العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة البقرة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 9 ربيع الثاني 1434هـ/19-02-2013م, 11:52 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي تفسير سورة البقرة [من الآية (233) إلى الآية (234) ]

تفسير سورة البقرة
[من الآية (233) إلى الآية (234) ]


{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آَتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233) وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 18 ربيع الثاني 1434هـ/28-02-2013م, 07:26 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف


جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آَتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله تعالى لا تضار ولدة بولدها يقول لا ترم به إلى أبيه ضرارا ولا مولود له بولده يقول ولا الوالد فينتزعه منها ضرارا إذا رضيت من أجر الرضاع بما ترضى به غيرها وهي أحق به إذا رضيت بذلك وعلى وارث الصبي مثل ما على أبيه إذا كان قد هلك أبوه ولم يكن له مال فإن على الوارث أجر الرضاع). [تفسير عبد الرزاق: 1/94]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا ابن جريج أن عمرو بن شعيب أخبره أن سعيد بن المسيب أخبره أن عمر بن الخطاب قال في قوله تعالى وعلى الوارث
[تفسير عبد الرزاق: 1/94]
مثل ذلك قال وقف بني عم منفوس بني عمه كلالة بالنفقة عليه مثل العاقلة فقالوا لا مال له قال ولو فوقفهم بالنفقة عليه). [تفسير عبد الرزاق: 1/95]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن منصورٍ عن إبراهيم قال: إذا قام الرّضاع على ثمن فالأم أحق [الآية: 233]). [تفسير الثوري: 67]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن المغيرة عن إبراهيم في قول اللّه جلّ وعزّ: {وعلى الوارث مثل ذلك} قال: الرضاع [الآية: 233].
[تفسير الثوري: 67]
سفيان [الثوري] عن عيسى عن مجاهدٍ قال: الرضاع ولا يضار). [تفسير الثوري: 68]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن ليثٍ عن مجاهدٍ في قوله جل وعز: {إن أرادا فصالا عن تراضٍ منهما وتشاور} قال: التّشاور فيما دون الحولين قال: إن أرادت أن تفطم فليس لها ذاك وإن أراد أن يفطم ولم ترده فليس له ذاك ما دون الحولين حتى يجتمعا أو يصطلحا). [تفسير الثوري: 68]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن السّدّيّ في قول اللّه جلّ وعزّ: {وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم} من امرأةٍ أخرى: فلا جناح عليكم إذ سلمتم} لهذه أجرها بالمعروف). [تفسير الثوري: 68]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة}.
يعني تعالى ذكره بذلك: والنّساء اللّواتي بنّ من أزواجهنّ ولهنّ أولادٌ قد ولدنهم من أزواجهنّ قبل بينونتهنّ منهم بطلاقٍ أو ولدنهم منهم بعد فراقهم إيّاهنّ من وطءٍ كان منهم لهنّ قبل البينونة يرضعن أولادهنّ، يعني بذلك أنّهنّ أحقّ برضاعهم من غيرهنّ، وليس ذلك بإيجابٍ من اللّه تعالى ذكره عليهنّ رضاعهم، إذا كان المولود له ولد حيًّا موسرًا؛ لأنّ اللّه تعالى ذكره قال في سورة النّساء القصرى: {وإنّ تعاسرتم فسترضع له أخرى} وأخبر تعالى، أنّ الوالدة، والمولود، له إن تعاسرا في الأجرة الّتي ترضع بها المرأة ولدها، أنّ أخرى سواها ترضعه، فلم يوجب عليها فرضًا رضاع ولدها، فكان معلومًا بذلك أنّ قوله: {والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين} دلالةٌ على مبلغ غاية الرّضاع الّتي متى اختلف الولدان في رضاع المولود بعده، جعل حدًّا يفصل به بينهما، لا دلالةٌ على أنّ فرضًا على الوالدات رضاع أولادهنّ.
وأمّا قوله {حولين} فإنّه يعني به سنتينٍ.
- كما حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين} سنتين.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
[جامع البيان: 4/199]
وأصل الحول من قول القائل: حال هذا الشّيء: إذا انتقل، ومنه قيل: تحوّل فلانٌ من مكان كذا: إذا انتقل عنه.
فإن قال لنا قائلٌ: وما معنى ذكر كاملين في قوله: {والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين} بعد قوله {يرضعن أولادهنّ حولين} وفي ذكر الحولين مستغنًى عن ذكر الكاملين؟ إذ كان غير مشكلٍ على سامعٍ سمع قوله: {والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين} ما يراد به، فما الوجه الّذي من أجله زيد ذكر كاملين؟
قيل: إنّ العرب قد تقول: أقام فلانٌ بمكان كذا حولين أو يومين أو شهرينٍ، وإنّما أقام به يومًا وبعض آخر أو شهرًا وبعض آخر، أو حولاً وبعض آخر فقيل حولين كاملين ليعرف سامعو ذلك أنّ الّذي أريد به حولان تامّان، لا حولٌ وبعض آخر، وذلك كما قال اللّه تعالى ذكره: {واذكروا اللّه في أيّامٍ معدوداتٍ فمن تعجّل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخّر فلا إثم عليه} ومعلومٌ أنّ المتعجّل إنّما يتعجّل في يومٍ ونصفٍ، فكذلك ذلك في اليوم الثّالث من أيّام التّشريق، وأنّه ليس منه شيءٌ تامٌّ، ولكنّ العرب تفعل ذلك في الأوقات خاصّةً، فتقول: اليوم يومان منذ لم أره، وإنّما تعني بذلك يومًا وبعض آخر، وقد توقع الفعل الّذي تفعله في السّاعة أو اللّحظة على العام والزّمان واليوم، فتقول زرته عام كذا، وقتل فلانٌ فلانًا زمان صفّين،
[جامع البيان: 4/200]
وإنّما تفعل ذلك لأنّها لا تقصد بذلك الخبر عن عدد الأيّام، والسّنين، وإنّما تعني بذلك الأخبار عن الوقت الّذي كان فيه المخبر عنه، فجاز أن ينطق بالحولين، واليومين على ما وصفت قبل، لأنّ معنى الكلام في ذلك: فعلته إذ ذاك، وفي ذلك الوقت، فكذلك قوله: {والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين} لمّا جاز الرّضاع في الحولين وليسا بالحولين، فكان الكلام لو أطلق في ذلك بغير تبيين الحولين بالكمال، وقيل: {والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين} محتملاً أن يكون معنيًّا به حولٌ وبعض آخر نفي اللّبس عن سامعيه بقوله: {كاملين} أن يكون مرادًا به حولٌ وبعض آخر، وأبين بقوله: {كاملين} عن وقت تمام حدّ الرّضاع، وأنّه تمام الحولين بانقضائهما دون انقضاء أحدهما وبعض الآخر.
ثمّ اختلف أهل التّأويل في الّذي دلّت عليه هذه الآية من مبلغ غاية رضاع المولودين، أهو حدٌّ لكلّ مولودٍ، أو هو حدٌّ لبعضٍ دون بعضٍ؟ فقال بعضهم: هو حدٌّ لبعضٍ دون بعضٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الوهّاب، قال: حدّثنا داود، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، في الّتي تضع لستّة أشهرٍ: أنّها ترضع حولين كاملين، وإذا وضعت لسبعة أشهرٍ أرضعت ثلاثةً وعشرين لتمام ثلاثين شهرًا، وإذا وضعت لتسعة أشهرٍ أرضعت واحدًا وعشرين شهرًا.
[جامع البيان: 4/201]
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا داود، عن عكرمة، بمثله، ولم يرفعه إلى ابن عبّاسٍ.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الزّهريّ، عن أبي عبيدٍ، قال: رفع إلى عثمان امرأةٌ ولدت لستّة أشهرٍ، فقال: إنّها رفعت إلى امرأة لا أراها إلاّ قد جاءت بشرٍّ، أو نحو هذا ولدت لستّة أشهرٍ، فقال ابن عبّاسٍ: إذا أتمّت الرّضاع كان الحمل لستّة أشهرٍ قال: وتلا ابن عبّاسٍ: {وحمله وفصاله ثلاثون شهرًا} فإذا أتمّت الرّضاع كان الحمل لستّة أشهرٍ فخلّى عثمان سبيلها.
وقال آخرون: بل ذلك حدّ رضاع كلّ مولودٍ اختلف والداه في رضاعه، فأراد أحدهما البلوغ إليه، والآخر التّقصير عنه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين} فجعل اللّه سبحانه الرّضاع حولين لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة، ثمّ قال: {فإن أرادا فصالاً عن تراض منهما وتشاورٍ فلا جناح عليهما} إن أرادا أن يفطماه قبل الحولين وبعده.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويدٌ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن ابن جريجٍ، قال: قلت لعطاءٍ: {والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين} قال: إن أرادت أمّه أن تقصر عن حولين كان عليها حقًّا أن تبلغه لا أن تزيد عليه إلاّ أن تشاء.
[جامع البيان: 4/202]
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا مهران، وحدّثني عليّ بن سهلٍ، قال: حدّثنا زيد بن أبي الزّرقاء، جميعًا، عن الثّوريّ، في قوله: {والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة} والتّمام: الحولان، قال: فإذا أراد الأب أن يفطمه قبل الحولين ولم ترض المرأة فليس له ذلك، وإذا قالت المرأة أنا أفطمه قبل الحولين، وقال الأب: لا فليس لها أن تفطمه حتّى يرضى الأب حتّى يجتمعا، فإن اجتمعا قبل الحولين فطماه، وإذا اختلفا لم يفطماه قبل الحولين، وذلك قوله: {فإن أرادا فصالاً عن تراض منهما وتشاورٍ}.
وقال آخرون: بل دلّ اللّه تعالى ذكره بقوله: {والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين} على أن لا رضاع بعد الحولين، فإنّ الرّضاع إنّما هو كان في الحولين.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا آدم، قال: أخبرنا ابن أبي ذئبٍ، قال: حدّثنا الزّهريّ، عن ابن عبّاسٍ، وابن عمر، أنّهما قالا: إنّ اللّه تعالى ذكره يقول: {والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين} ولا نرى رضاعًا بعد الحولين يحرّم شيئًا.
[جامع البيان: 4/203]
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا ابن المبارك، عن يونس بن يزيد، عن الزّهريّ، قال: كان ابن عمر، وابن عبّاسٍ، يقولان: لا رضاع بعد الحولين.
- حدّثنا أبو السّائب، قال: حدّثنا حفصٌ، عن الشّيبانيّ، عن أبي الضّحى، عن أبي عبد الرّحمن، عن عبد اللّه، قال: ما كان من رضاعٍ بعد سنتين، أو في الحولين بعد الفطام فلا رضاع.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، وعبد الرّحمن، قالا: حدّثنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة: أنّه رأى امرأةً ترضع بعد حولينٍ، فقال لا ترضعيه.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن الشّيبانيّ، قال: سمعت الشّعبيّ، يقول: ما كان من وجورٍ، أو سعوطٍ، أو رضاعٍ في الحولين فإنّه يحرم، وما كان بعد الحولين لم يحرم شيئًا.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن المغيرة، عن إبراهيم، أنّه كان يحدّث، عن عبد اللّه، أنّه قال: لا رضاع بعد فصالٍ، أو بعد حولين.
[جامع البيان: 4/204]
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا حسن بن عطيّة، قال: حدّثنا إسرائيل، عن عبد الأعلى، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: ليس يحرم من الرّضاع بعد التّمام، إنّما يحرم ما أنبت اللّحم، وأنشأ العظم.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن عمرو بن دينارٍ، أنّ ابن عبّاسٍ قال: لا رضاع بعد فصال السّنتين.
- حدّثنا هلال بن العلاء الرّقّيّ، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا عبيد اللّه، عن زيدٍ، عن عمرو بن مرّة، عن أبي الضّحى، قال: سمعت ابن عبّاسٍ، يقول: {والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين} قال: لا رضاع إلاّ في هذين الحولين.
وقال آخرون: بل كان قوله: {والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين} دلالةٌ من اللّه تعالى ذكره عباده على أنّ فرضًا على والدات المولودين أن يرضعنّهم حولين كاملينٍ، ثمّ خفّف تعالى ذكره ذلك بقوله: {لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة} فجعل الخيار في ذلك إلى الآباء، والأمّهات إذا أرادوا الإتمام أكملوا حولين، وإن أرادوا قبل ذلك فطم المولود كان ذلك إليهم على النّظر منهم للمولود.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين} ثمّ أنزل اللّه اليسر، والتّخفيف بعد ذلك، فقال تعالى ذكره: {لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة}.
[جامع البيان: 4/205]
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، في قوله: {والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين} يعني المطلّقات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين، ثمّ أنزل الرّخصة، والتّخفيف بعد ذلك، فقال: {لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة}.
ذكر من قال: إنّ الوالدات
اللّواتي ذكرهنّ اللّه في هذا الموضع
البائنات من أزواجهنّ على ما وصفنا قبل.
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: {والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين} إلى: {إذا سلّمتم ما آتيتم بالمعروف} أمّا الوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين فالرّجل يطلّق امرأته وله منها ولدٌ، وأنّها ترضع له ولده بما يرضع له غيرها.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويد بن نصرٍ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، في قوله: {والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين} قال: إذا طلّق الرّجل امرأته وهي ترضع له ولدًا.
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا أبو زهيرٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، بنحوه.
[جامع البيان: 4/206]
وأولى الأقوال بالصّواب في قوله: {والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة} القول الّذي رواه عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، ووافقه على القول به عطاءٌ والثّوريّ، والقول الّذي روي عن عبد اللّه بن مسعودٍ وابن عبّاسٍ وابن عمر، وهو أنّه دلالةٌ على الغاية الّتي ينتهي إليها في الرّضاع المولود إذا اختلف والده، وأن لا رضاع بعد الحولين يحرّم شيئًا، وأنّه معنيّ به كلّ مولودٍ لستّة أشهرٍ كان ولاده، أو لسبعةٍ أو لتسعةٍ.
فأمّا قولنا: إنّه دلالةٌ على الغاية الّتي ينتهى إليها في الرّضاع عند اختلاف الوالدين فيه؛ فلأنّ اللّه تعالى ذكره لمّا حدّ في ذلك حدًّا، كان غير جائزٍ أن يكون ما وراء حدّه موافقًا في الحكم ما دونه، لأنّ ذلك لو كان كذلك، لم يكن للحدّ معنًى معقولٌ، وإذا كان ذلك كذلك، فلا شكّ أنّ الّذي هو دون الحولين من الأجل لمّا كان وقت رضاعٍ، كان ما وراءه غير وقتٍ له، وأنّه وقتٌ لترك الرّضاع، وأنّ تمام الرّضاع لمّا كان تمام الحولين، وكان التّامّ من الأشياء لا معنى للزّيادة فيه، كان لا معنى للزّيادة في الرّضاع على الحولين، وأنّ ما دون الحولين من الرّضاع لمّا كان محرّمًا، كان ما وراءه غير محرّمٍ.
وإنّما قلنا هو دلالةٌ على أنّه معنيّ به كلّ مولودٍ لأيٍّ وقتٍ كان ولاده لستّة أشهرٍ، أو سبعةٍ، أو تسعةٍ، لأنّ اللّه تعالى ذكره عمّ بقوله: {والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين} ولم يخصّص به بعض المولودين دون بعضٍ.
وقد دلّلنا على فساد القول بالخصوص بغير بيان اللّه تعالى ذكره ذلك في كتابه، أو على لسان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في كتابنا كتاب البيان عن أصول الأحكام بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
[جامع البيان: 4/207]
فإن قال لنا قائلٌ: فإنّ اللّه تعالى ذكره قد بيّن ذلك بقوله: {وحمله وفصاله ثلاثون شهرًا} فجعل ذلك حدًّا للمعنيين كليهما، فغير جائزٍ أن يكون حملٌ، ورضاعٌ أكثر من الحدّ الّذي حدّه اللّه تعالى ذكره، فما نقص من مدّة الحمل عن تسعة أشهرٍ، فهو مزيدٌ في مدّة الرّضاع وما زيد في مدّة الحمل نقص من مدّة الرّضاع، وغير جائزٍ أن يجاوز بهما كليهما مدّة ثلاثين شهرًا، كما حدّه اللّه تعالى ذكره؟
قيل له: فقد يجب أن يكون مدّة الحمل على هذه المقالة إن بلغت حولين كاملين، ألاّ يرضع المولود إلاّ ستّة أشهرٍ، وإن بلغت أربع سنين أن يبطل الرّضاع فلا ترضع، لأنّ الحمل قد استغرق الثّلاثين شهرًا وجاوز غايته أو يزعم قائل هذه المقالة أنّ مدّة الحمل لن تجاوز تسعة أشهرٍ، فيخرج من قول جميع الحجّة، ويكابر الموجود والمشاهد، وكفى بهما حجّةً على خطأ دعواه إن ادّعى ذلك، فإلى أيّ الأمرين لجأ قائل هذه المقالة، وضح لذوي الفهم فساد قوله.
فإن قال لنا قائلٌ: فما معنى قوله إن كان الأمر على ما وصفت: {وحمله وفصاله ثلاثون شهرًا} وقد ذكرت آنفًا أنّه غير جائزٍ أن يكون ما جاوز حدّ اللّه تعالى ذكره نظير ما دون حدّه في الحكم، وقد قلت: إنّ الحمل والفصال قد يجاوزان ثلاثين شهرًا؟
قيل: إنّ اللّه تعالى ذكره لم يجعل قوله: {وحمله وفصاله ثلاثون شهرًا} حدًّا تعبد عباده بأن لا يجاوزه كما جعل قوله: {والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة} حدًّا لرضاع المولود الثابت الرّضاع، وتعبّد العباد بحمل والديه عليه عند اختلافهما فيه، وإرادة أحدهما الضّرار به،
[جامع البيان: 4/208]
وذلك أنّ الأمر من اللّه تعالى ذكره إنّما يكون فيما يكون للعباد السّبيل إلى طاعته بفعله والمعصية بتركه، فأمّا ما لم يكن لهم إلى فعله، ولا إلى تركه سبيلٌ فذلك ممّا لا يجوز الأمر به ولا النّهي عنه، ولا التّعبّد به.
فإذ كان ذلك كذلك، وكان الحمل ممّا لا سبيل للنّساء إلى تقصير مدّته، ولا إلى إطالتها فيضعنه متى شئن ويتركن وضعه إذا شئن، كان معلومًا أنّ قوله: {وحمله وفصاله ثلاثون شهرًا} إنّما هو خبرٌ من اللّه تعالى ذكره عن أنّ من خلقه من حملته وولدته وفصلته في ثلاثين شهرًا، لا أمرٌ بأن لا يتجاوز في مدّة حمله وفصاله ثلاثون شهرًا لما وصفنا، وكذلك قال ربّنا تعالى ذكره في كتابه: {ووصّينا الإنسان بوالديه إحسانًا حملته أمّه كرهًا ووضعته كرهًا وحمله وفصاله ثلاثون شهرًا}.
فإن ظنّ ذو غباءٍ، أنّ اللّه تعالى ذكره إذ وصف أنّ من خلقه من حملته أمّه ووضعته، وفصلته في ثلاثين شهرًا، فواجبٌ أن يكون جميع خلقه ذلك صفتهم، وأنّ ذلك دلالةٌ على أنّ حمل كلّ عباده وفصاله ثلاثون شهرًا؛ فقد يجب أن يكون كلّ عباده صفتهم أن يقولوا إذا بلغوا أشدّهم وبلغوا أربعين سنةً {ربّ أوزعني أن أشكر نعمتك الّتي أنعمت عليّ وعلى والديّ وأن أعمل صالحًا ترضاه} على ما وصف اللّه به الّذي وصف في هذه الآية،
[جامع البيان: 4/209]
وفي وجودنا من يستحكم كفره باللّه وكفرانه نعم ربّه عليه، وجرأته على والديه بالقتل والشّتم وضروب المكاره عند استكماله الأربعين من سنيه وبلوغه أشدّه ما يعلم أنّه لم يعن اللّه بهذه الآية صفة جميع عباده، بل يعلم أنّه إنّما وصف بها بعضًا منهم دون بعضٍ، وذلك ما لا ينكره ولا يدفعه أحدٌ؛ لأنّ من يولد من النّاس لتسعة أشهرٍ أكثر ممّن يولد لأربع سنين ولسنتين، كما أنّ من يولد لتسعة أشهرٍ أكثر ممّن يولد لستّة أشهرٍ ولسبعة أشهرٍ.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأ عامّة أهل المدينة والعراق والشّام: {لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة} بالياء في (يتمّ) ونصب الرّضاعة بمعنى: لمن أراد من الآباء والأمّهات أن يتمّ رضاع ولده.
وقرأه بعض أهل الحجاز (لمن أراد أن تتمّ الرّضاعة) بالتّاء في تتمّ ورفع الرّضاعة بصفتها.
والصّواب من القراءة في ذلك عندنا قراءة من قرأ بالياء في يتمّ ونصب الرّضاعة لأنّ اللّه تعالى ذكره قال {والوالدات يرضعن أولادهنّ} فكذلك هنّ يتمّمها إذا أردن هنّ والمولود له إتمامها، وأنّها القراءة الّتي جاء بها النّقل المستفيض الّذي ثبتت به الحجّة دون القراءة الأخرى.
وقد حكي في الرّضاعة سماعًا من العرب كسر الرّاء الّتي فيها، وإن تكن صحيحةً فهي نظيرة الوكالة والوكالة، والدّلالة والدّلالة، ومهرت الشّيء مهارةً ومهارةً، فيجوز حينئذٍ الرّضاع والرّضاع، كما قيل الحصاد والحصاد، وأمّا القراءة فبالفتح لا غير). [جامع البيان: 4/210]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وعلى المولود له رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {وعلى المولود له} وعلى آباء الصّبيان للمراضع رزقهنّ، يعني رزق، والدتهنّ ويعني بالرّزق ما يقوتهنّ من طعامٍ، وما لا بدّ لهنّ من غذاءٍ ومطعمٍ وكسوتهنّ، ويعني بالكسوة الملبس.
ويعني بقوله: {بالمعروف} بما يجب لمثلها على مثله إذ كان اللّه تعالى ذكره قد علم تفاوت أحوال خلقه بالغنى والفقر، وأنّ منهم الموسع والمقتر وبيّن ذلك، فأمر كلًّا أن ينفق على من لزمته نفقته من زوجته وولده على قدر ميسرته، كما قال تعالى ذكره: {لينفق ذو سعةٍ من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق ممّا آتاه اللّه لا يكلّف اللّه نفسًا إلاّ ما آتاها}.
- وكما حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويدٌ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، في قوله: {والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة وعلى المولود له رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف} قال: إذا طلّق الرّجل امرأته وهي ترضع له ولدًا، فتراضيا على أن ترضع حولين كاملين، فعلى الوالد رزق المرضع، والكسوة بالمعروف على قدر الميسرة، لا تكلّف نفسًا إلاّ وسعها.
[جامع البيان: 4/211]
- حدّثني عليّ بن سهلٍ الرّمليّ، قال: حدّثنا زيدٌ، وحدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا مهران، جميعا عن سفيان، قوله: {والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة} والتّمام: الحولان {وعلى المولود له} على الأب طعامها، وكسوتها بالمعروف.
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قوله: {وعلى المولود له رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف} قال: على الأب). [جامع البيان: 4/212]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {لا تكلّف نفسٌ إلاّ وسعها}.
يعني تعالى ذكره بذلك: لا تحمّل نفسٌ من الأمور إلاّ ما لا يضيق عليها ولا يتعذّر عليها وجوده إذا أرادت، وإنّما عنى اللّه تعالى ذكره بذلك: لا يوجب اللّه على الرّجال من نفقة من أرضع أولادهم من نسائهم البائنات منهم إلاّ ما أطاقوه ووجدوا إليه السّبيل، كما قال تعالى ذكره: {لينفق ذو سعةٍ من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق ممّا آتاه اللّه}.
- كما حدّثنا ابن حميدٍ، قال حدّثنا مهران، وحدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا زيدٌ، جميعًا، عن سفيان: {لا تكلّف نفسٌ إلاّ وسعها} إلاّ ما أطاقت.
[جامع البيان: 4/212]
والوسع: الفعل من قول القائل: وسعني هذا الأمر، فهو يسعني سعةً، ويقال: هذا الّذي أعطيتك وسعي، أي ما يتّسع لي أن أعطيك فلا يضيق عليّ إعطاؤكه وأعطيتك من جهدي إذا أعطيته ما يجهدك فيضيق عليك إعطاؤه.
فمعنى قوله {لا تكلّف نفسٌ إلاّ وسعها} هو ما وصفت من أنّها لا تكلّف إلاّ ما يتّسع لها بذل ما كلّفت بذله، فلا يضيق عليها، ولا يجهدها، لا ما ظنّه جهلة أهل القدر من أنّ معناه: لا تكلّف نفسٌ إلاّ ما قد أعطيت عليه القدرة من الطّاعات، لأنّ ذلك لو كان كما زعمت لكان قوله تعالى ذكره: {انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلّوا فلا يستطيعون سبيلاً} إذا كان دالًّا على أنّهم غير مستطيعي السّبيل إلى ما كلّفوه واجبًا أن يكون القوم في حالٍ واحدةٍ قد أعطوا الاستطاعة على ما منعوها عليه، وذلك من قائله إن قاله إحالةٌ في كلامه، ودعوى باطلٌ لا يخيّل بطوله، وإذا كان بيّنّا فساد هذا القول، فمعلومٌ أنّ الّذي أخبر تعالى ذكره أنّه كلّف النّفوس من وسعها غير الّذي أخبر أنّه كلّفها ممّا لا تستطيع إليه السّبيل). [جامع البيان: 4/213]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {لا تضارّ والدةٌ بولدها ولا مولودٌ له بولده}.
اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأ عامّة قرّاء أهل الحجاز والكوفة والشّام: {لا تضارّ والدةٌ بولدها} بفتح الرّاء بتأويل (لا تضارر) على وجه النّهي وموضعه إذا قرئ كذلك جزمٌ،
[جامع البيان: 4/213]
غير أنّه حرّك إذ ترك التّضعيف بأخفّ الحركات وهو الفتح، ولو حرّك إلى الكسر كان جائزًا إتباعًا لحركة لام الفعل حركة عينه، وإن شئت فلأنّ الجزم إذا حرّك حرّك إلى الكسر.
وقرأ ذلك بعض أهل الحجاز وبعض أهل البصرة: لا تضارّ والدةٌ بولدها رفعٌ ومن قرأه كذلك لم يحتمل قراءته معنى النّهي، ولكنّها تكون الخبر عطفًا بقوله {لا تضارّ} على قوله: {لا تكلّف نفسٌ إلاّ وسعها}.
وقد زعم بعض نحويّي البصرة أنّ معنى من رفع لا تضارّ والدةٌ بولدها هكذا في الحكم، أنّه لا تضارّ والدةٌ بولدها، أي ما ينبغي أن تضارّ، فلمّا حذفت ينبغي وصار تضارّ في وضعه صار على لفظه، واستشهد لذلك بقول الشّاعر:
على الحكم المأتيّ يومًا إذا = قضى قضيّته أن لا يجور ويقصد
فزعم أنّه رفع يقصد بمعنى ينبغي والمحكيّ عن العرب سماعًا غير الّذي قال؛ وذلك أنّه روي عنهم سماعًا فتصنع ماذا إذا أرادوا أن يقولوا: فتريد أن تصنع ماذا؟ فينصبونه بنيّة أن؛ وإذا لم ينووا أن ولم يريدوها،
[جامع البيان: 4/214]
قالوا: فتريد ماذا، فيرفعون تريد، لأنّ لا جالبٌ لـ أن قبله، كما كان له جالبٌ قبل تصنع، فلو كان معنى قوله لا تضارّ إذا قرئ رفعًا بمعنى: ينبغي أن لا تضارّ، أما ما ينبغي أنّ تضارّ، ثمّ حذف ينبغي وأن، وأقيم تضارّ مقام ينبغي لكان الواجب أن يقرأ إذا قرئ بذلك المعنى نصبًا لا رفعًا، ليعلم بنصبه المتروك قبله المعنيّ بالمراد، كما فعل بقولهم فتصنع ماذا، ولكنّ معنى ذلك ما قلنا إذا رفع على العطف على لا تكلّف ليست تكلّف نفسٌ إلاّ وسعها، وليست تضارّ والدةٌ بولدها، يعني بذلك أنّه ليس ذلك في دين اللّه وحكمه وأخلاق المسلمين.

وأولى القراءتين بالصّواب في ذلك قراءة من قرأ بالنّصب، لأنّه نهيٌ من اللّه تعالى ذكره كلّ واحدٍ من أبوي المولود عن مضارّة صاحبه له حرامٌ عليهما ذلك بإجماع المسلمين، فلو كان ذلك خبرًا لكان حرامًا عليهما ضرارهما به كذلك.
وبما قلنا من ذلك من أنّ ذلك بمعنى النّهي تأوّله أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {لا تضارّ والدةٌ بولدها} لا تأبى أن ترضعه ليشقّ ذلك على أبيه، ولا يضارّ الوالد بولده، فيمنع أمّه أن ترضعه ليحزنها.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثله.
[جامع البيان: 4/215]
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {لا تضارّ والدةٌ بولدها ولا مولودٌ له بولده} قال: نهى اللّه تعالى عن الضّرار وقدّم فيه، فنهى اللّه أن يضارّ الوالد فينتزع الولد من أمّه إذا كانت راضيةً بما كان مسترضعًا به غيرها، ونهيت الوالدة أن تقذف الولد إلى أبيه ضرارًا.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {لا تضارّ والدةٌ بولدها} ترمي به إلى أبيه ضرارًا {ولا مولودٌ له بولده} يقول: ولا الوالد فينتزعه منها ضرارًا إذا رضيت من أجر الرّضاع ما رضي به غيرها، فهي أحقّ به إذا رضيت بذلك.
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن يونس، عن الحسن: {لا تضارّ والدةٌ بولدها} قال: ذلك إذا طلّقها، فليس له أن يضارّها، فينتزع الولد منها إذا رضيت منه بمثل ما يرضى به غيرها، وليس لها أن تضارّه فتكلّفه ما لا يطيق إذا كان إنسانًا مسكينًا فتقذف إليه ولده.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا أبو زهيرٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك: {لا تضارّ والدةٌ بولدها} لا تضارّ أمٌّ بولدها، ولا أبٌ بولده يقول: لا تضارّ أمٌّ بولدها فتقذفه إليه إذا كان الأب حيًّا أو إلى عصبته إذا كان الأب ميّتًا، ولا يضارّ الأب المرأة إذا أحبّت أن ترضع ولدها ولا ينتزعه.
[جامع البيان: 4/216]
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {لا تضارّ والدةٌ بولدها} يقول لا ينزع الرّجل ولده من امرأته فيعطيه غيرها بمثل الأجر الّذي تقبله هي به، ولا تضارّ والدةٌ بولدها فتطرح الأمّ إليه ولده تقول: لا إليه ساعة تضعه، ولكن عليها من الحقّ أن ترضعه حتّى يطلب مرضعًا.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني اللّيث، قال: حدّثني عقيلٌ، عن ابن شهابٍ، وسئل عن قول اللّه تعالى ذكره: {والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين} إلى {لا تضارّ والدةٌ بولدها ولا مولودٌ له بولده} قال ابن شهابٍ، والوالدات أحقّ برضاع أولادهنّ ما قبلن رضاعهنّ بما يعطى غيرهنّ من الأجر، وليس للوالدة أنّ تضارّ بولدها فتأبى رضاعه مضارّةً، وهي تعطى عليه ما يعطى غيرها من الأجر، وليس للمولود له أن ينزع ولده من والدته مضارًّا لها وهي تقبل من الأجر ما يعطاه غيرها.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا مهران، وحدّثني عليٌّ، قال حدّثنا زيدٌ جميعًا، عن سفيان، في قوله: {لا تضارّ والدةٌ بولدها} لا ترم بولدها إلى الأب إذا فارقها تضارّه بذلك {ولا مولودٌ له بولده} ولا ينزع الأب منها ولدها، يضارّها بذلك.
[جامع البيان: 4/217]
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {لا تضارّ والدةٌ بولدها ولا مولودٌ له بولده} قال: لا ينزعه منها وهي تحبّ أن ترضعه فيضارّها، ولا تطرحه عليه وهو لا يجد من ترضعه ولا يجد ما يسترضعه به.
- حدّثنا عمرو بن عليٍّ الباهليّ، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثني ابن جريجٍ، عن عطاءٍ، في قوله: {لا تضارّ والدةٌ بولدها} قال: لا تدعنه ورضاعه من شنآنها مضارّةٌ لأبيه، ولا يمنعها الّذي عنده مضارّةٌ لها.
وقال بعضهم: الوالدة الّتي نهى الرّجل عن مضارّتها: ظئر الصّبيّ.
ذكر من قال ذلك
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا مسلم بن إبراهيم، قال: حدّثنا هارون النّحويّ، قال: حدّثنا الزّبير بن الخرّيت، عن عكرمة، في قوله: {لا تضارّ والدةٌ بولدها} قال: هي الظّئر.
فمعنى الكلام: لا يضارر والدٌ مولودٌ والدته بمولوده منها، ولا والدة مولودٍ والده بمولودها منه، ثمّ ترك ذكر الفاعل في يضارّ، فقيل: لا تضارّ والدةٌ بولدها، ولا مولودٌ له بولده،
[جامع البيان: 4/218]
كما يقال إذا نهي عن إكرام رجلٍ بعينه فيما لم يسمّ فاعله ولم يقصد بالنّهي عن إكرامه قصد شخصٍ بعينه: لا يكرم عمرٌو، ولا يجلس إلى أخيه، ثمّ ترك التّضعيف فقيل: لا يضارّ، فحرّكت الرّاء الثّانية الّتي كانت مجزومةً لو أظهر التّضعيف بحركة الرّاء الأولى.
وقد زعم بعض أهل العربيّة أنّها إنّما حرّكت إلى الفتح في هذا الموضع لأنّه أخف الحركات وليس للّذي قال من ذلك معنًى؛ لأنّ ذلك إنّما كان جائزًا أن يكون كذلك لو كان معنى الكلام: لا تضارر والدةٌ بولدها، وكان المنهيّ عن الضّرار هي الوالدة على أنّ معنى الكلام لو كان كذلك لكان الكسر في تضارّ أفصح من الفتح، والقراءة به كانت أصوب من القراءة بالفتح، كما أنّ مدّ بالثّوب أفصح من مدّ به، وفي إجماع القرّاء على قراءة: {لا تضارّ} بالفتح دون الكسر دليلٌ واضحٌ على إغفال من حكيت قوله من أهل العربيّة في ذلك.
فإن كان قائلٌ ذلك قاله توهّمًا منه أنّه معنى ذلك: لا تضارر والدةٌ، وأنّ الوالدة مرفوعةٌ بفعلها، وأنّ الرّاء الأولى حظّها الكسر؛ فقد أغفل تأويل الكلام، وخالف قول جميع من حكينا قوله من أهل التّأويل
[جامع البيان: 4/219]
وذلك أنّ اللّه تعالى ذكره تقدّم إلى كلّ واحدٍ من أبوي المولود بالنّهي عن ضرار صاحبه بمولودهما، لا أنّه نهي كلّ واحدٍ منهما عن أن يضارّ المولود، وكيف يجوز أن ينهاه عن مضارّة الصّبيّ، والصّبيّ في حال ما هو رضيعٌ غير جائزٍ أن يكون منه ضرارٌ لأحدٍ، فلو كان ذلك معناه، لكلّ التّنزيل: لا تضرّ والدةٌ بولدها.
وقد زعم آخرون من أهل العربيّة أنّ الكسر في تضارّ جائزٌ والكسر في ذلك عندي غير جائزٍ في هذا الموضع، لأنّه إذا كسر تغيّر معناه عن معنى لا تضارر الّذي هو في مذهب ما لم يسمّ فاعله، إلى معنى لا تضارر الّذي هو في مذهب ما قد سمّي فاعله.
فإذ كان اللّه تعالى ذكره قد نهى كلّ واحدٍ من أبوي المولود عن مضارّة صاحبه بسبب ولدهما، فحقّ على إمام المسلمين إذا أراد الرّجل نزع ولده من أمّه بعد بينونتها منه، وهي تحضنه، وتكلّفه، وترضعه بما يحضنه به غيرها ويكلّفه به ويرضعه من الأجرة، أن يأخذ الوالد بتسليم ولدها ما دام محتاجًا الصّبيّ إليها في ذلك بالأجرة الّتي يعطاها غيرها، وحقٌّ إذا كان الصّبيّ لا يقبل ثدي غير والدته، أو كان المولود له لا يجد من يرضع ولده، وإن كان يقبل ثدي غير أمّه، أو كان معدمًا لا يجد ما يستأجر به مرضعًا ولا يجد من يتبرّع عليه برضاع مولوده، أن يأخذ والدته البائنة من والده برضاعه وحضانته؛ لأنّ اللّه تعالى ذكره إن حرّم على كلّ واحدٍ من أبويه ضرار صاحبه بسببه، فالإضرار به أحرى أن يكون محرّمًا مع ما في الإضرار به من مضارّة صاحبه). [جامع البيان: 4/220]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وعلى الوارث مثل ذلك}.
اختلف أهل التّأويل في الوارث الّذي عنى اللّه تعالى ذكره بقوله: {وعلى الوارث مثل ذلك} وأيّ وارثٍ هو؟ ووارث من هو؟ فقال بعضهم: هو وارث الصّبيّ؛ وقالوا: معنى الآية: وعلى وارث الصّبيّ إذا كان أبوه ميّتًا الّذي كان على أبيه في حياته.
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {وعلى الوارث مثل ذلك} على وارث الولد.
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وعلى الوارث مثل ذلك} على وارث الولد.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويدٌ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن معمرٍ، عن قتادة: {وعلى الوارث مثل ذلك} قال: وعلى وارث الصّبيّ مثل ما على أبيه.
ثمّ اختلف قائلو هذه المقالة في وارث المولود الّذي ألزمه اللّه تعالى مثل الّذي وصف، فقال بعضهم: هم وارث الصّبيّ من قبل أبيه من عصبته كائنًا من كان أخًا كان أو عمًّا أو ابن عمٍّ أو ابن أخٍ.
[جامع البيان: 4/221]
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا ابن جريجٍ، أنّ عمرو بن شعيبٍ، أخبره أنّ سعيد بن المسيّب أخبره أنّ عمر بن الخطّاب، رضي اللّه عنه قال في قوله: {وعلى الوارث مثل ذلك} قال: وقف بني عمٍّ على منفوسٍ بنى عمه كلالةً بالنّفقة عليه مثل العاقلة.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، أنّ الحسن، كان يقول: {وعلى الوارث مثل ذلك} على العصبة.
- حدّثنا عمرو بن عليٍّ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن إدريس، وأبو عاصمٍ، قالا: حدّثنا ابن جريجٍ، عن عمرو بن شعيبٍ، عن سعيد بن المسيّب قال: وقف عمر، ابن عمٍّ منفوسٍ كلالةً برضاعه.
[جامع البيان: 4/222]
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن يونس، أنّ الحسن، كان يقول: إذا توفّي الرّجل وامرأته حاملٌ، فنفقتها من نصيبها، ونفقة ولدها من نصيبه من ماله إن كان له، فإن لم يكن له مالٌ فنفقته على عصبته قال: وكان يتأوّل قوله: {وعلى الوارث مثل ذلك} على الرّجال.
- حدّثنا عمرو بن عليٍّ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن يونس، عن الحسن، قال: على العصبة الرّجال دون النّساء.
- حدّثنا أبو كريبٍ، وعمرو بن عليٍّ، قالا: حدّثنا ابن إدريس، قال: حدّثنا هشامٌ، عن ابن سيرين، أنّه أتي عبد اللّه بن عتبة مع اليتيم وليّه، ومع اليتيم من يتكلّم في نفقته، فقال لوليّ اليتيم: لو لم يكن له مالٌ لقضيت عليك بنفقته، لأنّ اللّه تعالى يقول: {وعلى الوارث مثل ذلك}.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: حدّثنا أيّوب، عن محمّد بن سيرين، قال: أتي عبد اللّه بن عتبة، في رضاع صبيٍّ، فجعل رضاعه في ماله، وقال لوليّه: لو لم يكن له مالٌ جعلنا رضاعه في مالك، ألا تراه يقول: {وعلى الوارث مثل ذلك}.
[جامع البيان: 4/223]
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن مغيرة، عن إبراهيم، في قوله: {وعلى الوارث مثل ذلك} قال: على الوارث ما على الأب إذا لم يكن للصّبيّ مالٌ، وإذا كان له ابن عمٍّ، أو عصبةٌ ترثه فعليه النّفقة.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {وعلى الوارث مثل ذلك} قال: الوليّ من كان.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويدٌ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن أبي بشرٍ ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا عبد اللّه بن محمّدٍ الحنفيّ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن عثمان، قال: أخبرنا ابن المبارك، قال: أخبرنا يعقوب يعني ابن القاسم، عن عطاءٍ، وقتادة في يتيمٍ ليس له شيءٌ: أتجبر أولياؤه على نفقته؟ قالا: نعم، ينفق عليه حتّى يدرك.
- حدّثت عن يعلى بن عبيدٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، قال: إن مات أبو الصّبيّ وللصّبيّ مالٌ أخذ رضاعه من المال، وإن لم يكن له مالٌ أخذ من العصبة، فإن لم يكن للعصبة مالٌ أجبرت عليه أمّه.
وقال آخرون منهم: بل ذلك على وارث المولود من كان من الرّجال والنّساء.
[جامع البيان: 4/224]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، أنّه كان يقول: {وعلى الوارث مثل ذلك} على وارث المولود ما كان على الوالد من أجر الرّضاع إذا كان الولد لا مال له على الرّجال، والنّساء على قدر ما يرثون.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الزّهريّ: أنّ عمر بن الخطّاب، رضي اللّه عنه أغرم ثلاثةً كلّهم يرث الصّبيّ أجر رضاعه.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن أيّوب، عن ابن سيرين: أنّ عبد اللّه بن عتبة، جعل نفقة صبيٍّ من ماله، وقال لوارثه: أما إنّه لو لم يكن له مالٌ أخذناك بنفقته، ألا ترى أنّه يقول: {وعلى الوارث مثل ذلك}.
وقال آخرون منهم: هو من ورثته من كان منهم ذا رحمٍ محرّمٍ للمولود، فأمّا من كان ذا رحمٍ منه وليس بمحرّمٍ كابن العمّ، والمولى ومن أشبههما فليس من عناه اللّه بقوله: {وعلى الوارث مثل ذلك}.
[جامع البيان: 4/225]
والّذين قالوا هذه المقالة: أبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمّدٌ.
وقالت فرقةٌ أخرى: بل الّذي عنى اللّه تعالى ذكره بقوله: {وعلى الوارث مثل ذلك} المولود نفسه.
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن عبد الحكم المصريّ، قال: حدّثنا أبو زرعة وهب اللّه بن راشدٍ، قال: أخبرنا حيوة بن شريحٍ، قال: أخبرنا جعفر بن ربيعة، أنّ بشير ابن النضرٍ المزنيّ، وكان قاضيًا قبل ابن حجيرة في زمان عبد العزيز كان يقول: {وعلى الوارث مثل ذلك} قال: الوارث: هو الصّبيّ.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن يزيد المقرئ، قال: أخبرنا حيوة، قال: أخبرنا جعفر بن ربيعة، عن قبيصة بن ذؤيبٍ: {وعلى الوارث مثل ذلك} قال: هو الصّبيّ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويدٌ قال: أخبرنا ابن المبارك، عن حيوة بن شريحٍ قال: أخبرني جعفر بن ربيعة، أنّ قبيصة بن ذؤيبٍ كان يقول: الوارث: هو الصّبيّ، يعني قوله: {وعلى الوارث مثل ذلك}.
[جامع البيان: 4/226]
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويدٌ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك: {وعلى الوارث مثل ذلك} قال: يعني بالوارث: الولد الّذي يرضع.
قال أبو جعفرٍ: وتأويل ذلك على ما تأوّله هؤلاء: وعلى الوارث المولود مثل ما كان على المولود له وقال آخرون: بل هو الباقي من والدي المولود بعد وفاة الآخر. منهما.
ذكر من قال ذلك
- حدّثني عبد اللّه بن محمّدٍ الحنفيّ، قال: أخبرنا عبد اللّه بن عثمان، قال: أخبرنا ابن المبارك، قال: سمعت سفيان، يقول: في صبيٍّ له عمٌّ وأمٌّ وهي ترضعه، قال: لكون رضاعه بينهما، ويرفع عن العمّ بقدر ما ترث الأمّ، لأنّ الأمّ تجبر على النّفقة على ولدها). [جامع البيان: 4/227]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {مثل ذلك}.
اختلف أهل التّأويل في تأويل قوله: {مثل ذلك} فقال بعضهم: تأويله: وعلى الوارث للصّبيّ بعد وفاة أبويه مثل الّذي كان على والده من أجر رضاعه، ونفقته، إذا لم يكن للمولود مالٌ.
[جامع البيان: 4/227]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن مغيرة، عن إبراهيم، في قوله: {وعلى الوارث مثل ذلك} قال: على الوارث رضاع الصّبيّ.
- حدّثنا عمرو بن عليٍّ، ومحمّد بن بشّارٍ قالا: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا أبو عوانة، عن منصورٍ، عن إبراهيم: {وعلى الوارث مثل ذلك} قال: أجر الرّضاع.
- حدّثنا عمرو بن عليٍّ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن المغيرة، عن إبراهيم: {وعلى الوارث مثل ذلك} قال: الرّضاع.
- حدّثنا عمرو بن عليٍّ قال: حدّثنا عبد الرّحمن قال: حدّثنا أبو عوانة، عن المغيرة، عن إبراهيم، في قوله: {وعلى الوارث مثل ذلك} قال: أجر الرّضاع.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن أيّوب، عن محمّد بن سيرين، عن عبد اللّه بن عتبة، {وعلى الوارث مثل ذلك} قال: الرّضاع.
- حدّثنا عمرو بن عليٍّ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن أيّوب، عن محمّدٍ، عن عبد اللّه بن عتبة، في قوله: {وعلى الوارث مثل ذلك} قال: النّفقة بالمعروف.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن مغيرة، عن إبراهيم: {وعلى الوارث مثل ذلك} قال: على الوارث ما على الأب من الرّضاع إذا لم يكن للصّبيّ مالٌ.
[جامع البيان: 4/228]
- حدّثنا سفيان، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: الرّضاع، والنّفقة.
- حدّثني أحمد بن حازمٍ، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا سفيان، عن إبراهيم: {وعلى الوارث مثل ذلك} قال: الرّضاع.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا أبو عوانة، عن عطاء بن السّائب، عن الشّعبيّ، قال: الرّضاع.
- حدّثنا عمرو بن عليٍّ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، قال: حدّثنا أبو عوانة، عن مطرّفٍ، عن الشّعبيّ: {وعلى الوارث مثل ذلك} قال: أجر الرّضاع.
- حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا أبو عوانة، عن مغيرة، عن إبراهيم، والشّعبيّ مثله.
- حدّثنا أبو كريبٍ، وعمرو بن عليٍّ، قالا: حدّثنا عبد اللّه بن إدريس، قال سمعت هشامًا، عن الحسن، في قوله: {وعلى الوارث مثل ذلك} قال: الرّضاع.
- حدّثني أبو السّائب، قال: حدّثنا ابن إدريس، عن هشامٍ، وأشعث، عن الحسن، مثله.
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن يونس، عن الحسن: {وعلى الوارث مثل ذلك} يقول في النّفقة على الوارث إذا لم يكن له مالٌ.
[جامع البيان: 4/229]
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن قيس بن سعدٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا عمرو بن عليٍّ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن قيس بن سعدٍ، عن مجاهدٍ: {وعلى الوارث مثل ذلك} قال: النّفقة بالمعروف.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {وعلى الوارث مثل ذلك} على الوليّ كفله، ورضاعه إن لم يكن للمولود مالٌ.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني الحجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ قال: {وعلى الوارث مثل ذلك} قال: وعلى الوارث من كان مثل ما وصف من الرّضاع.
- قال ابن جريجٍ، وأخبرني عبد اللّه بن كثيرٍ، عن مجاهدٍ، مثل ذلك في الرّضاعة، قال: {وعلى الوارث مثل ذلك} قال: وعلى الوارث أيضًا كفله ورضاعه إن لم يكن له مالٌ، وأن لا يضارّ أمّه.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني الحجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ الخراسانيّ، عن ابن عبّاسٍ: {وعلى الوارث مثل ذلك} قال: نفقته حتّى يفطم إن كان أبوه لم يترك له مالاً.
[جامع البيان: 4/230]
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {وعلى الوارث مثل ذلك} قال: وعلى وارث الولد ما كان على الولد من أجر الرّضاع إذا كان الولد لا مال له.
- حدّثني عبد اللّه بن محمّدٍ الحنفيّ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن عثمان، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن معمرٍ، عن قتادة: {وعلى الوارث مثل ذلك} قال: على وارث الصّبيّ مثل ما على أبيه، إذا كان قد هلك أبوه ولم يكن له مالٌ، فإنّ على الوارث أجر الرّضاع.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن إبراهيم: {وعلى الوارث مثل ذلك} قال: إذا مات وليس له مالٌ كان على الوارث رضاع الصّبيّ.
وقال آخرون: بل تأويل ذلك: وعلى الوارث مثل ذلك أن لا يضارّ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا عمرو بن عليٍّ، ومحمّد بن بشّارٍ، قالا: حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، قال: حدّثنا حمّاد بن زيدٍ، عن عليّ بن الحكم، عن الضّحّاك بن مزاحمٍ: {وعلى الوارث مثل ذلك} قال: أن لا يضارّ.
[جامع البيان: 4/231]
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن عاصمٍ الأحولٍ، عن الشّعبيّ، في قوله: {وعلى الوارث مثل ذلك} قال: لا يضارّ، ولا غرم عليه.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن جابرٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {وعلى الوارث مثل ذلك} أن لا يضارّ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثنا اللّيث، قال: حدّثني عقيلٌ، عن ابن شهابٍ: {والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين} قال: الوالدات أحقّ برضاع أولادهنّ ما قبلن رضاعهنّ بما يعطى غيرهنّ من الأجر وليس لوالدةٍ أن تضارّ بولدها فتأبى رضاعه مضارّةً، وهي تعطى عليه ما يعطى غيرها، وليس للمولود له أن ينزع ولده من والدته ضرارًا لها، وهي تقبل من الأجر ما يعطى غيرها {وعلى الوارث مثل ذلك} مثل الّذي على الوالد في ذلك.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا مهران، وحدّثنا عليٌّ، قال: حدّثنا زيدٌ، عن سفيان: {وعلى الوارث مثل ذلك} قال: أن لا يضارّ وعليه مثل ما على الأب من النّفقة، والكسوة.
وقال آخرون: بل تأويل ذلك: وعلى وارث المولود مثل الّذي كان على المولود له من رزق والدته، وكسوتها بالمعروف.
[جامع البيان: 4/232]
ذكر من قال ذلك
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويدٌ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك: {وعلى الوارث مثل ذلك} قال: على الوارث عند الموت مثل ما على الأب للمرضع من النّفقة، والكسوة، قال: ويعني بالوارث: الولد الّذي يرضع أن يؤخذ من ماله إن كان له مالٌ أجر ما أرضعته أمّه، فإن لم يكن للمولود مالٌ ولا لعصبته فليس لأمّه أجرٌ، وتجبر على أنّ ترضع ولدها بغير أجرٍ.
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وعلى الوارث مثل ذلك} قال: على وارث الولد مثل ما على الوالد من النّفقة، والكسوة.
وقال آخرون: معنى ذلك: وعلى الوارث مثل ما ذكره اللّه تعالى ذكره.
ذكر من قال ذلك
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويدٌ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن ابن جريجٍ، قال: قلت لعطاءٍ: قوله تعالى ذكره: {وعلى الوارث مثل ذلك} قال: مثل ما ذكره اللّه تعالى ذكره.
قال أبو جعفرٍ: وأولى الأقوال بالصّواب في تأويل قوله: {وعلى الوارث مثل ذلك} أن يكون المعنى بالوارث ما قاله قبيصة بن ذؤيبٍ، والضّحّاك بن مزاحمٍ ومن ذكرنا قوله آنفًا من أنّه معنيّ بالوارث المولود، وفي قوله: {مثل ذلك}
[جامع البيان: 4/233]
أن يكون معنيًّا به مثل الّذي كان على والده من رزق والدته، وكسوتها بالمعروف إن كانت من أهل الحاجة، وهي ذات زمانةٍ، وعاهةٍ، ومن لا احتراف فيها ولا زوج لها تستغني به، وإن كانت من أهل الغنى والصّحّة، فمثل الّذي كان على والده لها من أجر رضاعه.
وإنّما قلنا هذا التّأويل أولى بالصّواب ممّا عداه من سائر التّأويلات الّتي ذكرناها، لأنّه غير جائزٍ أن يقال في تأويل كتاب اللّه تعالى ذكره قولٌ إلاّ بحجّةٍ واضحةٍ على ما قد بيّنّا في أوّل كتابنا هذا، وإذ كان ذلك كذلك، وكان قوله: {وعلى الوارث مثل ذلك} محتملاً ظاهره: وعلى وارث الصّبيّ المولود مثل الّذي كان على المولود له، ومحتملاًوعلى وارث المولود له مثل الّذي كان عليه في حياته من ترك ضرار الوالدة ومن نفقة المولود، وغير ذلك من التّأويلات على نحو ما قد قدّمنا ذكرها، وكان الجميع من الحجّة قد أجمعوا على أنّ من ورثة المولود من لا شيء عليه من نفقته وأجر رضاعه، وصحّ بذلك من الدّلالة على أنّ سائر ورثته غير آبائه، وأمّهاته، وأجداده، وجدّاته من قبل أبيه أو أمّه في حكمه، في أنّهم لا يلزمهم له نفقةٌ ولا أجر رضاعٍ، إذ كان مولى النّعمة من ورثته، وهو ممّن لا يلزمه له نفقةٌ، ولا أجر رضاعٍ فوجب بإجماعهم على ذلك أنّ حكم سائر ورثته غير من استثني حكمه،
[جامع البيان: 4/234]
وكان إذا بطل أن يكون معنى ذلك ما وصفنا من أنّه معنيّ به ورثة المولود، فبطول القول الآخر وهو أنّه معنيّ به ورثة المولود له سوى المولود أحرى؛ لأنّ الّذي هو أقرب بالمولود قرابةً ممّن هو أبعد منه إذا لم يصحّ وجوب نفقته وأجر رضاعه عليه، فالّذي هو أبعد منه قرابةً أحرى ألا يصحّ وجوب ذلك عليه.
وأمّا الّذي قلنا من وجوب رزق الوالدة، وكسوتها بالمعروف على ولدها إذا كانت الوالدة بالصّفة الّتي وصفنا على مثل الّذي كان يجب لها من ذلك على المولود له، فما لا خلاف فيه من أهل العلم جميعًا، فصحّ ما قلنا في الآية من التّأويل بالنّقل المستفيض وراثةً عمّن لا يجوز خلافه، وما عدا ذلك من التّأويلات فمتنازعٌ فيه، وقد دلّلنا على فساده). [جامع البيان: 4/235]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فإن أرادا فصالاً عن تراض منهما وتشاورٍ فلا جناح عليهما}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {فإن أرادا} إن أراد والد المولود، ووالدته فصالاً، يعني فصال ولدهما من اللّبن ويعني بالفصال: الفطام، وهو مصدرٌ من قول القائل: فاصلت فلانًا أفاصله مفاصلةً وفصالاً: إذا فارقه من خلطةٍ كانت بينهما، فكذلك فصال الفطيم، إنّما هو منعه اللّبن وقطعه شربه، وفراقه ثدي أمّه إلى الاغتذاء بالأقوات الّتي يغتذي بها البالغ من الرّجال.
وبما قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
[جامع البيان: 4/235]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: {فإن أرادا فصالاً} يقول إن أرادا أن يفطماه قبل الحولين.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثنا معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، {فإن أرادا فصالاً} فإن أرادا أن يفطماه قبل الحولين وبعده.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو زهيرٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك: {فإن أرادا فصالاً عن تراضٍ، منهما} قال: الفطام.
وأمّا قوله: {عن تراض منهما وتشاورٍ} فإنّه يعني بذلك: عن تراض من والدي المولود وتشاورٍ منهما.
ثمّ اختلف أهل التّأويل في الوقت الّذي أسقط اللّه الجناح عنهما إن فطماه عن تراض منهما، وتشاورٍ، وأيّ الأوقات الّذي عناه اللّه تعالى ذكره بقوله: {فإن أرادا فصالاً عن تراض منهما وتشاورٍ} فقال بعضهم: عنى بذلك: فإن أرادا فصالاً في الحولين عن تراض منهما وتشاورٍ، فلا جناح عليهما.
[جامع البيان: 4/236]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {فإن أرادا فصالاً عن تراضٍ، منهما وتشاورٍ} يقول: إذا أرادا أن يفطماه قبل الحولين فتراضيا بذلك، فليفطماه.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة: إذا أرادت الوالدة أن تفصل، ولدها قبل الحولين، فكان ذلك عن تراض منهما وتشاورٍ، فلا بأس به.
- حدّثنا سفيان، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ: {فإن أرادا فصالاً عن تراضٍ، منهما وتشاورٍ} قال: التّشاور فيما دون الحولين ليس لها أن تفطمه إلاّ أن يرضى، وليس له أن يفطمه إلاّ أن ترضى.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويدٌ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن سفيان، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، قال: التّشاور: ما دون الحولين، فإن أرادا فصالاً عن تراض منهما وتشاورٍ دون الحولين، فلا جناح عليهما، فإن لم يجتمعا فليس لها أن تفطمه دون الحولين.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا سفيان عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، قال: التّشاور: ما دون الحولين، ليس لها حتّى يجتمعا.
[جامع البيان: 4/237]
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني اللّيث، قال: أخبرنا عقيلٌ، عن ابن شهابٍ: {فإن أرادا فصالاً} يفصلان ولدهما {عن تراضٍ منهما وتشاورٍ} دون الحولين الكاملين، {فلا جناح عليهما}.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا مهران، وحدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا زيدٌ، جميعًا، عن سفيان، قال: التّشاور ما دون الحولين إذا اصطلحا دون ذلك، وذلك قوله: {فإن أرادا فصالاً عن تراض منهما وتشاورٍ} فإن قالت المرأة: أنا أفطمه قبل الحولين، وقال الأب لا، فليس لها أن تفطمه قبل الحولين وإن لم ترض الأمّ فليس له ذلك حتّى يجتمعا فإن اجتمعا قبل الحولين فطماه، وإذا اختلفا لم يفطماه قبل الحولين، وذلك قوله: {فإن أرادا فصالاً عن تراض منهما وتشاورٍ فلا جناح عليهما}.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ فى قوله: {فإن أرادا فصالاً عن تراضٍ، منهما وتشاورٍ} قال: قبل السّنتين {فلا جناح عليهما}.
وقال آخرون: معنى ذلك: فإن أرادا فصالاً عن تراض منهما وتشاورٍ، فلا جناح عليهما في أيّ وقتٍ أرادا ذلك، قبل الحولين أرادا ذلك أم بعد ذلك.
[جامع البيان: 4/238]
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ: {فإن أرادا فصالاً عن تراضٍ منهما وتشاورٍ فلا جناح عليهما} أن يفطماه قبل الحولين وبعده.
وأمّا قوله: {عن تراض منهما وتشاورٍ} فإنّه يعني: عن تراض منهما وتشاورٍ فيما فيه مصلحة المولود لفطمه.
- كما حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {فإن أرادا فصالاً عن تراضٍ، منهما وتشاورٍ} قال: غير مسيئين في ظلم أنفسهما ولا إلى صبيّهما {فلا جناح عليهما}.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
وأولى التّأويلين بالصّواب، تأويل من قال: فإن أرادا فصالاً في الحولين عن تراض منهما وتشاورٍ، لأنّ تمام الحولين غايةٌ لتمام الرّضاع وانقضائه، ولا تشاور بعد انقضائه؛ وإنّما التّشاور والتّراضي قبل انقضاء نهايته.
فإن ظنّ ذو غفلةٍ أنّ للتّشاور بعد انقضاء الحولين معنى صحيحًا، إذ كان من الصّبيان من تكون به علّةٌ يحتاج من أجلها إلى تركه، والاغتذاء بلبن أمّه، فإنّ ذلك إذا كان كذلك، فإنّما هو علاجٌ كالعلاج بشرب بعض الأدوية لا رضاعٌ،
[جامع البيان: 4/239]
فأمّا الرّضاع الّذي يكون في الفصال منه قبل انقضاء آخره تراضٍ وتشاورٌ من والدي الطّفل الّذي أسقط اللّه تعالى ذكره لفطمهما إيّاه الجناح عنهما قبل انقضاء آخر مدّته، فإنّما الحدّ الّذي حدّه اللّه تعالى ذكره بقوله: {والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة} على ما قد أتينا على البيان عنه فيما مضى قبل.
وأمّا الجناح: فالحرج.
- كما حدّثني به المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ: {فلا جناح عليهما} فلا حرج عليهما). [جامع البيان: 4/240]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلّمتم ما آتيتم بالمعروف}.
يعني تعالى ذكره بذلك: وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم مراضع غير أمّهاتهم إذا أبت أمّهاتهم أن يرضعنهم بالّذي يرضعنهم به غيرهنّ من الأجر، أو من خيفة ضيعةٍ منكم على أولادكم بانقطاع ألبان أمّهاتهم أو غير ذلك من الأسباب، فلا حرج عليكم في استرضاعهنّ إذا سلّمتم ما آتيتم بالمعروف.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم} خيفة الضّيعة على الصّبيّ فلا جناح عليكم.
[جامع البيان: 4/240]
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني عبد اللّه بن محمّدٍ الحنفيّ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن عثمان، قال: أخبرنا ابن المبارك، قال: أخبرنا أبو بشرٍ ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم} إن قالت المرأة: لا طاقة لي به فقد ذهب لبني، فتسترضع له أخرى.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويدٌ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، قال: ليس للمرأة أن تترك، ولدها بعد أن يصطلحا على أن ترضع، ويسلّمان ويجبران على ذلك، قال: فإن تعاسروا عند طلاقٍ، أو موتٍ في الرّضاع فإنّه يعرض على الصّبيّ المراضع، فإن قبل مرضعًا صار ذلك وأرضعته، وإن لم يقبل مرضعًا فعلى أمّه أن ترضعه بالأجر إن كان له مالٌ أو لعصبته، فإن لم يكن له مالٌ ولا لعصبته أكرهت على رضاعه.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا مهران، وحدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا زيدٌ، جميعًا، عن سفيان: {وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم} إذا أبت الأمّ أن ترضعه فلا جناح على الأب أن يسترضع له غيرها.
[جامع البيان: 4/241]
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلّمتم ما آتيتم بالمعروف} قال: إذا رضيت الوالدة أن تسترضع ولدها ورضي الأب أن يسترضع ولده، فليس عليهما جناحٌ.
واختلفوا في قوله: {إذا سلّمتم ما آتيتم بالمعروف} فقال بعضهم: معناه: إذا سلّمتم لأمّهاتهم ما فارقتموهنّ عليه من الأجرة على رضاعهنّ بحساب ما استحقّته إلى انقطاع لبنها، أو الحال الّتي عذر أبو الصّبيّ بطلب مرضعٍ لولده غير أمّه واسترضاعه له.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {إذا سلّمتم ما آتيتم بالمعروف} قال: حساب ما أرضع به الصّبيّ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {إذا سلّمتم ما آتيتم بالمعروف} حساب ما يرضع به الصّبيّ.
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {إذا سلّمتم ما آتيتم بالمعروف} إن قالت يعني الأمّ: لا طاقة لي به فقد ذهب لبني، فتسترضع له أخرى، وليسلّم لها أجرها بقدر ما أرضعت.
[جامع البيان: 4/242]
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثني سويدٌ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن ابن جريجٍ، قال: قلت، يعني لعطاءٍ: {وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم} قال: أمّه وغيرها {فلا جناح عليكم إذا سلّمتم} قال: إذا سلّمت لها أجرها {ما آتيتم} قال: ما أعطيتم.
وقال آخرون: معنى ذلك: إذا سلّمتم للاسترضاع عن مشورةٍ منكم ومن أمّهات أولادكم الّذين تسترضعون لهم، وتراضٍ منكم ومنهنّ باسترضاعهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {فلا جناح عليكم إذا سلّمتم ما آتيتم بالمعروف} يقول: إذا كان ذلك عن مشورةٍ ورضًا منهم.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: أخبرني اللّيث، قال: حدّثني عقيلٌ، عن ابن شهابٍ: لا جناح عليهما أن يسترضعا، أولادهما، يعني أبوي المولود إذا سلّما ولم يتضارّا.
[جامع البيان: 4/243]
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: {إذا سلّمتم ما آتيتم بالمعروف} يقول: إذا كان ذلك عن مشورةٍ ورضًا منهم.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: إذا سلّمتم ما آتيتم بالمعروف إلى الّتي استرضعتموها بعد إباء أمّ المرضع من الأجرة بالمعروف.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا مهران، وحدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا زيدٌ، جميعًا، عن سفيان، في قوله: {إذا سلّمتم ما آتيتم بالمعروف} قال: إذا سلّمتم إلى هذه الّتي تستأجرون أجرها بالمعروف يعني إلى من استرضع للمولود إذا أبت الأمّ رضاعه.
وأولى الأقوال بالصّواب في تأويل ذلك قول من قال تأويله: وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم إلى تمام رضاعهنّ، ولم تتّفقوا أنتم ووالدتهم على فصالهم، ولم تروا ذلك من صلاحهم، فلا جناح عليكم أن تسترضعوهم ظؤورةً إن امتنعت أمّهاتهم من رضاعهم لعلّةٍ بهنّ أو لغير علّةٍ إذا سلّمتم إلى أمّهاتهم وإلى المسترضعة الآخرة حقوقهنّ الّتي آتيتموهنّ بالمعروف، يعني بذلك المعنى الّذي أوجبه اللّه لهنّ عليكم، وهو أن يوفّيهنّ أجورهنّ على ما فارقهنّ عليه في حال الاسترضاع ووقت عقد الإجارة.
[جامع البيان: 4/244]
وهذا هو المعنى الّذي قاله ابن جريجٍ، ووافقه على بعضه مجاهدٌ، والسّدّيّ، ومن قال بقولهم في ذلك.
وإنّما قضينا لهذا التّأويل أنّه أولى بتأويل الآية من غيره، لأنّ اللّه تعالى ذكره ذكر قبل قوله: {وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم} أمر فصالهم، وبيّن الحكم في فطامهم قبل تمام الحولين الكاملين، فقال: {فإن أرادا فصالاً عن تراض منهما} في الحولين الكاملين، فلا جناح عليهما، فالّذي هو أولى بحكم الآية، إذ كان قد بيّن فيها وجه الفصال قبل الحولين أن يكون الّذي يتلو ذلك حكم ترك الفصال وإتمام الرّضاع إلى غاية نهايته، وأن يكون إذ كان قد بيّن حكم الأمّ إذا هي اختارت الرّضاع بما يرضع به غيرها من الأجرة، أن يكون الّذي يتلو ذلك من الحكم بيان حكمها وحكم الولد إذا هي امتنعت من رضاعه كما كان ذلك كذلك في غير هذا الموضع من كتاب اللّه تعالى، وذلك في قوله: {فإن أرضعن لكم فآتوهنّ أجورهنّ وأتمروا بينكم بمعروفٍ وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى} فأتبع ذكر بيان رضا الوالدات برضاع أولادهنّ، ذكر بيان امتناعهنّ من رضاعهنّ، فكذلك ذلك في قوله: {وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم}.
وإنّما اخترنا في قوله: {إذا سلّمتم ما آتيتم بالمعروف} ما اخترنا من التّأويل؛ لأنّ اللّه تعالى ذكره فرض على أبي المولود تسليم حقّ والدته إليها ممّا آتاها من الأجرة على رضاعها له بعد بينونتها منه، كما فرض عليه ذلك لمن استأجره لذلك ممّن ليس من مولده بسبيلٍ، وأمره بإيتاء كلّ واحدةٍ منهما حقّها بالمعروف على رضاع ولده فلم يكن قوله: إذا سلّمتم بأن يكون معنيًّا به إذا سلّمتم إلى أمّهات أولادكم الّذين يرضعون حقوقهنّ بأولى منه بأن يكون معنيًّا به إذا سلّمتم ذلك إلى المراضع سواهنّ، ولا الغرائب من المولود
[جامع البيان: 4/245]
بأولى أن يكنّ معنيّاتٍ بذلك من الأمّهات، إذ كان اللّه تعالى ذكره قد أوجب على أبي المولود لكلّ من استأجره لرضاع ولده من تسليم أجرتها إليها مثل الّذي أوجب عليه من ذلك للأخرى، فلم يكن لنا أن نحيل ظاهر تنزيلٍ إلى باطنٍ ولا نقل عامٍّ إلى خاصٍّ إلاّ بحجّةٍ يجب التّسليم لها؛ فصحّ بذلك ما قلنا.
وأمّا معنى قوله: {بالمعروف} فإنّ معناه: بالإجمال والإحسان وترك البخس، والظّلم فيما وجب للمراضع). [جامع البيان: 4/246]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واتّقوا اللّه واعلموا أنّ اللّه بما تعملون بصيرٌ}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {واتّقوا اللّه} وخافوا اللّه فيما فرض لبعضكم على بعضٍ من الحقوق، وفيما ألزم نساءكم لرجالكم ورجالكم لنسائكم، وفيما أوجب عليكم لأولادكم؛ فاحذروه أن تخالفوه فتعتدوا في ذلك وفي غيره من فرائضه، وحقوقه - حدوده، فتستوجبوا بذلك عقوبته، واعلموا أنّ اللّه بما تعملون من الأعمال أيّها النّاس سرّها وعلانيتها، وخفيّها وظاهرها، وخيرها وشرّها، بصيرٌ يراه ويعلمه، فلا يخفى عليه شيءٌ، ولا يتغيب عنه منه شيءٌ، فهو يحصي ذلك كلّه عليكم حتّى يجازيكم بخير ذلك وشرّه.
ومعنى بصيرٍ ذو إبصارٍ، وهو في معنى مبصرٍ). [جامع البيان: 4/246]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة وعلى المولود له رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف لا تكلّف نفسٌ إلّا وسعها لا تضارّ والدةٌ بولدها ولا مولودٌ له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصالًا عن تراضٍ منهما وتشاورٍ فلا جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلّمتم ما آتيتم بالمعروف واتّقوا اللّه واعلموا أنّ اللّه بما تعملون بصيرٌ (233)
قوله: والوالدات
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ
قوله: والوالدات المطلّقات. وروي عن الزّهريّ والرّبيع بن أنسٍ، نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/428]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: يرضعن أولادهن
- حدثنا أبو زرعة، ثنا نحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني ابن لهيعة حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قول اللّه: والوالدات يرضعن أولادهنّ وهو الرّجل يطلّق امرأته وله منها ولدٌ، فهي أحقّ بولدها من غيرها، فهنّ يرضعن أولادهنّ.
- حدّثنا عصام بن روّادٍ العسقلانيّ، ثنا آدم، ثنا اللّيث بن سعدٍ عن عقيلٍ عن ابن شهابٍ الزّهريّ، في قوله: والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين يعني: الوالدات المطلّقات أحقّ برضاع أولادهنّ، إذا قبلن ما يعطى غيرهنّ من الأجر. وروي عن السّدّيّ، نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/428]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: حولين كاملين
- أخبرنا أبي، ثنا أبو بكرٍ محمّد بن بشّارٍ ابنا أبي عديٍّ عن سعيدٍ، عن قتادة عن أبي حربٍ، يعني: ابن أبي الأسود الدّيليّ، عن أبيه، أنّ عمر بن الخطّاب، رفعت إليه امرأةٌ ولدت لستّة أشهرٍ، فهمّ برجمها، فبلغ ذلك عليًا فقال: ليس عليها رجمٌ، قال اللّه تعالى: والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين وستّة أشهرٍ، فذلك ثلاثون شهرًا.
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ، ثنا أبو معاوية، ثنا الأعمش، عن مسلمٍ يعني:
أبا الضّحى، حدّثني قائد ابن عبّاسٍ، قال: أتي عثمان بامرأةٍ ولدت في ستّة أشهرٍ، فأمر برجمها. فقال ابن عبّاسٍ: أدنوني منه فلمّا أدنوه منه، قال: إنّها إن تخاصمك بكتاب اللّه، تخصمك، يقول اللّه تعالى والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين ويقول اللّه في آيةٍ أخرى وحمله وفصاله ثلاثون شهرًا فقد حملته ستّة أشهرٍ، فهي ترضعه لكم حولين كاملين، قال: فدعا بها عثمان فخلّى سبيلها). [تفسير القرآن العظيم: 1/428]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا حمّاد بن خالدٍ الخيّاط، عن أبي ذئبٍ، عن الزّهريّ، قال سئل ابن عمر وابن عبّاسٍ، عن الرّضاع بعد الحولين فقرأ والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة.
- حدثنا أبو زرعة، ثنا نحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قول اللّه عزّ وجلّ لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة يعني: يكمّل الرّضاعة. وروي عن مقاتل بن حيّان، نحو ذلك
- حدّثنا أسيد بن عاصمٍ، ثنا حسين بن حفصٍ، قال قال سفيان والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة والتّمام:
الحولان
- حدّثنا أبي ثنا، أحمد بن عبد الرّحمن الدشتكي، ثنا عبد الله ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قوله: والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين ثمّ أنزل اللّه الرّخصة والتّخفيف بعد ذلك فقال: لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة وروي عن قتادة، نحو ذلك.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي ثنا المسيّب بن واضحٍ، ثنا ابن المبارك، عن ابن جريجٍ، قال:
قلت لعطاءٍ: قوله: والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين يعني: لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة. قال: إن أرادت أمّه أن تقصر عن حولين، كان عليها أن تبلغه.
لا تزيد عنها إلا أن تشاء). [تفسير القرآن العظيم: 1/429]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: وعلى المولود له
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا نحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني ابن لهيعة حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ وعلى المولود له يعني: الأب الّذي له ولدٌ.
وروي عن مقاتل بن حيّان والضّحّاك والرّبيع بن أنسٍ والثّوريّ، نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/429]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: رزقهنّ
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن الشّيبانيّ، عن ابن معقلٍ وعلى المولود له رزقهنّ قال نفقة الصّبيّ من نصيبه.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا نحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني ابن لهيعة حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ رزقهنّ يعني رزق الأمّ. وروي عن مقاتل بن حيّان وقتادة نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/430]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: وكسوتهنّ
- حدّثنا أبي، ثنا عثمان بن سعيد بن مرّة، ثنا حسن بن صالح بن حيٍّ عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: رزقهنّ وكسوتهنّ قال ثوبٌ تصلّي فيه). [تفسير القرآن العظيم: 1/430]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: بالمعروف
- قرأت على محمّد بن الفضل بن موسى، ثنا محمد بن علي بن الحسن ابن شقيقٍ، أبنا محمّد بن مزاحمٍ، عن بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان وعلى المولود له رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف قال: على قدر ميسرته). [تفسير القرآن العظيم: 1/430]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: لا تكلّف نفسٌ إلا وسعها
- حدثنا أبو زرعة، ثنا نحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ، في قول اللّه لا تكلّف نفسٌ إلا وسعها يقول: لا يكلّف اللّه نفسًا في نفقة المراضع إلا ما أطاقت. وروي عن أبي مالكٍ وقتادة. ومقاتل بن حيّان والثّوريّ، نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/430]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى لا تضارّ والدةٌ بولدها
[الوجه الأول]
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ
قوله: لا تضارّ والدةٌ بولدها لا تأبى أن ترضعه ضرارًا، لتشقّ على أبيه. وروي عن الزّهريّ وعطاءٍ، نحو ذلك.
[تفسير القرآن العظيم: 2/430]
الوجه الثاني:
- حدثنا أبو زرعة، ثنا نحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني ابن لهيعة حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قول اللّه: لا تضارّ والدةٌ بولدها يقول:
لا يحمل الرّجل امرأته على أن يضارّها فينتزع ولدها منها، وهي لا تريد ذلك.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ لا تضارّ والدةٌ بولدها يقول: لا ينزع الرّجل ولده من امرأته فيعطيه غيرها، بمثل الأجر الّذي هي تقبله. وروي عن قتادة ومقاتل بن حيّان، نحو ذلك.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محلّمٍ، ثنا عبد الكبير بن عبد المجيد الحنفيّ، ثنا عبّاد بن منصورٍ، قال: سألت الحسن عن قوله: لا تضارّ والدةٌ بولدها قال: ليس لوالدةٍ أن تضارّ بولدها فتفطمه قبل التّمام، ورضاعة حولان كاملان، كما قال اللّه تعالى. ولا أن تضارّ فتأبى أن ترضعه إضرارًا لوالده، حتّى يسترضع لولده. وهي أشفق على ولدها وأحسن له غذاءً.
الوجه الرّابع:
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا المقدّميّ، ثنا الواحد بن زيادٍ ثنا عاصمٌ الأحول عن الشّعبيّ لا تضارّ والدةٌ بولدها لا تجبر على النّفقة ما يجبر الوالد). [تفسير القرآن العظيم: 1/431]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: ولا مولود له بولده
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني ابن لهيعة حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قول اللّه: ولا مولودٌ له بولده يعني:
الرّجل يقول: لا يحملنّ المرأة إذا طلّقها زوجها أن تضارّه فتلقي إليه ولده، مضارّةً له. وروي عن مقاتلٍ وقتادة والسّدّيّ، نحو ذلك.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا، ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ
يعني قوله: ولا مولودٌ له بولده فيمنع أمّه أن ترضعه فيحزنها.
[تفسير القرآن العظيم: 2/431]
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا اللّيث بن سعدٍ، عن عقيل بن خالدٍ، عن ابن شهابٍ الزّهريّ، يعني قوله: ولا مولودٌ له بولده قال: ليس للمولود له يعني قوله: الوالد، أن ينتزع ولده من أمّه ضرارًا لها، وهي تقبل من الأجر ما يرضى به غيرها.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محلّمٍ، ثنا عبد الكبير بن عبد المجيد الحنفيّ، ثنا عبّاد بن منصورٍ، قال: سألت الحسن عن قوله: ولا مولودٌ له بولده قال: ليس للوالد أن يضارّ بولده والدته فيأمرها أن تفطمه، قبل تمام رضاعه حولين كاملين، كما قال اللّه تعالى، وهي تريد أن تتمّ رضاعه، وليس له أن ينتزع ولده من أمّه ضرارًا لها، ويسترضع له غيرها، على كرهٍ منها، وهي تريد رضاعه، وهي أشفق على ولدها وأحسن له غذاءً). [تفسير القرآن العظيم: 1/432]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: وعلى الوارث
- قرأت على محمّد بن عبد اللّه بن عبد الحكم، أبنا ابن وهبٍ، أخبرني اللّيث بن سعدٍ، عن خالد بن يزيد، أنّ زيد بن أسلم قال في قول اللّه: وعلى الوارث مثل ذلك قال: هو وليّ الميّت.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو عبد الرّحمن الحارثيّ، عن الحجّاج عن إبراهيم، والشّعبيّ وعطاءٍ وعلى الوارث مثل ذلك قالوا: وارث الصّبيّ ينفق عليه). [تفسير القرآن العظيم: 1/432]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: وعلى الوارث مثل ذلك
[الوجه الأول]
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أبنا عبد الرّزّاق أبنا ابن جريجٍ أنّ عمرو بن شعيبٍ أخبره أنّ سعيد بن المسيّب أخبره أنّ عمر بن الخطّاب قال في قوله: وعلى الوارث مثل ذلك قال: وقف بني عمٍّ على منفوس ابن عمّ كلالةٍ بالنّفقة عليه. مثل العاقلة، فقالوا: لا مال له. فقال ولو يوقفهم بالنّفقة عليه.
[تفسير القرآن العظيم: 2/432]
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا ابن عليّة، عن أيّوب، عن ابن سيرين قال:
أتي عبد اللّه بن عتبة في رضاع صبيٍّ، فجعل رضاعه في ماله وقال لوليّه: لو لم يكن له شيءٌ، جعلنا رضاعه في مالك. ألا تراه يقول وعلى الوارث مثل ذلك
- حدّثنا عبد اللّه بن سعيدٍ الأشجّ، ثنا حفص بن غياثٍ، عن أشعث، عن الحسن وعلى الوارث مثل ذلك قال: على الوارث رضاع الصّبيّ، وليس عليه نفقة الحبلى.
وروي عن زيد بن ثابتٍ وقبيصة بن ذؤيبٍ وعبد اللّه بن معقلٍ ومجاهدٍ وإبراهيم النّخعيّ وعطاءٍ الخراسانيّ وسعيد بن جبيرٍ وأبي صالحٍ والزّهريّ وقتادة وحارثٍ العكليّ والسّدّيّ وابن أبي ليلى والثّوريّ نحو ذلك، إلا ذكر الحبلى.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا حفصٌ، عن أشعث، عن الشّعبيّ، عن ابن عبّاسٍ وعلى الوارث مثل ذلك قال: لا يضارّ.
وروي عن مجاهدٍ في أحد قوليه والشّعبيّ. والضّحّاك، نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/433]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: فإن أرادا
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا نحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قول اللّه: فإن أرادا فصالا يعني: الأبوين). [تفسير القرآن العظيم: 1/433]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: فصالا
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ
قوله: فإن أرادا فصالا عن تراضٍ منهما وتشاورٍ فلا جناح غير مسيئين في ظلم أنفسهما ولا إلى صبيّهما، فلا جناح عليهما.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا نحيى بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قول اللّه: فإن أرادا فصالا أن يفصلا الولد عن اللّبن، دون الحولين.
[تفسير القرآن العظيم: 2/433]
وروي عن الزّهريّ، نحو قول سعيدٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/434]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: عن تراضٍ منهما
- وبه عن سعيد بن جبيرٍ، في قول اللّه: عن تراضٍ منهما يقول: اتّفقا على ذلك.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ عن تراضٍ منهما وتشاورٍ يقول: إن أرادا أن يفطماه قبل الحولين فتراضيا بذلك فليفطماه. وإن قالت: لا طاقة لي به، فقد ذهب لبني فليسترضع له أخرى وليسلّم لها أجرها بقدر ما أرضعت). [تفسير القرآن العظيم: 1/434]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى وتشاورٍ
- حدّثنا الأحمس، ثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور قال: التشاور: مادون الحولين، ليس لها أن تفطمه إلا أن يرضى، وليس له أن يفطمه إلا أن ترضى.
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ عن أبيه عن الرّبيع بن أنسٍ فإن أرادا فصالا عن تراضٍ منهما وتشاورٍ يقول: إذا كان ذلك عن مشورةٍ ورضًى منهما). [تفسير القرآن العظيم: 1/434]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: فلا جناح عليهما
- حدّثنا أبي ثنا، أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة، عن عبّاسٍ، يعني قوله: فلا جناح عليهما فلا حرج عليهما أن يفطماه قبل الحولين وبعده، وروي عن سعيد بن جبيرٍ مثل ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/434]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قوله: وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم خيفة الضّيعة على الصّبيّ.
- حدّثنا أبي، ثنا المسيّب بن واضحٍ، ثنا ابن المبارك، عن ابن جريجٍ قال:
قلت لعطاءٍ: قوله: وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم قال: أمّه وغيرها). [تفسير القرآن العظيم: 1/434]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: فلا جناح عليكم
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا نحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قول اللّه: فلا جناح عليكم يعني: لا حرج على الإنسان أن يسترضع لولده ظئرًا ويسلّم لها أجرها، ولا كسوة لها ولا رزق، فذلك له. وروي عن الحسن ومقاتل بن حيّان، نحو ذلك
- قرأت على محمّد بن عبد اللّه بن الحكم، أبنا ابن وهبٍ، أخبرني يونس عن ابن شهابٍ: ولا جناح عليهما أن يسترضعا إذا كان ذلك عن طيب نفسٍ من الوالد والوالدة
- حدّثنا أسيد بن عاصمٍ، ثنا حسين بن حفصٍ قال: قال سفيان: وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم، فلا جناح عليكم إذا أبت الأمّ أن ترضعه فلا جناح أن يسترضعن له غيرها). [تفسير القرآن العظيم: 1/435]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: إذا سلّمتم
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ
قوله: إذا سلّمتم ما آتيتم بالمعروف حساب ما أرضع به الصّبيّ.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا نحيى بن عبد اللّه، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ فلا جناح عليكم إذا سلّمتم لأمر اللّه، يعني في أجر المرضع. وروي عن عطاءٍ والزّهريّ والسّدّيّ ومقاتل بن حيّان نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/435]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: ما آتيتم
- وبه عن سعيد بن جبيرٍ، في قول اللّه: ما آتيتم بالمعروف يقول: ما أعطيتم الظّئر من فضلٍ على أجرها.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا مسدّدٌ، ثنا نحيى، عن سفيان، قال سمعت السّدّيّ يقول: إذا سلّمتم ما آتيتم بالمعروف أن تعطي المرضع أجرها. وروي عن عطاءٍ، نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/435]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: بالمعروف
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ، أبنا محمّد بن مزاحمٍ عن بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان، قوله: ما آتيتم بالمعروف يقول: ما أعطيتم الظّئر من معروفٍ مع الأجر، فيزيدها فوق أجرها، فلا بأس.
- أخبرنا موسى بن هارون الطّوسيّ فيما كتب إليّ حدّثنا حسين بن محمّدٍ المرّوذيّ، ثنا شيبان عن قتادة إذا سلّمتم ما آتيتم بالمعروف قال: إذا كان ذلك عن مشورةٍ ورضًى منهم). [تفسير القرآن العظيم: 1/436]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: واتّقوا اللّه واعلموا أنّ اللّه بما تعملون بصير
- حدثنا أبو زرعة، ثنا نحيى، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاءٌ، عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه: واتّقوا اللّه يعني: لا تعصوه ثمّ حذّرهم فقال: إنّ اللّه بما تعملون بصيرٌ
- وبه عن سعيد بن جبيرٍ إنّ اللّه بما تعملون يعني بما ذكر بصير.
- حدثنا أبو زرعة، ثنا نحيى بن عبد اللّه، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيبٍ، عن أبي الحسين بكرٍ، عن عقبة بن عامرٍ، قال: رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو يقترئ هذه الآية سميعٌ بصيرٌ). [تفسير القرآن العظيم: 1/436]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله والوالدات يرضعن أولادهن قال يعني الوالدات المطلقات لا تضار والدة بولدها يقول لا تأبى أن ترضعه ضرارا ليشق على أبيه ولا مولود له بولده يقول ولا يضار الوالد بولده فيمنع أمه أن ترضعه ليحزنها بذلك وعلى الوارث مثل ذلك يعني الولي من كان فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور يقول غير مسيئين في ظلم أنفسهما ولا إلى صبيهما دون الحولين فلا جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم خيفة الضيعة على الصبي فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف بحساب ما أرضع به الصبي). [تفسير مجاهد: 109]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثني عليّ بن عيسى الحيريّ، ثنا الحسين بن محمّد بن زيادٍ، وإبراهيم بن أبي طالبٍ، قالا: ثنا سعيد بن يحيى بن سعيدٍ الأمويّ، ثنا حفص بن غياثٍ، عن داود بن أبي هندٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، قال: «إذا حملته تسعة أشهرٍ، أرضعته واحدًا وعشرين شهرًا، وإن حملته ستّة أشهرٍ، أرضعته أربعةً وعشرين شهرًا» ، ثمّ قرأ: {وحمله وفصاله ثلاثون شهرًا} [الأحقاف: 15] «هذا حديثٌ صحيح الإسناد، ولم يخرّجاه» ). [المستدرك: 2/308]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير
أخرج وكيع وسفيان وعبد الرزاق وآدم، وعبد بن حميد وأبو داود في ناسخه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في "سننه" عن مجاهد في قوله {والوالدات يرضعن أولادهن} قال: المطلقات {حولين} قال: سنتين {لا تضار والدة بولدها} يقول: لا تأبى أن ترضعه ضرارا لتشق على أبيه {ولا مولود له بولده} يقول: ولا يضار الوالد بولده فيمنع أمه أن ترضعه ليحزنها بذلك {وعلى الوارث} قال: يعني الولي من كان مثل ذلك قال: النفقة بالمعروف وكفله ورضاعه إن لم يكن للمولود مال وأن لا تضار أمه {فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور} قال: غير مسببين في ظلم أنفسهما ولا إلى صبيهما {فلا جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم} قال: خيفة الضيعة على الصبي {فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف} قال: حساب ما أرضع به الصبي
[الدر المنثور: 3/5]
[الدر المنثور: 3/6]
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين} قال: هو الرجل يطلق امرأته وله منها ولد فهي أحق بولدها من غيرها فهن يرضعن أولادهن {لمن أراد أن يتم الرضاعة} يعني يكمل الرضاعة {وعلى المولود له} يعني الأب الذي له ولد {رزقهن} يعني رزق الأم {لا تكلف نفس إلا وسعها} يقول: لا يكلف الله نفسا في نفقة المراضع إلا ما أطاقت {لا تضار والدة بولدها} يقول: لا يحمل الرجل امرأته أن يضارها فينزع ولدها منها وهي لا تريد ذلك {ولا مولود له بولده} يعني الرجل يقول: لا يحملن المرأة إذا طلقها زوجها أن تضاره فتلقي إليه ولده مضارة له {فإن أرادا فصالا} يعني الأبوين أن يفصلا الولد عن اللبن دون الحولين {عن تراض منهما} يقول: اتفقا على ذلك {وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم} يعني لا حرج على الإنسان أن يسترضع لولده ظئرا ويسلم لها أجرها {إذا سلمتم} لأمر الله يعني في أجر المراضع {ما آتيتم بالمعروف} يقول: ما أعطيتم الظئر من فضل على أجرها {واتقوا الله} يعني لا تعصوه ثم حذرهم فقال !
[الدر المنثور: 3/7]
{واعلموا أن الله بما تعملون بصير} أي بما ذكر عليم.
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي أمامة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ثم انطلق بي فإذا أنا بنساء تنهش ثديهن الحيات، فقلت: ما بال هؤلاء فقيل: لي هؤلاء يمنعن أولادهن ألبانهن.
وأخرج أبو داود في ناسخه عن زيد بن أسلم في قوله {والوالدات يرضعن أولادهن} قال: إنها المرأة تطلق أو يموت عنها زوجها.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر والحاكم والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس، في التي تضع لستة أشهر أنها ترضع حولين كاملين وإذا وضعت لسبعة أشهر أرضعت ثلاثة وعشرين لتمام ثلاثين شهرا وإذا وضعت لتسعة أشهر أرضعت أحدا وعشرين شهرا ثم تلا (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) (الأحقاف الآية 15).
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين} فجعل الله الرضاع حولين
[الدر المنثور: 3/8]
كاملين {لمن أراد أن يتم الرضاعة} ثم قال {فإن أرادا فصالا عن تراض} فلا حرج إن أرادا أن يفطماه قبل الحولين وبعده.
وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي عن أبي الأسود الديلي أن عمر بن الخطاب رفعت إليه امرأة ولدت لستة أشهر فهم برجمها فبلغ ذلك عليا فقال: ليس عليها رجم قال الله تعالى {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين} وستة أشهر فذلك ثلاثون شهرا.
وأخرج وكيع وعبد الرزاق، وابن أبي حاتم عن فايد بن عباس قال: أتي عثمان بامرأة ولدت في ستة أشهر فأمر برجمها فقال ابن عباس: إنها تخاصمك بكتاب الله تخصمك يقول الله {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين} ويقول الله في آية آخرى (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) (الأحقاف الآية 15) فقد حملته ستة أشهر فهي ترضعه لكم حولين كاملين فدعا بها عثمان فخلى سبيلها.
وأخرج ابن جرير من وجه آخر من طريق الزهري، مثله.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن الزهري قال: سئل
[الدر المنثور: 3/9]
ابن عمر، وابن عباس عن الرضاع بعد الحولين فقرأ {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين} ولا نرى رضاعا بعد الحولين يحرم شيئا.
وأخرج ابن جرير من طريق أبي الضحى قال: سمعت ابن عباس يقول {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين} قال: لا رضاع إلا في هذين الحولين.
وأخرج الترمذي وصححه عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء في الثدي وكان قبل الفطام.
وأخرج ابن عدي والدارقطني والبيهقي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لايحرم من الرضاع إلا ما كان في الحولين.
وأخرج الطيالسي والبيهقي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا رضاع بعد فصال ولا يتم بعد احتلام.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف، وابن عدي، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتم بعد حلم ولا رضاع بعد فصال ولا صمت يوم إلى الليل ولا وصال في الصيام ولا نذر في معصية ولا نفقة في معصية ولا يمين في
[الدر المنثور: 3/10]
قطيعة رحم ولا تعرب بعد الهجرة ولا هجرة بعد الفتح ولا يمين لزوجة مع زوج ولا يمين لولد مع والد ولا يمين لمملوك مع سيده ولا طلاق قبل نكاح ولا عتق قبل ملك.
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن الأعمش قال: في قراءة عبد الله (لمن أرادت أن تكمل الرضاعة).
وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف} قال: على قدر الميسرة.
وأخرج أبو داود في ناسخه، وابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في قوله {لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده} يقول: ليس لها أن تلقي ولدها عليه ولا يجد من يرضعه وليس له أن يضارها فينزع منها ولدها وتحب أن ترضعه {وعلى الوارث} قال: هو ولي الميت.
وأخرج ابن ابي حاتم عن عطاء وابراهيم والشعبي {وعلى الوارث} قالوا: وارث الصبي ينفق عليه
[الدر المنثور: 3/11]
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن {وعلى الوارث مثل ذلك} قال: كان يلزم الوارث النفقة، وفي لفظ: نفقة الصبي إذا لم يكن له مال على وارثه.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد عن قتادة {وعلى الوارث مثل ذلك} يقول: على وارث المولود إذا كان لا مال له مثل الذي على والده من أجر الرضاع.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: ما قوله {وعلى الوارث مثل ذلك} قال: وارث المولود مثل ما ذكر الله، قلت: أيحبس وارث
المولود إن لم يكن للمولود مال بأجر مرضعته وإن كره الوارث قال: أفيدعه يموت.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد عن ابن سيرين، أن إمراة جاءت تخاصم في نفقة ولدها وارث ولدها إلى عبد الله بن عتبة بن مسعود فقضى بالنفقة من مال الصبي وقال لوارثه: ألا ترى {وعلى الوارث مثل ذلك} ولو لم يكن له ماله لقضيت بالنفقة عليك.
وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم قال: يجبر الرجل إذا كان موسرا على نفقة أخيه إذا كان معسرا.
وأخرج عبد بن حميد عن حماد قال: يجبر على كل ذي رحم محرم
[الدر المنثور: 3/12]
وأخرج سفيان وعبد الرزاق وأبو عبيد في الأموال، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه والبيهقي عن سعيد بن المسيب: أن عمر بن الخطاب حبس بني عم علي منفوس كلالة بالنفقة عليه مثل العاقلة.
وأخرج سفيان بن عينية عن مجاهد في قوله {وعلى الوارث مثل ذلك} قال: على وارث الصبي أن يسترضع له مثل ما على أبيه.
وأخرج ابن جرير والنحاس عن قبيصة بن ذؤيب في قوله {وعلى الوارث} قال: هو الصبي.
وأخرج وكيع عن عبد الله بن مغفل قال: رضاع الصبي من نصيبه.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر من طريق عطاء الخراساني عن ابن عباس {وعلى الوارث مثل ذلك} قال: نفقته حتى يفطم إن كان أبوه لم يترك له مالا.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي من طريق مجاهد والشعبي عن ابن عباس {وعلى الوارث مثل ذلك} قال: أن لا يضار
[الدر المنثور: 3/13]
وأخرج ابن جرير عن الضحاك {فإن أرادا فصالا} قال: الفطام.
وأخرج وكيع وسفيان وعبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد في الآية قال: التشاور فيما دون الحولين ليس لها أن تفطمه إلا أن يرضى وليس له أن يفطمه إلا أن ترضى.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير عن عطاء {وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم} قال: أمه أو غيرها {فلا جناح عليكم إذا سلمتم} قال: إذا سلمت لها أجرها {ما آتيتم} قال: ما أعطيتم.
وأخرج ابن ابي حاتم عن ابن شهاب {وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم} إذا كان ذلك عن طيب نفس من الوالد والوالدة). [الدر المنثور: 3/14]

تفسير قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني عبد الرّحمن بن مهديٍّ، عن الثّوريّ، عن رجلٍ، عن مجاهد في قول الله: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن
[الجامع في علوم القرآن: 1/131]
أربعة أشهرٍ وعشرا فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف}، قال: المعروف النكاح الحلال الطيب). [الجامع في علوم القرآن: 1/132]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وقال الله: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية
[الجامع في علوم القرآن: 3/66]
لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراجٍ}؛
ثم نسختها آية الميراث في سورة النساء حين فرض لهن الربع أو الثمن). [الجامع في علوم القرآن: 3/67]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن ابن جريجٍ عن مجاهدٍ في قوله تبارك وتعالى: {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهرٍ وعشرًا فإذا بلغن أجلهنّ فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف} قال: هو المعروف النّكاح الحلال الطيب [الآية: 234]). [تفسير الثوري: 68]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ): (باب {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهرٍ وعشرًا فإذا بلغن أجلهنّ فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهنّ بالمعروف واللّه بما تعملون خبيرٌ} [البقرة: 234]
[صحيح البخاري: 6/29]
{يعفون} [البقرة: 237]: «يهبن»
[صحيح البخاري: 6/29]
- حدّثني أميّة بن بسطامٍ، حدّثنا يزيد بن زريعٍ، عن حبيبٍ، عن ابن أبي مليكة، قال: ابن الزّبير قلت: لعثمان بن عفّان {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا} [البقرة: 234] قال: قد نسختها الآية الأخرى، فلم تكتبها؟ أو تدعها؟ قال: «يا ابن أخي لا أغيّر شيئًا منه من مكانه»
[صحيح البخاري: 6/29]
- حدّثنا إسحاق، حدّثنا روحٌ، حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا} [البقرة: 234] قال: كانت هذه العدّة، تعتدّ عند أهل زوجها واجبٌ، فأنزل اللّه: {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا وصيّةً لأزواجهم متاعًا إلى الحول غير إخراجٍ فإن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن
[صحيح البخاري: 6/29]
في أنفسهنّ من معروفٍ} قال: جعل اللّه لها تمام السّنة سبعة أشهرٍ وعشرين ليلةً وصيّةً، إن شاءت سكنت في وصيّتها، وإن شاءت خرجت، وهو قول اللّه تعالى: {غير إخراجٍ فإن خرجن فلا جناح عليكم} [البقرة: 240] فالعدّة كما هي واجبٌ عليها زعم ذلك عن مجاهدٍ، وقال عطاءٌ، قال ابن عبّاسٍ: " نسخت هذه الآية عدّتها عند أهلها فتعتدّ حيث شاءت، وهو قول اللّه تعالى: {غير إخراجٍ} [البقرة: 240] قال عطاءٌ: " إن شاءت اعتدّت عند أهله وسكنت في وصيّتها، وإن شاءت خرجت، لقول اللّه تعالى: {فلا جناح عليكم فيما فعلن} [البقرة: 234] " قال عطاءٌ: «ثمّ جاء الميراث، فنسخ السّكنى، فتعتدّ حيث شاءت، ولا سكنى لها» وعن محمّد بن يوسف، حدّثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ بهذا، وعن ابن أبي نجيحٍ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: " نسخت هذه الآية عدّتها في أهلها فتعتدّ حيث شاءت، لقول اللّه {غير إخراجٍ} [البقرة: 240] " نحوه
[صحيح البخاري: 6/30]
- حدّثنا حبّان، حدّثنا عبد اللّه، أخبرنا عبد اللّه بن عونٍ، عن محمّد بن سيرين، قال: " جلست إلى مجلسٍ فيه عظمٌ من الأنصار، وفيهم عبد الرّحمن بن أبي ليلى، فذكرت حديث عبد اللّه بن عتبة في شأن سبيعة بنت الحارث، فقال عبد الرّحمن: ولكنّ عمّه كان لا يقول ذلك، فقلت: إنّي لجريءٌ إن كذبت على رجلٍ في جانب الكوفة، ورفع صوته، قال: ثمّ خرجت فلقيت مالك بن عامرٍ، أو مالك بن عوفٍ قلت: كيف كان قول ابن مسعودٍ في المتوفّى عنها زوجها وهي حاملٌ؟ فقال: قال ابن مسعودٍ: " أتجعلون عليها التّغليظ، ولا تجعلون لها الرّخصة، لنزلت سورة النّساء القصرى بعد الطّولى، وقال أيّوب: عن محمّدٍ، لقيت أبا عطيّة مالك بن عامرٍ). [صحيح البخاري: 6/30]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا)
ساق الآية إلى قوله واللّه بما تعملون خبيرٌ قوله يعفون يهبن ثبت هذا هنا في نسخة الصّغانيّ وهو تفسير أبي عبيدة قال يعفون يتركن يهبن وهو على رأي الحميديّ خلافًا لمحمّد بن كعبٍ فإنّه قال المراد عفو الرّجال وهذه اللّفظة ونظائرها مشتركةٌ بين جمع المذكر والمؤنّث لكن في الرّجال النّون علامة الرّفع وفي النّساء النّون ضميرٌ لهنّ ووزن جمع المذكر يفعون وجمع المؤنّث يفعلن
- قوله عن حبيبٍ هو بن الشّهيد كما سيأتي بعد بابين قوله عن بن أبي مليكة في رواية الإسماعيليّ من طريق عليّ بن المدينيّ عن يزيد بن زريعٍ حدّثنا حبيب بن الشّهيد حدّثني عبد اللّه بن أبي مليكة قوله قال بن الزبير في رواية بن المدينيّ المذكورة عن عبد اللّه بن الزّبير وله من وجهٍ آخر عن يزيد بن زريعٍ بسنده أنّ عبد اللّه بن الزّبير قال قلت لعثمان قوله فلم تكتبها أو تدعها كذا في الأصول بصيغة الاستفهام الإنكاريّ كأنّه قال لم تكتبها وقد عرفت أنّها منسوخةٌ أو قال لم تدعها أي تتركها مكتوبةً وهو شكٌّ من الرّاوي أيّ اللّفظين قال ووقع في الرّواية الآتية بعد بابين فلم تكتبها قال تدعها يا بن أخي وفي رواية الإسماعيليّ لم تكتبها وقد نسختها الآية الأخرى وهو يؤيّد التّقدير الّذي ذكرته وله من روايةٍ أخرى قلت لعثمان هذه الآية والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا وصيّةً لأزواجهم متاعًا إلى الحول غير إخراجٍ قال نسختها الآية الأخرى قلت تكتبها أو تدعها قال يا بن أخي لا أغيّر منها شيئًا عن مكانه وهذا السّياق أولى من الّذي قبله وأو للتّخيير لا للشّكّ وفي جواب عثمان هذا دليلٌ على أنّ ترتيب الآي توقيفيٌّ وكأنّ عبد اللّه بن الزّبير ظنّ أنّ الّذي ينسخ حكمه لا يكتب فأجابه عثمان بأنّ ذلك ليس بلازمٍ والمتّبع فيه التّوقّف وله فوائد منها ثواب التّلاوة والامتثال على أنّ من السّلف من ذهب إلى أنّها ليست منسوخةً وإنّما خصّ من الحول بعضه وبقي البعض وصيّةً لها إن شاءت أقامت كما في الباب عن مجاهدٍ لكنّ الجمهور على خلافه وهذا الموضع ممّا وقع فيه النّاسخ مقدّمًا في ترتيب التّلاوة على المنسوخ وقد قيل إنّه لم يقع نظير ذلك إلّا هنا وفي الأحزاب على قول من قال إنّ إحلال جميع النّساء هو النّاسخ وسيأتي البحث فيه هناك إن شاء اللّه تعالى وقد ظفرت بمواضع أخرى منها في البقرة أيضًا قوله فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه فإنّها محكمةٌ في التّطوّع مخصّصةٌ لعموم قوله وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره كونها مقدّمةً في التّلاوة ومنها في البقرة أيضًا قوله تعالى ما ننسخ من آيةٍ على قول من قال إنّ سبب نزولها أنّ اليهود طعنوا في تحويل القبلة فإنّه يقتضي أن تكون مقدّمةً في التّلاوة متأخّرةً في النّزول وقد تتبّعت من ذلك شيئًا كثيرًا ذكرته في غير هذا الموضع ويكفي هنا الإشارة إلى هذا القدر قوله وقول عثمان لعبد الله يا بن أخي يريد في الإيمان أو بالنّسبة إلى السّنّ وزاد الكرمانيّ أو على عادة مخاطبة العرب ويمكن أن يتّحد مع الّذي قبله قال أو لأنّهما يجتمعان في قصيٍّ قال إلّا أنّ عثمان وعبد اللّه في العدد إلى قصيٍّ سواءٌ بين كلّ منهما وبينه أربعة آباءٍ فلو أراد ذلك لقال يا أخي
- قوله حدثني إسحاق هو بن راهويه وروح هو بن عبادة وشبل هو بن عباد وبن أبي نجيحٍ هو عبد اللّه قوله زعم ذلك عن مجاهدٍ قائل ذلك هو شبلٌ وفاعل زعم هو بن أبي نجيحٍ وبهذا جزم الحميديّ في جمعه وقوله وقال عطاءٌ هو عطف على قوله مجاهد وهو من رواية بن أبي نجيح
[فتح الباري: 8/194]
عن عطاءٍ ووهم من زعم أنّه معلّقٌ وقد أبدى المصنّف ما نبّهت عليه برواية ورقاء الّتي ذكرها بعد هذه وقوله عن محمّد بن يوسف هو معطوفٌ على قوله أنبأنا روحٌ وقد أورد أبو نعيمٍ في المستخرج هذا الحديث من طريق محمّد بن عبد الملك بن زنجويه عن محمّد بن يوسف هو الفريابيّ عن ورقاء عن بن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ وعن عطاءٍ بتمامه وقال ذكره البخاريّ عن الفريابيّ هذا يدلّ على أنّه فهم أنّ البخاريّ علّقه عن شيخه واللّه أعلم ثمّ ذكر المصنّف حديث بن مسعودٍ أنزلت سورة النّساء القصرى بعد الطّولى وسيأتي شرحه في تفسير سورة الطّلاق وقوله وقال أيّوب وصله هناك بتمامه). [فتح الباري: 8/195]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله فيه
- ثنا إسحاق ثنا روح ثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد {والّذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا} قال كانت هذه العدة تعتد عند أهل زوجها واجب فأنزل الله عزّ وجلّ {والّذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا وصيّة لأزواجهم متاعا إلى الحول} إلى قوله {من معروف}
قال جعل الله لها تمام السّنة سبعة أشهر وعشرين ليلة وصيّة إن شاءت سكنت في وصيتها وإن شاءت خرجت وهو قول الله عزّ وجلّ {غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم} فالعدة كما هي واجب عليها زعم ذلك عن مجاهد وقال عطاء قال ابن عبّاس نسخت هذه الآية عدتها عند أهلها فتعتد حيث شاءت وهو قول الله عزّ وجلّ {غير إخراج} قال عطاء إن شاءت اعتدت عند أهله وسكنت في وصيتها وإن شاءت خرجت لقول الله عزّ وجلّ {فلا جناح عليكم فيما فعلن} قال عطاء ثمّ جاء الميراث فنسخ السّكنى فتعتد حيث شاءت ولا سكنى لها
وعن محمّد بن يوسف ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد بهذا وعن ابن أبي نجيح عن عطاء عن ابن عبّاس قال نسخت هذه الآية عدتها في أهلها فتعتد حيث شاءت لقول الله عزّ وجلّ غير إخراج نحوه انتهى
[تغليق التعليق: 4/183]
هذه الأحاديث ليس فيها شيء معلّق فإن القائل وقال عطاء هو ابن أبي نجيح بدليل رواية ورقاء وقوله وعن محمّد بن يوسف عطف على حديث روح
والحديث عند البخاريّ عن إسحاق وهو ابن منصور عن روح عن شبل وعن محمّد بن يوسف عن ورقاء
وقد وقع لنا حديث محمّد بن يوسف في تفسيره كما هنا وساقه بتمامه
وكذا قرأته على عبد الله بن محمّد بن أحمد بن عبيدالله أخبركم عبد الله بن الحسين إجازة إن لم يكن سماعا عن إسماعيل بن أحمد العراقيّ عن الحافظ أبي موسى محمّد بن أبي بكر المدينيّ أنا أبو علّي الحداد أنا أبو نعيم ثنا سليمان ابن أحمد الطّبرانيّ ثنا عبد الله بن محمّد بن أبي مريم ثنا الفريابيّ ثنا ورقاء ح وقال أبو نعيم وثنا محمّد بن أحمد ثنا المطرز ثنا ابن زنجويه ثنا الفريابيّ ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وعطاء عن ابن عبّاس بتمامه). [تغليق التعليق: 4/184]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله فيه
عقب حديث
- ابن عون عن ابن سيرين قال جلست إلى مجلس فيه عظم من الأنصار وفيهم عبد الرّحمن بن أبي ليلى فذكرت حديث عبد الله بن عتبة في شأن سبيعة بنت الحارث فقال عبد الرّحمن ولكن عمه كان لا يقول ذلك فقلت إنّي لجرئ إن كذبت على رجل في جانب الكوفة ورفع صوته قال ثمّ خرجت فلقيت مالك بن عامر أو مالك بن عوف الحديث
[تغليق التعليق: 4/184]
وقال أيّوب عن محمّد لقيت أبا عطيّة مالك بن عامر انتهى
سيأتي حديث أيّوب في تفسير سورة الطّلاق). [تغليق التعليق: 4/185]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ): ( (بابٌ: {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجا يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهرٍ وعشرا} إلى {بما تعملون خبيرٌ} (البقرة: 234)
أي: هذا باب في قوله تعالى: {والّذي يتوفون منكم} الآية. قوله: (والّذين) أي: وأزواج الّذين يتوفون منكم، والخطاب
[عمدة القاري: 18/119]
للمسلمين، وقيل: للمكلفين، قال الكفّار مخاطبون بالتفاصيل بشرط الإيمان. قوله: (ويذرون) أي: يتركون. قوله: (أزواجًا) أي: زوجات قوله: (يتربّصن) أي: بعدهم، وقيل: يحبسن أنفسهنّ وينتظرون أربعة أشهر وعشرا، وهذا الحكم يشمل الزّوجات المدخول بهن بالإجماع إلّا المتوفّى عنها زوجها إذا كانت حاملا فإنّها تعتد بالوضع ولم تمكث بعده سوى لحظة لعموم قوله تعالى: {وأولات الأحمال أجلهنّ أن يضعن حملهنّ} (الطّلاق: 4) وكان ابن عبّاس يرى أن عليها أن تتربّص بأبعد الأجلين من الوضع أو أربعة أشهر وعشرا للجمع بين الآيتين، وكذلك يستثنى منها الزّوجة إذا كانت أمة، فإن عدتها على النّصف من عدّة الحرّة: شهران وخمسة أيّام، وعن الحسن وبعض الظّاهريّة التّسوية بين الحرائر والإماء. قوله: (وعشرا)، إنّما لم يقل وعشرة، ذهابًا، إلى اللّيالي والأيّام داخلة فيها ثمّ الحكمة في هذه المدّة ما قاله الرّاغب: إن الأطبّاء يقولون إن الولد في الأكثر إذا كان ذكرا يتحرّك بعد ثلاثة أشهر، وإذا كان أنثى بعد أربعة أشهر، فجعل ذلك عدّة المتوفّى عنها زوجها، وزيد عليه عشرة أيّام للاستظهار، وخصت العشرة لأنّها أكمل الأعداد وأشرفها. وقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة: سألت سعيد بن المسيب: ما بال العشرة؟ قال: فيه ينفخ الرّوح، وكذا قال أبو العالية: روى عنهما ابن جرير، ومن هنا ذهب أحمد في رواية: إن عدّة أم الولد عدّة الحرّة لأنّها صارت فراشا كالحرائر، وروى فيه حديث عمرو بن العاص: لا تلبسوا علينا سنة نبينا عدّة أم الولد إذا توفّي عنها سيّدها أربعة أشهر وعشرا، ورواه أبو داود وابن ماجه أيضا. وذهب إلى هذا أيضا طائفة من السّلف منهم، سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير ومجاهد والحسن وابن سيرين والزهريّ وعمر بن عبد العزيز، وبه كان يأمر يزيد بن عبد الملك بن مروان وهو أمير المؤمنين، وبه يقول الأوزاعيّ وإسحاق بن راهويه، وقال طاووس وقتادة: عدّة أم الولد إذا توفّي عنها سيّدها نصف عدّة الحرّة، وقال أبو حنيفة وأصحابه والثّوري والحسن بن صالح بن حيى: تعتد بثلاث حيض، وهو قول عليّ وابن مسعود وعطاء وإبراهيم النّخعيّ، وقال مالك والشّافعيّ وأحمد في المشهور عنه: عدتهن حيضة، وبه يقول ابن عمر والشعبيّ ومكحول واللّيث وأبو عبيد وأبو ثور. قوله: (فإذا بلغن أجلهنّ)، أي: إذا انقضت عدتهن، قاله الضّحّاك والربيع بن أنس. قوله: (فلا جناح عليكم)، قال الزّمخشريّ: أيها الأئمّة وجماعة المسلمين، وقال الزّهريّ: أي: أولياؤها. قوله: (فيما فعلن)، يعني: النّساء اللّاتي انقضت عدتهن من التّعرّض للخطاب، وعن الحسن والزهريّ والسّديّ: بالنّكاح الحلال الطّيب. قوله: (بالمعروف)، أي: بالوجه الّذي لا ينكره الشّرع.
يعفون يهبن
أشار به إلى تفسير: يعفون، في قوله تعالى: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسّوهنّ وقد فرضتم لهنّ فريضة فنصف ما فرضتم إلّا أن يعفون أو يعفو الّذي بيده عقدة النّكاح} (البقرة: 1237) وفسره بقوله يهبن، وذكر ابن أبي حاتم أنه قول ابن عبّاس وشريح وابن المسيب وعكرمة ونافع ومجاهد والشعبيّ والحسن وابن سيرين ومقاتل وجابر بن زيد وعطاء الخراساني والزهريّ والضّحّاك والربيع بن أنس والسّديّ، قال: وخالفهم محمّد بن كعب، فقال: (إلّا أن يعفون) يعني: الرّجال. قال: وهو قول شاذ لم يتابع عليه انتهى. قلت: هذه اللّفظة مشتركة بين جمع الرّجال وجمع النّساء، تقول: الرّجال والنّساء يعفون، والفرق تقديري، فالواو في الأول ضمير الرّجال والنّون علامة الرّفع، وفي الثّاني الواو لام الفعل والنّون ضمير النّساء فلهذا لم تعمل فيها أن، ولكن في محل النصب، فوزن جمع المذكر، يعفون، ووزن جمع المؤنّث يفعلن، فافهم.
- حدّثني أميّة بن بسطامٍ حدّثنا يزيد بن زريعٍ عن حبيبٍ عن ابن أبي مليكة قال ابن الزّبير قلت لعثمان بن عفّان: {والّذين يتوّفون منكم ويذرون أزواجا} قال قد نسختها الآية الأخرى فلم تكتبها أو تدعها يا ابن أخي لا أغيّر شيئا من مكانه.
مطابقته للتّرجمة ظاهرة. وأميّة بضم الهمزة وفتح الميم وتشديد الياء آخر الحروف، ابن بسطام بن المنتشر العيشي البصريّ وهو شيخ مسلم أيضا، ويزيد من الزّيادة ابن زريع مصغر زرع بفتح الزّاي، وحبيب هوابن الشّهيد أبو محمّد
[عمدة القاري: 18/120]
الأزديّ الأموي البصريّ، وابن أبي مليكة هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة بضم الميم، واسمه زهير قاضي عبد الله بن الزبير والحديث من أفراده.
قوله: (قال ابن الزبير)، أي: عبد الله بن الزبير بن العوام، رضي الله تعالى عنهما قوله: {والّذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا} وتمامه (وصيّة لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج) الآية. قوله: (فلم تكتبها) ؟ استفهام على سبيل الإنكار بمعنى: لم تكتب هذه الآية وقد نسختها الآية الأخرى؟ وهي قوله تعالى: {والّذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهر وعشرا} (البقرة: 234) والمنسوخة هي قوله: {والّذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا منكم ويذرون أزواجًا وصيّة لأزواجهم متاعا إلى الحول} (البقرة: 240) قوله: (أو تدعها)، شكّ من الرّاوي، أي: فلم تدعها أي: تتركها مكتوبة. قوله: (قال: يا ابن أخي) أي: قال عثمان لابن الزبير يا ابن أخي، إنّما قال ذلك على عادة العرب، أو نظرا إلى أخوة الإيمان، أو لأن عثمان من أولاد قصي وكذلك عبد الله بن الزبير. قوله: (لا أغير شيئا من مكانه)، أي: لا أغير شيئا ممّا كتب من القرآن وكان عبد الله ظن أن ما نسخ لا يكتب وليس كما ظنّه بل له فوائد الأولى: أن الله تعالى لو أراد نسخ لفظه لرفعه كما فعل في آيات عديدة، ومن صدور الحافظين أيضا. الثّانية: أن في تلاوته ثوابًا كما في تلاوة غيره. الثّالثة: إن كان تثقيلاً ونسخ بتخفيف عرف بتذكره قدر اللطف، وإن كان تخفيفًا ونسخ بتثقيل علم أن المراد انقياد النّفس للأصعب لأن يظهر فيها عند ذلك التّسليم والانقياد، وكان الحكم في أول الإسلام إنّه إذا مات الرجل لم يكن لامرأته شيء من الميراث إلاّ النّفقة والسّكنى سنة، فالآية أعني قوله: (ويذرون أزواجًا وصيّة) أوجبت أمرين: أحدهما: وجوب النّفقة والسّكنى من تركة الزّوج سنة. والثّاني: وجوب الاعتداد سنة لأن وجوب النّفقة والسّكنى من مال الميّت يوجب المنع من التّزويج بزوج آخر ثمّ نسخ هذا أن الحكمان إمّا وجوب العدة في السّنة فبقوله: {يتربّصن بأنفسهنّ أربعة
[عمدة القاري: 18/121]
أشهر وعشرا} وقيل: نسخ ما زاد فيه، وأما وجوب النّفقة والسّكنى فمنسوخ بتقدير نصيبها من الميراث، وقيل: ليس فيها نسخ، وإنّما هو نقصان من الحول وقال الزّمخشريّ: كيف نسخت الآية المتقدّمة المتأخّرة. قلت: قد تكون الآية متقدّمة في التّلاوة وهي متأخّرة في التّنزيل، كقوله عز وجل: {سيقول السّفهاء} مع قوله: (قد نرى تقلب وجهك في السّماء).
- حدّثنا إسحاق حدّثنا روحٌ حدّثنا شبلٌ عن ابن نجيحٍ عن مجاهد والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجا قال كانت هاذه العدّة تعتد عند أهل زوجها واجبٌ فأنزل الله: {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجا وصيّة لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراجٍ فإن خرجنّ فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهنّ من معروفٍ}. قال جعل الله لها تمام السّنة سبعة أشهرٍ وعشرين ليلةً وصيّةً إن شاءت سكنت في وصيّتها وإن شاءت خرجت وهو قول الله تعالى: {غير إخراجٍ فإن خرجن فلا جناح عليكم} فالعدّة كما هي واجبٌ عليها زعم ذلك عن مجاهدٍ.
قوله: حدثني، ويروى: حدثنا إسحاق. قيل: هو ابن راهويه، وقال صاحب (التّوضيح) وإسحاق هو ابن إبراهيم، كما حدث به في الأحزاب أو إسحاق بن منصور كما حدث به في الصّلاة وغيرها، وروح بفتح الرّاء ابن عبادة، بضم العين وتخفيف الباء الموحدة، وشبل، بكسر الشين المعجمة وسكون الباء الموحدة وباللام: ابن عباد، بفتح العين المهملة وتشديد الباء الموحدة، وابن أبي نجيح هو عبد الله بن أبي نجيح المكّيّ.
قوله: (كانت هذه العدة)، أشار به إلى ما في قوله تعالى: {والّذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهر وعشرا} قوله: (فأنزل الله: {والذين يتوفون} )، في الآية ذكرها ثمّ قال: (جعل الله لها) أي: للمعتدة المذكورة في الآية الأولى (تمام السّنة) وبحسب الوصيّة فإن شاءت قبلت الوصيّة وتعتد في بيت أهل الزّوج إلى التّمام، وإن شاءت اكتفت بالواجب، وهذا يدل على أن مجاهدًا لا يرى نسخ هذه الآية أعني قوله: (ويذرون أزواجًا وصيّة لأزواجهم) إلى آخرها وعند الأكثرين هذه الآية منسوخة بالآية الّتي هي قوله: {يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهر وعشرا} قوله: (وصيّة)، منصوب بتقدير: والّذين يتوفون يوصون وصيّة، أو ألزم الّذين يتوفون وصيّة، ويدل عليه قراءة عبد الله كتب عليكم الوصيّة لأزواجكم، وقرئ وصيّة بالرّفع بتقدير: وحكم الّذين يتوفون وصيّة، يعني: قبل أن يحتضروا. قوله: (لأزواجهم)، أي: لزوجاتهم. قوله: (متاعا)، نصب بتقدير: يوصون متاعا أو بتقدير: متعوهن متاعا وقراءة أبي: متاع لأزواجهم متاعا، فعلى هذا نصب متاعا بقوله: متاع لأنّه في معنى: التمتيع. قوله: (غير إخراج)، حال من الأزواج أي: غير مخرجات، أو بدل من: متاعا. وحاصل المعنى: وحقّ الّذين يتوفون عن أزواجهم أن يوصوا قبل أن يحتضروا بأن تتمتع أزواجهم بعدهم حولا كاملا. أي: ينفق عليهنّ من تركته ولا يخرجهن من مساكنهن، وكان ذلك في أول الإسلام ثمّ نسخت المدّة. قوله: {أربعة أشهر وعشرا} (البقرة: 234) ونسحت النّفقة بالإرث الّذي هو الرّبع أو الثّمن، وهذا عند الجمهور غير مجاهد كما ذكره الآن. قوله: (فالعدة)، كما هي واجب عليها وهي الأربعة الأشهر والعشر. قوله: (زعم ذلك عن مجاهد)، قائل هذا هو شبل بن عباد الرّاوي، والضّمير في: زعم، يرجع إلى بن أبي نجيح الرّاوي عن مجاهد.
وقال عطاءٌ قال ابن عبّاسٍ نسخت هاذه الآية عدّتها عند أهلها فتعتدّ حيث شاءت وهو قول الله تعالى: {غير إخراجٍ} (البقرة: 24).
أي: قال عطاء بن أبي رباح: قيل: هذا عطف على قوله: عن مجاهد، وهو من رواية ابن أبي نجيح عن عطاء، ووهم من زعم أنه معلّق. قلت: ظاهره التّعليق، إذ لو كان عطفا لقال: وعن عطاء، وقد روى أبو داود قال حدثنا أحمد بن محمّد المروزي، قال: حدثنا موسى بن مسعود. قال: حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح. قال: قال عطاء: قال ابن عبّاس إلى آخر ما ذكر هنا.
قال عطاءٌ إن شاءت اعتدت عند أهله وسكنت في وصيّتها وإن شاءت خرجت لقول الله تعالى: {فلا جناح عليكم فيما فعلن}. قال عطاءٌ ثمّ جاء الميراث فنسخ السّكنى فتعمّدّ حيث شاءت ولا سكنى لها.
هذا من عطاء كالتفسير لما رواه عن ابن عبّاس، وكذا ذكر أبو داود حيث قال: قال عطاء: إن شاءت إلى آخره، بعد أن ذكر ما رواه عن ابن عبّاس.
وعن محمّد بن يوسف حدّثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ بهذا
هذا يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون هذا مدرجا في رواية إسحاق الّذي تقدم عن روح بن شبل، واختاره بعضهم حيث قال: وعن محمّد بن يوسف معطوفًا على قوله أخبرنا روح. قال صاحب (التّلويح) وفيه بعد. والثّاني: أن يكون البخاريّ علقه عن شيخه محمّد بن يوسف الفريابيّ عن ورقاء مؤنث الأورق بن عمرو الخوارزميّ عن عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد، فإن كان كذا فقد وصله أبو نعيم سليمان بن أحمد عن عبد الله بن محمّد بن سعيد بن أبي مريم عن الفريابيّ. عن ورقاء، فذكره.
وعن ابن أبي نجيحٍ عن عطاءٍ عن ابن عبّاسٍ قال نسخت هاذه الآية عدّتها في أهلها فتعتدّ حيث شاءت لقول الله غير إخراجٍ نحوه.
هذا أيضا يحتمل الوجهين المذكورين، والأظهر هو الوجه الثّاني أنه روي عن عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عبّاس، والحاصل أن ابن أبي نجيح روى عن مجاهد وحده وقوفا عليه، وروى أيضا عن عطاء عن ابن عبّاس. قوله: (نحوه)، أي: نحو ما روي فيما مضى عن مجاهد.
[عمدة القاري: 18/122]
- حدّثنا حبّان حدّثنا عبد الله أخبرنا عبد الله بن عونٍ عن محمّدٍ بن سيرين قال جلست إلى مجلسٍ فيه عظمٌ من الأنصار وفيهم عبد الرّحمان بن أبي ليلى فذكرت حديث عبد الله بن عتبة في شأن سبيعة بنت الحارث فقال عبد الرّحمان ولكنّ عمّه كان لا يقول ذالك فقلت إنّي لجريءٌ إن كذبت على رجلٍ في جانب الكوفة ورفع صوته قال ثمّ خرجت فلقيت مالك بن عامرٍ أو مالك بن عوفٍ قلت كيف كان قول ابن مسعودٍ في المتوفّى عنها زوجها وهي حاملٌ فقال: قال ابن مسعودٍ أتجعلون عليها التّغليظ ولا تجعلون لها الرّخصة لنزلت سورة النّساء القصرى بعد الطّولى.
مطابقته للتّرجمة تؤخذ من قوله: (أتجعلون عليها التّغليظ) إلى آخره. وحبان، بكسر الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة: ابن موسى المروزي، وعبد الله هو ابن المبارك المروزي، وعبد الله بن عون بن أرطبان البصريّ.
قوله: (فيه عظم) بضم العين وسكون الظّاء، وهو جمع عظيم، وأراد به عظماء الأنصار، وعبد الرّحمن بن أبي ليلى واسمه يسار أبو عيسى الكوفي، وقال عطاء بن السّائب عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى: أدركت عشرين ومائة من أصحاب النّبي صلى الله عليه وسلم، كلهم من الأنصار. قوله: (فذكرت حديث عبد الله بن عتبة) بضم العين المهملة وسكون الناء، المثنّاة من فوق ابن مسعود الهذليّ ابن أخي عبد الله ابن مسعود، ذكره العقيليّ في (الصّحابة) قال أبو عمر: فغلط، وإنّما هو تابعيّ أو من كبار التّابعين بالكوفة، وهو والد عبيد الله بن عبد الله بن عتبة الفقيه المدني الشّاعر شيخ ابن شهاب، استعمله عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، وذكره البخاريّ في التّابعين، ولد في حياة النّبي صلى الله عليه وسلم، فأتى به فمسحه بيده ودعا له، وكان إذ ذاك غلاما خماسيا أو سداسيا. قوله: (سبيعة بنت الحارث) بضم السّين المهملة وفتح الباء الموحدة مصغر سبعة الأسلميّة. كانت امرأة سعد بن خولة فتوفي عنها بمكّة، فقال لها أبو السنابل بن بعكك إن أجلك أربعة أشهر وعشرا وكانت قد وضعت بعد وفاة زوجها بليال، قيل: خمس وعشرين ليلة؟ وقيل: أقل من ذلك، فلمّا قال لها أبو السنابل ذلك أتت النّبي صلى الله عليه وسلم، فأخبرته، فقال لها: قد حللت فانكحي من شئت، وبعضهم يروي: إذا أتاك من ترضين فتزوجي. قوله: (ولكن عمه) أي عم عبد الله بن عتبة، وهو عبد الله بن مسعود. قوله: (لا يقول ذلك) أي: لا يقول ما قيل في شأن سبيعة الأسلميّة، وقد ذكرنا الآن ما قال لها أبو السنابل. قوله: (فقلت إنّي لجريء) أي: صاحب جراءة غير متسحي. قوله: (على رجل في جانب الكوفة) أراد به عبد الله بن عتبة وكان سكن الكوفة ومات بها في زمن عبد الملك بن مروان. قوله: (قال ثمّ خرجت)، أي: قال محمّد بن سيرين. قوله: (فلقيت مالك بن عامر) الهمداني، يكنى بأبي عطيّة قال الكرماني الصحابيّ باختلاف، وقال الذّهبيّ: مالك بن عامر الوداعي تابعيّ كوفي، يقال أدرك الجاهليّة. قوله: (أو مالك بن عوف)، شكّ من الرّاوي، وهو مالك بن عوف بن نضلة بن جريج بن حبيب الجشمي صاحب ابن مسعود. قوله: (وهي حامل)، الواو وفيه حال. قوله: (أتجعلون عليها التّغليظ) ؟ أي: طول العدة بالحمل إذا زادت مدّته على مدّة الأشهر. وقد يمتد ذلك حتّى تجاوز تسعة أشهر إلى أربع سنين أي: إذا جعلتم التّغليظ عليها فاجعلوا لها الرّخصة إذا وضعت أقل من أربعة أشهر. قوله: (لنزلت)، اللّام فيه للتّأكيد. قوله: (سورة النّساء القصرى)، وهي سورة الطّلاق، وفيها {وأولات الأحمال أجلهنّ أن يضعن حملهنّ} (الطّلاق: 4). قوله: (بعد الطّولى)، ليس المراد منها سورة النّساء، وإنّما المراد السّورة الّتي هي أطول جميع السّور القرآن يعني سورة البقرة، وفيها: {والّذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهر وعشرا} (البقرة: 234) وقال الخطابيّ: حمل ابن مسعود على النّسخ أي جعل ما في الطّلاق ناسخا لما في البقرة، وكان ابن عبّاس يجمع عليها العدتين فتعتد أقصاهما وذلك لأن أحداهما ترفع الأخرى، فلمّا أمكن الجمع بينهما جمع، وأما عامّة الفقهاء فالأمر عندهم محمول على التّخصيص لخبر سبيعة الأسلميّة.
[عمدة القاري: 18/123]
وقال أيّوب عن محمّدٍ لقيت أبا عطيّة مالك بن عامرٍ
أي قال أيّوب السّختيانيّ عن محمّد بن سيرين إنّه قال: لقيت أبا عطيّة مالك بن عامر، يعني: لم يشك فيه.
- حدّثنا حبّان حدّثنا عبد الله أخبرنا عبد الله بن عونٍ عن محمّدٍ بن سيرين قال جلست إلى مجلسٍ فيه عظمٌ من الأنصار وفيهم عبد الرّحمان بن أبي ليلى فذكرت حديث عبد الله بن عتبة في شأن سبيعة بنت الحارث فقال عبد الرّحمان ولكنّ عمّه كان لا يقول ذالك فقلت إنّي لجريءٌ إن كذبت على رجلٍ في جانب الكوفة ورفع صوته قال ثمّ خرجت فلقيت مالك بن عامرٍ أو مالك بن عوفٍ قلت كيف كان قول ابن مسعودٍ في المتوفّى عنها زوجها وهي حاملٌ فقال: قال ابن مسعودٍ أتجعلون عليها التّغليظ ولا تجعلون لها الرّخصة لنزلت سورة النّساء القصرى بعد الطّولى.
مطابقته للتّرجمة تؤخذ من قوله: (أتجعلون عليها التّغليظ) إلى آخره. وحبان، بكسر الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة: ابن موسى المروزي، وعبد الله هو ابن المبارك المروزي، وعبد الله بن عون بن أرطبان البصريّ.
قوله: (فيه عظم) بضم العين وسكون الظّاء، وهو جمع عظيم، وأراد به عظماء الأنصار، وعبد الرّحمن بن أبي ليلى واسمه يسار أبو عيسى الكوفي، وقال عطاء بن السّائب عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى: أدركت عشرين ومائة من أصحاب النّبي صلى الله عليه وسلم، كلهم من الأنصار. قوله: (فذكرت حديث عبد الله بن عتبة) بضم العين المهملة وسكون الناء، المثنّاة من فوق ابن مسعود الهذليّ ابن أخي عبد الله ابن مسعود، ذكره العقيليّ في (الصّحابة) قال أبو عمر: فغلط، وإنّما هو تابعيّ أو من كبار التّابعين بالكوفة، وهو والد عبيد الله بن عبد الله بن عتبة الفقيه المدني الشّاعر شيخ ابن شهاب، استعمله عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، وذكره البخاريّ في التّابعين، ولد في حياة النّبي صلى الله عليه وسلم، فأتى به فمسحه بيده ودعا له، وكان إذ ذاك غلاما خماسيا أو سداسيا. قوله: (سبيعة بنت الحارث) بضم السّين المهملة وفتح الباء الموحدة مصغر سبعة الأسلميّة. كانت امرأة سعد بن خولة فتوفي عنها بمكّة، فقال لها أبو السنابل بن بعكك إن أجلك أربعة أشهر وعشرا وكانت قد وضعت بعد وفاة زوجها بليال، قيل: خمس وعشرين ليلة؟ وقيل: أقل من ذلك، فلمّا قال لها أبو السنابل ذلك أتت النّبي صلى الله عليه وسلم، فأخبرته، فقال لها: قد حللت فانكحي من شئت، وبعضهم يروي: إذا أتاك من ترضين فتزوجي. قوله: (ولكن عمه) أي عم عبد الله بن عتبة، وهو عبد الله بن مسعود. قوله: (لا يقول ذلك) أي: لا يقول ما قيل في شأن سبيعة الأسلميّة، وقد ذكرنا الآن ما قال لها أبو السنابل. قوله: (فقلت إنّي لجريء) أي: صاحب جراءة غير متسحي. قوله: (على رجل في جانب الكوفة) أراد به عبد الله بن عتبة وكان سكن الكوفة ومات بها في زمن عبد الملك بن مروان. قوله: (قال ثمّ خرجت)، أي: قال محمّد بن سيرين. قوله: (فلقيت مالك بن عامر) الهمداني، يكنى بأبي عطيّة قال الكرماني الصحابيّ باختلاف، وقال الذّهبيّ: مالك بن عامر الوداعي تابعيّ كوفي، يقال أدرك الجاهليّة. قوله: (أو مالك بن عوف)، شكّ من الرّاوي، وهو مالك بن عوف بن نضلة بن جريج بن حبيب الجشمي صاحب ابن مسعود. قوله: (وهي حامل)، الواو وفيه حال. قوله: (أتجعلون عليها التّغليظ) ؟ أي: طول العدة بالحمل إذا زادت مدّته على مدّة الأشهر. وقد يمتد ذلك حتّى تجاوز تسعة أشهر إلى أربع سنين أي: إذا جعلتم التّغليظ عليها فاجعلوا لها الرّخصة إذا وضعت أقل من أربعة أشهر. قوله: (لنزلت)، اللّام فيه للتّأكيد. قوله: (سورة النّساء القصرى)، وهي سورة الطّلاق، وفيها {وأولات الأحمال أجلهنّ أن يضعن حملهنّ} (الطّلاق: 4). قوله: (بعد الطّولى)، ليس المراد منها سورة النّساء، وإنّما المراد السّورة الّتي هي أطول جميع السّور القرآن يعني سورة البقرة، وفيها: {والّذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهر وعشرا} (البقرة: 234) وقال الخطابيّ: حمل ابن مسعود على النّسخ أي جعل ما في الطّلاق ناسخا لما في البقرة، وكان ابن عبّاس يجمع عليها العدتين فتعتد أقصاهما وذلك لأن أحداهما ترفع الأخرى، فلمّا أمكن الجمع بينهما جمع، وأما عامّة الفقهاء فالأمر عندهم محمول على التّخصيص لخبر سبيعة الأسلميّة.
وقال أيّوب عن محمّدٍ لقيت أبا عطيّة مالك بن عامرٍ
أي قال أيّوب السّختيانيّ عن محمّد بن سيرين إنّه قال: لقيت أبا عطيّة مالك بن عامر، يعني: لم يشك فيه). [عمدة القاري: 18/124]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهرٍ وعشرًا فإذا بلغن أجلهنّ فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهنّ بالمعروف والله بما تعملون خبيرٌ} [البقرة 234] يعفون: يهبن
({والذين يتوفون}) وفي نسخة باب والذين يتوفون أي يموتون ({منكم ويذرون}) يتركون ({أزواجًا يتربصن}) بعدهم ({بأنفسهن}) فلا يتزوجن ولا يخرجن ولا يتزين ({أربعة أشهر وعشرًا}) من الليالي، ويحتمل أن تكون الحكمة في هذا المقدار أن الجنين في غالب الأمر يتحرك لثلاثة أشهر إن كان ذكرًا ولأربعة إن كان أنثى واعتبر أقصر الأجلين وزيد عليه العشر استظهارًا إذ ربما تضعف حركته في المبادئ فلا يحس بها ولا يخرج عن ذلك إلا المتوفى عنها زوجها وهي حامل فإن عدتها بوضع الحمل ولو لم تمكث بعده سوى لحظة لعموم قوله تعالى: {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} [الطلاق: 4] والأمة فإن عدتها على النصف من عدة الحرة شهران وخمس ليال لأنها لما كانت على النصف من الحرة في الحدّ فكذلك في العدة. وكان
ابن عباس يرى أن تتربص بأبعد الأجلين من الوضع وأربعة أشهر وعشر للجمع بين الآيتين، وهو مأخذ جيد ومسلك قوي لولا ما ثبتت به السنّة في حديث سبيعة الأسلمية الآتي إن شاء الله تعالى قريبًا بحول الله وقوّته، وتأنيث العشر باعتبار الليالي لأنها غرر المشهور والأيام تبع، ولذلك لا يستعملون التذكير في مثله قط ذهابًا إلى الأيام حتى أنهم يقولون: صمت عشرًا ويشهد له قوله: {إن لبثتم إلا عشرًا} [طه: 103] و {إن لبثتم إلا يومًا} [طه: 154] ({فإذا بلغن أجلهن}) انقضت عدتهن ({فلا جناح عليكم}) أي فلا إثم عليكم أيها الأولياء أو المسلمون ({فيما فعلن في أنفسهن}) من التعرض للخطاب والتزين وسائر ما حرم للعدة ({بالمعروف}) بالوجه الذي لا ينكره الشرع ({والله بما تعملون خبير}) [البقرة: 234] فيجازيكم عليه وسقط قوله: {فإذا بلغن} الخ لغير أبي ذر وقال إلى {بما تعملون خبير}.
(يعفون) أي من قوله تعالى: {فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون} [البقرة: 234] قال ابن عباس وغيره: (يهبن) من الهبة أي المطلقات فلا يأخذن شيئًا، والصيغة تحتمل التذكير والتأنيث يقال: الرجال يعفون والنساء يعفون. قالوا: وفي الأوّل ضمير والنون علامة الرفع، وفي الثاني لام الفعل والنون ضمير النساء، ولذلك لم يؤثر فيه أن هاهنا ونصب المعطوف وسقط قوله يعفون يهبن لأبي ذر.
- حدّثني أميّة بن بسطامٍ، حدّثنا يزيد بن زريعٍ، عن حبيبٍ عن ابن أبي مليكة، قال ابن الزّبير: قلت لعثمان بن عفّان: {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا} قال: قد نسختها الآية الأخرى، فلم تكتبها أو تدعها قال يا ابن أخي: لا أغيّر شيئًا منه من مكانه. [الحديث 4530 - طرفه في: 4536].
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (أمية بن بسطام) بضم الهمزة وفتح الميم وتشديد التحتية وبسطام بكسر الموحدة وسكون المهملة ابن المنتشر العيشي البصري قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) بضم الزاي وفتح الراء مصغرًا (عن حببب) هو في اليونينية بالحاء المهملة هو ابن الشهيد كما صرح به المؤلّف قريبًا، ووقع في الفرع هنا خبيب بالخاء المعجمة المضمومة فالله أعلم أو هو سهو الأزدي الأموي البصري (عن ابن أبي مليكة) عبد الله أنه قال: (قال ابن الزبير) عبد الله: (قلت لعثمان بن عفان {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا}) الآية الثانية الصريحة الدلالة على أنه يجب على الذين يتوفون أن يوصوا قبل أن يحتضروا لأزواجهم بأن يمتعن بعدهم حولًا بالسكنى (قال) أي ابن الزبير: (قد نسختها الآية الأخرى) السابقة وهي ({يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرًا} فلم) بكسر اللام وفتح الميم (تكتبها) وقد نسخ حكمها بالأربعة أشهر فما الحكمة في إبقاء رسمها مع زوال حكمها وبقاء رسمها بعد التي نسختها يوهم بقاء حكمها (أو) لم (تدعها) أي تتركها في المصحف والشك من الراوي أي اللفظ قال: وقال في المصابيح: المعنى فلم تكتبها أو فلم لا تدعها فحذف حرف النفي اعتمادًا على فهم المعنى
[إرشاد الساري: 7/37]
قال: وقد جاء بعد هذا وقال: ندعها
يا ابن أخي لا أغير شيئًا منه من مكانه انتهى. والاستفهام إنكاري وكأن ابن الزبير ظن أن الذي ينسخ حكمه لا يكتب.
(قال) عثمان رضي الله تعالى عنه مجيبًا له عن استشكاله (يا ابن أخي) قاله على عادة العرب أو نظرًا إلى أخوة الإيمان (لا أغير شيئًا منه من مكانه) إذ هو توقيفي أي فكما وجدتها مثبتة في المصحف بعدها أثبتها حيث وجدتها، وفيه أن ترتيب الآي توقيفي.
- حدّثنا إسحاق حدّثنا روحٌ، حدّثنا شبلٌ عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا} قال: كانت هذه العدّة تعتدّ عند أهل زوجها واجبٌ، فأنزل اللّه {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا وصيّةً لأزواجهم متاعًا إلى الحول غير إخراجٍ فإن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهنّ من معروفٍ} قال: جعل اللّه لها تمام السّنة سبعة أشهرٍ وعشرين ليلةً وصيّةً إن شاءت سكنت في وصيّتها وإن شاءت خرجت وهو قول اللّه تعالى: {غير إخراجٍ فإن خرجن فلا جناح عليكم} فالعدّة كما هي واجبٌ عليها زعم ذلك عن مجاهدٍ وقال عطاءٌ: قال ابن عبّاسٍ نسخت هذه الآية عدّتها عند أهلها فتعتدّ حيث شاءت وهو قول اللّه تعالى: {غير إخراجٍ} قال عطاءٌ: إن شاءت اعتدّت عند أهله وسكنت في وصيّتها وإن شاءت خرجت لقول اللّه تعالى: {فلا جناح عليكم فيما فعلن} قال عطاءٌ: ثمّ جاء الميراث فنسخ السّكنى فتعتدّ حيث شاءت ولا سكنى لها، وعن محمّد بن يوسف حدّثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ بهذا. وعن ابن أبي نجيحٍ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: نسخت هذه الآية عدّتها في أهلها فتعتدّ حيث شاءت لقول اللّه تعالى: {غير إخراجٍ} نحوه. [الحديث 4531 - أطرافه في: 5344].
وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر حدّثني (إسحاق) هو ابن راهويه قال: (حدّثنا روح) بفتح الراء ابن عبادة بضم العين وتخفيف الموحدة قال: (حدّثنا شبل) بكسر الشين المعجمة وسكون الموحدة آخره لام ابن عباد بفتح العين وتشديد الموحدة (عن ابن أبي نجيح) عبد الله المكي (عن مجاهد) هو ابن جبر المفسر {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا} قال: كانت هذه العدة) أي المذكورة في قوله تعالى: {يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرًا} (تعتد عند أهل زوجها واجب فأنزل الله) تعالى: ({والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا وصية لأزواجهم}) بنصب وصية في قراءة أبي عمرو وابن عامر وحفص وحمزة أي والذين يتوفون منكم يوصون وصية أو ليوصوا وصية أو كتب الله عليهم وصية، أو ألزم الذين يتوفون وصية وبالرفع قرأ الباقون على تقدير ووصية الذين يتوفون أو حكمهم وصية ({متاعًا إلى الحول}) نصب بلفظ وصية لأنها مصدر منوّن ولا يضرّ تأنيثها بالتاء لبنائها عليه والأصل وصية بمتاع ثم حذف الجر اتساعًا فنصب ما بعده وهذا إذا لم تجعل الوصية منصوبة على المصدر لأن المصدر المؤكد لا يعمل وإنما يجيء ذلك حال رفعها
أو نصبها على المفعول ({غير إخراج}) نعت لمتاعًا أو بدل منه أو حال من الزوجات أي غير مخرجات أو حال من الموصين أي غير مخرجين ({فإن خرجن}) من منزل الأزواج ({فلا جناح عليكم}) [البقرة: 240] أيها الأولياء ({فيما فعلن في أنفسهن من معروف}) [البقرة: 240] مما لم ينكره الشرع، وهذا يدل على أنه لم يكن يجب عليها ملازمة مسكن الزوج والإحداد عليه وإنما كانت مخيرة بين الملازمة وأخذ النفقة وبين الخروج وتركها (قال: جعل الله لها) أي للمعتدة المذكورة في الآية الأولى (تمام السنة سبعة أشهر) ولأبي ذر: بسبعة أشهر (وعشرين ليلة وصية إن شاءت سكنت في وصيتها وإن شاءت خرجت وهو قول الله تعالى: {غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم} فالعدة) وهي أربعة الأشهر والعشرة (كما هي واجب عليها) قال شبل بن عباد (زعم) ابن أبي نجيح (ذلك) المتقدم (عن مجاهد) وهذا يدل على أن مجاهدًا لا يرى نسخ هذه الآية ثم عطف المؤلّف على قوله عن مجاهد قوله.
(وقال: عطاء) هو ابن أبي رباح. قال في الفتح: وهو من رواية ابن أبي نجيح عن عطاء، ووهم من زعم أنه معلق، وتعقبه العيني بأنه لو كان عطفًا لقال وعن عطاء فظاهره التعليق (قال ابن عباس: نسخت هذه الآية عدتها عند أهلها فتعتد حيث شاءت وهو) أي الناسخ (قول الله تعالى {غير إخراج} قال عطاء) مفسرًا لما رواه عن ابن عباس (إن شاءت اعتدت عند أهله) ولأبي ذر عن الكشميهني عند أهلها (وسكنت في وصيتها وإن شاءت خرجت لقول الله تعالى: {فلا جناح عليكم فيما فعلن}) لدلالته على التخيير.
(قال عطاء: ثم جاء الميراث) في قوله تعالى: {ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن} [النساء: 12] (فنسخ السكنى) وتركت الوصية (فتعتدّ حيث شاءت ولا سكنى لها).
قال ابن كثير: فهذا القول الذي عوّل عليه مجاهد وعطاء من أن هذه الآية لم تدل على وجوب الاعتداد سنة كما زعمه الجمهور حتى يكون ذلك منسوخًا بأربعة الأشهر والعشر، وإنما دلت على أن ذلك كان من باب الوصية بالزوجات أن يمكّن من السكنى في بيوت أزواجهن بعد وفاتهم حولًا كاملًا إن اخترن ذلك ولهذا قال: {وصية لأزواجهم} أي يوصيكم الله بهن وصية كقوله تعالى: {يوصيكم الله في أولادكم} [النساء: 11] الآية.
(وعن محمد بن يوسف) الفريابي شيخ المؤلّف وهو معطوف على
[إرشاد الساري: 7/38]
قوله حدّثنا روح أو علقه المؤلّف عنه وقد وصله أبو نعيم في مستخرجه من طريق محمد بن عبد الملك بن زنجويه عن محمد بن يوسف وهو الفريابي أنه قال: (حدّثنا ورقاء) بن عمرو الخوارزمي (عن ابن أبي نجيح) بفتح النون وكسر الجيم وبعد التحتية الساكنة حاء مهملة عبد الله واسم أبي نجيح يسار (عن مجاهد بهذا. وعن ابن أبي نجيح عن عطاء عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه (قال: نسخت هذه الآية عدتها في أهلها فتعتد حيث شاءت لقول الله تعالى: {غير إخراج} نحوه) أي نحو ما روي عن مجاهد فيما سبق.
- حدّثنا حبّان حدّثنا عبد اللّه، أخبرنا عبد اللّه بن عونٍ، عن محمّد بن سيرين قال: جلست إلى مجلسٍ فيه عظمٌ من الأنصار وفيهم عبد الرّحمن بن أبي ليلى فذكرت حديث عبد اللّه بن عتبة في شأن سبيعة بنت الحارث فقال عبد الرّحمن: ولكنّ عمّه كان لا يقول ذلك فقلت إنّي لجريءٌ إن كذبت على رجلٍ في جانب الكوفة ورفع صوته، قال: ثمّ خرجت فلقيت مالك بن عامرٍ أو مالك بن عوفٍ قلت: كيف كان قول ابن مسعودٍ في المتوفّى عنها زوجها وهي حاملٌ؟ فقال: قال ابن مسعودٍ أتجعلون عليها التّغليظ ولا تجعلون لها الرّخصة؟ فنزلت سورة النّساء القصرى بعد الطّولى وقال أيّوب: عن محمّدٍ لقيت أبا عطيّة مالك بن عامرٍ. [الحديث 4532 - طرفه في: 4910].
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (حبان) بكسر الحاء المهملة وتشديد الموحدة ابن موسى المروزي قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا (عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا عبد الله بن عون) بالنون واسم جده ارطبان البصري (عن محمد بن سيرين) أنه (قال: جلست إلى مجلس فيه عظم) بضم العين المهملة وسكون الظاء المعجمة جمع عظيم أي عظماء (من الأنصار وفيهم عبد الرحمن بن أبي ليلى) اسمه يسار الكوفي زاد في سورة الطلاق فذكروا آخر الأجلين (فذكرت حديث عبد الله بن عتبة) بضم العين وسكون الفوقية ابن مسعود الهزلي التابعي ابن أخي عبد الله بن مسعود (في شأن سبيعة بنت الحرث) بضم السين المهملة وفتح الموحدة وفتح العين المهملة مصغر سبعة الأسلمية، وكانت زوج سعد بن خولة فتوفي عنها بمكة فقال لها أبو السنابل بن بعكك: إن أجلك أربعة أشهر وعشر وكانت قد وضعت بعد وفاة زوجها بليال. قيل خمس وعشرون ليلة، وقيل أقل من ذلك فلما قال لها أبو السنابل ذلك أتت النبي صلّى اللّه عليه وسلّم يأكل فأخبرته فقال لها "قد حللت فانكحي من شئت".
(فقال عبد الرحمن) بن أبي ليلى: (ولكن عمه) نصب بلكن المشددة ولأبي ذر ولكن عمه بتخفيف النون ورفع عمه أي عم عبد الله بن عتبة وهو عبد الله بن مسعود (كان لا يقول ذلك) بل يقول تعتدّ بآخر الأجلين قال محمد بن سيرين (فقلت: إني لجريء) أي ذو جراءة (أن كذبت على رجل في جانب الكوفة) يريد عبد الله بن عتبة وكان سكن الكوفة وتوفي بها زمن عبد الملك بن مروان، ومفهومه وقوع ذلك وعبد الله بن عتبة حيّ (ورفع) ابن سيرين (صوته. قال): أي ابن سيرين (ثم خرجت فلقيت مالك بن عامر) أبا عطية الهمداني (أو مالك بن عوف) بن أبي نضلة صاحب ابن مسعود والشك من الراوي (قلت) له: (كيف كان قول ابن مسعود في) عدّة (المتوفى عنها زوجها وهي حامل)؟ الواو في وهي للحال (فقال) مالك بن عامر أو مالك بن عوف: (قال ابن مسعود: أتجعلون عليها التغليظ) وهو طول زمن عدة الحمل إذا زادت على أربعة أشهر وعشر (ولا تجعلون لها الرخصة) وهي خروجها من العدة إذا وضعت لأقل من أربعة أشهر وعشر (فنزلت) بلام التأكيد لقسم محذوف أي والله لنزلت ولأبي ذر عن المستملي
أنزلت (سورة النساء القصرى) التي هي سورة الطلاق ومراده منها وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن (بعد الطولى) التي هي سورة البقرة ومراده منها {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرًا} ومفهوم كلام ابن مسعود أن المتأخر هو الناسخ لكن الجمهور أن لا نسخ بل عموم آية البقرة مخصوص بآية الطلاق، وقد روى أبو داود وابن أبي حاتم من طريق مسروق قال: بلغ ابن مسعود أن عليًّا يقول تعتد آخر الأجلين فقال: من شاء لاعنته أن التي في النساء القصرى أنزلت بعد سورة البقرة ثم قرأ {وأولات الأحمال أجهلن أن يضعن حملهن}.
(وقال أيوب) السختياني مما وصله في سورة الطلاق (عن محمد) هو ابن سيرين (لقيت أبا عطية مالك بن عامر) من غير شك). [إرشاد الساري: 7/39]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا} [البقرة: 234]
({والذين}) وفي بعض النسخ باب والذين ({يتوفون منكم ويذرون أزواجًا}) سقطت الآية لغير أبي ذر فصار الحديث الآتي من الباب السابق.
- حدّثني عبد اللّه بن أبي الأسود، حدّثنا حميد بن الأسود، ويزيد بن زريعٍ، قالا: حدّثنا حبيب بن الشّهيد، عن ابن أبي مليكة، قال: قال ابن الزّبير قلت لعثمان هذه الآية الّتي في البقرة: {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا} إلى قوله: {غير إخراجٍ} قد نسختها الآية الأخرى فلم تكتبها قال: تدعها يا ابن أخي لا أغيّر شيئًا منه من مكانه قال حميدٌ: أو نحو هذا.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (عبد الله بن أبي الأسود) هو عبد الله بن محمد بن أبي الأسود واسمه حميد ابن أخت عبد الرحمن بن مهدي الحافظ البصري قال: (حدّثنا حميد بن الأسود) هو جدّ عبد الله (ويزيد بن زريع) بضم الزاي وفتح الراء مصغرًا (قالا: حدّثنا
حبيب بن الشهيد) بفتح الشين المعجمة وكسر الهاء الأزدي مولاهم البصري (عن ابن أبي مليكة) مصغرًا عبد الله أنه (قال: قال ابن الزبير) عبد الله (قلت لعثمان) بن عفان رضي الله تعالى عنه (هذه الآية التي في البقرة {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا} إلى قوله: {غير إخراج} قد نسختها الآية الأخرى) وسقطت الآية من اليونينية {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرًا} (فلم تكتبها) بكسر اللام استفهام إنكاري (قال): أي عثمان (تدعها) بالفوقية في اليونينية أي تتركها مثبتة في المصحف (يا ابن أخي لا أغير شيئًا منه) أي من المصحف (من مكانه. قال حميد) أي ابن الأسود (أو نحو هذا) المذكور من المتن فتردد فيه بخلاف يزيد بن زريع فجزم به). [إرشاد الساري: 7/43]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا}
- أخبرنا محمّد بن عبد الأعلى، أخبرنا خالدٌ يعني ابن الحارث، أخبرنا ابن عونٍ، عن محمّدٍ، قال: لقيت مالكًا فقلت: كيف كان ابن مسعودٍ يقول في شأن سبيعة؟ قال: قال: «أتجعلون عليها التّغليظ ولا تجعلون لها الرّخصة، لأنزلت سورة النّساء القصرى بعد الطّولى»
[السنن الكبرى للنسائي: 10/33]
- أخبرنا محمّد بن سلمة، أخبرنا ابن القاسم، عن مالكٍ، عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة، عن عمّته زينب بنت كعب بن عجرة، أنّ الفريعة بنت مالك بن سنانٍ، وهي أخت أبي سعيدٍ الخدريّ أخبرتها أنّها جاءت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تسأله: أترجع إلى أهلها بني خدرة فإنّ زوجها خرج في طلب أعبدٍ له أبقوا حتّى إذا كانوا في طرف القدوم لحقهم فقتلوه، قالت: فسألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن أرجع إلى أهلي، فإنّ زوجي لم يتركني في مسكنٍ يملكه ولا نفقةٍ، قالت: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نعم» فخرجت حتّى إذا كنت في الحجرة، أو في المسجد، دعاني أو أمر بي فدعيت فقال: «كيف قلت؟» قالت: فرددت عليه، فقال: «امكثي في بيتك حتّى يبلغ الكتاب أجله» فاعتددت أربعة أشهرٍ وعشرًا، فلمّا كان عثمان أرسل إليّ فأخبرته، فاتّبعه وقضى به
[السنن الكبرى للنسائي: 10/34]
- عن عمرو بن منصورٍ، عن عبد الله بن يوسف، عن مالكٍ، عن عبد الله بن أبي بكر بن حزمٍ، عن حميد بن نافعٍ، عن زينب بنت أبي سلمة، قالت " دخلت على أمّ حبيبة، حين توفّي أبوها أبو سفيان، فدعت بطيبٍ، فدهنت منه جاريةً، ثمّ مسّت بعارضيها، ثمّ قالت: والله ما لي بالطّيب من حاجةٍ، غير أنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لا يحلّ لامرأةٍ تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحدّ على ميّتٍ فوق ثلاثٍ، إلّا على زوجٍ أربعة أشهرٍ وعشرًا»). [السنن الكبرى للنسائي: 10/34]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهرٍ وعشرًا}.
[جامع البيان: 4/246]
يعني تعالى ذكره بذلك: والّذين يتوفّون منكم من الرّجال أيّها النّاس، فيموتون ويذرون أزواجًا يتربّص أزواجهنّ بأنفسهنّ.
فإن قال قائلٌ: فأين الخبر عن الّذين يتوفّون؟ قيل: متروكٌ لأنّه لم يقصد قصد الخبر عنهم، وإنّما قصد قصد الخبر عن الواجب على المعتدات من العدّة في وفاة أزواجهنّ، فصرف الخبر عن الّذين ابتدأ بذكرهم من الأموات إلى الخبر عن أزواجهم والواجب عليهنّ من العدّة، إذ كان معروفًا مفهومًا معنى ما أريد بالكلام، وهو نظير قول القائل في الكلام: بعض جبّتك متخرّقةٌ، في ترك الخبر عمّا أبتدئ به الكلام إلى الخبر عن بعض أسبابه، وكذلك الأزواج اللّواتي عليهنّ التّربّص لما كان إنّما ألزمهنّ التّبرّص بأسباب أزواجهنّ صرف الكلام عن خبر من أبتدئ بذكره إلى الخبر عمّن قصد قصد الخبر عنه، كما قال الشّاعر:
لعلّي إن مالت بي الرّيح ميلةً = على ابن أبي ذبّان أن يتندّما
فقال لعلّي، ثمّ قال أن يتندّما لأنّ معنى الكلام: لعلّ ابن أبي ذبّان أن يتندّم إن مالت بي الرّيح ميلةً عليه فرجع بالخبر إلى الّذي أراد به، وإن كان قد ابتدأ بذكر غيره ومنه قول الشّاعر:
ألم تعلموا أنّ ابن قيسٍ وقتله = بغير دمٍ دار المذلّة حلّت
[جامع البيان: 4/247]
فألغى ابن قيسٍ وقد ابتدأ بذكره، وأخبر عن قتله أنّه ذلٌّ.
وقد زعم بعض أهل العربيّة أنّ خبر الّذين يتوفّون متروكٌ، وأنّ معنى الكلام: والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا ينبغي لهنّ أن يتربّصن بعد موتهم؛ وزعم أنّه لم يذكر موتهم كما يحذف بعض الكلام، وأنّ يتربّصن رفعٌ إذ وقع موقع ينبغي، وينبغي رفعٌ.
وقد دلّلنا على فساد ما قال في رفع يتربّصن بوقوعه موقع ينبغي فيما مضى، فأغنى عن إعادته.
وقال آخر منهم: إنّما لم يذكر الّذين بشيءٍ، لأنّه صار الّذين في خبرهم مثل تأويل الجزاء: من يلقك منّا تصب خيرًا، الّذي يلقاك منّا تصيب خيرًا قال: ولا يجوز هذا إلاّ على معنى الجزاء.
وفي البيتين اللّذين ذكرناهما الدّلالة الواضحة على القول في ذلك بخلاف ما قالا.
وأمّا قوله: {يتربّصن بأنفسهنّ} فإنّه يعني به: يحتبسن بأنفسهنّ معتدّاتٍ عن الأزواج، والطّيب، والزّينة، والنّقلة عن المسكن الّذي كنّ يسكنّه في حياة أزواجهنّ أربعة أشهرٍ وعشرًا إلاّ أن يكنّ حوامل، فيكون عليهنّ من التّربّص كذلك إلى حين وضع حملهنّ، فإذا وضعن حملهنّ انقضت عددهنّ حينئذٍ.
وقد اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم مثل ما قلنا فيه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية،
[جامع البيان: 4/248]
عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ: {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهرٍ وعشرًا} فهذه عدّة المتوفّى عنها زوجها إلاّ أن تكون حاملاً، فعدّتها أن تضع ما في بطنها.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني اللّيث، قال: حدّثني عقيلٌ، عن ابن شهابٍ، في قول اللّه: {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهرٍ وعشرًا} قال ابن شهابٍ: جعل اللّه هذه العدّة للمتوفّى عنها زوجها، فإن كانت حاملاً فيحلّها من عدّتها أن تضع حملها، وإن استأخر فوق الأربعة الأشهر والعشر فما استأخر، لا يحلّها إلاّ أن تضع حملها.
وإنّما قلنا: عنى بالتّربّص ما وصفنا لتظاهر الأخبار عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بما؛
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، وأبو أسامة، عن شعبة، وحدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، عن شعبة، عن حميد بن نافعٍ، قال: سمعت زينب ابنة أمّ سلمة، تحدّث قال أبو كريبٍ، قال أبو أسامة، عن أمّ سلمة، أنّ امرأةً توفّي عنها زوجها، واشتكت عينها، فأتت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم تستفتيه في الكحل، فقال: لقد كانت إحداكنّ تكون في الجاهليّة في شرّ أحلاسها، فتمكث في بيتها حولاً إذا توفّي عنها زوجها، فيمرّ عليها الكلب فترميه بالبعرة أفلا أربعة أشهرٍ وعشرًا.
[جامع البيان: 4/249]
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الوهّاب، قال: سمعت يحيى بن سعيدٍ، قال: سمعت نافعًا، عن صفيّة ابنة أبي عبيدٍ، أنّها سمعت حفصة ابنة عمر، زوج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم تحدّث عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: لا يحلّ لامرأةٍ تؤمن باللّه واليوم الآخر أن تحدّ فوق ثلاثٍ إلاّ على زوجٍ فإنّها تحدّ عليه أربعة أشهرٍ وعشرًا.
قال يحيى: والإحداد عندنا أن لا تطيب ولا تلبس ثوبًا مصبوغًا بورسٍ، ولا زعفرانٍ، ولا تكتحل، ولا تزّيّن.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: أخبرنا يحيى، عن نافعٍ، عن صفيّة ابنة أبي عبيدٍ، عن حفصة ابنة عمر، أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: لا يحلّ لامرأةٍ تؤمن باللّه واليوم الآخر، أن تحدّ على ميّتٍ فوق ثلاثٍ إلاّ على زوجٍ.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الوهّاب، قال: سمعت يحيى بن سعيدٍ، يقول: أخبرني حميد بن نافعٍ، أنّ زينب ابنة أمّ سلمة، أخبرته عن أمّ سلمة أو أمّ حبيبة، زوج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: أنّ امرأةً أتت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فذكرت أنّ ابنتها توفّي عنها زوجها، وأنّها قد خافت على عينها. فزعم حميدٌ عن زينب أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال قد كانت إحداكنّ ترمي بالبعرة على رأس الحول، وإنّما هي أربعة أشهرٍ وعشرٌا.
[جامع البيان: 4/250]
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا يحيى بن سعيدٍ، عن حميد بن نافعٍ: أنّه سمع زينب ابنة أمّ سلمة، تحدّث، عن أمّ حبيبة أو أمّ سلمة أنّها ذكرت أنّ امرأةً أتت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قد توفّي عنها زوجها وقد اشتكت عينها وهي تريد أن تكحّل عينها، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: قد كانت إحداكنّ ترمي بالبعرة بعد الحول، وإنّما هي أربعة أشهرٍ وعشرٌا.
- قال ابن بشّارٍ: قال يزيد، قال يحيى: فسألت حميدًا عن رميها بالبعرة، قال: كانت المرأة في الجاهليّة إذا توفّي عنها زوجها عمدت إلى شرّ بيتها، فقعدت فيه حولاً، فإذا مرّت بها سنةٌ ألقت بعرةً وراءها.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا شعبة، عن يحيى، عن حميد بن نافعٍ، بهذا الإسناد، مثله.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عبد الله ابن إدريس، قال: حدّثنا ابن عيينة،
[جامع البيان: 4/251]
عن أيّوب بن موسى، ويحيى بن سعيدٍ، عن حميد بن نافعٍ، عن زينب ابنة أمّ سلمة، عن أمّ سلمة: أنّ امرأةً، أتت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقالت: إنّ ابنتي مات زوجها فاشتكت عينها، أفتكتحل؟ فقال: قد كانت إحداكنّ ترمي بالبعرة على رأس الحول، وإنّما هي الآن أربعة أشهرٍ وعشرٌا قال: قلت: وما ترمي بالبعرة على رأس الحول؟ قال: كان نساء الجاهليّة إذا مات زوج إحداهنّ لبست أطمار ثيابها، وجلست في أخسّ بيوتها، فإذا حال عليها الحول أخذت بعرةً فدحرجتها على ظهر حمارٍ، وقالت: قد حللت.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا أحمد بن يونس، قال: حدّثنا زهير بن معاوية، قال: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، عن حميد بن نافعٍ، عن زينب ابنة أمّ سلمة، عن أمّها أمّ سلمة، وأمّ حبيبة، زوجي النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: أنّ امرأةً من قريشٍ جاءت إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقالت: إنّ ابنتي توفّي عنها زوجها، وقد خفت على عينها، وهي تريد الكحل، قال: قد كانت إحداكنّ ترمي بالبعرة على رأس الحول، وإنّما هي أربعة أشهرٍ وعشرٌا قال حميدٌ: فقلت لزينب: وما رأس الحول؟ قالت زينب: كانت المرأة في الجاهليّة إذا هلك زوجها عمدت إلى أشرّ بيتٍ لها فجلست فيه، حتّى إذا مرّت بها سنةٌ خرجت، ثمّ رمت ببعرةٍ وراءها.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا ابن المبارك، عن معمرٍ،
[جامع البيان: 4/252]
عن الزّهريّ، عن عروة، عن عائشة: أنّها كانت تفتي المتوفّى عنها زوجها أنّ تحدّ على زوجها حتّى تنقضي عدّتها، ولا تلبس ثوبًا مصبوغًا، ولا معصفرًا، ولا تكتحل بالإثمد، ولا بكحلٍ فيه طيبٌ وإن وجعت عينها، ولكن تكتحل بالصّبر وما بدا لها من الأكحال سوى الإثمد ممّا ليس فيه طيبٌ، ولا تلبس حليًّا، وتلبس البياض، ولا تلبس السّواد.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا مؤمّلٌ، قال: حدّثنا سفيان، عن موسى بن عقبة، عن نافعٍ، عن ابن عمر، في المتوفّى عنها زوجها: لا تكتحل، ولا تطّيب، ولا تبيت عن بيتها، ولا تلبس ثوبًا مصبوغًا إلاّ ثوب عصبٍ تجلبب به.
- حدّثنا حميد بن مسعدة، قال: حدّثنا سفيان، قال: حدّثنا ابن جريجٍ، عن عطاءٍ قال: بلغني عن ابن عبّاسٍ، قال: تنهى المتوفّى عنها زوجها أنّ تزيّن وتطيّب.
- حدّثنا نصر بن عليٍّ، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا عبيد اللّه، عن نافعٍ، عن ابن عمر، قال: إن المتوفّى عنها زوجها لا تلبس ثوبًا مصبوغًا، ولا تمسّ طيبًا، ولا تكتحل، ولا تمتشط وكان لا يرى بأسًا أن تلبس البرد.
[جامع البيان: 4/253]
وقال آخرون: إنّما أمرت المتوفّى عنها زوجها أن تربّص بنفسها عن الأزواج خاصّةً، فأمّا عن الطّيب، والزّينة، والمبيت عن المنزل فلم تنه عن ذلك، ولم تؤمر بالتّربّص بنفسها عنه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن يونس، عن الحسن: أنّه كان يرخّص في التّزيّن، والتّصنّع، ولا يرى الإحداد شيئًا.
- حدّثنا حميد بن مسعدة، قال: حدّثنا سفيان، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ: {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهرٍ وعشرًا} لم يقل تعتدّ في بيتها، تعتدّ حيث شاءت.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا إسماعيل، قال: حدّثنا ابن جريجٍ، عن عطاءٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ: إنّما قال اللّه: {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهرٍ وعشرًا} ولم يقل تعتدّ في بيتها، فلتعتدّ حيث شاءت.
واعتلّ قائلو هذه المقالة بأنّ اللّه تعالى ذكره إنّما أمر المتوفّى عنها بالتّربّص عن النّكاح وجعلوا حكم الآية على الخصوص.
- وبما حدّثني به، محمّد بن إبراهيم السّلميّ، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ،
[جامع البيان: 4/254]
وحدّثني محمّد بن معمرٍ البحرانيّ، قال: حدّثنا أبو عامرٍ، قالا جميعًا: حدّثنا محمّد بن طلحة، عن الحكم بن عتيبة، عن عبد اللّه بن شدّاد بن الهاد، عن أسماء بنت عميسٍ، قالت: لمّا أصيب جعفرٌ قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم تسلّبي ثلاثًا ثمّ اصنعي ما شئت.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، وابن الصّلت، عن محمّد بن طلحة، عن الحكم بن عتيبة، عن عبد اللّه بن شدّادٍ، عن أسماء، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بمثله.
قالوا: فقد بيّن هذا الخبر عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ألا إحداد على المتوفّى عنها زوجها، وأنّ القول في تأويل قوله: {يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهرٍ وعشرًا} إنّما هو يتربّصن بأنفسهنّ عن الأزواج دون غيره.
وأمّا الّذين أوجبوا الإحداد على المتوفّى عنها زوجها، وترك النّقلة عن منزلها الّذي كانت تسكنه يوم توفّي عنها زوجها، فإنّهم اعتلّوا بظاهر التّنزيل وقالوا: أمر اللّه المتوفّى عنها أن تربّص بنفسها أربعة أشهرٍ وعشرًا، فلم يأمرها بالتّربّص بشيءٍ مسمًّى في التّنزيل بعينه، بل عمّ بذلك معاني التّربّص، قالوا: فالواجب عليها أن تربّص بنفسها عن كلّ شيءٍ، إلاّ ما أطلقته لها حجّةٌ يجب التّسليم لها.
[جامع البيان: 4/255]
قالوا: فالتّربّص عن الطّيب والزّينة، والنّقلة ممّا هو داخلٌ في عموم الآية كما التّربّص عن الأزواج داخلٌ فيها.
قالوا: وقد صحّ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الخبر بالّذي قلنا في الزّينة والطّيب
وأمّا في النّقلة فإنّ؛
- أبا كريبٍ حدّثنا قال: حدّثنا يونس بن محمّدٍ، عن فليح بن سليمان، عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة، عن عمّته عن الفريعة ابنة مالكٍ، أخت أبي سعيدٍ الخدريّ، قالت: قتل زوجي وأنا في دارٍ، فاستأذنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في النّقلة، فأذن لي ثمّ ناداني بعد أن تولّيت، فرجعت إليه، فقال: يا فريعة حتّى يبلغ الكتاب أجله.
قالوا: فبيّن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم صحّة ما قلنا في معنى تربّص المتوفّى عنها زوجها وبطول ما خالفه.
قالوا: وأمّا ما روي عن ابن عبّاسٍ فإنّه لا معنى له بخروجه عن ظاهر التّنزيل والثّابت من الخبر عن الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم.
[جامع البيان: 4/256]
قالوا: وأمّا الخبر الّذي روي عن أسماء ابنة عميسٍ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من أمره إيّاها بالتّسلّب ثلاثًا، ثمّ أن تصنع ما بدا لها، فإنّه غير دالٍّ على أن لا إحداد على المرأة، بل إنّما دلّ على أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إيّاها بالتّسلّب ثلاثًا، ثمّ العمل بما بدا لها من لبس ما شاءت من الثّياب ممّا يحوز للمعتدّة لبسه ممّا لم يكن زينةً ولا تطيّبًا؛ لأنّه قد يكون من الثّياب ما ليس بزينةٍ ولا ثيابٍ تسلّبٍ، وذلك كالّذي أذن صلّى اللّه عليه وسلّم للمتوفّى عنها أن تلبس من ثياب العصب، وبرود اليمن، فإنّ ذلك لا من ثياب زينةٍ ولا من ثياب تسلّبٍ، وكذلك كلّ ثوبٍ لم يدخل عليه صبغٌ بعد نسجه ممّا يصبغه النّاس لتزيينه، فإنّ لها لبسه؛ لأنّها تلبسه غير متزيّنةٍ الزّينة الّتي يعرفها النّاس.
فإن قال لنا قائلٌ: وكيف قيل يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهرٍ وعشرًا ولم يقل وعشرةً؟ وإذ كان التّنزيل كذلك أفباللّيالي تعتدّ المتوفّى عنها العشر أم بالأيّام؟ قيل: بل تعتدّ بالأيّام بلياليها. فإن قال: فإذ كان ذلك كذلك فكيف قيل وعشرًا ولم يقل وعشرةً، والعشر بغير الهاء من عدد اللّيالي دون الأيّام؟ فإن جاز ذلك المعنى فيه ما قلت، فهل تجيز عندي عشر وأنت تريد عشرةً من رجالٍ ونساءٍ؟
قلت: ذلك جائزٌ في عدد اللّيالي والأيّام، وغير جائزٍ مثله في عدد بني آدم من الرّجال النّساء؛ وذلك أنّ العرب في الأيّام واللّيالي خاصّةً إذا أبهمت العدد غلّبت فيه اللّيالي، حتّى إنّهم فيما روي لنا عنهم ليقولون: صمنا عشرًا من شهر رمضان، لتغليبهم اللّيالي على الأيّام؛ وذلك أنّ العدد عندهم قد جرى في ذلك باللّيالي دون الأيّام، فإذا أظهروا مع العدد مفسّره أسقطوا من عدد المؤنّث الهاء وأثبتوها في عدد المذكّر، كما قال تعالى ذكره: {سخّرها عليهم سبع ليالٍ وثمانية أيّامٍ حسومًا} فأسقط الهاء من سبعٍ، وأثبتها في الثّمانية.
[جامع البيان: 4/257]
وأمّا بنو آدم، فإنّ من شأن العرب إذا اجتمعت الرّجال، والنّساء ثمّ أبهمت عددها أن تخرجه على عدد الذّكران دون الإناث، وذلك أنّ الذّكران من بني آدم موسومٌ، واحدهم وجمعه بغير سمة إناثهم، وليس كذلك سائر الأشياء غيرهم، وذلك أنّ الذّكور من غيرهم ربّما وسم بسمة الأنثى، كما قيل للذّكر والأنثى شاةٌ، وقيل للذّكور والإناث من البقر بقرٌ، وليس كذلك في بني آدم.
فإن قال: فما معنى زيادة هذه العشرة الأيّام على الأربعة الأشهر؟ قيل: قد قيل في ذلك ما؛
- حدّثنا به ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية، في قوله: {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهرٍ وعشرًا} قال: قلت: لم صارت هذه العشر مع الأشهر الأربعة؟ قال: لأنّه ينفخ فيه الرّوح في العشر.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني أبو عاصمٍ، عن سعيدٍ، عن قتادة، قال: سألت سعيد بن المسيّب: ما بال العشر؟ قال: فيه ينفخ الرّوح). [جامع البيان: 4/258]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فإذا بلغن أجلهنّ فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهنّ بالمعروف}.
يعني تعالى ذكره بقوله: فإذا بلغن الأجل الّذي أبيح لهنّ فيه ما كان حظر عليهنّ في عددهنّ من وفاة أزواجهنّ، وذلك بعد انقضاء عددهنّ، ومضيّ الأشهر الأربعة والأيّام العشرة، فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهنّ بالمعروف، يقول: فلا حرج عليكم أيّها الأولياء أولياء المرأة فيما فعل المتوفّى عنهنّ حينئذٍ في أنفسهنّ من تطيّبٍ، وتزيّنٍ، ونقلةٍ من المسكن الّذي كنّ يعتددن فيه، ونكاح من يجوز لهنّ نكاحه بالمعروف؛ يعني بذلك: على ما أذن اللّه لهنّ فيه وأباحه لهنّ.
وقد قيل: إنّما عنى بذلك النّكاح خاصّةً.
وقيل إنّ معنى قوله {بالمعروف} إنّما هو النّكاح الحلال.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا مؤمّلٌ، قال: حدّثنا سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهنّ بالمعروف} قال: الحلال الطّيّب.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عنبسة، عن محمّد بن عبد الرّحمن، عن القاسم بن أبي بزّة، عن مجاهدٍ: {فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهنّ بالمعروف} قال: المعروف: النّكاح الحلال الطّيّب.
[جامع البيان: 4/259]
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: قال ابن جريجٍ، قال مجاهدٌ: قوله: {فيما فعلن في أنفسهنّ بالمعروف} قال: هو النّكاح الحلال الطّيّب.
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: هو النّكاح.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني اللّيث، قال: حدّثني عقيلٌ، عن ابن شهاب: {فيما فعلن في أنفسهنّ بالمعروف} قال: في نكاح من هويته إذا كان معروفًا). [جامع البيان: 4/260]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واللّه بما تعملون خبيرٌ}.
يعني تعالى ذكره بذلك: واللّه بما تعملون أيّها الأولياء في أمر من أنتم وليّه من نسائكم من عضلهنّ، وإنكاحهنّ ممّن أردن نكاحه بالمعروف، ولغير ذلك من أموركم وأمورهم {خبيرٌ} يعني ذو خبرةٍ وعلمٍ، لا يخفى عليه منه شيءٌ). [جامع البيان: 4/260]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهرٍ وعشرًا فإذا بلغن أجلهنّ فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهنّ بالمعروف واللّه بما تعملون خبيرٌ (234)
قوله تعالى: والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهر وعشرا
- حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن يزيد المقرئ، ثنا سفيان، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ، في المتوفّى عنها زوجها، تخرج فإنّ اللّه يقول: والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا ولم يقل: يعتدّون في بيوتكم.
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قال: أنزل اللّه والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهرٍ وعشرًا فهذه المتوفّى عنها، إلا أن تكون حاملا فعدّتها أن تضع ما في بطنها.
[تفسير القرآن العظيم: 2/436]
- قرأت على محمّد بن الفضل، أبنا محمّد بن مزاحمٍ، ثنا بكير بن معروفٍ عن مقاتلٍ والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهرٍ وعشرًا من يوم يموت الزّوج، إن كان غائبًا أو شاهدًا). [تفسير القرآن العظيم: 1/437]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: وعشرًا
- حدّثنا أبي ثنا هشام بن عمّارٍ ومحمود بن خالدٍ قالا: ثنا الوليد بن مسلمٍ، ثنا الأوزاعيّ، قال: سمعت ربيعة ويحيى ابن سعيدٍ يقولان في قوله:
يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهر وعشرا عشر ليالي، لقول الله: وعشرا وما قال الله: عشرة كاملةٌ، فهي عشر ليالٍ بأيّامهنّ.
- حدّثنا كثير بن شهابٍ، ثنا محمّد بن سعيد بن سابقٍ، ثنا أبو جعفرٍ عن الرّبيع عن أبي العالية، في قوله: والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهرٍ وعشرًا قلت: لم صارت هذه العشر مع الأشهر الأربعة؟ قال:
لأنّه ينفخ فيه الرّوح في العشرة.
وروي عن سعيد بن المسيّب وسعيد بن جبيرٍ، نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/437]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: فإذا بلغن أجلهنّ
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا المحاربيّ، ثنا جويبرٌ، عن الضّحّاك فإذا بلغن أجلهنّ يقول: إذا انقضت عدّتها.
وروي عن مقاتل بن حيّان أنّه قال:
إذا مضت أربعة أشهر وعشرا.
وقال الرّبيع بن أنسٍ: إذا انقضت العدّة). [تفسير القرآن العظيم: 1/437]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: فلا جناح عليكم
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ، حدّثني اللّيثٌ، عن عقيلٍ، عن ابن شهابٍ في قول اللّه: فإذا بلغن أجلهنّ فلا جناح عليكم فلا جناح على أو ليائها، فيما فعلن في أنفسهنّ بالمعروف). [تفسير القرآن العظيم: 1/437]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: فيما فعلن في أنفسهنّ بالمعروف والله بما تعملون خبير
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: فإذا بلغن أجلهنّ فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهنّ بالمعروف يقول: إذا طلّقت المرأة، أو مات عنها، فإذا انقضت عدّتها، فلا جناح عليها أن تتزيّن وتتصنّع وتتعرّض للتّزويج، فذلك: المعروف.
[تفسير القرآن العظيم: 2/437]
الوجه الثّاني:
- حدّثنا يزيد بن سنانٍ البصريّ، نزيل مصر، ثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ ثنا سفيان، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهنّ بالمعروف قال: النّكاح الحلال الطّيّب. وروي عن الحسن والزّهريّ والسّدّيّ نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/438]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: خبيرٌ
- حدثنا محمد بن نحيى، أبنا العبّاس بن الوليد النّرسيّ، ثنا يزيد ابن زريعٍ، عن قتادة، قوله: خبيرٌ بخلقه). [تفسير القرآن العظيم: 1/438]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرني محمّد بن يزيد العدل، ثنا إبراهيم بن أبي طالبٍ، ثنا يعقوب بن إبراهيم الدّورقيّ، ثنا إسماعيل وهو ابن عليّة، عن يونس، عن ابن سيرين، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، أنّه قام فخطب النّاس ها هنا، فقرأ عليهم سورة البقرة، وبيّن لهم منها، فأتى على هذه الآية: {إن ترك خيرًا الوصيّة للوالدين والأقربين} [البقرة: 180] فقال: «نسخت هذه» ، ثمّ قرأ حتّى أتى على هذه الآية: {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا} [البقرة: 234] إلى قوله تعالى {غير إخراجٍ} [البقرة: 240] فقال: «وهذه» هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين، ولم يخرّجاه "). [المستدرك: 2/308]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثني عليّ بن حمشاذ العدل، ثنا بشر بن موسى، ثنا عبد اللّه بن الزّبير الحميديّ، ثنا سفيان بن عيينة، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، {والّذين يتوفّون منكم، ويذرون أزواجًا يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهرٍ وعشرًا} [البقرة: 234] «لم يقل يعتددن في بيوتهنّ، المتوفّى عنها زوجها تعتدّ حيث شاءت»...........). [المستدرك: 2/309]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف والله بما تعملون خبير.
أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس في قوله {والذين يتوفون} الآية، قال: كان الرجل إذا مات وترك امرأته اعتدت سنة في بيته ينفق عليها من ماله ثم
[الدر المنثور: 3/14]
أنزل الله {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} فهذه الآية عدة المتوفى عنها إلا أن تكون حاملا فعدتها أن تضع ما في بطنها، وقال في ميراثها (ولهن الربع مما تركتم) (النساء الآية 12) فبين ميراث المرأة وترك الوصية والنفقة {فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم} يقول: إذا طلقت المرأة أو مات عنها فإذا انقضت عدتها فلا جناح عليها أن تتزين وتتصنع وتتعرض للتزويج فذلك المعروف.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي العالية قال: ضمت هذه الأيام العشر إلى الأربعة أشهر لأن العشر فيه ينفخ الروح.
وأخرج ابن جرير عن قتادة قال: سألت سعيد بن المسيب ما بال العشر قال: فيه ينفخ الروح.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ربيعة ويحيى بن سعيد، أنهما قالا في قوله {وعشرا}: عشر ليال.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله {فإذا بلغن أجلهن}
[الدر المنثور: 3/15]
يقول: إذا انقضت عدتها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب في قوله {فلا جناح عليكم} يعني أولياءها.
وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد والبخاري وأبو داود والنسائي، وابن جرير، وابن أبي حاتم والحاكم والبيهقي من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} قال: كانت العدة تعتد عند أهل زوجها واجبا عليها ذلك فأنزل الله (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن من معروف) (البقرة الآية 240) قال: فجعل الله لها تمام السنة سبعة أشهر وعشرين ليلة وصية إن شاءت سكنت في وصيتها وإن شاءت خرجت، وهو قول الله {غير إخراج} وقال عطاء: قال ابن عباس: نسخت هذه الآية عدتها في أهله فتعتد حيث شاءت، وهو قول الله (غير إخراج) قال عطاء: إن شاءت اعتدت عند أهله وسكنت في وصيتها وإن شاءت خرجت لقول الله (فإن خرجن فلا
[الدر المنثور: 3/16]
جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن) قال عطاء: ثم جاء الميراث فنسخ السكنى فتعتد حيث شاءت ولا سكنى لها.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والحاكم عن ابن عباس، أنه كره للمتوفى عنها زوجها الطيب والزينة، وقال: إنما قال الله {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} ولم يقل: في بيوتكم تعتد حيث شاءت.
وأخرج مالك وعبد الرزاق، وابن سعد وأبو داود والترمذي وصححه، وابن ماجة والحاكم وصححه عن الفريعة بنت مالك بن سنان وهي أخت أبي سعيد الخدري، أنه جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة وأن زوجها خرج في طلب أعبد لها أبقوا حتى إذا تطرف القدوم لحقهم فقتلوه، قالت: فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي فإن زوجي لم يتركني في منزل يملكه ولا نفقة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم، فانصرفت حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد فدعاني أو أمر بي فدعيت فقال: كيف قلت قالت: فرددت عليه القصة التي
[الدر المنثور: 3/17]
ذكرت له من شأن زوجي، فقال: امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب
أجله، قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا، قالت: فلما كان عثمان بن عفان أرسل إلي فسألني عن ذلك فأخبرته فاتبعه وقضى به.
وأخرج مالك وعبد الرزاق عن عمر بن الخطاب: أنه كان يرد المتوفى عنهن أزواجهن من البيداء يمنعهن من الحج.
وأخرج مالك وعبد الرزاق عن ابن عمر قال: لا تبيت المتوفى عنها زوجها ولا المبتوتة إلا في بيتها.
وأخرج مالك وعبد الرزاق والبخاري ومسلم وابو داود والترمذي والنسائي من طريق حميد بن نافع عن زينب بنت أبي سلمة، أنها أخبرته هذه الأحاديث الثلاثة قالت زينب: دخلت على أم حبيبة زوج النّبيّ صلى الله عليه وسلم حين توفي أبوها سفيان بن حرب فدعت بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره فادهنت به جارية ثم مست به بطنها ثم قالت: والله مالي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر لا يحل لأمرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر
[الدر المنثور: 3/18]
وعشرا وقالت زينب: دخلت على زينب بنت جحش حين توفي أخوها عبد الله فمسحت منه ثم قالت: والله مالي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر لا يحل لأمرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا، وقالت زينب: سمعت أمي أم سلمة تقول: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها أفنكحلها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا مرتين أو ثلاثا كل ذلك يقول: لا ثم قال: إنما هي أربعة أشهر وعشرا وقد كانت احداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة عند رأس الحول، قال حميد: فقلت لزينب: وما ترمي بالبعرة عند رأس الحول فقالت زينب: كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشا ولبست شر ثيابها ولم تمس طيبا ولا شيئا حتى تمر بها سنة ثم تؤتى بدابة حمار أو شاة أو طائر فتقتض به فقلما تقتض بشيء إلا مات ثم تخرج فتعطى بعرة فترمي بها ثم تراجع بعد ذلك ما شاءت من طيب أو غيره
[الدر المنثور: 3/19]
وأخرج مالك ومسلم من طريق صفية بنت أبي عبيد عن عائشة وحفصة أمي المؤمنين رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشر، وقد أخرج النسائي، وابن ماجة حديث عن حفصة وحدها وحديث عائشة من طريق عروة عنها.
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي، وابن ماجة عن أم عطية قالت: قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشر فإنها لا تكتحل ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب ولا تمس طيبا إلا إذا طهرت نبذة من قسط أو أظفار.
وأخرج أبو داود والنسائي عن أم سلمة زوج النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال المتوفى عنها زوجها لا تلبس المصفر من الثياب ولا الممشقة ولا الحلي ولا تختضب ولا تكتحل
[الدر المنثور: 3/20]
وأخرج أبو داود والنسائي عن أم سلمة قالت: دخلت علي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفي أبو سلمة وقد جعلت على عيني صبرا قال: ما هذا يا أم سلمة قلت: إنما هو صبر يا رسول الله ليس فيه طيب، قال: إنه يشب الوجه فلا تجعليه إلا بالليل ولا تمتشطي بالطيب ولا بالحناء فإنه خضاب، قلت: بأي شيء امتشط يا رسول الله قال: بالسدر تغلفين به رأسك.
وأخرج مالك عن سعيد عن المسيب وسليمان بن يسار قالا: عدة الأمة إذا توفي عنها زوجها شهران وخمس ليال.
وأخرج مالك عن ابن عمر قال: عدة أم الولد إذا هلك سيدها حيضة.
وأخرج مالك عن القاسم بن محمد قال: عدة أم الولد إذا توفي عنها سيدها حيضتان.
وأخرج مالك عن القاسم بن محمد أن يزيد بن عبد الملك فرق بين الرجال ونسائهم أمهات لأولاد رجال هلكوا فتزوجهن بعد حيضة أو حيضتين ففرق بينهم حتى يعتددن أربعة أشهر وعشرا، قال القاسم بن محمد: سبحان الله يقول الله في كتابه {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا} ما هن لهم بأزواج.
وأخرج أحمد وأبو داود، وابن ماجة والحاكم وصحه عن عمرو بن
[الدر المنثور: 3/21]
العاص قال: لا تلبسوا علينا سنة نبينا في أم الولد إذا توفي عنها سيدها عدتها أربعة أشهر وعشر). [الدر المنثور: 3/22]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 9 جمادى الأولى 1434هـ/20-03-2013م, 07:18 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي


تفسير قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آَتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {الرّضاعة...}
القرّاء تقرأ بفتح الراء.
وزعم الكسائيّ أن من العرب من يقول: الرضاعة بالكسر.
فإن كانت فهي بمنزلة الوكالة والوكالة، والدّلالة والدّلالة، ومهرت الشيء مهارة ومهارة؛ والرّضاع والرّضاع فيه مثل ذلك إلا أن فتح الراء أكثر، ومثله الحصاد والحصاد).
[معاني القرآن: 1/149]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {لا تضارّ والدةٌ بولدها} يريد: لا تضارّر، وهو في موضع جزم. والكسر فيه جائز "لا تضارّ والدة" ولا يجوز رفع الراء على نيّة الجزم، ولكن نرفعه على الخبر.
وأمّا قوله: {وإن تصبروا وتتّقوا لا يضرّكم كيدهم شيئا} فقد يجوز أن يكون: رفعا على نيّة الجزم؛ لأن الراء الأوّلى مرفوعة في الأصل، فجاز رفع الثانية عليها، ولم يجز {لا تضارّ} بالرفع لأن الراء إن كانت تفاعل فهي مفتوحة، وإن كانت تفاعل فهي مكسورة. فليس يأتيها الرفع إلا أن تكون في معنى رفع. وقد قرأ عمر بن الخطّاب "ولا يضار كاتب ولا شهيد".

ومعنى {لا تضارّ والدةٌ بولدها} يقول: لا ينزعنّ ولدها منها وهي صحيحة لها لبن فيدفع إلى غيرها.
{ولا مولودٌ لّه بولده}
يعني الزوج. يقول: إذا أرضعت صبيّها وألفها وعرفها فلا تضارّنّ الزوج في دفع ولده إليه).
[معاني القرآن: 1/149-150]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {لا تضارّ والدةٌ بولدها} رفعٌ، خبر، ومن قال: {لا تضارّ} بالنصب؛ فإنما أراد {لا تضارر}، نهىٌ). [مجاز القرآن: 1/75]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة وعلى المولود له رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف لا تكلّف نفسٌ إلاّ وسعها لا تضارّ والدةٌ بولدها ولا مولودٌ لّه بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصالاً عن تراضٍ مّنهما وتشاورٍ فلا جناح عليهما وإن أردتّم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلّمتم مّا آتيتم بالمعروف واتّقوا اللّه واعلموا أنّ اللّه بما تعملون بصيرٌ}
قال: {حولين كاملين لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة} لأنه يقول: "بيني وبينك رضاعةٌ" و"رضاعٌ" وتقول: "اللّؤم والرّضاعة" وهي في كل شيء مفتوحة.
وبعض بني تميم يكسرها إذا كانت في الارتضاع يقول "الرّضاعة".

وقال: {لا تكلّف نفسٌ إلاّ وسعها لا تضارّ والدةٌ} رفع على الخبر يقول: "هكذا في الحكم أنه لا تضارّ والدةٌ بولدها" يقول: "ينبغي" فلما حذف "ينبغي" وصار "تضارّ" في موضعه صار على لفظه. ومثله: {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجاً} فخبر {والّذين يتوفّون}{يتربّصن} بعد موتهم" ولم يذكر "بعد موتهم" كما يحذف بعض الكلام يقول: "ينبغي لهنّ أن يتربّصن" فلما حذف "ينبغي" وقع "يتربّصن" موقعه. قال الشاعر:
على الحكم المأتيّ يوماً إذا قضى = قضيّته أن لا يجور ويقصد
فرفع "ويقصد" على قوله: "وينبغي". ومن جعل {لا تضارّ} على النهي قال: {لا تضارّ} على النصب وهذا في لغة من لم يضعف فأما من ضعف فإنه يقول {لا تضارر} إذا أراد النهي لأن لام الفعل ساكنة إذا قلت "لا تفاعل" وأنت تنهي. إلا أن "تضار" ههنا غير مضعفة لأن ليس في الكتاب إلا راء واحدة). [معاني القرآن: 1/143-144]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الحسن {لمن أراد أن يتم الرضاعة} بنصب الراء.
مجاهد "أن تتم الرضاعة" بالرفع.
قراءة أبي عمرو {لا تضار والدة} بالرفع؛ والرفع إنما هو في الخبر، وهو بعيد بعيد على الخبر؛ لأنها قد تضار، إلا في لغة من قال: عض وشم، وذلك قليل؛ أو على لغة من قال: لا يبعد الله فلانًا، ولا يغفر الله له، فيرفع على التشبيه بالخبر؛ لأنه في لفظه، وهو دعاء.
[معاني القرآن لقطرب: 270]
قراءة الحسن {لا تضار والدة} بالفتح، وذلك حسن على النهي.
ابن عباس رحمه الله "لا تضارر" بالجزم ويضاعف، وذلك حسن لولا مخالفة الكتاب). [معاني القرآن لقطرب: 271]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله {يرضعن} فالفعل: رضع الصبي، يرضع رضعًا، وقالوا: هو الرضاع والرضاع، والرضاعة بالفتح إذا أدخلوا الهاء، من قوله: {لمن أراد أن يتم الرضاعة}؛ وقال: وقد حكي لنا: الرضاعة، بالكسر). [معاني القرآن لقطرب: 367]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله {لا تكلف نفس إلا وسعها} فالوسع: الطاقة، من الاتساع للشيء والوصول إليه.
وقال ابن الرقاع:
فزادك رب الناس شكرا بفضله = وفي كل ما أعطاك من سعة وسعا
وأما قوله {وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم} كأن المعنى - والله أعلم - لأولادكم؛ فترك اللام؛ ومثله: {واختار موسى قومه سبعين رجلا}، أي اختار من قومه، فحذف "من" كما حذف اللام؛ إلا أن هذا قد يجوز أن يكون حالاً ولا
[معاني القرآن لقطرب: 367]
يكون حذف شيئًا؛ يكون المعنى: اختارهم سبعين رجلاً؛ أي في هذه الحال من العدد؛ كقولك: اختارهم فرسانا أو شبانا.
وقال المتلمس فيما حذف:
ىليت حب العراق الدهر آكله = والحب يأكله في القرية لاسوس
كأنه قال: آليت على حب العراق، كقولك: حلفت على كذا وكذا، كقول الراعي:
اخترتك الناس إذ غثت خلائقهم = واعتل من كان يرجى عنده السؤل
يريد: من الناس.
ويقال: أدخلته السوق فقام درهمين؛ أي قام بدرهمين). [معاني القرآن لقطرب: 368]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({وعلى المولود له رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف} أي: على الزوج إطعام المرأة والوليد، والكسوة على قدر الجدة.
{لا تكلّف نفسٌ إلّا وسعها} أي: طاقتها.
{لا تضارّ والدةٌ بولدها} بمعنى: لا تضارر. ثم أدغم الراء في الراء. أي: لا ينزع الرجل ولدها منها فيدفعه إلى مرضع أخرى، وهي صحيحة لها لبن.
{ولا مولودٌ له بولده}يعني: الأب. يقال: إذا أرضعت المرأة صبيها وألفها، دفعته إلى أبيه: تضارّه بذلك.
{وعلى الوارث مثل ذلك} يقول: إذا لم يكن للصبي أب، فعلى وارثه نفقته.
و(الفصال): الفطام. يقال: فصلت الصبيّ، إذا فطمته. ومنه قيل للحوار - إذا قطع عن الرضاع -: فصيل. لأنه فصل عن أمه.
وأصل الفصل: التفريق).
[تفسير غريب القرآن: 89]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة وعلى المولود له رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف لا تكلّف نفس إلّا وسعها لا تضارّ والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلّمتم ما آتيتم بالمعروف واتّقوا اللّه واعلموا أنّ اللّه بما تعملون بصير}
اللفظ لفظ الخبر والمعنى الأمر كما تقول: حسبك درهم فلفظه لفظ الخبر، ومعناه اكتف بدرهم، وكذلك معنى الآية لترضع الوالدات يقال أرضعت المرأة فهي مرضعة،
(قولهم) امرأة مرضع بغير هاء، معناه ذات إرضاع، فإذا أردتم اسم الفاعل على أرضعت قلت مرضعة لا غير.

ويقال: رضع المولود يرضع، ورضع يرضع، والأولى أكثر وأوضح.
ويقال: الرضاعة والرضاعة - بالفتح والكسر - والفتح أكثر الكلام وأصحه، وعليه القراءة {لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة}.
وروى أبو الحسن الأخفش أن بعض بني تميم تقول الرضاعة بكسر الراء،
وروى الكسر أيضا غيره، ويقال: الرّضاع والرضاع
ويقال: ما حمله على ذلك إلا اللؤم والرضاعة بالفتح لا غير ههنا.

ويقال: ما حمله عليه إلا اللؤم والرضع مثل. الحلف والرضع، يقالان جميعا.
ومعنى {حولين كاملين}: أربعة وعشرون شهرا، من يوم يولد إلى يوم يفطم، وإنما قيل: {كاملين} لأن القائل يقول: قد مضى لذلك عامان وسنتان فيجيز أن السنتين قد مضتا، ويكون أن تبقى منهما بقية، إذا كان في الكلام دليل على إرادة المتكلم فإذا قال: {كاملين} لم يجز أن تنقصا شيئا،
وتقرأ (لمن أراد أن تتم الرضاعة) و {لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة} وهذا هو الحقّ في الرضاعة إلا أن يتراضيا - أعني الوالدين - في الفطام بدون الحولين ويشاورا في ذلك.

ومعنى {وعلى المولود له رزقهنّ وكسوتهنّ} أي: على الزوج رزق المرأة المطلقة إذا أرضعت الولد وعليه الكسوة.
ومعنى {بالمعروف} أي: بما يعرفون أنه العدل على قدر الإمكان.
ومعنى {لا تكلّف نفس إلّا وسعها}أي: لا تكلف إلا قدر إمكانها.
وقوله عزّ وجلّ: {لا تضارّ والدة بولدها}قرئت على ضربين:
1- لا تضارّ والدة برفع الراء على معنى: لا تكلف نفس، على الخبر الذي فيه معنى الأمر،
2- ومن قرأ: {لا تضارّ والدة} بفتح الراء، فالموضع موضع جزم على النهي.

الأصل: لا تضارر، فأدغمت الراء الأولى في الثانية وفتحت الثانية لالتقاء السّاكنين، وهذا الاختيار في التضعيف إذا كان قبله فتح أو ألف الاختيار عضّ يا رجل، وضارّ زيدا يا رجل، ويجوز: لا تضار والدة بالكسر، ولا أعلم أحدا قرأ بها، فلا تقرأنّ بها، وإنما جاز الكسر لالتقاء السّاكنين لأنه الأصل في تحريك أحد السّاكنين.
ومعنى {لا تضارّ والدة بولدها}: لا تترك إرضاع ولدها غيظا على أبيه فتضرّ به لأن الوالدة، أشفق على ولدها من الأجنبية.
{ولا مولود له بولده}أي: لا يأخذه من أمه للإضرار بها فيضر بولده.
{وعلى الوارث مثل ذلك} أي: عليه ترك الإضرار.
وقوله عزّ وجلّ: {فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور}أي: فطاما وتراضيا بذلك بعد أن تشاورا وعلما أن ذلك غير مدخل على الولد ضررا.
{فلا جناح عليهما} أي: فلا إثم عليهما في الفصال على ما وصفنا.
وقوله عزّ وجلّ: {وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم}معناه: تسترضعوا لأولادكم غير الوالدة، فلا إثم عليكم.
{فلا جناح عليكم إذا سلّمتم ما آتيتم بالمعروف} قيل فيه: إذا سلمتم الأمر إلى المسترضعة وقيل إذا أسلمتم ما أعطاه بعضكم لبعض من التراضي في ذلك). [معاني القرآن: 1/311-314]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين}
لفظه لفظ الخبر ومعناه معنى الأمر لما فيه من الإلزام
وروى ابن أبي ذئب عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن بعجة الجهني قال: تزوج رجل امرأة فولدت لستة أشهر فأتى عثمان بن عفان فذكر ذلك له فأمر برجمها فأتاه علي رضي الله عنه وقال إن الله يقول: {وحمله وفصاله ثلاثون شهرا} وقال {وفصاله في عامين}.
وقال ابن عباس: فإذا ذهبت رضاعته فإنما الحمل في ستة أشهر.
والفائدة في {كاملين}: أن المعنى كاملين للرضاعة.
كما قال تعالى: {تلك عشرة كاملة} أي: من الهدي.
وقال تعالى: {فتم ميقات ربه أربعين ليلة} لأنه قد كان يجوز أن يأتي بعد هذا شيء آخر أو تكون العشرة ساعات.
ثم قال تعالى: {لمن أراد أن يتم الرضاعة} أي: ذلك وقت لتمام الرضاعة وليس بعد تمام الرضاعة رضاع). [معاني القرآن: 1/214-216]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {وعلى المولود له} أي: على الأب الذي ولد له {رزقهن وكسوتهن} أي: رزق الأمهات وكسوتهن {بالمعروف} أي: لا تقصير في النفقة والكسوة ولا شطط). [معاني القرآن: 1/216]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {لا تضار والدة بولدها} على النهي
وقرا أبان عن عاصم {لا تضارر والدة} بكسر الراء الأولى.
وقيل المعنى: لا تدع رضاع ولدها لتضربه غيظا على أبيه.
وقرأ أبو عمرو وابن كثير {لا تضار والدة} بالرفع على الخبر الذي فيه معنى الإلزام.
وروى يونس عن الحسن قال: يقول لا تضار زوجها فتقول لا أرضعه ولا يضارها فينزعه منها وهي تقول أنا أرضعه.
ثم قال تعالى: {وعلى الوارث مثل ذلك}
روى مجاهد عن ابن عباس قال: {وعلى الوارث} أن لا يضار.
وكذلك روي عن الشعبي والضحاك.
وروي عن عمر والحسين بن صالح وابن شبرمة وعلى الوارث مثل ذلك أي الكسوة والرضاع.
وروي عن الضحاك الوارث الصبي فإن لم يكن له مال فعلى عصبته وإلا أجبرت المرأة على رضاعه.
قال أبو جعفر: وزعم محمد بن جرير الطبري أن أولى الأقوال بالصواب قول قبيصة بن ذؤيب ومن قال بقوله أنه يراد بالوارث المولود وأن يكون مثل ذلك معنى مثل الذي كان على والده من رزق والدته وكسوتها بالمعروف وإن كانت من أهل الحاجة وهي ذات زمانة ولا احتراف لها ولا زوج وإن كانت من أهل الغنى والصحة فمثل الذي كان على والده لها من أجر الرضاعة ولا يكون غير هذا إلا بحجة واضحة لأن الظاهر كذا
قال أبو جعفر: والقول الأول أبين لأن الأب هو المذكور بالنفقة في المواضع كما قال: {وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن} وكذا تجب عليه النفقة على ولده ما دام صغيرا كما تجب عليه ما دام رضيعا
ثم قال أبو حنيفة وأصحابه: {وعلى الوارث مثل ذلك} أي: الرضاع والكسوة والرزق إذا كان ذا رحم محرمة وليس ذلك في القرآن). [معاني القرآن: 1/217-220]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور}
قال مجاهد وقتادة: أي فطاما دون الحولين.
قال أبو جعفر: وأصل الفصال في اللغة التفريق والمعنى عن تراض من الأبوين ومشاورة ليكون ذلك عن غير إضرار منهما بالولد.
ثم قال: {فلا جناح عليهما} أي: فلا إثم). [معاني القرآن: 1/220-221]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم} أي: تسترضعوهم قوما
قال أبو إسحاق: أي: لأولادكم غير الوالدة.
{فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم} أي: سلمتم ما أعطيتم من ترك الإضرار.
وقال مجاهد: إذا سلمتم حساب ما أرضع به الصبي). [معاني القرآن: 1/221-222]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({وسعها} طاقتها.
(والفصال) الفطام). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 41]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجاً يتربّصن...}
يقال: كيف صار الخبر عن النساء ولا خبر للأزواج، وكان ينبغي أن يكون الخبر عن (الذين)؟ فذلك جائز إذا ذكرت أسماء ثم ذكرت أسماء مضافة إليها فيها معنى الخبر أن تترك الأوّل ويكون الخبر عن المضاف إليه. فهذا من ذلك؛ لأن المعنى - والله أعلم - إنما أريد به: ومن مات عنها زوجها تربصت. فترك الأوّل بلا خبر،
وقصد الثاني؛ لأن فيه الخبر والمعنى.
قال: وأنشدني بعضهم:

بني أسد إنّ ابن قيس وقتله * بغير دم دار المذلّة حلّت
فألقى (ابن قيس) وأخبر عن قتله أنه ذلّ. ومثله:
لعلّي إن مالت بي الرّيح ميلة * على ابن أبي ذبّان أن يتندّما
فقال: لعلّي ثم قال: أن يتندما؛ لأن المعنى: لعلّ ابن أبي ذبّان أن يتندّم إن مالت بي الريح. ومثله قوله: {والذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجا وصيّةً لأزواجهم} إلا أن الهاء من قوله: {وصيّة لأزواجهم} رجعت على {الذين} فكان الإعراب فيها أبين؛ لأن العائد من الذّكر قد يكون خبرا؛ كقولك: عبد الله ضربته.
وقال: {وعشراً} ولم يقل: "عشرة" وذلك أن العرب إذا أبهمت العدد من الليالي والأيام غلّبوا عليه الليالي حتى إنهم ليقولون: قد صمنا عشرا من شهر رمضان لكثرة تغليبهم الليالي على الأيام.
فإذا أظهروا مع العدد تفسيره كانت الإناث بطرح الهاء، والدّكران بالهاء؛ كما قال الله تبارك وتعالى: {سخّرها عليهم سبع ليالٍ وثمانية أيامٍ حسوما} فأدخل الهاء في الأيام حين ظهرت، ولم تدخل في الليالي حين ظهرن. وإن جعلت العدد غير متّصل بالأيام كما يتّصل الخافض بما بعده غلّبت الليالي أيضا على الأيّام. فإن اختلطا فكانت ليالي وأيام غلّبت التأنيث، فقلت: مضى له سبع، ثم تقول بعد: أيام فيها برد شديد. وأمّا المختلط فقول الشاعر:

أقامت ثلاثا بين يوم وليلة * وكان النكير أن تضيف وتجارا
فقال: ثلاثا وفيها أيام.
وأنت تقول: عندي ثلاثة بين غلام وجارية، ولا يجوز هاهنا ثلاث؛ لأن الليالي من الأيام تغلب الأيام.
ومثل ذلك في الكلام أن تقول:
عندي عشر من الإبل وإن عنيت أجمالا، وعشر من الغنم والبقر.
وكل جمع كان واحدته بالهاء وجمعه بطرح الهاء، مثل البقر واحدته بقرة، فتقول: عندي عشر من البقر وإن نويت ذكرانا. فإذا اختلطا وكان المفسّر من النوعين قبل صاحبة أجريت العدد فقلت: عندي خمس عشرة ناقة وجملا، فأنّثت لأنك بدأت بالناقة فغلّبتها. وإن بدأت بالجمل قلت: عندي خمسة عشر جملا وناقة. فإن قلت: بين ناقة وجمل فلم تكن مفسّرة غلّبت التأنيث، ولم تبال أبدأت بالجمل أو بالناقة؛ فقلت: عندي خمس عشرة بين جمل وناقة.
ولا يجوز أن تقول: عندي خمس عشرة أمة وعبدا، ولا بين أمة وعبد إلاّ بالتذكير؛ لأن الذكران من غير ما ذكرت لك لا يجتزأ منها بالإناث، ولأن الذكر منها موسوم بغير سمة الأنثى، والغنم والبقر يقع على ذكرها وأنثاها شاة وبقرة، فيجوز تأنيث المذكّر لهذه الهاء التي لزمت المذكّر والمؤنّث.

وقوله: {من خطبة النّساء} الخطبة مصدر بمنزلة الخطب، وهو مثل قولك: إنه لحسن القعدة والجلسة؛ يريد القعود والجلوس، والخطبة مثل الرسالة التي لها أوّل وآخر، قال: سمعت بعض العرب [يقول]: اللهم ارفع عنا هذه الضغطة، كأنه ذهب إلى أن لها أوّلا وآخرا، ولو أراد مرّة لقال: الضغطة، ولو أراد الفعل لقال الضغطة؛ كما قال المشية.
وسمعت آخر يقول: غلبني [فلان] على قطعةٍ لي من أرضي؛ يريد أرضا مفروزة مثل القطعة لم تقسم، فإذا أردت أنها قطعة من شيء [قطع منه] قلت: قطعة.

وقوله: {أو أكننتم} للعرب في أكننت الشيء إذا سترته لغتان: كننته وأكننته، قال: وأنشدوني قول الشاعر:
ثلاثٌ من ثلاث قدامياتٍ * من اللاتي تكنّ من الصقيع
وبعضهم [يرويه] تكنّ من أكننت. وأمّا قوله: "لؤلؤ مكنون" و"بيض مكنون" فكأنه مذهب للشيء يصان، وإحداهما قريبة من الأخرى). [معاني القرآن: 1/150-153]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله عز وجل {فلا جناح عليكم} فالجناح: التباعة؛ وهو الذنب.
وقال الحارث بن حلزة:
أعلينا جناح كندة أن يغـــ = ـــنم غازيهم ومنا الجزاء
وقال بشر:
إذا قطعت براكبها خليجا = تذكر ما لديه من جناح
وسنذكر هذا اللفظ وما فيه في قوله: {وإن جنحوا للسلم} ). [معاني القرآن لقطرب: 366]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({فإذا بلغن أجلهنّ} أي: منتهى العدة.
{فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهنّ بالمعروف} أي: لا جناح عليهن في التزويج الصحيح). [تفسير غريب القرآن: 89]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجا يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهر وعشرا فإذا بلغن أجلهنّ فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهنّ بالمعروف واللّه بما تعملون خبير}
هذا للمتوفى عنها زوجها، عليها أن تنتظر بعد وفاته إذا كانت غير ذات حمل أربعة أشهر وعشرا لا تتزوج فيهن ولا تستعمل الزينة.
وقال النحويون في خبر (الذين) غير قول:
1- قال أبو الحسن الأخفش المعني يتربصن بعدهم أو بعد موتهم،
2- وقال غيره من البصريين أزواجهم يتربصن، وحذف أزواجهم لأن في الكلام دليلا عليه، وهذا إطباق البصريين وهو صواب.

3- وقال الكوفيون: وهذا القول قول الفراء وهو مذهبه أنّ الأسماء إذا كانت مضافة إلى شيء، وكان الاعتماد في الخبر الثاني، أخبر عن الثاني وترك " الإخبار عن الأول، وأغنى الإخبار عن الثاني عن الإخبار عن الأول.
قالوا: فالمعنى: وأزواج الذين يتوفون يتربصن.
وأنشد الفراء:
لعلّي إن مالت بي الرّيح ميلة... على ابن أبي ذبّان أن يتقدما
المعنى: لعل ابن أبي ذبّان أن يتقدم إليّ مالت بي الريح ميلة عليه.
وهذا القول غير جائز. لا يجوز أن يبدأ اسم ولا يحدّث عنه لأن الكلام إنما وضع للفائدة، فما لا يفيد فليس بصحيح، وهو أيضا من قولهم محال، لأن الاسم إنما يرفعه اسم إذا ابتدئ مثله أو ذكر عائد عليه، فهذا على قولهم باطل، لأنه لم يأت اسم يرفعه ولا ذكر عائد عليه.
والذي هو الحق في هذه المسألة عندي أن ذكر (الذين) قد جرى ابتداء وذكر الأزواج قد جرى متصلا بصلة الذين، فصار الضمير الذي في (يتربّصن) يعود على الأزواج مضافات إلى الّذين.. كأنك قلت: يتربّص أزواجهم، ومثل هذا من الكلام قولك الذي يموت ويخلف ابنتين ترثان الثلثين، المعنى ترث ابنتاه الثلثين.
ومعنى قوله عزّ وجلّ: {وعشرا} يدخل فيها الأيام.
زعم سيبويه أنك إذا قلت " لخمس بقين " فقد علم المخاطب أن الأيام داخلة مع الليالي، وزعم غيره أن لفظ التأنيث مغلّب في هذا الباب.
وحكى الفرّاء صمنا عشرا من شهر رمضان، فالصوم إنّما يكون في الأيّام ولكن التأنيث مغلّب في الليالي - لإجماع أهل اللغة " سرنا خمسا بين يوم وليلة "
أنشد سيبوبه:
فطافت ثلاثا بين يوم وليلة... يكون النكير أن تصيح وتجأرا
قال سيبوبه: هذا باب المؤنث الذي استعمل للتأنيث والتذكير، والتأنيث أصله، قال تقول: عندي ثلاث بطات ذكور وثلاث من الإبل ذكور، قال لأنك تقول: هذه إبل، وكذلك ثلاث من الغنم ذكور.
(قال) فإن قلت عندي ثلاثة ذكور من الإبل لم يكن إلا التّذكير، لأنك إنما ذكرت ذكورا ثم جئت تقول من الإبل بعد أن مضى - الكلام على التذكير، وليس بين النحويين البصريين والكوفيين خلاف في الذي ذكرنا من باب تأنيث هذه الأشياء فإن قلت عندي خمسة بين رجل وامرأة غلبت التذكير لا غير.
وقوله عزّ وجلّ: {فإذا بلغن أجلهنّ} أي: غاية هذه الأشهر والعشر.
{فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهنّ بالمعروف}أي: لا جناح عليكم في أن تتركوهن - إذا انقضت هذه المدة – أن يتزوجن، وأن يتزين زينة لا ينكر مثلها.
وهذا معنى {بالمعروف} ). [معاني القرآن: 1/314-317]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا}
روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قرأ {والذين يتوفون منكم} بفتح الياء فيهما جميعا ومعناه يتوفون أعمارهم أي يستوفونها والله أعلم). [معاني القرآن: 1/222]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا}
العشر: عدد الليالي إلا أنه قد علم أن مع كل ليلة يومها.
قال محمد بن يزيد: المعنى وعشر مدد وتلك المدة يوم وليلة.
وقيل إنما جعلت العدة للمتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا لأنه يتبين حملها إن كانت حاملا.
قال الأصمعي: ويقال إن ولد كل حامل يرتكض في نصف حملها فهي مركض.
وقال غيره: أركضت فهي مركض وأنشد:

ومركضة صريحي أبوها = تهان له الغلامة والغلام). [معاني القرآن: 1/222-223]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {فإذا بلغن أجلهن}
قال الضحاك: أجلهن انقضاء العدة.
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد {فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف} قال: النكاح الحلال الطيب). [معاني القرآن: 1/223-224]



رد مع اقتباس
  #4  
قديم 2 جمادى الآخرة 1434هـ/12-04-2013م, 11:42 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آَتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233) }
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (




عوجـا علـى الطلـل المحيـل لعلنـانبكي الديار كما بكى ابن خذام

...
والمحيل: الذي أتى عليه حول. يقال: محيل ومحول. قال: وسمي الحول؛ لانقلاب سنة إلى أخرى، وسمي الأحول أحول لانقلاب عينه عن حال
العيون. ويقال: حال عن العهد؛ إذا انقلب). [شرح ديوان امرئ القيس: 474-475]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وحدّثني الزيادي قال. حدّثنا عبد الوارث عن يونس عن الحسن أن عمر أتي بامرأة ولدت لستة أشهر فهم بها؛ فقال له عليّ: قد يكون هذا، قال اللّه عز وجل. {وحمله وفصاله ثلاثون شهرًا}، وقال. {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين} ). [عيون الأخبار: 4/69]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234) }

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 01:04 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 01:04 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 01:04 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 01:04 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آَتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {والوالدات يرضعن أولدهنّ حولين كاملين لمن أراد أن يتمّ الرضاعة }.
{يرضعن أولادهنّ} خبر، معناه: الأمر على الوجوب لبعض الوالدات، والأمر على جهة الندب والتخيير لبعضهن، فأما المرأة التي في العصمة فعليها الإرضاع، وهو عرف يلزم إذ قد صار كالشرط إلا أن تكون شريفة ذات ترفه فعرفها أن لا ترضع وذلك كالشرط، فإن مات الأب ولا مال للصبي فمذهب مالك في المدونة أن الرضاع لازم للأم، بخلاف النفقة، وفي كتاب ابن الجلاب: رضاعه في بيت المال، وقال عبد الوهاب: «هو من فقراء المسلمين»، وأما المطلقة طلاق بينونة فلا رضاع عليها، والرضاع على الزوج إلا أن تشاء هي، فهي أحق به بأجرة المثل. هذا مع يسر الزوج، فإن كان معدما لم يلزمها الرضاع إلا أن يكون المولود لا يقبل غيرها فتجبر حينئذ على الإرضاع، ولها أجر مثلها في يسر الزوج، وكل ما يلزمها الإرضاع فإن أصابها عذر يمنعها منه عاد الإرضاع على الأب. وروي عن مالك: «أن الأب إذا كان معدما ولا مال للصبي فإن الرضاع على الأم، فإن كان بها عذر ولها مال فالإرضاع عليها في مالها». وهذه الآية هي في المطلقات، قاله السدي والضحاك وغيرهما: «جعلها الله حدا عند اختلاف الزوجين في مدة الرضاع فمن دعا منهما إلى إكمال الحولين فذلك له»وقال جمهور المفسرين: «إن هذين الحولين لكل واحد»، وروي عن ابن عباس أنه قال: «هي في الولد الذي يمكث في البطن ستة أشهر، فإن مكث سبعة أشهر فرضاعه ثلاثة وعشرون شهرا، فإن مكث ثمانية أشهر فرضاعه اثنان وعشرون شهر، فإن مكث تسعة أشهر فرضاعه أحد وعشرون شهرا».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «كأن هذا القول انبنى على قوله تعالى: {وحمله وفصاله ثلاثون شهراً} [الأحقاف: 15]، لأن ذلك حكم على الإنسان عموما»، وسمي العام حولا لاستحالة الأمور فيه في الأغلب، ووصفهما ب كاملين إذ مما قد اعتيد تجوزا أن يقال في حول وبعض آخر حولين، وفي يوم وبعض آخر مشيت يومين وصبرت عليك في ديني يومين وشهرين. وقوله تعالى: {لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة} مبني على أن الحولين ليسا بفرض لا يتجاوز، وقرأ السبعة «أن يتم الرضاعة» بضم الياء ونصب الرضاعة، وقرأ مجاهد وابن محيصن وحميد والحسن وأبو رجاء «تتم الرضاعة» بفتح التاء الأولى ورفع الرضاعة على إسناد الفعل إليها، وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة والجارود بن أبي سبرة كذلك، إلا أنهم كسروا الراء من الرضاعة، وهي لغة كالحضارة والحضارة، وغير ذلك. وروي عن مجاهد أنه قرأ «الرضعة» على وزن الفعلة، وروي عن ابن عباس أنه قرأ «أن يكمل الرضاعة» بالياء المضمومة، وانتزع مالك رحمه الله وجماعة من العلماء من هذه الآية أن الرضاعة المحرمة الجارية مجرى النسب إنما هي ما كان في الحولين، لأن بانقضاء الحولين تمت الرضاعة فلا رضاعة، وروي عن قتادة أنه قال: «هذه الآية تضمنت فرض الإرضاع على الوالدات، ثم يسر ذلك وخفف بالتخيير الذي في قوله: {لمن أراد}».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وهذا قول متداع».
قول عز وجل: {وعلى المولود له رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف لا تكلّف نفسٌ إلّا وسعها لا تضارّ والدةٌ بولدها ولا مولودٌ له بولده وعلى الوارث مثل ذلك}
{المولود له}: اسم جنس وصنف من الرجال، والرزق في هذا الحكم الطعام الكافي، وقوله: {بالمعروف}: يجمع حسن القدر في الطعام وجودة الأداء له وحسن الاقتضاء من المرأة، ثم بين تعالى أن الإنفاق على قدر غنى الزوج ومنصبها بقوله: {لا تكلّف نفسٌ إلّا وسعها}، وقرأ جمهور الناس: «تكلف» بضم التاء «نفس» على ما لم يسمّ فاعله، وقرأ أبو رجاء «تكلّف» بفتح التاء بمعنى تتكلف «نفس» فاعله، وروى عنه أبو الأشهب «لا نكلّف» بالنون «نفسا» بالنصب، وقرأ أبو عمرو وابن كثير وأبان عن عاصم «لا تضار والدة» بالرفع في الراء، وهو خبر معناه الأمر، ويحتمل أن يكون الأصل «تضارر» بكسر الراء الأولى فوالدة فاعل، ويحتمل أن يكون «تضارر» بفتح الراء الأولى فوالدة مفعول لم يسم فاعله، ويعطف مولود له على هذا الحد في الاحتمالين، وقرأ نافع وحمزة والكسائي وعاصم لا تضارّ بفتح الراء المشددة، وهذا على النهي، ويحتمل أصله ما ذكرنا في الأولى، ومعنى الآية في كل قراءة: النهي عن أن تضار الوالدة زوجها المطلق بسبب ولدها، وأن يضارها هو بسبب الولد، أو يضار الظئر، لأن لفظة نهيه تعم الظئر، وقد قال عكرمة في قوله: لا تضارّ والدةٌ: معناه الظئر، ووجوه الضرر لا تنحصر، وكل ما ذكر منها في التفاسير فهو مثال.
وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قرأ «لا تضارر» براءين الأولى مفتوحة. وقرأ أبو جعفر بن القعقاع «لا تضار» بإسكان الراء وتخفيفها، وروي عنه الإسكان والتشديد، وروي عن ابن عباس «لا تضارر» بكسر الراء الأولى.
واختلف العلماء في معنى قوله تعالى: {وعلى الوارث مثل ذلك}، فقال قتادة والسدي والحسن وعمر بن الخطاب رضي الله عنه وغيرهم: «هو وارث الصبي إن لو مات»، قال بعضهم: وارثه من الرجال خاصة يلزمه الإرضاع كما كان يلزم أبا الصبي لو كان حيا، وقاله مجاهد وعطاء، وقال قتادة أيضا وغيره: «هو وارث الصبي من كان من الرجال والنساء، ويلزمهم إرضاعه على قدر مواريثهم منه». وحكى الطبري عن أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن أنهم قالوا: «الوارث الذي يلزمه إرضاع المولود هو وليه ووارثه إذا كان ذا رحم محرم منه، فإن كان ابن عم وغيره وليس بذي رحم محرم فلا يلزمه شيء».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وفي هذا القول تحكم»، وقال قبيصة بن ذؤيب والضحاك وبشير بن نصر قاضي عمر بن عبد العزيز: «الوارث هو الصبي نفسه، أي عليه في ماله إذا ورث أباه إرضاع نفسه»، وقال سفيان رحمه الله: «الوارث هو الباقي من والدي المولود بعد وفاة الآخر منهما» ويرى مع ذلك إن كانت الوالدة هي الباقية أن يشاركها العاصب في إرضاع المولود على قدر حظه من الميراث. ونص هؤلاء الذين ذكرت أقوالهم على أن المراد بقوله تعالى: {مثل ذلك} الرزق والكسوة، وذكر ذلك أيضا من العلماء إبراهيم النخعي وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود والشعبي والحسن وابن عباس وغيرهم. وقال مالك رحمه الله في المدونة وجميع أصحابه والشعبي أيضا والزهري والضحاك وجماعة من العلماء: «المراد بقوله: {مثل ذلك} أن لا يضار، وأما الرزق والكسوة فلا شيء عليه منه»، وروى ابن القاسم عن مالك: «أن الآية تضمنت أن الرزق والكسوة على الوارث ثم نسخ ذلك».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «فالإجماع من الأمة في أن لا يضار الوارث، والخلاف هل عليه رزق وكسوة أم لا»، وقرأ يحيى بن يعمر «وعلى الورثة مثل ذلك» بالجمع.
قوله عز وجل: {فإن أرادا فصالاً عن تراضٍ منهما وتشاورٍ فلا جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلّمتم ما آتيتم بالمعروف واتّقوا اللّه واعلموا أنّ اللّه بما تعملون بصيرٌ (233)}
الضمير في أرادا للوالدين، وفصالًا معناه «فطاما» عن الرضاع، ولا يقع التشاور ولا يجوز التراضي إلا بما لا ضرر فيه على المولود، فإذا ظهر من حاله الاستغناء عن اللبن قبل تمام الحولين فلا جناح على الأبوين في فصله، هذا معنى الآية، وقاله مجاهد وقتادة وابن زيد وسفيان وغيرهم، وقال ابن عباس: «لا جناح مع التراضي في فصله قبل الحولين وبعدهما».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وتحرير القول في هذا أن فصله قبل الحولين لا يصح إلا بتراضيهما وأن لا يكون على المولود ضرر، وأما بعد تمامهما فمن دعا إلى الفصل فذلك له إلا أن يكون في ذلك على الصبي ضرر»، وقوله تعالى: {وإن أردتم أن تسترضعوا} مخاطبة لجميع الناس تجمع الآباء والأمهات، أي لهم اتخاذ الظئر مع الاتفاق على ذلك، وأما قوله تعالى: {إذا سلّمتم} فمخاطبة للرجال خاصة، إلا على أحد التأويلين في قراءة من قرأ «أتيتم»، وقرأ الستة من السبعة «آتيتم» بالمد، المعنى أعطيتم، وقرأ ابن كثير «أتيتم» بمعنى ما جئتم وفعلتم كما قال زهير:
وما كان من خير أتوه فإنما ....... توارثه آباء آبائهم قبل
قال أبو علي: «المعنى إذا سلمتم ما أتيتم نقده أو إعطاءه أو سوقه، فحذف المضاف وأقيم الضمير مقامه فكان التقدير ما أتيتموه، ثم حذف الضمير من الصلة».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «ويحتمل اللفظ معنى آخر قاله قتادة، وهو إذا سلمتم ما أتيتم من إرادة الاسترضاع، أي سلم كل واحد من الأبوين ورضي وكان ذلك عن اتفاق منهما وقصد خير وإرادة معروف من الأمر». وعلى هذا الاحتمال: فيدخل في الخطاب ب سلّمتم الرجال والنساء، وعلى التأويل الذي ذكره أبو علي وغيره: فالخطاب للرجال، لأنهم الذين يعطون أجر الرضاع، قال أبو علي: «ويحتمل أن تكون ما مصدرية، أي إذا سلمتم الإتيان»، والمعنى كالأول، لكن يستغنى عن الصنعة من حذف المضاف، ثم حذف الضمير، قال مجاهد: «المعنى إذا سلمتم إلى الأمهات أجرهن بحساب ما أرضعن إلى وقت إرادة الاسترضاع»، وقال سفيان: «المعنى إذا سلمتم إلى المسترضعة وهي الظئر أجرها بالمعروف». وباقي الآية أمر بالتقوى وتوقيف على أن الله تعالى بصير بكل عمل، وفي هذا وعيد وتحذير، أي فهو مجاز بحسب عملكم). [المحرر الوجيز: 1/ 571-577]


تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجاً يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهرٍ وعشراً }
قال بعض نحاة الكوفيين: الخبر عن الّذين متروك والقصد الإخبار عن أزواجهم بأنهن يتربصن، ومذهب نحاة البصرة أن خبر الّذين مترتب بالمعنى، وذلك أن الكلام إنما تقديره يتربص أزواجهم، وإن شئت قدرته. وأزواج الذين يتوفون منكم يتربصن، فجاءت العبارة في غاية الإيجاز، وإعرابها مترتب على
هذا المعنى المالك لها المتقرر فيها، وحكى المهدوي عن سيبويه أن المعنى: «وفيما يتلى عليكم الذين يتوفون»، ولا أعرف هذا الذي حكاه لأن ذلك إنما يتجه إذا كان في الكلام لفظ أمر بعد. مثل قوله: {والسّارق والسّارقة فاقطعوا أيديهما} [المائدة: 38]، وهذه الآية فيها معنى الأمر لا لفظه فيحتاج مع هذا التقدير إلى تقدير آخر يستغنى عنه إذا حضر لفظ الأمر، وحسن مجيء الآية هكذا أنها توطئة لقوله: {فلا جناح عليكم}، إذ القصد بالمخاطبة من أول الآية إلى آخرها الرجال الذين منهم الحكام والنظرة، وعبارة المبرد والأخفش ما ذكرناه، وهذه الآية هي في عدة المتوفى عنها زوجها، وظاهرها العموم ومعناها الخصوص في الحرائر غير الحوامل ولم تعن الآية لما يشذ من مرتابة ونحوها، وحكى المهدوي عن بعض العلماء أن الآية تناولت الحوامل ثم نسخ ذلك بقوله: {وأولات الأحمال} [الطلاق: 4]، وعدة الحامل وضع حملها عند جمهور العلماء، وروي عن علي بن أبي طالب وابن عباس وغيرهما أن تمام عدتها آخر الأجلين، والتربص الصبر والتأني بالشخص في مكان أو حال، وقد بين تعالى ذلك بقوله: {بأنفسهنّ}، والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم متظاهرة أن التربص بإحداد وهو الامتناع عن الزينة ولبس المصبوغ الجميل والطيب ونحوه، والتزام المبيت في مسكنها حيث كانت وقت وفاة الزوج. وهذا قول جمهور العلماء وهو قول مالك وأصحابه. وقال ابن عباس وأبو حنيفة فيما روي عنه وغيرهما: «ليس المبيت بمراعى، تبيت حيث شاءت». وقال الحسن بن أبي الحسن: «ليس الإحداد بشيء، إنما تتربص عن الزواج، ولها أن تتزين وتتطيب».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وهذا ضعيف». وقرأ جمهور الناس «يتوفون» بضم الياء، وقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه «يتوفون» بفتح الياء، وكذلك روى المفضل عن عاصم، ومعناه يستوفون آجالهم، وجعل الله الأربعة الأشهر والعشر عبادة في العدة فيها استبراء للحمل، إذا فيها تكمل الأربعون والأربعون والأربعون، حسب الحديث الذي رواه ابن مسعود وغيره ثم ينفخ الروح، وجعل الله تعالى العشر تكملة إذ هي مظنة لظهور الحركة بالجنين وذلك لنقص الشهور أو كمالها ولسرعة حركة الجنين أو إبطائها، قاله سعيد بن المسيب وأبو العالية وغيرهما، وقال تعالى: {عشراً}، ولم يقل عشرة تغليبا لحكم الليالي إذ الليلة أسبق من اليوم والأيام في ضمنها، وعشر أخف في اللفظ. قال جمهور أهل العلم: «ويدخل في ذلك اليوم العاشر وهو من العدة لأن الأيام مع الليالي»، وحكى منذر بن سعيد- وروي أيضا عن الأوزاعي-: «أن اليوم العاشر ليس من العدة بل انقضت بتمام عشر ليال»، قال المهدوي: «وقيل المعنى وعشر مدد كل مدة من يوم وليلة»، وروي عن ابن عباس أنه قرأ «أربعة أشهر وعشر ليال».
قوله عز وجل: {فإذا بلغن أجلهنّ فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهنّ بالمعروف واللّه بما تعملون خبيرٌ (234)}
أضاف تعالى الأجل إليهنّ إذ هو محدود مضروب في أمرهن، والمخاطبة بقوله: {فلا جناح عليكم} عامة لجميع الناس، والتلبس بهذا الحكم هو للحكام والأولياء اللاصقين والنساء المعتدات، وقوله عز وجل: {فيما فعلن} يريد به التزوج فما دونه من التزين واطراح الإحداد. قال مجاهد وابن شهاب وغيرهما: «أراد بما فعلن النكاح لمن أحببن إذا كان معروفا غير منكر»، ووجوه المنكر في هذا كثيرة، وقال بعض المفسرين: {بالمعروف} معناه بالإشهاد، وقوله تعالى: {واللّه بما تعملون خبيرٌ} وعيد يتضمن التحذير. وخبيرٌ اسم فاعل من خبر إذا تقصى علم الشيء). [المحرر الوجيز: 1/ 577-580]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 01:04 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 30 جمادى الأولى 1435هـ/31-03-2014م, 01:04 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آَتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة وعلى المولود له رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف لا تكلّف نفسٌ إلا وسعها لا تضارّ والدةٌ بولدها ولا مولودٌ له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصالا عن تراضٍ منهما وتشاورٍ فلا جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلّمتم ما آتيتم بالمعروف واتّقوا اللّه واعلموا أنّ اللّه بما تعملون بصيرٌ (233)}
هذا إرشادٌ من اللّه تعالى للوالدات: أن يرضعن أولادهنّ كمال الرّضاعة، وهي سنتان، فلا اعتبار بالرّضاعة بعد ذلك؛ ولهذا قال: {لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة} وذهب أكثر الأئمّة إلى أنّه لا يحرّم من الرّضاعة إلّا ما كان دون الحولين، فلو ارتضع المولود وعمره فوقهما لم يحرم.
قال التّرمذيّ: "باب ما جاء أنّ الرّضاعة لا تحرّم إلّا في الصّغر دون الحولين": حدّثنا قتيبة، حدّثنا أبو عوانة، عن هشام بن عروة، عن فاطمة بنت المنذر، عن أمّ سلمة قالت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا يحرّم من الرّضاع إلّا ما فتق الأمعاء في الثّدي، وكان قبل الفطام». وقال: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وغيرهم: أنّ الرّضاعة لا تحرّم إلّا ما كان دون الحولين، وما كان بعد الحولين الكاملين فإنّه لا يحرّم شيئًا. وفاطمة بنت المنذر بن الزّبير بن العوّام، وهي امرأة هشام بن عروة.
قلت: تفرّد التّرمذيّ برواية هذا الحديث، ورجاله على شرط الصّحيحين، ومعنى قوله: إلّا ما كان في الثّدي، أي: في محلّ الرّضاعة قبل الحولين، كما جاء في الحديث، الّذي رواه أحمد، عن وكيع وغندرٍ، عن شعبة، عن عديّ بن ثابتٍ، عن البراء بن عازبٍ قال: «لمّا مات إبراهيم ابن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلم قال: «إن له مرضعًا في الجنّة». وهكذا أخرجه البخاريّ من حديث شعبة وإنّما قال، عليه السّلام، ذلك؛ لأنّ ابنه إبراهيم، عليه السّلام، مات وله سنةٌ وعشرة أشهرٍ، فقال: «إنّ له مرضعًا في الجنّة» يعني: تكمل رضاعه، ويؤيّده ما رواه الدّارقطنيّ، من طريق الهيثم بن جميلٍ، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينارٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: «لا يحرّم من الرّضاع إلّا ما كان في الحولين»، ثمّ قال: «لم يسنده عن ابن عيينة غير الهيثم بن جميلٍ، وهو ثقةٌ حافظٌ».
قلت: وقد رواه الإمام مالكٌ في الموطّأ، عن ثور بن زيدٍ، عن ابن عبّاسٍ موقوفًا . ورواه الدّراورديّ عن ثورٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ وزاد: «وما كان بعد الحولين فليس بشيءٍ»، وهذا أصحّ.
وقال أبو داود الطّيالسيّ، عن جابرٍ قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلم: «لا رضاع بعد فصالٍ، ولا يتم بعد احتلامٍ»، وتمام الدّلالة من هذا الحديث في قوله: {وفصاله في عامين} [لقمان: 14]. وقال: {وحمله وفصاله ثلاثون شهرًا} [الأحقاف: 15]. والقول بأنّ الرّضاعة لا تحرم بعد الحولين مروي عن عليٍّ، وابن عبّاسٍ، وابن مسعودٍ، وجابرٍ، وأبي هريرة، وابن عمر، وأمّ سلمة، وسعيد بن المسيّب، وعطاءٍ، والجمهور. وهو مذهب الشّافعيّ، وأحمد، وإسحاق، والثّوريّ، وأبي يوسف، ومحمّدٍ، ومالكٍ في روايةٍ، وعنه: «أنّ مدّته سنتان وشهران»، وفي روايةٍ: «وثلاثة أشهرٍ». وقال أبو حنيفة: «سنتان وستّة أشهرٍ»، وقال زفر بن الهذيل: «ما دام يرضع فإلى ثلاث سنين»، وهذا روايةٌ عن الأوزاعيّ. قال مالكٌ: «ولو فطم الصّبيّ دون الحولين فأرضعته امرأةٌ بعد فصاله لم يحرم؛ لأنّه قد صار بمنزلة الطّعام»، وهو روايةٌ عن الأوزاعيّ، وقد روي عن عمر وعليٍّ: «أنّهما قالا لا رضاع بعد فصالٍ»، فيحتمل أنّهما أرادا الحولين كقول الجمهور، سواءٌ فطم أو لم يفطم، ويحتمل أنّهما أرادا الفعل، كقول مالكٍ، واللّه أعلم.
وقد روي في الصّحيح عن عائشة، رضي اللّه عنها: «أنّها كانت ترى رضاع الكبير يؤثّر في التّحريم»، وهو قول عطاء بن أبي رباحٍ، واللّيث بن سعدٍ، وكانت عائشة تأمر بمن تختار أن يدخل عليها من الرّجال لبعض نسائها فترضعه، وتحتجّ في ذلك بحديث سالمٍ مولى أبي حذيفة حيث أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم امرأة أبي حذيفة أن ترضعه، وكان كبيرًا، فكان يدخل عليها بتلك الرّضاعة، وأبى ذلك سائر أزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، ورأين ذلك من الخصائص، وهو قول الجمهور. وحجّة الجمهور -منهم الأئمّة الأربعة، والفقهاء السّبعة، والأكابر من الصّحابة، وسائر أزواج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سوى عائشة -ما ثبت في الصّحيحين، عن عائشة: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «انظرن من إخوانكنّ، فإنّما الرّضاعة من المجاعة». وسيأتي الكلام على مسائل الرّضاع، وفيما يتعلّق برضاع الكبير، عند قوله تعالى: {وأمّهاتكم اللاتي أرضعنكم} [النّساء:23].
وقوله: {وعلى المولود له رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف} أي: وعلى والد الطّفل نفقة الوالدات وكسوتهنّ بالمعروف، أي: بما جرت به عادة أمثالهنّ في بلدهنّ من غير إسرافٍ ولا إقتارٍ، بحسب قدرته في يساره وتوسّطه وإقتاره، كما قال تعالى: {لينفق ذو سعةٍ من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق ممّا آتاه اللّه لا يكلّف اللّه نفسًا إلا ما آتاها سيجعل اللّه بعد عسرٍ يسرًا} [الطّلاق:7]. قال الضّحّاك: «إذا طلّق الرّجل زوّجته وله منها ولدٌ، فأرضعت له ولده، وجب على الوالد نفقتها وكسوتها بالمعروف».
وقوله: {لا تضارّ والدةٌ بولدها} أي: لا تدفعه عنها لتضرّ أباه بتربيته، ولكن ليس لها دفعه إذا ولدته حتّى تسقيه اللّبأ الّذي لا يعيش بدون تناوله غالبًا، ثمّ بعد هذا لها رفعه عنها إذا شاءت، ولكن إن كانت مضارّةً لأبيه فلا يحلّ لها ذلك، كما لا يحلّ له انتزاعه منها لمجرّد الضّرار لها. ولهذا قال: {ولا مولودٌ له بولده} أي: «بأن يريد أن ينتزع الولد منها إضرارًا بها»، قاله مجاهدٌ، وقتادة، والضّحّاك، والزّهريّ، والسّدّيّ، والثّوريّ، وابن زيد، وغيرهم.
وقوله: {وعلى الوارث مثل ذلك} قيل: «في عدم الضّرار لقريبه» قاله مجاهدٌ، والشّعبيّ، والضّحّاك. وقيل: «عليه مثل ما على والد الطّفل من الإنفاق على والدة الطّفل، والقيام بحقوقها وعدم الإضرار بها»، وهو قول الجمهور. وقد استقصى ذلك ابن جريرٍ في تفسيره. وقد استدلّ بذلك من ذهب من الحنفيّة والحنبليّة إلى وجوب نفقة الأقارب بعضهم على بعضٍ، وهو مرويٌّ عن عمر بن الخطّاب، وجمهور السّلف، ويرشّح ذلك بحديث الحسن، عن سمرة مرفوعًا: «من ملك ذا رحمٍ محرمٍ عتق عليه».
وقد ذكر أنّ الرّضاعة بعد الحولين ربّما ضرّت الولد إمّا في بدنه أو عقله، وقد قال سفيان الثّوريّ، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة: «أنّه رأى امرأةً ترضع بعد الحولين. فقال: لا ترضعيه».
وقوله: {فإن أرادا فصالا عن تراضٍ منهما وتشاورٍ فلا جناح عليهما} أي: فإن اتّفقا والدا الطّفل على فطامه قبل الحولين، ورأيا في ذلك مصلحةً له، وتشاورا في ذلك، وأجمعا عليه، فلا جناح عليهما في ذلك، فيؤخذ منه: «أنّ انفراد أحدهما بذلك دون الآخر لا يكفي، ولا يجوز لواحدٍ منهما أن يستبدّ بذلك من غير مشاورة الآخر»، قاله الثّوريّ وغيره، وهذا فيه احتياطٌ للطّفل، وإلزامٌ للنّظر في أمره، وهو من رحمة اللّه بعباده، حيث حجر على الوالدين في تربية طفلهما وأرشدهما إلى ما يصلحه ويصلحهما كما قال في سورة الطّلاق: {فإن أرضعن لكم فآتوهنّ أجورهنّ وأتمروا بينكم بمعروفٍ وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى} [الطّلاق:6].
وقوله: {وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلّمتم ما آتيتم بالمعروف} أي: إذا اتّفقت الوالدة والوالد على أن يتسلّم منها الولد إمّا لعذرٍ منها، أو عذرٍ له، فلا جناح عليهما في بذله، ولا عليه في قبوله منها إذا سلّمها أجرتها الماضية بالّتي هي أحسن، واسترضع لولده غيرها بالأجرة بالمعروف. قاله غير واحدٍ.
وقوله: {واتّقوا اللّه} أي: في جميع أحوالكم {واعلموا أنّ اللّه بما تعملون بصيرٌ} أي: فلا يخفى عليه شيءٌ من أحوالكم وأقوالكم). [تفسير ابن كثير: 1/ 632-635]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهرٍ وعشرًا فإذا بلغن أجلهنّ فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهنّ بالمعروف واللّه بما تعملون خبيرٌ (234)}
هذا أمرٌ من اللّه للنّساء اللّاتي يتوّفى عنهنّ أزواجهنّ: أن يعتددن أربعة أشهرٍ وعشر ليالٍ وهذا الحكم يشمل الزّوجات المدخول بهنّ وغير المدخول بهنّ بالإجماع، ومستنده في غير المدخول بها عموم الآية الكريمة، وهذا الحديث الّذي رواه الإمام أحمد وأهل السّنن وصحّحه التّرمذيّ: «أنّ ابن مسعودٍ سئل عن رجلٍ تزوّج امرأةً فمات ولم يدخل بها، ولم يفرض لها؟ فتردّدوا إليه مرارًا في ذلك فقال: أقول فيها برأيي، فإن يكن صوابًا فمن اللّه، وإن يكن خطأً فمنّي ومن الشّيطان، واللّه ورسوله بريئان منه: أرى لها الصّداق كاملًا». وفي لفظٍ: «لها صداق مثلها، لا وكس، ولا شطط، وعليها العدّة، ولها الميراث». فقام معقل بن سنانٍ الأشجعيّ فقال: «سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قضى به في بروع بنت واشقٍ. ففرح عبد اللّه بذلك فرحًا شديدًا». وفي روايةٍ: «فقام رجالٌ من أشجع، فقالوا: نشهد أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قضى به في بروع بنت واشق».
ولا يخرج من ذلك إلّا المتوفّى عنها زوجها، وهي حاملٌ، فإنّ عدّتها بوضع الحمل، ولو لم تمكث بعده سوى لحظةٍ؛ لعموم قوله: {وأولات الأحمال أجلهنّ أن يضعن حملهنّ} [الطّلاق: 4]. وكان ابن عبّاسٍ يرى: «أن عليها أن تتربّص بأبعد الأجلين من الوضع، أو أربعة أشهرٍ وعشرٍ، للجمع بين الآيتين»، وهذا مأخذٌ جيّدٌ ومسلكٌ قويٌّ، لولا ما ثبتت به السّنّة في حديث سبيعة الأسلميّة، المخرّج في الصّحيحين من غير وجهٍ: «أنّه توفّي عنها زوجها سعد بن خولة، وهي حاملٌ، فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته»، وفي روايةٍ: «فوضعت حملها بعده بليالٍ، فلمّا تعلّت من نفاسها تجمّلت للخطّاب، فدخل عليها أبو السّنابل بن بعكك، فقال لها: ما لي أراك متجمّلة؟ لعلّك ترجين النّكاح. واللّه ما أنت بناكح حتى يمر عليك أربعة أشهرٍ وعشر. قالت سبيعة: فلمّا قال لي ذلك جمعت عليّ ثيابي حين أمسيت، فأتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فسألته عن ذلك، فأفتاني بأنّي قد حللت حين وضعت، وأمرني بالتّزويج إن بدا لي».
قال أبو عمر بن عبد البرّ: «وقد روي أنّ ابن عبّاسٍ رجع إلى حديث سبيعة، يعني لمّا احتجّ عليه به». قال: «ويصحّح ذلك عنه: أنّ أصحابه أفتوا بحديث سبيعة، كما هو قول أهل العلم قاطبةً».
وكذلك يستثنى من ذلك الزّوجة إذا كانت أمةً، فإنّ عدّتها على النّصف من عدّة الحرّة، شهران وخمس ليالٍ، على قول الجمهور؛ لأنّها لمّا كانت على النّصف من الحرّة في الحدّ، فكذلك فلتكن على النّصف منها في العدّة. ومن العلماء -كمحمّد بن سيرين وبعض الظّاهريّة -من يسوّي بين الزّوجات الحرائر والإماء في هذا المقام؛ لعموم الآية، ولأنّ العدّة من باب الأمور الجبلّيّة الّتي تستوي فيها الخليقة. وقد ذكر سعيد بن المسيّب، وأبو العالية وغيرهما: «أنّ الحكمة في جعل عدّة الوفاة أربعة أشهرٍ وعشرًا؛ لاحتمال اشتمال الرّحم على حملٍ، فإذا انتظر به هذه المدّة ظهر إن كان موجودًا»، كما جاء في حديث ابن مسعودٍ الّذي في الصّحيحين وغيرهما: «إنّ خلق أحدكم يجمع في بطن أمّه أربعين يومًا نطفةً، ثمّ يكون علقةً مثل ذلك، ثمّ يكون مضغةً مثل ذلك، ثمّ يبعث إليه الملك فينفخ فيه الرّوح». فهذه ثلاث أربعيناتٍ بأربعة أشهرٍ، والاحتياط بعشرٍ بعدها لما قد ينقص بعض الشّهور، ثمّ لظهور الحركة بعد نفخ الرّوح فيه، واللّه أعلم.
قال سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة: «سألت سعيد بن المسيّب: ما بال العشرة؟ قال: فيه ينفخ الرّوح». وقال الرّبيع بن أنسٍ: «قلت لأبي العالية: لم صارت هذه العشر مع الأشهر الأربعة؟ قال: لأنّه ينفخ فيها الرّوح». رواهما ابن جريرٍ. ومن هاهنا ذهب الإمام أحمد، في روايةٍ عنه، إلى أنّ عدّة أمّ الولد عدّة الحرّة هاهنا؛ لأنّها صارت فراشًا كالحرائر، وللحديث الّذي رواه الإمام أحمد، عن يزيد بن هارون، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن رجاء بن حيوة، عن قبيصة بن ذؤيبٍ، عن عمرو بن العاص أنّه قال: «لا تلبسوا علينا سنّة نبيّنا، عدّة أمّ الولد إذا توفّي عنها سيّدها أربعة أشهرٍ وعشرٌ» ورواه أبو داود، عن قتيبة، عن غندر -وعن ابن المثنّى، عن عبد الأعلى. وابن ماجه، عن عليّ بن محمّدٍ، عن وكيع -ثلاثتهم عن سعيد بن أبي عروبة، عن مطر الورّاق، عن رجاء بن حيوة، عن قبيصة، عن عمرو بن العاص، فذكره.
وقد روي عن الإمام أحمد أنّه أنكر هذا الحديث، وقيل: إنّ قبيصة لم يسمع عمرًا، وقد ذهب إلى القول بهذا الحديث طائفةٌ من السّلف، منهم: سعيد بن المسيّب، ومجاهدٌ، وسعيد بن جبيرٍ، والحسن، وابن سيرين، وأبو عياضٍ،والزّهريّ، وعمر بن عبد العزيز. وبه كان يأمر يزيد بن عبد الملك بن مروان، وهو أمير المؤمنين. وبه يقول الأوزاعي، وإسحاق بن راهويه، وأحمد بن حنبلٍ، في روايةٍ عنه. وقال طاوسٌ وقتادة: «عدّة أمّ الولد إذا توفّي عنها سيّدها نصف عدّة الحرّة: شهران وخمس ليالٍ». وقال أبو حنيفة وأصحابه، والثّوريّ، والحسن بن صالح بن حيّ: «تعتدّ بثلاث حيضٍ». وهو قول عليٍّ، وابن مسعودٍ، وعطاءٍ، وإبراهيم النخعي. وقال مالكٌ، والشّافعيّ، وأحمد في المشهور عنه:«عدّتها حيضةٌ». وبه يقول ابن عمر، والشّعبيّ، ومكحولٌ، واللّيث، وأبو عبيدٍ، وأبو ثور، والجمهور.
قال اللّيث: «ولو مات وهي حائضٌ أجزأتها». وقال مالكٌ: «فلو كانت ممّن لا تحيض فثلاثة أشهرٍ». وقال الشّافعيّ والجمهور: «شهرٌ، وثلاثةٌ أحبّ إليّ». واللّه أعلم.
وقوله: {فإذا بلغن أجلهنّ فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهنّ بالمعروف واللّه بما تعملون خبيرٌ} يستفاد من هذا وجوب الإحداد على المتوفّى عنها زوجها مدّة عدّتها، لما ثبت في الصّحيحين، من غير وجهٍ، عن أمّ حبيبة وزينب بنت جحشٍ أمّي المؤمنين، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال: «لا يحل لامرأة تؤمن باللّه واليوم الآخر أن تحد على ميّتٍ فوق ثلاثٍ، إلّا على زوجٍ أربعة أشهرٍ وعشرًا». وفي الصّحيحين أيضًا، عن أمّ سلمة: «أنّ امرأةً قالت: يا رسول اللّه، إنّ ابنتي توفي عنها زوجها، وقد اشتكت عينها، أفنكحلها؟ فقال: «لا». كلّ ذلك يقول: «لا مرّتين أو ثلاثًا». ثمّ قال: «إنّما هي أربعة أشهرٍ وعشرٌ وقد كانت إحداكنّ في الجاهليّة تمكث سنةً». قالت زينب بنت أمّ سلمة: «كانت المرأة إذا توفّي عنها زوجها دخلت حفشًا، ولبست شرّ ثيابها، ولم تمسّ طيبًا ولا شيئًا، حتّى تمرّ بها سنةٌ، ثمّ تخرج فتعطى بعرة فترمي بها، ثمّ تؤتى بدابّةٍ -حمارٍ أو شاةٍ أو طيرٍ -فتفتضّ به فقلّما تفتضّ بشيءٍ إلّا مات».
ومن هاهنا ذهب كثيرٌ من العلماء إلى أنّ هذه الآية ناسخةٌ للآية الّتي بعدها، وهي قوله: {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا وصيّةً لأزواجهم متاعًا إلى الحول غير إخراجٍ} [البقرة: 240]، كما قاله ابن عبّاسٍ وغيره، وفي هذا نظرٌ كما سيأتي تقريره.
والغرض أنّ الإحداد هو عبارةٌ عن ترك الزّينة من الطّيب، ولبس ما يدعوها إلى الأزواج من ثيابٍ وحليٍّ وغير ذلك وهو واجبٌ في عدّة الوفاة قولًا واحدًا، ولا يجب في عدّة الرّجعيّة قولًا واحدًا، وهل يجب في عدّة البائن؟ فيه قولان.
ويجب الإحداد على جميع الزّوجات المتوفّى عنهنّ أزواجهنّ، سواءٌ في ذلك الصّغيرة والآيسة والحرّة والأمة، والمسلمة والكافرة، لعموم الآية. وقال الثّوريّ وأبو حنيفة وأصحابه: «لا إحداد على الكافرة». وبه يقول أشهب، وابن نافعٍ من أصحاب مالكٍ. وحجّة قائل هذه المقالة قوله صلّى اللّه عليه وسلّم:«لا يحلّ لامرأةٍ تؤمن باللّه واليوم الآخر أن تحدّ على ميّتٍ فوق ثلاثٍ، إلّا على زوجٍ أربعة أشهرٍ وعشرًا» قالوا: فجعله تعبّدًا. وألحق أبو حنيفة وأصحابه والثّوريّ الصّغيرة بها، لعدم التّكليف. وألحق أبو حنيفة وأصحابه الأمة المسلمة لنقصها. ومحلّ تقرير ذلك كلّه في كتب الأحكام والفروع، واللّه الموفّق للصّواب.
وقوله: {فإذا بلغن أجلهنّ} «أي: انقضت عدّتهنّ». قاله الضّحّاك والرّبيع بن أنسٍ، {فلا جناح عليكم} قال الزّهريّ: «أي: على أوليائها» {فيما فعلن} يعني: النّساء اللّاتي انقضّت عدّتهنّ. قال العوفيّ عن ابن عبّاسٍ: «إذا طلّقت المرأة أو مات عنها زوجها، فإذا انقضّت عدّتها فلا جناح عليها أن تتزيّن وتتصنّع وتتعرّض للتّزويج، فذلك المعروف». روي عن مقاتل بن حيّان نحوه، وقال ابن جريجٍ عن مجاهدٍ: {فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهنّ بالمعروف} قال: «هو النّكاح الحلال الطّيّب». وروي عن الحسن، والزّهريّ، والسّدّيّ نحو ذلك). [تفسير ابن كثير: 1/ 635-638]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:20 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة