العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة البقرة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10 ربيع الثاني 1434هـ/20-02-2013م, 12:14 AM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي تفسير سورة البقرة [من الآية (265) إلى الآية (266) ]

تفسير سورة البقرة
[من الآية (265) إلى الآية (266) ]

{وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآَتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265) أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 18 ربيع الثاني 1434هـ/28-02-2013م, 07:31 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف


جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآَتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني عاصم بن حكيم، عن أبي شريح عن [عـ (؟) .. ... .. ]
...
وإن الـ {حدائق غلبا}، الملتفة، وإن الربوة المكان المرتفع). [الجامع في علوم القرآن: 1/4] (م)
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني أشهل، عن على بن على، عن الحسن: {الذين
[الجامع في علوم القرآن: 1/137]
ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتاً من أنفسهم}، قال: إذا أراد أن ينفق تثبت، فإن كان لله مضى، وإلا أمسك). [الجامع في علوم القرآن: 1/138]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وقال مجاهد في قول الله: {الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتاً من أنفسهم}، قال: التثبت الذين يثبتون أين يضعون أموالهم). [الجامع في علوم القرآن: 2/53]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله تعالى وتثبيتا من أنفسهم قال ثقة من أنفسهم). [تفسير عبد الرزاق: 1/107]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن الحسن في قوله تعالى جنة بربوة قال هي الأرض المستوية التي تعلو فوق الماء وقال مجاهد هي الأرض المرتفعة المستوية). [تفسير عبد الرزاق: 1/107]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله فطل قال الطل الندا). [تفسير عبد الرزاق: 1/108]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ): (وقال عكرمة: {وابلٌ} [البقرة: 264]: " مطرٌ شديدٌ، الطّلّ: النّدى، وهذا مثل عمل المؤمن " {يتسنّه} [البقرة: 259]: «يتغيّر»). [صحيح البخاري: 6/31] (م)
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (وقال عكرمة): مما وصله عبد بن حميد في قوله تعالى: {أصابها} ({وابل}) [البقرة: 265]. أي (مطر شديد) قطره، و (الطل) في قوله تعالى: {فطل} أي (الندى) وهذا تجوّز منه. والمعروف أن الطل هو المطر الصغير القطر والفاء في {فطل} جواب الشرط ولا بدّ من حذف بعدها لتكمل جملة الجواب أي: فطل يصيبها فالمحذوف الخبر وجاز الابتداء بالنكرة لأنها في جواب الشرط (وهذا مثل عمل المؤمن) ). [إرشاد الساري: 7/43]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله عزّ وجلّ: {كمثل جنةٍ بربوةٍ} قال: المكان الظّاهر المستوي). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 71]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله عز وجل: {فآتت أكلها ضعفين} قال: أضعفت في ثمرها). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 71]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله عز وجل: {فإن لم يصبها وابلٌ فطل} قال: الطل: الندى). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 71]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ومثل الّذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة اللّه وتثبيتًا من أنفسهم}.
يعني بذلك جلّ ثناؤه: ومثل الّذين ينفقون أموالهم فيصّدّقون بها ويحملون عليها في سبيل اللّه ويقوّون بها أهل الحاجة من الغزاة والمجاهدين في سبيل اللّه وفي غير ذلك من طاعات اللّه طلب مرضات الله. {وتثبيتًا من أنفسهم} يعني بذلك: وتثبيتًا من أنفسهم لهم على إنفاق ذلك في طاعة اللّه وتحقيقًا،
[جامع البيان: 4/667]
من قول القائل: ثبّتّ فلانًا في هذا الأمر: إذ صحّحت عزمه وحقّقته وقوّيت فيه رأيه أثبتّه تثبيتًا، كما قال ابن رواحة:
فثبّت اللّه ما آتاك من حسنٍ = تثبيت موسى ونصرًا كالّذي نصروا
وإنّما عنى اللّه جلّ وعزّ بذلك أنّ أنفسهم كانت موقنةً مصدّقةً بوعد اللّه إيّاها فيما أنفقت في طاعته بغير منٍّ ولا أذًى، فثبّتهم في إنفاق أموالهم ابتغاء مرضاة اللّه، وصحّح عزمهم وآراءهم يقينًا منها بذلك، وتصديقًا بوعد اللّه إيّاها ما وعدها، ولذلك قال من قال من أهل التّأويل في قوله: {وتثبيتًا} وتصديقًا، ومن قال منهم: ويقينًا؛ لأنّ تثبيت أنفس المنفقين أموالهم ابتغاء مرضاة اللّه إيّاهم، إنّما كان عن يقينٍ منها وتصديقٍ بوعد اللّه.
ذكر من قال ذلك من أهل التّأويل:
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا يحيى، قال: حدّثنا سفيان، عن أبي موسى، عن الشّعبيّ: {وتثبيتًا من أنفسهم} قال: تصديقًا وتيقينًا.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق الأهوازيّ، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا سفيان، عن أبي موسى، عن الشّعبيّ: {وتثبيتًا من أنفسهم} قال: وتصديقًا من أنفسهم.
[جامع البيان: 4/668]
- حدثنا موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو، قال: حدّثنا أسباط عن السدى: {وتثبيتًا من أنفسهم} ثبات ونصره.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {وتثبيتًا من أنفسهم} قال: يقينًا من أنفسهم.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فى قوله: {وتثبيتًا من أنفسهم} يقينًا من أنفسهم قال: التّثبيت اليقين.
- حدّثني يونس، قال: حدّثنا عليّ بن معبدٍ، عن أبي معاوية، عن إسماعيل، عن أبي صالحٍ، في قوله: {وتثبيتًا من أنفسهم} يقول: يقينًا من عند أنفسهم.
وقال آخرون: معنى قوله: {وتثبيتًا من أنفسهم} أنّهم كانوا يتثبّتون في الموضع الّذي يضعون فيه صدقاتهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا مؤمّلٌ، قال: حدّثنا سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {وتثبيتًا من أنفسهم} قال: يتثبّتون أين يضعون أموالهم.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويد بن نصرٍ، قال: حدّثنا ابن المبارك، عن عثمان بن الأسود، عن مجاهدٍ: {وتثبيتًا من أنفسهم} فقلت له: ما ذلك التّثبيت؟ قال: يتثبّتون أين يضعون أموالهم.
[جامع البيان: 4/669]
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن عثمان بن الأسود، عن مجاهدٍ: {وتثبيتًا من أنفسهم} قال: كانوا يتثبّتون أين يضعونها.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن عليّ بن عليّ بن رفاعة، عن الحسن، في قوله: {وتثبيتًا من أنفسهم} قال: كانوا يتثبّتون أين يضعون أموالهم، يعني زكاتهم.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويدٌ، قال: حدّثنا ابن المبارك، عن عليّ بن عليٍّ، قال: سمعت الحسن، قرأ: {ابتغاء مرضاة اللّه وتثبيتًا من أنفسهم} قال: كان الرّجل إذا همّ بصدقةٍ تثبّت، فإن كان للّه مضى، وإن خالطه شكٌّ أمسك.
وهذا التّأويل الّذي ذكرناه عن مجاهدٍ والحسن تأويلٌ بعيد المعنى ممّا يدلّ عليه ظاهر التّلاوة، وذلك أنّهم تأوّلوا قوله: {وتثبيتًا من أنفسهم} بمعنى: وتثبّتًا فزعموا أنّ ذلك إنّما قيل كذلك، لأنّ القوم كانوا يتثبّتون أين يضعون أموالهم، ولو كان التّأويل كذلك، لكان: وتثبّتًا من أنفسهم؛ لأنّ المصدر من الكلام إذا كان على تفعّلت التّفعّل، فيقال: تكرّمت تكرّمًا، وتكلّمت تكلّمًا، وكما قال جلّ ثناؤه: {أو يأخذهم على تخوّفٍ} من قول القائل: تخوّف فلانٌ هذا الأمر تخوّفًا، فكذلك قوله: {وتثبيتًا من أنفسهم} لو كان من تثبّت القوم في وضع صدقاتهم مواضعها لكان الكلام: وتثبّتًا من أنفسهم لا وتثبيتًا ولكن معنى ذلك ما قلنا من أنّه: وتثبيتٌ من أنفس القوم إيّاهم بصحّة العزم واليقين بوعد اللّه تعالى ذكره.
[جامع البيان: 4/670]
فإن قال قائلٌ: وما تنكر أن يكون ذلك نظير قول اللّه عزّ وجلّ: {وتبتّل إليه تبتيلاً} ولم يقل: تبتّلاً؟ قيل: إنّ هذا مخالف لذلك، وذلك أنّ هذا إنّما جاز أن يقال فيه: {تبتيلاً} لظهور {وتبتّل إليه}، فكان في ظهوره دلالةٌ على متروكٍ من الكلام الّذي منه قيل: تبتيلاً، وذلك المتروك هو: تبتّل فيبتّلك اللّه إليه تبتيلاً وقد تفعل العرب مثل ذلك تخرج المصادر على غير ألفاظ الأفعال الّتي تقدّمتها إذا كانت الأفعال المتقدّمة لها تدلّ على ما أخرجت منه، كما قال جلّ وعزّ: {واللّه أنبتكم من الأرض نباتًا} وقال: {وأنبتها نباتًا حسنًا} والنّبات: مصدر نبت وإنّما جاز ذلك؛ لمجيء أنبت قبله، فدلّ على المتروك الّذي منه قيل نباتًا، والمعنى: واللّه أنبتكم فنبتّم من الأرض نباتًا، وليس قبل قوله: {وتثبيتًا من أنفسهم} كلامًا يجوز أن يكون متوهّمًا به أنّه معدولٌ عن بنائه، وأن معنى الكلام: ويتثبّتون في وضع الصّدقات مواضعها، فيصرف إلى المعاني الّتي صرف إليها قوله: {وتبتّل إليه تبتيلاً} وما أشبه ذلك من المصادر المعدولة عن الأفعال الّتي هي ظاهرةٌ قبلها.
وقال آخرون: معنى قوله: {وتثبيتًا من أنفسهم} احتسابًا من أنفسهم.
[جامع البيان: 4/671]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {وتثبيتًا من أنفسهم} يقول: احتسابًا من أنفسهم.
وهذا القول أيضًا قول بعيد المعنى من معنى التّثبيت، لأنّ التّثبيت لا يعرف في شيءٍ من الكلام بمعنى الاحتساب، إلاّ أن يكون أراد مفسّره كذلك أنّ أنفس المنفقين كانت محتسبةً في تثبيتها أصحابها، فإن كان ذلك كان عنده معنى الكلام، فليس الاحتساب بمعنًى حينئذٍ للتّثبيت فيترجم عنه به). [جامع البيان: 4/672]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {كمثل جنّةٍ بربوةٍ أصابها وابلٌ فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابلٌ فطلٌّ}.
يعني بذلك جلّ وعزّ: ومثل الّذين ينفقون أموالهم، فيتصدّقون بها، ويسبلونها في طاعة اللّه بغير منٍّ على من تصدّقوا بها عليه ولا أذًى منهم لهم بها ابتغاء رضوان اللّه وتصديقًا من أنفسهم بوعده، {كمثل جنّةٍ} والجنّة: البستان، وقد دلّلنا فيما مضى على أنّ الجنّة البستان بما فيه الكفاية من إعادته {بربوةٍ} والرّبوة من الأرض: ما نشز منها فارتفع عن المسّيل،
[جامع البيان: 4/672]
وإنّما وصفها بذلك جلّ ثناؤه؛ لأنّ ما ارتفع من الأرض عن المسايل والأودية أغلظ، وجنان ما غلظ من الأرض أحسن وأزكى ثمرًا وغرسًا وزرعًا ممّا رقّ منها، ولذلك قال أعشى بني ثعلبة في وصف روضةٍ:
ما روضةٌ من رياض الحزن معشبةٌ = خضراء جاد عليها مسبلٌ هطل
فوصفها بأنّها من رياض الحزن؛ لأنّ الحزون غرسها ونباتها أحسن وأقوى من غروس الأودية والتّلاع وزروعها.
وفي الرّبوة لغاتٌ ثلاثٌ، وقد قرأ بكلّ لغةٍ منهنّ جماعةٌ من القرّاء، وهن ربوةٌ بضمّ الرّاء، وبها قرأت عامّة قرّاء أهل المدينة والحجاز والعراق. وربوةٌ بفتح الرّاء، وبها قرأ بعض أهل الشّام، وبعض أهل الكوفة، ويقال: إنّها لغةٌ لتميمٍ، وربوةٌ بكسر الرّاء، وبها قرأ فيما ذكر ابن عبّاسٍ.
وغير جائزٍ عندي أن يقرأ ذلك إلاّ بإحدى اللّغتين: إمّا بفتح الرّاء، وإمّا بضمّها؛ لأنّ قراءة النّاس في أمصارهم بإحداهما. وأنا لقراءتها بضمّها أشدّ إيثارًا منّي لفتحها؛ لأنّها أشهر اللّغتين في العرب؛ فأمّا الكسر فإنّ في رفض القراءة به دلالةٌ واضحةٌ على أنّ القراءة به غير جائزةٍ.
وإنّما سمّيت الرّبوة رّبوة؛ لأنّها ربت فغلظت وعلت، من قول القائل: ربا هذا الشّيء يربو: إذا انفتخ فعظم.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
[جامع البيان: 4/673]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {كمثل جنّةٍ بربوةٍ} قال: الرّبوة: المكان الظّاهر المستوي.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، قال: قال مجاهدٌ: هي الأرض المستوية المرتفعة.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {كمثل جنّةٍ بربوة} يقول: بنشزٍ من الأرض.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا أبو زهيرٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك: {كمثل جنّةٍ بربوةٍ} والرّبوة: المكان المرتفع الّذي لا تجري فيه الأنهار والّذي فيه الجنان.
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: {بربوةٍ} برابيةٍ من الأرض.
[جامع البيان: 4/674]
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: {كمثل جنّةٍ بربوةٍ} والرّبوة النّشز من الأرض.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ، قال ابن عبّاسٍ: {كمثل جنّةٍ بربوةٍ} قال: المكان المرتفع الّذي لا تجري فيه الأنهار.
وكان آخرون يقولون: هي الأرض المستوية.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الحسن، في قوله: {كمثل جنّةٍ بربوةٍ} قال: هي الأرض المستوية الّتي لا تعلو فوق المياء.
وأمّا قوله: {أصابها وابلٌ} فإنّه يعني جلّ ثناؤه أصاب الجنّة الّتي بالرّبوة من الأرض وابلٌ من المطر، وهو الشّديد العظيم القطر منه.
وقوله: {فآتت أكلها ضعفين} فإنّه يعني الجنّة أنّها أضعفت ثمرها ضعفين حين أصابها الوابل من المطر.
[جامع البيان: 4/675]
والأكل: هو الشّيء المأكول، وهو مثل الرّعب والهزء وما أشبه ذلك من الأسماء الّتي تأتي على فعل؛ وأمّا الأكل بفتح الألف وتسكين الكاف، فهو فعل الآكل، يقال منه: أكلت أكلاً، وأكلت أكلةً واحدةً، كما قال الشّاعر:
وما أكلةٌ إن نلتها بغنيمةٍ = ولا جوعةٌ إن جعتها بغرام
ففتح الألف؛ لأنّها بمعنى الفعل، ويدلك على أنّ ذلك كذلك قوله: ولا جوعةٌ، وإن ضمّت الألف من الأكلة صار معناه: الطّعام الّذي أكلته، فيكون معنى ذلك حينئذٍ: ما طعامٌ أكلته بغنيمةٍ.
وأمّا قوله: {فإن لم يصبها وابلٌ فطلٌّ} فإنّ الطّلّ: هو النّدى واللّيّن من المطر.
- كما: حدّثنا عبّاس بن محمّدٍ، قال: حدّثنا حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ: {فطلٌّ} ندى عن عطاءٍ الخراسانيّ، عن ابن عبّاسٍ.
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: أما الطّلّ: فالنّدى.
[جامع البيان: 4/676]
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {فإن لم يصبها وابلٌ فطلٌّ} أي طشٌّ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا أبو زهيرٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك: {فطلٌّ} قال: الطّلّ: الرّذاذ من المطر، يعني اللّيّن منه.
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: {فطلٌّ} أي طشٌّ.
وإنّما عني تعالى ذكره بهذا المثل كما ضعّفت ثمرة هذه الجنّة الّتي وصفت صفتها حين جادها الوبل فإن أخطأ هذا الوبل فالطّلّ، كذلك يضعّف اللّه صدقة المتصدّق والمنفق ماله ابتغاء مرضاته وتثبيتًا من نفسه من غير منٍّ ولا أذًى، قلّت نفقته أو كثرت لا تخيب ولا تخلّف نفقته، كما تضعّف الجنّة الّتي وصف جلّ ثناؤه صفتها قلّ ما أصابها من المطر أو كثر لا يخلّف خيرها بحالٍ من الحال.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال جماعة أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: {فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابلٌ فطلٌّ} يقول: كما أضعفت ثمرة تلك الجنّة، فكذلك تضاعف ثمرة لهذا المنفق ضعفين.
[جامع البيان: 4/677]
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابلٌ فطلّ} هذا مثلٌ ضربه اللّه لعمل المؤمن، يقول: ليس لخيره خلفٌ، كما ليس لخير هذه الجنّة خلفٌ على أيّ حالٍ، إمّا وابلٌ، وإمّا طلٌّ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا أبو زهيرٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، قال: هذا مثل من أنفق ماله ابتغاء مرضاة اللّه.
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قوله: {الّذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة اللّه} الآية، قال: هذا مثلٌ ضربه اللّه لعمل المؤمن.
فإن قال قائلٌ: وكيف قيل: {فإن لم يصبها وابلٌ فطلٌّ} وهذا خبرٌ عن أمرٍ قد مضى؟
قيل: يراد فيه: كان، ومعنى الكلام: فآتت أكلها ضعفين، فإن لم يكن الوابل أصابها، أصابها طلٌّ، وذلك في الكلام نحو قول القائل: حبست فرسين، فإن لم أحبس اثنين فواحدًا بقيمته، بمعنى: إلاّ أكن، لا بدّ من إضمار كان؛ لأنّه خبرٌ؛ ومنه قول الشّاعر:
إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمةٌ = ولم تجدي من أن تقرّي بها بدّا). [جامع البيان: 4/678]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واللّه بما تعملون بصيرٌ}.
يعني بذلك: واللّه بما تعملون أيّها النّاس في نفقاتكم الّتي تنفقونها بصيرٌ، لا يخفى عليه منها ولا من أعمالكم فيها وفي غيرها شيءٌ يعلم من المنفق منكم بالمنّ والأذى والمنفّق ابتغاء مرضاة اللّه، وتثبيتًا من نفسه، فيحصي عليكم حتّى يجازي جميعكم جزاءه على عمله، إن خيرًا فخيرٌ، وإن شرًّا فشرٌّ.
وإنّما يعني بهذا القول جلّ ذكره التّحذير من عقابه في النّفقات الّتي ينفقها عباده، وغير ذلك من الأعمال أن يأتي أحدٌ من خلقه ما قد تقدّم فيه بالنّهي عنه، أو يفرّط فيما قد أمر به؛ لأنّ ذلك بمرأًى من اللّه ومسمعٍ، يعلمه ويحصيه عليهم، وهو لخلقه بالمرصاد). [جامع البيان: 4/679]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ومثل الّذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة اللّه وتثبيتًا من أنفسهم كمثل جنّةٍ بربوةٍ أصابها وابلٌ فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابلٌ فطلٌّ واللّه بما تعملون بصيرٌ (265)
قوله تعالى: ومثل الّذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله
[الوجه الأول]
- حدثنا أبو زرعة، ثنا صفوان الوليد، أخبرني بكير بن معروفٍ عن مقاتل بن حيّان، قوله: ومثل الّذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات اللّه قال: احتسابًا.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، نثا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ ثنا أبي، عن الرّبيع بن أنسٍ، قوله: ومثل الّذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات اللّه قال: هذا مثلٌ ضربه اللّه لعمل المؤمن.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محلّمٍ ثنا عبد الكبير بن عبد المجيد، عن عبّاد بن منصورٍ، قال: سألت الحسن، عن قوله: ومثل الّذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات اللّه قال: ينفقون ابتغاء مرضات اللّه، لا يريدون سمعةً ولا رياءً). [تفسير القرآن العظيم: 1/519]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: وتثبيتًا من أنفسهم
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو أسامة، عن سفيان، عن أبي موسى الأسديّ، عن الشّعبيّ وتثبيتًا من أنفسهم قال: يقينًا من أنفسهم.
- حدّثنا أحمد بن عصامٍ، ثنا أبو عاصمٍ. عن سفيان، عن أبي موسى
[تفسير القرآن العظيم: 2/519]
الأسديّ عن الشّعبيّ وتثبيتًا من أنفسهم قال: يقينًا وتصديقًا. وروي عن السّدّيّ ومقاتلٍ، نحو ذلك.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو عبد الرّحمن الحارثيّ وعبيد اللّه بن موسى، قالا: أخبرنا عثمان بن الأسود، عن مجاهدٍ وتثبيتًا من أنفسهم قال:
يتثبّتون أين يضعون أموالهم.
وروي عن الحسن وأبا صالحٍ، وميمون بن مهران، قالوا: مواضع الزّكاة.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا موسى بن هارون الطّوسيّ فيما كتب إليّ، ثنا الحسين بن محمّدٍ المرّوذيّ، ثنا شيبان، عن قتادة، قوله: وتثبيتًا من أنفسهم قال: احتسابًا من أنفسهم). [تفسير القرآن العظيم: 1/520]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: كمثل جنة بربوة
[الوجه الأول]
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ
قوله: كمثل جنّةٍ بربوةٍ قال: الرّبوة: المكان الظّاهر المستوي.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا سهل بن عثمان، ثنا شريكٌ، عن سالمٍ عن سعيد بن جبيرٍ، قال: الرّبوة: النّشز من الأرض.
وروي عن الحسن وقتادة والرّبيع بن أنسٍ وعطاءٍ الخراسانيّ ومقاتل بن حيّان، نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/520]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: أصابها وابلٌ
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا صفوان بن صالحٍ، ثنا الوليد، أخبرني بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان فأصابه وابل يقول: أصاب الجنه المطر.
[تفسير القرآن العظيم: 2/520]
- حدثنا عصام بن رواد، ثنا آدم أبو شيبة، عن عطاءٍ الخراسانيّ قال:
الوابل: الجود من المطر). [تفسير القرآن العظيم: 1/521]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: فآتت أكلها ضعفين
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا صفوان بن الوليد، أخبرني بكير بن معروفٍ عن مقاتل بن حيّان قوله: فآتت أكلها يعني: ثمرتها ضعفين). [تفسير القرآن العظيم: 1/521]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: ضعفين
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ فآتت أكلها ضعفين كلما أضعفت ثمر تلك الجنّة، يضاعف لهذا المنفق ضعفين). [تفسير القرآن العظيم: 1/521]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: فإن لم يصبها وابل فطل
تقدم تفسيره.
[الوجه الأول]
- حدّثنا عمّار بن خالدٍ، ثنا يزيد، عن عبد الملك بن مسلم بن سلامٍ قال:
سمعت زيد بن أسلم يقول في قول اللّه: فإن لم يصبها وابلٌ فطلٌّ قال: تلك أرض مصر، إن أصابها طلٌّ زكت، وإن أصابها وابلٌ، أضعفت.
- حدّثنا أبي، ثنا عيسى بن جعفرٍ قاضي الرّيّ، ثنا مسلم بن خالدٍ عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: فإن لم يصبها وابلٌ فطلٌّ قال: الطّلّ:
النّدى.
وروي عن عكرمة وقتادة وعطاءٍ الخراسانيّ ومقاتل بن حيّان والضّحّاك والسّدّيّ والرّبيع بن أنسٍ، نحو ذلك، غير أنّ الرّبيع قال: الطّشّ.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا صفوان، ثنا الوليد أخبرني بكير بن معروفٍ عن مقاتلٍ: فطلٌّ يعني بالطّل: الرّذاذ من المطر. فهذا مثل من لا ينفق ماله رياءً وسمعةً، ولا يمنّ به على من يعطيه.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا المنذر بن شاذان، ثنا يعلى، قال: قال جويبرٌ، في قوله: فإن لم يصبها وابلٌ فطلٌّ قال: الرّكّ من المطر. فقيل له: وما الرّكّ؟ قال: المطر اللّيّن). [تفسير القرآن العظيم: 1/521]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: واللّه بما تعملون بصيرٌ
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا إسحاق بن إسماعيل، ثنا يزيد بن زريعٍ، ثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: واللّه بما تعملون بصيرٌ هذا مثلٌ ضربه اللّه لعمل المؤمن، يقول: ليس لخيره خلفٌ، كما ليس لخير هذه الجنّة خلفٌ، على أيّ حالٍ كان، إمّا وابلٌ، وإمّا طلٌّ). [تفسير القرآن العظيم: 1/522]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال ثنا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله بربوة الربوة المكان الظاهر المستوي). [تفسير مجاهد: 116]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا الحسن بن يعقوب، ثنا يحيى بن أبي طالبٍ، ثنا عبد الوهّاب بن عطاءٍ، أنبأ هارون بن موسى، عن خالدٍ الحذّاء، عن عبد اللّه بن الحارث، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، " أنّه كان يقرؤها: (بربوةٍ) بكسر الرّاء " قال: والرّبوة النّشز من الأرض، «هذا حديثٌ صحيح الإسناد، ولم يخرّجاه» ). [المستدرك: 2/311]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن أبي حاتم عن الربيع في الآية قال: هذا مثل ضربه الله لعمل المؤمن.
وأخرج عن مقاتل بن حيان في قوله {ابتغاء مرضات الله} قال: احتسابا.
وأخرج عن الحسن قال: لا يريدون سمعة ولا رياء.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن الشعبي {وتثبيتا من أنفسهم} قال: تصديقا ويقينا.
وأخرج ابن جرير عن أبي صالح {وتثبيتا من أنفسهم} قال: يقينا من عند أنفسهم
[الدر المنثور: 3/246]
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد {وتثبيتا} قال: يتثبتون أين يضعون أموالهم.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن الحسن قال: كان الرجل إذا هم بصدقة تثبت فإن كان لله أمضى وإن خالطه شيء من الرياء أمسك.
وأخرج ابن المنذر عن قتادة {وتثبيتا من أنفسهم} قال: النية.
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس أنه كان يقرؤها {بربوة} بكسر الراء والربوة النشز من الأرض.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال: الربوة الأرض المستوية المرتفعة.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله {جنة بربوة} قال: المكان المرتفع الذي لا تجري فيه الأنهار.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل {أصابها وابل} قال: أصاب الجنة المطر
[الدر المنثور: 3/247]
وأخرج عن عطاء الخراساني قال: الوابل الجود من المطر.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن مجاهد {فآتت أكلها ضعفين} قال: أضعفت في ثمرها.
وأخرج ابن جرير عن السدي {فآتت أكلها ضعفين} يقول: كما ضعفت ثمر تلك الجنة فكذلك تضاعف لهذا المنفق ضعفين.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس {فطل} قال: ندى.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة {فطل} قال: طش.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن الضحاك قال: الطل: الرذاذ من المطر يعني اللين منه.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة قال: هذا مثل ضربه الله لعمل
[الدر المنثور: 3/248]
المؤمن يقول: ليس لخيره خلف كما ليس لخير هذه الجنة خلف على أي حال كان إن أصابها وابل وإن أصابها طل.
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في قوله {فإن لم يصبها وابل فطل} قال: تلك أرض مصر إن أصابها طل زكت وإن أصابها وابل أضعفت). [الدر المنثور: 3/249]

تفسير قوله تعالى: (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله تعالى أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجرى من تحتها الأنهر له فيها من كل الثمرات قال هذا مثل ضربه الله تعالى فقال أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجرى من تحتها الأنهر له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت يقول قد ذهبت جنته عند أحوج ما كان حين كبرت سنه وضعف عن الكسب وله ذرية ضعفاء لا ينفعونه وأصاب جنته ريح فيها سموم وكان الحسن يقول صر برد فاحترقت فذهبت أحوج ما كان إليها فلذلك يقول أيود أحدكم أن يذهب عمله أحوج ما كان إليه). [تفسير عبد الرزاق: 1/108]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا الثوري قال: قال مجاهد لعلكم تتفكرون قال تطيعون). [تفسير عبد الرزاق: 1/109]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن ابن عبّاسٍ قال: سألني عمر بن الخطّاب عن قوله جلّ وعزّ: {أيودّ أحدكم أن تكون له جنة} قال: هو مثل [الآية: 266]). [تفسير الثوري: 72]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ): (باب قوله: {أيودّ أحدكم أن تكون له جنّةٌ من نخيلٍ وأعنابٍ} [البقرة: 266] "
[صحيح البخاري: 6/31]
إلى قوله: {لعلّكم تتفكّرون} [البقرة: 219] "
[صحيح البخاري: 6/31]
- حدّثنا إبراهيم، أخبرنا هشامٌ، عن ابن جريجٍ، سمعت عبد اللّه بن أبي مليكة، يحدّث عن ابن عبّاسٍ، قال: وسمعت أخاه أبا بكر بن أبي مليكة، يحدّث عن عبيد بن عميرٍ، قال: قال عمر رضي اللّه عنه، يومًا لأصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: فيم ترون
[صحيح البخاري: 6/31]
هذه الآية نزلت: {أيودّ أحدكم أن تكون له جنّةٌ} [البقرة: 266] ؟ قالوا: اللّه أعلم، فغضب عمر فقال: «قولوا نعلم أو لا نعلم» ، فقال ابن عبّاسٍ: في نفسي منها شيءٌ يا أمير المؤمنين، قال عمر: «يا ابن أخي قل ولا تحقر نفسك» ، قال ابن عبّاسٍ: ضربت مثلًا لعملٍ، قال عمر: «أيّ عملٍ؟» قال ابن عبّاسٍ: لعملٍ، قال عمر: «لرجلٍ غنيٍّ يعمل بطاعة اللّه عزّ وجلّ، ثمّ بعث اللّه له الشّيطان، فعمل بالمعاصي حتّى أغرق أعماله»). [صحيح البخاري: 6/32]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب قوله أيودّ أحدكم أن تكون له جنّةٌ من نخيلٍ وأعنابٍ إلى قوله لعلّكم تتفكّرون)
كذا لجميعهم
- قوله حدّثنا إبراهيم هو بن موسى وهشام هو بن يوسف قوله وسمعت أخاه هو مقول بن جريجٍ وأبو بكر بن أبي مليكة لا يعرف اسمه وعبيد بن عميرٍ ولد في عهد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وسماعه من عمر صحيحٌ وقد بيّن الإسماعيليّ والطّبريّ من طريق بن المبارك عن بن جريجٍ أنّ سياق الحديث له فإنّه ساقه على لفظه ثمّ عقبة برواية بن جريج عن بن أبي مليكة عن بن عبّاسٍ به قوله فيم بكسر الفاء وسكون التّحتانيّة أي في أيّ شيءٍ وترون بضمّ أوّله قوله حتّى أغرق أعماله بالغين المعجمة أي أعماله الصّالحة وأخرج بن المنذر هذا الحديث من وجهٍ آخر عن بن أبي مليكة وعنده بعد قوله أيّ عملٍ قال بن عبّاسٍ شيءٌ ألقي في روعي فقال صدقت يا بن أخي ولابن جريرٍ من وجهٍ آخر عن بن أبي مليكة عنى بها العمل بن آدم أفقر ما يكون إلى جنّته إذا كبر سنة وكثر عياله وبن آدم أفقر ما يكون إلى عمله يوم يبعث صدقت يا بن أخي ولابن جريرٍ من وجهٍ آخر عن بن أبي مليكة عن عمر قال هذا مثلٌ ضرب للإنسان يعمل صالحًا حتّى إذا كان عند آخر عمره أحوج ما يكون إلى العمل الصّالح عمل عمل السّوء ومن طريق عطاءٍ عن بن عبّاسٍ معناه أيودّ أحدكم أن يعمل عمره بعمل الخير حتّى إذا كان حين فني عمره ختم ذلك بعمل أهل الشّقاء فأفسد ذلك وفي الحديث قوّة فهم بن عبّاسٍ وقرب منزلته من عمر وتقديمه له من صغره وتحريض العالم تلميذه على القول بحضرة من هو أسنّ منه إذا عرف فيه الأهليّة لما فيه من تنشيطه وبسط نفسه وترغيبه في العلم). [فتح الباري: 8/202]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ): ( (باب قوله: {أيودّ أحدكم أن تكون له جنّةٌ من نخيلٍ وأعنابٍ} إلى قوله {تتفكّرون} (البقرة: 266)
أي: هذا باب في ذكر قوله: (أيود أحدكم). الآية، هذا المقدار من الآية وقع عند جميع الرواة. قوله: (أيود) الهمزة فيه للإنكار. قاله الزّمخشريّ: وقيل: هو متّصل بقوله: (ولا تبطلوا)، وهذه الآية مثل لعمل من أحسن العمل أو لا ثمّ بعد ذلك انعكس سيره فبدل الحسنات بالسيئات فأبطل بعمله الثّاني ما أسلفه فيما تقدم من الصّالح، واحتاج إلى شيء من الأول في أضيق الأحوال فلم يحصل منه شيء وخانه أحوج ما كان إليه، ولهذا قال: (وأصابه الكبر) الآية. قوله: (جنّة)، أي: بستان. قوله: (من نخيل)، وهو إمّا جمع نادرا أو اسم جنس، وإنّما خص هذين بالذكر لأنّهما من أكرم الشّجر وأكثر المنافع. قوله: (له فيها من كل الثمرات)، أي: لأحدكم في الجنّة من كل الثمرات، وإنّما قال هذا بعد ذكر النخيل والأعناب تغليبًا لهما على غيرهما، ثمّ أدرفهما بذكر الثمرات. قيل: يجوز أن يريد بالثمرات المنافع الّتي كانت تحصل له فيها. قوله: (وأصابه الكبر)، أي: والحال أنه أصابه الكبر. وقيل: عطف ماضٍ على مستقبل قال الفراء: هو جائز لأنّه يقع معها لو تقول: وددت لو ذهبت عنّا. وودت أن يذهب عنّا. قوله: (وله ذرّيّة ضعفاء)، وقرئ: ضعاف. قوله: (فأصابها)، أي الجنّة المذكورة. قوله: (إعصار)، وهي الرّيح الشّديدة، وقد مر تفسيره عن قريب، ويجمع على أعاصير. قوله: (فيه نار) أي: في الإعصار نار من السموم الحارة القتالة. قوله: (وكذلك) أي: كما بين الأقاصيص والأمثال (يبين الله لكم الآيات) أي: العلامات (لعلّكم تتفكرون) أي: تعتبرون وتفهمون الأمثال والمعاني وتنزلونها على المراد منها.
- حدّثنا إبراهيم أخبرنا هشام عن ابن جريجٍ سمعت عبد الله بن أبي مليكة يحدّث عن ابن عبّاسٍ قال وسمعت أخاه أبا بكرٍ بن أبي مليكة يحدّث عن عبيد بن عميرٍ قال: قال عمر رضي الله عنه يوما لأصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم فيم ترون هاذه الآية نزلت أيودّ أحدكم أن تكون له جنّةٌ قالوا الله أعلم فغضب عمر فقال قولوا نعلم أو لا نعلم فقال ابن عبّاسٍ في نفسي منها شيءٌ يا أمير المؤمنين قال عمر يا ابن أخي قل ولا تحقر نفسك قال ابن عبّاسٍ ضربت مثلاً لعملٍ قال عمر أيّ عملٍ قال ابن عبّاسٍ لعملٍ قال عمر لرجلٍ غنيٍّ يعمل بطاعة الله عزّ وجلّ ثمّ بعث الله له الشّيطان فعمل بالمعاصي حتّى أغرق أعماله.
مطابقته للتّرجمة ظاهرة وإبراهيم هو ابن موسى الفراء، وهشام هو ابن يوسف الصّنعانيّ، وابن جريج هو عبد العزيز بن عبد الملك ابن جريج. وأبو بكر بن أبي مليكة لا يعرف اسمه.. قاله بعضهم: وقال الكرماني: وأخوه عبد الله أيضا يكنى بأبي بكر تارة وتارة بأبي محمّد، وعبيد بن عمير كلاهما مصغران أبو عاصم اللّيثيّ المكّيّ ولد في زمن النّبي صلى الله عليه وسلم، وسماعه من عمر صحيح قوله: (وسمعت أخاه) هو مقول ابن جريج والحديث من أفراده.
قوله: فيم، بكسر الفاء وسكون الياء آخر الحروف أي في أي شيء قوله: (ترون) بضم أوله. قوله: (شيء) أي: من العلم به. قوله: (مثلا) بفتحتين قال أهل البلاغة: التّشبيه التمثيلي متى فشى استعماله على سبيل الاستعارة يسمى مثلا قوله: غني اسم في مقابل الفقير ويروى عني. من العناية على لفظ المجهول. قوله: (أغرق) بالغين المعجمة. أي: أضاع أعماله الصّالحة بما ارتكب من المعاصي. قيل: فيه دليل للمعتزلة في مسألة إحباط الطّاعة بالمعصية، ورد بأن الكفر محبط للأعمال والأغراق. لا يستلزم الإحباط). [عمدة القاري: 18/129]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ): (قوله " إعصار ريح عاصف " أشار به إلى قوله تعالى {وله ذرّيّة ضعفاء فأصابها إعصار} وفسره بقوله ريح عاصف إلى آخره وهي الّتي يقال لها الزوبعة كما قاله الزّجاج ويقال الإعصار الرّيح الّتي تستدير في الأرض ثمّ تسطع نحو السّماء كالعمود ويقال الإعصار ريح شديدة فيه نار وهذا ثبت عن أبي ذر عن الحمويّ وحده). [عمدة القاري: 18/127]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وقوله تعالى: {فأصابها} ({إعصار}) [البقرة: 266] أي (ريح عاصف تهب من الأرض إلى السماء كعمود فيه نار) أي فتحرق ما في جنته من نخيل وأعناب والمعنى تمثيل حال من يفعل
[إرشاد الساري: 7/42]
الأفعال الحسنة ويضم إليها ما يحبطها مثل الرياء والإيذاء في الحسرة والأسف إذا كان يوم القيامة واشتدت حاجته إليها وجدها محبطة بحال من هذا شأنه). [إرشاد الساري: 7/43]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب قوله {أيودّ أحدكم أن تكون له جنّةٌ من نّخيلٍ وأعنابٍ تجري من تحتها الأنهار له فيها من كلّ الثّمرات} [البقرة: 266]
(باب قوله) عز وجل: ({أيودّ أحدكم}) قال البيضاوي كالزمخشري الهمزة في أيودّ للإنكار ({أن تكون له جنة من نخيل}) في موضع رفع صفة لجنة أي كائنة من نخيل ({وأعناب تجري من تحتها الأنهار}) جملة تجري صفة لجنة أو حال منها لأنها قد وصفت ({له فيها من كل الثمرات}) [البقرة: 266] جملة من مبتدأ وخبر مقدم لكن المبتدأ لا يكون جارًا ولا مجرورًا، فأول على حذف المبتدأ أو الجار والمجرور صفة قائمة مقامه أي له فيها رزق أو فاكهة من كل الثمرات فحذف الموصوف نفسه، أو من زائدة أي له فيها كل الثمرات على رأي الأخفش وجعل الجنة منهما مع ما فيها من سائر الأشجار تغليبًا لهما لشرفهما وكثرة منافعهما، ثم ذكر أن فيها من كل الثمرات ليدل على احتوائها على سائر أنواع الأشجار، وليس في الفرع وأصله ذكر قوله له فيها من كل الثمرات بل قال بعد قوله: {جنة} إلى قوله: {تتفكّرون} أي تتفكّرون في الآيات فتعتبرون بها، ولأبي ذر {من نخيل وأعناب} إلى قوله: {تتفكّرون}.
- حدّثنا إبراهيم أخبرنا هشامٌ، عن ابن جريجٍ سمعت عبد اللّه بن أبي مليكة يحدّث عن ابن عبّاسٍ قال: وسمعت أخاه أبا بكر بن أبي مليكة يحدّث عن عبيد بن عميرٍ، قال: قال عمر -رضي الله عنه- يومًا لأصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فيم ترون هذه الآية نزلت {أيودّ أحدكم أن تكون له جنّةٌ}؟ قالوا: اللّه أعلم، فغضب عمر فقال: قولوا نعلم أو لا نعلم، فقال ابن عبّاسٍ: في نفسي منها شيءٌ يا أمير المؤمنين قال عمر: يا ابن أخي قل ولا تحقر نفسك، قال ابن عبّاسٍ: ضربت مثلًا لعملٍ قال عمر: أيّ عملٍ؟ قال ابن عبّاسٍ: لعملٍ قال عمر: لرجلٍ غنيٍّ يعمل بطاعة اللّه عزّ وجلّ ثمّ بعث اللّه له الشّيطان فعمل بالمعاصي حتّى أغرق أعماله فصرهنّ: قطّعهنّ.
وبه قال: (حدّثنا إبراهيم) بن موسى الفراء قال: (أخبرنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني (عن ابن جريج) بجيمين بينهما راء مفتوحة فتحتية ساكنة عبد العزيز بن عبد الملك أنه قال: (سمعت عبد الله بن أبي مليكة يحدث عن ابن عباس قال) ابن جريج: (وسمعت أخاه أبا بكر بن أبي مليكة يحدث عن عبيد بن عمير) بضم العين فيهما الليثي المكي أنه (قال: قال عمر) بن
الخطاب (رضي الله تعالى عنه يومًا لأصحاب النبي صلّى اللّه عليه وسلّم: فيم) أي في أي شيء (ترون) بفتح الفوقية أي تعلمون ولأبي ذر ترون بضمها أي تظنون (هذه الآية نزلت {أيودّ أحدكم أن تكون له جنة} قالوا: الله أعلم، فغضب عمر).
فإن قلت: ما وجه غضبه مع كونهم وكلوا العلم إلى الله تعالى؟ أجيب: بأنه سألهم عن تعيين ما عندهم في نزول الآية ظنًّا أو علمًا على اختلاف الروايتين فأجابوا بجواب يصلح صدوره من العالم بالشيء والجاهل به فلم يحصل المقصود.
(فقال) عمر: (قولوا نعلم أو لا نعلم) لنعرف ما عندكم (فقال ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما (في نفسي منها شيء) من العلم (يا أمير المؤمنين. قال) وفي غير الفرع كأصله فقال (عمر) له: (يا ابن أخي قل ولا تحقّر نفسك) بفتح الفوقية وسكون الحاء المهملة وكسر القاف (قال ابن عباس: ضربت مثلًا لعمل. قال عمر: أيّ عمل) برفع أيّ وجرها (قال ابن عباس: لعمل) وفي الفرع فقط ضربت لعمل (قال عمر: لرجل غني) ضد فقير (يعمل بطاعة الله عز وجل، ثم بعث الله له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أغرق) بفتح الهمزة وسكون الغين المعجمة أي أضاع (أعماله) الصالحة بما ارتكب من المعاصي واحتاج إلى شيء من الطاعات في أهمّ أحواله فلم يحصل له منه شيء وخانه أحوج ما كان إليه، ولذا قال: {وأصابه الكبر} أي كبر السن فإن الفاقة في الشيخوخة أصعب {وله ذرية ضعفاء} صغار لا قدرة لهم على الكسب، {فأصابها إعصار} وهو الريح الشديد {فيه نار فاحترقت} ثماره وأبادت أشجاره.
وأخرج ابن المنذر الحديث من وجه آخر عن ابن أبي مليكة فقال بعد قوله أي عمل؟ قال ابن عباس: شيء ألقي في روعي، فقال: صدقت يا ابن عباس يا ابن أخي عني بها العمل ابن آدم أفقر ما يكون إلى جنته إذا كبر سنه وكثر عياله وابن آدم أفقر ما يكون إلى عمله يوم يبعث الحديث. وضرب المثل بما ذكر لكشف المعنى الممثل له ورفع الحجاب عنه وأبرزه في صورة المشاهد المحسوس ليساعد فيه الوهم العقل ويصالحه عليه، فإن المعنى الصرف وإنما يدركه العقل مع منازعة من الوهم لأن من طبعه ميل
[إرشاد الساري: 7/45]
الحس وحب المحاكاة، ولذلك شاعت الأمثال في الكتب الإلهية وفشت في عبارات البلغاء وإشارات الحكماء قاله البيضاوي ({فصرهن}) بضم الصاد (قطعهن) كذا في الفرع كأصله وسقط ذلك لأبي ذر). [إرشاد الساري: 7/46]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله: {إعصارٌ} قال: السّموم الشّديدة). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 71]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أيودّ أحدكم أن تكون له جنّةٌ من نخيل وأعنابٍ تجري من تحتها الأنهار له فيها من كلّ الثّمرات وأصابه الكبر وله ذرّيّةٌ ضعفاء فأصابها إعصارٌ فيه نارٌ فاحترقت كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات لعلّكم تتفكّرون}.
يعني تعالى ذكره {يا أيّها الّذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمنّ والأذى كالّذي ينفق ماله رئاء النّاس ولا يؤمن باللّه واليوم الآخر فمثله كمثل صفوانٍ عليه ترابٌ فأصابه وابلٌ فتركه صلدًا لا يقدرون على شيءٍ ممّا كسبوا} {أيودّ أحدكم أن تكون له جنّةٌ من نخيل وأعنابٍ تجري من تحتها الأنهار له فيها من كلّ الثّمرات...} الآية.
[جامع البيان: 4/679]
ومعنى قوله: {أيودّ أحدكم} أيحبّ أحدكم أن تكون له جنّةٌ يعني بستانًا من نخيل وأعنابٍ تجري من تحتها الأنهار يعني من تحت الجنّة وله فيها من كلّ الثّمرات، يعنى: لأحدكم فى تلك الجنه من كل الثمرات والهاء في قوله: {له} عائدةٌ على أحدٍ، والهاء والألف في: {فيها} على الجنّة، {وأصابه} يعني وأصاب أحدكم الكبر، {وله ذرّيّةٌ ضعفاء}.
وإنّما جعل جلّ ثناؤه البستان من النّخيل والأعناب، الّذي قال جلّ ثناؤه لعباده المؤمنين: أيودّ أحدكم أن تكون له مثلاً لنفقة المنافق الّتي ينفقها رياء النّاس، لا ابتغاء مرضاة اللّه، فالنّاس له بما يظهر لهم من صدقته، وإعطائه لما يعطى وعمله الظّاهر، يثنون عليه ويحمدونه فعمله ذلك له أيّام حياته في حسنه كحسن البستان وهي الجنّة الّتي ضربها اللّه عزّ وجلّ لعمله مثلاً من نخيل وأعنابٍ، له فيها من كلّ الثّمرات؛ لأنّ عمله ذلك الّذي يعمله في الظّاهر في الدّنيا له فيها من كلّ خيرٍ من عاجل الدّنيا، يدفع به عن نفسه ودمه وماله وذرّيّته، ويكتسب به المحمدة وحسن الثّناء عند النّاس، ويأخذ به سهمه من المغنم مع أشياء كثيرةٍ يكثر إحصاؤها، فله في ذلك من كلّ خيرٍ في الدّنيا، كما وصف مثلاً بعمله، بأنّ فيها من كلّ الثّمرات،
[جامع البيان: 4/680]
ثمّ قال جلّ ثناؤه: {وأصابه الكبر وله ذرّيّةٌ ضعفاء} يعني أنّ صاحب الجنّة أصابه الكبر وله ذرّيّةٌ ضعفاء صغارٌ أطفالٌ، {فأصابها} يعني فأصاب الجنّة إعصارٌ فيه نارٌ {فاحترقت} يعني بذلك أنّ جنّته تلك أحرقتها الرّيح الّتي فيها النّار في حال حاجته إليها، وضرورته إلى ثمرتها بكبره وضعفه عن عمارتها، وفي حال صغر ولده وعجزهم عن إحيائها والقيام عليها، فبقي لا شيء له، أحوج ما كان إلى جنّته وثمارها بالآفة الّتي أصابتها من الإعصار الّذي فيه النّار، يقول: فكذلك المنفق ماله رياء النّاس، أطفأ اللّه نوره، وأذهب نماء عمله، وأحبط أجره حين لقيه، وعاد إليه أحوج ما كان إلى عمله، حين لا مستعتب له ولا إقالة من ذنوبه ولا توبة، واضمحلّ عمله كما احترقت الجنّة الّتي وصف جلّ ثناؤه صفتها عند كبر صاحبها وطفولة ذرّيّة أحوج ما كان إليها فبطلت منافعها عنه.
وهذا المثل الّذي ضربه اللّه للمنفقين أموالهم رياء النّاس في هذه الآية نظير المثل الآخر الّذي ضربه لهم بقوله: {فمثله كمثل صفوان عليه ترابٌ فأصابه وابلٌ فتركه صلدًا لا يقدرون على شيءٍ ممّا كسبوا}.
وقد تنازع أهل التّأويل في تأويل هذه الآية، إلاّ أنّ معاني قولهم في ذلك وإن اختلفت تصاريفهم فيها عائدةٌ إلى المعنى الّذي قلنا في ذلك، وأحسنهم إبانةً لمعناها وأقربهم إلى الصّواب قولاً فيها السّدّيّ.
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ،
[جامع البيان: 4/681]
عن السّدّيّ، {أيودّ أحدكم أن تكون له جنّةٌ من نخيلٍ وأعنابٍ تجري من تحتها الأنهار له فيها من كلّ الثّمرات وأصابه الكبر وله ذرّيّةٌ ضعفاء فأصابها إعصارٌ فيه نارٌ فاحترقت} هذا مثلٌ آخر لنفقة الرّياء، أنّه ينفق ماله يرائي النّاس، فيذهب ماله منه وهو يرائي، فلا يأجره اللّه فيه، فإذا كان يوم القيامة واحتاج إلى نفقته، وجدها قد أحرقها الرّياء، فذهبت كما أنفق هذا الرّجل على جنّته، حتّى إذا بلغت وكثر عياله واحتاج إلى جنّته جاءت ريحٌ فيها سمومٌ فأحرقت جنّته، فلم يجد منها شيئًا، فكذلك المنفق رياءً.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه عزّ وجلّ: {أيودّ أحدكم أن تكون له جنّةٌ من نخيل وأعنابٍ} كمثل المفرّط في طاعة اللّه حتّى يموت، قال: يقول: أيودّ أحدكم أن يكون له دنيا لا يعمل فيها بطاعة اللّه، كمثل هذا الّذي له جنّاتٌ تجري من تحتها الأنهار له فيها من كلّ الثّمرات، وأصابه الكبر، وله ذرّيّةٌ ضعفاء، فأصابها إعصارٌ فيه نارٌ فاحترقت، فمثله بعد موته كمثل هذا حين أحرقت جنّته وهو كبيرٌ، لا يغني عنها شيئًا، وولده صغارٌ لا يغنون عنها شيئًا، وكذلك المفرّط بعد الموت كلّ شيءٍ عليه حسرةٌ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثله.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن عبد الملك،
[جامع البيان: 4/682]
عن عطاءٍ، قال: سأل عمر النّاس عن هذه الآية، فما وجد أحدًا يشفيه، حتّى قال ابن عبّاسٍ وهو خلفه: يا أمير المؤمنين إنّي أجد في نفسي منها شيئًا، قال: فتلفّت إليه، فقال: تحوّل هاهنا، لم تحقر نفسك؟ قال: هذا مثلٌ ضربه اللّه عزّ وجلّ فقال: أيودّ أحدكم أن يعمل عمره بعمل أهل الخير وأهل السّعادة، حتّى إذا كان أحوج ما يكون إلى أن يختمه بخيرٍ حين فني عمره، واقترب أجله، ختم ذلك بعملٍ من عمل أهل الشّقاء فأفسده كلّه فحرقه أحوج ما كان إليه.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن محمّد بن سليمٍ، عن ابن أبي مليكة، أنّ عمر، تلا هذه الآية: {أيودّ أحدكم أن تكون له جنّةٌ من نخيل وأعنابٍ} قال: هذا مثلٌ ضرب لإنسانٍ يعمل عملاً صالحًا، حتّى إذا كان عنده آخر عمره أحوج ما يكون إليه، عمل عمل السّوء.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويدٌ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن ابن جريجٍ، قراءة قال: سمعت أبا بكر بن أبي مليكة، يخبر عن عبيد بن عميرٍ، أنّه سمعه يقول: سأل عمر أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: فيم ترون أنزلت {أيودّ أحدكم أن تكون له جنّةٌ من نخيل وأعنابٍ}؟ فقالوا: اللّه أعلم، فغضب عمر، فقال: قولوا نعلم أو لا نعلم فقال ابن عبّاسٍ: في نفسي منها شيءٌ يا أمير المؤمنين، فقال عمر: قل يا ابن أخي ولا تحقر نفسك، قال ابن عبّاسٍ: ضربت مثلاً لعملٍ، قال عمر: أيّ عملٍ؟ قال: لعملٍ، فقال عمر: رجلٌ عني بعمل الحسنات، ثمّ بعث اللّه له الشّيطان، فعمل بالمعاصي حتّى أغرق أعماله كلّها قال: وسمعت عبد اللّه بن أبي مليكة يحدّث نحو هذا عن ابن عبّاسٍ، سمعه منه.
[جامع البيان: 4/683]
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: سمعت أبا بكر بن أبي مليكة يخبر أنّه سمع عبيد بن عميرٍ، قال: ابن جريجٍ: وسمعت عبد اللّه بن أبي مليكة، قال: سمعت ابن عبّاسٍ، قالا جميعًا: إنّ عمر بن الخطّاب سأل أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فذكر نحوه، إلاّ أنّه قال: فقال عمر: الرّجل يعمل بالحسنات، ثمّ يبعث الله له الشّيطان فيعمل بالمعاصي.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: سألت عطاءً عنها فقال مثل.
- قال ابن جريجٍ: وأخبرني عبد اللّه بن كثيرٍ، عن مجاهدٍ، قال: ضربت مثلاً للأعمال.
- قال ابن جريجٍ:
[جامع البيان: 4/684]
وقال ابن عبّاسٍ: ضربت مثلاً للعمل يبدأ فيعمل عملاً صالحًا، فيكون مثلاً للجنّة الّتي من نخيل وأعنابٍ تجري من تحتها الأنهار، له فيها من كلّ الثّمرات، ثمّ يسيء في آخر عمره، فيتمادى فى الإساءة حتّى يموت على ذلك، فيكون الإعصار الّذي فيه النّار الّتي أحرقت الجنّة، مثلاً لإساءته الّتي مات وهو عليها.
قال ابن عبّاسٍ: الجنّة عيشه وعيش ولده فاحترقت، فلم يستطع أن يدفع عن جنّته من أجل كبره، ولم يستطع ذرّيّته أن يدفعوا عن جنّتهم من أجل صغرهم حتّى احترقت، يقول: هذا مثله يلقّانى وهو أفقر ما يكون إليّ، فلا يجد له عندي شيئًا، ولا يستطيع أن يدفع عن نفسه من عذاب اللّه شيئًا، ولا يستطيع من كبره وصغر أولاده أن يعملوا جنّةً، كذلك لا توبة إذا انقطع العمل حين مات.
- قال ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: سمعت ابن عبّاسٍ قال: هو مثل المفرّط في طاعة اللّه حتّى يموت.
- قال ابن جريجٍ: وقال مجاهدٌ: أيودّ أحدكم أن تكون له دنيا لا يعمل فيها بطاعة اللّه، كمثل هذا الّذي له جنّةٌ، فمثله بعد موته كمثل هذا حين أحرقت جنّته وهو كبيرٌ لا يغني عنها شيئًا وأولاده صغارٌ ولا يغنون عنه شيئًا، وكذلك المفرّط بعد الموت كلّ شيءٍ عليه حسرةٌ.
[جامع البيان: 4/685]
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {أيودّ أحدكم أن تكون له جنّةٌ من نخيل وأعنابٍ تجري من تحتها الأنهار}، الآية، يقول: أصابها ريحٌ فيها سمومٌ شديدةٌ، كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات لعلّكم تتفكّرون، فهذا مثلٌ، فاعقلوا عن اللّه جلّ وعزّ أمثاله، فإنّه قال: {وتلك الأمثال نضربها للنّاس وما يعقلها إلاّ العالمون} هذا رجلٌ كبرت سنّه ورقّ عظمه وكثر عياله، ثمّ احترقت جنّته على بقيّة ذلك كأحوج ما يكون إليه، يقول: أيحبّ أحدكم أن يضلّ عنه عمله يوم القيامة كأحوج ما يكون إليه؟.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {أيودّ أحدكم أن تكون له جنّةٌ} إلى قوله: {فاحترقت} يقول: فذهبت جنّته عند أعوج ما كان إليها حين كبرت سنّه وضعف عن الكسب، وله ذرّيّةٌ ضعفاء لا ينفعونه قال: وكان الحسن يقول: فاحترقت فذهبت أحوج ما كان إليها، فذلك قوله: أيودّ أحدكم أن يذهب عمله أحوج ما كان إليه؟.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي،
[جامع البيان: 4/686]
قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: ضرب اللّه مثلاً حسنًا، وكلّ أمثاله حسنٌ تبارك وتعالى، وقال: قال {أيودّ أحدكم أن تكون له جنّةٌ من نخيل} إلى قوله: {فيها من كلّ الثّمرات} يقول: صنعه في شبيبته فأصابه الكبر وله ذرّيّةٌ ضعفاء عند آخر عمره، فجاءه إعصارٌ فيه نارٌ، فأحرق بستانه، فلم يكن عنده قوّةٌ أن يغرس مثله، ولم يكن عند نسله خيرٌ يعودون عليه، وكذلك الكافر يوم القيامة إذا ردّ إلى اللّه تعالى ليس له خيرٌ فيستعتب كما ليس له قوّةٌ فيغرس مثل بستانه، ولا يجده خيرًا قدّم لنفسه خيرا يعود عليه، كما لم يغن عن هذا ولده وحرم أجره عند أفقر ما كان إليه كما حرم هذا جنّته عند أفقر ما كان إليها عند كبره وضعف ذرّيّته، وهو مثلٌ ضربه اللّه للمؤمن والكافر فيما أوتيا في الدّنيا، كيف نجّى المؤمن في الآخرة، وذخر له من الكرامة والنّعيم، وخزن عنه المال في الدّنيا، وبسط للكافر في الدّنيا من المال ما هو منقطعٌ، وخزن له من الشّرّ ما ليس بمفارقه أبدًا ويخلد فيها مهانًا، من أجل أنّه فخر على صاحبه ووثق بما عنده ولم يستيقن أنّه ملاقٍ ربّه.
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ،
[جامع البيان: 4/687]
عن أبيه، عن الرّبيع: {أيودّ أحدكم أن تكون، له جنّةٌ}، الآية، قال: هذا مثلٌ ضربه الرجل له جنّةٌ من نخيلٍ وأعنابٍ، {فيها من كلّ الثّمرات} والرّجل قد كبر سنّه وضعف وله أولادٌ ضعاف، وابتلاهم اللّه في جنّتهم، فبعث اللّه عليها إعصارًا فيه نارٌ فاحترقت، فلم يستطع الرّجل أن يدفع عن جنّته من الكبر، ولا ولده لصغرهم، فذهبت جنّته أحوج ما كان إليها، يقول: أيحبّ أحدكم أن يعيش في الضّلالة والمعاصي حتّى يأتيه الموت، فيجيء يوم القيامة قد ضلّ عنه عمله أحوج ما كان إليه؟ فيقول ابن آدم: أتيتني أحوج ما كنت قطّ إلى خيرٍ، فأين ما قدّمت لنفسك؟.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: وقرأ قول اللّه عزّ وجلّ {يا أيّها الّذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمنّ والأذى} قال: ثمّ ضرب ذلك مثلاً، فقال: {أيودّ أحدكم أن تكون له جنّةٌ من نخيل وأعنابٍ} حتّى بلغ {فأصابها إعصارٌ فيه نارٌ فاحترقت} قال: جرت أنهارها وثمارها، وله ذرّيّةٌ ضعفاء، فأصابها إعصارٌ فيه نارٌ فاحترقت، أيودّ أحدكم هذا؟ فما يحمل أحدكم أن يخرج من صدقته ونفقته حتّى إذا كان له عندي جنّةٌ وجرت أنهارها وثمارها، وكانت لولده وولد ولده أصابها ريح إعصارٍ فحرّقها.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا أبو زهيرٌ،
[جامع البيان: 4/688]
عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، في قوله: {أيودّ أحدكم أن تكون له جنّةٌ من نخيل وأعنابٍ تجري من تحتها الأنهار} رجلٌ غرس بستانًا فيه من كلّ الثّمرات، فأصابه الكبر وله ذرّيّةٌ ضعفاء، فأصابها إعصارٌ فيه نارٌ فاحترقت، فلا يستطيع أن يدفع عن بستانه من كبره، ولم يستطع ذرّيّته أن يدفعوا عن بستانهم من صغرهم فاحترق بستانه، فذهبت معيشته ومعيشة ذرّيّته، فهذا مثلٌ ضربه اللّه للكافرٍ، يقول: يلقاني يوم يلقاني وهو كأحوج ما يكون إلى خيرٍ يصيبه، فلا يجد له عندي خيرًا ولا يستطيع أن يدفع عن نفسه من عذاب اللّه شيئًا.
وإنّما قلنا: أنّ الّذي هو أولى بتأويل ذلك ما ذكرناه، لأنّ اللّه جلّ ثناؤه تقدّم إلى عباده المؤمنين بالنّهي عن المنّ والأذى في صدقاتهم، ثمّ ضرب مثلاً لمن منّ وآذى منّ تصدّق عليه بصدقةٍ، فمثله بالمرائي من المنافقين، المنفقين أموالهم رياء النّاس، وكانت قصّة هذه الآية وما فيها من المثل نظيرة ما ضرب لهم من المثل قبلها، فكان إلحاقها بنظيرتها أولى من حمل تأويلها على أنّه مثلٌ ما لم يجر له ذكرٌ قبلها ولا معها.
فإن قال لنا قائلٌ: وكيف قيل: {وأصابه الكبر} وهو فعلٌ ماضٍ فعطف به على قوله {أيودّ أحدكم}؟
قيل: إنّ ذلك كذلك؛ لأنّ قوله: {أيودّ} يصحّ أن يوضع فيه لو مكان أن فلمّا صلحت بلو وأنّ ومعناهما جميعًا الاستقبال، استجازت العرب أن يردّوا فعل بتأويل لو على يفعل مع أن فلذلك قال: فأصابها، وهو في مذهبه بمنزلة لو إذ ضارعت أن في معنى الجزاء، فوضعت في مواضعها، وأجيبت أن بجواب لو ولو بجواب أن،
[جامع البيان: 4/689]
فكأنّه قيل: أيودّ أحدكم لو كانت له جنّةٌ من نخيل وأعنابٍ، تجري من تحتها الأنهار، له فيها من كلّ الثّمرات وأصابه الكبر.
وإن قال: وكيف قيل هاهنا: وله ذرّيّةٌ ضعفاء وقال في النّساء: {وليخش الّذين لو تركوا من خلفهم ذرّيّةً ضعافًا}؟
قيل: إنّ فعيلاً يجمع على فعلاء وفعالٍ فيقال: رجلٌ كريم وقوم كرام وكرماء ورجلٌ ظريفٌ من قومٍ ظرفاء وظرافٍ.
وأمّا الإعصار: فإنّه الرّيح العاصف، تهبّ من الأرض إلى السّماء كأنّها عمودٌ، تجمع أعاصير، ومنه قول يزيد بن مفرّغ الحميريّ:
أناسٌ أجارونا فكان جوارهم = أعاصير من فسو العراق المبذّر
واختلف أهل التّأويل في تأويل قوله: {إعصارٌ فيه نارٌ فاحترقت} فقال بعضهم: معنى ذلك: ريحٌ فيها سمومٌ شديدةٌ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عبد اللّه بن بزيعٍ، قال: حدّثنا يوسف بن خالدٍ السّمتيّ، قال: حدّثنا نافع بن مالكٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {إعصارٌ فيه نارٌ} ريحٌ فيها سمومٌ شديدةٌ.
[جامع البيان: 4/690]
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن عطيّة، قال: حدّثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن التّميميّ، عن ابن عبّاسٍ، في: {إعصارٌ فيه نارٌ} قال: السّموم الحارّة الّتي خلق منها الجانّ الّتي تحرق.
- حدّثنا أحمدٌ بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا شريكٌ، عن أبي إسحاق، عن التّميميّ، عن ابن عبّاسٍ، {فأصابها إعصارٌ فيه نارٌ فاحترقت} قال: هي السّموم الحارّة التى لا تذر أحد.
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا الحمّانيّ، قال: حدّثنا شريكٌ، عن أبي إسحاق، عن التّميميّ، عن ابن عبّاسٍ: {إعصارٌ فيه نارٌ فاحترقت} قال: هى السموم الّتي تقتل.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عمّن ذكره، عن عبد الله، قال: إنّ السّموم الّتي خلق منها الجانّ جزءٌ من سبعين جزءًا من النّار.
[جامع البيان: 4/691]
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {إعصارٌ فيه نارٌ فاحترقت} هي ريحٌ فيها سمومٌ شديدةٌ.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ: {إعصارٌ فيه نارٌ} قال: سمومٌ شديدٌ.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {إعصارٌ فيه نارٌ} يقول: أصابها ريحٌ فيها سمومٌ شديدةٌ.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، نحوه.
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {إعصارٌ فيه نارٌ فاحترقت} أمّا الإعصار فالرّيح، وأمّا النّار فالسّموم.
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: {إعصارٌ فيه نارٌ} يقول: ريحٌ فيها سمومٌ شديدٌ.
وقال آخرون: هي ريحٌ فيها بردٌ شديدٌ.
[جامع البيان: 4/692]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، قال: كان الحسن يقول في قوله: {إعصارٌ فيه نارٌ فاحترقت}: فيها صرٌّ بردٌ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا أبو زهيرٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك: {إعصارٌ فيه نارٌ فاحترقت} يعني بالإعصار ريحًا فيها بردٌ). [جامع البيان: 4/693]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات لعلّكم تتفكّرون}.
يعني بذلك جلّ ثناؤه: كما بيّن لكم ربّكم تبارك وتعالى أمر النّفقة في سبيله، وكيف وجهها، وما لكم وما ليس لكم فعله فيها، كذلك يبيّن لكم الآيات سوى ذلك، فيعرّفكم أحكامها وحلالها وحرامها، ويوضّح لكم حججها، إنعامًا منه بذلك عليكم {لعلّكم تتفكّرون} يقول: لتتفكّروا بعقولكم فتتدبّروا وتعتبروا بحجج اللّه فيها، وتعملوا بما فيها من أحكامها، فتطيعوا اللّه به.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
[جامع البيان: 4/693]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، قال: قال مجاهدٌ: {لعلّكم تتفكّرون} قال: تطيعون.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ: {كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات لعلّكم تتفكّرون} يعني في زوال الدّنيا وفنائها، وإقبال الآخرة وبقائها.
فهذا ما رواه أهل التأويل وغيرهم والله أعلم). [جامع البيان: 4/694]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (أيودّ أحدكم أن تكون له جنّةٌ من نخيلٍ وأعنابٍ تجري من تحتها الأنهار له فيها من كلّ الثّمرات وأصابه الكبر وله ذرّيّةٌ ضعفاء فأصابها إعصارٌ فيه نارٌ فاحترقت كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات لعلّكم تتفكّرون (266)
قوله تعالى: أيودّ أحدكم
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن جعفرٍ عن أبيه عن الرّبيع، في قوله: أيودّ أحدكم يقول: أيحبّ أحدكم أن يعيش في الضّلالة والمعاصي، حتّى يأتيه الموت فيجيء يوم القيامة قد ضلّ عنه عمله، أحوج ما كان إليه، فيقول: ابن آدم: أتيتني أحوج ما كنت إلى خيرٍ قطّ، فأرني ما قدّمت لنفسك). [تفسير القرآن العظيم: 1/522]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: أن تكون له جنّةٌ من نخيل وأعنابٍ
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ، قوله: أيودّ أحدكم أن تكون له جنّةٌ قال: دنيا لا يعمل فيها بطاعة اللّه، كمثل الّذي له جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار، فمثله بعد موته كمثل هذا حين احترقت جنّته وهو كبيرٌ، لا يغني عنها شيئًا، وولده صغارٌ، لا يغنون عنه شيئًا، كذلك المفرّط، بعد الموت كلّ شيءٍ عليه حسرةٌ.
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، ثنا عمّي الحسين، عن أبيه، عن جدّه، عن ابن عبّاسٍ في قوله: أيودّ أحدكم أن تكون له جنّةٌ من نخيلٍ وأعنابٍ تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثّمرات يقول: صنعه في شبيبته.
- حدّثنا أبي، ثنا إبراهيم بن موسى، أنا هشام بن يوسف، عن ابن جريجٍ، قال: وسمعت عبد اللّه بن أبي مليكة، يحدّث عن ابن عبّاسٍ، وسمعت أبا بكر ابن أبي مليكة يحدّث عن عبيد بن عميرٍ، قال: قال عمر يومًا لأصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: فيم ترون هذه الآية نزلت أيودّ أحدكم أن تكون له جنّةٌ؟
قالوا: اللّه أعلم. فغضب عمر فقال: قولوا: نعلم، أو لا نعلم، فقال ابن عبّاسٍ:
[تفسير القرآن العظيم: 2/522]
في نفسي منها شيءٌ يا أمير المؤمنين. فقال عمر: ابن أخي: قل ولا تحتقر نفسك، فقال ابن عبّاسٍ: ضربت مثلا لعملٍ. قال عمر: أيّ عملٍ؟ قال ابن عبّاسٍ: لعملٍ. قال عمر: لرجلٍ غنيٍّ يعمل بطاعة اللّه، ثمّ بعث اللّه له الشّيطان، فعمل بالمعاصي، حتّى أغرق أعماله.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا صفوان ثنا الوليد، ثنا شعيب بن رزيع عن عطاءٍ الخراسانيّ، عن عكرمة أيودّ أحدكم أن تكون له جنّةٌ من نخيلٍ وأعنابٍ قال: هذا مثلٌ لرجلٍ يعمل بالإيمان ويحسن العمل والصّدقة والنّفقة، حتّى إذا كان عند خاتمة عمله، وحضور أجله، أشرك وأصاب كبيرةً من الكبائر، فأحبط اللّه عمله، وهو كافرٌ.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ أيودّ أحدكم أن تكون له جنّةٌ من نخيلٍ وأعنابٍ تجري من تحتها الأنهار له فيها من كلّ الثّمرات هذا مثلٌ آخر لنفقة الرّياء، أنّه ينفق ماله يرائي النّاس فيذهب ماله منه وهو يرائي فلا يأجره اللّه فيه، فإذا كان يوم القيامة، واحتاج إلى نفقته، وجدها قد أحرقها الرّياء، فذهبت كما أنفق هذا الرّجل على جنّته). [تفسير القرآن العظيم: 1/523]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: له فيها من كلّ الثّمرات
- حدّثنا محمّد بن حمّادٍ الطّهرانيّ، أبنا حفص بن عمر العدنيّ ثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة، قوله: فيها من كلّ الثّمرات فما في الدّنيا من شجرةٍ إلا وهي في الجنّة، حتّى الحنظل). [تفسير القرآن العظيم: 1/523]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: وأصابه الكبر وله ذرّيّةٌ ضعفاء
- حدّثني أبي ثنا عليّ بن محمّدٍ الطّنافسيّ، ثنا نحيى بن آدم، عن شريكٍ، عن عبد الملك، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ وله ذرّيّةٌ ضعفاء قال مثلٌ ضرب.
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، ثنا أبي، ثنا عمّي الحسين، عن أبيه، عن جدّه، عن ابن عبّاسٍ، قال: ضرب اللّه مثلا حسنًا وكلّ أمثاله حسنٌ، قال: أيودّ أحدكم أن تكون له جنّةٌ من نخيلٍ وأعنابٍ تجري من تحتها الأنهار له فيها من كلّ الثمرات يقول: صنعة في شبيبته، ف أصابه الكبر، وولده وذرّيّته ضعافٌ عن
[تفسير القرآن العظيم: 2/523]
آخر عمره، فجاءه إعصارٌ فيه نارٌ، فاحترق بستانه، فلم يكن عنده قوّةٌ أن يغرس مثله ولم يكن عند نسله خيرٌ، يعودون به عليه، وكذلك الكافر يوم القيامة إذا ردّ إلى اللّه ليس له خيرٌ، فيستعتب. كما ليس لهذا قوّةٌ فيغرس مثل بستانه، ولا يجده قدّم لنفسه خيرًا، يعود عليه، كما لم يغن هذا عن ولده، وحرم أجره، عند أفقر ما كان إليه، كما حرم هذا جنّة اللّه عند أفقر ما كان إليه عند كبره وضعف ذرّيّته، وهو مثلٌ ضربه اللّه للمؤمن والكافر، فيما أوتيا في الدّنيا. كيف نجّي المؤمن في الآخرة، وذخر له من الكرامة والنّعيم، وخزن عنه المال في الدّنيا، وبسط للكافر في الدّنيا من المال، ما هو منقطعٌ له من الشّرّ ما ليس بمفارقه أبدًا، يخلد فيه مهانًا، من أجل أنّه فخر على صاحبه ووثق بما عنده، ولم يستيقن أنّه ملاقٍ ربه). [تفسير القرآن العظيم: 1/524]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: فأصابها إعصار
[الوجه الأول]
- حدّثني أبي، ثنا قبيصة، ثنا سفيان، عن هارون بن عنترة، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: إعصارٌ قال: ريحٌ.
وروي عن السّدّيّ والرّبيع بن أنسٍ، نحو ذلك.
والوجه الثّاني:
- الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق، أنبأ معمرٌ، قال: كان الحسن يقول فأصابها إعصارٌ يقول: صرٌّ، بردٌ). [تفسير القرآن العظيم: 1/524]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: فيه نارٌ
- حدّثنا أبي، ثنا قبيصة، ثنا سفيان، عن هارون بن عنترة، عن أبيه عن ابن عبّاسٍ، في قوله: فيه نارٌ قال: ريحٌ فيها سمومٌ شديدةٌ وروي عن السّدّيّ.
ومجاهدٍ والرّبيع بن أنسٍ، نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/524]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: فاحترقت
[الوجه الأول]
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق، أنبأ معمرٌ، عن الحسن، قوله: فاحترقت قال: فذهبت أحوج ما كان إليها، فذلك يقول: أيودّ أحدكم أن يذهب عمله، أحوج ما كان إليه.
[تفسير القرآن العظيم: 2/524]
والوجه الثّاني:
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي ثنا عمّي الحسين، عن أبيه، عن جدّه عن ابن عبّاسٍ قوله: فاحترقت قال: فاحترق بستانه). [تفسير القرآن العظيم: 1/525]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قول اللّه: كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات يعني ما ذكر). [تفسير القرآن العظيم: 1/525]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: لعلّكم تتفكّرون
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع أبنا عبد الرّزّاق عن الثّوريّ، قال قال مجاهدٌ: لعلّكم تتفكّرون: لعلّكم تطيعون.
- حدّثنا عليّ بن الحسن، ثنا محمّد بن عيسى، ثنا عمرو بن حمران ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات لعلّكم تتفكّرون: هذا مثلٌ ضربه اللّه فاعقلوا عن اللّه أمثاله، يقول: وتلك الأمثال نضربها للنّاس وما يعقلها إلا العالمون). [تفسير القرآن العظيم: 1/525]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، ثنا محمّد بن إسحاق الصّغانيّ، ثنا حجّاج بن محمّدٍ، عن ابن جريجٍ، سمعت ابن أبي مليكة، يخبر عن عبيد بن عميرٍ، أنّه سمعه يقول: سأل عمر أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: " ففيم ترون أنزلت: {أيودّ أحدكم أن تكون له جنّةٌ} [البقرة: 266] ؟ " فقالوا: اللّه أعلم. فغضب، فقال: " قولوا: نعلم أو لا نعلم ". فقال ابن عبّاسٍ: في نفسي منها شيءٌ يا أمير المؤمنين. فقال عمر: «قل يا ابن أخي، ولا تحقر نفسك». قال ابن عبّاسٍ: ضربت مثلًا لعملٍ. فقال عمر: «أيّ عملٍ؟» فقال: لعملٍ، فقال عمر: «رجلٌ غنيٌّ يعمل الحسنات، ثمّ بعث اللّه له الشّياطين، فعمل بالمعاصي، حتّى أغرق أعماله كلّها» هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين، ولم يخرّجاه "). [المستدرك: 2/311]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا بكر بن محمّد بن حمدان الصّيرفيّ بمرو، ثنا عبد الصّمد بن الفضل البلخيّ، ثنا قبيصة بن عقبة، ثنا سفيان، عن هارون بن عنترة، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، في قول اللّه عزّ وجلّ: {إعصارٌ فيه نارٌ} [البقرة: 266] قال: «ريحٌ فيها سمومٌ شديدٌ» هذا حديثٌ صحيح الإسناد، ولم يخرّجاه "). [المستدرك: 2/311]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ) عبيد بن عمير رحمه الله قال: قال عمر بن الخطاب يوماً لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: فيم ترون هذه الآية نزلت {أيودّ أحدكم أن تكون له جنّةٌ من نخيلٍ وأعنابٍ} [البقرة: 266] قالوا: الله أعلم فغضب
[جامع الأصول: 2/55]
عمر فقال: قولوا: نعلم، أو لا نعلم، فقال ابن عباس: في نفسي منها شيءٌ يا أمير المؤمنين، قال عمر: يا ابن أخي، قل ولا تحقر نفسك، قال ابن عبّاسٍ: ضربت مثلاً لعملٍ، قال عمر، أيّ عملٍ؟ قال ابن عباسٍ، لعملٍ، قال عمر: لرجلٍ غنيّ يعمل بطاعة الله، ثم بعث الله عزّ وجلّ له الشّيطان فعمل بالمعاصي حتّى أغرق أعماله " أخرجه البخاري.
[شرح الغريب]
(أغرق أعماله) الصالحة: أضاعها بما ارتكب من المعاصي). [جامع الأصول: 2/56]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {إعصارٌ فيه نارٌ} [البقرة: 266].
- عن ابن عبّاسٍ في قوله: {إعصارٌ فيه نارٌ فاحترقت} [البقرة: 266] قال: الإعصار: الرّيح الشّديد.
رواه أبو يعلى، وفيه محمّد بن السّائب الكلبيّ، وهو ضعيفٌ جدًّا). [مجمع الزوائد: 6/323]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (وقال أبو يعلى الموصليّ: ثنا أحمد الأخنسيّ-، ثنا محمّد بن فضيلٍ، ثنا الكلبيّ، عن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ- رضي الله عنه- "في قوله (إعصار، فيه نار فاحترقت) قال: الإعصار: الريح الشديد"). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/185]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال أبو يعلى: حدثنا أحمد الأخنسيّ، ثنا محمّد بن فضيلٍ، ثنا الكلبيّ عن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما، في قوله تعالى: {إعصارٌ فيه نارٌ}، (فقال): الإعصار، الرّيح الشديد). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 14/461] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن المبارك في الزهد، وعبد بن حميد والبخاري، وابن جرير، وابن أبي حاتم والحاكم عن ابن عباس قال: قال عمر يوما لأصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم: فيم ترون هذه الآية نزلت {أيود أحدكم أن تكون له جنة} قالوا: الله أعلم فغضب عمر فقال: قولوا: نعلم أو لا نعلم، فقال ابن عباس: في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين فقال: عمر: يا ابن أخي قل ولا تحقر نفسك، قال ابن عباس: ضربت مثلا لعمل، قال عمر: أي عمل قال ابن عباس: لعمل، قال عمر: لرجل غني يعمل بطاعة الله ثم بعث الله له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله
[الدر المنثور: 3/249]
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن ابن عباس قال: قال عمر بن الخطاب: قرأت الليلة آية أسهرتني {أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب} فقرأها كلها فقال: ما عنى بها فقال بعض القوم: الله أعلم فقال: إني أعلم أن الله أعلم ولكن إنما سألت إن كان عند أحد منكم علم وسمع فيها شيئا أن يخبر بما سمع فسكتوا، فرأني وأنا أهمس قال: قل يا ابن أخي ولا تحقر نفسك، قلت: عنى بها العمل، قال: وما عنى بها العمل قلت: شيء ألقي في روعي فقلته، فتركني وأقبل وهو يفسرها صدقت يا ابن أخي عنى بها العمل ابن آدم أفقر ما يكون إلى جنته إذا كبرت سنه وكثر عياله، وابن آدم أفقر ما يكون إلى عمله يوم القيامة صدقت يا ابن أخي.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: ضرب الله مثلا حسنا - وكل أمثاله حسن - قال {أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات} يقول: صنعه في شبيبته فأصابه الكبر وولده وذريته ضعفاء عند آخر عمره فجاءه إعصار فيه نار فاحترق بستانه فلم يكن عنده قوة أن يغرس مثله ولم يكن عند نسله خير يعودون به عليه فكذلك الكافر يوم القيامة إذا رد إلى الله ليس له خير فيستعتب كما ليس لهذا قوة فيغرس مثل بستانه ولا يجره قدم لنفسه خيرا يعود عليه كما لم يغن عن هذا ولده وحرم أجره عند أفقر ما كان إليه كما
[الدر المنثور: 3/250]
حرم هذا جنته عند أفقر ما كان إليها عند كبره وضعف ذريته.
وأخرج ابن جرير عن السدي في الآية قال: هذا مثل آخر لنفقة الرياء أنه ينفق ماله يرائي به الناس فيذهب ماله منه وهو يرائي فلا يأجره الله فيه فإذا كان يوم القيامة واحتاج إلى نفقته وجدها قد أحرقها الرياء فذهبت كما أنفق هذا الرجل على جنته حتى إذا بلغت وكثر عياله واحتاج إلى جنته جاءت ريح فيها سموم فأحرقت جنته فلم يجد منها شيئا.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن مجاهد في الآية قال: هذا مثل المفرط في طاعة الله حتى يموت مثله بعد موته كمثل هذا حين احترقت جنته وهو كبير لا يغني عنها وولده صغار لا يغنون عنه شيئا كذلك المفرط بعد الموت كل شيء عليه حسرة.
وأخرج ابن جرير عن ابن أبي مليكة، أن عمر تلا هذه الآية فقال: هذا مثل ضرب للإنسان يعمل عملا صالحا حتى إذا كان عند آخر عمره أحوج ما يكون إليه عمل عمل السوء.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال: ضربت مثلا للعمل يبدأ فيعمل عملا صالحا فيكون مثلا للجنة ثم يسيء في آخر عمره فيتمادى في
[الدر المنثور: 3/251]
الإساءة حتى يموت على ذلك فيكون الإعصار الذي فيه نار التي أحرقت الجنة مثلا لإساءته التي مات وهو عليها.
وأخرج عبد بن حميد عن عطاء قال: قال عمر: آية من كتاب الله ما وجدت أحدا يشفيني عنها قوله {أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب}
حتى فرغ من الآية، قال ابن عباس: يا أمير المؤمنين إني أجد في نفسي منها فقال له عمر: فلم تحقر نفسك فقال: يا أمير المؤمنين هذا مثل ضربه الله فقال: أيحب أحدكم أن يكون عمره يعمل بعمل أهل الخير وأهل السعادة حتى إذا كبرت سنه واقترب أجله ورق عظمه وكان أحوج ما يكون إلى أن يختم عمله بخير عمل بعمل أهل الشقاء فأفسد عمله فأحرقه، قال: فوقعت على قلب عمر وأعجبته.
وأخرج الطبراني في الأوسط والحاكم وحسنه عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو اللهم اجعل أوسع رزقك علي عند كبر سني وانقطاع عمري.
وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد وأبو يعلى، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والحاكم وصححه من طرق عن ابن عباس في قوله !
[الدر المنثور: 3/252]
{إعصار فيه نار} قال: ريح فيها سموم شديدة.
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس، أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله {إعصار} قال: الريح الشديدة، قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم أما سمعت قول الشاعر: فله في آثارهن خوار * وحفيف كأنه إعصار.
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون} قال: هذا مثل ضربه الله فاعقلوا عن الله أمثاله فإن الله يقول (و تلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون) (العنكبوت الآية 43) ). [الدر المنثور: 3/253]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 9 جمادى الأولى 1434هـ/20-03-2013م, 07:51 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآَتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {بربوةٍ} ربوة: ارتفاع من المسيل). [مجاز القرآن: 1/82]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ومثل الّذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات اللّه وتثبيتاً مّن أنفسهم كمثل جنّةٍ بربوةٍ أصابها وابلٌ فآتت أكلها ضعفين فإن لّم يصبها وابلٌ فطلٌّ واللّه بما تعملون بصيرٌ}
قال: {كمثل جنّةٍ بربوةٍ} وقال بعضهم {بربوة} و{بربوة} و{برباوة} و{برباوة} كلٌّ من لغات العرب وهو كله من الرابية وفعله: "ربا" "يربو".
قال: {فآتت أكلها ضعفين} وقال: {مختلفاً أكله} و"الأكل": هو: ما يؤكل. و"الأكل" هو الفعل الذي يكون منك. تقول: "أكلت أكلاً" و"أكلت أكلةً واحدةً" وإذا عنيت الطعام قلت: "أكلةً واحدةً"، قال:
ما أكلةٌ أكلتها بغنيمةٍ = ولا جوعةٌ أن جعتها بغرام
ففتح الألف لأنه يعني الفعل. ويدلك عليه "ولا جوعةٌ" وإن شئت ضممت "الأكلة" وعنيت به الطعام.
و[قال: {فإن لّم يصبها وابلٌ فطلٌّ}]
وتقول في "الوابل" وهو: المطر الشديد: "وبلت السماء و"أوبلت" مثل "مطرت" و"أمطرت"، و"طلّت" و"أطلّت" من "الطلّ"، و"غاثت" و"أغاثت" من "الغيث". وتقول: "وبلت الأرض" فهي "موبولةٌ" مثل "وثئت رجله" [و] لا يكون "وبلت" وقوله: {أخذاً وبيلا} من ذا يعني: شديدا). [معاني القرآن: 1/152-153]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (ابن عباس "كمثل جنة بربوة".
الحسن {بربوة}.
الأعمش وأبو عمرو {بربوة} ). [معاني القرآن لقطرب: 276]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله عز وجل "كمثل جنة بربوة" فإنهمي قولون سوى ما ذكرنا في القراءة؛ وقالوا في اللغة: الرباوة والرباة والربى، وقد ذكرناه؛ ربوة وربوة وربوة ثلاث لغات، والربوة، النبوة من الأرض والارتفاع؛ ويقال: ربوت الرابية صعدتها.
وقال المسيب:
وكأن غاربها رباوة مخرم = وتمد ثني جديلها بشراع
وأما قوله عز وجل {فإن لم يصبها وابل فطل} فالوابل: ما عظم من المطر، يقال: وبلت السماء، تبل وبلاً.
قال القطامي:
صافت تعمج أعتاق السيول بنا = من باكر سبط أو رائح يبل
ومن هذا اللفظ: وبل يوبل؛ وقال الله عز وجل {فذاقوا وبال أمرهم}؛ ورجل وبيل؛ أي سقيم، وقد وبل يوبل و{أخذًا وبيلا} أي متخمًا شديدًا، وطعام مستوبل؛ أي لا يستمرأ، والوبل: الوخم، قد وبل وبولاً.
وأما الطل: فما صغر منه؛ وهو الرذاذ؛ وقالوا: طلت السماء، تطل طلاً.
وقال عدي بن زيد:
عذب كما ذقت الجني من التفاح = إذ يسقيه برد الطل
[معاني القرآن لقطرب: 383]
[رواية محمد بن صالح]: تسقيه ببرد). [معاني القرآن لقطرب: 384]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({وتثبيتا من أنفسهم}: يثبتون أين يضعون أموالهم.
وقال آخرون تصديقا ويقينا من أنفسهم.

{جنة بربوة}: الربوة كلما ارتفع عن مسيل الماء.
{الوابل}: ما عظم من المطر.
{والطل}: ما صغر ويقال وبلت الأرض وطلت). [غريب القرآن وتفسيره: 99]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({وتثبيتاً من أنفسهم} أي: تحقيقا من أنفسهم.
(الربوة): الارتفاع. يقال: ربوة، وربوة أيضا.
(أكلها): ثمرها.
(الطّل): أضعف المطر). [تفسير غريب القرآن: 97]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (ثم ضرب الله لمن ينفق يريد ما عند الله ولا يمن ولا يؤذي مثلا فقال:
{ومثل الّذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات اللّه وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنّة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطلّ واللّه بما تعملون بصير}أي: ليطلب مرضاة الله وتثبيتا من أنفسهم، أي ينفقونها مقرين أنها مما يثيب اللّه عليها.
{كمثل جنّة بربوة} بفتح الراء وبربوة. بالضم - وبربوة - بالكسر - وبرباوة، وهذا وجه رابع.
والربوة: ما ارتفع من الأرض.
والجنة: البستان، وكل ما نبت وكثف وكثر، وستر بعضه بعضا فهو جنة - والموضع المرتفع إذا كان له ما يرويه من الماء فهو أكثر ريعا من المستفل، فأعلم اللّه عزّ وجلّ أن نفقة هؤلاء المؤمنين تزكو كما يزكو نبت هذه الجنة التي هي في مكان مرتفع.

{أصابها وابل} وهو: المطر العظيم القطر.
{فآتت أكله} أي: ثمرها، ويقرأ أكلها والمعنى واحد.
{ضعفين} أي: مثلين.
{فإن لم يصبها وابل فطلّ}.
و(الطّلّ) المطر الدائم الصّغار القطر الذي لا يكاد يسيل منه المثاعب.
ومعنى {واللّه بما تعملون بصير} أي: عليم، وإذا علمه جازى عليه والذي ارتفع عليه (فطلّ) أنه على معنى فإن لم يصبها وابل فالذي يصيبها طلّ). [معاني القرآن: 1/347-348]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال: {ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم}أي: وينفقونها مقرين ثابتين أنها مما يثيب الله عليه
قال الحسن: إذا أراد أن ينفق تثبت فان كان الله أمضى وإلا أمسك.
وقال قتادة: تثبيتا أي احتسابا.
وقال مجاهد: يتثبتون أين يضعون أموالهم أي زكواتهم.
وقال الشعبي: تصديقا ويقينا.
قال أبو جعفر: ولو كان كما قال مجاهد لكان وتثبيتا من تثبت كتكرمت تكرما.
وقول قتادة واحتسابا لا يعرف إلا أن يراد به أن أنفسهم تثبتهم محتسبة وهذا بعيد.
وقول الشعبي حسن أي تثبيتا من أنفسهم لهم على إنفاق ذلك في طاعة الله جل وعز يقال ثبت فلانا في هذا الأمر أي صححت عزمة وقويت فيه رأيه أثبته تثبيتا أي أنفسهم موقنة مصدقة بوعد الله على تثبتهم في ذلك). [معاني القرآن: 1/291-292]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {كمثل جنة بربوة}
قال مجاهد: هي الأرض المرتفعة المستوية أضعفت في ثمرها.
قال قتادة: بربوة يقول بنشز من الأرض قال وهذا مثل ضربه الله لعمل المؤمن يقول ليس لخيره خلف كما أنه ليس لخير هذه الجنة خلف على أي حال كان أن أصابها وابل وهو المطر الشديد وإن أصابها طل.
قال مجاهد: هو الندى.
وقيل مطر صغير في القدر يدوم.
قال محمد بن يزيد: أي فالطل يكفيها). [معاني القرآن: 1/292-293]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (والطل: المطر الخفيف). [ياقوتة الصراط: 182]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({وتثبيتا من أنفسهم} أي: تصديقا وتحقيقا.
الربوة: كل ما ارتفع من مسيل الماء، والضم والفتح والكسر في الراء لغات.
{أكلها} ثمرها.
والطل: كل ما صغر من نقط المطر). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 44]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الرَّبْوَةٍ}: ما ارتفع من الأرض.
{الطَّلٌّ}: ما صغر من القطر). [العمدة في غريب القرآن: 94]

تفسير قوله تعالى: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {أيودّ أحدكم أن تكون له جنّةٌ مّن نّخيلٍ وأعنابٍ...}
ثم قال بعد ذلك {وأصابه الكبر} ثم قال {فأصابها إعصارٌ فيه نارٌ فاحترقت} فيقول القائل: فهل يجوز في الكلام أن يقول: أتودّ أنّ تصيب مالا فضاع، والمعنى: فيضيع؟ قلت: نعم ذلك جائز في وددت؛ لأن العرب تلقاها مرّة بـ (أن) ومرّة بـ (لو) فيقولون: لوددت لو ذهبت عنا، [و] وددت أن تذهب عنا، فلمّا صلحت بلو وبأن ومعناهما جميعا الاستقبال استجازوا أن يردّوا فعل بتأويل لو، على يفعل مع أن،
فلذلك قال: فأصابها، وهي في مذهبه بمنزلة لو؛ إذ ضارعت إن بمعنى الجزاء فوضعت في مواضعها، وأجيبت إن بجواب لو، ولو بجواب إن؛ قال الله تبارك وتعالى: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنّ ولأمةٌ مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم} والمعنى - والله أعلم -: وإن أعجبتكم؛ ثم قال{ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا [من بعده يكفرون]} فأجيبت لئن بإجابة لو ومعناهما مستقبل.
ولذلك قال في قراءة أبيّ "ودّ الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلوا" ردّه على تأويل: ودّوا أن تفعلوا. فإذا رفعت (فيميلون) رددت على تأويل لو؛ كما قال الله تبارك وتعالى: {ودّوا لو تدهن فيدهنون} وقال أيضا {وتودّون أن غير ذات الشوكة تكون لكم} وربما جمعت العرب بينهما جميعا؛ قال الله تبارك وتعالى: {وما عملت من سوء تودّ لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا} وهو مثل جمع العرب بين ما وإن وهما جحد؛ قال الشاعر:

قد يكسب المال الهدان الجافي * بغير لا عصفٍ ولا اصطراف
وقال آخر:
ما إن رأينا مثلهن لمعشر* سود الرءوس فوالج وفيول
وذلك لاختلاف اللفظين يجعل أحدهما لغوا. ومثله قول الشاعر:
من النفر اللاء الذين إذا هم * تهاب اللئام حلقة الباب قعقعوا
ألا ترى أنه قال: اللاء الذين، ومعناهما الذين، استجيز جمعهما لاختلاف لفظهما، ولو اتفقا لم يجز.
لا يجوز ما ما قام زيد، ولا مررت بالذين الذين يطوفون. وأمّا قول الشاعر:

كماما امرؤٌ في معشرٍ غير رهطه * ضعيف الكلام شخصه متضائل
فإنما استجازوا الجمع بين ما وبين [ما] لأن الأولى وصلت بالكاف، - كأنها كانت هي والكاف اسماً واحدا - ولم توصل الثانية، واستحسن الجمع بينهما. وهو في قول الله {كلاّ لا وزر} كانت لا موصولةً، وجاءت الأخرى مفردة فحسن اقترانهما
فإذا قال القائل: (ما ما قلت بحسنٍ) جاز ذلك على غير عيب؛ لأنه
يجعل ما الأولى جحدا والثانية في مذهب الذي. [وكذلك لو قال: من من عندك؟ جاز؛ لأنه جعل من الأول استفهاما، والثاني على مذهب الذي]. فإذا اختلف معنى الحرفين جاز الجمع بينهما.
وأمّا قول الشاعر:
* كم نعمةٍ كانت لهاكم كم وكم *
إنما هذا تكرير حرف، لو وقعت على الأوّل أجزأك من الثاني. وهو كقولك للرجل: نعم نعم، تكررها، أو قولك: اعجل اعجل، تشديدا للمعنى. وليس هذا من البابين الأولين في شيء. وقال الشاعر:
هلاّ سألت جموع كنـ * دة يوم ولّوا أين أينا
وأمّا قوله: (لم أره منذ يوم يوم) فإنه ينوى بالثاني غير اليوم الأوّل، إنما هو في المعنى: لم أره منذ يوم تعلم. وأمّا قوله:
نحمي حقيقتنا وبعـ * ض القوم يسقط بين بينا
فإنه أراد: يسقط هو لا بين هؤلاء ولا بين هؤلاء. فكان اجتماعهما في هذا الموضع بمنزلة قولهم: هو جاري بيت بيت، ولقيته كفّة كفّة؛ لأن الكفّتين واحدة منك وواحدة منه. وكذلك هو جاري بيت بيت منها: بيتي وبيته لصيقان.
قال: كيف قال قوله: {فإن لّم يصبها وابلٌ فطلٌّ...}
وهذا الأمر قد مضى؟ قيل: أضمرت (كان) فصلح الكلام. ومثله أن تقول: قد أعتقت عبدين، فإن لم أعتق اثنين فواحدا بقيمتهما، والمعنى إلاّ أكن؛ لأنه ماض فلا بدّ من إضمار كان؛ لأن الكلام جزاء. ومثله قول الشاعر:
إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمةٌ * ولم تجدي من أن تقرّى بها بدّا). [معاني القرآن: 1/175-178]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إعصارٌ} الإعصار: ريح عاصف، تهبّ من الأرض إلى السماء، كأنه عمود فيه نار). [مجاز القرآن: 1/82]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({أيودّ أحدكم أن تكون له جنّةٌ مّن نّخيلٍ وأعنابٍ تجري من تحتها الأنهار له فيها من كلّ الثّمرات وأصابه الكبر وله ذرّيّةٌ ضعفاء فأصابها إعصارٌ فيه نارٌ فاحترقت كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات لعلّكم تتفكّرون}
قال: {له فيها من كلّ الثّمرات وأصابه الكبر وله ذرّيّةٌ ضعفاء فأصابها إعصارٌ فيه نارٌ فاحترقت} وقال في موضع آخر {ذرّيّةً ضعافاً} وكلٌّ سواء لأنك تقول: "ظريفٌ" و"ظرافٌ" و"ظرفاء" وهكذا جمع "فعيل"). [معاني القرآن: 1/153]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله عز وجل {إعصار فيه نار} فالعرب تقول: أعصرت الريح إعصارًا، إذا خالطها الغبار.
وقال عدي بن زيد العبادي:
فابتدرن إذ بصرن به فترى للنقع إعصارًا.
وكذلك قوله عز وجل {من المعصرات ماء ثجاجا}؛ وقال بعضهم: الريح نفسها، وقال بعضهم: السحاب.
قال الشاعر:
ربع قواء أذاع المعصرات به = وكل حيران سار ماؤه خضل). [معاني القرآن لقطرب: 384]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): (والإعصار: ريح عاصف تهب ثم تستدير كأنها عمود من الأرض إلى السماء). [غريب القرآن وتفسيره: 99-100]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (الإعصار: ريح شديدة تعصف وترفع ترابا إلى السماء كأنه عمود. قال الشاعر:
إن كنت ريحا فقد لاقيت إعصارا
أي: لاقيت ما هو أشد منك). [تفسير غريب القرآن: 97]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جل ثناؤه: {أيودّ أحدكم أن تكون له جنّة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كلّ الثّمرات وأصابه الكبر وله ذرّيّة ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات لعلّكم تتفكّرون}
هذا مثل ضربه اللّه لهم للآخرة وأعلمهم أن حاجتهم إلى الأعمال الصالحة كحاجة هذا الكبير الذي له ذرية ضعفاء، فإن احترقت جنته وهو كبير وله ذرية ضعفاء انقطع به، وكذلك من لم يكن له في الآخرة عمل يوصله إلى الجنة فحسرته في الآخرة - مع عظيم الحسرة فيها - كحسرة هذا الكبير المنقطع به في الدنيا.
ومعنى: {فأصابها إعصار فيه نار}الإعصار: الريح التي تهب، من الأرض كالعمود إلى نحو السماء وهي التي تسميها الناس الزوبعة، وهي ريح شديدة، لا يقال إنها إعصار حتى تهبّ بشدة، قال الشاعر:
إن كنت ريحا فقد لاقيت إعصارا
ومعنى {كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات} أي: كهذا البيان الذي قد تبين الصّدقة والجهاد وقصة إبراهيم – عليه السلام - والذي مرّ على قرية، وجميع ما سلف من الآيات، أي: كمثل بيان هذه الأقاصيص {يبين اللّه لكم الآيات}، أي: العلامات والدّلالات التي تحتاجون إليها في أمر توحيده، وإثبات رسالات رسله وثوابه وعقابه. {لعلّكم تتفكّرون}). [معاني القرآن: 1/348-349]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {أيود أحدكم أن تكون له جنة} إلى قوله: {فاحترقت}
قال ابن ملكية عن عبيد بن عمير سألهم عمر عن هذه الآية وذكرها فقالوا: الله أعلم فغضب عمر وقال: قولوا نعلم أو لا نعلم قال فقال ابن عباس: إن في نفسي منها شيئا فقال: قل ولا تحقر نفسك قال: ضرب مثلا للعمل قال: أي العمل قال فقال عمر: هذا رجل كان يعمل بطاعة الله فبعث إليه الشيطان فعمل بالمعاصي فأحرق الأعمال.
وروي عن ابن عباس بغير هذا الإسناد هذا مثل ضربه الله للمرائين بالأعمال يبطلها الله يوم القيامة أحوج ما كانوا إليها كمثل رجل كانت له جنة وكبر وله أطفال لا ينفعونه فأصاب الجنة إعصار ريح عاصف فيها سموم شديدة فاحترقت ففقدها أحوج ما كان إليها.
وروي عن ابن عباس أنه قال: الإعصار الريح الشديدة.
قال أبو جعفر: والإعصار هي التي يسميها الناس الزوبعة). [معاني القرآن: 1/294-295]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (والإعصار: الريح). [ياقوتة الصراط: 182]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): (و"الإعصار": الريح الشديدة، تعصف وتستدير وترتفع إلى السماء بتراب كأنه عمود). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 44]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): (الإِعْصَار: ريح تهب فتصير مثل العمود). [العمدة في غريب القرآن: 94]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 3 جمادى الآخرة 1434هـ/13-04-2013م, 12:27 AM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى:{(وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآَتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265) }
قال أبو عبيدةَ مَعمرُ بنُ المثنَّى التيمي (ت:209هـ): (


صبحناهم الجرد الجياد كأنهاقـطـا أفزعـتـه يــوم طــل أجـادلــه

قال والطل الذي يقع على الشجر والنبات وهو من قوله تعالى: {فإن لم يصبها وابل فطل} وهو الندى يقول فإن لم يصب هذا الشجر والنبات مطر فطل أي فندى). [نقائض جرير والفرزدق: 603-604]
قال أبو زيد سعيد بن أوس الأنصاري (ت:215هـ): (ومنه الوابل وهو أغرز المطر وأعظمه قطرا. يقال: وبلت الأرض وبلا فهي موبولة). [كتاب المطر: 7] (م)
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (الأصمعي: أخف المطر وأضعفه الطل). [الغريب المصنف: 2/499]
قالَ يعقوبُ بنُ إسحاقَ ابنِ السِّكِّيتِ البَغْدَادِيُّ (ت: 244هـ) : (والطَّلُّ: الندى وذكر عن أبي عمرو ما بالناقة طُلّ أي ما بها من لبن). [إصلاح المنطق: 129]

قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (


فظلت صوافن خوص العيونكبـث النـوى بالربـى والهجـال

...
و(الرُّبَى) جمع (ربوة) وهو مرتفع من الأرض). [شرح أشعار الهذليين: 2/501]
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (


أمـن أم شـداد رسـوم المنـازلتوهمتها من بعد ساف ووابل

...
والوابل: المطر الغزير). [شرح ديوان كعب بن زهير: 89] (م)
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (


أمـن أم شـداد رسـوم المنـازلتوهمتها من بعد ساف ووابل

...
والوابل: المطر الغزير). [شرح ديوان كعب بن زهير: 89] (م)

تفسير قوله تعالى: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266) }
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (في حديث أبي هريرة: «أن امرأة مرت به
متطيبة لذيلها عصرة، فقال: أين تريدين يا أمة الجبار؟ فقالت: أريد المسجد وبعض أصحاب الحديث يروي: عصرة.
قوله: لذيلها عصرة أراد الغبار أنه قد ثار من سحبها، وهو الإعصار، قال الله تبارك وتعالى: {فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت} وجمع الإعصار: أعاصير، قال وأنشدني الأصمعي:


وبينما المرء في الأحياء مغتبطإذا هو الرمس تعفـوه الأعاصيـر

وقد تكون العصرة من فوح الطيب وهيجه، فشبهه بما تثير الرياح من الأعاصير، فلهذا كره لها أبو هريرة إتيان المسجد). [غريب الحديث: 5/221-223]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وقوله:

كأنما نفخت فيها الأعاصير
هذا مثل، وإنما يراد خفة الحلوم. والإعصار فيما ذكر أبو عبيدة: ريح تهب بشدة فيما بين السماء والأرض. ومن أمثال العرب: "إن كنت ريحًا فقد لاقيت إعصارًا"، يضرب للرجل يكون جلدًا فيصادف من هو أجلد منه، قال لله عز وجل: {فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ} ). [الكامل: 1/414-415]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (ومن حرف من الأضداد، تكون لبعض الشيء، وتكون لكله، فكونها للتبعيض لا يحتاج فيه إلى شاهد، وكونها بمعنى (كل)، شاهده قول الله عز وجل: {ولهم فيها من كل الثمرات}، معناه كل الثمرات، وقوله عز وجل: {يغفر لكم من ذنوبكم}، معناه يغفر لكم ذنوبكم. وقوله عز وجل: {وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما}، معناه: وعدهم الله كلهم مغفرة؛ لأنه قدم وصف قوم يجتمعون في استحقاق هذا الوعد. وقول الله عز وجل في غير هذا الموضع: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير}، معناه: ولتكونوا كلكم أمة تدعو إلى الخير، قال الشاعر:


أخـو رغائـب يعطاهـا ويسألـهـايأبى الظلامة منه النوفل الزفر

أراد: يأبى الظلامة لأنه نوفل زفر. ومستحيل أن تكون
(مِنْ) هاهنا تبعيضا إذ دخلت على ما لا يتبعض، والعرب تقول: قطعت من الثوب قميصا، وهم لا ينوون أن القميص قطع من بعض الثوب دون بعض؛ إنما يدلون بـ(من) على التجنيس، كقوله عز وجل: {فاجتبوا الرجس من الأوثان} معناه: فاجتنبوا الأوثان التي هي رجس، واجتنبوا الرجس من جنس الأوثان؛ إذ كان يكون من هذا الجنس ومن غيره من الأجناس.
وقال الله عز وجل: {وننزل من القرآن ما هو شفاء}، فـ (مِنْ)، ليست هاهنا تبعيضا؛ لأنه لا يكون بعض القرآن شفاء وبعضه غير شفاء، فـ(مِنْ) تحتمل تأويلين: أحدهما التجنيس، أي ننزل الشفاء من جهة القرآن، والتأويل الآخر أن تكون (من) مزيدة للتوكيد، كقوله: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم}، وهو يريد يغضوا أبصارهم، وكقول ذي الرمة:


إذا مـــــــا امـــــــرؤ حـــاولــــن يـقـتـتـلــنــهبــلا إحـنـة بـيــن الـنـفـوس ولا ذحـــل
تبسمن عن نور الأقاحي في الثرىوفتـرن مــن أبـصـار مضـروجـة نـجـل

أراد: وفترن أبصار مضروجة.
وكان بعض أصحابنا يقول: من ليست مزيدة للتوكيد في قوله: {من كل الثمرات}، وفي قوله: {من أبصارهم} وفي قوله: {يغفر لكم من ذنوبكم}. وقال: أما قوله: {من كل الثمرات}، فإن (من) تبعيض، لأن العموم في جميع الثمرات لا يجتمع لهم في وقت واحد؛ إذ كان قد تقدم منها ما قد أكل، وزال وبقي منها ما يستقبل ولا ينفد أبدا، فوقع التبعيض لهذا المعنى.
قال: وقوله: {يغضوا من أبصارهم} معناه: يغضوا بعض أبصارهم. وقال: لم يحظر علينا كل النظر، إنما حظر علينا بعضه، فوجب التبعيض من أجل هذا التأويل.
قال: وقوله: {يغفر لكم من ذنوبكم} من هاهنا مجنسة، وتأويل الآية: يغفر لكم من إذنابكم، وعلى إذنابكم، أي يغفر لكم من أجل وقوع الذنوب منكم، كما يقول الرجل: اشتكيت من دواء شربته، أي من أجل الدواء.
وقال بعض المفسرين: من في قوله تعالى: {وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة} مبعضة، لأنه ذكر أصحاب نبيه صلى الله عليه، وكان قد ذكر
قبلهم الذين كفروا فقال: {إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية}. وقال بعد: {منهم}؛ أي من هذين الفريقين، ومن هذين الجنسين). [كتاب الأضداد: 252-255]

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 03:24 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 03:24 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 03:24 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 03:24 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآَتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ومثل الّذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات اللّه وتثبيتاً من أنفسهم كمثل جنّةٍ بربوةٍ أصابها وابلٌ فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابلٌ فطلٌّ واللّه بما تعملون بصيرٌ (265)}
من أساليب فصاحة القرآن أنه يأتي فيه ذكر نقيض ما يتقدم ذكره لتبيين حال التضاد بعرضها على الذهن، فلما ذكر الله صدقات القوم الذين لا خلاق لصدقاتهم ونهى المؤمنين عن مواقعة ما يشبه ذلك بوجه ما عقب في هذه الآية بذكر نفقات القوم الذين تزكو صدقاتهم وهي على وجهها في الشرع فضرب لها مثلا، وتقدير الكلام ومثل نفقة الذين ينفقون كمثل غراس جنة، لأن المراد بذكر الجنة غراسها أو تقدر الإضمار في آخر الكلام دون إضمار نفقة في أوله، كأنه قال: كمثل غارس جنة، وابتغاء معناه طلب، وإعرابه النصب على المصدر في موضع الحال. وكان يتوجه فيه النصب على المفعول من أجله. لكن النصب على المصدر هو الصواب من جهة عطف المصدر الذي هو وتثبيتاً عليه. ولا يصح في تثبيتاً أنه مفعول من أجله، لأن الإنفاق ليس من أجل التثبيت. وقال مكي في المشكل: «كلاهما مفعول من أجله وهو مردود بما بيناه، ومرضات مصدر من رضي يرضى»، وقال الشعبي والسدي وقتادة وابن زيد وأبو صالح: «وتثبيتاً معناه وتيقنا، أي إن نفوسهم لها بصائر متأكدة فهي تثبتهم على الإنفاق في طاعة الله تثبيتا»، وقال مجاهد والحسن: معنى قوله: «وتثبيتاً أي إنهم يتثبتون أين يضعون صدقاتهم؟» وقال الحسن: «كأن الرجل إذا هم بصدقة تثبت، فإن كان ذلك لله أمضاه وإن خالطه شك أمسك»، والقول الأول أصوب.
لأن هذا المعنى الذي ذهب إليه مجاهد والحسن إنما عبارته وتثبتا، فإن قال محتج إن هذا من المصادر التي خرجت على غير المصدر كقوله تعالى: {وتبتّل إليه تبتيلًا} [المزمل: 8]، وكقوله: {أنبتكم من الأرض نباتاً} [نوح: 17] فالجواب لا يسوغ إلا مع ذكر المصدر والإفصاح بالفعل المتقدم للمصدر، وأما إذا لم يقع إفصاح بفعل فليس لك أن تأتي بمصدر في غير معناه ثم تقول أحمله على فعل كذا وكذا لفعل لم يتقدم له ذكر، هذا مهيع كلام العرب فيما علمت، وقال قتادة: «وتثبيتاً معناه وإحسانا من أنفسهم».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وهذا نحو القول الأول»، والجنة البستان وهي قطعة أرض نبتت فيها الأشجار حتى سترت الأرض، فهي من لفظ الجن والجنن والجنة وجن الليل، والربوة ما ارتفع من الأرض ارتفاعا يسيرا معه في الأغلب كثافة التراب وطيبه وتعمقه، وما كان كذلك فنباته أحسن، ورياض الحزن ليس من هذا كما زعم الطبري، بل تلك هي الرياض المنسوبة إلى نجد لأنها خير من رياض تهامة ونبات نجد أعطر ونسيمه أبرد وأرق، ونجد يقال له الحزن، وقل ما يصلح هواء تهامة إلا بالليل، ولذلك قالت الأعرابية: زوجي كليل تهامة، وقال ابن عباس: «الربوة المكان المرتفع الذي لا تجري فيه الأنهار».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وهذا إنما أراد به هذه الربوة المذكورة في كتاب الله، لأن قوله تعالى: {أصابها وابلٌ} إلى آخر الآية يدل على أنها ليس فيها ماء جار»، ولم يرد ابن عباس أن جنس الربا لا يجري فيها ماء، لأن الله تعالى قد ذكر ربوة ذات قرار ومعين، والمعروف في كلام العرب أن الربوة ما ارتفع عما جاوره سواء جرى فيها ماء أو لم يجر، وقال الحسن: «الربوة الأرض المستوية التي لا تعلو فوق الماء»، وهذا أيضا أراد أنها ليست كالجبل والضرب ونحوه، وقال الخليل أرض مرتفعة طيبة وخص الله بالذكر التي لا يجري فيها ماء من حيث هي العرف في بلاد العرب فمثل لهم بما يحسونه كثيرا، وقال السدي: «بربوةٍ أي برباوة وهو ما انخفض من الأرض»، قال أبو محمد: وهذه عبارة قلقة ولفظ الربوة هو مأخوذ من ربا يربو إذا زاد، يقال «ربوة» بضم الراء وبها قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي ونافع وأبو عمرو.
ويقال «ربوة» بفتح الراء وبها قرأ عاصم وابن عامر، وكذلك خلافهم في سورة المؤمنين، ويقال ربوة بكسر الراء وبها قرأ ابن عباس فيما حكي عنه. ويقال رباوة بفتح الراء والباء وألف بعدها، وبها قرأ أبو جعفر وأبو عبد الرحمن، ويقال رباوة بكسر الراء وبها قرأ الأشهب العقيلي، وآتت معناه أعطت، و «الأكل» بضم الهمزة وسكون الكاف الثمر الذي يؤكل، والشيء المأكول من كل شيء يقال له أكل، وإضافته إلى الجنة إضافة اختصاص كسرج الدابة وباب الدار، وإلا فليس الثمر مما تأكله الجنة، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو «أكلها» بضم الهمزة وسكون الكاف، وكذلك كل مضاف إلى مؤنث وفارقهما أبو عمرو فيما أضيف إلى مذكر مثل أكله أو كان غير مضاف إلى مكنى مثل أكل خمط فثقل أبو عمرو ذلك، وخففاه، وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي في جميع ما ذكرناه بالتثقيل. ويقال أكل وأكل بمعنى، وهو من أكل بمنزلة الطعمة من طعم، أي الشيء الذي يطعم ويؤكل، وضعفين معناه: اثنين مما يظن بها ويحرز من مثلها، ثم أكد تعالى مدح هذه الربوة بأنها إن لم يصبها وابلٌ فإن الطل يكفيها وينوب مناب الوابل، وذلك لكرم الأرض، والطل المستدق من القطر الخفيف، قاله ابن عباس وغيره، وهو مشهور اللغة، وقال قوم الطل الندى، وهذا تجوز وتشبيه، وقد روي ذلك عن ابن عباس. قال المبرد: «تقديره فطلٌّ يكفيها». وقال غيره التقدير فالذي أصابهم طل، فشبه نمو نفقات هؤلاء المخلصين الذين يربي الله صدقاتهم كتربية الفلو والفصيل حسب الحديث بنمو نبات هذه الجنة بالربوة الموصوفة، وذلك كله بخلاف الصفوان الذي انكشف عنه ترابه فبقي صلدا، وفي قوله تعالى: {واللّه بما تعملون بصيرٌ} وعد ووعيد، وقرأ الزهري يعملون بالياء كأنه يريد به الناس أجمع. أو يريد المنفقين فقط فهو وعد محض). [المحرر الوجيز: 2/ 65-68]

تفسير قوله تعالى: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {أيودّ أحدكم أن تكون له جنّةٌ من نخيلٍ وأعنابٍ تجري من تحتها الأنهار له فيها من كلّ الثّمرات وأصابه الكبر وله ذرّيّةٌ ضعفاء فأصابها إعصارٌ فيه نارٌ فاحترقت كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات لعلّكم تتفكّرون (266)}
حكى الطبري عن السدي: «أن هذه الآية مثل آخر لنفقة الرياء»، ورجح هو هذا القول، وحكى عن ابن زيد: «أنه قرأ قول الله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمنّ والأذى} [البقرة: 264]، قال ثم ضرب في ذلك مثلا فقال: أيودّ أحدكم الآية».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وهذا أبين من الذي رجح الطبري، وليست هذه الآية بمثل آخر لنفقة الرياء»، هذا هو مقتضى سياق الكلام، وأما بالمعنى في غير هذا السياق فتشبه حال كل منافق أو كافر عمل وهو يحسب أنه يحسن صنعا، فلما جاء إلى وقت الحاجة لم يجد شيئا، وقد سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية فقالوا:« الله ورسوله أعلم، فقال وهو غاضب قولوا نعلم أو لا نعلم، فقال له ابن عباس هذا مثل ضربه الله كأنه قال: أيود أحدكم أن يعمل عمره بعمل أهل الخير، فإذا فني عمره واقترب أجله ختم ذلك بعمل من عمل أهل الشقاء، فرضي ذلك عمر»، وروى ابن أبي مليكة: «أن عمر تلا هذه الآية: أيودّ أحدكم، وقال: هذا مثل ضرب للإنسان يعمل عملا صالحا حتى إذا كان عند آخر عمره أحوج ما يكون إليه، عمل عمل السوء».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «فهذا نظر يحمل الآية على كل ما يدخل تحت ألفاظها»، وقال بنحو هذا مجاهد وقتادة والربيع وغيرهم، وخص النخيل والأعناب بالذكر لشرفهما وفضلهما على سائر الشجر. وقرأ الحسن «جنات» بالجمع، وقوله من تحتها هو تحت بالنسبة إلى الشجر، والواو في قوله :{وأصابه} واو الحال، وكذلك في قوله: {وله} وضعفاء جمع ضعيف وكذلك ضعاف، وال إعصارٌ الريح الشديدة العاصف التي فيها إحراق لكل ما مرت عليه، يكون ذلك في شدة الحر ويكون في شدة البرد وكل ذلك من فيح جهنم ونفسها كما تضمن قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم، وإن النار اشتكت إلى ربها»، الحديث بكماله، فإما أنه نار على حقيقته وإلا فهو نفسها يوجد عنه كاثرها، قال السدي: «الإعصار الريح، والنار السموم»، وقال ابن عباس: «ريح فيها سموم شديدة»، وقال ابن مسعود: «إن السموم التي خلق الله منها الجان جزء من سبعين جزءا من النار».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «يريد من نار الآخرة»، وقال الحسن بن أبي الحسن: «إعصارٌ فيه نارٌ ريح فيها صر، برد»، وقاله الضحاك، وفي المثل: إن كنت ريحا فقد لاقيت إعصارا، والريح إعصار لأنها تعصر السحاب، والسحاب معصرات إما أنها حوامل فهي كالمعصر من النساء وهي التي هي عرضة للحمل وإما لأنها تنعصر بالرياح، وبهذا فسر عبيد الله بن الحسن العنبري القاضي، وحكى ابن سيده: «أن المعصرات فسرها قوم بالرياح لا بالسحاب»، وقال الزجاج: «الإعصار الريح الشديدة تصعد من الأرض إلى السماء وهي التي يقال لها الزوبعة»، قال المهدوي: «قيل لها إعصارٌ لأنها تلتف كالثوب إذا عصر».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وهذا ضعيف»، والإشارة بذلك إلى هذه الأمثال المبينة، ولعلّكم ترجّ في حق البشر، أي إذا تأمل من يبين له هذا البيان رجي له التفكر وكان أهلا له. وقال ابن عباس: «تتفكّرون في زوال الدنيا وفنائها وإقبال الآخرة وبقائها» ). [المحرر الوجيز: 2/ 69-71]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 03:24 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 03:24 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآَتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {ومثل الّذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة اللّه وتثبيتًا من أنفسهم كمثل جنّةٍ بربوةٍ أصابها وابلٌ فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابلٌ فطلٌّ واللّه بما تعملون بصيرٌ (265) }
وهذا مثل المؤمنين المنفقين {أموالهم ابتغاء مرضاة اللّه} عنهم في ذلك {وتثبيتًا من أنفسهم} أي: وهم متحقّقون مثبتون أنّ اللّه سيجزيهم على ذلك أوفر الجزاء، ونظير هذا في المعنى، قوله عليه السّلام في الحديث المتّفق على صحّته: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا = » أي: يؤمن أنّ اللّه شرعه، ويحتسب عند اللّه ثوابه.
قال الشّعبيّ: «{وتثبيتًا من أنفسهم} أي: تصديقًا ويقينًا». وكذا قال قتادة، وأبو صالحٍ، وابن زيدٍ. واختاره ابن جريرٍ. وقال مجاهدٌ والحسن: «أي: يتثبّتون أين يضعون صدقاتهم».
وقوله: {كمثل جنّةٍ بربوةٍ} أي: كمثل بستانٍ بربوةٍ. وهو عند الجمهور: «المكان المرتفع المستوي من الأرض». وزاد ابن عبّاسٍ والضّحّاك: «وتجري فيه الأنهار».
قال ابن جريرٍ: «وفي الرّبوة ثلاث لغاتٍ هنّ ثلاث قراءاتٍ: بضمّ الرّاء، وبها قرأ عامّة أهل المدينة والحجاز والعراق. وفتحها، وهي قراءة بعض أهل الشّام والكوفة، ويقال: إنّها لغة تميمٍ. وكسر الرّاء، ويذكر أنّها قراءة ابن عبّاسٍ».
وقوله: {أصابها وابلٌ} وهو المطر الشّديد، كما تقدّم، {فآتت أكلها} أي: ثمرتها {ضعفين} أي: بالنّسبة إلى غيرها من الجنان. {فإن لم يصبها وابلٌ فطلٌّ} قال الضّحّاك: «هو الرّذاذ، وهو اللّيّن من المطر». أي: هذه الجنّة بهذه الرّبوة لا تمحل أبدًا؛ لأنّها إن لم يصبها وابلٌ فطلٌّ، وأيًّا ما كان فهو كفايتها، وكذلك عمل المؤمن لا يبور أبدًا، بل يتقبّله اللّه ويكثّره وينمّيه، كلّ عاملٍ بحسبه؛ ولهذا قال: {واللّه بما تعملون بصيرٌ} أي: لا يخفى عليه من أعمال عباده شيءٌ). [تفسير ابن كثير: 1/ 695]


تفسير قوله تعالى: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {أيودّ أحدكم أن تكون له جنّةٌ من نخيلٍ وأعنابٍ تجري من تحتها الأنهار له فيها من كلّ الثّمرات وأصابه الكبر وله ذرّيّةٌ ضعفاء فأصابها إعصارٌ فيه نارٌ فاحترقت كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات لعلّكم تتفكّرون (266)}
قال البخاريّ عند تفسير هذه الآية: حدّثنا إبراهيم بن موسى، حدّثنا هشامٌ -هو ابن يوسف -عن ابن جريجٍ: سمعت عبد اللّه بن أبي مليكة، يحدّث عن ابن عبّاسٍ، وسمعت أخاه أبا بكر بن أبي مليكة يحدّث عن عبيد بن عمير قال: «قال عمر بن الخطّاب يومًا لأصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: فيمن ترون هذه الآية نزلت: {أيودّ أحدكم أن تكون له جنّةٌ من نخيلٍ وأعنابٍ}؟ قالوا: اللّه أعلم. فغضب عمر فقال: قولوا: نعلم أو لا نعلم. فقال ابن عبّاسٍ: في نفسي منها شيءٌ يا أمير المؤمنين. فقال عمر: يا ابن أخي، قل ولا تحقّر نفسك. فقال ابن عبّاسٍ: ضربت مثلًا لعملٍ. قال عمر: أيّ عملٍ؟ قال ابن عبّاسٍ: لعملٍ. قال عمر: لرجلٍ غنيٍّ يعمل بطاعة اللّه. ثمّ بعث اللّه له الشيطان فعمل بالمعاصي حتّى أغرق أعماله».
ثمّ رواه البخاريّ، عن الحسن بن محمّدٍ الزّعفرانيّ، عن حجّاج بن محمّدٍ الأعور، عن ابن جريجٍ، فذكره. وهو من أفراد البخاريّ، رحمه اللّه.
وفي هذا الحديث كفايةٌ في تفسير هذه الآية، وتبيين ما فيها من المثل بعمل من أحسن العمل أوّلًا ثمّ بعد ذلك انعكس سيره، فبدّل الحسنات بالسّيّئات، عياذًا باللّه من ذلك، فأبطل بعمله الثّاني ما أسلفه فيما تقدّم من الصالحٍ واحتاج إلى شيءٍ من الأوّل في أضيق الأحوال، فلم يحصل له منه شيءٌ، وخانه أحوج ما كان إليه، ولهذا قال تعالى: {وله ذرّيّةٌ ضعفاء فأصابها إعصارٌ} وهو الرّيح الشّديد {فيه نارٌ فاحترقت} أي: أحرق ثمارها وأباد أشجارها، فأيّ حالٍ يكون حاله.
وقد روى ابن أبي حاتمٍ، من طريق العوفي، عن ابن عبّاسٍ قال: «ضرب اللّه له مثلًا حسنًا، وكلّ أمثاله حسنٌ، قال: {أيودّ أحدكم أن تكون له جنّةٌ من نخيلٍ وأعنابٍ تجري من تحتها الأنهار له فيها من كلّ الثّمرات} يقول: ضيّعه في شيبته {وأصابه الكبر} وولده وذرّيّته ضعافٌ عند آخر عمره، فجاءه إعصارٌ فيه نارٌ فأحرق بستانه، فلم يكن عنده قوّةً أن يغرس مثله، ولم يكن عند نسله خيرٌ يعودون به عليه، وكذلك الكافر يوم القيامة، إذ ردّ إلى اللّه عزّ وجلّ، ليس له خيرٌ فيستعتب، كما ليس لهذا قوّةٌ فيغرس مثل بستانه، ولا يجده قدّم لنفسه خيرًا يعود عليه، كما لم يغن عن هذا ولده، وحرم أجره عند أفقر ما كان إليه، كما حرم هذا جنّة اللّه عند أفقر ما كان إليها عند كبره وضعف ذرّيّته».
وهكذا، روى الحاكم في مستدركه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه: «اللّهمّ اجعل أوسع رزقك عليّ عند كبر سنّي وانقضاء عمري» ؛ ولهذا قال تعالى: {كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات لعلّكم تتفكّرون} أي: تعتبرون وتفهمون الأمثال والمعاني، وتنزلونها على المراد منها، كما قال تعالى: {وتلك الأمثال نضربها للنّاس وما يعقلها إلا العالمون} [العنكبوت:43] ). [تفسير ابن كثير: 1/ 695-696]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:59 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة