العودة   جمهرة العلوم > جمهرة علوم القرآن الكريم > الناسخ والمنسوخ

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 26 جمادى الآخرة 1434هـ/6-05-2013م, 09:53 PM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ۚ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ۚ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّـهُ ۚ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّـهَ رَ‌بَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا ۚ فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ۚ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّ‌جَالِكُمْ ۖ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَ‌جُلَيْنِ فَرَ‌جُلٌ وَامْرَ‌أَتَانِ مِمَّن تَرْ‌ضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ‌ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَ‌ىٰ ۚ وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا ۚ وَلَا تَسْأَمُوا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيرً‌ا أَوْ كَبِيرً‌ا إِلَىٰ أَجَلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللَّـهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَىٰ أَلَّا تَرْ‌تَابُوا ۖ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَ‌ةً حَاضِرَ‌ةً تُدِيرُ‌ونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا ۗ وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ ۚ وَلَا يُضَارَّ‌ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ۚ وَإِن تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ ۗ وَاتَّقُوا اللَّـهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّـهُ ۗ وَاللَّـهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(282)}

قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 320 هـ): (الآية الخامسة والعشرون: قوله تعالى: {وأشهدوا إذا تبايعتم...} الآية [282 / البقرة] منسوخة وناسخها قوله تعالى: {فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي أؤتمن أمانته} [283 مدنية / البقرة / 2].) .[الناسخ والمنسوخ لابن حزم: 19-30]
قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (قال جلّ وعزّ: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا تداينتم بدينٍ إلى أجلٍ مسمًّى فاكتبوه}[البقرة: 282] الآية فافترق العلماء فيها على ثلاثة أقوالٍ فمنهم من قال: لا يسع مؤمنًا إذا باع بيعًا إلى أجلٍ أو اشترى إلّا أن يكتب كتابًا ويشهد إذا وجد كاتبًا ولا يسع مؤمنًا إذا اشترى شيئًا أو باعه إلّا أن يشهد ولا يكتب إذا لم يكن إلى أجلٍ واحتجّوا بظاهر القرآن
وقال بعضهم: هذا على النّدب والإرشاد لا على الحتم وقال بعضهم هو منسوخٌ
فممّن قال هو واجبٌ من الصّحابة ابن عمر وأبو موسى الأشعريّ
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/109]
ومن التّابعين محمّد بن سيرين، وأبو قلابة، والضّحّاك، وجابر بن زيدٍ، ومجاهدٌ ومن أشدّهم في ذلك عطاءٌ قال:
" أشهد إذا بعت وإذا اشتريت بدرهمٍ أو نصف درهمٍ أو ثلث درهمٍ أو أقلّ من ذلك فإنّ اللّه تعالى يقول: {وأشهدوا إذا تبايعتم} [البقرة: 282] "
وحدّثنا جعفر بن مجاشعٍ، قال حدّثنا إبراهيم بن إسحاق، قال حدّثنا شجاعٌ، قال حدّثنا هشيمٌ، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: «أشهد إذا بعت وإذا اشتريت ولو دستجة بقلٍ»
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/110]
وممّن كان يذهب إلى هذا محمّد بن جريرٍ وأنّه لا يحلّ لمسلمٍ إذا باع أو اشترى إلّا أن يشهد وإلّا كان مخالفًا كتاب اللّه جلّ وعزّ وكذا إن كان إلى أجلٍ فعليه أن يكتب ويشهد إن وجد كاتبًا واحتجّ بحججٍ سنذكرها في آخر الأقوال في الآية
فممّن قال إنّها منسوخةٌ من الصّحابة أبو سعيدٍ الخدريّ
كما حدّثنا محمّد بن جعفرٍ بالأنبار، قال حدّثنا إبراهيم بن ديسمٍ الخراسانيّ، قال حدّثنا عبيد اللّه بن عمر، قال حدّثنا محمّد بن مروان، قال حدّثنا عبد الملك بن أبي نضرة، عن أبيه، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، " أنّه تلا: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا تداينتم بدينٍ إلى أجلٍ مسمًّى فاكتبوه} [البقرة: 282] إلى {فإن أمن بعضكم بعضًا فليؤدّ الّذي اؤتمن أمانته} [البقرة: 283]، قال: «نسخت هذه ما قبلها»
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/111]
قال أبو جعفرٍ: وهذا قول الحسن، والحكم، وعبد الرّحمن بن زيدٍ
وممّن قال إنّها على النّدب والإرشاد لا على الحتم الشّعبيّ ويحكى أنّ هذا قول مالكٍ والشّافعيّ وأصحاب الرّأي
واحتجّ محمّد بن جريرٍ في أنّها أمرٌ لازمٌ وأنّه واجبٌ على كلّ من اشترى شيئًا إلى أجلٍ أن يكتب ويشهد وإن اشتراه بغير أجلٍ أن يشهد بظاهر الآية وأنّه
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/112]
فرضٌ لا يسع تضييعه لأنّ اللّه تبارك وتعالى أمر به وأمر اللّه سبحانه لازمٌ لا يحمل على النّدب والإرشاد إلّا بدليلٍ، ولا دليل يدلّ على ذلك ولا يجوز عنده أن يكون هذا نسخًا؛ لأنّ معنى النّاسخ أن ينفي حكم المنسوخ ولم تأت آيةٌ فيها لا تكتبوا ولا تشهدوا فيكون هذا ناسخًا واحتجّ بأنّه لا معنى لقول من قال: {فإن أمن بعضكم بعضًا فليؤدّ الّذي اؤتمن أمانته} [البقرة: 283] ناسخٌ للأوّل، لا معنى له لأنّ هذا حكمٌ غير ذاك وإنّما هذا حكم من لم يجد كاتبًا أو كتابًا قال جلّ وعزّ: {ولم تجدوا كاتبًا فرهانٌ مقبوضةٌ فإن أمن بعضكم بعضًا} [البقرة: 283] أي فلم يطالبه برهنٍ فليؤدّ الّذي اؤتمن أمانته
قال: ولو جاز أن يكون هذا ناسخًا للأوّل لجاز أن يكون قوله تعالى: {وإن كنتم مرضى أو على سفرٍ أو جاء أحدٌ منكم من الغائط} [النساء: 43] الآية ناسخًا لقوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا قمتم إلى الصّلاة} [المائدة: 6] الآية ولجاز أن يكون قوله: {فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين} [النساء: 92] ناسخًا لقوله تعالى: {فتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ} [النساء: 92]
قال أبو جعفرٍ: فهذا كلامٌ بيّنٌ غير أنّ الفقهاء الّذين تدور عليهم الفتيا وأكثر النّاس على أنّ هذا ليس بواجبٍ وممّا يحتجّون فيه أنّ المسلمين
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/113]
مجمعون على أنّ رجلًا لو خاصم رجلًا إلى الحاكم فقال باعني كذا فقال ما بعته ولم تكن بيّنةٌ أنّ الحاكم يستحلفه
ويحتجّون أيضًا بحديث الزّهريّ عن عمارة بن خزيمة بن ثابتٍ عن عمّه وكان من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
" أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم ابتاع فرسًا من أعرابيٍّ ثمّ استتبعه ليدفع إليه ثمنه فأسرع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم المشي فساوم قوم الأعرابيّ بالفرس ولم يعلموا فصاح الأعرابيّ بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أتبتاعه منّي أم أبيعه فقال: «أليس قد ابتعته منك؟» قال: لا واللّه ما ابتعته منّي فأقبل النّاس يقولون له ويحك إنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم لا يقول إلّا حقًّا، فقال: هل من شاهدٍ فقال: خزيمة أنا أشهد فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «بم تشهد؟» قال: أشهد بتصديقك، فجعل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم شهادة خزيمة شهادة رجلين "
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/114]
فاحتجّوا بهذا الحديث أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ابتاع بغير إشهادٍ
فأمّا ما احتجّ به محمّد بن جريرٍ فصحيحٌ غير أنّ ثمّ وجهًا يخرّج منه لم يذكره وهو:
أنّ عليّ بن أبي طلحة روى عن، ابن عبّاسٍ، في قوله تعالى {ما ننسخ من آيةٍ أو ننسها} [البقرة: 106] قال ننسها نتركها، هكذا يقول المحدثون والصّواب نتركها
قال أبو جعفرٍ: وفي هذا معنًى لطيفٌ شرحه سهل بن محمّدٍ على مذهب ابن عبّاسٍ وبيّن معنى ذلك
قال ننسخها نزيل حكمها بآيةٍ غيرها و {ننسها} [البقرة: 106] نزيل حكمها بأن نطلق لكم تركها كما قال تعالى: {يا أيّها النّبيّ إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن باللّه شيئًا ولا يسرقن ولا يزنين} [الممتحنة: 12] الآية ثمّ أطلق للمسلمين ترك ذلك من غير آيةٍ نسختها
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/115]
فكذا {إذا تداينتم بدينٍ إلى أجلٍ مسمًّى فاكتبوه} [البقرة: 282] وكذا {وأشهدوا إذا تبايعتم} [البقرة: 282]
قال أبو جعفرٍ: فأمّا النّسخ فكما قال محمّد بن جريرٍ، وأمّا النّدب فلا يحمل عليه الأمر إلّا بدليلٍ قاطعٍ
وأمّا قول مجاهدٍ: لا يجوز الرّهن إلّا في السّفر لأنّه في الآية كذلك، فقولٌ شاذٌّ، الجماعة على خلافه
قال أبو جعفرٍ وقرئ على أحمد بن شعيبٍ، عن يوسف بن حمّادٍ، قال: حدّثنا سفيان بن حبيبٍ، عن هشامٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال «توفّي رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم ودرعه مرهونةٌ عند يهوديٍّ بثلاثين صاعًا من شعيرٍ لأهله»
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/116]
قال أبو جعفرٍ: وليس كون الرّهن في الآية في السّفر ممّا يحظر غيره
وأمّا {إذا تداينتم بدينٍ} [البقرة: 282] والفائدة في {بدينٍ} [البقرة: 282] وقد تقدّم {تداينتم} [البقرة: 282] فالجواب عنه أنّ العرب تقول تداينّا أي تجازينا وتعاطينا الأخذ بيننا فأبان اللّه جلّ وعزّ بقوله {بدينٍ} [البقرة: 282] المعنى الّذي قصد له
واختلف العلماء في الآية الّتي هي تتمّة ثلاثين آيةً من هذه السّورة فمنهم من قال: هي منسوخةٌ ومنهم من قال: هي محكمةٌ عامّةٌ ومنهم من قال: هي محكمةٌ خاصّةٌ
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/117]
قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410 هـ): (الآية الثّامنة والعشرون قوله تعالى {وأشهدوا إذا تبايعتم} فأمر الله بالشّهادة وقد كان جماعة من التّابعين يرون أن يشهدوا في كل بيع وابتياع منهم الشّعبيّ
وإبراهيم النّخعيّ كانوا يقولون إنّا نرى أن نشهد ولو على جرزة بقل ويروي حزمة ثمّ نسخت الشّهادة بقوله تعالى {فإن أمن بعضكم بعضاً فليؤدّ الّذي أؤتمن أمانته}
). [الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: 31-59]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {يا أيّها الذين آمنوا إذا تداينتم بدينٍ إلى أجلٍ مسمّىً فاكتبوه}.أمر الله جلّ ذكره في هذه الآية بكتاب الدّين للتّوثّق من الذي عليه الدّين لئلا يجحد أو يموت.
وقال بعد ذلك: {وأشهدوا إذا تبايعتم}، فأمر بالإشهاد أمرًا عامًا.
وقال: {ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرًا أو كبيرًا إلى أجله}، فأكّد إيجاب ذلك عليهم.
ثم نسخ ذلك وخفّفه بقوله: {فإن أمن بعضكم بعضًا فليؤدّ الذي أؤتمن أمانته} [البقرة: 283] - وهذا قول أبي سعيد الخدري والحسن وابن زيد والحكم والشعبي ومالك وجماعةٍ من العلماء -.
فيكون هذا - على هذا القول - ممّا نسخ فرضه بغير فرض. بل نحن مخيّرون في فعل الأوّل وتركه، من شاء كتب ومن شاء لم يكتب ومن شاء أشهد، ومن شاء لم يشهد.
وقال مالكٌ وغيره: هو ندبٌ وإرشادٌ لا فرضٌ. فلا نسخ فيه على هذا القول.
لكن يحتاج هذا القول إلى دليلٍ يخرج لفظ الأمر إلى معنى الإرشاد والنّدب، وإلاّ فالكلام على ظاهره أمر حتم. والذي يدل على أنه ندبٌ غير حتم، قوله: {فإن أمن بعضكم بعضًا فليؤدّ} [البقرة: 283] الآية، وقوله: {وأحلّ الله البيع وحرّم الرّبا} [البقرة: 275] - ولم يقل أحلّه ببيّنة -. وحمله على الإرشاد والنّدب
قول أكثر العلماء وهو الصواب إن شاء الله.
قال ابن شعبان. الأمر بالإشهاد منسوخ بقوله: {وأحلّ الله البيع}، ولم يذكر معه إشهادًا.
ويدلّ على أن الإشهاد ليس بفرضٍ إجماع العلماء أنّ من ادّعى على رجلٍ دينًا وقال لم أشهد عليه، أنه يحكم له عليه باليمين إذا أنكر. فلو كان الإشهاد فرضًا لم يحكم له عليه باليمين؛ لأنه ترك الفرض الذي لزمه وأتى بدعوى فدلّ ذلك على إجازة البيع بغير إشهاد.
ولو كان البيع لا يجوز إلاّ بإشهاد لانفسخت كلّ صفقةٍ تعقد بلا إشهاد، لأنهما عقدا على ما لا يحلّ إن كان الإشهاد فرضًا.
فدلّ ذلك على أنّه ندبٌ غير حتم.
وقالت طائفةٌ من العلماء: الآية محكمةٌ. والإشهاد والكتاب فرضٌ وعلى من له دينٌ أن يكتبه إذا وجد كاتبًا، قالوا: وقوله: {فإن أمن بعضكم بعضًا} الآية إنما ذلك عند عدم الكاتب والشّهود في السّفر - وهو قولٌ روي عن ابن عمر وابن عبّاس وأبي موسى الأشعري وابن
سيرين وأبي قلابة والضّحاك وجابر بن زيد ومجاهد.
وقد قال عطاء: أشهد إذا بعت أو اشتريت بدرهم أو بنصف درهم، أو بثلث درهم ومثله عن الشعبي، وإلى هذا القول ذهب داود، وبه قال الطّبري يريدون إذا كان التّبايع بدينٍ في الثمن أو في المثمن واستدلّوا على ذلك بأنّ الله تعالى قد جعل عوض الشّهود أخذ الرهن إذا عدم الكاتب والشهود، أو الكتاب والشاهد.
ثم ذكر الأمانة بعد عدم الشاهد والكاتب، فيترك أخذ الرّهن ويأتمنه على ماله عليه. وإنّما الأمانة عند عدم الكاتب والشّاهد.
والعفو عن أخذ الرّهن إذ لا يجد معه رهنًا.
والإشهاد واجبٌ إذا وجد الكاتب والشهود أو الشهود فقط.
وقال بعضهم: الآية على الأمر حتى يأتي ما يدلّ على أنها ندبٌ وإرشادٌ. وقد ذكرنا ما يدلّ على ذلك.
قال أبو محمد: وهذا المذهب فيه حرجٌ عظيم وضيقٌ يحتاج
الشيخ الكبير والعجوز الضعيفة القليلة الحيلة وغيرهم إذا اشتروا أو باعوا في النهار عشر مرات فأكثر بثلث درهم وبنصف درهم أن يشهدوا في كل مرّة إذا لم يقبضوا ما اشتروا في الوقت أو باعوا، وقد قال الله جلّ ذكره: {وما جعل عليكم في الدّين من حرج} [الحج: 78] فنفى فرض ما فيه الحرج، وهذا من أعظم الحرج.
وقد قال قومٌ: إنّ هذه الآية تدلّ على جواز التّبايع إلى أجل عامّةً فتدلّ على جواز السّلم في كل شيءٍ فهي ناسخة لنهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع ما ليس عندك، إذ السّلم: هو بيع ما ليس عندك.
وقال آخرون: الحديث مخصوصٌ في غير السّلم بإجازة النبي صلى الله عليه وسلم السّلم في الشيء المعلوم إلى أجلٍ معلوم. فالمعنى: أنه نهى عن بيع ما ليس عندك مما ليس بسلم في شيءٍ معلومٍ إلى أجلٍ معلوم. فالحديث مخصوصٌ محكم والآية محكمةٌ على النّدب
).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:123- 200]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية الخامسة والثّلاثين: قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا تداينتم بدينٍ إلى أجلٍ مسمّىً فاكتبوه}.
هذه الآية تتضمّن الأمر بإثبات الدّين في كتابٍ وإثبات الشّهادة في البيع والدّين.
واختلف العلماء هل هذا أمر وجوبٍ أم استحبابٍ، فذهب الجمهور إلى أنّه أمر ندبٍ واستحبابٍ.
أخبرنا أبو بكر بن أبي طاهرٍ، قال: أبنا أبو محمّدٍ الجوهريّ، قال: أبنا
محمّد بن المظفّر، قال: أبنا عليّ بن إسماعيل، قال: أبنا أبو حفص عمر وابن علي قال: بنا معتمر بن سليمان، قال: سمعت أبي يقول: سألت الحسن عن الرّجل يبيع ولا يشهد فقال: أليس قد قال الله عز وجل: {فإن أمن بعضكم بعضاً}.
قال أبو حفصٍ: وحدّثنا يزيد بن (زريع) قال: بنا داود بن أبي هندٍ عن الشّعبيّ قال: "إن شاء أشهد".
وأخبرنا ابن الحصين، قال: أبنا أبو طالب بن غيلان، قال: أبنا أبو بكرٍ الشّافعيّ، قال: أبنا إسحاق بن ميمون، قال: بنا موسى بن مسعود،
قال: بنا الثّوريّ عن إسماعيل بن أبي خالدٍ عن الشّعبيّ قال: إن شاء أشهد وإن شاء لم يشهد ثمّ قرأ {فإن أمن بعضكم بعضاً} فعلى هذا القول (الآية محكمةٌ).
وذهب آخرون) إلى أنّ الكتابة والإشهاد واجبان وهو مرويٌّ عن ابن عمر وأبي موسى ومجاهدٍ وعطاءٍ وابن سيرين والضّحّاك وأبي قلابة
والحكم وابن زيدٍ في آخرين.
ثمّ اختلف أرباب هذا القول هل نسخ أم لا؟
فذهب قومٌ منهم عطاءٌ وإبراهيم إلى أنه لم ينسخ.
وذهب آخرون منهم أبو سعيدٍ الخدريّ والشّعبيّ وابن زيدٍ إلى أنّه نسخ بقوله: {فإن أمن بعضكم بعضاً}.
أخبرنا محمّد بن عبد الباقي البزّاز قال: أبنا أبو محمّدٍ الجوهريّ، قال: أبنا محمّد بن المظفر، قال: بنا عليّ بن إسماعيل بن حمّادٍ، قال: أبنا أبو حفصٍ عمرو بن علي قال: بنا محمد بن مروان، قال: بنا عبد الملك بن أبي (نضرة) عن أبيه عن أبي سعيدٍ، أنه قرأ هذه الآية {يا أيّها الّذين آمنوا إذا تداينتم بدينٍ إلى أجلٍ مسمّىً فاكتبوه} حتى بلغ {فإن أمن بعضكم بعضاً} قال: "هذه نسخت ما قبلها".
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا عمر بن عبيد اللّه البقّال، قال:
أبنا ابن بشران، قال: أبنا إسحاق الكاذيّ، قال: بنا عبد اللّه بن أحمد بن حنبلٍ قال: حدّثني أبي قال: بنا عفان، قال: بنا عبد الوارث.
وأخبرنا محمّد بن أبي القاسم، قال: بنا أحمد بن أحمد، قال: بنا أبو نعيمٍ الحافظ، قال: أبنا أحمد بن إسحاق قال: بنا أبو يحيى الرازي، قال: بنا عبد الرّحمن بن عمر، قال: بنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ قال بنا محمّد بن دينارٍ كلاهما عن يؤنس عن الحسن {وأشهدوا إذا تبايعتم} قال: نسختها {فإن أمن بعضكم بعضاً}.
قلت: وهذا ليس بنسخٍ، لأنّ النّاسخ (ينافي) المنسوخ ولم يقل ههنا فلا تكتبوا، ولا تشهدوا، وإنّما بيّن التّسهيل في ذلك ولو كان مثل هذا ناسخًا لكان قوله: {فلم تجدوا ماءً فتيمّموا} ناسخًا للوضوء بالماء، وقوله: {فمن لم يجد فصيام شهرين} ناسخاً قوله: {فتحرير رقبةٍ} والصّحيح أنّه ليس ههنا نسخٌ وأنّه أمر ندبٍ.
وقد اشترى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الفرس الّذي شهد فيه خزيمة (بلا) إشهاد.
أخبرنا المبارك بن عليٍّ، قال: أبنا أحمد بن الحسين بن قريش، قال: أبنا أبو إسحق البرمكيّ، قال: أبنا محمّد بن إسماعيل بن العبّاس، قال: أبنا أبو بكر بن أبي داود، قال: بنا محمد بن بشار، قال: بنا محمد، قال: بنا شعبة، عن فراسٍ، عن الشّعبيّ، عن أبي بردة عن أبي موسى. قال: "ثلاثةٌ يدعون اللّه فلا يستجاب لهم... "
أحدهم: رجلٌ كان له على رجلٍ دينٌ فلم يشهد عليه.
). [نواسخ القرآن:125- 236]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (ومن ذلك قوله عز وجل: {إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه} إلى قوله عز وجل: {..... ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله} الآية [البقرة: 282] فأمر بالكتابة والإشهاد، قالوا: ثم نسخ جميع ذلك بقوله سبحانه وتعالى: {فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذين أؤتمن أمانته} الآية [البقرة: 283] وليس هذا بنسخ، وفيه بيان كون الأمر بالكتابة والإشهاد ليس على الوجوب.
وذهب ابن عمر وابن عباس وأبو موسى الأشعري وجابر بن زيد وابن سيرين والضحاك وأبو قلابة وعطاء والشعبي وداود إلى وجوب الكتابة والإشهاد، وأوجبوا على رب الدين أن يكتب وأن يشهد إذا قدر على ذلك.
قالوا: وأما قوله عز وجل: {فإن أمن بعضكم بعضا} الآية [البقرة: 283] فإنما ذلك عند عدم القدرة على الكتابة والإشهاد، وإذا عفا عن الرهن أو لم يجده.
وقال الشعبي وعطاء: أشهد إذا بعت أو اشتريت بدرهم أو بنصف درهم أو بثلث درهم، وبهذا يقول الطبري، وعلى الجملة فالآية محكمة على كل حال.
). [جمال القراء: 1/249-271]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 27 جمادى الآخرة 1434هـ/7-05-2013م, 09:21 AM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

قوله تعالى:{لِّلَّـهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْ‌ضِ ۗ وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّـهُ ۖ فَيَغْفِرُ‌ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّـهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ‌(284)}


قال الوليد بن محمد الموقّري الأموي (ت:182هـ): حدثني محمد بن مسلم بن عبد الله بن شِهَاب الزهري(124هـ) قال: (
وقال تعالى: {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها}. فيما فرض إن لم يستطع الحج ولا الجهاد أولم يستطع أن يصلي قائماً فيصلي جالساً. قال تعالى: {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء}. نسخت بقوله تعالى:الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} أي لا يكتب على أحدٍ إلا ما فعل وما عمل.). [الناسخ والمنسوخ للزهري: 18-22]
قال محمد بن كثيرٍ العَبْدي (ت:223هـ) حدثنا همّام بن يحيى البصري قال: (وعن قتادة : {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء} ثم أنزل الله عز وجل والآية التي بعدها فيها تخفيف ويسر وعافية لا : {يكلف الله نفسا إلا وسعها أي طاقتها لها ما كسبت} فنسختها هذه الآية

حدثنا قتادة عن زرارة بن أوفى عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله عز وجل تجاوز لأمتي عن كل شيء تحدث أنفسها ما لم تكلم به أو تعمل به)) ). [الناسخ والمنسوخ لقتادة: 1/31-38]
قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 320 هـ): (الآية السادسة والعشرون: قوله تعالى: {لله ما في السموات وما في الأرض) هذا محكم ثم قال: (وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} [284 مدنية / البقرة / 2] فشق نزولها عليهم فقال النبي (ص) لا تقولوا كما قالت اليهود سمعنا وعصينا ولكن قولوا سمعنا وأطعنا فلما علم الله تسليمهم لأمره أنزل ناسخ هذه بقوله تعالى: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}
[286 مدنية / البقرة / 2] وخفف من الوسع بقول تعالى: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} [185 مدنية / البقرة / 2] ) .[الناسخ والمنسوخ لابن حزم: 19-30]

قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (قال جلّ وعزّ {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه} [البقرة: 284] الآية فعن ابن عبّاسٍ فيها ثلاثة أقوالٍ:
إحداهنّ: أنّها منسوخةٌ بقوله تعالى: {لا يكلّف اللّه نفسًا إلّا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} [البقرة: 286] وسنذكره بإسناده
والثّاني: أنّها غير منسوخةٍ وأنّها عامّةٌ يحاسب المؤمن والكافر والمنافق بما أبدى وأخفى فيغفر للمؤمنين ويعاقب الكافرون والمنافقون
والثّالث: أنّها مخصوصةٌ وأنّها في كتمان الشّهادة وإظهارها كذا روى يزيد بن أبي زيادٍ عن مقسمٍ عن ابن عبّاسٍ
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/118]
فأمّا الرّواية عن، عائشة، فإنّها قالت «ما همّ به العبد من خطيئةٍ عوقب على ذلك بما يلحقه من الهمّ والحزن في الدّنيا»
فهذه أربعة أقوالٍ
وقرئ على أحمد بن محمّد بن الحجّاج عن يحيى بن سليمان، قال: حدّثنا إسماعيل ابن عليّة، قال: حدّثنا ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه تعالى {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه} [البقرة: 284] فقال: «هذا في الشّكّ واليقين»
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/119]
وهذه الأقوال الخمسة يقرب بعضها من بعضٍ فقول مجاهدٍ في الشّكّ واليقين قريبٌ من قول ابن عبّاسٍ إنّها لم تنسخ وإنّها عامّةٌ، وقول ابن عبّاسٍ الّذي رواه عنه مقسمٌ إنّها في الشّهادة يصحّ على أنّ غير الشّهادة بمنزلتها وقول عائشة إنّها ما يلحق الإنسان في الدّنيا على أن تكون عامّةً أيضًا
فأمّا أن تكون منسوخةً فيصحّ من جهةٍ ويبطل من جهةٍ فأمّا الجهة الّتي تبطل منها فإنّ الأخبار لا يكون فيها ناسخٌ ولا منسوخٌ ومن زعم أنّ في الأخبار ناسخًا ومنسوخًا فقد ألحد أو جهل فأخبر اللّه تعالى أنّه يحاسب من أبدى شيئًا أو أخفاه فمحالٌ أن يخبر بضدّه وأيضًا فإنّ الحكم إذا كان منسوخًا فإنّما ينسخ بنفيه وبآخر ناسخٌ له نافٍ له من كلّ جهاته فلو كان {لا يكلّف اللّه نفسًا إلّا وسعها} [البقرة: 286] ناسخًا لنسخ تكليف ما لا طاقة به وهذا منفيٌّ عن اللّه عزّ وجلّ أن يتعبّد به كما قال تعالى {لا يكلّف اللّه نفسًا إلّا ما آتاها} [الطلاق: 7]
وصحّ عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، أنّه كان يلقّن أصحابه إذا بايعوا «فيما استطعتم»
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/120]
فأمّا الوجه الّذي يصحّ منه وهو الّذي ينبغي أن يتبيّن ويوقف عليه لأنّ المعاند ربّما عارض بقول الصّحابة والتّابعين في أشياء من الأخبار ناسخةٌ ومنسوخةٌ فالجاهل باللّغة إمّا أن يحيّر فيها وإمّا أن يلحد فيقول في الأخبار ناسخٌ ومنسوخٌ وهو يعلم أنّ الإنسان إذا قال قام فلانٌ ثمّ نسخ هذا فقال لم يقم فقد كذب وفي حديث ابن عبّاسٍ تبيين ما أراد
كما حدّثنا محمّد بن جعفرٍ الأنباريّ، قال: حدّثنا صالح بن زيادٍ الرّقّيّ، قال: حدّثنا يزيد، قال أخبرنا سفيان بن حسينٍ، عن الزّهريّ، عن سالمٍ، أنّ عبد اللّه بن عمر، تلا {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه} [البقرة: 284] فدمعت عيناه فبلغ صنيعه ابن عبّاسٍ فقال: " يرحم اللّه أبا عبد الرّحمن صنع كما صنع أصحاب محمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم حين أنزلت ونسختها الآية الّتي بعدها {لا يكلّف اللّه نفسًا إلّا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} [البقرة: 286] معنى
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/121]
نسختها نزلت بنسختها سواءً وليس هذا من النّاسخ والمنسوخ في شيءٍ "
قرئ على عبد اللّه بن الصّقر بن نصرٍ، عن زياد بن أيّوب، قال: أخبرنا هشيمٌ، قال: أخبرنا شيبان، عن الشّعبيّ، قال: لمّا نزلت {وإن تبدوا ما في
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/122]
أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه} [البقرة: 284] لحقتهم منها شدّةٌ حتّى نسخها ما بعدها "
وفي هذا معنًى لطيفٌ وهو أن يكون معنى نسختها نسخت الشّدّة الّتي لحقتهم أي أزالتها كما يقال نسخت الشّمس الظّلّ أي أزالته
ومن حسن ما قيل في الآية وأشبهه بالظّاهر قول ابن عبّاسٍ إنّها عامّةٌ يدلّك على ذلك
ما حدّثناه أحمد بن عليّ بن سهلٍ، قال: حدّثنا زهيرٌ وهو ابن حربٍ، قال: أخبرنا إسماعيل وهو ابن عليّة عن هشامٍ وهو الدّستوائيّ، عن قتادة، عن صفوان بن محرزٍ، قال: قال رجلٌ لابن عمر: كيف سمعت رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم يقول في النّجوى؟ قال: سمعته يقول: " يدني المؤمن من ربّه تعالى حتّى يضع عليه كنفه فيقرّره بذنوبه فيقول: هل تعرف؟ فيقول: ربّ أعرف، قال: فإنّي سترتها عليك في الدّنيا وإنّي أغفرها لك اليوم، فيعطى صحيفة حسناته، فأمّا الكفّار والمنافقون فينادى بهم على رءوس الخلائق هؤلاء الّذين كذبوا على اللّه جلّ وعزّ " ففي هذا الحديث حقيقة
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/123]
معنى الآية وأنّه لا نسخ فيها وإسناده إسنادٌ لا يدخل القلب منه لبسٌ وهو من أحاديث أهل السّنّة والجماعة
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/124]

قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410 هـ): (الآية التّاسعة والعشرون قوله تعالى {للّه ما في السماوات وما في الأرض} هذا محكم والمنسوخ قوله {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} الآية
اختلف المفسّرون في معناها فروي عن عائشة رضي الله عنها أنّها قالت إن الله تعالى يخبر الخلق يوم القيامة بما عملوا في الدّنيا سرا وجهرا فيغفر للمؤمن ما أسر ويعاقب الكافر على ما أسر وقال ابن مسعود هي عموم في سائر أهل القبلة
وقال المحقّقون لما نزلت هذه الآية شقّ نزولها عليهم وقالوا إنّه يجول الأمر في نفوسنا لو سقطنا من السّماء إلى الأرض لكان ذلك أهون علينا وقال المسلمون يا رسول الله لا نطيق فقال النّبي (صلى الله عليه وسلم) لا تقولوا كما قالت اليهود سمعنا وعصينا ولكن قولوا سمعنا واطعنا فنزلت {لا يكلّف الله نفساً إلّا وسعها} الآية
الآية الثّلاثون قوله تعالى {لا يكلّف الله نفسا إلّا وسعها} علم الله تعالى أن الوسع لا يطاق فخفف الوسع بقوله تعالى {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} وقد قيل إن الله تعالى نسخ بآخر آية الدّين أولها وقد روى عن النّبي (صلى الله عليه وسلم) حجّة لمن ذهب إلى نسخ قوله {أو تخفوه} وهو قول النّبي (صلى الله عليه وسلم) إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم
يكلم به أو يعمل وعن الخطأ والنّسيان وما استكرهوا عليه فهذا ما ورد في منسوخ سورة البقرة والله تعالى أعلم). [الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: 31-59]

قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله}:
قال ابن عباس: هي منسوخةٌ بقوله: {لا يكلّف الله نفسًا إلاّ وسعها} [البقرة: 286].
وقال ابن مسعود: وعن أحدهما أيضًا أنه قال: هي محكمةٌ لا منسوخةٌ، وأن الله يحاسب كلّ نفسٍ بما أخفت فيغفر للمؤمن ويعاقب الكافر، وهو قوله: {فيغفر لمن يشاء} وهو المؤمن {ويعذّب من يشاء}. وهو الكافر وهذا قولٌ حسن.
وعن ابن عباسٍ أيضًا أنه قال: الآية مخصوصةٌ محكمةٌ نزلت في كتمان الشّهادة خاصةً. ودلّ على ذلك تقدّم ذكر الشهادة والأمر بترك كتمانها وأدائها وهو قول عكرمة فهذا أيضًا قولٌ صالح.).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:123- 200]

قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية السّادسة والثّلاثين: قوله تعالى: {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به}.
أمّا إبداء ما في النّفس فإنّه العمل بما أضمره العبد
أو نطق به، وهذا ممّا يحاسب عليه العبد، ويؤاخذ به.
فأمّا ما يخفيه في نفسه فاختلف العلماء في المراد بالمخفيّ في هذه الآية على قولهم:
أحدهما: أنّه عامٌّ في جميع المخفيّات. وهو قول الأكثرين.
ثمّ اختلفوا هل هذا الحكم ثابتٌ في المؤاخذة أم منسوخٌ؟ على قولين:
أحدهما: أنّه منسوخٌ بقوله: {لا يكلّف اللّه نفساً إلاّ وسعها}. هذا قول علي وابن مسعود في آخرين.
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا عمر بن عبيد اللّه، قال: أبنا ابن بشران، قال: أبنا إسحق الكاذي، قال: بنا عبد اللّه بن أحمد بن حنبلٍ، قال حدّثني أبي، قال: بنا عبد العزيز يعني: ابن أبانٍ، قال: بنا إسرائيل عن السّدّيّ، عمّن سمع عليًّا رضي اللّه عنه، قال: نزلت {لله ما في السّماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه} أحزنتنا وهمّتنا فقلنا: يحدّث أحدنا نفسه فيحاسب به فلم ندر ما يغفر منه وما لم يغفر، فنزلت بعدها فنسختها {لا يكلّف اللّه نفساً إلاّ وسعها}.
أخبرنا المبارك بن عليٍّ قال: أبنا أحمد بن الحسين بن قريش، قال: أبنا أبو إسحق البرمكيّ قال: أبنا: محمّد بن إسماعيل بن عباس، قال: أبنا أبو بكر بن أبي داود قال: بنا إسحاق بن إبراهيم بن زيدٍ، قال: بنا
حجاج قال: بنا هشيمٌ عن (سيّارٍ) أبي الحكم عن الشّعبيّ عن أبي عبيدة عن عبد اللّه بن مسعودٍ، في قوله: {إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه} قال نسختها الآية الّتي تليها: {لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت}.
أخبرنا أبو بكرٍ العامريّ، قال: أبنا أبو عبد اللّه الطّوسيّ، قال: أبنا عليّ بن أحمد النّيسابوريّ قال: أبنا عبد القاهر بن ظاهرٍ، قال: أبنا محمّد بن عبد اللّه بن عليٍّ قال: أبنا محمّد بن إبراهيم اليوشنجي، قال: أبنا أميّة بن بسطامٍ، قال: بنا يزيد بن زريع، قال: بنا روح بن القاسم عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: (لمّا أنزل الله عز وجل {إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه} اشتدّ ذلك على أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ثمّ أتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم، فقالوا: لو كلفنا من الأعمال ما نطيق الصّلاة والصّيام والجهاد، والصّدقة وقد أنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم (أتريدون) أن تقولوا كما قال أهل الكتاب من قبلكم - أراه (قال) سمعنا وعصينا - قولوا سمعنا
وأطعنا غفرانك ربّنا وإليك المصير (فلمّا اقترأها) القوم (ذلّت) بها ألسنتهم فأنزل الله عز وجل في إثرها {آمن الرّسول بما أنزل إليه من
ربّه} الآية كلّها، ونسخها اللّه تعالى فأنزل اللّه {لا يكلّف اللّه نفساً إلاّ وسعها} الآية إلى آخرها.
أخبرنا عبد الوهّاب، قال: أبنا أبو طاهرٍ الباقلاويّ، قال: أبنا ابن شاذان، قال: بنا عبد الرّحمن بن الحسن، قال: بنا إبراهيم بن الحسين، قال: بنا آدم. قال: بنا ورقاء عن عطاء بن السّائب عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ، قال: لمّا نزلت: {إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه} نسختها الآية الّتي بعدها {لا يكلّف اللّه نفساً إلاّ وسعها}.
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا عمر بن عبيد اللّه البقّال قال: أبنا ابن بشران، قال: بنا إسحاق الكاذي، قال: بنا عبد اللّه بن أحمد بن حنبلٍ قال: حدّثني أبي، قال بنا علي بن حفص، قال بنا ورقاء عن عطاء ابن السّائب عن ابن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما {لا يكلّف اللّه نفساً إلاّ وسعها} قال نسخت هذه الآية {إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه
يحاسبكم به اللّه}.
قال أحمد: وحدّثنا محمّد بن حميدٍ عن سفيان عن آدم عن سعيد ابن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ قال: لما نزلت: {إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه} شقّ ذلك على المسلمين، قال: فنزلت: {لا يكلّف اللّه نفساً إلاّ وسعها} فنسختها.
أخبرنا بن ناصرٍ، قال: بنا علي ابن أيّوب، قال: أبنا أبو عليّ بن شاذان، قال: أبنا أبو بكر النجاد، قال: بنا أبو داود السجستاني، قال: بنا أحمد بن محمّد بن ثابتٍ، قال: حدثني أبو عليّ بن الحسين عن أبيه عن يزيد النّحويّ عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما {إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه} قال: نسخت، فقال لله: {لا يكلّف اللّه نفساً إلاّ وسعها}.
أخبرنا المبارك بن عليٍّ، قال: بنا أحمد بن الحسين، قال: أبنا أبو إسحاق البرمكيّ، قال: أبنا محمد بن إسماعيل بن عباس، قال: بنا أبو بكر ابن أبي داود، قال: بنا عليّ بن سهل بن المغيرة، قال: بنا عفان، قال: بنا أبو عوانة، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما قال: نسختها الآية الّتي بعدها {لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت}.
أخبرنا عبد الوهّاب، قال: أبنا عاصم بن الحسن، قال: أبنا أبو عمر بن مهديٍّ، قال: بنا الحسين بن إسماعيل المحامليّ، قال: بنا يعقوب الدورقي، قال: بنا يزيد بن هارون، قال: أبنا سفيان عن الزّهريّ، عن سالمٍ عن ابن عمر رضي اللّه عنهما أنّه تلا هذه الآية: {إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه} فدمعت عيناه فبلغ صنيعه ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما فقال: "يرحم اللّه أبا عبد الرّحمن لقد صنع ما صنع أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حين نزلت فنسختها: {لا يكلّف اللّه نفساً إلاّ وسعها} ".
أخبرنا بن الحصين، قال: أبنا ابن المذهّب، قال: أبنا أحمد بن جعفرٍ، قال: بنا عبد اللّه بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي، قال: بنا عبد الرزاق، قال: بنا معمرٌ عن حميدٍ الأعرج، عن مجاهدٍ، قال: دخلت على ابن عبّاسٍ، فقلت: "يا ابن عبّاسٍ كنت عند ابن عمر، فقرأ هذه الآية، فبكى قال: "أيّة آية؟ "
قلت: {إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه} قال ابن عبّاسٍ إنّ هذه الآية حين أنزلت غمّت أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم غماً شديدًا، وغاظتهم غيظًا شديدًا يعني وقالوا: يا رسول اللّه هلكنا إن كنّا نؤاخذ بما تكلّمنا به وبما نعمل به فأمّا قلوبنا فليست بأيدينا، فقال لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: قولوا سمعنا وأطعنا. قالوا: سمعنا وأطعنا، قال: فنسختها هذه الآية {آمن الرّسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون}
إلى {لا يكلّف اللّه نفساً إلاّ وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} فتجوّز لهم عن حديث النّفس وأخذوا بالأعمال.
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا عمر بن عبيد اللّه البقّال، قال: أبنا ابن بشران، قال: بنا إسحاق بن أحمد الكاذيّ، قال: بنا عبد اللّه بن أحمد بن حنبلٍ، قال: حدّثني أبي: قال بنا وكيع، قال: بنا سفيان عن عطاء ابن السّائب عن سعيد بن جبيرٍ، وعن إبراهيم بن مهاجرٍ عن إبراهيم، وعن جابرٍ عن مجاهدٍ، قال: ونسخت هذه الآية {لا يكلّف اللّه نفساً إلاّ وسعها} نسخت {إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه}.
قال أحمد: وحدّثنا معاوية بن عمرو، قال: بنا زايدة عن عطاء بن السّائب عن سعيد بن جبيرٍ، قال: {لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت}، نسخت {إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه}.
قال أحمد: وحدثّنا يونس قال: بنا حمّادٌ يعني: ابن سلمة عن حميد عن الحسن {إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه} قال: نسختها {لا يكلّف اللّه نفساً إلاّ وسعها}.
قال أحمد: وحدّثنا عبد الوهّاب عن سعيدٍ
عن قتادة قال: نزلت هذه الآية فكبرت عليهم فأنزل اللّه تعالى بعدها آيةً فيها تيسيرٌ وعافيةٌ وتخفيفٌ {لا يكلّف اللّه نفساً إلاّ وسعها}.
أخبرنا المبارك بن عليٍّ، قال: أبنا أحمد بن الحسين بن قريش، قال: أبنا أبو إسحق البرمكيّ قال: أبنا محمّد بن إسماعيل الوراق، قال: بنا أبو بكر بن أبي داود، قال: بنا زياد بن أيوب، قال: بنا هشيمٌ عن يسارٍ عن الشّعبيّ قال: لما نزلت: {إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه} كان فيها شدّةٌ حتّى نزلت الآية الّتي بعدها {لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} فنسخت ما قبلها.
قال أبو بكرٍ: وحدّثنا إسحاق بن إبراهيم، قال بنا الأسود عن حمّادٍ عن يونس عن الحسن {إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه} قال: نسختها {لا يكلّف اللّه نفساً إلاّ وسعها}. وإلى هذا القول ذهبت عائشة رضي اللّه عنها، وعليّ بن الحسين، وابن سيرين وعطاءٌ الخراسانيّ والسدي، وابن زيد، ومقاتل.
والقول الثاني: أنه لم تنسخ، ثمّ اختلف أرباب هذا القول على ثلاثة أقوالٍ:
أحدها: أنّه ثابتٌ في المؤاخذة على العموم فيؤاخذ به من يشاء ويغفر لمن يشاء. وهذا مرويٌّ عن ابن عبّاسٍ أيضًا وابن عمر، والحسن واختاره
أبو سليمان الدمشقي، والقاضي أبو يعلى.
والثّاني: أنّ المؤاخذة به واقعةٌ، لكن معناها إطلاع العبد على فعله السيئ.
أخبرنا المبارك بن محلي، قال: أبنا أحمد بن الحسين بن قريشٍ، قال: أبنا أبو إسحاق البرمكيّ، قال. أبنا محمّد بن إسماعيل بن عباس، قال: أبنا أبو بكر بن أبي داود، قال: بنا يعقوب بن سفيان، قال: بنا أبو صالح قال: بنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عبهما {إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه} قال: هذه الآية (لم تنسخ) ولكن الله عز وجل إذا جمع الخلائق يوم القيامة يقول لهم: إنّي أخبركم بما أخفيتم في أنفسكم ممّا (لم يطّلع) عليه ملائكتي فأمّا المؤمنون فيخبرهم ويغفر لهم ما حدّثوا به أنفسهم، وهو قوله: {يحاسبكم به اللّه} يقول: يخبركم به اللّه.
وفي روايةٍ أخرى: وأمّا أهل الشّرك والرّيب فيخبرهم بما أخفوا من التّكذيب وهو قوله: {فيغفر لمن يشاء ويعذّب من يشاء}.
وقال أبو بكرٍ: وحدّثنا محمّد بن أيوب، قال: بنا أحمد بن عبد الرّحمن، قال: بنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ عن أبيه عن الرّبيع بن أنس، قال: هي محكمةٌ لم ينسخها شيءٌ. (يقول) {يحاسبكم به اللّه} يقول: يعرّفه يوم القيامة أنّك
أخفيت في صدرك كذا وكذا فلا يؤاخذه.
والثّالث: أنّ محاسبة العبد به نزول الغمّ والحزن والعقوبة والأذى به في الدّنيا، وهذا قول عائشة رضي اللّه عنها.
والقول الثّاني: أنّه أمرٌ به خاصٌّ في نوعٍ من المخفيّات ثمّ لأرباب هذا القول فيه قولان:
أحدهما: (أنّه) في الشّهادة والمعنى إن تبدوا بها (الشّهود) ما في أنفسكم من كتمان الشّهادة أو تخفوه.
أخبرنا المبارك بن عليٍّ، قال: أبنا أحمد بن الحسين بن قريشٍ، قال: أبنا إسحاق البرمكيّ، قال: أبنا محمّد بن إسماعيل، قال: بنا أبو بكر بن أبي داود، قال: بنا زياد بن أيوب.
وأخبرنا عبد الوهّاب الحافظ، قال: أبنا عاصم بن الحسن، قال: أبنا أبو عمر بن مهديٍّ، قال: أبنا أبو عبد اللّه المحاملي، قال: بنا يعقوب الدّورقيّ.
وأخبرنا إسماعيل بن أحمد، ابن بشران، قال: بنا الكاذي، قال: قال: أبنا عمربن عبيد الله، قال: أبنا بنا عبد اللّه بن أحمد، قال: حدثني
أبي قال: بنا هشيمٌ، قال: أبنا يزيد بن أبي زيادة، عن مقسمٍ عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما أنه قال: {إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه} قال: نزلت في كتمان الشّهادة، وإقامتها.
قال أحمد: وحدّثنا يونس، قال: بنا حمّادٌ عن حميدٍ عن عكرمة، قال: هذه في الشّهادة {ومن يكتمها فإنّه آثمٌ قلبه} وبهذا قال الشّعبيّ.
والثّاني: أنّه الشّكّ واليقين.
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: (أبنا) عمر بن عبيد اللّه البقّال، قال: أبنا ابن بشران قال: بنا إسحاق الكاذي، فال: بنا عبد الله ابن أحمد ابن حنبل، قال: حدثني أبي.
وأخبرنا المبارك بن عليٍّ قال: أبنا أحمد بن الحسين بن قريش، قال: أبنا أبو إسحق البرمكيّ قال: أبنا محمّد بن إسماعيل بن عباس، قال: أبنا أبو بكر بن أبي داود، قال: بنا المؤمل بن هشام (قال) بنا إسماعيل بن علية.
وأخبرنا عبد الوهّاب، قال: أبنا أبو طاهرٍ الباقلاويّ، قال: أبنا ابن شاذان، قال: أبنا عبد الرّحمن بن الحسن، قال: بنا إبراهيم بن الحسين، قال: بنا آدم، قال: بنا ورقاء كلاهما عن ابن أبي نجيح عن مجاهد {إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه} من الشّكّ واليقين فعلى هذا الآية محكمةٌ.
قال:
ابن الأنباريّ والّذي نختاره أن تكون الآية محكمةٌ لأنّ النّسخ إنّما يدخل على الأمر والنّهي.
وقال أبو جعفرٍ النّحّاس: "لا يجوز أن يقع (في) مثل هذه الآية نسخٌ؛ لأنّها خبرٌ، وإنّما التّأويل أنّه لمّا أنزل اللّه تعالى: {إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه} اشتدّ عليهم ووقع في قلوبهم منه شيءٌ عظيمٌ، فنسخ ذلك قوله تعالى: {لا يكلّف اللّه نفساً إلاّ وسعها} أي: نسخ ما وقع بقلوبهم، أي: أزاله ورفعه".
). [نواسخ القرآن:125- 236]
قالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنِ الْجَوْزِيِّ (ت:597هـ): (الثالثة والعشرون: {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه} قيل نسخت بقوله {لا يكلّف اللّه نفساً إلّا وسعها} وقال ابن عباس نزلت في كتمان الشهادة وإقامتها وقال مجاهد في الشك واليقين فعلى هذا الأية محكمة ويؤكده أنه خبر.). [المصَفَّى بأكُفِّ أهلِ الرسوخ: 14-21]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (ومن ذلك قولهم في قوله عز وجل: {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} الآية [البقرة: 284] إنه منسوخ بقوله عز وجل: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} الآية [البقرة: 286] وليس في هذين ناسخ ومنسوخ، والنسخ لا يدخل في الأخبار.
ففي هذه السورة ثلاثون موضعا أدخلت في الناسخ والمنسوخ لم يقع الاتفاق على شيء منها، بل فيها ما لا يشك في أنه ليس بناسخ ولا منسوخ، ومستند قولهم في ذلك الظن لا اليقين، ولا يثبت ناسخ القرآن ومنسوخه بالظن والاجتهاد). [جمال القراء: 1/249-271]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 27 جمادى الآخرة 1434هـ/7-05-2013م, 09:25 AM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

قوله تعالى:{لَا يُكَلِّفُ اللَّـهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ رَ‌بَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَ‌بَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرً‌ا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَ‌بَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ‌ لَنَا وَارْ‌حَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْ‌نَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِ‌ينَ(286)}
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية السّابعة والثّلاثين: قوله تعالى: {لا يكلّف اللّه نفساً إلاّ وسعها}.
اختلفوا في هذه الآية هل هي محكمةٌ أو منسوخةٌ على قولين:
أحدهما: أنّها محكمةٌ، وأنّ اللّه تعالى إنّما يكلّف العباد قدر طاقتهم
فحسب وهذا مذهب الأكثرين.
والثّاني: أنّها اقتضت التّكليف بمقدار الوسع بحيث لا ينقص منه، فنزل قوله تعالى: {يريد اللّه بكم اليسر} وذلك ينقص عن مقدار الوسع فنسختها.
والقول الأول أصح.).
[نواسخ القرآن:125- 236]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:17 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة