العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة المائدة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 ربيع الثاني 1434هـ/28-02-2013م, 10:15 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير سورة المائدة [ من الآية (77) إلى الآية (81) ]

تفسير سورة المائدة
[ من الآية (77) إلى الآية (81) ]


بسم الله الرحمن الرحيم
{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ (77) لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ (78) كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ (79) تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (80) وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ (81)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 20 ربيع الثاني 1434هـ/2-03-2013م, 11:05 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (77) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحقّ ولا تتّبعوا أهواء قومٍ قد ضلّوا من قبل وأضلّوا كثيرًا وضلّوا عن سواء السّبيل}
وهذا خطابٌ من اللّه تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم. يقول تعالى ذكره: قل يا محمّد لهؤلاء الغالية من النّصارى في المسيح: {يا أهل الكتاب} يعني بالكتاب: الإنجيل {لا تغلوا في دينكم} يقول: لا تفرطوا في القول فيما تدينون به من أمر المسيح، فتجاوزوا فيه الحقّ إلى الباطل، فتقولوا فيه: هو اللّه، أو هو ابنه؛ ولكن قولوا: هو عبد اللّه وكلمته ألقاها إلى مريم وروحٌ منه {ولا تتّبعوا أهواء قومٍ قد ضلّوا من قبل وأضلّوا كثيرًا}
ويقول: ولا تتّبعوا أيضًا في المسيح أهواء اليهود الّذين قد ضلّوا قبلكم عن سبيل الهدى في القول فيه، فتقولون فيه كما قالوا: هو لغير رشدةٍ، وتبهتوا أمّه كما بهتوها بالفرية، وهي صدّيقةٌ. {وأضلّوا كثيرًا} يقول تعالى ذكره: وأضلّ هؤلاء اليهود كثيرًا من النّاس، فحادوا بهم عن طريق الحقّ وحملوهم على الكفر باللّه والتّكذيب بالمسيح {وضلّوا عن سواء السّبيل} يقول: وضلّ هؤلاء اليهود عن قصد الطّريق، وركبوا غير محجّة الحقّ وإنّما يعني تعالى ذكره بذلك كفرهم باللّه وتكذيبهم رسله عيسى ومحمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم، وذهابهم عن الإيمان وبعدهم منه. وذلك كان ضلالهم الّذي وصفهم اللّه به.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {وضلّوا عن سواء السّبيل،} قال: يهود.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {لا تتّبعوا أهواء قومٍ قد ضلّوا من قبل وأضلّوا كثيرًا} فهم أولئك الّذين ضلّوا وأضلّوا أتباعهم {وضلّوا عن سواء السّبيل} عن عدل السّبيل). [جامع البيان: 8/584-586]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحقّ ولا تتّبعوا أهواء قومٍ قد ضلّوا من قبل وأضلّوا كثيرًا وضلّوا عن سواء السّبيل (77)
قوله تعالى: قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحقّ
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا عيسى بن يونس الأيليّ، ثنا الوليد عن خليدٍ عن قتادة في قوله: لا تغلوا في دينكم يقول: لا تبتدعوا.
الوجه الثّاني:
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ بن الفرج قال سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم يقول: في قوله: يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم قال: الغلوّ فراق الحقّ وكان ممّا غلوا فيه أن دعوا للّه صاحبةً وولدًا
حدّثنا أبي ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ عن أبيه عن الرّبيع بن أنسٍ قال: وقد كان قائمٌ قام عليهم فأخذ بالكتاب والسّنّة زمانًا فأتاه الشّيطان فقال: إنّما تركب أثرًا أو أمرًا قد عمل به قبلك فلا تحمد عليه ولكن إبتدع أمرًا من قبل نفسك وادع إليه وأجبر النّاس عليه ففعل، ثمّ تذكّر من بعد فعله زمانًا، فأراد أن يتوب، فخلع سلطانه وملكه، وأراد أن يتعبّد فلبث في عبادته أيّامًا، فأتي فقيل له: لو أنّك تبت من خطيئةٍ عملتها فيما بينك وبين ربّك عسى أن يتاب عليك، ولكن ضلّ فلانٌ وفلانٌ وفلانٌ في سبيلك حتّى فارقوا الدّنيا وهم على الضّلالة. فكيف لك بهداهم، فلا توبة لك أبدًا، ففيه سمعنا وفي أشباهه هذه الآية يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحقّ ولا تتّبعوا أهواء قومٍ قد ضلّوا من قبل وأضلّوا كثيراً وضلّوا عن سواء السّبيل
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن المفضّل ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ، قوله: ولا تتّبعوا أهواء قومٍ قد ضلّوا من قبل وأضلّوا كثيرًا أتباعهم.
قوله تعالى: وضلّوا عن سواء السّبيل
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ
قوله: وضلّوا عن سواء السّبيل قال: هم يهود.
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن المفضّل، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: وضلّوا عن سواء السّبيل قال: عن عدل السّبيل). [تفسير القرآن العظيم: 4/1180-1181]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وضلوا عن سواء السبيل قال هم اليهود). [تفسير مجاهد: 201-202]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل}.
أخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم أبو الشيخ عن قتادة في قوله {لا تغلوا في دينكم} يقول لا تبتدعوا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله {لا تغلوا في دينكم} قال: الغلوا فراق الحق وكان مما غلوا فيه أن دعوا الله صاحبة وولدا
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس قال: قد كان قائم قام عليهم فأخذ بالكتاب والسنة زمانا فاتاه الشيطان فقال: إنما تركب اثر وأمرا قد عمل به قبلك فلا تحمد عليه ولكن ابتدع أمرا من قبل نفسك وادع إليه واجبر الناس عليه ففعل ثم ادكر من بعد فعله زمانا فاراد أن يموت فخلع سلطانه وملكه وأراد أن يتعبد فلبث في عبادته أياما فاتي فقيل له: لو أنك تبت من خطيئة عملتها فيما بينك وبين ربك عسى أن يتاب عليك ولكن ضل فلان وفلان في سبيلك حتى فارقوا الدنيا وهم على الضلالة فكيف لك بهداهم فلا توبة لك أبدا ففيه سمعنا وفي
اشباهه هذه الآية {يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل}.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله {ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا} فهم أولئك الذين ضلوا وأضلوا أتباعهم {وضلوا عن سواء السبيل} عن عدل السبيل). [الدر المنثور: 5/393-395]

تفسير قوله تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن الثوري على علي بن أبي عن أبي عبيدة عن عبد الله قال: قال رسول الله إن بني إسرائيل لما وقع منهم النقص جعل الرجل إذا رأى أخاه على الذنب نهاه عنه فإذا كان من الغد لم يمنعه ما رأى منه أن يكون خليطه وأكيله وشريبه فضرب الله بقلوب بعضهم على بعض وأنزل الله فيهم القرآن لعن الذين كفروا من بني إسرائيل حتى بلغ وفي العذاب هم خلدون قال وكان النبي متكئا فجلس ثم قال كلا والذي نفسي بيده حتى تأخذوا على يدي الظالم فتأطروه على الحق أطرا). [تفسير عبد الرزاق: 1/194-195]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {لعن الّذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا خالد بن عبد اللّه، عن حصين، عن أبي مالكٍ - في قوله عزّ وجلّ: {لعن الّذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم} - قال: من لعن على لسان داود صاروا خنازير، ومن لعن على لسان عيسى ابن مريم صاروا قردة، فقيل: أكانت القراءة قبل ذلك؟ قال: نعم). [سنن سعيد بن منصور: 4/1514]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا عبد الله بن عبد الرّحمن، قال: أخبرنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا شريكٌ، عن عليّ بن بذيمة، عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعودٍ، قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: لمّا وقعت بنو إسرائيل في المعاصي فنهتهم علماؤهم فلم ينتهوا، فجالسوهم في مجالسهم وواكلوهم وشاربوهم، فضرب اللّه قلوب بعضهم على بعضٍ ولعنهم {على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون} قال: فجلس رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم، وكان متّكئًا فقال: لا والّذي نفسي بيده حتّى تأطروهم على الحقّ أطرًا قال عبد الله بن عبد الرّحمن: قال يزيد: وكان سفيان الثّوريّ لا يقول فيه عن عبد اللّه.
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ وقد روي هذا الحديث عن محمّد بن مسلم بن أبي الوضّاح، عن عليّ بن بذيمة، عن أبي عبيدة، عن عبد الله، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم نحوه، وبعضهم يقول: عن أبي عبيدة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم مرسلٌ). [سنن الترمذي: 5/102]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا بندارٌ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، قال: حدّثنا سفيان، عن عليّ بن بذيمة، عن أبي عبيدة، قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ بني إسرائيل لمّا وقع فيهم النّقص كان الرّجل فيهم يرى أخاه يقع على الذّنب فينهاه عنه، فإذا كان الغد لم يمنعه ما رأى منه أن يكون أكيله وشريبه وخليطه، فضرب اللّه قلوب بعضهم ببعضٍ، ونزل فيهم القرآن فقال: {لعن الّذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون} فقرأ حتّى بلغ: {ولو كانوا يؤمنون باللّه والنّبيّ وما أنزل إليه ما اتّخذوهم أولياء ولكنّ كثيرًا منهم فاسقون} قال: وكان نبيّ الله صلّى اللّه عليه وسلّم متّكئًا فجلس، فقال: لا، حتّى تأخذوا على يد الظّالم فتأطروه على الحقّ أطرًا.
حدّثنا بندارٌ، قال: حدّثنا أبو داود الطّيالسيّ وأملاه عليّ، قال: حدّثنا محمّد بن مسلم بن أبي الوضّاح، عن عليّ بن بذيمة، عن أبي عبيدة، عن عبد الله، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم مثله). [سنن الترمذي: 5/103]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {لعن الّذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون}
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل لهؤلاء النّصارى الّذين وصف تعالى ذكره صفتهم: لا تغلوا فتقولوا في المسيح غير الحقّ، ولا تقولوا فيه ما قالت اليهود الّذين قد لعنهم اللّه على لسان أنبيائه ورسله داود وعيسى ابن مريم. وكان لعن اللّه إيّاهم على ألسنتهم، كالّذي:.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {لعن الّذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم} قال: لعنوا بكلّ لسانٍ، لعنوا على عهد موسى في التّوراة، ولعنوا على عهد داود في الزّبور، ولعنوا على عهد عيسى في الإنجيل، ولعنوا على عهد محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم في القرآن.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: {لعن الّذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم} يقول: لعنوا في الإنجيل على لسان عيسى ابن مريم، ولعنوا في الزّبور على لسان داود.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن فضيلٍ، عن أبيه، عن خصيفٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {لعن الّذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم} قال: خالطوهم بعد النّهي في تجاراتهم، فضرب اللّه قلوب بعضهم ببعضٍ، فهم ملعونون على لسان داود وعيسى ابن مريم.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن حصينٍ، عن مجاهدٍ: {لعن الّذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم} قال: لعنوا على لسان داود فصاروا قردةً، ولعنوا على لسان عيسى فصاروا خنازير.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ، قوله: {لعن الّذين كفروا من بني إسرائيل} بكلّ لسانٍ؛ لعنوا على عهد موسى في التّوراة، وعلى عهد داود في الزّبور، وعلى عهد عيسى في الإنجيل، ولعنوا على لسان محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم في القرآن قال ابن جريجٍ، وقال آخرون: {لعن الّذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود} دعا عليهم دواد على عهده، فلعنوا بدعوته. قال: مرّ داود على نفرٍ منهم وهم في بيتٍ، فقال من في البيت؟ قالوا: خنازير، قال: اللّهمّ اجعلهم خنازير. فكانوا خنازير؛ قال ثمّ أصابتهم لعنته. ودعا عليهم عيسى فقال: اللّهمّ العن من افترى عليّ وعلى أمّي، واجعلهم قردةً خاسئين.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {لعن الّذين كفروا من بني إسرائيل} الآية، لعنهم اللّه على لسان داود في زمانه فجعلهم قردةً خاسئين، وفي الإنجيل على لسان عيسى فجعلهم خنازير.
- حدّثني محمّد بن عبد اللّه بن بزيعٍ، قال: حدّثنا أبو محصنٍ حصين بن نميرٍ، عن حصينٍ، يعني ابن عبد الرّحمن، عن أبي مالكٍ، قال: {لعن الّذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود} قال: مسخوا على لسان داود قردةً، وعلى لسان عيسى خنازير.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا حصينٌ، عن أبي مالكٍ، مثله.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن محمّدٍ المحاربيّ، عن العلاء بن المسيّب، عن عبد اللّه بن عمرو بن مرّة، عن سالمٍ الأفطس، عن أبي عبيدة، عن ابن مسعودٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ الرّجل من بني إسرائيل كان إذا رأى أخاه على الذّنب نهاه عنه تعذيرًا، فإذا كان من الغد لم يمنعه ما رأى منه أن يكون أكيله وخليطه وشريبه، فلمّا رأى ذلك منهم ضرب بقلوب بعضهم على بعضٍ، ولعنهم على لسان نبيّهم داود وعيسى ابن مريم؛ ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون. ثمّ قال: والّذي نفسي بيده لتأمرنّ بالمعروف، ولتنهونّ عن المنكر، ولتأخذنّ على يدي المسيء، ولتأطرنّه على الحقّ أطرًا أو ليضربنّ اللّه قلوب بعضكم على بعضٍ، وليلعننّكم كما لعنهم.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا الحكم بن بشير بن سلمان، قال: حدّثنا عمرو بن قيسٍ الملائيّ، عن عليّ بن بذيمة، عن أبي عبيدة، عن عبد اللّه، قال: لمّا فشا المنكر في بني إسرائيل، جعل الرّجل يلقى الرّجل فيقول: يا هذا اتّق اللّه. ثمّ لا يمنعه ذلك أن يؤاكله ويشاربه. فلمّا رأى اللّه ذلك منهم ضرب بقلوب بعضهم على بعضٍ، ثمّ أنزل فيهم كتابًا: {لعن الّذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون} كانوا لا يتناهون عن منكرٍ فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم متّكئًا، فجلس وقال: كلا والّذي نفسي بيده حتّى تأطروا الظّالم على الحقّ أطرًا.
- حدّثنا عليّ بن سهلٍ الرّمليّ، قال: حدّثنا المؤمّل بن إسماعيل، قال: حدّثنا سفيان، قال: حدّثنا عليّ بن بذيمة عن أبي عبيدة، أظنّه عن مسروقٍ، عن عبد اللّه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ بني إسرائيل لمّا ظهر منهم المنكر جعل الرّجل يرى أخاه وجاره وصاحبه على المنكر فينهاه، ثمّ لا يمنعه ذلك من أن يكون أكيله وشريبه ونديمه، فضرب اللّه قلوب بعضهم على بعضٍ، ولعنوا {على لسان داود وعيسى ابن مريم؛ ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون} إلى {فاسقون}. قال عبد اللّه: وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم متّكئًا فاستوى جالسًا، فغضب وقال: لا واللّه حتّى تأخذوا على يدي الظّالم فتأطروه على الحقّ أطرًا.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال حدّثنا ابن مهديٍّ، قال: حدّثنا سفيان عن عليّ بن بذيمة، عن أبي عبيدة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ بني إسرائيل لمّا وقع فيهم النّقص كان الرّجل يرى أخاه على الذنب فينهاه عنه، فإذا كان الغد لم يمنعه ما رأى منه أن يكون أكيله وشريبه وخليطه؛ فضرب اللّه قلوب بعضهم ببعضٍ، ونزل فيهم القرآن، فقال: {لعن الّذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم} حتّى بلغ: {ولكنّ كثيرًا منهم فاسقون} قال: وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم متّكئًا، فجلس وقال: لا حتّى تأخذوا يدي الظّالم فتأطروه على الحقّ أطرًا.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا أبو داود، قال: أملاه عليٌّ، قال: حدّثنا محمّد بن أبي الوضّاح، عن عليّ بن بذيمة، عن أبي عبيدة، عن عبد اللّه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بمثله.
- حدّثنا هنّاد بن السّريّ، قال: حدّثنا وكيعٌ، وحدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن عليّ بن بذيمة، قال: سمعت أبا عبيدة يقول: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فذكر. نحوه. غير أنّهما قالا في حديثهما: وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم متّكئًا، فاستوى جالسًا ثمّ قال: كلا والّذي نفسي بيده حتّى تأخذوا على يدي الظّالم، فتأطروه على الحقّ أطرًا.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {لعن الّذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم} قال: فقال: لعنوا في الإنجيل وفي الزّبور. وقال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ رحى الإيمان قد دارت، فدوروا مع القرآن حيث دار، فإنّه قد فرغ اللّه ممّا افترض فيه، وإنّه كانت أمّةٌ من بني إسرائيل كانوا أهل عدلٍ، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، فأخذهم قومهم فنشروهم بالمناشير، وصلبوهم على الخشب، وبقيت منهم بقيّةٌ، فلم يرضوا حتّى داخلوا الملوك وجالسوهم، ثمّ لم يرضوا حتّى واكلوهم، فضرب اللّه تلك القلوب بعضها ببعضٍ فجعلها واحدةً فذلك قول اللّه تعالى: {لعن الّذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود} إلى {ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون} ماذا كانت معصيتهم؟ قال: كانوا لا يتناهون عن منكرٍ فعلوه، لبئس ما كانوا يفعلون.
فتأويل الكلام إذن: لعن اللّه الّذين كفروا من اليهود باللّه على لسان داود وعيسى ابن مريم، ولعن واللّه آباؤهم على لسان داود وعيسى ابن مريم، بما عصوا اللّه فخالفوا أمره وكانوا يعتدون، يقول: وكانوا يتجاوزون حدوده). [جامع البيان: 8/586-591]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (لعن الّذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون (78)
قوله تعالى: لعن الّذين كفروا من بني إسرائيل
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ وهارون بن إسحاق الهمدانيّ قالا، ثنا عبد الرّحمن بن محمّدٍ المحاربيّ عن العلا بن المسيّب عن عبد اللّه بن عمرو بن مرّة عن سالمٍ الأفطس عن أبي عبيدة عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: إنّ الرّجل من بني إسرائيل كان إذا رأى أخاه على الذّنب نهاه عنه تعزيرًا، فإذا كان من الغد يمنعه ما رأى منه أن يكون أكيله وخليطه وشريكه- وفي حديث هارون وشريبه ثمّ اتّفقا في المتن. فلمّا رأى اللّه ذلك منهم ضرب قلوب بعضهم على بعضٍ ولعنهم على لسان نبيّهم داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون. ثمّ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر ولتأخذنّ على يدي المسيء ولتأطرنّه على الحقّ أطرًا أو ليضربنّ اللّه بقلوب بعضكم على بعض أو ليلعنكم كما لعنهم والسّياق لأبي سعيدٍ
قوله تعالى: على لسان داود وعيسى ابن مريم
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية عن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ لعن الّذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود يعني: لعنوا في الإنجيل على لسان عيسى بن مريم ولعنوا في الزّبور على لسان داود.
- أخبرنا محمّد بن سعد بن عطيّة فيما كتب إليّ حدّثني أبي، ثنا عمّي حدّثني أبي عن أبيه عن عبد اللّه بن عبّاسٍ قوله: لعن الّذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم قال: لعنوا بكلّ لسانٍ على عهد موسى في التّوراة، ولعنوا على عهد عيسى في الإنجيل ولعنوا على عهد داود في الزّبور، ولعنوا على عهد محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم في القرآن.
- حدّثنا محمّد بن عمّار بن الحارث الرّازيّ، ثنا عبد الرّحمن الدّشتكيّ، ثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ عن حصينٍ عن أبي مالكٍ الغفاريّ في قوله: لعن الّذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم يقول: لعنوا على لسان داود فصاروا قردةً ولعنوا على لسان عيسى بن مريم فصاروا خنازير وروي عن مجاهد نحوه ذلك.
قوله تعالى: ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون
- حدّثنا محمّد بن يحيى، ثنا ابن العبّاس بن الوليد ثنا يزيد ثنا سعيدٌ عن قتادة قوله: ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون اجتنبوا المعصية والعرفان فإن بنا ملك من ملك قبلكم من النّاس). [تفسير القرآن العظيم: 4/1181-1182]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون * كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون}.
أخرج عبد الرزاق وأحمد، وعبد بن حميد وأبو داود والترمذي وحسنه، وابن ماجة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود قال: كان الرجل يلقى الرجل فيقول له: يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده فلما فعلوا ذلك ضرب الله على قلوب بعضهم ببعض، قال {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود} إلى قوله {فاسقون} ثم قال: كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يدي الظالم ولتأطرنه على الحق اطراء
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ والطبراني، وابن مردويه عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بني إسرائيل لما عملوا الخطيئة نهاهم علماؤهم تعزيرا ثم جالسوهم وآكلوهم وشاربوهم كأن لم يعملوا بالأمس خطيئة فلما رأى الله ذلك منهم ضرب بقلوب بعضهم على بعض ولعنهم على لسان نبي من الأنبياء ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر ولتأطرنهم على الحق أطرا أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض وليلعننكم كما لعنهم.
وأخرج عبد بن حميد عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذوا العطاء ما كان عطاء فإذا كان رشوة عن دينكم فلا تأخذوه ولن تتركوه يمنعكم من ذلك الفقر والمخافة أن بني يأجوج قد جاؤوا وإن رحى الإسلام ستدور فحيث ما دار القرآن فدوروا به يوشك السلطان والقرآن أن يقتتلا ويتفرقا انه سيكون عليكم ملوك يحكمون لكم بحكم ولهم بغيره فإن أطعتموهم أضلوكم وإن عصيتموهم قتلوكم قالوا: يا رسول الله فكيف بنا أن أدركنا ذلك قال: تكونون كأصحاب عيسى نشروا بالمناشير ورفعوا على الخشب موت في طاعة خير من حياة في معصية أن أول ما كان نقص في بني إسرائيل انهم كانوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر شبه التعزير فكان أحدهم إذا لقي صاحبه الذي كان يعيب عليه آكله وشاربه كأنه لم يعب عليه شيئا فلعنهم الله على لسان داود وذلك بما عصوا وكانوا يعتدون والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم ثم ليدعون خياركم فلا يستجاب لكم والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم فلتاطرنه عليه أطرا أو ليضربن الله قلوب بعضكم ببعض.
وأخرج ابن راهويه والبخاري في الوحدانيات، وابن السكن، وابن منده والباوردي في معرفة الصحابة والطبراني وأبو نعيم، وابن مردويه عن ابن أبزى عن أبيه قال خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكر طوائف من المسلمين فاثنى عليهم خيرا ثم قال: ما بال اقوام لا يعلمون جيرانهم ولا يفقهونهم ولا يفطنونهم ولا يأمرونهم ولا ينهونهم وما بال أقوام لا يتعلمون من جيرانهم ولا يتفقهمون ولا يتفطنون والذي نفسي بيده ليعلمن جيرانه أو ليتفقهن أو ليفطنن أو لأعاجلنهم بالعقوبة في دار الدنيا ثم نزل فدخل بيته، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يعني بهذا الكلام قالوا: ما نعلم يعني بهذا الكلام إلا الأشعريين فقهاء علماء ولهم جيران من أهل المياه جفاة جهلة فاجتمع جماعة من الأشعريين فدخلوا على النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: ذكرت طوائف من المسلمين بخير وذكرتنا بشر فما بالنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لتعلمن جيرانكم ولتفقهنهم ولتأمرنهم ولتنهونهم أو لأعاجلنكم بالعقوبة في دار الدنيا فقالوا: يا رسول الله فأما اذن فامهلنا سنة ففي سنة ما نعلمه ويتعلمون فامهلهم سنة ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون}.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود} يعني في الزبور {وعيسى} يعني في الإنجيل.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {لعن الذين كفروا} الآية، قال: لعنوا بكل لسان لعنوا على عهد محمد في القرآن.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس {لعن الذين كفروا} الآية، خالطوهم بعد النهي على تجارهم فضرب الله قلوب بعضهم على بعض وهم ملعونون على لسان داود وعيسى بن مريم.
وأخرج أبو عبيد، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي مالك الغفاري في الآية قال: لعنوا على لسان داود فجعلوا قردة وعلى لسان عيسى فجعلوا خنازير.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد، مثله.
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة في الآية قال: لعنهم الله على لسان داود في زمانهم فجعلهم قردة خاسئين ولعنهم في الإنجيل على لسان عيسى فجعلهم خنازير.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله {ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون} ماذا كان بعضهم قالوا {لا يتناهون عن منكر فعلوه}.
وأخرج أبو الشيخ عن أبي عمرو بن حماس أن ابن الزبير قال لكعب: هل لله من علامة في العباد إذا سخط عليهم قال: نعم يذلهم فلا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر وفي القرآن {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل} الآية.
وأخرج الديلمي في مسند الفردوس عن أبي عبيدة بن الجراح مرفوعا قتلت بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين نبيا من أول النهار فقام مائة واثنا عشر رجلا من عبادهم فأمروهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر فقتلوا جميعا في آخر النهار فهم الذين ذكر الله {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل} الآيات.
وأخرج أحمد والترمذي وحسنه والبيهقي عن حذيفة بن اليمان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن أن يبعث الله عليكم عقابا من عنده ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم
وأخرج ابن ماجة عن عائشة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوا فلا يستجاب لكم.
وأخرج مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجة عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان.
وأخرج أحمد عن عدي بن عميرة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه فإذا فعلوا ذلك عذب الله العامة والخاصة.
وأخرج الخطيب في رواة مالك من طريق أبي سلمة عن أبيه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال أن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكرونه فإذا فعلوا ذلك عذب الله الخاصة والعامة.
وأخرج الخطيب في رواة مالك من طريق أبي سلمة عن أبيه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال والذي نفس محمد بيده ليخرجن من أمتي أناس من قبورهم في صورة القردة والخنازير داهنوا أهل المعاصي سكتوا عن نهيهم وهم يستطيعون.
وأخرج الحكيم والترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عظمت امتي الدنيا نزعت منها هيبة الإسلام وإذا تركت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حرمت بركة الوحي وإذا تسابت أمتي سقطت من عين الله
وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال قيل يا رسول الله أتهلك القرية فيهم الصالحون قال: نعم، فقيل يا رسول الله، قال: تهانونهم وسكوتهم عن معاصي الله عز وجل.
وأخرج الطبراني عن أبي موسى الأشعري عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال أن من كان قبلكم من بني إسرائيل إذا عمل العامل فيهم الخطيئة فنهاه الناهي تعزيرا فإذا كان من الغد جالسه وآكله وشاربه كأنه لم يره على خطيئة بالأمس فلما رأى الله ذلك منهم ضرب بقلوب بعضهم على بعض ولعنهم على لسان داود وعيسى بن مريم {ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون} والذي نفس محمد بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر ولتأخذن على يد المسيء ولتأطرنه على الحق أطرا أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ويلعنكم كما لعنهم.
وأخرج الديلمي عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استغنى النساء بالنساء والرجال بالرجال فبشروهم بريح حمراء تخرج من قبل المشرق فينسخ بعضهم ويخسف ببعض {ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون}). [الدر المنثور: 5/395-403]

تفسير قوله تعالى: (كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {كانوا لا يتناهون عن منكرٍ فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون}.
يقول تعالى ذكره: كان هؤلاء اليهود الّذين لعنهم اللّه {لا يتناهون} يقول: لا ينتهون عن منكرٍ فعلوه، ولا ينهى بعضهم بعضًا. ويعني بالمنكر: المعاصي الّتي كانوا يعصون اللّه بها. فتأويل الكلام: كانوا لا ينتهون عن منكرٍ أتوه. {لبئس ما كانوا يفعلون} وهذا قسمٌ من اللّه تعالى ذكره، يقول: أقسم لبئس الفعل كانوا يفعلون في تركهم الانتهاء عن معاصي اللّه تعالى وركوب محارمه وقتل أنبياء اللّه ورسله.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: {كانوا لا يتناهون عن منكرٍ، فعلوه} لا تتناهى أنفسهم بعد أن وقعوا في الكفر). [جامع البيان: 8/591-592]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (كانوا لا يتناهون عن منكرٍ فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون (79)
قوله تعالى: كانوا لا يتناهون عن منكرٍ فعلوه
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم يقول في قوله ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون قال: كانت معصيتهم كانوا لا يتناهون عن مّنكرٍ فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون). [تفسير القرآن العظيم: 4/1182]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال أبو يعلى: حدثنا أبو كريبٍ، ثنا إسحاق بن سليمان، عن أبي سنانٍ، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازبٍ رضي الله عنهما قال: إن كان لتأتي عليّ السّنة، أريد أن أسأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن شيءٍ، فأتهيّب منه وإن كنّا لنتمنّى الأعراب.
(147) (حديث الحسن) عن أبي (بكرة) رضي الله عنه في قوله (تعالى): {كانوا لا يتناهون عن منكرٍ فعلوه}، في كتاب الإيمان). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 14/617]

تفسير قوله تعالى: (تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (80) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ترى كثيرًا منهم يتولّون الّذين كفروا لبئس ما قدّمت لهم أنفسهم أن سخط اللّه عليهم وفي العذاب هم خالدون}.
يقول تعالى ذكره: ترى يا محمّد كثيرًا من بني إسرائيل يتولّون الّذين كفروا، يقول: يتولّون المشركين من عبدة الأوثان، يعادّون أولياء اللّه ورسله. {لبئس ما قدّمت لهم أنفسهم} يقول تعالى ذكره: أقسم لبئس الشّيء الّذي قدّمت لهم أنفسهم أمامهم إلى معادهم في الآخرة
{أن} في قوله {أن سخط اللّه عليهم} في موضع رفعٍ ترجمةً عن ما الّذي في قوله: {لبئس ما}.
{وفي العذاب هم خالدون} يقول: وفي عذاب اللّه يوم القيامة هم خالدون، دائمٌ مقامهم ومكثهم فيه). [جامع البيان: 8/592]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ترى كثيرًا منهم يتولّون الّذين كفروا لبئس ما قدّمت لهم أنفسهم أن سخط اللّه عليهم وفي العذاب هم خالدون (80)
قوله تعالى: ترى كثيرًا منهم يتولّون الّذين كفروا لبئس ما قدّمت لهم أنفسهم
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث، ثنا بشر بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ لبئس ما قدّمت لهم أنفسهم قال: أمرتهم.
قوله تعالى: أن سخط اللّه عليهم
- حدّثنا أبي، ثنا هشام بن عمّارٍ: ثنا مسلمة بن عليٍّ عن الأعمش بإسناده ذكره قال: يا معشر المسلمين إيّاكم والزّنا فإنّ فيه ستّة خصالٍ ثلاثٌ في الدّنيا وثلاثٌ في الآخرة: فأمّا الّتي في الدّنيا فإنّه يذهب البهاء ويورث الفقر وينقص العمر. وأمّا الّتي في الآخرة فإنّه يوجب السّخط من الرّبّ وسوء الحساب والخلود في النّار، ثمّ تلا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لبئس ما قدّمت لهم أنفسهم أن سخط اللّه عليهم وفي العذاب هم خالدون). [تفسير القرآن العظيم: 4/1182-1183]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون}.
أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله {لبئس ما قدمت لهم أنفسهم} قال: ما أمرتهم.
وأخرج ابن أبي حاتم والخرائطي في مساوئ الأخلاق، وابن مردويه والبيهقي في الشعب وضعفه عن حذيفة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال يا معشر المسلمين إياكم والزنا فإن فيه ست خصال: ثلاث في الدنيا وثلاث في الآخرة فأما التي في الدنيا قد طاب إليها ودوام الفقر وقصر العمر وأما التي في الآخرة فسخط الله وطول الحساب والخلود في النار ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم {لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون}). [الدر المنثور: 5/403]

تفسير قوله تعالى: (وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (81) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولو كانوا يؤمنون باللّه والنّبيّ وما أنزل إليه ما اتّخذوهم أولياء ولكنّ كثيرًا منهم فاسقون}
يقول تعالى ذكره: ولو كان هؤلاء الّذين يتولّون الّذين كفروا من بني إسرائيل {يؤمنون باللّه والنّبيّ} يقول: يصدّقون اللّه ويقرّون به ويوحّدونه ويصدّقون نبيّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم بأنّه للّه نبيّ مبعوثٌ ورسولٌ مرسلٌ {وما أنزل إليه} يقول: يقرّون بما أنزل إلى محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم من عند اللّه من آي الفرقان {ما اتّخذوهم أولياء} يقول: ما اتّخذوهم أصحابًا وأنصارًا من دون المؤمنين. {ولكن كثيرًا منهم فاسقون} يقول: ولكنّ كثيرًا منهم أهل خروجٍ عن طاعة اللّه إلى معصيته وأهل استحلالٍ لما حرّم اللّه عليهم من القول والفعل.
وكان مجاهدٌ يقول في ذلك ما:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {ولو كانوا يؤمنون باللّه والنّبيّ وما أنزل إليه ما اتّخذوهم أولياء} قال: المنافقون). [جامع البيان: 8/593]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ولو كانوا يؤمنون باللّه والنّبيّ وما أنزل إليه ما اتّخذوهم أولياء ولكنّ كثيرًا منهم فاسقون (81)
قوله تعالى: ولو كانوا يؤمنون باللّه
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قوله: ولو كانوا يؤمنون بالله.... المنافقون). [تفسير القرآن العظيم: 4/1183]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي يعني المنافقين). [تفسير مجاهد: 202]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون}.
أخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله {ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء} قال: المنافقون). [الدر المنثور: 5/403-404]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 20 ربيع الثاني 1434هـ/2-03-2013م, 11:05 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي التفسير اللغوي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (77) )

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحقّ ولا تتّبعوا أهواء قوم قد ضلّوا من قبل وأضلّوا كثيرا وضلّوا عن سواء السّبيل (77)
أهواء جمع هوى، وهوى النفس مقصور لأنه مثل الفرق وفعل جمعه أفعال، وتأويله لا تتبعوا شهواتهم لأنهم آثروا الشهوات على البيان والبرهان.
وما في القرآن من ذكر اتباع الهوى مذموم نحو قوله:
(ولا تتّبع الهوى فيضلّك عن سبيل اللّه)
وقوله: (واتّبع هواه فتردى) وقوله: (وما ينطق عن الهوى).
ومعنى (وأضلّوا كثيرا) الكثير اتبعوهم.
(وضلّوا عن سواء السّبيل).
أي ضلوا بإضلالهم عن قصد السبيل). [معاني القرآن: 2/197-198]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق} الغلو التجاوز قال أبو عبيد كما فعلت الخوارج أخرجهم الغلو إلى أن كفروا أهل الذنوب قال ويبين لك هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم فيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية والمروق هو الغلو بعينه لأن السهم يتجاوز الرمية). [معاني القرآن: 2/345]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل}
قال ابن أبي نجيح عن مجاهد يعني اليهود وقال غيره لأنهم اتبعوا شهواتهم وطلبوا دوام رياستهم وآثروا ذلك على الحق والهوى في القرآن مذموم والعرب لا تستعمله إلا في الشر فأما في الخير فيستعملون الشهوة والنية والمحبة). [معاني القرآن: 2/345-346]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {وأضلوا كثيرا} قال ابن أبي نجيح يعني المنافقين وقال غيره ضلوا باتباعهم إياهم). [معاني القرآن: 2/346]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {وضلوا عن سواء السبيل} أي قصده). [معاني القرآن: 2/346]

تفسير قوله تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (لعن الّذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون (78)
تأويل لعنوا بوعدوا من رحمة اللّه.
(على لسان داوود وعيسى ابن مريم)
جاء في التفسير أن قوما اجتمعوا على منكر، فأتاهم داود عليه السلام ينهاهم عنه، فاستأذن عليهم فقالوا نحن قرود وما نفقه ما تقول، فقال كونوا قردة، فمسخهم الله قردة، وأن قوما اجتمعوا على عيسى يسبّونه في أمّه ويرجمونه فسأل الله أن يجعلهم خنازير فصاروا خنازير، وذلك لعنهم على لسان داود وعيسى.
وجائز أن يكون داود وعيسى أعلما أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - نبي وأنهما لعنا من كفر به.
وقوله؛ (ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون).
أي ذلك اللعن بمعصيتهم واعتدائهم.
و " ذلك " الكاف فيه للمخاطبة، واللام في ذلك كسرت لالتقاء السّاكنين.
ولم يذكر الكوفيون كسر هذه اللام في شيء من كتبهم ولا عرفوه، وهذه من الأشياء التي كان ينبغي أن يتكلموا فيها، إذ كان " ذلك " إشارة إلى كل متراخ عنك، إلا أن تركهم الكلام أعود عليهم من تكلّمهم إذ كان أول ما نطقوا به في فعل قد نقض سائر العربية، وقد بيّنّا ذلك قديما). [معاني القرآن: 2/198]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم} قال أبو مالك الذين لعنوا على لسان داود مسخوا قردة والذين لعنوا على لسان عيسى صلى الله عليه وسلم مسخوا خنازير وروي عن ابن عباس أنه قال الذين لعنوا على لسان داود أصحاب السبت والذين لعنوا على لسان عيسى الذين كفروا بعد نزول المائدة وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أول ما وقع النقص في بني إسرائيل أن أحدهم كان يرى أخاه على المعصية فينهاه ثم لا يمنعه ذلك من الغد أن يكون أكيله وشريبه فضرب الله قلوب بعضهم ببعض وأنزل فيهم القرآن {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون}
ثم قال صلى الله عليه وسلم كلا والذي نفسي بيده حتى تأخذوا على يدي الظالم فتأطروه على الحق أطرا). [معاني القرآن: 2/346-348]

تفسير قوله تعالى: (كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون (79)
أي لبئس سيئا فعلهم، واللام دخلت للقسم والتوكيد وقد بيّنّا لم فتحت، وسائر الحروف التي جاءت يعني لم فتحت وكسرت ولم يبين
الكوفيون شيئا من ذلك). [معاني القرآن: 2/199]

تفسير قوله تعالى: (تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (80) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (ترى كثيرا منهم يتولّون الّذين كفروا لبئس ما قدّمت لهم أنفسهم أن سخط اللّه عليهم وفي العذاب هم خالدون (80)
(أن سخط اللّه عليهم)
(أن) يجوز أن يكون نصبا على تأويل بئس الشيء ذلك لأن سخط اللّه عليهم، أي لأن أكسبهم السّخطة، ويجوز أن يكون " أن " في موضع رفع على إضمار هو، كأنّه قيل هو أن سخط اللّه عليهم، كما تقول نعم الرجل).[معاني القرآن: 2/199]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا} قال مجاهد يعني المنافقين). [معاني القرآن: 2/348]

تفسير قوله تعالى: (وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (81) )


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 3 جمادى الأولى 1434هـ/14-03-2013م, 04:31 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي التفسير اللغوي المجموع

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (77) }

تفسير قوله تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) }
قال أبو زكريا يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (واللسان يذكر وربما أنث إذا قصدوا باللسان قصد الرسالة أو القصيدة. قال الشاعر:
لسان المرء تهديها إلينا = وحنت وما حسبتك أن تحينا
ويروى: لسان السوء.
وقال الآخر"
أتتني لسان بني عامر = أحاديثها بعد قول نكر
وذكّرها الحطيئة، فقال:
ندمت على لسان كان مني فليت بأنه في جوف عكم
فأما اللسان بعينه، فلم أسمعه من العرب إلا مذكرا). [المذكور والمؤنث: 64-65]

تفسير قوله تعالى: {كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79) }

تفسير قوله تعالى: {تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (80) }
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): (وقال أبو العباس في قوله عز وجل: {لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ} قال: قال الكسائي: بئس الذي قدمت لهم السخط، وكأنه بئس الشيء شيء قدمت لهم أنفسهم. وليس بشيء. وقال الفراء: بئس ما يرفع ما ببئس، ولا يجوز بئس الذي قام زيد). [مجالس ثعلب: 62]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (81) }

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 03:54 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 03:55 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 03:55 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 03:55 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (77) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم أمر تعالى نبيه محمدا أن ينهاهم عن الغلو في دينهم، والغلو تجاوز الحد، غلا السهم إذا تجاوز الغرض المقصود واستوفى سومه من الاطراد، وتلك المسافة هي غلوته، وكما كان قوله لا تغلوا بمعنى لا تقولوا ولا تلتزموا نصب غير وليس معنى هذه الآية جنبوا من دينكم الذي أنتم عليه الغلو، وإنما معناه في دينكم الذي ينبغي أن يكون دينكم، لأن كل إنسان فهو مطلوب بالدين الحق وحري أن يتبعه ويلتزمه، وهذه المخاطبة هي للنصارى الذين غلوا في عيسى، والقوم الذين نهي النصارى عن اتباع أهوائهم بنو إسرائيل، ومعنى الآية لا تتبعوا أنتم أهواءكم كما اتبع أولئك أهواءهم، فالمعنى لا تتبعوا طرائقهم، والذي دعا إلى هذا التأويل أن النصارى في غلوهم ليسوا على هوى بني إسرائيل هم بالضد في الأقوال وإنما اجتمعوا في اتباع نوع الهوى، فالآية بمنزلة قولك لمن تلومه على عوج، هذه طريقة فلان، تمثله بآخر قد اعوج نوعا آخر من الاعوجاج وإن اختلفت نوازله، ووصف تعالى اليهود بأنهم ضلوا قديما وأضلوا كثيرا من أتباعهم، ثم أكد الأمر بتكرار قوله تعالى: وضلّوا عن سواء السّبيل وذهب بعض المتأولين إلى أن المعنى يا أهل الكتاب من النصارى لا تتبعوا أهواء هؤلاء اليهود الذين ضلوا من قبل، أي ضل أسلافهم وهم قبل مجيء محمد، وأضلوا كثيرا من المنافقين وضلوا عن سواء السبيل الآن بعد وضوح الحق). [المحرر الوجيز: 3/227]

تفسير قوله تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: لعن الّذين كفروا من بني إسرائيل الآية. قد تقرر في غير موضع من القرآن ما جرى في مدة موسى من كفر بعضهم وعتوهم، وكذلك أمرهم مع محمد عليه السلام كان مشاهدا في وقت نزول القرآن، فخصت هذه الآية داود وعيسى إعلاما بأنهم لعنوا في الكتب الأربعة وأنهم قد لعنوا على لسان غير موسى ومحمد عليهما السلام، وقال ابن عباس رحمه الله: لعنوا بكل لسان لعنوا على عهد موسى في التوراة وعلى عهد داود في الزبور وعلى عهد عيسى في الإنجيل وعلى عهد محمد في القرآن، وروى ابن جريج أنه اقترن بلعنتهم على لسان داود أن مسخوا خنازير، وذلك أن داود عليه السلام مر على نفر وهم في بيت فقال من في البيت؟ قالوا: خنازير على معنى الانحجاب، قال: اللهم اجعلهم خنازير، فكانوا خنازير، ثم دعا عيسى على من افترى عليه على أن يكونوا قردة فكانوا قردة، وقال مجاهد وقتادة: بل مسخوا في زمن داود قردة وفي زمن عيسى خنازير، وحكى الزجّاج نحوه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وذكر المسخ ليس مما تعطيه ألفاظ الآية، وإنما تعطي ألفاظ الآية أنهم لعنهم الله وأبعدهم من رحمته وأعلم بذلك العباد المؤمنون على لسان داود النبي في زمنه وعلى لسان عيسى في زمنه، وروي عن ابن عباس أنه قال: لعن على لسان داود أصحاب السبت، وعلى لسان عيسى الذين كفروا بالمائدة، وقوله تعالى: ذلك إشارة إلى لعنتهم وباقي الآية بيّن). [المحرر الوجيز: 3/227-228]

تفسير قوله تعالى: {كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: كانوا لا يتناهون عن منكرٍ فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون (79) ترى كثيراً منهم يتولّون الّذين كفروا لبئس ما قدّمت لهم أنفسهم أن سخط اللّه عليهم وفي العذاب هم خالدون (80) ولو كانوا يؤمنون باللّه والنّبيّ وما أنزل إليه ما اتّخذوهم أولياء ولكنّ كثيراً منهم فاسقون (81)
ذم الله تعالى هذه الفرقة الملعونة بأنهم كانوا لا يتناهون عن منكرٍ فعلوه أي أنهم كانوا يتجاهرون بالمعاصي وإن نهى منهم ناه فعن غير جد، بل كانوا لا يمتنع الممسك منهم عن مواصلة العاصي ومؤاكلته وخلطته، وروى ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الرجل من بني إسرائيل كان إذا رأى أخاه على ذنب نهاه عنه تعزيرا، فإذا كان من الغد لم يمنعه ما رأى منه أن يكون خليطه وأكيله، فلما رأى الله ذلك منهم ضرب بقلوب بعضهم على بعض ولعنهم على لسان نبيهم داود وعيسى، قال ابن مسعود:
وكان رسول الله متكئا فجلس، وقال: لا والله حتى تأخذوا على يدي الظالم فتأطروه على الحق أطرا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والإجماع على أن النهي عن المنكر واجب لمن أطاقه ونهى بمعروف وأمن الضرر عليه وعلى المسلمين، فإن تعذر على أحد النهي لشيء من هذه الوجوه ففرض عليه الإنكار بقلبه وأن لا يخالط ذا المنكر، وقال حذاق أهل العلم: ليس من شروط الناهي أن يكون سليما من المعصية، بل ينهى العصاة بعضهم بعضا، وقال بعض الأصوليين فرض على الذين يتعاطون الكؤوس أن ينهى بعضهم بعضا. واستدل قائل هذه المقالة بهذه الآية، لأن قوله يتناهون وفعلوه يقتضي اشتراكهم في الفعل وذمهم على ترك التناهي. وقوله تعالى: لبئس ما كانوا يفعلون اللام لام قسم، وجعل الزجاج ما مصدرية وقال: التقدير لبئس شيئا فعلهم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وفي هذا نظر، وقال غيره ما نكرة موصوفة، التقدير: لبئس الشيء الذي كانوا يفعلون فعلا). [المحرر الوجيز: 3/228-229]

تفسير قوله تعالى: {تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (80) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم: ترى كثيراً يحتمل أن يكون رؤية قلب وعلى هذا فيحتمل أن يريد من الأسلاف المذكورين، أي ترى الآن إذا خبرناك، ويحتمل أن يريد من معاصري محمد صلى الله عليه وسلم لأنه كان يرى ذلك من أمورهم ودلائل حالهم، ويحتمل أن تكون الرؤية رؤية عين فلا يريد إلا معاصري محمد صلى الله عليه وسلم، وقوله تعالى: لبئس ما قدّمت لهم أنفسهم أي قدمته للآخرة واجترحته، ثم فسر ذلك قوله تعالى: أن سخط اللّه عليهم ف أن سخط في موضع رفع بدل من ما، ويحتمل أن يكون التقدير هو أن سخط الله عليهم، وقال الزجاج: «أن» في موضع نصب ب أن سخط اللّه عليهم.
وقوله تعالى: والنّبيّ إن كان المراد الأسلاف فالنبي داود وعيسى، وإن كان المراد معاصري محمد فالنبي محمد عليه السلام، والذين كفروا هم عبدة الأوثان، وخص الكثير منهم بالفسق إذ فيهم قليل قد آمن.
وذهب بعض المفسرين إلى أن قوله تعالى: ترى كثيراً منهم كلام منقطع من ذكر بني إسرائيل وأنه يعني به المنافقين). [المحرر الوجيز: 3/229-230]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (81) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقال مجاهد رحمه الله: ولو كانوا يؤمنون آية يعني بها المنافقين). [المحرر الوجيز: 3/230]

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 03:55 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 03:55 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (77) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال: {قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحقّ} أي: لا تجاوزوا الحدّ في اتّباع الحقّ، ولا تطروا من أمرتم بتعظيمه فتبالغوا فيه، حتّى تخرجوه عن حيّز النّبوّة إلى مقام الإلهيّة، كما صنعتم في المسيح، وهو نبيٌّ من الأنبياء، فجعلتموه إلهًا من دون اللّه، وما ذاك إلّا لاقتدائكم بشيوخ الضّلال، الّذين هم سلفكم ممّن ضلّ قديمًا، {وأضلّوا كثيرًا وضلّوا عن سواء السّبيل} أي: وخرجوا عن طريق الاستقامة والاعتدال، إلى طريق الغواية والضّلال.
قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا أحمد بن عبد الرّحمن، حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع بن أنسٍ قال: وقد كان قائمٌ قام عليهم، فأخذ بالكتاب والسّنّة زمانًا، فأتاه الشّيطان فقال: إنّما تركب أثرًا أو أمرًا قد عمل قبلك، فلا تجمد عليه، ولكن ابتدع أمرًا من قبل نفسك وادع إليه وأجبر النّاس عليه، ففعل، ثمّ ادّكر بعد فعله زمانًا فأراد أن يتوب فخلع ملكه، وسلطانه وأراد أن يتعبّد فلبث في عبادته أيّامًا، فأتي فقيل له: لو أنّك تبت من خطيئةٍ عملتها فيما بينك وبين ربّك عسى أن يتاب عليك، ولكن ضلّ فلانٌ وفلانٌ وفلانٌ في سببك حتّى فارقوا الدّنيا وهم على الضّلالة، فكيف لك بهداهم، فلا توبة لك أبدًا. ففيه سمعنا وفي أشباهه هذه الآية: {قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحقّ ولا تتّبعوا أهواء قومٍ قد ضلّوا من قبل وأضلّوا كثيرًا وضلّوا عن سواء السّبيل}). [تفسير القرآن العظيم: 3/159-160]

تفسير قوله تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({لعن الّذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون (78) كانوا لا يتناهون عن منكرٍ فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون (79) ترى كثيرًا منهم يتولّون الّذين كفروا لبئس ما قدّمت لهم أنفسهم أن سخط اللّه عليهم وفي العذاب هم خالدون (80) ولو كانوا يؤمنون باللّه والنّبيّ وما أنزل إليه ما اتّخذوهم أولياء ولكنّ كثيرًا منهم فاسقون (81)}
يخبر تعالى أنّه لعن الكافرين من بني إسرائيل من دهرٍ طويلٍ، فيما أنزل على داود نبيّه، عليه السّلام، وعلى لسان عيسى ابن مريم، بسبب عصيانهم للّه واعتدائهم على خلقه.
قال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: لعنوا في التّوراة و [في] الإنجيل وفي الزّبور، وفي الفرقان). [تفسير القرآن العظيم: 3/160]

تفسير قوله تعالى: {كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ بيّن حالهم فيما كانوا يعتمدونه في زمانهم، فقال: {كانوا لا يتناهون عن منكرٍ فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون} أي: كان لا ينهى أحدٌ منهم أحدًا عن ارتكاب المآثم والمحارم، ثمّ ذمّهم على ذلك ليحذر أن يركب مثل الّذي ارتكبوا، فقال: {لبئس ما كانوا يفعلون}
وقال الإمام أحمد، رحمه اللّه: حدّثنا يزيد حدّثنا شريك بن عبد اللّه، عن عليّ بن بذيمة عن أبي عبيدة، عن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لمّا وقعت بنو إسرائيل في المعاصي، نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا، فجالسوهم في مجالسهم -قال يزيد: وأحسبه قال: وأسواقهم-وواكلوهم وشاربوهم. فضرب اللّه قلوب بعضهم ببعضٍ، ولعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون"، وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم متّكئًا فجلس فقال: "لا والّذي نفسي بيده حتّى تأطروهم على الحقّ أطرًا".
وقال أبو داود: حدّثنا عبد اللّه بن محمّدٍ النّفيلي، حدّثنا يونس بن راشد، عن عليّ بن بذيمة، عن أبي عبيدة، عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ أوّل ما دخل النّقص على بني إسرائيل كان الرّجل يلقى الرّجل فيقول: يا هذا، اتّق اللّه ودع ما تصنع، فإنّه لا يحلّ لك. ثمّ يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلمّا فعلوا ذلك ضرب اللّه قلوب بعضهم ببعضٍ، ثمّ قال: {لعن الّذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم} إلى قوله: {فاسقون} ثمّ قال: "كلّا واللّه لتأمرنّ بالمعروف ولتنهون عن المنكر، ولتأخذنّ على يد الظّالم، ولتأطرنّه على الحقّ أطرا -أو تقصرنه على الحقّ قصرًا".
وكذا رواه التّرمذيّ وابن ماجه، من طريق عليّ بن بذيمة، به وقال التّرمذيّ: "حسنٌ غريبٌ". ثمّ رواه هو وابن ماجه، عن بندار، عن ابن مهدىّ، عن سفيان، عن عليّ بن بذيمة، عن أبي عبيدة مرسلًا.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ وهارون بن إسحاق الهمدانيّ قالا حدّثنا عبد الرّحمن بن محمّدٍ المحاربيّ، عن العلاء بن المسيّب، عن عبد اللّه بن عمرو بن مرّة، عن سالمٍ الأفطس، عن أبي عبيدة، عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: "إن الرّجل من بني إسرائيل كان إذا رأى أخاه على الذّنب نهاه عنه تعذيرًا، فإذا كان من الغد لم يمنعه ما رأى منه أن يكون أكيله وخليطه وشريكه -وفي حديث هارون: وشرّيبه، ثمّ اتّفقا في المتن-فلمّا رأى اللّه ذلك منهم، ضرب قلوب بعضهم على بعضٍ، ولعنهم على لسان نبيّهم داود وعيسى ابن مريم، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون". ثمّ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "والّذي نفسي بيده لتأمرنّ بالمعروف، ولتنهونّ عن المنكر، ولتأخذنّ على يد المسيء، ولتأطرنّه على الحقّ أطرًا أو ليضربنّ اللّه قلوب بعضكم على بعضٍ، أو ليلعنكم كما لعنهم"، والسّياق لأبي سعيدٍ. كذا قال في رواية هذا الحديث.
وقد رواه أبو داود أيضًا، عن خلف بن هشامٍ، عن أبي شهابٍ الخيّاط، عن العلاء بن المسيّب، عن عمرو بن مرّة، عن سالمٍ -وهو ابن عجلان الأفطس-عن أبي عبيدة بن عبد اللّه بن مسعودٍ، عن أبيه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، بنحوه. ثمّ قال أبو داود: وكذا رواه خالدٌ، عن العلاء، عن عمرو بن مرّة، به. ورواه المحاربيّ، عن العلاء بن المسيّب، عن عبد اللّه بن عمرو بن مرّة، عن سالمٍ الأفطس، عن أبي عبيدة، عن عبد اللّه
قال شيخنا الحافظ أبو الحجّاج المزّيّ: وقد رواه خالد بن عبد اللّه الواسطيّ، عن العلاء، عن عمرو بن مرّة، عن أبي موسى
والأحاديث في الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر كثيرةٌ جدًّا، ولنذكر منها ما يناسب هذا المقام.
[و] قد تقدّم حديث جريرٍ عند قوله [تعالى] {لولا ينهاهم الرّبّانيّون والأحبار} [المائدة: 63]، وسيأتي عند قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضلّ إذا اهتديتم} [المائدة: 105]، حديث أبي بكرٍ الصّدّيق وأبي ثعلبة الخشني [رضي اللّه عنهما] -فقال الإمام أحمد:
حدّثنا سليمان الهاشميّ، أنبأنا إسماعيل بن جعفرٍ، أخبرني عمرو بن أبي عمرٍو، عن عبد اللّه بن عبد الرّحمن الأشهليّ، عن حذيفة بن اليمان؛ أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "والّذي نفسي بيده لتأمرنّ بالمعروف ولتنهونّ عن المنكر، أو ليوشكنّ اللّه أن يبعث عليكم عقابًا من عنده، ثمّ لتدعنّه فلا يستجيب لكم".
ورواه التّرمذيّ عن عليّ بن حجرٍ، عن إسماعيل بن جعفرٍ، به. وقال: هذا حديثٌ حسنٌ
وقال أبو عبد اللّه محمّد بن يزيد بن ماجه: حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدّثنا معاوية بن هشامٍ، عن هشام بن سعدٍ، عن عمرو بن عثمان، عن عاصم بن عمر بن عثمان، عن عروة، عن عائشة قالت: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول: "مروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، قبل أن تدعوا فلا يستجاب لكم". تفرّد به، وعاصمٌ هذا مجهولٌ.
وفي الصّحيح من طريق الأعمش، عن إسماعيل بن رجاء، عن أبيه، عن سعيدٍ -وعن قيس بن مسلمٍ، عن طارق بن شهابٍ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ-قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "من رأى منكم منكرًا فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" رواه مسلمٌ.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا ابن نمير، حدّثنا سيف -هو ابن أبي سليمان سمعت عديّ بن عديٍّ الكنديّ يحدّث عن مجاهدٍ قال: حدّثني مولًى لنا أنّه سمع جدّي -يعني: عديّ بن عميرة، رضي اللّه عنه-يقول: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول: "إنّ اللّه لا يعذّب العامّة بعمل الخاصّة، حتّى يروا المنكر بين ظهرانيهم، وهم قادرون على أن ينكروه. فلا ينكرونه فإذا فعلوا ذلك عذّب اللّه العامّة والخاصّة".
ثمّ رواه أحمد، عن أحمد بن الحجّاج، عن عبد اللّه بن المبارك، عن سيف بن أبي سليمان، عن عديّ بن عديٍّ الكنديّ، حدّثني مولًى لنا أنّه سمع جدّي يقول: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول، فذكره. هكذا رواه الإمام أحمد من هذين الوجهين.
وقال أبو داود: حدّثنا محمّد بن العلاء، حدّثنا أبو بكرٍ، حدّثنا مغيرة بن زياد الموصلي، عن عديّ بن عديٍّ، عن العرس -يعني ابن عميرة-عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها -وقال مرّةً: فأنكرها-كان كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها."
تفرّد به أبو داود، ثمّ رواه عن أحمد بن يونس، عن أبي شهابٍ، عن مغيرة بن زيادٍ، عن عديّ بن عديٍّ، مرسلًا.
[و] قال أبو داود: حدّثنا سليمان بن حربٍ وحفص بن عمر قالا حدّثنا شعبة -وهذا لفظه-عن عمرو بن مرّة، عن أبي البختري قال: أخبرني من سمع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم -وقال سليمان: حدّثني رجلٌ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم؛ أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم -قال: "لن يهلك النّاس حتّى يعذروا-أو: يعذروا -من أنفسهم".
وقال ابن ماجه: حدّثنا عمران بن موسى، حدّثنا حمّاد بن زيدٍ، حدّثنا عليّ بن زيد بن جدعان، عن أبي نضرة، عن أبي سعيدٍ الخدريّ؛ أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم قام خطيبًا، فكان فيما قال: "ألّا لا يمنعن رجلًا هيبة النّاس أن يقول الحقّ إذا علمه". قال: فبكى أبو سعيدٍ وقال: قد -واللّه-رأينا أشياء، فهبنا.
وفي حديث إسرائيل: عن محمّد بن حجادة، عن عطيّة، عن أبي سعيدٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أفضل الجهاد كلمة حقٍّ عند سلطانٍ جائرٍ".
رواه أبو داود، والتّرمذيّ، وابن ماجه، وقال التّرمذيّ: حسنٌ غريبٌ من هذا الوجه.
وقال ابن ماجه: حدّثنا راشد بن سعيدٍ الرّمليّ، حدّثنا الوليد بن مسلمٍ، حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن أبي غالبٍ، عن أبي أمامة قال: عرض لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رجلٌ عند الجمرة الأولى فقال: يا رسول اللّه، أيّ الجهاد أفضل؟ فسكت عنه. فلمّا رمى الجمرة الثّانية سأله، فسكت عنه. فلمّا رمى جمرة العقبة، ووضع رجله في الغرز ليركب، قال: "أين السّائل؟ " قال: أنا يا رسول اللّه، قال: "كلمة حقٍّ تقال عند ذي سلطانٍ جائرٍ". تفرّد به.
وقال ابن ماجه: حدّثنا أبو كريب، حدّثنا عبد اللّه بن نمير وأبو معاوية، عن الأعمش، عن عمرو بن مرّة، عن أبي البختري، عن أبي سعيدٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لا يحقر أحدكم نفسه". قالوا: يا رسول اللّه، كيف يحقر أحدنا نفسه؟. قال: "يرى أمرًا للّه فيه مقال، ثمّ لا يقول فيه. فيقول اللّه له يوم القيامة: ما منعك أن تقول فيّ كذا وكذا وكذا؟ فيقول: خشية النّاس، فيقول: فإيّاي كنت أحقّ أن تخشى". تفرّد به.
وقال أيضًا: حدّثنا عليّ بن محمّدٍ، حدّثنا محمّد بن فضيل، حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، حدّثنا عبد اللّه بن عبد الرّحمن أبو طوالة، حدّثنا نهار العبديّ؛ أنّه سمع أبا سعيدٍ الخدريّ يقول: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "إنّ اللّه ليسأل العبد يوم القيامة، حتّى يقول: ما منعك إذ رأيت المنكر أن تنكره؟ فإذا لقّن اللّه عبدًا حجّته، قال: يا ربّ، رجوتك وفرقت من النّاس". تفرّد به أيضًا ابن ماجه، وإسناده لا بأس به.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا عمرو بن عاصمٍ، عن حمّاد بن سلمة، عن عليّ بن زيدٍ، عن الحسن، عن جندب، عن حذيفة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "لا ينبغي لمسلمٍ أن يذلّ نفسه". قيل: وكيف يذلّ نفسه؟ قال: "يتعرّض من البلاء لما لا يطيق".
وكذا رواه التّرمذيّ وابن ماجه جميعًا، عن محمّد بن بشّار، عن عمرو بن عاصمٍ، به. وقال التّرمذيّ: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ.
وقال ابن ماجه: حدّثنا العبّاس بن الوليد الدّمشقيّ، حدّثنا زيد بن يحيى بن عبيد الخزاعي، حدّثنا الهيثم بن حميدٍ، حدّثنا أبو معبد حفص بن غيلان الرّعيني، عن مكحولٍ، عن أنس بن مالكٍ قال: قيل: يا رسول اللّه، متى يترك الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر؟ قال: "إذا ظهر فيكم ما ظهر في الأمم قبلكم". قلنا: يا رسول اللّه، وما ظهر في الأمم قبلنا؟ قال: "الملك في صغاركم، والفاحشة في كباركم، والعلم في رذالكم". قال زيدٌ: تفسير معنى قول النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم:" "والعلم في رذالكم": إذا كان العلم في الفسّاق.
تفرّد به ابن ماجه وسيأتي في حديث أبي ثعلبة، عند قوله: {لا يضرّكم من ضلّ إذا اهتديتم} [المائدة: 105] شاهدٌ لهذا، إن شاء اللّه تعالى وبه الثّقة). [تفسير القرآن العظيم: 3/160-164]

تفسير قوله تعالى: {تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (80) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ترى كثيرًا منهم يتولّون الّذين كفروا} قال مجاهدٌ: يعني بذلك المنافقين. وقوله: {لبئس ما قدّمت لهم أنفسهم} يعني بذلك موالاتهم للكافرين، وتركهم موالاة المؤمنين، الّتي أعقبتهم نفاقًا في قلوبهم، وأسخطت اللّه عليهم سخطًا مستمرًّا إلى يوم معادهم؛ ولهذا قال: {أن سخط اللّه عليهم} فسّر بذلك ما ذمّهم به. ثمّ أخيرًا أنّهم {وفي العذاب هم خالدون} يعني يوم القيامة.
قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا هشام بن عمّارٍ، حدّثنا مسلمة بن عليٍّ، عن الأعمش بإسنادٍ ذكره قال: "يا معشر المسلمين، إيّاكم والزّنا، فإنّ فيه ستّ خصالٍ، ثلاثةٌ في الدّنيا وثلاثةٌ في الآخرة، فأمّا الّتي في الدّنيا: فإنّه يذهب البهاء، ويورث الفقر، وينقص العمر. وأمّا الّتي في الآخرة: فإنّه يوجب سخط الرّبّ، وسوء الحساب، والخلود في النّار". ثمّ تلا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {لبئس ما قدّمت لهم أنفسهم أن سخط اللّه عليهم وفي العذاب هم خالدون}
هكذا ذكره ابن أبي حاتمٍ، وقد رواه ابن مردويه عن طريق هشام بن عمّارٍ، عن مسلمة عن الأعمش، عن شقيق، عن حذيفة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم -فذكره. وساقه أيضًا من طريق سعيد بن غفير، عن مسلمة، عن أبي عبد الرّحمن الكوفيّ، عن الأعمش، عن شقيقٍ، عن حذيفة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فذكر مثله.
وهذا حديثٌ ضعيفٌ على كلّ حالٍ واللّه أعلم). [تفسير القرآن العظيم: 3/164-165]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (81) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى: {ولو كانوا يؤمنون باللّه والنّبيّ وما أنزل إليه ما اتّخذوهم أولياء} أي: لو آمنوا حقّ الإيمان باللّه والرّسل والفرقان لما ارتكبوا ما ارتكبوه من موالاة الكافرين في الباطن، ومعاداة المؤمنين باللّه والنّبيّ وما أنزل إليه {ولكنّ كثيرًا منهم فاسقون} أي: خارجون عن طاعة اللّه ورسوله مخالفون لآيات وحيه وتنزيله). [تفسير القرآن العظيم: 3/165]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:21 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة