جمهرة العلوم

جمهرة العلوم (http://jamharah.net/index.php)
-   توجيه القراءات (http://jamharah.net/forumdisplay.php?f=1080)
-   -   توجيه القراءات في سورة آل عمران (http://jamharah.net/showthread.php?t=27803)

جمهرة علوم القرآن 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م 02:56 PM

سورة آل عمران
[من الآية (129) إلى الآية (132) ]

{ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (129) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132)}


قوله تعالى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (129)}

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130)}
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (32- {أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} [آية/ 130]:-
بغير ألف مشددة العين، قرأها ابن كثير وابن عامر ويعقوب، وقرأ الباقون {مُضَاعَفَةَ} بالألف والتخفيف.
يقال: ضاعفت الشيء وضعفته بمعنى واحد، وقد مضى الكلام في مثله). [الموضح: 383]

قوله تعالى: {وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131)}

قوله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م 02:59 PM

سورة آل عمران
[من الآية (133) إلى الآية (138) ]

{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136) قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138)}

قوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربّكم... (133)
قرأ نافع وابن عامرٍ: (سارعوا إلى مغفرةٍ) بغير واو، وكذلك هي في مصاحفهم.
وقرأ الباقون: (وسارعوا) بالواو.
قال أبو منصور: القراءة جائزة بالواو وغير الواو، غير أني أحب القراءة بالواو). [معاني القراءات وعللها: 1/273]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (51- وقوله تعالى: {وسارعوا إلى مغفرة} [133].
قرأ نافع وابن عامر: (سارعوا) بغير واو.
وقرأ الباقون بواو). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/119]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (أحمد: وكلّهم قرأ: وسارعوا-[آل عمران/ 133] بواو
[الحجة للقراء السبعة: 3/77]
غير نافع وابن عامر فإنّهما قرأ: سارعوا بغير واو، وكذلك هي في مصاحف أهل المدينة وأهل الشام. وروى أبو عمر الدوري عن الكسائي: وسارعوا وأولئك يسارعون في الخيرات [المؤمنون/ 61] ونسارع لهم في الخيرات [المؤمنون/ 56] بالإمالة في كلّ ذلك.
قال أبو علي: [كلا الأمرين سائغ] مستقيم، فمن قرأ بالواو فلأنّه عطف الجملة على الجملة، والمعطوف عليها قوله: وأطيعوا الله والرسول [آل عمران/ 132] وسارعوا. ومن ترك الواو فلأنّ الجملة الثانية ملتبسة بالأولى مستغنية بالتباسها بها عن عطفها بالواو.
وقد جاء الأمران في التنزيل في قوله: سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم [الكهف/ 22] وقال: ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم [الكهف/ 22] وقال: أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون [البقرة/ 39] فهذا على قياس قراءة نافع وابن عامر. وما روي عن الكسائي من إمالة الألف في وسارعوا وأولئك يسارعون ونسارع لهم في الخيرات فالإمالة هنا في الألف حسنة، لوقوع الراء المكسورة بعدها، وكما تمنع المفتوحة الإمالة، فكذلك المكسورة تجلبها). [الحجة للقراء السبعة: 3/78]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وسارعوا إلى مغفرة من ربكم}
قرأ نافع وابن عامر (سارعوا إلى مغفرة من ربكم) بغير واو اتباعا لمصاحفهم
وقرأ الباقون {وسارعوا} بالواو اتباعا لمصاحفهم). [حجة القراءات: 174]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (73- قوله: {وسارعوا} قرأه نافع وابن عامر بغير واو، على الاستئناف والقطع، وكذا هي في مصاحف أهل المدينة وأهل الشام بغير واو، وهو مع الاستئناف ملتبس بما قبله، لأن الضمائر غير مختلفة والمأمورين غير مختلفين. وقرأ الباقون بالواو، على العطف على ما قبله، من قوله: {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول} «132» - وسارعوا، وهو عطف جملة على جملة، وكذلك هي في مصاحف أهل الكوفة، وأهل البصرة بالواو). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/356]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (33- {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ} [آية/ 133]:-
بغير واوٍ في أوله، قرأها نافع وابن عامر.
وذلك لأن الجملة الثانية مستغنية عن عطفها بالواو لالتباسها بالجملة الأولى، كقوله تعالى {سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ}.
وقرأ الباقون {وَسَارِعُوا} بالواو؛ لأنه عطف جملةٍ على جملةٍ فهو بالواو
[الموضح: 383]
لأنه أداته، والمعطوف عليها قوله {وَأَطِيعُوا الله وَالرَّسُولَ}.
والكسائي أمال السين في {سارعوا} لوقوع الراء المكسورة بعدها، وفتحها الباقون على الأصل). [الموضح: 384]

قوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)}

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135)}

قوله تعالى: {أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136)}

قوله تعالى: {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137)}

قوله تعالى: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م 03:02 PM

سورة آل عمران
[من الآية (139) إلى الآية (141) ]

{وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141)}

قوله تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139)}

قوله تعالى: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (إن يمسسكم قرحٌ... (140)
[معاني القراءات وعللها: 1/273]
قرأ أبو بكر وحمزة والكسائي: (قرحٌ) بضم القاف، وقرأ الباقون: (قرحٌ) بفتح القاف.
وقال الفراء: القرح: الجرح، والقرح: ألم الجرح.
وقال الزجاج: القرح والقرح واحد، ومعناهما: الجرح، وألمه، ويقال: قرحه قرح، وأصابه قرح). [معاني القراءات وعللها: 1/274]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (52- وقوله تعالى: {إن يمسسكم قرح} [140].
قرأ أهل الكوفة غير حفص {قرح} بضم القاف. وقرأ الباقون وحفص عن عاصم بالفتح.
فقال أكثر النحويين: هما لغتان: القرح والقرح مثل: الجَهْدُ والجُهْدُ، وفرَّق الكسائي بينهما فقال: القَرح: الجراحةُ، والقُرْحُ: ألم الجراحة). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/119]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح القاف وضمّها من قوله تعالى: قرح [آل عمران/ 140].
[الحجة للقراء السبعة: 3/78]
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: قرح بفتح القاف في كلّهنّ.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي: قرح* بضم القاف في جميعهنّ. وروى حفص عن عاصم: قرح بالفتح مثل أبي عمرو. وكلّهم أسكن الراء في قرح.
قال أبو علي: قرح وقرح مثل: الضّعف والضّعف، والكره والكره، والفقر والفقر، والدّف والدّف. والشّهد والشّهد. وكأن الفتح أولى لقراءة ابن كثير، ولأنّ لغة أهل الحجاز الأخذ بها أوجب، لأنّ القرآن عليها نزل.
وقال أبو الحسن: قرح، يقرح قرحا، وقرحا، فهذا يدلّ على أنّهما مصدران، وأنّ كلّ واحد منهما بمعنى الآخر.
ومن قال: إنّ القرح الجراحات بأعيانها، والقرح ألم الجراحات قبل ذلك منه إذا أتى فيه برواية، لأنّ ذلك ممّا لا يعلم بالقياس). [الحجة للقراء السبعة: 3/79]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة محمد بن السميفع: [قَرَحٌ] بفتح القاف والراء.
قال أبو الفتح: ظاهر هذا الأمر أن يكون فيه لغتان: قرْح، وقرَح، كالحلْب والحلَب، والطرْد والطرَد، والشل والشلل. وفيه أيضًا قُرْح على فُعْل، يقرأ بهما جميعًا.
[المحتسب: 1/166]
ثم لا أُبْعدُ من بَعْدُ أن تكون الحاء لكونها حرفًا حلقيًّا يفتح ما قبلها كما تفتح نفسها فيما كان ساكنًا من حروف الحلق، نحو قولهم في الصخْر: الصخَر، والنعْل: النعَل. ولعمري، إن هذا عند أصحابنا ليس أمرًا راجعًا إلى حرف الحلق؛ لكنها لغات، وأنا أرى في هذا رأي البغداديين في أن حرف الحلق يؤثر هنا من الفتح أثرًا معتدًّا معتمدًا؛ فلقد رأيت كثيرًا من عقيل لا أحصيهم يحرك من ذلك ما لا يتحرك أبدًا لولا حرف الحلق، وهو قول بعضهم: نَحَوَه، يريد: نَحْوه، وهذا ما لا توقف في أنه أمر راجع إلى حرف الحلق؛ لأن الكلمة بنيت عليه ألبتة، ألا ترى أن لو كان هذا هكذا لوجب أن يقال: نحاة؛ لأنه فَعَلٌ مما لامُه واو، فيجري مجرى عصاة وفتاة.
نعم، وسمعت الشجري يقول في بعض كلامه: أنا مَحَموم، بفتح الحاء. وقال مرة وقد رسم له الطبيب أن يمص التفاح ويرمي بثُفْله فلم يفعل ذلك، فأنكره الطبيب عليه، فقال: إني لأبغي مصه وعِلْيَته تَغَذُو، يريد: تَغْذُو، ولا قرابة بيني وبين البصريين؛ لكنها بيني وبين الحق، والحمد لله، ويكون فتح الحاء من القَرَح لها ما قبلها كفتحها لها عين الفعل المضارع، نحو: يسنَح ويسفَح ويسمَح.
ويُؤنِّس بذلك أن هذه الحروف حلقية، فضارعت بذلك الألف التي لا يكون ما قبلها إلا مفتوحًا، وهذا قدر ما يتعلَّل به، إلا أن الاختيار أن تكون "القَرَح" لغة). [المحتسب: 1/167]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله}
قرأ حمزة والكسائيّ وابو بكر {إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله} بضم القاف فيهما وقرأ الباقون بالفتح فيهما
قال الفراء كأن القرح بالضّمّ ألم الجراحات وكأن القرح الجراح بأعيانها وقال الكسائي هما لغتان مثل الضعف والضعف والفقر والفقر وأولى القولين بالصّواب قول الفراء لتصييرهما لمعنيين والدّليل على ذلك قول الله جلّ وعز حين أساهم بهم في موضع آخر بما دلّ على أنه أراد الألم فقال ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنّهم يألمون كما تألمون فدلّ ذلك على أنه اراد إن يمسسكم ألم من أيدي القوم فإن بهم من ذلك مثل ما بكم). [حجة القراءات: 174]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (74- قوله: {قرح} قرأ حمزة وأبو بكر والكسائي بضم القاف، على أنها ألم الجراحات، وقرأ الباقون بالفتح، على أنها الجراحات بعينها وأكثر الناس على أن القراءتين بمعنى الجراحات بلغتين كـ الضَعف والضُعف، والكَره والكُره، وقال الأخفش: هما مصدران لـ «قَرح قَرحًا وقُرحًا»). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/356]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (34- {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ} [آية/ 140]، و{القُرْح}
بضم القاف، قرأها حمزة والكسائي وياش- عن عاصم.
وقرأ الباقون {قَرْح} و{القَرْح} بفتح القاف.
(والقرح) والقرح لغتان كالضعف والضعف والفقر والفقر، والفتح لغة أهل الحجاز، والأخذ بها أولى.
وقال الفراء: هو بالفتح: الجرح، وبالضم: ألم الجرح). [الموضح: 384]

قوله تعالى: {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م 03:04 PM

سورة آل عمران
[من الآية (142) إلى الآية (145) ]

{أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (143) وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144) وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآَخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145)}

قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142)}

قوله تعالى: {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (143)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة إبراهيم: [مِنْ قَبْلِ أَنْ تُلاقُوه].
قال أبو الفتح: وجه ذلك أنك إذا لقيتَ الشيء فقد لقيَك هو أيضًا، فلما كان كذلك دخله معنى المفاعلة؛ كالمضاربة والمقاتلة، وقد جاء ذلك عينه في هذه اللفظة عينها، قالت امرأة:
هل الَّا الموت يغلي غاليهْ ... مختلطًا سافله بعاليهْ
لا بد يومًا أنني ملاقيهْ
فأما ما قرأته على أبي علي في نوادر أبي زيد من قوله:
فارقَنا قبل أن نفارقه ... لما قضى من جماعنا وطَرا
[المحتسب: 1/167]
فظاهره إلى التناقض؛ لأنا إذا فارقَنا فقد فارقْناه لا محالة، فما معنى قوله بعد: قبل أن نفارقه؟ وهو عندنا على إقامة المسبب مقام السبب في تفسيره: فارقَنا قبل أن نريد فراقه، فوضع المفارقة وهي المسبب موضع الإرادة لها وهي السبب؛ وذلك لقرب أحدهما من صاحبه.
ومثله قوله الله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} أي: إذا أردت القراءة، وهو كثير قد مر في هذا الكتاب، وقد أفردنا له في الخصائص بابًا قائمًا برأسه). [المحتسب: 1/168]

قوله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة حطان بن عبد الله: [وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ رُسُل]، وكذلك هي في مصحف ابن مسعود.
قال أبو الفتح: هذه القراءة حسنة في معناها؛ وذلك أنه موضع اقتصاد بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وإعلام أنه لا يلزم ذمته ممن يخالفه تبعة؛ لقوله تعالى: {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ}، وقوله: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ}، وقوله: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ}، وقوله: {أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ}.
ومعلوم أن "إنما" موضوعة للاقتصاد والتقليد، ألا ترى إلى قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}؟ فهذا كقوله: {مَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ}، وقوله: {وَقَلِيل مَا هُمْ}، وقوله: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}. فلما كان موضع اقتصاد به، وفكٍّ ليد الذم عن ذمته، وكان من مضى من الأنبياء -عليهم السلام- في هذا المعنى مثله، لاق بالحال تنكير ذكرهم بقوله: [قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ رُسُلُ].
وذلك أن التنكير ضرب من الكف والتصغير، كما أن التعريف ضرب من الإعلام والتشريف، ألا ترى إلى قوله:
فمن أنتم إنانسينا من أنتم ... وريحكم من أي ريح الأعاصر
[المحتسب: 1/168]
فأين هذا من قوله:
هذا الذي تَعْرِف البطحاء وطأته ... والبيت يعرفه والحل والحرم؟
ولهذا قال:
من حديث نَمَى إليَّ فما أطـ ... ـعَمُ غُمْضًا ولا ألذ شرابي
فنكَّر الغمض احتقارًا له إذ كان لا يعرفه، وعرَّف الشراب إذ كان لا بد أن يشرب وإن قل. قال:
على كل حال يأكل المرء زادَه ... من الضر والبأساء والحدَثان
ولأجل ذلك لم تندب العرب المبهم ولا النكرة لاحتقارها، وإنما تندب بأشهر أسماء المندوب؛ ليكون ذلك عذرًا لها في اختلاطها وتفجعها، ويؤكده أيضًا قوله تعالى: {مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ}، فجرى قوله سبحانه: [وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ رُسُلُ] مجرى قولك لصاحبك: اخدم كما خَدَمَنَا غيرُك من قبلك ولا تبعة عليك بعد ذلك، فهذا إذن موضع إسماح له، فلا بد إذن من إلانة ذكره، وعليه جاء قوله تعالى: {أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ} فأضاف سبحانه من عذرهم، وأعلَمَ ألا متعلق عليه بشيء من أمرهم، فلهذا حسن تنكير "رسل" هاهنا، والله أعلم.
وأما من قرأ: {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} فوجه تعريفهم ومعناه: أنكم قد عرفتم حال مَن قبله من الرسل في أنهم لم يطالبوا بأفعال مَن خالفهم، وكذلك هو صلى الله عليه وسلم، فلما كان موضع تنبيه لهم كان الأليق به أو يومئ إلى أمر معروف عندهم). [المحتسب: 1/169]

قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآَخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الأعمش، فيما رواه القطعي عن أبي زيد عن المفضَّل عن الأعمش: [ومَن
[المحتسب: 1/169]
يُرِدْ ثواب الدنيا يُوتِه منه ومَن يُرِدْ ثوابَ الآخرة يُوتِه منها وسنجزي الشاكرين] بالياء فيهما.
قال أبو الفتح: وجهه على إضمار الفاعل لدلالة الحال عليه؛ أي: يوته الله، يدل على ذلك قراءة الجماعة: {نُؤْتِهِ مِنْهَا} بالنون.
وحديث إضمار الفاعل للدلالة عليه واسعٌ فاشٍ عنهم، منه حكاية الكتاب أنهم يقولون: إذا كان غدًا فائتني؛ أي: إذا كان ما نحن عليه من البلاء في غد فائتني، ومثله حكايته أيضًا:
مَن كذب كان شرًّا له؛ أي: كان الكذب شرًّا له. وعليه قول الآخر:
ومجوَّفات قد علا ألوانها ... أسآر جُرد مُتْرَصاتٍ كالنَّوَى
أي: قد علا التجويف ألوانَها. وقول الآخر:
إذا نُهِيَ السفيهُ جرى إليه ... وخالَف والسفيهُ إلى خلاف
وكما أضمر المصدر مجرورًا؛ أعني: الهاء في إليه -يعني إلى السفه- كذلك أيضًا أضمره مرفوعًا بفعله). [المحتسب: 1/170]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م 03:06 PM

سورة آل عمران
[من الآية (146) إلى الآية (148) ]

{وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) فَآَتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148)}

قوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وكأيّن من نبيٍّ قاتل معه... (146)
قرأ ابن كثير: (وكائن) الهمز بين الألف والنون، بوزن (كاعن)، وقرأ الباقون: (وكأيّن) الهمزة بين الكاف والياء.
وذكر عن يعقوب أنه كان يقف: (وكأي) قال: ومعناه: وكم من نبيٍّ
[معاني القراءات وعللها: 1/274]
قال أبو منصور: هما لغتان قرئ بهما (وكأيّن) بتشديد الياء بوزن (وكعيّن)، واللغة الثانية (وكائن) بوزن (كاعن)، والمعنى واحد.
وأخبرني المنذري عن أبي الهيثم أنه قال في تفسير (كأيّن): الكاف زائدة مدخلة على أي، قال: والكاف معناه: التشبيه، كما تقول: كعمرو.
قال: ومن قرأ (كأيّن) فهو من كيب عن الأمر، أي: حببت.
قال: ومعناها: كم. وكم بمعنى الكثرة). [معاني القراءات وعللها: 1/275]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (قتل... (146)
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب على (فعل).
وقرأ الباقون (قاتل) على (فاعل).
قال أبو منصور: والقراءتان جيدتان، إلا أن (قتل) مفعول، و(قاتل) فاعل). [معاني القراءات وعللها: 1/275]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (52- وقوله تعالى: {وكأين من نبي قاتل معه} [146].
قرأ ابن كثير وحده (كائن) على وزن كاعن.
قرأ الباقون: (وكأي) على وزن كحي.
فمن قرأ كذلك وقف بالياء مشددًا، وهما لغتان بمعنى «كم»، تقول العرب: كم مالك؟ وكائن مالك؟ وكأين مالك؟). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/120]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (53- وقوله تعالى: {قاتل معه} [146].
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو {قتل معه}.
وقرأ الباقون {قاتل} بألف، فمن قرأ {قُتِلَ} وقف عليه وابتدأ بما بعده، وحجّته أن الله تعالى مدح أممًا قُتِلَ عنهم نبيهم فما ضَعُفُوا لما أصابهم من قتل نبيهم، وما استكانوا.
وحجة من قرأ {قاتل} قال: إذا مدح الله تعالى من لم يُقاتل مع نبيه، كان من قاتل مع نبيه أمدح وأمدح). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/120]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الهمز من قوله تعالى كأين [آل عمران/ 146].
[الحجة للقراء السبعة: 3/79]
فقرأ ابن كثير وحده: وكائن* الهمزة بين الألف والنون في وزن كاعن.
وقرأ الباقون: وكأي الهمزة بين الكاف والياء، والياء مشدّدة في وزن كعيّ.
قال أبو علي: كنّا رأينا قديما في قولهم: وكائن وأكثر ما يجيء في الشعر كقول الشاعر: [كما أنشده سيبويه]:
وكائن رددنا عنكم من مدجّج... يجيء أمام القوم يردي مقنّعا
وكقوله:
وكائن إليكم قاد من رأس فتنة... جنودا وأمثال الجبال كتائبه
وقول جرير:.
وكائن بالأباطح من صديق... يراني لو أصبت المصابا
[الحجة للقراء السبعة: 3/80]
وكائن على وزن كاعن، كان الأصل فيه كأيّ دخلت الكاف على أيّ كما دخلت على (ذا) من (كذا) و (أنّ) من (كأنّ)، وكثر استعمال الكلمة فصارت ككلمة واحدة، فقلب قلب الكلمة الواحدة، كما فعل ذلك في قولهم: لعمري ورعملي، حكي لنا عن أحمد بن يحيى، فصار كيّإن [مثل كيّع] فحذفت الياء الثانية كما حذفت في كينونة فصار كيء بعد الحذف، ثمّ أبدلت من الياء الألف كما أبدل من طائيّ، وكما أبدلت من «آية» عند سيبويه، وكانت «أيّة». وقد حذفت الياء من أيّ في قول الفرزدق:
تنظّرت نصرا والسّماكين أيهما... عليّ من الغيث استهلّت مواطره
ومن قول الآخر: «بيّض.. ».
فحذف الياء الثانية من أيّ أيضا. فأمّا النون في أيّ، فهي التنوين الداخل على الكلمة مع الجرّ، فإذا كان كذلك، فالقياس إذا وقفت عليه (كاء) فتسكن الهمزة المجرورة للوقف، وقياس من
[الحجة للقراء السبعة: 3/81]
قال: مررت بزيدي أن يقول: كائي، فيبدل منه الياء. ولو قال قائل: إنّه بالقلب الذي حدث في الكلمة، صارت بمنزلة النون التي من نفس الكلمة، فصار بمنزلة لام فاعل فأقرّه نونا في الوقف، وأجعله بمنزلة ما هو من نفس الكلمة، كما جعلت التي في «لدن» بمنزلة التنوين الزائد في قول من قال: لدن غدوة لكان قولا.
ويقوّي ذلك أنّهم لمّا حذفوا الكلام في قولهم: إما لا جعلوها بالحذف ككلمة واحدة حتى أجازوا الإمالة في ألف لا* كما أجازوها في التي تكون من نفس الكلمة في الأسماء والأفعال.
وسمعت أبا إسحاق يقول: إنّها تقال ممالة فجعل القلب في كائن بمنزلة الحذف في إما لاجتماعهما في التغيير، لكان قولا، فيقف على كائن بالنون، ولا يقف على النون إذا لم تقلب، كما لا تميل الألف في لا* إذا لم تحذف معها). [الحجة للقراء السبعة: 3/82]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في ضمّ القاف وفتحها وإدخال الألف وإسقاطها من قوله تعالى: قتل معه [آل عمران/ 146].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع قتل معه [آل عمران/ 146] بضم القاف بغير ألف.
وقرأ الباقون: قاتل بفتح القاف وبألف.
[الحجة للقراء السبعة: 3/82]
[قال أبو علي]: أمّا قتل فيجوز أن يكون مسندا إلى ضمير أحد اسمين إلى ضمير «نبي»، والدّليل على جواز إسناده إلى هذا الضمير أنّ هذه الآية في معنى قوله: أفإن مات أو قتل انقلبتم [آل عمران/ 144] وروي عن الحسن أنّه قال: «ما قتل نبي في حرب قطّ» وقال ابن عباس في قوله: وما كان لنبي أن يغل [آل عمران/ 161]: «قد كان النبيّ يقتل فكيف لا يخوّن» ! والذي في الآية من قوله: قتل لم يذكر أنّه في حرب.
فإذا أسند قتل إلى هذا الضمير احتمل قوله: معه ربيون أمرين:
أحدهما: أن يكون صفة لنبي، فإذا قدّرته هذا التقدير كان قوله: ربّيون: مرتفعا بالظرف بلا خلاف. والآخر: أن لا تجعله صفة ولكن حالا من الضمير الذي في قتل، فإن جعلته صفة كان الضمير الذي في معه* المجرور، لنبيّ، وإن جعلته حالا كان الضمير الذي في معه* يعود إلى الذكر المرفوع الذي في قتل، والاسم الآخر الذي يجوز أن يسند إليه قتل ربّيّون فيكون قوله:
[الحجة للقراء السبعة: 3/83]
معه* على هذا التقدير معلّقا بقتل، وعلى القولين الآخرين اللذين هما: الصفة والحال متعلّقا في الأصل بمحذوف، وكذلك من قرأ:
قاتل فهو يجوز فيه ما جاز في قراءة من قرأ قتل*:
والرّبيون: الذين يعبدون الرّبّ، واحدهم ربّي. هكذا فسره أبو الحسن، وقيل فيه: إنه منسوب إلى علم الربّ وكذا الربّانيّون.
وحجّة من قرأ: قتل* أنّ هذا الكلام اقتصاص ما جرى عليه سير أمم الأنبياء قبلهم ليتأسوا بهم، وقد قال: أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم [آل عمران/ 144] وحجّة من قرأ: قاتل أن المقاتل قد مدح كما مدح المقتول فقال: وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم [آل عمران/ 195]. فمن أسند الضمير الذي في قتل إلى نبي كان قوله: فما وهنوا [آل عمران/ 146] أي: ما وهن الرّبيون، ومن أسند الفعل إلى الربّيين دون ضمير نبي كان معنى: فما وهنوا ما وهن باقيهم بعد من قتل منهم في سبيل الله، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. ومن جعل قوله: معه ربيون صفة أضمر للمبتدإ الذي هو كأيّ خبرا، وموضع الكاف الجارّة في كأيّ مع المجرور: رفع، كما أنّ موضع الكاف في قوله: له كذا وكذا: رفع، ولا معنى للتشبيه فيها، كما أنّه لا معنى للتشبيه في كذا وكذا). [الحجة للقراء السبعة: 3/84]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن محيصن والأشهب والأعمش: [وكَأْيٍ] بهمزة بعد الكاف ساكنة، وياء بعدها مكسورة خفيفة، ونون بعدها، في وزن كَعْيٍ.
قال أبو الفتح: فيها أربع لغات: كأَيّ، وكاءٍ، وكأْي -وهي هذه القراءة- وَكَاءٍ في وزن كَعٍ.
ثم اعلم أن أصل ذلك كله {كأَيٍّ} في معنى كم كأكثر القراءة [وكأَيٍّ من قرية]، وهي أَيٌّ دخلت عليها كان الجر، فحدث لها من بعد معنى كم، ولهذه الكاف الجارة حديث طويل في دخولها وفيها معنى التشبيه، وفي دخولها عارية من التشبيه، نحو: كأن زيدًا عمرو، وله كذا وكذا درهمًا، وكأَيٍّ من رجل، ثم إنها لما كثر استعمالها لها تلعبت بها العرب كأشياء يكثر تصرفها فيها لكثرة نقطها بها، فقَدَّمت الياء المشددة على الهمزة فصارت كَيَّأٍ بوزن كَيَّع،
[المحتسب: 1/170]
ثم حذفت الياء المتحركة تشبيهًا لها بسيَّد وميت؛ فصارت [كَيْءٍ] بوزن كَيْعٍ، ثم قلبت الياء ألفًا وإن كانت ساكنة، كما قبلت في ييئس فقيل: ياءس؛ فصارت كاءٍ بوزن كَاعٍ.
وذهب يونس في "كاء" إلى أنه فاعل من الكون، وهذا يبعد؛ لأنه لو كان كذلك لوجب إعرابه؛ إذ لا مانع له من الإعراب.
وأما كأْي بوزن كَعْي، فهو مقلوب كَيْء الذي هو أصل كاء، وجاز قلبه لأمرين:
أحدهما: كثرة التلعب بهذه الكلمة.
والآخر: مراجعة أصل، ألا ترى أن أصل الكلمة كأي؟ فالهمزة إذن قيل الياء. وأما كَأٍ بوزن كَعٍ فمحذوفة من كَاءٍ، وجاز حذف الألف لكثرة الاستعمال، كما قال الراجز:
أصبح قلبي صَرِدا ... لا يشتهي أن يردا
إلا عرادا عردا ... وصلِّيانا بردا
وعَنْكَثًا ملتبِدا
يريد: عاردًا وباردًا. ألا ترى إلى قول أبي النجم:
كأن في الفُرْش العَرَادَ العاردا
وكما قالوا: أَمَ والله لقد كان كذا، يريد أَما، وحَذف الألف.
فإن قلت: فما مثال هذه الكلم من الفعل فإن كَأَيٍّ مثاله كفَعْل؛ وذلك أن الكاف زائدة، ومثال أَيٍّ فَعْل كطَيٍّ وزَيٍّ، مصدر طويت وزويت، وأصل أي أوى؛ لأنها فَعْلٌ من أويت، ووجه التقائها أن "أي" أين وقعت فهي بعض من كل، وهذا هو معنى أَوَيْتُ؛ وذلك أن معنى أويت إلى الشيء تساندت إليه، قال أبو النجم:
يأوي ألى مُلْط له وكَلْكَلِ
أي: يتساند هذا العير إلى ملاطيه وكلكله.
[المحتسب: 1/171]
ونحوه قول طفيل الغنوي:
وآلت إلى أجوازها وتَقَلْقَلت ... قلائد في أعناقها لم تُقَضَّب
فمعنى آلت: أي رجعت، والآوي إلى الشيء: معتصم به وراجع إليه، هذا طريق الاشتقاق.
وأما القياس فكذلك أيضًا؛ وذلك أن باب أويت وطويت وشويت مما عينه واو ولامه ياء أكثر من باب حيِيت وعَيِيت مما عينه ولامه ياءان، ولو نَسبتَ إلى "أَيّ" لقلت: أَوَويّ، كما أنك لو نسبت إلى طيّ ولَيّ لقلت: طَوَوِيّ ولَوَوِيّ، وكذلك لو أضفت إلى الري لكان قياسه رَوَويّ. وأما قولهم: رازِيّ، فشاذ بمنزلة كلابِزِي وإصطخْرِزي.
وأما "كَاءٍ" فوزنه كعف وأصله "كَيَّأٍ"، ومثاله كعلَف، فحذفت الياء الثانية وهي لام الفعل، كما حذفت الثانية من ميت، فبقي كَيْء، ووزنه كَعْف، وقَلْبُ الياء ألفًا لا يخرجها أن تكون كما كانت عينًا، ألا ترى أن وزن قام في الأصل فعل لأنه قوم، ومثال قام في اللفظ فَعْل؟ فالألف عين كما كانت الواو التي الألف بدل منها عينًا، وأيًّا كان مثال "كأي" فإنه كفع؛ لأن الهمزة التي هي فاء عادت إلى مكانها من التقدم.
وأما "كَأٍ" بوزن كَعٍ فإنه كف، والعين واللام محذوفتان.
فإن قيل: لَمَّا حذفت الياء الثانية من "كَيَّأٍ" هلا رددت الواو على مذهبك؛ لأنه قد زالت الياء التي قُلبت لها العين قبلها ياء فقدرته كَوْءٍ.
قيل: لما تُلُعِّب بالكلمة تُنوسى أصلها فصارت الياء كأنها أصل في الحرف، ودعانا إلى اعتماد هذا وإن لم تظهر الياء إلى اللفظ أن الألف أُبدلت منها وهي ساكنة، وقلب الألف من الياء الساكنة أضعاف قلبها من الواو الساكنة، ألا تراهم قالوا: حاحيت وعاعيت وهاهيت، وأصلها: حيحيت وعيعيت وهيهيت، فقلبت الياء ألفًا؟
نعم، وقلبوها مكسورًا ما قبلها ألفًا، فقالوا في الحِيرة: حَارِي، كما قالوا في المفتوح
[المحتسب: 1/172]
ما قبلها: طائي، وقالوا: ضرب عليه سَاية، وهي فَعْلَة من سوَّيت، يُعْنى به الطريق، وأصلها سَوْيَة، فقلبت الواو ياء لوقوعها ساكنة قبل الياء فصارت سَيّة، ثم قلبت الياء ألفًا فقيل: "ساية"، وهو أولى من أن تكون قلبت الواو من سوية ألفًا قبل القلب والإدغام، وإن أعطيت القول ثني مِقوده طال وطغى وأَمَلَّ وتمادى). [المحتسب: 1/173]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة قتادة: [وكَأَي من نبي قُتِّل معه ربيون كثير] مشددة.
قال أبو الفتح: في هذه القراءة دلالة على أن مَن قرأ مِن السبعة [قُتل] أو {قاتل معه ربيون}، فإن {ربيون} مرفوع في قراءته بقُتِل أو قاتل، وليس مرفوعًا بالابتداء ولا بالظرف الذي هو معه، كقولك: مررت برجل يَقْرأُ عليه سلاح، ألا ترى أنه لا يجوز كم نبي قُتِّل بتشديد التاء على فُعِّل؟ فلا بد إذن أن يكون ربيون مرفوعًا بقتِّل، وهذا واضح.
فإن قلت: فهلا جاز فُعِّل حملًا على معنى كم؟
قيل: لو انصُرِف عن اللفظ إلى المعنى لم يحسن العود من بعد إلى اللفظ، وقد قال تعالى كما تراه: "معه"، ولم يقل: معهم، فافهم ذلك). [المحتسب: 1/173]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة علي وابن مسعود وابن عباس وعكرمة والحسن وأبي رجاء وعمرو بن عبيد وعطاء بن السائب: [رُبِّيون] بضم الراء، وقرأ بفتحها ابن عباس فيما رواه قتاده عنه.
قال أبو الفتح: الضم في [رُبِّيون] تميمية، والكسر ايضًا لغة. قال يونس: الرُّبَّة: الجماعة. وكان الحسن يقول: الرِّبِّيون: العلماء الصُّبُر. قال قطرب: والجماعة أيضًا مع يونس؛ أي: فرق وجماعات.
[المحتسب: 1/173]
وكان ابن عباس يقول: الواحدة رِبْوَة، وهي عنده عشرة آلاف، وأنكرها قطرب، قال: لدخول الواو في الكلمة، وهذا لا يلزم؛ لأنه يجوز أن يكون بنَى من الرِّبوة فعِّيلًا كبطيخ، فصار رِبِّيّ، ومثله من عزوت عِزِّي، ثم جمع فقيل: رِبِّيون، وأما رَبيون بفتح الراء، فيكون الواحد منها منسوبًا إلى الرَّب، ويشهد لهذا قول الحسن: إنهم العلماء الصُّبُر، وليس ننكر أيضًا أن يكون أراد رِبيون ورُبيون، ثم غيَّر الأول لياء الإضافة كقولهم في أمس: إمسي). [المحتسب: 1/174]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن: [فَمَا وَهِنُوا] بكسر الهاء.
قال أبو الفتح: فيه لغتان: وهَن يهِن، ووهِن يوهَن، وقولهم في المصدر: الوهَن بفتح الهاء يُؤنِّس بكسر الهاء من "وهِن"، فيكون كفرِق فرَقًا وحذر حذرًا. وحدثنا أبو علي أن أبا زيد حكى فيه كسر الهاء في الماضي، وقولهم فيه: الوَهْن، بسكون الهاء يؤنس بفتح عين الماضي كفَتَر فَتْرُا). [المحتسب: 1/174]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله} 146
قرأ ابن كثير (وكائن من نبي) على وزن كاعن وحجته قول الشّاعر
وكائن بالأباطح من صديق ... يراني لو أصبت هو المصابا
[حجة القراءات: 174]
وقرأ الباقون {وكأين} على وزن كعين وحجتهم قول الشّاعر
كاين في المعاشر من أناس ... أخوهم فوقهم وهم كرام
وهما لغتان جيدتان يقرأ بهما وكان أبو عمرو يقف على (وكأي) على الياء في قول عبيد الله بن محمّد عن أخيه وعمه عن اليزيدي عن أبي عمرو وقال بعض علمائنا كأنّهم ذهبوا إلى أنّها كانت في الأصل أي مشدّدة زيدت عليها كاف والباقون يقفون {وكأين} بالنّون وحجتهم أن النّون أثبتت في المصاحف للتنوين الّذي في أي ونون التّنوين لم يثبت في القرآن إلّا في هذا الحرف
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو (وكأين من نبي قتل) بضم القاف وكسر التّاء أي وكم من نبي قتل قبل محمّد صلى الله عليه ومعه ربيون كثير وحجتهم أن ذلك أنزل معاتبة لمن أدبر عن القتال يوم أحد إذ صاح الصائح قتل محمّد صلى الله عليه فلمّا تراجعوا كان اعتذارهم أن قالوا سمعنا قتل محمّد فأنزل الله {وما محمّد إلّا رسول قد خلت من قبله الرّسل أفإن مات أو قتل انقلبتم} ثمّ قال بعد ذلك وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير أي جموع كثير فما تضعضع الجموع وما وهنوا لكن قاتلوا وصبروا فكذلك أنتم كان يجب عليكم ألا تهنوا لو قتل نبيكم فكيف ولم يقتل
وقرأ الباقون {قاتل معه} وحجتهم قوله {فما وهنوا} قالوا لأنهم لو قتلوا لم يكن لقوله {فما وهنوا} وجه معروف لأنّه يستحيل أن يوصفوا بأنّهم لم يهنوا بعدما قتلوا وكان ابن مسعود يقول {قاتل} ألا ترى
[حجة القراءات: 175]
أنه يقول {فما وهنوا لما أصابهم} وحجّة أخرى أنه قاتل أبلغ في مدح الجميع من معنى قتل لن الله إذا مدح من قتل خاصّة دون من قاتل لم يدخل في المديح غيرهم فمدح من قاتل أعم للجميع من مدح من قتل دون من قاتل لأن الجميع داخلون في الفضل وإن كانوا متفاضلين). [حجة القراءات: 176]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (75- قوله: {وكأين} قرأه ابن كثير بهمزة مكسورة، بين النون والألف، من غير ياء على وزن «وكاعن»، ولابد من المد، وقرأ الباقون بهمزة مفتوحة بعد الكاف، وبياء مشددة مكسورة على وزن «كعين».
76- ووجه قراءة ابن كثير فيه إشكال، وذلك أن الأصل فيه «كأي» بكاف دخلت على «أي»، لكن كثر استعمالها بمعنى «كم» التي للتكثير، فجعلت كلمة واحدة، فوقع فيها من القلب ما يقع في الكلمة الواحدة، فقلبت الياء المشددة المكسورة في موضع الهمزة، وردت الهمزة في موضع الياء، فصارت «كيئن» مثل «كيعِن» فحذفت الياء الثانية استخفافًا، كما حذفت في «كينونة» واصله «كينونة» فصارت بعد الحذف «كيين» على وزن «فيعل» فأبدلت من الياء الساكنة ألف، كما أبدلوا في «آية» وأصلها عند جماعة النحويين «آية» وهو مذهب سيبويه، وكما قالوا: طائي، والأصل «طيي» بياءين مشددتين؛ لأنه يُنسب إلى «طي»، لكن أبدلوا من الياء الأولى الساكنة ألفًا، فوقعت الياء الثانية بعد ألف زائدة، فأبدلوا منها همزة، كما فعلوا بـ «سقاء وكساء» بل الهمزة فيهما، وفي نحوهما، بدل من ياء، لوقوعها بعد ألف زائدة، فصار بعد القلب والبدل «كأين» كـ «فاعل» من الكون، وأصل النون تنوين، دخل على «أي» لكن لما دخله القلب والبدل، وجعل كلمة واحدة بمعنى «كم» صار التنوين كالنون الأصلية، كما قالوا: لدن غدوة، فنصبوا، جعلوا النون كالتنوين، الذي لا يكون مع إثباته الخفض، فالوجه أن يوقف عليه بالنون، لما ذكرنا، ولأنها نون في المصحف، وقد حكي عن الخليل أنه قال في قراءة ابن كثير: إن الأصل كأي، ثم قدّمت إحدى الياءين في موضع
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/357]
الهمزة، فتحركت بالفتح، كما كانت حركة الهمزة فقلبت ألفًا، وصارت الهمزة ساكنة كما كانت الياء ساكنة، فاجتمع ساكنان الألف والهمزة، فكسرت الهمزة لالتقاء الساكنين، وبقيت إحدى الياءين متطرفة، فزالت حركتها، كما تذهب من «قاض» في الرفع والخفض، فتبقى الياء ساكنة، والتنوين ساكن، فتحذف الياء لالتقاء الساكنين، فتصر كـ «فاعل» من: جاء وشاء تقول: جاءٍ وشاءٍ في الرفع والخفض كـ« قاض وعال»، ويجب على هذا القول أن يوقف عليه بغير نون، وقد روي ذلك عن أبي عمرو، والعمل على الوقف عليه بالنون، في جميع القراءات، اتباعًا لخط المصحف، وقد قيل: قراءة ابن كثير محمولة على أنه فاعل من «الكون»، وهو بعيد في المعنى؛ لأنه لا يدل على «كم» وأيضًا فإن بعده «من» لازمة له، و«من» لا تصحب «كأن» ولا تلزمها وأيضًا فإنه، لو كان فاعلًا من الكون، لأعرب، ولم يبين على السكون.
77- ووجه القراءة بتشديد الياء، وتقديم الهمزة، أنها «أي» دخلت عليها كاف التشبيه، وكثر استعمالها بمعنى «كم» فجعلت كلمة واحدة، وجعل التنوين نونًا أصلية، فوقف عليها بالنون، وقد كان قياسًا أن يوقف بغير نون، كما يوقف على «أي» حيث وقعت، و«كأين» في القراءتين في موضع رفع بالابتداء، و«قتل معه ربيون» الخبر إلا أن تجعل «قتل معه ربيون» صفة لـ «نبي»، فتضمر خبرًا لـ «كأين» وتقديره: وكأين من نبي هذه صفته في الدنيا أو مضى، ونحو ذلك من الإضمار، وليس للتشبيه في الآية لـ «كأين» معنى؛ لأن الكاف قد جعلت مع أي كلمة واحدة، ونقلت عن معنى التشبيه إلى معنى «كم» التي للتكثير ولزمتها «من»). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/358]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (78- قوله: {قاتل معه} قرأه الكوفيون وابن عامر بألف، من القتال، وقرأه الباقون «قتل»، من القتل.
79- ووجه القراءة بالألف أنه يحتمل وجهين: أحدهما أن يكون قد أسند الفعل الذي هو القتال إلى النبي عليه السلام، ويكون {معه ربيون} ابتداء وخبرا، وترفع {ربيون} بالظرف، والجملة صفة لـ {نبي} في الموضعين، ويجوز أن تكون الجملة في موضع الحال من المضمر في {قاتل} والهاء في {معه} تعود على ذلك المضمر، وإذا جعلته صفة لـ {نبي} كانت تعود على {نبي}، ودل المعنى على أن «الربيين» قاتلوا أيضًا مع قتال النبي، وحسن ذلك لما روي عن الحسن وغيره أنه قاتل: ما قتل نبي قط في قتال، وكان إضافة القتال إليه أولى من إضافة القتل إليه.
80- والوجه الثاني أن يكون قد أسند الفعل إلى «الربيين» دون النبي، فأخبر عنهم بالقتال دون النبي، فيكون {قاتل معه ربيون} صفة لـ {نبي} و{ربيون} مرفوعون بفعلهم.
81- ووجه القراءة بغير ألف أنه يحتمل أيضًا وجهين: أحدهما أن يكون فعلا، وما بعده صفة للنبي، والفعل مسند إلى النبي بدلالة قوله: {أفإن مات أو قتل} «144» فأخبر أن النبي قد يقتل، وقد قال تعالى: {ويقتلون النبيين} «البقرة 61»، وقال: {فلم تقتلون أنبياء الله} «البقرة 91» وهذا من قتل النبي في غير قتال، فحمل ذلك على هذا المعنى، أنه قتل في غير قتال، وسياق الكلام في قوله: {فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله}، وقوله: {وثبت أقدامنا} «147» يدل على أن القتل والقتال كان في الحرب في سبيل الله.
82- والوجه الثاني أن {قتل} وما بعده صفة أيضًا للنبي، والفعل مسند إلى «ربيين» فهم في هذا الوجه مرفوعون بـ {قتل}، على المفعول،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/359]
الذي لم يسم فاعله، وعلى الوجه الأول مرفوعون بالابتداء و{معه} الخبر، أو مرفوعون بالظرف، والجملة في الوجهين صفة لـ {نبي}، وهذا الوجه يقويه قول الحسن المذكور عنه، ويجوز على الوجه الأول، أن يكون {معه ربيون} في موضع الحال من المضمر في {قتل} فتكون الهاء في {معه} تعود على الضمير في {قتل}، ويعود إذا كان {معه ربيون} صفة لـ {نبي} على {نبي} ). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/360]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (35- {وَكَائِنْ} [آية/ 146]:-
بالمد وكسر الهمزة، قرأها ابن كثير وحده.
[الموضح: 384]
ووجهها أن أصل الكلمة أي دخلت الكاف عليها، فصارت بمعنى كم، والنون التي فيها هي التنوين التي كانت في أي، وصارت الكاف مع أيٍّ كالكلمة الواحدة لكثرة استعمالها عندهم، فقلبت قلب الكلمة الواحدة، كما قالوا: رعملي في لعمري، صارت بعد القلب كياءن، فحذفت الياء الثانية كما حذفت في كينونة والأصل: كينونة، فصارت كياءن، ثم أبدلت من الياء الألف، كما أبدلت من طيي، فصاءت كائن بوزن كاعن.
وقرأ الباقون {وَكَأَيِّنْ} مشددة الياء بوزن كعين، وهو الأصل.
واختلفوا في الوقف على هذه الكلمة:
فأبو عمرو ويعقوب يقفان على الياء من غير نون، في وزن كعي، وهذا هو الحكم في أي إذا وقفت عليها.
والباقون يقفون على النون؛ لأن التنوين صار في هذه الكلمة كالنون التي هي من أصل الكلمة، ولا سيما إذا قلبت فصارت: كائن على ما بيناه، إذ تصير النون فيه بمنزلة لام فاعل فيقر نونًا في الوقف بمنزلة ما هو من نفس الكلمة). [الموضح: 385]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (36- {قُتِلَ مَعَهُ} [آية/ 146]:-
بضم القاف من غير ألف، قرأها ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب.
[الموضح: 385]
والمعنى إن أمم الأنبياء قبلهم قد أتى عليهم القتل، فما وهن باقيهم في سبيل الله بعد من قتلوا منهم. ويجوز أن يكون إسناد القتل إلى ضمير النبي، والتقدير: وكأين من نبي قتل هو ومعه ربيون فما وهنوا بعد قتل النبي، ويؤيد ذلك قوله {أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ}.
وقرأ الباقون {قَاتَلَ} بالألف.
وذلك لأن المقاتلين قد مدحوا كما مدح المقتولون، نحو قوله تعالى {وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ}). [الموضح: 386]

قوله تعالى: {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147)}

قوله تعالى: {فَآَتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م 03:09 PM

سورة آل عمران
[من الآية (149) إلى الآية (152) ]

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (149) بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (150) سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151) وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152)}

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (149)}

قوله تعالى: {بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (150)}

قوله تعالى: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (في قلوب الّذين كفروا الرّعب... (151)
قرأ ابن عامر والكسائي والحضرمي: (الرّعب) مثقلاً حيث كان، وخفف الباقون.
وهما لغتان). [معاني القراءات وعللها: 1/276]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (54- قوله تعالى: {سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب} [151].
قرأ ابن عامر والكسائي، (الرُّعُبَ) بضمتين على أصل الكلمة.
وقال آخرون: بل الإسكان الأصلُ على قراءة الباقين، وهو أخفُّ، إذ كانت العَرَبُ قد تخفف مثل ذلك، ومن ثَقَّلَ أتبع الضمَّ الضمَّ؛ ليكون أقرب إلى الفخامة). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/120]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في تخفيف قوله: [جلّ وعز]: الرعب
[الحجة للقراء السبعة: 3/84]
وتثقيله [آل عمران/ 151] فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وحمزة: الرعب ساكنة العين خفيفة. وقرأ ابن عامر والكسائي: الرعب* مضمومة العين مثقلة حيث وقعت.
قال أبو علي: الإلقاء في قوله تعالى: سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب [آل عمران/ 151] أصله في الأعيان، واستعمل في غيرها على طريق الاتّساع. يدل على ذلك قوله: وألقى الألواح [الأعراف/ 150] وفألقوا حبالهم وعصيهم [الشعراء/ 44] وإذ يلقون أقلامهم [آل عمران/ 44].
وقال سيبويه: «ألقيت متاعك بعضه على بعض»، وليس الرعب بعين، وكذلك قوله تعالى: وألقيت عليك محبة مني [طه/ 39] ومثل الإلقاء في ذلك الرمي، قال: رمى فأخطأ أي:
السهم. وقال:
كشهاب القذف يرميكم به
[الحجة للقراء السبعة: 3/85]
فأضاف الشهاب إلى القذف لمّا كان من رمي الرامي به، كما قال:
يسدد أبينوها الأصاغر خلّتي وإذا مات لم تكن له خلّة، ولكن أضافها إلى نفسه، لما كان منه من سدّه لها، وهذا النحو من الإضافة على هذا الوجه كثير.
وقال تعالى: والذين يرمون أزواجهم [النور/ 6] أي: بالزنا، فهذا اتساع لأنّ هذا ليس بعين، وكذلك قوله.
[الحجة للقراء السبعة: 3/86]
رماني بأمر كنت منه ووالدي... بريئا....
وقال:
قذفوا سيّدهم في ورطة... قذفك المقلة وسط المعترك
فالأوّل: على الاتساع، والثاني: على الأصل، ألا ترى أن المقلة تلقى للتصافن، كما يلقى غيرها؟ فهذا بمنزلة: ألقيت الحجر ونحوه. ومما جاء قريبا من الرمي والقذف والإلقاء، الرجم، ورجم ماعز، ومن الاتساع فيه قوله:
[الحجة للقراء السبعة: 3/87]
هما نفثا في فيّ من فمويهما... على النابح العاوي أشدّ رجام
فالرجام المراجمة بالسّباب، فهذا نحو: رماه بالزّنا، وقذفه به، وألقى عليه مسألة، ونفثا السّباب: اتساع أيضا، لأنّه ليس بعين. فأمّا مثل الرّعب والرعب، والطنب والطنب، والعنق والعنق، فقد تقدّم ذكره). [الحجة للقراء السبعة: 3/88]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({سنلقي في قلوب الّذين كفروا الرعب}
قرأ ابن عامر والكسائيّ {الرعب} بضم العين وقرأ الباقون بإسكان العين وهما لغتان أجودهما السّكون). [حجة القراءات: 176]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (83- قوله: {الرعب} قرأه ابن عامر والكسائي بضم العين، حيث وقع، وأسكن الباقون، وهما لغتان فاشيتان كـ «السُحْت والسُحُت»). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/360]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (37- {الرُعُبَ} [آية/ 151]:-
بضم العين في كل القرآن، قرأها ابن عامر والكسائي ويعقوب.
وقرأ الباقون {الرُعْبَ} بسكون العين في كل القرآن.
وهما لغتان كالعُنْق والعُنْق والشغل والشُغُلِ والشُغْلِ، والأصل: هو التحريك، والإسكان تخفيف منه). [الموضح: 386]

قوله تعالى: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م 03:12 PM

سورة آل عمران
[من الآية (153) إلى الآية (155) ]

{إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (153) ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154) إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (155)}


قوله تعالى: {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (153)}

قوله تعالى: {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (تغشى طائفةً منكم... (154)
قرأ حمزة والكسائي: (تغشى طائفةً) بالتاء، وقرأ الباقون بالياء.
قال أبو منصور: من قرأ بالتاء فللأمنة، ومن قرأ بالياء فللنعاس، وكل ذلك جائز). [معاني القراءات وعللها: 1/276]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (قل إنّ الأمر كلّه للّه... (154).
قرأ أبو عمرو ويعقوب: (قل إنّ الأمر كلّه للّه) بالرفع.
وقرأ الباقون بالنصب.
[معاني القراءات وعللها: 1/276]
قال أبو منصور: من نصب (كلّه) فعلى التأكيد (للأمر)، ومن رفع فعلى الابتداء، و(للّه) الخبر، المعنى: الأمر كلّه للّه، أي: النصر وما يلقى في القلوب من الرعب (للّه)، أي: كل ذلك (للّه) ). [معاني القراءات وعللها: 1/277]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (55- وقوله تعالى: {يغشى طائفة منكم} [154].
قرأ حمزة والكسائي بالتاء.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/120]
وقرأ الباقون بالياء، فمن ذكره رده على النعاس، ومن أنثه رده على الأمنة). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/121]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (56- وقوله تعالى: {قل إن الأمر كله لله} [154].
قرأ أبو عمرو وحده {كله لله} [الرفع].
وقرأ الباقون بنصب اللام فمن نصب اللام جعله تأكيدًا للأمر و{لله} خبر «إن».
ومن ضم اللام رفعه بالابتداء و{لله} الخبر، والجملة خبر «إن»). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/121]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الياء والتاء من قوله تعالى: يغشى طائفة منكم [آل عمران/ 154] فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر يغشى طائفة منكم بالياء. وقرأ حمزة والكسائي تغشى بالتاء.
[قال أبو علي]: حجّة من قرأ بالياء: قوله تعالى: إذ يغشاكم النعاس [الأنفال/ 11] فالنّعاس هو الغاشي، وكذلك قراءة من قرأ: إذ يغشيكم النعاس لأنّه إنّما جعل الفاعل بتضعيف العين مفعولا. ومن حجّتهم: أنّ يغشى أقرب إلى النعاس،
[الحجة للقراء السبعة: 3/88]
فإسناد الفعل إليه أولى. ومنها أنّه يقال: غشيني النعاس، وغلب عليّ النعاس، ولا يسهل: غشيني الأمنة، ومن قرأ بالتاء حمله على الأمنة.
فأمّا قوله: إن شجرة الزقوم طعام الأثيم كالمهل يغلي [الدخان/ 45] فحمل الكلام على الشجرة لقوله تعالى:
فإنهم لآكلون منها فمالؤن منها البطون [الصافات/ 66] وقال:
لآكلون من شجر من زقوم [الواقعة/ 52] فنسب الأكل إلى الشجر.
ومن حجّة من قرأ بالتاء: أنّ النعاس، وإن كان بدلا من الأمنة، فليس المبدل منه في طريق ما يسقط من الكلام، يدلّك على ذلك قولهم: الذي مررت به زيد أبو عبد الله.
وقال:
وكأنّه لهق السّراة كأنّه... ما حاجبيه معيّن بسواد
فجعل الخبر عن الذي أبدل منه). [الحجة للقراء السبعة: 3/89]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في رفع اللام ونصبها من قوله: [جلّ وعز]: قل إن الأمر كله لله [آل عمران/ 154].
فقرأ أبو عمرو وحده: قل إن الأمر كله لله رفعا. وقرأ الباقون كله نصبا.
قال أبو علي: حجّة من نصب: أنّ كله بمنزلة أجمعين وجمع في أنّه للإحاطة والعموم، فكما أنّه لو قال:
[إنّ الأمر] أجمع، لم يكن إلّا نصبا، كذلك إذا قال: كله لأنّه بمنزلة أجمعين، وليس الوجه أن يلي العوامل، كما لا يليها أجمعون. وحجّة أبي عمرو في رفعه كله* وابتدائه به أنّه وإن كان في أكثر الأمر بمنزلة أجمعين لعمومها، فإنّه قد [ابتدئ بها كما] ابتدئ بسائر الأسماء في نحو قوله: وكلهم آتيه يوم القيامة فردا [مريم/ 95] فابتدأ به في الآية.
ولم يجره على ما قبله، لأنّ قبله كلاما قد بني عليه فأشبه [بذلك ما يكون] جاريا على ما قبله، وإن خالفه في الإعراب، ألا ترى أنّ اسم الفاعل يعمل عمل الفعل إذا جرى صفة لموصوف أو حالا لذي حال أو خبرا لمبتدإ، ولا يحسن إعماله عمل الفعل، إلّا في هذه المواضع؟ وقد قالوا: أقائم أخواك وأ ذاهب إخوتك،
[الحجة للقراء السبعة: 3/90]
وما ذاهب إخوتك، فأعملوا اسم الفاعل لمّا تقدّمه كلام أسند إليه، وإن لم يكن أحد تلك الأشياء التي تقدّم ذكرها، فكذلك حسن ابتداء كلّهم في الآية لمّا كان قبله كلام، فأشبه بذلك [اتباعه، ما كان] جاريا عليه كما أشبه اسم الفاعل في إجرائه على ما ذكرنا، ما يجري صفة على موصوف أو حالا أو خبر مبتدأ، نحو: مررت برجل قائم أبواه، وهذا زيد قائما غلامه وزيد منطلق أبواه، فكذلك. حسن الابتداء بكلّهم، وقطعه مما قبله لما ذكرت من المشابهة.
ومن ثمّ أجاز سيبويه: أين تظن زيد ذاهب، فألغى الظنّ، وإن كان أين غير مستقرّ، كما جاز إلغاؤه إذا كان أين مستقرّا لأنّ قبله كلاما، فجعله، وإن لم يكن مستقرا، بمنزلة المستقر كما جعلوا همزة الاستفهام، وحرف النفي في: أقائم أخواك، بمنزلة الموصوف نحو: مررت برجل قائم أخواه). [الحجة للقراء السبعة: 3/91]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن محيصن، ورُويت عن يحيى وإبراهيم: [أَمْنَةً نُعَاسًا] بسكون الميم.
قال أبو الفتح: روينا عن قطرب أنه قال: الأَمْنة: الأمن، والأَمَنَة بفتح الميم: أشبه بمعاقبة الأمن، ونظير ذلك قولهم: الحبَطَ والحبَجَ والرَّمَث، كل ذلك في أدواء الإبل. فلما أسكنوا العين جاءوا بالهاء فقالوا: مَغِل مَغْلَة وحَقِل حقلة، وقد أفردنا بابًا في كتاب الخصائص لنحو هذا، وهو باب في ترافع الأحكام). [المحتسب: 1/174]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ثمّ أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم} {قل إن الأمر كله لله} 153
قرأ حمزة والكسائيّ تغشى بالتّاء والإمالة ردا على ال أمنة وحجتهما قوله {وطائفة قد أهمتهم أنفسهم} فذكر من غشيته الأمنة ثمّ أتبعه من لم يأمن وأهمته نفسه من الخوف فكان تقدير الكلام أن بعضهم قد غشيته الأمنة وبعضهم خائف لم تغشه
وقرأ الباقون يغشى بالباء إخبارًا عن النعاس وحجتهم أن العرب تقول غشيني النعاس ولا تكاد تقول غشيني الأمن لأن النعاس يظهر والأمن شيء يقع في القلب وحجّة أخرى أنهم أسندوا الفعل إلى النعاس بإجماع الجميع في قراءة من يقرأ (يغشاكم النعاس) وفي قراءة من يقرأ {إذ يغشيكم النعاس} مشددا ومخففا
[حجة القراءات: 176]
فدلّ ذلك على أن الّذي غشيهم هو النعاس لا الأمنة لأن الآيتين نزلتا في طائفة واحدة
قرأ أبو عمرو {قل إن الأمر كله لله} برفع اللّام وقرأ الباقون بالنّصب
فمن نصب فعلى توكيد الأمر ومن رفع فعلى الابتداء و{لله} الخبر ونظير ذلك قوله {ويوم القيامة ترى الّذين كذبوا على الله وجوههم مسودة} عدل بالوجوه عن أن يعمل فيها الفعل ورفعت {مسودة} وكذلك عدل ب كل عن إتباع {الأمر} ورفع بالابتداء). [حجة القراءات: 177]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (84- قوله: {يغشى طائفة} قرأه حمزة والكسائي بالتاء والإمالة، رداه على تأنيث «الأمنة» لأن من أجلها تغشوا، فهي المقصودة بالغشيان لهم، لأن الناعس لا يغشاه النعاس إلا ومعه أمنة، وقد تحدث الأمنة ولا نعاس معها، فالأمنة أولى بإضافة الفعل إليها، وقد قدّمنا علة الإمالة، وقرأ الباقون بالياء والفتح، حملوه على تذكير النعاس، لأنه هو الذي غشيهم، ودليله قوله: {إذ يغشيكم النعاس} «الأنفال 11» فأضاف الفعل إلى النعاس، وكان النعاس أولى بذلك، لأنه أقرب إلى الفعل، وأيضًا فإن المستعمل في الكلام أن يقال: غشيني النعاس إذا نعس، ولا يقال غشيتني الأمنة، وأيضًا فإن النعاس بدل من الأمنة، فكأن الأمنة محذوفة من الكلام، لقيام المبدل منها مقامها، وهو الاختيار، لما ذكرنا من العلة، ولأن الجماعة على الياء). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/360]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (85- قوله: {قل إن الأمر كله لله} قرأ أبو عمرو {كله} بالرفع على الابتداء، و{لله} الخبر، والجملة خبر {إن} وحسن أن يكون {كل} ابتداء، وهي مما يؤكد بها؛ لأنها أدخل في الأسماء منها في التأكيد، إذ تقع فاعلة ومفعولة ومجرورة، كسائر الأسماء، ولا يكون شيء من ذلك في «أجمعين»، تقول: كلهم أتاني، ورأيت كل القوم، ومررت بكل أصحابك، ولا يجوز ذلك في «أجمعين»، فحسن أن تقع مبتدأة، وقرأ الباقون بالنصب على التأكيد للأمر، ويجوز عند الأخفش أن يكون {كله} بدلًا من الأمر، و«الله» الخبر في الوجهين، والنصب الاختيار، للإجماع عليه، ولصحة وجهه، ولأن التأكيد أصل «كل» لأنها للإحاطة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/361]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (38- {تَغْشَى طائِفَةً} [آية/ 154]:-
بالتاء فوقها نقطتان، قرأها حمزة والكسائي.
والوجه أن اللفظ محمول على الأمنة، أي تغشى الأمنة طائفة، والأمنة وإن أبدل منها النعاس فليست هي في حكم ما يسقط من الكلام، ولو كان كذلك لم يجز قولهم: الذي مررت به زيدٍ أبو عبد الله، إذ لو جعلت به في حكم الساقط لم يكن على الذي عائد.
وقرأ الباقون {يَغْشَى} بالياء؛ لأن الفعل للنعاس؛ لأنه أقرب إلى الفعل، فإسناد الفعل إليه أولى). [الموضح: 387]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (39- {قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} [آية/ 154].
بالرفع، قرأها أبو عمرو ويعقوب؛ لأنهما جعلاه مبتدأ و{للهِ} خبره، ولم يجعلاه تأكيدًا للأمر؛ لأن كلاًّ يليه العوامل، فهو كسائر الأسماء، ألا ترى إلى قوله تعالى {وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا}.
[الموضح: 387]
وقرأ الباقون {كُلَّه} بالنصب؛ وذلك لأن {كُلَّه} بمنزلة أجمعين في أنه للإحاطة والعموم، فكما إن الأمر أجمع نصب لا محالة، فكذلك إن الأمر كله). [الموضح: 388]

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (155)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م 03:14 PM

سورة آل عمران
[من الآية (156) إلى الآية (158) ]

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156) وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158)}

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (واللّه بما تعملون بصيرٌ (156)
قرأ ابن كثيرٍ وحمزة والكسائي: (واللّه بما يعملون) بالياء، وقرأ الباقون بالتاء، وروى عن أبي عمرو الياء أيضًا.
قال أبو منصور: التاء للمخاطبة، والياء إخبار عن الغيب). [معاني القراءات وعللها: 1/277]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (58- وقوله تعالى: {والله بما تعملون بصير} [156].
قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي بالياء.
وقرأ الباقون بالتاء، وقد مرت الحجة للياء والتاء في نظيرها). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/122]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في التاء والياء من قوله: [جلّ اسمه] يحيى ويميت والله بما تعملون بصير [آل عمران/ 156] فقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي يعملون بالياء.
وقرأ الباقون بالتاء. وروى هارون الأعور وعلي بن نصر عن أبي عمرو بالياء.
[الحجة للقراء السبعة: 3/91]
[قال أبو علي]: حجّة من قرأ بالتاء قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا [آل عمران/ 156] وحجّة الياء: أنّ قبلها أيضا غيبة وهو قوله: وقالوا لإخوانهم [آل عمران/ 147] وما بعده، فحمل الكلام على الغيبة). [الحجة للقراء السبعة: 3/92]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في ضمّ الميم وكسرها [من قوله جلّ وعزّ]: مت ومتنا ومتم، في كلّ القرآن. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر، وابن عامر: مت، ومتم ومتنا برفع الميم في كلّ القرآن. وروى حفص عن عاصم ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم [آل عمران/ 157] ولئن متم أو قتلتم [آل عمران/ 158] برفع الميم في هذين الحرفين، ولم يكن يرفع الميم في غير هذين الحرفين في جميع القرآن.
[حدّثنا ابن مجاهد قال]: حدثنا وهيب المروذيّ قال:
حدّثنا الحسن بن المبارك، قال: حدّثنا أبو حفص قال: حدّثنا سهل أبو عمرو قال: قال عاصم: ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم [آل عمران/ 157] بضمّ الميم من الموت، وباقي القرآن متّم بكسر الميم، أي: بليتم. ومتنا ومتّ.
[الحجة للقراء السبعة: 3/92]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (وقرأ نافع وحمزة والكسائي: متم*، ومت*، ومتنا* في كلّ القرآن بالكسر.
قال أبو علي: الأشهر الأقيس: متّ تموت، مثل: قلت تقول وطفت تطوف، وكذلك هذا يستمرّ على ضمّ الفاء منه، والكسر شاذ في القياس، وإن لم يكن في الاستعمال كشذوذ.
... اليجدّع ونحوه مما شذّ عن الاستعمال والقياس، ونظيره: فضل يفضل في الصحيح، وأنشدوا:
ذكرت ابن عباس بباب ابن عامر... وما مرّ من عمري ذكرت وما فضل
وقد أنشد بعضهم:
عيشي ولا يومي بأن تماتي ولا أظنّه ثبتا، وكذلك شعر آخر فيه «تدام» وهو عندي مثل
[الحجة للقراء السبعة: 3/93]
الأول، ولا أعلم فصلا بين الموت إذا تبعه البلى، وبينه إذا لم يتبعه البلى.
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن والزهري: [أَوْ كَانُوا غُزًا] خفيفة الزاي.
قال أبو الفتح: وجهه عندي أن يكون أراد غزاة، فحذف الهاء إخلادًا إلى قراءة من قرأ: [غُزَّى] بالتشديد، ولا يُستنكر هذا؛ فإن الحرف إذا كان فيه لغتان متقاربتان فكثيرًا ما تتجاذب هذه طرفًا من حكم هذه.
قرأت على أبي بكر محمد بن الحسن عن أحمد بن يحيى لبلال بن جرير:
إذا خفتهم أو سآيلتهم ... وجدتَ بهم علة حاضره
وذلك أنه يقال: سألته عن حاله وسايلته على البدل، فلما ألف استماعهما تجاذبتا لفظه فجمع بينهما فيه لتداخلهما وتزاحم حروفهما، وقد حُذفت تاء التأنيث في أماكن قد ذكرناها: ناحٍ في ناحية، ومألُك في مألُكة. وأنشد ابن الأعرابي للعتابي يمدح الكسائي:
أبَى الذمَّ أخلاق الكسائي وانتحى ... به المجد أخلاق الأُبُو السوابق
يريد: الأبوة جمع أب، كالعمومة جمع عم، والْخُئولة جمع خال، وهذا عندي أمثل من أن يكون خرَّج [أُبُوًّا] على أصله من الصحة، وأن يكون من باب نَحْو ونُحوّ، وبَهْو وبُهُو للصدر، ونجو ونجو للسحاب، وعلى أنه قد يمكن أن تكون الهاء مرادة في جميع ذلك، وقد قالوا أيضًا: ابن وبُنُوّ، والقول فيهما سواء.
ووجه آخر؛ وهو أن يكون مخففًا من {غُزًّى}، ونظيره قراءة علي عليه السلام: [وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا كِذَابًا]، وبابه {كذَّابًا} كقراءة الجماعة. وقد يجوز أن يكون [كِذَابًا] مصدر كذَب الخفيفة، جرى على الثقيلة لدلالة الفعل على صاحبه، والقول الأول أقوى). [المحتسب: 1/175]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم والله يحيي ويميت والله بما تعملون بصير} 156
قرأ ابن كثير وحمزة والكسائيّ (والله بما يعملون بصير) بالياء وحجتهم أن الكلام أتى عقيب الإخبار عن الّذين قالوا لو كان إخواننا عندنا ما ماتوا وما قتلوا فأخبر الله المؤمنين أنه جعل ذلك القول حسرة منهم في قلوبهم إذ قالوه ثمّ أتبع ذلك أنه بما يعملون من الأعمال بصير
وقرأ الباقون {بما تعملون} بالتّاء وحجتهم أن الكلام في أول الآية وبعد الآية جرى بلفظ مخاطبة المؤمنين فقال {يا أيها الّذين آمنوا لا تكونوا كالّذين كفروا} إلى قوله تعالى {والله بما تعملون بصير} ثمّ قال بعد هذه {ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم} وحجّة
[حجة القراءات: 177]
الياء قوله {ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم} ). [حجة القراءات: 178]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (86- قوله: {بما تعملون بصير} قرأه ابن كثير وحمزة والكسائي بالياء، ردوه على لفظ الغيبة الذي قبله، في قوله: {يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا} وقوله: {وقالوا لإخوانهم}، وقوله: {حسرة في قلوبهم}، وقرأ الباقون بالتاء، ردّوه على الخطاب الذي قبله، في قوله: {لا تكونوا كالذين كفروا}، فالضمير في {تعملون} للمؤمنين، وهو في القراءة بالياء للكفار، والقراءتان متعادلتان والتاء أحب إليّ لأن الأكثر عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/361]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (40- {وَاللهُ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [آية/ 156]:-
بالياء، قرأها ابن كثير وحمزة والكسائي.
وذلك لأن ما قبله على الغيبة، وهو {وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ}.
وقرأ الباقون {تَعْمَلُونَ} بالتاء على الخطاب، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا}). [الموضح: 388]

قوله تعالى: {وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (متّم... (157) و(متنا).
[معاني القراءات وعللها: 1/277]
قرأ نافع وحمزة والكسائي: (متّم) و: (متنا) و: (متّ) بكسر الميم في كل القرآن وكذلك قرأ حفص إلا في قوله ها هنا: (أو متّم) و(لئن متّم) فإنه ضم الميم فيها.
وكسر في سائر القرآن.
وقرأ الباقون بضم الميم في جميع القرآن.
قال أبو منصور: القراءة العالية واللغة الفصيحة (مت) و(متنا)
ومن العرب من يقول: مات يمات.
ومثله: دمت أدوم، ودمت أدام.
والقراءة بكسر الميم من (متّ) فاشية، وإن كان الضم أفشى). [معاني القراءات وعللها: 1/278]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (خيرٌ ممّا يجمعون (157)
قرأ حفص عن عاصم: (ممّا يجمعون) وقرأ الباقون بالتاء.
[معاني القراءات وعللها: 1/278]
وعرفت مما قد مرّ الجواب عن ذلك من الخطاب والغيبة). [معاني القراءات وعللها: 1/279]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (57- وقوله تعالى: {ورحمة خير مما يجمعون} [157].
قرأ حفصٌ بالياء.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/121]
والباقون بالتاء] ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/122]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: وكلّهم قرأ: خير مما تجمعون بالتاء [آل عمران/ 157] إلّا عاصما في رواية حفص، فإنّه قرأ بالياء، ولم يروها عن عاصم غيره بالياء.
[قال أبو علي]: والمعنى: خير مما تجمعون. أيها المقتولون في سبيل الله، أو المائتون مما تجمعون من أعراض الدنيا التي تتركون القتال في سبيله للاشتغال بها وبجمعها عنه.
ومعنى الياء أنه: لمغفرة من الله خير مما يجمعه غيركم، مما تركوا القتال لجمعه. والأول أظهر وأشكل بالكلام). [الحجة للقراء السبعة: 3/94]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم}
قرأ نافع وحمزة والكسائيّ {أو متم} بكسر الميم في جميع القرآن وقرأ حفص ها هنا بالضّمّ وفي سائر القرآن بالكسر
وقرأ الباقون {متم} و{متنا} جميع ذلك بالضّمّ وحجتهم أنّها من مات يموت فعل يفعل مثل دام يدوم وقال يقول وكان يكون ولا يقال كنت ولا قلت وحجّة أخرى وهو قوله {وفيها تموتون} {ويوم أموت} ولو كانت على اللّغة الأخرى لكانت تماتون ويوم أمات لأن من مت تمات يجيء فعل يفعل ومن فعل يفعل يجيء قال يقول وقد ذكرنا
وأصل الكلمة عند أهل البصرة موت على وزن فعل مثل قول ثمّ ضمّوا الواو فصارت موت وإنّما ضمّوا الواو لأنهم أرادوا أن ينقلوا الحركة الّتي كانت على الواو إلى الميم وهي الفتحة ولو نقلوها إلى الميم لم تكن هناك علامة تدل على الحركة المنقولة إلى الميم لأن الميم كانت مفتوحة في الأصل ويقع اللّبس بين الحركة الأصليّة وبين المنقولة وأيضًا لم تكن هناك علامة تدل على الواو المحذوفة فضموا الواو لهذه العلّة ثمّ نقلوا ضمة الواو إلى الميم فصار موت واتصل بها اسم المتكلّم فسكنت التّاء فاجتمع ساكنان الواو والتّاء فحذفت الواو وأدغمت التّاء في التّاء فصارت متم وكذلك الكلام في قلت
[حجة القراءات: 178]
وأما من قرأ {متم} بالكسر له حجتان إحداهما ذكرها الخليل قال يقال مت تموت ودمت تدوم فعل يفعل مثل فضل يفضل قال الشّاعر
وما مر من عيشي ذكرت وما فضل
وكان الأصل عنده موت على فعل ثمّ استثقل الكسرة على الواو فنقلت إلى الميم فصارت موت ثمّ حذفت الواو لما اتّصلت بها تاء المتلكم لاجتماع الساكنين فصارت مت فهذا في المعتل وفضل يفضل في الصّحيح والثّانية قال الفراء مت مأخوذة من يمات على فعل يفعل مثل سمع يسمع وكان الأصل يموت ثمّ نقلوا فتحة الواو إلى الميم وقلبوا الواو ألفا لانفتاح ما قبلها فصارت يمات إلّا أنه لم يجئ يمات في المستقبل والعرب والعرب قد تستعمل الكلمة بلفظ ما ولا تقيس ما تصرف منها على ذلك القياس من ذلك قولهم رأيت همزته في الماضي ثمّ أجمعوا على ترك الهمزة في المستقبل فقالوا ترى ونرى بغير همز فخالفوا بين لفظ الماضي والمستقبل فكذلك خالفوا بين لفظ مت وتموت ولم يقولوا تمات). [حجة القراءات: 179]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (90- قوله: {مما يجمعون} قرأه حفص بالياء، على أنه حمله على لفظ الغيبة، على معنى: لمغفرة من الله لكم ورحمة خير مما يجمع غيركم، ممن ترك القتال في سبيل الله لجمع الدنيا، ولم يقاتل معكم، وقرأ الباقون بالتاء، ردوه على الخطاب الذي قبله، في قوله: {ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم} على معنى: لمغفرة من الله ورحمة خير مما تجمعون من أعراض الدنيا لو بقيتم، والتاء الاختيار؛ لأن الجماعة على ذلك، ولانتظام آخر الكلام بأوله). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/362]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (41- {أَوْ مِتُّمْ} [آية/ 157]:-
بكسر الميم، قرأها نافع وحمزة والكسائي.
وهذه لغة شاذة، أعني مت تموت، ونظيره: فضل يفضل بكسر العين في الماضي وضمها في المستقبل.
وقرأ الباقون {مُتُّمْ} بضم الميم.
[الموضح: 388]
وهي اللغة المشهورة المنقاسة، أعني مت بالضم تموت، نحو قلت تقول، وطفت تطوف). [الموضح: 389]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (42- {خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [آية/ 157]:-
بالياء على الغيبة، رواها ص- عن عاصم.
والمعنى المغفرة من الله خير مما يجمعه غيركم ممن تركوا القتال.
وقرأ الباقون وياش- عن عاصم {تَجْمَعُونَ} بالتاء على الخطاب.
والمعنى خير مما تجمعون أيها المخاطبون، وهذا أشد مشاكلة للكلام الذي قبله؛ لأن ما قبله على الخطاب). [الموضح: 389]

قوله تعالى: {وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (56- وقوله تعالى: {ولئن متم أو قتلتم} [158].
قرأ نافع بالضم. فمن ضم فحجته «يموت» وذلك أن يفعل مثل قال يقول، فتقول: مت كما تقول: قُلت. ومن كسر فحجته أن بعضَ العربِ تقول في مُضارعه: مات يمات، وحَكَى ذلك الفَرَّاء، رحمةُ الله عليه وغيره، فيكون على هذا وزنه، فعل يَفْعَلُ مثل خاف يخاف ونام ينام، والأصل خُوِفَ ونَوِمَ، فقلبوا الواو ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها وكذلك الأصل: مُوِتَ فاعلم). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/121]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (87- قوله: {متم}، و{متنا} قرأ نافع وحفص وحمزة والكسائي بكسر الميم، حيث وقع، وقرأ الباقون بضم الميم، غير أن حفصًا ضم الميم في هذه السورة خاصة.
88- وحجة من ضم الميم أن المستعمل الفاشي في هذا الفعل
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/361]
«مات يموت» كـ قال يقول، على: فعل يفعل، منقول «فعل» منه إلى «فعُل» بضم العين، فضمت فاء الفعل في الإخبار، لتدل على الواو المحذوفة، كما تقول: قُلت وطُفت، فإذا كسر لم تدل الكسرة على الواو المحذوفة، فأصله ضم أوله في الإخبار، للدلالة على الواو.
89- وحجة من كسر الميم أنه حمله على لغة أتت فيه على «فعل، يفعِل» وذلك قليل في القياس، أتى في المعتل كما أتى في السالم، نحو: فضل يفضل، وهو قليل أيضًا في السالم، فلما كان الماضي على «فعل» كسر أوله في الإخبار، لتدل الكسرة على أن العين من الفعل أصلها الكسر، كما كسروا في «كَلت» لتدل الكسرة على الياء المحذوفة، فـ «مِت» بالكسر كثير الاستعمال، شاذ في القياس، و«مُت» بالضم كثير الاستعمال، غير شاذ في القياس، فالضم هو الاختيار، لما ذكرنا، ولأن عليه جماعة من القراء، وقد قيل: إن من كسر الميم أتى به على لغة من قال: مات يَمات، مثل دام يَدام، فهو: فعل يفعَل كـ خاف يخاف، لغة معروفة، حكاها الكوفيون، فتكسر الميم، لتدل على أن عين الفعل مكسورة، كما كسروا في: خِفت، لذلك). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/362]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م 03:17 PM

سورة آل عمران
[من الآية (159) إلى الآية (163) ]

{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160) وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (161) أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162) هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (163)}

قوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن عباس فيما رواه عنه عمرو: [وشاوِرْهُمْ في بَعْض الأمر].
[المحتسب: 1/175]
قال أبو الفتح: في هذه القراءة دلالة على أنك إذا قلت: شربت ماءك -وإنما شربت بعضه- كنت صادقًا، وكذلك إذا قلت: أكلت طعامك، وإنما أكلت بعضه.
ووجه الدلالة منه قراءة الباقين: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} والمعنى واحد في القراءتين، ونحن أيضًا نعلم أن الله سبحانه لم يأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} أي: في جميعه؛ كشرب الماء، وتناول الغذاء؛ وإنما المراد به العاني من أمر الشريعة وما أُرسل عليه السلام له، ومع هذا فقد قال سيبويه في باب الاستقامة والاستحالة من الكلام: فأما المستقيم الكذب فهو قولك: حملت الجبل، وشربت ماء البحر ونحوه، فجعْلُه إياه كذبًا يدلك على أن مراده هنا بقوله: ماء البحر جميعه؛ لأنه لا يجوز أن يشرب جميع مائه، فأما على العرف في ذلك على ما مضى فلا يكون كذبًا). [المحتسب: 1/176]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة جابر بن يزيد وأبي نهيك وعكرمة وجعفر بن محمد: [فإذا عَزَمْتُ] بضم التاء.
قال أبو الفتح: تأويله عندي -والله أعلم- فإذا أَريتُك أمرًا فاعمل به وصِرْ إليه. وشاهده قول الله تعالى: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ}، وهذا ليس من رؤية العين؛ لأنه لا مدخل له في الأحكام، ولا من العلم؛ لأن ذلك متعد إلى مفعولين. فإذا نقل بالهمزة وجب أن يتعدى إلى ثلاثة، والذي معنا في هذا الفعل إنما هو مفعولان؛ أحدهما: الكاف، والآخر: الهاء المحذوفة العائدة على "ما"؛ أي: بما أراكه الله. فثبت بذلك أنه من الرأي الذي هو الاعتقاد، كقولك: فلان يرى رأي الخوارج، ويرى رأي أبي حنيفة ورأي مالك، ونحو ذلك؛ فرأيتُ هذه إذن قسم ثالث ليست من رؤية العين ولا من يقين القلب.
وجاز أن يَنْسب سبحانه العزم إليه؛ إذ كان بهدايته وإرشاده، فهو كقوله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ}، وقد جاء فيه ما هو أقوى معنى من هذا؛ وهو قوله تعالى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى}، فخرج اللفظ فيه نافيًا أوله ما أثبته آخره، والغرض فيه
[المحتسب: 1/176]
ما قدمناه من أن الرمي لما كان بإقداره ومشيئته صار كأنه هو الفاعل له وهو كثير، منه قول الإنسان لمن ينتسب إليه: إنما أَرى بعينك وأسمع بأذنك والفعل منك؛ وإنما أنا آلة لك، ومن عَرف طريق القوم في اللغة سقطعت عنه مئونات التعسف والشُّبَه). [المحتسب: 1/177]

قوله تعالى: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160)}

قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (161)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله عزّ وجلّ: (وما كان لنبيٍّ أن يغلّ... (161)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم: (أن يغلّ) بفتح الياء وضم الغين.
وقرأ الباقون بضم الياء وفتح الغين.
قال أبو منصور: من قرأ (يغلّ) فالمعنى ما كان لنبي أن يخون أمّته، وتفسير ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع الغنائم في غزاة، فجاءه جماعة فقالوا له: ألا تقسم بيننا غنائمنا؟
فقال صلى الله عليه وسلم: "لو أن لكم عندي مثل أحدٍ ذهبًا ما منعتكم دينارًا، أتروني أغلكم مغنمكم".
[معاني القراءات وعللها: 1/279]
ومن قرأ (أن يغلّ) فهو على وجهين:
أحدهما: ما كان لنبي أن يغلّه أصحابه، أي: يخونوه، وجاء عن النبي صلى الله عليه: "لا يخونن أحدكم خيطا ولا خياطا".
والوجه الثاني: أن يكون (يغلّ) بمعنى: يخوّن، المعنى: ما كان لنبي أن يخوّن، أي: ينسب إلى الخيانة؛ لأن نبي الله لا يخون إذ هو أمين الله في الأرض). [معاني القراءات وعللها: 1/280]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (59- وقوله تعالى: {وما كان لنبي أن يغل} [161].
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم (أن يغل) بفتح الياء وضم الغين.
وقرأ الباقون (يغل) بضم الياء وفتح الغين، فمن ضم الياء فمعناه: أن يُخان، والأصل يُخْوَنَ. ومن قرأ بفتح الياء {يغل} أي: يخون). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/122]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح الياء وضمّ الغين، وضمّ الياء وفتح الغين من قوله: [جلّ وعز]: يغل [آل عمران/ 161].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم بغل بفتح الياء وضمّ الغين.
وقرأ الباقون: يغل بضم الياء، وفتح الغين.
[الحجة للقراء السبعة: 3/94]
[قال أبو علي]: قالوا في الخيانة: أغلّ يغلّ إغلالا: إذا خان ولم يؤدّ الأمانة، قال النمر بن تولب:
جزى الله عنّا جمرة ابنة نوفل... جزاء مغلّ بالأمانة كاذب
وقال آخر:
حدّثت نفسك بالوفاء ولم تكن... للغدر خائنة مغلّ الإصبع
أي: لكراهة الغدر.
فأمّا «خائنة» فيحتمل أن تكون مصدرا كالعافية، والعاقبة، فإن حملته في البيت على هذا قدرت حذف المضاف، وإن شئت جعلته مثل راوية.
[الحجة للقراء السبعة: 3/95]
ونسب الإغلال إلى الإصبع كما نسب الآخر الخيانة إلى اليد في قوله:
فولّيت العراق ورافديه... فزاريا أحذّ يد القميص
[الرواية: أأطعمت العراق].
وقالوا: من الغلّ الذي هو الشحناء والضّغن، غلّ يغلّ، بكسر الغين. وقالوا في الغلول من الغنيمة: غلّ يغلّ بضمّ الغين.
والحجّة لمن قرأ: يغل أنّ ما جاء في التنزيل من هذا النحو أسند الفعل فيه إلى الفاعل نحو ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء [يوسف/ 38] وما كان ليأخذ أخاه [يوسف/ 76] وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله [آل عمران/ 145] وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم [التوبة/ 115] وما كان الله ليطلعكم على الغيب [آل عمران/ 179] ولا يكاد يجيء منه: ما كان زيد ليضرب، فيسند الفعل فيه إلى المفعول به.
فكذلك ما كان لنبي أن يغل [آل عمران/ 161] يسند الفعل فيه إلى الفاعل. وروي عن ابن عباس أنّه قرأ: يغل وقيل له: إنّ
[الحجة للقراء السبعة: 3/96]
عبد الله قرأ: يغل فقال ابن عباس: بلى والله ويقتل، وروي أيضا عن ابن عباس: «قد كان النبي يقتل فكيف لا يخوّن» ؟.
ومن قال: يغلّ احتمل أمرين: أحدهما أن ينسب إلى ذلك، أي:
لا يقال له غللت، كقولك: أسقيته. أي: قلت له: سقاك الله. وقال:
وأسقيه حتّى كاد ممّا أبثّه... تكلّمني أحجاره وملاعبه
وكقولهم: [أكفرتني أي: نسبتني] إلى الكفر قال:
فطائفة قد أكفرتني بحبّكم.....
أي: نسبتني إلى الكفر. ويجوز أن يكون يغل. أي: ليس لأحد أن يغلّه، فيأخذ من الغنيمة التي حازها، وإن كان لا يجوز أن يغلّ غير النبي صلى الله عليه وسلم من إمام للمسلمين وأمير لهم، لأنّ ذلك يجوز أن يعظم بحضرته، ويكبر كبرا لا يكبر عند غيره [عليه
[الحجة للقراء السبعة: 3/97]
السلام]، لأنّ المعاصي تعظم بحضرته، كما قال: لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي. [الحجرات/ 2] فالغلول وإن كان كبيرا، فهو بحضرته عليه السلام أعظم). [الحجة للقراء السبعة: 3/98]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وما كان لنبيّ أن يغل}
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم {أن يغل} بفتح الياء وضم الغين أي ما كان لنبيّ أن يخون أصحابه فيما أفاء الله عليهم وحجتهم في ذلك أن النّبي صلى الله عليه جمع الغنائم في غزاة فجاءه جماعة من المسلمين فقالوا ألا تقسم بيننا غنائمنا فقال صلى الله عليه
لو أن لكم مثل أحد ذهبا ما منعتكم درهما أترونني أغلكم مغنمكم
[حجة القراءات: 179]
فنزلت {وما كان لنبيّ أن يغل} أي ما ينبغي لنبيّ أن يجور في القسم ولكن يعدل ويعطي كل ذي حق حقه
عن ابن عبّاس قال نزلت على رسول الله صلى الله عليه في قطيفة حمراء فقدت في غزوة بدر فقال من كان مع النّبي صلى الله عليه لعلّ رسول الله صلى الله عليه أخذها فأنزل الله الآية
وحجّة أخرى وهي أن المستعمل في كلام العرب أن يقال لمن فعل ما لا يجوز له أن يفعل ما كان لزيد أن يفعل كذا وكذا وما كان له أن يظلم ولا يقال أن يظلم لأن الفاعل فيما لا يجوز له يقال له ما كان ينبغي له أن يفعل ذلك به نظير قوله وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله وكما قال {ما كان للنّبي والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} ألا ترى أنهم المستغفرون ولم يقل أن يستغفروا
وقرأ الباقون {يغل} بضم الياء وفتح الغين أي ما كان لنبيّ أن يغله أصحابه أي يخونوه ثمّ أسقط الأصحاب فبقي الفعل غير مسمّى فاعله وتأويله ما كان لنبيّ أن يخان وحجتهم ما ذكر عن قتادة قال ما كان لنبيّ أن يغله اصحابه الّذين معه من المؤمنين
ذكر لنا أن هذه الآية نزلت على النّبي صلى الله عليه يوم بدر وقد غل طوائف من أصحابه وقال آخرون معنى ذلك وما كان لنبيّ
[حجة القراءات: 180]
أن يتهم بالغلول قال الفراء يغل أي يسرق ويخون أي ينسب إلى الغلول يقال أغللته أي نسبته إلى الغلول وقال آخرون {وما كان لنبيّ أن يغل} أي يلفى غالا أي خائنا كما يقال أحمدت الرجل إذا وجدته محمودًا). [حجة القراءات: 181]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (91- قوله: {أن يغل} قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم بفتح الياء، وضم الغين، وقرأ الباقون بضم الياء وفتح الغين.
92- وحجة من فتح الياء وضمّ الغين أنه نفى الغلول عن النبي، وأضاف الفعل إليه، ونفاه عنه أن يفعله، وقد ثبت أن الغُلول وقع من غيره، فلا يحسن أن ينفي الغلول عن غيره، لأنه أمر قد وقع، وإنما ينفي الغلول عنه، وهي الخيانة في المغانم، فالمعنى: ما كان لنبي أن يخون من معه في الغنيمة، وقد نفى ابن عباس القراءة بضم الياء، وقال: كيف لا يكون له أن يغل، وقد كان جائزًا أن يقتل، قال الله: {ويقتلون الأنبياء} «آل عمران 112» قال: ولكن المنافقين اتهموا النبي في شيء فقد، فأنزل الله: {وما كان لنبي أن يغل} أي: يخون أمته في المغانم، فنفى عنه الغلول، وروى معاذ بن جبل أن النبي عليه السلام كان يقرأه بفتح الياء، وبه قرأ ابن عباس.
93- وحجة من ضم الياء وفتح العين أنه حمله على النفي عن أصحاب النبي، أن يخونوه في المغانم، وفيه معنى النهي عن فعل ذلك، فدلّ على هذا المعنى قوله: {ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة} فدل على أنه كان في القم غلول تنزيها للنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمًا له أن يكون أحد من أمته نسب إليه الغلول بل هم المخطئون والمذنبون، فالمعنى: ما كان لنبي أن يغان في الغنائم، قال جابر بن عبد الله: أنزلت يوم بدر هذه الآية، قال: وكان ناس غلوا فأنزلت فيهم، فلو يخونوا بعد، وقيل: إن أصله «يغلل» أي: يخون، أي: ما كان لنبي أن يخونه أصحابه، لكن حذفت إحدى اللامات استخفافًا، فالفعل على هذا منفي عن النبي عليه السلام كالقراءة بفتح الياء،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/363]
ويجوز أن يكون المعنى في هذه القراءة: ما كان لنبي أن ينسب إلى الغلول، أي: لا يقال له: أغللت، كقولك: أكفرت الرجل، أي: نسبته إلى الكفر، فيكون النفي أيضًا عن النبي، لا عن أصحابه، ويجوز أن يكون المعنى: ما كان لنبي أن يوجد غالًا، كقوله: أحمدت الرجل، أي: وجدتُه محمودًا، فيكون النفي أيضًا عن النبي عليه السلام، والاختيار ضم الياء، لأن عليه أكثر القراء، ولأن فيه تنزيهًا للنبي وتعظيمًا له، أن يكون أحد من أمته نسب إليه الغلول، بل هم المخطئون المذنبون). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/364]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (43- {أَنْ يَغُلّ} [آية/ 161]:-
بفتح الياء وضم الغين، قرأها ابن كثير وأبو عمرو وعاصم.
والمراد ما كان لنبيٍ أن يخون أمته في الغنيمة، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع الغنائم في غزاة ليقسمها، فجاءه جماعة، فقالوا: ألا تقسم بيننا غنائمنا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «لو أن لكم عندي مثل
[الموضح: 389]
أحدٍ ذهبًا ما منعتكم دينارًا، أترونني أغلكم مغنمكم» فنزلت هذه الآية، وعلى هذه القراءة ورد في القرآن ما جاء من نظيره نحو {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ} و{مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ} على إسناد الفعل إلى الفاعل، وقلما يقال: ما كان لزيدٍ أن يضرب، على إسناد الفعل إلى المفعول به.
وقرأ الباقون «يغل» بضم الياء وفتح الغين.
والوجه أ، المراد ينسب إلى الغلول، وهو الخيانة في المغنم، يقال: أكفرته أي نسبته إلى الكفر.
ويجوز أن يكون المعنى: ليس لأحدٍ أن يغله، أي يخونه في الغنيمة؛ لأن الغلول وإن كانت كبيرةً فإنه معه وبحضرته أعظم إثمًا). [الموضح: 390]

قوله تعالى: {أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162)}

قوله تعالى: {هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (163)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م 03:19 PM

سورة آل عمران
[ الآية (164) ]

{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164)}

قوله تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م 03:22 PM

سورة آل عمران
[من الآية (165) إلى الآية (168) ]

{أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165) وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167) الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (168)}


قوله تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165)}

قوله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166)}

قوله تعالى: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167)}

قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (168)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م 03:23 PM

سورة آل عمران
[من الآية (169) إلى الآية (171) ]

{وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171)}

قوله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ولا تحسبنّ الّذين قتلوا... (169)
قرأ ابن عامر وحده: (قتّلوا) مشددًا، وخفف الباقون.
واتفقوا على التاء في (تحسبنّ).
قال أبو منصور: من قرأ (قتّلوا) بالتشديد فهو للتكثير، ومن قرأ (قتلوا) فعلى (فعل) ). [معاني القراءات وعللها: 1/280]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (60- وقوله تعالى: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله} [169].
اتفق القراء على التاء إلا هشامًا فإنه قرأ: {يحسبن} بالياء في هذا، واختلفوا فيما بعده، وشدد ابن عامر وحده التاء في {قتلوا}.
وخففها الباقون. فمن خفف برواية هشام يكون مرة ومرارًا، ومن شدد لا يكون إلا مرارًا كأنهم قتلوه مرة بعد مرة). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/122]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: وكلهم قرأ: ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله [آل عمران/ 169] مخففة التاء إلا ابن عامر فإنّه قرأ: قتلوا* مشدّدة التاء.
[قال أبو علي]: وجه من قرأ قتلوا بالتخفيف أنّ التخفيف يصلح للكثير والقليل، تقول: قتلت القوم فيصلح، التخفيف للكثرة، وضربت زيدا ضربة، فيصلح للقلّة. ووجه التّثقيل أنّ المقتولين كثرة فحسن التثقيل، كما قال: مفتحة لهم الأبواب [ص/ 50] وفعّل يختص به الكثير دون القليل). [الحجة للقراء السبعة: 3/98]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (ولم يختلفوا في قوله: ولا تحسبن الذين قتلوا [آل عمران/ 169] أنها بالتاء). [الحجة للقراء السبعة: 3/101] (م)
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: ولم يختلفوا في قوله: ولا تحسبن الذين قتلوا [آل عمران/ 169] أنّها بالتاء قوله: تحسبن مسند إلى الفاعل المخاطب، والذين قتلوا المفعول الأول، والمفعول الثاني قوله: أمواتا. فقد استوفى الحسبان فاعله ومفعوليه). [الحجة للقراء السبعة: 3/110] (م)
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (94- قوله: {ولا تحسبن الذين قتلوا} قرأه ابن عامر بالتشديد، على التكثير لأن المقتولين كُثر والتشديد للتكثير، وقرأه الباقون بالتخفيف، لأن التخفيف للتقليل والتكثير، فهو كالتشديد في أحد وجهيه، وهو الاختيار، لإجماع القراء عليه، ومثله في العلة الذي قبله، وهو قوله: {لو أطاعونا ما قتلوا} «168» قرأه هشام بالتشديد، وخفف الباقون). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/364]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (44- {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا} [آية/ 169]:-
بتشديد التاء، قرأها ابن عامر وحده.
وذلك لأن في المقتولين كثرةً فحسن التثقيل، كما تقول: فتحت الأبواب، قال تعالى {مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأَبْوَابُ}، وفعل بالتشديد يختص بالكثرة.
وقرأ الباقون {قُتِلُوا} بالتخفيف.
والوجه أن فعل بالتخفيف قد يصلح للقليل والكثير، فيجوز أن تقع ههنا
[الموضح: 390]
الكثرة، كما تقول: قتلت القوم). [الموضح: 391]

قوله تعالى: {فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170)}

قوله تعالى: {يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وأنّ اللّه لا يضيع أجر المؤمنين (171).
قرأ الكسائي وحده: (وإنّ اللّه) بكسر الألف، وفتحها الباقون.
[معاني القراءات وعللها: 1/280]
قال أبو منصور: من قرأ (وأن الله) بالفتح فالمعنى: يستبشرون بأن لا خوفٌ عليهم وبأنّ اللّه لا يضيع أجر المؤمنين.
ومن قرأ (وإنّ اللّه) فهو استئناف). [معاني القراءات وعللها: 1/281]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (61- وقوله تعالى: {وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين} [171].
قرأ الكسائي وحده (إن الله) بالكسر.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/122]
وقرأ الباقون بالفتح. فمن فتح فموضع «أن» خفضٌ بالنَّسق على قوله: {ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم} بأن الله لا يضيع، ولأن الله.
ومن كسر جعلها مبتدأة، واعتبر قراءته بحرف عبد الله {والله لا يضيع} بغير «إن»). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/123]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله [جلّ وعز] وأن الله لا يضيع [آل عمران/ 171] في كسر الألف وفتحها، فقرأ الكسائي وحده: وإن الله لا يضيع بكسر الألف وقرأ الباقون: وأن الله بفتح الألف.
[قال أبو علي]: وجه الفتح أنّ المعنى يستبشرون بنعمة من الله، وبأنّ الله لا يضيع، فأنّ معطوفة على الباء، المعنى:
يستبشرون، بتوفر ذلك عليهم، ووصوله إليهم، لأنّه إذا لم يضعه،
[الحجة للقراء السبعة: 3/98]
وصل إليهم، فلم يبخسوه، ولم ينقصوه، فهذا مما يستبشر به، كما أنّ النعمة والفضل كذلك. ومن كسر فإلى ذا المعنى يؤول، لأنّه إذا لم يضعه وصل إليهم، فلم ينقصوه، فالأول أشدّ إبانة لهذا المعنى). [الحجة للقراء السبعة: 3/99]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين}
قرأ الكسائي {وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين} بكسر الألف على معنى والله لا يضيع أجر المؤمنين
وكذلك هي في قراءة عبد الله (والله لا يضيع) فهذا يقوي إن بالكسر
وقرأ الباقون {وأن الله} بالفتح وهي في موضع خفص على النسق على {بنعمة من الله وفضل} المعنى ويستبشرون بأن الله لا يضيع أجر المؤمنين). [حجة القراءات: 181]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (95- قوله: {وأن الله لا يضيع} قرأه الكسائي بكسر الهمزة، على الابتداء والاستئناف، وهو مع ذلك متعلق بالأول، لأنه إذا لم يضعه فهو واصل
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/364]
أجره إليهم، وقرأ الباقون بالفتح، عطفوه على {بنعمة} أي: يستبشرون بالنعمة والفضل، وبأن الله لا يضيع الأجر، فـ «أن» في موضع نصب، بحذف الخافض، أو في موضع خفض على تقدير الخافض محذوفًا). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/365]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (45- {وَأَنَّ الله لَا يُضِيعُ} [آية/ 171]:-
بكسر إن، قرأها الكسائي وحده.
وذلك أنه استأنف بها ولم يعطفها على ما قبلها، فهو على كلامين.
وقرأ الباقون {وَأَنَّ} بالفتح، عطفًا على {نعمةٍ}، كأنه قال: يستبشرون بنعمة وبأن الله لا يضيع؛ لأنه إذا لم يضع تعالى أجرهم، فإن ذلك مما يستبشر به). [الموضح: 391]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م 03:26 PM

سورة آل عمران
[من الآية (172) إلى الآية (175) ]

{الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)}


قوله تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172)}

قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)}

قوله تعالى: {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174)}

قوله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن عباس وعكرمة وعطاء: [يُخَوِّفُكُمْ أَوْلياءَه].
قال أبو الفتح: في هذه القراءة دلالة على إرادة المفعول في يخوف وحذفه في قراءة أكثر الناس: {يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ} . وليس هذا كقولنا: فلان يُخوِّف غلامه ويخوف جاريته مِن ضربه إياهما وإساءته إليهما. فالمحذوف هنا هو المفعول الثاني، وهو في الآية المفعول الأول على ما قدمنا). [المحتسب: 1/177]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م 03:29 PM

سورة آل عمران
[من الآية (176) إلى الآية (178) ]

{وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (176) إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (177) وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (178)}

قوله تعالى: {وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (176)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ولا يحزنك الّذين... (176)
قرأ نافع: (ولا يحزنك الّذين) و(لا يحزنك قولهم) ونحو هذا بضم الياء وكسر الزاي في جميع القرآن، إلا قوله في سورة الأنبياء: (لا يحزنهم الفزع الأكبر) فإنه وافق القراء في هذه.
وقرأ الباقون بفتح الياء وضم الزاي في كل القرآن.
[معاني القراءات وعللها: 1/281]
قال أبو منصور: اللغة الجيدة (لا يحزنك) بفتح الياء، وبها قرأ أكثر القراء.
وأما قراءة نافع أحزن يحزن فهو لغة صحيحة، غير أن حزن يحزن أفشى وأكثر). [معاني القراءات وعللها: 1/282]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (62- وقوله تعالى: {ولا يحزنك الذين يسارعون} [176].
قرأ نافع وحده {يحزنك} بضم الياء في كل القرآن إلا قوله تعالى: {لا يحزنهم الفزع الأكبر}.
وقرأ الباقون بفتح ذلك كله وهما لغتان: حزن وأحزن والاختيار حزن لقولهم: محزون، ولا يقال: محزن، تقول: حزن يحزن حزنا وحزنا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/123]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح الياء وضمّ الزاي، وضمّ الياء وكسر الزاي من قوله تعالى: ولا يحزنك [آل عمران/ 176].
فقرأ نافع وحده يحزنك* وليحزن [المجادلة/ 10] وإني ليحزنني [يوسف/ 13] بضم الياء، وكسر الزاي في كلّ القرآن إلّا في سورة الأنبياء: لا يحزنهم الفزع [الآية/ 103] فإنّه فتحها، يعني الياء، وضمّ الزاي.
وقرأ الباقون في جميع ذلك يحزن* بفتح الياء وضمّ الزاي في كلّ القرآن.
[قال أبو علي]: قال سيبويه تقول: فتن الرجل وفتنته، وحزن وحزنته. قال: وزعم الخليل أنّك حيث قلت: فتنته
[الحجة للقراء السبعة: 3/99]
وحزنته لم ترد أن تقول: جعلته حزينا وجعلته فاتنا، كما أنّك حين قلت: أدخلته، أردت: جعلته داخلا، ولكنك أردت أن تقول: جعلت فيه حزنا وفتنة، فقلت: فتنته، كما قلت: كحلته، أي: جعلت فيه كحلا، ودهنته جعلت فيه دهنا، فجئت بفعلته على حدّه. ولم ترد بفعلته هاهنا تغيير قوله: حزن وفتن، ولو أردت ذلك لقلت أحزنته، وأفتنته، وفتن من فتنته، كحزن من حزنته. قال: وقال بعض العرب: أفتنت الرجل، وأحزنته: أراد جعلته حزينا وفاتنا، فغيروا فعل.
قال أبو علي: فهذا الذي حكاه عن بعض العرب حجة نافع في قراءته ليحزنني وأمّا قراءته: لا يحزنهم الفزع الأكبر [الأنبياء/ 103] فعلى أنّه يشبه أن يكون تبع فيه أثرا أو أحبّ الأخذ بالوجهين إذ كان كل واحد منهما جائزا). [الحجة للقراء السبعة: 3/100]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحر النحوي: [يُسْرِعون] في كل القرآن.
قال أبو الفتح: معنى {يسارعون} في قراءة العامة: أي يسابقون غيرهم، فهو أسرع لهم وأظهر خفوفًا بهم، وأما [يسرعون] فأضعف معنى في السرعة من يسارعون؛ لأن مَن سابق غيره أحرص على التقدم ممن آثر الخفوف وحده، وأما سَرُع فعادة ونحيزة؛ أي: صار سريعًا في نفسه.
وفعَل من لفظ فَاعلتُ ضربان: متعد، وغير متعد؛ فالمعتدي كضربت زيدًا وضاربته، وغير المتعدي كقمت وقاومت زيدًا. وأما أسرع وسَرُع جميعًا فغير متعديين؛ لكن سَرُع غريزة، وأسرع كلَّف نفسه السرعة؛ لكن سارع متعد). [المحتسب: 1/177]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ولا يحزنك الّذين يسارعون في الكفر} 176
قرأ نافع {ولا يحزنك} بضم الياء في كل القرآن إلّا قوله {لا يحزنهم الفزع الأكبر}
وقرأ الباقون بالفتح وهما لغتان يقال حزن وأحزن والاختيار حزن لقولهم محزون ولا يقال محزن وحجّة نافع قول العرب هذا أمر محزن). [حجة القراءات: 181]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (96- قوله: {يحزُن}، {وليحزُن} وشبهه، قرأه نافع بضم الياء، وكسر الزاي، حيث وقع إلا في موضع واحد، فإنه فتح الياء فيه، وضم الزاي كالجماعة، وهو قوله: {لا يحزنهم الفزع الأكبر} «الأنبياء 103» وقرأ الباقون بفتح الياء، وضم الزاي في جميع القرآن، وهما لغتان، حكى سيبويه: أحزنت الرجل، إذا جعلته حزينًا، فضممت الياء في المستقبل؛ لأنه رباعي، ويقال: حَزِن الرجل يَحزَن، لغة. وحزّن يحزّن لغة، ومنه قوله: {ولا هم يحزنون} «البقرة 38»، ويقال: حزّنته، جعلت فيه حُزنًا، كما تقول: كحّلته، جعلت فيه كحلا، وخصّ نافع الموضع المذكور بفتح الياء للجمع بين اللغتين، والقراءتان متساويتان، وما عليه الجماعة، من فتح الياء، وضم الزاي، أحب إليّ، لأنها اللغة الفاشية المستعملة المجمع عليها). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/365]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (46- {وَلَا يَحْزُنْكَ} [آية/ 176]:-
بضم الياء وكسر الزاي، قرأها نافع وحده، وكذلك {لَيُحْزِنُنِي} و{لَيُحْزِنُكَ} و{لِيُحْزِنَ الَّذِينَ} وأشباهها، إلا قوله تعالى في الأنبياء {لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ} فإنه بفتح الياء وبضم الزاي.
والوجه أنه جعله من أحزن، وهي لغة غير فاشيةٍ، والأظهر حزن، وأما قراءته في الأنبياء، فلما أراد من الأخذ باللغتين.
[الموضح: 391]
وقرأها الباقون {يَحْزُنْكَ} بفتح الياء وضم الزاي، وكذلك في كل القرآن.
لأن اللغة الجيدة المشهورة هي حزنه بغير ألف، أي جعل فيه حزنًا، كما تقول كحلته ودهنته، أي جعلت فيه كحلاً ودهنًا، فهذا متعدٍّ أولاً، ويشبه أن يكون أحزن معدى من حزن بكسر الزاي من غير ألفٍ). [الموضح: 392]

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (177)}

قوله تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (178)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ولا تحسبنّ الّذين كفروا... (178)
و: (ولا يحسبنّ الّذين يبخلون)
و: (لا تحسبنّ الّذين يفرحون)... (فلا تحسبنّهم).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو أربعهن بالياء، وقرأ نافع وابن عامر ثلاثًا بالياء وواحدة بالتاء، وهو قوله: (فلا تحسبنّهم)، وقرأ عاصم والكسائي ويعقوب: (ولا يحسبنّ الّذين كفروا) و(لا يحسبنّ الّذين يبخلون) بالياء، والأخريين بالتاء.
وقرأ حمزة كلهن بالتاء، وكل من قرأ (فلا تحسبنّهم) بالتاء فتح الباء، ومن قرأ بالياء ضم الباء (فلا يحسبنّهم).
[معاني القراءات وعللها: 1/282]
قال محمد بن يزيد: من قرأ (يحسبنّ) يفتح (أن)، وكانت تنوب عن الاسم والخبر، يقول: (حسبت أنّ زيدًا منطلق)، ويقبح الكسر مع الياء، وهو مع قبحه جائز.
ومن قرأ (لا تحسبنّ الّذين كفروا) لم يجز عند البصريين إلا كسر ألف (إن)، المعنى: لا تحسبن الذين كفروا إملاؤنا خير لهم.
ودخلت (إن) مؤكدة، وإذا فتحت صار المعنى: ولا تحسبن الذين كفروا إملاءنا.
قال أبو منصور: الفتح جائز مع الياء عند غيره من النحويين، وهو على البدل من (الذين)، المعنى: لا يحسبن إملاءنا الذين كفروا خيرًا لهم.
وقد قرأ بهذه القراءة جماعة.
وقراءتهم دليل على جوازها، ومثله قال الشاعر:
فما كان قيسٌ هلكه هلك واحدٍ... ولكنه بنيان قومٍ تهدّما
[معاني القراءات وعللها: 1/283]
يجوز هلك واحد، وهلك واحد، فمن رفع قوله (هلكه) ابتداءً جعل هلك واحدا خبر الابتداء، ويسدّان معًا مسدّ الخبر.
ومن جعل (هلكه) بدلا من قوله (قيسٌ) نصب (هلك واحد) المعنى: ما كان هلكه هلك واحد.
وقال الفراء: من قرأ (ولا تحسبنّ الّذين كفروا أنّما) قال: هو على التكرير: لا تحسبنهم لا تحسبن أنما نملي لهم.
قال: وهو مثل قوله: (هل ينظرون إلّا السّاعة أن تأتيهم) على التكرير: هل ينظرون إلا أن تأتيهم). [معاني القراءات وعللها: 1/284] (م)
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (63- وقوله تعالى: {ولا يحسبن الذين كفروا} [178].
قرأ حمزة وحده بالتاء.
وقرأ الباقون بالياء، فمن قرأ بالتاء فالخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم. ومن قرأ بالياء فإخبارٌ عن الذين كفروا، فمن قرأ بالتاء فموضع {الذين} نصب و{كفروا} صلته، «وأن» مع ما بعدها في موضع المفعول الثاني. وإنما فتحت «أن» لأن الفعل واقع عليها «وما» اسم «أن» و{نملي} صلته {وخير} خبر «أن»، تمَّ الكلامُ. ثم استأنف بقوله: {إنما نملي لهم} بكسر الألف {ليزدادوا إثمًا}.
ومن قرأ بالتاء جعل الفعل لمحمد صلى الله عليه وسلم، فموضع {الذين} نصب
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/123]
أيضًا. ومن جعل الفعل للكفار فموضع {الذين} رفع بفعلهم و{كفروا} صلتهم «وأن» مع ما بعده نائب عن مفعولي «يحسب»، وذلك أن الحسبان يحتاج إلى مفعولين، «وأن» يحتاج إلى اسمين فناب شيئان عن شيئين). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/124]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الياء والتاء من قوله [جلّ وعز]: ولا يحسبن الذين كفروا [آل عمران/ 178] فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: ولا يحسبن الذين كفروا بالياء، ولا يحسبن الذين يبخلون [آل عمران/ 180] ولا يحسبن الذين يفرحون [آل عمران/ 188] فلا يحسبنهم [آل عمران/ 188] بضمّ
[الحجة للقراء السبعة: 3/100]
الباء في يحسبنهم وكلّهنّ بالياء وكسر السين في كل القرآن.
وقرأ نافع وابن عامر ولا يحسبن الذين كفروا [آل عمران/ 178] ولا يحسبن الذين يبخلون [آل عمران/ 180] لا يحسبن الذين يفرحون [آل عمران/ 188] كل ذلك بالياء فلا تحسبنهم [آل عمران/ 188] بالتاء وفتح الباء غير أنّ نافعا كسر السين وفتحها ابن عامر. وقرأ حمزة: ولا تحسبن الذين كفروا [آل عمران/ 178] ولا تحسبن الذين يفرحون... فلا تحسبنهم [آل عمران/ 188] بفتح الباء والسين وكل ذلك بالتاء. وقرأ عاصم والكسائي كلّ ما في هذه السورة بالتاء إلّا حرفين: قوله: ولا يحسبن الذين يبخلون [آل عمران/ 180] ولا يحسبن الذين كفروا [آل عمران/ 178] فإنّهما بالياء غير أنّ عاصما فتح السين وكسرها الكسائي. ولم يختلفوا في قوله: ولا تحسبن الذين قتلوا [آل عمران/ 169] أنها بالتاء.
قال أبو علي: قراءة ابن كثير وأبي عمرو، ولا يحسبن الذين كفروا* [آل عمران/ 178] ولا يحسبن الذين يبخلون [آل عمران/ 180] ولا يحسبن الذين يفرحون
[الحجة للقراء السبعة: 3/101]
[آل عمران/ 188] فلا يحسبنهم بضم الباء في يحسبنهم وكلّهنّ بالياء وكسر السين في كلّ القرآن.
[قال أبو علي]: الذين في هذه الآي في قراءتهما:
رفع بأنّه فاعل يحسب، وإذا كان الذي في الآي فاعلا اقتضى حسب مفعولين، لأنّها تتعدى إلى مفعولين، أو إلى مفعول يسد مسدّ المفعولين، وذلك إذا جرى في صلة ما يتعدى إليه ذكر الحديث والمحدّث عنه نحو: حسبت أنّ زيدا منطلق، وحسبت أن تقوم، فقوله: أنما نملي لهم خير لأنفسهم [آل عمران/ 178] قد سدّ مسدّ المفعولين اللذين يقتضيهما يحسبنّ. وكسر إنّ في قول من قرأ: يحسبن بالياء لا ينبغي، وقد قرئ فيما حكاه غير أحمد بن موسى. ووجه ذلك أنّ «إنّ» يتلقّى بها القسم كما يتلقّى بلام الابتداء، ويدخل كلّ واحد منهما على الابتداء والخبر فكسر إنّ بعد يحسبنّ، وعلّق عليها الحسبان كما يعلّق باللّام. فقال: لا يحسبن الذين كفروا إنما نملي [آل عمران/ 178] كما قال: لا يحسبن الذين كفروا للآخرة خير لهم. وما تحتمل ضربين أحدهما: أن تكون بمعنى الذي فيكون التقدير: لا يحسبنّ الذين كفروا أنّ الذي نمليه خير لأنفسهم، والآخر: أن يكون ما نملي بمنزلة الإملاء فيكون مصدرا، وإذا كان مصدرا، لم يقتض راجعا إليه. وقال أبو الحسن: المعنى: ولا يحسبنّ الذين كفروا أنّ ما نملي لهم ليزدادوا إثما، إنّما نملي لهم خير لأنفسهم. وأمّا قوله: ولا يحسبن الذين
[الحجة للقراء السبعة: 3/102]
يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم [آل عمران/ 180] فالذين يبخلون فاعل يحسبنّ والمفعول الأول محذوف من اللفظ لدلالة اللفظ عليه، وهو بمنزلة قولك: من كذب كان شرا له، أي:
الكذب، فكذلك: لا يحسبنّ الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله البخل هو خيرا لهم، فدخلت هو فصلا، لأنّ تقدّم يبخلون بمنزلة تقدّم البخل، فكأنّك قلت: لا يحسبنّ الذين يبخلون البخل هو خيرا لهم. فأمّا قوله: ولا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا [آل عمران/ 188] فلا تحسبنهم فالذين في موضع رفع بأنّه فاعل يحسب، ولم توقع يحسبنّ على شيء. قال أبو الحسن لا يعجبني قراءة من قرأ الأولى بالياء، لأنّه لم يوقعه على شيء، ونرى أنّه لم يستحسن أن لا يعدّى حسبت، لأنّه قد جرى مجرى اليمين في نحو: علم الله لأفعلنّ.
ولقد علمت لتأتينّ منيتي.......
وظننت ليسبقنّني، وظنوا ما لهم من محيص [فصلت/ 48] فكما أنّ القسم لا يتكلّم به حتى يعلّق بالمقسم عليه، كذلك ظننت وعلمت، في هذا الباب.
وأيضا فإنّه قد جرى في كلامهم لغوا، وما جرى [في
[الحجة للقراء السبعة: 3/103]
كلامهم] لغوا لا يكون في حكم الجمل المفيدة، ومن ثمّ جاء نحو:
وما خلت أبقى بيننا من مودّة... عراض المذاكي المسنفات القلائصا
إنّما هو وما أبقى بيننا، وكذلك قال الخليل: تقول: ما رأيته يقول ذاك إلّا زيد، وما أظنّه يقول ذاك إلّا عمرو، فهذا يدلّك أنّك انتحيت على القول، ولم ترد أن تجعل زيدا موضع فعلك كضربت وقتلت. ولذلك لم يجر الشرط مجرى الجمل في نحو:
إن تفعل، لأنّ الشرط بمنزلة القسم، والجزاء بمنزلة المقسم عليه، ولذلك فصل بالشرط بين أمّا وجوابها في نحو وأما إن كان من أصحاب اليمين، فسلام لك [الواقعة/ 91] ولو كان بمنزلة الجمل لم يجز به الفصل. ووجه قول ابن كثير وأبي عمرو في أن لم يعدّيا حسبت إلى مفعوليه اللذين يقتضيهما أنّ يحسب في قوله: فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب [آل عمران/ 188] لمّا جعل بدلا من الأول،
[الحجة للقراء السبعة: 3/104]
وعدّي إلى مفعوليه استغنى بهما عن تعدية الأول إليهما، كما استغنى في قوله:
بأيّ كتاب أم بأيّة سنّة... ترى حبّهم عارا عليّ وتحسب
بتعدية أحد الفعلين إلى المفعولين عن تعدية الآخر إليهما فإن قلت: كيف يستقيم، تقدير البدل في قوله: لا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا... فلا تحسبنهم بمفازة [آل عمران/ 188].
وقد دخلت الفاء بينهما ولا يدخل بين البدل والمبدل منه الفاء؟ فالقول أنّ الفاء زائدة، يدلّك على أنّها لا يجوز أن تكون التي تدخل على الخبر، أنّ ما قبل الفاء ليس بمبتدإ، فتكون الفاء خبره، ولا تكون العاطفة لأنّ المعنى: لا يحسبنّ الذين يفرحون بما أتوا أنفسهم بمفازة من العذاب. فإذا كان كذلك لم يجز تقدير العطف لأنّ الكلام لم يستقل بعد، فيستقيم فيه تقدير العطف.
فأمّا قوله: فلا يحسبنهم فإنّ فعل الفاعل الذي هو يحسبنّ تعدّى إلى ضميره، وحذفت واو الضمير لدخول النون
[الحجة للقراء السبعة: 3/105]
الثقيلة. فإن قلت: هلّا لم يحذف الواو من يحسبون، وأثبتها كما ثبتت في: تمودّ الثوب، وأ تحاجوني [الأنعام/ 80] ونحو ذلك، مما يثبت فيه التقاء الساكنين لما في الساكن الأوّل من زيادة المدّ التي تقوم مقام الحركة، فالقول فيه أنّه حذفت كما حذفت مع الخفيفة، ألا ترى أنّك لو قلت: لا يحسبن زيدا ذاهبا، لزمك الحذف، فأجرى الثقيلة مجرى الخفيفة لهذا. وقوله: بمفازة من العذاب في موضع المفعول الثاني وفيه ذكر للمفعول الأوّل. وفعل الفاعل في هذا الباب يتعدّى إلى ضمير نفسه، نحو:
ظننتني أخاه، لأنّ هذه الأفعال لمّا كانت تدخل على الابتداء والخبر أشبهت إنّ وأخواتها في دخولهنّ على الابتداء والخبر [كدخول هذه الأفعال عليهما وذلك قولك]: ظننتني ذاهبا، كما تقول:
إنّي ذاهب. ومما يدلّك على ذلك قبح دخول اليقين عليها، لو قلت: أظنّ نفسي تفعل كذا لم يحسن كما يحسن أظنّني فاعلا.
قال: وقرأ نافع وابن عامر: ولا يحسبن الذين كفروا ولا يحسبن الذين يبخلون [آل عمران/ 180].. ويفرحون [آل عمران/ 188] كلّ ذلك بالياء. فلا تحسبنهم بالتاء وفتح الباء.
[الحجة للقراء السبعة: 3/106]
قراءتهما في ذلك مثل قراءة ابن كثير وأبي عمرو، وقد مرّ القول فيها إلّا في قوله: فلا تحسبنهم بالتاء وفتح الباء.
والمفعولان اللذان يقتضيهما الحسبان في قوله: ولا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا محذوفان، لدلالة ما ذكر من بعد عليهما، ولا يجوز البدل، كما جاز البدل في قراءة ابن كثير وأبي عمرو لاختلاف الفعلين باختلاف فاعليهما.
قال: وقرأ حمزة ولا تحسبن الذين كفروا ولا تحسبن الذين يفرحون فلا تحسبنهم بفتح الباء والسين وكل ذلك بالتاء.
قوله: الذين كفروا في موضع نصب بأنّه المفعول الأول. والمفعول الثاني في هذا الباب هو المفعول الأول في المعنى، فلا يجوز إذا فتح إنّ في قوله: ولا تحسبن الذين كفروا إن ما نملي لهم، لأنّ إملاءهم لا يكون إياهم. فإن قلت: فلم لا يجوز الفتح في أنّ، وتجعله بدلا من الذين كفروا كقوله: وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره [الكهف/ 63] وكما كان أنّ من قوله: وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم [الأنفال/ 7]. [بدلا من إحدى الطائفتين] قيل: لا يجوز ذلك لأنّك إذا أبدلت أنّ من الذين كفروا، كما أبدلت أنّ من إحدى الطائفتين لزمك أن تنصب خيرا على تقدير: لا تحسبنّ إملاء الذين كفروا خيرا لأنفسهم من حيث
[الحجة للقراء السبعة: 3/107]
كان المفعول الثاني: لتحسبنّ وقيل: إنّه لم ينصبه أحد. فإذا لم ينصب علمت أنّ البدل فيه لا يصح، فإذا لم يصح البدل [لم يجز فيه إلّا كسر إنّ] ولا تحسبن الذين كفروا إن ما نملي لهم خير لأنفسهم على أن تكون إنّ وخبرها في موضع المفعول الثاني من تحسبنّ. فأمّا قوله: لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا [آل عمران/ 188] فحذف المفعول الذي يقتضيه تحسبنّ، لأنّ ما يجيء من بعد من قوله: فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب يدلّ عليه، ويجوز أن تجعل تحسبنهم بدلا من تحسبن، كما جاز أن تجعل يحسبنهم بدلا من يحسبن الذين يفرحون في قراءة ابن كثير وأبي عمرو لاتفاق فعلي الفاعلين. وقد قدّمنا أنّ الفاء زائدة، والقول فيها أنّها لا تخلو من أن تكون للعطف، أو للجزاء، أو زائدة، فإن كانت للعطف فلا يخلو من أن تعطف جملة على جملة، أو مفردا على مفرد، وليس هذا موضع العطف، لأنّ الكلام لم يتمّ، ألا ترى أنّ المفعول الثاني لم يذكر بعد؟ ولا يجوز أيضا أن تكون للجزاء كالتي في قوله: وما بكم من نعمة فمن الله [النحل/ 53] ونحوها، لأنّ تلك تدخل على ما كان خبرا من الجمل، لأنّ أصلها أن تدخل في الجزاء، وهي جملة خبر، وليس ما دخلت عليه الفاء في الآية بجملة، إنّما هو فضلة، ألا ترى أنّ مفعولي حسبت فضلة؟ فإن قلت: إنّ أصلهما أن يكونا خبرا، فإنّ
[الحجة للقراء السبعة: 3/108]
ذلك الأصل قد زال بكونهما فضلة، كما زال في قولك: ليت الذي في الدار منطلق، عن أن يكون خبرا بدخول ليت، وكذلك قد زال بدخول حسبت عليهما أن يكون جملة، ويدلّك على ذلك أنّك تقول: حسبت زيدا اليوم منطلقا. فتفصل بينهما باليوم الذي هو ظرف حسبت، ولو كان الكلام باقيا على ما كان عليه قبل دخول الظنّ، لم يجز أن تفصل بينهما بأجنبي منهما، فإذا لم يجز أن تكون للعطف ولا للجزاء، ثبت أنّها زائدة قال: وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي قال: وقرأ عاصم والكسائي: كلّ ما في هذه السورة بالتاء إلّا حرفين: قوله: ولا يحسبن الذين يبخلون، ولا يحسبن الذين كفروا فإنّهما بالياء، غير أنّ عاصما فتح السين وكسرها الكسائي.
قد تقدّم القول في ولا يحسبن الذين يبخلون فأمّا قوله: ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم [آل عمران/ 178] فالوجه فتح أنّ لأنّها تسدّ مسدّ المفعولين، كما سدّ الفعل والفاعل مسدّهما لمّا جرى ذكرهما في الصلة في نحو قوله: أحسب الناس أن يتركوا [العنكبوت/ 29].
[الحجة للقراء السبعة: 3/109]
قال: ولم يختلفوا في قوله: ولا تحسبن الذين قتلوا [آل عمران/ 169] أنّها بالتاء قوله: تحسبن مسند إلى الفاعل المخاطب، والذين قتلوا المفعول الأول، والمفعول الثاني قوله: أمواتا. فقد استوفى الحسبان فاعله ومفعوليه). [الحجة للقراء السبعة: 3/110] (م)
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ولا يحسبن الّذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم}
قرأ حمزة {لا تحسبن الّذين كفروا} بالتّاء خطاب للنّبي صلى الله عليه وموضع الّذين نصب المفعول الأول من {تحسبن} و{كفروا} صلته و{إنّما} مع ما بعدها في موضع المفعول الثّاني لأن حسب يتعدّى إلى مفعولين تقول حسبت زيدا منطلقًا ولا يجوز حسبت زيدا وإنّما فتحت {إنّما} لأن الفعل واقع عليها قال الزّجاج قوله أنما نملي يجوز على البدل من الّذين المعنى لا تحسبن إملاءنا للّذين كفروا خيرا لهم
وقرأ الباقون {ولا يحسبن} بالياء إخبار عن الّذين كفروا فموضع الّذين رفع بفعلهم والمحسبة واقعة على {إنّما} ونابت عن الاسم والخبر تقول حسبت أن زيدا منطلق فاسم إن وخبرها سد مسد المفعولين وتقدير الكلام لا يحسبن الّذين كفروا إملاءنا خيرا لهم). [حجة القراءات: 182]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (97- قوله: {ولا يحسبن الذين كفروا} قرأه حمزة بالتاء، وقرأ الباقون بالياء.
ووجه القراءة بالياء أنه أسند الفعل إلى {الذين كفروا} فهم الفاعلون، وكان ذلك أولى، لتقدم ذكرهم قبل الآية، وقوله: {إنما نملي} يسد مسد مفعولي حسب، و«ما» في {إنما} بمعنى «الذي»، والهاء محذوفة من {نملي} لأنه صلة الذي، ولك أن تجعل «ما» وما بعدها مصدرًا، فلا
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/365]
تقدر حذف هاء، والتقدير: ولا يحسبن الذين كفروا أن الذي نملي لهم خير لأنفسهم، وإن شئت كان التقدير: ولا يحسبن الذين كفروا أن الإملاء خير لهم.
98- ووجه القراءة بالتاء أنه جعل الفعل خطابًا للنبي عليه السلام، فهو الفاعل، و{الذين كفروا} مفعول أول «يحسب»، و«إنما» وما بعدها بدل من «الذين» في موضع نصب، فيسد مسد المفعولين كما يسد لو لم يكن بدلًا، و«ما» بمعنى «الذي»، والهاء محذوفة من «نملي» ـ والتقدير: ولا تحسبن يا محمد الذين كفروا أن الذي نمليه لهم خير لأنفسهم، فيؤول التقدير: إذا حذف المبدل منه، إلى: ولا تحسبن يا محمد أن الذي نمليه للذين كفروا خير لهم، ولا تحسب، أن تجعل «ما» إلى: ولا تحسبن يا محمد أن الذي نمليه للذين كفروا خيرًا لهم، ولا تحسبن، أن تجعل «ما» والفعل مصدرًا، على هذه القراءة؛ لأن المفعول الثاني في هذا الباب، هو الأول في المعنى، والإملاء غير الذين كفروا، إلا أن تقدّر مع المفعول الأول حذف مضاف، هو الإملاء في المعنى، فيكون التقدير: ولا تحسبن يا محمد شأن الذين كفروا الإملاء هو خير لهم، أو تضمر «حال الذين كفروا»، أو «أمر الذين كفروا»، ونحوه، مما يكون الإملاء خيرًا لهم فيه، ويجوز، في القراءة بالياء، أن يكون الفعل للنبي كالتاء على تقدير: ولا يحسبن محمد الذين كفروا أنما نملي لهم، فتكون القراءتان بمعنى واحد). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/366]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (47- {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} [آية/ 178]:-
قرأ ابن كثير وأبو عمرو {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ} و{لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ} {فَلا يَحْسِبُنَّهُمْ} بالياء في ذلك كله وضم الباء في {يَحْسِبُنَّهُمْ}.
وقرأ نافع وابن عامر {فَلاَ تَحْسِبَنَّهُمْ} بالتاء وفتح الباء، والباقي بالياء.
وقرأ حمزة كل ذلك بالتاء.
وقرأ عاصم والكسائي ويعقوب حرفين بالياء {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ}، والباقي بالتاء، وفتح الباء من {تَحْسَبنّهم}.
وفتح السين في ذلك كله ابن عامرٍ وعاصم وحمزة، وكسرها الباقون.
أما من قرأ بالياء وهو ابن كثير وأبو عمرو، فإنه أسند الفعل إلى {الَّذِينَ}
[الموضح: 392]
فيرتفع {الَّذِينَ} بأنه فاعل يحسبن، وقوله تعالى {أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ} قام مقام مفعولي {يحسبنّ}؛ لأن أفعال الظن إذا وقع بعدها أن وما يعمل فيه، كان سادًا مسد المفعولين نحو: ظننت أن زيدًا عالم.
وأما قوله تعالى {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ} فالذين يبخلون فاعل يحسبن، والمفعول الأول محذوف يدل عليه {يَبْخَلُونَ} والتقدير: ولا يحسبن الذين يبخلون البخل هو خيرًا، فدل {يَبْخَلُونَ} على البخل، كقول القائل:-
22- إذا نهي السفيه جرى إليه = وخالف والسفيه إلى خلاف
أي جرى إلى السفه.
وقوله {هُوَ} فصل، يسميه الكوفيون عمادًا، ولا موضع له من الإعراب.
وأما قوله تعالى {لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ} الآية، فالذين رفع بأنه فاعل {يَحْسَبَنَّ}، والمفعول الأول محذوف يدل عليه الهاء والميم في {تحسبنّهم بِمَفَازَةٍ}؛ لأن {تحسبَنّهم} بدل من {تحسبَنَّ} الأول، والتقدير: لا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا، أنفسهم بمفازةٍ من العذاب، وقوله {فَلا تحسبنّهم} بدل من الأول، ولهذا ضم الباء من ضمه في هذه القراءة؛ لأنه أراد: فلا يحسبوا أنفسهم بمفازةٍ، يعني الذين يفرحون، فهو مسند إلى ضمير الذين المتقدم، وهو جمع، وما قبل ضمير الجماعة في مثل هذا لا يكون إلا مضمومًا، لتدل الضمة على الواو المحذوفة لالتقاء الساكنين.
[الموضح: 393]
وأما قراءة نافع وابن عامر {فلا تحسبَنّهم} بالتاء وفتح الباء، والباقي بالياء، فإن الفعل عندهما في {تحسبنّهم} مسند إلى المخاطب، والمفعولان اللذان يلزمان في باب الظن محذوفان في قوله تعالى {لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ} بدلالة ما ذكر من بعد عليهما، ولا يجوز أن يكون {فلا تحسبنّهم} بدلاً من {تحسبنّ} الأول في هذه القراءة لاختلاف فاعليهما و«هم» في {لا تحسبنّهم} مفعول أول له، و{بمفازةٍ} مفعول ثانٍ.
وأما قراءة حمزة بالتاء في الجميع وبفتح الباء في {لا تحسبَنّهم}، فإنه أسند الفعل في الجميع إلى المخاطب و{الذين} في موضع النصب بأنه المفعول الأول، فقوله تعالى {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ} لا يجوز أ، يفتح {إنَّما} على هذه القراءة؛ لأن إملاءهم لا يكون إياهم، ولا يجوز إلا كسر إن على أن يكون إن وما بعدها في موضع المفعول الثاني من {يحسبن}.
وأما قوله {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا} في هذه القراءة، فإن المفعول الثاني الذي يقتضيه يحسبن محذوف؛ لأن قوله {فلا تحسبنّهم بمفازةٍ من العذاب} يدل عليه، ويجوز أن يجعل {تحسبنّهم} بدلاً من {تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ} يدل عليه، ويجوز أن يجعل {تحسبنّهم} بدلاً من {تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ}، كما جاز ذلك في قراءة ابن كثير وأبي عمرو لاتفاق فعلي الفاعلين، والفاء زائدة.
وأما قوله {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ} على هذه القراءة، فإن التقدير: ولا تحسبن بخل الذين يبخلون، وهو المفعول الأول، ليكون هو والمفعول الثاني سواء، وهو قوله {خيرًا لهم} فحذف المضاف الذي هو بخل، وأقيم المضاف إليه مقامه، فانتصب انتصابه.
وأما قراءة عاصم والكسائي ويعقوب في الحرفين بالياء، والباقي بالتاء، فقد تقدم ذكر وجههما.
[الموضح: 394]
وأما فتح السين في تحسب وكسرها، فقد ذكر في آخر سورة البقرة). [الموضح: 395]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م 03:31 PM

سورة آل عمران
[من الآية (179) إلى الآية (180) ]

{مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179) وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180)}

قوله تعالى: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (حتّى يميز الخبيث من الطّيّب... (179)
و: (ليميز).
قرأ حمزة والكسائي والحضرمي: (حتّى يميّز) و: (ليميّز) بضم الياء والتشديد، وقرأ الباقون: (حتّى يميز) و: (ليميز) بالتخفيف وفتح الياء.
قال أبو منصور: يقال: ميّزت الشيء من الشيء فتميّز، إذا خلصته منه، والمعنى: أن المؤمنين هم الطيّب، ميّزهم الله من الخبيث، وهم المشركون، أي: خلصهم.
ومن قرأ (حتى يميز) فهو من مزته أميزه
[معاني القراءات وعللها: 1/284]
ميزًا، فهو مميز، بمعنى ميّزت.
ويقال: مزته فامتاز وأماز، وميزته فتميّز، قال الله جلّ وعزّ: (وامتازوا اليوم أيّها المجرمون)، أي: تميزوا من المؤمنين فإنكم وقود النار، والمؤمنون للجنة). [معاني القراءات وعللها: 1/285]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (67- وقوله تعالى: {حتى يميز الخبيث من الطيب} [179].
قرأ حمزة والكسائي {حتى يميز} مشددة.
وقرأ الباقون مخففة، وهما لغتان، ماز يميز وميز يميز). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/124]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح الياء والتخفيف وضمّها والتّشديد من قوله عز وجل: حتى يميز [آل عمران/ 179] وليميز الله الخبيث [الأنفال/ 37].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم: حتى يميز وليميز الله الخبيث بفتح الياء والتخفيف. وقرأ حمزة والكسائي حتى يميز وليميز الله بضمّ الياء والتشديد.
[قال أبو علي]: قال يعقوب: مزته، فلم ينمز، وزلته فلم ينزل، وأنشد أبو زيد:
[الحجة للقراء السبعة: 3/110]
لمّا ثنى الله عنّي شرّ عزمته... وانمزت لا مسئيا
ذعرا ولا وجلا [مسئيا من قول ذي الرّمّة:
... بعيد السأو مهيوم والسأو: هو الهمّة.
تقول: لا أذعر ولا أهم بالذعر. فمزت وميّزت لغتان]، وليس ميّزت بمنقول من مزت كما أنّ غرّمته منقول من غرم، يدلّك على ذلك أنّه لا يخلو تضعيف العين في ميّز من أن يكون لغة في ماز، أو يكون تضعيف العين لنقل الفعل، كما أنّ الهمزة في أقمته له، فالذي يدلّ على أنّه ليس للنقل، كما أن غرّمته للنّقل، أنّه لو كان للنّقل للزم أن يتعدّى ميّزت إلى مفعولين، كما أنّ غرّمت يتعدى إلى مفعولين، تقول: غرّمت زيدا مالا. وفي أنّ ميّزت لا يتعدّى إلى مفعولين إلّا بحرف جر نحو قولهم: ميّزت
[الحجة للقراء السبعة: 3/111]
متاعك بعضه من بعض، دلالة بيّنة على أنّ تضعيف العين ليس للنّقل. ومثل ميّزت في أنّ التضعيف فيه ليس للتعدية إنّما هو لغير هذا المعنى، الهمزة في قولهم: ألقيت ألا ترى أنّ الهمزة فيه ليست لنقل الفعل من فعل إلى أفعل ليزيد في الكلام مفعول؟ إنّما ألقيت بمنزلة أسقطت، ولو كان منقولا من لقي لتعدّى إلى مفعولين، لأنّ لقي يتعدّى إلى مفعول في قولك: لقيت زيدا، ولو كانت الهمزة في ألقيت للنقل لتعدّى إلى مفعولين. وفي قولهم:
ألقيت متاعك بعضه على بعض وتعدّيه إلى المفعول الثاني بالجارّ دلالة على أنّ ألقيت ليس للنقل من لقي، وأنّ ألقيت بمنزلة أسقطت في تعدي ألقيت إلى مفعول واحد كما أنّ أسقطت يتعدّى إلى مفعول واحد، ولا يتعدّى إلى مفعول ثان، إلّا بحرف الجرّ، كما أنّ أسقطت لا يتعدّى إلى مفعول ثان إلّا بحرف الجرّ، كقولك: أسقطت متاعك بعضه على بعض. ومثل ميّز في أنّ التضعيف فيه ليس للتعدي قولهم: عوّض، فالتضعيف فيه ليس للنقل، ولو كان للنقل من عاض، لتعدّى إلى ثلاثة مفعولين لأنّ عاض يتعدّى إلى مفعولين يدلّك على ذلك ما أنشده الأصمعي:
عاضها الله غلاما بعد ما... شابت الأصداغ والضرس نقد
[الحجة للقراء السبعة: 3/112]
وتقول: عوّضت زيدا مالا، فعوّض وعاض لغتان كما أنّ ميّز وماز لغتان، كلّ واحد منهما في معنى الآخر، ليس عوّض منقولا من عاض، كما أنّ ميّز ليس بمنقول من ماز. وإذا كان الأمر في ذلك على ما وصفنا، فكلتا القراءتين حسنة، لأنّ ماز فعل متعد إلى مفعول واحد، كما أنّ ميّز كذلك. ولقولهم: ماز من المزية أنّ أكثر القراء عليها، وكثرة القراءة بها يدلّ على أنّها أكثر في استعمالهم). [الحجة للقراء السبعة: 3/113]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({حتّى يميّز الخبيث من الطّيب}
قرأ حمزة والكسائيّ {حتّى يميّز الخبيث} بالتّشديد من قولك ميزت بين الشّيئين أميز تمييزا إذا خلصته كما تقول فرقت بينهما أفرق تفريقا
وقرأ الباقون {حتّى يميّز الخبيث} بالتّخفيف من مزت الشّيء وأنا أميز ميزا وحجتهم قوله {الخبيث من الطّيب} والتّشديد إنّما يدخل في الكلام للتكثير قال أبو عمرو لا يكون يميّز
[حجة القراءات: 182]
بالتّشديد إلّا كثيرا من كثير فأما واحد من واحد ف يميّز على معنى يعزل
وحجّة التّشديد أن العرب للمشدد أكثر استعمالا وذلك أنهم وضعوا مصدر هذا الفعل على معنى التّشديد فقالوا فيه التّمييز ولم يقولوا الميز فدلّ استعمالهم المصدر على بنية التّشديد فتأويل الكلام حتّى يميّز جنس الخبيث من جنس الطّيب). [حجة القراءات: 183]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (105- قوله: {حتى يميز}، {وليميز} قرأه حمزة والكسائي بضم الياء والتشديد هنا وفي الأنفال، وقرأ الباقون بفتح الياء، والتخفيف فيهما، وهما لغتان، يقال: مازَ يميز، مثل كال يكيل، وميّز يميز مثل: قتل يقتل، وفي التشديد معنى التكثير، يقال: ميزت الطعام فتميّز، وليس التشديد في هذا لتعدي الفعل كـ «كرم وكرمت»؛ لأنه لم يتعد بالتشديد، لأنك تقول: مزت المتاع، وميّزت المتاع، فلا يحدث التشديد تعديًا لم يكن في التخفيف، فالقراءتان بمعنى التخفيف أحب إلي؛ لأن الجماعة عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/369]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (48- {حَتَّى يُمَيِّزَ} [آية/ 179]:-
بضم الياء وتشديد الياء الثانية، قرأها حمزة والكسائي ويعقوب، وكذلك في الأنفال {لِيُمَيِّزَ الله}.
وهو من ميز يميز تمييزًا، أي فصل وأبان.
وقرأ الباقون {لِيَمِيزَ} بفتح الياء وبالتخفيف في السورتين.
وهو من ماز يميز ميزًا، إذا فصل، وهو بمعنى ميز سواء، وليس ميز بمنقول من ماز، إذ لو كان كذلك لتعدى إلى مفعولين، وليس كذلك، بل يتعدى كلاهما إلى مفعولٍ واحدٍ). [الموضح: 395]

قوله تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ولا تحسبنّ الّذين كفروا... (178)
و: (ولا يحسبنّ الّذين يبخلون)
و: (لا تحسبنّ الّذين يفرحون)... (فلا تحسبنّهم).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو أربعهن بالياء، وقرأ نافع وابن عامر ثلاثًا بالياء وواحدة بالتاء، وهو قوله: (فلا تحسبنّهم)، وقرأ عاصم والكسائي ويعقوب: (ولا يحسبنّ الّذين كفروا) و(لا يحسبنّ الّذين يبخلون) بالياء، والأخريين بالتاء.
وقرأ حمزة كلهن بالتاء، وكل من قرأ (فلا تحسبنّهم) بالتاء فتح الباء، ومن قرأ بالياء ضم الباء (فلا يحسبنّهم).
[معاني القراءات وعللها: 1/282]
قال محمد بن يزيد: من قرأ (يحسبنّ) يفتح (أن)، وكانت تنوب عن الاسم والخبر، يقول: (حسبت أنّ زيدًا منطلق)، ويقبح الكسر مع الياء، وهو مع قبحه جائز.
ومن قرأ (لا تحسبنّ الّذين كفروا) لم يجز عند البصريين إلا كسر ألف (إن)، المعنى: لا تحسبن الذين كفروا إملاؤنا خير لهم.
ودخلت (إن) مؤكدة، وإذا فتحت صار المعنى: ولا تحسبن الذين كفروا إملاءنا.
قال أبو منصور: الفتح جائز مع الياء عند غيره من النحويين، وهو على البدل من (الذين)، المعنى: لا يحسبن إملاءنا الذين كفروا خيرًا لهم.
وقد قرأ بهذه القراءة جماعة.
وقراءتهم دليل على جوازها، ومثله قال الشاعر:
فما كان قيسٌ هلكه هلك واحدٍ... ولكنه بنيان قومٍ تهدّما
[معاني القراءات وعللها: 1/283]
يجوز هلك واحد، وهلك واحد، فمن رفع قوله (هلكه) ابتداءً جعل هلك واحدا خبر الابتداء، ويسدّان معًا مسدّ الخبر.
ومن جعل (هلكه) بدلا من قوله (قيسٌ) نصب (هلك واحد) المعنى: ما كان هلكه هلك واحد.
وقال الفراء: من قرأ (ولا تحسبنّ الّذين كفروا أنّما) قال: هو على التكرير: لا تحسبنهم لا تحسبن أنما نملي لهم.
قال: وهو مثل قوله: (هل ينظرون إلّا السّاعة أن تأتيهم) على التكرير: هل ينظرون إلا أن تأتيهم). [معاني القراءات وعللها: 1/284] (م)
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (واللّه بما تعملون خبيرٌ (180)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب: (بما يعملون) بالياء -، وقرأ الباقون: بالتاء.
التاء للخطاب، والياء للغيبة). [معاني القراءات وعللها: 1/285]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (64- وقوله تعالى: {ولا يحسبن الذين يبخلون} [180].
قرأ حمزة وحده بالتاء.
والباقون بالياء. فمن قرأ بالياء فموضع {الذين} رفع، و{يبخلون} صلة {الذين} والمفعول الأول مصدر دل عليه الفعل، والتقدير: ولا يحسبن الذين يبخلون بُخلهم خيرًا لهم.
ومن قرأ بالتاء فـ {الذين} في موضع نصب، وهو المفعول الأول، {وخيرًا} المفعول الثاني). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/124]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (65- وقوله تعالى: {والله بما تعملون خبير} [180].
قرأ ابن كثير وأبو عمرو بالياء؛ إخبارًا عن الكفرة.
وقرأ الباقون بالتاء، أي: والله بما تعملون أنتم وهم خبير). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/124]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (68- وقوله تعالى: {ولا يحسبن الذين يفرحون} [180]
قرأ أهل الكوفة بالتاء.
والباقون بالياء.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو {فلا يحسبنهم} بالياء وضم الباء وفيه جوابان:
أحدهما: أن يكون الفعل لمحمد صلى الله عليه وسلم، والهاءُ كناية عن الكفرة.
والثاني: فلا يحسب الكفار أنفسهم.
ومن قرأ بالتاء أي: فلا تَحسبنهم يا محمد بمفازة من العذاب أي: بِبُعْدٍ من النار). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/125]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الياء والتاء من قوله [جلّ وعز]: ولا يحسبن الذين كفروا [آل عمران/ 178] فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: ولا يحسبن الذين كفروا بالياء، ولا يحسبن الذين يبخلون [آل عمران/ 180] ولا يحسبن الذين يفرحون [آل عمران/ 188] فلا يحسبنهم [آل عمران/ 188] بضمّ
[الحجة للقراء السبعة: 3/100]
الباء في يحسبنهم وكلّهنّ بالياء وكسر السين في كل القرآن.
وقرأ نافع وابن عامر ولا يحسبن الذين كفروا [آل عمران/ 178] ولا يحسبن الذين يبخلون [آل عمران/ 180] لا يحسبن الذين يفرحون [آل عمران/ 188] كل ذلك بالياء فلا تحسبنهم [آل عمران/ 188] بالتاء وفتح الباء غير أنّ نافعا كسر السين وفتحها ابن عامر. وقرأ حمزة: ولا تحسبن الذين كفروا [آل عمران/ 178] ولا تحسبن الذين يفرحون... فلا تحسبنهم [آل عمران/ 188] بفتح الباء والسين وكل ذلك بالتاء. وقرأ عاصم والكسائي كلّ ما في هذه السورة بالتاء إلّا حرفين: قوله: ولا يحسبن الذين يبخلون [آل عمران/ 180] ولا يحسبن الذين كفروا [آل عمران/ 178] فإنّهما بالياء غير أنّ عاصما فتح السين وكسرها الكسائي. ولم يختلفوا في قوله: ولا تحسبن الذين قتلوا [آل عمران/ 169] أنها بالتاء.
قال أبو علي: قراءة ابن كثير وأبي عمرو، ولا يحسبن الذين كفروا* [آل عمران/ 178] ولا يحسبن الذين يبخلون [آل عمران/ 180] ولا يحسبن الذين يفرحون
[الحجة للقراء السبعة: 3/101]
[آل عمران/ 188] فلا يحسبنهم بضم الباء في يحسبنهم وكلّهنّ بالياء وكسر السين في كلّ القرآن.
[قال أبو علي]: الذين في هذه الآي في قراءتهما:
رفع بأنّه فاعل يحسب، وإذا كان الذي في الآي فاعلا اقتضى حسب مفعولين، لأنّها تتعدى إلى مفعولين، أو إلى مفعول يسد مسدّ المفعولين، وذلك إذا جرى في صلة ما يتعدى إليه ذكر الحديث والمحدّث عنه نحو: حسبت أنّ زيدا منطلق، وحسبت أن تقوم، فقوله: أنما نملي لهم خير لأنفسهم [آل عمران/ 178] قد سدّ مسدّ المفعولين اللذين يقتضيهما يحسبنّ. وكسر إنّ في قول من قرأ: يحسبن بالياء لا ينبغي، وقد قرئ فيما حكاه غير أحمد بن موسى. ووجه ذلك أنّ «إنّ» يتلقّى بها القسم كما يتلقّى بلام الابتداء، ويدخل كلّ واحد منهما على الابتداء والخبر فكسر إنّ بعد يحسبنّ، وعلّق عليها الحسبان كما يعلّق باللّام. فقال: لا يحسبن الذين كفروا إنما نملي [آل عمران/ 178] كما قال: لا يحسبن الذين كفروا للآخرة خير لهم. وما تحتمل ضربين أحدهما: أن تكون بمعنى الذي فيكون التقدير: لا يحسبنّ الذين كفروا أنّ الذي نمليه خير لأنفسهم، والآخر: أن يكون ما نملي بمنزلة الإملاء فيكون مصدرا، وإذا كان مصدرا، لم يقتض راجعا إليه. وقال أبو الحسن: المعنى: ولا يحسبنّ الذين كفروا أنّ ما نملي لهم ليزدادوا إثما، إنّما نملي لهم خير لأنفسهم. وأمّا قوله: ولا يحسبن الذين
[الحجة للقراء السبعة: 3/102]
يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم [آل عمران/ 180] فالذين يبخلون فاعل يحسبنّ والمفعول الأول محذوف من اللفظ لدلالة اللفظ عليه، وهو بمنزلة قولك: من كذب كان شرا له، أي:
الكذب، فكذلك: لا يحسبنّ الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله البخل هو خيرا لهم، فدخلت هو فصلا، لأنّ تقدّم يبخلون بمنزلة تقدّم البخل، فكأنّك قلت: لا يحسبنّ الذين يبخلون البخل هو خيرا لهم. فأمّا قوله: ولا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا [آل عمران/ 188] فلا تحسبنهم فالذين في موضع رفع بأنّه فاعل يحسب، ولم توقع يحسبنّ على شيء. قال أبو الحسن لا يعجبني قراءة من قرأ الأولى بالياء، لأنّه لم يوقعه على شيء، ونرى أنّه لم يستحسن أن لا يعدّى حسبت، لأنّه قد جرى مجرى اليمين في نحو: علم الله لأفعلنّ.
ولقد علمت لتأتينّ منيتي.......
وظننت ليسبقنّني، وظنوا ما لهم من محيص [فصلت/ 48] فكما أنّ القسم لا يتكلّم به حتى يعلّق بالمقسم عليه، كذلك ظننت وعلمت، في هذا الباب.
وأيضا فإنّه قد جرى في كلامهم لغوا، وما جرى [في
[الحجة للقراء السبعة: 3/103]
كلامهم] لغوا لا يكون في حكم الجمل المفيدة، ومن ثمّ جاء نحو:
وما خلت أبقى بيننا من مودّة... عراض المذاكي المسنفات القلائصا
إنّما هو وما أبقى بيننا، وكذلك قال الخليل: تقول: ما رأيته يقول ذاك إلّا زيد، وما أظنّه يقول ذاك إلّا عمرو، فهذا يدلّك أنّك انتحيت على القول، ولم ترد أن تجعل زيدا موضع فعلك كضربت وقتلت. ولذلك لم يجر الشرط مجرى الجمل في نحو:
إن تفعل، لأنّ الشرط بمنزلة القسم، والجزاء بمنزلة المقسم عليه، ولذلك فصل بالشرط بين أمّا وجوابها في نحو وأما إن كان من أصحاب اليمين، فسلام لك [الواقعة/ 91] ولو كان بمنزلة الجمل لم يجز به الفصل. ووجه قول ابن كثير وأبي عمرو في أن لم يعدّيا حسبت إلى مفعوليه اللذين يقتضيهما أنّ يحسب في قوله: فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب [آل عمران/ 188] لمّا جعل بدلا من الأول،
[الحجة للقراء السبعة: 3/104]
وعدّي إلى مفعوليه استغنى بهما عن تعدية الأول إليهما، كما استغنى في قوله:
بأيّ كتاب أم بأيّة سنّة... ترى حبّهم عارا عليّ وتحسب
بتعدية أحد الفعلين إلى المفعولين عن تعدية الآخر إليهما فإن قلت: كيف يستقيم، تقدير البدل في قوله: لا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا... فلا تحسبنهم بمفازة [آل عمران/ 188].
وقد دخلت الفاء بينهما ولا يدخل بين البدل والمبدل منه الفاء؟ فالقول أنّ الفاء زائدة، يدلّك على أنّها لا يجوز أن تكون التي تدخل على الخبر، أنّ ما قبل الفاء ليس بمبتدإ، فتكون الفاء خبره، ولا تكون العاطفة لأنّ المعنى: لا يحسبنّ الذين يفرحون بما أتوا أنفسهم بمفازة من العذاب. فإذا كان كذلك لم يجز تقدير العطف لأنّ الكلام لم يستقل بعد، فيستقيم فيه تقدير العطف.
فأمّا قوله: فلا يحسبنهم فإنّ فعل الفاعل الذي هو يحسبنّ تعدّى إلى ضميره، وحذفت واو الضمير لدخول النون
[الحجة للقراء السبعة: 3/105]
الثقيلة. فإن قلت: هلّا لم يحذف الواو من يحسبون، وأثبتها كما ثبتت في: تمودّ الثوب، وأ تحاجوني [الأنعام/ 80] ونحو ذلك، مما يثبت فيه التقاء الساكنين لما في الساكن الأوّل من زيادة المدّ التي تقوم مقام الحركة، فالقول فيه أنّه حذفت كما حذفت مع الخفيفة، ألا ترى أنّك لو قلت: لا يحسبن زيدا ذاهبا، لزمك الحذف، فأجرى الثقيلة مجرى الخفيفة لهذا. وقوله: بمفازة من العذاب في موضع المفعول الثاني وفيه ذكر للمفعول الأوّل. وفعل الفاعل في هذا الباب يتعدّى إلى ضمير نفسه، نحو:
ظننتني أخاه، لأنّ هذه الأفعال لمّا كانت تدخل على الابتداء والخبر أشبهت إنّ وأخواتها في دخولهنّ على الابتداء والخبر [كدخول هذه الأفعال عليهما وذلك قولك]: ظننتني ذاهبا، كما تقول:
إنّي ذاهب. ومما يدلّك على ذلك قبح دخول اليقين عليها، لو قلت: أظنّ نفسي تفعل كذا لم يحسن كما يحسن أظنّني فاعلا.
قال: وقرأ نافع وابن عامر: ولا يحسبن الذين كفروا ولا يحسبن الذين يبخلون [آل عمران/ 180].. ويفرحون [آل عمران/ 188] كلّ ذلك بالياء. فلا تحسبنهم بالتاء وفتح الباء.
[الحجة للقراء السبعة: 3/106]
قراءتهما في ذلك مثل قراءة ابن كثير وأبي عمرو، وقد مرّ القول فيها إلّا في قوله: فلا تحسبنهم بالتاء وفتح الباء.
والمفعولان اللذان يقتضيهما الحسبان في قوله: ولا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا محذوفان، لدلالة ما ذكر من بعد عليهما، ولا يجوز البدل، كما جاز البدل في قراءة ابن كثير وأبي عمرو لاختلاف الفعلين باختلاف فاعليهما.
قال: وقرأ حمزة ولا تحسبن الذين كفروا ولا تحسبن الذين يفرحون فلا تحسبنهم بفتح الباء والسين وكل ذلك بالتاء.
قوله: الذين كفروا في موضع نصب بأنّه المفعول الأول. والمفعول الثاني في هذا الباب هو المفعول الأول في المعنى، فلا يجوز إذا فتح إنّ في قوله: ولا تحسبن الذين كفروا إن ما نملي لهم، لأنّ إملاءهم لا يكون إياهم. فإن قلت: فلم لا يجوز الفتح في أنّ، وتجعله بدلا من الذين كفروا كقوله: وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره [الكهف/ 63] وكما كان أنّ من قوله: وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم [الأنفال/ 7]. [بدلا من إحدى الطائفتين] قيل: لا يجوز ذلك لأنّك إذا أبدلت أنّ من الذين كفروا، كما أبدلت أنّ من إحدى الطائفتين لزمك أن تنصب خيرا على تقدير: لا تحسبنّ إملاء الذين كفروا خيرا لأنفسهم من حيث
[الحجة للقراء السبعة: 3/107]
كان المفعول الثاني: لتحسبنّ وقيل: إنّه لم ينصبه أحد. فإذا لم ينصب علمت أنّ البدل فيه لا يصح، فإذا لم يصح البدل [لم يجز فيه إلّا كسر إنّ] ولا تحسبن الذين كفروا إن ما نملي لهم خير لأنفسهم على أن تكون إنّ وخبرها في موضع المفعول الثاني من تحسبنّ. فأمّا قوله: لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا [آل عمران/ 188] فحذف المفعول الذي يقتضيه تحسبنّ، لأنّ ما يجيء من بعد من قوله: فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب يدلّ عليه، ويجوز أن تجعل تحسبنهم بدلا من تحسبن، كما جاز أن تجعل يحسبنهم بدلا من يحسبن الذين يفرحون في قراءة ابن كثير وأبي عمرو لاتفاق فعلي الفاعلين. وقد قدّمنا أنّ الفاء زائدة، والقول فيها أنّها لا تخلو من أن تكون للعطف، أو للجزاء، أو زائدة، فإن كانت للعطف فلا يخلو من أن تعطف جملة على جملة، أو مفردا على مفرد، وليس هذا موضع العطف، لأنّ الكلام لم يتمّ، ألا ترى أنّ المفعول الثاني لم يذكر بعد؟ ولا يجوز أيضا أن تكون للجزاء كالتي في قوله: وما بكم من نعمة فمن الله [النحل/ 53] ونحوها، لأنّ تلك تدخل على ما كان خبرا من الجمل، لأنّ أصلها أن تدخل في الجزاء، وهي جملة خبر، وليس ما دخلت عليه الفاء في الآية بجملة، إنّما هو فضلة، ألا ترى أنّ مفعولي حسبت فضلة؟ فإن قلت: إنّ أصلهما أن يكونا خبرا، فإنّ
[الحجة للقراء السبعة: 3/108]
ذلك الأصل قد زال بكونهما فضلة، كما زال في قولك: ليت الذي في الدار منطلق، عن أن يكون خبرا بدخول ليت، وكذلك قد زال بدخول حسبت عليهما أن يكون جملة، ويدلّك على ذلك أنّك تقول: حسبت زيدا اليوم منطلقا. فتفصل بينهما باليوم الذي هو ظرف حسبت، ولو كان الكلام باقيا على ما كان عليه قبل دخول الظنّ، لم يجز أن تفصل بينهما بأجنبي منهما، فإذا لم يجز أن تكون للعطف ولا للجزاء، ثبت أنّها زائدة قال: وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي قال: وقرأ عاصم والكسائي: كلّ ما في هذه السورة بالتاء إلّا حرفين: قوله: ولا يحسبن الذين يبخلون، ولا يحسبن الذين كفروا فإنّهما بالياء، غير أنّ عاصما فتح السين وكسرها الكسائي.
قد تقدّم القول في ولا يحسبن الذين يبخلون فأمّا قوله: ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم [آل عمران/ 178] فالوجه فتح أنّ لأنّها تسدّ مسدّ المفعولين، كما سدّ الفعل والفاعل مسدّهما لمّا جرى ذكرهما في الصلة في نحو قوله: أحسب الناس أن يتركوا [العنكبوت/ 29].
[الحجة للقراء السبعة: 3/109]
قال: ولم يختلفوا في قوله: ولا تحسبن الذين قتلوا [آل عمران/ 169] أنّها بالتاء قوله: تحسبن مسند إلى الفاعل المخاطب، والذين قتلوا المفعول الأول، والمفعول الثاني قوله: أمواتا. فقد استوفى الحسبان فاعله ومفعوليه). [الحجة للقراء السبعة: 3/110] (م)
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: قرأ ابن كثير وأبو عمرو: والله بما يعملون خبير [آل عمران/ 180] بالياء وقرأ الباقون بالتاء.
[قال أبو علي]: القول في ذلك أنّ من قرأ بالياء أتبعه ما قبله، وهو على الغيبة، وذلك قوله: سيطوقون [آل عمران/ 180] والله بما يعملون خبير [آل عمران/ 180] من منعهم الحقوق من أموالهم فيجازيهم عليه، ومن قرأ بالتاء فلأنّ قبله خطابا، وهو قوله: وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم [آل عمران/ 179] والله بعملكم المرضيّ خبير فيجازيكم عليه، فالغيبة أقرب إليه من الخطاب). [الحجة للقراء السبعة: 3/113]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ولا يحسبن الّذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شرّ لهم سيطوقون ما بخلوا به} {والله بما تعملون خبير} 180
قرأ حمزة (ولا تحسبن الّذين يبخلون) بالتّاء خطاب للنّبي صلى الله عليه ف الّذين في موضع نصب على المفعول الأول و{خيرا لهم} المفعول الثّاني قال أحمد بن يحيى الوجه عندنا بالتّاء ليكون للمحسبة اسم وخبر فيكون {الّذين} نصبا باسم المحسبة و{هو خيرا لهم} خبرا والمعنى لا تحسبن بخل الباخلين خيرا لهم فأقام الباخلين مقام بخلهم وإذا قرأت بالياء لم تأت للمحسبة باسم فلذلك اخترنا التّاء
وقرأ الباقون {ولا يحسبن} بالياء موضع {الّذين} رفع و{يبخلون} صلة الّذين والم الأول مصدر محذوف وهو البخل دلّ {يبخلون} عليه المعنى ولا يحسبن الّذين يبخلون
[حجة القراءات: 183]
البخل هو خيرا لهم فحذف المفعول الأول واجتزئ ب يبخلون عن البخل كما يقال من صدق كان خيرا له ومن كذب كان شرا تريد كان الصدق خيرا وكان الكذب شرا قال الفراء إنّما {هو} عماد يقال فأين اسم هذا العماد قيل مضمر معناه لا يحسبن الباخلون البخل هو خيرا لهم فاكتفى بذكر يبخلون من البخل كما قال الشّاعر
إذا نهي السّفيه جرى إليه ... وخالف والسّفيه إلى خلاف
يريد جرى إلى السّفه ولم يذكر السّفه ولكن دلّ السّفيه على السّفه فكذلك دلّ يبخلون على البخل
قرأ ابن كثير وأبو عمرو (والله بما يعلمون خبير) بالياء إخبار عن الكفرة وحجتهما قوله {سيطوقون ما بخلوا به}
وقرأ الباقون {بما تعملون خبير} التّاء أي أنتم وهم وحجتهم قوله قبلها {وما كان الله ليطلعكم على الغيب} ). [حجة القراءات: 184]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (99- قوله: {ولا يحسبن الذين يبخلون} قرأه حمزة وحده بالتاء كالأول، وقرأ الباقون بالياء كالأول.
100- ووجه القراءة بالياء أنه أضيف الفعل إلى ما بعده، وهم «الذين
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/366]
يبخلون»، فهم الفاعلون، ورد الفعل على ما قبله من الغيبة، في قوله: {ولا يحسبن الذين كفروا}، والمفعول الأول لـ «يحسب» محذوف. والتقدير: ولا يحسبن الذين يبخلون البخل خيرًا لهم، فحذف البخل لدلالة «يبخلون» عليه، ويجوز أن يكون الفعل للنبي عليه السلام على معنى: ولا يحسبن محمد الذين يبخلون، على حذف مضاف أيضًا، أي: ولا يحسبن محمد بخل الذين يبخلون هم خير لهم.
101- ووجه القراءة بالتاء أنه على الخطاب للنبي عليه السلام، فهو الفاعل، و{الذين يبخلون} مفعول بهم أول، على تقدير حذف مضاف، أي: بخل الذين، ولابد من الإضمار في القراءتين جميعًا، ليكون المفعول الثاني هو الأول في المعنى، لأن «الذين» غير خبر، ولابد من إضمار شيء يكون هو خبرًا في المعنى؛ لأن «الذين» غير خبر، ولابد من إضمار شيء يكون هو خبرًا في المعنى والنفي إنما وقع على ان البخل ليس هو «خيرًا» لهم و«خيرًا» هو المفعول الثاني، وهو فاصلة لا موضع لها من الإعراب). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/367]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (106- قوله: {بما تعملون خبير} قرأه ابن كثير وأبو عمرو بالياء، رداه على لفظ الغيبة التي قبله، في قوله: {سيطوقون} قوله: {ولا يحسبن الذين يبخلون}، وقرأ الباقون بالتاء، ردوه على الخطاب المكرر الذي قبله في قوله: {وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم} «179» ونوي به التقدم، ليكون أقرب إليه، والتقدير: فلكم أجر عظيم، والله بما تعملون خبير، والتاء أحب إلي، لتكرر لفظ الخطاب الذي قبله، ولأن الجماعة عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/369]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (49- {والله بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [آية/ 180]:-
بالياء، قرأها ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب؛ لأنهم جعلوه تابعًا لما قبله، وهو على الغيبة، وذلك قوله تعالى {سَيُطَوَّقُونَ}.
وقرأ الباقون {تَعْمَلُون} بالتاء، جعلوه موافقًا لقوله تعالى: {وَإِنْ تُؤْمِنُوا
[الموضح: 395]
وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ}، والمعنى والله بعملكم المرضي خبير فيجازيكم عليه، على أن الخطاب أبعد منه، والغيبة أقرب). [الموضح: 396]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م 03:34 PM

سورة آل عمران
[من الآية (181) إلى الآية (184) ]

{لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (181) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (182) الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (183) فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (184) }

قوله تعالى: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (181)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (سنكتب ما قالوا وقتلهم... ونقول... (181).
قرأ حمزة وحده: (سنكتب ما قالوا) بياء مضمومة، و(قتلهم) و(يقول ذوقوا) بالياء.
وقرأ الباقون: (سنكتب) بالنون: و(قتلهم) نصبا، و(نقول) بالنون.
[معاني القراءات وعللها: 1/285]
قال أبو منصور: من قرأ (قتلهم) فعلى أنه معطوف على (ما قالوا) وهي في موضع الرفع، أي: سيكتب قولهم وقتلهم الأنبياء.
ومن قرأ (وقتلهم) عطفه على (ما قالوا) لأنه مفعول بقوله (سنكتب)، و(قتلهم) معطوف عليه). [معاني القراءات وعللها: 1/286]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (66- قوله تعالى: {سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء} [181].
قرأ حمزة {سيكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياءْ على ما لم يسم فاعله.
وقرأ الباقون على ما سمي فاعله، لقول الله تعالى: {سنكتب ما قالوا} ونكتب قتلهم الأنبياء، فـــ «ما» موضعها نصب على هذه القراءة، وعلى قراءة حمزة موضعها رفع؛ لأنه اسم ما لم يُسمَّ فاعله). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/124]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله تعالى: سنكتب ما قالوا، وقتلهم الأنبياء بغير حق.... وتقول [آل عمران/ 181] في الياء والنون والرفع والنصب.
فقرأ حمزة وحده: سيكتب ما قالوا بالياء، وقتلهم* رفعا ويقول* بالياء. وقرأ الباقون: سنكتب ما قالوا بالنون وقتلهم نصبا، ونقول بالنون.
قال أبو علي: وجه قراءة من قرأ سنكتب أنّ قبله: لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير [آل عمران/ 181] فالنون هاهنا بعد الاسم الموضوع للغيبة، كقوله: بل الله مولاكم [آل عمران/ 150] ثمّ قال: سنلقي [آل عمران/ 151] ولو قرئ:
سيكتب ما قالوا بالياء لكان في الإفراد كقوله: وقذف في قلوبهم الرعب [الأحزاب/ 26] وقوله: كتب الله لأغلبن أنا [المجادلة/ 21] وقوله: ونقول [آل عمران/ 181] معطوف على سنكتب. ووجه قول حمزة: ويقول* أنّ معنى سيكتب، سيكتب، كما أنّ معنى: كتب عليه أنه من تولاه [الحج/ 4] كتب، ويقوّي سنكتب قوله: وكتبنا عليهم فيها [المائدة/ 45].
وأمّا رفع حمزة وقتلهم* [آل عمران/ 181] فلأنّه عطفه على ما قالوا وهو في موضع رفع بإسناده إلى الفعل المبني للمفعول به.
[الحجة للقراء السبعة: 3/115]
ومن قال: وقتلهم فنصب حمله على سنكتب ما قالوا وهو في موضع نصب بأنّه مفعول به). [الحجة للقراء السبعة: 3/116]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق}
قرأ حمزة (سيكتب ما قالوا) بالياء وضمّها {وقتلهم الأنبياء} بالرّفع على ما لم يسم فاعله {ويقول} بالياء
[حجة القراءات: 184]
وقرأ الباقون {سنكتب ما قالوا} بالنّون أخبر جلّ وعز عن نفسه {وقتلهم الأنبياء} نصب أي ونكتب قتلهم الأنبياء {ونقول} بالنّون). [حجة القراءات: 185]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (107- قوله: {سنكتب ما قالوا وقتلهم} قرأه حمزة «سيكتب» بياء مضمومة «قتلهم» بالرفع، و«يقول» بالياء، وقرأ الباقون «سنكتب» بنون مفتوحة، و«قتلهم» بالنصب و«نقول» بالنون.
108- وحجة من قرأ بالياء أنه أجراه على لفظ الغيبة، وجعله فعلا لم يسم فاعله فـ «ما» في موضع رفع، لأنه مفعول لم يُسم فاعل، فلذلك رفع «وقتلهم» على العطف على «ما » وعطف «ويقول» على «سيكتب» فأجري على الغيبة لتقدم ذكر اسم الله جل ذكره، لكنه أجرى الفعل الثاني على
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/369]
ما سمي فاعله، وخالف به الأول، ولو أجراه على الأول لقال: ويقال ذوقوا، وعلته في إجرائه «سيكتب» على ما لم يسم فاعله، ثم بـ «يقول» على ما سمي فاعله، أن الأول وهو «سيكتب» فعل متعد. فلما وجد سبيلًا إلى مفعول، يقوم مقام الفاعل، وهو ما حمله على ما لم يسم فاعله، ولما كان «يقول» لا يتعدى إلى مفعول، وليس معه مفعول، يقوم مقام الفاعل، لم يردّه إلى ما لم يُسم فاعله، إذ لا مفعول في الكلام، يقوم مقام الفاعل، إلا أن يضمر مصدرًا يقوم مقام الفاعل، وذلك تكلف، وفيه بُعد وخروج عن الظاهرة.
109- وحجة من قرأ بالنون أنه ردّه على الإخبار عن الله جل ذكره لما تقدم في قوله: {لقد سمع اله} فنصب به، وعطف {وقتلهم} على «ما» فنصبه، وعطف عليه «ونقول» فجرى كله على الغخبار عن الله جل ذكره، لتقدم ذكر اسمه جل وعز، وهو في القرآن كثير، وهو الاختيار، ليرد الكلام على أوله، ولأن الإجماع عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/370]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (50- {سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا} [آية/ 181]:-
مضمومة الياء ومفتوحة التاء، {وَقَتْلُهُمُ} بضم اللام، {وَيَقُولُ} بالياء، قرأها حمزة وحده.
والوجه أن {سَيُكْتَبُ} يفعل، ما لم يسم فاعله، وصلته في موضع رفع على أنه مفعول ما لم يسم فاعله، وهو في تقدير المصدر، والمعنى سيكتب قولهم، ولهذا عطف عليه {قَتْلُهُمْ} بالرفع، والفاعل في هذا الفعل هو الله تعالى، وإن جاء على ما لم يسم فاعله، ولهذا قال {وَيَقُولُ} بالياء، والمراد: يقول الله.
وقرأ الباقون {سَنَكْتُبُ} بالنون، {وَقَتْلَهُمُ} نصبًا، {وَنَقُولُ} بالنون.
والوجه أنه على مجيء ضمير اسم الله سبحانه وتعالى بلفظ الجمع على التعظيم، والفاعل هو الله سبحانه وتعالى، ومثله كثير، وكذلك القول بالنون.
ونصب {قَتْلَهُمْ} على أنه مفعول {سَنَكْتُبُ} ). [الموضح: 396]

قوله تعالى: {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (182)}

قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (183)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك ما رواه رَوْح عن أحمد عن عيسى أنه كان يقرأ: [بقُرُبان] بضم الراء.
[المحتسب: 1/177]
قال أبو الفتح: ينبغي أن يكون أصله "قُرْبان" ساكنة الراء والضمة فيها إتباع؛ لتعذر فُعُلان في الكلام. وحكى صاحب الكتاب منه السُّلُطان، وذهب إلى أن ضمة اللام إتباع كضمة الراء من القُرُفْصاء؛ وإنما هي القُرْفُصاء بسكون الراء. ومثله من الإتباع ما حكاه من قولهم: مُنْتُن بضم التاء، وهو مُنْحَدُر من الجبل؛ أي: منحدر. وحكى أيضًا: أجُوءُك وأُنْبُؤُك. فأما العَرَقُصان والعَرَتُن فليس إتباعًا؛ لكنه يراد به العريْقُصان بالياء والعَرَنْقُصان يقال أيضًا، فحذفت الياء والنون، وكذلك العرَتُن إنما هو العَرَنْتُن، فحذفت النون. وكذلك العَبَقُر أصله العَبَيْقُر، فحذفت الياء، فهذا طريق حذف وليس طريق إتباع). [المحتسب: 1/178]

قوله تعالى: {فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (184)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (بالبيّنات والزّبر... (184).
قرأ ابن عامر وحده: (بالبيّنات وبالزّبر)، وكذلك هي في مصاحفهم بالباء.
وقرأ الباقون: (والزّبر) بغير باء.
[معاني القراءات وعللها: 1/286]
قال أبو منصور: إذا أظهرت اسما ثم عطفت عليه اسما فإن شئت عطفته بالباء وإن شئت نويت حذفها، وأما المضمر فلا يعطف عليه إلا بإظهار الخافض). [معاني القراءات وعللها: 1/287]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (68- وقوله تعالى: {بالبينات والزبر} [184]
قرأ ابن عامر {وبالزبر} بالباء، وكذلك في مصاحف أهل الشام، وقرأ الباقون بغير باء، فقال قوم: مررت بزيد وعمرو ومررت بزيد وبعمر سواء. وأما هشام فإنه قرأ {بالكتاب} بزيادة الباء، والباقون بغير زيادة الباء). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/125]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: قرأ ابن عامر وحده: بالبينات وبالزبر [آل عمران/ 184] بالباء وكذلك في مصاحف أهل الشام، وقرأ الباقون: بالبينات والزبر بغير باء [في الزبر] وكذلك هي في مصاحفهم.
[الحجة للقراء السبعة: 3/113]
قال أبو علي: وجه قراءة من قرأ: بالبينات والزبر أنّ الواو قد أغنت عن تكرير العامل، ألا ترى أنّك إذا قلت: مررت بزيد وعمرو، أشركت الواو عمرا في الباء، فأنت عن تكريرك الباء مستغن، وكذلك إذا قلت: جاءني زيد وعمرو: فالواو: قد.
أشركت عمرا في المجيء، وكذلك جميع حروف العطف. ووجه قول ابن عامر أنّ إعادة الباء، وإن كان مستغنى عنها فإنّه لضرب من التأكيد، ولو لم يكرر لاستغنى بإشراك حرف العطف فممّا جاء على قياس قراءة ابن عامر قول رؤبة:
يا دار عفراء ودار البخدن.
فكرر الدار ولو قلت: دار زيد وعمرو، لأشركت الحرف في الاسم الجار كما تشرك بالباء، فكما كرر الدار كذلك كرر الباء، والدار في شعر رؤبة [دار ] واحدة لهما. ويدلك على ذلك قوله:
أما جزاء العارف المستيقن... عندك إلّا حاجة التفكّن
وكلا الوجهين حسن عربي). [الحجة للقراء السبعة: 3/114]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({جاؤوا بالبيّنات والزبر والكتاب المنير} 184
قرأ ابن عامر {بالبيّنات وبالزبر} بالباء وكذلك هي في مصاحف أهل الشّام
وقرأ الباقون {والزبر} بغير باء
واختلف أهل النّحو في ذلك فقال قوم مررت بزيد وعمرو ومررت بزيد وبعمرو سواء وكذلك {جاؤوا بالبيّنات والزبر} {وبالزبر} وقال الخليل مررت بزيد وعمرو مرورا واحدًا كأنّك مررت بمها في حال واحد فكذلك جاءت الرّسل بالبيّنات والزبر في حال وفي وقت واحد ومررت بزيد وبعمرو مرورين هذا لا يكون في وقت واحد فكذلك قوله {جاؤوا بالبيّنات} ثمّ جاؤوا بالزبر وأراد بالبيّنات المعجزات ثمّ جاؤوا بعد ذلك بالزبر أي بالكتب). [حجة القراءات: 185]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (110- قوله: {والزبر الكتاب} قرأ ابن عامر «وبالزبر» بزيادة باء، وقرأ هشام «وبالكتاب» بزيادة باء، أعاد الحرف للتأكيد، وكذلك هو في مصاحف أهل الشام، وقرأهما الباقون بغير باء، لأن حرف العطف أغنى عن إعادة حرف الجر، كما تقول: مررت بزيد وعمرو وخالد، فلا تعيد حرف الجر فهو المستعمل، وهو أخصر، وإثبات الحرف هو الأصل، إلا أنه ترك استعماله في أكثر القرآن والكلام استخفافًا، ولو لزم تكرير العامل لوجب أن يقول: جاءني زيد وجاءني عمرو وجاءني خالد، وهذا ثقيل، فالواو تغني عن تكرير الفعل، كذلك تغني عن تكرير حرف الجر، وأيضًا فإنهما بغير باء في مصاحف المدينة ومكة والكوفة والبصرة، وهو الاختيار؛ لأنه المستعمل، ولأنه أخصر، ولأن حرف العطف
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/370]
يغني عن إعادة حرف الجر). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/371]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (51- {بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ} [آية/ 184]:-
بإعادة الباء في الزبر، قرأها ابن عامر وحده.
وهذه الباء وإن كانت مستغنىً عنها بالباء الأولى الحاصلة في البينات، فإن في إعادتها في المعطوف ضربًا من التأكيد، ولو لم يعدها لاستغنى عنها بإشراك حرف العطف، ولكن فيها ما ذكرت من التأكيد.
وقرأ الباقون {وَالزُبُرِ} بغير ياءٍ؛ لأن الواو قد أغنت بإشراكها عن تكرير العامل، ألا ترى أنك إذا قلت مررت بزيدٍ وعمروٍ، فإن الواو أشركت عمرًا في معنى الباء، فأنت مستغنٍ عن تكرير الباء). [الموضح: 397]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م 03:36 PM

سورة آل عمران
[من الآية (185) إلى الآية (186) ]

{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185) لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (186)}

قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185)}

قوله تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (186)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م 03:38 PM

سورة آل عمران
[من الآية (187) إلى الآية (189) ]

{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (187) لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (188) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (189)}

قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (187)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (لتبيّننّه للنّاس ولا تكتمونه... (187)
قرأ ابن كثير وأبو بكر عن عاصم بالياء فيهما.
وقرأ الباقون بالتاء.
قال أبو منصور: من قرأها بالياء فلأنهم غيب، ومن قرأ بالتاء فعلى الخطاب لهم وقد أخذ الميثاق عليهم، والمعنى: أن الله جلّ وعزّ أخذ عليهم الميثاق ليبيّننّ أمر نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فنبذوه وراء ظهورهم ولعنهم). [معاني القراءات وعللها: 1/287]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (69- وقوله تعالى: {لتبيننه للناس ولا تكتمونه} [187].
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر بالياء. وحجتهم: {فنبذوه} ردوه على الغيب.
وقرأ الباقون بالتاء، جعلوه حكاية لوقت أخذ الميثاق عليهم). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/125]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الياء والتاء من قوله [جلّ وعز]: لتبيننه للناس ولا تكتمونه [آل عمران/ 187].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر بالياء فيهما.
وقرأ الباقون وحفص عن عاصم بالتاء فيهما.
قال أبو علي: حجّة من قرأ بالتاء قوله: وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم [آل عمران/ 81] والاتفاق عليه، وكذلك: وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله [البقرة/ 83] وقد تقدّم القول في ذلك.
وحجّة من قرأ بالياء أنّ الكلام حمل على الغيبة لأنّهم غيب.
[وقد تقدم القول في ذلك] ). [الحجة للقراء السبعة: 3/116]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({لتبيننه للنّاس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم}
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وأبو بكر (ليبيننه للنّاس ولا يكتمونه) بالياء فيهما وحجتهم قوله {فنبذوه} ولم يقل فنبذتموه وبهذا كان يحتج أبو عمرو ويقول الكلام أتى عقيبه بلفظ الخبر
[حجة القراءات: 185]
وهو قوله {فنبذوه} فجعل ما قبله بلفظه ليأتلف الكلام على نظام واحد
وقرأ الباقون بالتّاء بلفظ الخطاب وحجتهم أنه يحكي اللّفظ الّذي خوطبوا به في وقت أخذ الميثاق عليهم والميثاق الّذي أخذ عليهم هو بيان أمر النّبي صلى الله عليه). [حجة القراءات: 186]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (111- قوله: {لتبيننه للناس ولا تكتمونه} قرأ أبو بكر وأبو عمرو وابن كثير بياء فيهما، حملوه على لفظ الغيبة، لأن المخبر عنه غائب، وردوه في الغيبة على ما تقدّم من ذكر الغيبة القريبة منه، في قوله: {الذين أوتوا الكتاب} «186» وعلى ما أتى بعده من لفظ الغيبة، في قوله: {فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنًا قليلًا فبئس ما يشترون} فجاء كله بلفظ الغيبة، فحمل ما قبله عليه، لينتظم الكلام على سنن واحد، ويأتلف على طريقة واحدة في الغيبة، وقرأ الباقون بالتاء فيهما، حملوه على لخطاب، كما قال: {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم} «آل عمران 81» فرجع إلى الخطاب، ولو حمل على ما قبله لقال: آتيتهم، وفي القراءة بالتاء معنى توكيد الأمر لأن التاء للمواجهة، فتقديره: وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب، فقال لهم لتبيننه للناس ولا تكتمونه، وهو الاختيار، لما فيه من معنى التأكيد، ولأن أكثر القراء عليه، والقراءة بالياء حسنة قوية مختارة أيضًا، لكن نفسي تميل إلى الجماعة، لا سيما إذا كان فيهم أهل المدينة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/371]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (52- {لَيُبَيِّنُنَّهُ لِلنّاسِ وَلا يَكْتُمُونَهُ} [آية/ 187]:-
بالياء فيهما، قرأها ابن كثير وأبو عمرو وعاصم ياش-؛ لأن الكلام على الغيبة وهو قوله: {مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ}، وهم غيب.
وقرأ الباقون {لَتُبَيِّنُنَّهُ}، {ولا تَكْتُمُونَهُ} بالتاء فيهما، على الخطاب، بإضمار القول؛ أو لأن أخذ الميثاق يتضمن القول، كما قال تعالى: {وَإِذْ
[الموضح: 397]
أَخَذَ الله مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ} وكقوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا الله} عند من قرأ بالتاء). [الموضح: 398]

قوله تعالى: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (188)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ولا تحسبنّ الّذين كفروا... (178)
و: (ولا يحسبنّ الّذين يبخلون)
و: (لا تحسبنّ الّذين يفرحون)... (فلا تحسبنّهم).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو أربعهن بالياء، وقرأ نافع وابن عامر ثلاثًا بالياء وواحدة بالتاء، وهو قوله: (فلا تحسبنّهم)، وقرأ عاصم والكسائي ويعقوب: (ولا يحسبنّ الّذين كفروا) و(لا يحسبنّ الّذين يبخلون) بالياء، والأخريين بالتاء.
وقرأ حمزة كلهن بالتاء، وكل من قرأ (فلا تحسبنّهم) بالتاء فتح الباء، ومن قرأ بالياء ضم الباء (فلا يحسبنّهم).
[معاني القراءات وعللها: 1/282]
قال محمد بن يزيد: من قرأ (يحسبنّ) يفتح (أن)، وكانت تنوب عن الاسم والخبر، يقول: (حسبت أنّ زيدًا منطلق)، ويقبح الكسر مع الياء، وهو مع قبحه جائز.
ومن قرأ (لا تحسبنّ الّذين كفروا) لم يجز عند البصريين إلا كسر ألف (إن)، المعنى: لا تحسبن الذين كفروا إملاؤنا خير لهم.
ودخلت (إن) مؤكدة، وإذا فتحت صار المعنى: ولا تحسبن الذين كفروا إملاءنا.
قال أبو منصور: الفتح جائز مع الياء عند غيره من النحويين، وهو على البدل من (الذين)، المعنى: لا يحسبن إملاءنا الذين كفروا خيرًا لهم.
وقد قرأ بهذه القراءة جماعة.
وقراءتهم دليل على جوازها، ومثله قال الشاعر:
فما كان قيسٌ هلكه هلك واحدٍ... ولكنه بنيان قومٍ تهدّما
[معاني القراءات وعللها: 1/283]
يجوز هلك واحد، وهلك واحد، فمن رفع قوله (هلكه) ابتداءً جعل هلك واحدا خبر الابتداء، ويسدّان معًا مسدّ الخبر.
ومن جعل (هلكه) بدلا من قوله (قيسٌ) نصب (هلك واحد) المعنى: ما كان هلكه هلك واحد.
وقال الفراء: من قرأ (ولا تحسبنّ الّذين كفروا أنّما) قال: هو على التكرير: لا تحسبنهم لا تحسبن أنما نملي لهم.
قال: وهو مثل قوله: (هل ينظرون إلّا السّاعة أن تأتيهم) على التكرير: هل ينظرون إلا أن تأتيهم). [معاني القراءات وعللها: 1/284] (م)
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الياء والتاء من قوله [جلّ وعز]: ولا يحسبن الذين كفروا [آل عمران/ 178] فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: ولا يحسبن الذين كفروا بالياء، ولا يحسبن الذين يبخلون [آل عمران/ 180] ولا يحسبن الذين يفرحون [آل عمران/ 188] فلا يحسبنهم [آل عمران/ 188] بضمّ
[الحجة للقراء السبعة: 3/100]
الباء في يحسبنهم وكلّهنّ بالياء وكسر السين في كل القرآن.
وقرأ نافع وابن عامر ولا يحسبن الذين كفروا [آل عمران/ 178] ولا يحسبن الذين يبخلون [آل عمران/ 180] لا يحسبن الذين يفرحون [آل عمران/ 188] كل ذلك بالياء فلا تحسبنهم [آل عمران/ 188] بالتاء وفتح الباء غير أنّ نافعا كسر السين وفتحها ابن عامر. وقرأ حمزة: ولا تحسبن الذين كفروا [آل عمران/ 178] ولا تحسبن الذين يفرحون... فلا تحسبنهم [آل عمران/ 188] بفتح الباء والسين وكل ذلك بالتاء. وقرأ عاصم والكسائي كلّ ما في هذه السورة بالتاء إلّا حرفين: قوله: ولا يحسبن الذين يبخلون [آل عمران/ 180] ولا يحسبن الذين كفروا [آل عمران/ 178] فإنّهما بالياء غير أنّ عاصما فتح السين وكسرها الكسائي. ولم يختلفوا في قوله: ولا تحسبن الذين قتلوا [آل عمران/ 169] أنها بالتاء.
قال أبو علي: قراءة ابن كثير وأبي عمرو، ولا يحسبن الذين كفروا* [آل عمران/ 178] ولا يحسبن الذين يبخلون [آل عمران/ 180] ولا يحسبن الذين يفرحون
[الحجة للقراء السبعة: 3/101]
[آل عمران/ 188] فلا يحسبنهم بضم الباء في يحسبنهم وكلّهنّ بالياء وكسر السين في كلّ القرآن.
[قال أبو علي]: الذين في هذه الآي في قراءتهما:
رفع بأنّه فاعل يحسب، وإذا كان الذي في الآي فاعلا اقتضى حسب مفعولين، لأنّها تتعدى إلى مفعولين، أو إلى مفعول يسد مسدّ المفعولين، وذلك إذا جرى في صلة ما يتعدى إليه ذكر الحديث والمحدّث عنه نحو: حسبت أنّ زيدا منطلق، وحسبت أن تقوم، فقوله: أنما نملي لهم خير لأنفسهم [آل عمران/ 178] قد سدّ مسدّ المفعولين اللذين يقتضيهما يحسبنّ. وكسر إنّ في قول من قرأ: يحسبن بالياء لا ينبغي، وقد قرئ فيما حكاه غير أحمد بن موسى. ووجه ذلك أنّ «إنّ» يتلقّى بها القسم كما يتلقّى بلام الابتداء، ويدخل كلّ واحد منهما على الابتداء والخبر فكسر إنّ بعد يحسبنّ، وعلّق عليها الحسبان كما يعلّق باللّام. فقال: لا يحسبن الذين كفروا إنما نملي [آل عمران/ 178] كما قال: لا يحسبن الذين كفروا للآخرة خير لهم. وما تحتمل ضربين أحدهما: أن تكون بمعنى الذي فيكون التقدير: لا يحسبنّ الذين كفروا أنّ الذي نمليه خير لأنفسهم، والآخر: أن يكون ما نملي بمنزلة الإملاء فيكون مصدرا، وإذا كان مصدرا، لم يقتض راجعا إليه. وقال أبو الحسن: المعنى: ولا يحسبنّ الذين كفروا أنّ ما نملي لهم ليزدادوا إثما، إنّما نملي لهم خير لأنفسهم. وأمّا قوله: ولا يحسبن الذين
[الحجة للقراء السبعة: 3/102]
يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم [آل عمران/ 180] فالذين يبخلون فاعل يحسبنّ والمفعول الأول محذوف من اللفظ لدلالة اللفظ عليه، وهو بمنزلة قولك: من كذب كان شرا له، أي:
الكذب، فكذلك: لا يحسبنّ الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله البخل هو خيرا لهم، فدخلت هو فصلا، لأنّ تقدّم يبخلون بمنزلة تقدّم البخل، فكأنّك قلت: لا يحسبنّ الذين يبخلون البخل هو خيرا لهم. فأمّا قوله: ولا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا [آل عمران/ 188] فلا تحسبنهم فالذين في موضع رفع بأنّه فاعل يحسب، ولم توقع يحسبنّ على شيء. قال أبو الحسن لا يعجبني قراءة من قرأ الأولى بالياء، لأنّه لم يوقعه على شيء، ونرى أنّه لم يستحسن أن لا يعدّى حسبت، لأنّه قد جرى مجرى اليمين في نحو: علم الله لأفعلنّ.
ولقد علمت لتأتينّ منيتي.......
وظننت ليسبقنّني، وظنوا ما لهم من محيص [فصلت/ 48] فكما أنّ القسم لا يتكلّم به حتى يعلّق بالمقسم عليه، كذلك ظننت وعلمت، في هذا الباب.
وأيضا فإنّه قد جرى في كلامهم لغوا، وما جرى [في
[الحجة للقراء السبعة: 3/103]
كلامهم] لغوا لا يكون في حكم الجمل المفيدة، ومن ثمّ جاء نحو:
وما خلت أبقى بيننا من مودّة... عراض المذاكي المسنفات القلائصا
إنّما هو وما أبقى بيننا، وكذلك قال الخليل: تقول: ما رأيته يقول ذاك إلّا زيد، وما أظنّه يقول ذاك إلّا عمرو، فهذا يدلّك أنّك انتحيت على القول، ولم ترد أن تجعل زيدا موضع فعلك كضربت وقتلت. ولذلك لم يجر الشرط مجرى الجمل في نحو:
إن تفعل، لأنّ الشرط بمنزلة القسم، والجزاء بمنزلة المقسم عليه، ولذلك فصل بالشرط بين أمّا وجوابها في نحو وأما إن كان من أصحاب اليمين، فسلام لك [الواقعة/ 91] ولو كان بمنزلة الجمل لم يجز به الفصل. ووجه قول ابن كثير وأبي عمرو في أن لم يعدّيا حسبت إلى مفعوليه اللذين يقتضيهما أنّ يحسب في قوله: فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب [آل عمران/ 188] لمّا جعل بدلا من الأول،
[الحجة للقراء السبعة: 3/104]
وعدّي إلى مفعوليه استغنى بهما عن تعدية الأول إليهما، كما استغنى في قوله:
بأيّ كتاب أم بأيّة سنّة... ترى حبّهم عارا عليّ وتحسب
بتعدية أحد الفعلين إلى المفعولين عن تعدية الآخر إليهما فإن قلت: كيف يستقيم، تقدير البدل في قوله: لا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا... فلا تحسبنهم بمفازة [آل عمران/ 188].
وقد دخلت الفاء بينهما ولا يدخل بين البدل والمبدل منه الفاء؟ فالقول أنّ الفاء زائدة، يدلّك على أنّها لا يجوز أن تكون التي تدخل على الخبر، أنّ ما قبل الفاء ليس بمبتدإ، فتكون الفاء خبره، ولا تكون العاطفة لأنّ المعنى: لا يحسبنّ الذين يفرحون بما أتوا أنفسهم بمفازة من العذاب. فإذا كان كذلك لم يجز تقدير العطف لأنّ الكلام لم يستقل بعد، فيستقيم فيه تقدير العطف.
فأمّا قوله: فلا يحسبنهم فإنّ فعل الفاعل الذي هو يحسبنّ تعدّى إلى ضميره، وحذفت واو الضمير لدخول النون
[الحجة للقراء السبعة: 3/105]
الثقيلة. فإن قلت: هلّا لم يحذف الواو من يحسبون، وأثبتها كما ثبتت في: تمودّ الثوب، وأ تحاجوني [الأنعام/ 80] ونحو ذلك، مما يثبت فيه التقاء الساكنين لما في الساكن الأوّل من زيادة المدّ التي تقوم مقام الحركة، فالقول فيه أنّه حذفت كما حذفت مع الخفيفة، ألا ترى أنّك لو قلت: لا يحسبن زيدا ذاهبا، لزمك الحذف، فأجرى الثقيلة مجرى الخفيفة لهذا. وقوله: بمفازة من العذاب في موضع المفعول الثاني وفيه ذكر للمفعول الأوّل. وفعل الفاعل في هذا الباب يتعدّى إلى ضمير نفسه، نحو:
ظننتني أخاه، لأنّ هذه الأفعال لمّا كانت تدخل على الابتداء والخبر أشبهت إنّ وأخواتها في دخولهنّ على الابتداء والخبر [كدخول هذه الأفعال عليهما وذلك قولك]: ظننتني ذاهبا، كما تقول:
إنّي ذاهب. ومما يدلّك على ذلك قبح دخول اليقين عليها، لو قلت: أظنّ نفسي تفعل كذا لم يحسن كما يحسن أظنّني فاعلا.
قال: وقرأ نافع وابن عامر: ولا يحسبن الذين كفروا ولا يحسبن الذين يبخلون [آل عمران/ 180].. ويفرحون [آل عمران/ 188] كلّ ذلك بالياء. فلا تحسبنهم بالتاء وفتح الباء.
[الحجة للقراء السبعة: 3/106]
قراءتهما في ذلك مثل قراءة ابن كثير وأبي عمرو، وقد مرّ القول فيها إلّا في قوله: فلا تحسبنهم بالتاء وفتح الباء.
والمفعولان اللذان يقتضيهما الحسبان في قوله: ولا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا محذوفان، لدلالة ما ذكر من بعد عليهما، ولا يجوز البدل، كما جاز البدل في قراءة ابن كثير وأبي عمرو لاختلاف الفعلين باختلاف فاعليهما.
قال: وقرأ حمزة ولا تحسبن الذين كفروا ولا تحسبن الذين يفرحون فلا تحسبنهم بفتح الباء والسين وكل ذلك بالتاء.
قوله: الذين كفروا في موضع نصب بأنّه المفعول الأول. والمفعول الثاني في هذا الباب هو المفعول الأول في المعنى، فلا يجوز إذا فتح إنّ في قوله: ولا تحسبن الذين كفروا إن ما نملي لهم، لأنّ إملاءهم لا يكون إياهم. فإن قلت: فلم لا يجوز الفتح في أنّ، وتجعله بدلا من الذين كفروا كقوله: وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره [الكهف/ 63] وكما كان أنّ من قوله: وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم [الأنفال/ 7]. [بدلا من إحدى الطائفتين] قيل: لا يجوز ذلك لأنّك إذا أبدلت أنّ من الذين كفروا، كما أبدلت أنّ من إحدى الطائفتين لزمك أن تنصب خيرا على تقدير: لا تحسبنّ إملاء الذين كفروا خيرا لأنفسهم من حيث
[الحجة للقراء السبعة: 3/107]
كان المفعول الثاني: لتحسبنّ وقيل: إنّه لم ينصبه أحد. فإذا لم ينصب علمت أنّ البدل فيه لا يصح، فإذا لم يصح البدل [لم يجز فيه إلّا كسر إنّ] ولا تحسبن الذين كفروا إن ما نملي لهم خير لأنفسهم على أن تكون إنّ وخبرها في موضع المفعول الثاني من تحسبنّ. فأمّا قوله: لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا [آل عمران/ 188] فحذف المفعول الذي يقتضيه تحسبنّ، لأنّ ما يجيء من بعد من قوله: فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب يدلّ عليه، ويجوز أن تجعل تحسبنهم بدلا من تحسبن، كما جاز أن تجعل يحسبنهم بدلا من يحسبن الذين يفرحون في قراءة ابن كثير وأبي عمرو لاتفاق فعلي الفاعلين. وقد قدّمنا أنّ الفاء زائدة، والقول فيها أنّها لا تخلو من أن تكون للعطف، أو للجزاء، أو زائدة، فإن كانت للعطف فلا يخلو من أن تعطف جملة على جملة، أو مفردا على مفرد، وليس هذا موضع العطف، لأنّ الكلام لم يتمّ، ألا ترى أنّ المفعول الثاني لم يذكر بعد؟ ولا يجوز أيضا أن تكون للجزاء كالتي في قوله: وما بكم من نعمة فمن الله [النحل/ 53] ونحوها، لأنّ تلك تدخل على ما كان خبرا من الجمل، لأنّ أصلها أن تدخل في الجزاء، وهي جملة خبر، وليس ما دخلت عليه الفاء في الآية بجملة، إنّما هو فضلة، ألا ترى أنّ مفعولي حسبت فضلة؟ فإن قلت: إنّ أصلهما أن يكونا خبرا، فإنّ
[الحجة للقراء السبعة: 3/108]
ذلك الأصل قد زال بكونهما فضلة، كما زال في قولك: ليت الذي في الدار منطلق، عن أن يكون خبرا بدخول ليت، وكذلك قد زال بدخول حسبت عليهما أن يكون جملة، ويدلّك على ذلك أنّك تقول: حسبت زيدا اليوم منطلقا. فتفصل بينهما باليوم الذي هو ظرف حسبت، ولو كان الكلام باقيا على ما كان عليه قبل دخول الظنّ، لم يجز أن تفصل بينهما بأجنبي منهما، فإذا لم يجز أن تكون للعطف ولا للجزاء، ثبت أنّها زائدة قال: وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي قال: وقرأ عاصم والكسائي: كلّ ما في هذه السورة بالتاء إلّا حرفين: قوله: ولا يحسبن الذين يبخلون، ولا يحسبن الذين كفروا فإنّهما بالياء، غير أنّ عاصما فتح السين وكسرها الكسائي.
قد تقدّم القول في ولا يحسبن الذين يبخلون فأمّا قوله: ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم [آل عمران/ 178] فالوجه فتح أنّ لأنّها تسدّ مسدّ المفعولين، كما سدّ الفعل والفاعل مسدّهما لمّا جرى ذكرهما في الصلة في نحو قوله: أحسب الناس أن يتركوا [العنكبوت/ 29].
[الحجة للقراء السبعة: 3/109]
قال: ولم يختلفوا في قوله: ولا تحسبن الذين قتلوا [آل عمران/ 169] أنّها بالتاء قوله: تحسبن مسند إلى الفاعل المخاطب، والذين قتلوا المفعول الأول، والمفعول الثاني قوله: أمواتا. فقد استوفى الحسبان فاعله ومفعوليه). [الحجة للقراء السبعة: 3/110] (م)
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({لا تحسبن الّذين يفرحون بما أتوا ويحبّون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب} 188
قرأ عاصم وحمزة 4 والكسائيّ {لا تحسبن الّذين يفرحون} بالتّاء هؤلاء قوم من اليهود أظهروا لأصحاب محمّد صلى الله عليه أنهم معهم ليحمدوا وأضمروا خلاف ما أظهروا فقال الله لنبيه صلى الله عليه {لا تحسبن الّذين يفرحون بما أتوا ويحبّون أن يحمدوا بما لم يفعلوا} ثمّ كرر عليه لطول القصّة فقال {فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب} أي بمنجاة من النّار فأعلمه الله أمرهم وأعلمهم أنهم ليسوا بمفازة من العذاب
وقرأ الباقون (لا يحسبن) بالياء إن قيل أين مفعول (لا يحسبن) الجواب عنه من وجهين أحدهما أن {الّذين} في موضع نصب على قراءة من قرأ {تحسبن} بالتّاء ولم يذكر المفعول الثّاني لأنّه ذكره في قوله {فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب} وإنّما لم يذكر المفعول الثّاني في قوله {تحسبن الّذين} لأنّه كرر الفعل وتكرير الفعل ينوي به التوكيد للنّهي كأنّه قال لا تحسبن لا تحسبنهم كما تقول لا تقومن لا تقومن إلى ذلك
[حجة القراءات: 186]
والوجه الآخر أن يكون أراد لا تحسبن الّذين كفروا بمفازة من العذاب فيكون الخبر في قوله بمفازة ثمّ قال {فلا تحسبنهم} ويكون الخبر في الثّانية متروكا اكتفى بعلم المخاطب بموضعه
قرأ ابن كثير وأبو عمرو (فلا يحسبنهم) بالياء ورفع الباء والفعل للكفّار أي فلا يحسب الكفّار أنفسهم بمفازة من العذاب وإنّما أعيد يحسبنهم ثانية لأن معها الاسم والخبر وليس مع الفعل الأول الاسم والخبر فاجتزئ بالثّاني عن الأول
وقرأ الباقون {تحسبنهم} بالتّاء ونصب الباء). [حجة القراءات: 187]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (102- قوله: {ولا تحسبن الذين يفرحون} قرأه الكوفيون بالتاء، وقرأ الباقون بالياء.
103- وحجة من قرأ بالياء أنه أضاف الفعل إلى {الذين يفرحون} فـ «الذين» فاعلون، ولم يعد «يحسبن» إلى شيء، وقد كره ذلك الأخفش؛ لأن تعديته أعظم في الفائدة، لكن من قرأ «فلا يحسبنهم» بالياء، وقرأ: «لا يحسبن الذين يفرحون» بالياء أيضًا، يجوز أن يكون قد أبدل «فلا يحسبنهم» من «لا يحسبن الذين يفرحون»، وقد تعدى {فلا تحسبنهم} إلى مفعولين، فاستغنى بذلك عن تعدي «ولا يحسبن»؛ لأن المبدل منه قام مقامه في التعدي، ولا تمنع الفاء البدل؛ لأنها زائدة، ولأنها ليست العاطفة، وليست التي تدخل في جواب الشرط فهي زائدة، فأما من قرأ الثاني
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/367]
بالتاء والأول بالياء فلا يحسن فيه البدل؛ لاختلاف فاعلهما، ومجازه أنه لم يعد الفعل الأول إلى شيء، كما تقول: حسبت وعلمت وظننت، فتخبر أنه كان منك حسبان وعلم وظن، ولا تخبر على من وقع ذلك، فالكلام فيه فائدة، وإن لم تعده، لكن الفائدة مع التعدي أعظم وأبين، وحسن ترك تعدي الأول في هذا، لدلالة تعدي الثاني على ذلك، وهو: {فلا تحسبنهم بمفازة} وكأن مفعولي الأول حذفا لدلالة مفعولي الثاني على ذلك، وتقديره: لا يحسبن الذين يفرحون بما أوتوا، ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا، بمفازة من العذاب، فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب، ثم حذف الأول، لدلالة الثاني عليه.
104- وحجة من قرأ بالتاء أنه أضاف الفعل إلى النبي عليه السلام، فجرى على المخاطبة، و{الذين يفرحون} مفعول أول لـ «حسب»، وحذف الثاني، لدلالة ما بعده عليه، وهو قوله: {فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب}، ويجوز أن يكون المفعول الثاني قوله: {بمفازة من العذاب}، الذي بعد {تحسبنهم} يُراد به التقديم، ويكون مفعول {تحسبنهم} محذوفًا؛ لدلالة الأول عليه، كما تقول: ظننت زيدًا ذاهبًا، وظننت عمرًا، ويحسن أن يكون {تحسبنهم} في قراءة من قرأه بالتاء، بدلًا من {لا تحسبن} في قراءة من قرأه بالتاء، لاتفاق الفاعلين، والفاء زادة على ما ذكرنا، فإذا حسن البدل فمفعولا {تحسبنهم} هما مفعولا {لا تحسبن} لأن المبدل منه كأنه لم يذكر، فأما من قرأ {لا تحسبن} بالتاء قرأ «فلا يحسبنهم» بالياء فلا يحسن فيه البدل، لاختلاف الفاعلين، ولكن لابد من حذف فمفعولي «لا يحسبن» لدلالة مفعولي {فلا تحسبنهم} على ذلك، ويكون {بمفازة من العذاب} هو المفعول الثاني، لقوله: {لا يحسبن الذين يفرحون} ويكون المفعول الثاني لقوله: {فلا تحسبنهم} محذوفًا؛ لدلالة الأول عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/368]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (112- قوله: {فلا تحسبنهم بمفازة} قرأ ابن كثير وأبو عمرو بالياء وضم الباء، وقرأ الباقون بالتاء وفتح الباء.
113- وحجة من قرأ بالتاء وفتح الباء أنه جعل الفعل خطابًا للنبي عليه السلام، لأن القرآن عليه نزل، فهو المخاطب بأكثره، فخوطب بذلك، وعدّى الفعل إلى ضمير {الذين يفرحون} وهم المفعول الأول و{بمفازة}
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/371]
الثاني، و{تحسبنهم} بدل من «تحسبن» الذي قبله إذا قرئا جميعًا بالتاء والياء، وقد تقدم ذكر هذا، وتقدم ذكر فتح السين في «نحسب» والاختلاف في ذلك.
114- وحجة من قرأ بالياء، وضم الباء أنه أضاف الفعل إلى {الذين يفرحون} لتقدم ذكرهم، وعدّى فعلهم إلى نفسهم، فهو المفعول الأول و{بمفازة} المفعول الثاني، و«يحسبنهم» بدل من «يحسبن» إذا قرئا جميعًا بالياء، وقد تقدم ذكر هذا، وحسن تعدي فعل الفاعل إلى نفسه، كما تقول: ظننتني أخاك، وإنما يجوز هذا في أفعال الظن وأخواته، ولا يجوز في غير ذلك عند البصريينن لو قلت: ضربتني وشتمتني، فتعدل الفعل إلى نفسك، لم يجز، إنما هذا هذا في هذه الأفعال، لأنها داخلة على الابتداء والخبر، كان وأخواتها، ولما كانت «أن» يتصل بها ضمير الفاعل في المعنى، فيتعدّى إليه، جاز ذلك في هذه الأفعال لم يجز تعدي الفعل إلى المفعول، وهو الفاعل، لو قلت: ظن نفسي ذاهبًا لم يجز، كما لا يجوز مع «إن» لو قلت: إن نفسي، لم يجز، وإن أنا ذاهب، لم يجز، وضمت الباء في «تحسبنهم» لتدل على الواو المحذوفة التي للجمع، التي حذفت لسكونها وسكون أول المشدد، وقد أثبتوا الواو مع المشدد في: {أتحاجوني} «الأنعام 80» وقامت المدة مقام الحركة، وإنما لم تثبت في «تحسبنهم» وتمدّ للتشديد، لأنها قد حذفت مع النون الخفيفة، في قولك: لا تحسبن زيدًا قائمًا، فلما حذفت الواو مع الخفيفة، ولم تمد، كان حذفها مع المشدد لازمًا، وحسن ذلك، لئلا يختلف الفعل، وإنما لم تحذف الواو في «أتحاجوني» في قراءة من شدد، كما حذفت في «تحسبنهم» لأن النون في «أتحاجوني» أصلها الحركة، والإسكان عارض، دخل للإدغام، وليست
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/372]
كذلك نون «تحسبنهم» أصل الأول السكون لا الحركة، والقراءة بالتاء وفتح الباء أحب إلي، لما ذكرت من العلة، ولأن أكثر القراء عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/373]

قوله تعالى: {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (189)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م 03:41 PM

سورة آل عمران
[من الآية (190) إلى الآية (191) ]

{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)}


قوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190)}

قوله تعالى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م 03:44 PM

سورة آل عمران
[من الآية (192) إلى الآية (195) ]

{رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194) فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195)}

قوله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192)}

قوله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193)}
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال [أحمد]: وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي: مع الأبرار [آل عمران/ 193] ومن الأشرار [ص/ 62] وذات قرار [المؤمنون/ 50] وما كان مثله بين الفتح والكسر.
وقرأ ابن كثير وعاصم بالفتح. وروى خلف بن هشام وأبو هشام الرفاعي عن سليم بن عيسى الحنفي عن حمزة أنّه كان يشمّ
[الحجة للقراء السبعة: 3/117]
الراء الأولى من قوله: ذات قرار، والأشرار، وما كان مثل ذلك الكسر من غير إشباع.
قال أبو علي: الإمالة في فتحة الراء حسنة، لأنّ الراء المكسورة تغلب المفتوحة، كما غلبت المستعلي في قولهم: قارب وطارد، وقادر، فإذا غلبت المستعلي فأن تغلب الراء المفتوحة أجدر لأنّه لا استعلاء في الراء، إنّما هو حرف من مخرج اللام فيه تكرير. ومن لم يمل فلأنّ كثيرا من الناس لا يميل شيئا من ذلك). [الحجة للقراء السبعة: 3/118]

قوله تعالى: {رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194)}

قوله تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وقاتلوا وقتلوا... (195)
قرأ حمزة والكسائي: (وقتلوا وقاتلوا) بدأ بالمفعول قبل الفاعل.
وبذلك قرأ في التوبة: (فيقتلون ويقتلون) مفعول وفاعل.
وقرأ الباقون: (وقاتلوا وقتلوا) المفعول بعد الفاعلين في السورتين، وشدد ابن كثير وابن عامر قوله: (وقتّلوا) وخفف الباقون). [معاني القراءات وعللها: 1/288]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (70- وقوله تعالى: {وقاتلوا وقتلوا} [195].
قرأ ابن كثير وابن عامر {وقاتلوا وقتلوا} مشددة التاء، أي: مرة بعد مرة للتكثير.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/125]
وقرأ حمزة والكسائي {وقتلوا وقاتلوا} يبدآن بالمفعولين قبل الفاعلين.
وقرأ نافع وعاصم وأبو عمرو (وقاتلوا وقتلوا) خفيفة التاء من قتلوا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/126]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في قوله: وقاتلوا [آل عمران/ 195] وقتلوا [آل عمران/ 195] في تقديم الفعل المبني للفاعل، وتأخيره والتشديد والتخفيف.
فقرأ ابن كثير وابن عامر: وقاتلوا وقتلوا مشدّدة التاء.
[الحجة للقراء السبعة: 3/116]
وقرأ نافع وعاصم وأبو عمرو: وقاتلوا وقتلوا خفيفة.
وقرأ حمزة والكسائي: وقتلوا، وقاتلوا. يبدءان بالفعل المبني للمفعول به قبل الفعل المبني للفاعل، وكذلك اختلافهم في سورة التوبة، غير أنّ ابن كثير وابن عامر شدّدا في التوبة.
قال أبو علي: تقديم قاتلوا على: قتلوا حسن، لأنّ القتال قبل القتل، والتشديد حسن لتكرّر القتل، فهو مثل مفتحة لهم الأبواب [ص/ 50]. ومن خفّف فقال: وقتلوا فإنّ فعلوا يقع على الكثير والقليل، والتثقيل تختص به الكثرة. ومن قرأ: قتلوا وقاتلوا كان حسنا، لأنّ المعطوف بالواو يجوز أن يكون أولا في المعنى، وإن كان مؤخرا في اللفظ، وليس العطف بها كالعطف بالفاء، وكذلك اختلافهم في سورة التوبة. ووجه قول من قرأ قتلوا وقاتلوا أن يكون لمّا قتل منهم قاتلوا ولم يهنوا ولم يضعفوا للقتل الذي أوقع بهم، كما قال: فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله [آل عمران/ 146].
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فالّذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم} 195
قرأ حمزة والكسائيّ {وقاتلوا} وقاتوا يبدآن بالمفعولين قبل الفاعلين فإن سأل سائل فقال فإذا قتلوا كيف يقاتلون فالجواب أن العرب تقول قتل بنو تميم بني أسد إذا قتل بعضهم فكأنّه يقتل بعضهم فيقتل الباقون الباقين قال أحمد بن يحيى هذه القراءة أبلغ في المدح لأنهم يقاتلون بعد أن يقتل منهم
وقرأ الباقون {وقاتلوا وقتلوا} وحجتهم أن الله بدأ بوصفهم بأنّهم قاتلوا أحياء ثمّ قتلوا بعد أن قاتلوا وإذا اخبر عنهم بأنّهم قتلوا فمحال أن يقاتلوا بعد هلاكهم فهذا يوجبه ظاهر الكلام
[حجة القراءات: 187]
قرأ ابن عامر وابن كثير: (قاتلوا وقُتِّلُوا) بالتشديد، أي مرة بعد مرة، للتكثير والتكرير). [حجة القراءات: 188]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (115- قوله: {وقاتلوا وقتلوا} قرأه حمزة والكسائي «وقتلوا وقاتلوا» بتقديم المفعول على الفاعل هنا وفي براءة، وقرأ الباقون فيهما بتقديم الفاعل على المفعول، وكلهم خفف «قتلوا» إلا ابن كثير وابن عامر فإنهما شدداه.
116- وحجة من قدّم المفعول أن الواو لا تعطي ترتيبًا، فسواء التقديم والتأخير، والمعنى هو لتقديم الفاعل على المفعول؛ لأن القتل لا يكون إلا بعد قتال، فالمقتول متأخر عن القتال، إنما يحدث له القتل بعد القتال، فهو أولى أن يكون متأخرًا، لكن الواو لا تعطي رتبة قدمت المفعول أو أخرته، فالتقديم هو لمن له المعنى في التقديم، وقد قيل إن معنى تقديم المفعول: وقتل بعضهم وقاتل الباقون، ولم يهنوا بعد قتل أصحابهم، بهذا المعنى يوجب تقديم المفعول، وهذا أبلغ في مدحهم لأنهم لم يهنوا، ولا ارتاعوا لقتل أصحابهم، بل جدّوا في القتال بعد قتل أصحابهم، وهذا مثل قوله: {وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا} «آل عمران 146» إذا رفعت «ربيين» بـ «قاتل»، أي:
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/373]
فما ضعف من بقي منهم بعد قتل أصحابهم ولا ذل ولا وهن). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/374]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (53- {وَقُتِلُوا} بالضمِّ {وَقَاتَلُوا} بالألف [آية/ 195]:-
قرأها حمزة والكسائي، على تقديم الفعل المبني للمفعول به.
وهذا وإن كان القتال قبل القتل حسن؛ لن المعطوف بالواو يجوز أن يكون أولاً في المعنى، وإن كان مؤخرًا في اللفظ؛ لأن الواو لا توجب ترتيبًا ويجوز أن يكون المراد أنه لما قتل منهم قوم، قاتل الباقون ولم يهنوا ولم يضعفوا.
وقرأ الباقون {وَقَاتَلُوا} بالألف، {وقُتِلوا} بالضم.
وشدد ابن كثير وابن عامر التاء من {قُتِّلوا} وخففها الباقون.
اعلم أن تقديم {قَاتَلُوا} على {قُتِلُوا} هو الوجه؛ لأن القتال قبل القتل، والتشديد في {قُتِّلُوا} حسن لتكرار الفعل وهو القتل، ومن خفف {قُتِلُوا} فلأن فعل المخفف يقع على القليل والكثير، لما في الأفعال من معنى الجنسية). [الموضح: 398]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م 03:56 PM

سورة آل عمران

[من الآية (196) إلى الآية (198) ]

{لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197) لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ (198)}

قوله تعالى: {لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (لا يغرّنّك... (196).
اتفق القراء على تشديد النون، إلا ما روى عن يعقوب وحده أنه قرأ: (لا يغرّنك) ساكنة النون.
قال الأزهري: التشديد أجود القراءتين؛ لأنها أوكد وأفشى والتخفيف جائز). [معاني القراءات وعللها: 1/288]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (54- {لا يغرنك} [آية/ 196]:-
بسكون النون، قرأها يعقوب وحده يس-، على إدخال النون الخفيفة
[الموضح: 398]
دون الثقيلة، لما كانتا معًا لمعنىً واحدٍ، وهو التأكيد، اختار الخفيفة لخفتها.
وقرأ الباقون {لا يَغُرَّنَّكَ} بالتشديد، وكذلك ح- عن يعقوب.
والقول فيه ان النون الثقيلة أبلغ في التأكيد فلذلك اختاروها). [الموضح: 399]

قوله تعالى: {مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197)}

قوله تعالى: {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ (198)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين

جمهرة علوم القرآن 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م 03:56 PM

سورة آل عمران

[من الآية (199) إلى الآية (200) ]

{وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (199) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)}

قوله تعالى: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (199)}

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)}




روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


الساعة الآن 09:14 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة