العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > التفسير اللغوي > جمهرة التفسير اللغوي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 7 شعبان 1431هـ/18-07-2010م, 03:06 PM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي التفسير اللغوي لسورة يونس

التفسير اللغوي لسورة يونس

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 6 محرم 1432هـ/12-12-2010م, 04:47 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 1 إلى 10]

(الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (1) أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ (2) إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (3) إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (4) هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5) إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (6) إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آَيَاتِنَا غَافِلُونَ (7) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (8) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9) دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (10) )

تفسير قوله تعالى: {الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (1)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {آلر} ساكنة لأنها حروف جرت مجرى فواتح سائر السور اللواتي مجازهن مجاز حروف التهجي، ومجاز موضعهن في المعنى كمجاز ابتداء فواتح السور.
{تلك آيات الكتاب الحكيم} مجازها: هذه آيات الكتاب الحكيم، أي القرآن، قال الشاعر:
ما فهم من الكتاب أي آي القرآن
والحكيم: مجازه المحكم المبّين الموضّح، والعرب قد تضع فعيل في معنى مفعل، وفي آية أخرى: {هذا ما لدىّ عتيدٌ}، مجازه: معد، وقال أبو ذوءيب:
إني غداة إذٍ ولم أشعر خليف
أي ولم أشعر أني مخلف، من قولهم: أخلفت الموعد.
ومجاز آيات مجاز أعلام الكتاب وعجائبه، وآياته أيضاً: فواصله، والعرب يخاطبون بلفظ الغائب وهم يعنون الشاهد، وفي آية أخرى: {آلم ذلك الكتاب } مجازه: هذا القرآن، قال عنترة:

شطّت مزار العاشقين فأصبحت= عسراً علىّ طلابك ابنة محرم).
[مجاز القرآن: 1/272-273]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (قوله عزّ وجلّ: {الر تلك آيات الكتاب الحكيم}
قد بيّنّا في أول البقرة ما قيل من { الر} وما أشبه ذلك.
وقوله: {تلك آيات الكتاب الحكيم}.
أي الآيات التي جرى ذكرها هي آيات الكتاب الحكيم). [معاني القرآن: 3/5]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( قوله عز وجل: {آلر تلك آيات الكتاب الحكيم}
روى عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير في قول الله تعالى: {آلر} قال أنا الله أرى
قال أبو جعفر حدثنا علي بن الحسين قال نا الزعفراني قال نا علي بن الجعد قال نا شريك عن عطاء بن السائب عن أبي الضحى عن ابن عباس آلر قال أنا الله أرى
وفي رواية عكرمة عن ابن عباس آلر وحم ون حروف الرحمن مقطعة
قال أبو جعفر قد بينا هذا في أول سورة البقرة
ومعنى الحكيم عند أهل اللغة المحكم كما قال
تعالى: {هذا ما لدي عتيد} أي معد). [معاني القرآن: 3/275-276]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (روي عن ابن عباس رضي الله عنه أن تفسير {الر} أنا الله الرحمن. وروي عنه أنه: أنا الله أرى). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 101]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الر}: أنا الله أرى). [العمدة في غريب القرآن: 151]

تفسير قوله تعالى: {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ (2)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أكان للنّاس عجباً أن أوحينا...}
نصبت {عجبا} بـ {كان}، ومرفوعها {أن أوحينا} وكذلك أكثر ما جاء في القرآن إذا كانت {أن} ومعها فعل: أن يجعلوا الرفع في {أن}، ولو جعلوا {أن} منصوبة ورفعوا الفعل كان صوابا). [معاني القرآن: 1/457]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {قدم صدق عند ربّهم} مجازه:سابقة صدق عند ربهم، ويقال: له قدم في الإسلام وفي الجاهلية). [مجاز القرآن: 1/273]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {أكان للنّاس عجباً أن أوحينا إلى رجلٍ مّنهم أن أنذر النّاس وبشّر الّذين آمنوا أنّ لهم قدم صدقٍ عند ربّهم قال الكافرون إنّ هذا لساحرٌ مّبينٌ}
قال: {أنّ لهم قدم صدقٍ} القدم ههنا: التقديم، كما تقول: "هؤلاء أهل القدم في الإسلام" أي: الذين قدموا خيرا فكان لهم فيه تقديم). [معاني القرآن: 2/31]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({قدم صدق عند ربهم}: سابقة، والقدم مؤنثة). [غريب القرآن وتفسيره: 169]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {قدم صدقٍ} يعني: عملا صالحا قدّموه). [تفسير غريب القرآن: 194]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {أكان للنّاس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر النّاس وبشّر الّذين آمنوا أنّ لهم قدم صدق عند ربّهم قال الكافرون إنّ هذا لساحر مبين}
يعنى بالناس ههنا أهل مكة، ويروى أنهم قالوا: العجب أن اللّه لم يجد رسولا يرسله إلى الناس إلا يتيم أبي طالب، وجائز - واللّه أعلم – أنهم عجبوا من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنذرهم وبشّر الذين آمنوا، والإنذار والبشارة متّصلان بالبعث والنشور، فعجبوا أن أعلمهم أنهم يبعثون ويجازون بالحسنة والسيئة.
فقال: {أكان للنّاس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر النّاس وبشّر الّذين آمنوا أنّ لهم قدم صدق عند ربّهم}.
فموضع {أن} الأولى رفع، المعنى: أكان للناس عجبا وحينا، وموضع {أن} الثانية نصب بـ أوحينا، وموضع {أنّ} المشددة نصب بـ بشّر، والقراءة
الفتح، ويجوز كسرها: {وبشّر الّذين آمنوا أنّ لهم قدم صدق عند ربّهم} لأنّ البشارة قول، فالمعنى: قل لهم إنّ لهم قدم صدق عند ربهم ولكنّه لا يقرأ بها إلا أن تثبت بها رواية
لأن القراءة سنة.
والقدم الصّدق: المنزلة الرفيعة.
{قال الكافرون إنّ هذا لسحر مبين} - و {لساحر مبين} - جميعا.
وإنما قالوا { لسحر مبين} لمّا أنذرهم بالبعث والنشور). [معاني القرآن: 3/5-6]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس}
روي أنه يراد بالناس ههنا أهل مكة لأنهم قالوا العجب ألم يجد الله رسولا إلا يتيم أبي طالب فأنزل الله جل وعز: {أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس}
ثم قال جل وعز: {وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم}
قال ابن عباس أي منزل صدق
وقيل القدم العمل الصالح
وقيل السابقة
ويروى عن الحسن أو قتادة قال القدم محمد يشفع لهم
وقال أبو زيد رجل قدم أي شجاع
وقال قتادة أي سلف صدق
وقال مجاهد أي خير
وفي رواية علي بن أبي طلحة عنه قال سبقت لهم السعادة في الذكر الأول
وهذه الأقوال متقاربة والمعنى منزلة رفيعة). [معاني القرآن: 3/276-277]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {قَدَمَ صِدْقٍ} سابقة صدق عند ربهم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 101]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {قَدَمَ صِدْقٍ}: سابقة خير). [العمدة في غريب القرآن: 151]

تفسير قوله تعالى:{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ
(3)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ثمّ استوى على العرش} مجازه: ظهر على العرش وعلا عليه، ويقال: استويت على ظهر الفرس، وعلى ظهر البيت).
[مجاز القرآن: 1/273]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {إنّ ربّكم اللّه الّذي خلق السّماوات والأرض في ستّة أيّام ثمّ استوى على العرش يدبّر الأمر ما من شفيع إلّا من بعد إذنه ذلكم اللّه ربّكم فاعبدوه أفلا تذكّرون}
أعلمهم أنّ الّذي خلق السّماوات والأرض وقدرته هذه القدرة؛ قادر على بعثهم بعد موتهم.
وقوله: {ما من شفيع إلّا من بعد إذنه}.
ولم يجر للشفيع ذكر قبل هذا، ولكن الذين خوطبوا كانوا يقولون إنّ الأصنام شفعاؤنا عند اللّه، فالذكر جرى بعد في الشّفعاء.
فقوله: {ما من شفيع إلّا من بعد إذنه} أي لا يشفع شفيع إلّا لمن ارتضى اللّه.
قال اللّه - جلّ وعزّ: {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى}
{ذلكم اللّه ربّكم فاعبدوه} أي فاعبدوه وحده). [معاني القرآن: 3/6]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ما من شفيع إلا من بعد إذنه}
ولم يجر للشفيع ذكر لأنه قد عرف المعنى إذ كانوا يقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله، قال الله جل وعز:{ما من شفيع إلا من بعد إذنه}أي لا يشفع شفيع إلا لمن ارتضى).
[معاني القرآن: 3/277]

تفسير قوله تعالى: {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (4)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إليه مرجعكم جميعاً وعد اللّه حقّاً...}
رفعت المرجع بـ {إليه}، ونصبت قوله: {وعد اللّه حقّاً} بخروجه منهما. ولو كان رفعا كما تقول: الحقّ عليك واجب وواجباً كان صوابا. ولو استؤنف {وعد الله حق} كان صوابا.
{إنه يبدأ الخلق} مكسورة لأنها مستأنفة. وقد فتحها بعض القرّاء. ونرى أنه جعلها اسما للحق وجعل {وعد الله} متصلا بقوله {إليه مرجعكم} ثم قال: {حقّا أنه يبدأ الخلق}؛ فـ {أنه} في موضع رفع؛ كما قال الشاعر:
أحقّا عباد الله أن لست لاقيا =بثينة أو يلقى الثريا رقيبها
وقال الآخر:
أحقا عباد الله جرأة محلق = عليّ وقد أعييت عادا وتبّعا).
[معاني القرآن: 1/457]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إليه مرجعكم جميعاً وعد الله حقّاً} وعد الله: منصوب لأنه مصدر في موضع {وعد الله}، وإذا كان المصدر في موضع فعل، نصبوه كقول كعب:
تسعى الوشاة جنابيها وقيلهم=إنّك يا بن أبي سلمى لمقتول
يقولون حكايةً عن أبي عمرو: وقيلهم منصوب لأنه في موضع ويقولون.
{وعملوا الصّالحات بالقسط} أي بالعدل {لهم شرابٌ من حميمٍ} كل حار فهو حميم، قال المرقّش الأصغر من بني سعد بن مالك:

وكل يومٍ لها مقطرةٌ.=.. فيها كباءٌ معدٍّ وحميم
أي ماء حار يستحمّ به، كباءٌ مما تكبّيت به أي تبخّرت وتجمّرت سواء، وكبيً منقوص: هي الكناسة والسّباطة والكساحة). [مجاز القرآن: 1/273-274]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {إليه مرجعكم جميعا وعد اللّه حقّا إنّه يبدأ الخلق ثمّ يعيده ليجزي الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات بالقسط والّذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون}
يدلّ على أنّ الأمر في العجب كان في البعث والنشور.
{جميعا} منصوب على الحال.
وقوله: {حقّا}.
{وعد اللّه} منصوب على معنى وعدكم اللّه وعدا، لأن قوله: {مرجعكم}
معناه الوعد بالرجوع، و {حقّا} منصوب على أحقّ ذلك حقّا.
ويجوز من غير القراءة وعد اللّه حقّ.
{إنّه يبدأ الخلق ثمّ يعيده}.
قرئت {إنّه يبدأ الخلق ثمّ يعيده}، وقرئت أنّه - بفتح الألف وكسرها.
جميعا. كثيرتان في القراءة، فمن فتح فالمعنى: إليه مرجعكم جميعا لأنه يبدأ الخلق، ومن كسر كسر على الاستئناف والابتداء {ليجزي الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات بالقسط}.
أي بالعدل). [معاني القرآن: 3/7-6]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({شراب من حميم}: الحميم الماء الحار يحم به). [غريب القرآن وتفسيره: 169]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وعد الله حقا إنه يبدأ الخلق ثم يعيده}
وقرأ أبو جعفر يزيد بن القعقاع أنه يبدأ الخلق ثم يعيده
قال أبو جعفر وفتحها يحتمل معنيين
أحدهما: لأنه.
والآخر وعد الله أنه.
والقسط العدل). [معاني القرآن: 3/277-278]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {حَمِيمٍ}: ماء حار). [العمدة في غريب القرآن: 151]

تفسير قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5) }
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {جعل الشّمس ضياء والقمر نوراً وقدّره منازل...}
ولم يقل: وقدّرهما. فإن شئت جعلت تقدير المنازل القمر خاصّة لأنّ به نعلم الشهور. وإن شئت جعلت التقدير لهما جميعا، فاكتفى بذكر أحدهما من صاحبه،
كما قال الشاعر:
رماني بأمرٍ كنت منه ووالدي = بريئا ومن جول الطويّ رماني
وهو مثل قوله: {والله ورسوله أحقّ أن يرضوه} ولم يقل: أن يرضوهما). [معاني القرآن: 1/458]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {جعل الشّمس ضياءً} وصفها بالمصدر، والعرب قد تصف المؤنثة بالمصدر وتسقط الهاء،
كقولهم: إنما خلقت فلانة لك عذاباً وسجناً ونحو ذلك بغير الهاء). [مجاز القرآن: 1/274]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {هو الّذي جعل الشّمس ضياء والقمر نوراً وقدّره منازل لتعلموا عدد السّنين والحساب ما خلق اللّه ذلك إلاّ بالحقّ يفصّل الآيات لقومٍ يعلمون}
وقال: {وقدّره منازل} ثقيلة فجعل {وقدّره} مما يتعدى إلى مفعولين كأنه {وجعله منازل}. وقال: {جعل الشّمس ضياء والقمر نوراً} فجعل القمر هو النور
كما تقول: {جعله الله خلقاً} وهو {مخلوق} و"هذا الدرهم ضرب الأمير". وهو "مضروب". وقال: {وقولوا للنّاس حسناً} فجعل الحسن هو المفعول كالخلق.
وقال: {وقدّره منازل} وقد ذكر الشمس والقمر كما قال: {واللّه ورسوله أحقّ أن يرضوه}). [معاني القرآن: 2/31]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وقدّره منازل} أي جعله ينزل كل ليلة بمنزلة من النجوم، وهي ثمانية وعشرون منزلا في كل شهر،
قد ذكرتها في «تأويل المشكل»). [تفسير غريب القرآن: 194]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {هو الّذي جعل الشّمس ضياء والقمر نورا وقدّره منازل لتعلموا عدد السّنين والحساب ما خلق اللّه ذلك إلّا بالحقّ يفصّل الآيات لقوم يعلمون}
{وقدّره} يعني القمر، لأنه المقدّر لعلم السّنين والحساب، وقد يجوز أن يكون المعنى وقدّرهما منازل فحذف أحدهما اختصارا وإيجازا كما قال الشاعر:
نحن بما عندنا وأنت بما= عندك راض والرأي مختلف).
[معاني القرآن: 3/7]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل}
ولم يقل وقدرهما لأن المقدر لعدد السنين والحساب القمر وهو ثمان وعشرون منزلة
قال أبو إسحاق ويحتمل أن يكون المعنى وقدرهما ثم حذف كما قال:
نحن بما عندنا وأنت بما = عندك راض والرأي مختلف).
[معاني القرآن: 3/278]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (6)}

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آَيَاتِنَا غَافِلُونَ (7)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (قال: {الّذين لا يرجون لقاءنا} مجازه: لا يخافون ولا يخشون، وقال:
إذا لسعته النحل لم يرج لسعها..=. وحالفها في بيت نوبٍ عوامل).
[مجاز القرآن: 1/275]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {لا يرجون لقاءنا}: لا يبالون). [غريب القرآن وتفسيره: 169]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {إنّ الّذين لا يرجون لقاءنا} أي لا يخافون). [تفسير غريب القرآن: 194]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا} أي لا يخافونه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 101]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {لاَ يَرْجُونَ}: لا ينالون). [العمدة في غريب القرآن: 151]

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (8)}

تفسير قوله تعالى: رإِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {إنّ الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات يهديهم ربّهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنّات النّعيم}
وقال: {يهديهم ربّهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار} كأنه جعل {تجري} مبتدأة منقطعة من الأول). [معاني القرآن: 2/31]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم}
قال مجاهد أي يجعل لهم نورا يمشون به
ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يقوي هذا أنه قال يتلقى المؤمن عمله في أحسن صورة فيؤنسه ويهديه ويتلقى الكافر عمله في أقبح صورة فيوحشه ويضله هذا معنى الحديث). [معاني القرآن: 3/279]

تفسير قوله تعالى: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (10)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {دعواهم فيها} أي دعاؤهم أي قولهم وكلامهم. {وآخر دعواهم أن الحمد لله ربّ العالمين} ). [مجاز القرآن: 1/275]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {دعواهم فيها سبحانك اللّهمّ وتحيّتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد للّه ربّ العالمين}
معنى {دعواهم} دعاؤهم، يعني إن دعاء أهل الجنة تنزيه الله وتعظيمه.
{وتحيّتهم فيها سلام}.
جائز أن يكون ما يحيّي به بعضهم بعضا سلام، وجائز أن يكون اللّه يحييهم منها بالسلام.
{وآخر دعواهم أن الحمد للّه ربّ العالمين}.
أعلم اللّه أنهم يبتدئون بتعظيم الله رب العالمين.
و{أن الحمد للّه ربّ العالمين} - بالتخفيف - على حذف أنّ الشديدة والهاء، والمعنى أنه الحمد للّه رب العالمين). [معاني القرآن: 3/8]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {دعواهم فيها سبحانك اللهم}
أي دعاؤهم تنزيه الله جل وعز وتحيتهم فيها سلام أي يحيي بعضهم بعضا بالسلامة
ويجوز أن يكون الله جل وعز يحييهم بالسلام إكراما لهم
ثم قال جل وعز: {وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين}
فخبر أن افتتاح دعائهم تنزيه الله وآخره شكره). [معاني القرآن: 3/279-280]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 6 محرم 1432هـ/12-12-2010م, 04:50 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 11 إلى 25]

({وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (11) وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (12) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (13) ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (14) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآَنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (16) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (17) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (18) وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (19) وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (20) وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آَيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ (21) هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (23) إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24) وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (25) })

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (11)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ولو يعجّل اللّه للنّاس الشّرّ استعجالهم بالخير...}
يقول: لو أجيب الناس في دعاء أحدهم على ابنه وشبهه بقولهم. أماتك الله، ولعنك الله، وأخزاك الله لهلكوا. و{استعجالهم} منصوب بوقوع الفعل: {يعجل}؛
كما تقول: قد ضربت اليوم ضربتك، والمعنى: ضربت كضربتك وليس المعنى ها هنا كقولك: ضربت ضربا؛ لأن ضربا لا تضمر الكاف فيه؛ لأنك لم تشبهه بشيء،
وإنما شبهت ضربك بضرب غيرك فحسنت فيه الكاف.
وقوله: {لقضي إليهم أجلهم} ويقرأ: {لقضى إليهم أجلهم}. ومثله {فيمسك التي قضى عليها الموت} و {قضي عليها الموت} ). [معاني القرآن: 1/458]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {لقضي إليهم أجلهم} مجازه: لفزغ ولقطع ونبذ إليهم، وقال أبو ذؤيب:

وعليهما مسرودتان قضاهما= داود أو صنع السوابغ تبّع).
[مجاز القرآن: 1/275]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ولو يعجّل اللّه للنّاس الشّرّ استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم} أي لو عجل اللّه للناس الشر إذا دعوا به على أنفسهم عند الغضب وعلى أهليهم وأولادهم، واستعجلوا به كما يستعجلون بالخير فيسألونه الرزق والرحمة: {لقضي إليهم أجلهم} أي لماتوا). [تفسير غريب القرآن: 194]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}.
يريد أن الناس عند الغضب وعند الضّجر، قد يدعون على أنفسهم وأهلهم وأولادهم بالموت وبالخزي وتعجيل البلاء، كما قد يدعونه بالرزق والرحمة وإعطاء السّؤل.
يقول: فلو أجابهم الله إذا دعوه بالشر الذي يستعجلونه استعجالهم بالخير- لقضي إليهم أجلهم، أي لهلكوا.
وفي الكلام حذف للاختصار، كأنه قال: ولو يعجّل الله للنّاس إجابتهم بالشر الذي يستعجلونه استعجالهم بالخير، لهلكوا). [تأويل مشكل القرآن: 393]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ولو يعجّل اللّه للنّاس الشّرّ استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم فنذر الّذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون}
يروى أنهم لو أجيبوا في الدعاء على أنفسهم وأهليهم، كقول الرجل لابنه وحميمه: أماتك اللّه، وفعل بك كذا وكذا.
وجائز أن يكون عنى قوله: {فأمطر علينا حجارة من السّماء}، وما أشبه ذلك فلو عجل الله ذلك كما يعجّل لهم الخير لأهلكهم به.
ونصب {استعجالهم} على مثل استعجالهم بالخير، أي على نعت مصدر محذوف.
والمعنى: ولو يعجّل اللّه للنّاس الشر تعجيلا مثل استعجالهم بالخير، {لقضي إليهم أجلهم}.
ويقرأ: لقضى إليهم أجلهم جميعا، جيّدتان، ولقضي أحسنهما، لأن
قوله: {ولو يعجل اللّه للناس الشر} يتصل به {لقضي إليهم أجلهم}.
{فنذر الّذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون}.
الطغيان في كل شيء ارتفاعه وعلوّه.
والعمه التحير.
المعنى فنذر الذين لا يرجون لقاءنا في غلوهم وكفرهم يتحيرون). [معاني القرآن: 3/8-9]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم}
قال مجاهد وهو دعاء الرجل عند الغضب على أهله وولده فلو عجل لهم ذلك لماتوا
وقيل إنه قولهم {اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء}
فلو عجل لهم هذا لهلكوا). [معاني القرآن: 3/280]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (12)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {مرّ كأن لّم يدعنا إلى ضرٍّ مّسّه...}
يقول: استمرّ على طريقته الأولى قبل أن يصيبه البلاء). [معاني القرآن: 1/459]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {دعانا لجنبه أو قاعداً أو قائماً} مجازه: دعانا على إحدى هذه الحلات، ومجاز دعانا لجنبه مجاز المختصر الذي فيه ضمير كقولك: دعانا وهو مضطجع لجنبه.
{مرّ كأن لمّ يدعنا} أي استمر فمضى). [مجاز القرآن: 1/275]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وإذا مسّ الإنسان الضّرّ دعانا لجنبه أو قاعداً أو قائماً فلمّا كشفنا عنه ضرّه مرّ كأن لّم يدعنا إلى ضرٍّ مّسّه كذلك زيّن للمسرفين ما كانوا يعملون}
وقال: {كأن لّم يدعنا إلى ضرٍّ مّسّه} و{كأن لّم يلبثوا إلاّ ساعةً} وهذا في الكلام كثير وهي {كأنّ} الثقيلة ولكنه اضمر فيها فخفف كما تخفف {أنّ} ويضمر فيها وإنما هي {كأنه لم} وقال الشاعر:
*وي كأن من يكن له نشبٌ يحبب ومن يفتقر يعش عيش ضرّ*
وكما قال
[وصدرٍ مشرق النّحر] كأن ثدياه حقّان
أي: كأنه ثدياه حقّان. وقال بعضهم "كأن ثدييه" فخففها واعلمها ولم يضمر فيها كما قال: {إن كلّ نفسٍ لما عليها حافظٌ}
أراد معنى الثقيلة فأعملها كما يعمل الثقيلة ولم يضمر فيها). [معاني القرآن: 2/31]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وإذا مسّ الإنسان الضّرّ دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلمّا كشفنا عنه ضرّه مرّ كأن لم يدعنا إلى ضرّ مسّه كذلك زيّن للمسرفين ما كانوا يعملون}
المعنى - واللّه أعلم -: وإذا مسّ الإنسان الضر من حال من الأحوال فجائز أن يكون دعانا لجنبه، ودعانا وهو سطيح، أو دعانا قائما.
ويجور أن يكون: وإذا مس الإنسان الضر لجنبه أو مسّه قاعدا، أو مسّه قائما، دعانا.
{فلمّا كشفنا عنه ضرّه مرّ كأن لم يدعنا إلى ضرّ مسّه}.
المعنى مر في العافية على ما كان عليه قبل أن يبتلى، ولم يتعظ بما ناله.
وقوله: {كذلك زيّن للمسرفين ما كانوا يعملون}.
ويجوز زيّن للمسرفين.
موضع الكاف نصب على مفعول ما لم يسم فاعله المعنى زين للمسرفين عملهم كذلك أي مثل ذلك، أي جعل جزاءهم الإضلال بإسرافهم بكفرهم). [معاني القرآن: 3/9]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما}
ويجوز أن يكون المعنى وإذا مس الإنسان الضر مضطجعا أو قاعدا أو قائما دعانا
ويجوز أن يكون التقدير دعانا على إحدى هذه الأحوال
ثم قال جل وعز: {فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه}
روى أبو عبيد عن أبي عبيدة أن مر من مذهب استمر
وقال الفراء أي استمر على ما كان عليه من قبل أن يمسه الضر). [معاني القرآن: 3/280-281]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (13)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لمّا ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبيّنات وما كانوا ليؤمنوا كذلك نجزي القوم المجرمين}
المعنى كالمعنى من قوله: {فما كانوا ليؤمنوا بما كذّبوا من قبل}.
أعلم اللّه - جل ثناؤه أنهم لا يؤمنون ولو أبقاهم أبدا. فجائز أن يكون جعل جزاءهم الطبع على قلوبهم، وجائز أن يكون أعلم ما قد علم منهم.
والدّليل على أنّه طبع على قلوبهم جزاء لهم
قوله: {كذلك نجزي القوم المجرمين}.
قوله: {كأن لم يدعنا إلى ضرّ مسّه}.
{كأن} مخففة من الشديدة، المعنى كأنّه لم يدعنا.
قالت الخنساء:

كأن لم يكونوا حمى يتّقى= إذ الناس إذ ذاك من عزّ بزّا
أي كأنهم لم يكونوا). [معاني القرآن: 3/10]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا}
قوله تعالى: {وما كانوا ليؤمنوا} فيه قولان:
أحدهما الله جل وعز أخبر بما يعلم منهم لو بقاهم
والآخر أنه جازاهم على كفرهم بأن طبع على قلوبهم
ويدل على هذا أنه قال كذلك نجزي القوم المجرمين). [معاني القرآن: 3/281-282]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (14)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ثمّ جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون}
موضع {كيف} نصب بقوله {تعملون} لأنها حرف استفهام، ولا يعمل فيها {لننظر} لأن ما قبل الاستفهام لا يعمل في الاستفهام.
ولو قلت: لننظر أخيرا تعملون أم شرّا كان العامل في خير وشيء تعملون). [معاني القرآن: 3/10]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآَنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {من تلقاء نفسي} أي من عند نفسي). [مجاز القرآن: 1/275]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({من تلقاء نفسي}: عند نفسي). [غريب القرآن وتفسيره: 169]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {أو بدّله} كانوا يقولون للنبي صلّى اللّه عليه وسلم: اجعل آية عذاب آية رحمة، وآية رحمة آية عذاب).
[تفسير غريب القرآن: 194]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وإذا تتلى عليهم آياتنا بيّنات قال الّذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدّله قل ما يكون لي أن أبدّله من تلقاء نفسي إن أتّبع إلّا ما يوحى إليّ إنّي أخاف إن عصيت ربّي عذاب يوم عظيم}
منصوب على الحال.
{قال الّذين لا يرجون لقاءنا} لا يؤمنون بالبعث والنشور.
{ائت بقرآن غير هذا أو بدّله}.أي إيت بقرآن ليس فيه ذكر البعث والنشور وليس فيه عيب آلهتنا.. أو " بدّله " أي أو بدل منه ذكر البعث والنشور.
{قل ما يكون لي أن أبدّله من تلقاء نفسي إن أتّبع إلّا ما يوحى إليّ}تأويله: إنّ الّذي أتيت به من عند اللّه لا من عندي فأبدله). [معاني القرآن: 3/10-11]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله}
قال قتادة الذين قالوا هذا مشركو أهل مكة
وقال غيره أي ائت بقرآن ليس فيه ذكر البعث والنشور ولا سب آلهتنا قال الله جل وعز: {قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي}). [معاني القرآن: 3/282]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {أن أبدله} أخبرنا أبو عمر قال: أخبرنا ثعلب عن سلمة عن الفراء - قال: يقال أبدلت الخاتم بالحلقة، إذا نحيت هذا وجعلت هذه مكانه، وبدلت الخاتم بالحلقة، إذا أذبته وجعلته حلقة، وبدلت الحلقة بالخاتم، إذا أذبتها وجعلتها خاتما. قال ثعلب: وحقيقة أن ' بدلت ' إذا غيرت الصورة إلى صورة غيرها، والجوهرة بعينها، و' أبدلت ' إذا نحيت الجوهرة،
وجعلت مكانها جوهرة أخرى، قال: ومنه قول القائل: نحى السديس وانتحى للمعدل عزل الأمير للأمر المبدل وقال: ألا ترى أنه قد نحى جسما، وجعل مكانه جسما غيره ؟
قال أبو عمر: فعرضت الكلام على محمد بن يزيد المبرد، فاستحسنه، وقال فيه: قد بقيت فيه فاصلة أخرى على أحمد ابن يحيى، قلت: وما هي، أعزك الله ؟
قال: بقي أن العرب قد جعلت ' بدلت ' بمعنى ' أبدلت ' وهو قوله - عز وجل: {فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات} ألا ترى أنه - تبارك وتعالى - قد أزال السيئات، وجعل مكانها حسنات ؟ قال: وأما شرط لك أحمد بن يحيى فهو بمعنى قوله - عز وجل: {كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها}
قال: فهذه هي الجوهرة، وتبديلها تغيير صورتها إلى غيرها، لأنها كانت ناعمة، فاسودت بالعذاب، فردت صورة جلودهم الأولى لما نضجت تلك الصورة، فالجوهرة واحدة، والصورة مختلفة). [ياقوتة الصراط:251- 254]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {تِلْقَاء نَفْسِي}: عند نفسي). [العمدة في غريب القرآن: 151]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (16)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {قل لّو شاء اللّه ما تلوته عليكم ولا أدراكم به...}
وقد ذكر عن الحسن أنه قال: "ولا أدرأتكم به" فإن يكن فيها لغة سوى دريت وأدريت فلعلّ الحسن ذهب إليها. وأما أن تصلح من دريت أو أدريت فلا؛ لأن الياء والواو إذا انفتح ما قبلهما وسكنتا صحّتا ولم تنقلبا إلى ألف؛ مثل قضيت ودعوت. ولعل الحسن ذهب إلى طبيعته وفصاحته فهمزها؛ لأنها تضارع درأت الحدّ وشبهه. وربما غلطت العرب في الحرف إذا ضارعه آخر من الهمز فيهمزون غير المهموز؛ سمعت امرأة من طيء تقول: رثأت زوجي بأبياتٍ. ويقولون لبّأت بالحج وحلأت السويق فيغلطون؛ لأن حلأت قد يقال في دفع العطاش من الإبل، ولبّأت ذهب إلى اللبأ الذي يؤكل، ورثأت زوجي ذهبت إلى رثيئة اللبن؛ وذلك إذا حلبت الحليب على الرائب). [معاني القرآن: 1/459]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ولا أدراكم به} مجازه: ولا أفعلكم به؛ من دريت أنا به.
{عمراً} أي حيناً طويلاً، مجازه من قولهم: مضى علينا حين من الدهر، والعمر والعمر والعمر ثلاث لغات). [مجاز القرآن: 1/276]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({عمرا}: حينا). [غريب القرآن وتفسيره: 169]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ولا أدراكم به} أي ولا أعلمكم به). [تفسير غريب القرآن: 194]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {قل لو شاء اللّه ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون}
ويجوز {عمرا} بإسكان الميم، أي قد لبثت فيكم من قبل أن يوحى إليّ لا أتلو كتابا ولا أخطه بيميني، وهذا دليل على أنه أوحي إليّ؛ إذ كنتم تعرفونني بينكم، نشأت لا أقرأ كتابا، وإخباري إياكم أقاصيص الأولين من غير كتاب ولا تلقين يدل على أنّ ما أتيت به من عند اللّه وحي). [معاني القرآن: 3/11]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال تعالى: {قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به}
قال الضحاك أي ولا أشعركم به ولا أعلمكم به
ثم قال جل وعز: {فقد لبثت فيكم عمرا من قبله}
قال قتادة لبث فيهم أربعين سنة وأقام سنتين يرى رؤيا الأنبياء وتوفي وهو ابن اثنتين وستين سنة). [معاني القرآن: 3/282-283]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {فقد لبثت} أي: فقد أقمت، ويقال منه: فعل يفعل فعالا ووفعلا وفعالة). [ياقوتة الصراط: 254]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {عُمُرًا}: حيناً). [العمدة في غريب القرآن: 151]

تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (17)}

تفسير قوله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (18)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ويعبدون من دون الله مالا يضرّهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله} مجاز ما ها هنا مجاز الذين، ووقع معناها على الحجارة، وخرج كنايتها على لفظ كناية لآدميين، فقال: هؤلاء شفعاؤنا، ومثله في آية أخرى: {لقد علمت ما هؤلاء ينطقون}، وفي آية أخرى: {إنّي رأيت أحد عشر كوكباً والشّمس والقمر رأيتهم لي ساجدين} والمستعمل في الكلام: ما تنطق هذه، ورأيتهن لي ساجدات،
وقال:

تمزّزتها والدّيك يدعو صباحه= إذا ما بنو نعشٍ دنوا فتصوّبوا
وفي آية أخرى {يا أيّها النّمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنّكم سليمان} والمستعمل: ادخلن مساكنكن لا يحطمنكن سليمان). [مجاز القرآن: 1/276]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ويعبدون من دون اللّه ما لا يضرّهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند اللّه قل أتنبّئون اللّه بما لا يعلم في السّماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عمّا يشركون}
المعنى: ما لا يضرهم إن لم يعبدوه، ولا ينفعهم إن عبدوه.
{ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند اللّه قل أتنبّئون اللّه بما لا يعلم في السّماوات ولا في الأرض}.
أي أتعبدون ما لا يسمع ولا يبصر ولا يميّز، وتزعمون أنها تشفع عند اللّه، فتخبرون بالكذب). [معاني القرآن: 3/11]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم}
أي ما لا يضرهم إن لم يعبدوه ولا ينفعهم إن عبدوه
ثم قال جل وعز: {ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبؤن الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض}
أي أتعبدون ما لا يشفع ولا ينصر ولا يميز وتقولون هو يشفع لنا عند الله فتكذبون وهل يتهيأ لكم أن تنبؤه بما لا يعلم). [معاني القرآن: 3/283]

تفسير قوله تعالى: روَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (19)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وما كان النّاس إلاّ أمّةً واحدةً فاختلفوا ولولا كلمةٌ سبقت من رّبّك لقضي بينهم فيما فيه يختلفون}
وقال: {وما كان النّاس إلاّ أمّةً واحدةً} على خبر "كان" كما قال: {إن كانت إلاّ صيحةً واحدةً}. [أي] "إن كانت تلك إلا صيحة واحدة"). [معاني القرآن: 2/31]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ولو لا كلمةٌ سبقت من ربّك} أي نظرة إلى يوم القيامة). [تفسير غريب القرآن: 194]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وما كان النّاس إلّا أمّة واحدة فاختلفوا ولولا كلمة سبقت من ربّك لقضي بينهم فيما فيه يختلفون}
قيل يعنى بالناس ههنا العرب الذين كانوا على الشرك.
اختلفوا: آمن بعض وكفر بعض.
وقيل: ما كان الناس إلا أمّة واحدة، أي ولدوا على الفطرة، واختلفوا بعد الفطرة.
{ولولا كلمة سبقت من ربّك لقضي بينهم}.
ويجوز لقضى بينهم، أي لولا أنّ اللّه - جلّ وعزّ - جعل لهم أجلا في - القضاء بينهم، لفصل بينهم في وقت اختلافهم.
و{بين} منصوبة لأنها ظرف). [معاني القرآن: 3/11-12]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا}
فيه ثلاثة أقوال:
أبينها : قول مجاهد وهو أنهم كانوا في وقت آدم على دين واحد ثم اختلفوا
والقول الثاني : أن هذا عام يراد به الخاص وأنه يراد بالناس ههنا العرب خاصة
والقول الثالث: أنه مثل قوله كل مولود يولد على الفطرة أي ثم يختلفون بعد ذلك). [معاني القرآن: 3/283-284]

تفسير قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (20)}

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آَيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ (21)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وإذا أذقنا النّاس رحمةً مّن بعد ضرّاء مسّتهم إذا لهم مّكرٌ...}
العرب تجعل {إذا} تكفى من فعلت وفعلوا. وهذا الموضع من ذلك: اكتفى بـ {إذا} من {فعلوا} ولو قيل {من بعد ضراء مستهم مكروا} كان صوابا. وهو في الكلام والقرآن كثير. ونقول: خرجت فإذا أنا بزيد. كذلك يفعلون بـ {إذ}؛ كقول الشاعر:
بينما هنّ الأراك معا = إذا أتى راكب على جمله
وأكثر الكلام في هذا الموضع أن تطرح (إذ) فيقال:

بينا تبغيّه العشاء وطوفه =وقع العشاء به على سرحان
ومعناهما واحد بـ (إذ) وبطرحها). [معاني القرآن: 1/459-460]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {من بعد ضرّاء مسّتهم إذا لهم مكرٌ في آياتنا} مجاز المكر ها هنا مجاز الجحود بها والرد لها.
{قل الله أسرع مكراً} أي أخذاً وعقوبة واستدراجاً لهم). [مجاز القرآن: 1/276]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وإذا أذقنا النّاس رحمةً} يعني: فرجا من بعد كرب.
{إذا لهم مكرٌ في آياتنا} يعني: قولا بالطعن والحيلة يجعل لتلك الرحمة سببا آخر). [تفسير غريب القرآن: 195]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والضُّرّ: الشدة والبلاء، فمن الشدّة: قحط المطر، قال الله تعالى: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ}أي: مطرا من بعد قحط وجدب). [تأويل مشكل القرآن: 483]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ذا أذقنا النّاس رحمة من بعد ضرّاء مسّتهم إذا لهم مكر في آياتنا قل اللّه أسرع مكرا إنّ رسلنا يكتبون ما تمكرون}
يعنى بالناس ههنا الكافرون.
وقوله: {إذا لهم مكر في آياتنا} جواب الجزاء،
وهو كقوله:{وإن تصبهم سيّئة بما قدّمت أيديهم إذا هم يقنطون}المعنى وإن تصبهم سيئة قنطوا، وإذا أذقنا الناس رحمة مكروا.
فإذا تنوب عن جواب الشرط كما ينوب الفعل). [معاني القرآن: 3/12]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم}
يراد بالناس ههنا الكفار كما قال تعالى: {إن الإنسان لربه لكنود}
وقال الحسن ذلك المنافق
والرحمة ههنا الفرج ومن بعد ضراء أي من بعد كرب إذا لهم مكر في آياتنا أي يحتالون حتى يجعلوا سبب الرحمة في غير موضعه
قال مجاهد إذا لهم مكر في آياتنا استهزاء وتكذيب). [معاني القرآن: 3/284-285]

تفسير قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {يسيّركم...}
قراءة العامّة. وقد ذكر عن زيد بن ثابت {ينشركم} قرأها أبو جعفر المدنيّ كذلك. وكلّ صواب إن شاء الله.
وقوله: {جاءتها ريحٌ عاصفٌ} يعني الفلك؛ فقال: جاءتها، وقد قال في أوّل الكلام {وجرين بهم} ولم يقل: وجرت، وكلّ صواب؛ تقول: النساء قد ذهبت، وذهبن. والفلك تؤنث وتذكر، وتكون واحدة وتكون جمعا. وقال في يس {في الفلك المشحون} فذكّر الفلك، وقال ها هنا: جاءتها، فأنث. فإن شئت جعلتها ها هنا واحدة، وإن شئت: جماعا. وإن شئت جعلت الهاء في {جاءتها} للريح؛ كأنك قلت: جاءت الريح الطيّبة ريح عاصف. والله أعلم بصوابه. والعرب تقول: عاصف وعاصفة، وقد أعصفت الريح، وعصفت. وبالألف لغة لبني أسد؛ أنشدني بعض بني دبير: حتى إذا
أعصفت ريح مزعزعة =فيها قطار ورعد صوته زجل).
[معاني القرآن: 1/460]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {أنّهم أحيط بهم} مجازه: دنوا للهلاك، ويقال: إنه محاط بك، والإدراك أي إنك مدرك فمهلك). [مجاز القرآن: 1/277]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {هو الّذي يسيّركم في البرّ والبحر حتّى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريحٍ طيّبةٍ وفرحوا بها جاءتها ريحٌ عاصفٌ وجاءهم الموج من كلّ مكان وظنّوا أنّهم أحيط بهم دعوا اللّه مخلصين له الدّين لئن أنجيتنا من هذه لنكوننّ من الشّاكرين}
وقال: {حتّى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم} وإنما قال: {وجرين بهم} لأن {الفلك} يكون واحدا وجماعة. قال: {في الفلك المشحون} وهو مذكر. وأما {حتّى إذا كنتم في الفلك} فجوابه قوله: {جاءتها ريحٌ عاصفٌ}.
وأما قوله: {دعوا اللّه} فجواب لقوله: {وظنّوا أنّهم أحيط بهم} وإنما قال: {بهم} وقد قال: {كنتم} لأنه يجوز أن تذكر غائبا ثم تخاطب إذا كنت تعنيه، وتخاطب ثم تجعله في لفظ غائب كقول الشاعر:
أسيئي بنا أو أحسني لا ملومةً = لدينا ولا مقليّةً أن تقلّت).
[معاني القرآن: 2/32]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({أحيط بهم}: دنوا من الهلكة يقال قد أحيط بك أي إنك هالك). [غريب القرآن وتفسيره: 170]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وظنّوا أنّهم أحيط بهم} أي دنوا للهلكة. وأصل هذا أن العدو إذا أحاط ببلد، فقد دنا أهله من الهلكة).
[تفسير غريب القرآن: 195]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الفرح: المسرّة، قال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا} أي سرّوا). [تأويل مشكل القرآن: 491]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه قوله: {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ} أي دنوا من الهلاك. وأصل هذا: أن العدوّ إذا أحاط بقوم أو بلد فحاصره فقد دنا أهله من الهلكة. وقال في موضع آخر: {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ}). [تأويل مشكل القرآن: 167]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه أن تخاطب الشاهد بشيء ثم تجعل الخطاب له على لفظ الغائب:
كقوله عز وجل: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا}.
وقوله: {وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ}.
وقوله: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ}، ثم قال: {أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ}.
قال الشاعر:

يا دار ميّة بالعلياء فالسّند = أقوت وطال عليها سالف الأبد
وكذلك أيضا تجعل خطاب الغائب للشاهد:
كقول الهذليّ:
يا ويحَ نفسي كان جِدَّةُ خالدٍ = وبياضُ وَجْهِكَ للتُّرَابِ الأَعْفَرِ)
. [تأويل مشكل القرآن: 289-290]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {هو الّذي يسيّركم في البرّ والبحر حتّى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيّبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كلّ مكان وظنّوا أنّهم أحيط بهم دعوا اللّه مخلصين له الدّين لئن أنجيتنا من هذه لنكوننّ من الشّاكرين}
ويجوز هو الذي يسيركم، ولا أعلم أحدا قرأ بها.
{حتّى إذا كنتم في الفلك}.
الفلك يكون واحدا ويكون جمعا، كما أن فعلا في قولك أسد، جمع أسد، وفعل وفعل من باب واحد، جاز أن يكون جمع الفلك فلكا.
{وجرين بهم}.
ابتداء الكلام خطاب، وبعد ذلك إخبار عن غائب لأن من أقام الغائب مقام من يخاطبه جاز أن يردّه إلى الغائب.
قال الشاعر:
شطت مزار العاشقين فأصبحت= عسرا على طلابك ابنة مخرم
ومثل الآية قول كثير.
أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة= لدينا ولا مقليّة إن تقلّت
وقرأ بعضهم: هو الذي ينشركم.
وأكثر ما جاء في التفسير في قوله: {وما كان النّاس إلّا أمّة واحدة} يعنى به آدم عليه السلام.
{فاختلفوا} اختلف هابيل وقابيل.
وقوله: {جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كلّ مكان} المعنى من كل أمكنة الموج.
{وظنّوا أنّهم أحيط بهم} يقال لكل من وقع من بلاء قد أحيط به، أي أحاط به البلاء وقيل أحاطت بهم الملائكة). [معاني القرآن: 3/13-14]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة}
قيل المعنى حتى إذا كنتم في الفلك ثم حولت المخاطبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فصار المعنى وجرين بهم يا محمد
وقيل العرب تقيم الغائب مقام الشاهد فتخاطبه مخاطبته ثم ترده إلى الغائب
وقوله عز وجل: {وظنوا أنهم أحيط بهم}
يقال لمن وقع في بلية قد أحيط به كأن البلاء أحاط به وأصل هذا أن العدو إذا أحاط بموضع فقد هلك أهله). [معاني القرآن: 3/285]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : (وقوله عز وجل: (حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة) قال ثعلب والمبرد: خرج من المخاطبة إلى الإخبار، فالمخاطبة {حتى إذا كنتم في الفلك} . {وجرين بهم}: إخبار). [ياقوتة الصراط: 254]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {أُحِيطَ بِهِمْ} دنوا من الهلكة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 101]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {أُحِيطَ بِهِمْ}: دنوا من الهلاك). [العمدة في غريب القرآن: 152]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (23)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {يا أيّها النّاس إنّما بغيكم على أنفسكم...}
إن شئت جعلت خبر {البغي} في قوله {على أنفسكم} ثم تنصب {متاع الحياة الدينا} كقولك: متعةً في الحياة الدنيا. ويصلح الرفع ها هنا على الاستئناف؛
كما قال {لم يلبثوا إلا ساعة من نهارٍ بلاغ} أي ذلك {بلاغ} وذلك {متاع الحياة الدنيا} وإن شئت جعلت الخبر في المتاع. وهو وجه الكلام). [معاني القرآن: 1/461]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {فلمّا أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحقّ يا أيّها النّاس إنّما بغيكم على أنفسكم مّتاع الحياة الدّنيا ثمّ إلينا مرجعكم فننبّئكم بما كنتم تعملون}
وقال: {إنّما بغيكم على أنفسكم مّتاع الحياة الدّنيا} أي: وذلك متاعٌ الحياة الدنيا. وأراد "متاعكم متاع الحياة الدّنيا"). [معاني القرآن: 2/32]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {فلمّا أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحقّ يا أيّها النّاس إنّما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدّنيا ثمّ إلينا مرجعكم فننبّئكم بما كنتم تعملون}
المعنى فلمّا أنجاهم بغوا، والبغي التّرامي في الفساد.
قال الأصمعي:
يقال بغى الجرح يبغي بغيا إذا ترامى إلى فساد.
وبغت المرأة بغاء إذا فجرت.
وقوله: {إنّما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدّنيا}.
وتقرأ {متاع الحياة الدنيا}، خبرا لقوله: {بغيكم على أنفسكم}.
ويجوز أن يكون خبر الابتداء {على أنفسكم}.
ويكون {متاع الحياة الدنيا} على إضمار هو.
ومعنى الكلام أن ما تنالونه بهذا الفساد والبغي إنما تتمتعون به في الدنيا {ثمّ إلينا مرجعكم}.
ومن نصب {متاع الحياة الدنيا} فعلى المصدر، المعنى تتمتعون متاع الحياة الدنيا، لأن قوله {إنما بغيكم على أنفسكم} يدل على أنهم يتمتعون.
ومعنى {بغيكم على أنفسكم} أي عملكم بالظلم عليكم يرجع، كما قال جلّ وعزّ: {من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها} ). [معاني القرآن: 3/14]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق}
البغي الترامي إلى الفساد قال الأصمعي يقال بغى الجرح يبغي بغيا إذا ترامى إلى فساد
ثم قال جل وعز: {يا أيها إنما الناس بغيكم على أنفسكم}
أي عملكم بالظلم يرجع عليكم). [معاني القرآن: 3/286]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {متاع الحياة الدنيا}
أي ما تنالون بالبغي والفساد فإنما هو شيء تتلذذون به في الدنيا هذا قول أهل اللغة
وروي عن سفيان بن عيينة أنه قال أراد أن البغي متاع الحياة الدنيا أي عقوبته تعجل لصاحبه في الدنيا
كما يقال البغي مصرعة وقال جل وعز: {ثم بغي عليه لينصرنه الله}). [معاني القرآن: 3/286-287]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فجعلّناها حصيداً} أي مستأصلين، والحصيد من الزرع والنبات المجذوذ من أصله وهو يقع أيضاً لفظه على لفظ الجميع من الزرع والنبات فجاء في هذه الآية على معنى الجميع، وقد يقال: حصائد الزرع، اللواتي تحصد). [مجاز القرآن: 1/277]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {إنّما مثل الحياة الدّنيا كماء أنزلناه من السّماء فاختلط به نبات الأرض ممّا يأكل النّاس والأنعام حتّى إذا أخذت الأرض زخرفها وازّيّنت وظنّ أهلها أنّهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لّم تغن بالأمس كذلك نفصّل الآيات لقومٍ يتفكّرون}
وقال: {كماء أنزلناه} يريد: كمثل ماء.
وقال: {وازّيّنت} يريد "وتزيّنت" ولكن أدغم التاء في الزاي لقرب المخرجين فلما سكن أولها زيد فيها ألف وصل وقال: {وازّيّنت} ثقيلة "ازّيّناً" يريد المصدر وهو من "التزين" وإنما زاد الألف حين أدغم ليصل الكلام لأنه لا يبتدئ بساكن). [معاني القرآن: 2/33]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({حصيدا}: الحصيد المستأصل). [غريب القرآن وتفسيره: 170]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فاختلط به نبات الأرض} يريد أن الأرض أنبتت بنزول المطر فاختلط النبات بالمطر، واتصل كل واحد بصاحبه.
{حتّى إذا أخذت الأرض زخرفها} أي زينتها بالنبات. وأصل الزخرف: الذهب. ثم يقال للنّقش وللنور والزهر وكل شيء زين: زخرف.
يقال: أخذت الأرض زخرفها وزخارفها: إذا زخرت بالنبات كما تزخر الأودية بالماء.
{وظنّ أهلها أنّهم قادرون عليها} أي [على] ما أنبتته من حب وثمر.
{كأن لم تغن بالأمس} أي كأن لم تكن عامرة بالأمس. والمغاني المنازل. واحدها مغنى. وغنيت بالمكان: إذا أقمت به). [تفسير غريب القرآن: 195]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {إنّما مثل الحياة الدّنيا كماء أنزلناه من السّماء فاختلط به نبات الأرض ممّا يأكل النّاس والأنعام حتّى إذا أخذت الأرض زخرفها وازّيّنت وظنّ أهلها أنّهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصّل الآيات لقوم يتفكّرون}
{حتّى إذا أخذت الأرض زخرفها وازّيّنت} ويقرأ، وأزينت.
والزخرف كمال حسن الشيء، فمن قرأ و " وازّيّنت " فالمعنى وتزينت فأدغمت التاء في الزاي، وسكنت الزاي فاجتلبت لها ألف الوصل، ومن قرأ: {وأزينت} بالتخفيف فهو على أفعلت أي جاءت بالزينة، وازّيّنت بالتشديد أجود في العربية، لأن أزينت الأجود فيه في الكلام أزانت.
{وظنّ أهلها أنّهم قادرون عليها} أي قادرون على الانتفاع بها.
وقوله: {كأن لم تغن بالأمس} أي كأن لم تعمر بالأمس، والمغاني المنازل التي يعمرها الناس بالنزول بها، يقال: غنينا بمكان كذا وكذا إذا نزلوا به). [معاني القرآن: 3/14-15]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام}
اختلط النبات مع المطر والمطر مع النبات
وقوله جل وعز: {حتى إذا أخذت الأرض زخرفها}الزخرف في اللغة كمال الحسن ومنه قيل للذهب زخرف
ثم قال جل وعز: {كأن لم تغن بالأمس} أي كأن لم تنعم
والمعنى عند أهل اللغة كأن لم تعمر
والمغاني المنازل التي يعمرها الناس وغنيت بالمنزل أقمت به وعمرته). [معاني القرآن: 3/287-288]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {زُخْرُفَهَا} زينتها بالنبات.
{كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ} كأن لم تكن عامرة بالأمس. والمغاني: المنازل، يقال: غنينا بالمكان: أقمنا به). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 101]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {حَصِيدًا}: مستأصلاً). [العمدة في غريب القرآن: 152]

تفسير قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (25)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {واللّه يدعو إلى دار السّلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم}
السّلام: هو اللّه جلّ وعزّ - فاللّه يدعو إلى داره، وداره الجنة.
وجوز - واللّه أعلم - أن يكون دار السلام الدار التي يسلم فيها من الآفات). [معاني القرآن: 3/15]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {والله يدعو إلى دار السلام}.
قال قتادة دار السلام الجنة والسلام الله عز وجل
قال أبو جعفر المعنى على هذا والله يدعو إلى داره
وإعادة الاسم إذا لم يكن مشكلا أفخم
قال أبو إسحاق ويجوز أن يكون المعنى والله أعلم يدعو إلى الدار التي يسلم فيها من الآفات). [معاني القرآن: 3/288]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 6 محرم 1432هـ/12-12-2010م, 04:54 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 26 إلى 52]

{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26) وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (27) وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ (28) فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ (29) هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (30) قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (31) فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32) كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (33) قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (34) قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35) وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (36) وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآَنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (37) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38) بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (39) وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (40) وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (41) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ (42) وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ (43) إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (44) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (45) وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ (46) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (47) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (48) قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (49) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (50) أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آَمَنْتُمْ بِهِ آَلْآَنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (51) ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (52)}

تفسير قوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {للّذين أحسنوا الحسنى...}
في موضع رفع. يقال إن الحسنى الحسنة.{وزيادة} ... حدثني أبو الأحوص سلاّم بن سليم عن أبي إسحاق السبيعيّ عن رجل عن أبي بكر الصدّيق رحمه الله قال: للذين أحسنوا الحسنى وزيادة: النظر إلى وجه الرب تبارك وتعالى. ويقال {للذين أحسنوا الحسنى} يريد حسنة مثل حسناتهم {وزيادة} زيادة التضعيف كقوله: {فله عشر أمثالها} ). [معاني القرآن: 1/461]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ولا يرهق وجوههم قترٌ ولا ذلّةٌ} يرهق: أي يغشى، والقتر جميع قترة، وفي القرآن: {ترهقها قترةٌ} [80: 41]، وهو الغبار قال الأخطل:


يعلو القناطر يبنيها ويهدمها.=.. مسوّماً فوقه الرايات والقتر
وقال الفرزدق:
متوّجٌ برداء الملك يتبعه.=.. موجٌ ترى فوقه الرايات والفترا
). [مجاز القرآن: 1/277]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {لّلّذين أحسنوا الحسنى وزيادةٌ ولا يرهق وجوههم قترٌ ولا ذلّةٌ أولئك أصحاب الجنّة هم فيها خالدون}
وقال: {ولا يرهق وجوههم قترٌ ولا ذلّةٌ} لأنه من "رهق" "يرهق" "رهقاً"). [معاني القرآن: 2/33]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {يرهق وجوههم قتر}: يغشى و{القتر} الغبار). [غريب القرآن وتفسيره: 170]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {للّذين أحسنوا الحسنى} أي المثل.
{وزيادةٌ}: التّضعيف حتى تكون عشرا، أو سبعمائة، وما شاء اللّه. يدل على ذلك قوله: {والّذين كسبوا السّيّئات جزاء سيّئةٍ بمثلها}.
{ولا يرهق وجوههم قترٌ} أي لا يغشاها غبار. وكذلك القترة). [تفسير غريب القرآن:195- 196]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {للّذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلّة أولئك أصحاب الجنّة هم فيها خالدون}
الحسنى الجنة، و{زيادة} في التفسير النظر إلى وجه اللّه - جلّ وعزّ.
ويجوز أن تكون الزيادة تضعيف الحسنات لأنه قال - جلّ وعزّ:
{من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها}.
والقول في النظر إلى وجه الله كثير في التفسير وهو مرويّ بالأسانيد الصحاح)، لا يشك في ذلك.
{ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلّة}.
{القتر}: الغبرة التي فيها سواد، {ولا يرهق} لا يغشى). [معاني القرآن: 3/15]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة}
قال أبو جعفر الذي عليه أهل الحديث أن الحسنى
الجنة والزيادة النظر إلى الله جل اسمه حدثنا الحسين بن عمر قال نا هناد قال نا وكيع عن أبي بكر الهذلي عن أبي تميمة الهجيمي عن أبي موسى في قول الله تعالى:
{للذين أحسنوا الحسنى} قال الجنة {وزيادة} قال النظر إلى الله جل وعز
حدثنا الحسين قال نا هناد قال نا قبيصة قال نا حماد بن سلمة وقرئ على ابن بنت منيع عن هدبة بن خالد قال نا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ للذين أحسنوا الحسنى وزيادة فقال إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار نادى مناد يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه فيقولون وما هو ألم يثقل الله موازيننا ويبيض وجوهنا ويدخلنا الجنة وينجنا من النار فيكشف عن الحجاب ويتجلى فينظرون إليه جل وعز قال فوالله ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم من النظر إليه وهي الزيادة
قال أبو جعفر وفي حديث ابن بنت منيع ويجرنا وفي
حديثه فينظرون إلى الله جل وعز
ثم قال جل وعز: {ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة}
قال ابن عباس القتر سواد الوجوه
وقال غيره القتر جمع قترة وهي الغبرة
ومعنى يرهق يغشى والذلة الهوان
وفي حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة قال بعد نظرهم إلى ربهم
والعاصم المانع). [معاني القرآن: 3/288-290]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة} يرهق: يغشى، والقتر: الغبار، والذلة: الذل، فهذه من صفة الكفار، وقد عدلت هذه الصفة عن المؤمنين، فوجوههم نضرة). [ياقوتة الصراط: 255]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وَلاَ يَرْهَقُ} أي يغشى.
{قَتَرٌ} أي غبار يعلوه سواد). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 102]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {يَرْهَقُ}: يغش
{القَتَرٌ}: الغبار). [العمدة في غريب القرآن: 152]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (27)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {والّذين كسبوا السّيّئات جزاء سيّئةٍ بمثلها...}
رفعت الجزاء بإضمار {لهم} كأنك قلت: فلهم جزاء السيئة بمثلها؛ كما قال {ففدية من صيامٍ} و{فصيام ثلاثة أيام في الحج} والمعنى: فعليه صيام ثلاثة أيام، وعليه فدية.
وإن شئت رفعت الجزاء بالباء في قوله: {جزاء سيّئةٍ بمثلها} والأوّل أعجب إليّ.
وقوله: {كأنّما أغشيت وجوههم قطعاً} و{قطعا}. والقطع قراءة العامّة. وهي في مصحف أبي {كأنما يغشى وجوههم قطع من الليل مظلم} فهذه حجة لمن قرأ بالتخفيف.
وإن شئت جعلت المظلم وأنت تقول قطع قطعا من الليل، وإن شئت جعلت المظلم نعتا للقطع، فإذا قلت قطعا كان قطعا من الليل خاصة.
والقطع ظلمة آخر الليل {فأسر بأهلك بقطع من الليل} ). [معاني القرآن: 1/461-462]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {قطعاً من اللّيل مظلماً} إذا أسكنت الطاء فمعناه بعضاً من الليل، والجميع: أقطاع من الليل، أي ساعات من الليل،
يقال: أتيته بقطع من الليل؛ وهو في آية أخرى: {بقطعٍ من اللّيل}. ومن فتح الطاء فإنه يجعلها جميع قطعة والمعنيان واحد.
ويجعل مظلماً من صفة الليل وينصبها على الحال وعلى أنها نكرة وصفت به معرفة). [مجاز القرآن: 1/278]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {والّذين كسبوا السّيّئات جزاء سيّئةٍ بمثلها وترهقهم ذلّةٌ مّا لهم مّن اللّه من عاصمٍ كأنّما أغشيت وجوههم قطعاً مّن اللّيل مظلماً أولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون}
وقال: {جزاء سيّئةٍ بمثلها} وزيدت الباء كما زيدت في قولك {بحسبك قول السوء}.
وقال: {كأنّما أغشيت وجوههم قطعاً مّن اللّيل مظلماً} فالعين ساكنة لأنه ليس جماعة "القطعة" ولكنه "قطعٌ" اسمٌ على حياله. وقال عامّة الناس {قطعا} يريدون به جماعة "القطعة" ويقوي الأول قوله {مظلماً} لأن "القطع" واحد فيكون "المظلم" من صفته. والذين قالوا: "القطع" يعنون به الجمع وقالوا "نجعل مظلماً" حالا لـ"الليل". والأوّل أبين الوجهين).
[معاني القرآن: 2/33-34]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {قطعا من الليل}: جماعة قطعة ويقرأ قطعا وهو بعض الليل ومنه {فأسر بأهلك بقطع من الليل} ساعة من الليل وجمعه أقطاع). [غريب القرآن وتفسيره: 170]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ما لهم من اللّه من عاصمٍ} أي مانع.
{كأنّما أغشيت وجوههم قطعاً من اللّيل} جمع قطعة. ومن قرأها: {قطعا من الليل} أراد اسم ما قطع تقول: قطعت الشيء قطعا. فتنصب
أول المصدر. واسم ما قطعت [منه] فسقط: «قطع»). [تفسير غريب القرآن: 196]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله جلّ وعزّ، لأهل النار: {والّذين كسبوا السّيّئات جزاء سيّئة بمثلها وترهقهم ذلّة ما لهم من اللّه من عاصم كأنّما أغشيت وجوههم قطعا من اللّيل مظلما أولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون}
{كأنّما أغشيت وجوههم قطعا من اللّيل مظلما}.
ويقرأ قطعا من الليل مظلما من نعت القطع، ومن قرأ قطعا جعل مظلما حالا من الليل.
المعنى أغشيت وجوههم قطعا من الليل في حال ظلمته). [معاني القرآن: 3/16]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما}
القطع جمع قطعة ومن قرأ قطعا فهو اسم ما قطع يقال قطعة قطعا واسم ما قطعت قطع). [معاني القرآن: 3/290-291]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مِنْ عَاصِمٍ} من مانع.
{قِطَعًا} جمع قطعة، ومن قرأ بإسكان الطاء فمعناه: بعض الليل وقطعة منه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 102]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {قِطَعًا}: جمع قطعة). [العمدة في غريب القرآن: 152]

تفسير قوله تعالى: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ (28)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فزيّلنا بينهم...}
ليست من زلت؛ إنما هي من زلت ذا من ذا: إذا فرّقت أنت ذا من ذا. وقال {فزيّلنا} لكثرة الفعل. ولو قلّ لقلت: زل ذا من ذا؛ كقولك: مز ذا من ذا.
وقرأ بعضهم {فزايلنا بينهم} وهو مثل قوله: {يراءون ويرءّون}{ولا تصعّر، ولا تصاعر} والعرب تكاد توفّق بين فاعلت وفعّلت في كثير من الكلام، ما لم ترد فعلت بي وفعلت بك، فإذا أرادوا هذا لم تكن إلا فاعلت. فإذا أردت: عاهدتك وراءيتك وما يكون الفعل فيه مفردا فهو الذي يحتمل فعلت وفاعلت.
كذلك يقولون: كالمت فلانا وكلّمته، وكانا متصارمين فصارا يتكالمان ويتكلمّان). [معاني القرآن: 1/462]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {ويوم نحشرهم جميعاً ثمّ نقول للّذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم فزيّلنا بينهم وقال شركاؤهم مّا كنتم إيّانا تعبدون}
وقال: {مكانكم أنتم وشركاؤكم} لأنه في معنى "انتظروا أنتم وشركاؤكم"). [معاني القرآن: 2/34]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({فزيلنا بينهم}: من المزايلة، زاله يزيله مثل مازه يميزه). [غريب القرآن وتفسيره: 170]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فزيّلنا بينهم} أي فرّقنا بينهم. وهو من زال يزول وأزلت). [تفسير غريب القرآن: 196]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ويوم نحشرهم جميعا ثمّ نقول للّذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم فزيّلنا بينهم وقال شركاؤهم ما كنتم إيّانا تعبدون}
{جميعا} منصوب على الحال
{ثمّ نقول للّذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم}.
مكانكم منصوب على الأمر، كأنه قيل لهم انتظروا مكانكم حتى نفصل بينكم، والعرب تتوعد فتقول مكانك، وانتظر، فهي كلمة جرت على الوعيد.
{فزيّلنا بينهم}.
من قولك زلت الشيء عن مكانه أزيله، وزيّلت للكثرة، ومن هذا إذا نحيته عن مكانه). [معاني القرآن: 3/16]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ثم نقول للذين أشركوا مكانكم}
أي انتظروا مكانكم توعد فزيلنا بينهم من قولك زلت الشيء من الشيء أي نحيته وزيلت على التكثير). [معاني القرآن: 3/291]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ} فرقنا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 102]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {فَزَيَّلْنَا}: فرقنا وميزنا). [العمدة في غريب القرآن: 152]

تفسير قوله تعالى: {فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ (29)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (إن الخفيفة: تكون بمعنى {ما}...، وقال المفسرون: وتكون بمعنى لقد، كقوله: {إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا}
و{تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الشعراء: 97] و{تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ} و{فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ}). [تأويل مشكل القرآن: 552]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {فكفى باللّه شهيدا بيننا وبينكم إن كنّا عن عبادتكم لغافلين}
معناه كفى اللّه شهيدا، و {شهيدا} منصوب إن شئت على التمييز، وإن شئت على الحال.
{إن كنّا عن عبادتكم لغافلين} معناه: ما كنا عن عبادتكم إلا غافلين). [معاني القرآن: 3/16]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم}لأنهم قالوا من يشهد لك أنك رسول الله). [معاني القرآن: 3/291]

تفسير قوله تعالى: {هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (30)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {هنالك تبلو كلّ نفسٍ...}
قرأها عبد الله بن مسعود: {تتلو} بالتاء. معناها - والله أعلم -: تتلو أي يقرأ كلّ نفس عملها في كتاب؛ كقوله: {ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا}
وقوله: {فأما من أوتي كتابه بيمينه}. وقوله: {اقرأ كتابك} قوّة لقراءة عبد الله. قرأها مجاهد {تبلو كل نفسٍ ما أسلفت} أي تخبره وتراه. وكل حسن.
حدثنا محمد بن عبد العزيز التيمي عن مغيرة عن مجاهد أنه قرأ {تبلو} بالباء.
حدثني بعض المشيخة عن الكلبيّ عن أبي صالح عن ابن عباس: {تبلو} تخبر، وكذلك قرأها ابن عباس.
وقوله: {وردّوا إلى اللّه مولاهم الحقّ} {الحقّ} تجعله من صفات الله تبارك وتعالى. وإن شئت جعلته نصبا تريد: ردّ إلى الله حقا. وإن شئت: مولاهم حقا.
وكذلك وقوله: {فذلكم اللّه ربّكم الحقّ...} فيه ما في الأولى). [معاني القرآن: 1/463]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {هنالك تبلو كلّ نفسٍ} أي تخبر وتجد. وتتلو تتبع). [مجاز القرآن: 1/278]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({هنالك تبلو كلّ نفسٍ مّا أسلفت وردّوا إلى اللّه مولاهم الحقّ وضلّ عنهم مّا كانوا يفترون}
وقال: {هنالك تبلو كلّ نفسٍ مّا أسلفت} أي: تخبر. وقال بعضهم {تتلو} أي: تتبعه). [معاني القرآن: 2/34]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {هنالك تبلو كل نفس}: تخبر ومن قرأ {تتلوا} فقد يكون تقص، من القصص وقد يكون تتبع). [غريب القرآن وتفسيره: 171]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {هنالك تبلو كلّ نفسٍ ما أسلفت} أي تقرأ في الصحف، ما قدّمت من أعمالها.
ومن قرأ تبلوا بالباء، أراد: تختبر ما كانت تعمل.
وقال أبو عمرو: وتصديقها {يوم تبلى السّرائر} وهي قراءة أهل المدينة.
وكذلك حكيت عن مجاهد). [تفسير غريب القرآن: 196-197]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (قوله: {هنالك تبلو كلّ نفس ما أسلفت وردّوا إلى اللّه مولاهم الحقّ وضلّ عنهم ما كانوا يفترون}
{هنالك} ظرف.
المعنى: في ذلك الوقت تبلو، وهو منصوب بـ تبلو إلا أنه غير متمكن، واللام زائدة، والأصل هناك، وكسرت اللام لسكونها وسكون الألف، والكاف للمخاطبة.
ومعنى {تبلو} تخبر، أي تعلم كل نفس ما قدمت.
ومثل هنالك قول زهير
هنالك إن يستخبلوا المال يخبلوا= وإن يسألوا يعطوا وإن ييسروا يغلوا
وقرئت - هنالك {تتلو} بتاءين، وفسرها الأخفش وغيره من النحويين تتلو من التلاوة، أي تقرأ كل نفس، ودليل ذلك قوله: {وكلّ إنسان ألزمناه طائره في عنقه}-
إلى قوله: {اقرأ كتابك}.
وفسروه أيضا: تتبع كل نفس ما أسلفت.
ومثله قول الشاعر:
قد جعلت دلوي تستتليني= ولا أحب تبع القرين
أي تستتبعني، أي تستدعي اتباعي لها.
{وردّوا إلى اللّه مولاهم الحقّ}.
القراءة {الحقّ} من صفة الله عزّ وجلّ - ويجوز الحقّ والحقّ.
والنصب من جهتين إحداهما ردّو حقا، ثم أدخلت الألف واللام، ويجوز على تقدير هو مولاهم الحق، أي يحق ذلك حقا، وفيه جهة ثالثة في النصب على المدح:
هي: اذكر مولاهم الحق.
ومن قرأ {الحقّ} - بضم القاف - فعلى هو مولاهم الحق، لا من جعلوا معه من الشركاء.
{وضلّ عنهم ما كانوا يفترون}.
{فذلكم اللّه ربّكم الحقّ}.
بعد أن قرّروا فقيل لهم:{قل من يرزقكم من السّماء والأرض أمّن يملك السّمع والأبصار ومن يخرج الحيّ من الميّت ويخرج الميّت من الحيّ ومن يدبّر الأمر فسيقولون اللّه فقل أفلا تتّقون * فذلكم اللّه ربّكم الحقّ} ). [معاني القرآن: 3/16-18]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت}
قال مجاهد أي تختبر
ومعناه تجده وتقف عليه
وفي تتلو قولان:
قال الأخفش أي تقرأ كما قال {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك}
والقول الآخر أن معنى تتلو تتبع كما قال:
قد جعلت دلوي تستتليني). [معاني القرآن: 3/291-292]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {هنالك تبلو كل نفس} أي: تختبر). [ياقوتة الصراط: 255]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {تَتلُو} أي تقرأ في المصحف ما قدمت. ومن قرأ {تَبْلُو} أراد تختبر). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 102]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {تَبْلُو}: تخبر
{تتلو}: تقرأ عملها). [العمدة في غريب القرآن: 152]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (31)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {قل من يرزقكم مّن السّماء والأرض أمّن يملك السّمع والأبصار ومن يخرج الحيّ من الميّت ويخرج الميّت من الحيّ ومن يدبّر الأمر فسيقولون اللّه فقل أفلا تتّقون}
وقال: {أمّن يملك السّمع والأبصار} فإن قلت "كيف دخلت {أم} على {من} فلأن {من} ليست في الأصل للاستفهام وإنما يستغنى بها عن الألف فلذلك أدخلت عليها {أم} كما أدخلت على {هل} حرف الاستفهام وإنما الاستفهام في الأصل الألف. و{أم} تدخل لمعنى لا بد منه.
قال الشاعر:
أبا مالكٍ هل لمتني مذ حضضتني = على القتل أم هل لامني لك لائم).
[معاني القرآن: 2/34-35]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {قل من يرزقكم من السّماء والأرض أمّن يملك السّمع والأبصار ومن يخرج الحيّ من الميّت ويخرج الميّت من الحيّ ومن يدبّر الأمر فسيقولون اللّه فقل أفلا تتّقون * فذلكم اللّه ربّكم الحقّ}.
لما خوطبوا بما لا يقدر عليه إلا اللّه - جلّ وعزّ - كان فيه دليل على توحيده). [معاني القرآن: 3/18]

تفسير قوله تعالى: {فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {هنالك تبلو كلّ نفسٍ...}
قرأها عبد الله بن مسعود: {تتلو} بالتاء. معناها - والله أعلم -: تتلو أي يقرأ كلّ نفس عملها في كتاب؛ كقوله: {ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا}
وقوله: {فأما من أوتي كتابه بيمينه}. وقوله: {اقرأ كتابك} قوّة لقراءة عبد الله. قرأها مجاهد {تبلو كل نفسٍ ما أسلفت} أي تخبره وتراه. وكل حسن.
حدثنا محمد بن عبد العزيز التيمي عن مغيرة عن مجاهد أنه قرأ {تبلو} بالباء.
حدثني بعض المشيخة عن الكلبيّ عن أبي صالح عن ابن عباس: {تبلو} تخبر، وكذلك قرأها ابن عباس.
وقوله: {وردّوا إلى اللّه مولاهم الحقّ} {الحقّ} تجعله من صفات الله تبارك وتعالى. وإن شئت جعلته نصبا تريد: ردّ إلى الله حقا. وإن شئت: مولاهم حقا.
وكذلك وقوله: {فذلكم اللّه ربّكم الحقّ...} فيه ما في الأولى). [معاني القرآن: 1/463] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {قل من يرزقكم من السّماء والأرض أمّن يملك السّمع والأبصار ومن يخرج الحيّ من الميّت ويخرج الميّت من الحيّ ومن يدبّر الأمر فسيقولون اللّه فقل أفلا تتّقون * فذلكم اللّه ربّكم الحقّ}.
لما خوطبوا بما لا يقدر عليه إلا اللّه - جلّ وعزّ - كان فيه دليل على توحيده). [معاني القرآن: 3/18] (م)

تفسير قوله تعالى: {كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (33)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله تعالى: {كذلك حقّت كلمة ربّك...}
وقد يقرأ {كلمة ربك} و{كلمات ربك}. قراءة أهل المدينة على الراجح.
وقوله: {على الّذين فسقوا أنّهم لا يؤمنون}: حقّت عليهم لأنهم لا يؤمنون، أو بأنهم لا يؤمنون، فيكون موضعها نصبا إذا ألقيت الخافض.
ولو كسرت فقلت: {إنهم} كان صوابا على الابتداء.
وكذلك قوله: {آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل} وكسرها أصحاب عبد الله على الابتداء). [معاني القرآن: 1/463-464]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {حقّت كلمة ربّك} أي سبق قضاؤه). [تفسير غريب القرآن: 197]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {كذلك حقّت كلمت ربّك على الّذين فسقوا أنّهم لا يؤمنون}
الكاف في موضع نصب، أي مثل أفعالهم جازاهم ربّك.
وقوله: {أنّهم لا يؤمنون} أي حق عليهم أنهم لا يؤمنون، فإنهم لا يؤمنون بدل من كلمة ربّك.
أعلم اللّه أنهم بأعمالهم قد منعوا من الإيمان، وجائز أن تكون الكلمة حقت عليهم لأنهم لا يؤمنون، فإنهم لا يؤمنون بدل من كلمة ربك وتكون الكلمة ما وعدوا به من العقاب). [معاني القرآن: 3/18]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {كذلك حقت كلمة ربك على الذين فسقوا}
ثم بين الكلمة فقال أنهم لا يؤمنون فالمعنى حق عليهم أنهم لا يؤمنون
ويجوز أن يكون المعنى لأنهم لا يؤمنون وتكون الكلمة العقاب). [معاني القرآن: 3/292]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {حَقَّتْ كَلِمَة رَبِّكَ} أي سبق قضاؤه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 102]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (34)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {هل}: تكون للاستفهام، ويدخلها من معنى التقرير والتّوبيخ ما يدخل الألف التي يستفهم بها،
كقوله تعالى: {هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ}، وهذا استفهام فيه تقرير وتوبيخ.
وكذلك قوله تعالى: {هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ). [تأويل مشكل القرآن: 538]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أمّن لاّ يهدّي إلاّ أن يهدى...}
يقول: تعبدون مالا يقدر على النقلة من مكانه، إلا أن يحوّل وتنقلوه). [معاني القرآن: 1/464]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {أمّن لا يهدّي} أراد من لا يهتدي. فأدغم التاء في الدال.
ومن قرأ «يهدي» خفيفة. فإنها بمعنى يهتدي [قال الكسائي: يقول قوم من العرب هديت الطريق بمعنى: اهتديت] ). [تفسير غريب القرآن: 197]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحقّ قل اللّه يهدي للحقّ أفمن يهدي إلى الحقّ أحقّ أن يتّبع أمّن لا يهدّي إلّا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون}
{قل اللّه يهدي للحقّ}.
تقول هديت إلى الحق، وهديت الحقّ بمعنى واحد، لأن " هديت " يتعدى إلى المهديين وإلى الحقّ. يتعدى بحرف جر.
المعنى يهدي من يشاء للحق.
{أفمن يهدي إلى الحقّ أحقّ أن يتّبع أمّن لا يهدّي إلّا أن يهدى}أي: قرروا، فقيل لهم: أيّ أولى بالاتباع؛ الذي يهدي أم الذي لا يهدي إلّا أن يهدى.
وجاء في التفسير أنه يعنى به الأصنام.
وفي يهدي قراءات، قرأ بعضهم أمّن لا يهدي بإسكان الهاء والدال.
وهذه القراءة مروية إلا أن اللفظ بها ممتنع، فلست أدري كيف قرئ بها وهي شاذّة. وقد حكى سيبويه أن مثلها قد يتكلم به.
وقرأ أبو عمرو بن العلاء أمّن لا يهدّي - بفتح الهاء - وهذا صحيح جيد بالغ - الأصل يهتدي فأدغم التاء في الدال وطرح فتحتها على الهاء والذين جمعوا بين ساكنين.
الأصل عندهم أيضا يهتدي، فأدغمت التاء في الدال وتركت الهاء ساكنة، فاجتمع ساكنان.
وقرأ عاصم أمّن لا يهدّي، وهي في الجودة كفتح الهاء في الجودة.
والهاء على هذه القراءة مكسورة لالتقاء السّاكنين.
ورويت عن عاصم أيضا " يهدّي " بكسر الهاء والياء.
أتبع الكسرة الكسرة، وهي رديئة لنقل الكسر في الياء.
وقرئت أمّن لا يهدي بدال خفيفة.
فهذه خمسة أوجه قد قرئ بها هذا الحرف
وقوله: {فما لكم كيف تحكمون}.
{ما لكم} كلام تام، كأنّه قيل لهم: أي شيء لكم في عبادة الأوثان، ثم قيل لهم: {كيف تحكمون} أي: على أي حال تحكمون، فموضع كيف نصب بـ {تحكمون} ).
[معاني القرآن: 3/19-20]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (36)}

تفسير قوله تعالى: {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآَنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (37)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وما كان هذا القرآن أن يفترى...}
المعنى - والله أعلم -: ما كان ينبغي لمثل هذا القرآن أن يفترى. وهو في معنى: ما كان هذا القرآن ليفترى. ومثله {وما كان المؤمنون لينفروا كافة} أي ما كان ينبغي لهم أن ينفروا؛
لأنهم قد كانوا نفروا كافّة، فدلّ المعنى على أنه لا ينبغي لهم أن يفعلوا مرّة أخرى. ومثله {وما كان لنبيّ أن يغلّ} أي ما ينبغي لنبيّ أن يغلّ، ولا يغل. فجاءت {أن} على معنى ينبغي؛ كما قال {مالك ألاّ تكون مع الساجدين} والمعنى: منعك، فأدخلت {أن} في {مالك} إذا كان معناها: ما منعك. ويدلّ على أن معناهما واحد أنه قال له في موضع: {ما منعك}، وفي موضع {مالك} وقصّة إبليس واحدة). [معاني القرآن: 1/464]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون اللّه} أي يضاف إلى غيره، أو يختلق). [تفسير غريب القرآن: 197]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون اللّه ولكن تصديق الّذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من ربّ العالمين}
هذا جواب لقولهم: {ائت بقرآن غير هذا أو بدّله}.
وجواب لقولهم افتراه، والمعنى وما كان هذا القرآن لأن يفترى من دون الله ويجوز أن يكون المعنى: وما كان هذا القرآن افتراء، كما تقول: وما كان هذا الكلام كذبا.
{ولكن تصديق الّذي بين يديه}.
وفيه وجهان:
أحدهما أن يكون تصديق الشيء الذي القرآن بين يديه، أي الذي قبل سماعكم القرآن، أي تصديق من أنباء الأمم السالفة وأقاصيص أنبائهم.
ويجوز أن يكون " ولكن تصديق الذي بين يدي القرآن "، أي تصديق الشيء الذي تقدمه القرآن أي يدل على البعث والنشور.
وقرئ ولكن تصديق الذي بين يديه، فمن نصب فإن المعنى ولكن كان تصديق الذي بين يديه، ومن رفع فعلى ولكن تصديق الذي هو بين يديه.
ومن رفع قال: {وتفصيل الكتاب} ). [معاني القرآن: 3/20]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله} معناه لأن يفترى أي لأن يختلق
ويجوز أن يكون المعنى وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله كما تقول وما كان هذا القرآن كذبا
ثم قال جل وعز: {ولكن تصديق الذي بين يديه}
يجوز أن يكون المعنى ولكن تصديق الشيء الذي القرآن بين يديه أي يصدق ما تقدمه من الكتب وأنباء الأمم
ويجوز أن يكون المعنى أنه يصدق ما لم يأت من أمر الساعة). [معاني القرآن: 3/293]

تفسير قوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {لا ريب فيه من ربّ العالمين}{أم يقولون}مجاز أم ها هنا مجاز الواو ويقولون). [مجاز القرآن: 1/278]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {افتراه} أي اختلقه وابتشكه). [مجاز القرآن: 1/278]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورةٍ مّثله وادعوا من استطعتم مّن دون اللّه إن كنتم صادقين}
وقال: {فأتوا بسورةٍ مّثله} وهذا - والله أعلم - "على مثل سورته" وألقى السورة كما قال: {واسأل القرية} يريد "أهل القرية"). [معاني القرآن: 2/35]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون اللّه إن كنتم صادقين}
المعنى بل أيقولون افتراه هذا تقرير لهم لإقامة الحجة عليهم:
{قل فأتوا بسورة مثله} أي أتقولون النبي اختلقه وأتى به من ذات نفسه، فأتوا بسورة من مثله.
أي بسورة مثل سورة منه، وإنما قيل مثله، يراد سورة منه لأنه إنما التمس من هذا شبه الجنس.
{وادعوا من استطعتم} ممن هو في التكذيب مثلكم، وإن خالفكم في أشياء.
{إن كنتم صادقين} في أنّه اختلقه). [معاني القرآن: 3/21]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله}
المعنى بسورة مثل سوره مثل {واسأل القرية} والمراد الجنس
وقيل المعنى فأتوا بقرآن مثل هذا القرآن والسورة قرآن فكنى عنها بالتذكير على المعنى ولو كان على اللفظ لقيل مثلها
ثم قال جل وعز: {وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين}أي ادعوا من يعينكم ممن يذهب إلى مذهبكم إن كنتم صادقين أنه مفترى). [معاني القرآن: 3/293-294]

تفسير قوله تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (39)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ولمّا يأتهم تأويله} أي عاقبته). [تفسير غريب القرآن: 197]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {بل كذّبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولمّا يأتهم تأويله كذلك كذّب الّذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظّالمين}
هذا - واللّه أعلم - قيل في الذين كذبوا، وهم شاكون {ولمّا يأتهم تأويله}.
أي لم يكن معهم علم تأويله، وهذا دليل أن علم التأويل ينبغي أن ينظر فيه، ويجوز أن يكون: {ولمّا يأتهم تأويله} لم يأتهم ما يؤول إليه أمرهم في التكذيب به من العقوبة.
ودليل هذا القول: {كذّب الّذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظّالمين}.
{كيف} في موضع نصب على خبر كان، ولا يجوز أن يعمل فيها.. " انظر " لأن ما قبل الاستفهام لا يعمل فيه). [معاني القرآن: 3/21]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه}
قيل يراد بهذا والله أعلم من كذب وهو شاك
وقيل بما لم يحيطوا بعلمه أي بما فيه من الوعيد على كفرهم
{ولما يأتهم تأويله} أي ما يؤول إليه ذلك الوعيد
وقيل {ولما يأتهم تأويله} أي لم يعرفوه فهذا يدل على
أنه يجب أن ينظر في التأويل
ويجوز أن يكون المعنى ولما يأتهم ما يؤول إليه أمرهم من العقاب). [معاني القرآن: 3/294-295]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُه} أي عاقبته). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 102]

تفسير قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (40)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به وربّك أعلم بالمفسدين}
أي منهم من يعلم أنه حق فيصدّق به، أو يعاند فيظهر الكفر، {ومنهم من لا يؤمن به} أي منهم من يشك ولا يصدّق). [معاني القرآن: 3/21-22]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به وربك أعلم بالمفسدين}
أي منهم من يعلم أنه حق ويظهر الكفر عنادا وإبقاء على رياسته ومنهم من لا يؤمن به في السر والعلانية
وقوله جل وعز: {ومنهم من يستمعون إليك أفأنت تسمع الصم} أي ظاهرهم ظاهر من يستمعون وهم لشدة عداوتهم وانحرافهم عن النبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة الصم).
[معاني القرآن: 3/295]
تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (41)}

تفسير قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ (42)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (قوله: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ} كيف دلّ على فضل السّمع على البصر، حين جعل مع الصمم فقدان العقل، ولم يجعل مع العمى إلا فقدان النظر) ). [تأويل مشكل القرآن: 7]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {ومنهم من يستمعون إليك أفأنت تسمع الصّمّ ولو كانوا لا يعقلون}
أي ظاهرهم ظاهر من يستمع، وهم لشدة عداوتهم وبغضهم للنبي - صلى الله عليه وسلم - وسوء استماعهم بمنزله الصّم.
{ولو كانوا لا يعقلون} أي ولو كانوا مع ذلك جهّالا.
وهذا مثل قول الشّاعر:
أصم عما ساءه سميع). [معاني القرآن: 3/22]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {ولو كانوا لا يعقلون}.
أي ولو كانوا مع هذا جهالا). [معاني القرآن: 3/296]

تفسير قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ (43)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (قوله: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ} كيف دلّ على فضل السّمع على البصر، حين جعل مع الصمم فقدان العقل، ولم يجعل مع العمى إلا فقدان النظر) ). [تأويل مشكل القرآن: 7] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون}
أي يقبل عليك بالنظر وهو كالأعمى من بغضه لك وكراهته لما يراه من آياتك،
كما قال اللّه - جل ثناؤه -{ينظرون إليك تدور أعينهم كالّذي يغشى عليه من الموت} ). [معاني القرآن: 3/22]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون}
ومنهم من ينظر إليك أي يديم النظر إليك كما قال تعالى: {ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت} ). [معاني القرآن: 3/296]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (44)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إنّ اللّه لا يظلم النّاس شيئاً ولكنّ النّاس...}
للعرب في {لكن} لغتان: تشديد النون وإسكانها. فمن شدّدها نصب بها الأسماء، ولم يلها فعل ولا يفعل. ومن خفّف نونها وأسكنها لم يعملها في شيء اسمٍ
ولا فعل، وكان الذي يعمل في الاسم الذي بعدها ما معه، ينصبه أو يرفعه أو يخفضه؛ من ذلك قوله: {ولكن الناس أنفسهم يظلمون} {ولكن اللّه رمى} {ولكن الشياطين كفروا} رفعت هذه الأحرف بالأفافيل التي بعدها. وأمّا قوله: {ما كان محمد أبا أحدٍ من رجالكم ولكن رسول اللّه} فإنك أضمرت {كان} بعد {لكن} فنصبت بها، ولو رفعته على أن تضمر {هو}: ولكن هو رسول الله كان صوابا. ومثله {وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون اللّه ولكن تصديق الذي بين يديه} و{تصديق}.
ومثله {ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه} و{تصديق}.
فإذا ألقيت من {لكن} الواو التي في أوّلها آثرت العرب تخفيف نونها. وإذا أدخلوا الواو وآثروا تشديدها. وإنما فعلوا ذلك لأنها رجوع عمّا أصاب أوّل الكلام، فشبّهت ببل إذ كان رجوعا مثلها؛ ألا ترى أنك تقول: لم يقم أخوك بل أبوك ثم تقول: لم يقم أخوك لكن أبوك، فتراهما بمعنى واحد، والواو لا تصلح في بل، فإذا قالوا ولكن) فأدخلوا الواو تباعدت من (بل) إذ لم تصلح الواو في (بل)، فآثروا فيها تشديد النون، وجعلوا الواو كأنها واو ودخلت لعطفٍ لا لمعنى بل.
وإنما نصبت العرب بها إذا شدّدت نونها لأن أصلها: إنّ عبد الله قائم، فزيدت على (إن) لام وكاف فصارتا جميعا حرفا واحدا؛
ألا ترى أن الشاعر قال:
* ولكنني من حبّها لكميد *
فلم تدخل اللام إلا لأن معناها إنّ.
وهي فيما وصلت به من أوّلها بمنزلة قول الشاعر:
لهنّك من عبسيّةٍ لوسيمةٌ =على هنواتٍ كاذبٍ من يقولها
وصل (إنّ) ها هنا بلام وهاء؛ كما وصلها ثمّ بلام وكاف. والحرف قد يوصل من أوّله وآخره. فما وصل من أوله (هذا)، (ها ذاك)، وصل بـ (ها) من أوّله. ومما وصل من آخره.
قوله: {إمّا ترينّي ما يوعدون}، وقوله: لتذهبن ولتجلسن. وصل من آخره بنون وبـ (ما). ونرى أن قول العرب: كم مالك، أنها (ما) وصلت من أولها بكاف، ثم إن الكلام كثر بـ (كم) حتى حذفت الألف من آخرها فسكنت ميمها؛ كما قالوا: لم قلت ذاك؟ ومعناه: لم قلت ذاك، ولما قلت ذاك؟
قال الشاعر:
يا أبا الأسود لم أسلمتني =لهموم طارقات وذكر
وقال بعض العرب في كلامه وقيل له: منذ كم قعد فلان؟ فقال: كمذ أخذت في حديثك، فردّه الكاف في (مذ) يدلّ على أن الكاف في (كم) زائدة.
وإنهم ليقولون: كيف أصبحت، فيقول: كالخير، وكخير. وقيل لبعضهم: كيف تصنعون الأقط؟ فقال: كهيّن). [معاني القرآن: 1/464-466]

تفسير قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (45)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلّا ساعة من النّهار يتعارفون بينهم قد خسر الّذين كذّبوا بلقاء اللّه وما كانوا مهتدين}
أي قرب عندهم ما بين موتهم وبعثهم، كما قال - عزّ وجلّ: {لبثنا يوما أو بعض يوم}.
{يتعارفون بينهم}.
يعرف بعضهم بعضا، وفي معرفة بعضهم بعضا وعلم بعضهم بإضلال بعض، التوبيخ لهم وإثبات الحجة عليهم.
{قد خسر الّذين كذّبوا بلقاء اللّه}.
يجوز - واللّه أعلم - أن يكون هذا إعلاما من اللّه - جلّ وعز - بعد أن بيّن الدلالة على أمر البعث والنشور، أنّه من كذب بعد هذه الآية فقد خسر ويجوز أن يكون - والله أعلم - بتعارفهم بينهم يقولون قد خسر الّذين كذبوا بلقاء اللّه). [معاني القرآن: 3/22-23]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار} أي قريب ما بين موتهم ومبعثهم،
ثم قال {يتعارفون بينهم} أي يعرف بعضهم بعضا وهو أشد لتوبيخهم إذا عرف بعضهم بعضا بالإضلال والفساد). [معاني القرآن: 3/297]

تفسير قوله تعالى: {وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ (46)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فإلينا مرجعهم ثمّ اللّه شهيدٌ على ما يفعلون...}
{ثم} ها هنا عطف. ولو قيل: ثمّ اللّه شهيد على ما يفعلون. يريد: هنالك الله شهيد على ما يفعلون). [معاني القرآن: 1/466]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وإمّا نرينّك بعض الّذي نعدهم أو نتوفّينّك فإلينا مرجعهم ثمّ اللّه شهيد على ما يفعلون}
يقال في التفسير إنه يعنى به وقعة بدر، وقيل إنّ اللّه - جلّ وعزّ – أعلم النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه ينتقم من بعض هذه الأمّة ولم يعلمه أيكون ذلك قبل وفاته أم بعدها.
والذي تدل عليه الآية أنّ اللّه - جل وعز - أعلمه أنه إن لم ينتقم منهم في العاجل انتقم منهم في الآجل، لأن قوله: {أو نتوفّينّك فإلينا مرجعهم ثمّ اللّه شهيد على ما يفعلون}
يدل على ذلك.
وقد أعلم كيف المجازاة على الكفر والمعاصي). [معاني القرآن: 3/23]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك}
قال مجاهد أي وإما نرينك العذاب في حياتك {أو نتوفينك قبل ذلك فإلينا مرجعهم}
وقال غيره يريد بقوله جل وعز: {وإما نرينك بعض الذي نعدهم} وقعة بدر والله أعلم). [معاني القرآن: 3/297-298]

تفسير قوله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (47)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ولكلّ أمّة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون}
المعنى - واللّه أعلم - أنّ كل رسول شاهد على أمّته بإيمانهم وكفرهم.
كما قال - جلّ وعزّ - {وكذلك جعلناكم أمّة وسطا لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيدا}.
وكما قال جلّ وعزّ: {وقال الرّسول يا ربّ إنّ قومي اتّخذوا هذا القرآن مهجورا }.
ويجوز - واللّه أعلم - أنّ اللّه أعلم أنه لا يعذّب قوما إلا بعد الإعذار إليهم والإنذار، أي لم يعذبهم حتى يجيئهم الرسول،
كما قال - جلّ وعزّ -:{وما كنّا معذّبين حتّى نبعث رسولا}.
وكما قال: {رسلا مبشّرين ومنذرين لئلّا يكون للنّاس على اللّه حجّة بعد الرّسل} ). [معاني القرآن: 3/23-24]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط}
قال مجاهد يعني يوم القيامة والمعنى على هذا فإذا جاء رسولهم يشهد عليهم بالإيمان والكفر كما قال تعالى: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد}
وقال جل وعز: {وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا}
وقال غير مجاهد يجوز أن يكون إنه لا يعذب أحدا حتى يجيئه الإعذار والإنذار وإنما يأتي بهذا الرسل). [معاني القرآن: 3/296-297]

تفسير قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (48)}

تفسير قوله تعالى: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (49)}

تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (50)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إن أتاكم عذابه بياتاً أو نهاراً مّاذا يستعجل منه المجرمون...}
إن شئت جعلت {ماذا} استفهاما محضا على جهة التعجّب؛ كقوله: ويلهم ماذا أرادوا باستعجال العذاب؟! وإن شئت عظّمت أمر العذاب فقلت: بماذا استعجلوا!
وموضعه رفع إذا جعلت الهاء راجعة عليه، وإن جعلت الهاء في {منه} للعذاب وجعلته في موضع نصب أوقعت عليه الاستعجال). [معاني القرآن: 1/467]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إن أتاكم عذابه بياتاً} أي بيّتكم ليلا وأنتم بائتون). [مجاز القرآن: 1/278]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتاً أو نهاراً مّاذا يستعجل منه المجرمون}
وقال: {ماذا يستعجل منه المجرمون} فإن شئت جعلت {ماذا} اسما بمنزلة {ما} وإن شئت جعلت {ذا} بمنزلة "الذي"). [معاني القرآن: 2/35]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله - جلّ وعزّ: {قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتا أو نهارا ماذا يستعجل منه المجرمون}
البيات كل ما كان بليل، وهو منصوب على الوقت.
وقوله: {ماذا يستعجل منه المجرمون}.
{ما} في موضع رفع من جهتين:
إحداهما أن يكون ذا بمعنى.. " ما الّذي "
يستعجل منه المجرمون، ويجوز أن يكون " ماذا " اسما واحدا، ويكون المعنى: أي شيء يستعجل منه المجرمون والهاء في منه يعود على العذاب نصب،
فيكون المعنى: أي شيء يستعجل المجرمون من اللّه - جلّ وعزّ -.
والأجود أن تكون الهاء تعود على العذاب، لقوله: {أثمّ إذا ما وقع آمنتم به}.
وقوله: {آلآن وقد كنتم به تستعجلون}.
المعنى: آلآن تؤمنون، فزعم القراء أن.. " آلأن " إنما هو " أأن كذا
وكذا "، وأن الألف واللام دخلت على جهة الحكاية.
وما كان على جهة الحكاية نحو قولك " قام " إذا سميت به فجعلته مبنيا على الفتح لم تدخله الألف واللام.
و " الآن " عند سيبويه مبني على الفتح. نحو " نحن لن الآن نصير إليك). فتفتح لأن الألف واللام إنما تدخل لعهد.
و " الآن " لم تعهده قبل هذا
الوقت، فدخلت الألف واللام للإشارة إلى الوقت.
والمعني نحن من هذا الوقت نفعل، فلما تضمنت معنى هذا، وجب أن تكون موقوفة ففتحت لالتقاء السّاكنين، وهما الألف واللام). [معاني القرآن: 3/24-25]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتا أو نهارا ماذا يستعجل منه المجرمون}
يجوز أن يكون المعنى ماذا يستعجل من الله
ويجوز أن يكون ماذا يستعجل من العذاب المجرمون
قال أبو جعفر وهذا أشبه بالمعنى لقوله تعالى: {أثم إذا ما وقع آمنتم به} ). [معاني القرآن: 3/298]

تفسير قوله تعالى: {أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آَمَنْتُمْ بِهِ آَلْآَنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (51)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {الآن وقد كنتم به تستعجلون...}
{الآن} حرف بني على الألف واللام لم تخلع منه، وترك على مذهب الصفة؛ لأنه صفة في المعنى واللفظ؛ كما رأيتهم فعلوا في (الذي) و(الذين) فتركوهما على مذهب الأداة،
والألف واللام لهما غير مفارقتين.
ومثله قال الشاعر:

فإن الألاء يعلمونك منهم =كعلمي مظّنّوك ما دمت أشعرا
فأدخل الألف واللام على {ألاء} ثم تركها مخفوضة في موضع النصب؛ كما كانت قبل أن تدخلها الألف واللام.
ومثله قوله:

وأني حبست اليوم والأمس قبله =ببابك حتى كادت الشمس تغرب
فأدخل الألف واللام على (أمس) ثم تركه مخفوضا على (جهته الأولى).
ومثله قول الآخر:
تفقّأ فوقه القلع السواري =وجنّ الخازباز به جنونا
فمثل (الآن) بأنها كانت منصوبة قبل أن تدخل عليها الألف واللام، ثم أدخلتهما فلم يغيراها. وأصل الآن إنما كان (أوان) حذفت منها الألف وغيّرت واوها إلى الألف؛
كما قالوا في الراح: الرياح؛ أنشدني أبو القمقام الفقعسي:
كأن مكاكي الجواء غديّةً = نشاوى تساقوا بالرياح المفلفل
فجعل الرياح والأوان على جهة فعل ومرة على جهة فعال؛ كما قالوا: زمن وزمان. وإن شئت جعلت (الآن) أصلها من قولك: آن لك أن تفعل، أدخلت عليها الألف واللام، ثم تركتها على مذهب فعل فأتاها النصب من نصب فعل. وهو وجه جيّد؛ كما قالوا: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قيل وقال وكثرة السؤال،
فكانتا كالاسمين فهما منصوبتان. ولو خفضتا على أنهما أخرجتا من نيّة الفعل كان صوابا؛ سمعت العرب تقول: من شبّ إلى دبّ بالفتح، ومن شبٍّ إلى دبٍّ؛ يقول: مذ كان صغيرا إلى أن دبّ، وهو فعل). [معاني القرآن: 1/467-469]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الآن
الآن: هو الوقت الذي أنت فيه، وهو حدّ الزّمانين: حدّ الماضي من آخره، وحدّ الزمان المستقبل من أوله.
قال الفراء: «هو حرف بني على الألف واللام، ولم يخلعا منه، وترك على مذهب الصّفة، لأنه في المعنى واللفظ، كما رأيتهم فعلوا بالذي، فتركوه على مذهب الأداة، والألف واللام له لازمة غير مفارقة.
وأرى أصله: أوان، حذفت منه الألف، وغيّرت واوه إلى الألف، كما قالوا في الرّاح: الرّياح. وأنشد:
كأنّ مكاكيّ الجواء غديّة نشاوى تساقوا بالرّياح المفلفل
قال: فهي مرّة على تقدير (فعل) ومرّة على تقدير (فعال) كما قالوا: زمن، وزمان.
وإن شئت جعلتها من قولك: آن لك أن تفعل كذا وكذا، أدخلت عليها الألف واللام ثم تركتها على مذهب (فعل) منصوبة، كما قالوا:
«نهى رسول الله، صلّى الله عليه وسلم عن قيل وقال، وكثرة السّؤال»
فكانتا كالاسمين وهما منصوبتان، ولو خفضتا على النّقل لهما من حدّ الأفعال إلى الأسماء في النّية- كان صوابا.
وسمعت العرب تقول: من شبّ إلى دبّ، ومن شبّ إلى دبّ، مخفوض منون، يذهبون به مذهب الأسماء. والمعنى: مذ كان صغيرا فشبّ إلى أن دبّ كبيرا.
قال الله تعالى: {آَلْآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} {آَلْآَنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} أي أفي هذا الوقت وفي هذا الأوان تتوب وقد عصيت قبل؟).
[تأويل مشكل القرآن: 523-524]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {الآن وقد كنتم به تستعجلون} وفي الكلام حذف والمعنى الآن تؤمنون به). [معاني القرآن: 3/298]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (52)}


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 6 محرم 1432هـ/12-12-2010م, 04:57 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 53 إلى 70]

(وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (53) وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (54) أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (55) هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (56) يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58) قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آَللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (59) وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (60) وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآَنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (61) أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64) وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (65) أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (66) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (67) قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (68) قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (69) مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (70) )

تفسير قوله تعالى: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (53)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {ويستنبئونك أحقٌّ هو قل إي وربّي إنّه لحقٌّ وما أنتم بمعجزين}
وقال: {ويستنبئونك أحقٌّ هو} كأنه قال "ويقولون أحقّ هو"). [معاني القرآن: 2/35]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( (إي): بمعنى بلى، قال الله تعالى: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ} ولا تأتي إلا قبل اليمين، صلة لها).
[تأويل مشكل القرآن: 562]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ويستنبئونك أحقّ هو قل إي وربّي إنّه لحقّ وما أنتم بمعجزين}
أي لستم ممن يعجز أن يجازى على كفره). [معاني القرآن: 3/25]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ويستنبئونك أحق هو}
المعنى ويستخبرونك فيقولون أحق هو
{قل أي وربي إنه لحق} أي المعنى نعم
وقوله جل وعز: {وما أنتم بمعجزين}
أي ما أنتم ممن يعجز عن أن يجازى بكفره). [معاني القرآن: 3/299]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {ويستنبئونك أحق هو} أي: يستخبرونك). [ياقوتة الصراط: 256]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {قل إي وربي} أي: نعم). [ياقوتة الصراط: 256]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (54)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وأسرّوا النّدامة لمّا رأوا العذاب...}
يعني الرؤساء من المشركين، أسرّوها من سفلتهم الذين أضلّوهم، فأسرّوها أي أخفوها). [معاني القرآن: 1/469]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {ولو أنّ لكلّ نفس ظلمت ما في الأرض لافتدت به وأسرّوا النّدامة لمّا رأوا العذاب وقضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون}
{وأسرّوا النّدامة لمّا رأوا العذاب}.
هؤلاء الدّعاة الرؤساء الكفرة، أسروا ندامتهم). [معاني القرآن: 3/25]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وأسروا الندامة لما رأوا العذاب}
في معناه قولان:
أحدهما أن الرؤساء الدعاة إلى الكفر أسروا الندامة لما رأوا العذاب والآخر أن أسروا بمعنى أظهروا
وقال أبو العباس إن كان هذا صحيحا فمعناه بدت الندامة في أسرة وجوههم وواحدها سرار وهي الخطوط التي في الجبهة). [معاني القرآن: 3/299-300]

تفسير قوله تعالى: {أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (55)}

تفسير قوله تعالى: {هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (56)}

تفسير قوله تعالى: ريَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57)ؤ
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {يا أيّها النّاس قد جاءتكم موعظة من ربّكم وشفاء لما في الصّدور وهدى ورحمة للمؤمنين}
{قد جاءتكم موعظة من ربّكم} يعني القرآن). [معاني القرآن: 3/25]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم} يعني القرآن). [معاني القرآن: 3/300]

تفسير قوله تعالى: رقُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {قل بفضل اللّه وبرحمته فبذلك فليفرحوا...}
هذه قراءة العامة. وقد ذكر عن زيد بن ثابت أنه قرأ {فبذلك فلتفرحوا} أي يا أصحاب محمد، بالتاء.
وقوله: {هو خيرٌ مّمّا يجمعون}: يجمع الكفار. وقوّى قول زيد أنها في قراءة أبيّ {فبذلك فافرحوا} وهو البناء الذي خلق للأمر إذا واجهت به أو لم تواجه؛ إلا أن العرب حذفت اللام من فعل المأمور المواجه لكثرة الأمر خاصّة في كلامهم؛ فحذفوا؛ اللام كما حذفوا التاء من الفعل. وأنت تعلم أن الجازم أو الناصب لا يقعان إلا على الفعل الذي أوّله الياء والتاء والنون والألف. فلما حذفت التاء ذهبت باللام وأحدثت الألف في قولك: اضرب وافرح؛ لأن الضاد ساكنة فلم يستقم أن يستأنف بحرف ساكن، فأدخلوا ألفا خفيفة يقع بها الابتداء؛ كما قال: {ادّاركوا}. {واثّاقلتم}. وكان الكسائيّ يعيب قولهم (فلتفرحوا) لأنه وجده
قليلا فجعله عيبا، وهو الأصل. ولقد سمعت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في بعض المشاهد {لتأخذوا مصافّكم} يريد به خذوا مصافّكم). [معاني القرآن: 1/469-470]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {قل بفضل اللّه وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خيرٌ مّمّا يجمعون}
وقال: {قل بفضل اللّه وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خيرٌ مّمّا يجمعون} وقال بعضهم (تجمعون) أي: تجمعون يا معشر الكفار. وقال بعضهم (فلتفرحوا) وهي لغة العرب ردية لأن هذه اللام إنما تدخل في الموضع الذي لا يقدر فيه على "أفعل"؛ يقولون: "ليقل زيدٌ" لأنك لا تقدر على "أفعل". ولا تدخل اللام إذا كلمت الرجل فقلت "قل" ولم تحتج إلى اللام. وقوله: {فبذلك} بدل من قوله: {قل بفضل اللّه وبرحمته}). [معاني القرآن: 2/35]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {قل بفضل اللّه وبرحمته} فضله: الإسلام. ورحمته: القرآن). [تفسير غريب القرآن: 197]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {قل بفضل اللّه وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير ممّا يجمعون}
اللام أصلها الكسر. و {فبذلك} بدل من قوله.. {بفضل اللّه وبرحمته}.
وهو يدل على أنه يعني به القرآن أيضا). [معاني القرآن: 3/25]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {قل بفضل الله وبرحمته فليفرحوا}
قال الحسن فضله الإسلام ورحمته القرآن
وقال أبو التياح بفضل الله يعني الإسلام وبرحمته يعني القرآن فبذلك فلتفرحوا يا أصحاب محمد هو خير مما يجمعون قال يعني الكفار
وروى عكرمة عن ابن عباس بفضل الله القرآن وبرحمته أن جعلنا من أهله). [معاني القرآن: 3/300-301]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {قُلْ بِفَضْلِ اللّه} أي بالإسلام، {وِبِرَحْمَتِهِ} أي بالقران). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 102]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آَللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (59)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {قل أرأيتم ما أنزل اللّه لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آللّه أذن لكم أم على اللّه تفترون}
{ما} في موضع نصب بـ {أنزل}، والمعنى إنكم جعلتم البحائر والسوائب حراما واللّه لم يحرّم ذلك). [معاني القرآن: 3/25]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا}
قال مجاهد يعني البحائر والسوائب
وقال الضحاك يعني بقوله: {وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا} ). [معاني القرآن: 3/301]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (60)}

تفسير قوله تعالى: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآَنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (61)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وما تكون في شأنٍ وما تتلو منه من قرآنٍ ولا تعملون من عملٍ إلاّ كنّا عليكم شهوداً...}
يقول: الله تبارك وتعالى شاهد على كل شيء. {وما} ها هنا جحد لا موضع لها. وهي كقوله: {ما يكون من نّجوى ثلاثةٍ إلا هو رابعهم} يقول: إلا هو شاهدهم.
{وما يعزب عن رّبّك من مّثقال ذرّةٍ في الأرض ولا في السّماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر} و{أصغر وأكبر}. فمن نصبهما فإنما يريد الخفض: يتبعهما المثقال أو الذرّة.
ومن رفعهما أتبعهما معنى المثقال؛ لأنك لو ألقيت من المثقال {من} كان رفعا. وهو كقولك: ما أتاني من أحد عاقلٍ وعاقلٌ.
وكذلك قوله: {ما لكم من إلهٍ غيره}). [معاني القرآن: 1/470]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إذ تفيضون فيه} أي تكثرون وتلغطون وتخلطون.
{وما يعزب عن ربّك} أي ما يغيب عنه، ويقال: أين عزب عقلك عنك.
{مثقال ذرّةٍ} أي زنة نملة صغيرة، ويقال خذ هذا فإنه أخف مثقالاً، أي وزناً). [مجاز القرآن: 1/278]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وما تكون في شأنٍ وما تتلوا منه من قرآنٍ ولا تعملون من عملٍ إلاّ كنّا عليكم شهوداً إذ تفيضون فيه وما يعزب عن رّبّك من مّثقال ذرّةٍ في الأرض ولا في السّماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلاّ في كتابٍ مّبينٍ}
وقال: {وما يعزب عن رّبّك من مّثقال ذرّةٍ في الأرض ولا في السّماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر} أيّ: "ولا يعزب عنه أصغر من ذلك ولا أكبر" بالرفع. وقال بعضهم (ولا أصغر من ذلك ولا أكبر) بالفتح أي: "ولا من أصغر من ذلك ولا من أكبر" ولكنه "أفعل" ولا ينصرف وهذا أجود في العربية وأكثر في القراءة وبه نقرأ). [معاني القرآن: 2/36]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {إذ تفيضون فيه}: تكثرون وتلغطون.
{وما يعزب عن ربك}: يغيب عزب الشيء إذا غاب). [غريب القرآن وتفسيره: 171]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {إذ تفيضون فيه} أي تأخذون فيه. يقال: أفضنا في الحديث.
{وما يعزب عن ربّك} أي ما يبعد ولا يغيب {من مثقال ذرّةٍ} أي وزن نملة صغيرة). [تفسير غريب القرآن: 197]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلّا كنّا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربّك من مثقال ذرّة في الأرض ولا في السّماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلّا في كتاب مبين}
أي أيّ وقت تكون في شأن من عبادة اللّه، وما تلوت به - من الشأن من قرآن.
{إذ تفيضون فيه}أي إذ تنتشرون فيه، يقال: أفاض القوم في الحديث إذا انتشروا فيه وخاضوا.
{وما يعزب عن ربّك من مثقال ذرّة}.
يقرأ يعزب ويعزب - بضم الزاي وكسرها - ومعناه ما يبعد، والمثقال: والثقل في معنى واحد.
{ولا أصغر من ذلك ولا أكبر}.
فالفتح على.. ما يعزب عن ربك من مثقال ذرة ولا مثقال أصغر من ذلك ولا أكبر، والموضع موضع جر إلا أنه فتح لأنه لا يصرف.
ومن رفع فالمعنى: ما يعزب عن ربك مثقال ذرّة ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين.
والخبر قوله: {إلا في كتاب مبين} ). [معاني القرآن: 3/26]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه}
معنى {وما تكون في شأن} أي وأي وقت تكون في شأن من عبادة أو غيرها {وما تتلو منه من قرآن} قال أبو إسحاق المعنى من الشأن
وقوله جل وعز: {إذ تفيضون فيه} أي تأخذون فيه ومنه أفاض في الحديث
وقوله جل وعز: {وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة} أي وما يبعد ولا يغيب
ومثقال الشيء وزنه والذرة النملة الصغيرة). [معاني القرآن: 3/301-302]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) :{تتلو} تقرأ). [ياقوتة الصراط: 255]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {إذ تفيضون فيه} أي: إذ تأخذون في حديثه وأمره). [ياقوتة الصراط: 256]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {وما يعزب} أي: وما يغرب: أي وما يبعد). [ياقوتة الصراط: 256]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} أي تأخذون.
{وَمَا يَعْزُبُ} أي يبعد ويغيب.
{مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ} أي وزن مثقال ذرة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 103]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {تُفِيضُونَ}: تكثرون القول
{يَعْزُبُ}: يغيب). [العمدة في غريب القرآن: 153]

تفسير قوله تعالى: رأَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)}
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون}
يروى أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم من أولياء الله فقال الذين إذا رؤوا ذكر الله
حدثنا أبو جعفر قال نا الحسين بن عمر الكوفي ببغداد قال نا العلاء بن عمرو قال نا يحيى بن اليمان عن أشعث بن إسحاق القمي عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون} قال يذكر الله جل وعز برؤيتهم). [معاني القرآن: 3/302]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ألا إنّ أولياء اللّه لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون...الّذين آمنوا وكانوا يتّقون...}
{الذين} في موضع رفع؛ لأنه نعت جاء بعد خبر إن؛ كما قال {إن ذلك لحقٌّ تخاصم أهل النار} وكما قال {قل إنّ ربّي يقذف بالحقّ علاّم الغيوب} والنصب في كل ذلك جائز على الإتباع للاسم الأوّل وعلى تكرير {إنّ}.
وإنما رفعت العرب النعوت إذا جاءت بعد الأفاعيل في {إنّ} لأنهم رأوا الفعل مرفوعا، فتوهّموا أن صاحبه مرفوع في المعنى - لأنهم لم يجدوا في تصريف المنصوب اسما منصوبا وفعله مرفوع - فرفعوا النعت. وكان الكسائيّ يقول: جعلته - يعني النعت - تابعا للاسم المضمر في الفعل؛ وهو خطأ وليس بجائز؛ لأن (الظريف) وما أشبهه أسماء ظاهرة، ولا يكون الظاهر نعتا لمكنيّ إلا ما كان مثل نفسه وأنفسهم، وأجمعين، وكلهم؛ لأن هذه إنما تكون أطرافا لأواخر الكلام؛ لا يقال مررت بأجمعين، كما يقال مررت بالظريف.
وإن شئت جعلت قوله: {الّذين آمنوا وكانوا يتّقون} رفعا.
بقوله: {لهم البشرى في الحياة الدّنيا}). [معاني القرآن: 1/470-471]

تفسير قوله تعالى: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): ( {لهم البشرى في الحياة الدّنيا}.
وذكر أن البشرى في الحياة الدنيا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له، وفي الآخرة الجنة. وقد يكون قوله: {لهم البشرى} ما بشّرهم به في كتابه من موعوده،
فقال {ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات} في كثير من القرآن.
ثم قال لهم {لا تبديل لكلمات اللّه} أي لا خلف لوعد الله). [معاني القرآن: 1/471]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {لهم البشرى في الحياة الدّنيا} يقال: الرؤيا الصالحة.
{في الآخرة}: الجنة. {لا تبديل لكلمات اللّه} أي لا خلف لمواعيده). [تفسير غريب القرآن: 197]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {لهم البشرى في الحياة الدّنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات اللّه ذلك هو الفوز العظيم}
جاء في أكثر التفسير. البشرى، الرؤيا الصالحة يراها المؤمن في منامه.
وفي الآخرة، الجنة، وهو - واللّه أعلم - أن البشرى ما بشرهم الله به، وهو
قوله: {يبشّرهم ربّهم برحمة منه ورضوان وجنّات لهم فيها نعيم مقيم}.
وهذا يدل عليه: {لا تبديل لكلمات اللّه} ). [معاني القرآن: 3/26-27]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة}
قال عبادة بن الصامت سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله جل وعز: {لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة} فقال هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له وفي الآخرة الجنة
وفيها قول آخر رواه شعبة عن ابن عمران الجوني عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قلت للنبي صلى الله عليه وسلم الرجل يعمل لنفسه خيرا ويحبه الناس فقال تلك عاجل بشرى المؤمنين في الدنيا
وقوله جل وعز: {لا تبديل لكلمات الله} أي لا خلف لوعده
وقيل معنى لا تبديل لكلمات الله لا تبديل لأخباره أي لا ينسخها شيء ولا تكون إلا كما قال). [معاني القرآن: 3/303]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا} في الرؤيا الصالحة، وقيل: ما يراه عند الموت. {وَفِي الآخِرَةِ} الجنة.
{لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ} أي لا خلف لمواعيده). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 103]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (65)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ولا يحزنك قولهم إنّ العزّة للّه...}
المعنى الاستئناف. ولم يقولوا هم ذاك، فيكون حكاية. فأمّا قوله: {وقولهم إنا قتلنا المسيح} فإنها كسرت لأنها جاءت بعد القول، وما كان بعد القول من {إن}
فهو مكسور على الحكاية في قال ويقولون وما صرّف من القول. وأمّا قوله: {ما قلت لهم إلاّ ما أمرتني به أن اعبدوا اللّه ربّي} فإنك فتحت (أن) لأنها مفسّرة لـ (ما)، (وما) قد وقع عليها القول فنصبها وموضعها نصب. ومثله في الكلام: قد قلت لك كلاما حسنا: أن أباك شريف وأنك عاقل، فتحت (أنّ) لأنها فسّرت الكلام، والكلام منصوب. ولو أردت تكرير القول عليها كسرتها. وقد تكون (أنّ) مفتوحة بعد القول إذا كان القول رافعا لها أو رافعة له؛ من ذلك أن تقول: قولك مذ اليوم أن الناس خارجون؛ كما تقول: قولك مذ اليوم كلام لا يفهم. وقوله: {ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله} المعنى: لا تقولنّ لشيء: إني فاعل ذلك غدا إلا بالاستثناء: إلا أن تقول: إن شاء الله. ولو أردت: لا تقولن لشيء إني فاعل ذلك: لا تقل إلا أن يشاء الله كان كأنه أمر أن يقول إن شاء الله وحدها، فلا بدّ من أن مفتوحة بالاستثناء خاصة؛ ألا ترى أنك قد تأمره إذا خلف فتقول: قل إن شاء الله، فلمّا أريدت الكلمة وحدها لم تكن إلا مكسورة). [معاني القرآن: 1/471-472]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله {ولا يحزنك قولهم إنّ العزّة للّه جميعا هو السّميع العليم}
أي لا يحزنك إيعادهم وتكذيبهم وتظاهرهم عليك.
{إنّ العزّة للّه}.إن الغلبة للّه فهو ناصرك وناصر دينه). [معاني القرآن: 3/27]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ولا يحزنك قولهم}
أي لا يحزنك إيعادهم وتكذيبهم واستطالتهم عليك
وقوله جل وعز: {إن العزة لله جميعا} أي إن الغلبة لله). [معاني القرآن: 3/304]

تفسير قوله تعالى: {أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (66)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وإن هم إلّا يخرصون} أي يحدسون ويحزرون). [تفسير غريب القرآن: 198]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {ألا إنّ للّه من في السّماوات ومن في الأرض وما يتّبع الّذين يدعون من دون اللّه شركاء إن يتّبعون إلّا الظّنّ وإن هم إلّا يخرصون}
يفعل فيهم ما يشاء). [معاني القرآن: 3/27]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون}
أي يحدسون ويحزرون). [معاني القرآن: 3/304]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {يخرصون} أي: يكذبون). [ياقوتة الصراط: 256]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} أي يحدسون ويحزرون ويكذبون). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 103]

تفسير قوله تعالى: رهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (67)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {والنّهار مبصراً} له مجازان أحدهما: أن العرب وضعوا أشياء من كلامهم في موضع الفاعل، والمعنى: أنه مفعول، لأنه ظرف يفعل فيه غيره لأن النهار لا يبصر ولكنه يبصر فيه الذي ينظر، وفي القرآن: {في عيشةٍ راضيةٍ } [61: 21] وإنما يرضى بها الذي يعيش فيها، قال جرير:

لقد لمتنا يا أمّ غيلان في السّرى= ونمت وما ليل المطيّ بنائم
والليل لا ينام وإنما ينام فيه،
وقال رؤبة:
فنام ليلى وتجلّى همّي). [مجاز القرآن: 1/279]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {النهار مبصرا}: يبصر فيه). [غريب القرآن وتفسيره: 171]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقال: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا} [الفرقان: 47]: أي سترا وحجابا لأبصاركم.
قال ذو الرّمة:

وَدَوِّيَّةٍ مثل السّماء اعتسفتها = وقد صبغ اللّيل الحصى بسواد
أي لمّا ألبسه الليل سواده وظلمته، كان كأنّه صبغه.
وقد يكنون باللباس والثوب عما ستر ووقى، لأنّ اللباس والثوب واقيان ساتران.
وقال الشاعر:

كثوب ابن بِيضٍ وَقَاهُم بهِ = فَسَدَّ على السَّالِكِينَ السَّبيلا
قال الأصمعي: (ابن بيض) رجل نحر بعيرا له على ثنيّة فسدّها فلم يقدر أحد أن يجوز، فضرب به المثل فقيل: سدّ ابن بيض الطريق.
وقال غير الأصمعي: (ابن بيض) رجل كانت عليه إتاوة فهرب بها فاتّبعه مطالبه، فلما خشي لحاقه وضع ما يطالبه به على الطريق ومضى، فلما أخذ الإتاوة رجع
وقال: (سدّ ابن بيض الطريق) أي منعنا من اتباعه حين وفى بما عليه، فكأنه سدّ الطريق.
فكنَى الشاعر عن البعير- إن كان التفسير على ما ذكر الأصمعي.
أو عن الإِتَاوَةِ- إن كان التفسير ما ذكر غيره- بالثوب، لأنهما وقيا كما يقي الثوب.
وكان بعض المفسرين يقول في قوله عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا} أي سكنا، وفي قوله تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ} أي سكن لكم.
وإنما اعتبر ذلك من قوله: {جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ} ومن قوله: {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا}). [تأويل مشكل القرآن: 144-145] (م)
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا}
أي مبصرا فيه على النسب كما قال في عيشة راضية أي ذات رضى أي يرضى بها). [معاني القرآن: 3/304]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مُبْصِرًا}: ينظر فيه). [العمدة في غريب القرآن: 153]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (68)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إن عندكم من سلطانٍ بهذا} مجازه: ما عندكم سلطان بهذا، ومن حروف الزوائد، ومجاز سلطان ها هنا: حجّةٌ وحقٌّ وبرهان). [مجاز القرآن: 1/279]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({إن عندكم من سلطان بهذا}: أي ما عندكم به حق ولا حجة). [غريب القرآن وتفسيره: 171]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {إن عندكم من سلطانٍ بهذا} أي ما عندكم من حجة). [تفسير غريب القرآن: 198]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {قالوا اتّخذ اللّه ولدا سبحانه هو الغنيّ له ما في السّماوات وما في الأرض إن عندكم من سلطان بهذا أتقولون على اللّه ما لا تعلمون}
{إن عندكم من سلطان بهذا} المعنى ما عندكم من حجة بهذا). [معاني القرآن: 3/27]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {إن عندكم من سلطان بهذا}
أي ما عندكم من حجة بهذا). [معاني القرآن: 3/305]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مِّن سُلْطَانٍ} أي من حجة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 103]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {سُلْطَان}: حجة). [العمدة في غريب القرآن: 153]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (69)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {قل إنّ الّذين يفترون على اللّه الكذب لا يفلحون}
هذا وقف التمام). [معاني القرآن: 3/27]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {قل إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون}
تم الكلام
ثم قال متاع في الدنيا أي ذلك متاع في الدنيا). [معاني القرآن: 3/305]

تفسير قوله تعالى: {مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (70)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {قل إنّ الّذين يفترون على اللّه...}
وقوله: {متاعٌ في الدّنيا...}
أي ذلك متاع في الدنيا. والتي في النحل مثله، وهو كقوله: {لم يلبثوا إلا ساعة من نهارٍ بلاغ} كله مرفوع بشيء مضمر قبله إمّا (هو) وإما (ذاك) ). [معاني القرآن: 1/472]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {متاع في الدّنيا ثمّ إلينا مرجعهم ثمّ نذيقهم العذاب الشّديد بما كانوا يكفرون}
مرفوع على معنى ذلك متاع في الدنيا، ولو كانت نصبا لجازت، إلا أنه لا يقرأ بها لمخالفة المصحف). [معاني القرآن: 3/27]


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 6 محرم 1432هـ/12-12-2010م, 05:01 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 71 إلى 89]

(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآَيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ (71) فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (72) فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73) ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ (74) ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآَيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (75) فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ (76) قَالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (77) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ (78) وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (79) فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (80) فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (81) وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (82) فَمَا آَمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ (83) وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (84) فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85) وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (86) وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآَ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (87) وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آَتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (88) قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (89) )

تفسير قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآَيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ (71)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فأجمعوا أمركم وشركاءكم...}
والإجماع: الإعداد والعزيمة على الأمر. ونصبت الشركاء بفعل مضمر؛ كأنك قلت: فأجمعوا أمركم وادعوا شركاءكم. وكذلك هي في قراءة عبد الله. والضمير ها هنا يصلح إلقاؤه؛ لأن معناه يشاكل ما أظهرت؛ كما قال الشاعر:

ورأيت زوجك في الوغى =متقلّدا سيفا ورمحا
فنصبت الرمح بضمير الحمل؛ غير أن الضمير صلح حذفه لأنهما سلاح يعرف ذا بذا، وفعل هذا مع فعل هذا.
وقد قرأها الحسن {وشركاؤكم} بالرفع، وإنما الشركاء ها هنا آلهتهم؛ كأنه أراد: أجمعوا أمركم أنتم وشركاؤكم. ولست أشتهيه لخلافه للكتاب، ولأن المعنى فيه ضعيف؛ لأن الآلهة لا تعمل ولا تجمع . وقال الشاعر:
يا ليت شعري والمنى لا تنفع =هل أغدون يوما وأمري مجمع
فإذا أردت جمع الشيء المتفرّق قلت: جمعت القوم فهم مجموعون؛ كما قال الله تبارك وتعالى: {ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود} وإذا أردت كسب المال قلت: جمّعت المال؛ كقول الله تبارك وتعالى: {الذي جمّع مالا وعدّده} وقد يجوز جمع مالا وعدّده. وهذا من نحو قتلوا وقتّلوا.
وقوله: {ثمّ اقضوا إليّ} وقد قرأها بعضهم: {ثم أفضوا إليّ} بالفاء. فأما قوله: {اقضوا إليّ} فمعناه: امضوا إليّ، كما يقال قد قضى فلان، يراد: قد مات ومضى. وأما الإفضاء فكأنه قال: ثم توجّهوا إليّ حتى تصلوا، كما تقول: قد أفضت إليّ الخلافة والوجع، وما أشبهه). [معاني القرآن: 1/473-474]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ثمّ لا يكن أمركم عليكم غمّةً} مجازها: ظلمة وضيق وهمٌّ، قال العجّاج:
بل لو شهدت الناس إذ تكموا= بغمّةٍ لو لم تفرّج غمّوا
تكمّوا: تغمّدوا، يقال تكمّيت فلاناً أي تغمّدته، وقد كميت شهادتك إذا كتمتها، وفارس كميّ وهو الذي لا يظهر شجاعته إلا عند الحاجة إلى ذلك.
{ثمّ اقضوا إليّ ولا تنظرون} مجازه كمجاز الآية الأخرى:
{وقضينا إلى بني إسرائيل} أي أمرناهم). [مجاز القرآن: 1/279-280]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {واتل عليهم نبأ نوحٍ إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مّقامي وتذكيري بآيات اللّه فعلى اللّه توكّلت فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثمّ لا يكن أمركم عليكم غمّةً ثمّ اقضوا إليّ ولا تنظرون}
وقال: {فأجمعوا أمركم وشركاءكم} وقال بعضهم {وشركاؤكم} والنصب أحسن لأنك لا تجري الظاهر المرفوع على المضمر المرفوع إلا أنه قد حسن في هذا للفصل الذي بينهما كما قال: {أإذا كنّا تراباً وآباؤنا} فحسن لأنه فصل بينهما بقوله ترابا. وقال بعضهم (فأجمعوا) لأنهم ذهبوا به إلى "العزم" لأنّ العرب تقول "أجمعت أمري" أي: أجمعت على أن أقول كذا وكذا. أي عزمت عليه. وبالمقطوع نقرأ.
وقال: {ثمّ لا يكن أمركم عليكم غمّةً} فـ(يكن) جزم بالنهي). [معاني القرآن: 2/36]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {أمركم عليكم غمة}: ملتبسا مغطى لا تدرون ما هو). [غريب القرآن وتفسيره: 172]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فأجمعوا أمركم وادعوا شركاءكم ثمّ لا يكن أمركم عليكم غمّةً} أي غمّا عليكم. كما يقال: كرب وكربة.
{ثمّ اقضوا إليّ} أي اعملوا بي ما تريدون {ولا تنظرون} ومثله.
{فاقض ما أنت قاضٍ} أي فاعمل ما أنت عامل). [تفسير غريب القرآن: 198]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومن ذلك أن توقع الفعل على شيئين وهو لأحدهما، وتضمر للآخر فعله.
كقوله سبحانه: {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ}.
ثم قال: {وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ * وَحُورٌ عِينٌ} والفاكهة واللحم والحور العين لا يطاف بها، وإنما أراد: ويؤتون بلحم طير.
ومثله قوله: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ} أي: وادعوا شركاءكم، وكذلك هو في مصحف عبد الله.
قال الشاعر:
تراهُ كأنّ الله يجدع أنفَهُ = وعينيه إنْ مولاه ثابَ له وَفْرُ
أي يجدع أنفه، ويفقأ عينيه.
وأنشد الفراء:
علَّفْتُهَا تِبناً وماءً باردًا = حَتى شَتَتْ هَمَّالَةً عَيناهَا
أي علفتها تبنا، وسقيتها ماء باردا.
وقال آخر:
إذا ما الغانيات برزن يوما = وَزَجَّجْنَ الحواجبَ والعيونا
والعيون لا تزجّج، وإنما أراد: وزجّجن الحواجب، وكحّلن العيون. وقال الآخر:
ورأيتُ زوجَكِ في الوَغَى = متقلِّدًا سَيفًا وَرُمْحَا
أي متقلدا سيفا، وحاملا رمحا). [تأويل مشكل القرآن: 212-215] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات اللّه فعلى اللّه توكّلت فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثمّ لا يكن أمركم عليكم غمّة ثمّ اقضوا إليّ ولا تنظرون}
{فأجمعوا أمركم وشركاءكم}.
ويقرأ فاجمعوا أمركم وشركاءكم.
زعم القراء أنّ معناه: فاجمعوا أمركم وادعوا شركاءكم.
وهذا غلط لأن الكلام لا فائدة فيه، لأنهم إن كانوا يدعون شركاءهم لأن يجمعوا أمرهم،
فالمعنى فأجمعوا أمركم مع شركائكم، كما تقول لو تركت الناقة وفصيلها لرضعها، المعنى لو تركت مع فصيلها لرضعها.
ومن قرأ - {وشركاؤكم } جاز أن يعطف به على الواو، لأن المنصوب قد قوّى الكلام.
لو قلت لو تركت اليوم وزيد لعلمت جاز، ولو قلت لو تركت وزيد لقبح، لأنك لا تعطف على الضمير المرفوع حتى تقوّي المرفوع بلفظ معه.
ومن قرأ {وشركاءكم} في قوله فاجمعو أمركم - بوصل الألف.
فنصبه على ضربين:
أحدهما العطف على الأمر، المعنى فاجمعوا أمركم واجمعوا شركاءكم، ويكون فاجمعوا مع شركائكم أمركم.
{ثمّ لا يكن أمركم عليكم غمّة} أي ليكن أمركم ظاهرا منكشفا،
كما قال رؤبة:
بل لو شهدت النّاس إذ تكمّوا= بغمة لو لم تفرّج غمّوا
غموا بالمكروه، بغمّة، أي ما يسترهم، واشتقاق ذلك من الغمامة التي تستر، ويجوز ثم لا يكن أمركم عليكم غمّة أي غمّا.
{ثمّ اقضوا إليّ ولا تنظرون} قرئت ثم أفضوا إليّ،
فمن قال: {ثمّ اقضوا إليّ} فالمعنى: ثم افعلوا ما تريدون. و " ثمّ افضوا " - بالفاء - وهي قريبة المعنى منها). [معاني القرآن: 3/27-29]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فأجمعوا أمركم وشركاءكم}
قال الفراء معناه وادعوا شركاءكم قال والإجماع الإعداد والعزيمة على الأمر
وقال أبو العباس هو محمول على المعنى لأن معنى أجمعوا واجمعوا واحد
وقال أبو إسحاق المعنى مع شركائكم قال وقول الفراء لا معنى له لأنه إن كان يذهب إلى أن المعنى وادعوا شركاءكم ليعينوكم فمعناه معنى مع وإن كان يذهب إلى الدعاء فقط فلا
معنى لدعائهم لغير شيء
وقرأ الجحدري ويروى عن الأعرج فأجمعوا أمركم يوصل الألف وفتح الميم
وقرأ الحسن فأجمعوا أمركم وشركاؤكم
قال أبو جعفر وهذا يدل على أنهما لغتان بمعنى واحد
وقوله جل وعز: {ثم لا يكن أمركم عليكم غمة}
فيه قولان:
أحدهما أن معنى غمة كمعنى غم
والآخر وهو أصح في اللغة أن المعنى ليكن أمركم ظاهرا يقال القوم في غمة إذا عمي عليهم أمرهم والتبس ومن هذا غم الهلال على الناس أي غشية ما غطاه
والغم من هذا إنما هو ما غشي القلب من الكرب فضيقه وأصل هذا مشتق من الغمامة
وقوله جل وعز: {ثم اقضوا إلي ولا تنظرون}
أي ثم افعلوا ما بدا لكم
قال الكسائي ويقرأ وأفضوا إلي بقطع الألف والفاء). [معاني القرآن: 3/305-307]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {ثُمَّ اقْضُواْ إلي} أي اعملوا ما تريدون). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 103]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {غُمَّةً}: مغطى). [العمدة في غريب القرآن: 153]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (72)}

تفسير قوله تعالى: {فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73)}

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ (74)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {بما كذّبوا به من قبل كذلك نطبع...}
يقول: لم يكونوا ليؤمنوا لك يا محمد بما كذّبوا به في الكتاب الأوّل، يعني اللوح المحفوظ). [معاني القرآن: 1/474]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ بِآَيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (75)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إلى فرعون وملائه} أي أشراف قومه). [مجاز القرآن: 1/280]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ (76)}

تفسير قوله تعالى: {قَالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (77)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {قال موسى أتقولون للحقّ لمّا جاءكم أسحرٌ هذا...}
يقول القائل: كيف أدخل ألف الاستفهام في قوله {أسحر هذا} وهم قد قالوا {هذا سحر} بغير استفهام؟
قلت: قد يكون هذا من قولهم على أنه سحر عندهم وإن استفهموا؛ كما ترى الرجل تأتيه الجائزة فيقول: أحقّ هذا؟ وهو يعلم أنه حقّ لا شكّ فيه. فهذا وجه.
ويكون أن تزيد الألف في قولهم وإن كانوا لم يقولوها، فيخرج الكلام على لفظه وإن كانوا لم يتكلّموا به؛ كما يقول الرجل: فلان أعلم منك، فيقول المتكلم: أقلت أحدٌ أعلم بذا منّي؟ فكأنه هو القائل: أأحد أعلم بهذا مني. ويكون على أن تجعل القول بمنزلة الصلة لأنه فضل في الكلام؛ ألا ترى أنك تقول الرجل: أتقول عندك مال؟
فيكفيك من قوله أن تقول: ألك مال؟ فالمعنى قائم ظهر القول أو لم يظهر). [معاني القرآن: 1/474]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {قال موسى أتقولون للحقّ لمّا جاءكم أسحرٌ هذا ولا يفلح السّاحرون}
وقال: {أتقولون للحقّ لمّا جاءكم أسحرٌ هذا} على الحكاية لقولهم، لأنهم قالوا: أسحرٌ هذا" فقال {أتقولون} {أسحرٌ هذا} ). [معاني القرآن: 2/37]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {قال موسى أتقولون للحقّ لمّا جاءكم أسحر هذا ولا يفلح السّاحرون}
هذا الكلام تقرير لقولهم:
{فلمّا جاءهم الحقّ من عندنا قالوا إنّ هذا لسحر مبين * قال موسى أتقولون للحقّ لمّا جاءكم}.
هذا اللفظ؛ أي إنّ هذا لسحر مبين.
ثمّ قررهم فقال:{أسحر هذا ولا يفلح السّاحرون}.
والمفلح الذي يفوز بإرادته أي فكيف يكون هذا سحرا وقد أفلح الذي أتى به، أي فاز، وفلح في حجته). [معاني القرآن: 3/29]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ (78)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أجئتنا لتلفتنا...}
اللفت: الصرف؛ تقول: ما لفتك عن فلان؟ أي ما صرفك عنه.
ويقول القائل: كيف قالوا {وتكون لكما الكبرياء في الأرض} فإنّ النبي صلى الله عليه وسلم إذا صدّق صارت مقاليد أمّته وملكهم إليه، فقالوه على ملك ملوكهم من التكبر).
[معاني القرآن: 1/475]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {أجئتنا لتلفتنا عمّا وجدنا عليه آباءنا} أي لتصرفنا عنه وتميلنا وتلوينا عنه، ويقال: لفت عنقه.
كقول رؤبة:
يدقّ صلّبات العظام لفتى= لفتاً وتهزيعاً سواء اللّفت
التهزيع: الدّق؛ واللّفت: اللّي). [مجاز القرآن: 1/280]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {قالوا أجئتنا لتلفتنا عمّا وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء في الأرض وما نحن لكما بمؤمنين}
وقال: {لتلفتنا} لأنك تقول: "لفته" فـ"أنا ألفته" "لفتاً" أي: ألويه عن حقه). [معاني القرآن: 2/37]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({أجئتنا لتلفتنا}: لتصرفنا يقال ما يلفت فلان إلي، ولفت فلان عنق فلان إذا لواها). [غريب القرآن وتفسيره: 172]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {أجئتنا لتلفتنا} أي لتصرفنا. يقال: لفتّ فلانا عن كذا إذا صرفته. والالتفات [منه] إنما هو الانصراف عما كنت مقبلا عليه.
{وتكون لكما الكبرياء في الأرض} أي الملك والشّرف). [تفسير غريب القرآن: 198]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {قالوا أجئتنا لتلفتنا عمّا وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء في الأرض وما نحن لكما بمؤمنين}
أي لتصرفنا وتعدلنا، يقال لفتّه عن الأمر ألفته لفتا إذا عدلته عنه، ومن هذا قولهم التفت إليه أي عدل وجهه إليه.
{وتكون لكما الكبرياء في الأرض}.
الكبرياء: الملك، وإنما سمّي الملك كبرياء لأنه أكبر ما يطلب من أمر الدنيا). [معاني القرآن: 3/29]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {قالوا أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا}
قال قتادة أي لتلوينا
قال أبو جعفر وهذا معروف في اللغة يقال لفته يلفته إذا عدله ومن هذا التفت إنما هو عدل عن الجهة التي بين يديه
ثم قال تعالى: {وتكون لكما الكبرياء في الأرض}
قال مجاهد أي الملك وذلك معروف في اللغة وإنما قيل للملك كبرياء لأنه أكبر ما ينال في الدنيا). [معاني القرآن: 3/307-308]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) :{الكبرياء} أي: العظمة، والغلبة). [ياقوتة الصراط: 257]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {لِتَلْفِتَنَا} أي لتصرفنا.
{الْكِبْرِيَاءُ} الملك والشرف). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 103]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {لِتَلْفِتَنَا}: لتصرفنا). [العمدة في غريب القرآن: 153]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (79)}

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (80)}

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (81)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ما جئتم به السّحر...}
{ما} في موضع الذي؛ كما تقول: ما جئت به باطل. وهي في قراءة عبد الله {ما جئتم به سحر} وإنما قال {السحر} بالألف واللام لأنه جواب لكلام قد سبق؛
ألا ترى أنهم قالوا لما جاءهم به موسى: أهذا سحر؟ فقال: بل ما جئتم به السحر. وكل حرف ذكره متكلم نكرة فرددت عليها لفظها في جواب المتكلم زدت فيها ألفا ولاما؛
كقول الرجل: قد وجدت درهما، فتقول أنت: فأين الدرهم؟ أو: فأرني الدرهم. ولو قلت: فأرني درهما، كنت كأنك سألته أن يريك غير ما وجده.
وكان مجاهد وأصحابه يقرءون: ما جئتم به آلسحر: فيستفهم ويرفع السحر من نيّة الاستفهام، وتكون {ما} في مذهب أي كأنه قال: أي شيء جئتم به؟ آلسحر هو؟
وفي حرف أبيّ {ما أتيتم به سحر} ... وأشكّ فيه.
وقد يكون {ما جئتم به السحر} تجعل السحر منصوبا؛ كما تقول: ما جئت به الباطل والزور. ثم تجعل {ما} في معنى جزاء و{جئتم} في موضع جزم إذا نصبت، وتضمر الفاء في قوله: {إنّ اللّه سيبطله} فيكون جوابا للجزاء. والجزاء لا بدّ له أن
يجاب بجزم مثله أو بالفاء. فإن كان ما بعد الفاء حرفا من حروف الاستئناف وكان يرفع أو ينصب أو يجزم صلح فيه إضمار الفاء. وإن كان فعلا أوّله الياء أو التاء أو كان على جهة فعل أو فعلوا لم يصلح فيه إضمار الفاء؛ لأنه يجزم إذا لم تكن الفاء، ويرفع إذا أدخلت الفاء. وصلح فيما قد جزم قبل أن تكون الفاء لأنها إن دخلت أو لم تدخل فما بعدها جزم؛ كقولك للرجل: إن شئت فقم؛ ألا ترى أنّ (قم) مجزومة ولو لم يكن فيها الفاء، لأنك إذا قلت إن شئت قم جزمتها بالأمر، فكذلك قول الشاعر:
من يفعل الحسنات اللّه يشكرها = والشرّ بالشرّ عند اللّه مثلان
ألا ترى أن قولك: {الله يشكرها} مرفوع كانت فيه الفاء أو لم تكن، فلذلك صلح ضميرها). [معاني القرآن: 1/475-476]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {قال موسى ما جئتم به السّحر} مجاز ما ها هنا: الذي؛ ويزيد فيه قوم ألف الاستفهام، كقولك: آلسّحر؟). [مجاز القرآن: 1/280]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {فلمّا ألقوا قال موسى ما جئتم به السّحر إنّ اللّه سيبطله إنّ اللّه لا يصلح عمل المفسدين}
وقال: {ما جئتم به السّحر} يقول: "الذي جئتم به السحر" وقال بعضهم {آلسّحر} بالاستفهام). [معاني القرآن: 2/37]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {فلمّا ألقوا قال موسى ما جئتم به السّحر إنّ اللّه سيبطله إنّ اللّه لا يصلح عمل المفسدين}
{ما جئتم به السّحر} أي قال موسى: الذي جئتم به السّحر، ويقرأ ما جئتم به، آلسّحر.
والمعنى أي شيء جئتم به آلسّحر. هو على جهة التوبيخ لهم). [معاني القرآن: 3/29-30]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر}
من قرأ آلسحر فمعناه عنده التوبيخ أي أي شيء جئتم به آلسحر هو). [معاني القرآن: 3/308]

تفسير قوله تعالى: روَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (82)}

تفسير قوله تعالى: {فَمَا آَمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ (83)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فما آمن لموسى إلاّ ذرّيّةٌ مّن قومه...}
ففسّر المفسرون الذرّيّة: القليل. وكانوا - فيما بلغنا - سبعين أهل بيت. وإنما سموا الذرّية لأن آباءهم كانوا من القبط وأمهاتهم كنّ من بني إسرائيل، فسموا الذرّية؛ كما قيل لأولاد أهل فارس الذين سقطوا إلى اليمن فسمّوا ذراريّهم الأبناء؛ لأن أمهاتهم من غير جنس آبائهم.
وقوله: {على خوفٍ مّن فرعون وملئهم}، وإنما قال {وملئهم} وفرعون واحد لان الملك إذا ذكر بخوف أو بسفر أو قدوم من سفر ذهب الوهم إليه وإلى من معه؛ ألا ترى أنك تقول: قدم الخليفة فكثر الناس، تريد: بمن معه، وقدم
فقلت الأسعار؛ لأنك تنوي بقدومه قدوم من معه. وقد يكون أن تريد بفرعون آل فرعون وتحذف الآل فيجوز؛ كما قال {واسأل القرية} تريد أهل القرية والله أعلم. ومن ذلك قوله: {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن} ). [معاني القرآن: 1/476-477]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {فما آمن لموسى إلاّ ذرّيّةٌ مّن قومه على خوفٍ مّن فرعون وملئهم أن يفتنهم وإنّ فرعون لعالٍ في الأرض وإنّه لمن المسرفين}
وقال: {على خوفٍ مّن فرعون وملئهم} يعني ملأ الذرّيّة). [معاني القرآن: 2/37]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {على خوفٍ من فرعون وملائهم} وهم أشراف أصحابه.
{أن يفتنهم} أي يقتلهم ويعذّبهم). [تفسير غريب القرآن: 198]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه أن يخاطب الواحد بلفظ الجميع:
كقوله سبحانه: {قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ}، وأكثر من يخاطب بهذا الملوك، لأنّ من مذاهبهم أن يقولوا: نحن فعلنا. بقوله الواحد منهم يعني نفسه، فخوطبوا بمثل ألفاظهم.
يقول الله عز وجل: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ}، و{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}.
ومن هذا قوله عز وجل: {عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ}، وقوله: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ}، وقوله: {فَأْتُوا بِآَبَائِنَا} ). [تأويل مشكل القرآن: 293-294] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {فما آمن لموسى إلّا ذرّيّة من قومه على خوف من فرعون وملأهم أن يفتنهم وإنّ فرعون لعال في الأرض وإنّه لمن المسرفين}
قيل إنه مكث يدعو الآباء فلم يؤمنوا، وآمنت طائفة من أولادهم.
{على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم}.
جاز أن يقال - ملئهم لأن فرعون ذو أصحاب يأتمرون له، والملأ من القوم الرؤساء الذين يرجع إلى قولهم). [معاني القرآن: 3/30]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه}
قال ابن عباس أي قليل
وقال مجاهد يعني أنه لم يؤمن به منهم أحد وإنما آمن أولادهم
وقال بعض أهل اللغة إنما قيل لهم ذرية لأن آباءهم قبط وأمهاتهم من بني إسرائيل كما قيل لمن سقط من فارس إلى اليمن
الأبناء يذهب إلى أنهم رجال مذكورون
ثم قال جل وعز: {على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم}
فقال وملئهم لأنه قد علم أن معه من يأتمر له ويرجع إلى قوله
وقيل المعنى على خوف من آل فرعون). [معاني القرآن: 3/308-309]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {أَن يَفْتِنَهُمْ} أن يقتلهم ويعذبهم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 103]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (84)}


تفسير قوله تعالى: {فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والفتنة: العبرة، كقوله: {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} وفي موضع آخر: {لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا} أي:
يعتبرون أمرهم بأمرنا، فإذا رأونا في ضرّ وبلاء ورأوا أنفسهم في غبطة ورخاء- ظنّوا أنهم على حق، ونحن على باطل.
وكذلك قوله: {فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} ). [تأويل مشكل القرآن: 473-474]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {فقالوا على اللّه توكّلنا ربّنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظّالمين}
أي لا تهلكنا وتعذبنا فيظن آل فرعون إنا إنما عذبنا لأننا على ضلال). [معاني القرآن: 3/30]

تفسير قوله تعالى: {وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (86)}
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين * ونجنا برحمتك من القوم الكافرين}
قال مجاهد أي لا تهلكنا بأيدي أعدائنا ولا تعذبنا بعذاب من عندك فيقول أعداؤنا لو كانوا على حق لما سلطنا عليهم ولما عذبوا أي فيفتتنوا بذلك
وقال أبو مجلز لا يظهروا فيروا أنهم خير منا). [معاني القرآن: 3/309]

تفسير قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآَ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (87)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {واجعلوا بيوتكم قبلةً...}
كان فرعون قد أمر بتهديم المساجد، فأمر موسى وأخوه أن يتّخذ المساجد في جوف الدور لتخفى من فرعون. وقوله: {واجعلوا بيوتكم قبلةً} إلى الكعبة.
وقوله: {ربّنا إنّك آتيت فرعون وملأه زينةً وأموالاً في الحياة الدّنيا...}
ثم قال موسى {ربنا} فعلت ذلك بهم {ليضلّوا} الناس {عن سبيلك} وتقرأ {ليضلّوا} هم {عن سبيلك} وهذه لام كي.
ثم استأنف موسى بالدعاء عليهم فقال: {ربّنا اطمس على أموالهم}. يقول: غيّرها. فذكر أنها صارت حجارة. وهو كقوله: {من قبل أن نطمس وجوها}. يقول: نمسخها.
قوله: {واشدد على قلوبهم}. يقول: واختم عليها.
قوله: {فلا يؤمنوا}. كلّ ذلك دعاء، كأنه قال اللهم {فلا يؤمنوا حتّى يروا العذاب الأليم} وإن شئت جعلت {فلا يؤمنوا} جوابا لمسألة موسى عليه
السلام إياه؛ لأن المسألة خرجت على لفظ الأمر، فتجعل {فلا يؤمنوا} في موضع نصب على الجواب، فيكون كقول الشاعر:

يا ناق سيري عنقاً فسيحا= إلى سليمان فنستريحا
وليس الجواب يسهل في الدعاء لأنه ليس بشرط). [معاني القرآن: 1/477-478]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {واجعلوا بيوتكم قبلةً} أي نحو القبلة. ويقال: اجعلوها مساجد). [تفسير غريب القرآن: 198]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوّءا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصّلاة وبشّر المؤمنين}
{واجعلوا بيوتكم قبلة}.
جاء في التفسير: اجعلوا صلاتكم إلى البيت الحرام، وقيل: اجعلوا بيوتكم قبلة أي صلوا في بيوتكم لتأمنوا من الخوف لأنهم آمنوا على خوف من فرعون). [معاني القرآن: 3/30]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله عز وجل: {واجعلوا بيوتكم قبلة}
قال ابن عباس أي مساجد
وقال مجاهد أي نحو الكعبة
وقال إبراهيم النخعي كانوا على خوف كما أخبر الله جل وعز فأمروا أن يصلوا في بيوتهم لئلا يلحقهم أذى). [معاني القرآن: 3/310]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} أي مساجد، وقيل: نحو القبلة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 103]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آَتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (88)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {اطمس على أموالهم} أي أذهب أموالهم، ويقال: طمست عينه وذهبت، وطمست الريح على الديار.
{واشدد على قلوبهم} مجازه ها هنا كمجاز {اشدد الباب}، ألا نرى بعده: {فلا يؤمنوا} جزم، لأنه دعاء عليهم، أي فلا يؤمننّ). [مجاز القرآن: 1/281]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وقال موسى ربّنا إنّك آتيت فرعون وملأه زينةً وأموالاً في الحياة الدّنيا ربّنا ليضلّوا عن سبيلك ربّنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتّى يروا العذاب الأليم}
وقال: {ربّنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا} فنصبها لأن جواب الدعاء بالفاء نصب وكذلك في الدعاء إذا عصوا.
وقال: {ربّنا ليضلّوا عن سبيلك} أيّ: فضلّوا. كما قال: {فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوّاً وحزناً} أي: فكان.
وهم لم يلقطوه ليكون لهم عدوا وحزنا [و] إنما لقطوه فكان [فـ] هذه اللام تجيء في هذا المعنى.
وقوله: {فلا يؤمنوا} عطف على {ليضلوّا} ). [معاني القرآن: 2/37-38]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ربّنا اطمس على أموالهم} أي أهلكها. وهو من قولك: طمس الطريق: إذا عفا ودرس.
{واشدد على قلوبهم} أي قسّها). [تفسير غريب القرآن: 198]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وقال موسى ربّنا إنّك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدّنيا ربّنا ليضلّوا عن سبيلك ربّنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتّى يروا العذاب الأليم}
{ربّنا ليضلّوا عن سبيلك}.
ويقرأ {ليضلّوا عن سبيلك} أي، إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا فأصارهم ذلك إلى الضلال كما قال - جلّ وعزّ - {فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوّا وحزنا} أي فالتقطوه وآل أمره أن صار لهم عدوّا وحزنا، لا أنهم قصدوا إلى أتى يكون لهم عدوا وحزنا.
{ربّنا اطمس على أموالهم}.
جاء في التفسير أي اجعل سكرهم حجارة. وتأويل تطميس الشيء إذهابه عن صورته والانتفاع به على الحال الأولى التي كان عليها.
{واشدد على قلوبهم} أي اطبع على قلوبهم.
{فلا يؤمنوا حتّى يروا العذاب الأليم}.
دعاء أيضا عليهم.
ويجوز - واللّه أعلم - ما قاله محمد بن يزيد.
ذكر أن قوله: {فلا يؤمنوا} عطف على قوله: {ليضلّوا عن سبيلك}
أي ربنا إنك آتيتهم ليضلوا فلا يؤمنوا). [معاني القرآن: 3/30-31]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك}
وليضلوا المعنى فأصارهم ذلك إلى الضلال كما قال جل وعز: {فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا} أي فآل أمرهم إلى ذلك وكأنهم فعلوا ذلك لهذا
وبعض أهل اللغة يقول لام الصيرورة وهي لام كي على الحقيقة
وقوله جل وعز: {ربنا اطمس على أموالهم}
قال قتادة بلغنا أن أموالهم وزروعهم صارت حجارة
قال مجاهد أي أهلكها
قال أبو جعفر ومعروف في اللغة أن يقال طمس الموضع إذا عفا ودرس
ثم قال جل وعز: {واشدد على قلوبهم}
قال مجاهد أي بالضلالة
وقال غيره أي قسها
والمعنى واحد
ثم قال عز وجل: {فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم}
قال مجاهد دعا عليهم
قال أبو جعفر وهذا لأنهم إذا رأوا العذاب لم ينفعهم الإيمان فقد دعا عليهم
قال أبو إسحاق قال أبو العباس هو معطوف على قوله: {ربنا ليضلوا عن سبيلك} ). [معاني القرآن: 3/310-312]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ} أي أهلكها.
{وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ} أي قسها). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 103-104]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (89)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {قد أجيبت دّعوتكما...}
نسبت الدعوة إليهما وموسى كان الداعي وهارون المؤمّن، فالتأمين كالدعاء. ويقرأ (دعواتكما).
وقوله: {فاستقيما} أمرا بالاستقامة على أمرهما والثبات عليه إلى أن يأتيهما تأويل الإجابة. ويقال: إنه كان بينهما أربعون سنة.
{قال آمنت أنه} قرأها أصحاب عبد الله بالكسر على الاستئناف. وتقرأ {أنه} على وقوع الإيمان عليها. زعموا أن فرعون قالها حين ألجمه الماء). [معاني القرآن: 1/478]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتّبعانّ سبيل الّذين لا يعلمون}
يروى في التفسير أن موسى دعا، وأن هارون أمّن على دعائه.
وفي الآية دليل أنهما دعوا جميعا لأن قوله: {قد أجيبت دعوتكما}
يدل أن الدعوة منهما جميعا، والمؤمّن على دعاء الداعي داع أيضا لأن قوله " آمين " تأويله استجب فهو سائل كسؤال الداعي.
وقوله: {ولا تتّبعانّ سبيل الّذين لا يعلمون}.
موضع {تتّبعانّ} جزم، إلا أن النون الشديدة دخلت للنهي مؤكّدة.
وكسرت لسكونها وسكون النون التي قبلها، واختير لها الكسر لأنها بعد الألف، فشبهت بنون الاثنين). [معاني القرآن: 3/31]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما}
قال قتادة دعا موسى وأمن هارون
حدثنا محمد بن الحسين بن سماعة بالكوفة قال نا أبو نعيم قال نا أبو جعفر الرازي عن الربيع عن أبي العالية قال قد أجيبت دعوتكما قال دعا موسى فأمن هارون صلى الله عليهما
قال أبو جعفر وهو حسن عند أهل اللغة لأن التأمين دعاء ألا ترى أن معنى آمين استجب). [معاني القرآن: 3/312]


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 6 محرم 1432هـ/12-12-2010م, 05:05 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 90 إلى آخر السورة]

(وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آَلْآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آَيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92) وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (93) فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (94) وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (95) إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آَيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (97) فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آَمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آَمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (98) وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99) وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (100) قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (101) فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (102) ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ (103) قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (104) وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (105) وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ (106) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107) قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (108) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (109) )

تفسير قوله تعالى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فأتبعهم فرعون} مجازه: تبعهم، هما سواء.
{بغياً وعدواً} مجازه: عدواناً). [مجاز القرآن: 1/281]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {أتبعهم}: مثل تبعهم). [غريب القرآن وتفسيره: 172]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فأتبعهم فرعون} لحقهم. يقال: أتبعت القوم، أي لحقتهم. وتبعتهم: كنت في أثرهم.
{وعدواً} أي ظلما). [تفسير غريب القرآن: 199]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا حتّى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنّه لا إله إلّا الّذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين}
جعله الله يبسا حتى جاوزوه). [معاني القرآن: 3/31-32]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وجاورنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا}
وقرأ قتادة فاتبعهم فرعون وجنوده بوصل الألف
قال الأصمعي يقال أتبعه بقطع الألف إذا لحقه وأدركه واتبعه بوصل الألف إذا اتبع أثره أدركه أو لم يدركه وكذلك قال أبو زيد
وقيل اتبعه بوصل الآلف في الأمر اقتدى به واتبعه بقطع الآلف خيرا أو شرا هذا قول أبي عمرو
وقيل هما واحد
وقرأ قتادة بغيا وعدوا والعدو الظلم
وقوله جل وعز: {حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل}
روى شعبة عن عدي بن ثابت وعطاء بن السائب قالا:
سمعنا سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس قال شعبة رفعه أحدهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال إن جبرائيل عليه السلام كان يدس الطين فيجعله في فيّ فرعون قال مخافة أن يقول لا إله إلا أنت فيغفر له
وقال عون بن عبد الله بلغني أن جبرائيل قال للنبي عليه السلام ما ولد إبليس ولدا قط أبغض إلي من فرعون وأنه لما أدركه الغرق قال آمنت الآية فخشيت أن يقولها فيرحم فأخذت تربة أو طينة فحشوتها في فيه
وقيل إن جبرائيل إنما فعل هذا به عقوبة له على عظيم ما كان يأتي). [معاني القرآن: 3/312-314]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {بَغْيًا وَعَدْوًا} أي ظلما). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 104]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {عَدْوًا}: من العدوان). [العمدة في غريب القرآن: 153]

تفسير قوله تعالى: {آَلْآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الآن
الآن: هو الوقت الذي أنت فيه، وهو حدّ الزّمانين: حدّ الماضي من آخره، وحدّ الزمان المستقبل من أوله.
قال الفراء: «هو حرف بني على الألف واللام، ولم يخلعا منه، وترك على مذهب الصّفة، لأنه في المعنى واللفظ، كما رأيتهم فعلوا بالذي، فتركوه على مذهب الأداة، والألف واللام له لازمة غير مفارقة.
وأرى أصله: أوان، حذفت منه الألف، وغيّرت واوه إلى الألف، كما قالوا في الرّاح: الرّياح. وأنشد:

كأنّ مكاكيّ الجواء غديّة =نشاوى تساقوا بالرّياح المفلفل
قال: فهي مرّة على تقدير (فعل) ومرّة على تقدير (فعال) كما قالوا: زمن، وزمان.
وإن شئت جعلتها من قولك: آن لك أن تفعل كذا وكذا، أدخلت عليها الألف واللام ثم تركتها على مذهب (فعل) منصوبة، كما قالوا:
«نهى رسول الله، صلّى الله عليه وسلم عن قيل وقال، وكثرة السّؤال»
فكانتا كالاسمين وهما منصوبتان، ولو خفضتا على النّقل لهما من حدّ الأفعال إلى الأسماء في النّية- كان صوابا.
وسمعت العرب تقول: من شبّ إلى دبّ، ومن شبّ إلى دبّ، مخفوض منون، يذهبون به مذهب الأسماء. والمعنى: مذ كان صغيرا فشبّ إلى أن دبّ كبيرا.
قال الله تعالى: {آَلْآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} {آَلْآَنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} أي أفي هذا الوقت وفي هذا الأوان تتوب وقد عصيت قبل؟).
[تأويل مشكل القرآن: 523-524] (م)

تفسير قوله تعالى: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آَيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فاليوم ننجّيك ببدنك} مجازه: نلقيك على نجوة، أي ارتفاع ليصر علماً أنه قد غرق.
{لتكون لمن خلفك آية} أي علامة، ومجاز خلفك: بعدك.
{إنّ الّذين حقّت عليهم كلمة ربّك لا يؤمنون ولو جاءتهم كلّ آيةٍ} ). [مجاز القرآن: 1/281]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {فاليوم ننجّيك ببدنك لتكون لمن خلفك آيةً وإنّ كثيراً مّن النّاس عن آياتنا لغافلون}
وقال: {فاليوم ننجّيك ببدنك} وقال بعضهم {ننجيك} وقوله: {ببدنك} أيّ: لا روح فيه.
وقال بعضهم: {ننجّيك}: نرفعك على نجوة من الأرض. وليس قولهم: "أنّ البدن ههنا" "الدرع" بشيء ولا له معنى). [معاني القرآن: 2/38]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {ننجيك ببدنك}: نلقيك على نجوة من الأرض أي ارتفاع.
{لمن خلفك آية}: لمن بعدك). [غريب القرآن وتفسيره: 172]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فاليوم ننجّيك ببدنك} قال أبو عبيدة: نلقيك على نجوة من الأرض، أي ارتفاع. والنّجوة والنّبوة: ما ارتفع من الأرض.
{ببدنك} أي [بجسدك] وحدك {لتكون لمن خلفك آيةً}: لمن بعدك). [تفسير غريب القرآن: 199]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {فاليوم ننجّيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإنّ كثيرا من النّاس عن آياتنا لغافلون}
{ننجّيك ببدنك} نلقيك عريانا وقيل ننجيك ببدنك نلقيك على نجوة من الأرض، وإنما كان ذلك آية لأنه كان يدّعي أنّه إله وكان يعبده قومه، فبيّن اللّه أمره وأنه عبد.
وفيه من الآية أنه غرق القوم وأخرج هو من بينهم فكان في ذلك آية). [معاني القرآن: 3/32]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية}
قال قتادة لم تصدق طائفة من الناس أنه غرق فأخرج لهم
ليكون عظة وآية
وقال غيره الآية فيه أنه يدعي أنه رب وكان قومه يعبدونه فأراهم الله إياه بعدما غرقه
ومن الآية فيه أنه غرق هو وقومه فأخرج دونهم
قال أبو عبيدة معنى ننجيك نلقيك على نجوة من الأرض
وقال غيره النجوة والنبوة ما ارتفع من الأرض
وقرئ {ننجيك} والمعنى واحد
وروي عن يزيد المكي أنه قرأ فاليوم ننحيك بالحاء
ببدنك قيل أي وحدك وقيل بدرعك
وقال مجاهد بجسدك وهذا أحسن الأقوال
قيل معناه بجسدك فقط أي عريانا بغير روح). [معاني القرآن: 3/314-315]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {فاليوم}: واحد الأيام). [ياقوتة الصراط: 257]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {ننجيك ببدنك} ننجيك من النجاة، ببدنك، أي: بجسمك، وننجيك من: النجوة، وهي: الدكة.
ببدنك، أي: بدرعك. قال أبو عبد الله: وذلك أن بني إسرائيل شكوا في غرق فرعون، فأمر الله البحر أن يقذفه على دكة في البحر ببدنه، أي: بدرعه، وكانت من لؤلؤ منظوم،
فلما قذفه البحر رأته بنو إسرائيل، فقالوا: نعم يا موسى، هذا فرعون قد غرق، فخرج الشك من قلوبهم، وابتلع البحر فرعون كما كان). [ياقوتة الصراط: 257-258]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ} أي نلقيك على نجوة من الأرض، أي ارتفاع. {بِبَدَنِكَ} بدرعك الذي تعرف به).
[تفسير المشكل من غريب القرآن: 104]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {نُنَجِّيكَ}: نلقيك نجوة من الأرض
{خَلْفَكَ}: لمن تبعك
{آيَةً}: علامة ونكالاً). [العمدة في غريب القرآن: 153]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (93)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فما اختلفوا حتّى جاءهم العلم...}
يعني بني إسرائيل أنهم كانوا مجتمعين على الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث، فلمّا بعث كذّبه بعض وآمن به بعض. فذلك اختلافهم. و{العلم} يعني محمدا صلى الله عليه وسلم وصفته). [معاني القرآن: 1/478]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {بوّأنا بني إسرائيل مبوّأ صدقٍ} أي أنزلناهم منزل صدق). [تفسير غريب القرآن: 199]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق} أي أنزلناهم
قال قتادة يعني الشام وبيت المقدس
وقال الضحاك مصر والشام). [معاني القرآن: 3/316]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {بَوَّأْنَا} أنزلنا.
{مُبَوَّأَ صِدْقٍ} أي منزل صدق). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 104]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (94)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فإن كنت في شكٍّ...}
قاله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم وهو يعلم أنه غير شاكّ، ولم يشكك عليه السلام فلم يسأل. ومثله في العربية أنك تقول لغلامك الذي لا يشكّ في ملكك إياه:
إن كنت عبدي فاسمع وأطع. وقال الله تبارك وتعالى لنبيه عيسى صلى الله عليه وسلم {أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله} وهو يعلم أنه لم يقله،
فقال الموفّق معتذرا بأحسن العذر: (إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك) ). [معاني القرآن: 1/479]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فإن كنت في شكٍّ ممّا أنزلنا إليك} المخاطبة للنبي صلى اللّه عليه وعلى آله، والمراد غيره، كما بينت في كتاب «المشكل»). [تفسير غريب القرآن: 199]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وأما قوله: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} فإن المخاطبة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والمراد غيره من الشّكاك، لأن القرآن نزل عليه بمذاهب العرب كلّها، وهم قد يخاطبون الرجل بالشيء ويريدون غيره.
والجواب عن هذا مستقصى في (باب الكناية والتعريض) فكرهت إعادته في هذا الموضع). [تأويل مشكل القرآن: 81-82]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وأما قوله سبحانه: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} ففيه تأويلان:
أحدهما : أن تكون المخاطبة لرسول الله، صلّى الله عليه وسلم، والمراد غيره من الشّكّاك، لأنّ القرآن نزل عليه بمذاهب العرب كلهم، وهم قد يخاطبون الرّجل بالشيء ويريدون غيره، ولذلك يقول متمثّلهم: «إيّاك أعني واسمعي يا جارة».
ومثله قوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا}.
الخطاب للنبي، صلّى الله عليه وسلم، والمراد بالوصية والعظة المؤمنون، يدلك على ذلك أنه قال: {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}.
ولم يقل بما تعمل خبيرا.
ومثل هذه الآية قوله: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آَلِهَةً يُعْبَدُونَ}، أي سل من أرسلنا إليه من قبلك رسلا من رسلنا، يعني أهل الكتاب،
فالخطاب للنبي صلّى الله عليه وسلم والمراد المشركون.
ومثل هذا قول الكميت في مدح رسول الله صلّى الله عليه وسلم:

إلى السّراج المنير أحمد لا = يعدلني رغبةٌ ولا رَهَبُ
عنه إلى غيره ولو رفع النَّـ = ـاسُ إليَّ العيون وارتقبوا
وقيل: أفرطتَ، بل قصدتُ = ولو عنَّفني القائلون أو ثلبوا
لَجَّ بتفضيلك اللّسانُ ولو = أُكثرَ فيك اللَّجاجُ واللَّجَبُ
أنت المصفَّى المحضُ المهذَّب في النِّسْـ = ـبَةِ إنْ نصَّ قومك النَّسَبُ
فالخطاب للنبي صلّى الله عليه وسلم، والمراد أهل بيته، فورّى عن ذكرهم به، وأراد بالعائبين واللائمين بني أمية.
وليس يجوز أن يكون هذا للنبي صلّى الله عليه وسلم، لأنه ليس أحد من المسلمين يسوءه مدح رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ولا يعنّف قائلا عليه،
ومن ذا يساوى به، ويفضّل عليه، حتى يكثر في مدحه الضّجاج واللّجب؟.
وإن الشعراء ليمدحون الرجل من أوساط الناس فيفرطون ويفرّطون فيغلون وما يرفع الناس إليهم العيون ولا يرتقبون، فكيف يلام هذا على الاقتصاد في مدح من الإفراط في مدحه غير تفريط، ولكنه أراد أهل بيته.
والتأويل الآخر: أن الناس كانوا في عصر النبي صلّى الله عليه وسلم أصنافا: منهم كافر به مكذّب، لا يرى إلا أن ما جاء به الباطل.
وآخر مؤمن به مصدّق يعلم أن ما جاء به الحق.
وشاك في الأمر لا يدري كيف هو، فهو يقدّم رجلا ويؤخّر أخرى.
فخاطب الله سبحانه هذا الصّنف من الناس فقال: فإن كنت أيها الإنسان في شك مما أنزلنا إليك من الهدى على لسان محمد صلّى الله عليه وسلم فسل الأكابر من أهل الكتاب والعلماء الذين يقرؤون الكتاب من قبلك، مثل: عبد الله بن سلام، وسلمان الفارسي، وتميم الدّاري وأشباههم، ولم يرد المعاندين منهم فيشهدون على صدقه، ويخبرونك بنبوّته، وما قدّمه الله في الكتب من ذكره فقال: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ} ، وهو يريد غير النبي، صلّى الله عليه وسلم.
كما قال في موضع آخر: {لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ}
وحّد وهو يريد الجمع، كما قال: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ}.
و{يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ}.
وقال: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ}.
ولم يرد في جميع هذا إنسانا بعينه، إنما هو لجماعة الناس.
ومثله قول الشاعر:

إذا كنت متّخذا صاحبا = فلا تصحبنَّ فتى دارميّا
لم يرد بالخطاب رجلا بعينه، إنما أراد: من كان متّخذا صاحبا فلا يجعله من دارم.
وهذا، وإن كان جائزا حسنا، فإنّ المذهب الأول أعجب إليّ، لأنّ الكلام اتصل حتى قال: {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}.
وهذا لا يجوز أن يكون إلّا لرسول الله، صلّى الله عليه وسلم). [تأويل مشكل القرآن: 269-274]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {فإن كنت في شكّ ممّا أنزلنا إليك فاسأل الّذين يقرءون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحقّ من ربّك فلا تكوننّ من الممترين}
هذه آية قد كثر سؤال الناس عنها وخوضهم فيها جدّا، وفي السورة ما يدل على بيانها وكشف حقيقتها:
والمعنى أن اللّه - جلّ وعزّ - خاطب النبي - صلى الله عليه وسلم - وذلك الخطاب شامل للخلق فالمعنى: إن كنتم في شك فاسألوا.
والدليل على ذلك قوله في آخر السورة:
{قل يا أيّها النّاس إن كنتم في شكّ من ديني فلا أعبد الّذين تعبدون من دون اللّه ولكن أعبد اللّه الّذي يتوفّاكم}.
فأعلم اللّه - جلّ وعزّ - أن نبيه - صلى الله عليه وسلم - ليس في شكّ، وأمره أن يتلو عليهم ذلك.
ويروى عن الحسن أنه قال: لم يسأل ولم يشك، فهذا بيّن جدا.
والدليل على أن المخاطبة للنبي مخاطبة للناس قوله:
{يا أيّها النّبيّ إذا طلّقتم النّساء فطلّقوهنّ لعدّتهنّ}.
فقال (طلّقتم) ولفظ أول الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم – وحده فهذا أحسن الأقوال وفيها قولان آخران.
{فإن كنت في شكّ ممّا أنزلنا إليك فاسأل الّذين}، كما تقول للرجل: إن كنت أبي فتعطف عليّ، أي إن كنت أبي فواجب أن تتعطف على، ليس أنه شك في أنه أبوه.
وفيها وجه ثالث: أن تكون " أن " في معنى " ما " فيكون المعنى ما كنت في شك مما أنزلنا إليك، فاسأل الذين يقرأون، أي لسنا نأمرك لأنك شاك.
ولكن لتزداد، كما قال إبراهيم: {أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئنّ قلبي} فالزيادة في التثبيت ليست مما يبطل صحة القصد). [معاني القرآن: 3/32-33]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك}
في معناه أقوال:
1- منها أن المخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم مخاطبة لأمته فالمعنى على هذا فإن كنتم في شك كما قال تعالى: {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء}
2 - وقيل هذا كما يقال إن كنت أبي فافعل كذا وهو أبوه.
3- وقيل إن ههنا بمعنى ما كما قال جل وعز: {إن الكافرون إلا في غرور} والمعنى فما كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك سؤال ازدياد كما قال تعالى إخبارا عن إبراهيم {قال بلى ولكن ليطمئن قلبي}
وقال أبو العباس محمد بن يزيد المعنى يا محمد قل للشاك إن كنت في شك فاسأل الذين يقرءون الكتاب أي سل من آمن من أهل الكتاب فيخبرك بصفة النبي صلى الله عليه وسلم في كتابه
قال الحسن لم يسأل ولم يشك
وقال الضحاك الذين يقرءون الكتاب يعني بهم من آمن من أهل الكتاب وكان من أهل التقوى). [معاني القرآن: 3/316-318]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( قال أبو عمر: سمعت الإمامين ثعلبا والمبرد يقولان: معنى {فإن كنت في شك} أي: قل يا محمد للكافر:
فإن كنت في شك من القرآن فاسأل من أسلم من اليهود، الذين يقرءون الكتاب من
قبلك، أي: يا عابد الوثن، إن كنت في شك من القرآن فاسأل من أسلم من اليهود - يعني: عبد الله بن سلام، وأمثاله - لأن عبدة الأوثان كانوا يقرون لليهود أنهم أعلم منهم،
من أجل أنهم أصحاب كتاب، فدعاهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى أن يسألوا من يقرون بأنهم أعلم منهم: هل بعث الله رسولا من بعد موسى - عليه السلام؟).
[ياقوتة الصراط:258- 259]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (95)}

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (96)}
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {إن الذين حقت عليهم كلمات ربك لا يؤمنون}
قال قتادة أي إن الذين حق عليهم غضب الله وسخطه بمعصيتهم لا يؤمنون). [معاني القرآن: 3/318]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آَيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (97)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {حتّى يروا العذاب الأليم} مجازه: المؤلم وهو الموجع، والعرب تضع فعيل في موضع مفعل،
وقال في آية أخرى: {سميعٌ بصيرٌ} أي مبصرٌ وقال عمرو بن معد يكرب.
أمن ريحانة الداعي السميع
يريد المسمع. ريحانة: أخت عمرو بن معد يكرب كان الصّمّة أغار عليها وذهب بها، وقال أبو عبيدة: كانت ريحانة أخت عمرو فسباها الصّمّة وهي أم دريد وخالد). [مجاز القرآن: 1/282]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {ولو جاءتهم كلّ آيةٍ حتّى يروا العذاب الأليم}
وقال: {ولو جاءتهم كلّ آيةٍ} فأنث فعل الكل لأنه أضافه إلى الآية وهي مؤنثة). [معاني القرآن: 2/38]

تفسير قوله تعالى: {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آَمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آَمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (98)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فلولا كانت قريةٌ آمنت فنفعها إيمانها...}
وهي في قراءة أبيّ (فهلاّ) ومعناها: أنهم لم يؤمنوا، ثم استثنى قوم يونس بالنصب على الانقطاع مما قبله: ألا ترى أن ما بعد (إلاّ) في الجحد يتبع ما قبلها، فتقول: ما قام أحد إلا أبوك، وهل قام أحد إلا أبوك؛ لأن الأب من الأحد؛ فإذا قلت: ما فيها أحد إلا كلبا وحمارا، نصبت؛ لأنها منقطعة ممّا قبل إلا؛ إذ لم تكن من جنسه، كذلك كان قوم يونس منقطعين من قوم غيره من الأنبياء. ولو كان الاستثناء ها هنا وقع على طائفة منهم لكان رفعا. وقد يجوز الرفع فيها، كما أن المختلف في الجنس قد يتبع فيه ما بعد إلا ما قبل إلا؛
كما قال الشاعر:
وبلدٍ ليس به أنيس= إلا اليعافير وإلا العيس
وهذا قوة للرفع، والنصب في قوله: {ما لهم به من علم إلا اتّباع الظنّ}. لأن اتباع الظن لا ينسب إلى العلم. وأنشدونا بيت النابغة:
*... ... وما بالربع من أحد *
* إلا أواريّ ما إن لا أبيّنها *
جمع في هذا البيت بين ثلاثة أحرف من حروف الجحد: لا، وإن، وما. والنصب في هذا النوع المختلف من كلام أهل الحجاز، والإتباع من كلام تميم). [معاني القرآن: 1/479-480]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إلا قوم يونس} مجاز إلاّ ها هنا مجاز الواو، كقولك: وقوم يونس لم يؤمنوا حتى رأوا العذاب الأليم فآمنوا فـكشفنا عنهم عذاب الخزي)،
وقال في ذلك عنز بن دجاجة المازنيّ:

من كان أسرع في تفرّق فالجٍ= فلبونه جربت معاً وأغدّت
إلاّ كنا شرة الذي ضيّعتم= كالغصن في غلوائه المتنبّت
وقال الأعشى:

من مبلغٌ كسرى إذا ما جئته= عنّي قوافٍ غارماتٍ شرّدا
إلاّ كخارجة المكلّف نفسه= وابني قبيصة أن أغيب ويشهدا
أي وكخارجة وابنّي قبيصة؛ ثم جاء معنى هذا {فلولا كانت قريةٌ آمنت فنفعها إيمانها} ). [مجاز القرآن: 1/282-284]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فلولا كانت قريةٌ آمنت فنفعها إيمانها}
مجازه: فهّلا كانت قرية إذا رأت بأسنا آمنت فكانت مثل قوم يونس. ولها مجاز آخر قالوا فيه: {إنّ الّذين حقّت عليهم كلمة ربّك لا يؤمنون ولو جاءتهم كلّ آيةٍ حتّى يروا العذاب الأليم} ثم استثنى منهم فقال: إلاّ أن قوم يونس لمّا رأوا العذاب آمنوا فنفعهم إيمانهم فكشفنا عنهم عذاب الخزي.
ويقال: يونس ويؤنس كأنه يفعل من: آنسته). [مجاز القرآن: 1/284]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {فلولا كانت قرية}: فهلا). [غريب القرآن وتفسيره: 172]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فلو لا كانت قريةٌ آمنت فنفعها} إيمانها عند نزول العذاب.
{إلّا قوم يونس} فإنهم آمنوا قبل نزول العذاب. أي فهلا آمنت قرية غير قوم يونس فنفعها إيمانها.
ويقال: فلم تكن قرية آمنت فنفعها إيمانها عند نزول العذاب إلّا قوم يونس). [تفسير غريب القرآن:199- 200]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وبعض المفسرين يجعل لولا في قوله: {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آَمَنَتْ} بمعنى (لم) أي: فلم تكن قرية آمنت {فنفعها إيمانها} عند نزول العذاب {إلّا قوم يونس}.
وكذلك قوله: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ} أي فلم يكن). [تأويل مشكل القرآن: 541]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلّا قوم يونس لمّا آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدّنيا ومتّعناهم إلى حين}
فهلّا كانت قرية.
قال الشاعر:

تعّدون عقر النّيب أفضل مجدكم= بني ضوطرى لولا الكميّ المقنّعا
أي فهلّا تعدّون الكميّ، والكمي الداخل في السلاح.
والمعنى: فهلّا كان أهل قرية آمنوا.
وقوله {إلّا قوم يونس} استثناء ليس من الأول، كأنه قال لكن قوم يونس لما آمنوا.
وقوله: {فنفعها إيمانها} معناه هلّا كانت قرية آمنت في وقت ينفعهم الإيمان، وجرى هذا بعقب
قول فرعون لما أدركه الغرق: {آمنت أنّه لا إله إلّا الّذي آمنت به بنو إسرائيل}.
فأعلم اللّه - جلّ وعزّ - أن الإيمان لا ينفع عند وقوع العذاب ولا عند حضور الموت الذي لا يشك فيه.
قال اللّه - جلّ وعزّ -: {وليست التّوبة للّذين يعملون السّيّئات حتّى إذا حضر أحدهم الموت قال إنّي تبت الآن ولا الّذين يموتون وهم كفّار}.
وقوم يونس - واللّه أعلم - لم يقع بهم العذاب، إنما رأوا الآية التي تدل على العذاب، فلما آمنوا كشفت عنهم.
ومثل ذلك العليل الذي يتوب في مرضه وهو يرجو في مرضه العافية ولا يخاف الموت فتوبته صحيحة أما الذي يعاين فلا توبة له،
قال اللّه - عزّ وجلّ في قصته: {وإن من أهل الكتاب إلّا ليؤمننّ به قبل موته}.
فأما النصب في قوله {إلّا قوم يونس} فمثله من الشعر قول النابغة:

وقفت فيها أصيلالا أسائلها=عيّت جوابا وما بالرّبع من أحد
إلاّ الأواريّ لأيا ما أبيّنها= والنّؤي كالحوض بالمظلومة الجلد
ويجوز الرفع على أن يكون على معنى فهلّا كانت قرية آمنت غير قوم يونس، فيكون{إلّا قوم يونس} صفة.
ويجوز أن يكون بدلا من الأول، لأن معنى قوم يونس محمول على معنى هلّا كان قوم قرية، أو قوم نبي آمنوا إلا قوم يونس.
ولا أعلم أحدا قرأ بالرفع.
وفي الرفع وجه آخر وهو البدل، وإن لم يكن الثاني من جنس الأول، كما قال الشاعر:
وبلدة ليس بها أنيس= إلا اليعافير وإلا العيس
). [معاني القرآن: 3/33-35]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس}
قال قتادة لم يؤمن قوم حين رأوا العذاب إلا قوم يونس
وقال غيره لم يروا العذاب وإنما رأوا دليله فقبلت توبتهم
وذكر هذا على أثر قصة فرعون لأنه آمن حين رأى العذاب فلم ينفعه ذلك
قال قتادة خرج قوم يونس ففرقوا بين البهائم وأولادها وأقاموا يدعون الله جل وعز فتاب عليهم
وقوله جل وعز: {إلا قوم يونس}
هذا عند الخليل وسيبويه استثناء ليس من الأول
وقال غيرهما هو استثناء منقطع لأنهم أمة غير الأمم الذين استثنوا منهم ومن غير جنسهم وشكلهم وإن كانوا من بني آدم
ومعنى إلى حين إلى حين فناء آجالهم). [معاني القرآن: 3/318-319]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {ولو شاء ربّك لآمن من في الأرض كلّهم جميعاً أفأنت تكره النّاس حتّى يكونوا مؤمنين}
وقال: {لآمن من في الأرض كلّهم جميعاً} فجاء بقوله {جميعاً} توكيدا، كما قال: {لا تتّخذوا إلهين اثنين} ففي قوله: {إلهين} دليل على الاثنين). [معاني القرآن: 2/38]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا}
فيه قولان:
أحدهما أنه قد سبق في علمه أنه لن يؤمن إلا من قد سبقت له السعادة في الكتاب الأول كما روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال خبره جل وعز أنه لن يؤمن إلا من قد سبق له من الله سعادة في الذكر الأول ولا يضل إلا من سبق له من الله الشقاء في الذكر الأول
والقول الآخر ولو شاء ربك لعاجل الكافر بالعقوبة فآمن الناس كلهم ولكن لو كان ذلك لم يكن لهم في الإيمان ثواب فوقعت المحنة بالحكمة
وعن ابن عباس ويجعل الرجس قال السخط
ثم قال على الذين لا يعقلون أي لا يعقلون عن الله حججه ومواعظه وبراهينه الدالة على النبوة). [معاني القرآن: 3/319-320]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (100)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ويجعل الرّجس على الّذين لا يعقلون...}
العذاب والغضب. وهو مضارع لقوله الرجز، ولعلهما لغتان بدّلت السين زايا كما قيل الأسد والأزد). [معاني القرآن: 1/480]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وما كان لنفس أن تؤمن إلّا بإذن اللّه ويجعل الرّجس على الّذين لا يعقلون}
معناها وما كان لنفس الوصلة إلى الإيمان إلا بما أعلمها اللّه منه.
ويكون أيضا إلا بتوفيق اللّه، وهو إذنه.
{ويجعل الرّجس على الّذين لا يعقلون}.
والرجس العذاب، ويقال هو الرجز). [معاني القرآن: 3/35-36]

تفسير قوله تعالى: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (101)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {قل انظروا ماذا في السّماوات} من الدلائل {والأرض} واعتبروا). [تفسير غريب القرآن: 200]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {قل انظروا ماذا في السموات والأرض}
أي من الدليل على قدرة الله جل ذكره
ثم قال: {وما تغني الآيات والنذر} أي الأدلة والنذر جمع نذير وهو الرسول عن قوم لا يؤمنون أي لا يصدقون حتى يروا العذاب). [معاني القرآن: 3/320-321]

تفسير قوله تعالى: {فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (102)}
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم}
يعني هؤلاء المكذبين من العقاب
إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم
قال قتادة يقول وقائع الله جل وعز في الذين خلوا من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود). [معاني القرآن: 3/321]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ (103)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {ثمّ ننجّي رسلنا والّذين آمنوا كذلك حقّاً علينا ننج المؤمنين}
وقال: {كذلك حقّاً علينا ننج المؤمنين} يقول: {كذلك ننجي المؤمنين حقّاً علينا} ). [معاني القرآن: 2/38]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ثمّ ننجّي رسلنا والّذين آمنوا كذلك حقّا علينا ننج المؤمنين}
وننجى، أي إذا أهلكت قرية أنجى الله الأنبياء، والمؤمنين مما ينزل بأهلها.
فإن قال قائل: فهلّا كانت قرية آمنت، ألم يؤمن أحد من أهل القرى؟
فالمعنى أن أهل القرى ذكر الله في جمهورهم الكفر، فقال:
{ولو أنّ أهل القرى آمنوا واتّقوا لفتحنا عليهم بركات من السّماء والأرض ولكن كذّبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون}.
فأما من قرأ " نجّي المؤمنين " فلا وجه له.
وقد نجّي النجاء المؤمنين
وهذا روي في القراءة عن عاصم في سورة الأنبياء ولا وجه له). [معاني القرآن: 3/36]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا}
أي من ذلك الهلاك كذلك أي كما فعلنا بالماضين). [معاني القرآن: 3/321]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (104)}
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني}
أي الذي أدعوكم إليه فلم تعلموا أنه حق فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله من الأوثان وغيرها التي لا تنفع شيئا ولا تضر ولكن أعبد الله الذي لا ينبغي أن تشكو فيه الذي يتوفاكم أي يقبض الخلق فيميتهم وأمرت أن أكون من المؤمنين أي وهو أمرني أن أكون من المصدقين). [معاني القرآن: 3/321-322]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (105)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وأن أقم وجهك للدّين حنيفاً ولا تكوننّ من المشركين}
وقال: {وأن أقم وجهك للدّين حنيفاً} أي: وأمرت أن أقم وجهك للدين). [معاني القرآن: 2/38]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {وأن أقم وجهك للدين حنيفا}
أن الثانية عطف على الأولى أي أقم نفسك على دين الإسلام حنيفا مائلا إلى الإسلام ولا تكونن من المشركين أي ممن أشرك في عبادته الأنداد). [معاني القرآن: 3/322]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ (106)}
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك}
أي في دين ولا دنيا فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين أي فإن فعلت ذلك فعبدتها فإنك إذا من الظالمين لأنفسهم). [معاني القرآن: 3/322]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107)}
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو}
أي دون ما يعبده هؤلاء المشركون وإن يردك بخير أي برخاء ونعمة وعافية وسرور فلا راد لفضله أي فلا يقدر أحد أن يحول بينك وبين ذلك ولا يرده عنك لأنه الذي بيده ذلك لا إلى غيره). [معاني القرآن: 3/323]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (108)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فإنّما يضلٌّ عليها} مجازه: يضل لها أي لنفسه، وهداه لنفسه). [مجاز القرآن: 1/284]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم}
أي القرآن الذي فيه بيان ما بالناس إليه حاجة فمن اهتدى سلك سبيل الحق فإنما يهتدي لنفسه أي فإنما يستقيم على الهدى لخير نفسه ومن ضل أي عدل عن الحق الذي أتاه فإنما يضل عليها أي فإنما يجني به على نفسه لا على غيرها
وقوله جل وعز: {وما أنا عليكم بوكيل}
أي بمسلط على تقويمكم إنما أمركم إلى الله جل وعز هو الذي يقوم من شاء منكم وإنما أنا مبلغ). [معاني القرآن: 3/323]

تفسير قوله تعالى: {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (109)}
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {واتبع ما يوحى إليك}أي اعمل به
ثم قال جل وعز: {واصبر أي على ما أصابك} في الله من مشركي قومك حتى يحكم الله أي حتى يقضي فيهم
وقيل أمره بفعل فاصل وهو خير الحاكمين أي خير القاضين وأعدل الفاصلين
وقال ابن زيد هذا منسوخ حكم الله بجهادهم وأمر بالغلظة عليم وقال غيره حكم بينه وبينهم يوم بدر فقتلهم بالسيف وأمر نبيه فيمن بقي منهم أن يسلك بهم سبيل من أهلك منهم أو يتوبوا). [معاني القرآن: 3/323-324]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:49 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة