جمهرة العلوم

جمهرة العلوم (http://jamharah.net/index.php)
-   منتدى جمهرة التفاسير (http://jamharah.net/forumdisplay.php?f=660)
-   -   مسائل كتاب طرق التفسير (http://jamharah.net/showthread.php?t=26476)

جمهرة التفاسير 5 صفر 1439هـ/25-10-2017م 05:10 PM

مسائل كتاب طرق التفسير
 
مسائل كتاب طرق التفسير

فهرس مسائل الكتاب:
- المقدمة
الباب الثاني:تفسير القرآن بالقرآن
- تفسير القرآن بالقرآن
- التفسير المتّصل والتفسير المنفصل
- دخول الاجتهاد في تفسير القرآن بالقرآن
- إفادة التفسير بهذا الطريق لليقين
- عناية العلماء بتفسير القرآن بالقرآن
- المؤلفات في تفسير القرآن بالقرآن
- أنواع تفسير القرآن بالقرآن
- التوسّع في تفسير القرآن بالقرآن
- شروط صِحَّة تفسير القرآن بالقرآن
- أمثلة وتطبيقات
الباب الثالث:تفسير القرآن بالسنة
-
تفسير القرآن بالسنة
- أنواع السنة
- أنواع الأحاديث المتعلقة بالتفسير.
- اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم في التفسير
- خصائص التفسير النبوي.
- مسائل في التفسير النبوي
- متى يصار إلى التفسير بالسنة.
- التحذير من فتنة القرآنيين
- تفاوت رتب الأحاديث المروية في التفسير
- أنواع الضعف في المرويات
الباب الرابع:تفسير القرآن بأقوال الصحابة رضي الله عنهم
-
مقدمة في تفسير القرآن بأقوال الصحابة رضي الله عنهم
- تفاضل الصحابة في العلم بالتفسير
- تعظيم الصحابة رضي الله عنهم لشأن التفسير
- طرق التفسير عند الصحابة رضي الله عنهم
- اختلاف الصحابة رضي الله عنهم في التفسير
- أسباب اختلاف الصحابة رضي الله عنهم في التفسير
- مراتب حجّيّة أقوال الصحابة رضي الله عنهم في التفسير
- أقسام المرويات عن الصحابة في التفسير
- مراتب الضعف فيما روي عن الصحابة في التفسير
- قول الصحابي في نزول الآية
الباب الخامس:تفسير القرآن بأقوال التابعين
- مقدمة في
تفسير القرآن بأقوال التابعين
- الأحاديث الواردة في فضل التابعين
- أعلام المفسّرين من التابعين
- طبقات التابعين
- تفاوت درجات التابعين
- أوجه عناية التابعين بالتفسير
- تعظيم التابعين لشأن التفسير
- طرق التفسير عند مفسّري التابعين
- حجيّة تفسير التابعين
- الأقوال المعتبرة والأقوال غير المعتبرة
الباب السادس: تفسير القرآن بلغة العرب
- مقدمة في التفسير اللغوي
الباب السابع:
عناية العلماء بالتفسير اللغوي
-
عناية العلماء بالتفسير اللغوي
- طبقات العلماء المعتنين بالتفسير اللغوي
الباب الثامن: أنواع العناية اللغوية بالألفاظ القرآنية
....- بيان
أنواع العناية اللغوية بالألفاظ القرآنية
..
النوع الأول: بيان معاني المفردات والأساليب القرآنية

..النوع الثاني: بيان معاني الحروف
....- أمثلة لدراسة مسائل معاني الحروف في التفسير
....- المسألة الأولى: معنى الباء في {بسم الله}
....- المسألة الثانية: معنى "ما" في قول الله تعالى: {إِنَّ الله يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ}
....- المسألة الثالثة: معنى "من" في قول الله تعالى: {يحفظونه من أمر اللّه}
....- عناية المفسّرين ببيان معاني الحروف
....- أنواع المؤلّفات في شرح معاني الحروف
....- الدراسات المعاصرة لمعاني الحروف في القرآن الكريم
..النوع الثالث: إعراب القرآن
....- تاريخ التأليف في إعراب القرآن
....- أنواع مسائل إعراب القرآن
..النوع الرابع: توجيه القراءات
....- أمثلة على فائدة معرفة توجيه القراءات للمفسّر
..النوع الخامس: التفسير البياني
....- أمثلة للتفسير البياني
....- عناية العلماء بالتفسير البياني
....- سمات التفسير البياني عند السلف
....- التحذير من الإنحراف في التفسير البياني
..النوع السادس: الوقف والابتداء
....- مناهج العلماء في تقسيم الوقوف
..النوع السابع: التصريف
....- عناية العلماء بعلم الصرف
....- المفسرون الذين لهم عناية بالتصريف في تفاسيرهم
....- عناية علماء العصر بأحكام التصريف في القرآن
....- فائدة علم الصرف للمفسّر
....- أمثلة لفائدة علم الصرف للمفسّر
....- المثال الأول:معنى {يتساءلون}
....- المثال الثاني: معنى {مسنون}
....- المثال الثالث: معنى {قُبلا}
..النوع الثامن: الاشتقاق
....- تفاوت ظهور الاشتقاق
....- ما لا يدخله الاشتقاق
....- نشأة علم الاشتقاق
....- عناية أصحاب المعاجم اللغوية بالاشتقاق
....- المؤلفات المفردة في علم الاشتقاق
....- فائدة علم الاشتقاق للمفسّر
....- أنواع مسائل الاشتقاق في التفسير
....- مثال على فائدة علم الاشتقاق في الجمع والترجيح بين أقوال المفسرين
....- أنواع الاشتقاق
..النوع التاسع: البديع
....- المراد بالبديع
....- بديع القرآن
....- عناية المفسّرين ببديع القرآن
....- نشأة علم البديع
....- التأليف في البديع
....- المؤلفات المفردة في البديع
....- البديعيات
....- فائدة علم البديع للمفسّر
..النوع العاشر: تناسب الألفاظ والمعاني
....- نشأة علم التناسب بين الألفاظ والمعاني
....- ائتلاف الألفاظ والمعاني عند أهل البديع
....- أنواع مسائل التناسب بين الألفاظ والمعاني
....- النوع الأول: تناسب صفات الحروف وترتيبها.
....- النوع الثاني: تناسب الحركات ومراتبها
....- النوع الثالث: مناسبة أحرف الزيادة في الجملة لمعنى الكلام
....- صعوبات علم التناسب بين الألفاظ والمعاني
....- فائدة معرفة تناسب الألفاظ والمعاني للمفسّر
....- خاتمة الحديث عن أنواع العناية اللغوية بالألفاظ القرآنية
الباب التاسع:
طرق التفسير اللغوي
-
طرق التفسير اللغوي
-
موارد الاجتهاد في التفسير اللغوي
-
الانحراف في التفسير اللغوي
الباب العاشر:
الاجتهاد في التفسير
-
الاجتهاد في التفسير
-
الاجتهاد سُنّة لمن تأهّل له
- مراتب دلالات طرق التفسير
- موارد الاجتهاد في التفسير
- شروط الاجتهاد المعتبر في التفسير
- الاجتهاد غير المعتبر في التفسير
- أنواع التفسير بالرأي
الباب الحادي عشر:التحذير من القول في القرآن بغير علم
-
خطر القول في القرآن بغير علم
- تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من القول في القرآن بغير علم
- تنبيه
- تحذير الصحابة رضي الله عنهم من القول في القرآن بغير علم
- تحرّج السلف رضي الله عنهم من القول في القرآن بغير علم
- الفرق بين القول في القرآن بغير علم وبين الاجتهاد في التفسير
- أصناف القائلين في القرآن بغير علم


- حفظ نسخة ( pdf ) حديثة من الكتاب من ( هنا )

- حفظ نسخة للشاملة من ( هنا )

جمهرة التفاسير 5 صفر 1439هـ/25-10-2017م 05:24 PM

طرق التفسير
مقدمة:
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: ( مقدمة:
الحمد لله الذي أنزل القرآن المبين، هدى ورحمة للمؤمنين، وحجة على العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فهذا كتاب في «طرق التفسير» جمعت مسائله ولخصت شرحها من كتب كثيرة متصلة بأبواب طرق التفسير؛ منها كتب في علوم القرآن والتفسير، وكتب في الاعتقاد، وكتب في الحديث وشروحه، وكتب في التراجم وعلل الأحاديث وسؤالات المحدثين، وكتب في سير المفسّرين وأخبارهم، وكتب في الفقه وأصوله، وكتب كثيرة في علوم العربية لاتصالها بالتفسير اللغوي.
وقد حاولت إحصاءها فبلغت ثلاثمائة كتاب أو تزيد، ولم أذكر ذلك تكثّراً بالمراجع - والعياذ بالله - وإنما ليعرف طالب العلم الواقف على هذا الكتاب ما تقرّ به عينه - إن شاء الله - من تلخيصٍ يكفيه عناءَ مطالعة كثير من الكتب وتتبع مسائله المتفرّقة فيها تفرّقاً لا يكاد يُجمع إلا بمشقّة وطول تتبع، ومن قرأ الكتاب تبيّن له ذلك.
وكان أصل مادة هذا الكتاب دورة علمية قدّمتها لطلاب برنامج إعداد المفسّر بمعهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد في رجب من عام 1437 هـ، ثم أعدت النظر فيها في شعبان من عام 1438 هـ؛ فراجعتها وهذبتها وأضفت إليها عددا من الدروس لتخرج في كتاب تعليمي، ولم أزل أعمل في التهذيب والإضافة والتحرير حتى وقت إعداد هذه المقدمة في 28 شوال 1438 هـ.
وقد اجتهدت في تحرير هذا الكتاب وتلخيص مسائله وترك الاستطراد إلا لفائدة مهمّة، لأنّ طرق التفسير كالقاعدة العامّة الأساسية التي تنبني عليها أصول التفسير وقواعده وضوابط دراسة مسائله.
والحمد لله على ما منّ به من إتمام هذا الكتاب، وأسأله تعالى كما منّ بالعون والتوفيق لإعداده أن يمنّ بالقبول والنفع والبركة، وأن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، ميسَّراً محبَّبا لطلاب العلم، وأن يقيني شرّ نفسي وشرّ الشيطان وشركه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وكتب عبد العزيز بن داخل المطيري
الرياض 28 شوال 1438ه ). [طرق التفسير:5 - 6]

جمهرة التفاسير 5 صفر 1439هـ/25-10-2017م 05:32 PM

الباب الأول:إيجاز التعريف بطرق التفسير

إيجاز التعريف بطرق التفسير:
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (إيجاز التعريف بطرق التفسير:
الحمد لله الذي أنزل كتابه هدى ورحمة للمؤمنين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإنّ من رحمة الله تعالى وحكمته أن يسّر القرآن للذكر؛ فقال جلَّ شأنه: {ولقد يسّرنا القرآن للذكر فهل من مدّكر}.
وتيسير الله للقرآن يشمل تيسير ألفاظه للحفظ والتلاوة، وتيسير معانيه للفهم والتدبر، وتيسير هداه للعمل والاتباع.
ومن تيسير الله تعالى للقرآن تيسير تفسيره، وبيان معانيه، واستخراج فوائده وأحكامه، بطرق يتيسَّر للمتعلمين تعلمها، وللدارسين دراستها.
ولهذه الطرق منارات يهتدي بها السائرون، وعلامات يميّزون بها الخطأ من الصواب، والراجح من المرجوح.
ولهذا العلم أئمّته الذي هم هداة طريقه، وأسوة السائرين فيه؛ فمن اتّبع سبيلهم، وسار على منهاجهم، وتدرّج في مدارجهم، وصبر على لأواء الطريق بلغ منزلة الإمامة في هذا العلم، فانتفع وارتفع، ومن اتّبع غير سبيلهم، وارتضى غير ما ارتضوه، فقد زلّ وضلّ، وفُتِن وغُبن).[طرق التفسير:7]

جمهرة التفاسير 5 صفر 1439هـ/25-10-2017م 05:52 PM

الأصل في بيان طرق التفسير:
قال عبد العزيز بن داخل المطيري:
(الأصل في بيان طرق التفسير

من أشهر ما يُؤثر في بيان طرق التفسير ما رواه ابن جرير في تفسيره من طريق مؤمل بن إسماعيل عن سفيان الثوري عن أبي الزناد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (التفسيرُ على أربعةِ أوجهٍ: وجهٌ تعرفه العربُ من كلامها، وتفسير لاَ يُعذر أحدٌ بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لاَ يعلمه إلا الله تعالى ذكره).
وهذا إسناد رجاله ثقات إلا أنه منقطع؛ فأبو الزناد لم يسمع من ابن عباس.
لكن هذه المقول حسنة من جهة المعنى، وقد تلقّاها العلماء بالقبول، واعتنوا بها شرحاً وتقريراً، وتأصيلا وتفصيلاً.

• فأما التفسير الذي لا يعذر أحد بجهالته فهو ما يحصل به العلم الضروري من دلالة الخطاب لمن بلغه؛ فقول الله تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا} صريح في الأمر بالتوحيد والنهي عن الشرك، ولا يعذر أحد بجهالة هذا الخطاب إذا بلغه بلاغاً صحيحاً.
وكذلك قول الله تعالى: {ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق} ، وقول الله تعالى: {ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا} .
ونحو ذلك من الآيات البيّنات التي تدل على المراد دلالة بيّنة ظاهرة في أمر من أمور الدين المعلومة بالضرورة للمسلمين.
فهذه لا يعذر أحد بجهالتها إذا بلغته بلاغاً صحيحاً، وهذا يخرج من لم تبلغه، ومن بلغته لكن على وجه لا تقوم به الحجة؛ كالأعجمي الذي لا يفقه ما يتلى عليه، ومن في حكمه.

● وأما التفسير الذي تعرفه العرب من كلامها فهو التفسير الذي يكفي في بيانه المعرفة اللغوية؛ فإنّ القرآن نزل بلسان عربيّ مبين على عرب فصحاء؛ وخاطبهم الله بأحسن ما يعرفون من الفصاحة والبيان؛ إلا أنّ علم اللغة واسع، ومفردات اللغة كثيرة يتفاوت الناس في العلم بها، وإدراك معانيها، ويستعمل عند أقوام من العرب ما هو غريب على آخرين،
روى أبو عبيد في فضائل القرآن وابن جرير في تفسيره والبيهقي في شعب الإيمان من طريق سفيان الثوري، عن إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد، عن ابن عباس أنه قال: (كنت لا أدري ما فاطر السموات حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها، يقول: أنا ابتدأتها).
وابن عباس يعلم أن معنى "فاطر السماوات" أي خالقهما، لكن الفَطْرَ معنى أخصّ من مجرّد الخلق، فعرف من حكاية الأعرابي أن "فاطر السماوات" المراد به : مبتدِئ خلقهما.
وفي الصحيحين من حديث أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((بينما امرأتان معهما ابناهما، جاء الذئب، فذهب بابن إحداهما، فقالت هذه لصاحبتها: إنما ذهب بابنك أنت، وقالت الأخرى: إنما ذهب بابنك، فتحاكمتا إلى داود، فقضى به للكبرى، فخرجتا على سليمان بن داود عليهما السلام، فأخبرتاه، فقال: ائتوني بالسكين أشقه بينكما، فقالت الصغرى: لا، يرحمك الله، هو ابنها، فقضى به للصغرى).
قال: قال أبو هريرة: «والله إنْ سمعت بالسكين قط إلا يومئذ، ما كنا نقول إلا المُدْيَة»،
وهذا الحديث من أوّل ما سمعه أبو هريرة رضي الله عنه بعد إسلامه؛ وفي كتاب الله تعالى: {وآتت كلّ واحدة منهنّ سكّينا}.
وروى الإمام أحمد والبيهقي من طرق يشدّ بعضها بعضا عن أبي طُعْمَة أنه قال: سمعت ابن عمر يقول: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المِرْبَد؛ فخرجت معه فكنت عن يمينه، وأقبل أبو بكر فتأخَّرْتُ له فكان عن يمينه وكنتُ عن يساره، ثم أقبل عمر فتنحيَّتُ له فكان عن يساره، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم المربدَ فإذا بأزقاق على المربد فيها خمر؛ فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمُدْيَة وما عرفت المدية إلا يومئذ؛ فأمر بالزِّقَاق فشُقَّتْ ثم قال: (لُعنت الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وحاملها والمحمولة إليه وعاصرها ومعتصرها وآكل ثمنها).
الزِّقاق جمع زِقّ وهو وعاء من جلد يُحفظ فيه الخمر.
والمُدية هي السكّين.
فهذا المثال من الأمثلة التي تظهر تفاوت العرب في استعمال المفردات اللغوية ومعرفة معانيها؛ فابن عمر قرشيّ، وأبو هريرة دَوْسيّ قد خفي على كلّ واحد منهما ما اشتهر عند الآخر.

● وأما التفسير الذي يعلمه العلماء فهو
ما يتوقف القول فيه على العلم بأدلة الكتاب والسنة واستنباط الأحكام منها، ومعرفة بالإجماع والخلاف، والناسخ والمنسوخ، والعامّ والخاص، والمطلق والمقيّد، والمجمل والمبيّن، وغيرها من العلوم والأدوات التي يكتسبها العلماء بتعلمهم وتفقّههم في الكتاب والسنة؛ حتى يكون لديهم علم كثير يعرفون به تفسير الآيات التي لا يكفي في معرفة معناها مجرَّد المعرفة اللغوية؛ وذلك مثل المراد بالحق في قول الله تعالى: {وآتوا حقه يوم حصاده}؛ فإنّه لا يعرف المراد إلا من كان له علم بأحكام زكاة الزروع والثمار.


● وأما التفسير الذي لا يعلمه إلا الله فهو الغيب الذي لا يبلغه علم البشر، كحقيقة صفات الله تعالى، وما تؤول إليه المغيبات من الجنة والنار وأهوال يوم القيامة، ومتى تكون الساعة، ونحو ذلك.
فأما ما لا يعلمه إلا الله فالواجب فيه أن نكل علمه إلى الله تعالى، ولا نتكلف الحديث فيه، فقد حرّم الله القول عليه بغير علم.
- وأما ما لا يعذر أحد بجهالته فأمره ظاهر بيّن.
- وبقي وجهان من التفسير: ما يعلمه العلماء ، وما تعرفه العرب من كلامها.
وهذان الوجهان هما اللذان اجتهد فيهما العلماء، ودوّنت التفاسير لحفظ ما روي فيهما، وصنّفت المصنّفات لجمع تلك المرويات والأقوال وتقريبها، وتحريرها وتيسيرها. [طرق التفسير:7 - 11]

جمهرة التفاسير 5 صفر 1439هـ/25-10-2017م 06:02 PM

مراتب طرق التفسير:
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (مراتب طرق التفسير

أجلّ طرق التفسير وأحسنها تفسير القرآن بالقرآن ، ثم تفسير القرآن بالسنة، ثم تفسير القرآن بأقوال الصحابة، ثمّ تفسير القرآن بأقوال التابعين ومن تبعهم من الأئمة الربانيين، ثم تفسير القرآن بلغة العرب، ثم تفسير القرآن بالاجتهاد المشروع.
وهذه الطرق ليست متمايزة ولا متخالفة، بل بينها تداخل واشتراك، ويعين بعضها على بعض، والمقصود من هذا التقسيم توضيح الطريقة للمتعلّم، وإلا فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد فسّر القرآن بالقرآن، وفسّر القرآن بلغة العرب، وكذلك تفاسير الصحابة والتابعين منها استعمال لتفسير القرآن بالقرآن، ومنها استعمال لتفسير القرآن بالسنة، ومنها استعمال لتفسير القرآن بلغة العرب، ومنها تفسير بالرأي والاجتهاد، ولكلّ ذلك أمثلة يأتي ذكرها بإذن الله تعالى.
وقد يجتمع في المسألة الواحدة من مسائل التفسير طرق متعددة من طرق التفسير.
وهذه الطرق منها ما يُكتفى فيه بالنص لظهور دلالته على المراد، ومنها ما يُحتاج معه إلى اجتهاد، فيقع الاجتهاد في تفسير القرآن بالقرآن، وتفسير القرآن بالسنة، وتفسير القرآن بلغة العرب،
وكذلك قد يُفهم من بعض أقوال الصحابة والتابعين في التفسير ما يستدل به على نظائرها في التفسير؛ فيدخلها الاجتهاد من جهة إلحاق النظير بنظيره.
والاجتهاد في التفسير يتنوّع إلى أنواع، ويستند فيه المفسّر إلى الطرق المتقدّمة باستعمال أدوات الاجتهاد التي تعينه على استخراج المسائل، ومعرفة الصواب فيها، وطريقة الاستدلال له، وعلى اكتشاف الخطأ وبيان علّته، وعلى الجمع والترجيح، وإيضاح المشكل، وغير ذلك من منافع الاجتهاد في التفسير.
ومن العلماء من يسميّه التفسير بالرأي، ويقسمون الرأي إلى محمود ومذموم، ويجعلون للتفسير بالرأي المحمود شروطا يُعدّ مخالفها ذا رأي مذموم في التفسير.
ومن أشهر تلك الشروط: صحة التفسير في نفسه، وصحّة الدلالة عليه، وعدم مخالفته لدليل نصّي أو إجماع.
والإلمام بهذه الطرق ومعرفة مسائلها وتفاصيلها وقواعدها وأحكامها من أهمّ الأصول التي ينبغي لطالب علم التفسير أن يجتهد في تحصيلها، ثم يتمرّن على تطبيق قواعدها فيما يدرس من مسائل التفسير.
وبعد هذا الإيجاز ندرس المسائل المتعلقة بطرق التفسير بشيء من التفصيل، والله الموفق والمعين، لا حول ولا قوّة إلا به). [طرق التفسير:11 - 12]

جمهرة التفاسير 5 صفر 1439هـ/25-10-2017م 08:23 PM

الباب الثاني:تفسير القرآن بالقرآن

تفسير القرآن بالقرآن
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (تفسير القرآن بالقرآن
أَجَلُّ طرق التفسير وأحسنها وأرفعها قدراً تفسير القرآن بالقرآن، فالله تعالى هو الأعلم بمرادِهِ من كلامه، وهو الذي يوفّق من يشاء من عباده لفهم مراده، وإذا تبيّن تفسير القرآن بالقرآن فهو أرفع درجات التفسير.
ولذلك اجتهد العلماء في التماس بيان معاني القرآن من القرآن، فما أجمل منه في موضع بُيِّن في موضع آخر أو أُحيل على بيانه، وإدراك هذا التفسير مما تفاضل فيه المفسّرون وتفاوتت مراتبهم فيه تفاوتاً كبيراً، غير أنه ينبغي أن يُعلم أن تفسير العلماء للقرآن بالقرآن على نوعين:
النوع الأول: تفسير مستنده النصّ الصريح في القرآن.
والنوع الثاني: تفسير اجتهادي غير معتمد على نصّ صريح في مسألة التفسير.
ومثال الصريح: قول الله تعالى: {والسماء والطارق . وما أدراك ما الطارق . النجم الثاقب}؛ فنصّ الله تعالى على بيان المراد بالطارق بأنه النجم الثاقب، وهذا نصّ صريح في المسألة ليس لأحد قول في مخالفته.
ومثاله الآخر: قول الله تعالى: {حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} فنزول قوله تعالى: {من الفجر} كان متأخراً عن نزول الآية؛ كما في صحيح البخاري من حديث سهل بن سعدٍ، قال: " أنزلت: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض، من الخيط الأسود} ولم ينزل {من الفجر}، فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجله الخيط الأبيض والخيط الأسود، ولم يزل يأكل حتى يتبين له رؤيتهما، فأنزل الله بعد: {من الفجر}؛ فعلموا أنه إنما يعني الليل والنهار)). [طرق التفسير:13 - 14]

جمهرة التفاسير 5 صفر 1439هـ/25-10-2017م 08:26 PM

التفسير المتّصل والتفسير المنفصل
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (التفسير المتّصل والتفسير المنفصل
- وتفسير القرآن بالقرآن منه ما يكون التفسيرُ فيه في موضع الآية المفسَّرة؛ كما في قوله تعالى: {هدى للمتقين . الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون . والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون} فبيّن المراد بالمتقين بذكر أوصافهم وأعمالهم.

- ومنه ما تكون فيه الآية المفسَّرة في موضع، والآية المفسِّرة في موضع آخر، كما في قول الله تعالى: {وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل}، وهذا في سورة النحل؛ والإشارة إلى قول الله تعالى في سورة الأنعام: {وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفرٍ ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظمٍ ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون (146)} وهذا يدل على أن سورة الأنعام نزلت قبل سورة النحل.
وكما في قول الله تعالى في سورة المائدة: {وأحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم} بيانه في قوله تعالى: {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحاً أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم}.

وهذا النوع منه ما يَتيسر الوقوف عليه لتشابه الألفاظ في الموضعين، ومنه لا يَتفطن له إلا الأفذاذ من العلماء، لدقة مأخذ الاستدلال، ولطافة انتزاع المعنى منه، وهو من ميادين التفاضل بين العلماء في التفسير.
وكان ابن عباس رضي الله عنهما من البارعين في هذا النوع.
قال عبد الله بن دينار: كان عمر بن الخطاب يسأل ابن عباس عن الشيء من القرآن ثم يقول: «غُصْ غَوَّاص» رواه الإمام أحمد في فضائل الصحابة). [طرق التفسير:14 - 15]

جمهرة التفاسير 5 صفر 1439هـ/25-10-2017م 08:29 PM

دخول الاجتهاد في تفسير القرآن بالقرآن
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (دخول الاجتهاد في تفسير القرآن بالقرآن
وأما التفسير الاجتهادي للقرآن بالقرآن، فهو تفسير يعتمد فيه المجتهد على استخراج دلالة من آية لبيان معنى آية أخرى من غير أن يكون فيها نصّ صريح في مسألة التفسير.

وهذا الاجتهاد قد يصيب فيه المجتهد وقد يُخطئ؛ فما أصاب فيه المجتهد مرادَ الله تعالى، فقد وفق فيه للكشف عن بيان الله للقرآن بالقرآن، وما أخطأ فيه أو أصاب فيه بعض المعنى دون بعض فلا يصح أن ينسب اجتهاده فيه إلى التفسير الإلهي للقرآن). [طرق التفسير:15]

جمهرة التفاسير 5 صفر 1439هـ/25-10-2017م 08:32 PM

إفادة التفسير بهذا الطريق لليقين
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (إفادة التفسير بهذا الطريق لليقين
والتفسير الاجتهادي قد يُقيم عليه المفسّر دلائل صحيحة تُفيد العلم اليقيني، وقد يقصر بيانه عن بلوغ هذه المرتبة فيفيد الظنّ الغالب، أو يفيد وجهاً معتبراً في التفسير، وقد يُخطئ المجتهد في اجتهاده؛ فهو على هذه المراتب.

فليس كلّ ما يُذكر من تفسير للقرآن بالقرآن يكون صحيحاً لا خطأ فيه؛ بل منه ما يدخله اجتهاد المجتهدين من المفسّرين؛ وقد يخطئ المجتهد وقد يصيب، وقد يصيب بعض المعنى دون بعض، أو يذكر وجها من أوجه التفسير ويغفل ما سواه، وقد يكون في تفسيره ما هو محلّ نظر.

ولكل تلك الأحوال أمثلة كثيرة مبثوثة في كتب التفسير.
- ومن تلك الأمثلة: ما ذكره بعض أهل العلم في تحديد مقدار ما أمر الله بإنفاقه في قوله تعالى: {وأنفقوا مما رزقناكم} حيث ذكر أن من تبعيضية، والتبعيض هنا غير مقدر، والتقدير مبين في قول الله تعالى: {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو}؛ فهذا اجتهاد من المفسر في تفسير القرآن بالقرآن، والدلالة فيه محتملة لكنها غير متعينة؛ فإن الله أثنى على من آثر على نفسه فأنفق ما زاد على قدر العفو فأنفق ما هو محتاج إليه كما في قول الله تعالى: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة}، وأثنى على من أنفق بعض العفو ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص لما أراد أن يوصي بماله: ((الثلث والثلث كثير؛ إنك أن تذر ذريتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس)). رواه البخاري.
ولذلك قال ابن عباس كما في صحيح البخاري: (لو غض الناس إلى الربع لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الثلث والثلث كثير).
- ومن تلك الأمثلة: اختلاف المفسرين في مرجع الضمير في قول الله تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} ؛ فمن أهل العلم من ذهب إلى أن مرجع الضمير إلى أقرب مذكور وهو الذكر، والمراد به هنا القرآن الكريم؛ وهو القول المأثور عن السلف الصالح، منهم مجاهد وقتادة وثابت وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم.
ومن المفسرين من ذهب إلى أن مرجع الضمير إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ أي: وإنا لمحمد صلى الله عليه وسلم لحافظون؛ واستدلوا لذلك بقول الله تعالى: {والله يعصمك من الناس}؛ وقد ذكر هذا الاستدلال الزمخشري والبغوي والقرطبي وغيرهم، وأصل القول ذكره ابن جرير قبلهم لكن من دون هذا الاستدلال.
وهذا الاستدلال فيه نظر، لأن سورة الحجر مكية، وسورة المائدة مدنية؛ وهذا القول خلاف الأصل، وهو أن يرجع الضمير إلى أقرب مذكور ما لم يصرفه صارف؛ ولا صارف هنا.
ولذلك قال الأمين الشنقيطي رحمه الله: (بيّن تعالى في هذه الآية الكريمة أنه هو الذي نزل القرآن العظيم، وأنه حافظ له من أن يزاد فيه أو ينقص أو يتغير منه شيء أو يبدل، وبين هذا المعنى في مواضع أخر كقوله: {وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيمٍ حميدٍ } وقوله: {لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه} إلى قوله: {ثم إن علينا بيانه } وهذا هو الصحيح في معنى هذه الآية أن الضمير في قوله: {وإنا له لحافظون} راجع إلى الذكر الذي هو القرآن.

وقيل: الضمير راجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم كقوله: {والله يعصمك من الناس} والأول هو الحق كما يتبادر من ظاهر السياق)ا.هـ.
- ومن تلك الأمثلة: قول عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في المراد بالأرض في قول الله تعالى: {ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون}
حيث ذهب إلى أن المراد بالأرض هنا الجنة؛ واستدل لذلك بقول الله تعالى: {وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين}
وهذا القول قال به جماعة من السلف، وفي المسألة أقوال أخرى يستدل لها بأدلة أخرى:
فقيل: هي الأرض التي وعدها الله بني إسرائيل كما قال تعالى: {وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمت ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون}
وقال تعالى في شأن فرعون وقومه: {فأخرجناهم من جنات وعيون . وكنوز ومقام كريم . كذلك وأورثناها بني إسرائيل}
وقال تعالى: {إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين . ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين . ونمكن لهم في الأرض..} الآية.
وقيل: هي الأرض يورثها الله المؤمنين في الدنيا كما قال الله تعالى: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم..} الآية.
وهذا من النصر الذي يجعله الله لعباده المؤمنين في الحياة الدنيا، وهو مقتضى العاقبة الحسنة التي كتبها لأوليائه بأن يزيل دولة الباطل مهما عتت وتجبرت ويورث الأرض عباده المؤمنين الذين يعملون الصالحات، وهذا من السنن الكونية التي تحققت كثيراً، كما قال الله تعالى: {وإن جندنا لهم الغالبون} ، وقال: {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد} .
ومن ذلك قول الله تعالى للرسل السابقين: {فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ولنسكننكم الأرض من بعدهم}
وقوله تعالى: {قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين}.
وقوله تعالى في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطؤوها وكان الله على كل شيء قديراً}
وهذا القول ذكر أصله ابن جرير في تفسيره، وزاده إيضاحاً الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في تفسيره أضواء البيان.
والراجح أن دلالة الآية تَسَعُ هذه الأقوال كلها وليس بينها تعارض.
وعلى هذا فتفسير ابن زيد رحمه الله هو بيان لبعض المعنى، وقد استدلَّ له بآية من القرآن ، والأدلة على الأقوال الأخرى أكثر في القرآن الكريم.
والمقصود التنبيه على أنَّه ليس كل ما يُذكر من تفسير القرآن بالقرآن يكون صحيحاً لا خلاف فيه؛ لأن منه ما يكون صادراً عن اجتهاد قد يصيب فيه المفسر وقد يخطئ، وقد يصيب بعض المعنى، وقد يكون لقوله وجه معتبر في حال من الأحوال، فيكون صحيحاً في خصوص ذلك الحال من غير تعميم). [طرق التفسير:15 - 19]

جمهرة التفاسير 5 صفر 1439هـ/25-10-2017م 08:35 PM

عناية العلماء بتفسير القرآن بالقرآن
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (عناية العلماء بتفسير القرآن بالقرآن
وقد اعتنى بهذا النوع من التفسير جماعة من أهل العلم وظهر أثر ذلك فيما نقل عنهم من التفسير.

- فروي عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهم أمثلة كثيرة لتفسير القرآن بالقرآن؛ لكنه غالباً ما يكون مأخذه اجتهاد المفسر لإصابة المعنى المراد ؛ فيستدل لذلك بالقرآن.
واعتنى به بعدهم جماعة من كبار المفسرين ومن أشهر من ظهرت عنايته به في تفاسيرهم: إمام المفسّرين محمّد بن جرير الطبري
وإسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي.
ومحمد الأمين الجكني الشنقيطي في تفسيره أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن.
ولم يزل المفسّرون يقدّمون تفسير القرآن بالقرآن على غيره من أنواع التفسير). [طرق لتفسير:20]

جمهرة التفاسير 5 صفر 1439هـ/25-10-2017م 08:37 PM

المؤلفات في تفسير القرآن بالقرآن
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (المؤلفات في تفسير القرآن بالقرآن
لا تكاد تخلو كتب التفسير المعتبرة من اعتماد على تفسير القرآن بالقرآن، لكن العلماء يتفاضلون في العناية بهذا الطريق، وفي إصابة المعنى المراد به.

وقد أفرد بعض العلماء كتباً في التفسير اعتنوا فيها بتفسير القرآن بالقرآن، ومن تلك الكتب:
1. مفاتيح الرضوان في تفسير الذكر بالآثار والقرآن؛ لمحمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني (ت:1182هـ).
2. تفسير نظام القرآن وتأويل الفرقان بالفرقان، لعبد الحميد الفراهي الهندي (ت:1349هـ)، وهو كتاب قيم مطبوع.
3. تفسير القرآن بكلام الرحمن، لأبي الوفاء ثناء الله الآمرتسري الهندي (ت:1367هـ)، وهو الذي بَاهَل ميرزا غلام أحمد القادياني مؤسس الجماعة الأحمدية في الهند في مطلع القرن الرابع عشر الهجري، وكانت المباهلة على أن الكاذب يموت في حياة الصادق وقد مات ميرزا غلام أحمد عام 1326 ه‍ قبل وفاة ثناء الله الذي مات عام 1367 هـ.
4. أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، لمحمد الأمين الجكني الشنقيطي (ت:1393هـ)، وهو من أجل الكتب في هذا النوع وأعظمها نفعاً). [طرق التفسير:20 - 21]

جمهرة التفاسير 5 صفر 1439هـ/25-10-2017م 09:09 PM

أنواع تفسير القرآن بالقرآن
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (أنواع تفسير القرآن بالقرآن
وتفسير القرآن للقرآن على أنواع كثيرة:

- فمنه تفسير إحدى القراءات لغيرها، وقد قال مجاهد بن جبر رحمه الله: (لو كنت قرأتُ قراءة ابن مسعودٍ لم أحتج أن أسأل ابن عباسٍ عن كثيرٍ من القرآن مما سألت). رواه الترمذي.
وذلك لأنّ القراءات يفسّر بعضها بعضاً.
- ومن ذلك أيضاً تفسير القرآن بما ثبت من الأحرف السبعة، هذا النوع من التفسير من دلائل تقدّم الصحابة رضي الله عنهم في علم التفسير فإنّهم قد علموا من ذلك شيئاً كثيراً مما لم يصل إلينا.
قال أبو عبيد القاسم بن سلام بعد أن ذكر مرويّات في الأحرف السبعة: (فأمَّا ما جاء من هذه الحروف التي لم يؤخذ علمها إلا بالإسناد والروايات التي يعرفها الخاصة من العلماء دون عوام الناس، فإنما أراد أهل العلم منها أن يستشهدوا بها على تأويل ما بين اللوحين، وتكون دلائل على معرفة معانيه وعلم وجوهه، وذلك كقراءة حفصة وعائشة: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر) وكقراءة ابن مسعود: (والسارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهم) ، ومثل قراءة أبي بن كعب (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر، فإن فاءوا فيهن...)، وكقراءة سعد (فإن كان له أخ أو أخت من أمه) وكما قرأ ابن عباس: (لا جناح عليكم أن تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج) ، وكذلك قراءة جابر (فإن الله من بعد إكراههن لهن غفور رحيم).
فهذه الحروف وأشباه لها كثيرة قد صارت مفسِّرة للقرآن، وقد كان يُروى مثل هذا عن بعض التابعين في التفسير فيستحسن ذلك، فكيف إذا روي عن كبار أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ثم صار في نفس القراءة؟ فهو الآن أكثر من التفسير وأقوى، وأدنى ما يستنبط من علم هذه الحروف معرفة صحة التأويل، على أنها من العلم الذي لا تعرف العامة فضله، إنما يعرف ذلك العلماء.
وكذلك يُعتبر بها وجه القراءة، كقراءة من قرأ {يقص الحق} فلما وجدتها في قراءة عبد الله (يقضي بالحق) علمت أنت أنما هي يقضي الحق، فقرأتها أنت على ما في المصحف، واعتبرت صحتها بتلك القراءة.
وكذلك قراءة من قرأ {أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم} لما وجدتها في قراءة أبيّ (تنبّئهم) علمت أن وجه القراءة تُكلّمهم، في أشياء من هذه كثيرة لو تُدُبِّرَت وجد فيها علم واسع لمن فهمه)ا.هـ.
- ومن أنواع تفسير القرآن بالقرآن: تفسير اللفظ بلفظ أشهر منه وأوضح.
- ومنها: بيان المجمل، وتقييد المطلق، وتخصيص العام.
- ومنها: بسط المختصر، وتنويع الأسلوب، واللف والنشر، والتفصيل والإجمال.
والقرآن يصدّق بعضه بعضاً، يأتلف ولا يختلف، وما أجمل منه في موضع بيّن في موضع آخر، أو أحيل إلى بيانه.
وقد أحكم الله آياته وفصّلها وبيّنها ليتدبّرها من تبلغه ويتفكّر فيها، ولا يبلغ الناس أن يحيطوا به علماً، لكنه يكفيهم فيما يحتاجون إليه، ويتفاضلون في العلم به، ومن خفي عليه شيء منه؛ فليكله إلى عالمه.
وقد أفاض الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في مقدمة تفسيره أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن في ذكر أنواع بيان القرآن للقرآن وذكر أنواعاً كثيرة ومثل لكل نوع بمثال.

ومن الأنواع التي ذكرها رحمه الله:
1: تفسير اللفظ بلفظ أشهر منه وأوضح كقوله تعالى في حجارة قوم لوط: {وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل} وبين معناه في الذاريات بقوله تعالى: {قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين . لنرسل عليهم حجارة من طين}.
2: بيان الإجمال الواقع بسبب اشتراك في اسم أو فعل أو حرف.
3: بيان الإجمال الواقع بسبب إبهام في اسم جنس جمعا كان أو مفردا أو اسم جمع أو صلة موصول أو معنى حرف.
4: بيان الإجمال الواقع بسبب احتمال في مفسر الضمير.
5: بيان ما سئل عنه في موضع آخر.
6: بيان ما يفيد تخصيص المعنى اللغوي.
7: بيان ما يفيد خلاف المتبادر إلى الذهن.
8: تفصيل ما ذكر مجملاً في موضع آخر، ولذلك أمثلة كثيرة في القصص والأخبار والمأمورات والمنهيات.
9: أن يُذكر أمر في موضع ثم يُذكر في موضع آخر شيء يتعلق بذلك الأمر كأن يذكر له سبب أو مفعول أو ظرف زمان أو ظرف مكان أو متعلق.
10: بيان أن أحد المعاني الداخلة في معنى الآية هو المقصود.
إلى غير ذلك من أنواع تفسير القرآن بالقرآن). [طرق التفسير:21 - 24]

جمهرة التفاسير 5 صفر 1439هـ/25-10-2017م 09:12 PM

التوسّع في تفسير القرآن بالقرآن
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (التوسّع في تفسير القرآن بالقرآن
ومما ينبغي التفطّن له أن تفسير القرآن بالقرآن قد توسّع فيه بعض المفسّرين حتى صار في بعض ما ذكروه تكلّف ظاهر.

واستعمله بعض أهل الأهواء لمحاولة الاستدلال به على بِدَعِهم وأهوائهم؛ والقرآن حمّالٌ ذو وجوه؛ كما قال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، ومنه محكم ومتشابه فأمّا الذين في قلوبهم زيغ فيتّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله.
ومن ذلك كثرة استدلال نفاة الصفات على تأويل ما ثبت من الصفات الواردة في القرآن بقول الله تعالى: {ليس كمثله شيء}.
وكثرة استدلال نفاة الحكمة والتعليل من الجبرية بقول الله تعالى: {لا يُسأل عمّا يفعل} على ردّ ما يثبت خلاف معتقدهم؛ فيذكرون أموراً لا تليق بحكمة الله جلّ وعلا من لوازم أقوالهم الباطلة، وإذا اعتُرض عليهم استدلوا بقول الله تعالى: {لا يُسأل عما يفعل} .
والأمثلة على انحراف المبتدعة في محاولة تفسير القرآن بالقرآن كثيرة، وفي تفسير الرازي أمثلة كثيرة لهذا النوع من الانحراف.
والتفسير الاجتهادي والخاطئ في تفسير القرآن بالقرآن لا يصحّ اعتبارهما من التفسير الإلهي، ولو ادُّعِيَ فيه أنه تفسير للقرآن بالقرآن). [طرق التفسير:24 - 25]

جمهرة التفاسير 5 صفر 1439هـ/25-10-2017م 09:14 PM

شروط صِحَّة تفسير القرآن بالقرآن
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (شروط صِحَّة تفسير القرآن بالقرآن
ولصحّة قول المفسّر في تفسير القرآن بالقرآن شرطان:
الشرط الأول: صحّة المستدلّ عليه.
والشرط الثاني: صحّة وجه الدلالة.

ولذلك يجب أن لا يخالف التفسير أصلاً صحيحاً من القرآن والسنة وإجماع السلف الصالح؛ فكلّ تفسير اقتضى معنى باطلاً دلّت الأدلّة الصحيحة على بطلانه فهو تفسير باطل يدلّ على خطأ المفسِّر أو وَهْمِه أو تمحُّله.
وقد يكون وجه الدلالة ظاهراً مقبولاً ، وقد يكون خفيّا صحيحاً ، وقد يكون فيه خفاء والتباس فيكون محلّ نظر واجتهاد، وقد يدلّ على بعض المعنى.
والتفسير الذي يخالف صاحبه منهج أهل السنة في التلقي والاستدلال تفسير بدعي خاطئ). [طرق التفسير:25 - 26]

جمهرة التفاسير 5 صفر 1439هـ/25-10-2017م 09:18 PM

أمثلة وتطبيقات:
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (أمثلة وتطبيقات:
1. قال ابن وهب: قال ابن زيد في قوله تعالى: {صَعِيدًا جُرُزًا} قال: (الجرز: الأرض التي ليس فيها شيء، ألا ترى أنه يقول: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الأرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا}). قال: (والجرز: لا شيء فيها، لا نبات ولا منفعة، والصعيد المستوي). رواه ابن جرير.
2. قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب(ت:1232هـ) في كتابه "التوضيح عن توحيد الخلاق": (ومنه قوله تعالى: {وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ} يفهم منه عموم الاستغفار فيرد إلى محكمه وهو قوله: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا....} الآية فإنه لم يأذن الله للمؤمنين أن يستغفروا للمشركين والله لا يغفر أن يشرك به).
3. قال محمد الأمين الشنقيطي: (قوله تعالى: {أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل} لم يبين هنا هذا الذي سئل موسى من قبل ما هو؟
ولكنه بينه في موضع آخر، وذلك في قوله: {يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة}).
4. وقال محمد الأمين الشنقيطي أيضاً رحمه الله: (قوله تعالى: {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم}
لم يصرح هنا بالمراد بما كسبته قلوبهم، ولم يذكر هنا ما يترتب على ذلك إذا حنث، ولكنه بين في سورة «المائدة» أن المراد بما كسبت القلوب، هو عقد اليمين بالنية والقصد، وبيَّن أن اللازم في ذلك إذا حنث كفارة، هي: إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، ومن عجز عن واحد من الثلاثة فصوم ثلاثة أيام، وذلك في قوله: ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم...} الآية)ا.هـ.
فهذا تفسير ببعض المعنى؛ لأن ما تكسبه القلوب أعمّ من عقد الأيمان، فالله تعالى يؤاخذ بما تكسبه القلوب ومن ذلك عقد الأيمان). [طرق التفسير:26 - 27]

جمهرة التفاسير 5 صفر 1439هـ/25-10-2017م 09:23 PM

الباب الثالث:تفسير القرآن بالسنة

تفسير القرآن بالسنة
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (تفسير القرآن بالسنة

أجل طرق التفسير بعد تفسير القرآن بالقرآن تفسير القرآن بالسنة، والسنة وحي من الله جلّ وعلا؛ لقول الله تعالى عن نبيّه صلى الله عليه وسلم: {وما ينطق عن الهوى . إن هو إلا وحي يوحى}.
وقد روى الإمام أحمد وأبو داوود من حديث حريز بن عثمان، عن عبد الرحمن بن أبي عوف، عن المقدام بن معدي كرب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
«ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلّوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرّموه، ألا لا يحل لكم لحم الحمار الأهلي، ولا كل ذي ناب من السبع..». الحديث.
وفي رواية عند أحمد:
«يوشك أحدكم أن يكذِّبَني وهو متكّئ على أريكته يحدَّث بحديثي، فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإنَّ ما حرَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما حرم الله».
قال حسان بن عطية المحاربي: «كان جبريل عليه السلام ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن، ويعلمه إياها كما يعلمه القرآن» رواه الدارمي وابن بطة.
وقال ابنُ كثير: (وقوله تعالى: {وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ} يعني القرآنَ، {وَالحِكْمَةَ} يعني السنة، قاله الحسنُ وقتادة ومقاتلُ بنُ حيان وأبو مالك).
وقال الشافعي: (فذكر الله الكتابَ وهو القرآن، وذكرَ الحكمةَ، فسمعتُ مَن أرضَى مِن أهل العلم بالقرآن يقول: الحكمة: سنة رسول الله)). [طرق التفسير:29 - 30]

جمهرة التفاسير 5 صفر 1439هـ/25-10-2017م 09:29 PM

أنواع السنة
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (أنواع السنة
والسنة مبيّنة للقرآن، وشارحة له، وهي على ثلاثة أنواع: قول النبي صلى الله عليه وسلم، وفعله، وإقراره، وكلّ ما أفهمَ بيانَ مرادِ اللهِ عز وجلّ في كتابه من ذلك بنصّ صريح فهو تفسير نبويٌّ للقرآن.
فمثال التفسير القولي: قول النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير قول الله تعالى: {إن قرآن الفجر كان مشهودا} قال: «تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار» رواه الترمذي
من حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه، وأصله في الصحيحين.
- ومن أمثلته أيضاً ما رواه معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قيل لبني إسرائيل: {ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم} فبدلوا، فدخلوا الباب يزحفون على أستاههم، وقالوا: حبة في شعرة» رواه البخاري ومسلم.
ورواه الترمذي أيضاً ولفظه: (قال: "دخلوا متزحفين على أوراكهم" أي منحرفين).
قال الترمذي:(وبهذا الإسناد عن النبي صلى الله عليه وسلم: {فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم} قال: قالوا: حبة في شعرة).

والتفسير العملي له أمثلة كثيرة:
- منها:
تفسير النبي صلى الله عليه وسلم لمعنى إقامة الصلاة المأمور بها في قول الله تعالى: {وأقيموا الصلاة} وقوله: {أقم الصلاة} بأدائه للصلاة أداءً بيّن فيه أركانها وواجباتها وشروطها وآدابها، وقال لأصحابه:
«صلّوا كما رأيتموني أصلّي» رواه البخاري من حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه.
- ومنها: تفسيره صلى الله عليه وسلم لمعنى إتمام الحجّ المأمور به في قوله تعالى: {وأتمّوا الحجّ والعمرة لله} بأدائه لمناسك الحج على الوجه الذي رضيه الله تعالى، وأمر أصحابه أن يأخذوا عنه مناسكهم.
- وكذلك كثير من العبادات والمعاملات التي ورد الأمر بها في القرآن فإنّ هدي النبي صلى الله عليه وسلم تفسير عملي لمراد الله تعالى بها.

ومثال التفسير بالإقرار:
- إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لعمر لما نزل قول الله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114)} في شأن رجلٍ أذنب ذنباً.
فقال الرجل: يا رسول الله، أهي في خاصة، أو في الناس عامة؟
فقال عمر: (لا، ولا نعمة عين لك، بل هي للناس عامة).
فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وقال:
«صدق عمر» والحديث في مسند الإمام أحمد من طريق يوسف بن مهران عن ابن عباس عن عمر.
- وإقراره لعمرو بن العاص لما تيمم من الجنابة في شدة البرد؛ كما في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داوود من حديث عمران بن أبي أويس عن عبد الرحمن بن جبير المصري، عن عمرو بن العاص قال: احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل؛ فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت، ثم صليت بأصحابي الصبح فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب؟» فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت: إني سمعت الله يقول: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما} فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا).
وتفسير النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن واجب القبول بالشروط المعتبرة لقبول الحديث وهي صحة الإسناد، وسلامة الحديث من الشذوذ والعلة القادحة.
فإذا صحّ التفسير عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجز لأحد مخالفته.
والسنة لا تعارض القرآن أبداً، ومَن توهّم التعارض فهو لخطئه في فهم الآية، أو فهم الحديث، أو أنّ الحديث غير صحيح أو أنّ أحدهما منسوخ.
قال ابن القيم رحمه الله: (السنة مع القرآن على ثلاثة أوجه:
أحدها: أن تكون موافقة له من كل وجه؛ فيكون توارد القرآن والسنة على الحكم الواحد من باب توارد الأدلة وتظافرها.
الثاني: أن تكون بيانا لما أريد بالقرآن وتفسيرا له.
الثالث: أن تكون موجبة لحكم سكت القرآن عن إيجابه أو محرمة لما سكت عن تحريمه.
ولا تخرج عن هذه الأقسام؛ فلا تعارض القرآن بوجه ما، فما كان منها زائدا على القرآن فهو تشريع مبتدأ من النبي صلى الله عليه وسلم، تجب طاعته فيه، ولا تحل معصيته، وليس هذا تقديما لها على كتاب الله، بل هو امتثال لما أمر الله به من طاعة رسوله)ا.ه)ـ. [طرق التفسير:30 - 33]

جمهرة التفاسير 5 صفر 1439هـ/25-10-2017م 09:34 PM

أنواع الأحاديث المتعلقة بالتفسير.
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (
أنواع الأحاديث المتعلقة بالتفسير.
والأحاديث النبوية التي يوردها المفسّرون في تفاسيرهم على نوعين:
النوع الأول: أحاديث تفسيرية ، فيها نصّ على معنى الآية أو معنى متّصل بالآية.
ومن أمثلة هذا النوع حديث أبي هريرة وحديث أبي موسى الأشعري في تفسير قول الله تعالى: {يوم يُكشف عن ساق}.
وهذه الآية في تفسيرها قولان مشهوران مأثوران عن السلف:
أحدهما: أن المراد ساق الله تعالى وهو التفسير النبوي صح تفسير الآية به من حديث أبي هريرة وحديث أبي موسى الأشعري، وهو قول عبد الله بن مسعود وإبراهيم النخعي ورواية عن قتادة.
- فأما حديث أبي هريرة فرواه الدارمي في سننه وابن أبي عاصم في كتاب السنة، كلاهما من طريق محمد بن إسحاق قال أخبرني سعيد بن يسار قال: سمعت أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول :
«إذا جمع الله العباد في صعيد واحد نادى مناد ليلحق كل قوم بما كانوا يعبدون؛ فيلحق كل قوم بما كانوا يعبدون، ويبقى الناس على حالهم؛ فيأتيهم فيقول: ما بال الناس ذهبوا وأنتم ها هنا؟
فيقولون: ننتظر إلهنا.
فيقول: هل تعرفونه؟
فيقولون: إذا تعرَّف إلينا عرفناه؛ فيكشف لهم عن ساقه؛ فيقعون سجودا وذلك قول الله تعالى { يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون } ويبقى كل منافق فلا يستطيع أن يسجد ثم يقودهم إلى الجنة).
والحديث حسن الإسناد قد صرَّح فيه ابن إسحاق بالتحديث عندهما، وقد صرح فيه بتفسير الآية وتلك حجة قاطعة للنزاع.
- وأما حديث أبي موسى الأشعري فرواه ابن أبي عاصم في السنة من طريق علي بن زيد عن عمارة القرشي عن أبي بردة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث طويل وفيه: (فينظرون إلى الله تبارك وتعالى ، فيخرون له سجدا ، ويبقى قوم في ظهورهم مثل صياصي البقر ، فيريدون أن يسجدوا فلا يقدرون على ذلك ، وهو قول الله تعالى: {يوم يكشف عن ساق ، ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون}
- وأما أثر ابن مسعود فرواه عبد الرزاق وابن جرير ومحمد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة، والدارقطني في كتاب الرؤية.
وأما حديث أبي سعيد المشهور في الصحيحين فليس فيه تصريح بتفسير الآية به، ومع هذا فقد فسر الآية به بعض السلف لأن ذكر الساق في الآية ورد مجملاً وقد بينته السنة كما فعل البخاري في صحيحه حيث بوب باباً في كتاب التفسير باب يوم يكشف عن ساق، ثم ذكر فيه حديث أبي سعيد الخدري.
وقد قال بهذا القول محمد بن نصر المروزي وابن جزي في التسهيل، وابن القيم.
القول الثاني: المعنى "يكشف عن كرب وشدة" وهو قول ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة، ورواية عن قتادة، وهو قول تحتمله اللغة لولا ما صح من التفسير النبوي.
- وكثير من مفسري أهل السنة ذكروا القولين كما فعل ابن جرير والبغوي وابن كثير وغيرهما مع تسليمهم وإيمانهم بما صح من أحاديث صفة الساق على ما يليق بجلال الله وعظمته.
وأما المعتزلة والأشاعرة فقد سلكوا مسلك التأويل في الآية والأحاديث.
فهذا مثال على النوع الأول من الأحاديث التي يذكرها المفسرون في تفاسيرهم، وهي الأحاديث التفسيرية التي فيها نصّ على التفسير.
والنوع الآخر: أحاديث ليس فيها نصّ على معنى الآية لكن يمكن أن تفسّر الآية بها بنوع من أنواع الاجتهاد، وهذا الاجتهاد قد يكون ظاهر الصحّة والدلالة على المراد، وقد يكون فيه بعد، وقد يكون محلّ نظر واحتمال.
ومن أمثلة هذا النوع ما في الصحيحين وغيرهما من حديث عبد الله بن طاووس بن كيسان، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: ما رأيت شيئا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اللسان المنطق، والنفس تمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك كله ويكذبه».
فهذا الحديث ليس فيه نصّ على لفظ اللمم، لكن فهم منه ابن عباس معنى اللمم.
والعلماء يتفاضلون في استنباط المعاني المتصلة بالآيات من الأحاديث تفاضلاً كبيراً، والمتأمّل في الأحاديث التي ينتزع منها العلماء معاني تتصل بتفسير الآيات يجد أنه من المتعذر الإحاطة بجمع الأحاديث التي لها صلة بالتفسير، وأن المؤلفات التي ألّفت في محاولة جمع التفسير النبوي لا يمكن أن تحيط به). [طرق التفسير:33 - 36]

جمهرة التفاسير 5 صفر 1439هـ/25-10-2017م 09:36 PM

اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم في التفسير
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم في التفسير
النبي صلى الله عليه وسلم هو إمام المجتهدين، واجتهاده في التفسير كاجتهاده في غيره من مسائل الدين، فيجتهد في فهم النص، وفيما لا نصّ فيه، لكنه معصوم من أن يُقَرَّ على خطأ.
فإن أصاب في اجتهاده أقرّه الله، كما أقرّه الله على اجتهاده إذ شرب اللبن لمّا خيره جبريل بين اللبن والخمر، واجتهاده في قتال الكفار يوم أحد خارج المدينة، واجتهاده في ترك هدم البيت وإعادة بنائه على قواعد إبراهيم.
وما أخطأ فيه فإنّ الله تعالى يبيّن له ولا يقرّه على خطئه، وذلك كاجتهاده في أخذه الغنائم يوم بدر قبل الإثخان في قتل الكفار، واجتهاده في التصدي لأكابر الكفار وإعراضه عن الأعمى، واجتهاده في إذنه لبعض المنافقين في التخلف عن غزوة العسرة.
وفي صحيح البخاري ومسند الإمام أحمد وسنن الترمذي والنسائي من حديث ابن عباس قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: " لما توفي عبد الله بن أبي دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة عليه؛ فقام إليه فلما وقف يريد الصلاة تحولت حتى قمت في صدره فقلت: يا رسول الله! أعلى عدو الله عبد الله بن أبي القائل يوم كذا: كذا وكذا؟ يعدّ أيامه.
قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتبسم حتى إذا أكثرتُ قال: أخّر عني يا عمر! إني خيرت فاخترت وقد قيل لي: {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم}، لو أعلم أني لو زدت على السبعين غفر له لزدت
».
قال: ثم صلى عليه ومشى معه؛ فقام على قبره حتى فرغ منه.
قال: فعجب لي وجرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ورسوله أعلم؛ فو الله ما كان إلا يسيرا حتى نزلت هاتان الآيتان: {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون}.
قال: فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده على منافق ولا قام على قبره حتى قبضه الله)). [طرق التفسير:36 - 37]

جمهرة التفاسير 5 صفر 1439هـ/25-10-2017م 10:36 PM

خصائص التفسير النبوي.
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (خصائص التفسير النبوي.
مما ينبغي أن يُعلم أن تفسير النبي صلى الله عليه وسلم له خصائص امتاز بها عن غيره من التفاسير:

1. فمن ذلك: أنه تفسير معصوم من الخطأ ابتداء أو إقراراً؛ فكلّ ما صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير القرآن فهو حجّة لا خطأ فيه.
والنبي صلى الله عليه وسلم قد يجتهد في التفسير كما يجتهد في سائر الأحكام لكنه معصوم من أن يُقرّ على خطأ في بيان ما أنزل الله إليه.
2. ومن ذلك: أن تفسير النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن قد يكون معه تخصيص لدلالة اللفظ أو توسيع لها ، وكلّ ذلك حجّة عنه صلى الله عليه وسلم.
ومن أمثلة ذلك:
أ- حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}». رواه مسلم.
ب- وحديث يَعْلَى بن أُمَية قال: سألتُ عمر بن الخطاب قلت: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} وقد أمنَ الناس؟ فقال لي عمر: عجبتُ مما عجبت منه فسألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ فقال: "صدَقةٌ تَصَدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته". رواه مسلم.
3. ومن ذلك: أن تفسير النبي صلى الله عليه وسلم قد يكون معه إخبار عن مغيّبات لا تُعلم إلا بالوحي، ولذلك أمثلة كثيرة:
منها: حديث علقمة بن مرثد، عن سعد بن عبيدة، عن البراء بن عازب رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
«إذا أقعد المؤمن في قبره أتي، ثم شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فذلك قوله: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت}». متفق عليه.
ومنها: حديث سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«إذا أحب الله عبدا نادى جبريل: إني قد أحببت فلانا فأحبه، قال: فينادي في السماء، ثم تنزل له المحبة في أهل الأرض، فذلك قول الله: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا}، وإذا أبغض الله عبدا نادى جبريل: إني قد أبغضت فلانا، فينادي في السماء ثم تنزل له البغضاء في الأرض». رواه أحمد والترمذي وأصله في الصحيحين.
ومنها: حديث الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«يجيء نوح وأمته، فيقول الله تعالى، هل بلغتَ؟ فيقول: نعم أي رب.
فيقول لأمته: هل بلغكم؟

فيقولون: لا، ما جاءنا من نبي.
فيقول لنوح: من يشهد لك؟
فيقول: محمد صلى الله عليه وسلم وأمته.
فنشهد أنه قد بلغ، وهو قوله جل ذكره: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس} والوسط العدل
». رواه البخاري.
وهذا النوع من التفسير لا يبلغه علم أحد من البشر إلا بالوحي الذي أوحاه الله إلى نبيه صلى الله عليه وسلم). [طرق التفسير:38 - 40]

جمهرة التفاسير 5 صفر 1439هـ/25-10-2017م 10:38 PM

مسائل في التفسير النبوي
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (مسائل في التفسير النبوي
ومما ينبغي أن يعلم أن التفسير النبوي قد يكون فيه تنبيه على بعض أفراد العام، وإلحاق النظير بنظيره، أو التنبيه لما هو أولى منه بالحكم، ولذلك أمثلة منها:
1. تفسير الغاسق بالقمر في حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: قالت عائشة أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فأراني القمر حين طلع ؛ فقال:
«تعوذي بالله من شر هذا الغاسق إذا وقب». رواه أحمد والنسائي في السنن الكبرى.
وهذا تنبيه على شرّ لغاسق من جملة الغواسق قد يُغفل عنه، واسم الغاسق أعمّ من ذلك.
قال ابن جرير: (الليلُ إذا دخل في ظلامه: غاسق، والنجم إذا أفل: غاسق، والقمر: غاسق إذا وقب، ولم يخصِّص بعضَ ذلك، بل عمَّ الأمرَ بذلك؛ فكلُّ غاسق فإنه صلى الله عليه وسلم كان يؤمر بالاستعاذة من شرّه إذا وقب) ا.هـ.
2. وتفسير المسجد الذي أسس على التقوى بأنه مسجده صلى الله عليه وسلم، مع أن سياق الآية في مسجد قباء، ففي الصحيحين من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه، قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت بعض نسائه، فقلت: يا رسول الله، أي المسجدين الذي أسس على التقوى؟
قال: فأخذ كفا من حصباء، فضرب به الأرض، ثم قال: «هو مسجدكم هذا» لمسجد المدينة).
وفي صحيح البخاري من حديث الزهري عن عروة في خبر قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة قال: (فلبث رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة، وأسس المسجد الذي أسس على التقوى، وصلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ركب راحلته، فسار يمشي معه الناس حتى بركت عند مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة).
وبنو عمرو بن عوف هم أهل قباء.
وقد روى سعيد بن منصور عن عمار الدهني أنه قال: دخلت مسجد قباء أصلي فيه، فالتفتُّ عن يميني فأبصرني أبو سلمة بن عبد الرحمن؛ فقال: (أحببتَ أن تصلي في المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم؟).
وأبو سلمة هو راوي الحديث المتقدّم في أن المسجد الذي أسس على التقوى هو المسجد النبوي ، لكن هذا محمول على أنه للتنبيه على أن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أولى بهذه الفضيلة من مسجد قباء.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (قد ثبت عنه في الصحيحين أنه كان يأتي قباء كل سبت راكبا وماشيا، وذلك أن الله أنزل عليه: {لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه} وكان مسجده هو الأحق بهذا الوصف، وقد ثبت في الصحيح أنه سئل عن المسجد المؤسس على التقوى؛ فقال:
« هو مسجدي هذا » يريد أنه أكمل في هذا الوصف من مسجد قباء، ومسجد قباء أيضا أسس على التقوى، وبسببه نزلت الآية).
وقال أيضاً: (فأراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن لا يظن ظان أن ذاك هو الذي أسس على التقوى دون مسجده فذكر أن مسجده أحق بأن يكون هو المؤسس على التقوى فقوله: {لمسجد أسس على التقوى} يتناول مسجده ومسجد قباء ويتناول كل مسجد أسس على التقوى بخلاف مساجد الضرار).
وقال أيضاً: (ثبت في الصحيح عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتي قباء كل سبت راكبًا وماشيًا، كان يقوم في مسجده يوم الجمعة، ويقوم في قباء يوم السبت؛ لقوله تعالى: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ} وهذا يتناول مسجده، ومسجدَ قباء، ومسجدُه أحق بذلك من مسجد قباء، كما ثبت في الصحيح أنه سُئل عن المسجد الذي أسس على التقوى فقال: «هُوَ مَسْجِدِي هَذَا» أي: هو أحق بهذا الوصف من غيره، كما قال لأهل الكساء: علي، وفاطمة، وحسن، وحسين: «اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا» أي: هم أحق بذلك من غيرهم، والحصر يكون حصرًا للكمال كما تقول: عبد الله العالم، وإلا فالقرآن يدلّ على أن مسجد قباء أسس على التقوى، وعلى أن أزواجه من أهل بيته)ا.هـ). [طرق التفسير:40 - 42]

جمهرة التفاسير 5 صفر 1439هـ/25-10-2017م 10:39 PM

متى يصار إلى التفسير بالسنة.
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (متى يصار إلى التفسير بالسنة.
الأخذ بالسنة مع القرآن فرض واجب، ولا يجوز ترك الاحتجاج بالسنة متى عُلم بها، وعلى طالب علم التفسير أن يطلب البيان النبوي من مظانّه ما أمكنه ذلك.
وأما الحديث الذي يرويه الحارث بن عمرو ابن أخي المغيرة بن شعبة، عن أناس من أهل حمص من أصحاب معاذ بن جبل، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يبعث معاذا إلى اليمن قال: «كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟»
قال: أقضي بكتاب الله.
قال: «فإن لم تجد في كتاب الله؟».
قال: فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: «فإن لم تجد في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا في كتاب الله؟»
قال: أجتهد رأيي، ولا آلو؛ فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره، وقال: «الحمد لله الذي وفق رسولَ رسولِ الله لما يرضي رسولَ الله» رواه أحمد والدارمي وأبو داوود والترمذي وغيرهم.
فهذا الحديث ضعفه جماعة من أهل العلم لأجل انقطاع إسناده وجهالة حال الحارث بن عمرو، ولأجل علّة في متنه.
قال الترمذي: (هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وليس إسناده عندي بمتصل).
وذكر البخاري هذا الحديث في ترجمة الحارث بن عمرو في التاريخ الكبير وقال: ("لا يصح، ولا يعرف إلا بهذا، مرسل).
وأما علة المتن؛ فإنّه فُهم منه أنه لا يقضي بالسنة إلا إذا لم يجد شيئاً في كتاب الله، ومن فهم هذا من أهل العلم أعلّ الحديث به؛ فإنّ طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم واجبة بكل حال، ولا تكون موقوفة على حال عدم وجود نص من القرآن، بل يجب الأخذ بالقرآن والسنة معاً؛ فالسنة مبيّنة للقرآن، وقد تخصص عمومه، وتقيّد مطلقه، واختلف في نسخ السنة للقرآن، والصحيح جوازه، لكن ليس له مثال يخلو من اعتراض وجيه.
ومن أهل العلم من لم يفهم من هذا الحديث هذا المعنى المستنكر الذي ذكره من اعترض على متن الحديث، واستدلوا بهذا الحديث على تقديم النص على الرأي، وعلى ترتيب الأدلة، فالقرآن أشرف رتبة من السنة، والسنة تابعة للقرآن مبيّنة له، والترتيب عندهم ترتيبٌ ذِكْري لا ترتيب احتجاجي، فإن السنة حجّة في جميع الأحوال، وإذا اجتمع في المسألة دليل من القرآن ودليل من السنة قدّم دليل القرآن، وجعل دليل السنة كالبيان له، والاجتهاد في فهم النص ملازم له). [طرق التفسير:43 - 44]

جمهرة التفاسير 5 صفر 1439هـ/25-10-2017م 10:42 PM

التحذير من فتنة القرآنيين
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (التحذير من فتنة القرآنيين
وقد ضلّ في هذا الباب طائفة تلقّبوا بالقرآنيين، زعموا الاكتفاء بالقرآن، وأنّ الأخذ بالسنة غير لازم، وضلوا بذلك ضلالاً مبيناً، فأحدثوا في صفة الصلاة وسائر العبادات بدعاً شنيعة زعموا أنهم استدلوا على كيفيتها بالقرآن من غير حاجة إلى السنة، منها أنّ بعضهم يسجد على ذقنه لا على جبهته احتجاجاً بقول الله تعالى: {يخرون للأذقان سجدا} ولهم في هذا الباب ضلالات كثيرة.
وزعموا أنه لا حاجة إلى البحث في صحيح الأحاديث وضعيفها؛ لأن الأخذ بالسنة غير لازم مع وجود القرآن.
وهذه الطائفة من صنائع الإنجليز بأرض الهند في القرن التاسع عشر الميلادي، وكان زعيمها رجل يقال له: أحمد خان؛ بدأ توجهه بالتفسير العقلي للقرآن، والإعراض عن الاحتجاج بالسنة، ثم تلاه عبد الله جكرالوي في الباكستان، وأسس جماعة أهل الذكر والقرآن ودعا إلى اعتبار القرآن المصدر الوحيد لأحكام الشريعة.
وتتابع لهذه الطائفة رموز وجمعيات أسّست لخدمتهم، ونشر أفكارهم، وغرضها محاولة هدم الدين الإسلامي بأيدي المنتسبين إليه.
وفي مصر تزعَّم هذه الطائفةَ رجلٌ يقال له: أحمد صبحي منصور ، وكان مدرّساً في الأزهر ففُصِل منه بسبب إنكاره للسنة، ثم انتقل إلى أمريكا وأسس المركز العالمي للقرآن الكريم، وبثَّ أفكاره من هناك، وله أتباع ومناصرون في مصر وخارجها.
ولهذه الطائفة شبهات وطرق في محاولة التشكيك في السنة، تلقفوا كثيراً منها عن المستشرقين.
والمقصود أن تفسير القرآن بالسنة أصل من أصول التفسير التي يجب الأخذ بها، وأن تفسير القرآن بالسنة منه تفسير نصّي، ومنه تفسير اجتهادي، يجتهد فيه المفسّر في انتزاع الدلالة من الحديث على التفسير.
والاجتهاد على مراتب؛ فمنه اجتهاد ظاهر الصحة لقوّة دلالته على التفسير، ومنه اجتهاد خاطئ لعلّة من العلل التي يظهر بها لأهل العلم أن المجتهد قد أخطأ في اجتهاده، ومتى تبيّن خطأ القول
وجب ردّه، ومن الاجتهاد ما هو محلّ نظر وتأمّل). [طرق التفسير:44 - 46]

جمهرة التفاسير 5 صفر 1439هـ/25-10-2017م 10:44 PM

تفاوت رتب الأحاديث المروية في التفسير
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (تفاوت رتب الأحاديث المروية في التفسير
والأحاديث المروية في التفسير منها أحاديث صحيحة، ومنها دون ذلك، بل مما يروى في التفسير ما هو مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما ما يروى عن الإمام أحمد رحمه الله أنه قال: (ثلاثة كتب ليس فيها أصول: المغازي، والملاحم، والتفسير). رواه ابن عدي في الكامل، ورويت عنه هذه الكلمة من أوجه أخرى بألفاظ مقاربة.
فإن مراد الإمام أحمد رحمه الله هو انتقاد ما شاع في عصره من الكتب المؤلفة في هذه العلوم الثلاثة، كتفسير الكلبي ومقاتل بن سليمان ، ومغازي الواقدي وسيف بن عمر ونحو هذه الكتب، وبيان تضمنها لكثير من الأقوال المرسلة التي لا أصل لها، وكثير من الأخبار الباطلة التي تروى بأسانيد واهية، وهذا لا يعني أنه لا يصح في التفسير والمغازي والملاحم أحاديث وآثار؛ هذا بعيد عن مراد الإمام أحمد، فإنه قد صح من ذلك شيء كثير لكنه متفرق في مصنفات متعددة وقد روى هو رحمه الله في مسنده أحاديث وآثاراً صحيحة وحسنة في هذه العلوم الثلاثة.
ومعرفة تأريخ هذه المقولة مهم جداً في معرفة مراده؛ وذلك لأن بعض طلاب العلم قد ينصرف ذهنه إلى أن المراد به مثل تفسير ابن جرير وابن أبي حاتم وعبد بن حميد وغيرها وما جمعه أصحاب الكتب الستة من الأحاديث والآثار في التفسير وهذه كلها إنما كتب عامّتها بعد الإمام أحمد، وهي أمثل ما كتب في التفسير بالمأثور، ومع هذا تضمن بعضها أخباراً لا تثبت، وأخرى يحتاج الناظر فيها إلى التدقيق والتمحيص لتمييز الصحيح من الضعيف.
وتمييز الصحيح من الضعيف والباطل من واجب أهل الحديث، وطالب علم التفسير إذا أمكنه أن يعرف الصحيح من الضعيف فالواجب عليه أن يتوقّى اعتماد الأحاديث الضعيفة في التفسير، وليستعن على معرفة علل التضعيف بأقوال الأئمة النقاد الذين هم أهل هذا الشأن، وليتعلم من طريقتهم ما يمكّنه أن يسير على منهجهم.
ومن قصر عن ذلك فليقلّد عالماً من أهل الحديث يستفيد منه معرفة الصحيح من الضعيف من مرويات التفسير). [طرق التفسير:46 - 47]

جمهرة التفاسير 5 صفر 1439هـ/25-10-2017م 10:46 PM

أنواع الضعف في المرويات:
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (أنواع الضعف في المرويات:
والضعف في المرويات إما أن يكون من جهة الإسناد، وإما أن يكون من جهة المتن:
أ: فأما ضعف الإسناد فهو على درجتين:
إحداهما: الضعف الشديد، وهو ما يكون من رواية متروكي الحديث من الكذابين، والمتّهمين بالكذب، وكثيري الخطأ في الرواية؛ فهؤلاء رواياتهم لا تتقوّى بتعدد الطرق، ولا يُعوَّل عليها.
والأخرى: الضعف غير الشديد، وهو ما يقبل التقوية بتعدد الطرق، وهو على أنواع؛ فمنه ما يكون من رواية الراوي ضعيف الضبط، وما يكون من رواية بعض المدلسين، وبعض الانقطاع في الإسناد، ونحو ذلك من العلل التي توجب ضعف الإسناد في نفسه، لكنَّها لا تمنع تقويته بتعدد الطرق؛ فما تعدّدت طرقه واختلفت مخارجه ولم يكن في متنه نكارة فيحكم بصحته.
وإن لم تتعدّد طرقه ولم يكن في المتن نكارة من أهل العلم من رأى التوسّع في رواياته في الفضائل ونحوها؛ ومنهم من يشدّد، لكن جرى عمل أكثر أهل العلم على الاستئناس بها في التفسير؛ فقد تُعضد بأصل من أصول التفسير أو استنباط صحيح؛
ويقع في بعض الأسانيد خلاف بين اهل العلم في تصحيحها وتضعيفها، وأمّا ما كان شديد الضعف في الإسناد أو منكر المتن فلا يقبل.
ب: وأما المتون التي تُروى بالأسانيد الضعيفة فهي على ثلاثة أنواع:
النوع الأول: متون صحيحة المعنى لا نكارة فيها، قد دلّت عليها أدلّة أخرى، فيكون في الأدلة الصحيحة ما يُغني عن الاستدلال بما روي بالأسانيد الضعيفة، وقد تُصحح بعض مرويات هذا النوع إذا كان الإسناد غير شديد الضعف.
والنوع الثاني: ما يُتوقّف في معناه فلا يُنفى ولا يُثبت إلا بدليل صحيح، فمرويّات هذا النوع تُردُّ حكماً لضعف إسنادها؛ لكن لا يقتضي ذلك نفي المتن ولا إثباته؛ إلا أن يظهر لأحد من أهل العلم وجه من أوجه الاستدلال المعتبرة فيخرج من هذا النوع ويحكم بنفيه أو إثباته، ومن لم يتبيّن له الحكم فيكل علمَ ذلكَ إلى الله تعالى.
والنوع الثالث: ما يكون في متنه نكارة أو مخالفة لما صحّ من النصوص أو مجازفة بكلام عظيم لا يُحتمل من ضعفاء الرواة؛ فهذا حكمه الردّ.
وقد يقع في بعض المرويات ما يتردد بين نوعين، وما يختلف فيه أهل العلم تصحيحاً وتضعيفاً). [طرق التفسير:47 - 49]

جمهرة التفاسير 5 صفر 1439هـ/25-10-2017م 10:51 PM

الباب الرابع:تفسير القرآن بأقوال الصحابة رضي الله عنهم

تفسير القرآن بأقوال الصحابة رضي الله عنهم
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (تفسير القرآن بأقوال الصحابة رضي الله عنهم
من طرق التفسير: تفسير القرآن بأقوال الصحابة رضي الله عنهم، فإن التفسير علم جليل، ولكل علم أهله وأئمته، والصحابة رضي الله عنهم أعلم الأمة بالقرآن بعد النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد علمهم النبي صلى الله عليه وسلم وأدّبهم وزكّاهم، وشهدوا من وقائع التنزيل وعرفوا من أحوال النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته وجهاده وشؤونه العامة والخاصة ما تقدّموا به على غيرهم في العلم بالقرآن.
وكان لكثرة اجتماعهم بالنبي صلى الله عليه وسلم، وصلاتهم معه خمس مرات في اليوم، واستماعهم لخطبه ووصاياه، وحضورهم لمجالسه؛ وتلقّيهم القرآن منه، وتمكّنهم من سؤاله عمّا يحتاجون إليه؛ وتنوّع معاملاتهم معه، كلّ ذلك كان له أثر عظيم النفع في معرفتهم لمعاني ما يتلوه عليهم من القرآن.
وكان تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه الكتاب والحكمة وتزكيته إيّاهم، وتأدّبهم بالأدب النبويّ المبارَك من أجلّ أسباب انتفاعهم بالقرآن العظيم وفهمهم لمعانيه وتيسّر العمل به، كما قال الله تعالى: { لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164)}، والصحابة أوفر الناس حظاً بهذه الآية.
ومن الأوجه الجليلة في تفضيلهم وتقديم تفسيرهم رِضَا الله تعالى عنهم، وتزكيته لهم وطهارة قلوبهم وزكاة نفوسهم ، وما فضلوا به غيرهم من الفهم الحسن والعلم الصحيح والعمل الصالح ،وكل ذلك كان له أثره البيّن في توفيقهم لحسن فهم معاني القرآن الكريم.
ومن أوجه تقديم الصحابة رضي الله عنهم في التفسير علمهم بالقراءات وبالأحرف السبعة وبما نسخت تلاوته.
- عن عاصم بن أبي النجود، عن زر بن حبيش، قال: قال لي أبي بن كعب: (يا زر، كأين تعد؟)، أو قال: (كأين تقرأ سورة الأحزاب؟).
قلت: اثنتين وسبعين آية، أو ثلاثا وسبعين آية.
فقال: (إن كانت لتعدل سورة البقرة، وإن كنا لنقرأ فيها آية الرجم).
قلت: وما آية الرجم؟
قال: ({إذا زنا الشيخ والشيخة فارجموهما البتة نكالا من الله. والله عزيز حكيم})). رواه أبو عبيد.
ومن أوجه تفضيلهم علمهم بمواضع النزول وشهودهم لوقائعه وأسبابه وأحواله، وهذه المعرفة العزيزة لا يقاربهم فيها أحد بعدهم، ولها أثر كبير في معرفة معاني القرآن، وفهم مقاصده.
- قال أبو الطفيل عامر بن واثلة رضي الله عنه: شهدت عليا وهو يخطب ويقول: سلوني عن كتاب الله، فو الله ما من آية إلا وأنا أعلم بليل نزلت أم بنهار وأم في سهل، أم في جبل). رواه عبد الرزاق في تفسيره من طريق معمر عن وهب بن عبد الله الكوفي، عن أبي الطفيل.
- وقال أيضاً: «والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيما نزلت، وأين نزلت، وعلى من نزلت، إن ربي وهب لي قلبا عقولا، ولسانا طلقا» رواه ابن سعد في الطبقات وأبو نعيم في الحلية من طريق أبي بكر بن عياش عن نصير بن أبي الأشعث عن سليمان بن ميسرة الأحمسي عن أبيه عنه، نصير وسليمان ثقتان.
- وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «والله الذي لا إله غيره، ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا أنا أعلم أين أنزلت، ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا أنا أعلم فيم أنزلت، ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله، تبلغه الإبل لركبت إليه»
رواه البخاري ومسلم من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه.
- وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن: «ما رأيت أحدا أعلم بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أفقه في رأي إن احتيج إلى رأيه، ولا أعلم بآية فيما نزلت، ولا فريضة من عائشة» رواه ابن سعد.
ومن أوجه تفضيلهم فصاحة لسانهم العربي، ونزول القرآن بلغتهم، وفي ديارهم، وسلامتهم من اللحن والضعف الذي حدث بعد زمانهم؛ فما يتعلمه المتعلمون في علوم اللغة العربية قد حصلوا أكثره بسليقتهم من غير تكلّف، وفرقٌ كبيرٌ بين من يفهم عامّة الخطاب لسلامة لسانه وحسن معرفته بمعاني المفردات وفنون الأساليب وبين من يحتاج إلى التفتيش في المعاجم ودراسة كتب كثيرة ليدرك بعض تلك المعاني والأساليب.
ومن أوجه تفضيل الصحابة وتقدّمهم في علم التفسير سلامتهم من الأهواء والفتن والفرق التي حدثت بعد زمانهم، وما قذفت به كلّ فرقة من الشبهات والتضليلات.
وفي صحيح مسلم من حديث زيد بن وهب، عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة، عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدلَّ أمته على خيرِ ما يعلمه لهم، وينذرهم شرَّ ما يعلمه لهم، وإن أمَّتكم هذه جُعل عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاء، وأمور تنكرونها، وتجيء فتنة فيرقق بعضها بعضا..)) الحديث.
- قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (فقولنا بتفسير الصحابة والتابعين لعِلْمنا بأنهم بلغوا عن الرسول صلى الله عليه وسلم ما لم يصل إلينا إلا بطريقهم، وأنهم علموا معنى ما أنزل الله على رسوله تلقياً عن الرسول؛ فيمتنع أن نكونَ نحن مصيبين في فهم القرآن وهم مخطئون، وهذا يُعلم بطلانه ضرورة، عادةً وشرعاً)ا.هـ.
والمقصود أن كلّ ما تقدّم يبيّن لنا أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا أقرب طبقات الأمّة إلى فهم مراد الله تعالى بكتابه، وأقرب إلى فهم مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعرفة بيانه للقرآن، وهم أئمة هذا العلم، ومنار طريقه.
وقد سبق الحديث عن طرق الصحابة رضي الله عنهم في تعلّم التفسير وتعليمه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بما أغنى عن إعادته). [طرق التفسير:51 - 54]

جمهرة التفاسير 5 صفر 1439هـ/25-10-2017م 10:54 PM

تفاضل الصحابة في العلم بالتفسير:
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (تفاضل الصحابة في العلم بالتفسير:
والصحابة – رضي الله عنهم - يتفاضلون في العلم بالتفسير؛ فلعلماء الصحابة وقرّائهم وكبرائهم مزيد عناية بالعلم بالقرآن كالخلفاء الأربعة ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وابن مسعود وأبي الدرداء وسلمان الفارسي وحذيفة بن اليمان وزيد بن ثابت وعائشة وأبي هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص وابن عباس وأبي موسى الأشعري، وجابر بن عبد الله، وابن عمر، وأبي سعيد الخدري، وأنس بن مالك.

قال مسروق بن الأجدع: «لقد جالست أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فوجدتهم كالإخاذ، فالإخاذ يروي الرجل، والإخاذ يروي الرجلين، والإخاذ يروي العشرة، والإخاذ يروي المائة، والإخاذ لو نزل به أهل الأرض لأصدرهم، فوجدت عبد الله بن مسعود من ذلك الإخاذ» رواه ابن سعد في الطبقات، والبيهقي في المدخل إلى السنن الكبرى، وابن عساكر في تاريخه.
- قال أبو عبيدة: (الإخاذ بغير هاء وهو مجتمع الماء، شبيه بالغدير)). [طرق التفسير:54 - 55]

جمهرة التفاسير 5 صفر 1439هـ/25-10-2017م 10:57 PM

تعظيم الصحابة رضي الله عنهم لشأن التفسير:
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (تعظيم الصحابة رضي الله عنهم لشأن التفسير:
وكان الصحابة رضي الله عنهم على قدر كبير من التورع عن القول في القرآن بغير علم، وقد أدّبهم النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك أدباً حسناً، فلزموا تأديبه وهديه، وقد ورد في ذلك أحاديث:

منها: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: هجَّرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما، فسمع أصوات رجلين اختلفا في آية.
قال: فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعرف في وجهه الغضب، فقال: «إنما هلك من كان قبلكم، باختلافهم في الكتاب» رواه أحمد ومسلم والنسائي في الكبرى من طريق أبي عمران الجوني، عن عبد الله بن رباح الأنصاري، عن عبد الله بن عمرو.
وأخرجه الإمام أحمد أيضاً من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أَنّ نَفَراً كانوا جلوساً بباب النبي صلي الله عليه وسلم؛ فقال، بعضهم ألم يَقُلِ اللهُ كذا وكذا؟ وقال بعضهم: ألم يَقُل الله كذا وكذا؟
فسمع ذلك رسول الله صلي الله عليه وسلم؛ فخرج كأنما فُقِيءَ في وجهه حَبُّ الرُّمَّان، فقال: بهذا أُمرْتُم؟! أَو بهذا بُعثتُمْ؟! أَنْ تَضْربوا كتابَ الله بعضَه ببعضٍ! إنما ضلَّت الأُمم قبلَكم في مثلَ هذا، إنكم لستم ممّا ها هنا في شيء، انظروا الذي أُمِرتم به فاعملوا به، والذي نُهيتُمْ عنه فانْتَهوا).
ورواه معمر بن راشد ومن طريقه الإمام أحمد في مسنده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم قوما يتدارءون القرآن، فقال: " إنما هلك من كان قبلكم بهذا، ضربوا كتاب الله بعضه ببعض، وإنما نزل كتاب الله يصدق بعضه بعضا، فلا تكذبوا بعضه ببعض، فما علمتم منه فقولوا، وما جهلتم، فكلوه إلى عالمه "
- ومنها حديث عبد الله بن أبي مليكة، عن القاسم بن محمد، عن عائشة، قالت: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات، فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، وما يعلم تأويله إلا الله، والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا، وما يذكر إلا أولو الألباب} قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم» متفق عليه.
ورواه ابن ماجه من طريق ابن أبي مليكة عن عائشة ، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يا عائشة، إذا رأيتم الذين يجادلون فيه، فهم الذين عناهم الله، فاحذروهم»
قال الترمذي: وقد سمع [ابن أبي مليكة] من عائشة أيضاً.
- ومنها: ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما من طرق عن أبي عمران الجوني، عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اقرءوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم، فإذا اختلفتم فقوموا عنه».
وهذا التعليم والتأديب من النبي صلى الله عليه وسلم أخذه الصحابة رضي الله عنهم أحسن الأخذ؛ وانتهجوه أحسن الانتهاج، وظهرت آثاره على هديهم ووصاياهم.
قال عبد الله بن أبي مليكة: سئل أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - عن آية من كتاب الله - عز وجل -، قال: أيَّة أرض تقلني، أو أيَّة سماء تظلني، أو أين أذهب، وكيف أصنع إذا أنا قلت في آية من كتاب الله بغير ما أراد الله بها؟). رواه سعيد بن منصور.
وابن أبي مليكة لم يدرك أبا بكر، لكن رويت هذه المقالة عن أبي بكر من طرق يشدّ بعضها بعضاً.
قال الشعبي: كان أبو بكرٍ يقول: «أي سماءٍ تظلني، وأي أرضٍ تقلني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم» رواه ابن أبي شيبة.
وقال يحيى بن سعيد الأنصاري: قال أبو بكر الصديق: أي أرض تقلني، وأي سماء تظلني، إذا قلت على الله ما لا أعلم) رواه مالك في الموطأ.
فهذه المقولة مروية عن أبي بكر من أكثر من وجه.
وروى الطبراني في مسند الشاميين من طريق شعيب عن الزهري قال: حدثني أنس بن مالك، قال: قرأ عمر بن الخطاب: {فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا} فقال: كل هذا قد علمنا به فما الأبّ؟
ثم قال: (هذا لَعَمْرُ الله التكلف، اتبعوا ما بيّن لكم من هذا الكتاب، وما أشكل عليكم فَكِلُوه إلى عالمه).
وأصله في صحيح البخاري مختصراً بلفظ: (نهينا عن التكلف).
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه شديداً في التأديب على القول في التفسير بغير علم، وعلى السؤال عنه سؤال تنطّع وتكلّف، وقصّته مع صبيغ بن عسل التميمي معروفة مشتهرة، مروية من طرق متعددة:
منها ما أخرجه الإمام أحمد في فضائل الصحابة من طريق يزيد بن خصيفة، عن السائب بن يزيد أنه قال: أُتى إلى عمر بن الخطاب، فقالوا: يا أمير المؤمنين، إنا لقينا رجلا يسأل عن تأويل القرآن.
فقال: اللهم أمكني منه، قال: فبينا عمر ذات يوم جالس يغدي الناس إذ جاءه وعليه ثياب وعمامة، فغداه، ثم إذا فرغ قال: يا أمير المؤمنين، {والذاريات ذروا فالحاملات وقرا} ؟
قال عمر: أنت هو؟ فمال إليه وحسر عن ذراعيه، فلم يزل يجلده حتى سقطت عمامته، ثم قال: احملوه حتى تقدموه بلاده، ثم ليقم خطيبا ثم ليقل: إن صبيغاً ابتغى العلم فأخطأ، فلم يزل وضيعا في قومه حتى هلك، وكان سيد قومه.
ومنها ما أخرجه الدارمي من طريق يزيد بن حازم، عن سليمان بن يسار أن رجلا يقال له صبيغ قدم المدينة؛ فجعل يسأل عن متشابه القرآن، فأرسل إليه عمر رضي الله عنه وقد أعدَّ له عراجين النخل، فقال: من أنت؟
قال: أنا عبد الله صبيغ.
فأخذ عمر عرجونا من تلك العراجين، فضربه وقال: أنا عبد الله عمر؛ فجعل له ضربا حتى دمي رأسه.
فقال: يا أمير المؤمنين، حسبك، قد ذهب الذي كنت أجد في رأسي.
ومنها ما أخرجه ابن بطة العكبري من طريق المعتمر بن سليمان عن أبيه عن أبي عثمان النهدي أن رجلا كان من بني يربوع، يقال له: صبيغ، سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عن الذاريات والنازعات والمرسلات، أو عن إحداهن، فقال له عمر: «ضع عن رأسك» فوضع عن رأسه فإذا له وفيرة، فقال: «لو وجدتك محلوقا لضربت الذي فيه عيناك» قال: ثم كتب إلى أهل البصرة أن لا تجالسوه، أو قال: «كتب إلينا أن لا تجالسوه» قال: «فلو جلس إلينا ونحن مائة لتفرقنا عنه».
وبنو يربوع من تميم.
قال ابن تيمية في قول عمر له في شأن التحليق: (لأنه لو وجده محلوقاً استدلَّ بذلك على أنه من الخوارج المارقين، وكان يقتله لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتالهم).
ورويت هذه القصة من طرق أخرى فيها زوائد وفوائد؛ منها ما روي أن أهل البصرة هجروه سنة حتى اشتدّ ذلك عليه، وظهرت منه التوبة مما كان يتكلّفه من المسائل؛ فكتب أبو موسى الأشعري إلى عمر أن الرجل قد حسنت توبته؛ فأذن بمجالسته.
وقد انتفع صُبيغ بهذا التأديب؛ وعصمه الله به من فتنة الخوارج التي حدثت في عهد عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه.
قال معمر بن راشد: خرجت الحرورية، فقيل لصُبيغ: إنه قد خرج قوم يقولون كذا وكذا، قال: هيهات قد نفعني الله بموعظة الرجل الصالح.
وروى الإمام أحمد وأبو يعلى وابن خزيمة والطحاوي من طريق إبراهيم النخعي عن علقمة قال: جاء رجل إلى عمر وهو بعرفات فقال: جئت يا أمير المؤمنين من الكوفة، وتركت بها رجلا يملي المصاحف عن ظهر قلبه؛ فغضب عمر وانتفخ حتى كاد يملأ ما بين شعبتي الرحل.
فقال: ومن هو ويحك؟
قال: عبد الله بن مسعود؛ فما زال يطفأ ويسرى عنه الغضب، حتى عاد إلى حاله التي كان عليها.
ثم قال: ويحك، والله ما أعلمه بقي من الناس أحد هو أحق بذلك منه، وسأحدثك عن ذلك، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال يسمر عند أبي بكر الليلة كذلك في الأمر من أمر المسلمين، وإنه سمر عنده ذات ليلة، وأنا معه، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخرجنا معه، فإذا رجل قائم يصلي في المسجد؛ فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع قراءته، فلما كدنا أن نعرفه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من سره أن يقرأ القرآن رطبا كما أنزل، فليقرأه على قراءة ابن أم عبد ".
قال: ثم جلس الرجل يدعو، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له: " سل تعطه، سل تعطه ".
قال عمر: قلت: والله لأغدون إليه فلأبشرنه.
قال: فغدوت إليه لأبشره فوجدت أبا بكر قد سبقني إليه فبشره، ولا والله ما سابقته إلى خير قط إلا سبقني إليه.
وكانت هذه الشدة من عمر حمايةً لجناب القرآن، وصيانةً له من زلل العلماء وعبث المتعالمين والمتكلفين في قراءته وتأويله، وردعاً لأهل الأهواء الذين يتبعون متشابهه، ويضربون بعضه ببعض؛ ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله.
قال ابن عباس: خطبنا عمر بن الخطاب فقال: (إن أخوف ما أخاف عليكم تغير الزمان، وزيغة عالم، وجدال منافق بالقرآن، وأئمة مضلون يضلون الناس بغير علم). رواه أبو الجهم الباهلي في جزئه، ومن طريقه أبو القاسم البغوي كما في مسند الفاروق لابن كثير.
فنفع الله بحزم عمر وقوّته فحُمِيَ جنابُ القرآن، وعُظّم القول فيه، والسؤال عنه،
وارتدع المنافقون والذين في قلوبهم مرض، وأما الذين يسألون استرشادا ليتفقهوا في كتاب الله، ويعلموا ما فيه من البينات والهدى فكان ليّنا لهم، وكان يبعث المعلمين إلى الأمصار ليعلّموا الناس القرآن، ويفقهوهم في الدين.

وكان شباب الصحابة مع هذا يتهيّبون عمر لما جعل الله له من الهيبة ، ولشدته في شأن القرآن والاحتياط له، ففي الصحيحين عن عبيد بن حنين عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: مكثت سنة أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن آية، فما أستطيع أن أسأله هيبة له، حتى خرج حاجا فخرجت معه، فلما رجعنا وكنا ببعض الطريق عدل إلى الأراك لحاجة له، قال: فوقفت له حتى فرغ ثم سرت معه، فقلت: يا أمير المؤمنين من اللتان تظاهرتا على النبي صلى الله عليه وسلم من أزواجه؟
فقال: تلك حفصة وعائشة.
قال: فقلت: والله إن كنت لأريد أن أسألك عن هذا منذ سنة، فما أستطيع هيبة لك، قال: (فلا تفعل، ما ظننتَ أنَّ عندي من علمٍ فاسألني، فإن كان لي علم خبرتك به).
وقد نشأ جيل الصحابة على هذا التعظيم لكتاب الله تعالى، والتحرّز من القول فيه بغير علم، وأن لا يسألوا عن مسائل العلم إلا أهلَ العلم المعروفين به، وأن لا يتكلفوا ما لا علم لهم به، ولا يتنازعوا في القرآن ، ولا يضربوا بعضه ببعض.
ثم بلّغ الصحابة هذه الوصايا للتابعين لهم بإحسان؛ فأخذوها بإحسان.
- قال زياد بن حُدَير الأسدي: قال لي عمر: «هل تعرف ما يهدم الإسلام؟»
قال: قلت: لا.
قال: «يهدمه زلة العالم، وجدال المنافق بالكتاب وحكم الأئمة المضلين» رواه الدارمي وأبو نعيم الأصبهاني في حلية الأولياء..
وفي رواية عند ابن بطة العكبري في الإبانة قال عمر: (إن أخوف ما أخاف عليكم ثلاثة: جدال المنافق بالقرآن لا يخطئ واوا ولا ألفا يجادل الناس أنه أجدل منهم ليضلهم عن الهدى، وزلة عالم، وأئمة المضلين).

- وقال إياس بن عامر: أخذ علي بن أبي طالب بيدي، ثم قال: (إنك إن بقيت سَيَقرأ القرآن ثلاثةُ أصناف: فصنف لله، وصنف للجدال، وصنف للدنيا، ومن طلب به أدرك). رواه الدارمي.
- وروى عبد الله بن سَلِمة عن معاذ بن جبل أنه قال: (كيف أنتم عند ثلاث: دنيا تقطع رقابكم، وزلة عالم، وجدال منافق بالقرآن؟)
فسكتوا؛ فقال معاذ بن جبل: (أما دنيا تقطع رقابكم، فمن جعل الله غناه في قلبه فقد هُدي، ومن لا فليس بنافعته دنياه، وأما زلة عالم؛ فإن اهتدى فلا تقلّدوه دينكم، وإن فتن فلا تقطعوا منه أناتكم، فإن المؤمن يفتن ثم يفتن ثم يتوب، وأما جدال منافق بالقرآن، فإن للقرآن منارا كمنار الطريق لا يكاد يخفى على أحد، فما عرفتم فتمسّكوا به، وما أشكل عليكم فكلوه إلى عالمه).
رواه وكيع في الزهد، وأبو داوود في الزهد، والطبراني في الأوسط، أبو نعيم في الحلية، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله كلهم من طريق شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة به، وألفاظهم متقاربة.
- وقال عبد الرحمن بن أبزى لأبيّ بن كعب لما وقع الناس في أمر عثمان رضي الله عنه: أبا المنذر، ما المخرج من هذا الأمر؟
قال: «كتاب الله وسنة نبيه، ما استبان لكم فاعملوا به، وما أشكل عليكم فكِلُوه إلى عالمه» رواه الحاكم في المستدرك من طريق أسلم المنقري عن عبد الله بن عبد الرحمن عن أبيه، وصححه الذهبي.
- وقال عبد الله بن مسعود لمّا بلغه قول رجل في مسألة في التفسير: (من علم علماً فليقل به، ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم، فإن من فقه الرجل، أن يقول لما لا يعلم: الله أعلم). والخبر في صحيح مسلم.
- وقال أبو موسى الأشعري في خطبة له «من علم علماً فليعلّمه الناس، وإياه أن يقول ما لا علم له به؛ فيمرق من الدين ويكون من المتكلفين» رواه الدارمي.
- وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما لأصحابه: (لا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض، فإن ذلك يوقع الشك في قلوبكم). رواه أبو عبيد القاسم بن سلام.
- وقال عبد الله ابن أبي مليكة: دخلت أنا وعبد الله بن فيروز مولى عثمان بن عفان على عبد الله بن عباس ؛ فقال له ابن فيروز: يا ابن عباس ، قول الله: {يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة} الآية .
فقال ابن عباس: من أنت؟
قال: أنا عبد الله بن فيروز مولى عثمان بن عفان.
فقال ابن عباس: {يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون}.
فقال له ابن فيروز: أسألك يا ابن عباس.
فقال ابن عباس: «أياما سماها الله تعالى لا أدري ما هي، أكره أن أقول فيها ما لا أعلم» قال ابن أبي مليكة: فضرب الدهر حتى دخلتُ على سعيد بن المسيب فسُئل عنها فلم يدر ما يقول فيها.
قال: فقلت له: ألا أخبرك ما حضرتُ من ابن عباس؟ فأخبرته؛ فقال ابن المسيب للسائل: (هذا ابن عباس قد اتَّقى أن يقول فيها وهو أعلم مني). رواه عبد الرزاق). [طرق التفسير:55 - 64]


جمهرة التفاسير 5 صفر 1439هـ/25-10-2017م 11:02 PM

طرق التفسير عند الصحابة رضي الله عنهم
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (طرق التفسير عند الصحابة رضي الله عنهم
كان الصحابة رضي الله عنهم يفسّرون القرآن بالقرآن، ويفسرون القرآن بالسنة، ويفسّرون القرآن بما يعرفون من وقائع التنزيل، ويفسّرون القرآن بلغة العرب، وكانوا يجتهدون رأيهم في فهم النص، وفيما لا نصّ فيه على التفسير.
واجتهاد الصحابة أسلم وأقرب إلى الصواب من اجتهاد من بعدهم.
وكان يقع منهم اتفاق كثير على مسائل في التفسير، ويقع بينهم من الخلاف في الاجتهاد في التفسير كما يقع مثله في الأحكام.
1. فأمّا تفسيرهم القرآن بالقرآن فله أمثلة كثيرة تدلّ على عنايتهم به، ومن تلك الأمثلة: ما رواه الزهري قال: أخبرني أبو عبيد مولى عبد الرحمن بن عوف أن عثمان بن عفان رضي الله عنه صلى الصلاة، ثم جلس على المنبر فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: «أتى هاهنا امرأة إخالها قد عادت بشرّ، ولدت لستة أشهر، فما ترون فيها؟» فناداه ابن عباس رضي الله عنهما؛ فقال: إن الله قال: {ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا}، وقال: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة} ، فإذا تمت رضاعته فإنما الحمل ستة أشهر، فتركها عثمان رضي الله عنه فلم يرجمها). رواه ابن شبّة في تاريخ المدينة واللفظ له، وعبد الرزاق وابن جرير في تفسيريهما.
- وقد روي نحو هذه الحكاية عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، رواها الإمام مالك في الموطأ بلاغاً، وأسندها ابن جرير وابن أبي حاتم وابن شبة في تاريخ المدينة من طرق عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن بعجة الجهني بألفاظ مختلفة.

2. وأما تفسيرهم القرآن بالسنة فهو على نوعين:
النوع الأول: تفسير نصّي صريح إما مما سألوا عنه النبي صلى الله عليه وسلم فأجابهم، وإما من معرفتهم بسبب نزول الآية، وإما أن يكون الحديث صريحاً في بيان معنى الآية.

ولهذا النوع أمثلة كثيرة:
- منها ما رواه مسلم عن مسروق بن الأجدع قال: كنت متكئا عند عائشة، فقالت: يا أبا عائشة: ثلاث من تكلم بواحدةٍ منهنَّ فقد أعظم على الله الفرية، قلت: ما هن؟ قالت: من زعم أن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية.
قال: وكنت متكئا فجلست، فقلت: يا أم المؤمنين، أنظريني، ولا تعجليني، ألم يقل الله عز وجل: {ولقد رآه بالأفق المبين}، {ولقد رآه نزلة أخرى}؟
فقالت: أنا أوَّل هذه الأمة سأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «إنما هو جبريل، لم أره على صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين، رأيته منهبطا من السماء سادا عظم خلقه ما بين السماء إلى الأرض»
- ومنها ما رواه أبو داوود الطيالسي عن أميّة بنت عبد الله قالت: سألت عائشة عن قول الله عز وجل: {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} ، وسألتها عن قول الله عز وجل {من يعمل سوءا يجز به} فقالت: لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد منذ سألت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «هذه متابعة الله عز وجل للعبد مما يصيبه من الحمى والحزن والنكبة حتى البضاعة يضعها في كُمِّه فيفقدها، فيفزع لها فيجدها في ضِبْنِه، حتى إنَّ العبد ليخرج من ذنوبه كما يخرج التبر الأحمر من الكير».
- ومنها ما رواه الدارمي عن مسروق، قال: قلت لعائشة: يا أم المؤمنين، أرأيت قول الله تعالى: {يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار} أين الناس يومئذ؟ قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: «على الصراط».
- ومنها ما رواه الطبراني في الأوسط وابن حبان عن صالح بن أبي طريف قال: قلت لأبي سعيد الخدري: أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في هذه الآية {ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين} ، فقال: نعم سمعته يقول: "يخرج الله أناسا من النار بعدما يأخذ نقمته منهم قال: لما أدخلهم الله النار مع المشركين، قال المشركون: أليس كنتم تزعمون في الدنيا أنكم أولياء فما لكم معنا في النار فإذا سمع الله ذلك منهم أذن في الشفاعة فيتشفع لهم الملائكة والنبيون حتى يخرجوا بإذن الله فلما أخرجوا قالوا: يا ليتنا كنا مثلهم فتدركنا الشفاعة فنخرج من النار، فذلك قول الله جل وعلا: {ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين}.
قال: فيُسَمَّون في الجنة الجهنَّميين من أجل سوادٍ في وجوههم فيقولون: ربنا أذهب عنا هذا الاسم، قال: فيأمرهم فيغتسلون في نهر الجنة فيذهب ذلك منهم).
والنوع الآخر: أحاديث يستدلّ بها على التفسير من غير نصّ عليه.
ومثال هذا النوع ما رواه البخاري في صحيحه من طريق عبد الله بن طاووس بن كيسان عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ما رأيت شيئا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اللسان المنطق، والنفس تمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك كله ويكذبه»
ومثاله أيضاً ما روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص من طرق يشدّ بعضها بعضاً أنه قال: «من تاب قبل موته بعام تيب عليه» حتى قال: «بشهر» حتى قال: «بجمعة» حتى قال: «بيوم» حتى قال: «بساعة» حتى قال: «بفواق».
فقال له رجل: سبحان الله أولم يقل الله عز وجل: {وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن}؟
فقال عبد الله: إنما أحدثك بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فهذا الحديث مما يستدلّ به على تفسير قول الله تعالى: {ثم يتوبون من قريب}.
ويشهد له حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله تعالى يقبل توبة عبده ما لم يغرغر " رواه أحمد وابن ماجه.

3. تفسير الصحابة بما يعرفون من وقائع التنزيل
ومما يمتاز به الصحابة على من بعدهم شهودهم لوقائع التنزيل، ولذلك أثر حسن مبارك في معرفة المعنى وإدراك المقصد وبيان المشكل على من لم يعرف ذلك.
ومن أمثلة ذلك: ما رواه البخاري في صحيحه من طريق الزهري عن عروة بن الزبير قال: سألت عائشة رضي الله عنها فقلت لها: أرأيت قول الله تعالى: {إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما}، فوالله ما على أحد جناح أن لا يطوف بالصفا والمروة، قالت: بئس ما قلت يا ابن أختي، إن هذه لو كانت كما أولتها عليه، كانت: لا جناح عليه أن لا يتطوف بهما، ولكنها أنزلت في الأنصار، كانوا قبل أن يسلموا يهلون لمناة الطاغية، التي كانوا يعبدونها عند المشلَّل، فكان من أهلَّ يتحرَّج أن يطوف بالصفا والمروة، فلما أسلموا سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، قالوا: يا رسول الله، إنا كنا نتحرج أن نطوف بين الصفا والمروة، فأنزل الله تعالى: {إن الصفا والمروة من شعائر الله}. الآية قالت عائشة رضي الله عنها: «وقد سنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما، فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما».
قال: ثم أخبرت أبا بكر بن عبد الرحمن فقال: إن هذا لعلم ما كنت سمعته، ولقد سمعت رجالاً من أهل العلم يذكرون: أن الناس - إلا من ذكرت عائشة - ممن كان يهل بمناة، كانوا يطوفون كلهم بالصفا والمروة، فلما ذكر الله تعالى الطواف بالبيت، ولم يذكر الصفا والمروة في القرآن، قالوا: يا رسول الله، كنا نطوف بالصفا والمروة وإن الله أنزل الطواف بالبيت فلم يذكر الصفا، فهل علينا من حرج أن نطوف بالصفا والمروة؟
فأنزل الله تعالى: {إن الصفا والمروة من شعائر الله} الآية.
قال أبو بكر: «فأسمع هذه الآية نزلت في الفريقين كليهما، في الذين كانوا يتحرجون أن يطوفوا بالجاهلية بالصفا والمروة، والذين يطوفون ثم تحرجوا أن يطوفوا بهما في الإسلام، من أجل أن الله تعالى أمر بالطواف بالبيت، ولم يذكر الصفا حتى ذكر ذلك بعد ما ذكر الطواف بالبيت»
- وفي صحيح البخاري من حديث خالد بن أسلم، قال: خرجنا مع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، فقال أعرابي: أخبرني عن قول الله: {والذين يكنزون الذهب والفضة، ولا ينفقونها في سبيل الله} قال ابن عمر رضي الله عنهما: «من كنزها، فلم يؤد زكاتها، فويل له، إنما كان هذا قبل أن تنزل الزكاة، فلما أنزلت جعلها الله طُهراً للأموال»

4. تفسير الصحابة بلغة العرب
من طرق التفسير عند الصحابة رضي الله عنهم التفسير بلغة العرب، وكان من أكثرهم استعمالاً لهذا الطريق ابن عباس رضي الله عنهما.
- قال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: «شهدت ابن عباس، وهو يسأل عن عربية القرآن، فينشد الشعر» رواه الإمام أحمد في فضائل الصحابة.
- وقال مسمع بن مالك: سمعت عكرمة قال: «كان إذا سئل ابن عباس عن شيء من القرآن أنشد شعراً من أشعارهم» رواه ابن أبي شيبة.

وقد روي عنه في ذلك آثار كثيرة:
منها: ما رواه أبو المعلى العطّار عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أنه كان يقرأ {دارست} ويقول: «دارس كطعم الصاب والعلقم» أخرجه ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم.
ومنها:
ما رواه إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد قال: "(كان ابن عباس لا يدري ما {فاطر السموات} حتى جاءه أعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما: يا أبا عباس بئري أنا فطرتها، فقال: خذها يا مجاهد {فاطر السموات}). رواه الدولابي في الكنى واللفظ له، ورواه ابن جرير والبيهقي.

ومنها: ما رواه منصور بن المعتمر، عن مجاهد، عن ابن عباس، في هذه الآية {إلا اللمم} قال: (الذي يلم بالذنب ثم يدعه، ألم تسمع قول الشاعر:
إن تغفر اللهم تغفر جما ... وأي عبد لك لا ألما ).
أخرجه الحاكم في مستدركه.
ومنها: ما رواه الأجلح الكندي عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: أتاه رجل وأنا جالس فقال: أرأيت قول الله: (وثيابك فطهر) قال: لا تلبسها على معصية ولا على غدرة، ثم قال: أما سمعت قول غيلان بن سلمة الثقفي:
وإني بحمد الله لا ثوب فاجر ... لبست ولا من غدرة أتقنع).
أخرجه ابن جرير.
ومنها: ما رواه عبد الله بن أبي مليكة، عن ابن عباس (وما وسق): وما جمع، ألم تسمع قول الشاعر: مستوسقات لو يجدن سائقا ).
أخرجه ابن جرير.

5. اجتهاد الصحابة في التفسير
والصحابة رضي الله عنهم يجتهدون رأيهم في التفسير عند الحاجة من غير تكلّف، ولا ادّعاء للعصمة، واجتهادهم أقرب إلى التوفيق للصواب ممن بعدهم لما سبق ذكره من أوجه تفضيل تفسيرهم، وامتلاكهم من أدوات الاجتهاد ما لا يقاربهم فيه غيرهم.
ومن أمثلة اجتهادهم في التفسير: اجتهاد أبي بكر رضي الله عنه في تفسير الكلالة؛ فيما روي عنه من طرق أنه قال: «إني قد رأيت في الكلالة رأيا، فإن كان صوابا فمن الله وحده لا شريك له، وإن يكن خطأ فمني والشيطان، والله منه بريء؛ إن الكلالة ما خلا الولد والوالد»
قال الشعبي: (فلما استخلف عمر رضي الله عنه، قال: إني لأستحيي من الله تبارك وتعالى أن أخالف أبا بكر في رأي رآه). هذا لفظ ابن جرير، وهذا التفسير ثابت عن أبي بكر رضي الله عنه من طرق أخرى موصولة.
وقد صحّ تفسير الكلالة مرفوعاً من حديث جابر رضي الله عنه في الصحيحين، بما يوافق تفسير أبي بكر). [طرق التفسير:65 - 72]

جمهرة التفاسير 5 صفر 1439هـ/25-10-2017م 11:04 PM

اختلاف الصحابة رضي الله عنهم في التفسير
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (اختلاف الصحابة رضي الله عنهم في التفسير
اختلاف الصحابة رضي الله عنهم في مسائل التفسير قليل جداً في جنب ما لم يؤثر عنهم فيه اختلاف.

وما روي عنهم من مسائل الخلاف فأكثره مما لا يصح إسناده، وما صحّ إسناده إليهم فهو على نوعين:
النوع الأول: ما يصحّ فيه الجمع بين الأقوال دون الحاجة إلى الترجيح، وأكثره مما يكون من باب التفسير بالمثال أو ببعض المعنى.
ومن أمثلة هذا النوع ما تقدّم من القولين في سبب نزول قول الله تعالى: {إن الصفا والمروة من شعائر الله فمنّ حجّ البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوّف بهما...}
وقد حكى القولين عن الصحابة أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام كما في صحيح البخاري.
ومن أمثلته: اختلافهم في المراد بالعذاب الأدنى:
فقال أبيّ بن كعب: هو مصائب الدنيا.
وقال ابن مسعود: هو يوم بدر.
وقال ابن عباس: هو الحدود.
فتفسير أبيّ أعمّ بأنّ كل ما يصيبهم من العذاب في الدنيا فهو مما توعّدوا به.
وتفسير ابن مسعود يعدّ من قبيل التفسير بالمثال؛ فما أصابهم من العذاب يوم بدر مثال على المصائب العظيمة التي وقعت عليهم بسبب كفرهم وعنادهم.
وأما تفسير ابن عباس فمحمولٌ على التنبيه على سعة دلالة الآية على وعيد المنافقين الذين يصيبون بعض ما يقام عليهم به الحدّ؛ فيكون هذا الحدّ من العذاب الأدنى الذي يقع عليهم لعلّهم يرجعون فيؤمنون ويتوبون ومن أصرّ على نفاقه وكفره فينتظره العذاب الأكبر.
وهذا من دقيق فقه ابن عباس رضي الله عنهما.
قال ابن جرير رحمه الله بعد أن أسند الأقوال إليهم: (وأولى الأقوال في ذلك أن يقال: إن الله وعد هؤلاء الفسقة المكذبين بوعيده في الدنيا العذاب الأدنى، أن يذيقهموه دون العذاب الأكبر، والعذاب: هو ما كان في الدنيا من بلاء أصابهم، إما شدة من مجاعة، أو قتل، أو مصائب يصابون بها، فكل ذلك من العذاب الأدنى، ولم يخصص الله تعالى ذكره، إذ وعدهم ذلك أن يعذبهم بنوع من ذلك دون نوع، وقد عذبهم بكل ذلك في الدنيا بالقتل والجوع والشدائد والمصائب في الأموال، فأوفى لهم بما وعدهم).
ومن أمثلته أيضاً: اختلافهم في المراد بالقسورة:
فقال ابن عباس: هم الرماة.
وقال أبو هريرة: الأسد.
والقسورة لفظ مشترك يطلق على الرماة وعلى الأسد، وكلٌّ قد قال ببعض المعنى.
والنوع الآخر: ما يُحتاج فيه إلى الترجيح، وعامّة مسائل هذا النوع مما يكون للخلاف فيه سبب يُعذر به صاحب القول المرجوح). [طرق التفسير:73 - 75]

جمهرة التفاسير 5 صفر 1439هـ/25-10-2017م 11:07 PM

أسباب اختلاف الصحابة رضي الله عنهم في التفسير
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (أسباب اختلاف الصحابة رضي الله عنهم في التفسير
ما يصحّ من اختلاف الصحابة رضي الله عنهم في التفسير له أسباب:

- منها: أن يقول كلُّ واحد بما بلغه من العلم، ويكون تمام المعنى بمجموع ما بلغهم.
- ومنها: أن يفسّر أحدهم بمثال أو بجزء من المعنى، ويفسّر الآخر بمثال آخر أو بجزء آخر من المعنى، ومن ذلك أن يكون في الآية مشترك لفظي أو مشترك أسلوبي فيفسّر كل واحد الآية ببعض معناها.
- ومنها: أن يقصد بعضهم إلى إلحاق معنى تشمله دلالة الآية وقد يُغفل عنه؛ فيفسّر الآية به تنبيهاً وإرشاداً، ويفسّر غيره الآية على ظاهرها.
- ومنها: أن يدرك بعضهم مقصد الآية فيفسّر الآية بها، ويفسّر بعضهم الآية على ظاهر لفظها.
- ومنها: أن يُسأل أحدهم عن مسألة فيجيب عليها بآية من القرآن فينقل قوله على أنّه تفسير لتلك الآية، وهو مما يدخل في باب التفسير ببعض المعنى.
- ومنها: أن يكون أحدهم متمسّكاً بنصٍّ منسوخ لم يعلم ناسخه، ويكون هذا في الأحكام.
- ومنها: أن يكون مُستنَد أحدهم النص، ومستند الآخر الاجتهاد.
- ومنها: أن تكون المسألة اجتهادية فيختلف اجتهادهم فيها.
- ومنها: أن يفسّر بعضهم على اللفظ، ويفسّر بعضهم على سبب النزول لعلمه بحاله.
والتمثيل على هذه الأنواع يطول جداً، والمقصود التنبيه على قلة الخلاف في مسائل التفسير عند الصحابة، وأن ما صحّ منه فله أسبابه.
وقد أرشد الصحابةُ التابعين إلى الهدى في هذه الحالة، ففي صحيح مسلم من حديث مسلم بن صبيح، عن مسروق، قال: جاء إلى عبد الله [وهو ابن مسعود] رجلٌ فقال: تركت في المسجد رجلا يفسر القرآن برأيه يفسر هذه الآية: {يوم تأتي السماء بدخان مبين}.
قال: يأتي الناس يوم القيامة دخان، فيأخذ بأنفاسهم حتى يأخذهم منه كهيئة الزكام، فقال عبد الله: (من علم علما فليقل به، ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم، فإن من فقه الرجل أن يقول لما لا علم له به: الله أعلم، إنما كان هذا، أن قريشا لما استعصت على النبي صلى الله عليه وسلم، «دعا عليهم بسنين كسني يوسف»، فأصابهم قحط وجهد، حتى جعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد، وحتى أكلوا العظام، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال: يا رسول الله استغفر الله لمضر، فإنهم قد هلكوا، فقال: «لمضر؟!! إنك لجريء» قال: فدعا الله لهم، فأنزل الله عز وجل: {إنا كاشفو العذاب قليلا إنكم عائدون} قال: فمطروا، فلما أصابتهم الرفاهية، قال: عادوا إلى ما كانوا عليه، قال: فأنزل الله عز وجل: {فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين، يغشى الناس هذا عذاب أليم} {يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون} قال: يعني يوم بدر).
فذكر ابن مسعود القول الذي يعرفه بصحبته للنبي صلى الله عليه وسلم، وعلمه بأحوال نزول القرآن، ولم يعبْ على من علم علماً أن يقول به.
ومن النادر وقوع اختلاف بسبب تأويل خاطئ؛ وما وقع من ذلك فلا يخلو قائله من الإنكار عليه وبيان خطئه، كما روى النسائي في السنن الكبرى من طريق ثور بن زيدٍ الديلي، عن عكرمة، عن ابن عباسٍ، أن قدامة بن مظعونٍ، شرب الخمر بالبحرين فشُهد عليه ثم سُئل فأقرَّ أنه شربه، فقال له عمر بن الخطاب: ما حملك على ذلك، فقال: لأن الله يقول: {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناحٌ فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات}، وأنا منهم أي من المهاجرين الأولين، ومن أهل بدرٍ، وأهل أحدٍ.
فقال: للقوم أجيبوا الرجل؛ فسكتوا.
فقال لابن عباسٍ: أجبه.
فقال: إنما أنزلها عذرًا لمن شربها من الماضين قبل أن تحرم وأنزل: {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشيطان} حجةً على الباقين.
ثم سأل مَن عنده عن الحدّ فيها، فقال علي بن أبي طالبٍ: إنه إذا شرب هذى، وإذا هذى افترى فاجلدوه ثمانين)). [طرق التفسير:75 - 77]

جمهرة التفاسير 5 صفر 1439هـ/25-10-2017م 11:10 PM

مراتب حجّيّة أقوال الصحابة رضي الله عنهم في التفسير
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (مراتب حجّيّة أقوال الصحابة رضي الله عنهم في التفسير
أقوال الصحابة رضي الله عنهم في التفسير على مراتب:

المرتبة الأولى: ما له حكم الرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو على أنواع:
منها: ما يصرّح فيه بأخذه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ومنها: مراسيل الصحابة.
ومنها: ما لا يقال بالرأي والاجتهاد، ولم يأخذه الصحابي عمن يروي عن بني إسرائيل فهذا مع ضميمة الجزم بتورّع الصحابة رضي الله عنهم وتثبّتهم في القول عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم يدلّ على أنّهم إنما أخذوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومنها: قول الصحابي الصريح في سبب النزول.
فهذه المرتبة ما صحّ منها فهو حجّة في التفسير.
والمرتبة الثانية: أقوالٌ صحّت عنهم في التفسير، اتّفقوا عليها ولم يختلفوا فيها، فهذه حجّة أيضاً لحجيّة الإجماع، وأرفعه إجماع الصحابة رضي الله عنهم.
والمرتبة الثالثة: ما اختلف فيه الصحابة رضي الله عنهم، وهذا الاختلاف على نوعين:
النوع الأول: اختلاف تنوّع، وهو ما يمكن جمع الأقوال الصحيحة فيه من غير تعارض؛ فهذه الأقوال بمجموعها حجّة على ما يعارضها.
والنوع الثاني: اختلاف تضادّ لا بدّ فيه من الترجيح؛ فهذا مما يجتهد العلماء المفسّرون فيه لاستخراج القول الراجح بدليله.
وهذا النوع لا بدّ أن يكون أحد القولين فيه مأخذه الاجتهاد؛ لأنه لا يقع تعارض بين نصين، وإذا تعارض النص والاجتهاد قُدّم النص). [طرق التفسير:78 - 79]

جمهرة التفاسير 5 صفر 1439هـ/25-10-2017م 11:12 PM

أقسام المرويات عن الصحابة في التفسير
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (أقسام المرويات عن الصحابة في التفسير
تنقسم المرويّات عن الصحابة في التفسير من حيث الصحّة والضعف إلى أربعة أقسام:

القسم الأول: صحيح الإسناد صحيح المتن؛ فهذا النوع يُحكم بثبوته عن الصحابي رضي الله عنه، ثمّ يكون حكمه على ما سبق بيانه من مراتب حجيّة أقوال الصحابة.
القسم الثاني: ضعيف الإسناد غير منكر المتن، وهذا النوع كثير في كتب التفسير المسندة، وهو على ثلاث مراتب يأتي تفصيلها.
القسم الثالث: ضعيف الإسناد منكر المتن؛ فهذا النوع يُحكم بضعفه، ويُردّ ولا تصحّ نسبته إلى الصحابة رضي الله عنهم.
القسم الرابع: صحيح الإسناد في ظاهر الأمر لكنّه منكر المتن؛ ومرويات هذا النوع قليلة جداً في كتب التفسير، ونكارة المتن تدلّ على علّة خفية في الإسناد تعرف بجمع الطرق وتفحّص أحوال الرواة وأخبارهم فمن الرواة من يكون ثقة له أوهام وأخطاء، وقد ينصّ بعض الأئمة النقاد على أخطاء بعض الثقات من الرواة؛ فإذا عُرفت العلّة وتبيّن الخطأ عُرف أن ذلك القول المنكر لا تصحّ نسبته إلى الصحابة.
غير أنه ينبغي التنبّه إلى أن الحكم بنكارة المتن قضيّة اجتهادية؛ فقد يتوّهم المفسّر نكارةَ المتن لما سبق إلى فهمه، ويكون للقول تأويل صحيح سائغ غير متكلَّف ولا منكر). [طرق التفسير:97 - 80]

جمهرة التفاسير 5 صفر 1439هـ/25-10-2017م 11:14 PM

مراتب الضعف فيما روي عن الصحابة في التفسير
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (مراتب الضعف فيما روي عن الصحابة في التفسير
ما يحكم عليه بالضعف مما يُروى عن الصحابة في التفسير على نوعين:

النوع الأول: ما يكون ضعفه بسبب نكارة متنه، وقد تقدّم الحديث عنه.
والنوع الآخر: ما يكون ضعفه بسبب ضعف إسناده، وهو على ثلاث مراتب:
المرتبة الأولى: الضعف اليسير، كأن يكون من مراسيل الثقات، أو فيه انقطاع يسير، أو راوٍ ضعيف الضبط يُكتب حديثه، ونحو هذه العلل التي يكون الإسناد فيها معتبراً قابلاً للتقوية بتعدد الطرق، والمتن غير منكر؛ فمرويات هذه المرتبة قد جرى عمل أئمة المحدّثين والمفسّرين على روايتها والتفسير بها إلا أن تتضمّن حكماً شرعياً؛ فمنهم من يشدّد في ذلك إلا أن تحتفّ به قرائن تقوّيه كجريان العمل به.
والمرتبة الثانية: الضعف الشديد، وهو ما يكون فيه الإسناد واهياً غير معتبر؛ لكون أحد رواته متروك الحديث لكثرة خطئه أو اضطراب حديثه أو شَابَته شائبة التهمة بالكذب من غير أن يظهر في المتن نكارة؛ فهذا النوع من أهل الحديث من يشدّد في روايته، ومن المفسّرين الكبار من ينتقي من مرويات هذه الطرق ويَدَع منها.
وهذه المرتبة ليست حجّة في التفسير ولا تصحّ نسبة ما روي بأسانيدها إلى الصحابة ، وقد تساهل بعض المفسّرين في ذلك وحذفوا الأسانيد اختصاراً، وكان هذا من أسباب شيوع كثير من الأقوال المعلولة إلى الصحابة رضي الله عنهم.
ومرويات هذا النوع كثيرة في كتب التفسير المسندة.
والمرتبة الثالثة: الموضوعات على الصحابة في التفسير؛ فهذه لا تحلّ روايتها إلا على التبيين أو لفائدة عارضة يُستفاد منها في علل المرويات.
وقد اشتهر برواية الموضوعات رواة ضعفاء متهمون بالكذب لهم نسخ في التفسير في زمانهم من أمثال محمد بن السائب الكلبي(ت:146هـ) ومقاتل بن سليمان البلخي(ت:150ه) وأبو الجارود زياد بن المنذر الهمداني(ت: بعد 150هـ) وموسى بن عبد الرحمن الصنعاني(ت:190هـ) وأضرابهم.
فهؤلا كانت لهم تفاسير معروفة في زمانهم وقد تجنّب الرواية عنها أئمة المفسّرين الكبار من أمثال عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، ومنهم من ينتقي منها شيئاً يسيراً كما انتقى ابن جرير مرويات قليلة جداً من تفسير أبي الجارود وتفسير الكلبي وتحاشى الرواية عن مقاتل بن سليمان وموسى الصنعاني.
لكن هؤلاء الضعفاء قد تساهل بعض المفسّرين المتأخرين في الرواية عنهم كابن شاهين والثعلبي والواحدي وقد شانوا تفاسيرَهم بالرواية عنهم.
ثم اختصر بعض المفسرين ما في هذه التفاسير وحذفوا الأسانيد اختصاراً كما فعل الماوردي وابن الجوزي في تفاسيرهم فشاع بسبب ذلك عن الصحابة أقوال لا تصحّ نسبتها إليهم). [طرق التفسير:80 - 82]

جمهرة التفاسير 5 صفر 1439هـ/25-10-2017م 11:17 PM

قول الصحابي في نزول الآية
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (قول الصحابي في نزول الآية
مما يتّصل بمبحث تفاسير الصحابة أقوالهم في نزول الآيات، وهو على نوعين:

النوع الأول: ما كان صريحاً في نقل سبب النزول فهذا له حكم الرفع؛ لأنه نقل حادثة وقعت في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، والصحابة عدول فيما ينقلون.
قال أبو عبد الله الحاكم: (الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيل فأخبر عن آية من القرآن أنها نزلت في كذا وكذا فإنه حديثٌ مُسند).
ومراده بالمُسند هنا: المرفوع.
وقال ابن الصلاح: (ما قيل من أنّ تفسير الصّحابيّ حديثٌ مسندٌ، فإنّما ذلك في تفسيرٍ يتعلّق بسبب نزول آيةٍ يخبر به الصّحابيّ أو نحو ذلك، كقول جابرٍ رضي اللّه عنه: (كانت اليهود تقول: من أتى امرأته من دبرها في قبلها جاء الولد أحول؛ فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {نساؤكم حرثٌ لكم..} الآية).
فأمّا سائر تفاسير الصّحابة الّتي لا تشتمل على إضافة شيءٍ إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فمعدودةٌ في الموقوفات. واللّه أعلم).
والنوع الثاني: ما كان لبيان معنى تدلّ عليه الآية؛ فهذا حكمه حكم اجتهاد الصحابة في التفسير،
ومن أمثلته: ما رواه ابن جرير عن سلمة بن كهيل، عن أبي الطفيل، قال: سأل عبد الله بن الكوَّاء عليًّا عن قوله: {قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا} قال: أنتم يا أهل حروراء).
فهذا فيه أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه يرى أن معنى الآية يتناولهم وإن كان لا يحكم بكفرهم لكنّهم شابهوا الكفار في هذا المعنى.
وقد روى ابن أبي حاتم والطبراني عن زكريا بن يحيى القصاب قال: سألت أبا غالب عن قول الله عز وجل: {ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين}؛ فقال: حدثني أبو أمامة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: " نزلت في الخوارج، حين رأوا تجاوز الله عن المسلمين، وعن الأمة والجماعة قالوا: يا ليتنا كنا مسلمين).
أبو غالب البصري ضعيف الحديث، ولا يصحّ رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لكن روي عن أبي أمامة من أكثر من وجه أنه أنزل بعض الآيات على الخوارج؛ كقوله تعالى: {فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتّبعون ما تشابه منه}، وقوله تعالى: {إن الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعاً ... }
فهذا كلّه من قبيل التفسير لا من صريح سبب النزول.
وعليه فإنّ قول الصحابي: (هذه الآية نزلت في كذا) قد يراد به صريح سبب النزول، وقد يراد به التفسير أي أن معنى الآية يتناوله.
والله تعالى أعلم). [طرق التفسير:82 - 83]

جمهرة التفاسير 6 صفر 1439هـ/26-10-2017م 11:26 PM

الباب الخامس:تفسير القرآن بأقوال التابعين

تفسير القرآن بأقوال التابعين

قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (تفسير القرآن بأقوال التابعين
من طرق التفسير المعتبرة؛
تفسير القرآن بأقوال التابعين، والأخذ عن التابعين واتّباعهم له أصل في القرآن؛ فإنّ الله تعالى قد أثنى على أصحاب نبيّه صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار وبيّن ما أعدّ لهم من الثواب العظيم الذي يدلّ دلالة بيّنة على هدايتهم ورضا الله عزّ وجلّ عنهم.

ثم اشترط على التابعين شرطاً من أتى به كان مع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أن يتّبعهم بإحسان كما بيّنه قول الله تعالى: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم}
ومن إحسان الاتباع أن يصدّق التابعون بما صدّق به الصحابة، وأن يقبلوا ما قبلوه، وأن يردّوا ما يردّوه، وأن يسيروا على منهاجهم، ويأخذوا دينهم بالاتباع لا بالابتداع.
وقد جعل الله تعالى موافقة الصحابة رضي الله عنهم فيما آمنوا به علامة بيّنة على الهداية كما دلّ على ذلك قول الله تعالى: {فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا}، وقد كانوا هم المخاطبين وقت نزول الآية.
وقد ورد الوعيد الشديد على مخالفة سبيلهم في قول الله تعالى: { وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)}.
وكان الصحابة يحذّرون من الذين يخالفون سبيلهم، ويبيّنون ما بيّنه الله في كتابه وما بيّنه النبي صلى الله عليه وسلم من وجوب اتّباعهم بإحسان.
روى ابن أبي حاتم في تفسيره من طريق إسحاق بن سليمان، قال: حدّثنا أبو سنانٍ [الشّيبانيّ] عن ابن عبّاسٍ أنه أتاه رجلٌ فذكر بعضَ أصحابِ محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم ورضي عنهم، كأنه يتنقَّص بعضهم؛ فقال ابن عبّاسٍ: {والسّابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار والّذين اتّبعوهم بإحسانٍ} أمّا أنت فلم تتّبعهم بإحسانٍ).
فقد أوجب الله تعالى اتّباع سبيل المؤمنين، وتوعّد من خالفه، وسمّى لنا أئمة المؤمنين الذين يُقتدى بهم، وهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار، والذين اتّبعوهم بإحسان.
ولذلك اشتدّ حذر الأئمة من أن يقولوا قولاً يخالفون به سلفهم من الصحابة والتابعين، كما قال الإمام أحمد: (إيَّاك أن تتكلَّم في مسألة ليس لك فيها إمام) رواه ابن الجوزي في مناقبه.
ولا شكّ أن أولى الناس بهذا الوصف من شهد لهم الصحابة رضي الله عنهم بإحسان الاتّباع، وأثنوا عليهم، وائتمنوهم على تعليم الناس وإفتائهم، وأمروا بالأخذ عنهم، ومن استفاض ثناء الأئمة عليهم بما يدلّ على صدقهم وعلمهم وفضلهم، وقد ورد في ذلك جملة من الآثار). [طرق التفسير:85 - 86]

جمهرة التفاسير 6 صفر 1439هـ/26-10-2017م 11:29 PM

الأحاديث الواردة في فضل التابعين
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (الأحاديث الواردة في فضل التابعين
وقد نبّه النبي صلى الله عليه وسلم على فضل التابعين في غير ما حديث حتى استقرّ ذلك في نفوس السلف الصالح رحمهم الله، وعرفوا شرط أفضليتهم فاعتنوا به واجتهدوا فيه.

وقد ورد في فضل التابعين أحاديث عدة:
- منها: حديث إبراهيم النخعي ، عن عبيدة السلماني، عن عبد الله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم» متفق عليه، وروي نحوه من حديث عمران بن الحصين، وحديث النعمان بن بشير، وغيرهما.
- ومنها: حديث أبي الزبير، عن جابر عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يأتي على الناس زمان، يبعث منهم البعث فيقولون: انظروا هل تجدون فيكم أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ فيوجد الرجل، فيفتح لهم به، ثم يبعث البعث الثاني فيقولون: هل فيهم من رأى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ فيفتح لهم به، ثم يبعث البعث الثالث فيقال: انظروا هل ترون فيهم من رأى من رأى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ ثم يكون البعث الرابع فيقال: انظروا هل ترون فيهم أحدا رأى من رأى أحدا رأى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ فيوجد الرجل فيفتح لهم به).رواه مسلم.
- ومنها: حديث عبد الله بن العلاء قال: حدثنا عبد الله بن عامر، عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزالون بخير ما دام فيكم من رآني وصَاحَبني، والله لا تزالون بخير ما دام فيكم من رأى من رآني وصَاحَب مَن صَاحَبَني» رواه ابن أبي شيبة في مصنفه وابن أبي عاصم في السنة وابن السمّاك، وقد صححه الألباني في السلسلة الصحيحة.
فهذه الأحاديث تدلّ دلالة بيّنة على فضل التابعين للصحابة بإحسان، وسمّوا بالتّابعين لقول الله تعالى: {والذين اتّبعوهم بإحسان}..، وهذا الاسم الشريف يدلّ على أنّهم إنما نالوا أفضليتهم بإحسانهم اتّباع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
فمن شُهد له بإحسان الاتباع فهو إمام من أئمة الدين،
يُؤتسى به، ويعتبر تفسيره للقرآن، ويُحتجّ بروايته بالشروط المعتبرة عند أهل الحديث، وهي أن لا يخالف قوله نصّاً ولا قول صحابيّ ولا يخالفه أهل العلم من التابعين.
- فأمّا الاحتجاج بروايته فلأجل ما عُرف من عدالته وضبطه إلا أن يظهر في روايته علّة من العلل التي توجب الرد بما يعرفه أهل الحديث.
- وأما اعتبار قوله في التفسير؛ فالمراد به أنه له حظ من النظر، ويقبل بالشروط التي يأتي بيانها في أحكام تفسير التابعين.
- وأما الاتّساء بفعله فلأجل ما عرف من تأسّيه بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، واهتدائه بهديهم، ولذلك يُشترط في التأسي به أن لا يُخالف هديَ النبي صلى الله عليه وسلم ولا هديَ أصحابه). [طرق التفسير:87 - 88]

جمهرة التفاسير 6 صفر 1439هـ/26-10-2017م 11:32 PM

أعلام المفسّرين من التابعين:
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (أعلام المفسّرين من التابعين:
عُرف بالإمامة في التفسير جماعة من التابعين منهم:

1. الربيع بن خثيم الثوري (ت:61هـ) وقد كان من العلماء الحكماء العبّاد من أصحاب ابن مسعود.
قال بكر بن ماعز: ( كان عبد الله بن مسعود إذا رأى الربيع بن خثيم مقبلا قال : {بشر المخبتين}، أما والله لو رآك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحبك). رواه ابن أبي شيبة.

2: مسروق بن الأجدع الهمْداني (ت:62هـ)؛ الإمام العابد الفقيه المخضرم، كان معروفاً بحرصه على طلب العلم ومجالسة الصحابة رضي الله عنهم.
قال الشعبي: (ما علمت أن أحداً كان أطلب للعلم في أفقٍ من الآفاق من مسروقٍ).
وقال علي بن المديني: (ما أقدم على مسروقٍ أحداً من أصحاب عبد الله، صلى خلف أبي بكرٍ، ولقي عمراً وعلياً، ولم يرو عن عثمان شيئاً، وزيد بن ثابت وعبد الله والمغيرة وخباب بن الأرت).رواه الخطيب البغدادي.
وروى الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق أنه قال: (لقد جالست أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم؛ فوجدتهم كالإخاذ؛ فالإخاذ يروي الرجل، والإخاذ يروي الرجلين، والإخاذ يروي العشرة، والإخاذ يروي المائة، والإخاذ لو نزل به أهل الأرض لأصدرهم؛ فوجدت عبد الله بن مسعود من ذلك الإخاذ). رواه ابن سعد والبيهقي وابن عساكر.
الإخاذ: مجمَع الماء؛ كالغدير ونحوه.

3: عبيدة بن عمرو بن قيس السلماني المرادي (ت: 72هـ) ، وهو من كبار التابعين وعلمائهم، ومن خاصّة أصحاب علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود.

4. زِرُّ بنُ حُبَيشِ بنِ حُباشةَ الأسديّ (ت: 82هـ)
الإمام المقرئ المفسّر، من المخضرمين، من كبار التابعين وأجلائهم وفقهائهم، وكان فصيحاً عالماً بالعربية، وفد على عمر، ولزم ابن مسعود وأبيّ بن كعب وعبد الرحمن بن عوف.
قال عاصم بن أبي النجود: (كان زر بن حبيش أعرب الناس، وكان عبد الله [بن مسعود] يسأله عن العربية). رواه ابن سعد.
وروى ابن سعد في الطبقات عن عاصم عن زرّ أنه قال: (خرجت في وفد من أهل الكوفة، وايم الله إن حرضني على الوفادة إلا لقاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فلما قدمت المدينة أتيت أبيّ بن كعب، وعبد الرحمن بن عوف، فكانا جليسيَّ وصاحبيَّ، فقال أبيٌّ: يا زرّ ما تريد أن تدع من القرآن آية إلا سألتني عنها).

5: أبو وائل شقيق بن سلمة الأسدي (ت: 83هـ تقريباً)
من خيار التابعين وعلمائهم، أدرك زمان النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يلقه، وتلقّى العلم عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم عمر، وعثمان، وعلي، وابن مسعود، وحذيفة بن اليمان، وأبو موسى الأشعري، وابن عمر، وابن عباس، وغيرهم.
وكان ثقة عابداً زاهداً، من خاصة أصحاب ابن مسعود، وأعلمهم بحديثه، وأحفظهم له.
قال إبراهيم النخعي للأعمش: (عليك بشقيق، فإني رأيت الناس وهم متوافرون، وهم يعدونه من خيارهم). رواه الخطيب البغدادي.

6: أبو العالية رُفيع بن مهران الرياحي (ت: 93هـ)
الإمام القارئ المفسّر الفقيه، تابعيّ مخضرم، أدرك الجاهلية، وأسلم في خلافة أبي بكرٍ الصديق، وقرأ القرآن على عمر وأبيّ بن كعب وزيد بن ثابت.
وكان مملوكاً لامرأة من بني رياح فأعتقته سائبة لله.
وكان عابداً عالماً كثير تلاوة القرآن، حسن التفقّه فيه، وكان ابن عباس يُحبّه ويُكرمه ويقدّمه.
قال أبو العالية: كنت آتي ابن عباس وهو أمير البصرة، فيجلسني على السرير، وقريش أسفل، فتغامزت قريش بي، فقالت: يرفع هذا العبد على السرير! ففطن بهم، فقال: إن هذا العلم يزيد الشريف شرفا، ويجلس المملوك على الأسرة.) ذكره الذهبي في تاريخ الإسلام.

7. سعيد بن المسيب المخزومي (ت:94هـ) ولد في خلافة عمر ورآه، وكان حريصاً على طلب العلم حسن الحفظ والفهم؛ فاجتمع له علم غزير على حين وفرة الصحابة في المدينة، وتفقه على زيد بن ثابت، وحفظ عن أبي هريرة حديثاً كثيراً، واعتنى بحفظ ما يبلغه من فقه عمر بن الخطاب وأقضيته حتى قال يحيى بن سعيد الأنصاري: (كان يقال: ابن المسيب راوية عمر).
قال الليث بن سعد: (لأنه كان أحفظ الناس لأحكامه وأقضيته).
وقال علي ابن المديني: (لا أعلم في التابعين أوسع علما منه، هو عندي أجل التابعين).
أفتى في حضرة الصحابة، وكان من الصحابة من يسأله لعلمه وحفظه.

8: سعيد بن جبير الأسدي (ت:95هـ)
من جهابذة العلماء وكبار العبّاد، أخذ جلّ علمه عن ابن عباس وابن عمر وأخذ عن غيرهما من الصحابة وكبار التابعين، وكان حافظاً فَهِماً، وكان يسائل ابن عباس، ويحسن فهم مسائل العلم؛ فاعتنى به ابن عباس، وحدّثه فأكثر؛ حتى قال: لقد حفظت عني علماً كثيراً، وكان سعيد يكتب في صحف له، وكان يسمع سؤالات أصحاب ابن عباس له فيتفهّمها ويحفظها؛ حتى حصّل علماً غزيراً وهو شابُّ لم يبلغ الثلاثين من عمره؛ وأمره ابن عبّاس بالفتوى والتحديث؛ فكان مفتي أهل الكوفة في زمانه.
قال مجاهد :قال ابن عباس لسعيد بن جبير: حدّث.
فقال: أُحدِّث وأنت ها هنا !!
فقال: أوليس من نعمة الله عليك أن تحدث وأنا شاهد؛ فإن أصبت فذاك، وإن أخطأت علَّمتك). رواه ابن سعد وابن أبي حاتم.
وقال: جعفر بن أبي المغيرة: كان ابن عباس بعدما عَمِي إذا أتاه أهل الكوفة يسألونه قال: تسألوني وفيكم بن أم دهماء) يعني سعيد بن جبير.
قال أشعث بن إسحاق: (كان يقال: سعيد بن جبير جهبذ العلماء). رواه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل.
الجهبذ هو الناقد البصير؛ الذي يميّز الصحيح من غيره.

9: أبو الحجاج مجاهد بن جبر المكي: (ت:102هـ)
وهو من أعلم أصحاب ابن عباس بالتفسير وأكثرهم سؤالاً له.
قال ابن أبي مليكة: (رأيت مجاهدًا يسأل ابن عباسٍ عن تفسير القرآن ومعه ألواحه فيقول له ابن عباسٍ: اكتب، قال: حتى سأله عن التفسير كله).رواه ابن جرير.
قال مجاهد: (لقد عرضت القرآن على ابن عباس ثلاث عرضات أقف عند كل آية أسأله فيم أنزلت، وفيم كانت؟). رواه الدارمي وابن جرير.

10: أبو عمرو عامر بن شراحيل الشعبي (ت:104هـ)
الإمام الفقيه الحافظ قاضي الكوفة في زمانه، كان آية في الحفظ والفهم، حتى كان الصحابة يتعجّبون من حفظه وحسن سرده للحديث، وكان يحفظ على صدره ولا يكتب، وروى عن نحو مائة وخمسين من الصحابة.
قال محمد بن سيرين لأبي بكر الهذلي: (يا أبا بكر إذا دخلت الكوفة فاستكثر من حديث الشعبي، فإن كان ليسأل وإن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لأحياء).
قال ابن حبان: (روى عن خمسين ومائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم).
روى مالك بن مغول، عن نافع، قال: سمع ابن عمر الشعبي وهو يحدث بالمغازي، فقال: (لكأنَّ هذا الفتى شهد معنا). رواه الخطيب البغدادي.

11: عكرمة البربري مولى ابن عباس (ت:104هـ)
لزم ابن عباس وخدمه، وأخذ منه علماً كثيراً، وكان ابن عباس يعتني بتعليمه، ويلزمه بذلك لما رأى من ذكائه وفهمه ونجابته، وأذن له بالفتوى في حياته.
- يزيد النحوي، عن عكرمة، قال ابن عباس: انطلق فأفت، فمن جاءك يسألك عما يعنيه فأفته). ذكره الذهبي.
ومن مفسّري التابعين: علقمة بن قيس النخعي، والأسود بن يزيد، والحسن البصري وطاووس بن كيسان، وإبراهيم النخعي، وعطاء بن أبي رباح، وقتادة بن دعامة السدوسي، ومحمد بن كعب القرظي، وزيد بن أسلم العدوي، وغيرهم كثير). [طرق التفسير:89 - 94]

جمهرة التفاسير 6 صفر 1439هـ/26-10-2017م 11:33 PM

طبقات التابعين
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (طبقات التابعين
التابعون على ثلاث طبقات:

الطبقة الأولى: طبقة كبار التابعين، وهم الذين عاصروا كبار الصحابة رضي الله عنهم، وتلقوا عنهم العلم، ومنهم: الربيع بن خثيم الثوري، ومسروق بن الأجدع الهمداني، وعبيدة السلماني، وعلقمة بن قيس النخعي، والأسود بن يزيد النخعي، وزرّ بن حُبيش الأسدي، وأبو وائل شقيق بن سلمة الأسدي، وأبو العالية رفيع بن مهران الرياحي، وسعيد بن المسيّب المخزومي، وغيرهم كثير.
والطبقة الثانية: طبقة أواسط التابعين، ومنهم: سعيد بن جبير، وإبراهيم النخعي، ومجاهد بن جبر، وعامر بن شراحيل الشعبي، وعكرمة مولى ابن عباس، وطاووس بن كيسان، والحسن البصري، ومحمد بن سيرين، وعطاء بن أبي رباح، وقتادة بن دعامة السدوسي، ومكحول الشامي، ومحمد بن كعب القرظي، وغيرهم.
والطبقة الثالثة: طبقة صغار التابعين، ومنهم: ابن شهاب الزهري، وأبو إسحاق السبيعي، وعبد الله بن عون، ومحمد بن المنكدر التيمي، وأيوب بن أبي تميمة السختياني، وزيد بن أسلم العدوي، ومنصور بن المعتمر السلمي، وسليمان بن مهران الأعمش، وغيرهم). [طرق التفسير:94 - 95]

جمهرة التفاسير 6 صفر 1439هـ/26-10-2017م 11:36 PM

تفاوت درجات التابعين
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (تفاوت درجات التابعين
التابعون على درجات متفاوتة لتفاوتهم في إحسان الاتباع وفي ضبط المرويات وفي الاجتهاد والفهم؛ ذلك أن التابعين ليسوا كالصحابة الذين اختصوا بخصيصة العدالة العامة؛ فكانوا كلُّهم عدولاً ثقاتٍ، لا مطعن فيهم من جهة الرواية وتبليغ الدين، قد اختارهم الله لصحبة نبيّه صلى الله عليه وسلم؛ فتلك ميزة للصحابة رضي الله عنهم لا يشاركهم فيها غيرهم.

وأما من بعدهم ففضيلتهم مشروطة بإحسانهم اتّباع الصحابة رضي الله عنه واتّصافهم بالعدالة والضبط، ولذلك فإنّ التابعين على درجات:
الدرجة الأولى: الأئمة الثقات الذين عُرفوا بالعلم والفضل والإمامة في الدين فهؤلاء بأعلى مراتبهم.
والدرجة الثانية: صالحون مقبولون ، ومنهم عباد معروفون، لا مطعن في عدالتهم ولا ضبطهم لكنّهم لم يكونوا معروفين بالاشتغال بالعلم كما عرف به أهل العلم من التابعين؛ فهؤلاء تقبل مروياتهم ويُحتجّ بها في الجملة إلا أن تخالف رواية من هم أوثق منهم.
والدرجة الثالثة: درجة الذين تعتبر روايتهم ولا يحتجّ بها إلا أن تعضد برواية آخرين، وأهل هذه الدرجة على أصناف:
أ- فمنهم صنف صالحون في أنفسهم غير متّهمين بالكذب، لكنّهم ضعفاء في الضبط، يقع منهم الخطأ في الرواية بما عرف به ضعف ضبطهم.
ب- وصنف مجهولو الحال تعرف أسماؤهم وأعيانهم ولا يُعرف حالهم.
ج- وصنف اختلف فيهم الأئمة النقّاد فمنهم من وثّقهم ومنهم من ضعّفهم؛ فهؤلاء منهم من يكون في حاله تفصيل فيلحق بالدرجة الأولى في بعض مروياتهم، ويلحق بالثالثة في غيرها في تفصيل كثير لأحوال تعارض الجرح والتعديل تدرس في علوم الحديث.
والدرجة الرابعة: الذين لا تعتبر روايتهم، وهؤلاء على أصناف:
أ- فمنهم الذين كَثُر منهم الخطأ وخلط روايات الثقات بالضعفاء من غير تمييز حتى استحقّوا الترك.
ب- ومنهم المتّهمون بالكذب.
ج- ومنهم غلاة المبتدعة). [طرق التفسير:95 - 96]


الساعة الآن 09:39 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة