العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة المائدة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 ربيع الثاني 1434هـ/28-02-2013م, 10:17 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير سورة المائدة [ من الآية (97) إلى الآية (100) ]

تفسير سورة المائدة
[ من الآية (97) إلى الآية (100) ]


بسم الله الرحمن الرحيم
{جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلاَئِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (97) اعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (98) مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ وَاللّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (99) قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُواْ اللّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (100)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 20 ربيع الثاني 1434هـ/2-03-2013م, 11:12 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (97) )
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {جعل الله الكعبة البيت الحرام}
- أخبرنا قتيبة بن سعيدٍ، حدّثنا سفيان، عن زياد بن سعدٍ، عن الزّهريّ، عن سعيد بن المسيّب، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يخرّب الكعبة ذو السّويقتين من الحبشة»). [السنن الكبرى للنسائي: 10/86]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {جعل اللّه الكعبة البيت الحرام قيامًا للنّاس والشّهر الحرام والهدي والقلائد}.
يقول تعالى ذكره: صيّر اللّه الكعبة البيت الحرام قوامًا للنّاس الّذين لا قوام لهم، من رئيسٍ يحجز قويّهم عن ضعيفهم، ومسيئهم عن محسنهم، وظالمهم عن مظلومهم، والشّهر الحرام والهدي والقلائد، فحجز بكلّ واحدٍ من ذلك بعضهم عن بعضٍ، إذ لم يكن لهم قيامٌ غيره، وجعلها معالم لدينهم ومصالح أمورهم.
والكعبة سمّيت فيما قيل كعبةً لتربيعها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: إنّما سمّيت الكعبة لأنّها مربّعةٌ.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا هاشم بن القاسم، عن أبي سعيدٍ المؤدّب، عن النّضر بن عربيٍّ، عن عكرمة، قال: إنّما سمّيت الكعبة لتربيعها.
وقيل {قيامًا للنّاس} بالياء، وهو من ذوات الواو، لكسرة القاف وهي فاء الفعل، فجعلت العين منه بالكسرة ياءً، كما قيل في مصدر: (قمت) قيامًا، و(صمت) صيامًا، فحوّلت العين من الفعل وهي واوٌ ياءً لكسرة فائه، وإنّما هو في الأصل: قمت قوامًا، وصمت صوامًا. وكذلك قوله: {جعل اللّه الكعبة البيت الحرام قيامًا للنّاس} فحوّلت واوها ياءً، إذ هي (قوامٌ) وقد جاء ذلك من كلامهم مقولاً على أصله الّذي هو أصله، قال الرّاجز:
قوام دنيا وقوام دين
فجاء به بالواو على أصله.
وجعل تعالى ذكره الكعبة والشّهر الحرام والهدي والقلائد قوامًا لمن كان يحترم ذلك من العرب ويعظّمه، بمنزلة الرّئيس الّذي يقوم به أمر تباعه.
وأمّا الكعبة فالحرم كلّه، وسمّاها اللّه تعالى حرامًا لتحريمه إيّاها أن يصاد صيدها، أو يختلى خلاها، أو يعضد شجرها وقد بيّنّا ذلك بشواهده فيما مضى قبل.
وقوله: {والشّهر الحرام والهدي والقلائد}.
يقول تعالى ذكره: وجعل الشّهر الحرام والهدي والقلائد أيضًا قيامًا للنّاس، كما جعل الكعبة البيت الحرام لهم قيامًا.
والنّاس الّذين جعل ذلك لهم قيامًا مختلفٌ فيهم، فقال بعضهم: جعل اللّه ذلك في الجاهليّة قيامًا للنّاس كلّهم.
وقال بعضهم: بل عنى به العرب خاصّةً.
وبمثل الّذي قلنا في تأويل القوام قال أهل التّأويل.
ذكر من قال: عنى اللّه تعالى بقوله: {جعل اللّه الكعبة البيت الحرام قيامًا للنّاس} القوام على نحو ما قلنا.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا ابن أبي زائدة، قال: أخبرنا من، سمع خصيفًا، يحدّث، عن مجاهدٍ، في: {جعل اللّه الكعبة البيت الحرام قيامًا للنّاس} قال: قوامًا للنّاس.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عبيد اللّه، عن إسرائيل، عن خصيفٍ، عن سعيد بن جبيرٍ: {قيامًا للنّاس} قال: صلاحًا لدينهم.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا ابن أبي زائدة، قال: أخبرنا داود، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، في: {جعل اللّه الكعبة البيت الحرام قيامًا للنّاس} قال: حين لا يرجون جنّةً ولا يخافون نارًا، فشدّد اللّه ذلك بالإسلام.
- حدّثني هنّادٌ قال: حدّثنا ابن أبي زائدة، عن إسرائيل، عن أبي الهيثم، عن سعيد بن جبيرٍ، قوله: {جعل اللّه الكعبة البيت الحرام قيامًا للنّاس} قال: شدّةً لدينهم.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا أبي، عن إسرائيل، عن أبي الهيثم، عن سعيد بن جبيرٍ، مثله.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {جعل اللّه الكعبة البيت الحرام قيامًا للنّاس} قال: قيامها أن يأمن من توجّه إليها.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {جعل اللّه الكعبة البيت الحرام قيامًا للنّاس والشّهر الحرام والهدي والقلائد} يعني قيامًا لدينهم، ومعالم لحجّهم.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {جعل اللّه الكعبة البيت الحرام قيامًا للنّاس والشّهر الحرام والهدي والقلائد} جعل اللّه هذه الأربعة قيامًا للنّاس، هو قوام أمرهم.
وهذه الأقوال وإن اختلفت من قائلها ألفاظها، فإن معانيها آيلةٌ إلى ما قلنا في ذلك من أنّ القوام للشّيء هو الّذي به صلاحه، كالملك الأعظم قوام رعيّته ومن في سلطانه، لأنّه مدبّرٌ أمرهم، وحاجزٌ ظالمهم عن مظلومهم، والدّافع عنهم مكروه من بغاهم وعاداهم. وكذلك كانت الكعبة والشّهر الحرام والهدي والقلائد قوام أمر العرب الّذي كان به صلاحهم في الجاهليّة، وهي في الإسلام لأهله معالم حجّهم ومناسكهم ومتوجّههم لصلاتهم وقبلتهم الّتي باستقبالها يتمّ فرضهم وبنحو الّذي قلنا في ذلك قالت جماعة أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا جامع بن حمّادٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {جعل اللّه الكعبة البيت الحرام قيامًا للنّاس والشّهر الحرام والهدي والقلائد} حواجز أبقاها اللّه بين النّاس في الجاهليّة، فكان الرّجل لو جرّ كلّ جريرةٍ ثمّ لجأ إلى الحرم لم يتناول ولم يقرب وكان الرّجل لو لقي قاتل أبيه في الشّهر الحرام لم يعرض له ولم يقربه وكان الرّجل إذا أراد البيت تقلّد قلادةً من شعر فأحمته ومنعته من النّاس، وكان إذا نفر تقلّد قلادةً من الإذخر أو من لحاء السّمر، فمنعته من النّاس حتّى يأتي أهله، حواجز أبقاها اللّه بين النّاس في الجاهليّة.
- حدّثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {جعل اللّه الكعبة البيت الحرام قيامًا للنّاس والشّهر الحرام والهدي والقلائد} قال: كان النّاس كلّهم فيهم ملوكٌ تدفع بعضهم عن بعضٍ. قال: ولم يكن في العرب ملوكٌ تدفع بعضهم عن بعضٍ، فجعل اللّه تعالى لهم البيت الحرام قيامًا يدفع بعضهم عن بعضٍ به، والشّهر الحرام كذلك، يدفع اللّه بعضهم عن بعضٍ بالأشهر الحرم والقلائد. قال: ويلقى الرّجل قاتل أخيه أو ابن عمّه فلا يعرض له. وهذا كلّه قد نسخ.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {والقلائد}: كان ناسٌ يتقلّدون لحاء الشّجر في الجاهليّة إذا أرادوا الحجّ، فيعرفون بذلك.
وقد أتينا على البيان عن ذكر الشّهر الحرام والهدي والقلائد فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع). [جامع البيان: 9/5-10]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ذلك لتعلموا أنّ اللّه يعلم ما في السّموات وما في الأرض وأنّ اللّه بكلّ شيءٍ عليمٌ}.
يعني تعالى ذكره بقوله: ذلك تصييره الكعبة البيت الحرام قيامًا للنّاس والشّهر الحرام والهدي والقلائد يقول تعالى ذكره: صيّرت لكم أيّها النّاس ذلك قيامًا كي تعلموا أنّ من أحدث لكم لمصالح دنياكم ما أحدث ممّا به قوامكم، علمًا منه بمنافعكم ومضاركم، أنّه كذلك يعلم جميع ما في السّموات وما في الأرض ممّا فيه صلاح عاجلكم وآجلكم، ولتعلموا أنّه بكلّ شيءٍ عليمٌ، لا يخفى عليه شيءٌ من أموركم وأعمالكم، وهو محصيها عليكم حتّى يجازى المحسن منكم بإحسانه والمسيء منكم بإساءته). [جامع البيان: 9/11]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (جعل اللّه الكعبة البيت الحرام قيامًا للنّاس والشّهر الحرام والهدي والقلائد ذلك لتعلموا أنّ اللّه يعلم ما في السّماوات وما في الأرض وأنّ اللّه بكلّ شيءٍ عليمٌ (97)
قوله تعالى: جعل اللّه الكعبة
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا الرّبيع بن ثعلبٍ، ثنا أبو إسماعيل المؤذّن عن أبي إسحاق عن الحارث عن عليٍّ قال: نزلت سحابةٌ من السّماء على الكعبة فيها رأسٌ فنادا الرّأس انبوا على خيالي قال فوضعت الكعبة على تربيع الرّأس.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا وكيعٌ عن سفيان عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قال: إنّما سمّيت الكعبة لأنّها مرتفعةٌ.
- حدثنا ابن المقري، ثنا سفيان عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قال: إنّما سمّيت الكعبة لأنّها مكعّبةٌ- وروي عن عكرمة نحو ذلك.
قوله تعالى: البيت الحرام
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قول اللّه تعالى: الكعبة البيت الحرام قياما للناس قال: كان الناس كلهم فيه ملوك يرفع بعضهم عن بعضٍ، فلم يكن في العرب ملوكٌ يدفع بعضهم عن بعضٍ، فجعل اللّه عزّ وجلّ لهم البيت الحرام قيامًا يدفع بعضهم عن بعضٍ به.
قوله تعالى: قيامًا للنّاس
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ في قوله: جعل اللّه الكعبة البيت الحرام قيامًا للنّاس قال:
قيامًا لدينهم ومعلمًا لحجّهم.
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن الوليد بن بردٍ الأنطاكيّ، ثنا محمّد بن جعفر بن محمّدٍ عن جعفر بن محمّدٍ عن أبيه عن جدّه في قول اللّه عزّ وجلّ جعل اللّه الكعبة البيت الحرام قيامًا للنّاس قال: قيامًا للنّاس تعظيمهم إيّاها.
- حدّثنا عمرٌو الأوديّ، ثنا وكيعٌ عن إسرائيل عن أبي الهيثم عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه جعل اللّه الكعبة البيت الحرام قيامًا للناس قال: شدّةً لدينهم.
- حدّثنا أبي، ثنا الحجّاج بن المنهال، ثنا حمّادٌ عن حميدٍ عن الحسن أنّه تلا هذه الآية جعل اللّه الكعبة البيت الحرام قيامًا للنّاس قال: لا يزال النّاس على دينٍ ما حجّوا واستقبلوا القبلة.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، ثنا اللّيث، حدّثني عقيلٌ عن ابن شهابٍ، قال: جعل اللّه الكعبة البيت الحرام قيامًا للنّاس قال: ابن شهابٍ: فجعل اللّه ذلك قيامًا للنّاس يأمنون به في ذلك كلّه في الجاهليّة الأولى لا يخاف بعضهم بعضًا حين يلقونهم عند البيت وفي الحرم أو في الشّهر الحرام.
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: جعل اللّه الكعبة البيت الحرام قيامًا للنّاس والشّهر الحرام والهدي والقلائد جعل اللّه هذه الأربعة قيامًا للنّاس هي قوام أمرهم.
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ، ثنا محمّد بن مزاحمٍ عن بكير بن معروفٍ عن مقاتل بن حبان قوله: جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس يقول قوامًا ما يقول عاما لقبلتهم يعني: وأمنًا فهم فيه آمنون.
قوله تعالى: والشّهر الحرام
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن الوليد بن بردٍ الأنطاكيّ، ثنا محمّد بن جعفر بن محمّدٍ عن جعفر بن محمّدٍ عن أبيه عن جدّه في قول اللّه جعل اللّه الكعبة البيت الحرام قيامًا للنّاس والشّهر الحرام قال: قيامًا للنّاس تعظيمهم إيّاها والشّهر الحرام تعظيمهم إيّاه.
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّدٌ عن بكيرٍ عن مقاتلٍ قوله: والشّهر الحرام لمن سافر فيه كان آمنًا.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم يقول جعل اللّه الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام قال: كان الناس كلهم فيه ملوكٌ يدفع بعضهم عن بعضٍ قال:
ولم يكن في العرب ملوكٌ يدفع بعضهم عن بعضٍ فجعل اللّه لهم البيت قيامًا يدفع بعضهم عن بعضٍ به والشّهر الحرام كذلك يدفع اللّه بعضهم عن بعضٍ بالأشهر الحرم
قوله تعالى: والهدي
- قرأت على محمّدٍ ثنا محمّدٌ، ثنا محمّدٌ عن بكيرٍ عن مقاتلٍ قوله: والشّهر الحرام والهدي والقلائد ثمّ قال: والهدي وإذا سيق إلى البيت في الشّهر الحرام كان آمنًا.
قوله تعالى: ذلك لتعلموا أنّ الله يعلم ما في السّماوات وما في الأرض
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ حدّثني عبيد اللّه بن لهيعة حدّثني عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ قال ابن عبّاسٍ: خلق اللّه اللّوح المحفوظ مسيرة مائة عامٍ. فقال للقلم قبل أن يخلق الخلق وهو على العرش: اكتب فقال القلم: وما أكتب. قال: اكتب في خلقي إلى يوم تقوم السّاعة. فجرى القلم بما هو كائنٌ في علم اللّه إلى يوم القيامة فذلك قوله يقول للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إنّ الله يعلم ما في السّماوات وما في الأرض
قوله تعالى: وأنّ اللّه بكلّ شيءٍ عليمٌ
- وبه عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه وأنّ اللّه بكلّ شيءٍ عليمٌ يعني من أعمالكم عليمٌ). [تفسير القرآن العظيم: 4/1213-1216]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض وأن الله بكل شيء عليم}.
أخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال: إنما سميت الكعبة لأنها مربعة.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن عكرمة قال: إنما سميت الكعبة لتربيعها.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس} قال: قياما لدينهم ومعالم لحجهم
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال: قيامها أن يأمن من توجه إليها.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد {قياما للناس} قال: قواما للناس.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير {قياما للناس} قال: صلاحا لدينهم.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير {قياما للناس} قال: شدة لدينهم.
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير {قياما للناس} قال: عصمة في أمر دينهم.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن زيد قال: كان الناس كلهم فيهم ملوك يدفع بعضهم عن بعض ولم يكن في العرب ملوك يدفع بعضهم عن بعض فجعل الله لهم البيت الحرام قياما يدفع بعضهم عن بعض به {والشهر الحرام} كذلك يدفع الله بعضهم عن بعض بالأشهر الحرم والقلائد ويلقي الرجل قاتل أبيه أو ابن عمه فلا يعرض له وهذا كله قد نسخ.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب قال: جعل الله البيت الحرام والشهر الحرام قياما للناس يأمنون به في الجاهلية الأولى لا يخاف بعضهم بعضا حين يلقونهم عند البيت أو في الحرم أو في الشهر الحرام.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر وأبو الشيخ عن قتادة {جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد} قال: حواجز أبقاها الله في الجاهلية بين الناس فكان الرجل لو جر كل جريرة ثم لجأ الحرم لم يتناول ولم يقرب وكان الرجل لو لقي قاتل أبيه في الشهر الحرام لم يعرض له ولم يقربه وكان الرجل لو لقي الهدي مقلدا وهو يأكل العصب من الجوع لم يعرض له ولم يقربه وكان الرجل إذا أراد البيت تقلد قلادة من شعر فأحمته ومنعته من الناس وكان إذا نفر تقلد قلادة من الاذخر أو من السمر فمنعته من الناس حتى يأتي أهله حواجز أبقاها الله بين الناس في الجاهلية
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن، أنه تلا هذه الآية {جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس} قال: لا يزال الناس على دين ما حجوا البيت واستقبلوا القبلة.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال: جعل الله هذه الأربعة قياما للناس هي قوام أمرهم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده في قوله {قياما للناس} قال: تعظيمهم إياها.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مقاتل بن حيان {قياما للناس} يقول: قواما علما لقبلتهم وأمنا هم فيه آمنون.
وأخرج أبو الشيخ عن زيد بن أسلم {قياما للناس} قال: أمنا.
وأخرج أبو الشيخ عن عبد الله بن مسلم بن هرمز قال: حدثني من أصدق قال: تنصب الكعبة يوم القيامة للناس تخبرهم بأعمالهم فيها.
وأخرج أبو الشيخ عن أبي مجلز، أن أهل الجاهلية كان الرجل منهم إذا أحرم تقلد قلادة من شعر فلا يعرض له أحد فإذا حج وقضى حجه تقلد قلادة من إذخرفقال الله {جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام} الآية.
وأخرج أبو الشيخ عن عطاء الخراساني في الآية قال: كانوا إذا دخل الشهر الحرام وضعوا السلاح ومشى بعضهم إلى بعض.
وأخرج أبو الشيخ عن زيد بن أسلم في الآية قال: كانت العرب في جاهليتها جعل الله هذا لهم شيئا بينهم يعيشون به فمن انتهك شيئا من هذا أو هذا لم يناظره الله حتى بعد ذلك {لتعلموا أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض}، والله تعالى أعلم). [الدر المنثور: 5/540-544]

تفسير قوله تعالى: (اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (98) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {اعلموا أنّ اللّه شديد العقاب وأنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ}
يقول تعالى ذكره: اعلموا أيّها النّاس أنّ ربّكم الّذي يعلم ما في السّموات وما في الأرض، ولا يخف عليه شيءٌ من سرائر أعمالكم وعلانيتها، وهو يحصيها عليكم ليجازيكم بها، شديدٌ عقابه من عصاه وتمرّد عليه على معصيته إيّاه، وهو غفورٌ الذّنوب من أطاعه وأناب إليه فساترٌ عليه وتاركٌ فضيحته بها، رحيمٌ به أن يعاقبه على ما سلف من ذنوبه بعد إنابته وتوبته منها). [جامع البيان: 9/11]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {اعلموا أنّ اللّه شديد العقاب وأنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ}
يقول تعالى ذكره: اعلموا أيّها النّاس أنّ ربّكم الّذي يعلم ما في السّموات وما في الأرض، ولا يخف عليه شيءٌ من سرائر أعمالكم وعلانيتها، وهو يحصيها عليكم ليجازيكم بها، شديدٌ عقابه من عصاه وتمرّد عليه على معصيته إيّاه، وهو غفورٌ الذّنوب من أطاعه وأناب إليه فساترٌ عليه وتاركٌ فضيحته بها، رحيمٌ به أن يعاقبه على ما سلف من ذنوبه بعد إنابته وتوبته منها). [جامع البيان: 9/11]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (اعلموا أنّ اللّه شديد العقاب وأنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ (98)
قوله تعالى: اعلموا أنّ اللّه شديد العقاب
- حدّثنا أبي ثنا أحمد بن عبدة، ثنا حمّاد بن زيدٍ عن عليّ بن زيدٍ قال: تلا مطرّفٌ هذه الآية شديد العقاب قال: لو يعلم النّاس قدر عقوبة اللّه ونقمة اللّه وبأس اللّه، ونكال اللّه، لما رقى لهم دمعٌ وما قرّت أعينهم بشيءٍ.
قوله تعالى: وأنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا محمّد بن عمرٍو ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق. وأن اللّه غفورٌ أي يغفر الذّنب. رحيمٌ يرحم العباد على ما فيهم). [تفسير القرآن العظيم: 4/1216]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم * ما على الرسول إلا البلاغ والله يعلم ما تبدون وما تكتمون}.
أخرج أبو الشيخ عن الحسن أن أبا بكر الصديق حين حضرته الوفاة قال: ألم تر أن الله ذكر آية الرخاء عند آية الشدة وآية الشدة عند آية الرخاء ليكون المؤمن راغبا راهبا لا يتمنى على الله غير الحق ولا يلقي بيده إلى التهلكة). [الدر المنثور: 5/544]

تفسير قوله تعالى: (مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (99) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ما على الرّسول إلاّ البلاغ واللّه يعلم ما تبدون وما تكتمون}.
وهذا من اللّه تعالى ذكره تهديدٌ لعباده ووعيدٌ، يقول تعالى ذكره: ليس على رسولنا الّذي أرسلناه إليكم أيّها النّاس بإنذاركم عقابنا بين يدي عذابٍ شديدٍ وإعذارنا إليكم بما فيه قطع حججكم، إلاّ أن يؤدّي إليكم رسالتنا، ثمّ إلينا الثّواب على الطّاعة، وعلينا العقاب على المعصية. {واللّه يعلم ما تبدون وما تكتمون} يقول: وغير خفيٍّ علينا المطيع منكم القابل رسالتنا العامل بما أمرته بالعمل به، من العاصي التّارك العمل بما أمرته بالعمل به، لأنّا نعلم ما عمله العامل منكم فأظهره بجوارحه ونطق به لسانه {وما تكتمون} يعني: ما تخفونه في أنفسكم من إيمانٍ وكفرٍ أو يقينٍ وشكٍّ ونفاقٍ. يقول تعالى ذكره: فمن كان كذلك لا يخفى عليه شيءٌ من ضمائر الصّدور وظواهر أعمال النّفوس، ممّا في السّموات وما في الأرض، وبيده الثّواب والعقاب، فحقيقٌ أن يتّقى وأن يطاع فلا يعصى). [جامع البيان: 9/11-12]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ما على الرّسول إلاّ البلاغ واللّه يعلم ما تبدون وما تكتمون}.
وهذا من اللّه تعالى ذكره تهديدٌ لعباده ووعيدٌ، يقول تعالى ذكره: ليس على رسولنا الّذي أرسلناه إليكم أيّها النّاس بإنذاركم عقابنا بين يدي عذابٍ شديدٍ وإعذارنا إليكم بما فيه قطع حججكم، إلاّ أن يؤدّي إليكم رسالتنا، ثمّ إلينا الثّواب على الطّاعة، وعلينا العقاب على المعصية. {واللّه يعلم ما تبدون وما تكتمون} يقول: وغير خفيٍّ علينا المطيع منكم القابل رسالتنا العامل بما أمرته بالعمل به، من العاصي التّارك العمل بما أمرته بالعمل به، لأنّا نعلم ما عمله العامل منكم فأظهره بجوارحه ونطق به لسانه {وما تكتمون} يعني: ما تخفونه في أنفسكم من إيمانٍ وكفرٍ أو يقينٍ وشكٍّ ونفاقٍ. يقول تعالى ذكره: فمن كان كذلك لا يخفى عليه شيءٌ من ضمائر الصّدور وظواهر أعمال النّفوس، ممّا في السّموات وما في الأرض، وبيده الثّواب والعقاب، فحقيقٌ أن يتّقى وأن يطاع فلا يعصى). [جامع البيان: 9/11-12]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ما على الرّسول إلّا البلاغ واللّه يعلم ما تبدون وما تكتمون (99)
قوله تعالى: ما على الرّسول إلّا البلاغ واللّه يعلم ما تبدون وما تكتمون.
- وبه قال: قال محمّد بن إسحاق وما تكتمون أي ما تخفون). [تفسير القرآن العظيم: 4/1216]

تفسير قوله تعالى: (قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (100) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل لا يستوي الخبيث والطّيب ولو أعجبك كثرة الخبيث}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل يا محمّد: لا يعتدل الرّديء والجيّد، والصّالح والطّالح، والمطيع والعاصي {ولو أعجبك كثرة الخبيث} يقول: لا يعتدل العاصي والمطيع للّه عند اللّه ولو كثر أهل المعاصي فعجبت من كثرتهم، لأنّ أهل طاعة اللّه هم المفلحون الفائزون بثواب اللّه يوم القيامة وإن قلّوا دون أهل معصيته، وإنّ أهل معاصيه هم الأخسرون الخائبون وإن كثروا. يقول تعالى ذكره لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: فلا تعجبنّ من كثرة من يعصي اللّه فيمهله ولا يعاجله بالعقوبة فإنّ العقبى الصّالحة لأهل طاعة اللّه عنده دونهم.
كما حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {لا يستوي الخبيث والطّيّب ولو أعجبك كثرة الخبيث} قال: الخبيث: هم المشركون والطّيّب: هم المؤمنون.
- وهذا الكلام وإن كان مخرجه مخرج الخطاب لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فالمراد به بعض أتباعه، يدلّ على ذلك قوله: {فاتّقوا اللّه يا أولي الألباب لعلّكم تفلحون}). [جامع البيان: 9/12-13]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فاتّقوا اللّه يا أولي الألباب لعلّكم تفلحون}.
يقول تعالى ذكره: واتّقوا اللّه بطاعته فيما أمركم ونهاكم، واحذروا أن يستحوذ عليكم الشّيطان بإعجابكم كثرة الخبيث، فتصيروا منهم {يا أولي الألباب} يعني بذلك: أهل العقول والحجا، الّذين عقلوا عن اللّه آياته، وعرفوا مواقع حججه لعلّكم تفلحون يقول: اتّقوا اللّه لتفلحوا: أي كي تنجحوا في طلبتكم ما عنده). [جامع البيان: 9/13]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قل لا يستوي الخبيث والطّيّب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتّقوا اللّه يا أولي الألباب لعلّكم تفلحون (100)
قوله تعالى: قل لا يستوي الخبيث والطّيّب
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن المفضّل، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: لا يستوي الخبيث والطّيّب الخبيث هم المشركون. والطّيّب: هم المؤمنون.
قوله تعالى: ولو أعجبك كثرة الخبيث
- حدّثنا يونس بن عبد الأعلى، ثنا ابن وهبٍ، حدّثني يعقوب بن عبد الرّحمن الإسكندرانيّ قال: كتب إلى عمر بن عبد العزيز بعض عمّاله يذكر أنّ الخراج قد انكسر، فكتب إليه عمر، يقول: إنّ اللّه يقول لا يستوي الخبيث والطّيّب ولو أعجبك كثرة الخبيث وكتب عمر إلى بعض عمّاله: إن استطعت أن تكون في العدل والإصلاح والإحسان بقولة من كان قبلك في الظّلم والفجور والعدوان فافعل ولا قوّة إلا باللّه.
- حدّثنا أبي، ثنا سلمة بن شبيبٍ، ثنا داود بن الجرّاح، ثنا أبو معشرٍ عن المقبريّ عن أبي هريرة قال: فإن شئتم فاقرأوا كتاب اللّه لا يستوي الخبيث والطّيّب
قوله تعالى: فاتّقوا اللّه
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاء بن يسارٍ عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه فاتّقوا اللّه يعني المؤمنين يحذّرهم.
قوله تعالى: يا أولي الألباب
- وبه عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه يا أولي الألباب يقول: من كان له لبٌّ أو عقلٌ). [تفسير القرآن العظيم: 4/1216-1217]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون}.
أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في الآية قال: الخبيث هم المشركون والطيب هم المؤمنون.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال: لدرهم حلال أتصدق به أحب إلي من مائة ألف ومائة ألف حرام فإن شئتم فاقرأوا كتاب الله {قل لا يستوي الخبيث والطيب}.
وأخرج ابن أبي حاتم حدثنا يونس بن عبد الأعلى حدثنا ابن وهب حدثني يعقوب بن عبد الرحمن الإسكندراني قال: كتب إلى عمر عبد العزيز بعض عماله يذكر أن الخراج قد انكسر فكتب إليه عمر أن الله يقول {لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث} فإن استطعت أن تكون في العدل والإصلاح والإحسان بمنزلة من كان قبلك في الظلم والفجور والعدوان فافعل ولا قوة إلا بالله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله {يا أولي الألباب} يقول: من كان له لب أو عقل). [الدر المنثور: 5/544-545]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 20 ربيع الثاني 1434هـ/2-03-2013م, 11:13 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي التفسير اللغوي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: (جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (97) )

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (جعل الله الكعبة البيت الحرام قياماً للنّاس) (97) أي قواماً، وقال حميدٌ الأرقط:
قوام دنيا وقوام دين). [مجاز القرآن: 1/177]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({جعل اللّه الكعبة البيت الحرام قياماً لّلنّاس والشّهر الحرام والهدي والقلائد ذلك لتعلموا أنّ اللّه يعلم ما في السّماوات وما في الأرض وأنّ اللّه بكلّ شيءٍ عليمٌ}
وقال: {جعل اللّه الكعبة البيت الحرام قياماً لّلنّاس} وقال: {والهدي والقلائد} أي: وجعل لكم الهدي والقلائد). [معاني القرآن: 1/231]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله عز وجل {الكعبة البيت الحرام} فإنهم يقولون: لكل بيت منفرد على حياله هذا كعبة؛ والبيت الحرام كذلك لانفراده). [معاني القرآن لقطرب: 499]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({قياماً للنّاس}: أي قواما لهم بالأمن فيه). [تفسير غريب القرآن: 147]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقولهم: أين قوله: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ} من قوله: {ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}؟.
وتأويل هذا: أن أهل الجاهلية كانوا يتغاورون ويسفكون الدماء بغير حقها، ويأخذون الأموال بغير حلّها، ويخيفون السّبل، ويطلب الرجل منهم الثأر فيقتل غير قاتله، ويصيب غير الجاني عليه، ولا يبالي من كان بعد أن يراه كفأ لوليّه ويسمّيه: الثأر المنيم، وربما قتل أحدهم حميمه بحميمه.
قال ابن مضرّس وقتل خاله بأخيه:
بكت جزعا أمّي رميلة أن رأت = دما من أخيها بالمهنّد باقيا
فقلت لها: لا تجزعي إنّ طارقا = خليلي الذي كان الخليل المصافيا
وما كنت لو أعطيت ألفي نجيبة = وأولادها لغوا وستين راعيا
لأقبلها من طارق دون أن أرى = دما من بني حصن على السيف جاريا
وما كان في عوف قتيل علمته = ليوفيني من طارق غير خاليا
وربما أسرف في القتل فقتل بالواحد ثلاثة وأربعة وأكثر.
وقال الشاعر:
هم قتلوا منكم بظنّة واحد = ثمانية ثم استمرّوا فأرتعوا
يقول: إنهم اتهموكم بقتل رجل منهم، فقتلوا منكم ثمانية به.
فجعل الله الكعبة البيت الحرام وما حولها من الحرم، والشهر الحرام، والهدي، والقلائد- قواما للناس. أي أمنا لهم، فكان الرجل إذا خاف على نفسه لجأ إلى الحرم فأمن. يقول الله جل وعز: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ}.
وإذا دخل الشهر الحرام تقسّمتهم الرّحل، وتوزّعتهم النّخع، وانبسطوا في متاجرهم، وأمنوا على أموالهم وأنفسهم.
وإذا أهدى الرجل منهم هديا، أو قلّد بعيره من لحاء شجر الحرم- أمن كيف تصرّف وحيث سلك.
ولو ترك الناس على جاهليتهم وتغاورهم في كل موضع وكل شهر- لفسدت الأرض، وفني الناس، وتقطّعت السّبل، وبطلت المتاجر. ففعل الله ذلك لعلمه بما فيه من صلاح شؤونهم، وليعلموا كما علم ما فيه من الخير لهم- أنه يعلم أيضا ما في السّموات وما في الأرض من مصالح العباد ومرافقهم، وأنه بكل شيء عليم). [تأويل مشكل القرآن: 73-74]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله جلّ وعزّ: (جعل اللّه الكعبة البيت الحرام قياما للنّاس والشّهر الحرام والهدي والقلائد ذلك لتعلموا أنّ اللّه يعلم ما في السّماوات وما في الأرض وأنّ اللّه بكلّ شيء عليم (97)
قيل إنما سمّيت الكعبة لتربيع أعلاها.
ومعنى (قياما للناس) أي مما أمروا به أن يقوموا بالفرض فيه.
وكذلك: (والشهر الحرام والهدي والقلائد).
فأمّا من قال إنه أمن فلأنّ اللّه قال: (ومن دخله كان آمنا) ولم تزل العرب تترك القتال في الشهر الحرام، وكان يسمى رجب الأصمّ لأنه لا يسمع فيه صوت السلاح.
وأما من قال جعلت هذه الأشياء ليقوم الناس بها فإنما عنى متعبداتهم بالحج وأسبابه.
وقوله: (ذلك لتعلموا أنّ اللّه يعلم ما في السّماوات وما في الأرض).
فيه قولان: أحدهما أن الله لما آمن من الخوف البلد الحرام، والناسق كان يقتل بضعهم بعضا، وجعل الشهر الحرام يمتنع فيه من القتل، والقوم أهل جاهلية، فدل بذلك أنه يعلم ما في السّماوات وما في الأرض إذ جعل في أعظم الأوقات فسادا ما يؤمن به، وفيه قول آخر وهو عندي أبين، وهو أن ذلك مردود على ما أنبأ اللّه به على لسان نبيه في هذه السورة من قوله: (من الّذين قالوا آمنّا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم).
فأخبر بنفاقهم الذي كان مستترا عن المسلمين، وما أخبر به أنهم (سمّاعون للكذب سمّاعون لقوم آخرين لم يأتوك).
فأظهر الله ما كانوا أسروه من قصة الزانيين، ومسألتهم إياه - صلى الله عليه وسلم - وما شرحناه مما كانوا عليه في ذلك.
فأظهر الله جلّ وعزّ: نبيه والمؤمنين على جميع ما ستروا عنهم.
فالمعنى - واللّه أعلم - ذلك لتعلموا الغيب الذي أنبأتكم به عن اللّه.
يدلكم على إنّه يعلم ما في السّماوات وما في الأرض.
ودليل هذا القول قوله جلّ وعزّ:
(ما على الرّسول إلّا البلاغ واللّه يعلم ما تبدون وما تكتمون (99) ). [معاني القرآن: 2/210-211]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس} فيه قولان: أحدهما وهو أشبه بالمعنى أنهم يقومون بها ويأمنون قال سعيد بن جبير شدة للدين
والقول الآخر أنهم يقومون بشرائعها فأما قوله جل وعز بعد هذا: {ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض} ومجانسة هذا الأول فقال أبو العباس محمد بن يزيد: كانوا في الجاهلية يعظمون البيت الحرام والأشهر الحرم حتى إنهم كانوا يسمون رجبا وهو من الأشهر الحرم الأصم لأنه لا يسمع فيه وقع السلاح فعلم الله عز وجل ما يكون منهم من إغارة بعضهم فألهمهم أن لا يقاتلوا في الأشهر الحرم ولا عند البيت الحرام ولا من كان معه القلائد فالذي ألهمهم هذا يعلم ما في السموات وما في الأرض وقال أبو إسحاق وقد أخبر الله جل وعز النبي صلى الله عليه وسلم في هذه السورة بأشياء مما يسره المنافقون واليهود فقال جل وعز: {سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك} وما كان من أمر الزانيين وقوله جل وعز عن ذلك: {لتعلموا أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض} متعلق بهذه الأشياء أي الذي أخبركم بها يعلم ما في السموات وما في الأرض والدليل على صحة هذا القول قوله تعالى: {ما على الرسول إلا البلاغ والله يعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون} ). [معاني القرآن: 2/365-367]

تفسير قوله تعالى: (اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (98) )

تفسير قوله تعالى: (مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (99) )

تفسير قوله تعالى: (قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (100) )


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 3 جمادى الأولى 1434هـ/14-03-2013م, 04:41 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي التفسير اللغوي المجموع

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (97) }

تفسير قوله تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (98) }

تفسير قوله تعالى: {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (99) }

تفسير قوله تعالى: {قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (100) }
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): (وقال أبو العباس في قوله عز وجل: {وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ} يعني الحرام). [مجالس ثعلب: 376]

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 06:56 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 06:56 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 06:56 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 06:56 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (97) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ولما بان في هذه الآيات تعظيم الحرم والحرمة بالإحرام من أجل الكعبة وأنها بيت الله وعنصر هذه الفضائل، ذكر تعالى في قوله تعالى: جعل اللّه الآية ما سنه في الناس وهداهم إليه وحمل عليه الجاهلية الجهلاء من التزامهم أن الكعبة قوام و «الهدي» قوام و «القلائد» قوام أي أمر يقوم للناس بالتأمين وحل الحرب كما يفعل الملوك الذين هم قوام العالم، فلما كانت تلك الأمة لا ملك لها جعل الله هذه الأشياء كالملك لها، وأعلم تعالى أن التزام الناس لذلك هو مما شرعه وارتضاه، ويدل على مقدار هذه الأمور في نفوسهم أن النبي عليه السلام لما بعثت إليه قريش زمن الحديبية الحليس، فرآه النبي، قال: هذا رجل يعظم الحرمة فالقوه بالبدن مشعرة، فلما رآها الحليس عظم ذلك عليه، وقال: ما ينبغي أن يصد هؤلاء ورجع عن رسالتهم، وجعل في هذه الآية بمعنى صير، والكعبة بيت مكة، وسمي كعبة لتربيعه، قال أهل اللغة كل بيت مربع فهو مكعب وكعبة، ومنه قول الأسود بن يعفر:
أهل الخورنق والسدير وبارق = والبيت ذي الكعبات من سنداد
قالوا كانت فيه بيوت مربعة وفي كتاب سير ابن إسحاق أنه كان في خثعم بيت يسمونه كعبة اليمانية، وقال قوم: سميت كعبة لنتوئها ونشوزها على الأرض، ومنه كعب ثدي الجارية، ومنه كعب القدم ومنه كعوب القناة، وقياماً معناه أمر يقوم للناس بالأمنة والمنافع كما الملك قوام الرعية وقيامهم، يقال ذلك بالياء كالصيام ونحوه وذلك لخفة الياء فتستعمل أشياء من ذوات الواو بها، وقد يستعمل القوام على الأصل، قال الراجز:
قوام دنيا وقوام دين
وذهب بعض المتأولين إلى أن معنى قوله تعالى قياماً للنّاس أي موضع وجوب قيام بالمناسك والتعبدات وضبط النفوس في الشهر الحرام، ومع الهدي والقلائد، وقرأ ابن عامر وحده «قيما» دون ألف، وهذا إما على أنه مصدر كالشبع ونحوه، وأعلّ فلم يجر مجرى عوض وحول من حيث أعلّ فعله، وقد تعل الجموع لاعتلال الآحاد، فأحرى أن تعلّ المصادر لاعتلال أفعالها، ويحتمل «قيما» أن تحذف الألف وهي مرادة، وحكم هذا أن يجيء في شعر وغير سعة، وقرأ الجحدري «قيّما» بفتح القاف وشد الياء المكسورة والشّهر هنا اسم جنس والمراد الأشهر الثلاثة بإجماع من العرب، وشهر مضر وهو رجب الأصم، سمي بذلك لأنه كان لا يسمع فيه صوت الحديد، وسموه منصل الأسنة لأنهم كانوا ينزعون فيه أسنة الرماح، وهو شهر قريش، وله يقول عوف بن الأحوص:
وشهر بني أمية والهدايا = إذا سيقت مدرجها الدماء
وسماه النبي عليه السلام شهر الله، أي شهر آل الله، وكان يقال لأهل الحرم آل الله، ويحتمل أن يسمى شهر الله لأن الله سنه وشدده إذ كان كثير من العرب لا يراه، وأما الهدي فكان أمانا لمن يسوقه لأنه يعلم أنه في عبادة لم يأت لحرب وأما القلائد فكذلك كان الرجل إذا خرج يريد الحج تقلد من لحاء السمر أو غيره شيئا فكان ذلك أمانا له، وكان الأمر في نفوسهم عظيما مكنه الله حتى كانوا لا يقدم من ليس بمحرم أن يتقلد شيئا خوفا من الله، وكذلك إذا انصرفوا تقلدوا من شجر الحرم، وقوله تعالى: للنّاس لفظ عام، وقال بعض المفسرين أراد العرب.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ولا وجه لهذا التخصيص، وقال سعيد بن جبير جعل الله هذه الأمور للناس وهم لا يرجون جنة ولا يخافون نارا، ثم شدد ذلك بالإسلام، وقوله تعالى: ذلك إشارة إلى أن جعل هذه الأمور قياما، والمعنى فعل ذلك لتعلموا أن الله تعالى يعلم تفاصيل أمور السماوات والأرض ويعلم مصالحكم أيها الناس قبل وبعد، فانظروا لطفه بالعباد على حال كفرهم، وقوله تعالى: بكلّ شيءٍ عليمٌ عام عموما تاما في الجزئيات ودقائق الموجودات، كما قال عز وجل وما تسقط من ورقةٍ إلّا يعلمها [الأنعام: 59]، والقول بغير هذا إلحاد في الدين وكفر). [المحرر الوجيز: 3/266-268]

تفسير قوله تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (98) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم خوف تعالى عباده ورجاهم بقوله اعلموا أنّ اللّه الآية، وهكذا هو الأمر في نفسه حري أن يكون العبد خائفا عاملا بحسب الخوف متقيا متأنسا بحسب الرجاء). [المحرر الوجيز: 3/269]

تفسير قوله تعالى: {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (99) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: ما على الرّسول إلاّ البلاغ واللّه يعلم ما تبدون وما تكتمون (99) قل لا يستوي الخبيث والطّيّب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتّقوا اللّه يا أولي الألباب لعلّكم تفلحون (100) يا أيّها الّذين آمنوا لا تسئلوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسئلوا عنها حين ينزّل القرآن تبد لكم عفا اللّه عنها واللّه غفورٌ حليمٌ (101) قد سألها قومٌ من قبلكم ثمّ أصبحوا بها كافرين (102)
قوله تعالى: ما على الرّسول إلّا البلاغ إخبار للمؤمنين فلا يتصور أن يقال هي آية موادعة منسوخة بآيات القتال، بل هذه حال من آمن وشهد شهادة الحق. فإنه إذ قد عصم من الرسول ماله ودمه، فليس على الرسول في جهته أكثر من التبليغ والله تعالى بعد ذلك يعلم ما ينطوي عليه صدره، وهو المجازي بحسب ذلك ثوابا أو عقابا، والبلاغ مصدر من بلغ يبلغ، والآية معناها الوعيد للمؤمنين إن انحرفوا ولم يمتثلوا ما بلغ إليهم). [المحرر الوجيز: 3/269]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (100) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله قل لا يستوي الآية لفظ عام في جميع الأمور يتصور في المكاسب وعدد الناس والمعارف من العلوم ونحوها، ف الخبيث من هذا كله لا يفلح ولا ينجب ولا تحسن له عاقبة، والطّيّب ولو قل نافع جميل العاقبة وينظر إلى هذه الآية قوله تعالى: والبلد الطّيّب يخرج نباته بإذن ربّه والّذي خبث لا يخرج إلّا نكداً [الأعراف: 58] والخبث هو الفساد الباطن في الأشياء حتى يظن بها الصلاح والطيب وهي بخلاف ذلك، وهكذا هو الخبث في الإنسان، وقد يراد بلفظة خبيث في الإنسان
فساد نسبه، فهذا لفظ يلزم قائله على هذا القصد الحد، وقوله تعالى فاتّقوا اللّه يا أولي الألباب تنبيه على لزوم الطيب في المعتقد والعمل، وخص أولي الألباب بالذكر لأنهم المتقدمون في ميز هذه الأمور والذين لا ينبغي لهم إهمالها مع البهائم وإدراكهم وكأن الإشارة بهذه الألباب إلى لب التجربة الذي يزيد على لب التكليف بالحنكة والفطنة المستنبطة والنظر البعيد). [المحرر الوجيز: 3/269-270]

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 06:56 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 06:56 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (97) }

تفسير قوله تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (98) }

تفسير قوله تعالى: {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (99) }

تفسير قوله تعالى: {قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (100) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قل لا يستوي الخبيث والطّيّب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتّقوا اللّه يا أولي الألباب لعلّكم تفلحون (100) يا أيّها الّذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم عفا اللّه عنها واللّه غفورٌ حليمٌ (101) قد سألها قومٌ من قبلكم ثمّ أصبحوا بها كافرين (102)}
يقول تعالى لرسوله صلّى اللّه عليه وسلّم: {قل} يا محمّد: {لا يستوي الخبيث والطّيّب ولو أعجبك} أي: يا أيّها الإنسان {كثرة الخبيث} يعني: أنّ القليل الحلال النّافع خيرٌ من الكثير الحرام الضّارّ، كما جاء في الحديث: "ما قلّ وكفى، خيرٌ ممّا كثر وألهى".
وقال أبو القاسم البغويّ في معجمه: حدّثنا أحمد بن زهير، حدّثنا الحوطي، حدّثنا محمّد بن شعيبٍ، حدّثنا معان بن رفاعة، عن أبي عبد الملك عليّ بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة أنّه أخبره عن ثعلبة بن حاطبٍ الأنصاريّ أنّه قال: يا رسول اللّه، ادع اللّه أن يرزقني مالًا. فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "قليلٌ تؤدّي شكره خيرٌ من كثيرٍ لا تطيقه".
{فاتّقوا اللّه يا أولي الألباب} أي: يا ذوي العقول الصّحيحة المستقيمة، وتجنّبوا الحرام ودعوه، واقنعوا بالحلال واكتفوا به {لعلّكم تفلحون} أي: في الدّنيا والآخرة). [تفسير القرآن العظيم: 3/203]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:43 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة