العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة التوبة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 6 جمادى الأولى 1434هـ/17-03-2013م, 06:14 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي تفسير سورة التوبة [ من الآية (81) إلى الآية (83) ]

تفسير سورة التوبة
[ من الآية (81) إلى الآية (83) ]

بسم الله الرحمن الرحيم
{ فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81) فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82) فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ (83) }



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 6 جمادى الأولى 1434هـ/17-03-2013م, 06:22 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى فرح المخلفون بمقعدهم خلف رسول الله قال هي غزوة تبوك). [تفسير عبد الرزاق: 1/284]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فرح المخلّفون بمقعدهم خلاف رسول اللّه وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل اللّه وقالوا لا تنفروا في الحرّ قل نار جهنّم أشدّ حرًّا لو كانوا يفقهون}.
يقول تعالى ذكره: فرح الّذين خلّفهم اللّه عن الغزو مع رسوله والمؤمنين به وجهاد أعدائه بمقعدهم {خلاف رسول اللّه} يقول: بجلوسهم في منازلهم خلاف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، يقول: على الخلاف لرسول اللّه في جلوسه ومقعده. وذلك أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أمرهم بالنّفر إلى جهاد أعداء اللّه، فخالفوا أمره وجلسوا في منازلهم.
وقوله: {خلاف} مصدرٌ من قول القائل: خالف فلانٌ فلانًا فهو يخالفه خلافًا فلذلك جاء مصدره على تقدير فعالٍ، كما يقال: قاتله فهو يقاتله قتالاً، ولو كان مصدرًا من خلفه، لكانت القراءة: بمقعدهم خلف رسول اللّه؛ لأنّ مصدر خلفه خلفٌ، لا خلافٌ، ولكنّه على ما بيّنت من أنّه مصدر خالف. فقرئ: {خلاف رسول اللّه} وهي القراءة الّتي عليها قراءة الأمصار، وهي الصّواب عندنا.
وقد تأوّل بعضهم ذلك، بمعنى: بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، واستشهد على ذلك بقول الشّاعر:
عقب الرّبيع خلافهم فكأنّما = بسط الشّواطب بينهنّ حصيرا
وذلك قريبٌ لمعنى ما قلنا؛ لأنّهم قعدوا بعده على الخلاف له.
وقوله: {وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل اللّه} يقول تعالى ذكره: وكره هؤلاء المخلّفون أن يغزوا الكفّار بأموالهم وأنفسهم في سبيل اللّه، يعني: في دين اللّه الّذي شرعه لعباده لينصروه، ميلاً إلى الدّعة والخفض، وإيثارًا للرّاحة على التّعب والمشقّة، وشحًّا بالمال أن ينفقوه في طاعة اللّه.
{وقالوا لا تنفروا في الحرّ} وذلك أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم استنفرهم إلى هذه الغزوة، وهي غزوة تبوك في حرٍّ شديدٍ، فقال المنافقون بعضهم لبعضٍ: لا تنفروا في الحرّ، فقال اللّه لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل لهم يا محمّد نار جهنّم الّتي أعدّها اللّه لمن خالف أمره وعصى رسوله، أشدّ حرًّا من هذا الحرّ الّذي تتواصون بينكم أن لا تنفروا فيه. يقول: الّذي هو أشدّ حرًّا أحرى أن يحذر ويتّقى من الّذي هو أقلّهما أذًى. {لو كانوا يفقهون} يقول: لو كان هؤلاء المنافقون يفقهون عن اللّه وعظه ويتدبّرون آي كتابه، ولكنّهم لا يفقهون عن اللّه، فهم يحذرون من الحرّ أقلّه مكروهًا وأخفّه أذًى، ويوافقون أشدّه مكروهًا وأعظمه على من يصلاه بلاءً.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {فرح المخلّفون بمقعدهم خلاف رسول اللّه} إلى قوله: {يفقهون} وذلك أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أمر النّاس أن ينبعثوا معه، وذلك في الصّيف، فقال رجالٌ: يا رسول اللّه، الحرّ شديدٌ ولا نستطيع الخروج، فلا تنفر في الحرّ، فقال اللّه: {قل نار جهنّم أشدّ حرًّا لو كانوا يفقهون} فأمره اللّه بالخروج.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة في قوله: {بمقعدهم خلاف رسول اللّه} قال: من غزوة تبوك.
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا أبو معشرٍ، عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ وغيره قالوا: خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في حرٍّ شديدٍ إلى تبوك، فقال رجلٌ من بني سلمة: لا تنفروا في الحرّ، فأنزل اللّه: {قل نار جهنّم} الآية.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ذكر قول بعضهم لبعضٍ، حين أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالجهاد، وأجمع السّير إلى تبوك على شدّة الحرّ وجدب البلاد، يقول اللّه جلّ ثناؤه: {وقالوا لا تنفروا في الحرّ قل نار جهنّم أشدّ حرًّا}). [جامع البيان: 11/602-604]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (فرح المخلّفون بمقعدهم خلاف رسول اللّه وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل اللّه وقالوا لا تنفروا في الحرّ قل نار جهنّم أشدّ حرًّا لو كانوا يفقهون (81)
قوله تعالى: فرح المخلّفون بمقعدهم خلاف رسول اللّه
- حدّثنا عليّ بن الحسن ثنا أبو الجماهر ثنا سعيد بن بشيرٍ ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة: فرح المخلّفون بمقعدهم خلاف رسول اللّه أظنّها في غزوة تبوك.
قوله تعالى: وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل اللّه
- حدّثنا أبو زرعة ثنا عبد اللّه بن بكيرٍ ثنا عبد اللّه بن لهيعة ثنا عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ قوله: في سبيل اللّه قال: في طاعة اللّه.
قوله تعالى: وقالوا لا تنفروا في الحرّ
- حدّثنا أبي ثنا ابن أبي عمر ثنا سفيان عن جعفر بن محمّدٍ عن أبيه قال: كانت تبوك آخر غزوةٍ غزاها رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- وهي غزوة الحر، قالوا: لا تنفروا في الحرّ قل نار جهنّم أشدّ حرًّا وهي غزوة العسرة.
قوله تعالى: قل نار جهنّم أشدّ حرًّا لو كانوا يفقهون
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ فيما كتب إليّ ثنا أبي ثنا عمّي عن أبيه عن جدّه عن ابن عبّاسٍ: وقالوا لا تنفروا في الحرّ قل نار جهنّم أشدّ حرًّا لو كانوا يفقهون وذلك أنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- أمر النّاس أن ينبعثوا معه وذلك في الصّيف فقال رجلٌ: يا رسول اللّه، الحرّ شديدٌ ولا نستطيع الخروج، فلا تنفر في الحرّ، فقال: قل نار جهنّم أشدّ حرًّا لو كانوا يفقهون). [تفسير القرآن العظيم: 6/1854-1855]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 81.
أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {بمقعدهم خلاف رسول الله} قال: عن غزوة تبوك.
وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك في الآية قال: يعني المتخلفون بأن قعدوا خلاف رسول الله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: كانت تبوك آخر غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي غزوة الحر، قالوا: لا تنفروا في الحر وهي غزوة العسرة.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الناس أن ينبعثوا معه وذلك في الصيف، فقال رجال: يا رسول الله الحر شديد ولا نستطيع الخروج فلا تنفروا في الحر، فقال الله {قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون} فأمره بالخروج.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله {لا تنفروا في الحر} قال: قول المنافقين يوم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك.
وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي وغيره قالوا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد إلى تبوك فقال رجل من بني سلمة: لا تنفروا في الحر، فأنزل الله {قل نار جهنم أشد حرا} الآية
وأخرج ابن مردويه، عن جابر بن عبد الله قال: استدار برسول الله صلى الله عليه وسلم رجال من المنافقين حين أذن للجد بن قيس ليستأذنوه ويقولوا: يا رسول الله ائذن لنا فإنا لا نستطيع أن ننفر في الحر فأذن لهم وأعرض عنهم، فأنزل الله {قل نار جهنم أشد حرا} الآية). [الدر المنثور: 7/471-473]

تفسير قوله تعالى: (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن الحسن في قوله تعالى فليضحكوا قليلا قال يضحكوا قليلا في الدنيا وليبكوا كثيرا في الآخرة في نار جهنم جزاء ما كانوا يكسبون). [تفسير عبد الرزاق: 1/284]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [الآية (82) : قوله تعالى: {فليضحكوا قليلًا وليبكوا كثيرًا جزاءً بما كانوا يكسبون} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو معاوية، عن إسماعيل بن سميع، عن أبي رزين - في قوله عزّ وجلّ: {فليضحكوا قليلًا وليبكوا كثيرًا} -، قال: الدّنيا قليلٌ، فليضحكوا فيها ما شاؤوا، فإذا صاروا إلى الآخرة بكوا بكاءً لا ينقطع، فذلك الكثير). [سنن سعيد بن منصور: 5/265]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا أبو معاوية، قال: حدّثنا إسماعيل بن سميعٍ، عن أبي رزينٍ في قوله: {فليضحكوا قليلاً وليبكوا كثيرًا} قال: يقول اللّه: الدّنيا قليلٌ فليضحكوا فيها ما شاؤوا، فإذا صاروا إلى الآخرة بكوا بكاءً لا ينقطع، فذلك الكثير). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 288]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فليضحكوا قليلاً وليبكوا كثيرًا جزاءً بما كانوا يكسبون}.
يقول تعالى ذكره: فرح هؤلاء المخلّفون بمقعدهم خلاف رسول اللّه، فليضحكوا فرحين قليلاً في هذه الدّنيا الفانية بمقعدهم خلاف رسول اللّه ولهوهم عن طاعة ربّهم، فإنّهم سيبكون طويلاً في جهنّم مكان ضحكهم القليل في الدّنيا {جزاءً} يقول: ثوابًا منّا لهم على معصيتهم بتركهم النّفر إذ استنفروا إلى عدوّهم وقعودهم في منازلهم خلاف رسول اللّه. {بما كانوا يكسبون} يقول: بما كانوا يجترحون من الذّنوب.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني أبو السّائب، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن إسماعيل، عن أبي رزينٍ: {فليضحكوا قليلاً وليبكوا كثيرًا} قال: يقول اللّه تبارك وتعالى: الدّنيا قليلٌ، فليضحكوا فيها ما شاءوا، فإذا صاروا إلى الآخرة بكوا بكاءً لا ينقطع، فذلك الكثير.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن يمانٍ، عن منصورٍ، عن أبي رزينٍ، عن الرّبيع بن خثيمٍ: {فليضحكوا قليلاً} قال: في الدّنيا {وليبكوا كثيرًا} قال: في الآخرة.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، ويحيى، قالا: حدّثنا سفيان، عن إسماعيل بن سميعٍ، عن أبي رزينٍ، في قوله: {فليضحكوا قليلاً وليبكوا كثيرًا} قال: في الآخرة.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن منصورٍ، عن أبي رزينٍ، أنّه قال في هذه الآية: {فليضحكوا قليلاً وليبكوا كثيرًا} قال: ليضحكوا في الدّنيا قليلاً، وليبكوا في النّار كثيرًا، وقال في هذه الآية: {وإذًا لا تمتّعون إلاّ قليلاً} قال: أجلهم أحد هذين الحديثين رفعه إلى ربيع بن خثيمٍ.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن الحسن: {فليضحكوا قليلاً} قال: ليضحكوا قليلاً في الدّنيا {وليبكوا كثيرًا} في الآخرة في نار جهنّم {جزاءً بما كانوا يكسبون}.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {فليضحكوا قليلاً} أي في الدّنيا {وليبكوا كثيرًا} أي في النّار. ذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: والّذي نفسي بيده لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا ذكر لنا أنّه نودي عند ذلك، أو قيل له: لا تقنّط عبادي.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن منصورٍ، عن أبي رزينٍ، عن الرّبيع بن خثيم {فليضحكوا قليلاً} قال: في الدّنيا {وليبكوا كثيرًا} قال: في الآخرة.
- قال: حدّثنا أبو معاوية، عن إسماعيل بن سميعٍ، عن أبي رزينٍ: {فليضحكوا قليلاً} قال: في الدّنيا، فإذا صاروا إلى الآخرة بكوا بكاءً لا ينقطع، فذلك الكثير.
- حدّثنا عليّ بن داود، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {فليضحكوا قليلاً وليبكوا كثيرًا} قال: هم المنافقون والكفّار الّذين اتّخذوا دينهم هزوًا ولعبًا، يقول اللّه تبارك وتعالى: {فليضحكوا قليلاً} في الدّنيا {وليبكوا كثيرًا} في النّار.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {فليضحكوا} في الدّنيا {قليلاً وليبكوا} يوم القيامة {كثيرًا} وقال: {إنّ الّذين أجرموا كانوا من الّذين آمنوا يضحكون} حتّى بلغ: {هل ثوّب الكفّار ما كانوا يفعلون}). [جامع البيان: 11/605-607]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (فليضحكوا قليلًا وليبكوا كثيرًا جزاءً بما كانوا يكسبون (82)
قوله تعالى: فليضحكوا قليلا
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث ثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قوله: فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرًا هم المنافقون والكفّار، الّذين اتّخذوا دينهم هزوًا ولعبًا، يقول اللّه تعالى: فليضحكوا قليلا: في الدّنيا.
- حدّثنا أبي ثنا سويد بن سعيدٍ ثنا مروان بن معاوية عن إسماعيل بن سميعٍ عن ابن عبّاسٍ قوله: فليضحكوا قليلا قال: الدّنيا قليلٌ، فليضحكوا فيها ما شاءوا وليبكوا كثيرًا فإذا انقطعت الدّنيا وصاروا إلى اللّه، استأنفوا بكاءً لا ينقطع أبدًا.
- حدّثنا أبي ثنا ابن نفيلٍ ثنا أبو معاوية عن إسماعيل بن سميعٍ عن أبي رزينٍ في قوله: فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرًا قال: أيّام الدّنيا قليلٌ، فليضحكوا فيها ما شاءوا، فإذا صاروا إلى الآخرة بكوا بكاءً لا ينقطع، وهو الكثير
- وروي عن الرّبيع بن خثيمٍ وعون العقيليّ والحسن. وقتادة وزيد بن أسلم في قوله: فليضحكوا قليلا قالوا: في الدّنيا.
قوله تعالى: وليبكوا كثيرا.
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ ثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قوله: وليبكوا كثيرًا: قال: في النّار، وروي عن الحسن وعون العقيليّ، وقتادة وزيد بن أسلم قالوا: في الآخرة.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا عبد اللّه بن رجاءٍ ثنا إسرائيل عن إسماعيل أبي محمّدٍ الحنفيّ عن أبي رزينٍ في قول اللّه: فليضحكوا قليلا. قال: الدّنيا، وليبكوا كثيرًا قال: إذا مات بكى بكاءً لا ينقطع.
- حدّثنا أبي ثنا مقاتل بن محمّدٍ ثنا وكيعٌ عن سفيان عن منصورٍ عن أبي رزينٍ عن الرّبيع بن خثيمٍ في قوله: فليضحكوا قليلا قال: الدّنيا وليبكوا كثيرًا قال: الآخرة.
قوله تعالى: جزاءً بما كانوا يكسبون
- حدّثنا عبد اللّه بن سليمان حدّثنا الحسين بن عليٍّ حدّثنا عامر بن الفرات عن أسباطٍ عن السّدّيّ قوله: جزاءً بما كانوا يكسبون يقول: إنّ مرجعهم إلى النّار). [تفسير القرآن العظيم: 6/1855-1856]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 82.
أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا} قال: هم المنافقون والكفار الذين اتخذوا من دينهم هزوا ولعبا يقول الله تعالى {فليضحكوا قليلا} في الدنيا {وليبكوا كثيرا} في الآخرة.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله {فليضحكوا قليلا} قال: الدنيا قليل فليضحكوا فيها ما شاؤوا فإذا انقطعت الدنيا وصاروا إلى الله تعالى استأنفوا بكاء لا ينقطع أبدا.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي رزين، مثله.
وأخرج البخاري والترمذي، وابن مردويه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا
وأخرج ابن مردويه عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته لله ساجدا والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا وما تلذذتم بالنساء على الفرش ولخرجتم إلى الصعدات تجارون إلى الله لوددت أني كنت شجرة تعضد.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن ماجة وأبو يعلى عن أنس سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يا أيها الناس ابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا فإن أهل النار يبكون حتى تسيل
دموعهم في وجوههم كأنها جداول حتى تنقطع الدموع فتسيل فتقرح العيون فلو أن سفنا أرخيت فيها لجرت.
وأخرج ابن أبي الدنيا في صفة النار عن زيد بن رفيع رفعه قال: إن أهل النار إذا دخلوا النار بكوا الدموع زمانا ثم بكوا القيح زمانا فتقول لهم الخزنة: يا معشر الأشقياء تركتم البكاء في الدار المرحوم فيها أهلها في الدنيا هل تجدون اليوم من تستغيثون به فيرفعون أصواتهم: يا أهل الجنة يا معشر الآباء والأمهات والأولاد خرجنا من القبور عطاشا وكنا طول الموقف عطاشا ونحن اليوم عطاشا فأفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله، فيدعون أربعين سنة لا يجيبهم ثم يجيبهم إنكم ماكثون، فييأسون من كل خير.
وأخرج ابن سعد، وابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن أبي موسى الأشعري، أنه خطب الناس بالبصرة فقال: يا أيها الناس ابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا فإن أهل النار يبكون الدموع حتى تنقطع ثم يبكون الدماء حتى لو أجري فيها السفن لجرت.
وأخرج أحمد في الزهد عن عبد الله بن عمر قال: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ولو تعلمون حق العلم لصرخ أحدكم حتى ينقطع صوته ولسجد حتى ينقطع صلبه.
وأخرج أحمد في الزهد عن أبي الدرداء قال: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ولخرجتم تبكون لا تدرون تنجون أو لا تنجون). [الدر المنثور: 7/473-477]

تفسير قوله تعالى: (فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ (83) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فإن رجعك اللّه إلى طائفةٍ منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدًا ولن تقاتلوا معي عدوًّا إنّكم رضيتم بالقعود أوّل مرّةٍ فاقعدوا مع الخالفين}.
يقول جلّ ثناؤه لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: فإن ردّك اللّه يا محمّد إلى طائفةٍ من هؤلاء المنافقين من غزوتك هذه، فاستأذنوك للخروج معك في أخرى غيرها، فقل لهم: {لن تخرجوا معي أبدًا ولن تقاتلوا معي عدوًّا إنّكم رضيتم بالقعود أوّل مرّةٍ} وذلك عند خروج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى تبوك {فاقعدوا مع الخالفين} يقول: فاقعدوا مع الّذين قعدوا من المنافقين خلاف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؛ لأنّكم منهم، فاقتدوا بهديهم واعملوا مثل الّذي عملوا من معصية اللّه، فإنّ اللّه قد سخط عليكم.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قال: قال رجلٌ: يا رسول اللّه، الحرّ شديدٌ ولا نستطيع الخروج، فلا تنفر في الحرّ، وذلك في غزوة تبوك، فقال اللّه: {قل نار جهنّم أشدّ حرًّا لو كانوا يفقهون} فأمره اللّه بالخروج، فتخلّف عنه رجالٌ، فأدركتهم نفوسهم، فقالوا: واللّه ما صنعنا شيئًا، فانطلق منهم ثلاثةٌ، فلحقوا برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. فلمّا أتوه تابوا ثمّ رجعوا إلى المدينة، فأنزل اللّه: {فإن رجعك اللّه إلى طائفةٍ منهم} إلى قوله: {ولا تقم على قبره} فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: هلك الّذين تخلّفوا فأنزل اللّه عذرهم لمّا تابوا، فقال: {لقد تاب اللّه على النّبيّ والمهاجرين والأنصار} إلى قوله: {إنّ اللّه هو التّوّاب الرّحيم} وقال: {إنّه بهم رءوفٌ رحيمٌ}.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {فإن رجعك اللّه إلى طائفةٍ منهم} إلى قوله: {فاقعدوا مع الخالفين} أي مع النّساء. ذكر لنا أنّهم كانوا اثني عشر رجلاً من المنافقين، فقيل فيهم ما قيل.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ: {فاقعدوا مع الخالفين} والخالفون: الرّجال.
قال أبو جعفرٍ: والصّواب من التّأويل في قوله {الخالفين} ما قال ابن عبّاسٍ.
فأمّا ما قال قتادة من أنّ ذلك النّساء، فقولٌ لا معنى له؛ لأنّ العرب لا تجمع النّساء إذا لم يكن معهنّ رجالٌ بالياء والنّون، ولا بالواو والنّون. ولو كان معنيًّا بذلك النّساء، لقيل: فاقعدوا مع الخوالف، أو مع الخالفات، ولكنّ معناه ما قلنا من أنّه أريد به: فاقعدوا مع مرضى الرّجال وأهل زمانتهم والضّعفاء منهم والنّساء. وإذا اجتمع الرّجال والنّساء في الخبر، فإنّ العرب تغلّب الذّكور على الإناث؛ ولذلك قيل: {فاقعدوا مع الخالفين} والمعنى ما ذكرنا.
ولو وجّه معنى ذلك إلى: فاقعدوا مع أهل الفساد، من قولهم: خلف الرّجال عن أهله يخلف خلوفًا، إذا فسد، ومن قولهم: هو خلف سوءٍ، كان مذهبًا. وأصله إذا أريد به هذا المعنى قولهم خلف اللّبن يخلف خلوفًا إذا خبث من طول وضعه في السّقاء حتّى يفسد، ومن قولهم: خلف فم الصّائم: إذا تغيّرت ريحه). [جامع البيان: 11/608-610]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (فإن رجعك اللّه إلى طائفةٍ منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدًا ولن تقاتلوا معي عدوًّا إنّكم رضيتم بالقعود أوّل مرّةٍ فاقعدوا مع الخالفين (83)
قوله تعالى: فإن رجعك اللّه إلى طائفةٍ منهم.
- حدّثنا عليّ بن الحسن ثنا أبو الجماهر، ثنا سعيد بن بشيرٍ عن قتادة قوله: فإن رجعك اللّه إلى طائفةٍ منهم فاستأذنوك للخروج قال: ذكر لنا أنّهم كانوا اثنى عشر رجلا، وفيهم قيل ما قيل.
قوله تعالى: فقل لن تخرجوا معي أبدًا ولن تقاتلوا معي عدوا
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ فيما كتب إليّ ثنا أبي ثنا عمّي عن أبيه عن جدّه عن ابن عبّاسٍ: فأمره اللّه بالخروج فتخلّف عنه رجالٌ، فأدركتهم أنفسهم فقالوا: واللّه ما صنعنا شيئًا، فانطلق منهم ثلاثةٌ، فلحقوا برسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم-، فلمّا أتوه تابوا، ثمّ رجعوا إلى المدينة، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: فإن رجعك اللّه إلى طائفةٍ منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدًا ولن تقاتلوا معي عدوًّا.
قوله تعالى: إنّكم رضيتم بالقعود أوّل مرّةٍ فاقعدوا مع الخالفين.
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث ثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قوله: إنّكم رضيتم بالقعود أوّل مرّةٍ إلى قوله: الخالفين والخالفين: الرّجال). [تفسير القرآن العظيم: 6/1856-1857]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 83.
أخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله {فإن رجعك الله إلى طائفة منهم} قال: ذكر لنا أنهم كانوا اثني عشر رجلا من المنافقين وفيهم قيل ما قيل.
وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك في الآية يقول: أرأيت إن نفرت فاستأذنوك أن ينفروا معك فقل: لن تخرجوا معي أبدا.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {فاقعدوا مع الخالفين} قال: هم الرجال الذين تخلفوا عن النفور). [الدر المنثور: 7/476]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 6 جمادى الأولى 1434هـ/17-03-2013م, 06:25 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {خلاف رسول الله} أي بعده، قال الحارث بن خالد
عقب الربيع خلافهم فكأنما... بسط الشواطب بينهن حصيرا
الشواطب اللاتي يشطبن سحاء الجريد ثم يصبغنه ويرملن الحصر). [مجاز القرآن: 1/264]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {خلاف رسول الله} فالمعنى: خلف رسول الله؛ أي بعده؛ وليس يريد المخالفة.
قال أبو ذؤيب:
فأصبحت أمشي في ديار كأنها = خلاف ديار المالكية عور
أي بعد المالكية وخلفها.
ومثله:
عقب الربيع خلافهم فكأنما = بسط الشواطب بينهن حصيرا
الشواطب: العوامل). [معاني القرآن لقطرب: 645]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {فرح المخلّفون بمقعدهم خلاف رسول اللّه وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل اللّه وقالوا لا تنفروا في الحرّ قل نار جهنّم أشدّ حرّا لو كانوا يفقهون}
بمعنى مخالفة رسول اللّه.
وهو منصوب لأنه مفعول له، المعنى بأن قعدوا لمخالفة رسول اللّه.
ويقرأ خلف رسول اللّه، ويكون ههنا أنهم تأخّروا عن الجهاد في سبيل اللّه.
{وقالوا لا تنفروا في الحرّ قل نار جهنّم أشدّ حرّا}.
وهذا وعيد في ترك الجهاد.
ويجوز لا تنفروا بضم الفاء). [معاني القرآن: 2/463]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله}
الخلاف المخالفة والمعنى من أجل مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقول جئتك ابتغاء العلم
ومن قرأ خلف رسول الله أراد التأخر عن الجهاد
وقوله جل وعز: {قل نار جهنم أشد حرا}
فيه معنى الوعيد والتهديد). [معاني القرآن: 3/238-239]

تفسير قوله تعالى: (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون}
{جزاء} مفعول له، المعنى: وليبكوا جزاء لهذا الفعل). [معاني القرآن: 2/463]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون}
قال أبو رزين يقول الله أمر الدنيا قليل فليضحكوا فيها ما شاءوا فإنهم سيبكون في النار بكاء لا ينقطع فذلك الكثير
وقال الحسن فليضحكوا قليلا في الدنيا وليبكوا كثيرا في الآخرة في جهنم جزاء بما كانوا يكسبون). [معاني القرآن: 3/239]

تفسير قوله تعالى: (فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ (83) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فاقعدوا مع الخالفين...}
من الرجال، خلوف وخالفون، والنساء خوالف: اللاتي يخلفن في البيت فلا يبرحن. ويقال: عبد خالف، وصاحب خالف: إذا كان مخالفا). [معاني القرآن: 1/447]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {مع الخالفين} الخالف الذي خلف بعد شاخص فقعد في رحله، وهو من تخلّف عن القوم.
ومنه أللهم اخلفني في ولدي، ويقال فلان خالفة أهل بيته أي مخالفهم إذا كان لا خير فيه). [مجاز القرآن: 1/265]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {فاقعدوا مع الخالفين} فإنهم يقولون: خلف الرجل على أهله، يخلف خلوفًا؛ أي فسد عليهم، وهو خالف: للواحد؛ وقد يقولون: إنه لخالفة: إذا كان لا يشبه قومه.
وقالوا: هم خلف صدق، وخلف سوء، وهو خلف سوء، وخلف صدق بالإسكان أيضًا؛ وهم خلف بالإسكان، وخلوف وخلف وأخلاف.
فأما الإسكان فقول الله عز وجل {فخلف من بعدهم خلف}.
قال حسان بن ثابت:
لنا القدم الأولى غليك وخلفنا لأولنا في طاعة الله تابع
وكان ابن عباس يقول: الخوالف النساء، مثل قواتل وضوارب.
وقالوا أيضًا: خلف الرجل صاحبه إذا ناظره فإذا غاب أتى أهله من ورائه؛ وقالوا أيضًا: اختلف الرجل في المشي خلفه؛ وقالوا: خلف اللبن، يخلف خلوفًا؛ إذا حمض من طول وضعه في السقاء، حتى يفسد؛ فكأن الرجل الفاسد من ذلك.
وقالوا: خلفت نفس الرجل عن الطعام، تخلف خلوفًا، إذا كرهته، وأخلفت نفس الرجل أيضًا لغة؛ وقالوا: خلف فم الصائم وغيره: إذا تغيرت رائحته، خلوفًا؛ وأخلف أيضًا بالألف؛ وقالوا: رجل خالفة وخلفنه: إذا كان لا يشبه قومه). [معاني القرآن لقطرب: 646]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {الخالفين}: الخالف الذي يقعد بعدك). [غريب القرآن وتفسيره: 165]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فاقعدوا مع الخالفين} واحدهم خالف، وهو من يخلف الرجل في ماله وبيته). [تفسير غريب القرآن: 191]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فاقعدوا مع الخالفين}
والخالف الذي يتخلف مع مال الرجل وفي بيته). [معاني القرآن: 3/239-240]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الْخَالِفِينَ}: الذين تخلفوا). [العمدة في غريب القرآن: 149]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 6 جمادى الأولى 1434هـ/17-03-2013م, 06:30 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81) }

قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وقوله: "كمنزيةٍ عيرًا خلاف جواد" يقول: بعد جواد، قال الله عزّ وجل: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ} ). [الكامل: 2/586]

تفسير قوله تعالى: {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82) }

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ (83) }
قالَ يعقوبُ بنُ إسحاقَ ابنِ السِّكِّيتِ البَغْدَادِيُّ (ت: 244هـ) : (ويقال قد أرجع يرجع إرجاعا إذا أهوى بيده إلى خلفه ليتناول شيئا ويقال ما رجع إلي جوابا يرجع رجعا ورجعانا وقد رجعته إلى كذا قال الله تبارك وتعالى: {فإن رجعك الله إلى طائفة منهم} ). [إصلاح المنطق: 263]

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 6 جمادى الأولى 1434هـ/17-03-2013م, 06:32 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 6 جمادى الأولى 1434هـ/17-03-2013م, 06:33 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 22 شعبان 1435هـ/20-06-2014م, 09:51 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 22 شعبان 1435هـ/20-06-2014م, 09:52 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: فرح المخلّفون بمقعدهم خلاف رسول اللّه وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل اللّه وقالوا لا تنفروا في الحرّ قل نار جهنّم أشدّ حرًّا لو كانوا يفقهون (81) فليضحكوا قليلاً وليبكوا كثيراً جزاءً بما كانوا يكسبون (82) فإن رجعك اللّه إلى طائفةٍ منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبداً ولن تقاتلوا معي عدوًّا إنّكم رضيتم بالقعود أوّل مرّةٍ فاقعدوا مع الخالفين (83)
هذه آية تتضمن وصف حالهم على جهة التوبيخ لهم وفي ضمنها وعيد، وقوله المخلّفون لفظ يقتضي تحقيرهم وأنهم الذين أبعدهم الله من رضاه وهذا أمكن في هذا من أن يقال المتخلفون، ولم يفرح إلا منافق، فخرج من ذلك الثلاثة وأصحاب العذر، و «مقعد» مصدر بمعنى القعود، ومثله:
من كان مسرورا بمقتل مالك = ... ... ... ...
وقوله خلاف معناه بعد وأنشد أبو عبيدة في ذلك: [الكامل]
عقب الربيع خلافهم فكأنّما = بسط الشواطب بينهنّ حصير
يريد بعدهم ومنه قول الشاعر: [الطويل]
فقل للذي يبقى خلاف الذي مضى = تأهّب لأخرى مثلها فكأن قد
وقال الطبري هو مصدر خالف يخالف.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فعلى هذا هو مفعول له، والمعنى فرح المخلّفون بمقعدهم لخلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم أو مصدر ونصبه في القول الأول كأنه على الظرف، و «كراهيتهم» لما ذكر هي شح إذ لا يؤمنون بالثواب في سبيل الله فهم يظنون بالدنيا، وقولهم لا تنفروا في الحرّ كان لأن غزوة تبوك كانت في وقت شدة الحر وطيب الثمار والظلال، قاله ابن عباس وكعب بن مالك والناس، فأقيمت عليهم الحجة بأن قيل لهم فإذا كنتم تجزعون من حر القيظ فنار جهنم التي هي أشد أحرى أن تجزعوا منها لو فهمتم، وقرأ ابن عباس وأبو حيوة «خلف» وذكرها يعقوب ولم ينسبها، وقرئ «خلف» بضم الخاء، ويقوي قول الطبري أن لفظة «الخلاف» هي مصدر من خالف ما تظاهرت به الروايات من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم بالنفر فعصوا وخالفوا وقعدوا مستأذنين.
وقال محمد بن كعب: قال لا تنفروا في الحرّ رجل من بني سلمة.
وقال ابن عباس: قال رجل يا رسول الله الحر شديد فلا تنفر في الحر، قال النقاش: وفي قراءة عبد الله «يعلمون» بدل يفقهون). [المحرر الوجيز: 4/ 374-376]

تفسير قوله تعالى: {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقال ابن عباس وأبو رزين والربيع بن خثيم وقتادة وابن زيد قوله فليضحكوا قليلًا إشارة إلى مدة العمر في الدنيا، وقوله وليبكوا كثيراً إشارة إلى تأبيد الخلود في النار، فجاء بلفظ الأمر ومعناه الخبر عن حالهم، ويحتمل أن يكون صفة حالهم أي هم لما هم عليه من الخطر مع الله، وسوء الحال بحيث ينبغي أن يكون ضحكهم قليلا وبكاؤهم من أجل ذلك كثيرا، وهذا يقتضي أن يكون وقت الضحك والبكاء في الدنيا على نحو قوله صلى الله عليه وسلم، لأمته «لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا».
وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما قال هذا الكلام أوحى الله إليه يا محمد لا تقنط عبادي، وجزاءً متعلق بالمعنى الذي تقديره وليبكوا كثيراً إذ هم معذبون جزاءً، وقوله: يكسبون نص في أن التكسب هو الذي يتعلق به العقاب والثواب). [المحرر الوجيز: 4/ 376]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ (83) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله: فإن رجعك اللّه إلى طائفةٍ منهم الآية، «رجع» يستوي مجاوزه وغير مجاوزه، وقوله تعالى: «إن» مبينة أن النبي صلى الله عليه وسلم، لا يعلم بمستقبلات أمره من أجل وسواه وأيضا فيحتمل أن يموتوا هم قبل رجوعه وأمر الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم، بأن يقول لهم لن تخرجوا معي، هو عقوبة لهم وإظهار لدناءة منزلتهم وسوء حالهم، وهذا هو المقصود في قصة ثعلبة بن حاطب التي تقدمت في الامتناع من أخذ صدقته، ولا خزي أعظم من أن يكون إنسان قد رفضه الشرع ورده كالجمل الأجرب، وقوله: إلى طائفةٍ يقتضي عندي أن المراد رؤوسهم والمتبوعون، وعليها وقع التشديد بأنها لا تخرج ولا تقاتل عدوا، وكرر معنى قتال العدو لأنه عظم الجهاد وموضع بارقة السيوف التي تحتها الجنة، ولولا تخصيص الطائفة لكان الكلام «فإن رجعك الله إليهم»، ويشبه أن تكون هذه الطائفة قد ختم عليها بالموافاة على النفاق، وعينوا للنبي صلى الله عليه وسلم، وإلا فكيف يترتب ألا يصلي على موتاهم إن لم يعينهم الله، وقوله: وماتوا وهم فاسقون ونص في موافاتهم، ومما يؤيد هذا ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم، عينهم لحذيفة بن اليمان وكانت الصحابة إذا رأوا حذيفة تأخر عن الصلاة على جنازة رجل تأخروا هم عنها.
وروي عن حذيفة أنه قال يوما: بقي من المنافقين كذا وكذا، فقال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنشدك الله أنا منهم؟ فقال لا، والله، لا أمنه منها أحدا بعدك، وقرأ جمهور الناس «معي» بسكون الياء في الموضعين، وقرأ عاصم فيما قال المفضل «معي» بحركة الياء في الموضعين، وقوله أوّل هو الإضافة إلى وقت الاستئذان.
و «الخالفون» جميع من تخلف من نساء وصبيان وأهل عذر غلب المذكر فجمع بالياء والنون وإن كان ثم نساء، وهو جمع خالف، وقال قتادة «الخالفون» النساء، وهذا مردود، وقال ابن عباس: هم الرجال، وقال الطبري: يحتمل قوله مع الخالفين أن يريد مع الفاسدين، فيكون ذلك مأخوذا من خلف الشيء إذا فسد ومنه خلوف فم الصائم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا تأويل مقحم والأول أفصح وأجرى على اللفظة، وقرأ مالك بن دينار وعكرمة «مع الخلفين» وهو مقصور من الخالفين، كما قال: عردا وبردا يريد عاردا وباردا، وكما قال الآخر: [الرجز]
مثل النقا لبده برد الظلل
يريد الظلال). [المحرر الوجيز: 4/ 376-378]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 22 شعبان 1435هـ/20-06-2014م, 09:52 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 22 شعبان 1435هـ/20-06-2014م, 09:52 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فرح المخلّفون بمقعدهم خلاف رسول اللّه وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل اللّه وقالوا لا تنفروا في الحرّ قل نار جهنّم أشدّ حرًّا لو كانوا يفقهون (81) فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرًا جزاءً بما كانوا يكسبون (82)}
يقول تعالى ذامّا للمنافقين المتخلّفين عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، وفرحوا بمقعدهم بعد خروجه، {وكرهوا أن يجاهدوا} معه {بأموالهم وأنفسهم في سبيل اللّه وقالوا} أي: بعضهم لبعضٍ: {لا تنفروا في الحرّ}؛ وذلك أنّ الخروج في غزوة تبوك كان في شدّة الحرّ، عند طيب الظّلال والثّمار، فلهذا قالوا {لا تنفروا في الحرّ} قال اللّه تعالى لرسوله: {قل} لهم: {نار جهنّم} الّتي تصيرون إليها بسبب مخالفتكم {أشدّ حرًّا} ممّا فررتم منه من الحرّ، بل أشدّ حرًّا من النّار، كما قال الإمام مالكٌ، عن أبي الزّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "نار بني آدم الّتي يوقدون بها جزءٌ من سبعين جزءًا [من نار جهنّم" فقالوا: يا رسول اللّه، إن كانت لكافيةٌ. قال إنّها فضّلت عليها بتسعةٍ وستّين جزءًا] أخرجاه في الصّحيحين من حديث مالكٍ، به
وقال الإمام أحمد: حدّثنا سفيان، عن أبي الزّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "إنّ ناركم هذه جزءٌ من سبعين جزءًا من نار جهنّم، وضربت بالبحر مرّتين، ولولا ذلك ما جعل [اللّه] فيها منفعةً لأحدٍ" وهذا أيضًا إسناده صحيحٌ
وقد روى الإمام أبو عيسى التّرمذيّ وابن ماجه، عن عبّاسٍ الدّوريّ، عن يحيى بن أبي بكيرٍ عن شريكٍ، عن عاصمٍ، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أوقد على النّار ألف سنةٍ حتّى احمرّت، ثمّ أوقد عليها ألف سنةٍ حتّى ابيضّت، ثمّ أوقد عليها ألف سنةٍ حتّى اسودّت، فهي سوداء كاللّيل المظلم". ثمّ قال التّرمذيّ: لا أعلم أحدًا رفعه غير يحيى
كذا قال. وقد رواه الحافظ أبو بكر بن مردويه عن إبراهيم بن محمّدٍ، عن محمد بن الحسين بن مكرمٍ، عن عبيد اللّه بن سعدٍ عن عمّه، عن شريكٍ -وهو ابن عبد اللّه النّخعيّ -به. وروى أيضًا ابن مردويه من رواية مبارك بن فضالة، عن ثابتٍ، عن أنسٍ قال: تلا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {نارًا وقودها النّاس والحجارة} [التّحريم:6] قال: "أوقد عليها ألف عامٍ حتّى ابيضّت، وألف عامٍ حتّى احمرّت، وألف عامٍ حتّى اسودّت، فهي سوداء كاللّيل، لا يضيء لهبها"
وروى الحافظ أبو القاسم الطّبرانيّ من حديث تمّام بن نجيح -وقد اختلف فيه -عن الحسن، عن أنسٍ مرفوعًا: "لو أنّ شرارةً بالمشرق -أي من نار جهنّم -لوجد حرّها من بالمغرب"
وروى الحافظ أبو يعلى عن إسحاق بن أبي إسرائيل، عن أبي عبيدة الحدّاد، عن هشام بن حسّان عن محمّد بن شبيبٍ، عن جعفر بن أبي وحشيّة، عن سعيد بن جبير، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لو كان هذا المسجد مائة ألفٍ أو يزيدون، وفيهم رجلٌ من أهل النّار فتنفّس فأصابهم نفسه، لاحترق المسجد ومن فيه" غريبٌ.
وقال الأعمش عن أبي إسحاق، عن النّعمان بن بشيرٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ أهون أهل النّار عذابًا يوم القيامة لمن له نعلان وشراكان من نارٍ، يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل، لا يرى أحدًا من أهل النّار أشدّ عذابًا منه، وإنّه أهونهم عذابًا". أخرجاه في الصّحيحين، من حديث الأعمش
وقال مسلمٌ أيضًا: حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدّثنا يحيى بن أبي بكير حدّثنا زهير بن محمّدٍ، عن سهيل بن أبي صالحٍ، عن النّعمان بن أبي عيّاشٍ عن أبي سعيدٍ الخدريّ، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "إنّ أدنى أهل النّار عذابًا يوم القيامة ينتعل بنعلين من نارٍ، يغلي دماغه من حرارة نعليه"
وقال الإمام أحمد: حدّثنا يحيى، عن ابن عجلان، سمعت أبي، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "إنّ أدنى أهل النّار عذابًا رجلٌ يجعل له نعلان يغلي منهما دماغه"
وهذا إسنادٌ جيّدٌ قويٌّ، رجاله على شرط مسلم، والله أعلم.
والأحاديث والآثار النّبويّة في هذا كثيرةٌ، وقال اللّه تعالى في كتابه العزيز: {كلا إنّها لظى نزاعةً للشّوى} [المعارج: 15، 16] وقال تعالى: {يصبّ من فوق رءوسهم الحميم يصهر به ما في بطونهم والجلود ولهم مقامع من حديدٍ كلّما أرادوا أن يخرجوا منها من غمٍّ أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق} [الحجّ: 19-22] وقال تعالى: {إنّ الّذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارًا كلّما نضجت جلودهم بدّلناهم جلودًا غيرها ليذوقوا العذاب} [النّساء: 56]
وقال تعالى في هذه الآية الكريمة [الأخرى] {قل نار جهنّم أشدّ حرًّا لو كانوا يفقهون} أي: لو أنّهم يفقهون ويفهمون لنفروا مع الرّسول في سبيل اللّه في الحرّ، ليتّقوا به حرّ جهنّم، الّذي هو أضعاف أضعاف هذا، ولكنّهم كما قال الآخر:
كالمستجير من الرّمضاء بالنّار
وقال الآخر:
عمرك بالحمية أفنيته = مخافة البارد والحار
وكان أولى بك أن تتقي = من المعاصي حذر النّار). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 189-191]

تفسير قوله تعالى: {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال [اللّه] تعالى جلّ جلاله، متوعّدًا لهؤلاء المنافقين على صنيعهم هذا: {فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرًا جزاءً بما كانوا يكسبون}
قال ابن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: الدّنيا قليلٌ، فليضحكوا فيها ما شاءوا، فإذا انقطعت الدّنيا وصاروا إلى اللّه، عزّ وجلّ، استأنفوا بكاءً لا ينقطع أبدًا. وكذا قال أبو رزين، والحسن، وقتادة، والرّبيع بن خثيم، وعونٌ العقيليّ وزيد بن أسلم.
وقال الحافظ أبو يعلى الموصليّ: حدّثنا عبد اللّه بن عبد الصّمد بن أبي خداشٍ، حدّثنا محمّد بن حميدٍ عن ابن المبارك، عن عمران بن زيدٍ، حدّثنا يزيد الرّقاشي، عن أنس بن مالكٍ قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "يا أيّها النّاس، ابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا، فإنّ أهل النّار يبكون حتّى تسيل دموعهم في وجوههم كأنّها جداول، حتّى تنقطع الدّموع فتسيل الدّماء فتقرّح العيون. فلو أنّ سفنًا أزجيت فيها لجرت".
ورواه ابن ماجه من حديث الأعمش، عن يزيد الرقاشي، به
وقال الحافظ أبو بكر بن عبد اللّه بن محمّد بن أبي الدّنيا: حدّثنا محمّد بن العبّاس، حدّثنا حمّادٌ الجزريّ، عن زيد بن رفيع، رفعه قال: "إنّ أهل النّار إذا دخلوا النّار بكوا الدّموع زمانًا، ثمّ بكوا القيح زمانًا" قال: "فتقول لهم الخزنة: يا معشر الأشقياء، تركتم البكاء في الدّار المرحوم فيها أهلها في الدّنيا، هل تجدون اليوم من تستغيثون به؟ قال: فيرفعون أصواتهم: يا أهل الجنّة، يا معشر الآباء والأمّهات والأولاد، خرجنا من القبور عطاشًا، وكنّا طول الموقف عطاشًا، ونحن اليوم عطاشٌ، فأفيضوا علينا من الماء أو ممّا رزقكم اللّه، فيدعون أربعين سنةً لا يجيبهم، ثمّ يجيبهم: {إنّكم ماكثون} [الزّخرف: 77] فييأسون من كلّ خيرٍ"). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 191-192]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ (83) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فإن رجعك اللّه إلى طائفةٍ منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدًا ولن تقاتلوا معي عدوًّا إنّكم رضيتم بالقعود أوّل مرّةٍ فاقعدوا مع الخالفين (83)}
يقول تعالى آمرًا لرسوله عليه الصّلاة والسّلام {فإن رجعك اللّه} أي: ردّك اللّه من غزوتك هذه {إلى طائفةٍ منهم} قال قتادة: ذكر لنا أنّهم كانوا اثني عشر رجلًا {فاستأذنوك للخروج} أي: معك إلى غزوةٍ أخرى، {فقل لن تخرجوا معي أبدًا ولن تقاتلوا معي عدوًّا} أي: تعزيرًا لهم وعقوبةً. ثمّ علّل ذلك بقوله: {إنّكم رضيتم بالقعود أوّل مرّةٍ} وهذا كقوله تعالى: {ونقلّب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أوّل مرّةٍ} [الأنعام:110] فإنّ من جزاء السّيّئة السّيّئة بعدها كما أنّ من ثواب الحسنة الحسنة بعدها، كما قال في عمرة الحديبية: {سيقول المخلّفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتّبعكم يريدون أن يبدّلوا كلام اللّه قل لن تتّبعونا كذلكم قال اللّه من قبل} [الفتح: 15]
وقوله تعالى: {فاقعدوا مع الخالفين} قال ابن عبّاسٍ: أي الرّجال الّذين تخلّفوا عن الغزاة. وقال قتادة: {فاقعدوا مع الخالفين} أي: مع النّساء.
قال ابن جريرٍ: وهذا لا يستقيم؛ لأنّ جمع النّساء لا يكون بالياء والنّون، ولو أريد النّساء لقال: فاقعدوا مع الخوالف، أو الخالفات، ورجّح قول ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 192]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:51 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة