العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة البقرة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 8 ربيع الثاني 1434هـ/18-02-2013م, 07:39 AM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي تفسير قول الله تعالى: {الم} وبيان ما قيل في الأحرف المقطعة في أوائل السور

تفسير سورة البقرة
[الآية (1)]
تفسير قول الله تعالى: {الم} وبيان ما قيل في الأحرف المقطعة في أوائل السور

{بسم الله الرحمن الرحيم الم (1) }

روابط مهمة:
- القراءات
- توجيه القراءات
- أسباب النزول
- الوقف والابتداء


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 8 ربيع الثاني 1434هـ/18-02-2013م, 07:41 AM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف


تفسير قوله تعالى: {الم (1) }
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أخبرنا معمر عن قتادة في قوله: {الم} قال: اسم من أسماء القرآن). [تفسير عبد الرزاق: 1 / 39]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {الم}
قال أبو جعفرٍ: اختلفت تراجمة القرآن في تأويل قول اللّه تعالى ذكره:
{الم} فقال بعضهم: هو اسمٌ من أسماء القرآن.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {الم} قال: « اسمٌ من أسماء القرآن ».
- حدّثني المثنّى بن إبراهيم الآمليّ، قال: حدّثنا أبو حذيفة موسى بن مسعودٍ قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: « {الم} اسمٌ من أسماء القرآن ».
- حدّثنا القاسم بن الحسن، قال: حدّثنا الحسين بن داود، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال:« {الم} اسمٌ من أسماء القرآن».
وقال بعضهم: هو فواتح يفتح اللّه بها القرآن.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني هارون بن إدريس الأصمّ الكوفيّ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن محمّدٍ المحاربيّ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قال: « {الم} فواتح يفتح اللّه بها القرآن ».
- حدّثنا أحمد بن حازمٍ الغفاريّ، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا سفيان، عن مجاهدٍ، قال:« {الم} فواتح ».
- حدّثني المثنّى بن إبراهيم، قال: حدّثنا إسحاق بن الحجّاج، عن يحيى بن آدم، عن سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قال: « {الم} و{حم} و{المص} و{ص} فواتح افتتح اللّه بها ».
- حدّثنا القاسم بن الحسن، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ مثل حديث هارون بن إدريس.
وقال بعضهم: هو اسمٌ للسّورة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أنبأنا عبد اللّه بن وهبٍ، قال: سألت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم، عن قول اللّه: {الم ذلك الكتاب} و{الم تنزيل} و{المر تلك} فقال: قال أبي: « إنّما هي أسماء السّور ».
وقال بعضهم: هو اسم اللّه الأعظم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، قال:حدّثنا شعبة، قال: « سألت السّدّيّ عن {حم} و{طسم} و{الم} فقال: قال ابن عبّاسٍ: هو اسم اللّه الأعظم ».
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثني أبو النّعمان، قال: حدّثنا شعبة، عن إسماعيل السّدّيّ، عن مرّة الهمدانيّ، قال: قال عبد اللّه فذكر نحوه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق بن الحجّاج، عن عبيد اللّه بن موسى، عن إسماعيل، عن الشّعبيّ، قال: « فواتح السّور من أسماء اللّه ».
وقال بعضهم: هو قسمٌ أقسم اللّه به، وهي من أسمائه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يحيى بن عثمان بن صالحٍ السّهميّ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قال: « هو قسمٌ أقسمه اللّه، وهو من أسماء اللّه».
- حدّثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: حدّثنا خالدٌ الحذّاء، عن عكرمة، قال:« {الم} قسمٌ».
وقال بعضهم: هو حروفٌ مقطّعةٌ من أسماءٍ وأفعالٍ، كلّ حرفٍ من ذلك لمعنًى غير معنى الحرف الآخر.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، وحدّثنا سفيان عن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي عن شريكٍ، عن عطاء بن السّائب، عن أبي الضّحى، عن ابن عبّاسٍ: {الم}، قال: « أنا اللّه أعلم ».
- وحدّثت عن أبي عبيدٍ، قال: حدّثنا أبو اليقظان، عن عطاء بن السّائب،عن سعيد بن جبيرٍ، قال: قوله: {الم} قال:« أنا اللّه أعلم».
- حدّثني موسى بن هارون الهمدانيّ، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ القنّاد، قال: حدّثنا أسباط بن نصرٍ، عن إسماعيل السّدّيّ، في خبرٍ ذكره عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، وعن مرّة الهمدانيّ، عن ابن مسعودٍ، وعن ناسٍ، من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: {الم} قال: أمّا: « {الم} فهو حروفٌ اشتقّ من حروف هجاء أسماء اللّه».
- حدّثنا محمّد بن معمرٍ، قال: حدّثنا عياش بن زيادٍ الباهليّ، قال: حدّثنا شعبة، عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {الم} و{حم} و{ن}، قال: « اسمٌ مقطّعٌ ».
وقال بعضهم: هي حروف هجاءٍ موضوعٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثت عن منصور بن أبي نويرة، قال: حدّثنا أبو سعيدٍ المؤدّب، عن خصيفٍ، عن مجاهدٍ، قال: « فواتح السّور كلّها {ق} و{ص} و{حم} و{طسم} و{الر} وغير ذلك، هجاءٌ موضوعٌ ».
وقال بعضهم: هي حروفٌ يشتمل كلّ حرفٍ منها على معانٍ شتّى مختلفةٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى بن إبراهيم الطّبريّ، قال: حدّثنا إسحاق بن الحجّاج، عن عبد اللّه بن أبي جعفرٍ الرّازيّ، قال: حدّثني أبي، عن الرّبيع بن أنسٍ، في قول اللّه تعالى ذكره: {الم} قال: « هذه الأحرف من التّسعة والعشرين حرفًا، دارت فيها الألسن كلّها، ليس منها حرفٌ إلاّ وهو مفتاح اسمٍ من أسمائه، وليس منها حرفٌ إلاّ وهو في آلائه وبلائه، وليس منها حرفٌ إلاّ وهو فى مدّة قومٍ وآجالهم». وقال عيسى ابن مريم: « وعجبٌ ينطقون في أسمائه، ويعيشون في رزقه، فكيف يكفرون به؟» قال: « الألف: مفتاح اسمه اللّه، واللاّم: مفتاح اسمه لطيفٍ، والميم: مفتاح اسمه مجيدٍ؛ والألف: آلاء اللّه، واللاّم: لطفه، والميم: مجده؛ الألف: سنةٌ، واللاّم ثلاثون سنةً، والميم: أربعون سنةً ».
- حدّثنا ابن حميدٍ قال: حدّثنا حكّامٌ، عن أبي جعفرٍ، عن الرّبيع بنحوه.
وقال بعضهم: هي حروفٌ من حساب الجمل، كرهنا ذكر الّذي حكي ذلك عنه، إذ كان الّذي رواه ممّن لا يعتمد على روايته ونقله، وقد مضت الرّواية بنظير ذلك من القول عن الرّبيع بن أنسٍ.
وقال بعضهم: لكلّ كتابٍ سرٌّ، وسرّ القرآن فواتحه.
وأمّا أهل العربيّة فإنّهم اختلفوا في معنى ذلك، فقال بعضهم: هي حروفٌ من حروف المعجم استغني بذكر ما ذكر منها في أوائل السّور عن ذكر بواقيها الّتي هي تتمّة الثّمانية والعشرين حرفًا، كما استغنى المخبر عمّن أخبر عنه أنّه في حروف المعجم الثّمانية والعشرين بذكر أ ب ت ث عن ذكر بواقي حروفها الّتي هي تتمّة الثّمانية والعشرين، قال: ولذلك رفع {ذلك الكتاب} لأنّ معنى الكلام: الألف واللاّم والميم من الحروف المقطّعة {ذلك الكتاب} الّذي أنزلته إليك مجموعًا {لا ريب فيه}.
فإن قال قائلٌ: فإنّ أ ب ت ث قد صارت كالاسم في حروف الهجاء كما صارت الحمد اسمًا لفاتحة الكتاب.
قيل له: لمّا كان جائزًا أن يقول القائل: ابني في ط ظ، وكان معلومًا بقيله ذلك لو قاله أنّه يريد الخبر عن ابنه أنّه في الحروف المقطّعة، علم بذلك أنّ أ ب ت ث ليس لها باسمٍ، وإن كان ذلك آثر في الذّكر من سائرها.
قال: وإنّما خولف بين ذكر حروف المعجم في فواتح السّور، فذكرت في أوائلها مختلفةً، وذكرها إذا ذكرت بأوائلها الّتي هي أ ب ت ث مؤتلفةً ليفصل بين الخبر عنها، إذا أريد بذكر ما ذكر منها مختلفًا الدّلالة على الكلام المتّصل، وإذا أريد بذكر ما ذكر منها مؤتلفًا الدّلالة على الحروف المقطّعة بأعيانها.
واستشهدوا لإجازة قول القائل: ابني في ط ظ، وما أشبه ذلك من الخبر عنه أنّه في حروف المعجم، وأنّ ذلك من قيله في البيان يقوم مقام قوله: ابني في أ ب ت ث برجز بعض الرّجّاز من بني أسدٍ:

لمّا رأيت أمرها في حطّي.......وفنكت في كذبٍ ولطّ.
أخذت منها بقرونٍ شمط.......فلم يزل ضربي بها ومعطي.
حتّى علا الرّأس دمٌ يغطّي

فزعم أنّه أراد بذلك الخبر عن المرأة أنّها في أبي جادٍ، فأقام قوله:

لمّا رأيت أمرها في حطّي

مقام خبره عنها أنّها في أبي جادٍ، إذ كان ذاك من قوله يدلّ سامعه على ما يدلّه عليه قوله: لمّا رأيت أمرها في أبي جادٍ.
وقال آخرون: بل ابتدئت بذلك أوائل السّور ليفتح لاستماعه أسماع المشركين، إذ تواصوا بالإعراض عن القرآن، حتّى إذا استمعوا له تلي عليهم المؤلّف منه.
وقال بعضهم: الحروف الّتي هي فواتح السّور حروفٌ يستفتح اللّه بها كلامه.
وقال فإن قيل: هل يكون من القرآن ما ليس له معنى؟
فإنّ معنى هذا أنّه ابتدأ بها ليعلم أنّ السّورة الّتي قبلها قد انقضت، وأنّه قد أخذ في أخرى، فجعل هذا علامة انقطاع ما بينهما، وذلك في كلام العرب ينشد الرّجل منهم الشّعر فيقول:
بل، وبلدةٌ ما الإنس من آهالها
ويقول:
لا بل، ما هاج أحزانًا وشجوًا قد شجا
و بل ليست من البيت ولا تعدّ في وزنه، ولكن يقطع بها كلامًا ويستأنف الآخر.
قال أبو جعفرٍ: ولكلّ قولٍ من الأقوال الّتي قالها الّذين وصفنا قولهم في ذلك وجهٌ معروفٌ.
فأمّا الّذين قالوا: {الم} اسمٌ من أسماء القرآن، فلقولهم ذلك وجهان:
أحدهما أن يكونوا أرادوا أنّ: {الم} اسمٌ للقرآن كما الفرقان اسمٌ له. وإذا كان معنى قائل ذلك كذلك، كان تأويل قوله: {الم} ذلك الكتاب على معنى القسم؛ كأنّه قال: والقرآن هذا الكتاب لا ريب فيه.
والآخر منهما أن يكونوا أرادوا أنّه اسمٌ من أسماء السّورة تعرف به كما تعرف سائر الأشياء بأسمائها الّتي هي لها أماراتٌ تعرف بها، فيفهم السّامع من القائل،
يقول: قرأت اليوم المص ون أي السّورة الّتي قرأها من سور القرآن، كما يفهم عنه إذا قال: لقيت اليوم عمرًا وزيدًا، وهما بزيد وعمرٍو عارفان من الّذي لقي من النّاس.
وإن أشكل معنى ذلك على امرئٍ فقال: وكيف يجوز أن يكون ذلك كذلك ونظائر {الم} {المر} في القرآن جماعةٌ من السّور؟ وإنّما تكون الأسماء أماراتٍ، إذا كانت مميّزةً بين الأشخاص، فأمّا إذا كانت غير مميّزةٍ فليست أماراتٍ.
قيل: إنّ الأسماء وإن كانت قد صارت لاشتراك كثيرٍ من النّاس في الواحد منها غير مميّزةٍ إلاّ بمعانٍ أخر معها من ضمّ نسبة المسمّى بها إليها أو نعته أو صفته بما يفرّق بينه وبين غيره من أشكالها، فإنّها وضعت ابتداءً للتّمييز لا شكّ ثمّ احتيج عند الاشتراك إلى المعاني المفرّقة بين المسمّى بها. فكذلك ذلك في أسماء السّور، جعل كلّ اسمٍ في قول قائل هذه المقالة أمارةً للمسمّى به من السّور فلمّا شارك المسمّى به فيه غيره من سور القرآن احتاج المخبر عن سورةٍ منها أن يضمّ إلى اسمها المسمّى به من ذلك إلى ما يفرّق بها السّامع بين الخبر عنها وعن غيرها من نعتٍ وصفةٍ أو غير ذلك، فيقول المخبر عن نفسه إنّه تلا سورة البقرة إذا سمّاها باسمها الّذي هو {الم} قرأت الم البقرة، وفي آل عمران: قرأت الم آل عمران، أو الم ذلك الكتاب والم اللّه لا إله إلاّ هو الحيّ القيّوم.
كما لو أراد الخبر عن رجلين اسم كلّ واحدٍ منهما عمرٌو، غير أنّ أحدهما تميميٌّ والآخر أزديٌّ، للزمه أن يقول لمن أراد إخباره عنهما: لقيت عمرًا التّميميّ وعمرًا الأزديّ، إذا كان لا يفرق بينهما وبين غيرهما ممّن يشاركهما في أسمائهما إلاّ نسبتهما كذلك، فكذلك ذلك في قول من تأوّل في الحروف المقطّعة أنّها أسماء للسّور.
أمّا الّذين قالوا: ذلك فواتح يفتتح اللّه عزّ وجلّ بها كلامه، فإنّهم وجّهوا ذلك إلى نحو المعنى الّذي حكيناه عمّن حكينا عنه من أهل العربيّة أنّه قال: ذلك أدلّةٌ على انقضاء سورةٍ وابتداءٍ في أخرى وعلامةٌ لانقطاع ما بينهما، كما جعلت بل في ابتداء قصيدةٍ دلالةً على ابتداءٍ فيها وانقضاء أخرى قبلها كما ذكرنا عن العرب إذا أرادوا الابتداء في إنشاد قصيدةٍ، قالوا:
بل، ما هاج أحزانًا وشجوًا قد شجا
وبل ليست من البيت ولا داخلةً في وزنه، ولكن ليدلّ به على قطع كلامٍ وابتداء آخر.
وأمّا الّذين قالوا: ذلك حروفٌ مقطّعةٌ بعضها من أسماء اللّه عزّ وجلّ، وبعضها من صفاته، ولكلّ حرفٍ من ذلك معنًى غير معنى الحرف الآخر. فإنّهم نحوا بتأويلهم ذلك نحو قول الشّاعر:

قلنا لها قفي لنا قالت قاف.......لا تحسبي أنّا نسينا الإيجاف

يعني بقوله: قالت قاف. قالت: وقفت. فدلّت بإظهار القاف من وقفت على مرادها من تمام الكلمة الّتي هي وقفت، فصرفوا قوله: {الم} وما أشبه ذلك إلى نحو هذا المعنى، فقال بعضهم: الألف ألف أنا، واللاّم لام اللّه، والميم ميم أعلم، وكلّ حرفٍ منها دالٌّ على كلمةٍ تامّةٍ. قالوا: فجملة هذه الحروف المقطّعة إذا ظهر مع كلّ حرفٍ منهنّ تمام حروف الكلمة أنا اللّه أعلم. قالوا: وكذلك سائر جميع ما في أوائل سور القرآن من ذلك، فعلى هذا المعنى وبهذا التّأويل. قالوا: ومستفيضٌ ظاهرٌ في كلام العرب أن ينقص المتكلّم منهم من الكلمة الأحرف إذا كان فيما بقي دلالةٌ على ما حذف منها، ويزيد فيها ما ليس منها إذا لم تكن الزّيادة ملبّسةً معناها على سامعها كحذفهم في النّقص في التّرخيم من حارثٍ الثّاء فيقولون: يا حارّ، ومن مالكٍ الكاف فيقولون: يا مالّ، وما أشبه ذلك. وكقول راجزهم:

ما للظّليم عال كيف لا يا.......ينقدّ عنه جلده إذا يا

كأنّه أراد أن يقول: إذا يفعل كذا وكذا، فاكتفى بالياء من يفعل، وكما قال آخر منهم:

بالخير خيراتٌ وإن شرًّا فا

يريد فشرًّا

ولا أريد الشّرّ إلاّ أن تا

يريد إلاّ أن تشاء. فاكتفى بالتّاء والفاء في الكلمتين جميعًا من سائر حروفهما، وما أشبه ذلك من الشّواهد الّتي يطول الكتاب باستيعابه.
- وكما حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن أيّوب، وابن عونٍ، عن محمّدٍ، قال: «لمّا مات يزيد بن معاوية، قال لي عبيدة: إنّي لا أراها إلاّ كائنةً فتنةً فافزع من ضيعتك والحق بأهلك قلت: فما تأمرني؟ قال: أحبّ إليّ لك أن تا »، قال أيّوب وابن عونٍ بيده تحت خدّه الأيمن يصف الاضطجاع، حتّى ترى أمرًا تعرفه.
قال أبو جعفرٍ: يعني ب تا تضطجع، فاجتزأ بالتّاء من تضطجع. وكما قال الآخر في الزّيادة في الكلام على النّحو الّذي وصفت:

أقول إذ خرّت على الكلكال.......يا ناقتي ما جلت من مجال

يريد الكلكل. وكما قال الآخر:

إنّ شكلي وإنّ شكلك شتّى.......فالزمي الخصّ واخفضي تبيضضّي

فزاد ضادًا وليست في الكلمة.
قالوا: فكذلك ما نقص من تمام حروف كلّ كلمةٍ من هذه الكلمات الّتي ذكرنا أنّها تتمّة حروف {الم} ونظائرها، نظير ما نقص من الكلام الّذي حكيناه عن العرب في أشعارها وكلامها.
وأمّا الّذين قالوا: كلّ حرفٍ من {الم} ونظائرها دالٌّ على معانٍ شتّى نحو الّذي ذكرنا عن الرّبيع بن أنسٍ، فإنّهم وجّهوا ذلك إلى مثل الّذي وجّهه إليه من قال هو بتأويل: أنا اللّه أعلم في أنّ كلّ حرفٍ منه بعض حروف كلمةٍ تامّةٍ استغنى بدلالته على تمامه عن ذكر تمامه، وإن كانوا له مخالفين في كلّ حرفٍ من ذلك، أهو من الكلمة الّتي ادّعى أنّه منها قائلو القول الأوّل أم من غيرها؟ فقالوا: بل الألف من {الم} من كلماتٍ شتّى هي دالّةٌ على معاني جميع ذلك وعلى تمامه. قالوا: وإنّما أفرد كلّ حرفٍ من ذلك وقصر به عن تمام حروف الكلمة أنّ جميع حروف الكلمة لو أظهرت لم تدلّ الكلمة الّتي تظهر الّتي بعض هذه الحروف المقطّعة بعضٌ لها، إلاّ على معنى واحدٍ لا على معنيين وأكثر منهما.
قالوا: وإذا كان لا دلالة في ذلك لو أظهر جميعها إلاّ على معناها الّذي هو معنى واحدٌ، وكان اللّه جلّ ثناؤه قد أراد الدّلالة بكلّ حرفٍ منها على معانٍ كثيرةٍ لشيءٍ واحدٍ، لم يجز إلاّ أن يفرد الحرف الدّالّ على تلك المعاني، ليعلم المخاطبون به أنّ اللّه عزّ وجلّ لم يقصد قصد معنى واحدٍ ودلالةٍ على شيءٍ واحدٍ بما خاطبهم به، وأنّه إنّما قصد الدّلالة به على أشياء كثيرةٍ.
قالوا: فالألف من {الم} مقتضيةٌ معاني كثيرةٍ، منها: إتمام اسم الرّبّ الّذي هو اللّه، وتمام اسم نعماء اللّه الّتي هي آلاء اللّه، والدّلالة على أجل قومٍ أنّه سنةٌ، إذا كانت الألف في حساب الجمل واحدًا. واللاّم مقتضيةٌ تمام اسم اللّه الّذي هو لطيفٌ، وتمام اسم فضله الّذي هو لطفٌ، والدّلالة على أجل قومٍ أنّه ثلاثون سنةً. والميم مقتضيةٌ تمام اسم اللّه الّذي هو مجيدٌ، وتمام اسم عظمته الّتي هي مجدٌ، والدّلالة على أجل قومٍ أنّه أربعون سنةً.
فكان معنى الكلام في تأويل قائل القول الأوّل: أنّ اللّه جلّ ثناؤه افتتح كلامه بوصف نفسه بأنّه العالم الّذي لا يخفى عليه شيءٌ، وجعل ذلك لعباده منهجًا يسلكونه في مفتتح خطبهم ورسائلهم ومهمّ أمورهم، وابتلاءً منه لهم به ليستوجبوا به عظيم الثّواب في دار الجزاء، كما افتتح بالحمد للّه ربّ العالمين، و{الحمد للّه الّذي خلق السّموات والأرض} وما أشبه ذلك من السّور الّتي جعل مفاتحها الحمد لنفسه. وكما جعل مفاتح بعضها تعظيم نفسه وإجلالها بالتّسبيح كما قال جلّ ثناؤه {سبحان الّذي أسرى بعبده ليلاً}
وما أشبه ذلك من سائر سور القرآن الّتي جعل مفاتح بعضها تحميد نفسه، ومفاتح بعضها تمجيدها، ومفاتح بعضها تعظيمها وتنزيهها. فكذلك جعل مفاتح السّور الأخرى الّتي أوائلها بعض حروف المعجم مدائح نفسه أحيانًا بالعلم، وأحيانًا بالعدل والإنصاف، وأحيانًا بالإفضال والإحسان بإيجازٍ واختصارٍ، ثمّ اقتصاص الأمور بعد ذلك.
وعلى هذا التّأويل يجب أن يكون الألف واللاّم والميم في أماكن الرّفع مرفوعًا بعضها ببعضٍ دون قوله: {ذلك الكتاب} ويكون ذلك الكتاب خبر مبتدأٍ منقطعًا عن معنى {الم} وكذلك ذلك في تأويل قول قائل هذا القول الثّاني مرفوعٌ بعضه ببعضٍ، وإن كان مخالفًا معناه معنى قول قائل القول الأوّل.
وأمّا الّذين قالوا: هنّ حروفٌ من حروف حساب الجمل دون ما خالف ذلك من المعاني، فإنّهم قالوا: لا نعرف للحروف المقطّعة معنًى يفهم سوى حساب الجمل وسوى تهجّي قول القائل: {الم} وقالوا: غير جائزٍ أن يخاطب اللّه جلّ ثناؤه عباده إلاّ بما يفهمونه ويعقلونه عنه. فلمّا كان ذلك كذلك وكان قوله: {الم} لا يعقل لها وجهٌ توجّه إليه إلاّ أحد الوجهين اللّذين ذكرنا، فبطل أحد وجهيه، وهو أن يكون مرادًا بها تهجّي {الم} صحّ وثبت أنّه مرادٌ به الوجه الثّاني وهو حساب الجمل؛ لأنّ قول القائل: {الم} لا يجوز أن يليه من الكلام ذلك الكتاب لاستحالة معنى الكلام وخروجه عن المعقول إذا ولي {الم} ذلك الكتاب.
واحتجّوا لقولهم ذلك أيضًا بما حدّثنا به محمّد بن حميدٍ الرّازيّ، قال: حدّثنا سلمة بن الفضل،قال: حدّثني محمّد بن إسحاق، قال: حدّثني الكلبيّ، عن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، عن جابر بن عبد اللّه بن رئابٍ، قال: « مرّ أبو ياسر بن أخطب برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو يتلو فاتحة سورة البقرة: {الم ذلك الكتاب لا ريب فيه} فأتى أخاه حييّ بن أخطب في رجالٍ من يهود فقال: تعلمون واللّه لقد سمعت محمّدًا يتلو فيما أنزل اللّه عزّ وجلّ عليه: {الم ذلك الكتاب} فقالوا: أنت سمعته؟ قال: نعم فمشى حييّ بن أخطب في أولئك النّفر من يهود إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقالوا: يا محمّد ألم يذكر لنا أنّك تتلو فيما أنزل عليك: {الم ذلك الكتاب} فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «بلى» فقالوا: أجاءك بها جبريل من عند اللّه؟ قال: «نعم» قالوا: لقد بعث اللّه جلّ ثناؤه قبلك أنبياء ما نعلمه بيّن لنبيٍّ منهم ما مدّة ملكه وما أكل أمّته غيرك فقال حييّ بن أخطب: وأقبل على من كان معه، فقال لهم: الألف واحدةٌ، واللاّم ثلاثون، والميم أربعون، فهذه إحدى وسبعون سنةً، قال: فقال لهم: أفتدخلون في دين نبيٍّ إنّما مدّة ملكه وأكل أمّته إحدى وسبعون سنةً؟ قال: ثمّ أقبل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: يا محمّد هل مع هذا غيره؟ قال: «نعم» قال: ماذا؟ قال: {المص} قال: هذه أثقل وأطول: الألف واحدةٌ، واللاّم ثلاثون، والميم أربعون، والصّاد تسعون. فهذه إحدى وستّون ومائةٌ سنةً هل مع هذا يا محمّد غيره؟ قال: «نعم» قال: ماذا؟ قال: {الر} قال: هذه أثقل وأطول الألف واحدةٌ، واللاّم ثلاثون، والرّاء مائتان، فهذه إحدى وثلاثون ومائتا سنةٍ ؛ فهل مع هذا غيره يا محمّد؟ قال: «نعم، {المر}» قال: فهذه أثقل وأطول: الألف واحدةٌ واللاّم ثلاثون، والميم أربعون، والرّاء مائتان، فهذه إحدى وسبعون ومائتا سنةٍ . ثمّ قال: لقد لبّس علينا أمرك يا محمّد، حتّى ما ندري أقليلاً أعطيت أم كثيرًا ثمّ قاموا عنه، فقال أبو ياسرٍ لأخيه حييّ بن أخطب ولمن معه من الأحبار: ما يدريكم لعلّه قد جمع هذا كلّه لمحمّدٍ: إحدى وسبعون، وإحدى وستّون ومائةٌ، ومائتان وإحدى وثلاثون، ومائتان وإحدى وسبعون، فذلك سبعمائة سنةٍ وأربعٌ وثلاثون، فقالوا: لقد تشابه علينا أمره. ويزعمون أنّ هؤلاء الآيات نزلت فيهم: {هو الّذي أنزل عليك الكتاب منه آياتٌ محكماتٌ هنّ أمّ الكتاب وأخر متشابهاتٌ} ».
قالوا: قد صرّح هذا الخبر بصحّة ما قلنا في ذلك من التّأويل وفساد ما قاله مخالفونا فيه.
والصّواب من القول عندي في تأويل مفاتح السّور الّتي هي حروف المعجم: أنّ اللّه جلّ ثناؤه جعلها حروفًا مقطّعةً ولم يصل بعضها ببعضٍ فيجعلها كسائر الكلام المتّصل الحروف؛ لأنّه عزّ ذكره أراد بلفطفه الدّلالة بكلّ حرفٍ منه على معانٍ كثيرةٍ لا على معنى واحدٍ، كما قال الرّبيع بن أنسٍ، وإن كان الرّبيع قد اقتصر به على معانٍ ثلاثةٍ دون ما زاد عليها.
والصّواب في تأويل ذلك عندي أنّ كلّ حرفٍ منه يحوي ما قاله الرّبيع وما قاله سائر المفسّرين غيره فيه، سوى ما ذكرت من القول عمّن ذكرت عنه من أهل العربيّة أنّه كان يوجّه تأويل ذلك إلى أنّه حروف هجاءٍ استغنى بذكر ما ذكر منه في مفاتح السّور عن ذكر تتمّة الثّمانية والعشرين الحرف من حروف المعجم بتأويل: أنّ هذه الحروف، {ذلك الكتاب}، مجموعةٌ {لا ريب فيه}، فإنّه قول خطأٍ فاسدٌ لخروجه عن أقوال جميع الصّحابة والتّابعين، فمن بعدهم من الخالفين من أهل التّفسير والتّأويل، فكفى دلالةً على خطئه شهادة الحجّة عليه بالخطأ مع إبطال قائل ذلك قوله الّذي حكيناه عنه، إذ صار إلى البيان عن رفع {ذلك الكتاب} بقوله مرّةً إنّه مرفوعٌ كلّ واحدٍ منهما بصاحبه ومرّةً أخرى أنّه مرفوعٌ بالرّاجع من ذكره في قوله: {لا ريب فيه} ومرّةً بقوله: {هدًى للمتّقين} وذلك تركٌ منه لقوله إنّ {الم} رافعةٌ {ذلك الكتاب} وخروجٌ من القول الّذي ادّعاه في تأويل {الم ذلك الكتاب} وأنّ تأويل ذلك: هذه الحروف {ذلك الكتاب}.
فإن قال لنا قائلٌ: وكيف يجوز أن يكون حرفٌ واحدٌ شاملاً الدّلالة على معانٍ كثيرةٍ مختلفةٍ؟
قيل: كما جاز أن تكون كلمةٌ واحدةٌ تشتمل على معانٍ كثيرةٍ مختلفةٍ كقولهم للجماعة من النّاس: أمّةٌ، وللحين من الزّمان: أمّةٌ، وللرّجل المتعبّد المطيع للّه: أمّةٌ، وللدّين والملّة: أمّةٌ. وكقولهم للجزاء والقصاص: دينٌ، وللسّلطان والطّاعة: دينٌ، وللتّذلّل: دينٌ، وللحساب: دينٌ؛ في أشباهٍ لذلك كثيرةٍ يطول الكتاب بإحصائها ممّا يكون من الكلام بلفظٍ واحدٍ، وهو مشتملٌ على معانٍ كثيرةٍ. وكذلك قول اللّه جلّ ثناؤه: {الم} و{المر} و{المص} وما أشبه ذلك من حروف المعجم الّتي هي فواتح أوائل السّور، كلّ حرفٍ منها دالٌّ على معانٍ شتّى، شاملٌ جميعها من أسماء اللّه عزّ وجلّ وصفاته ما قاله المفسّرون من الأقوال الّتي ذكرناها عنهم؛ وهنّ مع ذلك فواتح السّور كما قاله من قال ذلك. وليس كون ذلك من حروف أسماء اللّه جلّ ثناؤه وصفاته بمانعها أن تكون للسّور فواتح؛ لأنّ اللّه جلّ ثناؤه قد افتتح كثيرًا من سور القرآن بالحمد لنفسه والثّناء عليها، وكثيرًا منها بتمجيدها وتعظيمها، فغير مستحيلٍ أن يبتدئ بعض ذلك بالقسم بها.
فالّتي ابتدئ أوائلها بحروف المعجم أحد معاني أوائلها أنّهنّ فواتح ما افتتح بهنّ من سور القرآن، وهنّ ممّا أقسم بهنّ؛ لأنّ أحد معانيهنّ أنّهنّ من حروف أسماء اللّه تعالى ذكره وصفاته على ما قدّمنا البيان عنها، ولا شكّ في صحّة معنى القسم باللّه وأسمائه وصفاته، وهنّ من حروف حساب الجمل، وهنّ للسّور الّتي افتتحت بهنّ شعارٌ وأسماءٌ. فذلك يحوي معاني جميع ما وصفنا ممّا بيّنّا من وجوهه، لأنّ اللّه جلّ ثناؤه لو أراد بذلك أو بشيءٍ منه الدّلالة على معنى واحدٍ ممّا يحتمله ذلك دون سائر المعاني غيره، لأبان ذلك لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إبانةً غير مشكلةٍ، إذ كان جلّ ثناؤه إنّما أنزل كتابه على رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم ليبيّن لهم ما اختلفوا فيه.
وفي تركه صلّى اللّه عليه وسلّم إبانة ذلك أنّه مرادٌ به من وجوه تأويله البعض دون البعض أوضح الدّليل على أنّه مرادٌ به جميع وجوهه الّتي هو لها محتملٌ، إذ لم يكن مستحيلاً في العقل وجهٌ منها أن يكون من تأويله ومعناه كما كان غير مستحيلٍ اجتماع المعاني الكثيرة للكلمة الواحدة باللّفظ الواحد في كلامٍ واحدٍ.
ومن أبى ما قلناه في ذلك سئل الفرق بين ذلك وبين سائر الحروف الّتي تأتي بلفظٍ واحدٍ مع اشتمالها على المعاني الكثيرة المختلفة كالأمّة والدّين وما أشبه ذلك من الأسماء والأفعال. فلن يقول في أحدٍ ذلك قولاً إلاّ ألزم في الآخر مثله.
وكذلك يسأل كلّ من تأوّل شيئًا من ذلك على وجهٍ دون الأوجه الأخر الّتي وصفنا عن البرهان على دعواه من الوجه الّذي يحبّ التّسليم له ثمّ يعارض بقوله يخالفه في ذلك، ويسأل الفرق بينه وبينه: من أصلٍ، أو ممّا يدلّ عليه أصلٌ، فلن يقول في أحدهما قولاً إلاّ ألزم في الآخر مثله.
وأمّا الّذي زعم من النّحويّين أنّ ذلك نظير بل في قول المنشد شعرًا: بل،.

ما هاج أحزانًا وشجوًا قد شجا

وأنّه لا معنى له، وإنّما هو زيادةٌ في الكلام معناه الطّرح؛ فإنّه أخطأ من وجوهٍ شتّى:
أحدها: أنّه وصف اللّه تعالى ذكره بأنّه خاطب العرب بغير ما هو من لغتها وغير ما هو في لغة أحدٍ من الآدميّين، إذ كانت العرب وإن كانت قد كانت تفتتح أوائل إنشادها ما أنشدت من الشّعر ببل، فإنّه معلومٌ منها أنّها لم تكن تبتدئ شيئًا من الكلام ب {الم} و{الر} و{المص} بمثل معنى ابتدائها ذلك ب بل وإذ كان ذلك ليس من ابتدائها، وكان اللّه جلّ ثناؤه إنّما خاطبهم بما خاطبهم به من القرآن بما يعرفون من لغاتهم ويستعملون بينهم من منطقهم في جميع آيه، فلا شكّ أنّ سبيل ما وصفنا من حروف المعجم الّتي افتتحت بها أوائل السّور الّتي هنّ لها فواتح سبيل سائر القرآن في أنّه لم يعدل بها عن لغاتهم الّتي كانوا بها عارفين ولها بينهم في منطقهم مستعملين؛ لأنّ ذلك لو كان معدولاً به عن سبيل لغاتهم ومنطقهم كان خارجًا عن معنى الإبانة الّتي وصف اللّه عزّ وجلّ بها القرآن، فقال تعالى ذكره: {نزل به الرّوح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسانٍ عربيٍّ مبينٍ} وأنّى يكون مبينًا ما لا يعقله ولا يفهمه أحدٌ من العالمين في قول قائل هذه المقالة، ولا يعرف في منطق أحدٍ من المخلوقين في قوله؟ وفي إخبار اللّه جلّ ثناؤه عنه أنّه عربيٌّ مبينٌ ما يكذّب قائل هذه المقالة، وينبئ عنه أنّ العرب كانوا به عالمين وهو لها مستبينٌ. فذلك أحد أوجه خطئه.
والوجه الثّاني من خطئه في ذلك: إضافته إلى اللّه جلّ ثناؤه أنّه خاطب عباده بما لا فائدة لهم فيه ولا معنى له من الكلام الّذي سواءٌ الخطاب به وترك الخطاب به، وذلك إضافة العبث الّذي هو منفيٌّ في قول جميع الموحّدين عن اللّه، إلى اللّه تعالى ذكره.
والوجه الثّالث من خطئه: أنّ بل في كلام العرب مفهومٌ تأويلها ومعناها، وأنّها تدخلها في كلامها رجوعًا عن كلامٍ لها قد تقضّى كقولهم: ما جاءني أخوك بل أبوك؛ وما رأيت عمرًا بل عبد اللّه، وما أشبه ذلك من الكلام، كما قال أعشى بني ثعلبة:

ولأشربنّ ثمانيًا وثمانيًا.......وثلاث عشرة واثنتين وأربعا

ومضى في كلمته حتّى بلغ قوله:

بالجلّسان وطيّبٌ أردانه.......بالونّ يضرب لي يكرّ الأصبعا

ثمّ قال:

بل عدّ هذا في قريضٍ غيره ....... واذكر فتًى سمح الخليقة أروعا

فكأنّه قال: دع هذا وخذ في قريضٍ غيره. فبل إنّما يأتي في كلام العرب على هذا النّحو من الكلام.
فأمّا إفساحًا لكلامها مبتدأٌ بمعنى التّطويل والحذف من غير أن يدلّ على معنى، فذلك مّا لا نعلم أحدًا ادّعاه من أهل المعرفة بلسان العرب ومنطقها، سوى الّذي ذكرت قوله، فيكون ذلك أصلاً يشّبه به حروف المعجم الّتي هي فواتح سور القرآن الّتي افتتحت بها لو كان له مشبهةً، فكيف وهي من الشّبه به بعيدةٌ؟). [جامع البيان: 1 / 204 -228]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {الم}
اختلف في تفسيره على أوجه:
الوجه الأول:
فمنهم من قال: أنا اللّه أعلم.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا وكيعٌ، عن شريكٍ، عن عطاء بن السّائب، عن أنس الضّحى، عن ابن عبّاسٍ {الم} قال: « أنا اللّه أعلم». قال أبو محمّدٍ: وكذا فسّره سعيد بن جبير والضحاك.
الوجه الثاني:
ومن فسّره على أنّه اسمٌ من أسماء اللّه.
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا يحيى بن عبّادٍ، ثنا شعبة، عن السّدّيّ قال: بلغني عن ابن عبّاسٍ أنّه قال: « {الم} اسمٌ من أسماء اللّه الأعظم ».
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّاد بن طلحة القناد بن نصرٍ، عن السّدّيّ {الم}: أمّا الم فهو حرفٌ اشتقّ من حروف اسم اللّه.
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن عبد العزيز بن أبي رزمة ثنا أبي ثنا عيسى بن عبيدٍ، عن حسين بن عثمان المزنيّ، عن سالم بن عبد اللّه قال:« {الم} و{حم} و{ن}، ونحوها: أسماء اللّه مقطّعةً ».
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا أبو بكرٍ وعثمان ابنا أبي شيبة قالا: ثنا سويد بن عمرٍو، عن أبي عوانة، عن إسماعيل بن سالمٍ، عن عامر أنه سئل عن {الم}، و{الر}، و{حم}، و{ص}. قال: « هي اسمٌ من أسماء اللّه مقطّعةً بالهجاء، فإذا وصلتها كانت اسمًا من أسماء اللّه ».
- حدّثني أبي، حدّثني محمّد بن معمرٍ، ثنا عيّاش بن زيادٍ الباهليّ، ثنا شعبة، عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ في قوله:{الم}، و{حم}، و{ن}، قال: «اسم مقطع ».
الوجه الثالث:
ومن فسّره على اسمٍ من أسماء اللّه وآلائه وبلائه:
- حدّثنا عصام بن روّاد بن الجرّاح العسقلانيّ، ثنا آدم بن أبي إياسٍ، ثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية في قوله الم قال: «هذه الأحرف الثّلاثة من التّسعة والعشرين حرفًا دارت فيها الألسن كلّها ليس منها حرفٌ إلا وهو مفتاح اسمٍ من أسمائه، وليس منها حرفٌ إلا وهو في آلائه، وليس منها حرفٌ إلا وهو في مدّة أقوام وآجالهم ». وقال عيسى بن مريم- صلّى اللّه عليه وسلّم- وعجب فقال: « وأعجب أنّهم ينطقون بأسمائه ويعيشون في رزقه، فكيف يكفرون به؟ فالألف مفتاح اسمه: اللّه. واللام مفتاح اسمه: لطيفٍ. والميم مفتاح اسمه: مجيدٍ. فالألف آلاء اللّه، واللام لطف اللّه، والميم مجد اللّه فالألف ستّةٌ، واللام ثلاثون، والميم أربعون ». قال أبو محمّدٍ: وروي عن الرّبيع بن أنسٍ مثل ذلك.
الوجه الرابع:
ومن فسّره على اسم القرآن:
- حدّثنا، أبي ثنا أبو حذيفة، ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:الم اسمٌ من أسماء القرآن . وكذا فسّره قتادة، وزيد بن أسلم.
الوجه الخامس:
ومن فسّره على فواتح القرآن:
- حدّثنا الحسين بن الحسن، ثنا إبراهيم بن عبد اللّه بن حاتمٍ الهرويّ، ثنا حجّاج بن محمّدٍ. قال ابن جريجٍ إنّها عن مجاهدٍ أنّه قال: « الم هي فواتح يفتتح اللّه بها القرآن ».
الوجه السادس:
ومن فسّره على القسم:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا ابن عليّة عن خالدٍ الحذّاء عن عكرمة{الم} قسمٌ »). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 33 -32]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال:
« من أول البقرة أربع آيات في نعت المؤمنين، وآيتان في نعت الكافرين، وثلاث عشرة آية في نعت المنافقين » ). [تفسير مجاهد: 69]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرني أبو أحمد محمّد بن إسحاق الصّفّار، ثنا أحمد بن نصرٍ، ثنا عمرو بن طلحة القنّاد، ثنا أسباط بن نصرٍ، عن إسماعيل بن عبد الرّحمن، عن مرّة الهمدانيّ، عن ابن مسعودٍ رضي اللّه عنه: {الم ذلك الكتاب} [البقرة: 2] قال: « {الم}: حرف اسم اللّه، و {الكتاب} [البقرة: 2] : القرآن، {لا ريب فيه} [البقرة: 2] : لا شكّ فيه »هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط مسلمٍ، ولم يخرّجاه). [المستدرك: 2 / 286]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى:{الم}.
-أخرج وكيع، وعبد بن حميد عن أبي عبد الرحمن السلمي أنه كان يعد {الم} آية (وحم) آية.
-وأخرج البخاري في تاريخه والترمذي وصححه، وابن الضريس ومحمد بن نصر، وابن الأنباري في المصاحف والحاكم وصححه، وابن مردويه وأبو ذر الهروي في فضائله والبيهقي في شعب
الإيمان عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشرة أمثالها، لا تقول {الم} حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف ».
-وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة والدارمي، وابن الضريس والطبراني ومحمد بن نصر عن ابن مسعود موقوفا، مثله.
-وأخرج محمد بن نصر وأبو جعفر النحاس في كتاب الوقف والابتداء والخطيب في تاريخه وأبو نصر السجزي في الإبانة عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « اقرؤا القرآن فإنكم تؤجرون عليه، أما إني لا أقول {الم} حرف ولكن ألف عشر ولام عشر وميم عشر فتلك ثلاثون ».
-وأخرج ابن أبي شيبة والبزار والمرهبي في فضل العلم وأبو ذر الهروي وأبو نصر السجزي بسند ضعيف عن عوف بن مالك الأشجعي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من قرأ القرآن كتب الله له بكل حرف حسنة، لا أقول {الم ذلك الكتاب} حرف ولكن الألف حرف والذال والألف والكاف ».
-وأخرج محمد بن نصر والبيهقي في شعب الإيمان والسجزي عن عوف بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من قرأ حرفا من القرآن كتب الله له به حسنة، لا أقول {بسم الله} ولكن باء وسين وميم ولا أقول {الم} ولكن الألف واللام والميم ».
-وأخرج محمد بن نصر السلفي في كتاب الوجيز في ذكر المجاز والمجيز عن أنس بن مالك عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال «من قرأ حرفا من القرآن كتب الله له عشر حسنات، بالباء والتاء والثاء».
-وأخرج ابن أبي داود في المصاحف وأبو نصر السجزي عن ابن عمر قال:« إذا فرغ الرجل من حاجته ثم رجع إلى أهله ليأت المصحف فليفتحه فليقرأ فيه فإن الله سيكتب له بكل حرف عشر حسنات، أما أني لا أقول {الم} ولكن الألف عشر واللام عشر والميم عشر»
-وأخرج أبو جعفر النحاس في الوقف والابتداء وأبو نصر السجزي عن قيس بن سكن قال: قال ابن مسعود: « تعلموا القرآن فإنه يكتب بكل حرف منه عشر حسنات ويكفر به عشر يئات، أما أني لا أقول {الم} حرف ولكن أقول ألف عشر ولام عشر وميم عشر»
-وأخرج وكيع، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والنحاس من طرق عن ابن عباس في قوله {الم} قال: « أنا الله أعلم ».
-وأخرج ابن جرير والبيهقي في كتاب الأسماء والصفات عن ابن مسعود قال: « {الم} حروف اشتقت من حروف هجاء أسماء الله ».
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله {الم} و{حم} و{ن} قال: « اسم مقطع ».
-وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي في كتاب الأسماء عن ابن عباس في قوله{الم}و{المص} و{الر} و{المر}و {كهيعص} و{طه} و{طسم} و{طس} و{يس} و و {حم} و} و{ن} قال: « هو قسم أقسمه الله وهو من أسماء الله».
-وأخرج ابن جرير عن عكرمة قال« {الم} قسم».
-وأخرج ابن جريج عن ابن مسعود في قوله {الم} قال:« هو اسم الله الأعظم».
-وأخرج ابن جريج، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {الم} و{حم} و{طس} قال: «هي اسم الله الأعظم ».
-وأخرج ابن أبي شيبة في تفسيره، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن عامر، أنه سئل عن فواتح السور نحو {الم} و{الر} قال: « هي أسماء من أسماء الله مقطعة الهجاء فإذا وصلتها كانت أسماء من أسماء الله ».
-وأخرج عبد بن حميد عن الربيع بن أنس في قوله {الم} قال: « ألف مفتاح اسمه الله ولام مفتاح اسمه لطيف وميم مفتاح اسمه مجيد».
-وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: « فواتح السور أسماء من أسماء الله ».
-وأخرج أبو الشيخ والبيهقي في الأسماء والصفات عن السدي قال:« فواتح السور كلها من أسماء الله ».
-وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {الم} قال: « اسم من أسماء ألقرآن»
-وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله {الم} قال: « اسم من أسماء ألقرآن»
-وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ بن حبان عن مجاهد قال {الم} و{حم} و{المص}وفواتح افتتح الله بها القرآن.
-وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن قال {الم}و {طسم} فواتح يفتتح الله بها السور.
-وأخرج ابن المنذر عن مجاهد قال: فواتح السور كلها {الم} و{المر} و{حم} و{ق} وغير ذلك هجاء موضوع.
-وأخرج ابن جرير عن زيد بن أسلم قال « {الم} ونحوها أسماء السور ».
-وأخرج ابم إسحاق والبخاري في تاريخه، وابن جرير بسند ضعيف عن ابن عباس، عن جابر بن عبد الله بن رباب قال:« مر أبو ياسر بن أخطب في رجال من يهود برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتلو فاتحة سورة البقرة {الم ذلك الكتاب} فأتاه أخوه حيي بنأخطب في رجال من اليهود فقال: تعلمون - والله - لقد سمعت محمدا يتلو فيما أنزل عليه {الم ذلك الكتاب} فقالوا أنت سمعته قال: نعم، فمشى حيي في أولئك النفر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: قد جاءك بهذا جبريل من عند الله
قال: «نعم»، قالوا: لقد بعث الله قبلك أنبياء ما نعلمه بين لنبي لهم ما مدة ملكه وما أجل أمته غيرك فقال حيي بن أخطب: وأقبل على من معه الألف واحدة واللام ثلاثون والميم أربعون فهذه إحدى وسبعون سنة، أفتدخلون في دين نبي إنما مدة ملكه وأجل أمته إحدى وسبعون سنة ثم أقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد هل مع هذا غيره قال: «نعم»، قال: وما ذاك قال: {المص} قال: هذه أثقل وأطول، الألف واحدة واللام ثلاثون والميم أربعون والصاد تسعون فهذه مائة وإحدى وستون، هل مع هذا يا محمد غيره قال: «نعم»، قال: ماذا؟ قال: {الر}، قال: هذه أثقل وأطول، الألف واحدة واللام ثلاثون والراء مائتان فهذه إحدى وثلاثون ومائتا سنة، فهل مع هذا غيره؟ قال: «نعم، {المر}» قال: فهذه أثقل وأطول، الألف واحدة واللام ثلاثون والميم أربعون والراء مائتان فهذه إحدى وسبعون سنة ومائتان، ثم قال: لقد لبس علينا أمرك يا محمد حتى ما ندري أقليلا أعطيت أم كثيرا ثم قاموا فقال أبو ياسر لأخيه حيي ومن معه من الأحبار: ما يدريكم لعله قد جمع هذا لمحمد كله، إحدى وسبعون وإحدى وستون ومائة وإحدى وثلاثون ومائتان
وإحدى وسبعون ومائتان فذلك سبعمائة وأربع وثلاثون، فقالوا: لقد تشابه علينا أمره، فيزعمون أن هذه الآيات نزلت فيهم {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات}[آل عمران الآية 7]»)

-وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال: «إن اليهود كانوا يجدون محمدا وأمته أن محمدا مبعوث ولا يدرون ما مدة أمة محمد، فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم وأنزل {الم} قالوا: قد كنا نعلم أن هذه الأمة مبعوثة وكنا لا ندري كم مدتها فإن كان محمد
صادقا فهو نبي هذه الأمة قد بين لنا كم مدة محمد لأن {الم} في حساب جملنا إحدى وسبعون سنة فما نصنع بدين إنما هو واحد وسبعون سنة فلما نزلت {الر} وكانت في حسابهم مائتي سنة وواحدا وثلاثين سنة قالوا: هذا الآن مائتان وواحدا وثلاثون سنة وواحدة وسبعون، قيل ثم أنزل {المر} فكان في حساب حملهم مائتي سنة وواحدة وسبعين سنة في نحو هذا من صدور السور فقالوا: قد التبس علينا أمره ».
-وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال: «هذه الأحرف الثلاثة من التسعة والعشرين حرفا دارت فيها الألسن كلها ليس منها إلا حرف وهو مفتاح اسم من أسمائه وليس منها حرف إلا وهو من آية وثلاثة وليس منها حرف إلا وهو في مدة قوم وآجالهم، فالألف مفتاح اسمه الله واللام مفتاح اسمه اللطيف والميم مفتاح اسمه مجيد، فالألف آلاء الله واللام لطف الله والميم مجد الله، فالألف سنة واللام ثلاثون والميم أربعون ».
-وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ بن حبان في التفسير عن داود بن أبي هند قال: «كنت أسأل الشعبي عن فواتح السور قال: يا داود إن لكل كتاب سرا وإن سر هذا القرآن فواتح السور فدعها وسل عما بدا لك ».
-وأخرج أبو نصر السجزي في الإبانة عن ابن عباس قال:« آخر حرف عارض به جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم {الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين} »). [الدر المنثور: 1 / 118 - 127]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 8 ربيع الثاني 1434هـ/18-02-2013م, 11:36 AM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {الم (1)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (قوله تعالى: {الم * ذلك الكتاب...} الهجاء موقوف في كل القرآن، وليس بجزم يسمّى جزماً، إنما هو كلام جزمه نّية الوقوف على كل حرف منه؛ فافعل ذلك بجميع الهجاء فيما قلّ أو كثر، وإنما قرأت القرّاء :{الم * الله} في "آل عمران" ففتحوا الميم؛ لأن الميم كانت مجزومة لنيّة الوقفة عليها، وإذا كان الحرف ينوى به الوقوف نوى بما بعده الاستئناف، فكانت القراءة "ا ل م الله " فتركت العرب همزة الألف من "الله" فصارت فتحتها في الميم لسكونها، ولو كانت الميم جزماً مستحقّاً للجزم لكسرت، كما في {قيل ادخل الجنة}، وقد قرأها رجل من النحويين، وهو: أبو جعفر الرؤاسيّ -وكان رجلاً صالحاً- : {الم الله} بقطع الألف، والقراءة بطرح الهمزة، قال الفراء: « وبلغني عن عاصم أنه قرأ بقطع الألف ».
وإذا كان الهجاء أوّل سورة فكان حرفاً واحداً؛ مثل قوله "ص" و"ن" و"ق" كان فيه وجهان في العربية؛ إن نويت به الهجاء: تركته جزماً وكتبته حرفاً واحداً، وإن جعلته اسماً للسورة أو في مذهب قسم: كتبته على هجائه "نون" و"صاد" و"وقاف" وكسرت الدال من صاد، والفاء من قاف، ونصبت النون الآخرة من "نون"، فقلت: "نون والقلم" و"صاد والقرآن" و"قاف"؛ لأنه قد صار كأنه أداة؛ كما قالوا "رجلان"، فخفضوا النون من رجلان؛ لأن قبلها ألفاً، ونصبوا النون في "المسلمون والمسلمين" ؛ لأن قبلها ياء وواواً، وكذلك فافعل بـ "ياسين والقرآن"، فتنصب النون من "ياسين" وتجزمها، وكذلك "حم" و"طس"، ولا يجوز ذلك فيما زاد على هذه الأحرف مثل "طا سين ميم"؛ لأنها لا تشبه الأسماء، و"طس" تشبه قابيل، ولا يجوز ذلك في شيء من القرآن مثل : "الم" و"المر" ونحوهما). [معاني القرآن: 1 / 9 -10]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({الم} سكّنت الألف واللام والميم؛ لأنه هجاء، ولا يدخل في حروف الهجاء إعراب، قال أبو النّجم العجليّ:

أقبلت من عند زياد كالخرف
أجرّ رجليّ بخٍطّ مخٌتلف
كأنمّا تكتّبان لام ألف

فجزمه؛ لأنه هجاء، ومعنى {الم}: افتتاح مبتدأ كلامٍ، شعار للسورة). [مجاز القرآن: 1 / 28]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({الم} أما قوله: {الم} فإن هذه الحروف أسكنت؛ لأن الكلام ليس بمدرج، وإنما يكون مدرجاً لو عطف بحرف العطف، وذلك إن العرب تقول في حروف المعجم كلها بالوقف إذا لم يدخلوا حروف العطف، فيقولون: "ألف باء تاء ثاء" ويقولون: "ألفٌ وباءٌ وتاءٌ وثاءٌ"، وكذلك العدد عندهم ما لم يدخلوا حروف العطف، فيقولون: "واحد اثنان ثلاثه"، وبذلك على أنه ليس بمدرج قطع ألف "اثنين" وهي من الوصل، فلو كان وصلها بالذي قبلها لذهبت ولكن هذا من العدد، والعدد والحروف كل واحد منها شيء مفصول على حياله، ومثل ذلك: {المص} و{الر} و{المر} و{كهيعص} و{طسم} و{يس} و{طه} و{حم} و{ق} و{ص} إلا أن قوماً قد نصبوا {يس} و{طه} و{حم} وهو كثير في كلام العرب، وذلك أنهم جعلوها أسماء كالأسماء الأعجمية "هابيل" و"قابيل"، فإما أن يكونوا جعلوها في موضع نصب ولم يصرفوها كأنه قال: "اذكر حم وطس ويس"، أو جعلوها كالأسماء التي هي غير متمكنة فحرّكوا آخرها حركة واحدة كفتح "أين"، وكقول بعض الناس {الحمد للّه}، وقرأ بعضهم {ص} و{ن} و{ق} بالفتح وجعلوها أسماء ليست بمتمكنة فألزموها حركة واحدة وجعلوها أسماء للسورة، فصارت أسماء مؤنثة، ومن العرب من لا يصرف المؤنث إذا كان وسطه ساكناً نحو "هند" و"جمل" و"دعد"، قال الشاعر:

وإني لأهوى بيت هندٍ وأهلها......على هنواتٍ قد ذكرن على هند

وهو يجوز في هذه اللغة، أو يكون سماها بالحرف، والحرف مذكر وإذا سمي المؤنث بالمذكر لم ينصرف، فجعل {ص} وما أشبهها اسماً للسورة ولم يصرف، وجعله في موضع نصب.
وقال بعضهم "صاد والقرآن" فجعلها من "صاديت" ثم أمر كما تقول "رام"، كأنه قال: "صاد الحقّ بعملك" أي: تعمده، ثم قال: {والقرآن} فأقسم، ثم قال: {بل الّذين كفروا في عزّةٍ وشقاقٍ} فعلى هذا وقع القسم، وذلك أنهم زعموا أن "بل" هاهنا إنما هي "أن" ؛ فلذلك صار القسم عليها.
وقد اختلف الناس في الحروف التي في فواتح السور، فقال بعضهم: "إنما هي حروف يستفتح بها"، فإن قيل "هل يكون شيء من القرآن ليس له معنى؟" فإن معنى هذه أنه ابتدأ بها ليعلم أن السورة التي قبلها قد انقضت، وأنه قد أخذ في أخرى، فجعل هذا علامة لانقطاع ما بينهما، وذلك موجود في كلام العرب، ينشد الرجل منهم الشعر فيقول:

بل وبلدةٍ ما الإنس من أهّالها

أو يقول:

بل ما هاج أحزاناً وشجواً قد شجا

فـ"بل" ليست من البيت ولا تعد في وزنه، ولكن يقطع بها كلام ويستأنف آخر، وقال قوم: إنها حروف إذا وصلت كانت هجاء لشيء يعرف معناه، وقد أوتى بعض الناس علم ذلك؛ وذلك أن بعضهم كان يقول: "الر" و"حم" و"ن" هذا هو اسم "الرحمن" جل وعزّ، وما بقي منها فنحو هذا.
وقالوا أن قوله: {كهيعص} كاف هاد عالم صادق، فاظهر من كل اسم منها حرفًا ليستدل به عليها، فهذا يدل على أن الوجه الأول لا يكون إلا وله معنى؛ لأنه يريد معنى الحروف، ولم ينصبوا من هذه الحروف شيئا غير ما ذكرت لك، لأن {الم} و{طسم} و{كهيعص} ليست مثل شيء من الأسماء، وإنما هي حروف مقطعة.
وقال: {الم * اللّه لا إله إلاّ هو} فالميم مفتوحة؛ لأنها لقيها حرف ساكن، فلم يكن من حركتها بد، فإن قيل: "فهلا حركت بالجر؟" فإن هذا لا يلزم فيها و إنما أرادوا الحركة، فإذا حركوها بأي حركة كانت فقد وصلوا إلى الكلام بها، ولو كانت كسرت لجاز، ولا أعلمها إلا لغة.
وقال بعضهم: فتحوا الحروف التي للهجاء إذا لقيها الساكن ليفصلوا بينها وبين غيرها، وقالوا: منَ الرجل؟، ففتحوا لاجتماع الساكنين، ويقولون: "هل الرجل" و"بل الرجل"، وليس بين هذين وبين "من الرجل" فرق إلا أنهم قد فتحوا "من الرجل" لئلا تجتمع كسرتان، وكسروا {إذ الظّالمون} وقد اجتمعت كسرتان؛ لأن من أكثر استعمالاً في كلامهم من "إذ"، فأدخلوها الفتح ليخف عليهم، وإن شئت قلت "الم" حروف منفصل بعضها من بعض؛ لأنه ليس فيها حرف عطف، وهي أيضاً منفصلة مما بعدها، فالأصل فيه أن تقول:{الم ألله} فتقطع ألف {الله} إذا كان ما قبله منفصلا منه كما قلت "واحد، اثنان" فقطعت، وكما قرأ القراء {ن والقلم} فبينوا النون لأنها منفصلة، ولو كانت غير منفصلة لم تبين إلا أن يلقاها أحد الحروف الستة ألا ترى أنك تقول "خذه من زيد" و "خذه من عمرو"، فتبين النون في "عمرو" ولا تبين في "زيد"، فلما كانت ميم ساكنة وبعدها حرف مقطوع مفتوح: جاز أن تحرك الميم بفتحة الألف، وتحذف الألف في لغة من قال: "من أبوك" فلا تقططع، وقد جعل قوم (نون) بمنزلة المدرج فقالوا {نون والقلم} فأثبتوا النون ولم يبينوها، وقالوا: {يس والقرآن} فلم يبينوا أيضاً، وليست هذه النون ههنا بمنزلة قول {كهيعص} و{طس تلك} و{حم عسق} فهذه النونات لا تبين في القراءة في قراءة أحد؛ لأن النون قريبة من الصاد؛ لأن الصاد والنون من مخرج طرف اللسان، وكذلك التاء والسين في {طس تلك} وفي {حم عسق}، فلذلك لم تبين النون إذ قربن منها، وتبينت النون في {يس} و{نون} لبعد النون من الواو؛ لأن النون بطرف اللسان والواو بالشفتين). [معاني القرآن: 1 / 15]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الإعراب
الخبر الثالث عن إعراب مشكل سورة البقرة
{ألم (1) ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين}، أما {الم}]، و{كهيعص} و{طسم} و{الر كتاب} وأشباه ذلك, فهذه حروف المعجم؛ والعرب تقف عليها حرفا حرفا, لتقطيعها وإبانة بعضها من بعض؛ ولم يدخلوا فيها الواو فيقولوا: ألف ولام وميم؛ لأنهم لم يريدوا الإدراج, وإنما أرادوا الوقف على كل حرف على حاله, فمن ثم لم يكن مثل: زيد وعمرو فيرفعون وينونون؛ لأن الذي بعد زيد خبر عنه؛ وليست هذه الحروف هكذا, إذا قال: ألف لام ميم, لم تكن اللام خبرا عن الألف؛ لأنها غيرها.
وكرهوا أن يعربوا وينونوا مع إرادتهم الإيجاز فيبطئوا, فلذلك أسكنوا, كما أسكنوا العدد في قولهم: واحد, إثنان بإسكان الدال وقطع الألف؛ وسمعنا العرب تقول: أحد إثنان فتسكن.
[زاد محمد بن صالح في روايته]:
وتميم تعرب فتقول: أحد اثنان ثلاثة أربعة, إلى العشرة, وقال بعض العرب: ثلاثة اربعة؛ فحرك هاء "ثلاثة" وألقى الحركة على الهاء, ولم يقلبها تاء.
وقال الراجز:
أقبلت من عند زياد كالحرف
تخط رجلاي بخط مختلف
يكتبان في الطريق لا ملف
وبعضهم يقول: هذه لام ألف, بغير نون؛ ولام ألف رفع بنون.
[معاني القرآن لقطرب: 390]
وقالت العرب في لعب لها فأسكنت كما أسكنت هذه الحروف الأربعة: إحده, إثنه, إثله, إربه, إخمه, إسده, إسبع، إثمن, إتسع, عاشر.
[وزاد محمد بن صالح في روايته]:
ووجه آخر إن شئت قلت: {المص}, {الر كتاب} يكون "كتاب" خبرا عنه؛ كأنك قلت: هذه الحروف كتاب.
وأما {حم (1) والكتاب المبين} و{يس (1) والقرآن} وما جاء ليس بعده خبر, فيكون في هذا القول يضمر الخبر؛ كأنه قال: هذه {حم} و{يس}.
وأما تذكير هذه الحروف وتأنيثها: فالعرب تذكرها وتؤنثها؛ والتأنيث فيما كان علي حرفين أكثر منه في الثلاثة, نحو: الحاء والياء.
قال ذو الرمة:
تخط لامي ألف موصول ... والزاي والرا أيما تهليل
فذكر الألف.
وبعضهم يقول: الزاي, وأهل الحجاز-فيما زعم يونس- يمدونها فيقولون: هذه تاء وياء؛ وتميم تقصر فتقول [...]: الثا واليا والتا, وعليها قراءة الحسن "كهيعص"؛ وهي لغة مرغوب عنها, وسنذكرها إن شاء الله.
وزعم يونس: أنه سمع هذه التاء غير ممالة.
[معاني القرآن لقطرب: 391]
وأما معانيها:
فكان ابن عباس رحمه الله يقول: هي أسماء الله: كاف هاد يفاع عالم صادق في {كهيعص}، صيرها أوائل أسماء الله عز وجل.
وكان الحسن يقول: هي مفاتيح السور.
وقال علي بن أبي طالب عليه السلام: هو اسم الله الأعظم، في الكتاب متفرق، فمن أحسن تأليفه أصاب اسم الله الأعظم، يعني {الم} و{المص} و{الر}.
وقال قتادة: اسم من أسماء الله.
وقال {ق} اسم من أسماء الله.
[معاني القرآن لقطرب: 392]
وكان ابن عباس أيضا يقول: { الم} أنا الله أعلم و{المر} أنا الله أعلم وأرى, و{الر} أنا الله أرى, و{المص} أنا الله أفصل .
وقال الشعبي: لم ينزل الله كتابا قط إلا له سر لا يعلمه الناس؛ وسر القرآن فواتحه.
وقال ابن عباس رحمه الله: {حم} قضي ما هو كائن.
وقال ابن عباس رحمه الله {ق} جبل أخضر من زمرد مطيف بالدنيا, فخضرة السماء منه.
[معاني القرآن لقطرب: 393]
وقال عكرمة وقتادة: اسم من أسماء الله عز وجل.
وقال بعض المفسرين في نون والقلم: نون الدواة.
وقال الحسن في { عسق}: العين: علم الله, والسين: سناء الله, والقاف: قدرة الله.
وعن الكلبي {يس}: يا إنسان, في لغة طيء, يعني النبي صلى الله عليه [وسلم].
وعن ابن عباس في {طه}: يا رجل في لغة السريانية.
[معاني القرآن لقطرب: 394]
قال أبو النجم فقصر "طه":
مد لنا في عمره رب طها
ما حمل السيف بكف أو مشا.
وقال بعض أهل العلم: هي حروف القرآن أقسم الله عز وجل بها, وذلك حسن.
وهو عند العرب افتتاح كلام كقولك: ألا إنك ذاهب.
وكان الحسن يقول: هي مفاتيح السور وأسماءها؛ فكأن ذلك يقرب من افتتاح الكلام في المعنى.
وهذه الأبيات شبيه بما ذكرنا قول الراجز:
ما للظليم عال كيف لا يا
ينقد عنه جلده إذا يا
أهبى التراب فوقه إهبا يا
[معاني القرآن لقطرب: 395]
وقال غيلان الراجز:
نادوهم أن الجموا ألا تا
صوت امرئ للحلبات عيا
قالوا جميعا كلهم ألا فا.
وقال الراجز:
جارية قد وعدتني أن تا
تمسح رأسي وتفلي أوتا
وتمسح القنفاء حتى تنتا.
وقال الآخر:
إن شئت يا سمرا أشرفنا معا ... دعا كلانا ربه فأسمعا
بالخير خيرات وإن شرا فئا ... ولا أريد الشر إلا أن تئا
قال أبو علي: وحكي عنهم في كلام: ألا تا, فقال الآخر: بلى فا؛ يريد: ألا ترحل, فقال: بلى فارحل.
وقال الآخر فأظهر الحرف كله:
قلنا لها قفي قالت قاف ... لا تحسبي أنا نسينا الإيجاف
فأظهر القاف كلها.
[معاني القرآن لقطرب: 396]
قال أبو علي: وقد حرك قوم هذه الحروف؛ كان عيسى ابن عمر يقول: "نونَ والقلم" و"صادَ والقرآن" فيفتح؛ كأنه شبه ذلك بـ: أين, وكيف لالتقاء الساكنين.
وكان عبد الله بن أبي إسحاق يكسر "نونِ والقلم" و"قافِ والقرآن"؛ كأنه حرك على مثل: اضرب الرجل, وخذ المال؛ لما التقى ساكنان؛ وقد فسرنا الوقف في أول هذا الباب .
وكان يونس يقول: هذه حاميم يا هذا, فيفتح.
وقال الكميت:
وجدنا لكم في آل حاميم آية ... تأولها منا تقي ومعرب
وقال عبد الله بن مكعبر:
يذكرني حاميم والرمح دونه ... فهلا تلا حاميم قبل التقدم
ففتح أيضا؛ جعل حاميم مثل آمين؛ لأنها حرفان, فما كان على حرف [...].
[معاني القرآن لقطرب: 397]
على حرفين مثل: {طه} و{طس} و{يس} فإن القياس فيه أن يجوز فيه ما جاز في حاميم؛ لأنه على لفظ أسمائهم, مثل: حضر موت, وبعل بك؛ لأنهما اسمان ضم أحدهما إلى صاحبه.
وأما ما كان على ثلاثة أحرف فصاعدا مثل: {المص} و{الم} و{كهيعص} فهذه حكاية كلها ساكنة؛ لأنها قد طالت وخرجت من حد أسماءهم؛ لأنهم يصيرون شيئين كشيء واحد؛ فأما ثلاثة أشياء فلا يكون ذلك فيها.
وأما قوله عز وجل {الم (1) الله لا إله إلا هو الحي القيوم} فإن الفتح في هذا لالتقاء الساكنين: الميم واللام؛ وجواز ذلك على شيئين:
أحدهما: أن يذهب إلى قراءة عيسى بن عمر, فيفتح عليها في قوله: "نون والقلم" "وصاد والقرآن ", كأن الفتح أصل له.
ويكون على لغة من قال: قل الحق, وبع الثوب, فيحرك بالفتح؛ وقد حكي لنا ذلك عن بعض العرب, وكذلك القول في كل ما التقي فيه [ساكنان] في القرآن إذا كانا من كلمتين, فالكسر أغلب وأكثر, إلا ما ذكرنا من لغة شاذة, وذلك {قم الليل إلا قليلا} و{خذ العفو}
[معاني القرآن لقطرب: 398]
{وقل الحق من ربكم} وإنما كسروا ليدلوا على أن حركته ليس بإعراب، وإنما هو لالتقاء الساكنين؛ إذ كان الجر لا يدخل الفعل لإعراب، وقد يدخله الرفع والنصب لإعراب فكسروه لذلك.
قال يونس: في المضموم: اقتل اقتل بكسر اللام، واقتل بضم اللام الأولى، {وقال اخرج} و{قل انظروا} ونعم ادخل؛ والكسر أيضا جائز.
وقالوا: "قم الليل" و"قل الحق" فأتبعوا الضمة الضمة، كما قالوا: منذ يومين، والأسود بن يعفر.
وقيس عامر وسليم وغيرهم إلا غطفان، وخزاعة وهذيل يضمون: أن اشكروا، و{أن اعبدوا}؛ وأسد يكسرون هذا كله). [معاني القرآن لقطرب: 399]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({الم} فما أشبهها من " قاف" و" صاد " فواتح للسور). [غريب القرآن وتفسيره: 63]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({الم} قد ذكرت تأويله وتأويل غيره من الحروف المقطعة في كتاب: «المشكل»). [تفسير غريب القرآن: 39]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (قوله تبارك وتعالى: {الم}، زعم أبو عبيدة معمر بن المثنى أنّها -حروف الهجاء- افتتاح كلام، وكذلك: {المر} و {المص}، وزعم أبو الحسن الأخفش أنّها افتتاح كلام، ودليل ذلك أن الكلام الذي ذكر قبل السورة قد تم.
وزعم قطرب أن:{الم} و{المص} و{المر} و{كهيعص} و{ق} و{يس} و{نون} حروف المعجم ذكرت؛ لتدل على أن هذا القرآن مؤلف من هذه الحروف المقطعة التي هي حروف أ. ب. ت. ث، فجاء بعضها مقطعاً وجاء تمامها مؤلفاً؛ ليدل القوم الذين نزل عليهم القرآن أنه بحروفهم التي يعقلونها لا ريب فيه.
ويروى عن الشعبي أنه قال: للّه في كل كتاب سر، وسره في القرآن حروف الهجاء المذكورة في أوائل السور.
ويروى عن ابن عباس ثلاثة أوجه في {الم} وما أشبهها، فوجه منها أنه قال: « أقسم اللّه بهذه الحروف أن هذا الكتاب الّذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم: هو الكتاب الذي عنده، عزّ وجلّ لا شك فيه » ، والقول الثاني عنه أن: « {الر} و {حم} و {نون}اسم للرحمن عزّ وجلّ مقطع في اللفظ موصول في المعنى ».
والثالث عنه أنّه قال: « {الم} معناه: أنا اللّه أعلم، و{الر}معناه: أنا الله أرى، و{المص}معناه: أنا الله أعلم وأفصل، و{المر} معناه: أنا الله أعلم وأرى ».
فهذا جميع ما انتهى إلينا من قول أهل اللغة والنحويين في معنى {الم}، وجميع ما انتهى إلينا من أهل العلم بالتفسير.
ونقول في إعراب {الم} و {الر} و {كهيعص} وما أشبه هذه الحروف، هذا باب حروف التهجي، وهي: الألف والباء والتاء والثاء، وسائر ما في القرآن منها.
فإجماع النحويين أن هذه الحروف مبنية على الوقف لا تعرب، ومعنى قولنا "مبنية على الوقف" أنك تقدر أن تسكت على كل حرف منها، فالنطق: ألف، لام، ميم ذلك.
والدليل على أنك تقدر السكت عليها: جمعك بين ساكنين في قولك: (لام) وفي قولك (ميم).
والدّليل على أن حروف الهجاء مبنيّة على السكت كما بني العدد على السكت: أنك تقول فيها بالوقف مع الجمع بين ساكنين، كما تقول إذا عددت واحد، اثنان، ثلاثه، أربعه، ولولا أنك تقدر السكت لقلت: (ثلاثة) بالتاء كما تقول: ثلاثاً يا هذا، فتصير الهاء تاء مع التنوين واتصال الكلام.
وحقها من الإعراب أن تكون سواكن الأواخر، زعم سيبويه أنك أردت أن المعجم حروف يحكى بها ما في الأسماء المؤلفة من الحروف فجرى مجرى ما يحكى به نحو: «غاق» وغاق يا فتى، إنما حكى صوت الغراب.
والدليل أيضاً على أنها موقوفة قول الشاعر:



أقبلت من عند زياد كالخرف
تخطّ رجلاي بخط مختلف
تكتبان في الطريق لام ألف

كأنه قال: لام ألف، بسكون "لام" ولكنه ألقى حركة همزة " ألف" على الميم، ففتحها.
قال أبو إسحاق: وشرح هذه الحروف وتفسيرها: أنها ليست تجري مجرى الأسماء المتمكنة، والأفعال المضارعة التي يجب لها الإعراب، وإنما هي تقطيع الاسم المؤلف الذي لا يجب الإعراب فيه إلا مع كماله، فقولك "جعفر" لا يجب أن تعرب منه الجيم ولا العين ولا الفاء ولا الراء، دون تكميل الاسم، فإنما هي حكايات وضعت على هذه الحروف، فإن أجريتها مجرى الأسماء وحدثت عنها قلت: هذه كاف حسنة، وهذا كاف حسن.
وكذلك سائر حروف المعجم، فمن قال: هذه كاف أنث لمعنى الكلمة، ومن ذكر فلمعنى الحرف، والإعراب وقع فيها؛ لأنك تخرجها من باب الحكاية.
قال الشاعر:
كافا وميمين وسينا طاسما

وقال أيضاً:

كما بينت كاف تلوح وميمها

ذكر طاسماً؛ لأنه جعله صفة للسين، وجعل السين في معنى الحرف،
وقال: (تلوح)، فأنث الكاف، ذهب بها مذهب الكلمة، قال الشاعر -يهجو النحويين، وهو يزيد بن الحكم-:

إذا اجتمعوا على ألف وواو......وياء لاح بينهمو جدال

فأما إعراب (أبي جاد) و (هوز) و (حطي)، فزعم سيبويه أن هذه معروفات الاشتقاق في كلام العرب، وهي مصروفة، تقول: علمت أبا جاد وانتفعت بأبي جاد، وكذلك (هوز) تقول: نفعني (هوز)، وانتفعت بـ(هوز)، وكذلك (حطي)، وهن مصروفات منوّنات.
فأما (كلمون) و (سعفص) و (قريشيات)، فأعجميات، تقول: هذه كلمون يا هذا، وتعلمت كلمون، وانتفعت بكلمون، وكذلك (سعفص)، فأما قريشيات؛ فاسم للجمع مصروفة بسبب الألف والتاء تقول: هذه قريشيات يا هذا، وعجبت من قريشيات يا هذا.
ولقطرب قول آخر في {الم}: زعم أنه يجوز: لما لغا القوم في القرآن، فلم يتفهموه حين قالوا: {لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه} أنزل ذكر هذه الحروف، فسكتوا لمّا سمعوا الحروف؛ طمعاً في الظفر بما يحبون؛ ليفهموا بعد الحروف القرآن وما فيه، فتكون الحجة عليهم أثبت إذا جحدوا بعد تفهم وتعلم.
قال أبو إسحاق: والذي أختاره من هذه الأقوال التي قيلت في قوله عزّ وجلّ {الم}: بعض ما يروى عن ابن عباس رحمة اللّه عليه.
وهو أن المعنى: {الم}: أنا اللّه أعلم، وأن كل حرف منها له تفسيره. والدليل على ذلك : أن العرب تنطق بالحرف الواحد تدل به على الكلمة التي هو منها. قال الشاعر:

قلنا لها قفي قالت قاف.......لا تحسبي أنّا نسينا الإيجاف

فنطق بقاف فقط، يريد قالت: أقف.
وقال الشاعر أيضاً:

نادوهمو أن الجموا ألا تا......قالوا جميعا كلهم ألا فا

تفسيره: نادوهموا أن الجموا، ألا تركبون، قالوا جميعاً: ألا فاركبوا.
فإنما نطق بتاء وفاء كما نطق الأول بقاف.

وأنشد بعض أهل اللغة للقيم بن سعد بن مالك:

إن شئت أشرفنا كلانا فدعا.......اللّه ربا جهده فاسمعا
بالخير خيرات وإن شرا فآي.......ولا أريد الشر إلا أن تآء
وأنشد النحويون:
بالخير خيرات وإن شرا فا.....ز.ولا أريد الشر إلا إن تا

يريدون: إن شراً فشر، ولا أريد الشر إلا أن تشاء.
أنشد جميع البصريين ذلك، فهذا الذي أختاره في هذه الحروف، واللّه أعلم بحقيقتها.
فأما {ص}؛ فقرأ الحسن: "صادِ والقرآن"، فكسر الدال، فقال أهل اللغة: معناه: صاد القرآن بعملك، أي: تعمّده، وسقطت الياء للأمر، ويجوز أن تكون كسرت الدال لالتقاء السّاكنين إذا نويت الوصل,، وكذلك قرأ عبد الله بن أبي إسحاق: "صاد والقرآن"، وقرأ أيضا "قاف والقرآن المجيد".
فالكسر في مذهب بن أبي إسحاق لالتقاء السّاكنين.
وقرأ عيسى بن عمر: "صادَ والقرآن" بفتح الدّال، وكذلك قرأ "نون والقلم " و" قاف والقرآن " بالفتح أيضًا، لالتقاء السّاكنين.
قال سيبويه: إذا ناديت أسحار، والأسحارّ اسم نبت -مشدد الراء-، قلت في ترخيمه: يا أسحارَ أقبل، ففتحت لالتقاء الساكنين كما اخترت الفتح في قولك: عضَّ يا فتى، فإتباع الفتحة الفتحة كإتباع الألف الفتحة، ويجوز: يا أسحارِ أقبل، فتكسر لالتقاء الساكنين.
وقال أبو الحسن الأخفش: يجوز أن يكون "صاد" و"قاف" و"نون" أسماء للسور منصوبة إلا أنها لا تصرف كما لا تصرف جملة أسماء المؤنث.
والقول الأول أعني التقاء السّاكنين، والفتح والكسر من أجل التقائها أقيس؛ لأنه يزعم أنه ينصب هذه الأشياء كأنه قال: أذكر صاد.
وكذلك يجيز في {حم} و{طس} النصب و{ياسين} أيضاً على أنها أسماء للسور، ولو كان قرئ بها؛ لكان وجهه الفتح لالتقاء السّاكنين.
فأما {كهيعص} فلا تبين فيها النون مع الصاد في القراءة، وكذلك {حم * عسق} لا تبين فيها النون مع السين.
قال الأخفش وغيره من النحويين: لم تبين النون؛ لقرب مخرجها من السين والصاد.
فأما {نون * والقلم} فالقراءة فيها تبيين النون مع الواو التي في {والقلم} وبترك التبيين، إن شئت بينت وإن شئت لم تبيّن، فقلت "نون والقلم"؛ لأن النون بعدت قليلاً عن الواو.
وأما قوله عزّ وجلّ {الم اللّه}: ففي فتح الميم قولان:
أحدهما لجماعة من النحويين: وهو أن هذه الحروف مبنية على الوقف، فيجب بعدها قطع ألف الوصل، فيكون الأصل: "أ. ل. م. اللّه لا إله إلا هو"، ثم طرحت فتحة الهمزة على الميم، وسقطت الهمزة كما تقول: واحد. اثنان، وإن شئت قلت: واحدِ. اثنان فألقيت كسرة "اثنين" على الدال.
وقال قوم من النحويين: لا يسوغ في اللفظ أن ينطق بثلاثة أحرف سواكن، فلا بد من فتحة الميم في: {الم اللّه} لالتقاء السّاكنين، يعني: الميم واللام والتي بعدها، وهذا القول صحيح لا يمكن في اللفظ غيره.
فأمّا من زعم أنه إنما ألقي حركة الهمزة فيجب أن يقرأ: {الم الله} وهذا لا أعلم أحداً قرأ به إلا ما ذكر عن الرؤاسي، فأما من رواه عن عاصم؛ فليس بصحيح الرواية.
وقال بعض النحويين: لو كانت محركة لالتقاء السّاكنين لكانت مكسورة، وهذا غلط، لو فعلنا في التقاء السّاكنين إذا كان الأول منهما ياء لوجب أن تقول: "كيف زيد وابن زيد" وهذا لا يجوز، وإنما وقع الفتح؛ لثقل الكسرة بعد الياء). [معاني القرآن: 1 / 55 -66]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (من ذلك قوله تعالى: {الم} اختلف أهل التفسير وأهل اللغة في معنى {الم} وما أشبهها .
قال: فحدثنا عبد الله بن إبراهيم البغدادي بالرملة، قال: حدثنا حفص بن عمر بن الصباح الرقي أبو عمرو، قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا شريك، عن عطاء، عن أبي الضحى، عن ابن عباس في قوله تعالى {الم}، قال: « أنا الله أعلم، {الر} أنا الله أرى، {المص} أنا الله أفصل ».
وروى أبو اليقظان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير مثله.
وشرح هذا القول: أن الألف تؤدي عن معنى "أنا"، واللام تؤدي عن اسم الله جل وعز، والميم تؤدي عن معنى "أعلم".
ورأيت أبا إسحاق يميل إلى هذا القول ويقول: أذهب إلى أن كل حرف منها يؤدي عن معنى .
وحدثنا بكر بن سهل، قال: حدثنا أبو صالح، عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس:« {المص} و{طه}و{طس} و{طسم} و{يس} و{ص} و{حم عسق} و} و{ن والقلم} وأشباه هذا هو قسم أقسم الله به وهن من أسماء الله تعالى ».
وروى ابن علية، عن خالد الحذاء، عن عكرمة قال: « {الم} قسم».
وحدثنا أحمد بن محمد بن نافع، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله تعالى {الم}، قال: « اسم من أسماء القرآن».
وروي عن مجاهد قولان:
قال أبو عبيد: حدثنا أبو مهدي، عن سفيان، عن خصيف أو غيره: هكذا، قال: عن مجاهد، قال -في كله- : "هي فواتح السور" .
والقول الآخر: حدثنا به محمد بن جعفر الأنباري، قال: حدثني محمد بن بحر، قال: حدثنا موسى، عن شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: « {الم}اسم من أسماء القرآن».
قال أبو العباس - وهو اختياره -: « روي عن بعض أهل السلف أنه قال: هي تنبيه ».
وقال أبو عبيده والأخفش: « هي افتتاح كلام ».
وقطرب يذهب إلى أنها جيء بها؛ لأنهم كانوا ينفرون عند استماع القرآن، فلما سمعوا {الم} و{المص} استنكروا هذا اللفظ، فلما أنصتوا له، أقبل عليهم بالقرآن المؤلف، ليثبت في أسماعهم وآذانهم، ويقيم الحجة عليهم.
وقال الفراء: « المعنى: هذه الحروف يا محمد: ذلك الكتاب».
وقال أبو إسحاق: « ولو كان كما قال لوجب أن يكون بعده ابدأ ذلك الكتاب أو ما أشبهه ».
وهذه الأقوال يقرب بعضها من بعض؛ لأنه يجوز أن تكون أسماء للسورة، وفيها معنى التنبيه.
فأما القسم فلا يجوز؛ لعلة أوجبت ذلك من العربية.
وأبين هذه الأقوال: قول مجاهد الأول: « أنها فواتح السور»، وكذلك قول من قال: "هي تنبيه"، وقول من قال: "هي افتتاح كلام"، ولم يشرحوا ذلك بأكثر من هذا؛ لأنه ليس من مذهب الأوائل، وإنما باقي الكلام عنهم مجملاً، ثم تأوله أهل النظر على ما يوجبه المعنى.
ومعنى "افتتاح كلام" و"تنبيه": أنها بمنزلة "ها" في التنبيه و"يا" في النداء، والله تعالى أعلم بما أراد.
وقد توقف بعض العلماء عن الكلام فيها وأشكالها، حتى قال الشعبي: لله تعالى في كل كتاب سر، وسره في القرآن فواتح السور.
وقال أبو حاتم: لم نجد الحروف المقطعة في القرآن إلا في أوائل السور، ولا ندري ما أراد الله تعالى بها). [معاني القرآن: 1/73-78]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الم}: وفواتح السور قد كثر الاختلاف في ذلك، فقيل: هي فواتح، وقيل: هي أحرف مأخوذة من أسماء الله تعالى، كالصاد من صادق، والعين من عليم ونحوه، وقيل: هي أقسام، وقيل: هي أسماء للسور، وقيل: هي مما لا يعلم تأويله إلا الله، وقيل: تنبيه، وعن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: « {الم} الألف الله، واللام جبريل، والميم محمد ». روي ذلك عن عطاء والضحاك. وكل ما ذكرنا في تفسير أوائل السور عن ابن عباس؛ فهو مما رواه عنه عطاء والضحاك). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 23-24]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الم}: أنا الله أعلم). [العمدة في غريب القرآن: 69]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 8 ربيع الثاني 1434هـ/18-02-2013م, 12:06 PM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {الم (1) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (هذا باب تسمية السور والبلدان أما قولك: هذه هودٌ، وهذه نوحٌ، فأنت مخير: إن أردت هذه سورة نوح، وهذه سورة هود، فحذفت سورة على مثال ما حذف من قوله عز وجل: {واسأل القرية} فمصروف. تقول: هذه هودٌ، وهذه نوحٌ. وإن جعلت واحداً منهما اسماً للسورة لم تصرفه في قول من رأى ألا يصرف زيدا إذا كان اسماً لامرأة. هذا في هود خاصةً. وأما نوح فإنه اسمٌ أعجميٌّ لا ينصرف إذا كان اسماً لمؤنث، كما ذكرت لك قبل هذا. فأما يونس، وإبراهيم فغير مصروفين، للسورة جعلتهما أو للرجلين؛ للعجمة. ويدلك على ذلك أنك إذا قلت: هذه يونس أنك تريد: هذه سورة يونس، فحذفت؛ كما أنك تقول: هذه الرحمن.وأما حاميم فإنه اسمٌ اعجميٌّ لا ينصرف، للسورة جعلته أو للحرف؛ ولا يقع مثله في أمثلة العرب. لا يكون اسم على فاعيل. فإنما تقديره تقدير: هابيل. وكذلك طس، ويس فيمن جعلهما اسماً؛ كما قال لما جعله اسماً للسورة:

يذكرني حاميم والرمح شاجرٌ فهلا تـلا حاميـم قبـل التقـدم


وقال الكميت:

وجدنا لكم في آل حاميم آيةً تــأولــهــا مـــنــــا تـــقــــيٌّ ومـــعــــرب


وأما فواتح السور فعلى الوقف؛ لأنها حروفٌ مقطعة؛ فعلى هذا تقول: {الم * ذلك} و{حم والكتاب} لأن حق الحروف في التهجي التقطيع؛ كما قال:

أقبلت من عند زيادٍ كالخرفت خـط رجـلاي بخـطٍّ مختـلـف


تكتبان في الطريف لامَ الِف فهذا مجاز الحروف. فأما نون في قولك: قرأت نوناً يا فتى، فأنت مخير: إن أردت سورة نون، وجعلته اسماً للسورة جاز فيه الصرف فيمن صرف هندا، وتدع ذلك في قول من لم يصرفها. وكذلك صاد، وقاف. وهذه الأسماء التي على ثلاثة أحرف أوسطها ساكن إنما هي بمنزلة امرأة سميتها دارا). [المقتضب: 3 / 355 -357]
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت: 291هـ): (وقال أبو العباس أحمد بن يحيى في قوله عز وجل: {الم (1) اللَّهُ}: « حركة الميم مما اختلف الناس فيه، فقال الفراء: هو ترك همزة الألف من الله ثم وصله ». وقال الكسائي: « حروف التهجي يذهب بها ما بعدها: زاي ياء دال ادخل وزاي ياء دال اذهب، يذهب بها مذهب الحركات التي بعدها ». وقال أهل البصرة: « للإدراج، ولو أراد أن يدرج {الم (1) ذَلِكَ} جاز له الحركة، ولم يسمع هذا إذا كان ما بعده متحركًا »). [مجالس ثعلب: 216]


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 9 ربيع الثاني 1434هـ/19-02-2013م, 08:24 AM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري


.....


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 9 ربيع الثاني 1434هـ/19-02-2013م, 08:25 AM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري


.....


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 27 جمادى الأولى 1435هـ/28-03-2014م, 06:51 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {الم (1) }



قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : ({الم (1)
اختلف في الحروف التي في أوائل السور على قولين: قال الشعبي عامر بن شراحيل وسفيان الثوري وجماعة من المحدثين: «هي سرّ الله في القرآن، وهي من المتشابه الذي انفرد الله بعلمه، ولا يجب أن يتكلم فيها، ولكن يؤمن بها وتمرّ كما جاءت».
وقال الجمهور من العلماء: «بل يجب أن يتكلم فيها وتلتمس الفوائد التي تحتها والمعاني التي تتخرج عليها» واختلفوا في ذلك على اثني عشر قولا: فقال علي بن أبي طالب وابن عباس رضي الله عنهما: «الحروف المقطعة في القرآن هي اسم الله الأعظم، إلا أنا لا نعرف تأليفه منها».
وقال ابن عباس أيضا: «هي أسماء الله أقسم بها».
وقال زيد بن أسلم: «هي أسماء للسور».
وقال قتادة: «هي أسماء للقرآن كالفرقان والذكر».
وقال مجاهد: «هي فواتح للسور».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: كما يقولون في أول الإنشاد لشهير القصائد: «بل» و «لا بل». نحا هذا النحو أبو عبيدة والأخفش.
وقال قوم: «هي حساب أبي جاد لتدل على مدة ملة محمد صلى الله عليه وسلم كما ورد في حديث حيي بن أخطب» وهو قول أبي العالية رفيع وغيره.
وقال قطرب وغيره: «هي إشارة إلى حروف المعجم، كأنه يقول للعرب: إنما تحديتكم بنظم من هذه الحروف التي عرفتم، فقوله الم بمنزلة قولك أ، ب، ت، ث، لتدل بها على التسعة والعشرين حرفا».
وقال قوم: «هي أمارة قد كان الله تعالى جعلها لأهل الكتاب أنه سينزل على محمد كتابا في أول سور منه حروف مقطعة».
وقال ابن عباس: «هي حروف تدل على: أنا الله أعلم، أنا الله أرى، أنا الله أفصّل».
وقال ابن جبير عن ابن عباس: «هي حروف كل واحد منها إما أن يكون من اسم من أسماء الله، وإما من نعمة من نعمه، وإما من اسم ملك من ملائكته، أو نبي من أنبيائه».
وقال قوم: «هي تنبيه ك «يا» في النداء».
وقال قوم: «روي أن المشركين لما أعرضوا عن سماع القرآن بمكة نزلت ليستغربوها فيفتحوا لها أسماعهم فيسمعون القرآن بعدها فتجب عليهم الحجة».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والصواب ما قاله الجمهور أن تفسر هذه الحروف ويلتمس لها التأويل، لأنا نجد العرب قد تكلمت بالحروف المقطعة نظما لها ووضعا بدل الكلمات التي الحروف منها، كقول الشاعر:
[الوليد بن المغيرة] .

قلنا لها قفي فقالت قاف ....... ... ... ... ...

أراد قالت: وقفت.
وكقول القائل: [زهير بن أبي سلمى] .

بالخير خيرات وإن شرّا فا ....... ولا أريد الشر إلا أن تا

أراد: وإن شرّا فشر، وأراد: إلا أن تشاء.
والشواهد في هذا كثيرة، فليس كونها في القرآن مما تنكره العرب في لغتها، فينبغي إذا كان من معهود كلام العرب أن يطلب تأويله ويلتمس وجهه، والوقف على هذه الحروف على السكون لنقصانها إلا إذا أخبرت عنها أو عطفتها فإنك تعربها.
وموضع الم من الإعراب رفع على أنه خبر ابتداء مضمر، أو على أنه ابتداء، أو نصب بإضمار فعل، أو خفض بالقسم، وهذا الإعراب يتجه الرفع منه في بعض الأقوال المتقدمة في الحروف، والنصب في بعض، والخفض في قول ابن عباس رضي الله عنه أنها أسماء لله أقسم بها). [المحرر الوجيز: 1/99-102]


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 27 جمادى الأولى 1435هـ/28-03-2014م, 06:51 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 27 جمادى الأولى 1435هـ/28-03-2014م, 06:52 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {الم (1) }


قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( (بسم اللّه الرّحمن الرّحيم) {الم 1}
قد اختلف المفسّرون في الحروف المقطّعة الّتي في أوائل السّور، فمنهم من قال: هي ممّا استأثر اللّه بعلمه، فردّوا علمها إلى اللّه، ولم يفسّروها [حكاه القرطبيّ في تفسيره عن أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعليٍّ وابن مسعودٍ رضي اللّه عنهم به، وقاله عامرٌ الشّعبيّ وسفيان الثّوريّ والرّبيع بن خثيم، واختاره أبو حاتم بن حبّان].
ومنهم من فسّرها، واختلف هؤلاء في معناها، فقال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: "إنّما هي أسماء السّور" [قال العلّامة أبو القاسم محمود بن عمر الزّمخشريّ في تفسيره: وعليه إطباق الأكثر، ونقله عن سيبويه أنّه نصّ عليه]، ويعتضد هذا بما ورد في الصّحيحين، عن أبي هريرة: "أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقرأ في صلاة الصّبح يوم الجمعة: {الم} السّجدة، و{هل أتى على الإنسان}".
وقال سفيان الثّوريّ، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ: أنّه قال: {الم}، و{حم}، و{المص}، و{ص}، فواتح افتتح اللّه بها القرآن.
وكذا قال غيره: عن مجاهدٍ.
وقال مجاهدٌ في رواية أبي حذيفة موسى بن مسعودٍ، عن شبلٍ، عن ابن أبي نجيحٍ، عنه، أنّه قال: "{الم} اسمٌ من أسماء القرآن".
وهكذا قال قتادة، وزيد بن أسلم، ولعلّ هذا يرجع إلى معنى قول عبد الرّحمن بن زيدٍ: أنّه اسمٌ من أسماء السّور، فإنّ كلّ سورةٍ يطلق عليها اسم القرآن، فإنّه يبعد أن يكون {المص} اسمًا للقرآن كلّه؛ لأنّ المتبادر إلى فهم سامع من يقول: قرأت {المص}، إنّما ذلك عبارةٌ عن سورة الأعراف، لا لمجموع القرآن. واللّه أعلم.
وقيل: هي اسمٌ من أسماء اللّه تعالى.
فقال الشّعبيّ: "فواتح السّور من أسماء اللّه تعالى"، وكذلك قال سالم بن عبد اللّه، وإسماعيل بن عبد الرّحمن السّدّيّ الكبير، وقال شعبة عن السّدّيّ: بلغني أنّ ابن عبّاسٍ قال: "{الم} اسمٌ من أسماء اللّه الأعظم". هكذا رواه ابن أبي حاتمٍ من حديث شعبة.
ورواه ابن جريرٍ عن بندار، عن ابن مهدي، عن شعبة، قال: سألت السّدّيّ عن {حم} و{طس} و{الم}، فقال: قال ابن عبّاسٍ: "هي اسم اللّه الأعظم".
وقال ابن جريرٍ: وحدّثنا محمّد بن المثنّى، حدّثنا أبو النّعمان، حدّثنا شعبة، عن إسماعيل السّدّيّ، عن مرّة الهمدانيّ قال: قال عبد اللّه، فذكر نحوه [وحكي مثله عن عليٍّ وابن عبّاسٍ].
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: "هو قسمٌ أقسم اللّه به، وهو من أسماء اللّه تعالى".
وروى ابن أبي حاتمٍ وابن جريرٍ من حديث ابن علية، عن خالدٍ الحذّاء، عن عكرمة أنّه قال: "{الم}، قسمٌ".
ورويا -أيضًا-من حديث شريك بن عبد اللّه، عن عطاء بن السّائب، عن أبي الضّحى، عن ابن عبّاسٍ: "{الم}، قال: أنا اللّه أعلم".
وكذا قال سعيد بن جبيرٍ، وقال السّدّي عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ، عن ابن عباس –وعن مرّة الهمذاني عن ابن مسعودٍ. وعن ناسٍ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: {الم}. قال: أمّا {الم} فهي حروفٌ استفتحت من حروف هجاء أسماء اللّه تعالى.
وقال أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية في قوله تعالى: {الم} قال: هذه الأحرف الثّلاثة من التّسعة والعشرين حرفًا دارت فيها الألسن كلّها، ليس منها حرفٌ إلّا وهو مفتاح اسمٍ من أسمائه، وليس منها حرفٌ إلّا وهو من آلائه وبلائه، وليس منها حرفٌ إلّا وهو في مدّة أقوامٍ وآجالهم. قال عيسى ابن مريم، عليه السّلام، وعجب، فقال: وأعجب أنّهم ينطقون بأسمائه ويعيشون في رزقه، فكيف يكفرون به؛ فالألف مفتاح اسم اللّه، واللّام مفتاح اسمه لطيفٍ والميم مفتاح اسمه مجيدٍ فالألف آلاء اللّه، واللّام لطف اللّه، والميم مجد اللّه، والألف سنةٌ، واللّام ثلاثون سنةً، والميم أربعون [سنةً]. هذا لفظ ابن أبي حاتمٍ. ونحوه رواه ابن جريرٍ، ثمّ شرع يوجّه كلّ واحدٍ من هذه الأقوال ويوفّق بينها، وأنّه لا منافاة بين كلّ واحدٍ منها وبين الآخر، وأنّ الجمع ممكنٌ، فهي أسماء السّور، ومن أسماء اللّه تعالى يفتتح بها السّور، فكلّ حرفٍ منها دلّ على اسمٍ من أسمائه وصفةٍ من صفاته، كما افتتح سورًا كثيرةً بتحميده وتسبيحه وتعظيمه. قال: ولا مانع من دلالة الحرف منها على اسمٍ من أسماء اللّه، وعلى صفةٍ من صفاته، وعلى مدّةٍ وغير ذلك، كما ذكره الرّبيع بن أنسٍ عن أبي العالية؛ لأنّ الكلمة الواحدة تطلق على معانٍ كثيرةٍ، كلفظة الأمّة فإنّها تطلق ويراد به الدّين، كقوله تعالى: {إنّا وجدنا آباءنا على أمّةٍ} [الزّخرف: 22، 23]. وتطلق ويراد بها الرّجل المطيع للّه، كقوله: {إنّ إبراهيم كان أمّةً قانتًا للّه حنيفًا ولم يك من المشركين} [النّحل: 120] وتطلق ويراد بها الجماعة، كقوله: {وجد عليه أمّةً من النّاس يسقون} [القصص: 23]، وقوله: {ولقد بعثنا في كلّ أمّةٍ رسولا} [النّحل: 36] وتطلق ويراد بها الحين من الدّهر كقوله: {وقال الّذي نجا منهما وادّكر بعد أمّةٍ} [يوسف: 45] أي: بعد حينٍ على أصحّ القولين، قال: فكذلك هذا.
هذا حاصل كلامه موجّهًا، ولكنّ هذا ليس كما ذكره أبو العالية، فإنّ أبا العالية زعم أنّ الحرف دلّ على هذا، وعلى هذا، وعلى هذا معًا، ولفظة الأمّة وما أشبهها من الألفاظ المشتركة في الاصطلاح، إنّما دلّ في القرآن في كلّ موطنٍ على معنًى واحدٍ دلّ عليه سياق الكلام، فأمّا حمله على مجموع محامله إذا أمكن فمسألةٌ مختلفٌ فيها بين علماء الأصول، ليس هذا موضع البحث فيها، واللّه أعلم؛ ثمّ إن لفظ الأمّة تدلّ على كلّ معانيه في سياق الكلام بدلالة الوضع، فأمّا دلالة الحرف الواحد على اسمٍ يمكن أن يدلّ على اسمٍ آخر من غير أن يكون أحدهما أولى من الآخر في التّقدير أو الإضمار بوضعٍ ولا بغيره، فهذا ممّا لا يفهم إلّا بتوقيفٍ، والمسألة مختلفٌ فيها، وليس فيها إجماعٌ حتّى يحكم به.
وما أنشدوه من الشّواهد على صحّة إطلاق الحرف الواحد على بقيّة الكلمة، فإنّ في السّياق ما يدلّ على ما حذف بخلاف هذا، كما قال الشّاعر:

قلنا قفي لنا فقالت قاف ....... لا تحسبي أنا نسينا الإيجاف

تعني: وقفت.

وقال الآخر:

ما للظّليم عال كيف لا يا ....... ينقدّ عنه جلده إذا يا

قال ابن جريرٍ: كأنّه أراد أن يقول: إذا يفعل كذا وكذا، فاكتفى بالياء من يفعل.

وقال الآخر:

بالخير خيراتٌ وإن شرًّا فا ....... ولا أريد الشّرّ إلّا أن تا

يقول: وإن شرًّا فشرٌّ، ولا أريد الشّرّ إلّا أن تشاء، فاكتفى بالفاء والتّاء من الكلمتين عن بقيّتهما، ولكنّ هذا ظاهرٌ من سياق الكلام، واللّه أعلم.
[قال القرطبيّ: وفي الحديث: "من أعان على قتل مسلمٍ بشطر كلمةٍ" الحديث. قال شقيقٌ: "هو أن يقول في اقتل: إق"].
وقال خصيفٌ، عن مجاهدٍ، أنّه قال: فواتح السّور كلها "{ق} و{ص} و{حم} و{طسم} و{الر}" وغير ذلك هجاءٌ موضوعٌ.
وقال بعض أهل العربيّة: هي حروفٌ من حروف المعجم، استغني بذكر ما ذكر منها في أوائل السّور عن ذكر بواقيها، الّتي هي تتمّة الثّمانية والعشرين حرفًا، كما يقول القائل: ابني يكتب في: اب ت ث، أي: في حروف المعجم الثّمانية والعشرين فيستغنى بذكر بعضها عن مجموعها. حكاه ابن جريرٍ.
قلت: مجموع الحروف المذكورة في أوائل السّور بحذف المكرّر منها أربعة عشر حرفًا، وهي: ال م ص ر ك ي ع ط س ح ق ن، يجمعها قولك: نصٌّ حكيمٌ قاطعٌ له سرٌّ. وهي نصف الحروف عددًا، والمذكور منها أشرف من المتروك، وبيان ذلك من صناعة التّصريف.
[قال الزّمخشريّ: وهذه الحروف الأربعة عشر مشتملةٌ على أنصاف أجناس الحروف يعني من المهموسة والمجهورة، ومن الرّخوة والشّديدة، ومن المطبقة والمفتوحة، ومن المستعلية والمنخفضة ومن حروف القلقلة. وقد سردها مفصّلةً ثمّ قال: فسبحان الّذي دقّت في كلّ شيءٍ حكمته، وهذه الأجناس المعدودة ثلاثون بالمذكورة منها، وقد علمت أنّ معظم الشّيء وجلّه ينزل منزلة كله].
ومن هاهنا لحظ بعضهم في هذا المقام كلامًا، فقال: لا شكّ أنّ هذه الحروف لم ينزلها سبحانه وتعالى عبثًا ولا سدًى؛ ومن قال من الجهلة: إنّه في القرآن ما هو تعبّدٌ لا معنًى له بالكلّيّة، فقد أخطأ خطأً كبيرًا، فتعيّن أنّ لها معنًى في نفس الأمر، فإن صحّ لنا فيها عن المعصوم شيءٌ قلنا به، وإلّا وقفنا حيث وقفنا، وقلنا: {آمنّا به كلٌّ من عند ربّنا} [آل عمران: 7].
ولم يجمع العلماء فيها على شيءٍ معيّنٍ، وإنّما اختلفوا، فمن ظهر له بعض الأقوال بدليلٍ فعليه اتّباعه، وإلّا فالوقف حتّى يتبيّن. هذا مقامٌ.
المقام الآخر في الحكمة الّتي اقتضت إيراد هذه الحروف في أوائل السّور، ما هي؟ مع قطع النّظر عن معانيها في أنفسها.
فقال بعضهم: إنّما ذكرت لنعرف بها أوائل السّور. حكاه ابن جريرٍ، وهذا ضعيفٌ؛ لأنّ الفصل حاصلٌ بدونها فيما لم تذكر فيه، وفيما ذكرت فيه بالبسملة تلاوةً وكتابةً.
وقال آخرون: بل ابتدئ بها لتفتح لاستماعها أسماع المشركين -إذ تواصوا بالإعراض عن القرآن -حتّى إذا استمعوا له تلي عليهم المؤلّف منه. حكاه ابن جريرٍ -أيضًا-، وهو ضعيفٌ أيضًا؛ لأنّه لو كان كذلك لكان ذلك في جميع السّور لا يكون في بعضها، بل غالبها ليس كذلك، ولو كان كذلك -أيضًا-لانبغى الابتداء بها في أوائل الكلام معهم، سواءٌ كان افتتاح سورةٍ أو غير ذلك. ثمّ إنّ هذه السّورة والّتي تليها أعني البقرة وآل عمران مدنيّتان ليستا خطابًا للمشركين، فانتقض ما ذكروه بهذه الوجوه.
وقال آخرون: بل إنّما ذكرت هذه الحروف في أوائل السّور الّتي ذكرت فيها بيانًا لإعجاز القرآن، وأنّ الخلق عاجزون عن معارضته بمثله، هذا مع أنّه [تركّب] من هذه الحروف المقطّعة الّتي يتخاطبون بها.
ولهذا كلّ سورةٍ افتتحت بالحروف فلا بدّ أن يذكر فيها الانتصار للقرآن وبيان إعجازه وعظمته، وهذا معلومٌ بالاستقراء، وهو الواقع في تسعٍ وعشرين سورةً، ولهذا يقول تعالى: {الم * ذلك الكتاب لا ريب فيه} [البقرة: 1، 2]. {الم * اللّه لا إله إلا هو الحيّ القيّوم * نزل عليك الكتاب بالحقّ مصدّقًا لما بين يديه} [آل عمران: 1-3]. {المص * كتابٌ أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرجٌ منه} [الأعراف: 1، 2]. {الر كتابٌ أنزلناه إليك لتخرج النّاس من الظّلمات إلى النّور بإذن ربّهم} [إبراهيم: 1] {الم * تنزيل الكتاب لا ريب فيه من ربّ العالمين} [السّجدة: 1، 2]. {حم * تنزيلٌ من الرّحمن الرّحيم} [فصّلت: 1، 2]. {حم * عسق * كذلك يوحي إليك وإلى الّذين من قبلك اللّه العزيز الحكيم} [الشّورى: 1-3]، وغير ذلك من الآيات الدّالّة على صحّة ما ذهب إليه هؤلاء لمن أمعن النظر، والله أعلم.
وأمّا من زعم أنّها دالّةٌ على معرفة المدد، وأنّه يستخرج من ذلك أوقات الحوادث والفتن والملاحم، فقد ادّعى ما ليس له، وطار في غير مطاره، وقد ورد في ذلك حديثٌ ضعيفٌ، وهو مع ذلك أدلّ على بطلان هذا المسلك من التّمسّك به على صحّته. وهو ما رواه محمّد بن إسحاق بن يسارٍ، صاحب المغازي، حدّثني الكلبيّ، عن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، عن جابر بن عبد اللّه بن رئابٍ، قال: مرّ أبو ياسر بن أخطب، في رجالٍ من يهود، برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وهو يتلو فاتحة سورة البقرة: {الم * ذلك الكتاب لا ريب فيه [هدًى للمتّقين]} [البقرة: 1، 2] فأتى أخاه حييّ بن أخطب في رجالٍ من اليهود، فقال: تعلمون -واللّه-لقد سمعت محمّدًا يتلو فيما أنزل اللّه عليه: {الم * ذلك الكتاب لا ريب فيه} فقال: أنت سمعته؟ قال: نعم. قال: فمشى حييّ بن أخطب في أولئك النّفر من اليهود إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: فقالوا: يا محمّد، ألم يذكر أنّك تتلو فيما أنزل اللّه عليك: {الم * ذلك الكتاب لا [ريب]} ؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "بلى".
فقالوا: جاءك بهذا جبريل من عند اللّه؟ فقال: "نعم".
قالوا: لقد بعث اللّه قبلك أنبياء ما نعلمه بيّن لنبيٍّ منهم ما مدّة ملكه وما أجل أمّته غيرك. فقام حييّ بن أخطب، وأقبل على من كان معه، فقال لهم: الألف واحدةٌ، واللّام ثلاثون، والميم أربعون، فهذه إحدى وسبعون سنةً، أفتدخلون في دين نبيٍّ، إنّما مدّة ملكه وأجل أمّته إحدى وسبعون سنةً؟ ثمّ أقبل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: يا محمّد، هل مع هذا غيره؟
فقال: "نعم"، قال: ما ذاك؟ قال: "{المص}"، قال: هذا أثقل وأطول، الألف واحدةٌ، واللّام ثلاثون، والميم أربعون، والصّاد سبعون، فهذه إحدى وثلاثون ومائة سنةٍ. هل مع هذا يا محمّد غيره ؟ قال: "نعم" قال: ما ذاك ؟ قال: "{الر}". قال: هذا أثقل وأطول، الألف واحدةٌ، واللّام ثلاثون، والرّاء مائتان. فهذه إحدى وثلاثون ومائتا سنةٍ. فهل مع هذا يا محمّد غيره؟ قال: "نعم"، قال: ماذا؟ قال: "{المر}". قال: فهذه أثقل وأطول، الألف واحدةٌ، واللّام ثلاثون، والميم أربعون، والرّاء مائتان، فهذه إحدى وسبعون ومائتان، ثمّ قال: لقد لبّس علينا أمرك يا محمّد، حتّى ما ندري أقليلا أعطيت أم كثيرًا. ثمّ قال: قوموا عنه. ثمّ قال أبو ياسرٍ لأخيه حييّ بن أخطب، ولمن معه من الأحبار: ما يدريكم؟ لعلّه قد جمع هذا لمحمّدٍ كلّه إحدى وسبعون وإحدى وثلاثون ومائةٌ وإحدى وثلاثون ومائتان وإحدى وسبعون ومائتان، فذلك سبعمائةٍ وأربع سنين. فقالوا: لقد تشابه علينا أمره، فيزعمون أنّ هؤلاء الآيات نزلت فيهم: {هو الّذي أنزل عليك الكتاب منه آياتٌ محكماتٌ هنّ أمّ الكتاب وأخر متشابهاتٌ} [آل عمران: 7].
فهذا مداره على محمّد بن السّائب الكلبيّ، وهو ممّن لا يحتجّ بما انفرد به، ثمّ كان مقتضى هذا المسلك إن كان صحيحًا أن يحسب ما لكلّ حرفٍ من الحروف الأربعة عشر الّتي ذكرناها، وذلك يبلغ منه جملةً كثيرةً، وإن حسبت مع التّكرّر فأتمّ وأعظم واللّه أعلم). [تفسير ابن كثير: 1 /156-162]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:32 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة