عبد العزيز بن داخل المطيري
1 ربيع الأول 1437هـ/12-12-2015م, 07:59 AM
دراسة التفسير في عصر التابعين
تعلّم التابعون تفسير القرآن من الصحابة رضي الله عنهم، وقد أقرأهم الصحابة القرآن وعلّموهم معانيه على الطريقة التي كانوا يتعلمون بها من النبي صلى الله عليه وسلم، ومن كبار أصحابه، وكانوا يجيبون التابعين على أسئلتهم عن معاني القرآن، وعما يشكل عليهم، وربّما ابتدؤوهم بالتفسير والوصايا والتنبيه على الأخطاء؛ فكان تعليم الصحابة رضي الله عنهم أحسن تعليم للقرآن بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد نشأ التابعون على تعظيم القرآن، وتبجيل أهله، والحذر من القول في القرآن بغير علم، وعلى تعلّم معاني القرآن كما يتعلّمون ألفاظه، وهذا من حيث الجملة.
وقد عرف التابعون من كتاب الله تعالى أن فلاحهم وفوزهم ورضوان الله تعالى عليهم مشروط بإحسان اتّباعهم للصحابة رضي الله عنهم، كما قال الله تعالى: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم}
- قال أبو صخر حُميد بن زياد: قلت لمحمد بن كعب القرظي يوما: ألا تخبرني عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما كان من رأيهم؟ وإنما أريد الفتن.
فقال: (إن الله قد غفر لجميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأوجب لهم الجنة في كتابه محسنهم ومسيئهم).
قلت: في أي موضع أوجب الله لهم الجنة في كتابه.
فقال: سبحان الله ألا تقرأ قوله: {والسابقون الأولون ...} إلى آخر الآية؛ فأوجب الله لجميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الجنة والرضوان، وشرط على التابعين شرطا لم يشرطه عليهم.
قلت: وما اشترط عليهم؟
قال: (اشترط عليهم أن يتبعوهم بإحسان، يقول: يقتدون بأعمالهم الحسنة، ولا يقتدون بهم في غير ذلك).
قال أبو صخر: فو الله لكأني لم أقرأها قط، وما عرفت تفسيرها حتى قرأها علي محمد بن كعب). رواه ابن عساكر.
- قال عبد الله بن وهب: حدثني عبد الرحمن [بن زيد بن أسلم]: في قوله: {والذين اتبعوهم بإحسان}: «من بقي من أهل الإسلام إلى أن تقوم الساعة»). رواه ابن جرير وابن أبي حاتم.
- وكان الصحابة رضي الله عنهم ينبّهون التابعين على هذا المعنى؛ كما روى ابن أبي حاتم في تفسيره من طريق إسحاق بن سليمان، قال: حدّثنا أبو سنانٍ [الشّيبانيّ] عن ابن عبّاسٍ أنه أتاه رجلٌ فذكر بعض أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم ورضي عنهم، كأنه يتنقَّص بعضهم؛ فقال ابن عبّاسٍ: {والسّابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار والّذين اتّبعوهم بإحسانٍ} أمّا أنت فلم تتّبعهم بإحسانٍ).
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيما روي عنه يقرأ هذه الآية هكذا {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصارُ الذين اتّبعوهم بإحسان رضي الله عنهم...} الآية.
فتكون {الذين اتبعوهم..} صفة للأنصار، ولعلها كانت القراءة الأولى، ثم نزلت الواو بعد ذلك.
- روى أبو معشر عن محمد بن كعب القرظي قال: مرَّ عمر بن الخطاب برجل يقرأ: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه}.
قال: فأخذ عمر بيده؛ فقال: من أقرأك هذا؟
قال: أبي بن كعب.
فقال: لا تفارقني حتى أذهب بك إليه؛ فلما جاءه قال عمر: أنت أقرأت هذا هذه الآية هكذا؟
قال: نعم.
قال: أنت سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قال: نعم.
قال: لقد كنت أظنّ أنا رُفعنا رفعة لا يبلغها أحد بعدنا!
فقال أبيّ: بلى، تصديق هذه الآية في أول سورة الجمعة: {وآخرين منهم لما يلحقوا بهم} إلى: {وهو العزيز الحكيم} ، وفي سورة الحشر: {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان} ، وفي الأنفال: {والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم}.. إلى آخر الآية). رواه ابن وهب وابن جرير، ولهذه القراءة شاهد آخر عند ابن جرير، وذكر أنها قراءة مروية عن الحسن البصري، ولعلها مما ترك قراءته.
طرق التابعين في تعلّم التفسير:
كان للتابعين طرق في تعلّم التفسير من أشهرها:
1: حضور مجالس التفسير وحلقه التي كان يقيمها بعض المفسرين من الصحابة رضي الله عنهم، كما روي عن ابن مسعود وابن عباس وغيرهما، وكان لهم أصحاب يواظبون على حضور مجالسهم؛ فينتفعون بها، ويتعلّمون منهم التفسير كما يتعلمون منهم القرآن.
قال ابن جرير: حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي، قال: حدثنا أبي، عن أبيه، عن جده، عن الأعمش، عن مسلم، عن مسروق، قال: (كان عبدُ الله يقرأ علينا السُّورة، ثم يحدِّثنا فيها ويفسِّرها عامَّةَ النهار).
عبد الله هو ابن مسعود.
2: طريقة العرض والسؤال؛ فيقرأ التابعي القرآن على الصحابي ويسأله عن معاني الآيات التي يقرؤها.
- قال مجاهد: (لقد عرضت القرآن على ابن عباس ثلاث عرضات أقف عند كل آية أسأله فيم أنزلت، وفيم كانت؟ فقلت: يا ابن عباس، أرأيت قول الله تعالى: {فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله} قال: «من حيث أمركم أن تعتزلوهن»). رواه الدارمي.
- وقال أبيّ بن كعب لزرّ بن حبيش: (لا تريد أن تدع آية في كتاب الله تعالى إلا سألتني عنها!! ) رواه الإمام أحمد.
- وقال الشعبي: (والله ما من آية إلا قد سألت عنها). رواه ابن جرير.
- وقال قتادة: (ما في القرآن آية إلا قد سمعت فيها بشيء). رواه عبد الرزاق.
3: طريقة الكتابة والتقييد
فكان من التابعين من يكتب ما يسمع من التفسير من بعض الصحابة رضي الله عنهم،
- قال ابن أبي مليكة: (رأيت مجاهدًا يسأل ابن عباسٍ عن تفسير القرآن ومعه ألواحه فيقول له ابن عباسٍ: اكتب , قال: حتى سأله عن التفسير كله) رواه ابن جرير.
- وقال عثمان بن حكيمٍ: سمعت سعيد بن جبيرٍ يقول: (كنت أسير مع ابن عباسٍ في طريق مكة ليلاً، فكان يحدثني بالحديث فأكتبه في واسطة الرحل حتى أصبح فأكتبه). رواه الدارمي.
-وقال مندل بن علي العنزي:حدثني جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبيرٍ قال: كنت أجلس عند ابن عباسٍ فأكتب في الصحيفة حتى تمتلئ..). رواه الدارمي.
4: طريقة الملازمة
فكان منهم من يلزم أحد الصحابة مدّة حتى يأخذ عنه العلم والهدي والسمت، ثم ينتقل إلى غيره حتى يحصّل علماً كثيراً.
- الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال: لقد جالست أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - فوجدتهم كالإخاذ. فالإخاذ يروي الرجل والإخاذ يروي الرجلين والإخاذ يروي العشرة والإخاذ يروي المائة والإخاذ لو نزل به أهل الأرض لأصدرهم. فوجدت عبد الله بن مسعود من ذلك الإخاذ). رواه ابن سعد والبيهقي وابن عساكر.
- حماد بن زيد، عن عاصم، عن زر، قال: (قدمت المدينة؛ فلزمت عبد الرحمن بن عوف وأبيًّا). رواه ابن سعد.
- قال عبد الله بن إدريس: سمعت ليثا يذكر عن الشعبي قال: (أقمت بالمدينة مع عبد الله بن عمر ثمانية أشهر أو عشرة أشهر). رواه ابن سعد.
5: طريقة المراسلة
- قال ابن أبي مليكة: كتبت إلى ابن عباس أسأله عن شهادة الصبيان، فكتب إلي: إن الله عز وجل يقول: {ممن ترضون من الشهداء} فليسوا ممن نرضى، لا تجوز). رواه سعيد بن منصور.
6: طريقة عرض التفسير
وهي أن يعرض التابعي ما يظهر له من التفسير على شيخه فإن كان صواباً أقرّه وإلا صوّبه.
- قال الشافعي: أخبرني يحيى بن سليم، ثنا ابن جريج عن عكرمة قال: دخلت على ابن عباس رضي الله عنهما، وهو يقرأ في المصحف قبل أن يذهب بصره، وهو يبكي، فقلت: ما يبكيك يا ابن عباس جعلني الله فداك؟
قال: فقال: هل تعرف أيلة؟
قلت: وما أيلة؟
قال: قرية كان بها ناس من اليهود فحرم الله عليهم الحيتان يوم السبت، فكانت حيتانهم تأتيهم يوم سبتهم، شرعا بيضاء سمان، كأمثال المخاض بأفنياتهم وأبنياتهم، فإذا كان في غير يوم السبت لم يجدوها، ولم يدركوها إلا في مشقة ومئونة شديدة، فقال بعضهم لبعض أو من قال ذلك منهم: لعلنا لو أخذناها يوم السبت، وأكلناها في غير يوم السبت. ففعل ذلك أهل بيت منهم، فأخذوا فشووا، فوجد جيرانهم ريح الشواء، فقالوا: والله ما نرى أصحاب بني فلان شيء، فأخذوها آخرون حتى فشا ذلك فيهم، وكثر فافترقوا فرقا ثلاثا، فرقة أكلت، وفرقة نهت، وفرقة قالت: {لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم} عذابا شديدا. فقالت الفرقة التي نهت: إنا نحذركم غضب الله وعقابه، أن يصيبكم بخسف أو قذف أو ببعض ما عنده من العذاب، والله لا نبايتكم في مكان وأنتم فيه، وخرجوا من السور، فغدوا عليه من الغد، فضربوا باب السور، فلم يجبهم أحد، فأتوا بسلم فأسندوه إلى السور، ثم رقي منهم راق على السور، فقال: يا عباد الله قردة، والله لها أذناب تعاوى ثلاث مرات، ثم نزل من السور ففتح السور، فدخل الناس عليهم، فعرفت القردة أنسابها من الإنس، ولم تعرف الإنس أنسابها من القردة، قال: فيأتي القرد إلى نسيبه وقريبه من الإنس، فيحتك به، ويلصق، ويقول الإنسان: أنت فلان؟ فيشير برأسه أي نعم، ويبكي، وتأتي القردة إلى نسيبها وقريبها من الإنس، فيقول لها: أنت فلانة؟ فتشير برأسها أي نعم، وتبكي، فيقول لهم الإنس: أما إنا حذرناكم غضب الله وعقابه أن يصيبكم بخسف أو مسخ أو ببعض ما عنده من العذاب قال ابن عباس: فاسمع الله يقول «فأنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون» فلا أدري ما فعلت الفرقة الثالثة، قال ابن عباس: فكم قد رأينا من منكر فلم ننه عنه قال عكرمة: فقلت: ما ترى جعلني الله فداك أنهم قد أنكروا، وكرهوا حين قالوا لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا؟ فأعجبه قولي ذلك، وأمر لي ببردين غليظين فكسانيهما). رواه الحاكم في المستدرك وصححه.
- الزهري عن عروة بن الزبير قال: سألت عائشة رضي الله عنها فقلت لها: أرأيت قول الله تعالى: {إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما}، فوالله ما على أحد جناح أن لا يطوف بالصفا والمروة، قالت: بئس ما قلت يا ابن أختي، إن هذه لو كانت كما أولتها عليه، كانت: لا جناح عليه أن لا يتطوف بهما، ولكنها أنزلت في الأنصار، كانوا قبل أن يسلموا يهلون لمناة الطاغية، التي كانوا يعبدونها عند المشلل، فكان من أهل يتحرج أن يطوف بالصفا والمروة، فلما أسلموا، سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، قالوا: يا رسول الله، إنا كنا نتحرج أن نطوف بين الصفا والمروة، فأنزل الله تعالى: {إن الصفا والمروة من شعائر الله}. الآية قالت عائشة رضي الله عنها: «وقد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما، فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما» رواه البخاري.
7: التدارس والتذاكر
فكانوا يتدارسون التفسير فيما بينهم ويتذاكرونه، ويخبر بعضهم بعضاً بما عرف من التفسير، وما حفظ من الرواية فيه.
- قال يونس بن أبي إسحاق: قال الشعبي: أرسل إلي عبد الحميد بن عبد الرحمن، وعنده أبو الزناد عبد الله بن ذكوان مولى قريش، وإذا هما قد ذَكَرا من أصحاب الأعراف ذِكْرا ليس كما ذَكَرا، فقلت لهما: إن شئتما أنبأتكما بما ذكر حذيفة، فقالا هات!
فقلت: إن حذيفة ذكر أصحاب الأعراف فقال: (هم قوم تجاوزت بهم حسناتهم النار، وقصرت بهم سيئاتهم عن الجنة، فإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا: "ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين". فبينا هم كذلك، اطلع إليهم ربك تبارك وتعالى فقال:{اذهبوا وادخلوا الجنة، فإني قد غفرت لكم}). رواه ابن جرير الطبري.
تعظيم التابعين للقول في التفسير
كان من التابعين أئمة أحسنوا الاتّباع؛ فكانوا في تعلّمهم التفسير وتعليمه على الطريقة التي سبق بيانها عن الصحابة رضي الله عنهم، وكانوا يعظّمون شأن القرآن ويعظّمون أهله، ويحذرون ويحذّرون من القول في التفسير بغير علم.
- قال الشعبي: أدركت أصحاب عبد الله، وأصحاب علي وليس هم لشيءٍ من العلم أكره منهم لتفسير القرآن). رواه ابن أبي شيبة.
- وقال الشعبي: (والله ما من آية إلا قد سألت عنها، ولكنها الرواية عن الله). رواه ابن جرير.
- وذكر الأعمش عن أبي وائلٍ أنه كان إذا سئل عن شيءٍ من القرآن، قال: قد أصاب الله ما أراد).
- وقال محمد بن سيرين: سألت عَبيدة عن آيةٍ في كتاب الله؛ فقال: «عليك بتقوى الله والسداد، فقد ذهب الذين كانوا يعلمون فيم أنزل القرآن» رواه ابن أبي شيبة.
- وقال عمرو بن مرة:سأل رجلٌ سعيد بن المسيب عن آيةٍ من القرآن، فقال: «لا تسألني عن القرآن، وسل عنه من يزعم أنه لا يخفى عليه منه شيءٌ»، يعني: عكرمة). رواه ابن أبي شيبة.
- وقال القاسم بن محمد: «لأن يعيش الرجل جاهلا بعد أن يعلم حق الله عليه خير له من أن يقول ما لا يعلم» رواه الدارمي.
مزايا عصر التابعين:
وقد امتاز عصر التابعين بمزايا جليلة منها:
1: قربهم من عهد النبوة؛ ورؤيتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتتلمذهم على أيديهم، وتأدّبهم بآدابهم، ورؤيتهم لبعض آثار النبوة.
2: عيشهم في الحكم الرشيد الذي فيه عزّة للمؤمنين، ونصرة للسنة وحفظ لها، وحضّ على تعلّم العلم الصحيح ونشره، وتقديم أهل العلم والفضل، وهذا الأمر إنما يعرف قدره من رأى ما حصل في القرون التالية من تقريب لأهل الأهواء والبدع ؛ حتى آذوا أهل السنة إيذاء شديداً؛ كما حصل لمّا قرّب المأمون ومن بعده من الخلفاء المعتزلة الذين حملوا الناس على القول بخلق القرآن، وفتنوا المسلمين فتنة شديدة.
3: كونهم في عصر الاحتجاج اللغوي، فكانوا أقرب إلى السلامة من اللحن ممن أتى بعدهم، فلم يكن يعرف اللحن عن العلماء منهم، وإنما كان قد يقع بعضه من بعض الذين خالطوا العجم، أو ممن أسلم من العجم، ولم يكن سريان اللحن في أهل ذلك العصر كثيراً كما حصل في القرن الذي بعدهم.
4: كثرة حلقات العلم في زمانهم، ووفرة العلماء، وقلّة الأسانيد؛ وهذا أدعى لحفظ العلم وضبطه.
والمقصود أنّ عصر التابعين أفضل العصور بعد عصر الصحابة رضي الله عنهم، وما حدث في عصرهم من الفتن والآفات فنصيب عصرهم منه أقلّ بكثير من نصيب العصور التي أتت بعده، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم )). متفق عليه من حديث إبراهيم النخعي عن عبيدة السلماني عن ابن مسعود.
حوادث عصر التابعين
وحدث في عصر التابعين أمور كان الصحابة رضي الله عنهم في عافية منها، وابتلي بها عصر التابعين، وكان لهذه الأمور أثرها في تعلّم التفسير وتعليمه، ومنها:
الأمر الأول: أن الذين عاشوا في عصر التابعين لم يكونوا كطبقة الصحابة رضي الله عنهم في العدالة والضبط والإمامة في التفسير ؛ بل كانوا على درجات، فمنهم التابعون بإحسان وهم الذين أثنى الله عليهم، ومنهم دون ذلك؛ فلم يكن لهم ما كان للصحابة رضي الله عنهم من الحكم بعدالة جميعهم، وعصمتهم من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعصمتهم من القول في التفسير بالرأي المذموم، وقد نبّه الصحابة التابعين إلى أن لا يأخذوا العلم إلا من أهله.
- قال مجاهد: جاء بشير العدوي إلى ابن عباس، فجعل يحدث، ويقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل ابن عباس لا يأذن لحديثه، ولا ينظر إليه؛ فقال: يا ابن عباس، مالي لا أراك تسمع لحديثي، أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تسمع، فقال ابن عباس: (إنا كنا مرة إذا سمعنا رجلا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ابتدرته أبصارنا، وأصغينا إليه بآذاننا، فلما ركب الناس الصعب والذلول لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف). رواه مسلم في المقدمة.
وقال طاووس بن كيسان: سمعت ابن عباس، يقول: «إنا كنا نحفظ الحديث، والحديث يحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأما إذا ركبتم الصعب والذلول، فهيهات» رواه مسلم في مقدمته وابن ماجه واللفظ له.
والأمر الثاني: كثرة الفتن وحروب الفتنة في عصرهم، وكان لذلك أثره في ظهور بعض التأوّلات الخاطئة، والعصبية لبعض الأهواء.
والأمر الثالث: نشأة الفرق والأهواء؛ واستفحال خطر بعضها ولا سيّما في آخر عصر التابعين؛ كالخوارج والشيعة والمرجئة والقدرية والمعتزلة.
وكان من الصحابة والتابعين لهم بإحسان من يحذّر من تلك الفرق، ويوصي بلزوم السنة، ويروي ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك.
- ابن أبي مليكة، عن القاسم بن محمد، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {هو الذي أنزل عليك الكتاب، منه آيات محكمات هن أم الكتاب، وأخر متشابهاتفأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب} قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم» رواه البخاري.
- وقال يحيى بن يعمر: كان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهني؛ فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري حاجين - أو معتمرين - فقلنا: لو لقينا أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر، فوفق لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب داخلا المسجد، فاكتنفته أنا وصاحبي أحدنا عن يمينه، والآخر عن شماله، فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إليَّ؛ فقلت: أبا عبد الرحمن إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرءون القرآن، ويتقفرون العلم، وذكر من شأنهم، وأنهم يزعمون أن لا قدر، وأن الأمر أنف، قال: «فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم، وأنهم برآء مني، والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أنَّ لأحدهم مثل أحد ذهبا، فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر» رواه مسلم.
- وقال ابن عباس: (لا تجالس أهل الأهواء فإن مجالستهم ممرضة للقلوب). رواه الفريابي والآجري واللالكائي وابن بطة.
- وقال محمّد بن عليّ بن أبي طالب المعروف بابن الحنفيّة: «لا تجالسوا أصحاب الخصومات، فإنّهم الّذين يخوضون في آيات اللّه» رواه الدارمي وابن بطة.
- وقال أبو قلابة الجرمي: (لا تجالسوا أهل الأهواء، ولا تجادلوهم فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم ، أو يلبسوا عليكم ما كنتم تعرفون). رواه الدارمي والبيهقي وابن وضاح.
- وقال ميمون بن مهران: (لا تجالسوا أهل القدر، ولا تسبوا أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- ولا تعلموا النجوم).
والأمر الرابع: ظهور العُجمة بسبب اتّساع الفتوحات واختلاط العجم بالعرب، ووقوع اللحن، ولمّا رأى ذلك الصحابة رضي الله عنهم؛ حضوا على تعلّم العربية والتفقّه فيها، وحذّروا من اللحن خشية أن يُتأوّل القرآن على غير تأويله.
- عن عمر بن زيد قال : كتب عمر [بن الخطاب] إلى أبي موسى : أما بعد فتفقهوا في السنة , وتفقهوا في العربية , وأعربوا القرآن فإنه عربي , وتمعددوا فإنكم معديون). رواه ابن أبي شيبة.
- عن يحيى بن يعمر عن أبي بن كعب قال: تعلموا العربية في القرآن كما تتعلمون حفظه). رواه ابن وهب وابن أبي شيبة.
- عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أنه كان يضرب ولده على اللحن. رواه ابن أبي شيبة.
- وقال يحيى بن عتيق للحسن البصري: أرأيت الرجل يتعلم العربية ليقيم بها لسانه ويصلح بها منطقه.
قال: نعم، فليتعلمها، فإن الرجل يقرأ بالآية فيعيها بوجوهها فيهلك). رواه ابن وهب.
- قال رجل للحسن [البصري] : يا أبا سعيد ، والله ما أراك تلحن!! فقال : (يا ابن أخي ، إني سبقت اللحن). رواه ابن أبي شيبة.
وقد أدّى ظهور العجمة ببعض المشتغلين بالعلم في ذلك العصر إلى إساءة فهم بعض معاني القرآن؛ وكان علماء التابعين يبيّنون لهم، ويحّذرون من العجمة، وقد خالف في ذلك بعض أهل الأهواء فضلّوا.
- قال عبيدة بن زيد النميري: سمعت الحسن يقول: (أهلكتهم العُجمة يتأولون القرآن على غير تأويله). رواه ابن وهب وابن أبي شيبة.
والأمر الخامس: إسلام بعض أحبار اليهود، ونشرهم ما قرؤوه من كتب أهل الكتاب من الإسرائيليات التي كثر التحديث بها في عصرهم، وكان من التابعين من يأخذ عن هؤلاء ويروي عنهم، وكان من التابعين من يقرأ في كتب أهل الكتاب، ويحدّث منها.
والأمر السادس: كثرة القُصّاص والأخباريين ؛ الذين يعقدون مجالس للوعظ والتذكير والقصص والحكايات التي يدخل في كثير منها أخطاء في الرواية والدراية، ومنهم من تروج قصصه وأخباره ومواعظه حتى يدوّنها بعض المعتنين بالتفسير، وخرج من أولئك القُصّاص والأخباريين من تكلّم في التفسير؛ فأدخل في كتب التفسير من ذلك ما أدخل؛ كالسدي والكلبي.
ولما فطن الصحابة وكبار التابعين لأغلاط هؤلاء القصاص تجنبوا مجالسهم ، وحذروا منهم.
- قال الإمام مالك: كان عبد الله بن عمر يقول لبعض من كان يقصّ: «أخرجني من بيتي». رواه ابن وهب في جامعه.
- وقال حماد بن زيد: حدثنا عاصم، قال: كنا نأتي أبا عبد الرحمن السلمي ونحن غلمة أيفاع، فكان يقول لنا: «لا تجالسوا القصاص غير أبي الأحوص». رواه مسلم.
وأبو الأحوص هو عوف بن مالك الجشمي تابعيّ ثقة، وكان يقص، ومن ثقات القصاص أيضاً: أبو حازم سلمة بن دينار، كان ثقة كثير الحديث.
لكن من كان يظهر منه الخطأ الفاحش في الرواية من القصّاص، والتخليط بين الصحيح والضعيف، والقول الذي منشؤه الفهم الخاطئ، ومعارضة الأدلة الصحيحة كانوا يحذّرون منه.
والأمر السابع: ظهور بعض مظاهر التفريط والإفراط؛ ومخالفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فظهر بعض الغلاة الذين جاوزا الحدّ المشروع فشقوا على أنفسهم، وظهر بعض المفرّطين الذين فتنوا بأنواع من الفتن؛ كفتنة المال وفتنة الجاه وفتنة السلطان.
وكان الصحابة رضي الله عنهم يحذّرونهم من هذه الفتن، وكان كبار التابعين وعلماؤهم يحذّرون سائرهم وينصحون لهم في ذلك.
- قال ميمون بن مهران: «يا أصحاب القرآن لا تتخذوه بضاعة تلتمسون به الشرف في الدنيا ، واطلبوا الدنيا بالدنيا، والآخرة بالآخرة»
- وقال أبو العالية الرياحي: (لا تذهب الدنيا حتى يخلق القرآن في صدور قوم ويبلى كما تبلى الثياب إن قصروا عما أمروا به، قالوا: سيغفر لنا، وإن انتهكوا ما حرم عليهم، قالوا: إنا لن نشرك بالله شيئا، أمرهم إلى الضعف الذي لا يخالطه مخافة يلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب، أفضلهم في أنفسهم المداهن).
والمقصود أن هذه الأمور كان لها آثارها في ذلك العصر على تعلّم التفسير وتعليمه، ولذلك تفاوت أهل ذلك العصر؛ لكن بقي عامة التابعين مستمسكين بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحسنوا اتّباعهم؛ وهم أكثر الذين حُمل عنهم العلم، ونقلت إلينا أقوالهم ومروياتهم في التفسير؛ فحملوا هذا العلم خير محمل، ونقل من عملهم به وصلاح أحوالهم ما كانوا به أئمة يقتدى بهم، وأدوا هذا العلم أداء حسنا لمن بعدهم.
وأما الذين يظهر منهم ضعف وتخليط في القول في التفسير أو في رواية أحاديث التفسير وآثاره؛ أو يظهر منه انتحال لفرقة من الفرق، ونحو ذلك مما يقدح في أهليته لأن يُتلقّى عنه العلم أو تقبل روايته أو يقبل قوله؛ فإنّ الأئمة النقّاد قد بيّنوا حاله، وتكلّموا في شأنه بما يكفي ويشفي بإذن الله.
وكان أثر هذه الأمور في عصر التابعين أقلّ منه فيمن بعدهم، وكلّ قرن يأتي على الناس تكون الفتنة فيه أشد.
طبقات المفسرين من التابعين:
كان المشتغلون بالتفسير من التابعين على طبقات:
الطبقة الأولى: طبقة أئمة أهل التفسير من التابعين الذين اعتنوا بالتفسير على الطريقة التي تعلّموها من الصحابة رضي الله عنهم رواية ودراية، ومنهم: محمد بن الحنفية، وعَبيدة السلماني، ومسروق بن الأجدع الهمداني، وأبو العالية رفيع بن مهران الرياحي، والربيع بن خثيم الثوري، ومرة بن شراحيل الهمداني، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وشريح القاضي، وقيس بن أبي حازم، والأسود بن يزيد النخعي، وعلقمة بن قيس النخعي، وأبو وائل شقيق بن سلمة، وأبو الأحوص عوف بن مالك الجشمي، وزرّ بن حبيش، وصلة بن زفر، وأبو عبد الرحمن السلمي، وأبو رجاء العطاردي، وسعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله بن عمر، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وأخوه حميد، وخارجة بن زيد، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وعليّ بن الحسين بن علي، وسعيد بن جبير، وإبراهيم النخعي، وعمر بن عبد العزيز، ومجاهد بن جبر، وطاووس بن كيسان اليماني، وعكرمة مولى ابن عباس، وعطاء بن أبي رباح، وعامر بن شراحيل الشعبي، وأبو ميسرة عمرو بن شراحيل الهمداني، وعمرو بن ميمون الأودي، وعبد الله بن أبي مليكة، وأبو الشعثاء جابر بن زيد، وأبو الجوزاء أوس بن عبد الله الربعي، وأبو قلابة الجرمي، وأبو مجلز لاحق بن حميد، وأبو عبد الرحمن الحبُلِّي، وأسلم العدوي مولى عمر بن الخطاب، وابنه زيد بن أسلم، ونافع مولى ابن عمر، والحسن البصري، ومحمد بن سيرين، وقتادة بن دعامة السدوسي، ومحمد بن المنكدر، وعبد الرحمن بن سابط، ومكحول الدمشقي، ومحمد بن كعب القرظي، وأبو أيوب ميمون بن مهران، ومحمد بن مسلم ابن شهاب الزهري، وأبو نضرة العبدي، وأبو الضحى مسلم بن صبيح القرشي، وسالم بن أبي الجعد الأشجعي، وأيوب بن أبي تميمة السختياني، وسليمان بن مهران الأعمش، وغيرهم كثير.
وهؤلاء عامّتهم من الأئمة الثقات، وهم أكثر من يروى عنه التفسير في كتب التفسير المسندة التي بين أيدينا، ولهم أقوال في التفسير ولهم مرويات عن الصحابة وعن كبار التابعين، على تفاضل بينهم في الرواية والدراية، وإنما أكثرت من تعداد هذه الأسماء لتتبيّن كثرة المعتنين بالتفسير من ثقات التابعين، وأنّهم حملوا أمانة هذا العلم من الصحابة خير محمل، ورعوه أحسن رعاية، وأدّوه إلى من بعدهم أداء جميلاً في روايته ودرايته.
وقد يدخل في بعض رواياتاتهم وأقوالهم بعض الخطأ ولذلك أسبابه التي تبحث في علل التفسير.
الطبقة الثانية: طبقة الثقات من نقلة التفسير، وهم من الأئمة الذين رووا تفاسير الصحابة وكبار التابعين، وأدّوها كما سمعوها، ولا تكاد تحفظ لهم أقوال في التفسير منسوبة إليهم، وإنما الذي بلغنا عنهم أنهم كانوا يروون التفسير رواية، وكانت روايتهم مما يحتجّ به في الجملة.
ومن هؤلاء: سعيد بن نمران، وعبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي، وحسان بن فائد، وأربدة التميمي، وسعيد بن أبي سعيد المقبري، والربيع بن أنس البكري، وأبو المتوكّل الناجي، وأبو تميمة طريف بن مجالد الهجيمي، وأبو حازم سلمة بن دينار، وأبو الزبير المكي.
الطبقة الثالثة: الذين تنقل عنهم الأقوال في التفسير، ولهم مرويات فيه، وهم متكلّم فيهم عند أهل الحديث، بسبب كثرة خطئهم في الرواية، إما بسبب تحديث بعضهم عن المجاهيل وكثرة الإرسال، أو روايتهم لبعض الأخبار المنكرة المخالفة لروايات الثقات؛ أو تدليسهم؛ فهؤلاء في جانب رواية الأحاديث لم يكونوا ممن تعتمد روايتهم، لكن لبعضهم أقوال حسنة في التفسير؛ ولهم به عناية بجمعه وروايته، وربما اجتمع لديهم من الروايات في التفسير ما لم يجتمع لكثير من الناس بسبب عدم تثبّتهم في تلقي الروايات؛ فكان من أهل العلم من يتوقّى حديثهم، ويحذّر منهم، ومنهم من يحمل عنهم التفسير لأجل ذلك؛ ويكون في أقوالهم صواب وخطأ، وفي مروياتهم ما يعرف وما ينكر.
ومن هؤلاء: الحارث بن عبد الله الهمداني المعروف الحارث الأعور، وشهر بن حوشب، وعطية بن سعد العوفي، والسدي الكبير.
وليسوا على درجة واحدة في الضعف.
1: الحارث بن عبد الله الهمداني (65هـ)
- روى عن علي وابن مسعود وزيد بن ثابت وغيرهم.
- وروى عنه أبو إسحاق السبيعي وأبو البختري الطائي وعطاء بن أبي رباح وغيرهم.
- كذّبه الشعبي، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال ابن حبان: (كان الحارث غاليا في التشيع واهيا في الحديث)، ونفى عنه بعضهم تعمّد الكذب، لكن ضعّفوه جدا لأجل تشيعه ورواياته المنكرة، وكان في أوّل أمره يُثنى عليه بالعلم والفقه؛ لكنّه غلا في التشيّع، وقال أقوالاً رديئة ذكر بعضه الإمام مسلم في مقدمته، وقد كاد أن يقتل بسبب بعض أقواله.
مما روي عنه في التفسير:
- أبو إسحاق السبيعي عن الحارث عن علي في قوله تعالى: {وشاهد ومشهود} وقال: «الشاهد يوم الجمعة , والمشهود يوم عرفة»). رواه عبد الرزاق.
2: أبو صالح باذام مولى أمّ هانئ (ت: 92هـ تقريباً )
روى عن مولاته أمّ هانئ بنت أبي طالب، وعن أخيها عليّ بن أبي طالب، وعن أبي هريرة وابن عباس وغيرهم.
- قال ابن أبي خيثمة عن ابن معين: (ليس به بأس، وإذا روى عنه الكلبي فليس بشيء). وذلك لأن الكلبي كان يكذب عليه كثيراً.
- وقال أبو حاتم: "يكتب حديثه ولا يحتج به".
- وقال النسائي: "ليس بثقة".
- وقال ابن عدي: (عامة ما يرويه تفسير، وما أقل ما له من المسند، وفي ذلك التفسير ما لم يتابعه عليه أهل التفسير، ولم أعلم أحدا من المتقدمين رضيه).
3: شهر بن حوشب الأشعري (ت: 100هـ)
يروي عن أبي هريرة وعائشة وابن عباس وأبي سعيد الخدري وغيرهم.
- وقرأ القرآن على ابن عباس.
- وله أقوال في التفسير، وله مرويات كثيرة في كتب التفسير؛ وقد اختلف فيه الأئمة النقّاد تركه شعبة وقال: (إنّ شهراً نزكوه) أي طعنوا فيه، وقال أبو حاتم: لا يكتب حديثه، ووثّقه الإمام أحمد، وقال ابن حجر: صدوق كثير الإرسال والأوهام.
- ومروياته في التفسير تعرف منها وتنكر؛ فيها ما يخالف فيه ما صح عن الثقات، ويروي بعض الإسرائيليات في التفسير من غير إسناد.
- وخلاصة القول فيه: أنه لا يُقبل تفرّده في المرويات؛ ويعتبر حديثه في الشواهد والمتابعات، وأمّا أقواله في التفسير؛ فما كان له وجه صحيح فيقبل، وما توقّف القبول فيه على صحّة الرواية فلا يعتمد.
قال ابن جرير: (حدثنا الحسن، قال: حدثنا عفان. قال: حدثنا أبو عوانة، عن موسى البزار، عن شهر بن حوشب، عن ابن عباس، قال: الرعْد ملك يسوق السحاب بالتسبيح، كما يسوق الحادي الإبل بحداته).
جعل الرعد اسماً للملَك وهذا خلاف معنى العهد الذهني في الرعد.
4: عطية بن سعد بن جنادة العوفي الجدلي (ت:111هـ)
- روى عن أبي سعيد وأبي هريرة وابن عباس وابن عمر وغيرهم.
له مرويات وأقوال كثيرة في التفسير، وحدّث بأحاديث صالحة عن أبي سعيد الخدري وعن غيره، ثم دلّس بعدها عن بعض الضعفاء؛ فاختلط صحيح حديثه بضعيفه؛ فمن أهل العلم من ترك حديثه، ومنهم من رأى أن يكتب حديثه ليميّز صحيحه من ضعيفه، وهو في نفسه لم يكن متّهماً بالكذب، لكنه كان يروي عن الضعفاء ولا يبيّن حالهم، وربّما كنّاهم بما لا يُعرفون به.
- قال أحمد بن حنبل: (ضعيف الحديث).
- وقال أبو حاتم: (ضعيف يكتب حديثه).
- وقال ابن حبان: (سمع من أبي سعيد الخدري أحاديث، فلما مات أبو سعيد، جعل يجالس الكلبي ويحضر قصصه، فإذا قال الكلبي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، فيحفظه، وكناه أبا سعيد، ويروي عنه، فإذا قيل له: من حدثك بهذا؟ فيقول: حدثني أبو سعيد، فيتوهمون أنه يريد أبا سعيد الخدري، وإنما أراد به الكلبي، فلا يحل الاحتجاج به ولا كتابة حديثه إلى على جهة التعجب).
- وقال ابن سعد: (كان ثقة إن شاء الله، وله أحاديث صالحة، ومن الناس من لا يحتجّ به).
- قال بن عدي: (قد روى عن جماعة من الثقات ولعطية عن أبي سعيد أحاديث عدة وعن غير أبي سعيد وهو مع ضعفه يكتب حديثه وكان يعد مع شيعة أهل الكوفة).
مما روي عنه في التفسير:
له مرويات وأقوال كثيرة في كتب التفسير، وأكثر ما يروى عنه السلسلة المشهورة بالضعف في كتب التفسير، وهي التي يرويها عنه أبناؤه.
قال ابن أبي حاتم: (أخبرنا محمد بن سعد بن محمد بن الحسن بن عطية العوفي فيما كتب إلي حدثني أبي ثنا عمي عن أبيه عن جده عن عبد الله بن عباس...)
وروى ابن أبي حاتم فيما طبع من تفسيره نحو ثلاثمائة رواية بهذا الإسناد الضعيف.
وقال ابن جرير الطبري: (حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي الحسين بن الحسن، عن أبيه، عن جده [عطية بن سعد العوفي] عن ابن عباس...)
وروى بهذا الإسناد أكثر من ألف وثلاثمائة رواية.
مما روي عنه في التفسير:
أ: فضيل بن مرزوق، عن عطية العوفي في قوله: {ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا}، قال: أمرت أن تشهد، فإن شئت فاشهد، وإن شئت فلا تشهد). رواه ابن جرير.
ب: فضيل بن مرزوق، عن عطية العوفي، عن عبد الله بن عمير قال: نزلت هذه الآية، في الأعراب: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} قال: فقال رجل: فما للمهاجرين؟ قال، ما هو أعظم من ذلك: "إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما"، وإذا قال الله لشيء:"عظيم"، فهو عظيم). رواه ابن جرير، وهو ضعيف من أجل عطية هذا.
ج: قال ابن جرير: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي قال: ثني عمي قال: ثني أبي قال: عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: {أولم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا} ففتقناهما الآية، يقول: كانتا ملتصقتين، فرفع السماء , ووضع الأرض).
5: إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة السدي الكوفي(ت:127هـ)
قيل: كان يقعد في سدة باب الجامع فسمى السُدّي، وهو السدّي الكبير.
وهو رجل صالح في نفسه؛ كان يعظ ويفسّر القرآن، لكنّه كان يخلط الصحيح بالضعيف من غير تمييز.
روى عن ابن عباس وأنس بن مالك وعن مرة الهمداني وأبي صالح مولى أمّ هانئ، وأبي مالك الغفاري وغيرهم.
وروى عنه: شعبة وسفيان الثوري وأسباط بن نصر وأبو بكر بن عياش، وغيرهم.
- وثّقه الإمام أحمد ، وقال يحيى بن سعيد القطان: لا بأس به، وقال أبو حاتم: يُكتب حديثه، وضعّفه عبد الرحمن بن مهدي ويحيى بن معين.
- وقال العجلي: (ثقة عالم بالتفسير راوية له).
وقد كتب السدي كتاباً كبيراً في التفسير جمعه من أربعة طرق:
أ: من طريق أبي مالك الغفاري عن ابن عباس.
ب: ومن طريق أبي صالح مولى أمّ هانئ عن ابن عباس.
ج: ومن طريق مرة بن شراحيل الهمداني عن ابن مسعود.
د: ومما رواه هو عن ناس من الصحابة لم يسمّهم، ولا ندرى هل روايته عنهم متصلة أو مرسلة.
وكتب من هذه الطرق تفسيره الكبير ووضع الإسناد في أوّله؛ فكان مَن يروي عنه هذا التفسير يختصر حكاية تلك الطرق فيقول: (عن السدي عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس - وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود - وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم).
وما في ضمن هذا التفسير لم يميّز فيه ما رواه عن كل طريق من هذه الطرق.
فكان ابن جرير يروي تفسير السدي مفرّقا على الآيات ويكرر الإسناد، كما قال في تفسير قول الله تعالى: {مالك يوم الدين}: (حدثني موسى بن هارون الهمداني، قال: حدثنا عمرو بن حماد القناد، قال: حدثنا أسباط بن نصر الهمداني، عن إسماعيل بن عبد الرحمن السدي، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس - وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود - وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: {ملك يوم الدين} ، هو يوم الحساب).
فمن يقرأ هذا الكلام، وهو لا يعرف تفسير السدّي قد يتوهّم أنّ السدّي يروي هذا التفسير عن كلّ أؤلئك؛ فربما نسب بعضهم هذا القول إلى ابن عباس، وربما نسبه بعضهم إلى ابن مسعود، وربما نسبه بعضهم إلى جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس الأمر هكذا، فقد يكون إنما روى هذا التفسير عن طريق واحد من تلك الطرق، وقد يكون في بعض تلك الطرق ضعف؛ فلم يتميّز الصحيح من الضعيف.
وقد تكلّم فيه بعض أهل العلم بسبب صنيعه هذا؛ فإنّه خلط الصحيح بالضعيف من غير تمييز.
قال ابن حجر: (ومنهم إسماعيل بن عبد الرحمن السدي -بضم المهملة وتشديد الدال- وهو كوفي صدوق، لكنه جمع التفسير من طرق منها عن أبي صالح عن ابن عباس، وعن مرة بن شراحيل، عن ابن مسعود، وعن ناس من الصحابة وغيرهم
وخلط روايات الجميع فلم تتميز رواية الثقة من الضعيف، ولم يلق السدي من الصحابة إلا أنس بن مالك).
الطبقة الرابعة: طبقة ضعفاء النقلة؛ لغلبة المناكير على مروياتهم، وكثرة أخطائهم في الرواية، وقد يكون منهم من هو صالح في نفسه لكنّه لا يقيم الحديث؛ من كثرة ما يخطئ في الرواية، ويكون منهم منكر الحديث، وهم ليسوا على درجة واحدة في الضعف.
ومن هؤلاء: أبو صالح مولى أمّ هانئ، وعلي بن زيد بن جدعان، وأبان بن أبي عياش، ويزيد بن أبان الرقاشي، وعبد الله بن يزيد الدالاني، وأبو هارون العبدي.
1: علي بن زيد بن جدعان (ت:131هـ)
قال الإمام أحمد: ليس بالقوي، وقال يحيى بن معين: (ضعيف في كل شيء). وقال أبو حاتم: (ليس بقوي يكتب حديثه ولا يحتج به).
يروي إسرائيليات عن سعيد بن المسيب، وعن يوسف بن مهران عن ابن عباس.
من مروياته:
قال ابن أبي حاتم: (حدثنا أحمد بن عصام، ثنا أبو أحمد الزبيري، ثنا سفيان، عن علي بن زيد بن جدعان، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس قال: «لما كان نوح في السفينة قرط الفار حبال السفينة فشكى ذلك، فأوحي إليه فمسح ذنب الأسد فخرج سنوران، وكان في السفينة عذرة فشكى فأوحي إليه فمسح ذنب الفيل، فخرج خنزيران»).
3: يزيد بن أبان الرقاشي (ت: 125هـ تقريباً)
- قال عبد الله بن إدريس: سمعت شعبة يقول: (لأن أزني أحب إلي من أن أروي عن يزيد وأبان).
- وقال أبو داود عن أحمد: (لا يكتب حديث يزيد)
قلت: فلم ترك حديثه لهوى كان فيه؟
قال لا، ولكن كان منكر الحديث، وكان شعبة يحمل عليه وكان قاصا.
- وقال ابن أبي خيثمة عن ابن معين: رجل صالح وليس حديثه بشيء.
- وقال أبو حاتم: (كان واعظا بكاء كثير الرواية عن أنس بما فيه نظر وفي حديثه ضعف).
من مرويّاته في التفسير:
قال ابن جرير: حدثنا علي بن شعيب السمسار، قال: ثنا معن بن عيسى، قال: ثنا إبراهيم بن المهاجر بن مسمار، عن محمد بن المنكدر، عن يزيد بن أبان، عن أنس بن مالك، قال: «بعث النبي صلى الله عليه وسلم بعد ثمانية آلاف من الأنبياء، منهم أربعة آلاف من بني إسرائيل»
4: أبو هارون عمارة بن جوين العبدي (ت: 134هـ)
قال شعبة: (لأن أقدَّم فتضرب عنقي أحب إلي من أن أحدث عنه).
قال أحمد: (ليس بشيء).
وقال النسائي: (متروك الحديث).
وقال الجوزجاني: (كذاب مفتر).
من مروياته في التفسير:
قال ابن جرير: (حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري {ورفعناه مكانا عليا} قال: في السماء الرابعة).
5: أبان بن أبي عياش العبدي (ت: 145هـ تقريباً)
قال أحمد بن حنبل: "متروك الحديث ترك الناس حديثه منذ دهر".
وقال أبو حاتم: (متروك الحديث، وكان رجلا صالحا ولكنه بلي بسوء الحفظ).
وقال ابن أبي حاتم: سئل أبو زرعة عنه فقال: "ترك حديثه, ولم يقرأه علينا فقيل له كان يتعمد الكذب؟
قال: لا، كان يسمع الحديث من أنس ومن شهر ومن الحسن فلا يميز بينهم"
من مروياته في التفسير:
قال عبد الرزاق: عن معمر , عن أبان بن أبي عياش , في قوله تعالى: {حور مقصورات في الخيام} يرفعه إلى أبي موسى الأشعري , قال: «بلغني أن الخيمة من خيام الجنة يكون طولها ستين ميلا ولكل ناحية منها أهل , ما يرى بعضهم بعضا وهي درة واحدة»
6: عبد الله بن يزيد بن آدم الدالاني الدمشقي (ت: 145هـ)
- قال عنه الإمام أحمد: (أحاديثه موضوعة).
- وقال الجوزجاني: (أحاديثه منكرة).
مما روي عنه في التفسير:
- قال ابن جرير: (حدثنا موسى بن سهل الرملي قال، حدثنا محمد بن عبد الله، قال: حدثنا فياض بن محمد الرقي قال: حدثنا عبد الله بن يزيد بن آدم، عن أبي الدرداء وأبي أمامة قالا: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: من الراسخ في العلم؟ قال:"من برت يمينه، وصدق لسانه، واستقام به قلبه، وعف بطنه، فذلك الراسخ في العلم).
تعلّم التابعون تفسير القرآن من الصحابة رضي الله عنهم، وقد أقرأهم الصحابة القرآن وعلّموهم معانيه على الطريقة التي كانوا يتعلمون بها من النبي صلى الله عليه وسلم، ومن كبار أصحابه، وكانوا يجيبون التابعين على أسئلتهم عن معاني القرآن، وعما يشكل عليهم، وربّما ابتدؤوهم بالتفسير والوصايا والتنبيه على الأخطاء؛ فكان تعليم الصحابة رضي الله عنهم أحسن تعليم للقرآن بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد نشأ التابعون على تعظيم القرآن، وتبجيل أهله، والحذر من القول في القرآن بغير علم، وعلى تعلّم معاني القرآن كما يتعلّمون ألفاظه، وهذا من حيث الجملة.
وقد عرف التابعون من كتاب الله تعالى أن فلاحهم وفوزهم ورضوان الله تعالى عليهم مشروط بإحسان اتّباعهم للصحابة رضي الله عنهم، كما قال الله تعالى: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم}
- قال أبو صخر حُميد بن زياد: قلت لمحمد بن كعب القرظي يوما: ألا تخبرني عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما كان من رأيهم؟ وإنما أريد الفتن.
فقال: (إن الله قد غفر لجميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأوجب لهم الجنة في كتابه محسنهم ومسيئهم).
قلت: في أي موضع أوجب الله لهم الجنة في كتابه.
فقال: سبحان الله ألا تقرأ قوله: {والسابقون الأولون ...} إلى آخر الآية؛ فأوجب الله لجميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الجنة والرضوان، وشرط على التابعين شرطا لم يشرطه عليهم.
قلت: وما اشترط عليهم؟
قال: (اشترط عليهم أن يتبعوهم بإحسان، يقول: يقتدون بأعمالهم الحسنة، ولا يقتدون بهم في غير ذلك).
قال أبو صخر: فو الله لكأني لم أقرأها قط، وما عرفت تفسيرها حتى قرأها علي محمد بن كعب). رواه ابن عساكر.
- قال عبد الله بن وهب: حدثني عبد الرحمن [بن زيد بن أسلم]: في قوله: {والذين اتبعوهم بإحسان}: «من بقي من أهل الإسلام إلى أن تقوم الساعة»). رواه ابن جرير وابن أبي حاتم.
- وكان الصحابة رضي الله عنهم ينبّهون التابعين على هذا المعنى؛ كما روى ابن أبي حاتم في تفسيره من طريق إسحاق بن سليمان، قال: حدّثنا أبو سنانٍ [الشّيبانيّ] عن ابن عبّاسٍ أنه أتاه رجلٌ فذكر بعض أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم ورضي عنهم، كأنه يتنقَّص بعضهم؛ فقال ابن عبّاسٍ: {والسّابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار والّذين اتّبعوهم بإحسانٍ} أمّا أنت فلم تتّبعهم بإحسانٍ).
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيما روي عنه يقرأ هذه الآية هكذا {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصارُ الذين اتّبعوهم بإحسان رضي الله عنهم...} الآية.
فتكون {الذين اتبعوهم..} صفة للأنصار، ولعلها كانت القراءة الأولى، ثم نزلت الواو بعد ذلك.
- روى أبو معشر عن محمد بن كعب القرظي قال: مرَّ عمر بن الخطاب برجل يقرأ: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه}.
قال: فأخذ عمر بيده؛ فقال: من أقرأك هذا؟
قال: أبي بن كعب.
فقال: لا تفارقني حتى أذهب بك إليه؛ فلما جاءه قال عمر: أنت أقرأت هذا هذه الآية هكذا؟
قال: نعم.
قال: أنت سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قال: نعم.
قال: لقد كنت أظنّ أنا رُفعنا رفعة لا يبلغها أحد بعدنا!
فقال أبيّ: بلى، تصديق هذه الآية في أول سورة الجمعة: {وآخرين منهم لما يلحقوا بهم} إلى: {وهو العزيز الحكيم} ، وفي سورة الحشر: {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان} ، وفي الأنفال: {والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم}.. إلى آخر الآية). رواه ابن وهب وابن جرير، ولهذه القراءة شاهد آخر عند ابن جرير، وذكر أنها قراءة مروية عن الحسن البصري، ولعلها مما ترك قراءته.
طرق التابعين في تعلّم التفسير:
كان للتابعين طرق في تعلّم التفسير من أشهرها:
1: حضور مجالس التفسير وحلقه التي كان يقيمها بعض المفسرين من الصحابة رضي الله عنهم، كما روي عن ابن مسعود وابن عباس وغيرهما، وكان لهم أصحاب يواظبون على حضور مجالسهم؛ فينتفعون بها، ويتعلّمون منهم التفسير كما يتعلمون منهم القرآن.
قال ابن جرير: حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي، قال: حدثنا أبي، عن أبيه، عن جده، عن الأعمش، عن مسلم، عن مسروق، قال: (كان عبدُ الله يقرأ علينا السُّورة، ثم يحدِّثنا فيها ويفسِّرها عامَّةَ النهار).
عبد الله هو ابن مسعود.
2: طريقة العرض والسؤال؛ فيقرأ التابعي القرآن على الصحابي ويسأله عن معاني الآيات التي يقرؤها.
- قال مجاهد: (لقد عرضت القرآن على ابن عباس ثلاث عرضات أقف عند كل آية أسأله فيم أنزلت، وفيم كانت؟ فقلت: يا ابن عباس، أرأيت قول الله تعالى: {فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله} قال: «من حيث أمركم أن تعتزلوهن»). رواه الدارمي.
- وقال أبيّ بن كعب لزرّ بن حبيش: (لا تريد أن تدع آية في كتاب الله تعالى إلا سألتني عنها!! ) رواه الإمام أحمد.
- وقال الشعبي: (والله ما من آية إلا قد سألت عنها). رواه ابن جرير.
- وقال قتادة: (ما في القرآن آية إلا قد سمعت فيها بشيء). رواه عبد الرزاق.
3: طريقة الكتابة والتقييد
فكان من التابعين من يكتب ما يسمع من التفسير من بعض الصحابة رضي الله عنهم،
- قال ابن أبي مليكة: (رأيت مجاهدًا يسأل ابن عباسٍ عن تفسير القرآن ومعه ألواحه فيقول له ابن عباسٍ: اكتب , قال: حتى سأله عن التفسير كله) رواه ابن جرير.
- وقال عثمان بن حكيمٍ: سمعت سعيد بن جبيرٍ يقول: (كنت أسير مع ابن عباسٍ في طريق مكة ليلاً، فكان يحدثني بالحديث فأكتبه في واسطة الرحل حتى أصبح فأكتبه). رواه الدارمي.
-وقال مندل بن علي العنزي:حدثني جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبيرٍ قال: كنت أجلس عند ابن عباسٍ فأكتب في الصحيفة حتى تمتلئ..). رواه الدارمي.
4: طريقة الملازمة
فكان منهم من يلزم أحد الصحابة مدّة حتى يأخذ عنه العلم والهدي والسمت، ثم ينتقل إلى غيره حتى يحصّل علماً كثيراً.
- الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال: لقد جالست أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - فوجدتهم كالإخاذ. فالإخاذ يروي الرجل والإخاذ يروي الرجلين والإخاذ يروي العشرة والإخاذ يروي المائة والإخاذ لو نزل به أهل الأرض لأصدرهم. فوجدت عبد الله بن مسعود من ذلك الإخاذ). رواه ابن سعد والبيهقي وابن عساكر.
- حماد بن زيد، عن عاصم، عن زر، قال: (قدمت المدينة؛ فلزمت عبد الرحمن بن عوف وأبيًّا). رواه ابن سعد.
- قال عبد الله بن إدريس: سمعت ليثا يذكر عن الشعبي قال: (أقمت بالمدينة مع عبد الله بن عمر ثمانية أشهر أو عشرة أشهر). رواه ابن سعد.
5: طريقة المراسلة
- قال ابن أبي مليكة: كتبت إلى ابن عباس أسأله عن شهادة الصبيان، فكتب إلي: إن الله عز وجل يقول: {ممن ترضون من الشهداء} فليسوا ممن نرضى، لا تجوز). رواه سعيد بن منصور.
6: طريقة عرض التفسير
وهي أن يعرض التابعي ما يظهر له من التفسير على شيخه فإن كان صواباً أقرّه وإلا صوّبه.
- قال الشافعي: أخبرني يحيى بن سليم، ثنا ابن جريج عن عكرمة قال: دخلت على ابن عباس رضي الله عنهما، وهو يقرأ في المصحف قبل أن يذهب بصره، وهو يبكي، فقلت: ما يبكيك يا ابن عباس جعلني الله فداك؟
قال: فقال: هل تعرف أيلة؟
قلت: وما أيلة؟
قال: قرية كان بها ناس من اليهود فحرم الله عليهم الحيتان يوم السبت، فكانت حيتانهم تأتيهم يوم سبتهم، شرعا بيضاء سمان، كأمثال المخاض بأفنياتهم وأبنياتهم، فإذا كان في غير يوم السبت لم يجدوها، ولم يدركوها إلا في مشقة ومئونة شديدة، فقال بعضهم لبعض أو من قال ذلك منهم: لعلنا لو أخذناها يوم السبت، وأكلناها في غير يوم السبت. ففعل ذلك أهل بيت منهم، فأخذوا فشووا، فوجد جيرانهم ريح الشواء، فقالوا: والله ما نرى أصحاب بني فلان شيء، فأخذوها آخرون حتى فشا ذلك فيهم، وكثر فافترقوا فرقا ثلاثا، فرقة أكلت، وفرقة نهت، وفرقة قالت: {لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم} عذابا شديدا. فقالت الفرقة التي نهت: إنا نحذركم غضب الله وعقابه، أن يصيبكم بخسف أو قذف أو ببعض ما عنده من العذاب، والله لا نبايتكم في مكان وأنتم فيه، وخرجوا من السور، فغدوا عليه من الغد، فضربوا باب السور، فلم يجبهم أحد، فأتوا بسلم فأسندوه إلى السور، ثم رقي منهم راق على السور، فقال: يا عباد الله قردة، والله لها أذناب تعاوى ثلاث مرات، ثم نزل من السور ففتح السور، فدخل الناس عليهم، فعرفت القردة أنسابها من الإنس، ولم تعرف الإنس أنسابها من القردة، قال: فيأتي القرد إلى نسيبه وقريبه من الإنس، فيحتك به، ويلصق، ويقول الإنسان: أنت فلان؟ فيشير برأسه أي نعم، ويبكي، وتأتي القردة إلى نسيبها وقريبها من الإنس، فيقول لها: أنت فلانة؟ فتشير برأسها أي نعم، وتبكي، فيقول لهم الإنس: أما إنا حذرناكم غضب الله وعقابه أن يصيبكم بخسف أو مسخ أو ببعض ما عنده من العذاب قال ابن عباس: فاسمع الله يقول «فأنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون» فلا أدري ما فعلت الفرقة الثالثة، قال ابن عباس: فكم قد رأينا من منكر فلم ننه عنه قال عكرمة: فقلت: ما ترى جعلني الله فداك أنهم قد أنكروا، وكرهوا حين قالوا لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا؟ فأعجبه قولي ذلك، وأمر لي ببردين غليظين فكسانيهما). رواه الحاكم في المستدرك وصححه.
- الزهري عن عروة بن الزبير قال: سألت عائشة رضي الله عنها فقلت لها: أرأيت قول الله تعالى: {إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما}، فوالله ما على أحد جناح أن لا يطوف بالصفا والمروة، قالت: بئس ما قلت يا ابن أختي، إن هذه لو كانت كما أولتها عليه، كانت: لا جناح عليه أن لا يتطوف بهما، ولكنها أنزلت في الأنصار، كانوا قبل أن يسلموا يهلون لمناة الطاغية، التي كانوا يعبدونها عند المشلل، فكان من أهل يتحرج أن يطوف بالصفا والمروة، فلما أسلموا، سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، قالوا: يا رسول الله، إنا كنا نتحرج أن نطوف بين الصفا والمروة، فأنزل الله تعالى: {إن الصفا والمروة من شعائر الله}. الآية قالت عائشة رضي الله عنها: «وقد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما، فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما» رواه البخاري.
7: التدارس والتذاكر
فكانوا يتدارسون التفسير فيما بينهم ويتذاكرونه، ويخبر بعضهم بعضاً بما عرف من التفسير، وما حفظ من الرواية فيه.
- قال يونس بن أبي إسحاق: قال الشعبي: أرسل إلي عبد الحميد بن عبد الرحمن، وعنده أبو الزناد عبد الله بن ذكوان مولى قريش، وإذا هما قد ذَكَرا من أصحاب الأعراف ذِكْرا ليس كما ذَكَرا، فقلت لهما: إن شئتما أنبأتكما بما ذكر حذيفة، فقالا هات!
فقلت: إن حذيفة ذكر أصحاب الأعراف فقال: (هم قوم تجاوزت بهم حسناتهم النار، وقصرت بهم سيئاتهم عن الجنة، فإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا: "ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين". فبينا هم كذلك، اطلع إليهم ربك تبارك وتعالى فقال:{اذهبوا وادخلوا الجنة، فإني قد غفرت لكم}). رواه ابن جرير الطبري.
تعظيم التابعين للقول في التفسير
كان من التابعين أئمة أحسنوا الاتّباع؛ فكانوا في تعلّمهم التفسير وتعليمه على الطريقة التي سبق بيانها عن الصحابة رضي الله عنهم، وكانوا يعظّمون شأن القرآن ويعظّمون أهله، ويحذرون ويحذّرون من القول في التفسير بغير علم.
- قال الشعبي: أدركت أصحاب عبد الله، وأصحاب علي وليس هم لشيءٍ من العلم أكره منهم لتفسير القرآن). رواه ابن أبي شيبة.
- وقال الشعبي: (والله ما من آية إلا قد سألت عنها، ولكنها الرواية عن الله). رواه ابن جرير.
- وذكر الأعمش عن أبي وائلٍ أنه كان إذا سئل عن شيءٍ من القرآن، قال: قد أصاب الله ما أراد).
- وقال محمد بن سيرين: سألت عَبيدة عن آيةٍ في كتاب الله؛ فقال: «عليك بتقوى الله والسداد، فقد ذهب الذين كانوا يعلمون فيم أنزل القرآن» رواه ابن أبي شيبة.
- وقال عمرو بن مرة:سأل رجلٌ سعيد بن المسيب عن آيةٍ من القرآن، فقال: «لا تسألني عن القرآن، وسل عنه من يزعم أنه لا يخفى عليه منه شيءٌ»، يعني: عكرمة). رواه ابن أبي شيبة.
- وقال القاسم بن محمد: «لأن يعيش الرجل جاهلا بعد أن يعلم حق الله عليه خير له من أن يقول ما لا يعلم» رواه الدارمي.
مزايا عصر التابعين:
وقد امتاز عصر التابعين بمزايا جليلة منها:
1: قربهم من عهد النبوة؛ ورؤيتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتتلمذهم على أيديهم، وتأدّبهم بآدابهم، ورؤيتهم لبعض آثار النبوة.
2: عيشهم في الحكم الرشيد الذي فيه عزّة للمؤمنين، ونصرة للسنة وحفظ لها، وحضّ على تعلّم العلم الصحيح ونشره، وتقديم أهل العلم والفضل، وهذا الأمر إنما يعرف قدره من رأى ما حصل في القرون التالية من تقريب لأهل الأهواء والبدع ؛ حتى آذوا أهل السنة إيذاء شديداً؛ كما حصل لمّا قرّب المأمون ومن بعده من الخلفاء المعتزلة الذين حملوا الناس على القول بخلق القرآن، وفتنوا المسلمين فتنة شديدة.
3: كونهم في عصر الاحتجاج اللغوي، فكانوا أقرب إلى السلامة من اللحن ممن أتى بعدهم، فلم يكن يعرف اللحن عن العلماء منهم، وإنما كان قد يقع بعضه من بعض الذين خالطوا العجم، أو ممن أسلم من العجم، ولم يكن سريان اللحن في أهل ذلك العصر كثيراً كما حصل في القرن الذي بعدهم.
4: كثرة حلقات العلم في زمانهم، ووفرة العلماء، وقلّة الأسانيد؛ وهذا أدعى لحفظ العلم وضبطه.
والمقصود أنّ عصر التابعين أفضل العصور بعد عصر الصحابة رضي الله عنهم، وما حدث في عصرهم من الفتن والآفات فنصيب عصرهم منه أقلّ بكثير من نصيب العصور التي أتت بعده، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم )). متفق عليه من حديث إبراهيم النخعي عن عبيدة السلماني عن ابن مسعود.
حوادث عصر التابعين
وحدث في عصر التابعين أمور كان الصحابة رضي الله عنهم في عافية منها، وابتلي بها عصر التابعين، وكان لهذه الأمور أثرها في تعلّم التفسير وتعليمه، ومنها:
الأمر الأول: أن الذين عاشوا في عصر التابعين لم يكونوا كطبقة الصحابة رضي الله عنهم في العدالة والضبط والإمامة في التفسير ؛ بل كانوا على درجات، فمنهم التابعون بإحسان وهم الذين أثنى الله عليهم، ومنهم دون ذلك؛ فلم يكن لهم ما كان للصحابة رضي الله عنهم من الحكم بعدالة جميعهم، وعصمتهم من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعصمتهم من القول في التفسير بالرأي المذموم، وقد نبّه الصحابة التابعين إلى أن لا يأخذوا العلم إلا من أهله.
- قال مجاهد: جاء بشير العدوي إلى ابن عباس، فجعل يحدث، ويقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل ابن عباس لا يأذن لحديثه، ولا ينظر إليه؛ فقال: يا ابن عباس، مالي لا أراك تسمع لحديثي، أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تسمع، فقال ابن عباس: (إنا كنا مرة إذا سمعنا رجلا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ابتدرته أبصارنا، وأصغينا إليه بآذاننا، فلما ركب الناس الصعب والذلول لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف). رواه مسلم في المقدمة.
وقال طاووس بن كيسان: سمعت ابن عباس، يقول: «إنا كنا نحفظ الحديث، والحديث يحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأما إذا ركبتم الصعب والذلول، فهيهات» رواه مسلم في مقدمته وابن ماجه واللفظ له.
والأمر الثاني: كثرة الفتن وحروب الفتنة في عصرهم، وكان لذلك أثره في ظهور بعض التأوّلات الخاطئة، والعصبية لبعض الأهواء.
والأمر الثالث: نشأة الفرق والأهواء؛ واستفحال خطر بعضها ولا سيّما في آخر عصر التابعين؛ كالخوارج والشيعة والمرجئة والقدرية والمعتزلة.
وكان من الصحابة والتابعين لهم بإحسان من يحذّر من تلك الفرق، ويوصي بلزوم السنة، ويروي ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك.
- ابن أبي مليكة، عن القاسم بن محمد، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {هو الذي أنزل عليك الكتاب، منه آيات محكمات هن أم الكتاب، وأخر متشابهاتفأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب} قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم» رواه البخاري.
- وقال يحيى بن يعمر: كان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهني؛ فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري حاجين - أو معتمرين - فقلنا: لو لقينا أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر، فوفق لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب داخلا المسجد، فاكتنفته أنا وصاحبي أحدنا عن يمينه، والآخر عن شماله، فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إليَّ؛ فقلت: أبا عبد الرحمن إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرءون القرآن، ويتقفرون العلم، وذكر من شأنهم، وأنهم يزعمون أن لا قدر، وأن الأمر أنف، قال: «فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم، وأنهم برآء مني، والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أنَّ لأحدهم مثل أحد ذهبا، فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر» رواه مسلم.
- وقال ابن عباس: (لا تجالس أهل الأهواء فإن مجالستهم ممرضة للقلوب). رواه الفريابي والآجري واللالكائي وابن بطة.
- وقال محمّد بن عليّ بن أبي طالب المعروف بابن الحنفيّة: «لا تجالسوا أصحاب الخصومات، فإنّهم الّذين يخوضون في آيات اللّه» رواه الدارمي وابن بطة.
- وقال أبو قلابة الجرمي: (لا تجالسوا أهل الأهواء، ولا تجادلوهم فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم ، أو يلبسوا عليكم ما كنتم تعرفون). رواه الدارمي والبيهقي وابن وضاح.
- وقال ميمون بن مهران: (لا تجالسوا أهل القدر، ولا تسبوا أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- ولا تعلموا النجوم).
والأمر الرابع: ظهور العُجمة بسبب اتّساع الفتوحات واختلاط العجم بالعرب، ووقوع اللحن، ولمّا رأى ذلك الصحابة رضي الله عنهم؛ حضوا على تعلّم العربية والتفقّه فيها، وحذّروا من اللحن خشية أن يُتأوّل القرآن على غير تأويله.
- عن عمر بن زيد قال : كتب عمر [بن الخطاب] إلى أبي موسى : أما بعد فتفقهوا في السنة , وتفقهوا في العربية , وأعربوا القرآن فإنه عربي , وتمعددوا فإنكم معديون). رواه ابن أبي شيبة.
- عن يحيى بن يعمر عن أبي بن كعب قال: تعلموا العربية في القرآن كما تتعلمون حفظه). رواه ابن وهب وابن أبي شيبة.
- عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أنه كان يضرب ولده على اللحن. رواه ابن أبي شيبة.
- وقال يحيى بن عتيق للحسن البصري: أرأيت الرجل يتعلم العربية ليقيم بها لسانه ويصلح بها منطقه.
قال: نعم، فليتعلمها، فإن الرجل يقرأ بالآية فيعيها بوجوهها فيهلك). رواه ابن وهب.
- قال رجل للحسن [البصري] : يا أبا سعيد ، والله ما أراك تلحن!! فقال : (يا ابن أخي ، إني سبقت اللحن). رواه ابن أبي شيبة.
وقد أدّى ظهور العجمة ببعض المشتغلين بالعلم في ذلك العصر إلى إساءة فهم بعض معاني القرآن؛ وكان علماء التابعين يبيّنون لهم، ويحّذرون من العجمة، وقد خالف في ذلك بعض أهل الأهواء فضلّوا.
- قال عبيدة بن زيد النميري: سمعت الحسن يقول: (أهلكتهم العُجمة يتأولون القرآن على غير تأويله). رواه ابن وهب وابن أبي شيبة.
والأمر الخامس: إسلام بعض أحبار اليهود، ونشرهم ما قرؤوه من كتب أهل الكتاب من الإسرائيليات التي كثر التحديث بها في عصرهم، وكان من التابعين من يأخذ عن هؤلاء ويروي عنهم، وكان من التابعين من يقرأ في كتب أهل الكتاب، ويحدّث منها.
والأمر السادس: كثرة القُصّاص والأخباريين ؛ الذين يعقدون مجالس للوعظ والتذكير والقصص والحكايات التي يدخل في كثير منها أخطاء في الرواية والدراية، ومنهم من تروج قصصه وأخباره ومواعظه حتى يدوّنها بعض المعتنين بالتفسير، وخرج من أولئك القُصّاص والأخباريين من تكلّم في التفسير؛ فأدخل في كتب التفسير من ذلك ما أدخل؛ كالسدي والكلبي.
ولما فطن الصحابة وكبار التابعين لأغلاط هؤلاء القصاص تجنبوا مجالسهم ، وحذروا منهم.
- قال الإمام مالك: كان عبد الله بن عمر يقول لبعض من كان يقصّ: «أخرجني من بيتي». رواه ابن وهب في جامعه.
- وقال حماد بن زيد: حدثنا عاصم، قال: كنا نأتي أبا عبد الرحمن السلمي ونحن غلمة أيفاع، فكان يقول لنا: «لا تجالسوا القصاص غير أبي الأحوص». رواه مسلم.
وأبو الأحوص هو عوف بن مالك الجشمي تابعيّ ثقة، وكان يقص، ومن ثقات القصاص أيضاً: أبو حازم سلمة بن دينار، كان ثقة كثير الحديث.
لكن من كان يظهر منه الخطأ الفاحش في الرواية من القصّاص، والتخليط بين الصحيح والضعيف، والقول الذي منشؤه الفهم الخاطئ، ومعارضة الأدلة الصحيحة كانوا يحذّرون منه.
والأمر السابع: ظهور بعض مظاهر التفريط والإفراط؛ ومخالفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فظهر بعض الغلاة الذين جاوزا الحدّ المشروع فشقوا على أنفسهم، وظهر بعض المفرّطين الذين فتنوا بأنواع من الفتن؛ كفتنة المال وفتنة الجاه وفتنة السلطان.
وكان الصحابة رضي الله عنهم يحذّرونهم من هذه الفتن، وكان كبار التابعين وعلماؤهم يحذّرون سائرهم وينصحون لهم في ذلك.
- قال ميمون بن مهران: «يا أصحاب القرآن لا تتخذوه بضاعة تلتمسون به الشرف في الدنيا ، واطلبوا الدنيا بالدنيا، والآخرة بالآخرة»
- وقال أبو العالية الرياحي: (لا تذهب الدنيا حتى يخلق القرآن في صدور قوم ويبلى كما تبلى الثياب إن قصروا عما أمروا به، قالوا: سيغفر لنا، وإن انتهكوا ما حرم عليهم، قالوا: إنا لن نشرك بالله شيئا، أمرهم إلى الضعف الذي لا يخالطه مخافة يلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب، أفضلهم في أنفسهم المداهن).
والمقصود أن هذه الأمور كان لها آثارها في ذلك العصر على تعلّم التفسير وتعليمه، ولذلك تفاوت أهل ذلك العصر؛ لكن بقي عامة التابعين مستمسكين بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحسنوا اتّباعهم؛ وهم أكثر الذين حُمل عنهم العلم، ونقلت إلينا أقوالهم ومروياتهم في التفسير؛ فحملوا هذا العلم خير محمل، ونقل من عملهم به وصلاح أحوالهم ما كانوا به أئمة يقتدى بهم، وأدوا هذا العلم أداء حسنا لمن بعدهم.
وأما الذين يظهر منهم ضعف وتخليط في القول في التفسير أو في رواية أحاديث التفسير وآثاره؛ أو يظهر منه انتحال لفرقة من الفرق، ونحو ذلك مما يقدح في أهليته لأن يُتلقّى عنه العلم أو تقبل روايته أو يقبل قوله؛ فإنّ الأئمة النقّاد قد بيّنوا حاله، وتكلّموا في شأنه بما يكفي ويشفي بإذن الله.
وكان أثر هذه الأمور في عصر التابعين أقلّ منه فيمن بعدهم، وكلّ قرن يأتي على الناس تكون الفتنة فيه أشد.
طبقات المفسرين من التابعين:
كان المشتغلون بالتفسير من التابعين على طبقات:
الطبقة الأولى: طبقة أئمة أهل التفسير من التابعين الذين اعتنوا بالتفسير على الطريقة التي تعلّموها من الصحابة رضي الله عنهم رواية ودراية، ومنهم: محمد بن الحنفية، وعَبيدة السلماني، ومسروق بن الأجدع الهمداني، وأبو العالية رفيع بن مهران الرياحي، والربيع بن خثيم الثوري، ومرة بن شراحيل الهمداني، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وشريح القاضي، وقيس بن أبي حازم، والأسود بن يزيد النخعي، وعلقمة بن قيس النخعي، وأبو وائل شقيق بن سلمة، وأبو الأحوص عوف بن مالك الجشمي، وزرّ بن حبيش، وصلة بن زفر، وأبو عبد الرحمن السلمي، وأبو رجاء العطاردي، وسعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله بن عمر، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وأخوه حميد، وخارجة بن زيد، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وعليّ بن الحسين بن علي، وسعيد بن جبير، وإبراهيم النخعي، وعمر بن عبد العزيز، ومجاهد بن جبر، وطاووس بن كيسان اليماني، وعكرمة مولى ابن عباس، وعطاء بن أبي رباح، وعامر بن شراحيل الشعبي، وأبو ميسرة عمرو بن شراحيل الهمداني، وعمرو بن ميمون الأودي، وعبد الله بن أبي مليكة، وأبو الشعثاء جابر بن زيد، وأبو الجوزاء أوس بن عبد الله الربعي، وأبو قلابة الجرمي، وأبو مجلز لاحق بن حميد، وأبو عبد الرحمن الحبُلِّي، وأسلم العدوي مولى عمر بن الخطاب، وابنه زيد بن أسلم، ونافع مولى ابن عمر، والحسن البصري، ومحمد بن سيرين، وقتادة بن دعامة السدوسي، ومحمد بن المنكدر، وعبد الرحمن بن سابط، ومكحول الدمشقي، ومحمد بن كعب القرظي، وأبو أيوب ميمون بن مهران، ومحمد بن مسلم ابن شهاب الزهري، وأبو نضرة العبدي، وأبو الضحى مسلم بن صبيح القرشي، وسالم بن أبي الجعد الأشجعي، وأيوب بن أبي تميمة السختياني، وسليمان بن مهران الأعمش، وغيرهم كثير.
وهؤلاء عامّتهم من الأئمة الثقات، وهم أكثر من يروى عنه التفسير في كتب التفسير المسندة التي بين أيدينا، ولهم أقوال في التفسير ولهم مرويات عن الصحابة وعن كبار التابعين، على تفاضل بينهم في الرواية والدراية، وإنما أكثرت من تعداد هذه الأسماء لتتبيّن كثرة المعتنين بالتفسير من ثقات التابعين، وأنّهم حملوا أمانة هذا العلم من الصحابة خير محمل، ورعوه أحسن رعاية، وأدّوه إلى من بعدهم أداء جميلاً في روايته ودرايته.
وقد يدخل في بعض رواياتاتهم وأقوالهم بعض الخطأ ولذلك أسبابه التي تبحث في علل التفسير.
الطبقة الثانية: طبقة الثقات من نقلة التفسير، وهم من الأئمة الذين رووا تفاسير الصحابة وكبار التابعين، وأدّوها كما سمعوها، ولا تكاد تحفظ لهم أقوال في التفسير منسوبة إليهم، وإنما الذي بلغنا عنهم أنهم كانوا يروون التفسير رواية، وكانت روايتهم مما يحتجّ به في الجملة.
ومن هؤلاء: سعيد بن نمران، وعبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي، وحسان بن فائد، وأربدة التميمي، وسعيد بن أبي سعيد المقبري، والربيع بن أنس البكري، وأبو المتوكّل الناجي، وأبو تميمة طريف بن مجالد الهجيمي، وأبو حازم سلمة بن دينار، وأبو الزبير المكي.
الطبقة الثالثة: الذين تنقل عنهم الأقوال في التفسير، ولهم مرويات فيه، وهم متكلّم فيهم عند أهل الحديث، بسبب كثرة خطئهم في الرواية، إما بسبب تحديث بعضهم عن المجاهيل وكثرة الإرسال، أو روايتهم لبعض الأخبار المنكرة المخالفة لروايات الثقات؛ أو تدليسهم؛ فهؤلاء في جانب رواية الأحاديث لم يكونوا ممن تعتمد روايتهم، لكن لبعضهم أقوال حسنة في التفسير؛ ولهم به عناية بجمعه وروايته، وربما اجتمع لديهم من الروايات في التفسير ما لم يجتمع لكثير من الناس بسبب عدم تثبّتهم في تلقي الروايات؛ فكان من أهل العلم من يتوقّى حديثهم، ويحذّر منهم، ومنهم من يحمل عنهم التفسير لأجل ذلك؛ ويكون في أقوالهم صواب وخطأ، وفي مروياتهم ما يعرف وما ينكر.
ومن هؤلاء: الحارث بن عبد الله الهمداني المعروف الحارث الأعور، وشهر بن حوشب، وعطية بن سعد العوفي، والسدي الكبير.
وليسوا على درجة واحدة في الضعف.
1: الحارث بن عبد الله الهمداني (65هـ)
- روى عن علي وابن مسعود وزيد بن ثابت وغيرهم.
- وروى عنه أبو إسحاق السبيعي وأبو البختري الطائي وعطاء بن أبي رباح وغيرهم.
- كذّبه الشعبي، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال ابن حبان: (كان الحارث غاليا في التشيع واهيا في الحديث)، ونفى عنه بعضهم تعمّد الكذب، لكن ضعّفوه جدا لأجل تشيعه ورواياته المنكرة، وكان في أوّل أمره يُثنى عليه بالعلم والفقه؛ لكنّه غلا في التشيّع، وقال أقوالاً رديئة ذكر بعضه الإمام مسلم في مقدمته، وقد كاد أن يقتل بسبب بعض أقواله.
مما روي عنه في التفسير:
- أبو إسحاق السبيعي عن الحارث عن علي في قوله تعالى: {وشاهد ومشهود} وقال: «الشاهد يوم الجمعة , والمشهود يوم عرفة»). رواه عبد الرزاق.
2: أبو صالح باذام مولى أمّ هانئ (ت: 92هـ تقريباً )
روى عن مولاته أمّ هانئ بنت أبي طالب، وعن أخيها عليّ بن أبي طالب، وعن أبي هريرة وابن عباس وغيرهم.
- قال ابن أبي خيثمة عن ابن معين: (ليس به بأس، وإذا روى عنه الكلبي فليس بشيء). وذلك لأن الكلبي كان يكذب عليه كثيراً.
- وقال أبو حاتم: "يكتب حديثه ولا يحتج به".
- وقال النسائي: "ليس بثقة".
- وقال ابن عدي: (عامة ما يرويه تفسير، وما أقل ما له من المسند، وفي ذلك التفسير ما لم يتابعه عليه أهل التفسير، ولم أعلم أحدا من المتقدمين رضيه).
3: شهر بن حوشب الأشعري (ت: 100هـ)
يروي عن أبي هريرة وعائشة وابن عباس وأبي سعيد الخدري وغيرهم.
- وقرأ القرآن على ابن عباس.
- وله أقوال في التفسير، وله مرويات كثيرة في كتب التفسير؛ وقد اختلف فيه الأئمة النقّاد تركه شعبة وقال: (إنّ شهراً نزكوه) أي طعنوا فيه، وقال أبو حاتم: لا يكتب حديثه، ووثّقه الإمام أحمد، وقال ابن حجر: صدوق كثير الإرسال والأوهام.
- ومروياته في التفسير تعرف منها وتنكر؛ فيها ما يخالف فيه ما صح عن الثقات، ويروي بعض الإسرائيليات في التفسير من غير إسناد.
- وخلاصة القول فيه: أنه لا يُقبل تفرّده في المرويات؛ ويعتبر حديثه في الشواهد والمتابعات، وأمّا أقواله في التفسير؛ فما كان له وجه صحيح فيقبل، وما توقّف القبول فيه على صحّة الرواية فلا يعتمد.
قال ابن جرير: (حدثنا الحسن، قال: حدثنا عفان. قال: حدثنا أبو عوانة، عن موسى البزار، عن شهر بن حوشب، عن ابن عباس، قال: الرعْد ملك يسوق السحاب بالتسبيح، كما يسوق الحادي الإبل بحداته).
جعل الرعد اسماً للملَك وهذا خلاف معنى العهد الذهني في الرعد.
4: عطية بن سعد بن جنادة العوفي الجدلي (ت:111هـ)
- روى عن أبي سعيد وأبي هريرة وابن عباس وابن عمر وغيرهم.
له مرويات وأقوال كثيرة في التفسير، وحدّث بأحاديث صالحة عن أبي سعيد الخدري وعن غيره، ثم دلّس بعدها عن بعض الضعفاء؛ فاختلط صحيح حديثه بضعيفه؛ فمن أهل العلم من ترك حديثه، ومنهم من رأى أن يكتب حديثه ليميّز صحيحه من ضعيفه، وهو في نفسه لم يكن متّهماً بالكذب، لكنه كان يروي عن الضعفاء ولا يبيّن حالهم، وربّما كنّاهم بما لا يُعرفون به.
- قال أحمد بن حنبل: (ضعيف الحديث).
- وقال أبو حاتم: (ضعيف يكتب حديثه).
- وقال ابن حبان: (سمع من أبي سعيد الخدري أحاديث، فلما مات أبو سعيد، جعل يجالس الكلبي ويحضر قصصه، فإذا قال الكلبي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، فيحفظه، وكناه أبا سعيد، ويروي عنه، فإذا قيل له: من حدثك بهذا؟ فيقول: حدثني أبو سعيد، فيتوهمون أنه يريد أبا سعيد الخدري، وإنما أراد به الكلبي، فلا يحل الاحتجاج به ولا كتابة حديثه إلى على جهة التعجب).
- وقال ابن سعد: (كان ثقة إن شاء الله، وله أحاديث صالحة، ومن الناس من لا يحتجّ به).
- قال بن عدي: (قد روى عن جماعة من الثقات ولعطية عن أبي سعيد أحاديث عدة وعن غير أبي سعيد وهو مع ضعفه يكتب حديثه وكان يعد مع شيعة أهل الكوفة).
مما روي عنه في التفسير:
له مرويات وأقوال كثيرة في كتب التفسير، وأكثر ما يروى عنه السلسلة المشهورة بالضعف في كتب التفسير، وهي التي يرويها عنه أبناؤه.
قال ابن أبي حاتم: (أخبرنا محمد بن سعد بن محمد بن الحسن بن عطية العوفي فيما كتب إلي حدثني أبي ثنا عمي عن أبيه عن جده عن عبد الله بن عباس...)
وروى ابن أبي حاتم فيما طبع من تفسيره نحو ثلاثمائة رواية بهذا الإسناد الضعيف.
وقال ابن جرير الطبري: (حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي الحسين بن الحسن، عن أبيه، عن جده [عطية بن سعد العوفي] عن ابن عباس...)
وروى بهذا الإسناد أكثر من ألف وثلاثمائة رواية.
مما روي عنه في التفسير:
أ: فضيل بن مرزوق، عن عطية العوفي في قوله: {ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا}، قال: أمرت أن تشهد، فإن شئت فاشهد، وإن شئت فلا تشهد). رواه ابن جرير.
ب: فضيل بن مرزوق، عن عطية العوفي، عن عبد الله بن عمير قال: نزلت هذه الآية، في الأعراب: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} قال: فقال رجل: فما للمهاجرين؟ قال، ما هو أعظم من ذلك: "إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما"، وإذا قال الله لشيء:"عظيم"، فهو عظيم). رواه ابن جرير، وهو ضعيف من أجل عطية هذا.
ج: قال ابن جرير: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي قال: ثني عمي قال: ثني أبي قال: عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: {أولم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا} ففتقناهما الآية، يقول: كانتا ملتصقتين، فرفع السماء , ووضع الأرض).
5: إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة السدي الكوفي(ت:127هـ)
قيل: كان يقعد في سدة باب الجامع فسمى السُدّي، وهو السدّي الكبير.
وهو رجل صالح في نفسه؛ كان يعظ ويفسّر القرآن، لكنّه كان يخلط الصحيح بالضعيف من غير تمييز.
روى عن ابن عباس وأنس بن مالك وعن مرة الهمداني وأبي صالح مولى أمّ هانئ، وأبي مالك الغفاري وغيرهم.
وروى عنه: شعبة وسفيان الثوري وأسباط بن نصر وأبو بكر بن عياش، وغيرهم.
- وثّقه الإمام أحمد ، وقال يحيى بن سعيد القطان: لا بأس به، وقال أبو حاتم: يُكتب حديثه، وضعّفه عبد الرحمن بن مهدي ويحيى بن معين.
- وقال العجلي: (ثقة عالم بالتفسير راوية له).
وقد كتب السدي كتاباً كبيراً في التفسير جمعه من أربعة طرق:
أ: من طريق أبي مالك الغفاري عن ابن عباس.
ب: ومن طريق أبي صالح مولى أمّ هانئ عن ابن عباس.
ج: ومن طريق مرة بن شراحيل الهمداني عن ابن مسعود.
د: ومما رواه هو عن ناس من الصحابة لم يسمّهم، ولا ندرى هل روايته عنهم متصلة أو مرسلة.
وكتب من هذه الطرق تفسيره الكبير ووضع الإسناد في أوّله؛ فكان مَن يروي عنه هذا التفسير يختصر حكاية تلك الطرق فيقول: (عن السدي عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس - وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود - وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم).
وما في ضمن هذا التفسير لم يميّز فيه ما رواه عن كل طريق من هذه الطرق.
فكان ابن جرير يروي تفسير السدي مفرّقا على الآيات ويكرر الإسناد، كما قال في تفسير قول الله تعالى: {مالك يوم الدين}: (حدثني موسى بن هارون الهمداني، قال: حدثنا عمرو بن حماد القناد، قال: حدثنا أسباط بن نصر الهمداني، عن إسماعيل بن عبد الرحمن السدي، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس - وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود - وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: {ملك يوم الدين} ، هو يوم الحساب).
فمن يقرأ هذا الكلام، وهو لا يعرف تفسير السدّي قد يتوهّم أنّ السدّي يروي هذا التفسير عن كلّ أؤلئك؛ فربما نسب بعضهم هذا القول إلى ابن عباس، وربما نسبه بعضهم إلى ابن مسعود، وربما نسبه بعضهم إلى جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس الأمر هكذا، فقد يكون إنما روى هذا التفسير عن طريق واحد من تلك الطرق، وقد يكون في بعض تلك الطرق ضعف؛ فلم يتميّز الصحيح من الضعيف.
وقد تكلّم فيه بعض أهل العلم بسبب صنيعه هذا؛ فإنّه خلط الصحيح بالضعيف من غير تمييز.
قال ابن حجر: (ومنهم إسماعيل بن عبد الرحمن السدي -بضم المهملة وتشديد الدال- وهو كوفي صدوق، لكنه جمع التفسير من طرق منها عن أبي صالح عن ابن عباس، وعن مرة بن شراحيل، عن ابن مسعود، وعن ناس من الصحابة وغيرهم
وخلط روايات الجميع فلم تتميز رواية الثقة من الضعيف، ولم يلق السدي من الصحابة إلا أنس بن مالك).
الطبقة الرابعة: طبقة ضعفاء النقلة؛ لغلبة المناكير على مروياتهم، وكثرة أخطائهم في الرواية، وقد يكون منهم من هو صالح في نفسه لكنّه لا يقيم الحديث؛ من كثرة ما يخطئ في الرواية، ويكون منهم منكر الحديث، وهم ليسوا على درجة واحدة في الضعف.
ومن هؤلاء: أبو صالح مولى أمّ هانئ، وعلي بن زيد بن جدعان، وأبان بن أبي عياش، ويزيد بن أبان الرقاشي، وعبد الله بن يزيد الدالاني، وأبو هارون العبدي.
1: علي بن زيد بن جدعان (ت:131هـ)
قال الإمام أحمد: ليس بالقوي، وقال يحيى بن معين: (ضعيف في كل شيء). وقال أبو حاتم: (ليس بقوي يكتب حديثه ولا يحتج به).
يروي إسرائيليات عن سعيد بن المسيب، وعن يوسف بن مهران عن ابن عباس.
من مروياته:
قال ابن أبي حاتم: (حدثنا أحمد بن عصام، ثنا أبو أحمد الزبيري، ثنا سفيان، عن علي بن زيد بن جدعان، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس قال: «لما كان نوح في السفينة قرط الفار حبال السفينة فشكى ذلك، فأوحي إليه فمسح ذنب الأسد فخرج سنوران، وكان في السفينة عذرة فشكى فأوحي إليه فمسح ذنب الفيل، فخرج خنزيران»).
3: يزيد بن أبان الرقاشي (ت: 125هـ تقريباً)
- قال عبد الله بن إدريس: سمعت شعبة يقول: (لأن أزني أحب إلي من أن أروي عن يزيد وأبان).
- وقال أبو داود عن أحمد: (لا يكتب حديث يزيد)
قلت: فلم ترك حديثه لهوى كان فيه؟
قال لا، ولكن كان منكر الحديث، وكان شعبة يحمل عليه وكان قاصا.
- وقال ابن أبي خيثمة عن ابن معين: رجل صالح وليس حديثه بشيء.
- وقال أبو حاتم: (كان واعظا بكاء كثير الرواية عن أنس بما فيه نظر وفي حديثه ضعف).
من مرويّاته في التفسير:
قال ابن جرير: حدثنا علي بن شعيب السمسار، قال: ثنا معن بن عيسى، قال: ثنا إبراهيم بن المهاجر بن مسمار، عن محمد بن المنكدر، عن يزيد بن أبان، عن أنس بن مالك، قال: «بعث النبي صلى الله عليه وسلم بعد ثمانية آلاف من الأنبياء، منهم أربعة آلاف من بني إسرائيل»
4: أبو هارون عمارة بن جوين العبدي (ت: 134هـ)
قال شعبة: (لأن أقدَّم فتضرب عنقي أحب إلي من أن أحدث عنه).
قال أحمد: (ليس بشيء).
وقال النسائي: (متروك الحديث).
وقال الجوزجاني: (كذاب مفتر).
من مروياته في التفسير:
قال ابن جرير: (حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري {ورفعناه مكانا عليا} قال: في السماء الرابعة).
5: أبان بن أبي عياش العبدي (ت: 145هـ تقريباً)
قال أحمد بن حنبل: "متروك الحديث ترك الناس حديثه منذ دهر".
وقال أبو حاتم: (متروك الحديث، وكان رجلا صالحا ولكنه بلي بسوء الحفظ).
وقال ابن أبي حاتم: سئل أبو زرعة عنه فقال: "ترك حديثه, ولم يقرأه علينا فقيل له كان يتعمد الكذب؟
قال: لا، كان يسمع الحديث من أنس ومن شهر ومن الحسن فلا يميز بينهم"
من مروياته في التفسير:
قال عبد الرزاق: عن معمر , عن أبان بن أبي عياش , في قوله تعالى: {حور مقصورات في الخيام} يرفعه إلى أبي موسى الأشعري , قال: «بلغني أن الخيمة من خيام الجنة يكون طولها ستين ميلا ولكل ناحية منها أهل , ما يرى بعضهم بعضا وهي درة واحدة»
6: عبد الله بن يزيد بن آدم الدالاني الدمشقي (ت: 145هـ)
- قال عنه الإمام أحمد: (أحاديثه موضوعة).
- وقال الجوزجاني: (أحاديثه منكرة).
مما روي عنه في التفسير:
- قال ابن جرير: (حدثنا موسى بن سهل الرملي قال، حدثنا محمد بن عبد الله، قال: حدثنا فياض بن محمد الرقي قال: حدثنا عبد الله بن يزيد بن آدم، عن أبي الدرداء وأبي أمامة قالا: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: من الراسخ في العلم؟ قال:"من برت يمينه، وصدق لسانه، واستقام به قلبه، وعف بطنه، فذلك الراسخ في العلم).