العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الكهف

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12 جمادى الآخرة 1434هـ/22-04-2013م, 10:37 PM
الصورة الرمزية منى بكري
منى بكري منى بكري غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Sep 2010
المشاركات: 1,049
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23)}
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (فمما جاء فيه النون في كتاب الله عز وجل: {ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون} {ولا تقولن لشيءٍ إني فاعلٌ ذلك غداً} وقوله تعالى: {ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله} و: {ليسجنن وليكونن من الصاغرين} وليكونن خفيفة
وأما الخفيفة فقوله تعالى: {لنسفعن بالناصية} ). [الكتاب: 3/509-510] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (هذا باب النونين الثقيلة والخفيفةومعرفة مواقعها من الأفعال
اعلم أنهما لا تدخلان من الأفعال إلا على ما لم يجب، ولا يكون من ذلك إلا في الفعل الذي يؤكد ليقع.
وذلك ما لم يكن خبراً فيما ضارع القسم. فأما القسم فإحداهما فيه واجبةٌ لا محالة. وأما ما ضارعه فأنت فيه مخير. وذلك قولك في القسم: والله لأقومن، وحق زيد لأمضين، فيلحق النون إما خفيفة وإما ثقيلةً، لا يكون القسم إلا كذاك. وقد شرحنا ذلك في باب القسم: لم كانت فيه واجبة؟ وأما الثقيلة فكقوله عز وجل: (ليسجنن وليكوننّ من الصاغرين). وأما الخفيفة فعلى قراءة من قرأ: {وليكونن من الصاغرين}، وكقوله: {كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية}، وقال الشاعر:

وفي ذمتي لئن فعلت ليفعلا
فمن مواضعها: الأمر، والنهي؛ لأنهما غير واجبين. وذلك قولك - إذا لم تأت بهما -:اضرب، ولا تضرب، فإذا أتيت بها قلت: اضربن زيدا، ولا تضربن زيدا، وإن شئت ثقلت النون، وإن شئت خففتها. وهي - إذا خففت - مؤكدة، وإذا ثقلت فهي أشد توكيدا، وإن شئت لم تأت بها فقلت: اضرب، ولا تضرب.
قال الله عز وجل: {ولا تقولن لشيءٍ إني فاعلٌ ذلك غدًا}، وقال: {ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون}، وقال: {فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون}. وقال الشاعر في الخفيفة:

فـــــإيـــــاك والــمـــيـــتـــات لا تــقــربــنــهـــا.......ولا تأخذن سهماً حديداً لتفصدا
وقال الآخر:
فأنزلن سكينةً علينا
والطلب يجري مجرى الأمر والنهي، وقد مضى القول في هذا.
ومن مواضعهما: الاستفهام؛ لأنه غير واجب. وذلك قولك: هل تضربن زيداً، وهل يقومن زيد يا فتى.
وتدخل الخفيفة كما دخلت الثقيلة؛ لأنهما في التوكيد على ما ذكرت لك ومن مواضعها: الجزاء إذا لحقت ما زائدةً في حرف الجزاء؛ لأنها تكون كاللام التي تلحق في القسم في قولك: لأفعلن، وذلك قولك: إما تأتيني آتك، ومتى ما تقعدن أقعد. فمن ذلك قول الله عز وجل: {فإما ترين من البشر أحداً}، وقال: {وإما تعرضن عنهم}.
فإن كان الجزاء بغير ما قبح دخولها فيه، لأنه خبر يجب آخره بوجوب أوله. وإنما يجوز دخولها الجزاء بغير ما في الشعر للضرورة؛ كما يجوز ذلك في الخبر. فمن ذلك قوله:
من تثقفن منهم فليس بآئبٍ.......أبـداً، وقتـل بنـي قتيبـة شـافـي
فهذا يجوز؛ كما قال في الخبر:

ربما أوفيـت فـي علـمٍ.......ترفعن ثوبي شمالات
ومن أمثال العرب: بعينٍ ما أرينك وبألمٍ ما تختننه. فإنما أدخل النون من أجل ما الزائدة كاللام كما ذكرت لك). [المقتضب: 3/11-15] (م)

تفسير قوله تعالى: {إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (24)}

تفسير قوله تعالى: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25)}
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (فأما قولك: مائة درهم، ومائة جارية، وألف غلام، وألف جارية فلا يكون فيه غلا هذا؛ لأنه ليس بمنزلة ثلاثة وما بعدها إلى عشرة ولا ثلاث عشر؛ لأن الثلاث والثلاثة على مئين وقع، أو على ألوف، أو غير ذلك. ففيهن أقل العدد مما وقعن عليه.
ومجاز مائة وألف في أنه لا يكون لأدنى العدد مجاز أحد عشر درهماً فما فوق.
فأما قوله عز وجل: {ولبثوا في كهفهم ثلاث مائةٍ سنين} فإنه على البدل لأنه لما قال: ثلاثمائة ثم ذكر السنين ليعلم ما ذلك العدد? ولو قال قائل: أقاموا سنين يا فتى، ثم قال: مئين أو ثلاثمائة لكان على البدل، ليبين: كم مقدار تلك السنين?
قد قرأ بعض القراء بالإضافة فقال: ثلاث مائة سنين وهذا خطأ في الكلام غير جائز. وإنما يجوز مثله في الشعر للضرورة، وجوازه في الشعر أنا نحمله على المعنى؛ لأنه في المعنى جماعة وقد جاز في الشعر أن تفرد وأنت تريد الجماعة إذا كان في الكلام دليل على الجمع فمن ذلك قوله:
كلوا في نصف بطنكم تعيشوا.......فــــــإن زمــانــكــم زمــــــنٌ خــمــيـــص
وقال آخر:
إن تـقـتـلـوا الــيــوم فــقـــد سـبـيـنــا.......في حلقكم عظمٌ وقد شجينا
وينشد: شربنا.
وقال علقمة بن عبدة:
بها جيف الحسرى فأما عظامها.......فـبــيــضٌ وأمـــــا جـلــدهــا فـصـلـيــب
وأما قوله عز وجل: {ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم} فليس من هذا؛ لأن السمع مصدر، والمصدر يقع للواحد والجمع.
وكذلك قول الشاعر، وهو جرير:
إن العيون التي في طرفها مرضٌ.......قـتـلـنـنــا ثــــــم لــــــم يـحـيــيــن قــتــلانــا
لأن الطرف مصدر.
وأما قول الله عز وجل: {ثم يخرجكم طفلاً} وقوله: {فإن طبن لكم عن شيءٍ منه نفساً} فإنه أفرد هذا، لأن مخرجهما مخرج التمييز؛ كما تقول: زيد أحسن الناس ثوباً، وأفره الناس مركباً. وإنه ليحسن ثوباً، ويكثر أمةً وعبداً). [المقتضب: 2/168-171]

قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): (قال أبو العباس: من قال: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ} فهو الاختيار؛ لأن السنين جمع، ولا تخرج مفسرة، كأنه قال: ولبثوا في كهفهم سنين ثلثمائة، فالسنون تابعة للثلثمائة، والثلثمائة تابعة للسنون. وإذا قال ثلثمائة سنين فأضاف، فإن السنين فيها لغات، يقال هذه سنون فاعلم، ومررت بسنين فاعلم. هذا جمع على ما فسرنا. ولغة يقولون هذه سنينك، ومرت سنينك، فيثبتون النون، فيجعلونها كالواحد، فعلى هذه أضافوا. قال: وأنشد الفراء وأصحابنا:
ذراني من نجد فإن سنينه.......لعبـن بناشيبًـا وشيبننـا مـردا
فعلى هذا أضافوا. وأنشد:
سنيني كلها لا قيـت حربـا.......أعد من الصلادمة الذكور
ينون ولا ينون، فمن نون جعله كالواحد ومن لم ينون قال: هو معدول عن الجميع إلى الواحد). [مجالس ثعلب: 265-266]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328هـ): (ومما يفسر من كتاب الله جل اسمه تفسيرين متضادين، قوله جل وعز: {ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا}، يقال، هذا ما أخبر الله جل وعز به، ودل العالم فيه على حقيقة لبثهم.
وقال آخرون: هذا مما حكاه الله عز وجل عن نصارى نجران، ولم يصحح قولهم وما ادعوه فيه، واحتجوا بقراءة عبد الله بن مسعود: (قالوا ولبثوا في كهفهم)، واحتجوا أيضا بقوله جل وعز: {سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم}، فقوله: {لبثوا} منعطف على قولهم الأول، وغير خارجمن معناه.
وقالوا: الدليل على أنه من كلام نصارى نجران، قوله عز وجل: {قل الله أعلم بما لبثوا}، أي لا تقبل ذا القول منهم؛ وهذا من المبهمات التي لا يعلمها راسخ في في العلم، بل ينفرد الله عز وجل بعلمها دون خلقه.
وقال أصحاب القول الأول: قوله جل وعز: {قل الله أعلم بما لبثوا}، معناه: الله أعلم بلبثهم مذ يوم أميتوا إلى هذا الوقت، ومقدار لبثهم مذ يوم ضرب على آذانهم في الكهف إلى وقت انتباههم ثلاثمائة سنة وتسع سنين؛ وقد استقصينا تفسير هذه المسألة في كتاب (الرد على أهل الإلحاد في القرآن) ). [كتاب الأضداد: 367-368]

تفسير قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26)}
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ (ت: 328هـ): (ومما يفسر من كتاب الله جل اسمه تفسيرين متضادين، قوله جل وعز: {ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا}، يقال، هذا ما أخبر الله جل وعز به، ودل العالم فيه على حقيقة لبثهم.
وقال آخرون: هذا مما حكاه الله عز وجل عن نصارى نجران، ولم يصحح قولهم وما ادعوه فيه، واحتجوا بقراءة عبد الله بن مسعود: (قالوا ولبثوا في كهفهم)، واحتجوا أيضا بقوله جل وعز: {سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم}، فقوله: {لبثوا} منعطف على قولهم الأول، وغير خارجمن معناه.
وقالوا: الدليل على أنه من كلام نصارى نجران، قوله عز وجل: {قل الله أعلم بما لبثوا}، أي لا تقبل ذا القول منهم؛ وهذا من المبهمات التي لا يعلمها راسخ في في العلم، بل ينفرد الله عز وجل بعلمها دون خلقه.
وقال أصحاب القول الأول: قوله جل وعز: {قل الله أعلم بما لبثوا}، معناه: الله أعلم بلبثهم مذ يوم أميتوا إلى هذا الوقت، ومقدار لبثهم مذ يوم ضرب على آذانهم في الكهف إلى وقت انتباههم ثلاثمائة سنة وتسع سنين؛ وقد استقصينا تفسير هذه المسألة في كتاب (الرد على أهل الإلحاد في القرآن) ). [كتاب الأضداد:367- 368] (م)

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 16 ذو القعدة 1439هـ/28-07-2018م, 08:59 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 16 ذو القعدة 1439هـ/28-07-2018م, 09:00 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 16 ذو القعدة 1439هـ/28-07-2018م, 09:12 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَدًا (23)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ولا تقولن لشيء} الآية. عاتب الله تعالى فيها نبيه صلي الله عليه وسلم على قوله للكفار: غدا أخبركم بجواب أسئلتكم، ولم يستثني في ذلك، فاحتبس عنه الوحي خمسة عشر يوما حتى شق ذلك عليه، وأرجف الكفار به، فنزلت عليه هذه السورة مفرجة، وأمر في هذه الآية ألا يقول في أمر من الأمور: إني أفعل غدا كذا وكذا إلا وأن يعلق ذلك بمشيئة الله عز وجل. واللام في قوله تعالى: "لشيء" بمنزلة "في"، أو كأنه قال: لأجل شيء). [المحرر الوجيز: 5/590]

تفسير قوله تعالى: {إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ۚ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَٰذَا رَشَدًا (24)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله: {إلا أن يشاء الله}، في الكلام حذف يقتضيه الظاهر ويحسنه الإيجاز، تقديره: إلا أن تقول "إلا أن يشاء الله"، أو إلا أن تقول "إن شاء الله". فالمعنى: إلا أن تذكر مشيئة الله، فليس إلا أن يشاء الله من القول الذي نهي عنه. وقالت فرقة: قوله: {إلا أن يشاء الله} استثناء من قوله: "ولا تقولن".
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا قول حكاه الطبري ورد عليه، وهو من الفساد بحيث كان الواجب ألا يحكى.
وقوله تعالى: {واذكر ربك إذا نسيت} قال ابن عباس، والحسن: معناه والإشارة به إلى الاستثناء، أي: ولتستثن بعد مدة إذا نسيت الاستثناء أولا لتخرج من جملة من لم يعلق فعله بمشيئة الله، وقال عكرمة: المعنى: واذكر ربك إذا غضبت.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وتكلم الناس في هذه الآية في الاستثناء في اليمين، والآية ليست في الأيمان، وإنما هي في سنة الاستثناء في غير اليمين، ولكن من حيث تكلم الناس فيها ينبغي أن نذكر شيئا من ذلك.
[المحرر الوجيز: 5/590]
أما مالك رحمه الله وجميع أصحابه -فيما علمت- وكثير من العلماء فيقولون: لا ينفع الاستثناء ويسقط الكفارة إلا أن يكون متصلا باليمين. وقال عطاء: له أن يستثني في قدر حلب الناقة الغزيرة.
وقال قتادة: إن استثنى قبل أن يقوم فله ثنياه. وقال ابن حنبل: له الاستثناء ما دام في ذلك الأمر، وقاله ابن راهويه. وقال طاوس، والحسن: ينفع الاستثناء ما دام الحالف في مجلسه. وقال ابن جبير: ينفع الاستثناء بعد أربعة أشهر فقط، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: ينفع الاستثناء ولو بعد سنة. وقال مجاهد: بعد سنتين، وقال أبو العالية: ينفع أبدا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
واختلف الناس في التأويل على ابن عباس رضي الله عنهما، فقال الطبري وغيره: إنما أراد ابن عباس أنه ينفع في أن يجعل الحالف في رتبة المستثنين بعد سنة من حلفه، وأما الكفارة فلا تسقط عنه، قال الطبري: ولا أعلم أحدا يقول (ينفع الاستثناء بعد مدة) يقول بسقوط الكفارة، قال ويرد ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من حلف على يمين ثم رأى غيرها خيرا منها فليكفر وليأت الذي هو خير"، فلو كان الاستثناء يسقط الكفارة لكان أخف على الأمة، ولم يكن لذكر الكفارة فائدة.
وقال الزهراوي: إنما تكلم ابن عباس رضي الله عنهما في أن الاستثناء بعد سنة لمن قال: أنا أفعل كذا، لا لحالف أراد حل يمينه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وذهبت فرقة من الفقهاء إلى أن مذهب ابن عباس رضي الله عنهما سقوط الكفارة، وألزموا كل من يقول (ينفع الاستثناء بعد مدة) إسقاط الكفارة، وردوا على القول بعدم إلزامه، وليس الاستثناء إلا في اليمين بالله، لا يكون في طلاق ونحوه، ولا في مشي إلى مكة، هذا قول مالك وجماعة.
وقال الشافعي رحمه الله، وأصحاب الرأي، وطاوس وحماد: الاستثناء في ذلك
[المحرر الوجيز: 5/591]
جائز، وليس في اليمين الغموس استثناء ينفع، ولا يكون الاستثناء بالقلب، وإنما يكون قولا ونطقا.
وقوله تعالى: {وقل عسى أن يهديني ربي} الآية. قال محمد الكوفي المفسر: إنها بألفاظها مما أمر أن يقولها كل من لم يستثن، وإنها كفارة لنسيان الاستثناء. وقال الجمهور: هو دعاء مأمور به دون هذا التخصيص.
وقرأ الجمهور: "يهديني" بإثبات الياء، وهي قراءة ابن كثير، ونافع، وأبي عمرو. وقرأ طلحة بن مصرف: "يهدين" دون ياء في الوصل، وهي قراءة ابن عامر، وعاصم، وحمزة، والكسائي.
والإشارة بـ "هذا" إلى الاستدراك الذي يقع من ناسي الاستثناء وقال الزجاج: المعنى: عسى أن ييسر الله من الأدلة على نبوتي أقرب من دليل أصحاب الكهف.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وما قدمته أصوب، أي: عسى أن يرشدني فيما استقبل من أمري. وهذه الآية مخاطبة للنبي صلي الله عليه وسلم، وهي بعد تعم جميع أمته، لأنه حكم يتردد الناس بكثرة وقوعه، والله الموفق). [المحرر الوجيز: 5/592]

تفسير قوله تعالى: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السماوات والأرض أبصر به وأسمع ما لهم من دونه من ولي ولا يشرك في حكمه أحدا واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا}
قال قتادة، ومطر الوراق، وغيرهما: ولبثوا في كهفهم الآية حكاية عن بني إسرائيل أنهم قالوا ذلك، واحتجا بأن قراءة عبد الله بن مسعود وفي مصحفه: "وقالوا لبثوا في كهفهم"، وذلك عند قتادة -على غير قراءة عبد الله- عطف على سيقولون ثلاثة، ذكره الزهراوي). [المحرر الوجيز: 5/592]

تفسير قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ۖ لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ۚ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم أمر الله تعالى نبيه صلي الله عليه وسلم بأن يرد العلم إليه ردا على مقالهم وتفنيدا لهم، قال الطبري: "وقال بعضهم: لو كان ذلك خبرا من الله، لم يكن لقوله: {قل الله أعلم بما لبثوا} وجه مفهوم".
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
أين ذهب بهذا القائل؟ وما الوجه المفهوم البارع إلا أن تكون الآية خبرا عن لبثهم، ثم قيل لمحمد صلى الله عليه وسلم قل الله أعلم بما لبثوا بخبره، هذا هو الحق من عالم الغيب، فليزل اختلافكم أيها المتخرصون.
وقال المحققون: بل قوله تعالى: {ولبثوا في كهفهم} الآية خبر من الله تعالى عن مدة لبثهم، ثم اختلف في معنى قوله بعد الإخبار: {قل الله أعلم بما لبثوا} -فقال الطبري: إن بني إسرائيل اختلفوا فيما مضى لهم من المدة بعد الإعثار عليهم إلى مدة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال بعضهم: إنهم لبثوا ثلاثمائة سنة وتسع سنين، وأخبر الله تعالى نبيه أن هذه المدة في كونهم نياما، وأن ما بعد ذلك مجهول للبشر، فأمره الله تعالى أن يرد علم ذلك إليه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
فقوله تعالى -على هذا التأويل-: "لبثوا" الأول يريد: في نوم الكهف، و"لبثوا" الثاني يريد: بعد الإعثار موتى إلى مدة محمد صلي الله عليه وسلم، أو إلى وقت عدمهم بالبلى، على الاختلاف الذي سنذكره بعد. وقال بعضهم: إنه لما قال: وازدادوا تسعا لم تدر الناس أهي ساعات أم أيام أم جمع أم شهور أم أعوام، واختلف بنو إسرائيل بحسب ذلك، فأمره الله تعالى برد العلم إليه، يريد: في التسع، فهي -على هذا- مبهمة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وظاهر كلام العرب والمفهوم منه أنها أعوام، والظاهر من أمرهم أنهم قاموا ودخلوا الكهف بعد عيسى عليه السلام بيسير، وقد بقيت من الحواريين بقية. وحكى النقاش ما معناه أنهم لبثوا ثلاثمائة سنة شمسية بحساب الأمم، فلما كان الإخبار هنا للنبي العربي صلى الله عليه وسلم ذكرت التسع; إذ المفهوم عنده من السنين القمرية، فهذه الزيادة هي ما بين الحسابين.
[المحرر الوجيز: 5/593]
وقرأ الجمهور: "ثلاث مائة سنين" بتنوين "مائة" ونصب "سنين" على البدل من "ثلاثمائة"، أوعطف البيان، وقيل: على التفسير والتمييز، وقرأ حمزة، والكسائي، ويحيى، وطلحة، والأعمش بإضافة "مائة" إلى "السنين" وترك التنوين، وكأنهم جعلوا "سنين" بمنزلة "سنة"; إذ المعنى بهما واحد. قال أبو علي: إذ هذه الأعداد التي تضاف في الشهور إلى الآحاد نحو ثلاثمائة رجل أو ثوب قد تضاف إلى الجموع، وانحى أبو حاتم على هذه القراءة، وفي مصحف عبد الله بن مسعود: "ثلاثمائة سنة"، وقرأ الضحاك: "ثلاثمائة سنون"، بالواو. وقرأ أبو عمرو بخلاف-: "تسعا" بفتح التاء، وقرأ الجمهور: "تسعا" بكسر التاء.
وقوله تعالى: {أبصر به وأسمع}، أي: ما أبصره وأسمعه، قال قتادة: لا أحد أبصر من الله تعالى ولا أسمع.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذه عبارات عن الإدراك، ويحتمل أن يكون المعنى: أبصر به أي: بوحيه وإرشاده، هداك وحججك والحق من الأمور، وأسمع به العالم، فتكونان أمرين لا على وجه التعجب. وقوله تعالى: {ما لهم من دونه من ولي} يحتمل أن يعود الضمير في "لهم" على أصحاب الكهف، أي: هذه قدرته وحده، لم يوالهم غيره بتلطف لهم، ولا اشترك معه أحد في هذا الحكم. ويحتمل أن يعود الضمير في "لهم" على معاصري رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكفار ومشاقيه، وتكون الآية اعتراضا بتهديد.
وقرأ الجمهور: "ولا يشرك في حكمه أحدا" بالياء من تحت، على معنى الخبر عن الله تبارك وتعالى، وقرأ ابن عامر، والحسن، وأبو رجاء، وقتادة، والجحدري: "ولا تشرك" بالتاء من فوق، على جهة النهي للنبي صلى الله عليه وسلم، ويكون قوله: "ولا تشرك" عطفا على قوله سبحانه: {أبصر به وأسمع}. وقرأ مجاهد: "ولا يشرك" بالياء من
[المحرر الوجيز: 5/594]
تحت وبالجزم، قال يعقوب: لا أعرف وجهه.
وحكى الطبري عن الضحاك بن مزاحم أنه قال: نزلت هذه الآية: {ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة} فقط، قال الناس: أهي أشهر أم أيام أم أعوام؟ فنزلت {سنين وازدادوا تسعا}.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وأما هل دام أهل الكهف وبقيت أشخاصهم محفوظة بعد الموت؟ فاختلفت الروايات في ذلك -فروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه مر بالشام في بعض غزواته مع ناس على موضع الكهف وجبله، فمشى الناس إليه فوجدوا عظاما، فقالوا: هذه عظام أصحاب الكهف، فقال لهم ابن عباس رضي الله عنهما: لا، أولئك قوم فنوا وعدموا منذ مدة طويلة فسمعه راهب فقال: ما كنت أحسب أن أحدا من العرب يعرف هذا، فقيل له: هذا ابن عم نبينا صلي الله عليه وسلم. وقالت فرقة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليحجن عيسى بن مريم ومعه أصحاب الكهف فإنهم لم يحجوا بعد.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وبالشام -على ما سمعت من ناس كثير- كهف كان فيه موتى يزعم مجاوروه أنهم أصحاب الكهف، وعليهم مسجد وبناء يسمى الرقيم، ومعهم كلب رمة، وبالأندلس في جهة غرناطة بقرب قرية تسمى لوشة كهف فيه موتى ومعهم كلب رمة، وأكثرهم قد انجرد لحمه، وبعضهم متماسك، وقد مضت القرون السالفة ولم نجد من علم شأنهم إثارة، ويزعم ناس أنهم أصحاب الكهف، دخلت إليهم فرأيتهم سنة أربع وخمسمائة، وهم بهذه الحالة، وعليهم مسجد، وقريب منهم بناء رومي يسمى الرقيم مما يلي القبلة، وآثار مدينة قديمة رومية يقال لها مدينة دقنيوس، وجدنا في آثارها غرائب في قبور ونحوها.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وإنما استسهلت ذكر هذا مع بعده لأنه عجب يتخلد ذكره ما شاء الله عز وجل). [المحرر الوجيز: 5/595]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:03 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة