العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الزمر

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 جمادى الأولى 1434هـ/27-03-2013م, 10:02 AM
أم القاسم أم القاسم غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 1,449
افتراضي تفسير سورة الزمر الآيات من [53-59]

سورة الزمر


قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58) بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آَيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (59)


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 16 جمادى الأولى 1434هـ/27-03-2013م, 10:34 AM
أم القاسم أم القاسم غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 1,449
افتراضي جمهرة تفاسير السلف

جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني أبو صخر عن القرظي في هذه الآية: {يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله}، يقول: هي للناس أجمعين.
قال أبو صخر: وقال زيد بن أسلم: إنما هي للمشركين). [الجامع في علوم القرآن: 2/72]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة قال أصاب قوم في الشرك ذنوبا عظاما فكانوا يتخوفون ألا يغفر لهم فدعاهم الله بهذه الآية يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله). [تفسير عبد الرزاق: 2/174]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب قوله: {يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه، إنّ اللّه يغفر الذّنوب جميعًا، إنّه هو الغفور الرّحيم} [الزمر: 53]
- حدّثني إبراهيم بن موسى، أخبرنا هشام بن يوسف، أنّ ابن جريجٍ، أخبرهم قال يعلى: إنّ سعيد بن جبيرٍ أخبره، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما: أنّ ناسًا، من أهل الشّرك كانوا قد قتلوا وأكثروا، وزنوا وأكثروا، فأتوا محمّدًا صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: إنّ الّذي تقول وتدعو إليه لحسنٌ، لو تخبرنا أنّ لما عملنا كفّارةً فنزل: {والّذين لا يدعون مع اللّه إلهًا آخر، ولا يقتلون النّفس الّتي حرّم اللّه إلّا بالحقّ، ولا يزنون} [الفرقان: 68] ونزلت {قل يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم، لا تقنطوا من رحمة اللّه} [الزمر: 53] ). [صحيح البخاري: 6/125-126]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب قوله يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه الآية)
ذكر فيه حديث اابن عبّاسٍ أنّ ناسًا من أهل الشّرك كانوا قد قتلوا
- قوله ان ابن جريجٍ أخبرهم قال يعلى أي قال قال يعلى وقال تسقط خطًا وتثبت لفظًا ويعلى هذا هو بن مسلمٍ كما وقع عند مسلمٍ من طريق حجاج بن محمّد عن بن جريجٍ في هذا الحديث بعينه بلفظ أخبرني مسلم بن يعلى وأخرجه أبو داود والنّسائيّ من رواية حجّاجٍ هذا لكن وقع عندهما عن يعلى غير منسوبٍ كما وقع عند البخاريّ وزعم بعض الشّرّاح أنّه وقع عند أبي داود فيه يعلى بن حكيمٌ ولم أر ذلك في شيءٍ من نسخه وليس في البخاريّ من رواية يعلى بن حكيمٍ عن سعيد بن جبير عن بن عبّاسٍ سوى حديثٍ واحدٍ وهو من رواية غير بن جريجٍ عن يعلى واللّه أعلم ويعلى بن مسلمٍ بصريّ الأصل سكن مكّة مشهورٌ بالرّواية عن سعيد بن جبير وبرواية بن جبيرٍ عنه وقد روى يعلى بن حكيمٍ أيضًا عن سعيد بن جبيرٍ وروى عنه بن جريجٍ ولكن ليس هو المراد هنا قوله لو تخبرنا أنّ لما عملنا كفّارةً في رواية الطّبرانيّ من وجهٍ آخر عن بن عبّاسٍ أنّ السّائل عن ذلك هو وحشيّ بن حربٍ قاتل حمزة وأنّه لمّا قال ذلك نزلت إلّا من تاب وآمن وعمل عملًا صالحًا الآية فقال هذا شرطٌ شديدٌ فنزلت قل يا عبادي الآية وروى بن إسحاق في السّيرة قال حدّثني نافعٌ عن بن عمر عن عمر قال اتّعدت أنا وعيّاش بن أبي ربيعة وهشام بن العاص أن نهاجر إلى المدينة فذكر الحديث في قصّتهم ورجوع رفيقه فنزلت قل يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم الآية قال فكتبت بها إلى هشامٍ قوله ونزل قل يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم في رواية الطّبرانيّ فقال النّاس يا رسول اللّه إنّا أصبنا ما أصاب وحشيٌّ فقال هي للمسلمين عامّةً وروى أحمد والطّبرانيّ في الأوسط من حديث ثوبان قال سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول ما أحبّ أنّ لي بهذه الآية الدّنيا وما فيها يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم الآية فقال رجلٌ ومن أشرك فسكت ساعةً ثمّ قال ومن أشرك ثلاث مرّاتٍ واستدلّ بعموم هذه الآية على غفران جميع الذّنوب كبيرها وصغيرها سواءٌ تعلّقت بحقّ الآدميّين أم لا والمشهور عند أهل السّنّة أنّ الذّنوب كلّها تغفر بالتّوبة وأنّها تغفر لمن شاء اللّه ولو مات على غير توبةٍ لكنّ حقوق الآدميّين إذا تاب صاحبها من العود إلى شيءٍ من ذلك تنفعه التّوبة من العود وأمّا خصوص ما وقع منه فلا بدّ له من ردّه لصاحبه أو محاللته منه نعم في سعة فضل اللّه ما يمكن أن يعرض صاحب الحقّ عن حقّه ولا يعذّب العاصي بذلك ويرشد إليه عموم قوله تعالى إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء والله أعلم). [فتح الباري: 8/549-550]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (باب قوله: {يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إنّ الله يغفر الذّنوب جميعاً إنّه هو الغفور الرّحيم} (الزمر: 53)
أي: هذا باب في قوله تعالى: {قل يا عبادي الّذين أسرفوا} الآية ... اختلفوا في سبب نزول هذه الآية، فعن ابن عبّاس: نزلت في أهل مكّة، قالوا: يزعم محمّد أنه من قتل النّفس الّتي حرمها الله وعبد الأوثان لم يغفر له، فكيف نهاجر ونسلم وقد عبدنا مع الله آلهاً آخر وقتلنا النّفس الّتي حرمها الله؟ فأنزل الله هذه الآية، وعنه أنّها نزلت في وحشي قاتل حمزة، وعن قتادة: ناس أصابوا ذنوباً عظيمة في الجاهليّة، فلمّا جاء الإسلام اشفقوا أن لا يتاب عليهم فدعاهم الله تعالى بهذه الآية إلى الإسلام. وعن ابن عمر: نزلت في عيّاش بن أبي ربيعة والوليد بن الوليد ونفر من المسلمين كانوا قد أسلموا ثمّ فتنوا وعذبوا فافتتنوا فكنّا نقول: لا يقبل الله منهم صرفا ولا عدلا أبدا، قوم أسلموا ثمّ تركوا دينهم لعذاب عذبوا به، فنزلت.
- حدّثني إبراهيم بن موسى أخبرنا هشام بن يوسف أنّ ابن جريجٍ أخبرهم قال يعلى أنّ سعيد بن جبيرٍ أخبره عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما أنّ ناسا من أهل الشّرك كانوا قد قتلوا وأكثروا وزنوا وأكثروا فأتوا محمّداً صلى الله عليه وسلم فقالوا إنّ الّذي تقول وتدعو إليه لحسنٌ لو تخبرنا أنّ لما عملنا كفّارةً فنزل: {والّذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النّفس الّتي حرّم الله إلاّ بالحقّ ولا يزنون} (الفرقان: 68) . ونزل: {قل يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إنّ الله يغفر الذنوب جميعاً} .
مطابقته للتّرجمة ظاهرة. وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج.
والحديث أخرجه مسلم في الإيمان عن إبراهيم بن دينار وغيره، وأخرجه أبو داود في الفتن عن أحمد بن إبراهيم. وأخرجه النّسائيّ في المحاربة وفي التّفسير عن الحسن بن محمّد الزّعفراني.
قوله: (قال يعلى) ، أي قال: قال يعلى، سقط خطأ وثبت لفظا، ويعلى هو ابن مسلم بن هرمز روى عنه ابن جريج في: (الصّحيحين) : قال صاحب (التّوضيح) : يعلى هذا هو ابن حكيم كما ذكره أبو داود مصرحًا به في إسناده، وقال الكرماني: إعلم أن يعلى بن مسلم ويعلى بن حكيم كليهما يرويان عن سعيد بن جبير، وابن جريج يروي عنهما، ولأقدح في الإسناد بهذا الالتباس لأن كلاًّ منهم على شرط البخاريّ. قلت: أما صاحب (التّوضيح) : فإنّه نسب إلى أبي داود أنه صرح بأنّه يعلى بن حكيم وليس كما ذكره فإنّه لم يصرح به في إسناده بل ذكره البخاريّ من غير نسبة، وأما الكرماني فإنّه سلك طريق السّلامة ولم يجزم بأحد يعليين، ولا خلاف أنه يعلى بن مسلم ههنا، ويؤيّده أن الحافظ المزي ذكر في (الأطراف) : على رأس هذا الحديث أنه يعلى ابن مسلم، كما وقع به مصرحًا عند مسلم. قوله: (إن ناسا من أهل الشّرك) أخرج الطّبرانيّ من وجه آخر عن ابن عبّاس أن السّائل عن ذلك هو وحشي بن حرب. قوله: (أن لما) ، أي: الّذي (عملناه كفّارة) نصب على إنّه اسم: إن تقدم عليه الخبر). [عمدة القاري: 19/143]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب قوله: {يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه إنّ اللّه يغفر الذّنوب جميعًا إنّه هو الغفور الرّحيم}
هذا (باب) بالتنوين (قوله: {قل يا عبادي الذين أسرفوا}) في المعاصي ({على أنفسهم لا تقنطوا}) لا تيأسوا ({من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا}) الكبائر وغيرها الصادرة عن المؤمنين ({إنه هو الغفور}) لمن تاب ({الرحيم}) [الزمر: 53] بعد التوبة لمن أناب، لكن قال القاضي ناصر الدين تقييده بالتوبة خلاف الظاهر وإضافة العباد تخصصه بالمؤمنين كما هو عرف القرآن، وفي الآية من أنواع المعاني والبيان إقباله عليهم ونداؤهم وإضافتهم إليه إضافة تشريف والالتفات من التكلم إلى الغيبة في قوله من رحمة الله وإضافة الرحمة لأجل أسمائه الحسنى وإعادة الظاهر بلفظه في قوله إن الله وإبراز الجملة من قوله: {إنه هو الغفور الرحيم} مؤكدة بأن إعادة الصفتين السابقتين والذين أسرفوا عامّ في جميع المسرفين ويغفر الذنوب جميعًا شامل لكبائرها وصغائرها فتغفر مع التوبة أو بدونها خلافًا للمعتزلة حيث ذهبوا إلى أنه يعفو عن الصغائر قبل التوبة وعن الكبائر بعدها، وجمهور أصحابنا أنه يعفو عن بعض الكبائر مطلقًا ويعذب ببعضها إلا أنه لا علم لنا الآن بشيء من هذين البعضين بعينه. وقال كثير منهم لا نقطع بعفوه عن الكبائر بلا توبة بل نجوّزه واحتج الجمهور بوجهين الأول أن العفو لا يعذب على الذنب مع استحقاق العذاب ولا تقول المعتزلة بذلك الاستحقاق في غير صورة النزاع إذ لا استحقاق بالصغائر أصلًا بالكبائر بعد التوبة فلم يبق إلا الكبائر قبلها فهو يعفو عنها كما ذهبنا إليه الثاني الآيات الدالّة على العفو عن الكبيرة قبل التوبة نحو قوله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء: 48] فإن ما عدا الشرك داخل فيه ولا يمكن التقييد بالتوبة لأن الكفر معفوّ معها فيلزم تساوي ما نفي عنه الغفران وما أثبت له وذلك مما لا يليق بكلام عاقل فضلًا عن كلام الله تعالى وقوله: {إن الله يغفر الذنوب جميعًا} [الزمر: 53] عامّ للكل فلا يخرج عنه إلا ما أجمع عليه وسقط قوله: {إن الله يغفر الذنوب جميعًا} الخ لأبي ذر ولفظ باب لغيره.
- حدّثني إبراهيم بن موسى أخبرنا هشام بن يوسف أنّ ابن جريجٍ أخبرهم، قال: يعلى: إنّ سعيد بن جبيرٍ أخبره عن ابن عبّاسٍ -رضي الله عنهما-، أنّ ناسًا من أهل الشّرك كانوا قد قتلوا وأكثروا، وزنوا وأكثروا، فأتوا محمّدًا -صلّى اللّه عليه وسلّم- فقالوا: إنّ الّذي تقول وتدعو إليه لحسنٌ، لو تخبرنا أنّ لما عملنا كفّارةً. فنزل {والّذين لا يدعون مع اللّه إلهًا آخر ولا يقتلون النّفس الّتي حرّم اللّه إلاّ بالحقّ ولا يزنون} [الفرقان: 86]. ونزل {قل يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه} [الزمر: 53].
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (إبراهيم بن موسى) الفراء الرازي الصغير قال: (أخبرنا هشام بن يوسف) الصنعاني (أن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (أخبرهم) قال: (قال يعلى) هو ابن مسلم بن هرمز كما في مسلم (أن سعيد بن جبير أخبره عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن ناسًا من أهل الشرك) سمى الواقدي منهم وحشي بن حرب قاتل حمزة وكذا هو عند الطبراني عن ابن عباس من وجه آخر (كانوا قد قتلوا وأكثروا) من القتل (وزنوا وأكثروا) من الزنا (فأتوا محمدًا -صلّى اللّه عليه وسلّم- فقالوا إن الذي تقول وتدعو إليه) من الإسلام (لحسن) وفي نسخة به بدل إليه (لو تخبرنا إن لما) أي للذي (عملنا) من الكبائر (كفارة فنزل {والذين لا يدعون مع الله إلهًا آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله}) أي حرّم قتلها ({إلا بالحق ولا يزنون}) [الفرقان: 68] قال في الأنوار نفى عنهم أمهات المعاصي بعد ما أثبت لهم أصول الطاعات إظهار الكمال إيمانهم وإشعارًا بأن الأجر المذكور موعود للجامع بين ذلك وتعريضًا للكفرة بأضداده (ونزل) ولأبي ذر: ونزلت بتاء التأنيث ({قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله}).
وعند الإمام أحمد من حديث ثوبان مرفوعًا: ما أحب أن لي الدنيا وما فيها بهذه الآية {يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم} إلى آخرها فقال رجل: يا رسول الله فمن أشرك: فسكت النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- ثم قال: "إلا ومن أشرك" ثلاث مرات. وعنده أيضًا عن أسماء بنت يزيد قالت سمعته -صلّى اللّه عليه وسلّم- يقول: {يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا} ولا يبالي. قال الحسن البصري: انظروا إلى هذا الكرم والجود قتلوا أولياءه وهو يدعوهم إلى التوبة والمغفرة، ولما أسلم وحشي بن حرب فقال الناس: يا رسول الله إنّا أصبنا ما أصاب وحشي فقال هي للمسلمين عامة. وقال ابن عباس: قد دعا الله سبحانه وتعالى إلى توبته من قال: {أنا ربكم الأعلى} [النازعات: 24]، وقال ما علمت لكم من إله غيري فمن آيس العباد من التوبة بعد هذا فقد جحد كتاب الله، ولكن إذا تاب الله على العبد تاب). [إرشاد الساري: 7/319-320]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا عبد بن حميدٍ، قال: حدّثنا حبّان بن هلالٍ، وسليمان بن حربٍ، وحجّاج بن منهالٍ، قالوا: حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن ثابتٍ، عن شهر بن حوشبٍ، عن أسماء بنت يزيد، قالت: سمعت رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم يقرأ {يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إنّ اللّه يغفر الذّنوب جميعًا} ولا يبالي.
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ، لا نعرفه إلاّ من حديث ثابتٍ عن شهر بن حوشبٍ، وشهر بن حوشبٍ يروي عن أمّ سلمة الأنصاريّة، وأمّ سلمة الأنصاريّة هي أسماء بنت يزيد). [سنن الترمذي: 5/223]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم}
- أخبرنا الحسن بن محمّدٍ، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: أخبرني يعلى، عن سعيدٍ، عن ابن عبّاسٍ " أنّ ناسًا من أهل الشّرك قد فتكوا فأكثروا، ثمّ أتوا محمّدًا صلّى الله عليه وسلّم، فقالوا: إنّ الّذي تقول وتدعو إليه لحسنٌ، لو تخبرنا أنّ لما عملنا كفّارةً، فنزلت {والّذين لا يدعون مع الله إلهًا آخر ولا يقتلون} [الفرقان: 68]، ونزلت {يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم} [الزمر: 53]). [السنن الكبرى للنسائي: 10/239]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه إنّ اللّه يغفر الذّنوب جميعًا إنّه هو الغفور الرّحيم}.
اختلف أهل التّأويل في الّذين عنوا بهذه الآية، فقال بعضهم: عني بها قومٌ من أهل الشّرك، قالوا لمّا دعوا إلى الإيمان باللّه: كيف نؤمن وقد أشركنا وزنينا، وقتلنا النّفس الّتي حرّم اللّه، واللّه يعد فاعل ذلك النّار، فما ينفعنا مع ما قد سلف منّا الإيمان، فنزلت هذه الآية.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {قل يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه} وذلك أنّ أهل مكّة قالوا: يزعم محمّدٌ أنّه من عبد الأوثان، ودعا مع اللّه إلهًا آخر، وقتل النّفس الّتي حرّم اللّه لم يغفر له، فكيف نهاجر ونسلّم، وقد عبدنا الآلهة، وقتلنا النّفس الّتي حرّم اللّه ونحن أهل الشّرك؟ فأنزل اللّه: {يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه} يقول: لا تيأسوا من رحمتي، {إنّ اللّه يغفر الذّنوب جميعًا}، وقال: {وأنيبوا إلى ربّكم وأسلموا له} وإنّما يعاتب اللّه أولي الألباب وإنّما الحلال والحرام لأهل الإيمان، فإيّاهم عاتب، وإيّاهم أمر إن أسرف أحدهم على نفسه، أن لا يقنط من رحمة اللّه، وأن ينيب ولا يبطئ بالتّوبة من ذلك الإسراف، والذّنب الّذي عمل؛ وقد ذكر اللّه في سورة آل عمران المؤمنين حين سألوا اللّه المغفرة، فقالوا: {ربّنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبّت أقدامنا} فينبغي أن يعلم أنّهم قد كانوا يصيبون الإسراف، فأمرهم بالتّوبة من إسرافهم.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {الّذين أسرفوا على أنفسهم} قال: قتل النّفس في الجاهليّة.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثني ابن إسحاق، عن بعض أصحابه، عن عطاء بن يسارٍ، قال: نزلت هذه الآيات الثّلاث بالمدينة في وحشيّ وأصحابه {يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم} إلى قوله: {من قبل أن يأتيكم العذاب بغتةً وأنتم لا تشعرون}.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني أبو صخرٍ، قال: قال زيد بن أسلم، في قوله: {يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه} قال: إنّما هي للمشركين.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم} حتّى بلغ {الذّنوب جميعًا} قال: ذكر لنا أنّ أناسًا أصابوا ذنوبًا عظامًا في الجاهليّة، فلمّا جاء الإسلام أشفقوا أن لا يتاب عليهم، فدعاهم اللّه بهذه الآية: {يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم} الآية.
- حدّثنا محمّدٌ، قال: حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، في قوله: {يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم} قال: هؤلاء المشركون من أهل مكّة، قالوا: كيف نجيبك وأنت تزعم أنّه من زنى، أو قتل، أو أشرك بالرّحمن كان هالكًا من أهل النّار؟ فكلّ هذه الأعمال قد عملناها؛ فأنزلت فيهم هذه الآية: {يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم}.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه} الآية، قال: كان قومٌ مسخوطون في أهل الجاهليّة، فلمّا بعث اللّه نبيّه قالوا: لو أتينا محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم فآمنّا به واتّبعناه؛ فقال بعضهم لبعضٍ: كيف يقبلكم اللّه ورسوله في دينه؟ فقالوا: ألا نبعث إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رجلاً؟ فلمّا بعثوا، نزل القرآن: {قل يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه} فقرأ حتّى بلغ: {فأكون من المحسنين}.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن الشّعبيّ، قال: تجالس شتير بن شكلٍ ومسروقٌ فقال شتيرٌ: إمّا أن تحدّث ما سمعت من ابن مسعودٍ فأصدّقك، وإمّا أن أحدّث فتصدّقني فقال مسروقٌ: لا بل حدّث فأصدّقك، فقال: سمعت ابن مسعودٍ يقول: إنّ أكبر آيةٍ فرحًا في القرآن: {يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه} فقال مسروقٌ: صدقت.
وقال آخرون: بل عني بذلك أهل الإسلام، وقالوا: تأويل الكلام: إنّ اللّه يغفر الذّنوب جميعًا لمن يشاء، قالوا: وهي كذلك في مصحف عبد اللّه، وقالوا: إنّما نزلت هذه الآية في قومٍ صدّهم المشركون عن الهجرة وفتنوهم، فأشفقوا أن لا يكون لهم توبةٌ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا إبراهيم بن سعيدٍ الجوهريّ، قال: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ الأمويّ، عن ابن إسحاق، عن نافعٍ، عن ابن عمر، قال: قال يعني عمر: كنّا نقول: ما لمن افتتن من توبةٍ؛ وكانوا يقولون: ما اللّه بقابلٍ منّا شيئًا، تركنا الإسلام ببلاءٍ أصابنا بعد معرفته، فلمّا قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المدينة أنزل اللّه فيهم: {يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه} الآية، قال عمر: فكتبتها بيدي، ثمّ بعثت بها إلى هشام بن العاص، قال هشامٌ: فلمّا جاءتني جعلت أقرؤها ولا أفهمها، فوقع في نفسي أنّها أنزلت فينا لما كنّا نقول، فجلست على بعيري، ثمّ لحقت بالمدينة.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثني محمّد بن إسحاق، عن نافعٍ، عن ابن عمر، قال: إنّما أنزلت هذه الآيات في عيّاش بن أبي ربيعة، والوليد بن الوليد، ونفرٍ من المسلمين، كانوا أسلموا ثمّ فتنوا وعذّبوا، فافتتنوا؛ كنّا نقول: لا يقبل اللّه من هؤلاء صرفًا ولا عدلاً أبدًا؛ قومٌ أسلموا ثمّ تركوا دينهم بعذابٍ عذّبوه، فنزلت هؤلاء الآيات، وكان عمر بن الخطّاب كاتبًا؛ قال: فكتبها بيده ثمّ بعث بها إلى عيّاش بن أبي ربيعة، والوليد بن الوليد، إلى أولئك النّفر، فأسلموا وهاجروا.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: حدّثنا يونس، عن ابن سيرين، قال: قال عليٌّ رضي اللّه عنه: أيّ آيةٍ في القرآن أوسع؟ فجعلوا يذكرون آياتٍ من القرآن: {ومن يعمل سوءًا أو يظلم نفسه ثمّ يستغفر اللّه يجد اللّه غفورًا رحيمًا} ونحوها، فقال عليٌّ: ما في القرآن آيةٌ أوسع من: {يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم} إلى آخر الآية.
- حدّثنا أبو السّائب، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي سعدٍ الأزديّ، عن أبي الكنود، قال: دخل عبد اللّه المسجد، فإذا قاصٍّ يذكر النّار والأغلال، قال: فجاء حتّى قام على رأسه، فقال: يا مذكّر أتقنّط النّاس؟ {يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم} الآية.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني أبو صخرٍ، عن القرظيّ، أنّه قال في هذه الآية: {يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه} قال: هي للنّاس أجمعين.
- حدّثني زكريّا بن يحيى بن أبي زائدة، قال: حدّثنا حجّاجٌ، قال: حدّثنا ابن لهيعة، عن أبي قبيل، قال: سمعت أبا عبد الرّحمن المزنيّ، يقول: حدّثني أبو عبد الرّحمن الجبلانيّ، أنّه سمع ثوبان، مولى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: ما أحبّ أنّ لي الدّنيا وما فيها بهذه الآية: {يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه} الآية، فقال رجلٌ: يا رسول اللّه، ومن أشرك؟ فسكت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، ثمّ قال: ألا ومن أشرك، ألا ومن أشرك ثلاث مرّاتٍ.
وقال آخرون: نزل ذلك في قومٍ كانوا يرون أهل الكبائر من أهل النّار، فأعلمهم اللّه بذلك أنّه يغفر الذّنوب جميعًا لمن يشاء.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني ابن البرقيّ، قال: حدّثنا عمرو بن أبي سلمة، قال: حدّثنا أبو معاذٍ الخراسانيّ، عن مقاتل بن حيّان، عن نافعٍ، عن ابن عمر، قال: كنّا معشر أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نرى أو نقول: إنّه ليس شيءٌ من حسناتنا إلاّ وهي مقبولةٌ، حتّى نزلت هذه الآية {أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول ولا تبطلوا أعمالكم} فلمّا نزلت هذه الآية قلنا: ما هذا الّذي يبطل أعمالنا؟ فقلنا: الكبائر والفواحش، قال: فكنّا إذا رأينا من أصاب شيئًا منها قلنا: قد هلك، حتّى نزلت هذه الآية {إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} فلمّا نزلت هذه الآية كففنا عن القول في مثل ذلك، فكنّا إذا رأينا أحدًا أصاب منها شيئًا خفنا عليه، إن لم يصب منها شيئًا رجونا له.
وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب قول من قال: عنى تعالى ذكره بذلك جميع من أسرف على نفسه من أهل الإيمان والشّرك، لأنّ اللّه عمّ بقوله {يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم} جميع المسرفين، فلم يخصّص به مسرفًا دون مسرفٍ.
فإن قال قائلٌ: فيغفر اللّه الشّرك؟
قيل: نعم إذا تاب منه المشرك وإنّما عنى بقوله: (إنّ اللّه يغفر الذّنوب جميعًا لمن يشاء)، كما قد ذكرنا قبل أنّ ابن مسعودٍ كان يقرؤه: وأنّ اللّه قد استثنى منه الشّرك إذا لم يتب منه صاحبه، فقال: {إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}، فأخبر أنّه لا يغفر الشّرك إلاّ بعد توبةٍ بقوله: {إلاّ من تاب وآمن وعمل صالحًا} فأمّا ما عداه فإنّ صاحبه في مشيئة ربّه، إن شاء تفضّل عليه، فعفا له عنه، وإن شاء عدل عليه فجازاه به.
- وأمّا قوله: {لا تقنطوا من رحمة اللّه} فإنّه يعني: لا تيأسوا من رحمة اللّه كذلك: حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ.
وقد ذكرنا ما في ذلك من الرّوايات قبل فيما مضى وبيّنا معناه.
وقوله: {إنّ اللّه يغفر الذّنوب جميعًا} يقول: إنّ اللّه يستر على الذّنوب كلّها بعفوه عن أهلها وتركه عقوبتهم عليها إذا تابوا منها {إنّه هو الغفور الرّحيم} بهم، أن يعاقبهم عليها بعد توبتهم منها). [جامع البيان: 20/224-231]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله عز وجل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم يعني من قتل الأنفس في الجاهلية). [تفسير مجاهد: 559]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثني أبو إسحاق إبراهيم بن إسماعيل القارئ، ثنا عثمان بن سعيدٍ الدّارميّ، ثنا الحسن بن الرّبيع، ثنا عبد اللّه بن إدريس، حدّثني محمّد بن إسحاق، قال: وأخبرني نافعٌ، عن عبد اللّه بن عمر، عن عمر، قال: كنّا نقول ما لمفتتنٍ توبةٌ، وما اللّه بقابلٍ منه شيئًا، فلمّا قدم رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم المدينة أنزل فيهم {يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه إنّ اللّه يغفر الذّنوب جميعًا إنّه هو الغفور الرّحيم} [الزمر: 53] ، والآيات الّتي بعدها، قال عمر: فكتبتها فجلست على بعيري، ثمّ طفت المدينة، ثمّ «أقام رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم بمكّة ينتظر أن يأذن اللّه له في الهجرة وأصحابه من المهاجرين» ، وقد أقام أبو بكرٍ رضي اللّه عنه، ينتظر أن يؤذن لرسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فيخرج معه «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط مسلمٍ ولم يخرّجاه»). [المستدرك: 2/472]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (س) (ابن عباس - رضي الله عنهما -): قال: إنّ قوماً قتلوا فأكثروا، وزنوا فأكثروا وانتهكوا، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا محمد، إنّ الذي تقول وتدعو إليه لحسنٌ، لو تخبرنا أنّ لما عملنا كفّارة؟ فنزلت: {والذين لا يدعون مع اللّه إلهاً آخر - إلى قوله - فأولئك يبدّل اللّه سيّئاتهم حسناتٍ} [الفرقان: 68-70] قال: يبدّل الله شركهم إيماناً، وزناهم إحصاناً، ونزلت {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه} [الزمر: 53] أخرجه النسائي.
[شرح الغريب]
(انتهكوا) يقال: انتهكت محارم الشرع: إذا فعلت ما حرمه عليك ولم تلزم أوامره.
(كفارة) الكفارة: التي تجب على الحالف إذا حنث، ونحو ذلك من الأحكام الشرعية، التي أوجب فيها الشرع كفارة، كالصوم والظهار، وسميت كفارة، لأنها تغطي الذنب وتمحوه.
(تقنطوا) القنوط: اليأس من الشيء). [جامع الأصول: 2/336-337]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت) (أسماء بنت يزيد - رضي الله عنها -): قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ: {يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه إن اللّه يغفر الذّنوب جميعاً} ولا يبالي. أخرجه الترمذي). [جامع الأصول: 2/337-338]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {قل ياعبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه} [الزمر: 53].
- عن ثوبان مولى رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - قال: سمعت رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - يقول: " «ما أحبّ أنّ لي الدّنيا وما فيها بهذه الآية {يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه إنّ اللّه يغفر الذّنوب جميعًا إنّه هو الغفور الرّحيم} [الزمر: 53]، فقال رجلٌ: ومن أشرك؟ فقال رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم -: " إلّا من أشرك» ".
رواه الطّبرانيّ في الأوسط وأحمد بنحوه وقال: " «إلّا من أشرك» ثلاث مرّاتٍ، وفيه ابن لهيعة وفيه ضعفٌ وحديثه حسنٌ.
- وعن ابن عبّاسٍ قال: «بعث رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - إلى وحشيّ بن حربٍ قاتل حمزة يدعوه إلى الإسلام، فأرسل إليه: يا محمّد كيف تدعوني وأنت تزعم أنّ من قتل أو أشرك أو زنى (يلق أثامًا يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانًا) وأنا صنعت ذلك فهل تجد لي من رخصةٍ؟ فأنزل اللّه - عزّ وجلّ - {إلّا من تاب وآمن وعمل صالحًا فأولئك يبدّل اللّه سيّئاتهم حسناتٍ وكان اللّه غفورًا رحيمًا} [الفرقان: 70] فقال وحشيٌّ: يا محمّد هذا شرطٌ شديدٌ إلّا من تاب وآمن وعمل عملًا صالحًا فلعلّي لا أقدر على هذا، فأنزل اللّه - عزّ وجلّ - {إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء: 48] فقال وحشيٌّ: يا محمّد، هذا أرى بعد مشيئةٍ فلا أدري يغفر لي أم لا؟ فهل غير هذا؟ فأنزل اللّه - عزّ وجلّ - {يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه إنّ اللّه يغفر الذّنوب جميعًا إنّه هو الغفور الرّحيم} [الزمر: 53] قال وحشيٌّ: هذا نعم، فأسلم، فقال النّاس: يا رسول اللّه، إنّا أصبنا ما أصاب وحشيٌّ؟ قال: " هي للمسلمين عامّةً» ".
رواه الطّبرانيّ في الأوسط، وفيه أبين بن سفيان ضعّفه الذّهبيّ.
- وعن ابن عمر قال: كنّا نقول ما لمن افتتن توبةٌ إذا ترك دينه بعد إسلامه ومعرفته، فأنزل اللّه فيهم {يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه} [الزمر: 53]، فذكر الحديث. وقد تقّدم بطوله في المغازي والهجرة، وفيه ابن إسحاق وهو ثقةٌ ولكنّه مدلّسٌ. قلت: وحديث ابن مسعودٍ في سورة الطّلاق). [مجمع الزوائد: 7/100-101]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 53.
أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم} في مشركي أهل مكة). [الدر المنثور: 12/671]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر والطبراني والحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عمر رضي الله عنهما فكتبتها بيدي ثم بعثت إلى هشام بن العاصي). [الدر المنثور: 12/671]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطبراني، وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان بسند لين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وحشي بن حرب قاتل حمزة يدعوه إلى الإسلام فأرسل إليه: يا محمد كيف تدعوني وأنت تزعم أن من قتل أو أشرك أو زنى (يلق أثاما) (يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا) (الفرقان 69) وأنا صنعت ذلك فهل تجد لي من رخصة فأنزل الله (إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئآتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما) (الفرقان 70) فقال وحشي: هذا شرط شديد (إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا) (الفرقان 70) فلعلي لا أقدر على هذا، فأنزل الله (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) (النساء 48) فقال وحشي: هذا أرى بعد مشيئة فلا يدري يغفر لي أم لا فهل غير هذا فأنزل الله {يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم} الآية قال وحشي: هذا فهم، فأسلم فقال الناس: يا رسول الله: إنا أصبنا ما أصاب وحشي قال: بلى للمسلمين عامة). [الدر المنثور: 12/672]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن أبي سعيد قال: لما أسلم وحشي أنزل الله (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق) (الفرقان 68) قال وحشي وأصحابه: فنحن قد إرتكبنا هذا كله، فأنزل الله {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم} الآية). [الدر المنثور: 12/672]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج محمد بن نصر في كتاب الصلاة عن وحشي قال: لما كان في أمر حمزة ما كان ألقى الله خوف محمد صلى الله عليه وسلم في قلبي خرجت هاربا أكمن النهار وأسير الليل حتى صرت إلى أقاويل حمير فنزلت فيهم فأقمت حتى أتاني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوني إلى الإسلام قلت: وما الإسلام قال: تؤمن بالله ورسوله وتترك الشرك بالله وقتل النفس التي حرم الله وشرب الخمر والزنا والفواحش كلها وتستحم من الجنابة وتصلي الخمس، قال: إن الله قد أنزل هذه الآية {يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم} فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فصافحني وكناني بأبي حرب). [الدر المنثور: 12/673]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البخاري في الأدب المفرد عن أبي هريرة قال: خرج النّبيّ صلى الله عليه وسلم على رهط من أصحابه يضحكون فقال: والذي نفسي بيده لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، ثم انصرف وبكى القوم فأوحى الله إليه: يا محمد لم تقنط عبادي فرجع النّبيّ صلى الله عليه وسلم وقال: أبشروا وقربوا وسددوا). [الدر المنثور: 12/673]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه والبيهقي في "سننه" عن عمر بن الخطاب قال: اتفقت أنا وعياش بن أبي ربيعة وهشام بن العاصي بن وائل أن نهاجر إلى المدينة، فخرجت أنا وعياش بن أبي ربيعة وهشام بن العاصي بن وائل أن نهاجر إلى المدينة، فخرجت أنا وعياش وفتن هشام فافتتن فقدم على عياش أخوه أبو جهل والحارث بن هشام فقالا: إن أمك قد نذرت أن لا يظلها ظل ولا يمس رأسها غسل حتى تراك، فقلت: والله إن يريداك إلا أن يفتناك عن دينك وخرجا به، وفتنوه فافتتن قال: فنزلت {يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله} قال: عمر رضي الله عنه: فكتبت إلى هشام فقدم). [الدر المنثور: 12/673-674]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله {يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله} وذلك أن أهل مكة قالوا: يزعم محمد أن من عبد الأوثان ودعا مع الله إلها آخر وقتل النفس التي حرم الله لم يغفر له فكيف نهاجر ونسلم وقد عبدنا الآلهة وقتلنا النفس ونحن أهل الشرك فأنزل الله {يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا} وقال (وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له) وإنما يعاتب الله أولي الألباب وإنما الحلال والحرام لأهل الإيمان فإياهم عاتب وإياهم أمر إذا أسرف أحدهم على نفسه أن لا يقنط من رحمة الله وأن يتوب ولا يضن بالتوبة على لك الإسراف والذنب الذي عمل وقد ذكر الله تعالى في سورة آل عمران المؤمنين حين سألوا المغفرة فقالوا: (ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا) (آل عمران 147) فينبغي أن يعلم أنهم كانوا يصيبون الأمرين فأمرهم بالتوبة). [الدر المنثور: 12/674-675]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن عطاء بن يسار قال: نزلت هذه الآيات الثلاث بالمدينة في وحشي وأصحابه {يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم} إلى قوله (وأنتم لا تشعرون) (النساء 110) ). [الدر المنثور: 12/675]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن عمر قال: نزلت هذه الآية في عياش بن أبي ربيعة والوليد بن الوليد ونفر من المسلمين كانوا أسلموا ثم فتنوا وعذبوا فافتتنوا فكنا نقول: لا يقبل الله من هؤلاء صرفا ولا عدلا أبدا، أقوام أسلموا ثم تركوا دينهم بعذاب عذبوه فنزلت هؤلاء الآيات وكان عمر بن الخطاب كاتبا فكتبها بيده ثم كتب بها إلى عياش والوليد وإلى أولئك النفر، فأسلموا وهاجروا). [الدر المنثور: 12/675]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن ثوبان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما أحب أن لي الدنيا وما فيها بهذه الآية {يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم} إلى آخر الآية، فقال رجل: يا رسول الله فمن أشرك فسكت النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: إلا ومن أشرك ثلاث مرات). [الدر المنثور: 12/675]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد، وعبد بن حميد وأبو داود والترمذي وحسنه، وابن المنذر، وابن الأنباري في المصاحف والحاكم، وابن مردويه عن أسماء بنت يزيد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ {يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا} ولا يبالي إنه هو الغفور الرحيم). [الدر المنثور: 12/676]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن أبي الدنيا في حسن الظن، وابن جرير، وابن أبي حاتم والطبراني والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود أنه مر على قاص يذكر الناس فقال: يا مذكر الناس لا تقنط الناس ثم قرأ {يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله} ). [الدر المنثور: 12/676]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن سيرين قال: قال علي أي آية أوسع فجعلوا يذكرون آيات من القرآن (من يعمل سوء أو يظلم نفسه) (النساء 110).
ونحوها، فقال علي رضي الله عنه: ما في القرآن أوسع آية من {يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم} ). [الدر المنثور: 12/676-677]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم}، قد دعا الله إلى مغفرته من زعم أن المسيح هو الله ومن زعم أن المسيح ابن الله ومن زعم أن عزيرا ابن الله ومن زعم أن الله فقير ومن زعم أن يد الله مغلولة ومن زعم أن الله ثالث ثلاثة، يقول الله تعالى لهؤلاء (أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم) (المائدة 74) ثم دعا إلى توبته من هو أعظم قولا من هؤلاء، من قال (أنا ربكم الأعلى) (النازعات 24) وقال (ما علمت لكم من إله غيري) (القصص 38) قال ابن عباس رضي الله عنهما: من آيس العباد من التوبة بعد هذا فقد جحد كتاب الله ولكن لا يقدر العبد أن يتوب حتى يتوب الله عليه). [الدر المنثور: 12/677]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عبيد بن عمير رضي الله عنه قال: إن إبليس قال: يا رب زدني قال: صدوركم مساكن لكم وتجرون منهم مجرى الدم قال: يا رب زدني، قال: (اجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا) (الإسراء 64) فقال آدم عليه السلام: يا رب قد سلطته علي وإني لا أمتنع منه إلا بك فقال: لا يولد لك ولد إلا وكلت به من يحفظه من قرناء السوء، قال: يا رب زدني، قال: الحسنة عشرا أو أزيد والسيئة واحدة أو أمحوها قال: يا رب زدني قال: باب التوبة مفتوح ما كان الروح في الجسد، قال: يا رب زدني قال {يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم} ). [الدر المنثور: 12/677-678]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد وأبو يعلى والضياء عن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: والذي نفسي بيده لو أخطأتم حتى تملأ خطاياكم ما بين السماء والأرض ثم استغفرتم لغفر لكم، والذي نفس محمد بيده لو لم تخطئوا لجاء الله بقوم يخطئون ثم يستغفرون فيغفر لهم). [الدر المنثور: 12/678]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لولا أنكم تذنبون لخلق الله خلقا يذنبون فيغفر لهم). [الدر المنثور: 12/678]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الخطيب عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أوحى الله إلى داود عليه السلام: يا داود إن العبد من عبيدي ليأتيني بالحسنة فأحكمه في، قال داود عليه السلام: وما تلك الحسنة قال: كربة فرجها عن مؤمن قال داود عليه السلام: اللهم حقيق على من عرفك حق معرفتك أن لا يقنط منك). [الدر المنثور: 12/678-679]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحكيم الترمذي، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال لي جبريل عليه السلام: يا محمد إن الله يخاطبني يوم القيامة فيقول: يا جبريل ما لي أرى فلان بن فلان في صفوف أهل النار فأقول: يا رب أنا لم نجد له حسنة يعود عليه خيرها اليوم، فيقول الله: إني سمعته في دار الدنيا يقول: يا حنان يا منان فأته فاسأله فيقول وهل من حنان ومنان غيري فآخذ بيده من صفوف أهل النار فأدخله في صفوف أهل الجنة). [الدر المنثور: 12/679]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن الضريس وأبو القسام بن بشير في أماليه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: إن الفقيه كل الفقيه من لم يقنط الناس من رحمة الله تعالى ولم يرخص لهم في معاصيه ولم يؤمنهم عذاب الله ولم يدع القرآن رغبة منه إلى غيره إنه لا خير في عبادة لا علم فيها ولا علم لا فهم فيه ولا قراءة لا تدبر فيها). [الدر المنثور: 12/679]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء بن يسار رضي الله عنه قال: إن للمتقنطين جسرا يطأ الناس يوم القيامة على أعناقهم). [الدر المنثور: 12/679-680]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ألم أحدث أنك تعظ الناس قال: بلى، قالت: فإياك وإهلاك الناس وتقنيطهم). [الدر المنثور: 12/680]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر عن زيد بن أسلم رضي الله عنه أن رجلا كان في الأمم الماضية يجتهد في العبادة ويشدد على نفسه ويقنط الناس من رحمة الله تعالى ثم مات فقال: أي رب ما لي عندك قال: النار قال: فأين عبادتي واجتهادي فقيل له كنت تقنط الناس من رحمتي وأنا أقنطك اليوم من رحمتي). [الدر المنثور: 12/680]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه قال: ذكر لنا أن ناسا أصابوا في الشرك عظاما فكانوا يخافون أن لا يغفر لهم فدعاهم الله لهذه الاية {يا عبادي الذين أسرفوا} ). [الدر المنثور: 12/680]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن أبي مجلز لاحق بن حميد السدوسي قال: لما أنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا} إلى آخر الآية قام نبي الله صلى الله عليه وسلم فخطب الناس وتلا عليهم، فقام رجل فقال: يا رسول الله والشرك بالله فسكت فأعاد ذلك ما شاء الله فأنزل الله (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) (النساء 48) ). [الدر المنثور: 12/680-681]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة رضي الله عنه {يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم} إلى قوله (وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له) (الزمر 54) قال عكرمة رضي الله عنه: قال ابن عباس رضي الله عنهما فيها علقة (وأنيبوا إلى ربكم) ). [الدر المنثور: 12/681]

تفسير قوله تعالى: (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وأنيبوا إلى ربّكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثمّ لا تنصرون (54) واتّبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربّكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتةً وأنتم لا تشعرون}.
يقول تعالى ذكره: وأقبلوا أيّها النّاس إلى ربّكم بالتّوبة، وارجعوا إليه بالطّاعة له، واستجيبوا له إلى ما دعاكم إليه من توحيده، وإفراد الألوهة له، وإخلاص العبادة له.
- كما حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وأنيبوا إلى ربّكم}: أي أقبلوا إلى ربّكم.
- حدّثنا محمّدٌ، قال: حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ {وأنيبوا} قال: أجيبوا.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وأنيبوا إلى ربّكم} قال: الإنابة: الرّجوع إلى الطّاعة، والنّزوع عمّا كانوا عليه، ألا تراه يقول: {منيبين إليه واتّقوه}.
وقوله: {وأسلموا له} يقول: واخضعوا له بالطّاعة والإقرار بالدّين الحنيفيّ {من قبل أن يأتيكم العذاب} من عنده على كفركم به {ثمّ لا تنصرون} يقول: ثمّ لا ينصركم ناصرٌ، فينقذكم من عذابه النّازل بكم). [جامع البيان: 20/231]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 54 - 59.
أخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه {وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له} قال: أقبلوا إلى ربكم). [الدر المنثور: 12/681]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن عبيد بن يعلى رضي الله عنه قال: الإنابة الدعاء). [الدر المنثور: 12/681]

تفسير قوله تعالى: (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {واتّبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربّكم} يقول تعالى ذكره: واتّبعوا أيّها النّاس ما أمركم به ربّكم في تنزيله، واجتنبوا ما نهاكم فيه عنه، وذلك هو أحسن ما أنزل إلينا من ربّنا.
فإن قال قائلٌ: ومن القرآن شيءٌ وهو أحسن من شيءٍ؟
قيل له: القرآن كلّه حسنٌ، وليس معنى ذلك ما توهّمت، وإنّما معناه: واتّبعوا ممّا أنزل إليكم ربّكم من الأمر والنّهي والخبر والمثل والقصص والجدل والوعد والوعيد أحسنه، أن تأتمروا لأمره، وتنتهوا عمّا نهى عنه، لأنّ النّهي ممّا أنزل في الكتاب، فلو عملوا بما نهوا عنه كانوا عاملين بأقبحه، فذلك وجهه.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّدٌ، قال: حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، {واتّبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربّكم} يقول: ما أمرتم به في الكتاب {من قبل أن يأتيكم العذاب}.
وقوله: {من قبل أن يأتيكم العذاب بغتةً} يقول: من قبل أن يأتيكم عذاب اللّه فجأةً {وأنتم لا تشعرون} يقول: وأنتم لا تعلمون به حتّى يغشاكم فجأةً). [جامع البيان: 20/232]

تفسير قوله تعالى: (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أن تقول نفسٌ يا حسرتا على ما فرّطت في جنب اللّه وإن كنت لمن السّاخرين (56) أو تقول لو أنّ اللّه هداني لكنت من المتّقين}.
يقول تعالى ذكره: وأنيبوا إلى ربّكم، وأسلموا له؛ {أن تقول نفسٌ} بمعنى لئلاّ تقول نفسٌ: {يا حسرتا على ما فرّطت في جنب اللّه}، وهو نظير قوله: {وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم} بمعنى: ألاّ تميد بكم، فـ(أن) - إذ كان ذلك معناه - في موضع نصبٍ.
وقوله {يا حسرتا} يعني أن تقول: يا ندما.
- كما حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثني أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، في قوله: {يا حسرتا} قال: النّدامة.
والألف في قوله: {يا حسرتا} هي كناية المتكلّم، وإنّما أريد: يا حسرتي؛ ولكنّ العرب تحوّل الياء في كناية اسم المتكلّم في الاستغاثة ألفًا، فتقول: يا ويلتا، ويا ندما، فيخرجون ذلك على لفظ الدّعاء، وربّما قيل: يا حسرت على العباد، كما قيل: يا لهف عليه، ويا لهفًا عليه، وذكر الفرّاء أنّ أبا ثروان أنشده:
تزورونها ولا أزور نساءكم = ألهف لأولاد الإماء الحواطب
خفضًا كما يخفض في النّداء إذا أضافه المتكلّم إلى نفسه، وربّما أدخلوا الهاء بعد هذه الألف، فيخفضونها أحيانًا، ويرفعونها أحيانًا؛ وذكر الفرّاء أنّ بعض بني أسدٍ أنشد:
يا ربّ يا ربّاه إيّاك أسل = عفراء يا ربّاه من قبل الأجل
خفضًا، قال: والخفض أكثر في كلامهم، إلاّ في قولهم: يا هناه، ويا هنتاه، فإنّ الرّفع فيها أكثر من الخفض؛ لأنّه كثيرٌ في الكلام، حتّى صار كأنّه حرفٌ واحدٌ.
وقوله: {على ما فرّطت في جنب اللّه} يقول على ما ضيّعت من العمل بما أمرني اللّه به، وقصرت في الدّنيا في طاعة اللّه.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عنبسة، عن محمّد بن عبد الرّحمن، عن القاسم بن أبي بزّة، عن مجاهدٍ، في قوله {يا حسرتا على ما فرّطت في جنب اللّه} يقول: في أمر اللّه.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى؛ وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {على ما فرّطت في جنب اللّه} قال: في أمر اللّه.
- حدّثنا محمّدٌ، قال: حدّثنا أحمد، قال حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، في قوله: {على ما فرّطت في جنب اللّه} قال: تركت من أمر اللّه.
وقوله: {وإن كنت لمن السّاخرين} يقول: وإن كنت لمن المستهزئين بأمر اللّه وكتابه ورسوله والمؤمنين به.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، في قوله: {أن تقول نفسٌ يا حسرتا على ما فرّطت في جنب اللّه وإن كنت لمن السّاخرين} قال: فلم يكفه أن ضيّع طاعة اللّه حتّى جعل يسخر بأهل طاعة اللّه، قال: هذا قول صنفٍ منهم.
- حدّثنا محمّدٌ، قال: حدّثنا أحمد، قال حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، {وإن كنت لمن السّاخرين} يقول: من المستهزئين بالنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وبالكتاب، وبما جاء به). [جامع البيان: 20/232-235]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله يعني على ما ضيعت من أمر الله). [تفسير مجاهد: 559]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو الفضل محمّد بن إبراهيم المزكّي، ثنا محمّد بن عمرٍو الجرشيّ، ثنا أحمد بن عبد اللّه بن يونس، ثنا أبو بكر بن عيّاشٍ، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: " كلّ أهل النّار يرى مقعده من الجنّة فيقول: لو أنّ اللّه هداني فتكون عليه حسرةٌ، وكلّ أهل الجنّة يرى مقعده من النّار فيقول: لولا أنّ اللّه هداني فيكون له شكرٌ، ثمّ تلا رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم {أن تقول نفسٌ يا حسرتا على ما فرّطت في جنب اللّه} «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين ولم يخرّجاه»). [المستدرك: 2/473]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله {أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت} الآيات، قال أخبر الله سبحانه ما العباد قائلون قبل أن يقولوه وعملهم قبل أن يعلموه (ولا ينبئك مثل خبير) (فاطر 14) {أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين} يقول المحلوقين {أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين} يقول: من المهتدين، فأخبر الله سبحانه وتعالى: أنهم لو ردوا لم يقدروا على الهدى قال الله تعالى (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون) (الأنعام 38) وقال (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة) (الأنعام 110) قال: ولو ردوا إلى الدنيا لحيل بينهم الهدى كما حلنا بينهم وبينه أول مرة في الدنيا). [الدر المنثور: 12/681-682]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج آدم بن أبي إياس، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر والبيهقي في الأسماء والصفات عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {على ما فرطت في جنب الله} قال: في ذكر الله). [الدر المنثور: 12/682]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه {أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين} قال: فلم يكفه أن ضيع طاعة الله تعالى حتى جعل يسخر بأهل طاعة الله، قال: هذا قول صنف منهم {أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين} قال: هذا قول صنف منهم آخر {أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين} قال: لو رجعت إلى الدنيا قال: هذا قول صنف آخر، يقول الله ردا لقولهم وتكذيبا لهم {بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين} ). [الدر المنثور: 12/682-683]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد والنسائي والحاكم وصححه، وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل أهل النار يرى مقعده من الجنة فيقول {لو أن الله هداني} فيكون عليه حسرة وكل أهل الجنة يرى مقعده من النار فيحمد الله فيكون له شكرا ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم {أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله} ). [الدر المنثور: 12/683]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ما جلس قوم مجلسا لا يذكرون الله فيه إلا كان عليهم حسرة يوم القيامة وإن كانوا من أهل الجنة يرون ثواب كل مجلس ذكروا الله فيه ولا يرون ثواب ذلك المجلس فيكون عليهم حسرة). [الدر المنثور: 12/683]

تفسير قوله تعالى: (أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أو تقول لو أنّ اللّه هداني لكنت من المتّقين (57) أو تقول حين ترى العذاب لو أنّ لي كرّةً فأكون من المحسنين}.
يقول تعالى ذكره: وأنيبوا إلى ربّكم أيّها النّاس، وأسلموا له، أن لا تقول نفسٌ يوم القيامة: يا حسرتا على ما فرّطت في جنب اللّه، في أمر اللّه، وأن لا تقول نفسٌ لأخرى: لو أنّ اللّه هداني للحقّ، فوفّقني للرّشاد لكنت ممّن اتّقاه بطاعته واتّباع رضاه، أو أن لا تقول أخرى حين ترى عذاب اللّه فتعاينه {لو أنّ لي كرّةً} تقول لو أنّ لي رجعةً إلى الدّنيا {فأكون من المحسنين} الّذين أحسنوا في طاعة ربّهم، والعمل بما أمرتهم به الرّسل.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {يا حسرتا على ما فرّطت في جنب اللّه} الآية، قال: هذا قول صنفٍ منهم {أو تقول لو أنّ اللّه هداني} الآية، قال: هذا قول صنفٍ آخر: {أو تقول حين ترى العذاب} الآية، يعني بقوله {لو أنّ لي كرّةً} رجعةً إلى الدّنيا، قال: هذا صنفٌ آخر.
- حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {أن تقول نفسٌ يا حسرتا على ما فرّطت في جنب اللّه} قال: أخبر اللّه ما العباد قائلوه قبل أن يقولوه، وعملهم قبل أن يعملوه، قال: {ولا ينبئك مثل خبيرٍ} {أن تقول نفسٌ يا حسرتا على ما فرّطت في جنب اللّه}، {أو تقول لو أنّ اللّه هداني} إلى قوله: {فأكون من المحسنين} يقول: من المهتدين، فأخبر اللّه سبحانه أنّهم لو ردّوا لم يقدروا على الهدى، وقال {ولو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه وإنّهم لكاذبون} وقال: {ونقلّب أفئدتهم وأبصارهم} كما لم يؤمنوا به أوّل مرّةٍ، قال: ولو ردّوا إلى الدّنيا لحيل بينهم وبين الهدى، كما حلنا بينهم وبينه أوّل مرّةٍ وهم في الدّنيا). [جامع البيان: 20/235-236]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه {أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين} قال: فلم يكفه أن ضيع طاعة الله تعالى حتى جعل يسخر بأهل طاعة الله، قال: هذا قول صنف منهم {أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين} قال: هذا قول صنف منهم آخر {أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين} قال: لو رجعت إلى الدنيا قال: هذا قول صنف آخر، يقول الله ردا لقولهم وتكذيبا لهم {بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين} ). [الدر المنثور: 12/682-683] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد والنسائي والحاكم وصححه، وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل أهل النار يرى مقعده من الجنة فيقول {لو أن الله هداني} فيكون عليه حسرة وكل أهل الجنة يرى مقعده من النار فيحمد الله فيكون له شكرا ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم {أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله} ). [الدر المنثور: 12/683] (م)

تفسير قوله تعالى: (أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أو تقول لو أنّ اللّه هداني لكنت من المتّقين (57) أو تقول حين ترى العذاب لو أنّ لي كرّةً فأكون من المحسنين}.
...
وفي نصب قوله: {فأكون} وجهان؛ أحدهما: أن يكون نصبه على أنّه جواب {لو}، والثّاني: على الرّدّ على موضع الكرّة وتوجيه الكرّة في المعنى إلى: لو أنّ لي أن أكرّ، كما قال الشّاعر:
فما لك منها غير ذكرى وحسرةٍ = وتسأل عن ركبانها أين يمّموا
فنصب (تسأل) عطفًا بها على موضع الذّكرى، لأنّ معنى الكلام: فما لك بـ: (يرسل) على موضع (الوحي) في قوله: {إلاّ وحيًا} ). [جامع البيان: 20/237]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه {أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين} قال: فلم يكفه أن ضيع طاعة الله تعالى حتى جعل يسخر بأهل طاعة الله، قال: هذا قول صنف منهم {أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين} قال: هذا قول صنف منهم آخر {أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين} قال: لو رجعت إلى الدنيا قال: هذا قول صنف آخر، يقول الله ردا لقولهم وتكذيبا لهم {بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين} ). [الدر المنثور: 12/682-683] (م)

تفسير قوله تعالى: (بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آَيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (59) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين}.
يقول تعالى ذكره مكذّبًا القائل: {لو أنّ اللّه هداني لكنت من المتّقين}، وللقائل: {لو أنّ لي كرّةً فأكون من المحسنين}: ما القول كما تقولون {بلى قد جاءتك} أيّها المتمنّي على اللّه الرّدّ إلى الدّنيا لتكون فيها من المحسنين {آياتي} يقول: قد جاءتك حججي من بين رسولٍ أرسلته إليك، وكتابٍ أنزلته يتلى عليك ما فيه من الوعد والوعيد والتّذكير {فكذبت} بآياتي {واستكبرت} عن قبولها واتّباعها {وكنت من الكافرين} يقول: وكنت ممّن يعمل عمل الكافرين، ويستنّ بسنّتهم، ويتّبع منهاجهم.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: يقول اللّه ردًّا لقولهم، وتكذيبًا لهم، يعني لقول القائلين: {لو أنّ اللّه هداني}، والصنف الآخر: {بلى قد جاءتك آياتي} الآية.
وبفتح الكاف والتّاء من قوله {قد جاءتك آياتي فكذبت} على وجه المخاطبة للذّكور، قرأه القرّاء في جميع أمصار الإسلام وقد روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قرأ ذلك بكسر جميعه على وجه الخطاب للنّفس، كأنّه قال: أن تقول نفسٌ: يا حسرتا على ما فرّطت في جنب اللّه، بلى قد جاءتك أيّتها النّفس آياتي، فكذبت بها، أجرى الكلام كلّه على النّفس، إذ كان ابتداء الكلام بها جرى، والقراءة الّتي لا أستجيز خلافها، ما جاءت به قرّاء الأمصار مجمعةً عليه، نقلاً عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وهو الفتح في جميع ذلك). [جامع البيان: 20/237-238]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {بلى قد جاءتك آياتي} [الزمر: 59].
- «عن أبي بكرة قال: سمعت رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - يقرأ: {بلى قد جاءتك آياتي فكذّبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين} [الزمر: 59] على الجرّ».
رواه الطّبرانيّ، وفيه من لم أعرفه). [مجمع الزوائد: 7/101]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (وقال أبو يعلى الموصليّ: ثنا نصر بن عليٍّ، أخبرني عبد الله بن حفص الأرطباني، أبنا عاصم الجحدري، عن أبي بكرة- رضي اللّه عنه- قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: " (بلى قد جاءتك آياتي فكذّبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين) "). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/261-262]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه {أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين} قال: فلم يكفه أن ضيع طاعة الله تعالى حتى جعل يسخر بأهل طاعة الله، قال: هذا قول صنف منهم {أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين} قال: هذا قول صنف منهم آخر {أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين} قال: لو رجعت إلى الدنيا قال: هذا قول صنف آخر، يقول الله ردا لقولهم وتكذيبا لهم {بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين} ). [الدر المنثور: 12/682-683] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البخاري في تاريخه والطبراني، وابن مردويه عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: سمعت النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقرأ {بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين} ). [الدر المنثور: 12/683-684]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ بلى قد جاءتك آياتي بنصب الكاف فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين بنصب التاء فيهن كلهن وينجي الله الذين اتقوا بمفازاتهم على الجماع). [الدر المنثور: 12/684]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 16 جمادى الأولى 1434هـ/27-03-2013م, 10:35 AM
أم القاسم أم القاسم غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 1,449
افتراضي

التفسير اللغوي



تفسير قوله تعالى:{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) }
قالَ مُحمدُ بنُ الجَهْمِ السُّمَّرِيُّ (ت: 277هـ): (وقوله: {إنّ اللّه يغفر الذّنوب جميعاً...},
هي في قراءة عبد الله:
{الذنوب جميعاً لمن يشاء}.
قال الفراء: وحدثني أبو إسحاق التّيميّ , عن أبي روق, عن إبراهيم التيميّ , عن ابن عبّاس أنه قرأها كما هي في مصحف عبد الله :{يغفر الذنوب جميعاً لمن يشاء}, وإنما نزلت في وحشيّ قاتل حمزة , وذويه.) [معاني القرآن للفراء: 2/421]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ({قل يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه إنّ اللّه يغفر الذّنوب جميعا إنّه هو الغفور الرّحيم (53)}
ومعنى (لا تقنطوا) : لا تيأسوا، وجاء في التفسير : أن قوما من أهل مكة قالوا : إنّ محمدا يقول: إن من عبد الأوثان , واتخذ مع الله إلها , وقتل النفس، لا يغفر له، فأعلم اللّه أن من تاب , وآمن غفر اللّه له كل ذنب، فقال:
{لا تقنطوا من رحمة اللّه إنّ اللّه يغفر الذّنوب جميعا}). [معاني القرآن: 4/357]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله}
روى مجاهد , عن ابن عباس قال : (
نزلت في وحشي قاتل حمزة - على حمزة السلام - إلى تمام ثلاث آيات , وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يطيق أن ينظر إليه فظن أن الله جل وعز لم يقبل منه إسلامه , فنزلت هذه الآيات الثلاث) .
وروى إبراهيم التيمي , عن ابن عباس: أنه كان يقرأ :
{ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا لمن يشاء }, وقال: (نزلت في قاتل حمزة , وذويه) , كذا قال .
قال أبو جعفر : وكذلك يروى أنه في مصحف ابن مسعود , ومعنى :
لا تقنطوا: لا تيأسوا
قال قتادة :
وأنيبوا إلى ربكم : (أي: أقبلوا واعملوا له).) [معاني القرآن: 6/184-185]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({لَا تَقْنَطُوا}: لا تيأسوا). [العمدة في غريب القرآن: 262]

تفسير قوله تعالى:{وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقال:{وأنيبوا إلى ربّكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثمّ لا تنصرون (54)}
أي : توبوا، وقيل : إنها نزلت في قوم فتنوا، في دينهم، وعذبوا بمكة , فرجعوا عن الإسلام، فقيل : إن هؤلاء لا يغفر لهم بعد رجوعهم عن الإسلام , فأعلم اللّه : أنهم إن تابوا , وأسلموا , غفر لهم).
[معاني القرآن: 4/3587-358]

تفسير قوله تعالى: {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ({واتّبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربّكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون (55)}
يعني : القرآن , ودليله:
{اللّه نزل أحسن الحديث كتابا متشاببها}, وقوله: {من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون} : بغتة: فجأة). [معاني القرآن: 4/358]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة}
وكله حسن , ففي هذا أقوال:
أ- منها أن الله جل وعز قد أباح الانتصار بعد الظلم , والعفو، والعفو أحسن
ب-ومنها أن الله جل وعز قد أخبر عن قوم أنهم أطاعوا , وعن قوم أنهم عصوا , فأمر أن نتبع الطاعة.
ج-ومنها أنه الناسخ
د-ومنها أن يكون المعنى الحسن مما أنزل إليكم .
و«بغتة» : فجأة).
[معاني القرآن: 6/185-186]

تفسير قوله تعالى:{أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أن تقول نفسٌ يا حسرتا...}
أي : افعلوا , وأنيبوا , وافعلوا .
{أن تقول نفسٌ}: ألاّ يقول أحدكم غداً {يا حسرتا} , ومثله قوله: {وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم}: أي : لا تميد.
وقوله:
{يا حسرتا}: يا ويلتا مضاف إلى المتكلّم يحوّل العرب الياء إلا الألف في كلّ كلام , كان معناه: الاستغاثة، يخرج على لفظ الدعاء, وربّما قيل: يا حسرت , كما قالوا: يا لهف على فلانٍ، ويا لهفا عليه .
قال: أنشدني أبو ثروان العكليّ.
تزورونها أو لا أزور نساءكم = ألهف لأولاد الإماء الحواطب
فخفض كما يخفض المنادى إذا أضافه المتكلّم إلى نفسه, وربّما أدخلت العرب الهاء بعد الألف التي في
{حسرتا} , فيخفضونها مرة، , ويرفعونها, قال: أنشدني أبو فقعس، بعض بني أسد:
يا ربّ يا ربّاه إيّاك أسل = عفراء يا ربّاه من قبل الأجل
فخفض، قال: وأنشدني أبو فقعسٍ:
يا مرحباه بحمار ناهيه = إذا أتى قرّبته للسّانية
والخفض أكثر في كلام العرب، ألاّ في قولهم: يا هناه ويا هنتاه، فالرفع في هذا أكثر من الخفض؛ لأنه كثر في الكلام , فكأنه حرف واحدٌ مدعو.ّ).
[معاني القرآن: 2/421-422]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({في جنب اللّه}, وفي ذات الله واحد). [مجاز القرآن: 2/190]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرّطت في جنب اللّه وإن كنت لمن السّاخرين (56)}
أي : يا ندما، وحرف النداء يدل على تمكن القصة من صاحبها، إذا قال القائل: يا حسرتاه ويا ويلاه، فتأويله الحسرة والويل قد حلّ به , وأنهما لازمان له غير مفارقين, ويجوز :
يا حسرتي.
وزعم الفراء : أنه يجوز
يا حسرتاه على كذا وكذا بفتح الهاء, ويا حسرتاه - بالكسر والضم.
والنحويون أجمعون لا يجيزون أن تثبت هذه الهاء في الوصل , وزعم أنه أنشده من بني فقعس رجل من بني أسد:
يا ربّ يا ربّاه إيّاك أسل = عفراء يا ربّاه من قبل الأجل
وأنشده أيضا:
يا مرحباه بحمار ناهية=
والذي أعرف أن الكوفيين ينشدون:
يا مرحباه بجمار ناهية=
قال أبو إسحاق: ولا أدري لم استشهد بهذا، ولم يقرأ به قط، ولا ينفع في تفسير هذه الآية شيئا، وهو خطأ.
ومعنى:
{أن تقول نفس}: خوف أن تقول نفس , وكراهة أن تقول نفس, المعنى : اتبعوا أحسن ما أنزل خوفا أن تصيروا إلى حال يقال فيها هذا - القول، وهي حال الندامة , ومعنى : {على ما فرطت في جنب الله}: في أمر اللّه، أي فرطت في الطريق الذي هو طريق اللّه الذي دعاني إليه , وهو توحيده , والإقرار بنبوة رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم -.
{وإن كنت لمن السّاخرين}: أي: وما كنت إلا من المستهزئين). [معاني القرآن: 4/359]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله}
المعنى: افعلوا هذا خوف أن تقول نفس , وكراهة أن تقول نفس : يا حسرتا.
والحسرة : الندامة , أي: يلحق الإنسان ما يصير معه حسيرا , أي: معيبا , وحرف النداء يدل على أنه شيء لازم , أي: يا حسرة هذا وقتك , وهذا مذهب سيبويه .
قال مجاهد :
في جنب الله , (أي: في أمر الله) .
قال أبو جعفر : المعنى : في جنب أمر الله على التمثيل , أي : على الطريق الذي يؤدي إلى الحق , وهو الإيمان).
[معاني القرآن: 6/186-187]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {في جنب الله}: أي: في قرب الله - عز وجل - من الجنة). [ياقوتة الصراط: 447]

تفسير قوله تعالى: {أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {أو تقول لو أنّ اللّه هداني لكنت من المتّقين (57) أو تقول حين ترى العذاب لو أنّ لي كرّة فأكون من المحسنين (58)}
أي: وكراهة أن تقول هذا القول الذي يؤدي إلى مثل هذه الحال التي الإنسان فيها في الدنيا، لأن اللّه قد بين طرق الهدى، والحي في نيّته بمنزلة من قد بعث، لأن اللّه خلقه من نطفة وبلغه إلى أن ميّز، فالحجة عليه.
وقوله :
(بلى) جواب النفي , وليس في الكلام لفظ النفي.
ومعنى
{لو أنّ اللّه هداني} و {لو أنّ لي كرّة}, كأنّه قيل: ما هديت، فقيل:
{بلى قد جاءتك آياتي فكذّبت بها واستكبرت}
وقال اللّه تعالى:
{ولو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه وإنّهم لكاذبون }: أي: حيث قالوا: (يا ليتنا نردّ) - الآية). [معاني القرآن: 4/359-360] (م)

تفسير قوله تعالى: {أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {لو أنّ لي كرّةً فأكون من المحسنين...}
النصب في قوله:
{فأكون} جواب للو, وإن شئت جعلته مردوداً على تأويل أن, تضمرها في الكرّة، كما تقول: لو أنّ لي أن أكرّ فأكون, ومثله مّما نصب على ضمير أن قوله: {وما كان لبشرٍ أن يكلّمه الله إلاّ وحياً أو من وراء حجابٍ أو يرسل} , المعنى - والله أعلم - ما كان لبشرٍ أن يكلمه الله إلاّ أن يوحى إليه أو يرسل, ولو رفع {فيوحي} إذا لم يظهر أن قبله ولا معه كان صوابا. وقد قرأ به بعض القراء. قال: وأنشدني بعض بني أسدٍ:
يحلّ أحيده ويقال بعلٌ= ومثل تموّلٍ منه افتقار
فما يخطئك لا يخطئك منه= طبانيةٌ فيحظل أو يغار
فرفع, وأنشدني آخر:
فمالك منها غير ذكرى وحسبة = وتسأل عن ركبانها أين يمّموا
وقال الكسائي: سمعت من العرب: ما هي إلا ضربة من الأسد فيحطم ظهره، و يحطم ظهره.
قال: وأنشدني الأسدي:
على أحوذيّين استقلت عشيّة = فما هي إلاّ لمحة فتغيب).
[معاني القرآن: 2/422-423]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {أو تقول لو أنّ اللّه هداني لكنت من المتّقين (57) أو تقول حين ترى العذاب لو أنّ لي كرّة فأكون من المحسنين (58)}
أي: وكراهة أن تقول هذا القول الذي يؤدي إلى مثل هذه الحال التي الإنسان فيها في الدنيا، لأن اللّه قد بين طرق الهدى، والحي في نيّته بمنزلة من قد بعث، لأن اللّه خلقه من نطفة وبلغه إلى أن ميّز، فالحجة عليه.
وقوله :
{بلى} جواب النفي , وليس في الكلام لفظ النفي.
ومعنى
{لو أنّ اللّه هداني} و {لو أنّ لي كرّة}
كأنّه قيل: ما هديت، فقيل:
{بلى قد جاءتك آياتي فكذّبت بها واستكبرت}
وقال اللّه تعالى:
{ولو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه وإنّهم لكاذبون} : أي: حيث قالوا: {يا ليتنا نرد} - الآية). [معاني القرآن: 4/359-360] (م)

تفسير قوله تعالى: {بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آَيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (59)}
قالَ مُحمدُ بنُ الجَهْمِ السُّمَّرِيُّ (ت: 277هـ): (وقوله: {بلى قد جاءتك آياتي فكذّبت بها...}
القراء مجتمعون على نصب الكاف , وأن المخاطب ذكر.
قال الفراء : وحدثني شيخ , عن وقاء بن إياسٍ بسنده: أنه قرأ :
{بلى قد جاءتك آياتي فكذّبت بها واستكبرت} فخفض الكاف والتاء ؛ كأنه يخاطب النفس. وهو وجه حسن؛ لأنه ذكر النفس فخاطبها أوّلاً، فأجرى الكلام الثاني على النفس في خطابها). [معاني القرآن للفراء: 2/423]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ({أو تقول لو أنّ اللّه هداني لكنت من المتّقين (57) أو تقول حين ترى العذاب لو أنّ لي كرّة فأكون من المحسنين (58)}
أي : وكراهة أن تقول هذا القول الذي يؤدي إلى مثل هذه الحال التي الإنسان فيها في الدنيا، لأن اللّه قد بين طرق الهدى، والحي في نيّته بمنزلة من قد بعث؛ لأن اللّه خلقه من نطفة وبلغه إلى أن ميّز، فالحجة عليه.
وقوله
{بلى}: جواب النفي , وليس في الكلام لفظ النفي.
ومعنى
{لو أنّ اللّه هداني}, و{لو أنّ لي كرّة}
كأنّه قيل: ما هديت، فقيل:
{بلى قد جاءتك آياتي فكذّبت بها واستكبرت}
وقال اللّه تعالى:
{ولو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه وإنّهم لكاذبون}: أي: حيث قالوا: {يا ليتنا نرد} - الآية.
وقد رويت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بكسر الكاف:
{بلى قد جاءتك آياتي } جواب للفظ النفس - كما قال:{أنّ تقول نفس}
وإذا قال:
{بلى قد جاءتك آياتي}بالفتح؛ فلأن النفس تقع على الذكر والأنثى، فخوطب المذكرون.
ومثل
{قد جاءتك آياتتي} على خطابه المؤنث:{يا أيّتها النّفس المطمئنّة (27) ارجعي إلى ربّك راضية مرضيّة (28) }) [معاني القرآن: 4/359-360]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين}
(بلى) في كلام العرب إنما يقع بعد النف, وليس في ما هداني الله .
وروى الربيع بن انس عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ: ((بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين))
وقراءة الأعمش: بلى قد جاءته آياتي.
وهذا يدل على التذكير والربيع بن أنس لم يلحق أم سلمة إلا أن القراءة جائزة؛ لأن النفس تقع للمذكر والمؤنث .
وقد أنكر هذه القراءة بعضهم,وقال: يجب إذا كسر التاء أن يقول: وكنت من الكوافر أو من الكافرات
قال أبو جعفر: وهذا لا يلزم ألا ترى أن قبله:
{أن تقول نفس} ثم قال: {وإن كنت لمن الساخرين} , ولم يقل: من السواخر ولا من الساخرات
والتقدير في العربية على كسر التاء: واستكبرت,وكنت من الجميع الساخرين,أو من الناس الساخرين, أو من القوم الساخرين,وقوم يقع للرجال والنساء إذا اجتمعوا وللرجال مفردين كما قال الشاعر:
وما أدري وسوف إخال أدري = أقوم آل حصن أم نساء).
[معاني القرآن: 6/ 187-188]

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 16 جمادى الأولى 1434هـ/27-03-2013م, 10:36 AM
أم القاسم أم القاسم غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 1,449
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]


تفسير قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) }

تفسير قوله تعالى: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) }

تفسير قوله تعالى: {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) }

تفسير قوله تعالى: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وتقول: عندي ثلاثة أنفس، وإن شئت قلت: ثلاث أنفسٍ. أما التذكير فإذا عنيت بالنفس المذكر. وعلى هذا تقول: عندي نفس واحد، وإن أردت لفظها قلت: عندي ثلاث أنفسٍ؛ لأنها على اللفظ تصغر نفيسة. وعلى هذا قوله عز وجل: {يا أيتها النفس المطمئنة} وقال عز وجل: {أن تقول نفسٌ يا حسرتا على ما فرطت}، وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بلى قد جاءتك آياتي فكذبتِ بها واستكبرتِ وكنتِ) على مخاطبة النفس، وقال: {كل نفسٍ ذائقة الموت} ). [المقتضب: 2/184-185] (م)

تفسير قوله تعالى: {أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) }

تفسير قوله تعالى: {أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58) }

تفسير قوله تعالى: {بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آَيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (59) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وتقول: عندي ثلاثة أنفس، وإن شئت قلت: ثلاث أنفسٍ. أما التذكير فإذا عنيت بالنفس المذكر. وعلى هذا تقول: عندي نفس واحد، وإن أردت لفظها قلت: عندي ثلاث أنفسٍ؛ لأنها على اللفظ تصغر نفيسة. وعلى هذا قوله عز وجل: {يا أيتها النفس المطمئنة} وقال عز وجل: {أن تقول نفسٌ يا حسرتا على ما فرطت}، وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بلى قد جاءتك آياتي فكذبتِ بها واستكبرتِ وكنتِ) على مخاطبة النفس، وقال: {كل نفسٍ ذائقة الموت} ). [المقتضب: 2/184-185]

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 12 صفر 1440هـ/22-10-2018م, 10:48 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 12 صفر 1440هـ/22-10-2018م, 10:49 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري
...

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 12 صفر 1440هـ/22-10-2018م, 10:51 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم * وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون * واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون}
هذه الآية عامة في جميع الناس إلى يوم القيامة، في كافر ومؤمن، أي أن توبة الكافر تمحو كفره، وتوبة العاصي تمحو ذنبه، واختلف - هل يكون في المشيئة أو هو مغفور له ولابد؟ - فقالت فرقة من أهل السنة: هو مغفور له ولابد، وهذا مقتضى ظواهر القرآن، وقالت فرقة: التائب في المشيئة، لكن يغلب الرجاء في ناحيته، والعاصي في المشيئة، لكن يغلب الخوف في ناحيته.
واختلف المفسرون في سبب نزول هذه الآية، فقال عطاء بن يسار: نزلت في وحشي قاتل حمزة، وقال السدي، وقتادة، وابن أبي إسحق: نزلت في قوم بمكة آمنوا ولم يهاجروا، وفتنتهم قريش فافتتنوا، ثم ندموا وظنوا أنهم لا توبة لهم، فنزلت، منهم الوليد، وهشام بن العاصي، وهذا قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأنه كتبها بيده إلى هشام بن العاصي، الحديث. وقالت فرقة: نزلت في قوم كفار من أهل الجاهلية، قالوا: وما ينفعنا الإسلام ونحن قد زنينا وقتلنا الناس وأتينا كل كبيرة، فنزلت، وقال علي، وابن مسعود، وابن عمر رضي الله عنهم: هذه أرجى آية في القرآن، وروى ثوبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما أحب أن لي الدنيا بما فيها بهذه الآية: يا عبادي".
و"أسرفوا" معناه: أفرطوا وتعدوا الطور، و"القنوط": أعظم اليأس. وقرأ نافع وجمهور الناس: (تقنطوا) بفتح النون، قال أبو حاتم: "يلزمهم أن يقرؤوا: "من بعد ما قنطوا" بالكسر، ولم يقرأ به أحد"، وقرأ الأشهب العقيلي بضم النون، وقرأ أبو عمرو، وابن وثاب، والأعمش بكسرها، وهي لغات.
وقوله: {إن الله يغفر الذنوب جميعا} عموم بمعنى الخصوص; لأن الشرك ليس بداخل في الآية إجماعا، وهي أيضا في المعاصي مقيدة بالمشيئة، و"جميعا" نصب على الحال. وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ: [إن الله يغفر الذنوب جميعا ولا يبالي] وقرأ ابن مسعود: "إن الله يغفر الذنوب جميعا لمن يشاء"). [المحرر الوجيز: 7/ 402-405]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: "وأنيبوا" معناه: ارجعوا وميلوا بنفوسكم، و"الإنابة": الرجوع بالنفس إلى الشيء، وقوله سبحانه: {من قبل أن يأتيكم العذاب} توعد بعذاب الدنيا والآخرة). [المحرر الوجيز: 7/ 405]

تفسير قوله تعالى: {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم} معناه أن القرآن العزيز تضمن عقائد نيرة، وأوامر ونواهي منجية، وعدات على الطاعات والبر، وحدودا على المعاصي ووعيدا على بعضها، فالأحسن أن يسلك الإنسان طريق التفهم والتحصيل والطاعة والانتهاء والعفو في الأمور ونحو ذلك، فهو أحسن من أن يسلك طريق الغفلة والمعصية فيجزى أو يقع تحت الوعيد، فهذا المعنى هو المقصود بـ[أحسن]، وليس المعنى أن بعض القرآن أحسن من بعض من حيث هو قرآن، وإنما هو أحسن كله بالإضافة إلى أفعال الإنسان وما يلقى من عواقبها، قال السدي: الأحسن هو ما أمر الله تعالى به في كتابه. و{[بغتة]} معناه: فجأة وعلى غير موعد، و"تشعرون" مشتق من الشعار). [المحرر الوجيز: 7/ 405]

تفسير قوله تعالى: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين * أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين * أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين * بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين * ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوى للمتكبرين}
"أن" في هذه الآية مفعول من أجله، أي: أنيبوا وأسلموا من أجل أن تقول نفس، وقرأ الجمهور: "يا حسرتا"، والأصل: "يا حسرتي"، ومن العرب من يرد ياء الإضافة ألفا، فيقول: يا غلاما، ويا جارا، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع: [يا حسرتاي] بفتح الياء، ورويت عنه بسكونها، قال أبو الفتح; جمع بين العوض والمعوض منه، وروى ابن جماز عن أبي جعفر: "يا حسرتي" بكسر التاء وبعدها ياء ساكنة، قال سيبويه: "ومعنى نداء الحسرة والويل: أي: هذا وقتك وزمانك فاحضري". و"فرطت" معناه: قصرت في اللازم، وقوله: {في جنب الله} معناه: في مقاصدي إلى الله، وفي جهة طاعته، أي: في تضييع شريعته والإيمان به، و"الجنب" يعبر به عن هذا ونحوه، ومنه قول الشاعر:
أفي جنب بكر قطعتني ملامة ... لعمري لقد طالت ملامتها بيا
ومنه قول الآخر:
الناس جنب والأمير جنب
وقال مجاهد: في جنب الله أي: في أمر الله. وقول الكافر: وإن كنت لمن الساخرين ندامة على استهزائه بأمر الله، والسخر: الاستهزاء.
وقوله تعالى: {أو تقول} في الموضعين عطف على قوله: {أن تقول} الأول، و"كرة" مصدر، من: كر يكر، وقوله: "فأكون" نصب بـ"أن" مضمرة مقدرة، وهو عطف على قوله: "كرة"، والمراد: لو أن لي كرة فكونا، فلذلك احتيج إلى "أن" لتكون مع الفعل بتأويل المصدر، ونحوه قول الشاعر - أنشده الفراء -:
فما لك منها غير ذكرى وخشية ... وتسأل عن ركبانها أين يمموا
وقد قرر بعض الناس الكلام بأنه: "لو أن لي أن أكر"، ذكره الطبري، وهذا "الكون" في هذه الآية داخل في التمني). [المحرر الوجيز: 7/ 404-407]

تفسير قوله تعالى: {بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آَيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (59) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله: "بلى" جواب لنفي مقدر في قول هذه النفس، كأنها قالت: "فعمري في الدنيا لم يتسع للنظر"، أو قالت: "فإني لم يتبين لي الأمر في الدنيا"، ونحو هذا، وحق "بلى" أن يجيء بعد نفي عليه تقرير.
وقرأ الجمهور: "قد جاءتك" بفتح الكاف وبفتح التاء من قوله: "فكذبت بها واستكبرت وكنت"، على مخاطبة الكافر ذي النفس، وقرأ ابن يعمر، والجحدري بكسر الكاف والتاء في الثلاثة على خطاب النفس المذكورة، قال أبو حاتم: روتها أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقرأ الأعمش: [بلى قد جاءته] بالهاء). [المحرر الوجيز: 7/ 407]

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 12 صفر 1440هـ/22-10-2018م, 01:54 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 12 صفر 1440هـ/22-10-2018م, 02:00 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قل يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه إنّ اللّه يغفر الذّنوب جميعًا إنّه هو الغفور الرّحيم (53) وأنيبوا إلى ربّكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثمّ لا تنصرون (54) واتّبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربّكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتةً وأنتم لا تشعرون (55) أن تقول نفسٌ يا حسرتى على ما فرّطت في جنب اللّه وإن كنت لمن السّاخرين (56) أو تقول لو أنّ اللّه هداني لكنت من المتّقين (57) أو تقول حين ترى العذاب لو أنّ لي كرّةً فأكون من المحسنين (58) بلى قد جاءتك آياتي فكذّبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين (59)}.
هذه الآية الكريمة دعوةٌ لجميع العصاة من الكفرة وغيرهم إلى التّوبة والإنابة، وإخبارٌ بأنّ اللّه يغفر الذّنوب جميعًا لمن تاب منها ورجع عنها، وإن كانت مهما كانت وإن كثرت وكانت مثل زبد البحر. ولا يصحّ حمل هذه [الآية] على غير توبةٍ ؛ لأنّ الشّرك لا يغفر لمن لم يتب منه.
وقال البخاريّ: حدّثنا إبراهيم بن موسى، أخبرنا هشام بن يوسف؛ أنّ ابن جريجٍ أخبرهم: قال يعلى: إنّ سعيد بن جبيرٍ أخبره عن ابن عبّاسٍ [رضي اللّه عنهما] ؛ أنّ ناسًا من أهل الشّرك كانوا قد قتلوا فأكثروا، وزنوا فأكثروا. فأتوا محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم فقالوا: إنّ الّذي تقول وتدعو إليه لحسنٌ لو تخبرنا أنّ لما عملنا كفّارةٌ. فنزل: {والّذين لا يدعون مع اللّه إلهًا آخر ولا يقتلون النّفس الّتي حرّم اللّه إلا بالحقّ ولا يزنون} [الفرقان:68]، ونزل [قوله]: {قل يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه}.
وهكذا رواه مسلمٌ وأبو داود والنّسائيّ، من حديث ابن جريجٍ، عن يعلى بن مسلمٍ المكّيّ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، به.
والمراد من الآية الأولى قوله: {إلا من تاب وآمن وعمل صالحًا} الآية. [الفرقان:70].
وقال الإمام أحمد: حدّثنا حسنٌ، حدّثنا ابن لهيعة، حدّثنا أبو قبيلٍ قال: سمعت أبا عبد الرّحمن المرّيّ يقول: سمعت ثوبان -مولى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم-يقول: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "ما أحبّ أنّ لي الدّنيا وما فيها بهذه الآية: {يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم} إلى آخر الآية، فقال رجلٌ: يا رسول اللّه، فمن أشرك؟ فسكت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ثمّ قال: "ألا ومن أشرك" ثلاث مرّاتٍ. تفرّد به الإمام أحمد.
وقال الإمام أحمد أيضًا: حدّثنا سريج بن النّعمان، حدّثنا روح بن قيسٍ، عن أشعث بن جابرٍ الحدّانيّ، عن مكحولٍ، عن عمرو بن عبسة قال: جاء رجلٌ إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، شيخٌ كبيرٌ يدعّم على عصًا له، فقال: يا رسول اللّه إنّ لي غدراتٍ وفجراتٍ، فهل يغفر لي؟ فقال: "ألست تشهد أن لا إله إلّا اللّه؟ " قال: بلى، وأشهد أنّك رسول اللّه. فقال: "قد غفر لك غدراتك وفجراتك". تفرد به أحمد.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا يزيد بن هارون، حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن ثابتٍ، عن شهر بن حوشبٍ، عن أسماء بنت يزيد قالت: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقرأ: {إنّه عملٌ غير صالحٍ} [هودٍ:46] وسمعته يقول: " {يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه إنّ اللّه يغفر الذّنوب جميعًا} ولا يبالي {إنّه هو الغفور الرّحيم}
ورواه أبو داود والتّرمذيّ، من حديث ثابتٍ، به.
فهذه الأحاديث كلّها دالّةٌ على أنّ المراد: أنّه يغفر جميع ذلك مع التّوبة، ولا يقنطنّ عبدٌ من رحمة اللّه، وإن عظمت ذنوبه وكثرت؛ فإنّ باب التّوبة والرّحمة واسعٌ، قال اللّه تعالى: {ألم يعلموا أنّ اللّه هو يقبل التّوبة عن عباده} [التّوبة:104]، وقال تعالى: {ومن يعمل سوءًا أو يظلم نفسه ثمّ يستغفر اللّه يجد اللّه غفورًا رحيمًا} [النّساء:110]، وقال تعالى في حقّ المنافقين: {إنّ المنافقين في الدّرك الأسفل من النّار ولن تجد لهم نصيرًا إلا الّذين تابوا} [النّساء:146، 145]، وقال {لقد كفر الّذين قالوا إنّ اللّه ثالث ثلاثةٍ وما من إلهٍ إلا إلهٌ واحدٌ وإن لم ينتهوا عمّا يقولون ليمسّنّ الّذين كفروا منهم عذابٌ أليمٌ} [المائدة:73]، ثمّ قال {أفلا يتوبون إلى اللّه ويستغفرونه واللّه غفورٌ رحيمٌ} [المائدة:74]، وقال {إنّ الّذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثمّ لم يتوبوا} [البروج:10].
قال الحسن البصريّ: انظر إلى هذا الكرم والجود، قتلوا أولياءه وهو يدعوهم إلى التّوبة والمغفرة!.
والآيات في هذا كثيرةٌ جدًّا.
وفي الصّحيحين عن أبي سعيدٍ، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، حديث الّذي قتل تسعًا وتسعين نفسًا، ثمّ ندم وسأل عابدًا من عبّاد بني إسرائيل: هل له من توبةٍ؟ فقال: لا. فقتله وأكمل به مائةً. ثمّ سأل عالمًا من علمائهم: هل له من توبةٍ؟ فقال: ومن يحول بينك وبين التّوبة؟ ثمّ أمره بالذّهاب إلى قريةٍ يعبد اللّه فيها، فقصدها فأتاه الموت في أثناء الطّريق، فاختصمت فيه ملائكة الرّحمة وملائكة العذاب، فأمر اللّه أن يقيسوا ما بين الأرضين، فإلى أيّهما كان أقرب فهو منها. فوجدوه أقرب إلى الأرض الّتي هاجر إليها بشبرٍ، فقبضته ملائكة الرّحمة. وذكر أنّه نأى بصدره عند الموت، وأنّ اللّه أمر البلدة الخيّرة أن تقترب، وأمر تلك البلدة أن تتباعد هذا معنى الحديث، وقد كتبناه في موضع آخر بلفظه.
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، رضي اللّه عنهما [في] قوله: {قل يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه إنّ اللّه يغفر الذّنوب جميعًا} إلى آخر الآية، قال: قد دعا اللّه إلى مغفرته من زعم أنّ المسيح هو اللّه، ومن زعم أنّ المسيح هو ابن اللّه، ومن زعم أنّ عزيرًا ابن اللّه، ومن زعم أنّ اللّه فقيرٌ، ومن زعم أنّ يد اللّه مغلولةٌ، ومن زعم أنّ اللّه ثالث ثلاثةٍ، يقول اللّه تعالى لهؤلاء: {أفلا يتوبون إلى اللّه ويستغفرونه واللّه غفورٌ رحيمٌ} [المائدة:74] ثمّ دعا إلى توبته من هو أعظم قولًا من هؤلاء، من قال: {أنا ربّكم الأعلى} [النّازعات:24]، وقال {ما علمت لكم من إلهٍ غيري} [القصص:38]. قال ابن عبّاسٍ [رضي اللّه عنهما] من آيس عباد اللّه من التّوبة بعد هذا فقد جحد كتاب اللّه، ولكن لا يقدر العبد أن يتوب حتّى يتوب اللّه عليه.
وروى الطّبرانيّ من طريق الشّعبيّ، عن شتير بن شكل أنّه قال: سمعت ابن مسعودٍ يقول إنّ أعظم آيةٍ في كتاب اللّه: {اللّه لا إله إلا هو الحيّ القيّوم} [البقرة:255]، وإنّ أجمع آيةٍ في القرآن بخيرٍ وشرٍّ: {إنّ اللّه يأمر بالعدل والإحسان} [النّحل:90]، وإنّ أكثر آيةٍ في القرآن فرجًا في سورة الغرف: {قل يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه}، وإنّ أشدّ آيةٍ في كتاب اللّه تصريفًا {ومن يتّق اللّه يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب} [الطّلاق:3، 2]. فقال له مسروقٌ: صدقت.
وقال الأعمش، عن أبي سعيدٍ، عن أبي الكنود قال: مرّ عبد اللّه -يعني ابن مسعودٍ-على قاصٍّ، وهو يذكّر النّاس، فقال: يا مذكّر لم تقنّط النّاس؟ ثمّ قرأ: {قل يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه} رواه ابن أبي حاتمٍ.
ذكر أحاديث فيها نفي القنوط:
قال الإمام أحمد: حدّثنا سريج بن النّعمان، حدّثنا أبو عبيدة عبد المؤمن بن عبيد اللّه، حدّثني أخشن السّدوسيّ قال: دخلت على أنس بن مالكٍ فقال سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول: "والّذي نفسي بيده، لو أخطأتم حتّى تملأ خطاياكم ما بين السّماء والأرض، ثمّ استغفرتم اللّه لغفر لكم، والّذي نفس محمّدٍ بيده، لو لم تخطئوا لجاء اللّه بقومٍ يخطئون، ثمّ يستغفرون اللّه فيغفر لهم" تفرّد به [الإمام] أحمد. وقال الإمام أحمد: حدّثنا إسحاق بن عيسى حدّثني ليثٌ حدّثني محمّد بن قيسٍ -قاصّ عمر بن عبد العزيز- عن أبي صرمة، عن أبي أيّوب الأنصاريّ، رضي اللّه عنه، أنّه قال حين حضرته الوفاة: قد كنت كتمت منكم شيئًا سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول: "لولا أنكم تذنبون، لخلق الله قومًا يذنبون فيغفر لهم".
هكذا رواه الإمام أحمد، وأخرجه مسلمٌ في صحيحه، والتّرمذيّ جميعًا، عن قتيبة، عن اللّيث بن سعدٍ به. ورواه مسلمٌ من وجهٍ آخر به، عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ، عن أبي صرمة -وهو الأنصاريّ صحابيٌّ- عن أبي أيّوب به.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا أحمد بن عبد الملك الحرّانيّ، حدّثنا يحيى بن عمرو بن مالكٍ النّكري قال: سمعت أبي يحدّث عن أبي الجوزاء، عن ابن عبّاسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "كفّارة الذّنب النّدامة"، وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لو لم تذنبوا لجاء اللّه بقومٍ يذنبون، فيغفر لهم" تفرّد به أحمد.
وقال عبد اللّه ابن الإمام أحمد: حدّثني عبد الأعلى بن حمّادٍ النّرسي، حدّثنا داود بن عبد الرّحمن، حدّثنا أبو عبد اللّه مسلمة الرّازيّ، عن أبي عمرٍو البجليّ، عن عبد الملك بن سفيان الثّقفيّ، عن أبي جعفرٍ محمّد بن عليٍّ، عن محمّد بن الحنفيّة، عن أبيه، عليّ بن أبي طالبٍ، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ اللّه يحبّ العبد المفتّن التّوّاب". لم يخرجوه من هذا الوجه.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا موسى بن إسماعيل، حدّثنا حمّادٌ، أخبرنا ثابتٌ وحميدٌ، عن عبد اللّه بن عبيد بن عميرٍ قال: إنّ إبليس -عليه لعائن اللّه-قال: يا ربّ، إنّك أخرجتني من الجنّة من أجل آدم، وإنّي لا أستطيعه إلّا بسلطانك. قال: فأنت مسلّطٌ. قال: يا ربّ، زدني. قال: لا يولد له ولدٌ إلّا ولد لك مثله. قال: يا ربّ، زدني. قال: أجعل صدورهم مساكن لكم، وتجرون منهم مجرى الدّم. قال: يا ربّ، زدني. قال: أجلب عليهم بخيلك ورجلك، وشاركهم في الأموال والأولاد، وعدهم وما يعدهم الشّيطان إلّا غرورًا. فقال آدم [عليه السّلام] يا ربّ، قد سلّطته عليّ، وإنّي لا أمتنع [منه] إلّا بك. قال: لا يولد لك ولدٌ إلّا وكّلت به من يحفظه من قرناء السّوء. قال: يا ربّ، زدني. قال: الحسنة عشرٌ أو أزيد، والسّيّئة واحدةٌ أو أمحوها. قال: يا ربّ، زدني. قال: باب التّوبة مفتوحٌ ما كان الرّوح في الجسد. قال: يا ربّ، زدني. قال: {يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه إنّ اللّه يغفر الذّنوب جميعًا إنّه هو الغفور الرّحيم}.
وقال محمّد بن إسحاق: قال نافعٌ: عن عبد اللّه بن عميرٍ، عن عمر، رضي اللّه عنه، في حديثه قال: وكنّا نقول ما اللّه بقابلٍ ممّن افتتن صرفًا ولا عدلًا ولا توبةً، عرفوا اللّه ثمّ رجعوا إلى الكفر لبلاءٍ أصابهم. قال: وكانوا يقولون ذلك لأنفسهم. قال: فلمّا قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المدينة، أنزل اللّه فيهم وفي قولنا وقولهم لأنفسهم: {يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه إنّ اللّه يغفر الذّنوب جميعًا إنّه هو الغفور الرّحيم * وأنيبوا إلى ربّكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثمّ لا تنصرون * واتّبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربّكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتةً وأنتم لا تشعرون}
قال عمر، رضي اللّه عنه: فكتبتها بيدي في صحيفةٍ، وبعثت بها إلى هشام بن العاص قال: فقال هشامٌ: لـمّا أتتني جعلت أقرؤها بذي طوًى أصعّد بها فيه وأصوّت ولا أفهمها، حتّى قلت: اللّهمّ أفهمنيها. قال: فألقى اللّه في قلبي أنّها إنّما أنزلت فينا، وفيما كنّا نقول في أنفسنا، ويقال فينا. فرجعت إلى بعيري فجلست عليه، فلحقت برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالمدينة). [تفسير ابن كثير: 7/ 106-110]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(ثمّ استحثّ [سبحانه] وتعالى عباده إلى المسارعة إلى التّوبة، فقال: {وأنيبوا إلى ربّكم وأسلموا له} أي: ارجعوا إلى اللّه واستسلموا له، {من قبل أن يأتيكم العذاب ثمّ لا تنصرون} أي: بادروا بالتّوبة والعمل الصّالح قبل حلول النّقمة). [تفسير ابن كثير: 7/ 110]

تفسير قوله تعالى: {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :({واتّبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربّكم} وهو القرآن العظيم، {من قبل أن يأتيكم العذاب بغتةً وأنتم لا تشعرون} أي: من حيث لا تعلمون ولا تشعرون). [تفسير ابن كثير: 7/ 110]

تفسير قوله تعالى: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(ثمّ قال: {أن تقول نفسٌ يا حسرتى على ما فرّطت في جنب اللّه} أي: يوم القيامة يتحسّر المجرم المفرّط في التّوبة والإنابة، ويودّ لو كان من المحسنين المخلصين المطيعين للّه عزّ وجلّ.
وقوله: {وإن كنت لمن السّاخرين} أي: إنّما كان عملي في الدّنيا عمل ساخرٍ مستهزئٍ غير موقنٍ مصدّقٍ.
{أو تقول لو أنّ اللّه هداني لكنت من المتّقين * أو تقول حين ترى العذاب لو أنّ لي كرّةً فأكون من المحسنين} أي: تودّ أن لو أعيدت إلى الدّار فتحسن العمل.
قال عليّ بن أبي طلحة: عن ابن عبّاسٍ: أخبر اللّه سبحانه، ما العباد قائلون قبل أن يقولوه، وعملهم قبل أن يعملوه، وقال: {ولا ينبّئك مثل خبيرٍ} [فاطرٍ:14]، {أن تقول نفسٌ يا حسرتى على ما فرّطت في جنب اللّه وإن كنت لمن السّاخرين * أو تقول لو أنّ اللّه هداني لكنت من المتّقين * أو تقول حين ترى العذاب لو أنّ لي كرّةً فأكون من المحسنين} فأخبر اللّه تعالى: أن لو ردوا لما قدروا على الهدى، وقال تعالى: {ولو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه وإنّهم لكاذبون} [الأنعام:28].
وقد قال الإمام أحمد: حدّثنا أسود، حدّثنا أبو بكرٍ، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "كلّ أهل النّار يرى مقعده من الجنّة فيقول: لو أنّ اللّه هداني؟! فتكون عليه حسرةٌ". قال: "وكلّ أهل الجنّة يرى مقعده من النّار فيقول: لولا أنّ اللّه هداني! " قال: "فيكون له الشّكر".
ورواه النّسائيّ من حديث أبي بكر بن عيّاشٍ، به).[تفسير ابن كثير: 7/ 110]

تفسير قوله تعالى: {بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آَيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (59) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(ولـمّا تمنّى أهل الجرائم العود إلى الدّنيا، وتحسّروا على تصديق آيات اللّه واتّباع رسله، قال [اللّه سبحانه وتعالى] {بلى قد جاءتك آياتي فكذّبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين} أي: قد جاءتك أيّها العبد النّادم على ما كان منه آياتي في الدّار الدّنيا، وقامت حججي عليك، فكذّبت بها واستكبرت عن اتّباعها، وكنت من الكافرين بها، الجاحدين لها). [تفسير ابن كثير: 7/ 111]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:16 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة