قرأوا: {وكذلك زين} بضم الزاي {قتل} بالرفع {أولادهم} بالنصب {شركائهم} بالخفض على تقدير: قتل شركائهم أولادهم ففرقوا بين المضاف والمضاف إليه كما قال الشاعر:
فزجحتها متمكنا = زج القلوص أبي مزاده
أراد: زج أبي مزادة القلوص). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/171]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله [جلّ وعزّ]، وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم [الأنعام/ 137].
فقرأ ابن عامر وحده وكذلك زين* برفع الزاي لكثير من المشركين قتل برفع اللام، أولادهم* بنصب الدال، شركايهم* بياء.
وقرأ الباقون: زين بفتح الزاي لكثير من المشركين قتل بنصب اللام، أولادهم خفض شركاؤهم رفع.
[الحجة للقراء السبعة: 3/409]
الشركاء على قول العامة فاعل زين وهو مثل: لا ينفع نفسا إيمانها [الأنعام/ 158]، لمّا تقدم ذكر المشركين كنّى عنهم في قوله: شركاؤهم كما أنه لما تقدم ذكر النفس وإبراهيم في قوله لا ينفع نفسا إيمانها وإذ ابتلى إبراهيم ربه [البقرة/ 124] كنّى عن الاسمين المتقدم ذكرهما. وقتل أولادهم مفعول زين، وفاعل زين شركاؤهم، ولا يجوز أن يكون الشركاء فاعل المصدر الذي هو القتل كقوله: ولولا دفاع الله الناس [البقرة/ 251]، لأنّ زين حينئذ يبقى بلا فاعل، ولأن الشركاء ليسوا قاتلين، إنما هم مزيّنون القتل للمشركين، وأضيف المصدر الذي هو القتل إلى المفعولين الذين هم الأولاد، كقوله: لا يسأم الإنسان من دعاء الخير [فصلت/ 49] ونحو ذلك مما يحذف معه الفاعلون والمعنى: قتلهم أولادهم، فحذف المضاف إليه الذي هو الفاعل، كما حذف ضمير الإنسان في قوله من دعاء الخير. والمعنى: من دعائه الخير. وأما قول ابن عامر: وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركائهم، فإن الفعل المبنيّ للمفعول به، أسند إلى القتل فاعمل المصدر عمل الفعل، وأضافه إلى الفاعل، ونظير ذلك قوله: ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض فاسم الله فاعل، كما أنّ الشركاء فاعلون، والمصدر مضاف إلى الشركاء الذين هم فاعلون، والمعنى: قتل شركائهم أولادهم، ففصل بين المضاف والمضاف إليه، بالمفعول به،
[الحجة للقراء السبعة: 3/410]
والمفعول به مفعول المصدر، وهذا قبيح قليل في الاستعمال، ولو عدل عنها إلى غيرها كان أولى، ألا ترى أنه لم يفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف في الكلام وحال السعة، مع اتساعهم في الظروف حتى أوقعوها مواقع لا يقع فيها غيرها نحو: إن فيها قوما جبارين [المائدة/ 22].
ونحو:
.. للهجر حولا كميلا ونحو قوله:
فلا تلحني فيها فإنّ بحبّها... أخاك مصاب القلب جمّ بلابله
[الحجة للقراء السبعة: 3/411]
ألا ترى أنه قد فصل بين أنّ واسمها بما يتعلق بخبرها، ولو كان بغير الظرف لم يجز ذلك، ألا ترى أنهم لا يجيزون: إن زيدا عمرا ضارب، إذا نصبت زيدا بضارب، فإذا لم يجيزوا الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف في الكلام، مع اتساعهم في الظرف في الكلام، وإنما جاز في الشعر كقوله:
كما خطّ الكتاب بكفّ يوما... يهوديّ...
كان لا يجوز في المفعول به الذي لم يتّسع فيه بالفصل، به أجدر.
ووجه ذلك على ضعفه وقلة الاستعمال أنه قد جاء في الشعر الفصل على حدّ ما قرأه، قال الطّرمّاح:
[الحجة للقراء السبعة: 3/412]
يطفن بحوزيّ المراتع لم يرع... بواديه من قرع القسيّ الكنائن
وزعموا أن أبا الحسن أنشد:
زجّ القلوص أبي مزادة
وهذان البيتان مثل قراءة ابن عامر، ألا ترى أنه قد فصل فيهما بين المصدر والمضاف إليهما، كما فصل ابن عامر بين المصدر، وما حكمه أن يكون مضافا إليه؟ وذكر سيبويه في هذه الآية قراءة أخرى، وهي: وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم، وحمل الشركاء فيها على فعل مضمر غير هذا الظاهر.
[كأنه لما قيل: وكذلك زين لكثير من المشركين].
قيل: من زيّنه؟؛ فقال: زيّنه شركاؤهم. قال: ومثل ذلك قوله:
[الحجة للقراء السبعة: 3/413]
ليبك يزيد ضارع لخصومة... ومختبط ممّا تطيح الطوائح
كأنّه لما قال: ليبك يزيد، دلّ على أن له باكيا، فقال: يبكيه ضارع، ومثل هذه الآية على هذه القراءة قوله: يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال [النور/ 36]، كأنّه لما قال:
يسبح* فدلّ على يسبح فقيل له: من يسبحه؟ قال: يسبّحه رجال). [الحجة للقراء السبعة: 3/414]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أبي عبد الرحمن السلمي: [وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلُ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ].
قال أبو الفتح: يحتمل رفع شركاء تأويلين:
أحدهما: وهو الوجه؛ أن يكون مرفوعًا بفعل مضمر دل عليه قوله: [زُين]؛ كأنه لما قال: زُين لكثير من المشركين قتلُ أولادهم، قيل: مَن زينه لهم؟ فقيل: زينه لهم شركاؤهم، فارتفع الشركاء بفعل مضمر دل عليه [زُين]، فهو إذن كقولك: أُكل اللحمُ زيدٌ، ورُكِبَ
[المحتسب: 1/229]
الفرسُ جعفرٌ، وترفع زيدًا وجعفرًا بفعل مضمر دل عليه هذا الظاهر، وإياك وأن تقول: أنه ارتفع بهذا الظاهر؛ لأنه هو الفاعل في المعنى لأمرين:
أحدهما: أن الفعل لا يرفع إلا الواحد فاعلًا أو مفعولًا أقيم مقام الفاعل، وقد رفع هذا الفعل ما أقيم مقام فاعله وهو [قَتْلُ أَوْلادِهِمْ]، فلا سبيل له إلى رفع اسم آخر على أنه هو الفاعل في المعنى؛ لأنك إذ انصرفت بالفعل نحو إسنادك إياه إلى المفعول لم يجز أن تتراجع عنه فتسنده إلى الفاعل؛ إذ كان لكل واحد منهما فعل يخصه دون صاحبه، كقولك: ضَرَب وضُرِب، وقَتَل وقُتِلَ، وهذا واضح.
والآخر: أن الفاعل عندنا ليس المراد به أن يكون فاعلًا في المعنى دون ترتيب اللفظ، وأن يكون اسمًا ذكرته بعد فعل وأسندته ونسبته إلى الفاعل؛ كقام زيد وقعد عمرو. ولو كان الفاعل الصناعي هو الفاعل المعنوي للزمك أن تقول: مررت برجلٌ يقرأ، فترفعه لأنه قد كان يفعل شيئًا وهو القراءة، وأن تقول: رأيت رجلٌ يحدث، فترفعه بحديثه، وأن تقولم في رفع زيد من قولك: زيد قام: إنه مرفوع بفعله؛ لأنه الفاعل في المعنى؛ لكن طريق الرفع في [شركاؤهم] هو ما أَريتك من إضمار الفعل له لترفعه به، ونحوه ما أنشده صاحب الكتاب من قول الشاعر:
لِيُبْك يزيد ضارِعٌ لخصومة ... ومُخْتبِطٌ مما تُطيح الطوائح
كأنه لما قال: ليبك يزيد، قيل: مَن يبكيه؟ فقال: ليبكه ضارع لخصومة، والحمل على المعنى كثير جدًّا، وقد أفردنا له فصلًا في جملة شجاعة العربية من كتابنا الموسوم بالخصائص.
فهذا هو الوجه المختار في رفع الشركاء وشاهده في المعنى قراءة الكافة: {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ}، ألا ترى أن الشركاء هم المزيِّنون لا محالة؟
وأما الوجه الآخر: فأجازه قطرب؛ وهو أن يكون الشركاء ارتفعوا في صلة المصدر الذي هو القتل بفعلهم، وكأنه: وكذلك زُين لكثير من المشركين أنْ قَتَلَ شركاؤهم أولادَهم، وشبهه بقوله: حُبِّبَ إليَّ ركوبُ الفرس زيدٌ؛ أي: أن ركب الفرسَ زيدٌ. هذا -لعمري- ونحوه صحيح المعنى، فأما الآية فليست منه، بدلالة القراءة المجتمع عليها، وأن المعنى أن المزيِّن هم الشركاء، وأن القاتل هم المشركون، وهذا واضح). [المحتسب: 1/230]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة إبراهيم: [وَلِيَلْبَسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ] بفتح الباء.
قال أبو الفتح: المشهور في هذا لَبِست الثوب أَلْبَسه، ولَبَست عليهم الأمر أَلْبِسُه.
فأما أن تكون هذه لغة لم تتأد إلينا: لبِست عليهم الأمر ألبَسه، في معنى لبَسته ألبِسه.
وإما أن تكون غير هذا؛ وهو أن يراد به شدة المخالطة لهم في دينهم، فالاعتراض فيه بينه وبينهم ليشكُّوا فيه ولا يتمكنوا من التفرد به، كما أن لابس الثوب شديد المماسة له والالتباس به، فيقول على هذا: لبِست إليك طاعتَك، واشتملْتُ الثقة بك؛ أي: خالطت هذه الأشياء وماسستها؛ تحققًا بها وملابسة لها، وعليه قول القُلاخ السعدي:
نكسوهُم مخشونَةً لِبَاسًا
يعني: السيوف. وقد مر به لفظًا ألبتة شاعرنا فقال:
وإنا إذا ما الموت صرَّح في الوغى ... لَبِسنا إلى حاجاتنا الضرب والطعنا
فإما أن يكون هذا الشاعر نظر إلى هذه القراءة، وإما أن يكون أراد المراد بها فسلك سنة قارئها، فاعرف ذلك ولا تقل ما يقوله من ضعفت نحيزته، ورَكَّت طريقته: هذا شاعر مُحْدث، وبالأمس كان معنا، فكيف يجوز أن يحتج به في كتاب الله جل وعز؟ فإن المعاني لا يرفعها تقدُّم، ولا يُزري بها تأخر. فأما الألفاظ فلعمري إن هذا الموضع معتبرٌ فيها، وأما المعاني ففائتة بأَنفسها إلى مغرسها، وإذا جاز لأبي العباس أن يحتج بأبي تمام في اللغة كان الاحتجاج في المعاني بالمولَّد الآخر أشبه). [المحتسب: 1/231]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم}
قرأ ابن عامر (وكذلك زين) بضم الزّاي {قتل} بالرّفع أولادهم نصب {شركائهم} بالخ {زين} على ما لم يسم فاعله {قتل} اسم ما لم يسم فاعله {أولادهم} نصب بوقو الفعل عليهم {شركائهم} جر بالإضافة على تقدير قتل شركائهم أولادهم ففرق بين المضاف والمضاف إليه وحجته قول الشّاعر:
فزججتها متمكنًا ... زج القلوص ابي مزاده
أراد زج أبي مزادة القلوص وأهل الكوفة يجوزون الفرق بين المضاف والمضاف إليه
وقرأ الباقون {وكذلك زين} بفتح الزّاي {قتل} نصب أولادهم جر {شركاؤهم} رفع وهم الفاعلون والتّقدير وكذلك زين شركاؤهم أن قتل كثير من المشركين أولادهم
[حجة القراءات: 273]
قال الزّجاج {شركاؤهم} ارتفعوا بتزيينهم ويقال إن هؤلاء المزينين كانوا يخدمون الأوثان وقيل شركاؤهم شياطينهم). [حجة القراءات: 274]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (74- وقوله: {زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم} قرأ ابن عامر «زين» بضم الزاي، على ما لم يسم فاعله «قتل» بالرفع، على أنه مفعول لم يسم فاعله «أولادهم» بالنصب أعمل فيه القتل، «شركائهم» بالخفض على إضافة القتل إليهم، لأنهم الفاعلون، فأضاف الفعل إلى فاعله، على ما يجب في الأصل لكنه فرَّق بين المضاف والمضاف إليه، فقدم المفعول، وتركه منصوبًا على حاله، إذ كان متأخرًا في المعنى، وأخر المضاف، وتركه مخفوضًا، على حاله،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/453]
إذ كان متقدمًا بعد القتل، وهذه القراءة فيها ضعف، للتفريق بين المضاف والمضاف إليه لأنه إنما يجوز مثل هذا التفريق في الشعر، وأكثر ما يجوز في الشعر مع الظروف لاتساعهم في الظروف، وهو في المفعول به في الشعر بعيد، فإجازته في القرآن أبعد، وقرأ الباقون بفتح الزاي على ما يسمى فاعله، ونصبوا «قتل» بـ «زين» وخفضوا «الأولاد» لإضافة «قتل» إليهم، أضافوه إلى المفعول، ورفعوا «الشركاء» بفعلهم التزيين، فهو الأصل، والمصدر يضاف إلى المفعول به، أو إلى الفاعل، بفعلهم التزيين، فهو الأصل، والمصدر يضاف إلى المفعول به، أو إلى الفاعل، وأصله أن يضاف إلى الفاعل؛ لأنه هو أحدثه، ولأنه لا يُستغنى عنه، ويستغنى عن المفعول، وإنما جاز أن يضاف إلى المفعول كما جاز أن يقوم المفعول مقام الفاعل، ولا يحسن أن يرتفع «الشركاء» بالقتل؛ لأنه يبقى «زين» بغير فاعل، و«الشركاء» ليسوا قاتلين، إنما هم مزينون، إنما القاتلون المشركون، زين لهم شركاؤهم الذين يعبدونهم قتلهم أولادهم، فالمعنى: قتلهم أولادهم، ثم حذف المضاف إليه، وهو الفاعل، وأقيم «الأولاد» وهم مفعول بهم، مقام الفاعل، كما قال تعالى: {لا يسأم الإنسان من دعاء الخير} «فصلت 49»، أي: من دعائه الخير، فالهاء فاعلة «الدعاء»، فحذفت وأقيم «الخير» مقامها، فخفض بالإضافة، فهذه القراءة هي الاختيار، لصحة الإعراب فيها ولأن عليها الجماعة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/454]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (58- {وَكَذَلِكَ زُيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَائِهِمْ}: بضم الزاي {قَتْلَ} رفعًا، {أَوْلادَهُمْ} نصبًا، {شُرَكَائِهِمْ} خفضًا. [آية/ 137]:
قرأها ابن عامر وحده.
[الموضح: 505]
والوجه أنه بنى الفعل للمفعول، وأسنده إلى القتل، وأعمل القتل الذي هو مصدر عمل الفعل، وأضافه إلى الشركاء، وهو فاعل، ونصب الأولاد؛ لأنه مفعول به، وفصل بالأولاد بين المضاف والمضاف إليه، والتقدير: زين لهم قتل شركائهم أولادهم، فقدم وأخر، وهو قبيح، قليل في الاستعمال؛
[الموضح: 506]
للفصل بين المضاف والمضاف إليه، ومثله لم يجيء في حال السعة، بل جاء في الشعر، قال:
32- كما خط الكتاب بكف -يومًا- = يهودي يقارب أو يزيل
أراد بكف يهودي يومًا، ففصل بالظرف بين المضاف والمضاف إليه.
ومثل الآية سواء في اللفظ قول الشاعر:
33- فزججتها متمكنًا = زج -القلوص- أبي مزاده
أراد زج أبي مزادة القلوص، فقدم وأخر وفصل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول به، كما في الآية.
وقرأ الباقون {زَيَّنَ} بفتح الزاي والياء، {قَتْلَ} بنصب اللام {أَوْلادِهِمْ} بالخفض {شُرَكَاؤُهُمْ} بالرفع.
[الموضح: 507]
والوجه أن الشركاء على هذا فاعل {زَيَّنَ}، {قَتْلَ أَوْلادِهِمْ} منصوب بأنه مفعول {زَيَّنَ}، والتقدير: زين لكثير من المشركين شركاؤهم قتل أولادهم، فأخر الفاعل وقدم المفعول به، وهذا هو الأشهر.
ويجوز أن يكون زين فعل الشيطان، والمعنى كما زين الشيطان للكفار عبادة الأصنام وبخس حق الله وتوفير ما جعلوه للأصنام، فكذلك زين لكثير منهم وأد البنات وقتل البنين للنذور، فقوله على هذا {قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ} على إعمال المصدر عمل الفعل، و{شُرَكَاؤُهُمْ} فاعل المصدر الذي هو القتل و{أَوْلادِهِمْ} مفعول به أضاف المصدر إليه، والتقدير: أن قتل شركاؤهم أولادهم، كما تقول: عجبت من ضرب عمرو زيد، أي من أن ضرب عمرًا زيد، أضفت المصدر إلى المفعول به، كما تضيفه إلى الفاعل، والشركاء على ما قيل قوم كانوا يخدمون الأصنام). [الموضح: 508]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م 09:37 PM

سورة الأنعام
[ من الآية (138) إلى الآية (140) ]

{وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (138) وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (139) قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (140)}

قوله تعالى: {وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (138)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أُبي بن كعب وابن مسعود وابن عباس وابن الزبير والأعمش وعكرمة وعمرو بن دينار: [حَرْثٌ حِرْج]، وقراءة الناس: {حِجْرٌ} .
قال أبو الفتح: قد قدمنا في كتابنا الخصائص صدرًا صالحًا من تقلب الأصل الواحد والمادة الواحدة إلى صور مختلفة يَخْطِمها كلها معنى واحد، ووسمناه بباب الاشتقاق الأكبر،
[المحتسب: 1/231]
نحو: ك ل م، ك م ل، م ل ك، م ك ل، ل ك م، ل م ك، وإنها مع التأمل لها ولين مَعطِف الفكر إليها آئلة إلى موضع واحد ومترامية نحو غرض غير مختلف، كذلك أيضًا يقال: ح ج ر، ج ر ح، ح ر ج، ر ج ح، ج ح ر. وأما ر ح ج فمهمل فيما علمنا، فالتقاء معانيها كلها إلى الشدة والضيق والاجتماع، من ذلك الحِجْر وما تصرف منه، نحو: انحجر، واستحجر الطين، والحُجرة وبقيته، وكله إلى التماسك في الضيق. ومنه الحرَج: الضيق، والحِرْج مثله، والْحَرجَةُ: ما التف من الشجر فلم يكن دخوله، ومنه الْحُجر وبابه لضيقه، ومنه الْجَرْح لمخالطة الحديد للحم وتلاحمه عليه، ومنه رجح الميزان؛ لأنه مال أحد شقيه نحو الأرض؛ فقرب منها، وضاق ما كان واسعًا بينه وبينها.
فإن قلت: فإنه إذا مال أحدهما إلى الأرض فقد بعُد الآخر منها، قيل: كلامنا على الراجح، والراجح هو الداني إلى الإرض. فأما الآخر فلا يقال له: راجح، فليزم ما ألزمته، وإذا ثبت ذلك -وقد ثبت- فكذلك قوله تعالى: [حَرثٌ حِرْج] في معنى {حِجْر}، معناه عندهم: أنها ممنوعة محجورة أن يَطْعَمَها إلا من يشاءون أن يُطعموه إيَّاها بزعمهم). [المحتسب: 1/232]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (57- {بِزُعْمِهِمْ} [آية/ 139] مضمومة الزاي:-
قرأها الكسائي وحده، وكذلك الحرف الآخر، وقرأ الباقون {بِزَعْمِهِمْ} مفتوحة الزاي في الحرفين.
والوجه أن الزعم والزعم لغتان). [الموضح: 505]

قوله تعالى: {وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (139)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جل وعزّ: (وإن يكن ميتةً... (139).
قرأ ابن كثير (وإن تكن ميتةٌ) بالياء والرفع في (ميتةٌ).
وقرأ ابن عامر (وإن تكن) بالتاء (ميتةٌ) رفعًا أيضًا، وروى الأعشى عن أبي بكر (وإن يكن) بالياء (ميتةً) نصبا مثل رواية حفص.
وفي رواية يحيى بن آدم (وإن تكن ميتةً) بالتاء والفتح في (ميتةً).
وقرأ الباقون (وإن يكن ميتةً) نصبا.
[معاني القراءات وعللها: 1/390]
قال أبو منصور: من قرأ (وإن يكن) بالياء، والرفع في (ميتةٌ) فالتذكير على المعنى، كأنه أريد بالميتة شيء من الميتات.
وقد قيل: إن التذكير لأن (كان) مكتفية ها هنا.
ومن قرأ (وإن تكن ميتة) بالتاء فهو جيد بالغ؛ لأن الميتة مؤنثة.
ومن قرأ (وإن يكن ميتة) جعل (يكن) للفظ (ما)، ونصب (ميتةً)؛ لأنه خبر كان). [معاني القراءات وعللها: 1/391]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (51- وقوله تعالى: {إن يكن ميتة} [139].
قرأ ابن عامر {تكن} بالتاء {ميتة} بالرفع.
وقرأ ابن كثير {يكن} بالياء و{ميتة} بالرفع أيضًا.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر {تكن} بالتاء {ميتة} بالنصب.
وقرأ الباقون {يكن} بالياء و{ميتة} نصبًا. فمن نصب جعلها خبر
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/171]
«كان» والاسم المضمر في «ما» في قوله: {وقالوا ما في بطون هذه الأنعام} فلذلك ذكر الفعل للفظ «ما» ومن أنث الفعل ونصبه رده على معنى «ما»، أو على الأنعام ومن رفع {ميتة} جعل «تكن» تحدث وتقع، أيك إلا أن تقع ميتة). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/172]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الياء والتاء من قوله [جلّ وعزّ]: [وإن يكن ميتة في الرفع والنصب] [الأنعام/ 139].
فقرأ ابن كثير: وإن يكن بالياء ميتة* رفعا خفيفا.
وقرأ ابن عامر: وإن تكن بالتاء، ميتة* رفعا.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر [وإن تكن] بالتاء، ميتة نصبا، وروى حفص عنه بالياء ميتة نصبا.
وقرأ نافع، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائيّ: يكن بالياء، ميتة نصبا.
[الحجة للقراء السبعة: 3/414]
قراءة ابن كثير: وإن يكن بالياء، ميتة* رفعا، أنه لم يلحق الفعل علامة التأنيث لمّا كان الفاعل المسند إليه تأنيثه غير حقيقي، ولم يجعل في يكن شيئا.
والمعنى: وإن وقع ميتة، أو حدث ميتة.
وألحق ابن عامر الفعل علامة التأنيث، لما كان الفاعل في اللفظ مؤنثا، وأسند الفعل إلى الميتة، كما فعل ذلك ابن كثير.
وأما قراءة أبي عمرو ومن تبعه وإن يكن ميتة فإنه ذكّر الفعل لأنه مسند إلى ضمير ما تقدم في قوله: ما في بطون هذه الأنعام [الأنعام/ 139]، وهو مذكّر، وانتصب الميتة لما كان الفعل مسندا إلى الضمير، ولم يسنده إلى الميتة، كما فعل ابن كثير وابن عامر.
وأما قراءة عاصم في رواية أبي بكر، تكن* بالتاء.
ميتة فإنّه أنّث، وإن كان المتقدم مذكرا لأنه حمله على المعنى، وما في بطون الأنعام حوران فحمل على المعنى كما قالوا: ما جاءت حاجتك، فأنث الضمير لمّا كان في المعنى حاجة.
ورواية حفص يكن بالياء، ميتة على لفظ المتقدم الذي هو مذكر). [الحجة للقراء السبعة: 3/415]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن عباس بخلاف والأعرج وقتادة وسفيان بن حسين: [خالِصَةً].
وقرأ: [خالصًا] سعيد بن جبير.
وقرأ: [خالِصُه] ابن عباس بخلاف والزهري والأعمش وأبو طالوت.
وقرأ: [خالِصٌ] ابن عباس وابن مسعود والأعمش بخلاف.
قال أبو الفتح: أما قراءة العامة: {خَالِصَةٌ} فتقديره: ما في بطون هذه الأنعام خالصة لنا؛ أي: خالص لنا، فأنث للمبالغة في الخلوص، كقولك: زيد خالِصَتِي، كقولك: صَفِيِّي وثقتي؛ أي: المبالغ في الصفاء والثقة عندي، ومنه قولهم: فلان خاصَّتي من بين الجماعة؛ أي: خاصِّي الذي يخصني، والتاء فيه للمبالغة وليكون أيضًا بلفظ المصدر، نحو: العاقبة والعافية، والمصدر إلى الجنسية، فهي أعم وأوكد.
ويدلك على إرادة اسم الفاعل هنا -أي: خالص- قراءة سعيد بن جبير [خَالِصًا]، وعليه
[المحتسب: 1/232]
القراءة الأخرى: [خَالِصٌ لذكورنا]، والقراءة الأخرى: [خالِصُه لِذكورنا]، ألا تراه اسم فاعل وإن كان مضافًا؟ لكن الكلام في نصب خَالِصًا وخالِصةً، وفيه جوابان:
أحدهما: أن يكون حالًا من الضمير في الظرف الجاري صلة على "ما"، كقولنا: الذي في الدار قائمًا زيد.
والآخر: أن يكون حالًا من "ما" على مذهب أبي الحسن في إجازته تقديم الحال على العامل فيها إذا كان معنى بعد أن يتقدم صاحب الحال عليها، كقولنا: زيد قائمًا في الدار.
واحتج في ذلك بقول الله تعالى: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}، فيجوز على هذا في العربية لا في القراءة؛ لأنها سنة لا تُخالَف [وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٍ بِيَمِينِهِ].
فإن قلت: فهل يجوز أن يكون [خالصًا] "وخالصةً" حالًا من الضمير في لنا؟ قيل: هذا غير جائز؛ وذلك أنه تَقدَّم على العامل فيه وهو معنى وعلى صاحب الحال، وهذا ليس على ما بَيَّنَا.
ولا يجوز أن يكون "خالصةً" حالًا من الأنعام؛ لأن المعنى ليس عليه، ولعزَّة الحال من المضاف إليه). [المحتسب: 1/233]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء}
قرأ ابن عامر (وإن تكن) بالتّاء {ميتة} رفع وتكن بمعنى الحدوث والوقوع أي وإن تقع أو تحدث ميتة
وقرأ ابن كثير {وإن يكن} بالياء {ميتة} رفع جعل أيضا يكن بمعنى الوقوع إلّا أنه ذكر الفعل لأن تأنيث الميتة غير حقيقيّ فلذلك ذكر الفعل
وقرأ أبو بكر وإن تكن بالتّاء ميتة نصب المعنى وإن تكن تلك الحمول الّتي في البطون ميتة ويجوز أن ترد على الأنعام أو على معنى ما ولك أن ترجع عن لفظ ما ومن إلى معناهما ومن معناهما إلى لفظهما لأن لفظهما واحد ومعناهما الجمع والتأنيث وقد جاء في التّنزيل حرف قد حمله على اللّفظ ثمّ رجع إلى المعنى ثمّ حمله ثانيًا على اللّفظ وهو قوله {ومن يؤمن باللّه ويعمل صالحا يدخله جنّات} فوحد وحمله على اللّفظ ثمّ قال {خالدين فيها أبدا} فجمع على المعنى ثمّ قال {قد أحسن الله له رزقا} فرجع بعد الجمع إلى التّوحيد وحمله أيضا على التّوحيد وكذلك قوله هنا {وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا} على معنى ما {ومحرم} مذكّر بعد مؤنث على لفظ ما فهو حرف ثان وهو حسن
[حجة القراءات: 274]
وقرأ نافع وأبو عمرو وحمزة الكسائي وحفص {وإن يكن} بالياء {ميتة} نصب جعلوها خبر كان والاسم المضمر في {يكن} ردّوه على لفظ ما المعنى وإن يكن في في البطون ميتة وإن يكن الّذي في البطون ميتة قال أبو عمرو الوجه {يكن} بالياء لقوله {فهم فيه} ولم يقل فيها). [حجة القراءات: 275]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (75- قوله: {وإن يكن ميتة} قرأ أبو بكر وابن عامر «وإن تكن» بالتاء، وقرأ الباقون بالياء، وقرأ ابن كثير وابن عامر «ميتة» بالرفع، وقرأ الباقون بالنصب.
وحجة من قرأ بالتاء ورفع «الميتة»، وهو ابن عامر، أنه أنَّث لتأنيث لفظ
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/454]
«الميتة» وجعل «كان» بمعنى «حدث ووقع» تامة، لا تحتاج إلى خبر، فرفع «ميتة» بفعلها.
76- وحجة من قرأ بالياء ورفع «ميتة» وهو ابن كثير، أنه ذكر لما كان تأنيث «الميتة» غير حقيقي، ولأن «ميتة وميتا» بمعنى، وجعل «كان» تامة غير محتاجة إلى خبر، بمعنى «حدث ووقع»، فرفع «ميتة» بها كالأول.
77- وحجة من قرأ بالياء والنصب، وعليه أكثر القراء، وهو الاختيار أنه ذكر الفعل لتذكير «ما» في قوله: {ما في بطون} لأن الفعل لـ «ما» وجعل «كان» ناقصة، تحتاج إلى خبر، فأضمر فيها اسمها، وهو ضمير «ما» في قوله: {وقالوا ما في بطون} ونصب «ميتة» على خبر «كان» والتقدير: وإن يكن ما في بطون الأنعام ميتة فهم في أكله شركاء.
78- وحجة من قرأ بالتاء ونصب «ميتة» وهو أبو بكر أنه أنَّث، لتأنيث معنى «ما» لأنها هي «الميتة» في المعنى، فـ «ما» في المعنى مؤنثة، ألا ترى أن الخبر عنها مؤنث، في قوله: {خالصة}، فلما كانت «كان» تدخل على الابتداء والخبر، وهو الابتداء أنَّث لفظ الفعل حملًا على معنى «ما»، وصيّر ما في كان اسم كان و«ميتة» خبرها). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/455]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (59- {وَإِنْ تَكُنْ} [آية/ 139] بالتاء:-
قرأها ابن عامر وعاصم ياش -.
والوجه أنه ألحق الفعل علامة التأنيث؛ لأن الفاعل مؤنث في اللفظ، وهو قوله {مَيْتَةً} لمكان تاء التأنيث الذي فيه والفعل (مسند) إلى الميتة.
وقرأ الباقون {وَإِنْ يَكُنْ} بالياء.
والوجه أنه لما كان تأنيث الفاعل الذي أسند إليه الفعل غير حقيقي، وهو
[الموضح: 508]
الميتة، استحسنوا تذكيره فذكروه). [الموضح: 509]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (60- {مَيْتَةً} [آية/ 139] بالرفع:-
قرأها ابن كثير وابن عامر.
والوجه أن كان ههنا تامة بمعنى وقع أو حدث، فيكون التقدير: وإن يقع أو يحدث ميتة.
وقرأ الباقون {مَيْتَةً} بالنصب.
والوجه أن كان فيه ناقصة، وهي التي تفتقر إلى الاسم والخبر، والاسم مضمر، وهو الذي يرجع إلى {ما} من قوله في بطون الأنعام، وهو مذكر، هذا إذا قرئ {يَكُنْ} بالياء، فأما من قرأ {تَكُنْ} بالتاء مع نصب الميتة، فإنه أنث الضمير العائد إلى ما في بطون الأنعام؛ لأن ما في بطون الأنعام أولاد أو حيران، أو نحوها، فحمل على المعنى، فأنث الضمير لهذا، وأما نصب الميتة فمن أجل أنها خبر كان). [الموضح: 509]

قوله تعالى: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (140)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (قد خسر الّذين قتلوا أولادهم... (140).
قرأ ابن كثير وابن عامر (قتّلوا أولادهم) مشددا، وخففه الباقون.
قال أبو منصور: التشديد في (قتّلوا) للتكثير، والتخفيف فصيح جيد). [معاني القراءات وعللها: 1/391]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (52- وقوله تعالى: {قد خسر الذين قتلوا أولادهم} [140].
قرأ ابن عامر وابن كثير {قتلوا} بالتشديد.
وقرأ الباقون مخففًا. فمن شدد أراد تكرير الفعل مرة، بعد مرة كما يقال: رجل قتال: إذا قتل عودًا بعد بدء). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/172]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في التخفيف والتشديد في التاء في قوله [جلّ وعزّ]: قد خسر الذين قتلوا أولادهم [الأنعام/ 140].
فقرأ ابن كثير وابن عامر قتلوا* مشددة التاء.
وقرأ الباقون قتلوا خفيفة التاء.
التشديد للتكثير مثل: مفتحة لهم الأبواب [ص/ 50]، والتخفيف يدلّ على الكثرة). [الحجة للقراء السبعة: 3/416]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قد خسر الّذين قتلوا}
قرأ ابن كثير وابن عامر {قد خسر الّذين قتلوا} بالتّشديد أي مرّة بعد مرّة كما يقال رجل قتال إذا كثر منه القتل وقرأ الباقون {قتلوا} بالتّخفيف). [حجة القراءات: 275]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (79- قوله: {قتلوا} قرأه ابن كثير وابن عامر بالتشديد، وخفف الباقون وقد تقدم ذكر علته، وفي التشديد معنى التكرير). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/455]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (61- {قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ} [آية/ 140] بتشديد التاء:-
قرأها ابن كثير وابن عامر.
[الموضح: 509]
والوجه أن الفعل مراد به التكثير، فلذلك جاء مشددًا مثل قوله {مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ}.
وقرأ الباقون {قَتَلُوا} بالتخفيف.
والوجه أن الفعل المخفف قد يصلح للكثرة كما يصلح للقلة، وقد مضى مثله). [الموضح: 510]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م 09:40 PM

سورة الأنعام

[ من الآية (141) إلى الآية (144) ]
{وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (141) وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (142) ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آَلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (143) وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آَلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144)}

قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (141)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وآتوا حقّه يوم حصاده... (141).
قرأ أبو عمرو وابن عامر وعاصم ويعقوب (يوم حصاده) بفتح الحاء، وقرأ الباقون (حصاده) بالكسر.
[معاني القراءات وعللها: 1/391]
قال أبو منصور: هما لغتان: الحصاد والحصاد، والجداد والجداد). [معاني القراءات وعللها: 1/392]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (53- وقوله تعالى: {وءاتوا حقه يوم حصاده} [141].
قرأ ابن عامر وأبو عمرو وعاصم {حصاده} بفتح الحاء وقرأ الباقون بكسر الحاء، وهما لغتان فصيحتان الحصاد والحصاد والجذاذ والجذاذ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/172]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح الحاء وكسرها من قوله عزّ وجلّ: يوم حصاده [الأنعام/ 141].
فقرأ ابن كثير، ونافع، وحمزة، والكسائيّ حصاده بكسر الحاء.
وقرأ عاصم، وأبو عمرو، وابن عامر حصاده مفتوحة الحاء.
قال سيبويه: جاءوا بالمصادر حين أرادوا انتهاء الزمان على مثال: فعال وذلك الصّرام، والجرام، والجذاذ،
[الحجة للقراء السبعة: 3/416]
والقطاع، والحصاد، وربّما دخلت اللغة في بعض هذا، فكان فيه فعال، وفعال. فقد تبيّنت مما قال: أن الحصاد والحصاد لغتان، فأما قول النابغة:
يمدّه كلّ واد مزبد لجب... فيه ركام من الينبوت والحصد
فإن محمّد بن السّريّ روى فيه: الحصد، وذكر أن بعضهم رواه: الخضد، وفسّر الخضد: ما تكسّر من الشجر.
قلل أبو علي: ويجوز أن يكون الحصد الذي يفسره ابن السرّي: الحصاد حذف الألف منه، كما يقصر الممدود، وكأن المحصود سمّي الحصاد باسم المصدر، كالخلق، والصيد، وضرب الأمير، ونسج اليمن، ونحو ذلك، ويدلّك على ذلك قول الأعشى:
[الحجة للقراء السبعة: 3/417]
له زجل كحفيف الحصا... د صادف بالليل ريحا دبورا
والحفيف إنما يكون للمحصود، ومثل ذلك قول العجّاج:
هذّ الحصاد بغروب المنجل). [الحجة للقراء السبعة: 3/418]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وآتوا حقه يوم حصاده}
قرأ أبو عمرو وعاصم وابن عامر {يوم حصاده} بفتح الحاء وقرأ الباقون بالكسر وهما لغتان مثل الصرام والصرام قال الفراء بالكسر حجازية وأهل نجد وتميم بالفتح). [حجة القراءات: 275]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (80- قوله: {يوم حصاده} قرأ أبو عمرو وابن عامر وعاصم بفتح الحاء وكسرها الباقون، وهما لغتان مشهورتان، والكسر عند سيبويه هو الأصل، وهو الاختيار؛ لأنه الأصل، ولأن الأكثر عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/456]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (62- {يَوْمَ حَصَادِهِ} [آية/ 141] بفتح الحاء:-
قرأها أبو عمرو وابن عامر وعاصم ويعقوب، وقرأ ابن كثير ونافع وحمزة والكسائي {حَصَادِهِ} بكسر الحاء.
والوجه أنهما لغتان الحصاد والحصاد بالفتح والكسر، ومثله الجداد والجداد والصرام والصرام والقطاع والقطاع). [الموضح: 510]

قوله تعالى: {وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (142)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة على -عليه السلام- والأعرج وعمرو بن عبيد: [خُطُؤات] بالهمز مثقلًا، وقرأ: [خَطَوات] أبو السمال.
قال أبو الفتح: أما [خُطُؤات] بالهمز فواحدها خُطْأَة؛ بمعنى الخَطَأ، أثبت ذلك أحمد بن يحيى.
وأما [خَطَوات] فجمع خَطْوة، وهي الفَعْلَة الواحدة من خَطوت، كغزوت غزوة، ودعوت دعوة. والمعنى: لا تتبعوا خَطوات الشيطان؛ أي: آثاره، لا تقتدوا به، وتقديره على هذا حذف المضاف؛ أي: لا تتبعوا مواضع خَطوات الشيطان.
وإن شئت أجريته على ظاهره من غير تقدير حذف كقولك: لا تتبع أفعال المشركين
[المحتسب: 1/233]
ولا تأْتَم بأديان الكافرين. ومن قرأ: {خُطُوات} بلا همز فأمره واضح، وهو جمع خُطْوة، وهي ذَرْع ما بين القدمين، وهذا واضح). [المحتسب: 1/234]

قوله تعالى: {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آَلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (143)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ومن المعز اثنين... (143).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب (ومن المعز) بفتح العين.
وقرأ الباقون بسكونها.
قال أبو منصور: هما لغتان، وكذلك الشّعر والشّعر، والنهر والنهر، وكذلك الضأن والضأن، غير أن القراءة "الضان " بتخفيف الهمزة). [معاني القراءات وعللها: 1/392]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (54- وقوله تعالى: {ومن المعز اثنين} [143].
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر {من المعز} بفتح العين.
وقرأ الباقون بإسكان العين، وهما لغتان، والأصل: الإسكان، وإنما جاز الفتح؛ لأن فيها حرفًا من حروف الحلق وهي العين). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/172]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح العين وإسكانها من المعز [الأنعام/ 143].
فقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، من المعز بفتح العين.
وقرأ نافع وعاصم وحمزة والكسائيّ من المعز ساكنة العين.
من قرأ: المعز فإن المعز جمع، يدلّ على ذلك قوله: ومن المعز اثنين ومن الضأن اثنين ولو كان واحدا لم يسغ فيه هذا، فأما انتصاب اثنين فمحمول على أنشأ، التقدير:
[الحجة للقراء السبعة: 3/418]
أنشأ ثمانية أزواج، أنشأ من كذا اثنين.
فأمّا المعز في جمع ماعز، فهو: مثل خادم، وخدم، وطالب، وطلب، وحارس، وحرس، وحكى أحمد بن يحيى:
رائح وروح، وقال أبو الحسن: هو جمع على غير واحد، وكذلك المعزى، وحكى أبو زيد: الأمعوز، وأنشد:
كالتيس في أمعوزه المتربّل وقال: المعيز، كالكليب والضئين، قال:
ويمنحها بنو شمجى بن جرم... معيزهم حنانك ذا الحنان
فأما من قال: المعز بإسكان العين: فهو على هذا جمع أيضا، كما كان في قول من فتح العين جمعا أيضا، وجمع ماعز عليه، كما قالوا: صاحب وصحب وتاجر وتجر، وراكب وركب.
وأبو الحسن يرى هذا الجمع مستمرا فيردّه في التصغير إلى
[الحجة للقراء السبعة: 3/419]
الواحد فيقول في تحقير ركب: رويكبون، وفي تجر:
تويجرون، وسيبويه يراه اسما من أسماء الجمع، وأنشد أبو عثمان في الاحتجاج لقول سيبويه:
بنيته بعصبة من ماليا... أخشى ركيبا أو رجيلا غاديا
فتحقيره له على لفظه من غير أن يردّه إلى الواحد الذي هو فاعل، ويلحق الواو والنون أو الياء، يدل على أنه اسم للجمع. وأنشد أبو زيد:
وأين ركيب واضعون رحالهم... إلى أهل [بعل من مقامة أهودا]
وقال أبو عثمان: البقرة عند العرب: نعجة، والظبية عندهم ما عزة، والدليل على أن ذلك كما ذكره قول ذي الرمة:
[الحجة للقراء السبعة: 3/420]
إذا ما علاها راكب الصّيف لم يزل... يرى نعجة في مرتع ويثيرها
مولّعة خنساء ليست بنعجة... يدمن أجواف المياه وقيرها
فقوله: لم يزل يرى نعجة يريد به بقرة ألا ترى أنّه قال: مولّعة خنساء، والخنس والتوليع: إنما يكونان في البقر دون الظباء، وقوله: ليست بنعجة، معناه: أنه ليست بنعجة أهلية، يدلك على ذلك أنه لا يخلو من أن يريد أنه ليست بنعجة أهلية، أو ليست بنعجة، فلا يجوز أن يحمل على أنها ليست بنعجة، لأنك إن حملته على هذا، نفيت ما أوجبه من قوله: لم يزل يرى نعجة، فإذا لم يجز ذلك، علمت أنه يريد بقوله: ليست بنعجة، ليست بنعجة أهلية.
والدّلالة على أنّ الظبية ما عزة قول أبي ذؤيب.
[الحجة للقراء السبعة: 3/421]
وعادية تلقي الثياب كأنّها... تيوس ظباء محصها وانبتارها
وقوله: تيوس ظباء، كقوله: تيوس معز، ولو كانت عندهم ضائنة، ولم تكن ماعزة لقال: كأنّها كباش ظباء.
ويدلّ على أن نعجة في قوله: ليست بنعجة، يريد به النعجة الأهلية قوله:
يدمن أجواف المياه وقيرها والوقير: الشاء يكون فيها كلب وحمار فيما روي عن الأصمعي). [الحجة للقراء السبعة: 3/422]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة طلحة: [الضَّأَن] بفتح الهمزة.
قال أبو الفتح: الضَّأْنُ جمعٌ، واحدته ضائِن وضائنة، وصرَّفوا فعله فقالوا: ضَئِنَت العَنْز ضَأَنًا، إذا أشبهت الضأن. وأما الضَّأَن بفتح الهمزة في هذه القراءة، فمذهب أصحابنا فيه وفي مثله مما جاء في فَعْل وفَعَل وثانيه حرف حلق؛ كالنهْر والنهَر، والصخْر والصخَر، والنعْل والنعَل، وجميع الباب، أنها لغات كغيرها مما ليس الثاني فيه حرفًا حلقيًّا، كالنشْز والنشَز، والقص والقصَص.
ومذهب البغداديين أن التحريك في الثاني من هذا النحو إنما هو لأجل حرف الحلق، وقد ذكرنا ذلك فيما مضى من هذا الكتاب وغيره، ويؤنسني بصحة ما قالوه أني أسمع ذلك فاشيًا في لغة عُقيل، حتى لسمعت بعضهم يومًا قال: نَحَوَه، يريد: نَحْوه. فلو كانت الفتحة في الحاء هنا أصلًا معتزمة غير إتباع لكونها حرفًا حلقيًّا لوجب إعلال اللام التي هو واو ألفًا؛ لتحركها وانفتاح ما قبلها، كغَضَاة وشَجَاة، فكان يقال: نحاة، وهذا واضح، غير أن لأصحابنا ألا يقبلوا من اللغة إلا ما رُوي عن فصيح موثوق بعربيته، ولست أُثبت هذه الفصاحة المشروطة لمن سمعت منه هذه اللفظة؛ أعني: نَحَوَه). [المحتسب: 1/234]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ومن المعز اثنين}
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر (من المعز) بفتح العين وقرأ الباقون ساكنة العين وهما لغتان
والأصل تسكين العين لأنّه جمع ماعز مثل تاجر وتجر وصاحب وصحب وحجتهم إجماع الجميع على تسكين الهمزة في الضّأن وهو جمع ضائن كماعز والهمزة والعين من حروف
[حجة القراءات: 275]
الحلق فردّوا ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه واعلم أنه إنّما جاز فيهما الفتح وإن كان الأصل الإسكان لأن فيها حرفا من حروف الحلق والعرب تفتح إذا كان فيها حرف من حروف الحلق وذلك نحو النّهر والنّهر والزهر والزهر والظعن والظعن وإنّما جاز فتحها لأن الحركات ثلاث ضمة وفتحة وكسرة فالفتحة من الألف فهي من حيّز حروف الحلق هذا قول سيبويهٍ فإن قال قائل هلا فتحت الهمزة من الضّأن إذ كانت من حروف الحلق كما فتحت العين من المعز الجواب أن الهمزة أثقل من العين لأنّها تخرج من أقصى الحلق وتحريكها أثقل من تحريك العين وكذلك فرق بينهما). [حجة القراءات: 276]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (81- قوله: {ومن المعز} قرأ نافع وأهل الكوفة بإسكان العين، وفتحها الباقون، وهما لغتان في جمع «ماعز» وقيل: من فتح جعله جمع «ماعز» كحارس وحرس، وخادم وخدم، كما أن الضأن جمع ضائن، فعامل المشاكلة في اللفظين، ومن أسكن جعله جمع «ماعز» أيضًا كصاحب وصحب، فهو عند سيبويه اسم للجمع، يصغره على لفظه، وهو عند الأخفش جمع، يرده في التصغير إلى واحده، ثم يجمعه، فهو في القراءتين جمع «ماعز» على «فاعل» و«فاعل» يأتي جمعه على «فعْل» وعلى «فعَل» على ما مثلنا وذكرنا، فالقراءتان متساويتان، ولا يحسن أن يكون المعنى واحد؛ لأن بعده اثنين). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/456]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (63- {وَمِنَ الْمَعَزِ} [آية/ 143] بفتح العين:-
قرأها ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب.
[الموضح: 510]
والوجه أنه جمع ماعز، مثل حرس جمع حارس، وخدم جمع خادم، وطلب جمع طالب.
وقرأ الباقون {وَمِنَ الْمَعْزِ} ساكنة العين.
وهو أيضا جمع ماعز كصاحب وصحب، وتاجر وتجر، وراكب وركب.
ومما يدل على أن المعز جمع قوله تعالى {وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ}، ولو كان واحدة لم يجز فيه هذا؛ لأن الواحد لا يجوز أن يكون منه الاثنان). [الموضح: 511]

قوله تعالى: {وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آَلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


الساعة الآن 11:27 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة