العودة   جمهرة العلوم > جمهرة علوم القرآن الكريم > الناسخ والمنسوخ

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24 جمادى الآخرة 1434هـ/4-05-2013م, 04:33 PM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

قوله تعالى: {لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍۢ ۖ فَإِن فَآءُو فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌۭ رَّحِيمٌۭ(226)}

قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {للّذين يؤلون من نسائهم تربّص أربعة أشهرٍ}.
قال بعض العلماء: هذه الآية ناسخةٌ لما كانوا عليه، كان الرّجل يؤلي من امرأته السّنة والسنتين وأكثر، ولا تطلق عليه، فنسخ الله ذلك بأربعة أشهر، فإذا رافعته إلى السلطان استوفى له أربعة أشهر. فإن رجع إلى الوطء، وإلاّ طلقت عليه واحدة.
ولا إيلاء على من حلف ألاّ يطأ أقلّ من أربعة أشهر.
ولا تعدّ الأربعة الأشهر إلاّ من وقت ترفعه إلى السلطان إذا كانت يمينه على غير الوطء مما يمنع معه الوطء.
فإن كان يمينه على الوطء بعينه فأجله أربعة أشهر من يوم يمينه إذا رفعته إلى السلطان.
هذا كلّه مذهب مالك، وفيه اختلافٌ ليس هذا موضع ذكره.
وإيجاب النّسخ بهذه الآية لما كانوا عليه مروي عن ابن عباس رضي الله عنه.
).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:123- 200]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (ومن ذلك قولهم: كان الرجل يؤلي من امرأته السنة وأكثر من ذلك، ولا تطلق عليه، فنسخ ذلك بقوله عز وجل: {للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر} الآية [البقرة: 226].). [جمال القراء: 1/249-271]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 24 جمادى الآخرة 1434هـ/4-05-2013م, 06:13 PM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

قوله تعالى: {وَٱلْمُطَلَّقَٰتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَٰثَةَ قُرُوٓءٍۢ ۚ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِىٓ أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ ۚ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِى ذَٰلِكَ إِنْ أَرَادُوٓا۟ إِصْلَٰحًۭا ۚ وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِى عَلَيْهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ ۚ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌۭ ۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(228)}

قال الوليد بن محمد الموقّري الأموي (ت:182هـ): حدثني محمد بن مسلم بن عبد الله بن شِهَاب الزهري(124هـ) قال: (وقال تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروءٍ ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعولتهم أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحاً}.
وذلك أن الرجل كان إذا طلق زوجته كان أحق بردها إن كان قد طلقها ثلاثاً. فلما أنزل الله عز وجل: {الطلاق مرتان فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ}. فضرب الله حينئذٍ أجلاً لمن مات أو لمن طلق. فقال تعالى: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصيةً لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراجٍ}. فنسخها بآية الميراث التي فرض لهن فيها الربع والثمن.
). [الناسخ والمنسوخ للزهري: 18-22]
قال محمد بن كثيرٍ العَبْدي (ت:223هـ) عن همّام بن يحيى البصري قال: (وعن قوله جل وعز: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} فجعل عدة المطلقة ثلاث حيض ثم أنه نسخ منها عدة المطلقة التي طلقت ولم يدخل بها زوجها قال الله عز وجل في سورة الأحزاب : {يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا} فهذه ليس عليها عدة إن شاءت تزوجت من يومها
وقد نسخ من الثلاثة قروء اثنان : {واللائي يئسن من المحيض من نسائكم} فهذه العجوز قد قعدت من الحيض {واللائي لم يحضن} فهذه البكر التي لم تبلغ الحيض فعدتها ثلاثة أشهر وليس الحيض من أمرهما في شيء
ثم نسخ من الثلاثة قروء الحامل فقال : {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} فهذه أيضا ليست من القروء في شيء إنما أجلها أن تضع حملها
). [الناسخ والمنسوخ لقتادة: 1/31-38]
قال محمد بن كثيرٍ العَبْدي (ت:223هـ) عن همّام بن يحيى البصري قال: (وعن قوله عز وجل {وبعولتهن أحق بردهن في ذلك} أي في القروء الثلاثة فنسخ منها المطلقة ثلاثا قال الله جل وعز: {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} ). [الناسخ والمنسوخ لقتادة: 1/31-38]
قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 320 هـ): (الآية العشرون: قوله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} [228 مدنية / البقرة / 2] هذه الآية جميعها محكم إلا كلاما في وسطها وهو قوله تعالي: {وبعولتهن أحق بردهن في ذلك} الآية [228 مدنية / البقرة / 2] وناسخها قوله تعالى: {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان...} الآية [229 مدنية / البقرة / 2]) .[الناسخ والمنسوخ لابن حزم: 19-30]
قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (قال جلّ وعزّ: {والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ} [البقرة: 228] الآية قال أبو جعفرٍ: فممّن جعلها في النّاسخ والمنسوخ الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ، وقتادة إلّا أنّ لفظ ابن عبّاسٍ أن قال: استثنى، ولفظ قتادة نسخ قال:
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/27]
قال اللّه تبارك وتعالى: {والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ} [البقرة: 228] ثمّ نسخ من الثّلاث الحيّض المطلّقات اللّواتي لم يدخل بهنّ في سورة الأحزاب فقال جلّ ثناؤه: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثمّ طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ فما لكم عليهنّ من عدّةٍ تعتدّونها} [الأحزاب: 49]، ونسخ الحيض عن أولات الحمل فقال جلّ وعزّ: {وأولات الأحمال أجلهنّ أن يضعن حملهنّ} [الطلاق: 4]
قال أبو جعفرٍ: وقال غيرهما من العلماء ليس هذا بنسخٍ ولكنّه تبيينٌ بيّن جلّ وعزّ بهاتين الآيتين أنّه لم يرد بالأقراء الحوامل ولا اللّواتي لم يدخل بهنّ
ثمّ اختلف العلماء في الأقراء فقالوا فيها ثلاثة أقوالٍ
كما حدّثنا أحمد بن محمّدٍ الأزدي، قال حدّثنا محمود بن حسّان، قال حدّثنا عبد الملك بن هشامٍ، قال: حدّثنا أبو زيدٍ الأنصاريّ، قال: سمعت أبا عمرو بن العلاء، يقول: «العرب تسمّي الطّهر قرءًا، وتسمّي الحيض قرءًا،
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/28]
وتسمّي الطّهر مع الحيض جميعًا قرءًا»
وقال الأصمعيّ: «أصل القرء الوقت يقال أقرأت النّجوم إذا طلعت لوقتها»
قال أبو جعفرٍ: فلمّا صحّ في اللّغة أنّ القرء الطّهر، والقرء الحيض وأنّه لهما جميعًا وجب أن يطلب الدّليل على المراد بقوله {ثلاثة قروءٍ} [البقرة: 228] من غير اللّغة إلّا أنّ بعض العلماء يقول: هي الأطهار ويردّه إلى اللّغة من جهة الاشتقاق وسنذكر قوله بعد ذكر ما في ذلك عن الصّحابة والتّابعين وفقهاء الأمصار
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/29]
فممّن قال الأقراء الأطهار عائشة بلا اختلافٍ عنها
كما قرئ على إسحاق بن إبراهيم بن جابرٍ، عن سعيد بن الحكم بن محمّد بن أبي مريم، قال حدّثنا عبد اللّه بن عمر بن حفصٍ، قال أخبرني عبد الرّحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، قالت: «إنّما الأقراء الأطهار»
قال أبو جعفرٍ: وقد رواه الزّهريّ عن عروة وعمرة عن عائشة
وممّن روي عنه الأقراء الأطهار باختلافٍ ابن عمر، وزيد بن ثابتٍ
قال أبو جعفرٍ كما حدّثنا بكر بن سهلٍ، قال حدّثنا عبد اللّه بن يوسف، قال أخبرنا مالكٌ، عن نافعٍ، عن ابن عمر، أنّه كان يقول: «إذا طلّق الرّجل امرأته فرأت الدّم من الحيضة الثّالثة فقد برئت منه وبرئ منها ولا ترثه ولا يرثها»
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/30]
وإنّما وقع الخلاف فيه عن ابن عمر
لأنّ بكر بن سهلٍ حدّثنا، قال حدّثنا عبد اللّه بن يوسف، قال: أخبرنا مالكٌ، عن نافعٍ، عن عبد اللّه بن عمر، أنّه كان يقول: «إذا طلّق العبد امرأته اثنتين حرّمت عليه حتّى تنكح زوجًا غيره حرّةً كانت أو أمةً، وعدّة الأمة حيضتان وعدّة الحرّة ثلاث حيضٍ»
قال أبو جعفرٍ: والحديثان جميعًا في الموطّأ، فأمّا حديث زيدٍ ففيه روايتان
إحداهما من حديث الزّهريّ، عن قبيصة بن ذؤيبٍ، عن زيد بن ثابتٍ، قال «عدّة الأمة حيضتان، وعدّة الحرّة ثلاث حيضٍ»
والمخالف له
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/31]
ما حدّثنا إبراهيم بن شريكٍ، قال: حدّثنا أحمد يعني ابن عبد اللّه بن يونس، قال حدّثنا ليثٌ، عن نافعٍ، أنّ سليمان بن يسارٍ، حدّثه " أنّ الأحوص وهو ابن حكيمٍ طلّق امرأته بالشّام فهلك وهي في آخر حيضتها يعني الثّالثة فكتب معاوية إلى زيد بن ثابتٍ يسأله فكتب إليه لا ترثه ولا يرثها وقد برئت منه وبرئ منها، قال نافعٌ: فقال عبد اللّه بن عمر مثل ذلك "
وقرئ على بكر بن سهلٍ، عن سعيد بن منصورٍ، قال: حدّثنا سفيان بن عيينة، عن الزّهريّ، عن عمرة، عن عائشة، وعن سليمان بن يسارٍ، عن
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/32]
زيد بن ثابتٍ، قالا «يبينها من زوجها إذا طعنت في الحيضة الثّالثة»
قال أبو جعفرٍ: فهؤلاء الصّحابة الّذين روي عنهم أنّ الأقراء الأطهار وهم ثلاثةٌ
فأمّا التّابعون وفقهاء الأمصار ففيهم القاسم، وسالم، وسليمان بن يسارٍ، وأبو بكر بن عبد الرّحمن، وأبان بن عثمان، ومالك بن أنسٍ
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/33]
والشّافعيّ، وأبو ثورٍ
وأمّا الّذين قالوا الأقراء الحيض فأحد عشر من أصحاب رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم بلا اختلافٍ عنهم وزيادة اثنين باختلافٍ
كما قرئ على أحمد بن محمّد بن الحجّاج، عن يحيى بن سليمان، قال: وحدّثنا خالد بن إسماعيل، ووكيع بن الجرّاح، قالا: حدّثنا عيسى بن أبي عيسى، عن الشّعبيّ، قال أحد عشر من أصحاب رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم أو اثنا عشر الخير فالخير منهم عمر وزاد وكيعٌ وأبو بكرٍ قالا وعليٌّ، وابن مسعودٍ وابن عبّاسٍ: «إذا طلّق الرّجل امرأته تطليقةً أو تطليقتين فله عليها الرّجعة ما لم تغتسل من القرء الثّالث وقال وكيعٌ في حديثه ما لم تغتسل من حيضتها الثّالثة»
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/34]
قال أبو جعفرٍ: «الأحد عشر أبو بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٌّ وابن عبّاسٍ وابن مسعودٍ، ومعاذٌ وعبادة وأبو الدّرداء، وأبو موسى وأنسٌ والاثنان بالاختلاف ابن عمر، وزيدٌ»
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/35]
قرئ على بكر بن سهلٍ، عن سعيد بن منصورٍ، قال حدّثنا سفيان بن عيينة، عن الزّهريّ، عن سعيد بن المسيّب، في الرّجل يطلّق امرأته تطليقةً أو تطليقتين قال: قال عليٌّ: «هو أحقّ برجعتها ما لم تغتسل من الحيضة الثّالثة»
قال سفيان، حدّثنا منصورٌ، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عمر، وابن مسعودٍ أنّهما قالا: «هو أحقّ بها ما لم تغتسل»
قال سفيان: وحدّثنا أيّوب، عن الحسن عن أبي موسى الأشعريّ،: مثل ذلك
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/36]
ومن التّابعين وفقهاء الأمصار سعيد بن المسيّب، وسعيد بن جبيرٍ، وطاووسٌ، وعطاءٌ والضّحّاك ومحمّد بن سيرين، والشّعبيّ، والحسن، وقتادة، والأوزاعيّ، والثّوريّ، وأبو حنيفة وأصحابه،
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/37]
وإسحاق، وأبو عبيدٍ
وحكى الأثرم عن أحمد بن حنبلٍ أنّه كان يقول الأقراء الأطهار ثمّ وقف فقال: وكان الأكابر من أصحاب محمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم يقولون غير هذا
قال أبو جعفرٍ: فهذا ما جاء عن العلماء بالرّوايات ونذكر ما في ذلك من النّظر واللّغة من احتجاجاتهم إذ كان الخلاف قد وقع، فمن أحسن ما احتجّ به من قال الأقراء الأطهار قوله جلّ وعزّ: {والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ} [البقرة: 228] فأخبر جلّ وعزّ أنّ القروء هي العدد، والعدد عقيبة الطّلاق
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/38]
وإنّما يكون الطّلاق في الطّهر فلو كانت الأقراء هي الحيّض كان بين الطّلاق والعدّة فصلٌ واحتجّوا بالحديث
حدّثنا بكر بن سهلٍ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن يوسف، قال: أخبرنا مالكٌ، عن نافعٍ، عن ابن عمر " أنّه طلّق امرأته وهي حائضٌ فسأل عمر بن الخطّاب رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فقال: «مره فليراجعها ثمّ ليمسكها حتّى تطهر ثمّ تحيض ثمّ تطهر ثمّ إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلّق قبل أن يمسّ فتلك العدّة الّتي أمر اللّه جلّ وعزّ أن يطلّق لها النّساء» قال المحتجّ فتلك إشارةٌ إلى الطّهر
وفي حديث أبي الزّبير، عن ابن عمر، وتلا رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: فطلّقوهنّ في قبل عدّتهنّ قال: «فقبل عدّتهنّ هو الطّهر»
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/39]
قال أبو جعفرٍ: ومخالفه يحتجّ عليه بالحديث بعينه وسيأتي ذلك
واحتجّ بعضهم بأنّه من قريت الماء أي حبسته فكذا القرء: احتباس الحيض وهذا غلطٌ بيّنٌ لأنّ قريت الماء غير مهموزٍ وهذا مهموزٌ فاللّغة تمنع أخذ هذا من هذا
واحتجّ بعضهم بأنّ الآية ثلاثة قروءٍ بالهاء فوجب أن تكون للطّهر لأنّ الطّهر مذكّرٌ وعدد المذكّر يدخل فيه الهاء ولو كان للحيضة لقيل ثلاثٌ
قال أبو جعفرٍ: وهذا غلطٌ في العربيّة لأنّ الشّيء يكون له اسمان مذكّرٌ ومؤنّثٌ فإذا جئت بالمؤنّث أنّثته وإذا جئت بالمذكّر ذكّرته كما تقول رأيت ثلاث أدؤرٍ ورأيت ثلاثة منازل لأنّ الدّار مؤنّثةٌ والمنزل مذكّرٌ والمعنى واحدٌ
وأمّا احتجاج الّذين قالوا الأقراء الحيض فبشيءٍ من القرآن ومن الإجماع ومن السّنّة ومن القياس قالوا قال اللّه جلّ وعزّ {واللّائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدّتهنّ ثلاثة أشهرٍ} [الطلاق: 4] فجعل الميئوس منه الحيض فدلّ على أنّه هو العدّة وجعل العوض منه الأشهر إذا كان معدومًا
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/40]
وقال اللّه جلّ وعزّ: {فطلّقوهنّ لعدّتهنّ} [الطلاق: 1] وبيّن رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم أنّ معنى {فطلّقوهنّ لعدّتهنّ} [الطلاق: 1] أن يطلّق في طهرٍ لم يجامع فيه ولا تخلو لعدّتهنّ من أن يكون معناه ليعتددن في المستقبل أو يكون للحال أو للماضي، ومحالٌ أن تكون العدّة قبل الطّلاق أو أن يطلّقها في حال عدّتها فوجب أن تكون للمستقبل
قال أبو جعفرٍ: والطّهر كلّه جائزٌ أن يطلّق فيه وليس بعد الطّهر إلّا الحيض
وقال جلّ وعزّ: {والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ} [البقرة: 228] قالوا: فإذا طلّقها في الطّهر ثمّ احتسبت به قرءًا فلم تعتدّ إلّا قرئين وشيئًا وليس هكذا نصّ القرآن وقد احتجّ محتجٌّ في هذا فقال: التّثنية جمعٌ واحتجّ بقوله جلّ وعزّ: {الحجّ أشهرٌ معلوماتٌ} [البقرة: 197] وإنّما ذلك شهران وأيّامٌ فهذا الاحتجاج غلطٌ لأنّه لم يقل جلّ وعزّ ثلاثة أشهرٍ فيكون مثل ثلاثة قروءٍ وإنّما هذا مثل قوله جلّ وعزّ: {يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهرٍ وعشرًا} [البقرة: 234] فلا
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/41]
يجوز أن يكون أقلّ منها وكذا فصيام ثلاثة أيّامٍ في الحجّ وسبعةٍ إذا رجعتم
فأمّا من السّنّة:
فحدّثنا الحسن بن غليبٍ، قال: حدّثنا يحيى بن عبد اللّه، قال أخبرني اللّيث، عن يزيد بن أبي حبيبٍ، عن بكير بن عبد اللّه بن الأشجّ، عن المنذر بن المغيرة، عن عروة بن الزّبير، أنّ فاطمة ابنة أبي حبيشٍ أخبرته أنّها، أتت رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فشكت إليه الدّم فقال: «إنّما ذلك عرقٌ فانظري إذا أتاك قرؤك فلا تصلّي وإذا مرّ القرء فتطهّري ثمّ صلّي من القرء إلى القرء»
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/42]
وهذا لفظ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم سمّى الحيض قرءًا في أربعة مواضع
وأمّا الإجماع: فأجمع المسلمون على الاستبراء بحيضةٍ
وقال عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه بحضرة أصحاب رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم عدّة الأمة حيضتان نصف عدّة الحرّة ولو قدرت على أن أجعلها حيضةً ونصفًا لفعلت وهذا يدخل في باب الإجماع لأنّه لم ينكره عليه أحدٌ من الصّحابة
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/43]
وقالوا قد أجمع العلماء على أنّ المطلّقة ثلاثًا إذا ولدت فقد خرجت من العدّة لا اختلاف في ذلك وإنّما اختلفوا في المتوفّى عنها زوجها قالوا فالقياس أن يكون الحيض بمنزلة الولد؛ لأنّهما جميعًا يخرجان من الجوف وفي سياق الآية أيضًا دليلٌ، قال اللّه جلّ وعزّ: {ولا يحلّ لهنّ أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهنّ} [البقرة: 228] فللعلماء في هذا قولان:
قال ابن عبّاسٍ «الحبل»
وقال الزّهريّ «الحيض»، وليس ثمّ دليلٌ يدلّ على اختصاص أحدهما فوجب أن يكون لهما جميعًا، وإنّما حظر عليها كتمان الحيض والحبل لأنّ زوجها إذا طلّقها طلاقًا يملك معه الرّجعة كان له أن يراجعها من غير أمرها ما لم تنقض عدّتها فإذا كرهته قالت قد حضت الحيضة الثّالثة أو قد ولدت لئلّا يراجعها فنهيت عن ذلك
قال جلّ وعزّ: {وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ في ذلك} [البقرة: 228]
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/44]
حدّثنا أحمد بن محمّد بن نافعٍ، قال حدّثنا سلمة، قال حدّثنا عبد الرّزّاق، قال أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، {وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ في ذلك} [البقرة: 228] قال: «هو أحقّ بردّها في العدّة»
قال أبو جعفرٍ: التّقدير في العربيّة في ذلك الأجل وأمّا {ولهنّ مثل الّذي عليهنّ بالمعروف} [البقرة: 228]
فقال فيه ابن زيدٍ «عليه أيضًا أن يتّقي اللّه فيها» وأمّا {وللرّجال عليهنّ درجةٌ} [البقرة: 228] ففيه أقوالٌ: فقال ابن زيدٍ: «عليها أن تطيعه وليس عليه أن يطيعها» قال الشّعبيّ: «إذا قذفها لاعن ولم يحدّ وإذا قذفته حدّت» ومن أحسن ما قيل فيه ما رواه عكرمة عن ابن عبّاسٍ قال: «ما أريد أن أستنظف حقوقي على زوجتي»
قال أبو جعفرٍ: ومعنى هذا أنّ اللّه تبارك وتعالى ندب الرّجال إلى أن يتفضّلوا على نسائهم وأن تكون لهم عليهنّ درجةٌ في العفو والتّفضل
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/45]
والاحتمال؛ لأنّ معنى: درجةٌ في اللّغة زيادةٌ وارتفاعٌ
قال أبو العالية: «واللّه عزيزٌ في انتقامه حكيمٌ في تدبيره» قال أبو جعفرٍ: وهذا قولٌ حسنٌ أي عزيزٌ في انتقامه ممّن خالف أمره وحدوده في أمر الطّلاق والعدّة حكيمٌ فيما دبّر لخلقه
واختلف العلماء في الآية الّتي تلي هذه فمنهم من جعلها ناسخةً ومنهم من جعلها منسوخةً ومنهم من جعلها محكمةً وهي الآية الثّالثة والعشرون
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/46]
قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410 هـ): (
الآية الثّالثة والعشرون قوله تعالى {والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروء} الآية أجمع النّاس على إحكام أولها وآخرها إلّا كلمات في وسطها وذلك أن الله تعالى جعل عدّة المطلقة ثلاثة قروء إذا كانت ممّن تحيض وإن كانت آيسة فثلاثة أشهر وإن كانت ممّن لم تحض فمثل ذلك والحوامل وضع حملهنّ فجميع ذلك محكم وهو أي المنسوخ من الآية قوله تعالى {وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ في ذلك} وذلك أن الرجل كان يطلق المرأة وهي حامل وكان يخيّر في مراجعها ما لم تضع نزلت في رجل من غفار أو من أشجع يعرف بإسماعيل بن عبد الله جنى على امرأته فطلقها وهي حامل ثمّ لم يطلّ حكمها كما طال في حكم المنسوخ فكان أحق برجعتها ما لم تضع يقال أنه لم تضع امرأته حتّى نسخت وناسخها الآية
الّتي تلتها وبعض الثّالثة وهي قوله تعالى {الطلاق مرّتان} فإن قال قائل فأين الثّالثة قيل هي قوله تعالى {فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ} يروى ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال آخرون بل نسخها الله تعالى بالآية الّتي تليها وهي قوله تعالى {فإن طلّقها فلا تحلّ له من بعد حتّى تنكح زوجاً غيره}
). [الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: 31-59]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية التّاسعة والعشرين: قوله تعالى: {والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ}.
قد ذهب جماعةٌ من القدماء إلى أنّ في هذه الآية منسوخًا ثمّ اختلفوا في المنسوخ منها على قولين:
أحدهما: أنّه قوله: {والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ}.
قالوا: فكان يجب على كلّ مطلّقةٍ أن تعتدّ ثلاثة قروءٍ فنسخ من ذلك حكم الحامل بقوله: {وأولات الأحمال أجلهنّ أن يضعن حملهنّ}. ونسخ
حكم (الآيسة) والصّغيرة من ذلك بقوله: {واللاّئي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدّتهنّ ثلاثة أشهرٍ واللاّئي لم يحضن} ونسخ حكم المطلّقة قبل الدّخول بقوله: {إذا نكحتم المؤمنات ثمّ طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ فما لكم عليهنّ من عدّةٍ تعتدّونها}.
وهذا مرويٌّ عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما وقتادة إلا أنّ ابن عبّاسٍ استثنى ولفظ قتادة [نسخ].
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا أبو الفضل البقّال، قال: أبنا أبو الحسين بن بشران، قال: أبنا إسحاق الكاذيّ، قال: بنا عبد اللّه بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: بنا عبد الوهّاب عن سعيدٍ عن قتادة، {والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ} قال: فجعل عدّة المطلّقة ثلاث حيضٍ، ثمّ نسخ منها الّتي لم يدخل بها فقال: {إذا نكحتم المؤمنات ثمّ طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ فما لكم عليهنّ من عدّةٍ تعتدّونها} فهذه ليس لها عدّةٌ، وقد نسخ من الثّلاثة قروءٍ، امرأتان، فقال: {واللاّئي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم} فهذه العجوز الّتي لا تحيض عدّتها ثلاثة أشهرٍ، ونسخ من الثّلاثة قروءٍ الحامل فقال: {وأولات الأحمال أجلهنّ أن يضعن حملهنّ}.
والقول الثّاني: أنّ أوّل الآية محكمٌ وإنّما المنسوخ منها قوله: {وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ}.
قالوا: فكان الرّجل إذا طلّق ارتجع،، سواءً كان الطلاق ثلاثًا أو دون ذلك فنسخ هذا بقوله {فإن طلّقها فلا تحلّ له من بعد حتّى تنكح زوجاً غيره}.
واعلم: أنّ القول الصّحيح المعتمد عليه أنّ هذه الآية كلّها محكمةٌ، لأنّ أوّلها عامٌّ في المطلّقات، وما ورد في الحامل والآيسة والصّغيرة فهو مخصوصٌ من جملة العموم وليس على سبيل النسخ. وأما الارتجاع فإن الرجعية زوجة، ولهذا قال: {وبعولتهنّ} ثمّ بيّن الطّلاق الّذي يجوز منه الرّجعة، فقال: {الطّلاق مرّتان} إلى قوله {فإن طلّقها} يعني: الثلاثة {فلا تحلّ له من بعد حتّى تنكح زوجاً غيره
}.). [نواسخ القرآن:125- 236]
قالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنِ الْجَوْزِيِّ (ت:597هـ): (التاسعة عشرة: {ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ} هذا اللفظ عام خص منه أهل الكتاب والتخصيص ليس بنسخ وقد غلط من سماه نسخا. وكذلك العشرون وذلك قوله {والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ} عام خص منه الحامل والآيس والصغير لا على وجه النسخ0.). [المصَفَّى بأكُفِّ أهلِ الرسوخ: 14-21]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (وقوله عز وجل: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} الآية [البقرة: 228] قالوا: هي عامة في كل مطلقة، فنسخ منها غير المدخول بها والتي يئست من المحيض والحامل، قال ذلك قتادة، وليس كما ذكروا، وإنما أريد بالمطلقات المدخول بهن اللواتي يحضن، الخاليات عن الحمل، يدلك على ذلك قوله عز وجل: {ثلاثة قروء}.). [جمال القراء: 1/249-271]


روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 24 جمادى الآخرة 1434هـ/4-05-2013م, 09:30 PM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

قوله تعالى: {ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌۢ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌۢ بِإِحْسَٰنٍۢ ۗ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا۟ مِمَّآ ءَاتَيْتُمُوهُنَّ شَيْـًٔا إِلَّآ أَن يَخَافَآ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا ٱفْتَدَتْ بِهِۦ ۗ تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَأُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ(229)}


قال الوليد بن محمد الموقّري الأموي (ت:182هـ): حدثني محمد بن مسلم بن عبد الله بن شِهَاب الزهري(124هـ) قال: (
وقال الله عز وجل: {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به}. *). [الناسخ والمنسوخ للزهري: 18-22]
قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 320 هـ): (الآية الحادية والعشرون: قوله تعالى في آية الخلع: {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا} [229 مدنية / البقرة / 2] ثم نسخها بالاستثناء وهو قوله تعالى: {إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله} [229 مدنية / البقرة / 2].) .[الناسخ والمنسوخ لابن حزم: 19-30]
قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (قال اللّه جلّ وعزّ {الطّلاق مرّتان} [البقرة: 229] الآية
فمن العلماء من يقول هي ناسخةٌ لما كانوا عليه لأنّهم كانوا في الجاهليّة مدّةٍ، وفي أوّل الإسلام برهةً يطلّق الرّجل امرأته ما شاء من الطّلاق فإذا كادت تحلّ من طلاقها راجعها ما شاء فنسخ اللّه ذلك بأنّه إذا طلّقها ثلاثًا لم تحلّ له حتّى تنكح زوجًا غيره وإذا طلّقها واحدةً أو اثنتين كانت له مراجعتها ما دامت في العدّة، فقال جلّ وعزّ: {الطّلاق مرّتان} [البقرة: 229] أي الطّلاق الّذي تملك معه الرّجعة وهذا معنى قول عروة
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/47]
وحدّثنا أبو جعفرٍ قال: قرئ على عبد اللّه بن أحمد بن عبد السّلام، عن أبي الأزهر، قال حدّثنا روح بن عبادة، عن سعيدٍ، عن قتادة، في قوله جلّ وعزّ {الطّلاق مرّتان} [البقرة: 229] قال: «فنسخ هذا ما كان قبله فجعل اللّه جلّ وعزّ حدّ الطّلاق ثلاثًا وجعل له الرّجعة ما لم يطلّق ثلاثًا» فهذا قولٌ
والقول الثّاني: إنّها منسوخةٌ بقوله جلّ وعزّ: {فطلّقوهنّ لعدّتهنّ} [الطلاق: 1]
والقول الثّالث: إنّها محكمةٌ وافترق قول من قال إنّها محكمةٌ على ثلاث جهاتٍ:
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/48]
فمنهم من قال لا ينبغي للرّجال إذا أراد أن يطلّق امرأته أن يطلّقها إلّا اثنتين لقول اللّه تبارك وتعالى {الطّلاق مرّتان} [البقرة: 229] ثمّ إن شاء طلّق الثّالثة بعد وهذا قول عكرمة
والقول الثّاني: أنّه يطلّقها في طهرٍ لم يجامعها فيه إن شاء واحدةً وإن شاء اثنتين وإن شاء ثلاثًا وهذا قول الشّافعيّ
والقول الثّالث: الّذي عليه أكثر العلماء أن يطلّقها في كلّ طهرٍ طلقةً واحدةً ويحتجّ لصاحب هذا القول:
بقول رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم لعمر «مره فليراجعها
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/49]
ثمّ ليمسكها حتّى تطهر ثمّ تحيض ثمّ تطهر ثمّ إن شاء أمسك وإن شاء طلّق قبل أن يجامع»
قال أبو جعفرٍ: وقد ذكرناه بإسناده وكانت السّنّة أن يكون بين كلّ طلقتين حيضةٌ فلو طلّق رجلٌ امرأته وهي حائضٌ ثمّ راجعها ثمّ طلّقها في الطّهر الّذي يلي الحيضة وقعت تطليقتان بينهما حيضةٌ واحدةٌ، وهذا خلاف السّنّة فلهذا أمر أن يراجعها ثمّ يمسكها حتّى تطهر ثمّ تحيض ثمّ تطهر
ومن الحجّة أيضًا {الطّلاق مرّتان} [البقرة: 229] لأنّ مرّتين يدلّ على التّفريق كذا هو في اللّغة قال سيبويه: وقد تقول سير عليه مرّتين تجعله للدّهر أي ظرفًا فسيبويه يجعل مرّتين ظرفًا فالتّقدير أوقات الطّلاق مرّتان
وحدّثنا أحمد بن محمّد بن نافعٍ، قال حدّثنا سلمة، قال حدّثنا عبد الرّزّاق، قال أخبرنا سفيان الثّوريّ، قال أخبرني إسماعيل بن سميعٍ، عن أبي رزينٍ، أنّ رجلًا، قال يا رسول اللّه أسمع اللّه تبارك وتعالى يقول {الطّلاق مرّتان} [البقرة: 229] فأين الثّالثة؟ قال: «التّسريح بإحسانٍ»
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/50]
قال أبو جعفرٍ: وفي هذه الآية ما قد اختلف فيه اختلافٌ كثيرٌ وجعله بعضهم في المنسوخ بعد الاتّفاق على أنّه في مخالفة الرّجل امرأته قال جلّ وعزّ: {ولا يحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئًا إلّا أن يخافا ألّا يقيما حدود اللّه} [البقرة: 229] إلى آخر الآية
قال عقبة بن أبي الصّهباء سألت بكر بن عبد اللّه المزنيّ عن الرّجل تريد امرأته أن تخالعه، فقال: " لا يحلّ له أن يأخذ منها شيئًا قلت فأين قول اللّه عزّ وجلّ في كتابه {فإن خفتم أن لا يقيما حدود اللّه فلا جناح عليهما فيما افتدت به} قال نسخت، قلت: فأين جعلت؟ قال في سورة النّساء {وإن أردتم استبدال زوجٍ مكان زوجٍ وآتيتم إحداهنّ قنطارًا فلا تأخذوا منه شيئًا أتأخذونه بهتانًا وإثمًا مبينًا} [النساء: 20] والآية الأخرى "
قال أبو جعفرٍ: وهذا قولٌ شاذٌّ خارجٌ عن الإجماع وليس إحدى الآيتين رافعةً للأخرى فيقع النّسخ لأنّ قوله جلّ وعزّ {فإن خفتم أن لا يقيما حدود اللّه فلا جناح عليهما فيما افتدت به} ليس بمزالٍ بتلك لأنّهما إذا خافا هذا لم يدخل الزّوج في {وإن أردتم استبدال زوجٍ مكان زوجٍ} [النساء: 20] لأنّ هذا للرّجال خاصّةً
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/51]
ومن الشّذوذ في هذا ما روي عن سعيد بن جبيرٍ، ومحمّد بن سيرين، والحسن أنّهم قالوا: لا يجوز الخلع إلّا بأمر السّلطان
قال شعبة قلت لقتادة عمّن أخذ الحسن الخلع إلى السّلطان قال عن زيادٍ
قال أبو جعفرٍ: وهو صحيحٌ معروفٌ عن زيادٍ ولا معنى لهذا القول لأنّ الرّجل إذا خالع امرأته فإنّما هو على ما يتراضيان به ولا يجوز أن يجبره السّلطان على ذلك فلا معنى لقول من قال: هو إلى السّلطان ومع هذا فقول الصّحابة وأكثر التّابعين إنّ الخلع جائزٌ من غير إذن السّلطان فممّن قال ذلك عمر، وعثمان، وابن عمر
كما حدّثنا محمّد بن زيّان، قال حدّثنا محمّد بن رمحٍ، قال أخبرني اللّيث، عن نافعٍ، أنّه سمع الرّبيّع ابنة معوّذ بن عفراء، تخبر عبد اللّه بن عمر أنّها اختلعت من زوجها في عهد عثمان فجاء عمّها معاذ بن عفراء إلى عثمان فقال إنّ ابنة
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/52]
معوّذٍ اختلعت من زوجها أفتنتقل؟ فقال عثمان: «لتنتقل ولا ميراث بينهما ولا عدّة عليها ولكن لا تنكح حتّى تحيض حيضةً خشية أن يكون بها حملٌ» فقال ابن عمر: عثمان خيرنا وأعلمنا
وفي حديث أيّوب، وعبيد اللّه، عن نافعٍ، عن ابن عمر، عن عثمان، «ولا نفقة لها»
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/53]
وفي هذا الحديث أحكامٌ وعلومٌ فمنها أنّ عثمان رحمه اللّه أجاز الخلع على خلاف ما قال بكر بن عبد اللّه وأجازه من غير إذن السّلطان على خلاف ما قال زيادٌ وجعله طلاقًا على خلاف ما يروى عن ابن عبّاسٍ وأجازه بالمال ولم يسأل أهو أكثر من صداقها أم أقلّ على خلاف ما يقول أبو حنيفة وأصحابه: إنّ الخلع لا يجوز بأكثر ممّا ساق إليها من الصّداق وأجاز
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/54]
للمختلعة أن تنتقل وجعلها خلاف المطلّقة ولم يجعل عليها عدّةً كالمطلّقة
وقال بهذا القول إسحاق بن راهويه قال: وليس على المختلعة عدّةٌ وإنّما عليها الاستبراء بحيضةٍ وهو قول ابن عبّاسٍ بلا اختلافٍ وعن ابن عمر فيه اختلافٌ فلمّا جاء عن ثلاثةٍ من الصّحابة لم يقل بغيره ولا سيّما ولم يصحّ عن أحدٍ من الصّحابة خلافه فأمّا عن غيرهم فكثيرٌ
قال جماعةٌ من العلماء عدّة المختلعة عدّة المطلّقة منهم سعيد بن المسيّب، وسليمان بن يسارٍ، وسالم بن عبد اللّه، وعروة بن الزّبير، وعمر بن
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/55]
عبد العزيز والزّهريّ، والحسن، وإبراهيم النّخعيّ، وسفيان الثّوريّ، والأوزاعيّ، ومالكٌ، وأبو حنيفة وأصحابه والشّافعيّ، وأحمد بن حنبلٍ
وفي حديث عثمان أنّه أوجب أنّ المختلعة أملك بنفسها لا تتزوّج إلّا برضاها وإن كانت لم تطلّق إلّا واحدةً، وفيه أنّها لا نفقة لها ولا سكنى وأنّهما
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/56]
لا يتوارثان، وإن كان إنّما طلّقها واحدةٍ وفيه أنّها لا تنكح حتّى تحيض حيضةً وفيه أنّ عبد اللّه بن عمر خبّر أنّ عثمان خيرٌ وأعلم من كلّ من ولّي عليه
وأمّا حديث ابن عبّاسٍ فحدّثناه، أحمد بن محمّدٍ الأزدي، قال حدّثنا محمّد بن خزيمة، قال حدّثنا حجّاجٌ، قال حدّثنا أبو عوانة، عن ليثٍ، عن طاوسٍ: أنّ ابن عبّاسٍ، «جمع بين رجلٍ وامرأته بعد أن طلّقها تطليقتين وخالعها»
وهذا قولٌ شاذٌّ خارجٌ عن الإجماع والمعقول وذلك أنّه إذا قال لامرأته: أنت طالقٌ إذا كان كذا فوقعت الصّفة طلّقت بإجماعٍ فكيف يكون إذا أخذ منها
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/57]
شيئًا وطلّق بصفةٍ لم يقع الطّلاق فهذا محالٌ في المعقول، وطاوسٌ وإن كان رجلًا صالحًا فعنده عن ابن عبّاسٍ مناكير يخالف عليها ولا يقبلها أهل العلم منها أنّه:
روي عن ابن عبّاسٍ، أنّه قال في رجلٍ قال لامرأته أنت طالقٌ ثلاثًا إنّما يلزمه واحدةٌ
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/58]
ولا يعرف هذا عن ابن عبّاسٍ إلّا من روايته والصّحيح عنه وعن عليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنهما أنّها ثلاثٌ كما قال اللّه جلّ وعزّ {فإن
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/58]
طلّقها فلا تحلّ له من بعد} [البقرة: 230] أي الثّالثة
فأمّا العلّة الّتي رويت عن ابن عبّاسٍ في المختلعة فإنّه روي عنه أنّه قال:
وقع الخلع بين طلاقين، قال جلّ وعزّ: {الطّلاق مرّتان} [البقرة: 229] ثمّ ذكر المختلعة فقال جلّ وعزّ: {فإن طلّقها} [البقرة: 230]
قال أبو جعفرٍ: الّذي عليه أهل العلم أنّ قوله جلّ وعزّ {الطّلاق مرّتان فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ} [البقرة: 229] كلامٌ قائمٌ بنفسه ثمّ قال جلّ وعزّ ولا يحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئًا فكان هذا حكمًا مستأنفًا ثمّ قال جلّ وعزّ: {فإن طلّقها} [البقرة: 230] فرجع إلى الأوّل ولو كان على ما روي عن ابن عبّاسٍ لم تكن المختلعة إلّا من طلّقت تطليقتين فهذا ما لا يقول به أحدٌ
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/60]
ومثل هذا في التّقديم والتّأخير {وامسحوا برءوسكم وأرجلكم}
قال أبو جعفرٍ: وهذا بيّنٌ في النّحو
وفي الآية من اللّغة وقد ذكره مالكٌ رحمه اللّه نصًّا فقال المختلعة الّتي اختلعت من كلّ مالها والمفتدية الّتي افتدت ببعض مالها والمبارئة الّتي بارأت زوجها من قبل أن يدخل بها، فقالت: قد أبرأتك فبارئني قال: وكلّ هذا سواءٌ وهذا صحيحٌ في اللّغة وقد يدخل بعضه في بعضٍ فيقال مختلعةٌ وإن دفعت بعض مالها فيكون تقديره أنّها اختلعت نفسها من زوجها وكذا المفتدية وإن افتدت بكلّ ما لها
فأمّا قول من قال لا يجوز أن تختلع بأكثر ممّا ساق إليها من الصّداق فشيءٌ لا توجبه الآية لأنّ اللّه تبارك وتعالى قال: {فلا جناح عليهما فيما افتدت به} [البقرة: 229] وليس في التّلاوة {فيما افتدت به} [البقرة: 229] من ذلك ولا منه فيصحّ ما قالوا
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/61]
على أنّ سعيد بن المسيّب يروى عنه أنّه قال «لا يجوز الخلع إلّا بأقلّ من الصّداق»
وقال ميمون بن مهران «من أخذ الصّداق كلّه فلم يسرّح بإحسانٍ» وقد أدخلت الآية الرّابعة والعشرون في النّاسخ والمنسوخ قال ذلك مالك بن أنسٍ رحمه اللّه
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/62]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {الطّلاق مرّتان} الآية:
هذا ناسخ لقوله: {وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ في ذلك} [البقرة: 228] يعني: في العدّة، أو هي حامل.
قال ابن أبي أويس: كان الرّجل في أوّل الإسلام يطلّق زوجته ثلاثًا، وهي حبلى، وهو أحقّ برجعتها ما دامت في العدّة، فنسخ الله ذلك بقوله: {الطّلاق مرّتان فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسان}.
وقال جماعةٌ من أهل المعاني: هذه الآية ناسخةٌ لما كانوا عليه في الجاهلية وفي أوّل الإسلام، كان الرّجل يطلّق امرأته ما شاء من الطلاق، واحدةً بعد واحدة، فإذا كادت تحلّ من العدّة راجعها ما شاء، فنسخ ذلك من فعلهم بهذه الآية. والمعنى: آخر عدد الطلاق الذي يملك معه الرّجعة تطليقتان.
وقد كان يجب ألاّ تذكر هذه الآية في الناسخ والمنسوخ على هذا القول؛ لأنها لم تنسخ قرآنًا. ويلزم ذكرها على القول الأول.
وقد قيل: إنها منسوخةٌ بقوله: {فطلّقوهنّ لعدّتهنّ} [الطلاق: 1].
قال أبو محمد: وهذا قول بعيدٌ، بل الآيتان محكمتان في معنيين مختلفين، لا ينسخ أحدهما الآخر آية البقرة ذكر الله فيها بيان عدد الطّلاق، وآية الطّلاق ذكر الله فيها بيان وقت بالطّلاق. فهما حكمان مختلفان معمولٌ بهما، لا ينسخ أحدهما الآخر لتباين معنييهما.
).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:123- 200]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {ولا يحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئًا إلاّ أن يخافا ألاّ يقيما حدود الله} [البقرة: 229] الآية:
أدخل أبو عبيد هذه الآية في الناسخ والمنسوخ. وليست منه إنما هو استثناءٌ بحرف الاستثناء.
وقد قيل: إنه منسوخٌ بقوله: {فإن طبن لكم عن شيءٍ منه نفسًا فكلوه} [النساء: 4] الآية.
والأولى والأحسن: أن تكون الآيتان محكمتين في حكمين مختلفين، لا ينسخ أحدهما الآخر:
آية البقرة في منع ما يأخذ الزّوج من زوجته على الإكراه والمضارّة بها.
وآية النساء في جواز ما يأخذ منها على التطوّع وطيب النفس من غير مضارّة منه لها.
فهما حكمان مختلفان.
).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:123- 200]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية الثّلاثين: قوله تعالى: {الطّلاق مرّتان}.
قد زعم قومٌ: أنّ هذه الآية نسخت ما كانوا عليه، من أنّ أحدهم كان يطلّق ما شاء.
أخبرنا ابن ناصرٍ، قال: بنا عليّ بن أيّوب، قال: أبنا ابن شاذان، قال: بنا أبو بكر النجاد، قال: بنا أبو داود السجستاني، قال: بنا أحمد بن محمّد، قال: بنا عليّ بن الحسين عن أبيه عن (يزيد) النّحويّ عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما قال: كان الرّجل إذا طلّق امرأته، فهو أحقّ برجعتها وإن طلّقها ثلاثًا فنسخ اللّه ذلك، فقال: {الطّلاق مرّتان} الآية.
وروى سعيدٍ عن قتادة في قوله تعالى: {الطّلاق مرّتان} قال: فنسخ هذا ما كان قبله وجعل اللّه حدّ الطّلاق ثلاثاً.
قلت: وهذا يجوز في الكلام يريدون به تغيير تلك الحال وإلا فالتّحقيق أنّ هذا لا يقال فيه ناسخٌ ولا منسوخٌ وإنّما هو ابتداء شرعٍ وإبطالٌ لحكم العادة.
وزعم آخرون: أنّ هذه الآية لمّا اقتضت إباحة الطّلاق على الإطلاق من غير تعيين زمانٍ، نزل قوله: {فطلّقوهنّ لعدّتهنّ} أي: من قبل عدّتهنّ وذلك أن تطلّق المرأة في زمان طهرها لتستقبل الاعتداد بالحيض.
وهذا قول من لا يفهم النّاسخ والمنسوخ، وإنّما أطلق الطّلاق في هذه الآية وبيّن في الأخرى كيف ينبغي أن يوقع. ثمّ إنّ الطّلاق واقعٌ، وإن طلّقها في زمان الحيض، فعلم أنّه تعليم أدبٍ والصّحيح أن الآية محكمة.
). [نواسخ القرآن:125- 236]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْن
ُ
الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (
ذكر الآية الحادية والثّلاثين: قوله تعالى: {ولا يحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئاً إلّا أن يخافا ألاّ يقيما حدود اللّه فإن خفتم ألّا يقيما حدود اللّه فلا جناح عليهما فيما افتدت به}.هذه الآية مبيّنةٌ لحكم الخلع ولا تكاد تقع الفرقة بين الزّوجين إلا بعد فساد الحال، ولذلك علّق القرآن جوازه مخافة تركهما القيام بالحدود، وهذا أمرٌ ثابتٌ والآية محكمةٌ عند عامّة العلماء.
إلا أنّه قد أخبرنا إسماعيل ابن أحمد، قال: أبنا عمر بن عبيد اللّه البقّال قال: أبنا أبو الحسين بن بشران، قال: أبنا إسحاق ابن أحمد الكاذي، قال: بنا عبد اللّه بن أحمد بن حنبلٍ، قال: حدّثني أبي، قال: بنا حمّاد بن خالدٍ الخيّاط، قال: بنا عقبة بن أبي الصّهباء، (قال: سألت بكر بن عبد اللّه) عن رجلٍ سألته (امرأته) الخلع؟ فقال:
لا يحلّ له أن يأخذ منها شيئًا، قلت له: يقول الله عز وجل: {فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود اللّه} الآية؟ قال: نسخت، قلت: فأين جعلت؟ قال: في سورة النّساء {وإن أردتم استبدال زوجٍ مكان زوجٍ وآتيتم إحداهنّ قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً}.
قلت: وهذا قولٌ (بعيدٌ) من وجهين:
أحدهما: أنّ المفسّرين قالوا في قوله تعالى {وإن أردتم استبدال زوجٍ مكان زوجٍ} نزلت في الرّجل يريد أن يفارق امرأته ويكره أن يصل إليها ما فرض لها من المهر فلا يزال يتبعها بالأذى حتّى تردّ عليه ما أعطاها لتخلص منه. فنهى اللّه تعالى عن ذلك، فأمّا آية الخلع فلا تعلّق لها بشيءٍ من ذلك.
والثّاني: أنّ قوله: {فلا تأخذوا منه شيئاً} إذا كان النّشوز من قبله، وأراد استبدال غيرها، وقوله: {فيما افتدت به} إذا كان النّشوز من قبلها فلا وجه للنّسخ.
وقد ذكر السّدّيّ في هذه الآية نسخًا من وجهٍ آخر فقال: قوله {ولا يحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئاً} منسوخ بالاستثناء وهو قوله: {إلاّ أن يخافا}.
قلت: وهذا من أرذل الأقوال، لأنّ الاستثناء إخراج بعض ما شمله اللّفظ وليس بنسخٍ.
). [نواسخ القرآن:125- 236]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (ومن ذلك قولهم في قوله عز وجل: {الطلاق مرتان} الآية [البقرة: 229] وقالوا: هي ناسخة لشيء كانوا عليه في أول الإسلام: كان الرجل يطلق ثلاثا وهي حبلى، ويكون أحق بارتجاعها ما دامت في العدة، وقيل: هي ناسخة لما كانوا عليه في الجاهلية ثم في صدر الإسلام: كان أحدهم يطلق امرأته ما شاء مرة بعد مرة يطلقها، وإذا كادت تخرج من العدة ارتجعها بفعل ذلك ما شاء، فنسخ ذلك من فعلهم بهذه الآية، ولا تدخل هذه الآية في الناسخ لما ذكرته، وقيل: هي منسوخة بقوله عز وجل: {فطلقوهن لعدتهن} الآية [الطلاق: 1] والآيتان محكمتان لم تنسخ واحدة منهما الأخرى: التي في البقرة لبيان عدة الطلاق، والتي في الطلاق فيها بيان وقت الطلاق.). [جمال القراء: 1/249-271]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (ومن ذلك قوله عز وجل: {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا} الآية [البقرة: 229] قال أبو عبيد: نسخ ذلك بقوله: {إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله} الآية [البقرة: 229] وهذا ظاهر الفساد، وهذا استثناء وليس بنسخ.
وقال قوم: هو منسوخ بقوله عز وجل: {فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه} الآية [النساء: 4] وليس كذلك؛ لأن آية البقرة في منع الزوج من ارتجاع ما أعطاه من غير رضى المرأة، والتي في النساء في إباحة ذلك إذا كان عن رضى فليس بينهما نسخ.
). [جمال القراء: 1/249-271]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 25 جمادى الآخرة 1434هـ/5-05-2013م, 03:16 PM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

قوله تعالى: { وَٱلْوَٰلِدَٰتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَٰدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ۖ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَ ۚ وَعَلَى ٱلْمَوْلُودِ لَهُۥ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ ۚ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَا تُضَآرَّ وَٰلِدَةٌۢ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌۭ لَّهُۥ بِوَلَدِهِۦ ۚ وَعَلَى ٱلْوَارِثِ مِثْلُ ذَٰلِكَ ۗ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضٍۢ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍۢ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ۗ وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوٓا۟ أَوْلَٰدَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ ءَاتَيْتُم بِٱلْمَعْرُوفِ ۗ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌۭ(233)}
قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 320 هـ): (الآية الثانية والعشرون: قوله تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهنحولين كاملين...} الآية [233 / البقرة] نسخت بالاستثناء بقوله: {فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما} [233 / البقرة / 2] فصارت هذه الإرادة بالاتفاق ناسخة لحولين كاملين. ) .[الناسخ والمنسوخ لابن حزم: 19-30]
قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (قال اللّه جلّ وعزّ: {وعلى الوارث مثل ذلك} [البقرة: 233] في هذه الآية للعلماء أقوالٌ
فمنهم من قال هي منسوخةٌ ومنهم من قال إنّها محكمةٌ والّذين قالوا إنّها محكمةٌ لهم فيها ستّة أجوبةٍ:
فمنهم من قال: {وعلى الوارث مثل ذلك} [البقرة: 233] ألّا يضارّ، ومنهم من قال: الوارث عصبة الأب عليهم النّفقة والكسوة ومنهم من قال على وارث المرضع النّفقة والكسوة ومنهم من قال وعلى الوارث أي الصّبيّ نفسه، ومنهم من قال الوارث الباقي من الأبوين ومنهم من قال الوارث كلّ ذي رحمٍ محرّمٍ
قال أبو جعفرٍ: ونحن ننسب هذه الأقوال إلى قائليها من الصّحابة والتّابعين والفقهاء ونشرحها لتكمل الفائدة في ذلك
حكى عبد الرّحمن بن القاسم في الأسديّة عن مالك بن أنسٍ رحمه اللّه
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/63]
أنّه قال: لا يلزم الرّجل نفقة أخٍ ولا ذي قرابةٍ ولا ذي رحمٍ منه قال: وقول اللّه جلّ وعزّ {وعلى الوارث مثل ذلك} [البقرة: 233] هو منسوخٌ قال أبو جعفرٍ: هذا لفظ مالكٍ رحمه اللّه ولم يبيّن ما النّاسخ لها ولا عبد الرّحمن بن القاسم
ومذهب ابن عبّاسٍ، ومجاهدٍ، والشّعبيّ أنّ المعنى {وعلى الوارث} [البقرة: 233] أن لا يضارّ
والّذين قالوا على وارث الأب النّفقة والكسوة عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه والحسن بن أبي الحسن
كما قرئ على محمّد بن جعفر بن حفصٍ، عن يوسف بن موسى، قال حدّثنا قبيصة، قال حدّثنا سفيان، عن ابن جريجٍ، عن عمرو بن شعيبٍ، عن سعيد بن المسيّب: أنّ عمر، «أجبر بني عمٍّ على منفوسٍ» وفي رواية ابن
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/64]
عيينة: الرّجال دون النّساء
وقال الحسن «إذا خلّف أمّه وعمّه الأمّ موسرةٌ والعمّ معسرٌ فالنّفقة على العمّ»
والّذين قالوا: وعلى وارث المولود النّفقة والكسوة زيد بن ثابتٍ قال:
إذا خلّف أمًّا وعمًّا فعلى كلّ واحدٍ منهما على قدر ميراثهما وهو قول عطاءٍ
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/65]
وقال قتادة «على وارث الصّبيّ على قدر ميراثهم» وقال قبيصة بن ذؤيبٍ الوارث الصّبيّ
كما قرئ على محمّد بن جعفر بن حفصٍ، عن يوسف بن موسى، قال حدّثنا أبو عبد الرّحمن المقرئ، قال أخبرنا حيوة، قال حدّثنا جعفر بن ربيعة، عن قبيصة بن ذؤيبٍ، {وعلى الوارث مثل ذلك}[البقرة: 233] قال: «الوارث الصّبيّ»
وروى ابن المبارك عن سفيان الثّوريّ قال: «إذا كان للصّبيّ أمٌّ وعمٌّ أجبرت الأمّ على رضاعةٍ ولم يطالب العمّ بشيءٍ»
وأمّا الّذين قالوا على كلّ ذي رحمٍ محرمٍ فهم أبو حنيفة وأبو يوسف، ومحمّدٌ
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/66]
قال أبو جعفرٍ: فهذه جميع الأقوال الّتي وصفناها من أقوال الصّحابة والتّابعين والفقهاء
فأمّا قول مالكٍ إنّها منسوخةٌ فلم يبيّنه ولا علمت أنّ أحدًا من أصحابه بيّن ذلك والّذي يشبه أن يكون النّاسخ لها عنده واللّه جلّ وعزّ: أعلم أنّه لمّا أوجب اللّه تبارك وتعالى للمتوفّى عنها زوجها من مال المتوفّى نفقة حولٍ والسّكنى ثمّ نسخ ذلك ورفعه نسخ ذلك أيضًا عن الوارث
وأمّا قول من قال: {وعلى الوارث مثل ذلك} [البقرة: 233] أن لا يضارّ فقولٌ حسنٌ لأنّ أموال النّاس محظورةٌ فلا يخرج منها شيءٌ إلّا بدليلٍ قاطعٍ
وأمّا قول من قال على ورثة الأب فالحجّة له أنّ النّفقة كانت على الأب فورثته أولى من ورثة الابن
وأمّا حجّة من قال على ورثة الابن فيقول: كما يرثونه يقومون به
قال أبو جعفرٍ: وكان محمّد بن جريرٍ يختار قول من قال الوارث هاهنا الابن وهو وإن كان قولًا غريبًا فالإسناد به صحيحٌ والحجّة به ظاهرةٌ؛ لأنّ ماله أولى به
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/67]
وقد أجمع الفقهاء إلّا من شذّ منهم أنّ رجلًا لو كان له ولدٌ طفلٌ وللولد مالٌ والأبّ موسرٌ أنّه لا يجب على الأب نفقةٌ ولا رضاعٌ وأنّ ذلك من مال الصّبيّ فإن قيل قد قال اللّه جلّ وعزّ {وعلى المولود له رزقهنّ وكسوتهنّ} [البقرة: 233] قيل هذا الضّمير للمؤنّث ومع هذا فإنّ الإجماع حذًا للآية مبيّنٌ لها لا يسع مسلمًا الخروج عنه
وأمّا قول من قال ذلك على من بقي من الأبوين فحجّته أنّه لا يجوز للأمّ تضييع ولدها وقد مات من كان ينفق عليها وعليه
وأمّا قول من قال النّفقة والكسوة على كلّ ذي رحمٍ محرّمٍ فحجّته أنّ على الرّجل أن ينفق على كلّ ذي رحمٍ محرّمٍ إذا كان فقيرًا قال أبو جعفرٍ: وقد عورض هذا القول بأنّه لم يؤخذ من كتاب اللّه جلّ وعزّ ولا من إجماعٍ ولا من سنّةٍ صحيحةٍ بل لا يعرف من قولٍ سوى من ذكرناه، فأمّا القرآن فقال جلّ وعزّ {وعلى الوارث مثل ذلك} [البقرة: 233]
فتكلّم الصّحابة والتّابعون فيه بما تقدّم ذكره فإن كان على الوارث النّفقة والكسوة فقد خالفوا ذلك، فقالوا: إذا ترك خاله وابن عمّه فالنّفقة على خاله وليس على ابن عمّه شيءٌ فهذا مخالفة نصّ القرآن لأنّ الخال لا يرث مع
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/68]
ابن العمّ في قول أحدٍ ولا يرث وحده في قول كثيرٍ من العلماء، والّذي احتجّوا به من النّفقة على كلّ ذي رحمٍ محرّمٍ أكثر أهل العلم على خلافه
وأمّا الآية الخامسة والعشرون فقد تكلّم العلماء أيضًا فيها فقال أكثرهم: هي ناسخةٌ وقال بعضهم فيها ما نسخ
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/69]
قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410 هـ): (الآية الخامسة والعشرون قوله تعالى {والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين} ثمّ نسخ الله الحولين بقوله {فإن أرادا فصالاً عن تراضٍ منهما وتشاورٍ فلا جناح عليهما}فصارت هذه الآية ناسخة للحولين الكاملين بالاتّفاق). [الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: 31-59]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين}:
فأمر الله جلّ ذكره بالحولين.
ثم قال: {فإن أرادا فصالاً عن تراضٍ منهما وتشاورٍ فلا جناح عليهما} [البقرة: 233].
فأباح مع التّشاور والرضا أن يفطما المولود قبل الحولين.
فنسخ الله الأول.
فذهب قوم إلى هذا.
قال أبو محمد: ولا يجوز أن يكون فيه نسخٌ؛ لأنه تعالى قال أولاً: {لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة}، فهو تخيير وليس بإلزام فلا نسخ فيه.
قوله تعالى: {وعلى الوارث مثل ذلك} [البقرة: 233]:
روى ابن القاسم عن مالك أنه قال: هذا منسوخٌ ولم يذكر ما نسخه، ولا كيف كان الحكم المنسوخ.
وتأويل ذلك فيما نرى والله أعلم: أنه كان الحكم في الآية: أن على وارث المولود نفقته إذا لم يكن له مال، ولا أب. وهو مذهب جماعة من العلماء، ممّن لم ير في الآية نسخًا، فنسخ ذلك بالإجماع على أن من مات وترك حملاً، ولا مال للميت، أنه لا نفقة للحامل على وارث الحمل، وقد كانت النفقة تلزم الزوج لو كان حيًّا.
فكأنه كانت الإشارة بذلك إلى النّفقة، فصارت إلى ترك المضارّة، وهو مذهب مالك المشهور عنه، أن الإشارة في قوله: {وعلى الوارث مثل ذلك} إلى ترك المضارّة، وقد رواه عن مالك ابن وهب وأشهب. والنسخ بالإجماع لا يقول به مالك.
وقد قال جماعة من العلماء: الإشارة بذلك إلى النفقة، ولا نسخ في الآية.
واختلف في الوارث من هو؟
فقيل: هو وارث المولود لو مات.
وقيل: هو وارث الولاية على المولود. وهو الصواب إن شاء الله:
يكون عليه من نفقة أم المولود من مال المولود مثل ما كان على الأب، إن حملت الإشارة على النفقة.
فإن حملتها على ترك المضارّة كان معناه: وعلى وارث ولاية المولود أن لا يضارّ بالأم.
وكلا القولين على هذا المعنى حسنٌ صواب.
ويجوز أن تحمل الإشارة بذلك على النّفقة وعلى ترك المضارّة جميعًا، أي على من يرث الولاية على المولود ترك مضارّة الأم، وعليه النفقة عليها من مال المولود.
وقال السّدّي وقتادة: على وارث الطّفل مثل الذي على الأب لو كان حيًّا من النفقة وقاله الحسن.
وفي "الوارث" ومعناه أقوال غير هذا تركت ذكرها لضعفها.
والاختيار: أن يكون "الوارث" معناه: وارث الولاية على المولود على ما قدّمنا.
ولا ينكر أن يسمى انتقال الولاية وراثةً، فقد قال زكريّا صلى الله عليه وسلم: {فهب لي من لدنك وليًّا يرثني ويرث من آل يعقوب} [مريم: 6]، قيل معناه: يرث النبوّة لا المال.
وقد قيل: معنى الآية: وعلى الصبيّ المولود وهو وارث الأب نفقة أمّه من ماله إن كان له مال، ولم يكن له أب وهو اختيار الطبري، وهو قول الضّحاك.
فالوارث على هذا القول: اسم المولود. لأنه وارث الزّوج - وهو الأب الميّت، والده - وهو قولٌ حسن.
وعن ابن عباس في معنى ذلك: وعلى وارث الصّبيّ من أجر الرّضاع مثل ما كان على أبيه إن لم يكن للصّبيّ مال.
وقال قتادة: على ورثة الصّبيّ أن ينفقوا عليه على قدر ميراث كلّ واحدٍ منهم. وبه قال أهل العراق.
فالآية محكمةٌ عندهم.
).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:123- 200]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية الثّانية والثّلاثين: قوله تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين}.
عامّة أهل العلم على أنّ هذا الكلام محكمٌ، والمقصود منه بيان (مدّة) الرّضاع، ويتعلّق بهذه (المدّة) أحكام الرّضاع. وذهب قومٌ من القرّاء إلى أنّه منسوخٌ بقوله: {فإن أرادا فصالاً} قالوا فنسخ تمام الحولين باتّفاقهما على ما دون ذلك وهذا ليس بشيءٍ، لأنّ اللّه تعالى قال: {لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة}، فلمّا قال: {فإن أرادا فصالاً} خيّر بين الإرادتين (فلا تعارض).
وفي الآية موضع آخر وهو قوله تعالى: {وعلى الوارث مثل ذلك}.
اختلفوا في الوارث:
فقال بعضهم: هو وارث المولود.
وقال بعضهم: هو وارث الوالد.
وقال بعضهم: المراد بالوارث، الباقي من والدي الولد بعد وفاة
الآخر.
وقيل: المراد بالوارث الصّبيّ نفسه، عليه لأمّه مثل ما كان على أبيه لها من (الكسوة) والنّفقة.
وقيل: بل على الوارث أن لا يضارّ.
واعلم: أنّ قول من قال: الوارث الصّبيّ والنّفقة عليه لا ينافي قول من قال: المراد بالوارث وارث الصّبيّ لأنّ النّفقة إنّما تجب على الوارث إذا ثبت إعسار المنفق عليه، وقال مالك بن أنسٍ: لا يلزم الرّجل نفقة أخٍ ولا ذي
قرابةٍ، ولا ذي رحمٍ منه. (قال) وقول اللّه عز وجل: {وعلى الوارث مثل ذلك} منسوخٌ ولم يبيّن مالكٌ ما الناسخ.
قال أبو جعفرٍ النّحّاس ويشبه أن يكون النّاسخ عنده أنّه لما أوجب الله عز وجل للمتوفى عنها زوجها من مال المتوفّي نفقة حولٍ والسّكنى ثمّ نسخ ذلك ورفعه نسخ ذلك أيضاً عن الوارث.
). [نواسخ القرآن:125- 236]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (ومن ذلك قوله عز وجل: {وعلى الوارث مثل ذلك} الآية [البقرة: 233]، اختلف في الوارث: فقيل: هو من يرث والد الرضيع، إذا مات قام ورثته مقامه، وكان عليهم للصبي ما كان على أبيه.
وقيل: الوارث من يرث الصبي إذا مات.
قال ابن عباس: (على وارث الصبي من أجر الرضاع ما كان على أبيه إن لم يكن للصبي مال).
وقال زيد بن ثابت: (يلزم من يرث الصبي من النفقة على رضاعه بقدر حصته من ميراثه منه).
وروى سعيد بن المسيب وسلمان بن يسار أن رجلا مات وترك ابنا مسترضعا ولم يترك مالا، فقضى عمر رضي الله عنه أن رضاعه على ورثته بالحصص.
وقيل: الوارث: من يرث الولاية على الرضيع، ينفق من مال الصبي عليه مثل ما كان ينفق أبوه.
وقيل: الإشارة في قوله عز وجل: {مثل ذلك} الآية [البقرة: 233] إلى ترك المضاررة.
وقيل: الوارث: الصبي؛ لأنه وارث الأب، فعليه النفقة من ماله، أي أن نفقة الرضاعة على الصبي في ماله، قال ذلك الضحاك، واختاره الطبري.
وقال مكي: وهو قول حسن، وما أراه كما قال.
وعن مالك رحمه الله أن الآية منسوخة، قال: ولا يجب على الرجل نفقة أخ ولا ذي قرابة.
وليست الآية بمنسوخة، ولم يذكر مالك رحمه الله لها ناسخا.
). [جمال القراء: 1/249-271]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:07 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة