جمهرة العلوم

جمهرة العلوم (http://jamharah.net/index.php)
-   نزول القرآن (http://jamharah.net/forumdisplay.php?f=431)
-   -   نزول سورة التوبة (http://jamharah.net/showthread.php?t=11412)

محمد أبو زيد 28 رجب 1434هـ/6-06-2013م 06:47 PM

ما ورد في نزول قوله تعالى: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107) )
قالَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الوَاحِدِيُّ (ت: 468هـ): (قوله تعالى: {وَالَّذينَ اِتَّخَذوا مَسجِدًا ضِرارًا وَكُفرًا وتفريقا بين المؤمنين وإرصاد لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون * لا تقم فيه أبدا ...}
قال المفسرون: إن بني عمرو بن عوف اتخذوا مسجد قباء وبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم فأتاهم فصلى فيه فحسدهم إخوتهم بنو غنم بن عوف وقالوا: نبني مسجدًا ونرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي فيه كما صلى في مسجد إخواننا وليصل فيه أبو عامر الراهب إذا قدم من الشام وكان أبو عامر قد ترهب في الجاهلية وتنصر ولبس المسوح وأنكر دين الحنيفية لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وعاداه وسماه النبي عليه السلام أبا عامر
[أسباب النزول: 260]
الفاسق وخرج إلى الشام وأرسل إلى المنافقين أن أعدوا واستعدوا بما استطعتم من قوة وسلاح وابنوا لي مسجدًا فإني ذاهب إلى قيصر فآتي بجند الروم فأخرج محمدًا وأصحابه فبنوا له مسجدًا إلى جنب مسجد قباء وكان الذين بنوه اثني عشر رجلاً: حزام بن خالد ومن داره أخرج مسجد الشقاق وثعلبة بن حاطب ومعتب بن قشير وأبو حبيبة بن الأزعر وعباد بن حنيف وجارية بن عامر وابناه مجمع وزيد ونبتل بن حارث وبحزج وبجاد بن عثمان ووديعة بن ثابت فلما فرغوا منه أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا قد بنينا مسجدًا لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والليلة الشاتية وإنا نحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه فدعا بقميصه ليلبسه ويأتيهم فنزل عليه القرآن وأخبره الله عز وجل خبر مسجد الضرار وما هموا به فدعا رسول الله صلى الله عليه
[أسباب النزول: 261]
وسلم مالك بن الدخشم ومعن بن عدي وعامر بن السكن ووحشيا قاتل حمزة وقال لهم: ((انطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدموه واحرقوه)) فخرجوا وانطلق مالك وأخذ سعفًا من النخل فأشعل فيه نارًا ثم دخلوا المسجد وفيه أهله فحرقوه وهدموه وتفرق عنه أهله وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ ذلك كناسة تلقى فيها الجيف والنتن والقمامة.
ومات أبو عامر بالشام وحيدًا غريبًا.
أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى حدثنا أبو العباس بن إسماعيل بن عبد الله بن ميكال أخبرنا عبد الله بن أحمد بن موسى الأهوازي أخبرنا إسماعيل بن زكريا حدثنا داود بن الزبرقان عن صخر بن جويرية عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص عن أبيها قال: إن المنافقين عرضوا المسجد يبنونه ليضاهئوا به مسجد قباء وهو قريب منه لأبي عامر الراهب يرصدونه إذا قدم ليكون إمامهم فيه فلما فرغوا من بنائه أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله إنا قد بنينا مسجدًا فصل فيه حتى نتخذه مصلى فأخذ ثوبه ليقوم معهم فنزلت هذه الآية: {لا تَقُم فيهِ أَبَدًا}). [أسباب النزول: 262]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أبي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ): (قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107)}
أخرج ابن مردويه من طريق ابن إسحاق قال: ذكر ابن شهاب الزهري عن ابن أكيمة الليثي عن ابن أخي أبي رهم الغفاري: أنه سمع أبا رهم وكان ممن بايع تحت الشجرة يقول: أتى من بنى مسجد الضرار رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متجهز إلى تبوك، فقالوا: يا رسول الله إنا بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة والليلة الشاتية والليلة المطيرة، وإنا نحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه، قال: إني على جناح سفر، ولو قدمنا إن شاء الله أتيناكم فصلينا لكم فيه، فلما رجع نزل بذي أوان على ساعة من المدينة، فأنزل الله في المسجد: {والذين اتخذوا مسجدا ضرارا
[لباب النقول: 142]
وكفرا} إلى آخر القصة، فدعا مالك بن الدخشم ومعن بن عدي أو أخاه عاصم بن عدي، فقال: ((انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه وأحرقاه)) ففعلا.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق العوفي عن ابن عباس قال: لما بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجد قباء خرج رجال من الأنصار منهم يخدج جد عبد الله بن حنيف، ووديعة بن خزام، ومجمع بن جارية الأنصاري، فبنوا مسجد النفاق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخدج: ((ويلك ما أردت إلى ما أرى)) فقال: يا رسول الله ما أردت إلا الحسنى فأنزل الله الآية.
وأخرج ابن مردويه من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: إن أناسا من الأنصار بنوا مسجدا، فقال لهم أبو عامر: ابتنوا مسجدكم واستمدوا بما استطعتم من قوة وسلاح فإني ذاهب إلى قيصر ملك فآتي بجند من الروم فأخرج محمدا وأصحابه، فلما فرغوا من مسجدهم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا له: لقد فرغنا من بناء مسجدنا فنحب أن تصلي فيه فأنزل الله: {لا تقم فيه أبدا}.
وأخرج الواحدي عن سعد بن أبي وقاص قال: إن المنافقين عرضوا بمسجد يبنونه يضاهون به مسجد قباء لأبي عامر الراهب يرصدونه إذا قدم ليكون إمامهم فيه، فلما فرغوا من بنائه أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إنا بنينا مسجدا فصل فيه، فنزلت: {لا تقم فيه أبدا}.
وأخرج الترمذي عن أبي هريرة قال: نزلت هذه الآية في أهل قباء: {فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين}. قال: كانوا يستنجون بالماء فنزلت فيهم.
(ك)، وأخرج عمر بن شبة في أخبار المدينة من طريق الوليد بن أبي سندر الأسلمي عن يحيى بن سهل الأنصاري عن أبيه: أن هذه الآية نزلت في أهل قباء كانوا يغسلون أدبارهم من الغائط: {فيه رجال يحبون أن يتطهروا} الآية.
(ك)، وأخرج ابن جرير عن عطاء قال: أحدث قوم الوضوء بالماء
[لباب النقول: 143]
من أهل قباء، فنزلت فيهم: {فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين} ). [لباب النقول: 144]


روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين


محمد أبو زيد 28 رجب 1434هـ/6-06-2013م 06:48 PM

ما ورد في نزول قوله تعالى: (لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) )
قالَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الوَاحِدِيُّ (ت: 468هـ): (قوله تعالى: {وَالَّذينَ اِتَّخَذوا مَسجِدًا ضِرارًا وَكُفرًا وتفريقا بين المؤمنين وإرصاد لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون * لا تقم فيه أبدا ...}
قال المفسرون: إن بني عمرو بن عوف اتخذوا مسجد قباء وبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم فأتاهم فصلى فيه فحسدهم إخوتهم بنو غنم بن عوف وقالوا: نبني مسجدًا ونرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي فيه كما صلى في مسجد إخواننا وليصل فيه أبو عامر الراهب إذا قدم من الشام وكان أبو عامر قد ترهب في الجاهلية وتنصر ولبس المسوح وأنكر دين الحنيفية لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وعاداه وسماه النبي عليه السلام أبا عامر
[أسباب النزول: 260]
الفاسق وخرج إلى الشام وأرسل إلى المنافقين أن أعدوا واستعدوا بما استطعتم من قوة وسلاح وابنوا لي مسجدًا فإني ذاهب إلى قيصر فآتي بجند الروم فأخرج محمدًا وأصحابه فبنوا له مسجدًا إلى جنب مسجد قباء وكان الذين بنوه اثني عشر رجلاً: حزام بن خالد ومن داره أخرج مسجد الشقاق وثعلبة بن حاطب ومعتب بن قشير وأبو حبيبة بن الأزعر وعباد بن حنيف وجارية بن عامر وابناه مجمع وزيد ونبتل بن حارث وبحزج وبجاد بن عثمان ووديعة بن ثابت فلما فرغوا منه أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا قد بنينا مسجدًا لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والليلة الشاتية وإنا نحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه فدعا بقميصه ليلبسه ويأتيهم فنزل عليه القرآن وأخبره الله عز وجل خبر مسجد الضرار وما هموا به فدعا رسول الله صلى الله عليه
[أسباب النزول: 261]
وسلم مالك بن الدخشم ومعن بن عدي وعامر بن السكن ووحشيا قاتل حمزة وقال لهم: ((انطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدموه واحرقوه)) فخرجوا وانطلق مالك وأخذ سعفًا من النخل فأشعل فيه نارًا ثم دخلوا المسجد وفيه أهله فحرقوه وهدموه وتفرق عنه أهله وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ ذلك كناسة تلقى فيها الجيف والنتن والقمامة.
ومات أبو عامر بالشام وحيدًا غريبًا.
أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى حدثنا أبو العباس بن إسماعيل بن عبد الله بن ميكال أخبرنا عبد الله بن أحمد بن موسى الأهوازي أخبرنا إسماعيل بن زكريا حدثنا داود بن الزبرقان عن صخر بن جويرية عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص عن أبيها قال: إن المنافقين عرضوا المسجد يبنونه ليضاهئوا به مسجد قباء وهو قريب منه لأبي عامر الراهب يرصدونه إذا قدم ليكون إمامهم فيه فلما فرغوا من بنائه أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله إنا قد بنينا مسجدًا فصل فيه حتى نتخذه مصلى فأخذ ثوبه ليقوم معهم فنزلت هذه الآية: {لا تَقُم فيهِ أَبَدًا}). [أسباب النزول: 262] (م)


روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين



محمد أبو زيد 28 رجب 1434هـ/6-06-2013م 06:49 PM

ما ورد في نزول قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) )
قالَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الوَاحِدِيُّ (ت: 468هـ): (قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ اِشتَرى مِنَ المُؤمِنينَ أَنفُسَهُم وَأَموالَهُم بأن لهم الجنة} الآية.
[أسباب النزول: 262]
قال محمد بن كعب القرظي: لما بايعت الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة بمكة وهم سبعون نفسًا قال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله اشترط لربك ولنفسك ما شئت فقال: ((أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم)) قالوا: فإذا فعلنا ذلك فماذا لنا؟ قال: ((الجنة)) قالوا ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل فنزلت هذه الآية). [أسباب النزول: 263]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أبي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ): (قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)}
أخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي قال: قال عبد الله بن رواحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم اشترط لربك ولنفسك ما شئت؟ قال: ((أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم))، قالوا: فإذا فعلنا ذلك فما لنا؟ قال: ((الجنة)) قالوا: ربح البيع، لا نقيل ولا نستقيل، فنزلت: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم} ). [لباب النقول: 145]


روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين


محمد أبو زيد 28 رجب 1434هـ/6-06-2013م 06:49 PM

ما ورد في نزول قوله تعالى: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113) )
قالَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الوَاحِدِيُّ (ت: 468هـ): (قوله تعالى: {ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذينَ آَمَنوا أَن يَستَغفِروا لِلمُشرِكينَ} الآية.
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الشيرازي أخبرنا محمد بن عبد الله بن خميرويه الهروي أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد الخزاعي حدثنا أبو اليمان قال: أخبرني شعيب عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال: لما حضر أبا طالب الوفاة دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية فقال: ((أي عم قل معي لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله)) فقال أبو جهل وابن أبي أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب فلم يزالا يكلمانه حتى قال آخر شيء كلمهم به على ملة عبد المطلب فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لأستغفرن لك ما لم أنه عنك)) فنزلت: {ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذينَ آَمَنوا أَن يَستَغفِروا لِلمُشرِكينَ وَلَو كانوا أُولِى قُربى مِن بَعدِ ما تَبَيَّنَ لَهُم أَنَّهُم أَصحابُ الجَحيمِ} رواه البخاري عن إسحاق بن إبراهيم
[أسباب النزول: 263]
عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري. ورواه مسلم عن حرملة عن ابن وهب عن يونس كلاهما عن الزهري.
أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو النيسابوري أخبرنا الحسن بن علي بن مؤمل أخبرنا عمرو بن عبد الله البصري أخبرنا محمد بن عبد الوهاب قال: أخبرنا جعفر بن عون أخبرنا موسى بن عبيدة قال: أخبرنا محمد بن كعب القرظي قال: بلغني أنه لما اشتكى أبو طالب شكواه التي قبض فيها قالت له قريش: يا أبا طالب أرسل إلى ابن أخيك فيرسل إليك من هذه الجنة التي ذكرها ما يكون لك شفاء فخرج الرسول حتى وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر جالسًا معه فقال: يا محمد إن عمك يقول لك: إني كبير ضعيف سقيم فأرسل إلي من جنتك هذه التي تذكر من طعامها وشرابها شيئًا يكون لي فيه شفاء فقال أبو بكر: إن الله تعالى حرمها على الكافرين فرجع إليهم الرسول فقال: بلغت محمدًا الذي أرسلتموني به فلم يحر إلي شيئًا. وقال أبو بكر: إن الله حرمها على الكافرين فحملوا أنفسهم عليه حتى أرسل رسولاً من عنده فوجده الرسول في مجلسه فقال له مثل ذلك فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله حرم على الكافرين طعامها وشرابها)) ثم قام في إثر الرسول حتى دخل معه بيت أبي طالب فوجده مملوءًا رجالاً فقال: ((خلوا بيني وبين عمي)) فقالوا: ما نحن بفاعلين ما أنت أحق به منا إن كانت لك قرابة فلنا قرابة مثل قرابتك فجلس إليه فقال: ((يا عم جزيت عني خيرًا كفلتني صغيرا وحطتني كبيرا جزيت عني خيرا يا عم أعني على نفسك بكلمة واحدة أشفع لك بها عند الله يوم القيامة)) قال: وما هي يا ابن أخي؟ قال: ((قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له)) فقال: إنك لي ناصح والله لولا أن تعيرني قريش عنه
[أسباب النزول: 264]
فيقال: جزع عمك من الموت لأقررت بها عينك قال: فصاح القوم: يا أبا طالب أنت رأس الحنيفية ملة الأشياخ فقال: لا تحدث نساء قريش أن عمك جزع عند الموت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا أزال أستغفر لك ربي حتى يردني)) فاستغفر له بعد ما مات فقال المسلمون: ما يمنعنا أن نستغفر لآبائنا ولذوي قراباتنا قد استغفر إبراهيم لأبيه وهذا محمد صلى الله عليه وسلم يستغفر لعمه فاستغفروا للمشركين حتى نزل: {ما كانَ لِلنَّبيِّ وَالَّذينَ آَمَنوا أَن يَستَغفِروا لِلمُشرِكينَ وَلَو كانوا أُولِى قُربى}.
أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن أحمد الحراني حدثنا محمد بن عبد الله بن نعيم حدثنا محمد بن يعقوب الأموي حدثنا بحر بن نصر حدثنا ابن وهب أخبرنا ابن جريج عن أيوب بن هانئ عن مسروق بن الأجدع عن عبد الله بن مسعود قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر في المقابر وخرجنا معه فأمرنا فجلسنا ثم تخطى القبور حتى انتهى إلى قبر منها فناجاه طويلاً ثم ارتفع نحيب رسول الله صلى الله عليه وسلم باكيا فبكينا لبكائه ثم إنه أقبل إلينا فتلقاه عمر بن الخطاب فقال: يا رسول الله ما الذي أبكاك فقد أبكانا وأفزعنا؟ فجاء فجلس إلينا فقال: ((أفزعكم بكائي؟)) فقلنا: نعم يا رسول الله فقال: ((إن القبر الذي رأيتموني أناجي فيه قبر آمنة بنت وهب وإني استأذنت ربي في زيارتها فأذن لي فيه
[أسباب النزول: 265]
فاستأذنته في الاستغفار لها فلم يأذن لي فيه)) ونزل قوله تعالى: {ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذينَ آَمَنوا أَن يَستَغفِروا لِلمُشرِكينَ ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم * وَما كانَ اِستِغفارُ إِبراهيمَ لأَِبيهِ إِلّا عَن مَّوعِدَةٍ وَعَدَها إِيّاهُ} فأخذني ما يأخذ الولد للوالدة من الرقة فذلك الذي أبكاني). [أسباب النزول: 266]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أبي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ): (قوله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113)}
أخرج الشيخان من طريق سعيد بن نسيب عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة دخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية، فقال: ((أي عم قل لا إله إلا الله أحاج لك بها عند الله))، فقال أبو جهل وعبد الله: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب، فلم يزالا يكلمانه حتى آخر شيء كلمهم به هو على ملة عبد المطلب فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لأستغفرن لك ما لم أنه عنك))، فنزلت: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} الآية، وأنزل في أبي طالب: {إنك لا تهدي من أحببت} الآية، ظاهر هذا أن الآية نزلت بمكة.
(ك) وأخرج الترمذي وحسنة والحاكم عن علي قال: سمعت رجلا يستغفر لأبويه وهما مشركان، فقلت له: أتستغفر لأبويك وهما مشركان؟ فقال: استغفر إبراهيم لأبيه وهو مشرك، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين}
[لباب النقول: 145]
وأخرج الحاكم والبيهقي في الدلائل وغيرهما عن ابن مسعود قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما إلى المقابر، فجلس إلى قبر منها فناجاه طويلا ثم بكي فبكيت لبكائه، فقال: ((إن القبر الذي جلست عنده قبر أمي وإني استأذنت ربي في الدعاء لها فلم يأذن لي))، فأنزل الله: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين}.
وأخرج أحمد وابن مردويه واللفظ له من حديث بريدة قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ وقف على عسفان فأبصر قبر أمه فتوضأ وصلى وبكى، ثم قال: ((إني استأذنت ربي أن أستغفر لها فنهيت))، فأنزل الله: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} الآية.
وأخرج الطبراني وابن مردويه نحوه من حديث ابن عباس، وأن ذلك بعد أن رجع من تبوك وسافر إلى مكة معتمرا فهبط عند ثنية عسفان
قال الحافظ بن حجر: يحتمل أن يكون لنزول الآية أسباب: متقدم، وهو أمر أبي طالب، ومتأخر وهو أمر آمنة، وقصة علي، وجمع غيره بتعدد النزول). [لباب النقول: 145]
قَالَ مُقْبِلُ بنِ هَادِي الوَادِعِيُّ (ت: 1423هـ): (قوله تعالى:{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} [الآية: 113].
البخاري [3 /465] حدثنا إسحاق أخبرنا يعقوب بن إبراهيم قال: حدثني أبي عن صالح عن ابن شهاب قال: أخبرني سعيد بن المسيب عن أبيه أنه أخبره أنه لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأبي طالب: ((يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله))، فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يعرضها عليه ويعودان بتلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم هو على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول: لا إله إلا الله، فقال
[الصحيح المسند في أسباب النزول: 126]
رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((أما والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك)) فأنزل الله تعالى فيه الآية.
الحديث أخرجه في مواضع من صحيحه منها [8 /194] وفيه فنزلت {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} ونزلت {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}[9 /411 ،10 /124]، وأخرجه مسلم [1 /214]، والنسائي [4 /74]، وأحمد [5/433] وابن جرير [11/41]، والبيهقي في [الأسماء والصفات: 97-98]، وابن أبي حاتم [4 /102] وفيه نزول {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ} الآية ليس فيه {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} ). [الصحيح المسند في أسباب النزول: 127]


روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين


محمد أبو زيد 28 رجب 1434هـ/6-06-2013م 06:49 PM

ما ورد في نزول قوله تعالى: (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117) وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119) )

قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أبي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ):
(قوله تعالى: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117) وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119) )
(ك)، روى البخاري وغيره عن كعب بن مالك قال: لم أتخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها إلا بدرا حتى كانت غزوة تبوك، وهي آخر غزوة غزاها، وآذن الناس بالرحيل، فذكر الحديث بطوله، وفيه فأنزل الله توبتنا: {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين} -إلى قوله - {إن الله هو التواب الرحيم} قال: وفينا أنزل: {اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} ). [لباب النقول: 145]
قَالَ مُقْبِلُ بنِ هَادِي الوَادِعِيُّ (ت: 1423هـ): (قوله تعالى:{لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ} إلى قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [الآيات: 117-119].
البخاري [9 /176] حدثنا يحيى بن بكير قال: حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن عبد الله بن كعب بن مالك وكان قائد كعب من بنيه حين عمي قال: سمعت كعب بن مالك يحدث حين تخلف عن قصة تبوك قال كعب: لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في غزوة غزاها إلا في غزوة تبوك، غير أني تخلفت في غزوة بدر ولم نعاتب أحدا تخلف عنها إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يريد عير قريش حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد، ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام وما أحب أن لي بها مشهد بدر وإن كانت بدر أذكر في الناس منها، كان من خبري أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر حين تخلفت عنه في تلك الغزوة، والله ما اجتمعت عندي قبله راحلتان قط حتى جمعتهما في تلك الغزوة ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يريد غزوة إلا ورى بغيرها حتى كانت تلك الغزوة غزاها
[الصحيح المسند في أسباب النزول: 127]
رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حر شديد واستقبل سفرا بعيدا ومفازا وعدوا كثيرا فجلى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم، فأخبرهم بوجهه الذي يريد والمسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كثير ولا يجمعهم كتاب حافظ –يريد الديوان- قال كعب: فما رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أنه سيخفى له ما لم ينزل فيه وحي الله، وغزا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال وتجهز رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم والمسلمون معه فطفقت أغدو لكي أتجهز معهم فأرجع ولم أقض شيئا فأقول في نفسي أنا قادر عليه فلم يزل يتمادى بي حتى اشتد بالناس الجد فأصبح رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم والمسلمون معه، ولم أقض من جهازي شيئا فقلت أتجهز بعده بيوم أو يومين ثم ألحقهم فغدوت بعد أن فصلوا لأتجهز. فرجعت ولم أقض شيئا ثم غدوت ثم رجعت ولم أقض شيئا فلم يزل بي حتى أسرعوا وتفارط الغزو وهممت أن أرتحل فأدركهم وليتني فعلت، فلم يقدر لي ذلك فكنت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فطفت فيهم وأحزنني أني لا أرى إلا رجلا مغموصا عليه النفاق، أو رجلا ممن عذر الله من الضعفاء، ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى بلغ تبوك فقال وهو جالس في القوم بتبوك: ((ما فعل كعب؟)) فقال رجل من بني سلمة: يا رسول الله حبسه برداه ونظره في عطفه، فقال معاذ بن جبل: بئس ما قلت، والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيرا فسكت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وقال كعب بن مالك: فلما بلغني أنه توجه قافلا حضرني همي، فطفقت أتذكر الكذب وأقول بماذا أخرج من سخطه غدا واستعنت على ذلك بكل ذي رأي من أهلي، فلما قيل إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد أظل قادما زاح عني الباطل وعرفت أني لن أخرج منه أبدا بشيء فيه كذب فأجمعت صدقه وأصبح رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قادما وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فيركع فيه ركعتين، ثم جلس للناس، فلما فعل ذلك جاءه المخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له، وكانوا بضعة وثمانين رجلا، فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم علانيتهم، وبايعهم واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى الله فجئته فلما سلمت عليه تبسم تبسم المغضب ثم قال: ((تعال)) فجئت أمشي
[الصحيح المسند في أسباب النزول: 128]
حتى جلست بين يديه، فقال لي: ((ما خلفك ألم تكن قد ابتعت ظهرك)) فقلت بلى إني والله يا رسول الله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أني سأخرج من سخطه بعذر، والله لقد أعطيت جدلا ولكني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخطك علي ولئن حدثتك حديث صدق تجد علي فيه إني لأرجو فيه عفو الله، لا والله ما كان لي من عذر والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((أما هذا فقد صدق، فقم حتى يقضي الله فيك)). فقمت وثار رجال من بني سلمة فاتبعوني فقالوا لي: والله ما علمناك كنت أذنبت ذنبا قبل هذا ولقد عجزت ألا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بما اعتذر إليه المخلفون قد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لك فوالله ما زالوا يؤنبونني حتى أردت أن أرجع فأكذب نفسي، ثم قلت لهم هل لقي هذا معي أحد، قالوا: نعم، رجلان قالا مثل ما قلت فقيل لهما مثل ما قيل لك. فقلت من هما؟ قالوا: مرارة بن الربيع العمري وهلال بن أمية الواقفي، فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرا لي فيهما أسوة فمضيت حين ذكروهما لي، ونهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه، فاجتنبنا الناس وتغيروا لنا حتى تنكرت في نفسي الأرض فما هي التي أعرف فلبثنا على ذلك خمسين ليلة فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان، وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين وأطوف في الأسواق ولا يكلمني أحد وآتي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة فأقول في نفسي: هل حرك شفتيه برد السلام علي أم لا؟ ثم أصلي قريبا منه فأسارقه النظر فإذا أقبلت على صلاتي أقبل إلي. وإذا التفت نحوه أعرض عني حتى إذا طال علي ذلك من جفوة الناس مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة وهو ابن عمي وأحب الناس إلي فسلمت عليه فوالله ما رد علي السلام فقلت يا أبا قتادة أنشدك بالله هل تعلمني أحب الله ورسوله، فسكت فعدت له فنشدته فسكت فعدت له فنشدته، فقال: الله ورسوله أعلم، ففاضت عيناي وتوليت حتى تسورت
[الصحيح المسند في أسباب النزول: 129]
الجدار قال: فبينما أنا أمشي بسوق المدينة إذا نبطي من أنباط أهل الشام ممن قدموا بالطعام يبيعه بالمدينة يقول: من يدل على كعب بن مالك فطفق الناس يشيرون له حتى إذا جاءني دفع إليَّ كتابا من ملك غسان فإذا فيه: أما بعد.. فإنه قد بلغني أن صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة فَالْحَقْ بنا نواسك فقلت لما قرأتها: وهذا أيضا من البلاء فتيممت بها التنور فسجرته بها حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين إذا برسول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يأتيني فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك، فقلت: أطلقها أم ماذا أفعل؟ قال: لا، بل اعتزلها ولا تقربها وأرسل إلى صاحبي مثل ذلك، فقلت لامرأتي الحقي بأهلك، فتكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر. قال كعب فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقالت: يا رسول الله إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم فهل تكره أن أخدمه. قال: ((لا، ولكن لا يقربك)). قالت: إنه والله ما به حركة إلى شيء والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا، فقال لي بعض أهلي لو استأذنتَ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في امرأتك كما أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه، فقلت: والله لا أستأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وما يدريني ما يقول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا استأذنته فيها وأنا رجل شاب؟ فلبثت بعد ذلك عشر ليال حتى كملت لنا خمسون ليلة من حين نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن كلامنا، فلما صليت صلاة الفجر صبح خمسين ليلة وأنا على ظهر بيت من بيوتنا، فبينما أنا جالس على الحال الذي ذكر الله: قد ضاقت علي نفسي، وضاقت علي الأرض بما رحبت، سمعت صوت صارخ أوفى على جبل سلع، صاح بأعلى صوته يا كعب بن مالك أبشر، قال: فخررت ساجدا وقد عرفت أنه قد جاء فرج وآذن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر، فذهب الناس يبشروننا وذهب قبل صاحبي مبشرون، وركض إلي رجل فرسا، وسعى ساع من أسلم فأوفى على الجبل وكان الصوت أسرع من الفرس، فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت ثوبيَّ فكسوته إياهما ببشراه، والله ما أملك غيرهما يومئذ، واستعرت ثوبين فلبستهما، وانطلقت
[الصحيح المسند في أسباب النزول: 130]
إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيتلقاني الناس فوجا فوجا يهنوني بالتوبة، يقولون: لتهنك توبة الله عليك، قال كعب: حتى دخلت المسجد، فإذا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم جالس حوله الناس فقام إلي طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني والله ما قام إلي رجل من المهاجرين غيره، ولا أنساه لطلحة قال كعب: فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يبرق وجهه من السرور: ((أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك)), وكان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا سر استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر وكنا نعرف ذلك منه، فلما جلست بين يديه قلت: يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك)). قلت: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر، فقلت: يا رسول الله إن الله إنما نجاني بالصدق، وإن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقا ما بقيت، فوالله ما أعلم أحدا من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أحسن مما أبلاني، ما تعمدت منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى يومي هذا كذبا، وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقيت، وأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ} إلى قوله: {وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} فوالله ما أنعم الله علي من نعمة قط بعد أن هداني للإسلام أعظم في نفسي من صدقي لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن لا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوا فإن الله تعالى قال للذين كذبوا حين أنزل الوحي شر ما قال لأحد فقال تبارك وتعالى: {سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ} إلى قوله تعالى: {فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ}.
قال كعب: وكنا تخلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين حلفوا له فبايعهم واستغفر لهم وأرجأ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمرين حتى قضى الله فيه، فذلك قال الله تبارك وتعالى: {وعلى الثلاثة الذين خلفوا} وليس الذي ذكر الله سبحانه وتعالى حينما خلفنا عن الغزو إنما هو تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا عمن حلف له واعتذر إليه فقبل منه.
الحديث ذكره أيضا في كتاب التفسير مختصرا [412] من هذا
[الصحيح المسند في أسباب النزول: 131]
الجزء، وأخرجه مسلم [17 /87]، والترمذي [4 /121] مختصرا، والإمام أحمد [3 /457]، وعبد الرزاق في المصنف [5 /397]، وابن إسحاق كما في سيرة ابن هشام [2 /531]، وابن جرير [11 /58]، وابن أبي حاتم[4 /105].
هذا وقد ذكرت هذا الحديث بتمامه لما فيه من الفوائد والعبر ولأنه كما يقول الحافظ ابن كثير قد تضمن تفسير هذه الآية بأحسن الوجوه وأبسطها). [الصحيح المسند في أسباب النزول: 132]


روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين


محمد أبو زيد 28 رجب 1434هـ/6-06-2013م 06:49 PM

ما ورد في نزول قوله تعالى: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122) )
قالَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الوَاحِدِيُّ (ت: 468هـ): (قوله تعالى: {وَما كانَ المُؤمِنونَ لِيَنفُروا كافَّةً} الآية.
قال ابن عباس في رواية الكلبي: لما أنزل الله تعالى عيوب المنافقين لتخلفهم عن الجهاد قال المؤمنون: والله لا نتخلف عن غزوة يغزوها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا سرية أبدًا فلما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسرايا إلى العدو نفر المسلمون كافة وتركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده بالمدينة فأنزل الله تعالى هذه الآية). [أسباب النزول: 266]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أبي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ): (قوله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122)}
[لباب النقول: 145]
أخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: لما نزلت: {إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما} وقد كان تخلف عنه ناس في البدو يفقهون قومهم، فقال المنافقون: قد بقي ناس في البوادي هلك أصحاب البوادي، فنزلت: {وما كان المؤمنون لينفروا كافة}.
وأخرج عن عبد الله بن عبيد الله بن عمير قال: كان المؤمنون لحرصهم على الجهاد إذا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية خرجوا فيها وتركوا النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة في رقة من الناس، فنزلت). [لباب النقول: 146]


روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين



الساعة الآن 03:09 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة