العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة النمل

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 3 جمادى الأولى 1434هـ/14-03-2013م, 09:29 AM
الصورة الرمزية أسماء الشامسي
أسماء الشامسي أسماء الشامسي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Apr 2011
الدولة: مكة المكرمة
المشاركات: 559
افتراضي تفسير سورة النمل [ من الآية (59) إلى الآية (64) ]

{قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59) أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61) أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (64)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 19 رجب 1434هـ/28-05-2013م, 10:17 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي جمهرة تفاسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59) )

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل الحمد للّه وسلامٌ على عباده الّذين اصطفى آللّه خيرٌ أمّا يشركون}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم {قل} يا محمّد {الحمد للّه} على نعمه علينا، وتوفيقه إيّانا لما وفّقنا من الهداية. {وسلامٌ} يقول: وأمنةٌ منه من عقابه الّذي عاقب به قوم لوطٍ وصالحٍ، على الّذين اصطفاهم، يقول: الّذين اجتباهم لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، فجعلهم أصحابه ووزراءه على الدّين الّذي بعثه بالدّعاء إليه دون المشركين به، الجاحدين نبوّة نبيّه.
وبنحو الّذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا طلقٌ يعني ابن غنّامٍ، عن ابن ظهيرٍ، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ، عن ابن عبّاسٍ: {وسلامٌ على عباده الّذين اصطفى} قال: أصحاب محمّدٍ اصطفاهم اللّه لنبيّه.
- حدّثنا عليّ بن سهلٍ، قال: حدّثنا الوليد بن مسلمٍ، قال: قلت لعبد اللّه بن المبارك: أرأيت قول اللّه {قل الحمد للّه وسلامٌ على عباده الّذين اصطفى} من هؤلاء؟ فحدّثني عن سفيان الثّوريّ، قال: هم أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقوله: {آللّه خيرٌ أمّا يشركون} يقول تعالى ذكره؛ قل يا محمّد لهؤلاء الّذين زيّنّا لهم أعمالهم من قومك فهم يعمهون: اللّه الّذي أنعم على أوليائه هذه النّعم الّتي قصّها عليكم في هذه السّورة، وأهلك أعداءه بالّذي أهلكهم به من صنوف العذاب الّتي ذكرها لكم فيها، خيرٌ أمّا تشركون من أوثانكم الّتي لا تنفعكم ولا تضرّكم، ولا تدفع عن أنفسها ولا عن أوليائها سوءًا، ولا تجلب إليها ولا إليهم نفعًا؟ يقول: إنّ هذا الأمر ما يشكل على من له عقلٌ، فكيف تستجيزون أن تشركوا عبادة من لا نفع عنده لكم، ولا دفع ضرٍّ عنكم في عبادة من بيده النّفع والضّرّ، وله كلّ شيءٍ.
ثمّ ابتدأ تعالى ذكره تعديد نعمه عليهم، وأياديه عندهم، وتعريفهم بقلة شكرهم إيّاه على ما أولاهم من ذلك، فقال: {أمّن خلق السّموات والأرض} ). [جامع البيان: 18/98-99]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: قل الحمد للّه وسلام على عباده
قد تقدم تفسير الحمد لله.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو ثميلة، عن أبي المنيب، عن أبي الشّعثاء في قوله: سلامٌ قال: هو اسمٌ من أسماء اللّه.
قوله تعالى: على عباده الّذين اصطفى
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا أحمد بن عبيد بن زياد بن نسطاس، ثنا الحكم بن ظهيرٍ، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ، عن ابن عبّاسٍ وسلامٌ على عباده الّذين اصطفى قال: أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم ورضي عنهم- وروي عن السّدّيّ وسفيان الثّوريّ نحو ذلك.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قول اللّه وسلامٌ على عباده الّذين اصطفى فقرأ سلام على نوح في العالمين وسلام على إبراهيم وسلامٌ على المرسلين ثمّ قال: وسلامٌ على عباده الّذين اصطفى فجعلهم في السّلام مثل الأنبياء.
قوله تعالى: آللّه خيرٌ أمّا يشركون
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع أنبأ عبد الرّزّاق أنبأ ابن عيينة سمعت صدقة يحدّث، عن السّدّيّ يعني قوله: أمّا يشركون يقول: عمّا أشرك المشركون). [تفسير القرآن العظيم: 9/2905-2906]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {وسلامٌ على عباده الّذين اصطفى} [النمل: 59].
- عن ابن عبّاسٍ قال: سلامٌ على عباده الّذين اصطفى قال: هم أصحاب محمّدٍ - صلّى اللّه عليه وسلّم [اصطفاهم اللّه لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم].
رواه البزّار، وفيه الحكم بن ظهيرٍ وهو متروكٌ). [مجمع الزوائد: 7/87]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (حدّثنا محمّد بن عمارة بن صبيحٍ، ثنا طلق بن غنّامٍ، ثنا الحكم بن ظهيرٍ، عن السّدّيّ - إن شاء اللّه - عن أبي مالكٍ، عن ابن شهابٍ، قال: {وسلامٌ على عباده الّذين اصطفى} [النمل: 59] قال: هم أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، اصطفاهم اللّه لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم). [كشف الأستار عن زوائد البزار: 3/62]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى آلله خير أ أما يشركون.
أخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد والبزار، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {وسلام على عباده الذين اصطفى آلله} قال: هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم اصطفاهم الله لنبيه). [الدر المنثور: 11/388-389]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن سفيان الثوري في قوله {وسلام على عباده الذين اصطفى} قال: نزلت في أصحاب محمد خاصة). [الدر المنثور: 11/389]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن قتادة أنه كان إذا قرأ {آلله خير أما يشركون} قال: بل الله خير وأبقى وأجل وأكرم). [الدر المنثور: 11/389]

تفسير قوله تعالى: (أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله حدائق ذات بهجة قال النخل الحسان). [تفسير عبد الرزاق: 2/85-86]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أمّن خلق السّموات والأرض وأنزل لكم من السّماء ماءً فأنبتنا به حدائق ذات بهجةٍ ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإلهٌ مّع اللّه بل هم قومٌ يعدلون}.
يقول تعالى ذكره للمشركين به من قريشٍ: أعبادة ما تعبدون من أوثانكم الّتي لا تضرّ ولا تنفع خيرٌ، أم عبادة من خلق السّماوات والأرض؟ {وأنزل لكم من السّماء ماءً} يعني مطرًا، وقد يجوز أن يكون مريدًا به العيون الّتي فجّرها في الأرض، لأنّ كلّ ذلك من خلقه {فأنبتنا به} يعني بالماء الّذي أنزل من السّماء. {حدائق} وهي جمع حديقةٍ، والحديقة: البستان عليه حائطٌ محوطٌ، وإن لم يكن عليه حائطٌ لم يكن حديقةً.
وقوله: {ذات بهجةٍ} يقول: ذات منظرٍ حسنٍ. وقيل ذات بالتّوحيد. وقد قيل حدائق، كما قال: {وللّه الأسماء الحسنى}، وقد بيّنت ذلك فيما مضى.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {حدائق ذات بهجةٍ} قال: البهجة: الفقّاح ممّا يأكل النّاس والأنعام.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {حدائق ذات بهجةٍ} قال: من كلّ شيءٍ يأكله النّاس والأنعام.
وقوله: {ما كان لكم أن تنبتوا شجرها} يقول تعالى ذكره: أنبتنا بالماء الّذي أنزلناه من السّماء لكم هذه الحدائق إذ لم يكن لكم لولا أنّه أنزل عليكم الماء من السّماء طاقةً أن تنبتوا شجر هذه الحدائق، ولم تكونوا قادرين على ذهاب ذلك، لأنّه لا يصلح ذلك إلاّ بالماء.
وقوله: {أإلهٌ مع اللّه} يقول تعالى ذكره: أمعبودٌ مع اللّه أيّها الجهلة خلق ذلك، وأنزل من السّماء الماء، فأنبت به لكم الحدائق؟
فقوله: {أءلهٌ} مردودٌ على تأويل: أمع اللّه إلهٌ؟
{بل هم قومٌ يعدلون} يقول جلّ ثناؤه: بل هؤلاء المشركون قوم ضلالٍ، يعدلون عن الحقّ، ويجورون عليه، على عمدٍ منهم لذلك، مع علمهم بأنّهم على خطأٍ وضلالٍ، ولم يعدلوا عن جهلٍ منهم بأنّ من لا يقدر على نفعٍ ولا ضرٍّ خيرٌ ممّن خلق السّماوات والأرض، وفعل هذه الأفعال، ولكنّهم عدلوا على علمٍ منهم ومعرفةٍ، اقتفاءً منهم سنّة من مضى قبلهم من آبائهم). [جامع البيان: 18/99-101]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (أم من خلق السّماوات والأرض وأنزل لكم من السّماء ماءً فأنبتنا به حدائق ذات بهجةٍ ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أئلهٌ مع اللّه بل هم قومٌ يعدلون (60)
قوله تعالى: أمّن خلق السماوات والأرض
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا عمرو بن عثمان، ثنا بقيّة، عن أرطأة، عن المعلّى بن إسماعيل، أنّ رجلا أتى أبيّ بن كعبٍ فسأله، عن القدر فقال: سبحان اللّه العظيم، إنّ اللّه خلق السّموات، وخلق الخير والشّرّ، فأسعد بالخير من شاء، وأشقى بالشّرّ من شاء.
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد، عن سعيدٍ، عن قتادة قوله: خلق السماوات قال: خلق السّموات قبل الأرض.
قوله تعالى: وأنزل لكم من السماء ماء
قد تقدّم تفسيره غير مرّةٍ واللّه أعلم.
قوله تعالى: فأنبتنا به حدائق
- حدّثنا أبى، ثنا أبو الأشعث أحمد بن المقدام، ثنا معتمرٌ، قال: سمعت أبي يحدّث، عن سيّارٍ، عن خالد بن يزيد، قال: كان عند عبد الملك بن مروان، فذكروا الماء، فقال خالد بن يزيد: منه من السّماء، ومنه ما يسقيه الغيم من البحر فيعذبه الرّعد والبرق، فأمّا ما كان من البحر فلا يكون له نباتٌ، وأمّا النّبات فما كان من ماء السّماء.
قوله تعالى: حدائق
- أخبرنا محمّد بن حمّادٍ الطّهرانيّ فيما كتب إليّ، أنبأ عبد الرّزّاق أنبأ معمرٌ، عن قتادة في قوله: حدائق قال: النّخل الحسان.
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن حاتمٍ الزّمّيّ، أنبأ مروان، ثنا جويبرٌ، عن الضّحّاك حدائق قال: البساتين.
- أخبرنا عبيد بن محمّد بن يحيى بن حمزة فيما كتب إليّ، ثنا أبو الجماهر، ثنا سعيد بن بشيرٍ، عن قتادة حدائق قال: جنّاتٌ ذات بهجةٍ قال: ذات نضارةٍ.
قوله تعالى: ذات بهجةٍ
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ حدائق ذات بهجةٍ الفقاح ممّا يأكل النّاس والأنعام.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا المحاربيّ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك ذات بهجةٍ قال: ذات حسنٍ.
قوله تعالى: ما كان لكم أن تنبتوا شجرها
- أخبرنا أبو عبد اللّه الطّهرانيّ فيما كتب إليّ، أنبأ إسماعيل بن عبد الكريم حدّثني عبد الصّمد بن معقلٍ، أنّه سمع عمّه وهب بن منبّهٍ يقول: قالت مريم بنت عمران: إنّ اللّه أنبت بقدرته الشّجر بغير غيثٍ، وإنّه جعل بتلك القدرة الغيث حياةً للشّجر بعد ما خلق كلّ واحدٍ منهما وحده.
قوله تعالى: أإلهٌ مع اللّه
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس، ثنا يزيد، ثنا سعيدٌ قوله: أإلهٌ مع اللّه أي ليس مع اللّه إلهٌ.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، قال: حدّثت، عن الحسين بن عليٍّ الجعفيّ، عن سفيان بن عيينة، عن جامع بن أبي راشدٍ، عن زيد بن أسلم أإلهٌ مع اللّه قال: أإلهٌ مع اللّه فعل هذا؟
قوله تعالى: بل هم قومٌ يعدلون
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله: يعدلون قال: يشركون.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ بن الفرج، قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قوله: بل هم قومٌ يعدلون قال: الآلهة الّتي عبدوها عدلوها باللّه ليس للّه عدلٌ ولا ندٌّ ولا اتّخذ صاحبةً ولا ولدًا). [تفسير القرآن العظيم: 9/2906-2908]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ذات بهجة الفقاح مما يأكل الناس والأنعام). [تفسير مجاهد: 474]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: أمن خلق السموات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون * أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون.
أخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الازرق قال له: أخبرني عن قوله تعالى {حدائق} قال: البساتين، قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم، أما سمعت الشاعر يقول:
بلاد سقاها الله أما سهولها * فقضب ودر مغدق وحدائق). [الدر المنثور: 11/389]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {حدائق} قال: النخل الحسان {ذات بهجة} قال: ذات نضارة). [الدر المنثور: 11/389]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله {حدائق} قال: البساتين تخللها الحيطان {ذات بهجة} قال: ذات حسن). [الدر المنثور: 11/390]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {حدائق ذات بهجة} قال البهجة الفقاع، يعني النوار مما يأكل الناس والأنعام). [الدر المنثور: 11/390]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {أإله مع الله} أي ليس مع الله اله). [الدر المنثور: 11/390]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة {بل هم قوم يعدلون} قال: يشركون). [الدر المنثور: 11/390]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد {بل هم قوم يعدلون} الآلهة التي عبدوها عدلوها بالله، ليس لله عدل ولا ند ولا اتخذ صاحبة ولا ولدا). [الدر المنثور: 11/390]

تفسير قوله تعالى: (أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أمّن جعل الأرض قرارًا، وجعل خلالها أنهارًا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزًا أإلهٌ مع اللّه بل أكثرهم لا يعلمون}.
يقول تعالى ذكره: أعبادة ما تشركون أيّها النّاس بربّكم خيرٌ وهو لا يضرّ ولا ينفع، أم الّذي جعل الأرض لكم قرارًا تستقرّون عليها لا تميد بكم.
{وجعل} لكم {خلالها أنهارًا} يقول: بينها أنهارًا. {وجعل لها رواسي} وهي ثوابت الجبال، {وجعل بين البحرين حاجزًا} بين العذب والملح، أن يفسد أحدهما صاحبه. {أإلهٌ مع اللّه} يقول: أإلهٌ مع اللّه سواه فعل هذه الأشياء فأشركتموه في عبادتكم إيّاه؟
وقوله: {بل أكثرهم لا يعلمون} يقول تعالى ذكره: بل أكثر هؤلاء المشركين لا يعلمون قدر عظمة اللّه، وما عليهم من الضّرّ في إشراكهم في عبادة اللّه غيره، وما لهم من النّفع في إفرادهم اللّه بالألوهة، وإخلاصهم له العبادة، وبراءتهم من كلّ معبودٍ سواه). [جامع البيان: 18/101-102]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (أم من جعل الأرض قرارًا وجعل خلالها أنهارًا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزًا أئلهٌ مع اللّه بل أكثرهم لا يعلمون (61)
قوله تعالى: أمّن جعل الأرض قرارًا وجعل خلالها أنهارًا
- أخبرنا أبو عبد اللّه الطّهرانيّ، فيما كتب إليّ، أنبأ إسماعيل بن عبد الكريم، حدّثني عبد الصّمد بن معقلٍ قال: سمعت وهب بن منبّهٍ قال: قال: جرجيس: هو الّذي وضع الأرض فسطحها، ونصب فيها جبالها، وفتق فيها أنهارها، ونطقها ببحارها، وأنبت فيها أشجارها، وأجرى فيها ليلها ونهارها، وله سبّحت بمن عليها، واستقامت على قرارها.
قوله تعالى: وجعل لها رواسي
- حدّثنا أبي، ثنا عمرو بن محمّد النّاقد، ثنا يزيد بن هارون أنبأ العوّام ابن حوشبٍ، عن سليمان بن أبي سليمان، عن أنس بن مالكٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: لمّا خلق اللّه الأرض جعلت تميد، فخلق اللّه الجبال فألقاها عليها فاستقرّت، فعجبت الملائكة من خلق الجبال فقالت: يا ربّ هل من خلقك أشدّ من الجبال؟ قال: نعم الحديد فقالت: يا ربّ هل من خلقك أشدّ من الحديد؟ قال: نعم النّار؟ قالت: فهل من خلقك أشدّ من النّار؟ قال: نعم الماء قالت: يا ربّ فهل من خلقك أشدّ من الماء؟ قال: نعم الرّيح. قالت: يا ربّ فهل من خلقك أشدّ من الرّيح؟ قال: نعم ابن آدم يتصدّق بيمينه فيخفيها من شماله.
- حدّثنا أبي ثنا أبو نعيمٍ، ثنا طلحة بن عمرٍو، عن عطاءٍ قال: أوّل جبلٍ وضع على الأرض أبو قبيسٍ.
- حدّثنا أبي، ثنا هشام بن خالدٍ ثنا شعيبٌ، ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: رواسي أي جبالٌ.
قوله تعالى: وجعل بين البحرين حاجزا
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو معاوية، عن جويبرٍ، عن عمرٍو، عن الحسن قوله: وجعل بين البحرين حاجزًا قال: بحر فارس والرّوم.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ حدّثني عقبة، عن إسرائيل، عن جابرٍ، عن مجاهدٍ قال: بحرٌ في السّماء وبحرٌ في الأرض.
- حدّثنا عبد اللّه بن سليمان، ثنا الحسين بن عليٍّ، ثنا عامرٌ، عن أسباطٍ وجعل بين البحرين حاجزًا قال: هما بحر الشّام وبحر العراق، والنّاس بينهما.
قوله تعالى: حاجزا
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا هاني بن سعيدٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك: ثمّ جعل بينهما حاجزًا من أمره، لا يسيل المالح على العذب ولا العذب على المالح.
قوله تعالى: أإلهٌ مع اللّه بل أكثرهم لا يعلمون
قد تقدّم تفسيره). [تفسير القرآن العظيم: 9/2908-2909]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {وجعل لها رواسي} قال: رواسيها: جبالها {وجعل بين البحرين حاجزا} قال: حاجزا من الله لا يبغي أحدهما على صاحبه). [الدر المنثور: 11/390-391]

تفسير قوله تعالى: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أمّن يجيب المضطرّ إذا دعاه ويكشف السّوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإلهٌ مع اللّه قليلاً ما تذكّرون}.
يقول تعالى ذكره: أم ما تشركون باللّه خيرٌ، أم الّذي يجيب المضطرّ إذا دعاه، ويكشف السّوء النّازل به عنه؟
- كما حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قوله: {ويكشف السّوء} قال: الضّرّ.
وقوله: {ويجعلكم خلفاء الأرض} يقول: ويستخلف بعد أمرائكم في الأرض منكم خلفاء أحياء يخلفونهم.
وقوله: {أإلهٌ مع اللّه} يقول: أإلهٌ مع اللّه سواه يفعل هذه الأشياء بكم، وينعم عليكم هذه النّعم؟
وقوله: {قليلاً ما تذكّرون} يقول: تذكّرًا قليلاً من عظمة اللّه وأياديه عندكم تذكرون وتعتبرون حجج اللّه عليكم يسيرًا، فلذلك أشركتم باللّه غيره في عبادته). [جامع البيان: 18/102-103]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (أم من يجيب المضطرّ إذا دعاه ويكشف السّوء ويجعلكم خلفاء الأرض أئلهٌ مع اللّه قليلًا ما تذكّرون (62)
قوله تعالى: أمّن يجيب المضطر إذا دعاه
- حدّثنا أبي، ثنا عليّ بن هاشمٍ، ثنا عبدة بن نوحٍ، عن عمر بن حجّاجٍ، عن عبيد اللّه بن أبى صالحٍ قال: دخل عليّ طاوسٌ يعودني، فقلت له: ادع اللّه لي يا أبا عبد الرّحمن. قال: ادع لنفسك، فإنّه يجيب المضطرّ إذا دعاه.
قوله تعالى: ويكشف السّوء
- أخبرنا أبو عبد اللّه الطّهرانيّ فيما كتب إليّ، أنبأ إسماعيل بن عبد الكريم أخبرني عبد الصّمد بن معقلٍ أنّه سمع عمّه وهب بن منبّهٍ يقول: قرأت في كتابٍ آخر أنّ اللّه تبارك وتعالى يقول: بعزّتي إنّه من اعتصم بي فإن كادته السّموات بمن فيهنّ والأرض بمن فيها فإنّي أجعل له من بين ذلك مخرجًا، ومن لم يعتصم بي فإنّي أخسف به من تحت قدميه الأرض، فأجعله في الهواء، ثمّ أكله إلى نفسه.
قوله تعالى: ويجعلكم خلفاء الأرض
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس ثنا يزيد، ثنا سعيدٌ، عن قتادة ويجعلكم خلفاء الأرض أي خلفًا من بعده خلفٌ.
- حدّثنا عبد اللّه بن سليمان، ثنا الحسين بن عليٍّ، ثنا عامرٌ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: ويجعلكم خلفاء الأرض فقال: خلفاء لمن قبلهم من الأمم.
قوله تعالى: أإله مع الله
تقدّم تفسيره.
قوله تعالى: قليلا ما تذكّرون
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ. فيما كتب إليّ، أنبأ أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم قال: أهل الذّكر هم أهل القرآن). [تفسير القرآن العظيم: 9/2909-2910]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون * أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته أإله مع الله تعالى الله عما يشركون * أمن يبدؤ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين.
وأخرج أحمد وأبو داود والطبراني عن رجل من بلجهم قال: قلت يا رسول الله إلام تدعو قال أدعو إلى الله وحده الذي إن نزل بك ضر فدعوته كشف عنك والذي إن ضللت بأرض قفر فدعوته رد عليك والذي ان أصابك سنة فدعوته أنزل لك). [الدر المنثور: 11/391]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن جريج في قوله {ويكشف السوء} قال: الضر). [الدر المنثور: 11/391]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة عن سحيم بن نوفل قال: بينما نحن عند عبد الله إذ جاءت وليدة إلى سيدها فقالت: ما يحبسك وقد لفع فلان مهرك بعينه فتركه يدور في الدار كأنه في فلك قم فابتغ راقيا فقال عبد الله: لا تبتغ راقيا وانفث في منخره الأيمن أربعا وفي الايسر ثلاثا وقل: لا بأس اذهب البأس رب الناس، اشف أنت الشافي لا يكشف الضر إلا أنت قال: فذهب ثم رجع إلينا فقال: فعلت ما أمرتني فما جئت حتى راث وبال وأكل). [الدر المنثور: 11/391]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطبراني عن سعد بن جنادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من فارق الجماعة فهو في النار على وجهه، لان الله تعالى يقول {أم من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض} فالخلافة من الله عز وجل فان كان خيرا فهو يذهب به وان كان شرا فهو يؤخذ به عليك أنت بالطاعة فيما أمر الله تعالى به). [الدر المنثور: 11/392]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البغوي في معجمه عن اياد بن لقيط قال: قال جعدة بن هبيرة لجلسائه: اني قد علمت ما لم تعلموا وأدركت ما لم تدركوا أنه سيجيء بعد هذا - يعني معاوية - أمراء ليس من رجاله ولا من ضربائه وليس فيهم أصغر أو أبتر حتى تقوم الساعة، هذا السلطان سلطان الله جعله وليس أنتم تجعلونه، إلا وان للراعي على الرعية حقا وللرعية على الراعي حقا فادوا إليهم حقهم فان ظلموكم فكلوهم إلى الله فانكم وإياهم تختصمون يوم القيامة وان الخصم لصاحبه الذي أدى إليه الحق الذي عليه في الدنيا، ثم قرأ {فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين} الأعراف الآية 6 حتى بلغ {والوزن يومئذ الحق} الأعراف الآية 8 هكذا قرأ). [الدر المنثور: 11/392]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة: {ويجعلكم خلفاء الأرض} قال خلفا بعد خلف). [الدر المنثور: 11/392-393]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي {ويجعلكم خلفاء الأرض} قال: خلفا لمن قبلكم من الامم). [الدر المنثور: 11/393]

تفسير قوله تعالى: (أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أمّن يهديكم في ظلمات البرّ والبحر ومن يرسل الرّياح بشرًا بين يدي رحمته أإلهٌ مع اللّه تعالى اللّه عمّا يشركون}.
يقول تعالى ذكره: أم ما تشركون باللّه خيرٌ، أم الّذي يهديكم في ظلمات البرّ والبحر إذا أضللتم فيهما الطّريق، فأظلمت عليكم السّبل فيهما؟
- كما حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قوله: {أمّن يهديكم في ظلمات البرّ والبحر} وظلمات البرّ ضلالة الطّريق، والبحر ضلالة طريقه، وموجه، وما يكون فيه.
وقوله: (ومن يرسل الرّياح نشرًا بين يدي رحمته) يقول: والّذي يرسل الرّياح نشرًا لموتان الأرض بين يدي رحمته، يعني: قدّام الغيث الّذي يحيي موات الأرض.
وقوله: {أءلهٌ مع اللّه تعال‍ى اللّه عمّا يشركون} يقول تعالى ذكره: أإلهٌ مع اللّه سوى اللّه يفعل بكم شيئًا من ذلك فتعبدوه من دونه، أو تشركوه في عبادتكم إيّاه. {تعالى اللّه} يقول: للّه العلوّ والرّفعة عن شرككم الّذي تشركون به، وعبادتكم معه ما تعبدون). [جامع البيان: 18/103-104]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (أم من يهديكم في ظلمات البرّ والبحر ومن يرسل الرّياح بشرًا بين يدي رحمته أئلهٌ مع اللّه تعالى اللّه عمّا يشركون (63)
قوله تعالى: أمّن يهديكم في ظلمات البرّ والبحر
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو بكيرٍ النّخعيّ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك في البرّ والبحر قال: البرّ بادية الأعراب، والبحر الأمصار والقرى.
قوله تعالى: ومن يرسل الرّياح
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن المفضّل، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: يرسل الرّياح قال: إنّ اللّه عزّ وجلّ يرسل الرّياح فتأتي بالسّحاب من بين الخافقين طرف السّماء والأرض، حيث يلتقيان فيخرجه من ثمّ، ثمّ ينشره فيبسطه في السّماء كيف يشاء ثمّ يفتح أبواب السّماء ليسيل الماء على السّحاب ثمّ يمطر السّحاب بعد ذلك.
قوله: بشرًا بين يدي رحمته
- حدّثنا عبد اللّه بن سليمان، ثنا الحسين بن عليٍّ، ثنا عامرٌ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ بشرًا بين يدي رحمته قال: ينشر السّحاب بين يدي المطر.
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن المفضّل، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: بين يدي رحمته أمّا رحمته فهو المطر.
قوله تعالى: أإلهٌ مع اللّه تعالى اللّه عمّا يشركون
قد تقدم تفسيره). [تفسير القرآن العظيم: 9/2910-2911]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن جرير عن ابن جريج {أم من يهديكم في ظلمات البر} قال: ضلال الطريق {والبحر} قال: ضلالة طرقه وموجه وما يكون فيه). [الدر المنثور: 11/393]

تفسير قوله تعالى: (أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (64) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أمّن يبدأ الخلق ثمّ يعيده ومن يرزقكم من السّماء والأرض، أإلهٌ مع اللّه قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين}.
يقول تعالى ذكره: أم ما تشركون أيّها القوم خيرٌ، أم الّذي يبدأ الخلق ثمّ يعيده فينشئه من غير أصلٍ، ويبتدعه ثمّ يفنيه إذا شاء، ثمّ يعيده إذا أراد كهيئته قبل أن يفنيه، والّذي يرزقكم من السّماء والأرض فينزل من هذه الغيث، وينبت من هذه النّبات لأقواتكم، وأقوات أنعامكم. {أإلهٌ مع اللّه} سوى اللّه يفعل ذلك؟ وإن زعموا أنّ إلهًا غير اللّه يفعل ذلك أو شيئًا منه، فقل لهم يا محمّد {هاتوا برهانكم} أي حجّتكم على أنّ شيئًا سوى اللّه يفعل ذلك. {إن كنتم صادقين} في دعواكم.
و(من) الّتي في {أمّن} و(ما) مبتدأٌ في قوله: {أمّا يشركون}، والآيات بعدها إلى قوله: {ومن يرزقكم من السّماء والأرض} بمعنى (الّذي)، لا بمعنى الاستفهام؛ وذلك أنّ الاستفهام لا يدخل على الاستفهام). [جامع البيان: 18/104]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (أم من يبدأ الخلق ثمّ يعيده ومن يرزقكم من السّماء والأرض أئلهٌ مع اللّه قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين (64)
قوله تعالى: أمن يبدؤا الخلق ثمّ يعيده
- أخبرنا أبو عبد اللّه الطّهرانيّ فيما كتب إليّ، أنبأ إسماعيل بن عبد الكريم حدّثني عبد الصّمد بن معقلٍ أنّه سمع وهبًا يقول: خلق اللّه ابن آدم كما شاء وممّا شاء فكان كذلك فتبارك اللّه أحسن الخالقين خلق من التّراب والماء، فمنه لحمه ودمه وشعره وعظامه وجسده، فهذا بدء الخلق الّذي خلق اللّه منه ابن آدم. ثمّ جعلت فيه النّفس فيها يقوم ويقعد ويسمع ويبصر ويعلم ما تعلم الدّوابّ ويتّقي ما تتّقي ثمّ جعلت فيه الرّوح فبه عرف الحقّ من الباطل والرّشد من الغيّ، وبه حذر وتقدّم واستشار وتعلّم ودبّر الأمور كلّها. فمن التّراب يبوسته ومن الماء رطوبته. فهذا بدء الخلق الّذي منه خلق اللّه ابن آدم كما أحبّ أن يكون
قوله تعالى: ثمّ يعيده
- أخبرنا أبو عبد اللّه الطّهرانيّ بإسناده أعلاه إلى وهبٍ يقول: إنّه قرأ في بعض الكتب: أنّ اللّه تبارك وتعالى حين خلق الخلق فنظر إليهم حين مشوا على وجه الأرض وجرت الأنهار، قال: أنا اللّه الّذي خلقتك بقوّتي وأتقنتك بحكمتي، حقٌّ قضائي ونافذٌ أمري، وأنا الّذي أفنيك كما خلقتك، حتّى أبقى كما كنت قبل أن أخلقك وحدي، لأنّ الملك والخلود لا ينبغي إلا لي. ثمّ أعيد خلقي بعد فنائهم لجزائي وأجمعهم لقضائي، فيومئذٍ يخشى خلقي عذابي ووعيدي، ويومئذٍ تجلّ القلوب من خوفي وترفل الأقدام من هيبتي، وتخفّ القلوب من شدّة سلطاني، وتبرأ الآلهة ممّن عبدها دوني.
قوله تعالى: ومن يرزقكم من السّماء والأرض
- حدّثنا يونس بن حبيبٍ، ثنا أبو داود، ثنا جرير بن حازمٍ، عن ليثٍ، عن عبد الرّحمن بن سابطٍ، عن أبي ثعلبة الخشنيّ، عن أبي عبيدة بن الجرّاح، ومعاذ بن جبلٍ رضي اللّه عنهما، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: ليكوننّ في الأرض فسّاقٌ في الأمّة يستحلّون الفروج والخمور والحرير، وينصرون على ذلك، ويرزقون أبدًا حتّى يلقوا اللّه عزّ وجلّ.
قوله تعالى: أإله مع الله
تقدم تفسيره.
قل هاتوا برهانكم تقدّم تفسيره في سورة البقرة.
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، عن أبي جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع، عن أبي العالية هاتوا برهانكم أي حجّتكم- وروي عن مجاهدٍ والسّدّيّ نحو ذلك.
- أخبرنا محمد عبيد اللّه بن المنادي، فيما كتب إليّ، ثنا يونس بن محمّدٍ المؤدّب، ثنا شيبان النّحويّ، عن قتادة قل هاتوا برهانكم قال: بيّنتكم على ذلك إن كنتم صادقين.
- أخبرنا أبو عبد اللّه الطّهرانيّ فيما كتب إليّ، أنبأ إسماعيل بن عبد الكريم، ثنا عبد الصّمد بن معقلٍ، أنّه سمع وهب بن منبّهٍ يقول: قال اللّه عزّ وجلّ يا معشر الجنّ والإنس اسمعوا منّي اليوم وأنصتوا لي، فو عزتي لا يجوز اليوم ظالم بظلم، ولا متقول عليّ ولا مبتدعٌ في عظمتي فهاتوا برهانكم أيّها المتقوّلون عليّ والمبتدعون في عظمتي والمستخفّون بحقّ جلالي. ما الّذي غرّكم عنّي وأنا اللّه الّذي لا شيء مثلي؟ لو تجلّيت للسموات والأرض والجبال لزلن من هيبتي، ولو لحظت البحار ليبست من مياهها وبدت قعورها من خشيتي، ولو أنّ جميع الخلائق سمعوا كلمةً من كلامي لصعقوا من خوفي. وهاتوا برهانكم أيها الجهلة بأن لهذا الخلق بديعا غيري وبأنّ لي شريكًا كما زعمتم في ملكي، أو ثانيًا وليًّا معي. ولأي شيءٍ عبدتموها دوني؟ ولأي شيء نفيتموها، عن عبادتي وملكي وربوبيّتي؟ فالويل الطّويل يومئذٍ لمن أبان كذبه صدقه في، والويل الطويل يومئذ لمن أزهق الضّلالة حقّي، والويل الطّويل لمن دحضت حجّته قدّامي.
قوله تعالى: إن كنتم صادقين
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، عن أبي جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية إن كنتم صادقين بما تقولون إنّه كما تقولون. وروي، عن الرّبيع ابن أنسٍ نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 9/2911-2913]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 24 رجب 1434هـ/2-06-2013م, 11:39 PM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {قل الحمد للّه وسلامٌ على عباده الّذين اصطفى} [النمل: 59] الّذين اختار، يعني: الأنبياء والمؤمنين.
قوله عزّ وجلّ: {آللّه خيرٌ أمّا يشركون} [النمل: 59] على الاستفهام.
[تفسير القرآن العظيم: 2/554]
أي أنّ اللّه خيرٌ من أوثانهم الّتي يعبدونها من دون اللّه.
من اختار، يعني: الأنبياء والمؤمنين). [تفسير القرآن العظيم: 2/555]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {قل الحمد للّه وسلامٌ على عباده الّذين اصطفى...}

قيل للوط: {قل الحمد للّه}، على هلاك من هلك , {وسلامٌ على عباده الّذين اصطفى}، {آللّه خيرٌ أمّا يشركون} يقول: أعبادة الله خير أم عبادة الأصنام؟ ). [معاني القرآن: 2/297]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({آللّه خيرٌ أمّا تشركون }: مجازه أم ما تشركون , أي: أم الذي تشركون به، فأدغمت الميم في الميم، فثقلت، و " ما " قد يوضع في موضع " من " و " الذي "، وكذلك هي في آية أخرى: {والسّماء وما بناها}: ومن بناها ؛ { والأرض وما طحاها }: ومن طحاها ). [مجاز القرآن: 2/95]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجل: {قل الحمد للّه وسلام على عباده الّذين اصطفى آللّه خير أمّا يشركون}
وتشركون بالياء، والتاء، ويقرأ آللّه، واللّه، بالمد، وترك المد.
ويجوز - واللّه أعلم - : اللّه خير أمّا يشركون؟.
قال أبو إسحاق: إذا ضمّت التاء والياء، فمعناه : أنّهم جعلوا لله شركاء، وإذا فتحت التاء والراء، فمعناه : أنكم تجعلون أنفسكم لله شركاء، يقال: شركت الرجل أشركه،
إذا صرت شريكه.). [معاني القرآن: 4/126]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى}
وروى الحكم بن ظهير، عن السدي، ووكيع، وأبو عاصم، عن سفيان :{وسلام على عباده الذين اصطفى }، قالا: أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم اصطفاهم الله لنبيه صلى الله عليه وسلم .
وقال جل وعز: {آلله خير أم ما يشركون}: وليس فيما يشركون خير، فالمعنى : أثواب الله خير أم ثواب ما يشركون ؟.
وجواب آخر : أجود من هذا يكون المعنى : آلخير في هذا أم في هذا الذي يشركون به في العبادة، كما قال:
أتهجوه ولست له بكفء = فشركما لخيركما الفداء
وحكى سيبويه : السعادة أحب إليك، أم الشقاء؟، وهو يعلم أن السعادة أحب إليه .
والمعنى : أم ما تشركون بالله خير، أم الذي يهديكم في ظلمات البر والبحر إذا ضللتم الطريق؟ ). [معاني القرآن: 5/143-144]

تفسير قوله تعالى: {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {أمّن خلق السّموات والأرض وأنزل لكم من السّماء ماءً فأنبتنا به} [النمل: 60] بذلك الماء.
{حدائق} [النمل: 60] قال الحسن وقتادة والحدائق، النّخل.
وقال الكلبيّ: الحديقة، الحائط من الشّجر والنّخل.
{ذات بهجةٍ} [النمل: 60] قال قتادة: ذات حسنٍ، أي: حسنةٌ.
{ما كان لكم أن تنبتوا شجرها} [النمل: 60]، أي: أنّ اللّه هو أنبتها، يقول: إنّ من خلق هذا، وهذا تبعٌ لقوله تبارك وتعالى: {ءاللّه خيرٌ أمّا يشركون} [النمل: 59] وهو على الاستفهام، يقول: أمّن خلق هذا خيرٌ أو أوثانهم، أي: أنّ اللّه خيرٌ منهم، هذا تفسير الحسن.
قال: {أإلهٌ مع اللّه} [النمل: 60] على الاستفهام، أي: ليس معه إلهٌ وهذا استفهامٌ على إنكارٍ.
قال: {بل هم قومٌ يعدلون} [النمل: 60] باللّه فيعبدون الأوثان من دونه يعدلونهم باللّه). [تفسير القرآن العظيم: 2/555]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {فأنبتنا به حدائق ذات بهجةٍ...}

فقال: {ذات}, ولم يقل: ذوات، وكلّ صواب، وإنما جاز أن يقول : {ذات} للحدائق، وهي جمع لأنك تقول: هذه حدائق، كما تقول: هذه حديقة، ومثله قول الله:
{وللّه الأسماء الحسنى}، ولم يقل الحسن، و(والقرون الأولى)، ولو كانت حدائق ذوات بهجة، كان صواباً، وقال الأعشى في توحيدها:
فسوف يعقبنيه إن ظفرت به = ربٌّ غفورٌ وبيض ذات أطهار
ولم يقل: ذوات أطهار, وإنما يقال: حديقة لكل بستان عليه حائط, فما لم يكن عليه حائط, لم يقل له: حديقة.
وقوله: {أإله مّع اللّه} مردود على قوله: {أم من خلق} كذا وكذا، ثم قال {أإله مّع اللّه} خلقه، وإن شئت جعلت رفعه بمع؛ كقولك: أمع الله ويلكم إله!
ولو جاء نصباً أإلهاً مع الله على أن تضمر فعلاً، يكون به النصب كقولك: أتجعلون إلها مع الله، أو أتتّخذون إلها مع الله.
والعرب تقول: أثعلباً، وتفرّ ! كأنهم أرادوا: أترى ثعلباً وتفر؟!
وقال بعض الشعراء:
أعبداً حلّ في شعبي غريباً = ألؤماً لا أبالك واغترابا
يريد: أتجمع اللؤم والاغتراب. وسمعت بعض العرب لأسير أسره ليلاً، فلمّا
أصبح رآه أسود، فقال أعبداً سائر الليلة، كأنه قال: ألا أراني أسرت عبداً منذ ليلتي،
وقال آخر:
أجخفا تميميّاً إذا فتنة خبت = وجبناً إذا ما المشرفيّة سلّت
فهذا في كل تعجّب خاطبوا صاحبه، فإذا كان يتعجّب من شيء ويخاطب غيره، أعملوا الفعل فقالوا: أثعلب ورجل يفرّ منه؟! لأن هذا خطاب لغير صاحب الثعلب، ولو نصب على قوله أيفر رجل من ثعلبٍ ؟! فتجعل العطف كأنه السّابق، يبني على هذا،
وسمعت بعض بني عقيل ينشد لمجنون بني عامر:
أألبرق أم نارا لليلى بدت لنا = بمنخرقٍ من ساريات الجنائب
وأنشدني فيها:
بل البرق يبدو في ذرى دفئيّة = يضيء نشاصاً مشمخرّ الغوارب
فنصب كل هذا، ومعه فعله على إضمار فعل منه، كأنه قال أأرى ناراً ، بل أرى البرق، وكأنه قال: ولو رأيت نار ليلى، وكذلك الآيتان الأخريان في قوله: {أإله مّع اللّه}).
[معاني القرآن: 2/297-298]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فأنبتنا به حدائق} أي: جناناً من جنان الدنيا، واحدتها حديقة ). [مجاز القرآن: 2/95]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {أمّن خلق السّماوات والأرض وأنزل لكم مّن السّماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجةٍ مّا كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مّع اللّه بل هم قومٌ يعدلون}
وقال: {أمّن خلق السّماوات}،{أمّن يبدأ الخلق}حتى ينقضي الكلام، {من} ههنا ليست باستفهام على قوله: {خيرٌ أمّا يشركون}، إنما هي بمنزلة "الّذي"). [معاني القرآن: 3/21]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {حدائق}: واحدها حديقة وهي الحيطان). [غريب القرآن وتفسيره: 288]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( (الحدائق) : البساتين، واحدها: «حديقة», سميت بذلك: لأنه يحدق عليها، أي : يحظر عليها حائط،
ومنه قيل: حدّقت بالقوم، إذا أحطت بهم.
{ذات بهجةٍ}: ذات حسن). [تفسير غريب القرآن: 326]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله:{بل هم قوم يعدلون} : معناه : يكفرون، أي: يعدلون عن القصد , وطريق الحق). [معاني القرآن: 4/128]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {بل هم قوم يعدلون} : أي: يعدلون عن القصد والحق، ويجوز أن يكون المعنى : يعدلون بالله جل وعز.
وقوله جل وعز: {فأنبتنا به حدائق ذات بهجة}
روى معمر، عن قتادة قال : النخل الحسان .
قال أبو جعفر : وهو من قولهم : حدق به، أي : أحيط به كما قال:
وقد حدقت بي المنية = واستبطأت أنصاري).
[معاني القرآن: 5/144-145]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {بل هم قوم يعدلون}: أي: يشركون بالله - جل وعز - , أي: يجعلون معه عدلًا، أي: مثالًا، لا إله إلا هو). [ياقوتة الصراط: 394]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : ( (الحَدَائِقَ) : البساتين). [العمدة في غريب القرآن: 230]

تفسير قوله تعالى: {أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {أمّن جعل الأرض قرارًا وجعل خلالها أنهارًا وجعل لها رواسي} [النمل: 61] الجبال.
{وجعل بين البحرين حاجزًا} [النمل: 61] من اللّه.
قال قتادة: لا يبغي أحدهما على الآخر، ولا يبغي المالح على العذب، ولا العذب على المالح.
وقال بعضهم: وجعل بينهما حاجزًا من الأرض بين البحرين حاجزًا من اللّه، قال قتادة: المالحين: بحر فارس والرّوم.
وتفسير مجاهدٍ: حاجزًا لا يرى.
وتفسير الكلبيّ: البرزخ الخلق الّذي بينهما، يعني: بحر فارس والرّوم.
وقال الحسن: يقول: أمّن خلق هذا خيرٌ أو أوثانهم؟ وهذا تبعٌ لقوله: {اللّه خيرٌ أمّا يشركون} وهو على الاستفهام، أي: أنّ اللّه خيرٌ من أوثانهم.
قال: {أإلهٌ مع اللّه} [النمل: 61] وهو على الاستفهام، أي: ليس معه إلهٌ.
{بل أكثرهم لا يعلمون} [النمل: 61] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/556]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
(وقوله عزّ وجلّ:{أمّن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أإله مع اللّه بل أكثرهم لا يعلمون}: حجز بينهما بقدرته، فلا يختلط العذب بالملح ).
[معاني القرآن: 4/126-127]


تفسير قوله تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {أمّن يجيب المضطرّ إذا دعاه ويكشف السّوء} [النمل: 62]
[تفسير القرآن العظيم: 2/556]
يعني الضّرّ، تفسير السّدّيّ.
{ويجعلكم خلفاء الأرض} [النمل: 62] قال قتادة: خلفًا من بعد خلفٍ، وهو على الاستفهام، يقول: أمّن يفعل هذا خيرٌ أو أوثانهم، وهذا تبعٌ لقوله: {آللّه خيرٌ أمّا يشركون} [النمل: 59]، أي: أنّ اللّه خيرٌ من أوثانهم.
قال: {أإلهٌ مع اللّه} [النمل: 62] على الاستفهام، أي: ليس معه إلهٌ.
{قليلا ما تذكّرون} [النمل: 62] أقلّهم المتذكّر، يعني: أقلّهم من يؤمن). [تفسير القرآن العظيم: 2/557]

تفسير قوله تعالى: {أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {أمّن يهديكم في ظلمات البرّ والبحر} [النمل: 63] من شدائد البرّ والبحر.
وقال السّدّيّ، يعني: في أهوال البرّ والبحر.
{ومن يرسل الرّياح بشرًا} [النمل: 63]، يعني: ملقّحاتٍ للسّحاب.
{بين يدي رحمته} [النمل: 63] بين يدي المطر وهو على الاستفهام، يقول: أمّن يفعل
[تفسير القرآن العظيم: 2/557]
هذا خيرٌ أو أوثانهم؟ وهذا تبعٌ لقوله: {ءاللّه خيرٌ أمّا يشركون} [النمل: 59]، أي: أنّ اللّه خيرٌ من أوثانهم.
قال: {أإلهٌ مع اللّه} [النمل: 63] على الاستفهام، أي: ليس معه إلهٌ.
{تعالى اللّه} [النمل: 63] ارتفع.
{عمّا يشركون} [النمل: 63] ينزّه نفسه عمّا يشركون به). [تفسير القرآن العظيم: 2/558]

تفسير قوله تعالى: {أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (64)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {أمّن يبدأ الخلق ثمّ يعيده} [النمل: 64]، يعني: البعث.
{ومن يرزقكم من السّماء والأرض} [النمل: 64] وهو على الاستفهام، يقول: أمّن يفعل هذا خيرٌ أو أوثانهم، وهذا تبعٌ بقوله: {ءاللّه خيرٌ أمّا يشركون} [النمل: 59]، أي: أنّ اللّه خيرٌ من أوثانهم.
قال: {أإلهٌ مع اللّه} [النمل: 64] على الاستفهام، أي: ليس معه إلهٌ.
{قل هاتوا برهانكم} [النمل: 64] يقول للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، أي: يقول للمشركين {هاتوا برهانكم} [النمل: 64] حجّتكم في تفسير الحسن.
وفي تفسير قتادة: بيّنتكم.
وقال السّدّيّ: برهانكم، يعني: حجّتكم أنّ معه إلهًا.
{إن كنتم صادقين} [النمل: 64] أنّ هذه الأوثان خلقت شيئًا أو صنعت شيئًا من هذا). [تفسير القرآن العظيم: 2/558]

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 24 رجب 1434هـ/2-06-2013م, 11:42 PM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]



تفسير قوله تعالى: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59)}
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (واعلم أن ألف الوصل التي تكون مع اللام للتعريف تخالف سائر ألفات الوصل، وإن كانت في الوصل مثلهن.
وذالك أنها مفتوحة؛ لأنها لم تلحق اسما ولا فعلا؛ نحو اضرب، واقتل، وابن، واسم، وإنما لحقت حرفا، فلذلك فتحت وخولف بلفظها لمخالفة ما وقعت عليه الأسماء والأفعال.
فإذا كانت في درج الكلام سقطت كسقوط سائر ألفات الوصل. وذلك قولك: لقيت القوم فتسقط، وتقول: والقوم ذاهبون، وكذلك جميع ما صرفت فيه، إلا أن تلحقها ألف الاستفهام فتجعلها مدة، ولا تحذفها، فيلتبس الخبر بالاستفهام؛ لأنها مفتوحة، فلو حذفتها لاستوى اللفظان. وذلك قولك في الاستفهام: آلرجل لقيك؟ وقوله: {آلله خيرٌ أم ما يشركون}.
وكذلك ألف أيم؛ لأنها لزمت اسما لا يستعمل إلا في القسم، فهو مضارع لألف اللام: تقول: آيم الله لقد كان ذاك، آيمن الله لقد كان ذاك. ولذلك قالوا: يا ألله اغفر لنا، لما كنت في اسم لا تفارقه وثبتت في الاستفهام فعلوا بها ذلك.
وكذلك: أفألله لتفعلن، لما وصفت لك.
فإذا كنت مستأنفة وتحركت اللام بعدها بحركة الهمزة فإن النحويين يختلفون فيها.
فيقول قوم: ألحمر جاءني فيثبتونها وإن تحركت اللام، ولا يجعلونها مثل قولك: {سل بني إسرائيل}؛ لأنها كانت اسأل، فلما تحركت السين سقطت ألف الوصل.
فهؤلاء يحتجون بثباتها في الاستفهام، وأن ما بعدها ساكن الأصل، لا يكون إلا على ذلك وهؤلاء لا يدغمون ما قبل اللام في اللام مما قرب جواره منها؛ لأن حكم اللام عندهم حكم السكون. فلذلك ثبتت ألف الوصل.
ومنهم من يقول: لحمر جاءني، فيحذف الألف لتحرك اللام. وعلى هذا قرأ أبو عمرو (وأنه أهلك عاد لولى).
وكان الأخفش يجيز: اسل زيدا؛ لأن السين عنده ساكنة لأن الحركة للهمزة. وهذا غلط شديد؛ لأن السين متصرفة كسائر الحروف؛ وألف الوصل لا أصل لها، فمتى وجد السبيل إلى إسقاطها سقطت، واللام مبنية على السكون لا موضع لها غيره. فأمرها مختلف. ولذلك لحقتها ألف الوصل مفتوحة مخالفةً لسائر الألفات). [المقتضب: 1/388]

تفسير قوله تعالى: {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60)}
قال محمد بن المستنير البصري (قطرب) (ت: 206هـ): (وأمّا ذو القعدة وذو الحجّة فالجمع فيهما: ذوات القعدة وذوات الحجّة.
وإن شئت قلت: مضت ذات القعدة وذات الحجّة.
والجمع يصيّره واحداً مؤنثاً لأنّه صفةٌ في الأصل، كقول الله عزّ وجلّ: {حدائق ذات بهجةٍ}، ولم يقل: ذوات، قال الشاعر:
(دسّت رسولاً بأنّ الحيّ إن قدروا = عليك يشفوا صدوراً ذات توغير)
ولم يقل: ذوات، فجاء به على صدورٍ وغرةٍ. وذوات إذا قالها تكون على صدورٍ وغراتٍ، ولذلك حسن). [الأزمنة: 46]
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (

جمادية أحمى حدائقها الندى = ومزن تدليه الجنائب دلح
...
وواحد الحدائق: حديقة وهو المكان المستدير، فيه ماء ونبات). [رواية أبي سعيد السكري لديوان جران العود: 8]

تفسير قوله تعالى: {أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61)}

تفسير قوله تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62)}
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وما تكون لغير الآدميين؛ نحو ما تركب أركب، وما تصنع أصنع. فإن قلت: ما يأتني آته تريد: الناس لم يصلح.
فإن قيل: فقد قال الله عز وجل: {والسماء وما بناها}. ومعناه: ومن بناها، وكذلك {إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم}.
قيل: قد قيل ذلك. والوجه الذي عليه النحويون غيره، إنما هو والسماء وبنائها، وإلا على أزواجهم أو ملك أيمانهم. فهي مصادر وإن دلت على غيرها ممن يملك. كقولك: هذا ملك يمينك، وهذا الثوب نسج اليمن وهذا الدرهم ضرب الأمير. ولو كان على ما قالوا لكان على وضع النعت في موضع المنعوت لأن ما إنما تكون لذوات غير الآدميين. ولصفات الآدميين. تقول: من عندك? فيقول: زيدٌ. فتقول: ما زيدٌ? فيقول: جوادٌ أو بخيلٌ أو نحو ذلك، فإنما هو لسؤال عن نعت الآدميين. والسؤال عن كل ما يعقل ب من كما قال عز وجل: {أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض}. فـ من لله عز وجل؛ كما قال: {أمن يجيب المضطر إذا دعاه} وهذا في القرآن أكثر. وقال تبارك اسمه: {ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته}. يعني الملائكة. وكذلك في الجن في قوله: {فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخساً ولا رهقاً} فهذا قولي لك: إنها لما يخاطب ويعقل). [المقتضب: 2/51-52] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وتدخل حروف الاستفهام على من، وما، وأي إذا صرن في معنى الذي بصلاتهن. وكذلك أم، كقول الله عز وجل: {أم من يجيب المضطر إذا دعاه}، وكقوله: {أفمن يلقى في النار خيرٌ أم من يأتي آمناً يوم القيامة}، فقد أوضحت لك حالهما. فأما قول الله عز وجل: {الم * تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين * أم يقولون افتراه} وقوله: {أم تسألهم أجراً}، وما كان مثله، نحو قوله عز وجل: {أم اتخذ مما يخلق بنات} فإن ذلك ليس على جهة الاستفهام؛ لأن المستخبر غير عالم، إنما يتوقع الجواب فيعلم به. والله - عز وجل - منفيٌّ عنه ذلك. وإنما تخرج هذه الحروف في القرآن مخرج التوبيخ والتقرير، ولكنها لتكرير توبيخ بعد توبيخ عليهم. ألا تراه يقول عز وجل: {أفمن يلقى في النار خيرٌ أم من يأتي آمناً يوم القيامة} - وقد علم المستمعون كيف ذلك - ليزجرهم عن ركوب ما يؤدي إلى النار، كقولك للرجل: السعادة أحب إليك أم الشقاء؛ لتوقفه أنه على خطأ وعلى ما يصيره إلى الشقاء؛ ومن ذلك قوله: {أليس في جهنم مثوًى للمتكبرين}. كما قال:
ألستم خير من ركب المطايا = وأندى العالمين بطون راح).
[المقتضب: 3/291-292]

تفسير قوله تعالى: {أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63)}

تفسير قوله تعالى: {أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (64)}

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 23 محرم 1440هـ/3-10-2018م, 08:08 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 23 محرم 1440هـ/3-10-2018م, 08:10 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري
...

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 23 محرم 1440هـ/3-10-2018م, 08:14 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى آلله خير أما يشركون أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون}
قرأ أبو السمال: "قل الحمد لله" بفتح اللام، وكذلك في آخر السورة، وهذه ابتداء تقرير وتثبيت لقريش، وهو أيضا يعم كل مكلف من الناس جميعا، وافتتح ذلك بالقول بحمده وتمجيده والسلام على عباده الذين اصطفاهم للنبوة والإيمان، وهذا اللفظ عام لجميعهم من بني آدم، وكأن هذا صدر خطبة للتقرير المذكور، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: العباد المسلم عليهم هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، واصطفاهم لنبيه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وفي هذا الاختصاص توبيخ للمعاصرين من الكفار.
وقال الفراء: الأمر بالقول في هذه الآية هو للوط عليه السلام. قال المفسرون: وهذه عجمة من الفراء.
ثم وقف قريشا والعرب -على جهة التوبيخ- على موضع التباين بين الله عز وجل وبين الأوثان والأنصاب. وقرأ جمهور الناس: "تشركون" بالتاء من فوق، وحكى المهدوي عن أبي عمرو، وعاصم: "يشركون" بالياء من تحت.
وفي هذا التفضيل بلفظة "خير" أقوال: أحدها أن التفضيل وقع بحسب معتقد المشركين; إذ كانت يعتقدون أن في آلهتهم خيرا بوجه ما، وقالت فرقة: في الكلام حذف مضاف في الموضعين، التقدير: أتوحيد الله خير أم عبادة ما تشركون؟ فـ "ما" في هذا التأويل بمعنى الذي، وقالت فرقة: "ما" مصدرية، وحذف المضاف إنما هو أولا، وتقديره: أتوحيد الله خير أم شرككم؟ وقيل: "خير" هنا ليست بأفعل، وإنما هي بفعل، كما تقول: "الصلاة خير" دون تفضيل.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وقد تقدم أن هذه الألفاظ التي تعم معاني كثيرة كخير وشر أو حب ونحو ذلك قد يقع التفضيل بها بين أشياء متباينة; لأن المتباينات ربما اشتركت فيها ولو بوجه ضعيف بعيد، وأيضا فهذا تقرير، والمجادل يقرر خصمه لتنبيهه على خطئه وإلزامه بحصر التفضيل في جانب واحد وانتفائه عن الأخر، وقد استوعبنا هذا فيما مضى. وقالت فرقة: تقدير هذه الآية: آلله ذو خير أما تشركون؟
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا النوع من الحذف بعيد.
وقرأ الحسن، وقتادة، وعاصم: "يشركون" بالياء من تحت، وقرأ أهل المدينة ومكة والكوفة بالتاء من فوق). [المحرر الوجيز: 6/ 548-550]

تفسير قوله تعالى: {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله: {أمن خلق} وما بعدها من التوقيفات توبيخ لهم، وتقرير على ما لا مندوحة لهم عن الإقرار به، وقرأ الجمهور: "أمن" بشد الميم، وهي "أم" دخلت على "من"، وقرأ الأعمش: "أمن" بفتح الميم مسهلة، ويحتمل على هذه القراءة- أن تكون الألف للاستفهام و"من" ابتداء، وتقدير الخبر: يكفر بنعمته ويشرك به؟ ونحو هذا من المعنى. و"الحدائق" مجتمع الشجر من العنب والنخيل وغير ذلك، وقال قوم: لا يقال: "حديقة" إلا لما عليه جدار قد أحدق به، وقال قوم: تقول ذلك إذا كان جدار أو لم يكن لأن البياض محدق بالأشجار. و"البهجة": الجمال والنضرة، وقرأ ابن أبي عبلة: "ذوات بهجة". ثم أخبر سبحانه -على جهة التوقيف- أنه ما كان للبشر، أي: ما يتهيأ لهم، ولا يقع تحت قدرتهم أن ينبتوا شجرها; لأن ذلك يكون بإخراج شيء من العدم إلى الوجود. وقد تقدم ترتيب القراءة في الهمزتين من قوله: (أئن) {وأإنك لأنت يوسف}. وقوله: "أإله"، قال أبو حاتم: القراءة باجتماع الهمزتين محدثة لا توجد في كلام العرب ولا قرأ بها قارئ عتيق. و"يعدلون" يجوز أن يراد به: يعدلون عن طريق الحق، أي: يجورون في فعلهم، ويجوز أن يراد به: يعدلون بالله غيره، أي: يجعلون له عديلا ومثيلا). [المحرر الوجيز: 6/ 550]

تفسير قوله تعالى: {أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و "خلالها" معناه: بينها وأثناءها، و"الرواسي": الجبال، رسا الشيء يرسو إذا ثبت وتأصل، و"البحران": الماء العذب بجملته، والماء الأجاج بجملته، و"الحاجز": ما جعل الله بينهما من حواجز الأرض وموانعها على رقتها في بعض المواضع ولطافتها التي لولا قدرة الله تبارك وتعالى لغلب الملح العذب، وكل ما مضى من القول في تأويل قوله تعالى: {مرج البحرين} فهو مترتب هنا فتأمله. وباقي الآية بين). [المحرر الوجيز: 6/ 550-551]

تفسير قوله تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته أإله مع الله تعالى الله عما يشركون أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون}
وقفهم في هذه الآيات على المعاني التي يتبين لكل عاقل أنه لا مدخل لصنم ولا لوثن فيها، فهي عبر ونعم، فالحجة قائمة بها من الوجهين.
وقوله تعالى: {يجيب المضطر} معناه: بشرط أن يشاء على المعتقد في الإجابة، لكن المضطر لا يجيبه متى أجيب إلا الله عز وجل، و"السوء" عام في كل ضر يكشفه الله تعالى عن عباده. وقرأ الحسن: "ويجعلكم" بياء على صيغة المستقبل، ورويت عنه بنون. وكل قرن خلف للذي قبله، وقرأ الجمهور: "تذكرون" بالتاء على المخاطبة، وقرأ أبو عمرو وحده، والحسن، والأعمش بالياء على الغيبة). [المحرر الوجيز: 6/ 551]

تفسير قوله تعالى: {أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و"الظلمات" عام لظلمة الليل التي هي الحقيقة في اللغة، ولظلم الجهل والضلال والخوف التي هي مجازات وتشبيهات، وهذا كقول الشاعر:
تجلت عمايات الرجال عن الصبا
وكما تقول: أظلم الأمر وأنار، وقد تقدم اختلاف القراء في قوله: "بشرا"، وقرأ الحسن وغيره: "يشركون" بالياء على الغيبة، وقرأ الجمهور: "تشركون" على المخاطب). [المحرر الوجيز: 6/ 551-552]

تفسير قوله تعالى: {أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (64) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و "بدء الخلق" اختراعه وإيجاده، و"الخلق": هنا المخلوق من جميع الأشياء، لكن المقصود بنو آدم من حيث ذكر الإعادة والبعث من القبور، ويحتمل أن يريد بـ "الخلق" مصدر: خلق يخلق، ويكون "يبدأ" و"يعيد" استعارة للإتقان والإحسان، كما تقول: فلان يبدئ ويعيد في أمر كذا وكذا، أي يتقنه. و"الرزق" من السماء بالمطر، ومن الأرض بالنبات، هذا مشهور ما يحسه البشر، وكم لله تبارك وتعالى من لطف خفي). [المحرر الوجيز: 6/ 552]

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 23 محرم 1440هـ/3-10-2018م, 08:58 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 23 محرم 1440هـ/3-10-2018م, 09:02 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قل الحمد للّه وسلامٌ على عباده الّذين اصطفى آللّه خيرٌ أم ما يشركون (59) أم من خلق السّموات والأرض وأنزل لكم من السّماء ماءً فأنبتنا به حدائق ذات بهجةٍ ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإلهٌ مع اللّه بل هم قومٌ يعدلون (60)}.
يقول تعالى آمرًا رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم أن يقول: {الحمد للّه} أي: على نعمه على عباده، من النّعم الّتي لا تعدّ ولا تحصى، وعلى ما اتّصف به من الصّفات العلى والأسماء الحسنى، وأن يسلّم على عباد اللّه الّذين اصطفاهم واختارهم، وهم رسله وأنبياؤه الكرام، عليهم من اللّه الصّلاة والسّلام، هكذا قال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم، وغيره: إنّ المراد بعباده الّذين اصطفى: هم الأنبياء، قال: وهو كقوله تعالى: {سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون * وسلامٌ على المرسلين * والحمد للّه ربّ العالمين} [الصّافّات: 180 -182].
وقال الثّوريّ، والسّدّيّ: هم أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، رضي [اللّه] عنهم أجمعين، وروي نحوه عن ابن عبّاسٍ.
ولا منافاة، فإنّهم إذا كانوا من عباد اللّه الّذين اصطفى، فالأنبياء بطريق الأولى والأحرى، والقصد أنّ اللّه تعالى أمر رسوله ومن اتّبعه بعد ما ذكر لهم ما فعل بأوليائه من النّجاة والنّصر والتّأييد، وما أحلّ بأعدائه من الخزي والنّكال والقهر، أن يحمدوه على جميع أفعاله، وأن يسلّموا على عباده المصطفين الأخيار.
وقد قال أبو بكرٍ البزّار: حدّثنا محمّد بن عمارة بن صبيح، حدّثنا طلق بن غنّامٍ، حدّثنا الحكم بن ظهير، عن السّدّيّ -إن شاء اللّه -عن أبي مالكٍ، عن ابن عبّاسٍ: {وسلامٌ على عباده الّذين اصطفى} قال: هم أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم اصطفاهم اللّه لنبيّه، رضي اللّه عنهم.
وقوله: {آللّه خيرٌ أم ما يشركون}: استفهام إنكارٍ على المشركين في عبادتهم مع اللّه آلهةً أخرى). [تفسير ابن كثير: 6/ 201]

تفسير قوله تعالى: {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(ثمّ شرع تعالى يبيّن أنّه المنفرد بالخلق والرّزق والتّدبير دون غيره، فقال: {أمّن خلق السّموات والأرض} أي: تلك السّموات بارتفاعها وصفائها، وما جعل فيها من الكواكب النّيّرة والنّجوم الزّاهرة والأفلاك الدّائرة، والأرض باستفالها وكثافتها، وما جعل فيها من الجبال والأوعار والسّهول، والفيافي والقفار، والأشجار والزّروع، والثّمار والبحور والحيوان على اختلاف الأصناف والأشكال والألوان وغير ذلك.
وقوله: {وأنزل لكم من السّماء ماءً} أي: جعله رزقًا للعباد، {فأنبتنا به حدائق} أي: بساتين {ذات بهجةٍ} أي: منظرٍ حسنٍ وشكلٍ بهيٍّ، {ما كان لكم أن تنبتوا شجرها} أي: لم تكونوا تقدرون على إنبات شجرها، وإنّما يقدر على ذلك الخالق الرّازق، المستقلّ بذلك المتفرّد به، دون ما سواه من الأصنام والأنداد، كما يعترف به هؤلاء المشركون، كما قال تعالى في الآية الأخرى: {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولنّ اللّه} [الزّخرف: 87]، {ولئن سألتهم من نزل من السّماء ماءً فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولنّ اللّه} [العنكبوت: 63] أي: هم معترفون بأنّه الفاعل لجميع ذلك وحده لا شريك له، ثمّ هم يعبدون معه غيره ممّا يعترفون أنّه لا يخلق ولا يرزق، وإنّما يستحقّ أن يفرد بالعبادة من هو المتفرّد بالخلق والرّزق؛ ولهذا قال: {أإلهٌ مع اللّه} أي: أإلهٌ مع اللّه يعبد. وقد تبيّن لكم، ولكلّ ذي لبٍّ ممّا يعرفون به أيضًا أنّه الخالق الرّازق.
ومن المفسّرين من يقول: معنى قوله: {أإلهٌ مع اللّه} [أي: أإلهٌ مع اللّه] فعل هذا. وهو يرجع إلى معنى الأوّل؛ لأنّ تقدير الجواب أنّهم يقولون: ليس ثمّ أحدٌ فعل هذا معه، بل هو المتفرّد به. فيقال: فكيف تعبدون معه غيره وهو المستقلّ المتفرّد بالخلق والتّدبير؟ كما قال: {أفمن يخلق كمن لا يخلق} [النّحل: 17].
وقوله هاهنا: {أمّن خلق السّموات والأرض}: {أمّن} في هذه الآيات [كلّها] تقديره: أمّن يفعل هذه الأشياء كمن لا يقدر على شيءٍ منها؟ هذا معنى السّياق وإن لم يذكر الآخر؛ لأنّ في قوّة الكلام ما يرشد إلى ذلك، وقد قال: {آللّه خيرٌ أمّا يشركون}.
ثمّ قال في آخر الآية: {بل هم قومٌ يعدلون} أي: يجعلون للّه عدلًا ونظيرًا. وهكذا قال تعالى: {أم من هو قانتٌ آناء اللّيل ساجدًا وقائمًا يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربّه} [الزّمر: 9] أي: أمّن هو هكذا كمن ليس كذلك؟ ولهذا قال: {قل هل يستوي الّذين يعلمون والّذين لا يعلمون إنّما يتذكّر أولو الألباب} [الزّمر: 9]، {أفمن شرح اللّه صدره للإسلام فهو على نورٍ من ربّه فويلٌ للقاسية قلوبهم من ذكر اللّه أولئك في ضلالٍ مبينٍ} [الزّمر: 22]، وقال {أفمن هو قائمٌ على كلّ نفسٍ بما كسبت} [الرّعد: 33] أي: أمن هو شهيدٌ على أفعال الخلق، حركاتهم وسكناتهم، يعلم الغيب جليله وحقيره، كمن هو لا يعلم ولا يسمع ولا يبصر من هذه الأصنام الّتي عبدوها؟ ولهذا قال: {وجعلوا للّه شركاء قل سمّوهم} [الرّعد: 33]، وهكذا هذه الآيات الكريمات كلها). [تفسير ابن كثير: 6/ 201-202]

تفسير قوله تعالى: {أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({أم من جعل الأرض قرارًا وجعل خلالها أنهارًا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزًا أإلهٌ مع اللّه بل أكثرهم لا يعلمون (61)}.
يقول: {أمّن جعل الأرض قرارًا} أي: قارّةً ساكنةً ثابتةً، لا تميد ولا تتحرّك بأهلها ولا ترجف بهم، فإنّها لو كانت كذلك لما طاب عليها العيش والحياة، بل جعلها من فضله ورحمته مهادًا بساطًا ثابتةً لا تتزلزل ولا تتحرّك، كما قال في الآية الأخرى: {اللّه الّذي جعل لكم الأرض قرارًا والسّماء بناءً} [غافرٍ: 64].
{وجعل خلالها أنهارًا} أي: جعل فيها الأنهار العذبة الطّيّبة تشقّها في خلالها، وصرّفها فيها ما بين أنهارٍ كبارٍ وصغارٍ وبين ذلك، وسيّرها شرقًا وغربًا وجنوبًا وشمالًا بحسب مصالح عباده في أقاليمهم وأقطارهم حيث ذرأهم في أرجاء الأرض، سيّر لهم أرزاقهم بحسب ما يحتاجون إليه، {وجعل لها رواسي} أي: جبالًا شامخةً ترسي الأرض وتثبّتها؛ لئلّا تميد بكم {وجعل بين البحرين حاجزًا} أي: جعل بين المياه العذبة والمالحة حاجزًا، أي: مانعًا يمنعها من الاختلاط، لئلّا يفسد هذا بهذا وهذا بهذا، فإنّ الحكمة الإلهيّة تقتضي بقاء كلٍّ منهما على صفته المقصودة منه، فإنّ البحر الحلو هو هذه الأنهار السّارحة الجارية بين النّاس. والمقصود منها: أن تكون عذبة زلالا تسقى الحيوان والنّبات والثّمار منها. والبحار المالحة هي المحيطة بالأرجاء والأقطار من كلّ جانبٍ، والمقصود منها: أن يكون ماؤها ملحًا أجاجًا، لئلّا يفسد الهواء بريحها، كما قال تعالى: {وهو الّذي مرج البحرين هذا عذبٌ فراتٌ وهذا ملحٌ أجاجٌ وجعل بينهما برزخًا وحجرًا محجورًا} [الفرقان: 53]؛ ولهذا قال: {أإلهٌ مع اللّه} أي: فعل هذا؟ أو يعبد على القول الأوّل والآخر؟ وكلاهما متلازمٌ صحيحٌ، {بل أكثرهم لا يعلمون} أي: في عبادتهم غيره). [تفسير ابن كثير: 6/ 203]

تفسير قوله تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({أمّن يجيب المضطرّ إذا دعاه ويكشف السّوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإلهٌ مع اللّه قليلا ما تذكّرون (62)}.
ينبّه تعالى أنّه هو المدعوّ عند الشّدائد، المرجوّ عند النّوازل، كما قال: {وإذا مسّكم الضّرّ في البحر ضلّ من تدعون إلا إيّاه} [الإسراء: 67]، وقال تعالى: {ثمّ إذا مسّكم الضّرّ فإليه تجأرون} [النّحل: 53]. وهكذا قال هاهنا: {أمّن يجيب المضطرّ إذا دعاه} أي: من هو الّذي لا يلجأ المضطرّ إلّا إليه، والّذي لا يكشف ضرّ المضرورين سواه.
قال الإمام أحمد: حدّثنا عفّان، حدّثنا وهيب، حدّثنا خالدٌ الحذّاء، عن أبي تميمة الهجيمي، عن رجلٍ من بلهجيمٍ قال: قلت: يا رسول اللّه، إلام تدعو؟ قال: "أدعو إلى اللّه وحده، الّذي إن مسّك ضرٌّ فدعوته كشف عنك، والّذي إن أضللت بأرضٍ قفر فدعوته ردّ عليك، والّذي إن أصابتك سنة فدعوته أنبت لك". قال: قلت: أوصني. قال: "لا تسبّنّ أحدًا، ولا تزهدنّ في المعروف، ولو أن تلقى أخاك وأنت منبسطٌ إليه وجهك، ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستقي، واتّزر إلى نصف السّاق، فإن أبيت فإلى الكعبين. وإيّاك وإسبال الإزار، فإنّ إسبال الإزار من المخيلة، [وإنّ اللّه -تبارك تعالى -لا يحبّ المخيلة] .
وقد رواه الإمام أحمد من وجهٍ آخر، فذكر اسم الصّحابيّ فقال: حدّثنا عفّان، حدّثنا حمّاد بن سلمة، حدّثنا يونس -هو ابن عبيدٍ -حدّثنا عبيدة الهجيمي عن أبي تميمة الهجيمي، عن جابر بن سليم الهجيمي قال: أتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو محتبٍ بشملة، وقد وقع هدبها على قدميه، فقلت: أيّكم محمّدٌ -أو: رسول اللّه؟ -فأومأ بيده إلى نفسه، فقلت: يا رسول اللّه، أنا من أهل البادية، وفيّ جفاؤهم، فأوصني. فقال: "لا تحقرنّ من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك ووجهك منبسط، ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستقي، وإن امرؤٌ شتمك بما يعلم فيك فلا تشتمه بما تعلم فيه، فإنّه يكون لك أجره وعليه وزره. وإيّاك وإسبال الإزار، فإنّ إسبال الإزار من المخيلة، وإنّ اللّه لا يحبّ المخيلة، ولا تسبّنّ أحدًا". قال: فما سببت بعده أحدًا، ولا شاةً ولا بعيرًا.
وقد روى أبو داود والنّسائيّ لهذا الحديث طرقًا، وعندهما طرفٌ صالحٌ منه.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا عليّ بن هاشمٍ حدّثنا عبدة بن نوحٍ، عن عمر بن الحجّاج، عن عبيد اللّه بن أبي صالحٍ قال: دخل عليّ طاوسٌ يعودني، فقلت له: ادع اللّه لي يا أبا عبد الرّحمن. فقال: ادع لنفسك، فإنّه يجيب المضطرّ إذا دعاه.
وقال وهب بن منبّهٍ: قرأت في الكتاب الأوّل: إنّ اللّه يقول: بعزّتي إنّه من اعتصم بي فإن كادته السّموات ومن فيهنّ، والأرض بمن فيها، فإنّي أجعل له من بين ذلك مخرجًا. ومن لم يعتصم بي فإنّي أخسف به من تحت قدميه الأرض، فأجعله في الهواء، فأكله إلى نفسه.
وذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة رجلٍ -حكى عنه أبو بكرٍ محمّد بن داود الدّينوري، المعروف بالدّقّيّ الصّوفيّ -قال هذا الرّجل: كنت أكاري على بغلٍ لي من دمشق إلى بلد الزّبداني، فركب معي ذات مرّةٍ رجلٌ، فمررنا على بعض الطّريق، على طريقٍ غير مسلوكةٍ، فقال لي: خذ في هذه، فإنّها أقرب. فقلت: لا خبرة لي فيها، فقال: بل هي أقرب. فسلكناها فانتهينا إلى مكانٍ وعر ووادٍ عميقٍ، وفيه قتلى كثيرٌ، فقال لي: أمسك رأس البغل حتّى أنزل. فنزل وتشمّر، وجمع عليه ثيابه، وسلّ سكّينًا معه وقصدني، ففررت من بين يديه وتبعني، فناشدته اللّه وقلت: خذ البغل بما عليه. فقال: هو لي، وإنّما أريد قتلك. فخوّفته اللّه والعقوبة فلم يقبل، فاستسلمت بين يديه وقلت: إن رأيت أن تتركني حتّى أصلّي ركعتين؟ فقال: [صلّ] وعجّل. فقمت أصلي فأرتج عليّ القرآن فلم يحضرني منه حرفٌ واحدٌ، فبقيت واقفًا متحيّرًا وهو يقول: هيه. افرغ. فأجرى اللّه على لساني قوله تعالى: {أمّن يجيب المضطرّ إذا دعاه ويكشف السّوء}، فإذا أنا بفارسٍ قد أقبل من فم الوادي، وبيده حربةٌ، فرمى بها الرّجل فما أخطأت فؤاده، فخرّ صريعًا، فتعلّقت بالفارس وقلت: باللّه من أنت؟ فقال: أنا رسول [اللّه] الّذي يجيب المضطرّ إذا دعاه، ويكشف السّوء. قال: فأخذت البغل والحمل ورجعت سالمًا.
وذكر في ترجمة "فاطمة بنت الحسن أمّ أحمد العجليّة" قالت: هزم الكفّار يومًا المسلمين في غزاةٍ، فوقف جواد جيّد بصاحبه، وكان من ذوي اليسار ومن الصّلحاء، فقال للجواد: ما لك؟ ويلك. إنّما كنت أعدّك لمثل هذا اليوم. فقال له الجواد: وما لي لا أقصّر وأنت تكل علوفتي إلى السّوّاس فيظلمونني ولا يطعمونني إلّا القليل؟ فقال: لك عليّ عهد اللّه أنّي لا أعلفك بعد هذا اليوم إلّا في حجري. فجرى الجواد عند ذلك، ونجّى صاحبه، وكان لا يعلفه بعد ذلك إلّا في حجره، واشتهر أمره بين النّاس، وجعلوا يقصدونه ليسمعوا منه ذلك، وبلغ ملك الرّوم أمره، فقال: ما تضام بلدةٌ يكون هذا الرّجل فيها. واحتال ليحصّله في بلده، فبعث إليه رجلًا من المرتدّين عنده، فلمّا انتهى إليه أظهر له أنّه قد حسنت نيّته في الإسلام وقومه، حتّى استوثق، ثمّ خرجا يومًا يمشيان على جنب السّاحل، وقد واعد شخصًا آخر من جهة ملك الرّوم ليتساعدا على أسره، فلمّا اكتنفاه ليأخذاه رفع طرفه إلى السّماء وقال: اللّهمّ، إنّه إنّما خدعني بك فاكفنيهما بما شئت، قال: فخرج سبعان إليهما فأخذاهما، ورجع الرّجل سالـمًا.
وقوله تعالى: {ويجعلكم خلفاء الأرض} أي: يخلف قرنا لقرنٍ قبلهم وخلفًا لسلفٍ، كما قال تعالى: {إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنشأكم من ذرّيّة قومٍ آخرين} [الأنعام: 133]، وقال تعالى: {وهو الّذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعضٍ درجاتٍ} [الأنعام: 165]، وقال تعالى: {وإذ قال ربّك للملائكة إنّي جاعلٌ في الأرض خليفةً} [البقرة: 30]، أي: قومًا يخلف بعضهم بعضًا كما قدّمنا تقريره. وهكذا هذه الآية: {ويجعلكم خلفاء الأرض} أي: أمّةً بعد أمّةٍ، وجيلًا بعد جيلٍ، وقومًا بعد قومٍ. ولو شاء لأوجدهم كلّهم في وقتٍ واحدٍ، ولم يجعل بعضهم من ذرّيّة بعضٍ، بل لو شاء لخلقهم كلّهم أجمعين، كما خلق آدم من ترابٍ. ولو شاء أن يجعلهم بعضهم من ذرّيّة بعضٍ ولكن لا يميت أحدًا حتّى تكون وفاة الجميع في وقتٍ واحدٍ، فكانت تضيق عليهم الأرض وتضيق عليهم معايشهم وأكسابهم، ويتضرّر بعضهم ببعضٍ. ولكن اقتضت حكمته وقدرته أن يخلقهم من نفسٍ واحدةٍ، ثمّ يكثرهم غاية الكثرة، ويذرأهم في الأرض، ويجعلهم قرونًا بعد قرونٍ، وأممًا بعد أممٍ، حتّى ينقضي الأجل وتفرغ البرية، كما قدّر ذلك تبارك وتعالى، وكما أحصاهم وعدّهم عدًا، ثمّ يقيم القيامة، ويوفي كلّ عاملٍ عمله إذا بلغ الكتاب أجله؛ ولهذا قال تعالى: {أمّن يجيب المضطرّ إذا دعاه ويكشف السّوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإلهٌ مع اللّه} أي: يقدر على ذلك، أو إلهٌ مع اللّه يعبد، وقد علم أنّ اللّه هو المتفرّد بفعل ذلك {قليلا ما تذكّرون} أي: ما أقلّ تذكّرهم فيما يرشدهم إلى الحقّ، ويهديهم إلى الصّراط المستقيم). [تفسير ابن كثير: 6/ 203-206]

تفسير قوله تعالى: {أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({أمّن يهديكم في ظلمات البرّ والبحر ومن يرسل الرّياح بشرًا بين يدي رحمته أإلهٌ مع اللّه تعالى اللّه عمّا يشركون (63)}.
يقول: {أمّن يهديكم في ظلمات البرّ والبحر} أي: بما خلق من الدّلائل السّماويّة والأرضيّة، كما قال: {وعلاماتٍ وبالنّجم هم يهتدون} [النّحل: 16]، وقال تعالى: {وهو الّذي جعل لكم النّجوم لتهتدوا بها في ظلمات البرّ والبحر} الآية [الأنعام: 97].
{ومن يرسل الرّياح بشرًا بين يدي رحمته} أي: بين يدي السّحاب الّذي فيه مطرٌ، يغيث به عباده المجدبين الأزلين القنطين، {أإلهٌ مع اللّه تعالى اللّه عمّا يشركون}). [تفسير ابن كثير: 6/ 206]

تفسير قوله تعالى: {أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (64)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({أمّن من يبدأ الخلق ثمّ يعيده ومن يرزقكم من السّماء والأرض أإلهٌ مع اللّه قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين (64)}.
أي: هو الّذي بقدرته وسلطانه يبدأ الخلق ثمّ يعيده، كما قال تعالى في الآية الأخرى: {إنّ بطش ربّك لشديدٌ إنّه هو يبدئ ويعيد} [البروج: 12، 13]، وقال {وهو الّذي يبدأ الخلق ثمّ يعيده وهو أهون عليه} [الرّوم: 27].
{ومن يرزقكم من السّماء والأرض} أي: بما ينزل من مطر السّماء، وينبت من بركات الأرض، كما قال: {والسّماء ذات الرّجع. والأرض ذات الصّدع} [الطّارق: 11، 12]، وقال {يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السّماء وما يعرج فيها} [الحديد: 4]، فهو، تبارك وتعالى، ينزّل من السّماء ماءً مباركًا فيسكنه في الأرض، ثمّ يخرج به [منها] أنواع الزّروع والثّمار والأزاهير، وغير ذلك من ألوانٍ شتّى، {كلوا وارعوا أنعامكم إنّ في ذلك لآياتٍ لأولي النّهى} [طه: 54]؛ ولهذا قال: {أإلهٌ مع اللّه} أي: فعل هذا. وعلى القول الآخر: يعبد؟ {قل هاتوا برهانكم} على صحّة ما تدّعونه من عبادة آلهةٍ أخرى، {إن كنتم صادقين} في ذلك، وقد علم أنّه لا حجّة لهم ولا برهان، كما قال [اللّه]: {ومن يدع مع اللّه إلهًا آخر لا برهان له به فإنّما حسابه عند ربّه إنّه لا يفلح الكافرون} [المؤمنون: 117]). [تفسير ابن كثير: 6/ 206]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:29 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة