عبد العزيز بن داخل المطيري
1 ربيع الأول 1437هـ/12-12-2015م, 07:29 AM
إتحاف أولى النجابة باختصار سير المفسّرين من الصحابة
رضي الله عنهم
اختصار لهذا الموضوع ( هنا ) (http://jamharah.net/showthread.php?p=159531#post159531)
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى أما بعد:
فإن لدراسة سير أعلام المفسّرين من الصحابة فوائد جليلة منها:
1: أنها تعرّف بفضل أولئك الأعلام الأجلاء من علماء الصحابة، فيعرف الطالب قدرهم، ومنزلتهم، وسابقتهم في الدين، وإمامتهم في التفسير؛ فإذا بلغه بعد ذلك تفسيرهم من طريق صحيح عرف قدره وأحسن تلقّيه.
2: أنها تبصّره بما لاقوه في سبيل تحصيل ما حصّلوه من العلم، وما امتازوا به من خصال كانت سببا في رفعتهم وحسن تحصيلهم.
3: أنها تبيّن لطالب العلم أن الصحابة قد تبوؤوا المنزلة العليا في فهم القرآن وتفسيره ؛ فلا يُدرك شأوهم، ولا سبيل للفهم القرآن غير سبيلهم، لما خصّهم الله به من صحبة نبيّه وشرف التلقّي منه.
4: أنّها تبيّن للطالب شيئاً من مناهج الصحابة في التفسير، وشيئا من معالم أصول التفسير لدى الصحابة رضي الله عنهم.
5: أنها تعرّفه بهديهم في تعلّم التفسير وتعليمه، وتجلّي له عنايتهم بالتفسير رواية ودراية ورعاية.
6: يدرك الطالب بها خطر الدعاوي التي يراد منها الإعراض عن تفسير الصحابة، وما يعبّر عنه بعض المحْدَثين بالمطالبة بإعادة قراءة التفسير، ويريدون بذلك إعادة النظر في تفسير القرآن لينطلق في تفسيره من منطلقات منطقية أو فلسفية مقطوعة الصلة عن الصحابة الذين نزل الوحي بلسانهم وما يعهدون من فنون الخطاب، وعاصروا التنزيل، وتلقّوا معاني القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم كما تلقّوا ألفاظه.
7: تعرّف الطالب ببعض الرواة عن الصحابة في التفسير، وطرق تلك الرواية، وأنواعها بإجمال واقتضاب، وأما التفصيل فبحثه في مبحث أسانيد التفسير.
1: أبو بكر الصديق واسمه عبد الله بن عثمان بن عامر التيمي القرشي رضي الله عنه.
أفضل الصحابة قدراً، وأعلاهم منزلة، وأطولهم صحبة للنبي صلى الله عليه وسلم، وأسبقهم إلى الخير والفضل، وقد نزل في شأنه آيات من القرآن، ونوّه الله بصحبته للنبي صلى الله عليه وسلم فيه وبمعيّة الله له معيّة خاصة؛ كما في قول الله تعالى: {إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا}.
روى ابن وهب عن عمرو ابن الحارث عن أبيه أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه حين خطب قال: أيكم يقرأ سورة التوبة؟!
قال رجل: أنا، قال: اقرأ، فلما بلغ {إذ يقول لصاحبه لا تحزن} بكى أبو بكر، وقال: أنا والله صاحبه). رواه ابن جرير وابن أبي حاتم.
- وكان أبو بكر رضي الله عنه من أعلم الناس بمعاني القرآن ولطائف خطابه، ومن دلائل تقدّم أبي بكر رضي الله عنه في فهم فحوى الخطاب وفنونه ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما من طرق عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: خطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «إن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده؛ فاختار ما عند الله»
فبكى أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
قال أبو سعيد: فقلت في نفسي ما يبكي هذا الشيخ؟ إن يكن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ما عند الله.
قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو العبد، وكان أبو بكر أعلمنا.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يا أبا بكر لا تبك، إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذا خليلا من أمتي لاتخذت أبا بكر، ولكن أخوة الإسلام ومودته، لا يبقين في المسجد باب إلا سد، إلا باب أبي بكر».
- قال ابن القيم رحمه الله: (كان أبو بكر الصديق أفهم الأمة لكلام الله ورسوله، ولهذا لما أشكل على عمر مع قوة فهمه قوله تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ}، وقول النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة: "إنكم تأتونه وتطوفون به" فأورده عليه عام الحديبية؛ فقال له الصديق: "أقال لك: إنك تأتيه العام؟" قال: لا، قال: "فإنك آتيه ومطوف به").
وهو أوّل من جمع القرآن في مصحف واحد بعد أن استحر القتل بالقراء في وقعة اليمامة.
- قال علي بن أبي طالب: (أعظم الناس في المصاحف أجرا أبو بكر؛ رحمة الله على أبي بكر هو أول من جمع كتاب الله). رواه ابن أبي داوود.
- وكان أبو بكر من أعلم الصحابة بالتفسير، وربما سأل أصحابه عن بعض معاني القرآن ثم يرشدهم ويعلّمهم، وقد تقدم بعض الآثار عنه في ذلك.
وفضائله كثيرة، ألّفت فيها مؤلفات.
وقد توفي رضي الله عنه يوم الإثنين في جمادى الأولى سنة 13هـ.
- وقد روى عنه جماعة من كبار الصحابة وشبابهم فروى عنه عمر وعثمان وعلي وعبد الرحمن بن عوف وحذيفة بن اليمان وعائشة وأبو هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وأبو سعيد الخدري وابن عباس وجماعة.
لكن الرواية المحفوظة عنه قليلة لقصر مدة خلافته وتقدّم سنة وفاته، واشتغال كثير من الصحابة بالجهاد وحروب المرتدين.
2: أبو حفص عمر بن الخطاب بن نُفيل العدوي القرشي (ت:23هـ).
تولّى الخلافة بعد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وقد سار تعليم القرآن في عهده على الطريقة التي كانت في عهد أبي بكر رضي الله عنه، مع حزم عمر في منع الجراءة على التفسير بغير علم، وقد نفع الله بحزمه.
وكان عمر من أعلم الصحابة وأفقههم، وأقربِهم إلى إدراك مقاصد القرآن، وفهم مراد الله تعالى، بما علّمه الله تعالى وألهمه، وبما رزقه من الخشية والاستقامة والسداد، والقوّة في دينه، وكان ملهماً محدّثاً ، وموفقا مسددا، ربما نزل الوحي بتأييده وتصديق قوله.
وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «بينا أنا نائم، إذ رأيت قدحا أتيت به فيه لبن، فشربت منه حتى إني لأرى الري يجري في أظفاري، ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب» قالوا: فما أولت ذلك؟ يا رسول الله قال: «العلم»
وفضائل عمر كثيرة، قد أفردت فيها مؤلفات، والمقصود التنبيه على حسن فهمه للقرآن، ومعرفته بمقاصده، وقوّته في التمسّك به، وصيانته، وهو الذي أشار على أبي بكر بجمع القرآن في مصحف واحد.
وكان حازماً في التأديب على القول في التفسير بغير علم، وعلى السؤال عنه سؤال تنطّع وتكلّف، وقصّته مع صبيغ بن عسل التميمي معروفة مشتهرة، مروية من طرق متعددة.
وكان الصحابة والتابعون رضي الله عنهم يعرفون لعمر علمه وحزمه وعدله، فكانوا يتعلمون منه، ويحبّونه ، ويهابونه.
قال عبد الملك بن عمير: حدثني قبيصة بن جابر، قال: «ما رأيت رجلا أعلم بالله، ولا أقرأ لكتاب الله، ولا أفقه في دين الله من عمر» رواه الإمام أحمد في فضائل الصحابة وابن أبي شيبة في مصنفه.
واستشهد رضي الله عنه سنة 23هـ.
3: عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أميّة الأموي القرشي (ت:35هـ)
ثالث الخلفاء الراشدين، الملقّب بذي النورين، لتزوّجه بنتي النبي صلى الله عليه وسلم رقيّة وأمّ كلثوم.
وكان عثمان رضي الله عنه من أعلم الناس بالقرآن، وأكثرهم تلاوة له، وقد روى أنه نزل فيه قول الله تعالى: {أمّن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربّه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون}
عن يحيى البكاء أنه سمع ابن عمر قرأ: {أم من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه} قال ابن عمر: ذاك عثمان بن عفان، رضي الله عنه.
وكان معروفاً بكثرة صلاته وتلاوته وجوده وقوّة فراسته، وله في ذلك آثار وأخبار.
قال حسان بن ثابت:
ضحّوا بأشمط عنوان السجود به .. يقطّع الليل تسبيحاً وقرآنا
وهو الذي جمع الناس على مصحف واحد، وذلك لمّا اتّسعت الفتوحات في عهده واختلف الناس في القراءات، ونُقل عن بعض الناس التكذيب ببعض القراءات والتنازع الشديد فيها؛ فاجتمع رأيه ورأي علماء الصحابة رضي الله عنه على جمع الناس على مصحف واحد؛ نصحاً للأمّة ودرءا للاختلاف والتنازع في كتاب الله تعالى، فأمر بالمصحف الذي جمعه أبو بكر فأُحضر، وكان عند حفصة بنت عمر بعد موت أبيها، فأمر زيد بن ثابت ومعه رهط من القرشيين بكتابة المصاحف فكتبوها، وبعث لكل مصر من الأمصار مصحفاً، وأبقى مصحفاً عنده، وردّ إلى حفصة المصحف الذي كان قد جمعه أبو بكر.
وكان تعليم القرآن وإقراؤه وتدارسه في عهد عثمان على الطريقة المعهودة من قبله.
- عن أبي عيسى يحيى بن رافع قال: سمعت عثمان بن عفان يخطب على المنبر وهو يقرأ {وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد} قال: «سائق يسوقها إلى أمر الله , وشاهد يشهد عليها بما عملت» رواه عبد الرزاق وابن أبي حاتم.
استشهد عثمان رضي الله عنه سنة 35ه بعدما حوصر وصبر على البلوى التي أصابته.
4: عليّ بن أبي طالب بن عبد المطّلب الهاشمي القرشي (ت:40هـ)
رابع الخلفاء الراشدين وابن عمّ النبي صلى الله عليه وسلم، وزوج ابنته فاطمة، وكان رضي الله عنه قد قرأ القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ممن يكتب الوحي، وجمع القرآن في خلافة أبي بكر، وكان من أعلم الصحابة بالقضاء والتفسير، وفضائله كثيرة ألّفت فيها مؤلفات.
ومما يدلّ على عنايته بالتفسير كثرة تعليمه وجوابه السائلين عن مسائله؛ فلذلك كثرت المرويات عنه في التفسير؛ وروى عنه خلق كثير من الصحابة والتابعين.
- عن وهب بن عبد الله الكوفي، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة قال: شهدت عليا وهو يخطب ويقول: سلوني عن كتاب الله، فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم بليل نزلت أم بنهار وأم في سهل، أم في جبل). رواه عبد الرزاق في تفسيره.
وسار على طريقة أسلافه الخلفاء في تعليم القرآن وإقرائه وتدارسه.
وقد ظهرت الخوارج في عهده، وكانوا يجادلون بالقرآن؛ فكان يجيب على ما يسألون عنه، وأمر ابن عباس بمناظرتهم، وخبر مناظرتهم طويل قصّه عبد الله بن شداد بن الهاد على عائشة رضي الله عنها وكان قد شهدها، والقصة مروية في مسند الإمام أحمد، ومسند أبي يعلى، ومستدرك الحاكم، وسنن البيهقي.
واستشهد عليّ رضي الله عنه في الكوفة سنة 40هـ.
5: معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الخزرجي الأنصاري (ت:18هـ).
كان من علماء الصحابة وقرائهم، شهد بدراً والمشاهد كلها مع النبي صلى الله عليه وسلم، وبعثه إلى اليمن قاضياً ومعلماً.
- قال عقبة بن مسلم التجيبي: حدثني أبو عبد الرحمن الحبُلّي، عن الصنابحي، عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده يوما ثم قال: «يا معاذ، والله إني لأحبك» فقال له معاذ: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، وأنا والله أحبك قال: (( أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) رواه الإمام أحمد والبخاري في الأدب المفرد وأبو داوود والنسائي في السنن الكبري.
- خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أرحم أمتي بأمّتي أبو بكر، وأشدها في دين الله عمر، وأصدقها حياء عثمان، وأعلمها بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأقرؤها لكتاب الله أبيّ، وأعلمها بالفرائض زيد بن ثابت، ولكلّ أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح). رواه الإمام أحمد وابن ماجه والنسائي في الكبرى.
- يحيى بن أبي عمرو السيباني عن أبي العجفاء عن عمر بن الخطاب مرفوعا: (يأتي معاذ بين يدي العلماء رتوة). رواه أبو نعيم وابن أبي عاصم، وروي من طرق أخرى يشدّ بعضها بعضاً، ولفي لفظ: «معاذ بن جبل أمام العلماء برتوة يوم القيامة»
- عن معاذ بن رفاعة، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان معاذ بن جبل من أحسن الناس وجها، وأحسنهم خلقا، وأسمحهم كفا..) رواه الحاكم في المستدرك والبيهقي في السنن الكبرى.
- قال الشعبي عن مسروق كنا عند بن مسعود فقرأ: (إن معاذا كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين)
فقال فروة بن نوفل: نسي.
فقال عبد الله: من نسي أنا كنا نشبهه بإبراهيم عليه السلام.
مات في طاعون عمواس سنة 18هـ، وهو ابن ثمانية وثلاثين.
6: أبو المنذر أبيّ بن كعب بن قيس النجاري الأنصاري (ت:19هـ)
شهد بيعة العقبة الثانية، وبدراً وما بعدها، وكان من علماء الصحابة وقرائهم، بل ذكر أنه كان أقرأ الصحابة، وكان من أعلمهم بالقضاء.
- عن أبي السليل، عن عبد الله بن رباح الأنصاري، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا المنذر، أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟» قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟» قال: قلت: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم}. قال: فضرب في صدري، وقال: «والله ليهنك العلم أبا المنذر» رواه مسلم.
- قال شعبة: سمعت قتادة، يحدث عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب: «إن الله أمرني أن أقرأ عليك {لم يكن الذين كفروا}»، قال: وسماني لك؟ قال: «نعم»، قال: فبكى. رواه مسلم.
- حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال عمر: « أبيّ أقرؤنا، وإنا لندع من لحن أبيّ، وأبيّ يقول: أخذته من في رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا أتركه لشيء » رواه البخاري.
- عن يحيى بن يعمر عن أبي بن كعب قال: « تعلموا العربية في القرآن كما تتعلمون حفظه ». رواه ابن وهب وابن أبي شيبة.
اختلف في سنة وفاته على أقوال:
فقيل: مات في خلافة عثمان سنة 30هـ، وهو أرجح لصحة مشاركته في الجمع الذي كان على عهد عثمان رضي الله عنه.
وقيل: سنة 19 هـ وقيل: 20هـ في خلافة عمر.
7: عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي (ت:32هـ)
كان من علماء الصحابة وقرائهم، ومن أشبههم هديا وسمتا بالنبي صلى الله عليه وسلم، وكان من المعلمين على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم بعثه عمر إلى الكوفة أميراً ومعلّما.
- عن عمرو بن الحارث رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من سره أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد» رواه الإمام أحمد والبخاري في خلق أفعال العباد.
- عن إبراهيم النخعي، عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود، قال: قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي: «أحسنت» رواه ابن أبي شيبة.
- وقال عبد الرحمن بن يزيد: سألنا حذيفة عن رجل قريب السمت والهدي من النبي صلى الله عليه وسلم حتى نأخذ عنه، فقال: «ما أعرف أحدا أقرب سمتا وهديا ودلا بالنبي صلى الله عليه وسلم من ابن أم عبد» رواه البخاري.
- روى الأعمش عن إبراهيم النخعي عن علقمة أنه قال: جاء رجل إلى عمر وهو بعرفات؛ فقال: جئت يا أمير المؤمنين من الكوفة، وتركت بها رجلا يملي المصاحف عن ظهر قلبه؛ فغضب عمر وانتفخ حتى كاد يملأ ما بين شعبتي الرحل. فقال: ومن هو ويحك؟
قال: عبد الله بن مسعود. فما زال يطفأ ويسرى عنه الغضب، حتى عاد إلى حاله التي كان عليها، ثم قال: ويحك والله ما أعلمه بقي من الناس أحد هو أحق بذلك منه). رواه الإمام أحمد وأبو يعلى وابن خزيمة وغيرهم.
- وروى الأعمش عن مسلم بن صبيح عن مسروق، قال: قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «والله الذي لا إله غيره، ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا أنا أعلم أين أنزلت، ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا أنا أعلم فيم أنزلت، ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله، تبلغه الإبل لركبت إليه» رواه البخاري في صحيحه.
وفضائله كثيرة.
توفي سنة 32هـ.
8: أبو الدرداء عويمر بن زيد بن قيس الخزرجي الأنصاري (ت:32هـ)
- من العلماء الحكماء، والعبّاد الزهّاد، ومن كبار القراء، جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان معروفاً بالعلم والحكمة عند أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- عن أبي إدريس الخولاني، عن يزيد بن عميرة قال: لما حضر معاذ بن جبل الموت قيل له: يا أبا عبد الرحمن أوصنا.
قال: أجلسوني؛ فقال: (إن العلم والإيمان مكانهما من ابتغاهما وجدهما - يقول ثلاث مرات - فالتمسوا العلم عند أربعة رهط: عند عويمر أبي الدرداء، وعند سلمان الفارسي، وعند عبد الله بن مسعود، وعند عبد الله بن سلام الذي كان يهوديا، ثم أسلم؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إنه عاشر عشرة في الجنة "). رواه أحمد والترمذي والنسائي في السنن الكبرى.
- تصدّر للإقراء في الشام على عهد عثمان بن عفان، وكثر طلاب العلم عنده جداً، وذكر الذهبي في السير أنّ الذين في حلقة إقراء أبي الدرداء كانوا أزيد من ألف رجل، ولكل عشرة منهم ملقن, وكان أبو الدرداء يطوف عليهم قائما, فإذا أحكم الرجل منهم تحول إلى أبي الدرداء -يعني: يعرض عليه.
- روى أبو قلابة الجرمي عن أبي الدرداء أنه قال: نزل القرآن على ست آيات: آية مبشرة، وآية منذرة، وآية فريضة، وآية تأمرك، وآية تنهاك، وآية قصص وأخبار). رواه يحيى بن سلام البصري.
توفي سنة 32هـ.
9: حذيفة بن اليمان بن جابر العبسي الغطفاني (ت:35هـ)
من نجباء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان صاحب سِرّه، وأعلم الصحابة بالمنافقين وأحوالهم، وبالفتن وأنواعها والمخارج منها، وهو الذي ندبه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب.
قال أبو إدريس الخولاني: قال حذيفة بن اليمان: (والله إني لأعلم الناس بكل فتنة هي كائنة، فيما بيني وبين الساعة). رواه مسلم.
وكان عمر يسأله عنه الفتن والمخارج منها.
واسم أبيه حسل وإنما لقّب باليمان لمحالفته الأوس وكانوا من القبائل اليمانية؛ فلقّبه قومه اليمان، فلمّا قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة أسلم، واستشهد اليمان يوم أحد، قتله المسلمون خطأ، فعفا حذيفة عنهم وتصدّق بديته على المسلمين.
وكان جليل القدر عند أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وكان عمر يرقبه إذا قُدّمت جنازة ؛ فإن رأى حذيفة يصلي عليها صلى ، وإن رآه تأخّر لم يصلّ عليها، وأناب غيره.
شهد المشاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم غير بدر ، حبسه المشركون عنها وأخذوا عليه العهد أن لا يقاتلهم فأطلقوه، وشهد فتوح فارس، وهو الذي أخذ الراية بعد مقتل النعمان بن مقرّن بنهاوند، وتولّى إمرة المدائن.
وكان له موقف محمود في ندب عثمان لجمع الناس على مصحف واحد، وتوفّي سنة 35هـ.
رويت عنه مسائل في التفسير.
رضي الله عنهم
اختصار لهذا الموضوع ( هنا ) (http://jamharah.net/showthread.php?p=159531#post159531)
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى أما بعد:
فإن لدراسة سير أعلام المفسّرين من الصحابة فوائد جليلة منها:
1: أنها تعرّف بفضل أولئك الأعلام الأجلاء من علماء الصحابة، فيعرف الطالب قدرهم، ومنزلتهم، وسابقتهم في الدين، وإمامتهم في التفسير؛ فإذا بلغه بعد ذلك تفسيرهم من طريق صحيح عرف قدره وأحسن تلقّيه.
2: أنها تبصّره بما لاقوه في سبيل تحصيل ما حصّلوه من العلم، وما امتازوا به من خصال كانت سببا في رفعتهم وحسن تحصيلهم.
3: أنها تبيّن لطالب العلم أن الصحابة قد تبوؤوا المنزلة العليا في فهم القرآن وتفسيره ؛ فلا يُدرك شأوهم، ولا سبيل للفهم القرآن غير سبيلهم، لما خصّهم الله به من صحبة نبيّه وشرف التلقّي منه.
4: أنّها تبيّن للطالب شيئاً من مناهج الصحابة في التفسير، وشيئا من معالم أصول التفسير لدى الصحابة رضي الله عنهم.
5: أنها تعرّفه بهديهم في تعلّم التفسير وتعليمه، وتجلّي له عنايتهم بالتفسير رواية ودراية ورعاية.
6: يدرك الطالب بها خطر الدعاوي التي يراد منها الإعراض عن تفسير الصحابة، وما يعبّر عنه بعض المحْدَثين بالمطالبة بإعادة قراءة التفسير، ويريدون بذلك إعادة النظر في تفسير القرآن لينطلق في تفسيره من منطلقات منطقية أو فلسفية مقطوعة الصلة عن الصحابة الذين نزل الوحي بلسانهم وما يعهدون من فنون الخطاب، وعاصروا التنزيل، وتلقّوا معاني القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم كما تلقّوا ألفاظه.
7: تعرّف الطالب ببعض الرواة عن الصحابة في التفسير، وطرق تلك الرواية، وأنواعها بإجمال واقتضاب، وأما التفصيل فبحثه في مبحث أسانيد التفسير.
1: أبو بكر الصديق واسمه عبد الله بن عثمان بن عامر التيمي القرشي رضي الله عنه.
أفضل الصحابة قدراً، وأعلاهم منزلة، وأطولهم صحبة للنبي صلى الله عليه وسلم، وأسبقهم إلى الخير والفضل، وقد نزل في شأنه آيات من القرآن، ونوّه الله بصحبته للنبي صلى الله عليه وسلم فيه وبمعيّة الله له معيّة خاصة؛ كما في قول الله تعالى: {إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا}.
روى ابن وهب عن عمرو ابن الحارث عن أبيه أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه حين خطب قال: أيكم يقرأ سورة التوبة؟!
قال رجل: أنا، قال: اقرأ، فلما بلغ {إذ يقول لصاحبه لا تحزن} بكى أبو بكر، وقال: أنا والله صاحبه). رواه ابن جرير وابن أبي حاتم.
- وكان أبو بكر رضي الله عنه من أعلم الناس بمعاني القرآن ولطائف خطابه، ومن دلائل تقدّم أبي بكر رضي الله عنه في فهم فحوى الخطاب وفنونه ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما من طرق عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: خطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «إن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده؛ فاختار ما عند الله»
فبكى أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
قال أبو سعيد: فقلت في نفسي ما يبكي هذا الشيخ؟ إن يكن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ما عند الله.
قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو العبد، وكان أبو بكر أعلمنا.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يا أبا بكر لا تبك، إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذا خليلا من أمتي لاتخذت أبا بكر، ولكن أخوة الإسلام ومودته، لا يبقين في المسجد باب إلا سد، إلا باب أبي بكر».
- قال ابن القيم رحمه الله: (كان أبو بكر الصديق أفهم الأمة لكلام الله ورسوله، ولهذا لما أشكل على عمر مع قوة فهمه قوله تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ}، وقول النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة: "إنكم تأتونه وتطوفون به" فأورده عليه عام الحديبية؛ فقال له الصديق: "أقال لك: إنك تأتيه العام؟" قال: لا، قال: "فإنك آتيه ومطوف به").
وهو أوّل من جمع القرآن في مصحف واحد بعد أن استحر القتل بالقراء في وقعة اليمامة.
- قال علي بن أبي طالب: (أعظم الناس في المصاحف أجرا أبو بكر؛ رحمة الله على أبي بكر هو أول من جمع كتاب الله). رواه ابن أبي داوود.
- وكان أبو بكر من أعلم الصحابة بالتفسير، وربما سأل أصحابه عن بعض معاني القرآن ثم يرشدهم ويعلّمهم، وقد تقدم بعض الآثار عنه في ذلك.
وفضائله كثيرة، ألّفت فيها مؤلفات.
وقد توفي رضي الله عنه يوم الإثنين في جمادى الأولى سنة 13هـ.
- وقد روى عنه جماعة من كبار الصحابة وشبابهم فروى عنه عمر وعثمان وعلي وعبد الرحمن بن عوف وحذيفة بن اليمان وعائشة وأبو هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وأبو سعيد الخدري وابن عباس وجماعة.
لكن الرواية المحفوظة عنه قليلة لقصر مدة خلافته وتقدّم سنة وفاته، واشتغال كثير من الصحابة بالجهاد وحروب المرتدين.
2: أبو حفص عمر بن الخطاب بن نُفيل العدوي القرشي (ت:23هـ).
تولّى الخلافة بعد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وقد سار تعليم القرآن في عهده على الطريقة التي كانت في عهد أبي بكر رضي الله عنه، مع حزم عمر في منع الجراءة على التفسير بغير علم، وقد نفع الله بحزمه.
وكان عمر من أعلم الصحابة وأفقههم، وأقربِهم إلى إدراك مقاصد القرآن، وفهم مراد الله تعالى، بما علّمه الله تعالى وألهمه، وبما رزقه من الخشية والاستقامة والسداد، والقوّة في دينه، وكان ملهماً محدّثاً ، وموفقا مسددا، ربما نزل الوحي بتأييده وتصديق قوله.
وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «بينا أنا نائم، إذ رأيت قدحا أتيت به فيه لبن، فشربت منه حتى إني لأرى الري يجري في أظفاري، ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب» قالوا: فما أولت ذلك؟ يا رسول الله قال: «العلم»
وفضائل عمر كثيرة، قد أفردت فيها مؤلفات، والمقصود التنبيه على حسن فهمه للقرآن، ومعرفته بمقاصده، وقوّته في التمسّك به، وصيانته، وهو الذي أشار على أبي بكر بجمع القرآن في مصحف واحد.
وكان حازماً في التأديب على القول في التفسير بغير علم، وعلى السؤال عنه سؤال تنطّع وتكلّف، وقصّته مع صبيغ بن عسل التميمي معروفة مشتهرة، مروية من طرق متعددة.
وكان الصحابة والتابعون رضي الله عنهم يعرفون لعمر علمه وحزمه وعدله، فكانوا يتعلمون منه، ويحبّونه ، ويهابونه.
قال عبد الملك بن عمير: حدثني قبيصة بن جابر، قال: «ما رأيت رجلا أعلم بالله، ولا أقرأ لكتاب الله، ولا أفقه في دين الله من عمر» رواه الإمام أحمد في فضائل الصحابة وابن أبي شيبة في مصنفه.
واستشهد رضي الله عنه سنة 23هـ.
3: عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أميّة الأموي القرشي (ت:35هـ)
ثالث الخلفاء الراشدين، الملقّب بذي النورين، لتزوّجه بنتي النبي صلى الله عليه وسلم رقيّة وأمّ كلثوم.
وكان عثمان رضي الله عنه من أعلم الناس بالقرآن، وأكثرهم تلاوة له، وقد روى أنه نزل فيه قول الله تعالى: {أمّن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربّه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون}
عن يحيى البكاء أنه سمع ابن عمر قرأ: {أم من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه} قال ابن عمر: ذاك عثمان بن عفان، رضي الله عنه.
وكان معروفاً بكثرة صلاته وتلاوته وجوده وقوّة فراسته، وله في ذلك آثار وأخبار.
قال حسان بن ثابت:
ضحّوا بأشمط عنوان السجود به .. يقطّع الليل تسبيحاً وقرآنا
وهو الذي جمع الناس على مصحف واحد، وذلك لمّا اتّسعت الفتوحات في عهده واختلف الناس في القراءات، ونُقل عن بعض الناس التكذيب ببعض القراءات والتنازع الشديد فيها؛ فاجتمع رأيه ورأي علماء الصحابة رضي الله عنه على جمع الناس على مصحف واحد؛ نصحاً للأمّة ودرءا للاختلاف والتنازع في كتاب الله تعالى، فأمر بالمصحف الذي جمعه أبو بكر فأُحضر، وكان عند حفصة بنت عمر بعد موت أبيها، فأمر زيد بن ثابت ومعه رهط من القرشيين بكتابة المصاحف فكتبوها، وبعث لكل مصر من الأمصار مصحفاً، وأبقى مصحفاً عنده، وردّ إلى حفصة المصحف الذي كان قد جمعه أبو بكر.
وكان تعليم القرآن وإقراؤه وتدارسه في عهد عثمان على الطريقة المعهودة من قبله.
- عن أبي عيسى يحيى بن رافع قال: سمعت عثمان بن عفان يخطب على المنبر وهو يقرأ {وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد} قال: «سائق يسوقها إلى أمر الله , وشاهد يشهد عليها بما عملت» رواه عبد الرزاق وابن أبي حاتم.
استشهد عثمان رضي الله عنه سنة 35ه بعدما حوصر وصبر على البلوى التي أصابته.
4: عليّ بن أبي طالب بن عبد المطّلب الهاشمي القرشي (ت:40هـ)
رابع الخلفاء الراشدين وابن عمّ النبي صلى الله عليه وسلم، وزوج ابنته فاطمة، وكان رضي الله عنه قد قرأ القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ممن يكتب الوحي، وجمع القرآن في خلافة أبي بكر، وكان من أعلم الصحابة بالقضاء والتفسير، وفضائله كثيرة ألّفت فيها مؤلفات.
ومما يدلّ على عنايته بالتفسير كثرة تعليمه وجوابه السائلين عن مسائله؛ فلذلك كثرت المرويات عنه في التفسير؛ وروى عنه خلق كثير من الصحابة والتابعين.
- عن وهب بن عبد الله الكوفي، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة قال: شهدت عليا وهو يخطب ويقول: سلوني عن كتاب الله، فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم بليل نزلت أم بنهار وأم في سهل، أم في جبل). رواه عبد الرزاق في تفسيره.
وسار على طريقة أسلافه الخلفاء في تعليم القرآن وإقرائه وتدارسه.
وقد ظهرت الخوارج في عهده، وكانوا يجادلون بالقرآن؛ فكان يجيب على ما يسألون عنه، وأمر ابن عباس بمناظرتهم، وخبر مناظرتهم طويل قصّه عبد الله بن شداد بن الهاد على عائشة رضي الله عنها وكان قد شهدها، والقصة مروية في مسند الإمام أحمد، ومسند أبي يعلى، ومستدرك الحاكم، وسنن البيهقي.
واستشهد عليّ رضي الله عنه في الكوفة سنة 40هـ.
5: معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الخزرجي الأنصاري (ت:18هـ).
كان من علماء الصحابة وقرائهم، شهد بدراً والمشاهد كلها مع النبي صلى الله عليه وسلم، وبعثه إلى اليمن قاضياً ومعلماً.
- قال عقبة بن مسلم التجيبي: حدثني أبو عبد الرحمن الحبُلّي، عن الصنابحي، عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده يوما ثم قال: «يا معاذ، والله إني لأحبك» فقال له معاذ: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، وأنا والله أحبك قال: (( أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) رواه الإمام أحمد والبخاري في الأدب المفرد وأبو داوود والنسائي في السنن الكبري.
- خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أرحم أمتي بأمّتي أبو بكر، وأشدها في دين الله عمر، وأصدقها حياء عثمان، وأعلمها بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأقرؤها لكتاب الله أبيّ، وأعلمها بالفرائض زيد بن ثابت، ولكلّ أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح). رواه الإمام أحمد وابن ماجه والنسائي في الكبرى.
- يحيى بن أبي عمرو السيباني عن أبي العجفاء عن عمر بن الخطاب مرفوعا: (يأتي معاذ بين يدي العلماء رتوة). رواه أبو نعيم وابن أبي عاصم، وروي من طرق أخرى يشدّ بعضها بعضاً، ولفي لفظ: «معاذ بن جبل أمام العلماء برتوة يوم القيامة»
- عن معاذ بن رفاعة، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان معاذ بن جبل من أحسن الناس وجها، وأحسنهم خلقا، وأسمحهم كفا..) رواه الحاكم في المستدرك والبيهقي في السنن الكبرى.
- قال الشعبي عن مسروق كنا عند بن مسعود فقرأ: (إن معاذا كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين)
فقال فروة بن نوفل: نسي.
فقال عبد الله: من نسي أنا كنا نشبهه بإبراهيم عليه السلام.
مات في طاعون عمواس سنة 18هـ، وهو ابن ثمانية وثلاثين.
6: أبو المنذر أبيّ بن كعب بن قيس النجاري الأنصاري (ت:19هـ)
شهد بيعة العقبة الثانية، وبدراً وما بعدها، وكان من علماء الصحابة وقرائهم، بل ذكر أنه كان أقرأ الصحابة، وكان من أعلمهم بالقضاء.
- عن أبي السليل، عن عبد الله بن رباح الأنصاري، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا المنذر، أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟» قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟» قال: قلت: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم}. قال: فضرب في صدري، وقال: «والله ليهنك العلم أبا المنذر» رواه مسلم.
- قال شعبة: سمعت قتادة، يحدث عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب: «إن الله أمرني أن أقرأ عليك {لم يكن الذين كفروا}»، قال: وسماني لك؟ قال: «نعم»، قال: فبكى. رواه مسلم.
- حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال عمر: « أبيّ أقرؤنا، وإنا لندع من لحن أبيّ، وأبيّ يقول: أخذته من في رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا أتركه لشيء » رواه البخاري.
- عن يحيى بن يعمر عن أبي بن كعب قال: « تعلموا العربية في القرآن كما تتعلمون حفظه ». رواه ابن وهب وابن أبي شيبة.
اختلف في سنة وفاته على أقوال:
فقيل: مات في خلافة عثمان سنة 30هـ، وهو أرجح لصحة مشاركته في الجمع الذي كان على عهد عثمان رضي الله عنه.
وقيل: سنة 19 هـ وقيل: 20هـ في خلافة عمر.
7: عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي (ت:32هـ)
كان من علماء الصحابة وقرائهم، ومن أشبههم هديا وسمتا بالنبي صلى الله عليه وسلم، وكان من المعلمين على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم بعثه عمر إلى الكوفة أميراً ومعلّما.
- عن عمرو بن الحارث رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من سره أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد» رواه الإمام أحمد والبخاري في خلق أفعال العباد.
- عن إبراهيم النخعي، عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود، قال: قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي: «أحسنت» رواه ابن أبي شيبة.
- وقال عبد الرحمن بن يزيد: سألنا حذيفة عن رجل قريب السمت والهدي من النبي صلى الله عليه وسلم حتى نأخذ عنه، فقال: «ما أعرف أحدا أقرب سمتا وهديا ودلا بالنبي صلى الله عليه وسلم من ابن أم عبد» رواه البخاري.
- روى الأعمش عن إبراهيم النخعي عن علقمة أنه قال: جاء رجل إلى عمر وهو بعرفات؛ فقال: جئت يا أمير المؤمنين من الكوفة، وتركت بها رجلا يملي المصاحف عن ظهر قلبه؛ فغضب عمر وانتفخ حتى كاد يملأ ما بين شعبتي الرحل. فقال: ومن هو ويحك؟
قال: عبد الله بن مسعود. فما زال يطفأ ويسرى عنه الغضب، حتى عاد إلى حاله التي كان عليها، ثم قال: ويحك والله ما أعلمه بقي من الناس أحد هو أحق بذلك منه). رواه الإمام أحمد وأبو يعلى وابن خزيمة وغيرهم.
- وروى الأعمش عن مسلم بن صبيح عن مسروق، قال: قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «والله الذي لا إله غيره، ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا أنا أعلم أين أنزلت، ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا أنا أعلم فيم أنزلت، ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله، تبلغه الإبل لركبت إليه» رواه البخاري في صحيحه.
وفضائله كثيرة.
توفي سنة 32هـ.
8: أبو الدرداء عويمر بن زيد بن قيس الخزرجي الأنصاري (ت:32هـ)
- من العلماء الحكماء، والعبّاد الزهّاد، ومن كبار القراء، جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان معروفاً بالعلم والحكمة عند أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- عن أبي إدريس الخولاني، عن يزيد بن عميرة قال: لما حضر معاذ بن جبل الموت قيل له: يا أبا عبد الرحمن أوصنا.
قال: أجلسوني؛ فقال: (إن العلم والإيمان مكانهما من ابتغاهما وجدهما - يقول ثلاث مرات - فالتمسوا العلم عند أربعة رهط: عند عويمر أبي الدرداء، وعند سلمان الفارسي، وعند عبد الله بن مسعود، وعند عبد الله بن سلام الذي كان يهوديا، ثم أسلم؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إنه عاشر عشرة في الجنة "). رواه أحمد والترمذي والنسائي في السنن الكبرى.
- تصدّر للإقراء في الشام على عهد عثمان بن عفان، وكثر طلاب العلم عنده جداً، وذكر الذهبي في السير أنّ الذين في حلقة إقراء أبي الدرداء كانوا أزيد من ألف رجل، ولكل عشرة منهم ملقن, وكان أبو الدرداء يطوف عليهم قائما, فإذا أحكم الرجل منهم تحول إلى أبي الدرداء -يعني: يعرض عليه.
- روى أبو قلابة الجرمي عن أبي الدرداء أنه قال: نزل القرآن على ست آيات: آية مبشرة، وآية منذرة، وآية فريضة، وآية تأمرك، وآية تنهاك، وآية قصص وأخبار). رواه يحيى بن سلام البصري.
توفي سنة 32هـ.
9: حذيفة بن اليمان بن جابر العبسي الغطفاني (ت:35هـ)
من نجباء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان صاحب سِرّه، وأعلم الصحابة بالمنافقين وأحوالهم، وبالفتن وأنواعها والمخارج منها، وهو الذي ندبه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب.
قال أبو إدريس الخولاني: قال حذيفة بن اليمان: (والله إني لأعلم الناس بكل فتنة هي كائنة، فيما بيني وبين الساعة). رواه مسلم.
وكان عمر يسأله عنه الفتن والمخارج منها.
واسم أبيه حسل وإنما لقّب باليمان لمحالفته الأوس وكانوا من القبائل اليمانية؛ فلقّبه قومه اليمان، فلمّا قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة أسلم، واستشهد اليمان يوم أحد، قتله المسلمون خطأ، فعفا حذيفة عنهم وتصدّق بديته على المسلمين.
وكان جليل القدر عند أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وكان عمر يرقبه إذا قُدّمت جنازة ؛ فإن رأى حذيفة يصلي عليها صلى ، وإن رآه تأخّر لم يصلّ عليها، وأناب غيره.
شهد المشاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم غير بدر ، حبسه المشركون عنها وأخذوا عليه العهد أن لا يقاتلهم فأطلقوه، وشهد فتوح فارس، وهو الذي أخذ الراية بعد مقتل النعمان بن مقرّن بنهاوند، وتولّى إمرة المدائن.
وكان له موقف محمود في ندب عثمان لجمع الناس على مصحف واحد، وتوفّي سنة 35هـ.
رويت عنه مسائل في التفسير.