عبد العزيز بن داخل المطيري
12 ربيع الثاني 1441هـ/9-12-2019م, 09:23 PM
تاريخ تدوين التفسير
(من نشأة التدوين إلى القرن الرابع الهجري)
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى أما بعد:
فإنّ من المعارف المهمّة لطالب العلم أن يعرف كيف نشأ تدوين التفسير، وكيف توالت الكتب المؤلفة فيه حتى وصلت إلى المجلدات الكثيرة في العصر الحاضر.
وهذه المعرفة تكسبه البصيرة بما بنيت عليه كثير من التفاسير، وطرق المفسّرين في تدوينها وتصنيفها؛ وأغراضهم من تأليفها.
وذلك أنّ الغالب على علماء أهل كلّ قرن أن يقصدوا إلى تأليف ما يكون فيه تيسير على طلاب العلم بما يناسب المصادر التي وقفوا عليها، ولا سيما المشتهرة في زمانهم.
ولذلك فإنّ أغراض التأليف تتنامى بتنامي احتياج طلاب العلم إلى الجمع والتصنيف، والشرح والتحرير، والتقريب والتيسير.
وقد كانت بداية تدوين التفسير محضاً - فيما أعلم - ما أُثر عن بعض أصحاب ابن عبّاس رضي الله عنهما من كتابتهم التفسير عنه.
وممن ذكر أنه كان يكتب التفسير من أصحاب ابن عباس: مجاهد، وسعيد بن جبير، وأربدة التميمي، وأبو مالك الغفاري، وأبو صالح مولى أمّ هانئ وغيرهم.
وهؤلاء منهم من رويت عنهم صحفهم كأربدة وأبي مالك وأبي صالح، فقد تداولها الرواة حتى أخرج منها أصحاب التفاسير المسندة كابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر وغيرهم بعض مروياتها.
ومنهم من لم نقف على أنهم رووا عن ابن عباس عين ما كتبوه كما هو حال مجاهد وسعيد بن جبير؛ والأظهر أنهم إنما كتبوا لأنفسهم ثم أضافوا إلى ما كتبوه عن ابن عباس ما استفادوه من غيره.
ثمّ كتبوا تفاسير أو أملوها بعدما تصدّروا في التفسير.
وهذا عرض موجز حرصت فيه على ذكر كلّ من وقفت على أنّ له كتاباً في التفسير يُروى عنه، وربما فاتني ذكر بعضهم، لكن أرجو أني أتيت على المهمّ المشتهر من كتبهم وبعض ما لم يشتهر، للوصول إلى ما يستفيد به طلاب العلم تصوّراً كافياً عن تاريخ التأليف في التفسير، وتدرّج التفاسير المؤلفة فيه، وتنامي أغراض التأليف في التفسير من نشأة تدوين التفسير إلى أوائل القرن الرابع الهجري.
وسأرتّب أسماء المفسّرين على تواريخ الوفيات لأنه أقرب إلى ضبط التسلسل الزمني، وإن كان بعض من أخَّرت أسماءهم أسنّ من بعض من قدّمتهم.
1: أبو الجوزاء أوس بن عبد الله الربعي البصري (ت:82هـ)
من قرّاء التابعين بالبصرة وفقائهم، كان عابداً قويّاً أيّداً، يواصل الصيام بالأيام، قُتل يوم الزاوية في فتنة ابن الأشعث.
- قال عمرو بن مالك النكري: سمعت أبا الجوزاء يقول: (جاورت ابن عباس ثنتي عشرة سنة، وما من القرآن آية، إلا وقد سألته عنها). رواه الإمام أحمد في العلل.
روى عنه عمرو بن مالك النُّكري صحيفة في التفسير أكثرها عن ابن عباس، وفيها بعض أقوال أبي الجوزاء، وقد أخرج منها أصحاب التفاسير المسندة؛ فلا أدري أهي من كتابة أبي الجوزاء أو إملائه أو أنّ عمرو بن مالك كتبها مما حفظه منه.
2: سعيد بن جبير بن هشام الأسدي (ت: 95هـ)
من جهابذة العلماء وكبار العبّاد، أخذ جلّ علمه عن ابن عباس وابن عمر وأخذ عن غيرهما من الصحابة وكبار التابعين، وكان حافظاً فَهِماً، وكان يسائل ابن عباس، ويحسن فهم مسائل العلم؛ فاعتنى به ابن عباس، وحدّثه فأكثر؛ حتى قال له: (لقد حفظت عني علماً كثيراً)
وكان سعيد يكتب في صحف له، وأجازه بالإفتاء والتحديث.
- قال جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبيرٍ قال: (كنت أجلس عند ابن عباسٍ فأكتب في الصحيفة حتى تمتلئ..). رواه الدارمي.
- وقال عثمان بن حكيمٍ: سمعت سعيد بن جبيرٍ يقول: (كنت أسير مع ابن عباسٍ في طريق مكة ليلاً، فكان يحدثني بالحديث فأكتبه في واسطة الرحل حتى أصبح فأكتبه). رواه الدارمي.
وهذا يدلّ على أنّ له أصلاً يكتب فيه ما يستفيده بالكتابة العجلى، وكان الشائع في كتب القرن الأول أنها على هيئة درج مستطيل؛ فربما بلغت الصحيفة الواحدة أذرعاً كثيرة فتطوى طوياً حتى يسهل حملها وتداولها.
وقد روي أنّ الخليفة عبد الملك بن مروان سأله أن يكتب له التفسير؛ فكتبه، وتفسيره هذا رواه عنه عطاء بن دينار (ت:126 هـ) وجادة.
- قال أبو حاتم لمّا سُئل عن عطاء بن دينار: (هو صالح الحديث إلا أن التفسير أخذه من الديوان؛ فإنَّ عبد الملك بن مروان كتب يسأل سعيد بن جبير أن يكتب إليه بتفسير القرآن؛ فكتب سعيد بن جبير بهذا التفسير إليه؛ فوجده عطاء بن دينار في الديوان فأخذه؛ فأرسله عن سعيد بن جبير). رواه ابن أبي حاتم.
- وقال الحافظ أحمد بن صالح المصري: (عطاء بن دينار هو من ثقات أهل مصر، وتفسيره فيما يروي عن سعيد بن جبير صحيفة، وليست له دلالة على أنه سمع من سعيد بن جبير). رواه ابن أبي حاتم.
والمقصود أنّ سعيد بن جبير كان من أوّل من دوّن التفسير فيما أعلم، والذي يظهر من سيرته العلمية ومما رواه عنه عطاء بن دينار أن التفسير الذي كتبه كان أكثره من قوله لا مما يرويه عن ابن عباس.
3: أبو مالك غزوان الغفاري (ت: 95 هـ تقريباً)
من ثقات التابعين أخذ التفسير عن ابن عباس، وعرف بأنّه صاحب التفسير.
وهو ثقة عالم بالتفسير إلا أنّه دون طبقة مجاهد وسعيد بن جبير في الشهرة وكثرة الرواية عن ابن عباس، وقد روى عنه حصين بن عبد الرحمن وإسماعيل بن أبي خالد بعض أقواله في التفسير ومروياته عن ابن عباس، وروى عنه السدي لكنّه خلط ما رواه عنه بمرويات غيره من غير تمييز.
وقد أخرج أصحاب التفاسير المسندة جملة من أقوال أبي مالك ومروياته عن ابن عباس من هذه الطرق.
4: أربدة التميمي (ت:102 هـ تقريباً)
وهو تابعي من أهل الكوفة، وثّقه العجلي وابن حبان، ولم أرَ فيه جرحاً، وكان يجالس ابن عباس والبراء بن عازب رضي الله عنهم، وروى التفسير عن ابن عباس.
روى عنه أبو إسحاق السبيعي أنه قال: (ما سمعت بأرض فيها علم إلا أتيتها).
وكانت له صحيفة في التفسير رواها عنه أبو إسحاق السبيعي والمنهال بن عمرو وقد أخرج منها سفيان الثوري وعبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم في تفاسيرهم روايات مفرّقة على السور.
5: مجاهد بن جبر المكي (ت:102هـ)
هو مولى قيس بن السائب المخزومي، ولد في خلافة عمر، ولزم ابن عباس مدة طويلة، وعرض عليه القرآن ثلاث مرات.
- قال ابن أبي مليكة: (رأيت مجاهدًا يسأل ابن عباسٍ عن تفسير القرآن ومعه ألواحه فيقول له ابن عباسٍ: اكتب، قال: حتى سأله عن التفسير كله).رواه ابن جرير.
لكن ما كتبه مجاهد عن ابن عباس لم نقف على أنه رواه بعينه لتلاميذه؛ والذي يظهر أنه إنما كتبه لنفسه ثمّ لمّا تصدّر أملى تفسيره بما اجتمع له من العلم من مصادر متعددة ومما فهمه من تفقّهه في القرآن.
وأكثر علم مجاهد في التفسير من قِبَل ابن عباس رضي الله عنهما، لكنه أخذ من غيره؛ فأخذ عن عبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن عمر، وعبيد بن عمير الليثي، وأخذ عن بعض من قرأ كتب أهل الكتاب ومنهم: تبيع بن عامر الحميري وكان رفيقه في الغزو وبينهما مودة، وأخذ عن مغيث بن سمي الأوزاعي، ويوسف بن الزبير المكي مولى آل الزبير وكان يهوديا فأسلم، وكان ممن قرأ كتب أهل الكتاب.
ولذلك دخل على مجاهد بعض الإسرائيليات وإن كان غير مكثر منها.
وقد قال أبو بكر بن عياش: قلت للأعمش: ما لهم يتّقون تفسير مجاهد؟! قال: (كانوا يرون أنه يسأل أهل الكتاب). رواه ابن سعد.
وكان أصحاب مجاهد يكتبون التفسير في مجالسه، وكتاباتهم متعددة، فيقع في كتاباتهم من الاختلاف في الفهم والضبط وزيادة بعضهم على بعض ما يقتضيه الحال.
- قال فضيل بن مرزوق عن عبيدٍ المكتّب، قال: «رأيتهم يكتبون التفسير عند مجاهدٍ» رواه الدارمي.
وقد رُوي أنّ مجاهداً أملى كتاباً في التفسير على تلميذه القاسم بن أبي بزة، ثم إنه أطلع عليها جماعة من أصحابه فاشتهرت رواياتهم لها عن مجاهد.
- قال سفيان بن عيينة: (لم يسمعه أحد من مجاهد إلا القاسم بن أبي بزة أملاه عليه، وأخذ كتابَه الحكم وليث وابن أبي نجيح). رواه الفسوي في المعرفة والتاريخ.
وهذا الكتاب في حقيقته من تفسير مجاهد مما ألقاه إليهم بعد ما تصدّر في التفسير، وهو غير حاصر لما روي عن مجاهد في التفسير؛ فقد روى عنه جماعة من أصحابه مسائل سألوها إياه في التفسير، ورووا بعض ما كتبوه عنه، فقول سفيان إنه لم يسمع التفسير أحد من مجاهد إلا القاسم منصرف إلى تلك النسخة المشتهرة التي سمعها القاسم منه تامة، ولا يقتضي نفي غيرها من الكتابات غير التامة وروايات المسائل عن مجاهد.
6: الضحاك بن مزاحم الهلالي البلخي (ت: 105هـ)
من بني هلال بن عامر بن صعصعة، كان أهله ممن نفروا للغزو في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وولِدَ ببَلْخ وهي من مدن خراسان في أواخر خلافة عمر أو أوائل خلافة عثمان؛ فهو قريب السنّ من الحسن البصري وطبقته.
وكان معلّم كتّاب فيه نحو ثلاثة آلاف صبي يعلّمهم حسبة من غير أجر، ولا تُعرف له رواية عن أحد من الصحابة، ولذلك عدّه ابن حبان من تابعي التابعين مع تقدّم سنّه، وعدّه الذهبي في الطبقة الثانية من التابعين، ولا يستبعد أن يكون رأى أحداً من الصحابة رضي الله عنهم، وشاركهم في الغزو، فقد جاهد في خراسان عدد كبير من الصحابة رضي الله عنهم، وقد ذكر الحسن البصري أنه شهد غزوة في خراسان فيها ثلاثمائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان الضحاك جَلْداً غزَّاء حتى بلغ الثمانين من عمره وهو يغزو.
وروايته عن ابن عباس منقطعة، لقي سعيد بن جبير بالري فأخذ عنه، وأخذ عن عبد الملك بن ميسرة عن ابن عباس، وغيرهما، وهو يرسل كثيراً عن ابن عباس وعن غيره من الصحابة، ولذلك فروايته عن الصحابة منقطعة، وإنما عُرف بالتفسير، وهو ثقة مأمون.
وقد رَوى عنه في التفسير جماعة من أصحابه، ودُوّنت عنه نسخ منها نسخة عبيد بن سليمان الباهلي، ونسخة جويبر بن سعيد الأزدي، ونسخة نصر بن مشارس الخراساني.
قال ابن عديّ: (روى التفسير عنه عبيد بن سلمان وجويبر بن سعيد وأبو مصلح نصر بن مشارس، ومن غير كتابٍ مؤلَّف: سلمة بن نبيط، وعلي بن الحكم البنانيّ).
7: الحسن بن أبي الحسن البصري(ت:110هـ)
من سادات التابعين، عالم عابد، وفقيه واعظ، ومفسّر بارع، له كلام جليل القدر في التفسير والإبانة عن معاني القرآن، وكان ممن يرى كتابة العلم، وروي عنه أنه أملى التفسير على أصحابه، وممن كتب عنه التفسير: أبو رجاء الحداني، والربيع بن أنس البكري، ومقاتل بن حيان، وعباد بن منصور الناجي.
- قال ابن وهب: أخبرني السري بن يحيى، عن الحسن أنه كان لا يرى بكتاب العلم بأسا، وقد كان أملى التفسير فكُتِب. ذكره ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله.
8: عزرة بن عبد الرحمن بن زرارة الخزاعي (ت: 105هـ)
تابعي كوفي، روى عن أبي الشعثاء جابر بن زيد، وعامر الشعبي، وله مرويات في كتب التفسير المسندة أكثرها عن سعيد بن جبير والحسن بن عبد الله العرني، يروي عنه قتادة، وكان صاحب كتاب.
- قال عبد الرحمن بن مهدي، عن عبد الواحد بن زياد، عن وقاء بن إياس، قال: «رأيت عزرة يختلف إلى سعيد بن جبير معه التفسير في كتاب ومعه الدواة يغيّر». رواه ابن سعد في الطبقات، وأحمد في العلل، والبخاري في التاريخ الصغير، ويعقوب بن سفيان في المعرفة، وابن أبي خيثمة في تاريخه.
9: عطية بن سعد بن جنادة الجدلي العوفي (ت:111هـ)
تابعي من بني عوف بن سعد، وهم من بكر بن وائل، هكذا نسبه ابن حزم والخطيب البغدادي والسمعاني، وفي نسبه أقوال أخرى.
كان من أصحاب أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وحدّث عنه بأحاديث صالحة، وحدّث وعن غيره، ثم دلّس بعدها عن بعض الضعفاء؛ فاختلط صحيح حديثه بضعيفه؛ فمن أهل العلم من ترك حديثه، ومنهم من رأى أن يكتب حديثه ليميّز صحيحه من ضعيفه، وهو في نفسه لم يكن متّهماً بالكذب، لكنه كان يدلّس عن الضعفاء، وربّما كنّاهم بما لا يُعرفون به.
- قال عبد الله بن الإمام أحمد: سمعت أبي ذكر عطية العوفي؛ فقال: (هو ضعيف الحديث)
قال أبي: (بلغني أن عطية كان يأتي الكلبي فيأخذ عنه التفسير، وكان يكنيه بأبي سعيد؛ فيقول: قال أبو سعيد، وكان هشيم يضعف حديث عطية).
- وقال سفيان الثوري: سمعت الكلبي قال: (كناني عطية أبا سعيد). رواه الإمام أحمد في العلل.
- وقال ابن حبان: (سمع من أبي سعيد الخدري أحاديث، فلما مات أبو سعيد، جعل يجالس الكلبي ويحضر قصصه، فإذا قال الكلبي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، فيحفظه، وكناه أبا سعيد، ويروي عنه، فإذا قيل له: من حدثك بهذا؟ فيقول: حدثني أبو سعيد، فيتوهمون أنه يريد أبا سعيد الخدري، وإنما أراد به الكلبي، فلا يحلّ الاحتجاج به ولا كتابة حديثه إلا على جهة التعجب).
- وقال أبو حاتم الرازي: (ضعيف يكتب حديثه).
- وقال ابن سعد: (كان ثقة إن شاء الله، وله أحاديث صالحة، ومن الناس من لا يحتجّ به).
- وقال ابن عدي: (قد روى عنه جماعة من الثقات، ولعطية عن أبي سعيد أحاديث عدة، وعن غير أبي سعيد، وهو مع ضعفه يكتب حديثه، وكان يعد مع شيعة أهل الكوفة).
- له مرويات وأقوال كثيرة في كتب التفسير، وأكثر ما يُروى عنه بالسلسلة المشهورة بالضعف في كتب التفسير، وهي التي يرويها عنه أبناؤه.
- قال ابن جرير الطبري: (حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي الحسين بن الحسن، عن أبيه، عن جده [عطية بن سعد العوفي] عن ابن عباس ... )
وروى بهذا الإسناد أكثر من ألف وثلاثمائة رواية.
- وقال ابن أبي حاتم: (أخبرنا محمد بن سعد بن محمد بن الحسن بن عطية العوفي فيما كتب إلي حدثني أبي ثنا عمي عن أبيه عن جده عن عبد الله بن عباس ... )
وروى ابن أبي حاتم فيما طبع من تفسيره نحو ثلاثمائة رواية بهذا الإسناد الضعيف.
وتفسير العوفي كتاب، لكن لم أقف على خبر ثبت بأنّ أوّل من دوّنه هو عطية العوفي، وهو لا يعتمد في نسبة الأقوال إلى ابن عباس، لكن فيه أقوال صالحة للاعتبار.
10: أبو صالح باذام أو باذان مولى أمّ هانئ بنت أبي طالب (ت: 115هـ)
- قال ابن أبي خيثمة: (اختلف فيه وكيع وأبو نعيم، فقال أحدهما: باذان، وقال الآخر: باذام).
- وقال مصعب بن عبد الله الزبيري: باذام.
وكان أبو صالح معلّم كتّاب بمكّة، ثم انتقل إلى الكوفة، وكان قد سمع من ابن عباس رضي الله عنهما، وروى عنه، وله كتاب في التفسير، فيه ما هو من أقواله، وفيه ما هو من مروياته عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وقد اختُلف فيه فروى عنه شعبة وغيره، وقال يحي بن سعيد القطان: (لم أرَ أحداً من أصحابنا ترك أبا صالح مولى أم هانئ، وما سمعت أحدا من الناس يقول فيه شيئا، ولم يتركه شعبة، ولا زائدة، ولا عبد الله بن عثمان).
وتركه عبد الرحمن بن مهدي، وقال النسائي: ليس بثقة.
- وقال عَمْرو بْن قيس الملائي: (كان مجاهد ينهى عن تفسير أبي صالح). رواه البخاري في التاريخ الكبير.
- وقال زكريا بن أبي زائدة: (كان الشعبي يمر بأبي صالح فيأخذ أذنه بيده ويقول: ويلك! تفسر القرآن ولا تحفظه؟!). رواه ابن أبي خيثمة وابن جرير.
- وقال الأعمش: (كنا نأتي مجاهدا فنمر بأبي صالح ولا نأخذ عنه). رواه ابن أبي خيثمة.
- وقال ابن عدي: (عامة ما يرويه تفسير، وما أقل ما له فِي المسند، روى ابن أَبي خالد عنه تفسيرا كبيرا قدر جزء، فِي ذلك التفسير ما لم يتابعه أهل التفسير عليه، ولم أعلم أحداً من المتقدمين رضيه).
وقد روى تفسيره السدي وإسماعيل بن أبي خالد وسماك بن حرب، وقد أخرج منه أصحاب التفاسير المسندة جملة من المرويات.
وقد ادّعى الكلبي الرواية عنه، وكان يضع عليه.
وقال أبو جناب الكلبي: (حلف أبو صالح أني لم أقرأ على الكلبي من التفسير شيئا).
11: الحكم بن عتيبة الكندي (ت: 115هـ)
تابعي كوفي، من الأئمة الأعلام، روى عن أبي جحيفة السَّوائي رضي الله عنه، وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى وشريح القاضي وغيرهم.
وكان من كبار أصحاب إبراهيم النخعي، وهو أحد رواة تفسير مجاهد، وروى مسائل في التفسير عن سعيد بن جبير، وله أقوال تروى عنه في كتب التفسير المسندة.
- قال أبو مسلم عبد الرحمن بن يونس: حدثنا سفيان الثوري قال: (مكتوب في تفسير مجاهد وسمعته من المكيين وهو الذي أملاه مجاهد إملاء، وأخذه الحكم بن عتيبة من هاهنا فقدم به الكوفة فقال: هذا تفسير مجاهد {كونوا قردة خاسئين} قال: إنما مسخت قلوبهم). رواه ابن أبي خيثمة.
12: محمد بن أبي محمّد الحِرَشي مولى زيد بن ثابت (ت: 120 هـ تقريباً )
مجهول الحال، وله صحيفة في التفسير جمعها من تفسير سعيد بن جبير وعكرمة ولم يميّز بينهما في أكثر المواضع، وهي نسخة كبيرة، رواها عنه ابن إسحاق، وأخرج منها ابن جرير وابن أبي حاتم نحو مائة وثلاثين رواية، لكنّهم لمّا فرقوها على الآيات لم يجدوا بداً من تكرار الإسناد؛ فكانوا يروون تلك المسائل على الشكّ بين سعيد بن جبير وعكرمة.
13: القاسم بن أبي بزة نافع المكي (ت:124هـ)
مولى عبد الله بن السائب بن صيفي المخزومي، روى عن أبي الطفيل رضي الله عنه، وعن سعيد بن جبير ومجاهد، وهو جدّ البزّي القارئ.
أملى عليه مجاهد كتاباً في التفسير، فرواه عنه.
- قال يحيى بن معين عن سفيان بن عيينة قال: (تفسير مجاهد لم يسمعه منه إنسان إلا القاسم بن أبى بزة).
- وقال علي بن المديني: قال سفيان: (لم يسمعه أحد من مجاهد إلا القاسم بن أبي بزة أملاه عليه، وأخذ كتابَه الحكم وليث وابن أبي نجيح). رواه الفسوي في المعرفة والتاريخ.
- وقال يحيى القطان: (لم يسمع ابن أبي نجيح من مجاهد التفسير كله، يدور على القاسم بن أبي بزة). ذكره البخاري في التاريخ الكبير.
- وقال أبو حاتم الرازي: (ابن أبي نجيح وابن جريج نظرا في كتاب القاسم بن أبي بزة عن مجاهد في التفسير فرويا عن مجاهد من غير سماع).
14: إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة السدّي (ت:127هـ)
تابعي كوفيّ، رأى سعد بن أبي وقاص والحسن بن علي وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وأبا سعيد الخدري، وأبا هريرة وأنس بن مالك، وغيرهم.
وكان يقصّ بسدّة باب الجامع في الكوفة فلقّب بالسدّي، وقد اختلف فيه الأئمة النقاد فضعفه يحيى بن معين، ووثقه الإمام أحمد، وأخرج له مسلم في صحيحه.
وكانت أكثر عنايته بالتفسير، وله تفسير كبير جمعه من طرق أدخل بعضها في بعض، ثم ساقها مساقاً واحداً:
- من طريق أبي مالك الغفاري عن ابن عباس.
- ومن طريق أبي صالح مولى أمّ هانئ عن ابن عباس.
- ومن طريق مرة بن شراحيل الهمداني عن ابن مسعود.
- ومما رواه هو عن ناس من الصحابة لم يسمّهم، ولا ندرى هل روايته عنهم متصلة أو مرسلة.
وهذا التفسير رواه عنه أسباط بن نصر الهمداني، وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم في تفاسيرهما مرويات كثيرة من تفسير السدي مفرقة على السور؛ فاضطرهم التفريق إلى تكرار الأسانيد في كلّ موضع.
وكان للسدي كتاب آخر في التفسير يرويه عن أبي صالح مولى أمّ هانئ؛ ففي التفاسير المسندة مرويات كثيرة من طريق السدي عن أبي صالح خاصة، وقد كان لأبي صالح صحيفة في التفسير، فلعله رواها عنه أو استملى منه بعض ما فيها.
15: عمرو بن مالك النكري (ت:129 هـ)
بصريّ من بني نُكْرَة بنِ لُكَيز، وهم بطن من بني عبد القيس، له جزء صغير في التفسير يرويه عن أبي الجوزاء عن ابن عباس، وقد اختلف فيه فوثّقه ابن حبان، وضعّفه ابن عدي.
ويروي عنه ابنه يحيى وهو ضعيف، وما رواه عنه غير ابنه من الثقات فقد صححه بعض أهل العلم.
16: عبد الله بن أبي نجيح المكي (ت: 131هـ)
مولى آل الأخنس بن شريق الثقفي، وكان مفتي أهل مكة بعد عمرو بن دينار، وهو ثقة في الحديث، إلا أنه جالس عمرو بن عبيد المعتزلي بأخرة، وعنه أخذ القول بالقدر، وكان يظنه قول الحسن البصري، فكان يدعو إليه.
- قال سفيان بن عيينة: (لما مات عمرو بن دينار كان يفتي بعده ابن أبي نجيح). رواه ابن أبي خيثمة وأبو زرعة الدمشقي.
وابن أبي نجيح من كبار أصحاب مجاهد، وسماعه منه صحيح، وقد احتج البخاري ومسلم بروايته عن مجاهد، وله كتاب في التفسير يرويه عن مجاهد.
- قال يحيى القطان: (لم يسمع ابن ابى بجيح من مجاهد التفسير كله يدور على القاسم بن أبي بزة). ذكره البخاري في التاريخ الكبير، ورواه ابن أبي خيثمة في تاريخه.
- وقال ابن حبان: (ابن أبي نجيح وابن جريج نظرا في كتاب القاسم بن أبي بزة عن مجاهد في التفسير فرويا عن مجاهد من غير سماع).
- وقال أيضاً: (لم يسمع التفسير من مجاهد أحد غير القاسم بن أبي بزة وأخذ الحكم وليث بن أبي سليم وابن أبي نجيح وابن جريج وابن عيينة من كتابه ولم يسمعوا من مجاهد).
وكون كتاب ابن أبي نجيح عن مجاهد في التفسير مأخوذ من كتاب القاسم بن أبي بزة عن مجاهد، لا مطعن فيه؛ فكلاهما عالم موثق من أصحاب مجاهد.
- وقال إبراهيم بن الجنيد: قلت ليحيى بن معين: إن يحيى بن سعيد القطان يزعم أن ابن أبي نجيح لم يسمع التفسير من مجاهد، وإنما أخذه من القاسم بن أبي بزة، فقال يحيى بن معين: «كذا قال ابن عيينة، ولا أدري أحقٌّ ذلك أم باطل، زعم سفيان بن عيينة أن مجاهداً كتبه للقاسم بن أبي بزة ولم يسمعه من مجاهد أحد غير القاسم».
- قال وكيع بن الجراح: (كان سفيانُ يصحح تفسير ابن أَبي نجيح). رواه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل.
- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (الشافعي في كتبه أكثر الذي ينقله عن ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، وكذلك البخاري في صحيحه يعتمد على هذا التفسير.
وقول القائل لا تصح رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد جوابه: أن تفسير ابن أبي نجيح عن مجاهد من أصحّ التفاسير، بل ليس بأيدي أهل التفسير كتاب في التفسير أصحّ من تفسير ابن أبي نجيح عن مجاهد إلا أن يكون نظيره في الصحة)ا.هـ.
- قال العراقي في تحفة التحصيل: (ذكره ابن المديني فيمن لم يلق أحداً من الصحابة رضي الله عنهم).
قلت: أما كونه لم تُحفظ له رواية عن أحد من الصحابة فهذا ممكن، وأما نفي اللقاء فغريب جداً، فإنه من أهل مكة، بل من أعيانهم ومشاهير أهل العلم والفتيا فيهم، وكانت مكة لا تكاد تخلو من أحدٍ من الصحابة في الحجّ في زمانهم، والنفوس تتوق إلى رؤية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد بقي ابن أبي نجيح حتى ابيضّ رأسه ولحيته، وكان يفتي في المناسك في حياة عطاء بن أبي رباح بأمر الوالي؛ وكانت تطرح له وسادة في المسجد الحرام فيفتي الناس، ولعل مولده في زمان ابن الزبير إن لم يكن قبله، فلا يبعد أن يكون لقي عدداً من الصحابة رضي الله عنهم، وهذا تلميذه شبل بن عباد المكي الذي توفي قريباً من سنة 160هـ رأى أبا الطفيل رضي الله عنه وشهد جنازته.
- قال محمد بن حميد الرازي: حدثنا جرير [بن حازم] قال: (رأيت ابن أبي نجيح أبيض الرأس واللحية). رواه الخطيب البغدادي.
- وقال عبد الله بن إبراهيم بن عُمر بن كيسان: أخبرني أبي، قال: (أذكرهم في زمان بني أمية يأمرون في الحاج صائحًا يصيح: لا يفت الناس إلا عطاء بن أبي رباح، وإن لم يكن عطاء فعبد الله بن أبي نجيح). رواه البخاري في التاريخ الكبير وأبو يوسف الفسوي في المعرفة والتاريخ.
17: أبو رجاء محمد بن سيف الحداني الأزدي (ت: 135هـ)
أدرك أنس بن مالك، وروى عن الحسن البصري وعكرمة وابن سيرين وغيرهم، وقد وثقه يحي بن معين وابن سعد والنسائي.
وله تفسير يرويه عنه ابن علية ويزيد بن زريع وأبو إسحاق الفزاري وغيرهم، أكثره عن الحسن البصري، وفيه مسائل عن عكرمة، وفيه أقوال لأبي رجاء، وأحرف في القراءة، كان يقرأ [شعفها حبا] بالعين.
وقد أخرج أصحاب التفاسير المسندة مرويات من تفسير أبي رجاء.
- قال ابن أبي خيثمة: (أبو رجاء: هو محمد بن سيف صاحب التفسير).
- وقال أبو زرعة الرازي: (سألت محمد بن المنهال أن يقرأ عليَّ تفسير أبى رجاء ليزيد بن زريع؛ فأملى على من حفظه نصفه ثم أتيته يوما آخر بعد كم فأملى عليَّ من حيث انتهى؛ فقال: خذ.
فتعجبت من ذلك، وكان يحفظ حديث يزيد بن زريع).
18: عطاء بن أبي مسلم الخراساني (ت: 135 هـ)
وهو صدوق عابد مجاهد، صاحب مواعظ حسنة، لكن تكلّم فيه من جهة سوء حفظه، وضعف ضبطه، وله أقوال حسنة في التفسير، وقد كتب عنه يونس بن يزيد الأيلي جزءاً صغيراً في التفسير، وكتب عنه ابن جريج جزءاً في التفسير، وكذلك ابنه عثمان بن عطاء وهو ضعيف.
19: زيد بن أسلم العدوي (ت:136هـ)
الإمام الفقيه المفسر، كان مهيباً محبوباً جليل القدر، وكان ممن يجتهد رأيه في التفسير، وهو ثقة ثبت مُجمع على توثيقه وإمامته، وقد تكلّم فيه بعض العلماء بسبب تفسيره بالرأي، والاجتهاد السائغ لا يلام صاحبه.
وقد كان يروي عن بعض من يقرأ كتب أهل الكتاب أخباراً إسرائيلية كوهب بن منبّه وغيره، وأحيانا يذكر الخبر الإسرائيلي من غير إسناد.
- وقال يعقوب بن شيبة: (زيد بن أسلم ثقة من أهل الفقه والعلم، وكان عالما بتفسير القرآن، له كتاب فيه تفسير القرآن). رواه ابن عساكر.
- قال حماد بن زيد: قلت لعبد الله بن عمر [العمري]: زيد بن أسلم؟ فأثنى عليه خيرا وقال: (غير أنه يفسر القرآن برأيه). رواه ابن عساكر.
له مرويات كثيرة جداً في كتب التفسير المسندة، والرواة عنه نحو ستين راوياً ذكرت مراتبهم في سيرته المفصّلة.
وله كتاب في الناسخ والمنسوخ رواه عنه القاسم بن عبد الله العمري، وقد أخرجه ابن وهب في جامعه.
20: الربيع بن أنس بن زياد البكري (ت: 137هـ)
تابعي من أهل البصرة، رأى أنس بن مالك ولقي عبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم، ولازم الحسن البصري عشر سنوات، وأخذ التفسير عن أبي العالية الرياحي، وله عنه نسخة في التفسير رواها عنه أبو جعفر الرازي.
انتقل إلى مرو هرباً من الحجاج، فبقي فيها مدة حتى ظهرت دعوة بني العباس، فناله من أذى أبي مسلم الخراساني ما ناله، وحبسه تسع سنوات، ومات في خلافة أبي جعفر المنصور.
21: أبان بن تغلب الربعي (ت:141 هـ)
وهو كوفي صدوق ثقة من كبار القراء في زمانه، قرأ على الأعمش وغيره، وقد وثّقه أحمد ويحيى بن معين وأبو حاتم الرازي، وروى له مسلم في صحيحه، وفيه تشيّع، بل ذكر الحاكمُ أنه كان قاصّ الشيعة، لكن تشيّعه لم يخرج به إلى الرفض فيما نعلم، وهو في جانب الرواية والقراءة صدوق غير متّهم.
- قال ابن عديّ: (له أحاديث ونسخ، وعامتها مستقيمة إذا روى عنه ثقة، وهو من أهل الصدق في الروايات، وإن كان مذهبه مذهب الشيعة، وهو معروف في الكوفيين، وقد روى نحوا من مئة حديث، وهو في الرواية صالح لا بأس به).
ولم أقف على تفصيل النسخ التي رواها، لكن ذكر ابن النديم أنّ له كتاباً في معاني القرآن؛ فإن كان يريد كتاب التفسير الذي نحلته إياه الشيعة ووضعوا عليه فيه روايات معلومة البطلان على طريقة الرافضة الإمامية؛ فهو كتاب موضوع.
ولذلك فإنَّ ما يُنسب إليه في كتب الرافضة لا يصحّ عنه.
(من نشأة التدوين إلى القرن الرابع الهجري)
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى أما بعد:
فإنّ من المعارف المهمّة لطالب العلم أن يعرف كيف نشأ تدوين التفسير، وكيف توالت الكتب المؤلفة فيه حتى وصلت إلى المجلدات الكثيرة في العصر الحاضر.
وهذه المعرفة تكسبه البصيرة بما بنيت عليه كثير من التفاسير، وطرق المفسّرين في تدوينها وتصنيفها؛ وأغراضهم من تأليفها.
وذلك أنّ الغالب على علماء أهل كلّ قرن أن يقصدوا إلى تأليف ما يكون فيه تيسير على طلاب العلم بما يناسب المصادر التي وقفوا عليها، ولا سيما المشتهرة في زمانهم.
ولذلك فإنّ أغراض التأليف تتنامى بتنامي احتياج طلاب العلم إلى الجمع والتصنيف، والشرح والتحرير، والتقريب والتيسير.
وقد كانت بداية تدوين التفسير محضاً - فيما أعلم - ما أُثر عن بعض أصحاب ابن عبّاس رضي الله عنهما من كتابتهم التفسير عنه.
وممن ذكر أنه كان يكتب التفسير من أصحاب ابن عباس: مجاهد، وسعيد بن جبير، وأربدة التميمي، وأبو مالك الغفاري، وأبو صالح مولى أمّ هانئ وغيرهم.
وهؤلاء منهم من رويت عنهم صحفهم كأربدة وأبي مالك وأبي صالح، فقد تداولها الرواة حتى أخرج منها أصحاب التفاسير المسندة كابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر وغيرهم بعض مروياتها.
ومنهم من لم نقف على أنهم رووا عن ابن عباس عين ما كتبوه كما هو حال مجاهد وسعيد بن جبير؛ والأظهر أنهم إنما كتبوا لأنفسهم ثم أضافوا إلى ما كتبوه عن ابن عباس ما استفادوه من غيره.
ثمّ كتبوا تفاسير أو أملوها بعدما تصدّروا في التفسير.
وهذا عرض موجز حرصت فيه على ذكر كلّ من وقفت على أنّ له كتاباً في التفسير يُروى عنه، وربما فاتني ذكر بعضهم، لكن أرجو أني أتيت على المهمّ المشتهر من كتبهم وبعض ما لم يشتهر، للوصول إلى ما يستفيد به طلاب العلم تصوّراً كافياً عن تاريخ التأليف في التفسير، وتدرّج التفاسير المؤلفة فيه، وتنامي أغراض التأليف في التفسير من نشأة تدوين التفسير إلى أوائل القرن الرابع الهجري.
وسأرتّب أسماء المفسّرين على تواريخ الوفيات لأنه أقرب إلى ضبط التسلسل الزمني، وإن كان بعض من أخَّرت أسماءهم أسنّ من بعض من قدّمتهم.
1: أبو الجوزاء أوس بن عبد الله الربعي البصري (ت:82هـ)
من قرّاء التابعين بالبصرة وفقائهم، كان عابداً قويّاً أيّداً، يواصل الصيام بالأيام، قُتل يوم الزاوية في فتنة ابن الأشعث.
- قال عمرو بن مالك النكري: سمعت أبا الجوزاء يقول: (جاورت ابن عباس ثنتي عشرة سنة، وما من القرآن آية، إلا وقد سألته عنها). رواه الإمام أحمد في العلل.
روى عنه عمرو بن مالك النُّكري صحيفة في التفسير أكثرها عن ابن عباس، وفيها بعض أقوال أبي الجوزاء، وقد أخرج منها أصحاب التفاسير المسندة؛ فلا أدري أهي من كتابة أبي الجوزاء أو إملائه أو أنّ عمرو بن مالك كتبها مما حفظه منه.
2: سعيد بن جبير بن هشام الأسدي (ت: 95هـ)
من جهابذة العلماء وكبار العبّاد، أخذ جلّ علمه عن ابن عباس وابن عمر وأخذ عن غيرهما من الصحابة وكبار التابعين، وكان حافظاً فَهِماً، وكان يسائل ابن عباس، ويحسن فهم مسائل العلم؛ فاعتنى به ابن عباس، وحدّثه فأكثر؛ حتى قال له: (لقد حفظت عني علماً كثيراً)
وكان سعيد يكتب في صحف له، وأجازه بالإفتاء والتحديث.
- قال جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبيرٍ قال: (كنت أجلس عند ابن عباسٍ فأكتب في الصحيفة حتى تمتلئ..). رواه الدارمي.
- وقال عثمان بن حكيمٍ: سمعت سعيد بن جبيرٍ يقول: (كنت أسير مع ابن عباسٍ في طريق مكة ليلاً، فكان يحدثني بالحديث فأكتبه في واسطة الرحل حتى أصبح فأكتبه). رواه الدارمي.
وهذا يدلّ على أنّ له أصلاً يكتب فيه ما يستفيده بالكتابة العجلى، وكان الشائع في كتب القرن الأول أنها على هيئة درج مستطيل؛ فربما بلغت الصحيفة الواحدة أذرعاً كثيرة فتطوى طوياً حتى يسهل حملها وتداولها.
وقد روي أنّ الخليفة عبد الملك بن مروان سأله أن يكتب له التفسير؛ فكتبه، وتفسيره هذا رواه عنه عطاء بن دينار (ت:126 هـ) وجادة.
- قال أبو حاتم لمّا سُئل عن عطاء بن دينار: (هو صالح الحديث إلا أن التفسير أخذه من الديوان؛ فإنَّ عبد الملك بن مروان كتب يسأل سعيد بن جبير أن يكتب إليه بتفسير القرآن؛ فكتب سعيد بن جبير بهذا التفسير إليه؛ فوجده عطاء بن دينار في الديوان فأخذه؛ فأرسله عن سعيد بن جبير). رواه ابن أبي حاتم.
- وقال الحافظ أحمد بن صالح المصري: (عطاء بن دينار هو من ثقات أهل مصر، وتفسيره فيما يروي عن سعيد بن جبير صحيفة، وليست له دلالة على أنه سمع من سعيد بن جبير). رواه ابن أبي حاتم.
والمقصود أنّ سعيد بن جبير كان من أوّل من دوّن التفسير فيما أعلم، والذي يظهر من سيرته العلمية ومما رواه عنه عطاء بن دينار أن التفسير الذي كتبه كان أكثره من قوله لا مما يرويه عن ابن عباس.
3: أبو مالك غزوان الغفاري (ت: 95 هـ تقريباً)
من ثقات التابعين أخذ التفسير عن ابن عباس، وعرف بأنّه صاحب التفسير.
وهو ثقة عالم بالتفسير إلا أنّه دون طبقة مجاهد وسعيد بن جبير في الشهرة وكثرة الرواية عن ابن عباس، وقد روى عنه حصين بن عبد الرحمن وإسماعيل بن أبي خالد بعض أقواله في التفسير ومروياته عن ابن عباس، وروى عنه السدي لكنّه خلط ما رواه عنه بمرويات غيره من غير تمييز.
وقد أخرج أصحاب التفاسير المسندة جملة من أقوال أبي مالك ومروياته عن ابن عباس من هذه الطرق.
4: أربدة التميمي (ت:102 هـ تقريباً)
وهو تابعي من أهل الكوفة، وثّقه العجلي وابن حبان، ولم أرَ فيه جرحاً، وكان يجالس ابن عباس والبراء بن عازب رضي الله عنهم، وروى التفسير عن ابن عباس.
روى عنه أبو إسحاق السبيعي أنه قال: (ما سمعت بأرض فيها علم إلا أتيتها).
وكانت له صحيفة في التفسير رواها عنه أبو إسحاق السبيعي والمنهال بن عمرو وقد أخرج منها سفيان الثوري وعبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم في تفاسيرهم روايات مفرّقة على السور.
5: مجاهد بن جبر المكي (ت:102هـ)
هو مولى قيس بن السائب المخزومي، ولد في خلافة عمر، ولزم ابن عباس مدة طويلة، وعرض عليه القرآن ثلاث مرات.
- قال ابن أبي مليكة: (رأيت مجاهدًا يسأل ابن عباسٍ عن تفسير القرآن ومعه ألواحه فيقول له ابن عباسٍ: اكتب، قال: حتى سأله عن التفسير كله).رواه ابن جرير.
لكن ما كتبه مجاهد عن ابن عباس لم نقف على أنه رواه بعينه لتلاميذه؛ والذي يظهر أنه إنما كتبه لنفسه ثمّ لمّا تصدّر أملى تفسيره بما اجتمع له من العلم من مصادر متعددة ومما فهمه من تفقّهه في القرآن.
وأكثر علم مجاهد في التفسير من قِبَل ابن عباس رضي الله عنهما، لكنه أخذ من غيره؛ فأخذ عن عبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن عمر، وعبيد بن عمير الليثي، وأخذ عن بعض من قرأ كتب أهل الكتاب ومنهم: تبيع بن عامر الحميري وكان رفيقه في الغزو وبينهما مودة، وأخذ عن مغيث بن سمي الأوزاعي، ويوسف بن الزبير المكي مولى آل الزبير وكان يهوديا فأسلم، وكان ممن قرأ كتب أهل الكتاب.
ولذلك دخل على مجاهد بعض الإسرائيليات وإن كان غير مكثر منها.
وقد قال أبو بكر بن عياش: قلت للأعمش: ما لهم يتّقون تفسير مجاهد؟! قال: (كانوا يرون أنه يسأل أهل الكتاب). رواه ابن سعد.
وكان أصحاب مجاهد يكتبون التفسير في مجالسه، وكتاباتهم متعددة، فيقع في كتاباتهم من الاختلاف في الفهم والضبط وزيادة بعضهم على بعض ما يقتضيه الحال.
- قال فضيل بن مرزوق عن عبيدٍ المكتّب، قال: «رأيتهم يكتبون التفسير عند مجاهدٍ» رواه الدارمي.
وقد رُوي أنّ مجاهداً أملى كتاباً في التفسير على تلميذه القاسم بن أبي بزة، ثم إنه أطلع عليها جماعة من أصحابه فاشتهرت رواياتهم لها عن مجاهد.
- قال سفيان بن عيينة: (لم يسمعه أحد من مجاهد إلا القاسم بن أبي بزة أملاه عليه، وأخذ كتابَه الحكم وليث وابن أبي نجيح). رواه الفسوي في المعرفة والتاريخ.
وهذا الكتاب في حقيقته من تفسير مجاهد مما ألقاه إليهم بعد ما تصدّر في التفسير، وهو غير حاصر لما روي عن مجاهد في التفسير؛ فقد روى عنه جماعة من أصحابه مسائل سألوها إياه في التفسير، ورووا بعض ما كتبوه عنه، فقول سفيان إنه لم يسمع التفسير أحد من مجاهد إلا القاسم منصرف إلى تلك النسخة المشتهرة التي سمعها القاسم منه تامة، ولا يقتضي نفي غيرها من الكتابات غير التامة وروايات المسائل عن مجاهد.
6: الضحاك بن مزاحم الهلالي البلخي (ت: 105هـ)
من بني هلال بن عامر بن صعصعة، كان أهله ممن نفروا للغزو في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وولِدَ ببَلْخ وهي من مدن خراسان في أواخر خلافة عمر أو أوائل خلافة عثمان؛ فهو قريب السنّ من الحسن البصري وطبقته.
وكان معلّم كتّاب فيه نحو ثلاثة آلاف صبي يعلّمهم حسبة من غير أجر، ولا تُعرف له رواية عن أحد من الصحابة، ولذلك عدّه ابن حبان من تابعي التابعين مع تقدّم سنّه، وعدّه الذهبي في الطبقة الثانية من التابعين، ولا يستبعد أن يكون رأى أحداً من الصحابة رضي الله عنهم، وشاركهم في الغزو، فقد جاهد في خراسان عدد كبير من الصحابة رضي الله عنهم، وقد ذكر الحسن البصري أنه شهد غزوة في خراسان فيها ثلاثمائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان الضحاك جَلْداً غزَّاء حتى بلغ الثمانين من عمره وهو يغزو.
وروايته عن ابن عباس منقطعة، لقي سعيد بن جبير بالري فأخذ عنه، وأخذ عن عبد الملك بن ميسرة عن ابن عباس، وغيرهما، وهو يرسل كثيراً عن ابن عباس وعن غيره من الصحابة، ولذلك فروايته عن الصحابة منقطعة، وإنما عُرف بالتفسير، وهو ثقة مأمون.
وقد رَوى عنه في التفسير جماعة من أصحابه، ودُوّنت عنه نسخ منها نسخة عبيد بن سليمان الباهلي، ونسخة جويبر بن سعيد الأزدي، ونسخة نصر بن مشارس الخراساني.
قال ابن عديّ: (روى التفسير عنه عبيد بن سلمان وجويبر بن سعيد وأبو مصلح نصر بن مشارس، ومن غير كتابٍ مؤلَّف: سلمة بن نبيط، وعلي بن الحكم البنانيّ).
7: الحسن بن أبي الحسن البصري(ت:110هـ)
من سادات التابعين، عالم عابد، وفقيه واعظ، ومفسّر بارع، له كلام جليل القدر في التفسير والإبانة عن معاني القرآن، وكان ممن يرى كتابة العلم، وروي عنه أنه أملى التفسير على أصحابه، وممن كتب عنه التفسير: أبو رجاء الحداني، والربيع بن أنس البكري، ومقاتل بن حيان، وعباد بن منصور الناجي.
- قال ابن وهب: أخبرني السري بن يحيى، عن الحسن أنه كان لا يرى بكتاب العلم بأسا، وقد كان أملى التفسير فكُتِب. ذكره ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله.
8: عزرة بن عبد الرحمن بن زرارة الخزاعي (ت: 105هـ)
تابعي كوفي، روى عن أبي الشعثاء جابر بن زيد، وعامر الشعبي، وله مرويات في كتب التفسير المسندة أكثرها عن سعيد بن جبير والحسن بن عبد الله العرني، يروي عنه قتادة، وكان صاحب كتاب.
- قال عبد الرحمن بن مهدي، عن عبد الواحد بن زياد، عن وقاء بن إياس، قال: «رأيت عزرة يختلف إلى سعيد بن جبير معه التفسير في كتاب ومعه الدواة يغيّر». رواه ابن سعد في الطبقات، وأحمد في العلل، والبخاري في التاريخ الصغير، ويعقوب بن سفيان في المعرفة، وابن أبي خيثمة في تاريخه.
9: عطية بن سعد بن جنادة الجدلي العوفي (ت:111هـ)
تابعي من بني عوف بن سعد، وهم من بكر بن وائل، هكذا نسبه ابن حزم والخطيب البغدادي والسمعاني، وفي نسبه أقوال أخرى.
كان من أصحاب أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وحدّث عنه بأحاديث صالحة، وحدّث وعن غيره، ثم دلّس بعدها عن بعض الضعفاء؛ فاختلط صحيح حديثه بضعيفه؛ فمن أهل العلم من ترك حديثه، ومنهم من رأى أن يكتب حديثه ليميّز صحيحه من ضعيفه، وهو في نفسه لم يكن متّهماً بالكذب، لكنه كان يدلّس عن الضعفاء، وربّما كنّاهم بما لا يُعرفون به.
- قال عبد الله بن الإمام أحمد: سمعت أبي ذكر عطية العوفي؛ فقال: (هو ضعيف الحديث)
قال أبي: (بلغني أن عطية كان يأتي الكلبي فيأخذ عنه التفسير، وكان يكنيه بأبي سعيد؛ فيقول: قال أبو سعيد، وكان هشيم يضعف حديث عطية).
- وقال سفيان الثوري: سمعت الكلبي قال: (كناني عطية أبا سعيد). رواه الإمام أحمد في العلل.
- وقال ابن حبان: (سمع من أبي سعيد الخدري أحاديث، فلما مات أبو سعيد، جعل يجالس الكلبي ويحضر قصصه، فإذا قال الكلبي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، فيحفظه، وكناه أبا سعيد، ويروي عنه، فإذا قيل له: من حدثك بهذا؟ فيقول: حدثني أبو سعيد، فيتوهمون أنه يريد أبا سعيد الخدري، وإنما أراد به الكلبي، فلا يحلّ الاحتجاج به ولا كتابة حديثه إلا على جهة التعجب).
- وقال أبو حاتم الرازي: (ضعيف يكتب حديثه).
- وقال ابن سعد: (كان ثقة إن شاء الله، وله أحاديث صالحة، ومن الناس من لا يحتجّ به).
- وقال ابن عدي: (قد روى عنه جماعة من الثقات، ولعطية عن أبي سعيد أحاديث عدة، وعن غير أبي سعيد، وهو مع ضعفه يكتب حديثه، وكان يعد مع شيعة أهل الكوفة).
- له مرويات وأقوال كثيرة في كتب التفسير، وأكثر ما يُروى عنه بالسلسلة المشهورة بالضعف في كتب التفسير، وهي التي يرويها عنه أبناؤه.
- قال ابن جرير الطبري: (حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي الحسين بن الحسن، عن أبيه، عن جده [عطية بن سعد العوفي] عن ابن عباس ... )
وروى بهذا الإسناد أكثر من ألف وثلاثمائة رواية.
- وقال ابن أبي حاتم: (أخبرنا محمد بن سعد بن محمد بن الحسن بن عطية العوفي فيما كتب إلي حدثني أبي ثنا عمي عن أبيه عن جده عن عبد الله بن عباس ... )
وروى ابن أبي حاتم فيما طبع من تفسيره نحو ثلاثمائة رواية بهذا الإسناد الضعيف.
وتفسير العوفي كتاب، لكن لم أقف على خبر ثبت بأنّ أوّل من دوّنه هو عطية العوفي، وهو لا يعتمد في نسبة الأقوال إلى ابن عباس، لكن فيه أقوال صالحة للاعتبار.
10: أبو صالح باذام أو باذان مولى أمّ هانئ بنت أبي طالب (ت: 115هـ)
- قال ابن أبي خيثمة: (اختلف فيه وكيع وأبو نعيم، فقال أحدهما: باذان، وقال الآخر: باذام).
- وقال مصعب بن عبد الله الزبيري: باذام.
وكان أبو صالح معلّم كتّاب بمكّة، ثم انتقل إلى الكوفة، وكان قد سمع من ابن عباس رضي الله عنهما، وروى عنه، وله كتاب في التفسير، فيه ما هو من أقواله، وفيه ما هو من مروياته عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وقد اختُلف فيه فروى عنه شعبة وغيره، وقال يحي بن سعيد القطان: (لم أرَ أحداً من أصحابنا ترك أبا صالح مولى أم هانئ، وما سمعت أحدا من الناس يقول فيه شيئا، ولم يتركه شعبة، ولا زائدة، ولا عبد الله بن عثمان).
وتركه عبد الرحمن بن مهدي، وقال النسائي: ليس بثقة.
- وقال عَمْرو بْن قيس الملائي: (كان مجاهد ينهى عن تفسير أبي صالح). رواه البخاري في التاريخ الكبير.
- وقال زكريا بن أبي زائدة: (كان الشعبي يمر بأبي صالح فيأخذ أذنه بيده ويقول: ويلك! تفسر القرآن ولا تحفظه؟!). رواه ابن أبي خيثمة وابن جرير.
- وقال الأعمش: (كنا نأتي مجاهدا فنمر بأبي صالح ولا نأخذ عنه). رواه ابن أبي خيثمة.
- وقال ابن عدي: (عامة ما يرويه تفسير، وما أقل ما له فِي المسند، روى ابن أَبي خالد عنه تفسيرا كبيرا قدر جزء، فِي ذلك التفسير ما لم يتابعه أهل التفسير عليه، ولم أعلم أحداً من المتقدمين رضيه).
وقد روى تفسيره السدي وإسماعيل بن أبي خالد وسماك بن حرب، وقد أخرج منه أصحاب التفاسير المسندة جملة من المرويات.
وقد ادّعى الكلبي الرواية عنه، وكان يضع عليه.
وقال أبو جناب الكلبي: (حلف أبو صالح أني لم أقرأ على الكلبي من التفسير شيئا).
11: الحكم بن عتيبة الكندي (ت: 115هـ)
تابعي كوفي، من الأئمة الأعلام، روى عن أبي جحيفة السَّوائي رضي الله عنه، وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى وشريح القاضي وغيرهم.
وكان من كبار أصحاب إبراهيم النخعي، وهو أحد رواة تفسير مجاهد، وروى مسائل في التفسير عن سعيد بن جبير، وله أقوال تروى عنه في كتب التفسير المسندة.
- قال أبو مسلم عبد الرحمن بن يونس: حدثنا سفيان الثوري قال: (مكتوب في تفسير مجاهد وسمعته من المكيين وهو الذي أملاه مجاهد إملاء، وأخذه الحكم بن عتيبة من هاهنا فقدم به الكوفة فقال: هذا تفسير مجاهد {كونوا قردة خاسئين} قال: إنما مسخت قلوبهم). رواه ابن أبي خيثمة.
12: محمد بن أبي محمّد الحِرَشي مولى زيد بن ثابت (ت: 120 هـ تقريباً )
مجهول الحال، وله صحيفة في التفسير جمعها من تفسير سعيد بن جبير وعكرمة ولم يميّز بينهما في أكثر المواضع، وهي نسخة كبيرة، رواها عنه ابن إسحاق، وأخرج منها ابن جرير وابن أبي حاتم نحو مائة وثلاثين رواية، لكنّهم لمّا فرقوها على الآيات لم يجدوا بداً من تكرار الإسناد؛ فكانوا يروون تلك المسائل على الشكّ بين سعيد بن جبير وعكرمة.
13: القاسم بن أبي بزة نافع المكي (ت:124هـ)
مولى عبد الله بن السائب بن صيفي المخزومي، روى عن أبي الطفيل رضي الله عنه، وعن سعيد بن جبير ومجاهد، وهو جدّ البزّي القارئ.
أملى عليه مجاهد كتاباً في التفسير، فرواه عنه.
- قال يحيى بن معين عن سفيان بن عيينة قال: (تفسير مجاهد لم يسمعه منه إنسان إلا القاسم بن أبى بزة).
- وقال علي بن المديني: قال سفيان: (لم يسمعه أحد من مجاهد إلا القاسم بن أبي بزة أملاه عليه، وأخذ كتابَه الحكم وليث وابن أبي نجيح). رواه الفسوي في المعرفة والتاريخ.
- وقال يحيى القطان: (لم يسمع ابن أبي نجيح من مجاهد التفسير كله، يدور على القاسم بن أبي بزة). ذكره البخاري في التاريخ الكبير.
- وقال أبو حاتم الرازي: (ابن أبي نجيح وابن جريج نظرا في كتاب القاسم بن أبي بزة عن مجاهد في التفسير فرويا عن مجاهد من غير سماع).
14: إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة السدّي (ت:127هـ)
تابعي كوفيّ، رأى سعد بن أبي وقاص والحسن بن علي وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وأبا سعيد الخدري، وأبا هريرة وأنس بن مالك، وغيرهم.
وكان يقصّ بسدّة باب الجامع في الكوفة فلقّب بالسدّي، وقد اختلف فيه الأئمة النقاد فضعفه يحيى بن معين، ووثقه الإمام أحمد، وأخرج له مسلم في صحيحه.
وكانت أكثر عنايته بالتفسير، وله تفسير كبير جمعه من طرق أدخل بعضها في بعض، ثم ساقها مساقاً واحداً:
- من طريق أبي مالك الغفاري عن ابن عباس.
- ومن طريق أبي صالح مولى أمّ هانئ عن ابن عباس.
- ومن طريق مرة بن شراحيل الهمداني عن ابن مسعود.
- ومما رواه هو عن ناس من الصحابة لم يسمّهم، ولا ندرى هل روايته عنهم متصلة أو مرسلة.
وهذا التفسير رواه عنه أسباط بن نصر الهمداني، وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم في تفاسيرهما مرويات كثيرة من تفسير السدي مفرقة على السور؛ فاضطرهم التفريق إلى تكرار الأسانيد في كلّ موضع.
وكان للسدي كتاب آخر في التفسير يرويه عن أبي صالح مولى أمّ هانئ؛ ففي التفاسير المسندة مرويات كثيرة من طريق السدي عن أبي صالح خاصة، وقد كان لأبي صالح صحيفة في التفسير، فلعله رواها عنه أو استملى منه بعض ما فيها.
15: عمرو بن مالك النكري (ت:129 هـ)
بصريّ من بني نُكْرَة بنِ لُكَيز، وهم بطن من بني عبد القيس، له جزء صغير في التفسير يرويه عن أبي الجوزاء عن ابن عباس، وقد اختلف فيه فوثّقه ابن حبان، وضعّفه ابن عدي.
ويروي عنه ابنه يحيى وهو ضعيف، وما رواه عنه غير ابنه من الثقات فقد صححه بعض أهل العلم.
16: عبد الله بن أبي نجيح المكي (ت: 131هـ)
مولى آل الأخنس بن شريق الثقفي، وكان مفتي أهل مكة بعد عمرو بن دينار، وهو ثقة في الحديث، إلا أنه جالس عمرو بن عبيد المعتزلي بأخرة، وعنه أخذ القول بالقدر، وكان يظنه قول الحسن البصري، فكان يدعو إليه.
- قال سفيان بن عيينة: (لما مات عمرو بن دينار كان يفتي بعده ابن أبي نجيح). رواه ابن أبي خيثمة وأبو زرعة الدمشقي.
وابن أبي نجيح من كبار أصحاب مجاهد، وسماعه منه صحيح، وقد احتج البخاري ومسلم بروايته عن مجاهد، وله كتاب في التفسير يرويه عن مجاهد.
- قال يحيى القطان: (لم يسمع ابن ابى بجيح من مجاهد التفسير كله يدور على القاسم بن أبي بزة). ذكره البخاري في التاريخ الكبير، ورواه ابن أبي خيثمة في تاريخه.
- وقال ابن حبان: (ابن أبي نجيح وابن جريج نظرا في كتاب القاسم بن أبي بزة عن مجاهد في التفسير فرويا عن مجاهد من غير سماع).
- وقال أيضاً: (لم يسمع التفسير من مجاهد أحد غير القاسم بن أبي بزة وأخذ الحكم وليث بن أبي سليم وابن أبي نجيح وابن جريج وابن عيينة من كتابه ولم يسمعوا من مجاهد).
وكون كتاب ابن أبي نجيح عن مجاهد في التفسير مأخوذ من كتاب القاسم بن أبي بزة عن مجاهد، لا مطعن فيه؛ فكلاهما عالم موثق من أصحاب مجاهد.
- وقال إبراهيم بن الجنيد: قلت ليحيى بن معين: إن يحيى بن سعيد القطان يزعم أن ابن أبي نجيح لم يسمع التفسير من مجاهد، وإنما أخذه من القاسم بن أبي بزة، فقال يحيى بن معين: «كذا قال ابن عيينة، ولا أدري أحقٌّ ذلك أم باطل، زعم سفيان بن عيينة أن مجاهداً كتبه للقاسم بن أبي بزة ولم يسمعه من مجاهد أحد غير القاسم».
- قال وكيع بن الجراح: (كان سفيانُ يصحح تفسير ابن أَبي نجيح). رواه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل.
- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (الشافعي في كتبه أكثر الذي ينقله عن ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، وكذلك البخاري في صحيحه يعتمد على هذا التفسير.
وقول القائل لا تصح رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد جوابه: أن تفسير ابن أبي نجيح عن مجاهد من أصحّ التفاسير، بل ليس بأيدي أهل التفسير كتاب في التفسير أصحّ من تفسير ابن أبي نجيح عن مجاهد إلا أن يكون نظيره في الصحة)ا.هـ.
- قال العراقي في تحفة التحصيل: (ذكره ابن المديني فيمن لم يلق أحداً من الصحابة رضي الله عنهم).
قلت: أما كونه لم تُحفظ له رواية عن أحد من الصحابة فهذا ممكن، وأما نفي اللقاء فغريب جداً، فإنه من أهل مكة، بل من أعيانهم ومشاهير أهل العلم والفتيا فيهم، وكانت مكة لا تكاد تخلو من أحدٍ من الصحابة في الحجّ في زمانهم، والنفوس تتوق إلى رؤية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد بقي ابن أبي نجيح حتى ابيضّ رأسه ولحيته، وكان يفتي في المناسك في حياة عطاء بن أبي رباح بأمر الوالي؛ وكانت تطرح له وسادة في المسجد الحرام فيفتي الناس، ولعل مولده في زمان ابن الزبير إن لم يكن قبله، فلا يبعد أن يكون لقي عدداً من الصحابة رضي الله عنهم، وهذا تلميذه شبل بن عباد المكي الذي توفي قريباً من سنة 160هـ رأى أبا الطفيل رضي الله عنه وشهد جنازته.
- قال محمد بن حميد الرازي: حدثنا جرير [بن حازم] قال: (رأيت ابن أبي نجيح أبيض الرأس واللحية). رواه الخطيب البغدادي.
- وقال عبد الله بن إبراهيم بن عُمر بن كيسان: أخبرني أبي، قال: (أذكرهم في زمان بني أمية يأمرون في الحاج صائحًا يصيح: لا يفت الناس إلا عطاء بن أبي رباح، وإن لم يكن عطاء فعبد الله بن أبي نجيح). رواه البخاري في التاريخ الكبير وأبو يوسف الفسوي في المعرفة والتاريخ.
17: أبو رجاء محمد بن سيف الحداني الأزدي (ت: 135هـ)
أدرك أنس بن مالك، وروى عن الحسن البصري وعكرمة وابن سيرين وغيرهم، وقد وثقه يحي بن معين وابن سعد والنسائي.
وله تفسير يرويه عنه ابن علية ويزيد بن زريع وأبو إسحاق الفزاري وغيرهم، أكثره عن الحسن البصري، وفيه مسائل عن عكرمة، وفيه أقوال لأبي رجاء، وأحرف في القراءة، كان يقرأ [شعفها حبا] بالعين.
وقد أخرج أصحاب التفاسير المسندة مرويات من تفسير أبي رجاء.
- قال ابن أبي خيثمة: (أبو رجاء: هو محمد بن سيف صاحب التفسير).
- وقال أبو زرعة الرازي: (سألت محمد بن المنهال أن يقرأ عليَّ تفسير أبى رجاء ليزيد بن زريع؛ فأملى على من حفظه نصفه ثم أتيته يوما آخر بعد كم فأملى عليَّ من حيث انتهى؛ فقال: خذ.
فتعجبت من ذلك، وكان يحفظ حديث يزيد بن زريع).
18: عطاء بن أبي مسلم الخراساني (ت: 135 هـ)
وهو صدوق عابد مجاهد، صاحب مواعظ حسنة، لكن تكلّم فيه من جهة سوء حفظه، وضعف ضبطه، وله أقوال حسنة في التفسير، وقد كتب عنه يونس بن يزيد الأيلي جزءاً صغيراً في التفسير، وكتب عنه ابن جريج جزءاً في التفسير، وكذلك ابنه عثمان بن عطاء وهو ضعيف.
19: زيد بن أسلم العدوي (ت:136هـ)
الإمام الفقيه المفسر، كان مهيباً محبوباً جليل القدر، وكان ممن يجتهد رأيه في التفسير، وهو ثقة ثبت مُجمع على توثيقه وإمامته، وقد تكلّم فيه بعض العلماء بسبب تفسيره بالرأي، والاجتهاد السائغ لا يلام صاحبه.
وقد كان يروي عن بعض من يقرأ كتب أهل الكتاب أخباراً إسرائيلية كوهب بن منبّه وغيره، وأحيانا يذكر الخبر الإسرائيلي من غير إسناد.
- وقال يعقوب بن شيبة: (زيد بن أسلم ثقة من أهل الفقه والعلم، وكان عالما بتفسير القرآن، له كتاب فيه تفسير القرآن). رواه ابن عساكر.
- قال حماد بن زيد: قلت لعبد الله بن عمر [العمري]: زيد بن أسلم؟ فأثنى عليه خيرا وقال: (غير أنه يفسر القرآن برأيه). رواه ابن عساكر.
له مرويات كثيرة جداً في كتب التفسير المسندة، والرواة عنه نحو ستين راوياً ذكرت مراتبهم في سيرته المفصّلة.
وله كتاب في الناسخ والمنسوخ رواه عنه القاسم بن عبد الله العمري، وقد أخرجه ابن وهب في جامعه.
20: الربيع بن أنس بن زياد البكري (ت: 137هـ)
تابعي من أهل البصرة، رأى أنس بن مالك ولقي عبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم، ولازم الحسن البصري عشر سنوات، وأخذ التفسير عن أبي العالية الرياحي، وله عنه نسخة في التفسير رواها عنه أبو جعفر الرازي.
انتقل إلى مرو هرباً من الحجاج، فبقي فيها مدة حتى ظهرت دعوة بني العباس، فناله من أذى أبي مسلم الخراساني ما ناله، وحبسه تسع سنوات، ومات في خلافة أبي جعفر المنصور.
21: أبان بن تغلب الربعي (ت:141 هـ)
وهو كوفي صدوق ثقة من كبار القراء في زمانه، قرأ على الأعمش وغيره، وقد وثّقه أحمد ويحيى بن معين وأبو حاتم الرازي، وروى له مسلم في صحيحه، وفيه تشيّع، بل ذكر الحاكمُ أنه كان قاصّ الشيعة، لكن تشيّعه لم يخرج به إلى الرفض فيما نعلم، وهو في جانب الرواية والقراءة صدوق غير متّهم.
- قال ابن عديّ: (له أحاديث ونسخ، وعامتها مستقيمة إذا روى عنه ثقة، وهو من أهل الصدق في الروايات، وإن كان مذهبه مذهب الشيعة، وهو معروف في الكوفيين، وقد روى نحوا من مئة حديث، وهو في الرواية صالح لا بأس به).
ولم أقف على تفصيل النسخ التي رواها، لكن ذكر ابن النديم أنّ له كتاباً في معاني القرآن؛ فإن كان يريد كتاب التفسير الذي نحلته إياه الشيعة ووضعوا عليه فيه روايات معلومة البطلان على طريقة الرافضة الإمامية؛ فهو كتاب موضوع.
ولذلك فإنَّ ما يُنسب إليه في كتب الرافضة لا يصحّ عنه.