العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > التفسير اللغوي > جمهرة التفسير اللغوي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 7 شعبان 1431هـ/18-07-2010م, 03:11 PM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي التفسير اللغوي لسورة النحل

التفسير اللغوي لسورة النحل

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 9 محرم 1432هـ/15-12-2010م, 05:47 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 1 إلى 19]

{أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (2) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (3) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (4) وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8) وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (9) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11) وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12) وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13) وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14) وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16) أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (17) وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18) وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (19)}


تفسير قوله تعالى: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {أتى أمر اللّه} يعني: القيامة.
وهو تفسير السّدّيّ.
{فلا تستعجلوه} قال الحسن: هذا جوابٌ من اللّه لقول المشركين للنّبيّ: {ائتنا بعذاب اللّه}، وقولهم: {عجّل لنا قطّنا}وأشباه ذلك،
فقال: {ويستعجلونك بالعذاب}.
وقال: {أتى أمر اللّه فلا تستعجلوه} ، أي إنّ العذاب آتٍ قريبٌ.
وبعضهم يقول: استعجلوا بعذاب الآخرة، وذلك منهم تكذيبٌ واستهزاءٌ، فأنزل اللّه: {أتى أمر اللّه فلا تستعجلوه} .
قوله: {سبحانه} ينزّه نفسه عمّا يقول المشركون.
{وتعالى عمّا يشركون}، تعالى: من العلوّ، يرفع نفسه عمّا يشركون به). [تفسير القرآن العظيم: 1/49]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (قوله: {سبحانه وتعالى عمّا يشركون...}
... حدثني عماد بن الصّلت العكليّ عن سعيد بن مسروق أبي سفيان عن الربيع بن خيثم أنه قرأ (سبحانه وتعالى عمّا تشركون) الأولى والتي بعدها كلتاهما بالتاء: وتقرأ بالياء.
فمن قال بالتاء فكأنه خاطبهم ومن قرأ بالياء فكأنّ القرآن نزل على محمد صلّى الله عليه وسلم ثم قال {سبحانه} يعجّبه من كفرهم وإشراكهم). [معاني القرآن: 2/94]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {أتى أمر اللّه فلا تستعجلوه} يعني القيامة. أي هي قريب فلا تستعجلوا. وأتي بمعنى يأتي.
وهذا كما يقال: أتاك الخير فأبشر. أي سيأتيك). [تفسير غريب القرآن: 241]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه أن يأتي الفعل على بنية الماضي وهو دائم، أو مستقبل: كقوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}
أي أنتم خير أمّة.
وقوله: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} أي وإذ يقول الله يوم القيامة.
يدلك على ذلك قوله سبحانه: {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ}.
وقوله: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ}، يريد يوم القيامة. أي سيأتي قريبا فلا تستعجلوه.
وقوله: {قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا} أي من هو صبيّ في المهد.
وكذلك قوله: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}، وكذلك قوله: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا}.
إنما هو: الله سميع بصير، والله على كل شيء قدير.
وقوله: {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ} أي فنسوقه.
في أشباه لهذا كثيرة في القرآن). [تأويل مشكل القرآن: 296-295] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والأمر: القيامة، قال الله تعالى: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ}
وقال تعالى: {وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ} أي القيامة أو الموت). [تأويل مشكل القرآن: 515-514]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (قوله تعالى: {أتى أمر اللّه فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عمّا يشركون}
{أمر اللّه} ما وعدهم الله به من المجازاة على كفرهم من أصناف العذاب، والدليل على ذلك قوله: {حتّى إذا جاء أمرنا وفار التّنّور} أي جاء ما وعدناهم به، وكذلك قوله: (أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا) وذلك أنهم استعجلوا العذاب واستبطأوا أمر الساعة، فأعلم اللّه - عزّ وجلّ - أن ذلك في قربه بمنزلة ما قد أتى، كما قال: {اقتربت السّاعة وانشقّ القمر}
وكما قال: {وما أمر السّاعة إلّا كلمح البصر}.
وقوله: {سبحانه وتعالى عمّا يشركون}.
معناه تنزيهه من السوء، كذلك جاء في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم – وكذلك فسّره أهل اللغة،
قالوا: معناه تنزيه اللّه من السوء، وبراءة الله من السوء.
قال الشاعر:

أقول لما جاء في فخره= سبحان من علقمة الفاجر
أي براءة منه). [معاني القرآن: 3/190-189]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( قوله جل وعز: {أتى أمر الله فلا تستعجلوه} قال بعضهم أتى بمعنى يأتي لأنه قد عرف المعنى فصار مثل قولك إن أكرمتني أكرمتك وقيل أخبار الله بالماضي والمستقبل شيء واحد لأنه قد علم أنه يكون فهو بمنزلة ما قد كان وقول ثالث وهو أحسنها وذلك أ نهم استبعدوا ما وعدهم الله من العقاب فأخبر الله جل وعز أن ذلك قريب فقال: {أتى أمر الله} أي هو القرب بمنزلة ما قد أتى كما قال تعالى: {اقتربت الساعة} وكما يقال أتاك الخبر أي قرب منك وقال الضحاك أي جاء القرآن بالفرائض والأحكام والحدود). [معاني القرآن: 4/51-52]

تفسير قوله تعالى: {يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (2)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ينزّل الملائكة بالرّوح} عاصم بن حكيمٍ، أنّ مجاهدًا قال: ليس ينزل ملكٌ إلا ومعه روحٌ.
وقال السّدّيّ: {بالرّوح} ، يعني: بالوحي.
{من أمره} سعيدٌ عن قتادة، قال: بالرّحمة والوحي من اللّه، يعني: بأمره.
{على من يشاء من عباده} ، يعني: الأنبياء.
وهو تفسير السّدّيّ.
أبو أميّة، عن حميد بن هلالٍ، عن أبي الضّيف، عن كعبٍ، قال: إنّ أقرب الملائكة إلى اللّه إسرافيل وله أربعة أجنحةٍ: جناحٌ بالمشرق، وجناحٌ بالمغرب، وقد تسرول بالثّالث، والرّابع بينه وبين اللّوح المحفوظ، فإذا أراد اللّه أمرًا أن يوحيه جاء اللّوح حتّى يصفّق جبهة إسرافيل، فيرفع رأسه، فينظر فإذا الأمر مكتوبٌ، فينادي جبريل، فيلبّيه فيقول: أمرت بكذا، أمرت
بكذا، فلا يهبط جبريل من سماءٍ إلى سماءٍ إلا فزع أهلها مخافة السّاعة، حتّى يقول جبريل: الحقّ من عند الحقّ.
فيهبط على النّبيّ فيوحي إليه.
قوله: {أن أنذروا أنّه لا إله إلا أنا فاتّقون} أن تعبدوا معي إلهًا.
وقال السّدّيّ: {فاتّقون} ، يقول: فاعبدون). [تفسير القرآن العظيم: 1/50]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ينزّل الملائكة...}
بالياء، و(تنزّل الملائكة) بالتاء. وقراءة أصحاب عبد الله {ينزّل الملائكة} بالياء). [معاني القرآن: 2/94]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ينزّل الملائكة بالرّوح من أمره على من يشاء من عباده} أي: بالوحي). [تفسير غريب القرآن: 241]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ينزّل الملائكة بالرّوح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنّه لا إله إلّا أنا فاتّقون}
ويقرأ: تنزّل الملائكة، ويجوز فيها أوجه لا أعلمه قرئ بها: ينزّل
الملائكة، وينزل الملائكة، وتنزّل الملائكة بالروح - والروح - واللّه أعلم - كان فيه من أمر الله حياة للنفوس والإرشاد إلى أمر اللّه، والدليل على ذلك قوله: {أن أنذروا أنّه لا إله إلّا أنا فاتّقون}.
المعنى أنذروا أهل الكفر والمعاصي بأنّه لا إله إلاّ أنا، أي مروهم بتوحيدي، وألّا يشركوا بي شيئا). [معاني القرآن: 3/190]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده}
روى هشيم عن أبي بشر عن مجاهد عن ابن عباس قال الروح خلق من خلق الله وأمر من أمره صورهم على صور بني آدم لا ينزل في السماء ملك إلا ومعه واحد منهم وروى ابن جريج عن مجاهد قال لا ينزل ملك إلا ومعه روح
وقال إسماعيل بن أبي خالد سألت أبا صالح عن الروح فقال لهم صور كصور بني آدم وليسوا منهم وقال الحسن تنزل الملائكة بالروح أي بالنبوة وروى معمر عن قتادة تنزل الملائكة بالروح قال بالوحي والرحمة قال أبو جعفر وهذا قول حسن وقد رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أي ينزلهم بما هو بمنزلة الروح والحياة كما قال تعالى: {فروح وريحان} وقيل معناه رحمة). [معاني القرآن: 4/54-52]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {ينزل الملائكة بالروح} أي بالوحي). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 129]

تفسير قوله تعالى: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (3)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {خلق السّموات والأرض بالحقّ} للبعث، والحساب، والجنّة، والنّار.
{تعالى} ارتفع.
{عمّا يشركون} ). [تفسير القرآن العظيم: 1/50]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (ثم أعلم ما يدل على توحيده مما خلق
فقال:{خلق السّماوات والأرض بالحقّ تعالى عمّا يشركون} ارتفع عن الذين أشركوهم به، لأنهم لا يخلقون شيئا وهما يخلقون). [معاني القرآن: 3/190]

تفسير قوله تعالى: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (4)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {خلق الإنسان من نطفةٍ فإذا هو خصيمٌ مبينٌ} وتفسير الحسن أنّه المشرك.
قال وهو كقوله: {أولم ير الإنسان أنّا خلقناه من نطفةٍ فإذا هو خصيمٌ مبينٌ * وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميمٌ} ).
[تفسير القرآن العظيم: 1/50]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين}
اختصر ههنا، وذكر تقلب أحوال الإنسان في غير مكان من القرآن). [معاني القرآن: 3/190]

تفسير قوله تعالى: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {والأنعام خلقها} يعني: الإبل، والبقر، والغنم.
{لكم فيها دفءٌ} ما يصنع لكم منها من الكسوة من أصوافها، وأوبارها، وأشعارها.
{ومنافع} في ظهورها.
هذه الإبل والبقر، وألبانها في جماعتها.
قال: {ومنها تأكلون} جماعتها لحومها، ويؤكل من البقر والغنم السّمن.
وقال سعيدٌ، عن قتادة في قوله: {فيها دفءٌ} ، قال: لكم فيها لباسٌ ومنفعةٌ وبلغةٌ.
وقال ابن مجاهدٍ، عن أبيه: لباسٌ ينسج.
وقال ابن مجاهدٍ، عن أبيه في قوله: {ومنافع ومنها تأكلون} ، قال: منها مراكب ولبنٌ ولحمٌ). [تفسير القرآن العظيم: 1/51]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله:{والأنعام خلقها لكم...}
نصبت (الأنعام) بخلقها لمّا كانت في الأنعام واو. كذلك كلّ فعل عاد على اسم بذكره، قبل الاسم واو أو فاء أو كلام يحتمل نقلة الفعل إلى ذلك الحرف الذي قبل الاسم ففيه وجهان: الرفع والنصب.
أمّا النصب فأن تجعل الواو ظرفا للفعل. والرفع أن تجعل الواو ظرفاً للاسم الذي هي معه. ومثله {والقمر قدّرناه منازل} {والسّماء بنيناها بأيدٍ} وهو كثير.
ومثله: {وكلّ إنسانٍ ألزمناه طائره} {وكلّ شيء أحصيناه}.
والوجه في كلام العرب رفع كلّ في هذين الحرفين، كان في آخره راجع من الذكر أو لم يكن لأنه في مذهب ما من شيء إلاّ قد أحصيناه في إمام مبين والله أعلم.
سمعت العرب تنشد:
ما كلّ من يظّنّني أن معتب = ولا كلّ ما يروى عليّ أقول
فلم يوقع على (كلّ) الآخرة (أقول) ولا على الأولى (معتب).
وأنشدني بعضهم:
قد حلقت أمّ الخيار تدّعي = عليّ ذنبا كلّه لم أصنع
وقرأ عليّ بعض العرب بسورة يس {وكلّ شيءٍ أحصيناه في إمامٍ مبين} رفعاً قرأها غير مرّة.
وأمّا قوله: {وكلّ شيء فعلوه في الزبر} فلا يكون إلاّ رفعاً؛ لأن المعنى - والله أعلم – كلّ فعلهم في الزبر مكتوب، فهو مرفوع بفي و(فعلوه) صلة لشيء.
ولو كانت (في) صلة لفعلوه في مثل هذا من الكلام جاز رفع كل ونصبها؛ كما تقول: وكلّ رجل ضربوه في الدار، فإن أردت ضربوا كلّ رجل في الدار رفعت ونصبت.
وإن أردت: وكلّ من ضربوه هو في الدار رفعت.
وقوله: {لكم فيها دفءٌ} وهو ما ينتفع به من أوبارها. وكتبت بغير همز لأن الهمزة إذا سكن ما قبلها حذفت من الكتاب، وذلك لخفاء الهمزة إذا سكت عليها، فلمّا سكن ما قبلها ولم يقدروا على همزها في السكت كان سكوتهم كأنه على الفاء. وكذلك قوله: {يخرج الخبء} و{النشأة} و{ملء الأرض} واعمل في الهمز بما وجدت في هذين الحرفين.
وإن كتبت الدّفء في الكلام بواو في الرفع وياء في الخفض وألف في النصب كان صوابا. وذلك على ترك الهمز ونقل إعراب الهمزة إلى الحرف الذي قبلها. من ذلك قول العرب. هؤلاء نشءٌ صدق، فإذا طرحوا الهمزة قالوا: هؤلاء نشو صدق ورأيت نشا صدق ومررت بنشي صدق. وأجود من ذلك حذف الواو والألف والياء؛ لأن قولهم: يسل أكثر من يسال، ومسلة أكثر من مسالة وكذلك بين المر وزوجه إذا تركت الهمزة.
والمنافع: حملهم على ظهورها، وأولادها وألبانها. والدفء: ما يلبسون منها، ويبتنون من أوبارها). [معاني القرآن: 2/96-95]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فيها دفءٌ ومنافع} أي ما استدفئ به من أوبارها. ومنافع سوى ذلك). [مجاز القرآن: 1/356]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {لكم فيها دفءٌ} (الدّفء): ما استدفأت به. يريد ما يتخذ من أوبارها من الأكسية والأخبية وغير ذلك).
[تفسير غريب القرآن: 241]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون}
نصب الأنعام على فعل مضمر، المعنى خلق الأنعام خلقها، مفسّر للمضمر، والدفء ما يدفئهم من أوبارها وأصوافها.
وأكثر ما تستعمل الأنعام في الإبل خاصة، وتكون للإبل والغنم والبقر، فأخبر اللّه - عزّ وجلّ - أن في الأنعام ما يدفئنا، ولم يقل لكم فيها ما يكنّكم ويدفئكم من البرد، لأن ما ستر
من الحر ستر من البرد، وما ستر من البرد ستر من الحرّ، قال اللّه - عزّ وجلّ - في موضع آخر: (سرابيل تقيكم الحرّ) فعلم أنها تقي البرد أيضا، وكذلك إذا قيل: {لكم فيها دفء}
علم أنها تستر من البرد، وتستر من الحرّ.
وقوله: {ومنافع} أي ومنافعها ألبانها وأبوالها وغير ذلك). [معاني القرآن: 3/191-190]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون} روى إسرائيل عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس قال النسل وروى ابن جريج عن مجاهد قال الدفء لباس ينسج والمنافع الركوب واللبن واللحم قال أبو جعفر وهذا قول حسن أي ما يدفئ من أوبارها وغير ذلك وأحسب مذهب ابن عباس أن المنافع النسل لا الدفء على أن الأموي قد روى أن الدفء عند العرب نتاج الإبل والانتفاع بها فيكون هذا فيه). [معاني القرآن: 4/54]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( (والدفء) ما استدفأت به). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 129]

تفسير قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ولكم فيها جمالٌ حين تريحون} حين تروح عليكم من الرّعي، وحين تسرّحونها إلى الرّعي.
هذا تفسير الحسن.
وتفسير سعيدٍ، عن قتادة: {ولكم فيها جمالٌ حين تريحون} ، يعني: الإبل، وذاك أعجب ما تكون، إذا راحت عظامًا ضروعها طوالا أسنمتها.
قول: {وحين تسرحون} سعيدٌ عن قتادة، قال: إذا سرحت لرعيها). [تفسير القرآن العظيم: 1/51]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {حين تريحون...}
أي حين تريحون إبلكم: تردّونها بين الرعي ومباركها يقال لها المراح. والسروح بالغداة ... إذا سعت للرعي). [معاني القرآن: 2/96]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {حين تريحون} بالعشى {وحين تسرحون} بالغداة). [مجاز القرآن: 1/356]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {حين تريحون}: بالعشي.
{وتسرحون}: بالغداة). [غريب القرآن وتفسيره: 204]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ولكم فيها جمالٌ حين تريحون} إذ راحت عظام الضروع والأسنمة، فقيل: هذا مال فلان.
{وحين تسرحون} بالغداة. ويقال: سرحت الإبل بالغداة وسرّحتها). [تفسير غريب القرآن: 241]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {ومنها تأكلون * ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون}
الإراحة أن تروح الإبل من مراعيها إلى الموضع الذي تقيم فيه (وحين تسرحون)، أي حين تخلونها للرعي، وفيما ملكه الإنسان جمال " وزينة - كما قال عزّ وجلّ: {المال والبنون زينة الحياة الدّنيا}، والمال ليس يخص الورق والعين دون الأملاك، وأكثر مال العرب الإبل، كما أن أكثر أموال أهل البصرة النخل.
إنما يقولون مال فلان بموضع كذا وكذا يعنون النخل). [معاني القرآن: 3/191]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون}
روى معمر عن قتادة قال إذا راحت أعظم ما تكون أسنمة من السمن وضروعها محفلة
قال أبو جعفر والمعنى عند أهل اللغة وتريحونها بالعشي يقال أرحت الإبل إذا انصرفت بها من المرعى الذي تكون فيه بالليل ويقال للموضع المراح وفي الحديث إذا سرقها من المراح قطع
ومعنى تسرحون تغدون بها إلى المرعى سرحت الإبل أسرحها سرحا وسروحا إذا غدوت بها إلى المرعى فخليتها ترعى وسرحت هي في المعتدي واللازم واحد). [معاني القرآن: 4/55]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {تريحون} بالعشي، و{تسرحون} بالغداة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 129]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {تُرِيحونَ}: بالعشي. {تَسْرَحونَ}: بالغداة). [العمدة في غريب القرآن: 176]

تفسير قوله تعالى: {وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (7)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {وتحمل أثقالكم إلى بلدٍ لم تكونوا بالغيه} إلى البلد الّذي تريدونه.
وفي تفسير الحسن: إنّها الإبل والبقر.
{إلا بشقّ الأنفس} لولا أنّها تحمل أثقالكم لم تكونوا بالغي ذلك البلد إلا بمشقّةٍ على أنفسكم.
وقال سعيدٌ عن قتادة: إلا بجهد الأنفس.
قال: {إنّ ربّكم لرءوفٌ رحيمٌ} ، يقول: فبرأفة اللّه ورحمته سخّر لكم هذه الأنعام وهي للكافر رحمةٌ.
الدّنيا: المعايش، والنّعم الّتي رزقه اللّه). [تفسير القرآن العظيم: 1/52-51]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {بشقّ الأنفس...}
أكثر القرّاء على كسر الشين ومعناها: إلا بجهد الأنفس. وكأنه اسم وكأن الشّقّ فعل؛ كما توهّم أن الكره الاسم وأن الكره الفعل. وقد قرأ به بعضهم (إلاّ بشقّ الأنفس) وقد يجوز في قوله: {بشقّ الأنفس} أن تذهب إلى أن الجهد ينقص من قوّة الرجل ونفسه حتى يجعله قد ذهب بالنصف من قوّته، فتكون الكسرة على أنه كالنصف والعرب تقول: خذ هذا الشّقّ لشقّة الشاة ويقال: المال بيني وبينك شقّ الشعرة وشقّ الشعرة وهما متقاربان، فإذا قالوا شققت عليك شقّا نصبوا ولم نسمع غيره). [معاني القرآن: 2/97]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إلاّ بشقّ الأنفس} يكسر أوله ويفتح ومعناه بمشقة الأنفس، وقال النّمر بن تولب:
وذي إبلٍ يسعى ويحسبها له= أخي نصبٍ من شقّها وذؤوب
أي من مشقتها، وقال العجاج:
أصبح مسحولٌ يوازي شقّا
أي يقاسي مشقةً، ومسحول بعيره). [مجاز القرآن: 1/356]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {بشق الأنفس}: ويقال بشق وهو المشقة). [غريب القرآن وتفسيره: 204]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {بشقّ الأنفس} أي بمشقة. يقال: نحن بشق من العيش، أي بجهد. وفي حديث أم زرع: «وجدني في أهل غنيمة بشقّ» ). [تفسير غريب القرآن: 241]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلّا بشقّ الأنفس إنّ ربّكم لرءوف رحيم }
(أثقالكم) (إثقالكم)
تقرأ بالفتح والكسر، أي لو تكلفتم بلوغه على غير الإبل لشقّ عليكم ذلك). [معاني القرآن: 3/191]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس} روى ابن جريج عن مجاهد قال إلا بمشقة
وقال غيره المعنى لولا الإبل لم تبلغوا البلدان إلا بمشقة وقد قرئ (إلا بشق الأنفس) وهي بمعنى الأول إلا أنه مصدر). [معاني القرآن: 4/56]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {بِشِقِّ الأَنْفُس}: من شدة الجهد). [العمدة في غريب القرآن: 176]

تفسير قوله تعالى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {والخيل والبغال} وخلق الخيل والبغال.
{والحمير لتركبوها وزينةً} في ركوبها.
وفي تفسير قتادة، عن ابن عبّاسٍ: أنّه خلقها للرّكوب والزّينة.
- حمّادٌ، عن أبي الزّبير، عن جابر بن عبد اللّه، أنّهم ذبحوا يوم خيبر الخيل والبغال والحمير، قال: فنهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن الحمير والبغال، ولم ينه عن الخيل
- الفرات بن سلمان، عن عبد الكريم الجزريّ، عن عطاءٍ، عن جابر بن عبد اللّه، أنّهم كانوا يأكلون لحوم الخيل على عهد رسول اللّه عليه السّلام.
- الحسن بن دينارٍ، عن محمّد بن سيرين، قال: قيل يوم خيبر: يا رسول اللّه أفنيت الحمر، فسكت، فقيل: أفنيت الحمر، فسكت، فقيل: أفنيت الحمر، فأمر مناديه فنادى: إنّ اللّه ورسوله ينهاكم عن لحوم الحمر الأهليّة فإنّها نجسٌ.
- خالدٌ، عن الحسن، قال: نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن لحوم الحمر الأهليّة وألبانها.
- أبو الرّبيع، عن عمرو بن دينارٍ، عن جابر بن عبد اللّه، قال: أمرنا بلحوم الخيل ونهينا عن لحوم الحمر.
وذكر عن الحكم الغفاريّ مثل حديث جابرٍ قال: وأبى البحر قلت: من البحر؟ أو قيل: من البحر؟ قال: ابن عبّاسٍ.
قال: {قل لا أجد في ما أوحي إليّ محرّمًا} إلى آخر الآية.
قال: {ويخلق ما لا تعلمون} من الأشياء كلّها ممّا لم يذكر لكم). [تفسير القرآن العظيم: 1/53-52]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {والخيل والبغال والحمير...}
تنصبها بالردّ على خلق. وإن شئت جعلته منصوباً على إضمار سخّر: فيكون في جواز إضماره مثل قوله: {ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوةً} من نصب في البقرة نصب الغشاوة بإضمار (وجعل) ولو رفعت {الخيل والبغال والحمير} كان صوابا من وجهين.
أحدهما أن تقول: لمّا لم يكن الفعل معها ظاهراً رفعته على الاستئناف.
والآخر أن يتوهّم أن الرفع في الأنعام قد كان يصلح فتردّها على ذلك كأنك قلت: والأنعام خلقها، والخيل والبغال على الرفع.
وقوله عزّ وجلّ: {لتركبوها وزينةً}، ننصبها: ونجعلها زينة على فعل مضمر، مثل {وحفظاً من كلّ شيطانٍ} أي جعلناها. ولو لم يكن في الزينة ولا في (وحفظاً) واو لنصبتها بالفعل الذي قبلها لا بالإضمار.
ومثله أعطيتك درهماً ورغبة في الأجر، المعنى أعطيتكه رغبة. فلو ألقيت الواو لم تحتج إلى ضمير لأنه متّصل بالفعل الذي قبله). [معاني القرآن: 2/97]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينةً ويخلق ما لا تعلمون}
قال: {والخيل والبغال والحمير لتركبوها} نصب. أي: وجعل الله الخيل والبغال والحمير وجعلها (زينةً) ). [معاني القرآن: 2/64]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون}
أي وخلق الخيل والبغال والحمير للركوب، وكثير من الناس يقولون إنّ لحوم الخيل والبغال والحمير دلّت عليه هذه الآية أنها حرام،
لأنه قال في الإبل ( {منها تأكلون.. ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم}
وقال في الخيل {والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة}
ولم يذكر فيها الأكل. وقال قوم لو كانت حرمت بهذه الآية لم يحرم النبي - صلى الله عليه وسلم - لحوم الحمر الأهلية، ولكفاه ما دلّ عليه القرآن.
وهذا غلط لأن " القرآن قد دلّ على أن الخمر حرام، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - حرمت الخمر بعينها. فذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - ما حرّم في الكتاب بأنه حرام.
توكيدا له وزيادة في البيان.
ونصب (وزينة) مفعول لها، المعنى وخلقها زينة). [معاني القرآن: 3/192-191]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة} تأول هذا جماعة منهم عبد الله بن عباس على أنه لا يحل أكل هذه لقوله في الإبل: {ومنها تأكلون}
ولم يقل هذا في الخيل والبغال والحمير). [معاني القرآن: 4/56]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ويخلق ما لا تعلمون} وظاهره عام إلا أن عبد الرحمن بن معاوية القرشي حدثنا قال حدثنا موسى بن محمد عن ابن السدي عن أبيه في قوله تعالى:
{ويخلق ما لا تعلمون} قال السوس في الثياب). [معاني القرآن: 4/57]

تفسير قوله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (9)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وعلى اللّه قصد السّبيل} والسّبيل قصد الطّريق، الهدى إلى الجنّة، كقوله: {إنّ علينا للهدى}،
وكقوله: {قال هذا صراطٌ عليّ مستقيمٌ}.
وقال سعيدٌ عن قتادة: {قصد السّبيل} البيان، حلاله، وحرامه، وطاعته، ومعصيته.
وقال ابن مجاهدٍ عن أبيه: {قصد السّبيل} الطّريق الحقّ على اللّه.
قوله: {ومنها جائرٌ} ومن السّبيل جائرٌ، أي: عن السّبيل جائرٌ، وهو الكافر، جارٍ عن سبيل الهدى.
وجارٍ عنها وجارٍ منها واحدٌ.
قال قتادة: وهي في قراءة عبد اللّه بن مسعودٍ: ومنكم جائرٌ.
قال قتادة: جائرٌ من السّبيل أي: عن سبيل الهدى، ناكبٌ عنها.
قال قتادة: وذلك تفسيرها.
قال: {ولو شاء لهداكم أجمعين} مثل قوله: {ولو شاء ربّك لآمن من في الأرض كلّهم جميعًا} وكقوله: {أفلم ييئس الّذين آمنوا} أفلم يتبيّن للّذين آمنوا {أن لو يشاء اللّه لهدى النّاس جميعًا}). [تفسير القرآن العظيم: 1/53]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وعلى اللّه قصد السّبيل...}
يقال: هداية الطرق. ويقال السبيل: الإسلام (ومنها جائرٌ)، يقال: الجائر اليهوديّة والنصرانيّة. يدلّ على هذا أنّه القول قوله: {ولو شاء لهداكم أجمعين} ). [معاني القرآن: 2/98-97]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وعلى الله قصد السّبيل ومنها جائرٌ} السبيل: لفظه لفظ الواحد، وهو في موضع الجميع فكأنه: ومن السبيل سبيل جائر، وبعضهم يؤنث السبيل). [مجاز القرآن: 1/357]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وعلى اللّه قصد السّبيل ومنها جائرٌ ولو شاء لهداكم أجمعين}
وقال: {ومنها جائرٌ} أي: ومن السبيل لأنّها مؤنثة في لغة أهل الحجاز). [معاني القرآن: 2/64]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {ومنها جائر}: أي عادل. يقال: جار عن الطريق أي عدل عنه). [غريب القرآن وتفسيره: 204]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ومنها جائرٌ} أي: من الطرق جائر لا يهتدون فيه. والجائر: العادل عن القصد). [تفسير غريب القرآن: 242]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وعلى اللّه قصد السّبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين}
أي على الله تبيين الطريق المستقيم إليه بالحجج والبراهين
وقوله: {ومنها جائر}.
جائر أي من السبل طرق غير قاصدة للحق.
وقوله: {ولو شاء لهداكم أجمعين}.
أي لو شاء اللّه لأنزل آية تضطر الخلق إلى الإيمان به، ولكنه عزّ وجلّ: يهدي من يشاء ويدعو إلى صراط مستقيم). [معاني القرآن: 3/192]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وعلى الله قصد السبيل} قال الضحاك أي تبيين الهدى والضلالة وقال مجاهد أي طريق الحق وهذه تشبه قال هذا صراط علي مستقيم أي على منهاجي وديني وكذا وعلى الله قصد السبيل أي القصد فيها ما كان على دين الله وقيل هو تبيين الحق والبراهين والحجج
وقيل إنه يراد بالسبيل ههنا الإسلام). [معاني القرآن: 4/58-57]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {ومنها جائر} أي ومن السبل جائر أي عادل عن الحق وأنشدني أبو بكر ابن أبي الأزهر
قال أنشدني بندار:
لما خلطت دماءنا بدمائها = سار الثفال بها وجار العاذل
وروى عن أبي طالب رضي الله عنه أنه قرأ ومنكم جائر وكذلك قرأ عبد الله بن مسعود ذا على التفسير). [معاني القرآن: 4/58]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال تعالى: {ولو شاء لهداكم أجمعين} أي لو شاء لأنزل آية تضطركم إلى الإيمان ولكنة أراد أن يثيب ويعاقب
وقوله جل وعز: {هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون} قال قتادة والضحاك فيه تسيمون فيه ترعون قال أبو جعفر وكذا هو في اللغة يقال أسمت الإبل أي رعيتها فأنا مسيم وهي مسامة وسائمة). [معاني القرآن: 4/59-58]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {ومنها جائر} أي من الطرق جائر، لا يهتدون فيه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 129]

تفسير قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {هو الّذي أنزل من السّماء ماءً لكم منه شرابٌ ومنه شجرٌ فيه تسيمون} ترعون أنعامكم، تسرّحونها فيه.
المعلّى، عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ قال: تسيمون، ترعون). [تفسير القرآن العظيم: 1/54-53]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {تسيمون...} ترعون إبلكم). [معاني القرآن: 2/98]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {شجرٌ فيه تسيمون} يقال: أسمت إبلي وسامت هي، أي رعيتها). [مجاز القرآن: 1/357]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {فيه تسيمون}: ترعون. اسمت سائمتي إذا رعيتها والسوائم المخلاة من ذلك). [غريب القرآن وتفسيره: 205-204]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ماءً لكم منه شرابٌ ومنه شجرٌ} يعني المرعى. قال عكرمة: لا تأكل ثمر الشجر فإنه سحت. يعني الكلأ.
{فيه تسيمون} أي ترعون. يقال: أسمت إبلي فسامت. ومنه قيل لكل ما رعي من الأنعام: سائمة، كما يقال: راعية). [تفسير غريب القرآن: 242]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {هو الّذي أنزل من السّماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون}
المعنى أنه ينبت الشجر التي ترعاها الإبل، وكل ما أنبت على الأرض فهو شجر.
قال الشاعر يصف الخيل:
نعلفها اللحم إذا عزّ الشجر= والخيل في إطعامها اللحم ضرر
يعني أنهم يسقون الخيل اللبن إذا أجدبت الأرض.
وقوله: (فيه تسيمون) أي ترعون، يقال: أسمت الإبل إذا رعيتها، وقد سامت تسوم وهي سائمة إذا رعت، وإنما أخد ذلك من السّومة، وهي العلامة وتأويلها أنها تؤثر في الأرض برعيها علامات). [معاني القرآن: 3/192]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {تسيمون} أي: ترعون). [ياقوتة الصراط: 293]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {فيه تسيمون} أي ترعون السائمة. والسائمة: كل ما رعي من الأنعام). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 130]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {تُسِيمُونَ}: ترعون). [العمدة في غريب القرآن: 176]

تفسير قوله تعالى: {يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ينبت لكم به} بذلك الماء.
{الزّرع والزّيتون والنّخيل والأعناب ومن كلّ الثّمرات} قال يحيى: سمعت بعض أشياخنا يذكر أنّ اللّه أهبط من الجنّة إلى الأرض ثلاثين ثمرةً: عشرٌ يؤكل داخلها ولا يؤكل خارجها، وعشرٌ يؤكل خارجها ولا يؤكل داخلها، وعشرٌ يؤكل داخلها وخارجها.
قال: {إنّ في ذلك لآيةً} ، يعني: لعبرةً، تفسير مجاهدٍ والسّدّيّ.
{لقومٍ يتفكّرون} وهم المؤمنون.
قال: فالّذي ينبت من ذلك الماء الواحد هذه الألوان المختلفة قادرٌ على أن يحيي الأموات). [تفسير القرآن العظيم: 1/54]

تفسير قوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وسخّر لكم اللّيل والنّهار} يختلفان عليكم.
{والشّمس والقمر والنّجوم مسخّراتٌ} تجري.
{بأمره} يذكّر عباده نعمته عليهم.
{إنّ في ذلك لآياتٍ لقومٍ يعقلون} وهم المؤمنون). [تفسير القرآن العظيم: 1/54]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وسخّر لكم اللّيل والنّهار والشّمس والقمر والنّجوم مسخّراتٌ بأمره إنّ في ذلك لآياتٍ لّقومٍ يعقلون}
وقال: {والنّجوم مسخّراتٌ} فعلى "سخّرت النّجوم" أو "جعل النّجوم مسخّراتٍ" وجاز إضمار فعل غير الأول لأن ذلك المضمر في المعنى مثل المظهر. وقد تفعل العرب ما هو أشد من ذا.
قال الراجز:
تسمع في أجوافهنّ صردا = وفي اليدين جسأةً وبددا
فهذا على {وترى في اليدين الجسأة} [وهي]: اليبس والبدد [وهو]: "السّعة"). [معاني القرآن: 2/64]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وما ذرأ لكم في الأرض} سعيدٌ عن قتادة، قال: أي وما خلق لكم في الأرض.
{مختلفًا ألوانه} قال الحسن: من النّبات.
وقال قتادة: من الدّوابّ، والشّجر، والثّمار.
قال: {إنّ في ذلك لآيةً} لعبرةً.
{لقومٍ يذّكّرون} وهم المؤمنون). [تفسير القرآن العظيم: 1/54]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وما ذرأ لكم} أي ما خلق لكم). [مجاز القرآن: 1/357]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وما ذرأ لكم في الأرض مختلفاً ألوانه إنّ في ذلك لآيةً لّقومٍ يذّكّرون}
وقال: {وما ذرأ لكم في الأرض مختلفاً ألوانه} يقول: خلق لكم وبثّ لكم). [معاني القرآن: 2/64]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {ذرأ لكم}: خلق لكم). [غريب القرآن وتفسيره: 205]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه} قال قتادة من الدواب والأشجار والثمار
وقوله جل وعز: {وترى الفلك مواخر فيه} قال الضحاك تذهب وتجيء والمخر في اللغة الشق يقال مخرت السفينة تمخر وتمخر إذا شقت الماء وسمعت لها صوتا وذلك عند هبوب الرياح ومخر الأرض إنما هو شق الماء إياها).
[معاني القرآن: 4/60-59]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {ذَرَأَ لَكُمْ}: خلق لكم). [العمدة في غريب القرآن: 176]

تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وهو الّذي سخّر البحر} خلق البحر.
{لتأكلوا منه لحمًا طريًّا} قال قتادة: حيتان البحر.
{وتستخرجوا منه حليةً تلبسونها} اللّؤلؤ.
{وترى الفلك} السّفن.
{مواخر فيه} سعيدٌ عن قتادة، قال: يعني سفن البحر مقبلةً ومدبرةً تجري فيه بريحٍ واحدةٍ.
وقال مجاهدٌ: ولا تمخر الرّيح من السّفن إلا العظام.
وبعضهم يقول: {مواخر فيه} يعني شقّها الماء في وقت جريها.
قال: {ولتبتغوا من فضله} قال مجاهدٌ: طلب التّجارة في السّفن.
{ولعلّكم تشكرون} ولكي تشكروا، هي مثل قوله: {لعلّكم تسلمون} ). [تفسير القرآن العظيم: 1/55-54]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {مواخر فيه...}
واحدها ماخرة وهو صوت جرى الفلك بالرياح، وقد مخرت تمخر وتمخر). [معاني القرآن: 2/98]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وترى الفلك مواخر فيه} من مخرت الماء أي شقّته بجآجئها، والفلك ها هنا في موضع جميع فقال فواعل، وهو موضع واحد كقوله: {الفلك المشحون}
بمنزلة السلاح واحدٍ وجميع). [مجاز القرآن: 1/357]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {مواخر فيه}: يقال: مخرت السفينة الماء إذا شقته بجؤجؤها). [غريب القرآن وتفسيره: 205]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وترى الفلك}: السفن.
{مواخر فيه} أي: جواري تشقّ الماء. يقال: مخرت السفينة. ومنه مخر الأرض إنما هو شقّ الماء لها). [تفسير غريب القرآن: 242]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وهو الّذي سخّر البحر لتأكلوا منه لحما طريّا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلّكم تشكرون}
{وترى الفلك مواخر فيه} معنى {مواخر فيه} جواري تجري جريا، وتشق الماء شقا). [معاني القرآن: 3/193]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مواخر فيه} أي جواري تشق الماء. يقال: مخرت السفينة الماء: إذا شقته بصدرها). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 130]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مَوَاخِرَ}: تشق الماء). [العمدة في غريب القرآن: 176]

تفسير قوله تعالى: {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وألقى في الأرض رواسي} الجبال.
{أن تميد بكم} لئلا تحرّك بكم.
عاصم بن حكيمٍ وابن مجاهدٍ عن أبيه، قال: أن تكفأ بكم.
وقد فسّرناه في غير هذا الموضع.
{وأنهارًا} ، أي: وجعل فيها أنهارًا.
{وسبلا} طرقًا.
{لعلّكم تهتدون} لكي تهتدوا الطّريق). [تفسير القرآن العظيم: 1/55]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وألقى في الأرض رواسي} أي جعل فيها جبالاً ثوابت قد رست.
{أن تميد بكم} مجازه: أن لا تميل بكم). [مجاز القرآن: 1/357]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {رواسي}: جبالا.
{أن تميد بكم}: أن تميل بكم). [غريب القرآن وتفسيره: 205]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وألقى في الأرض رواسي} أي جبالا ثوابت لا تبرح. وكل شيء ثبت فقد رسا.
{أن تميد بكم} أي لئلا تميد بكم الأرض. والميد: الحركة والميل.
ومنه يقال: فلان يميد في مشيته: إذا تكفّأ). [تفسير غريب القرآن: 242]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهارا وسبلا لعلّكم تهتدون}
{رواسي} جبالا رواسي ثوابت، {أن تميد} معناه كراهة أن تميد ومعنى تميد لا تستقر، يقال ماد الرجل يميد ميدا، إذا دير به والميدى: الذين يدار بهم إذا ركبوا في البحر،
و {أن تميد} في موضع نصب، مفعول لها.
{وأنهارا وسبلا} المعنى وجعل فيها رواسي وأنهارا وسبلا، لأن معنى ألقى في الأرض رواسي جعل فيها رواسي، ودليل ذلك قوله: {والجبال أوتادا} ). [معاني القرآن: 3/193]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وألقى في الأرض رواسي} قال الحسن أي جبالا قال أبو جعفر يقال رسا يرسو إذا ثبت وأقام ثم قال تعالى: {أن تميد بكم} قال إبراهيم أي تكفأ
قال أبو جعفر يقال ماد يميد إذا تحرك ومال
وروى معمر عن قتادة قال سمعت الحسن يقول لما خلق الله الأرض كادت تميد فقالوا لا تقر هذه عليها أحدا فأصبحوا وقد خلق الله الجبال ولم تدر الملائكة مما خلقت الجبال).[معاني القرآن: 4/60]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {وأنهارا وسبلا} أي وجعل فيها أنهارا وسبلا قال قتادة أي طرقا). [معاني القرآن: 4/61-60]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الرواسي} الجبال). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 130]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {تَمِيدَ}: تميل). [العمدة في غريب القرآن: 177]

تفسير قوله تعالى: {وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {وعلاماتٍ} جعلها في طرقهم يعرفون بها الطّريق.
{وبالنّجم} ، أي: {وبالنّجم هم يهتدون} ، يعني: يعرفون الطّريق.
والنّجم: جماعة النّجوم الّتي يهتدون بها.
النّضر بن معبدٍ عن حسّان بن بلالٍ العنزيّ قال: من قال في هذه النّجوم سوى هذه الثّلاث فهو كاذبٌ، آثمٌ، مفترٍ، مبتدعٌ.
قال اللّه: {ولقد زيّنّا السّماء الدّنيا بمصابيح}، قال: {وجعلناها رجومًا للشّياطين}.
وقال: {وهو الّذي جعل لكم النّجوم لتهتدوا بها في ظلمات البرّ والبحر}.
فهي مصابيح، ورجومٌ، وتهتدون بها). [تفسير القرآن العظيم: 1/56-55]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وبالنّجم هم يهتدون...} يقال: الجدي والفرقدان). [معاني القرآن: 2/98]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وعلامات وبالنّجم هم يهتدون}
النجم والنجوم في معنى واحد، كما تقول: كثر الدرهم في أيدي الناس وكثرت الدراهم، خلق اللّه - جل ثناؤه - النجوم لأشياء منها أنها جعلت زينة للسماء الدنيا، ومنها أنها جعلت رجوما للشياطين ومنها أنها يهتدى بها،
ومنها أنها يعلم بها عدد السنين والحساب). [معاني القرآن: 3/193]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {وعلامات وبالنجم هم يهتدون} روى سفيان عن منصور عن إبراهيم قال من النجوم علامات ومنها ما يهتدي به وقال الفراء الجدي والفرقدان
قال أبو جعفر والذي عليه أهل التفسير وأهل اللغة سواه أن النجم ههنا بمعنى النجوم وخلق الله النجوم زينة للسماء ورجوما للشياطين وليعلم بها عدد السنين والحساب وليهتدي بها). [معاني القرآن: 4/61]

تفسير قوله تعالى: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (17)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {أفمن يخلق} ، يعني: نفسه.
{كمن لا يخلق} ، يعني: الأوثان، على الاستفهام، هل يستويان؟ أي: لا يستوي اللّه والأوثان الّتي تعبدون من دونه، الّتي لا تملك ضرًّا ولا نفعًا ولا موتًا ولا حياةً ولا نشورًا.
والنّشور البعث.
{أفلا تذكّرون} ، يعني: المشركين، والمؤمنون هم المتذكّرون.
وقال قتادة: {أفمن يخلق كمن لا يخلق} اللّه هو الخالق، وهذه الأوثان الّتي تعبد من دون اللّه تخلق ولا تخلق شيئًا). [تفسير القرآن العظيم: 1/56]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أفمن يخلق كمن لاّ يخلق...}
جعل (من) لغير الناس لمّا ميّزه فجعله مع الخالق وصلح، كما قال: {فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربعٍ}
والعرب تقول: اشتبه عليّ الراكب وحمله فما أدرى من ذا من ذا، حيث جمعهما واحدهما إنسان صلحت (من) فيهما جميعاً). [معاني القرآن: 2/98]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وإن تعدّوا نعمة اللّه لا تحصوها} أبو أميّة عن الحسن، أنّ داود النّبيّ قال: إلهي، لو كان لي بكلّ شعرةٍ في جسدي لسانان يسبّحانك اللّيل والنّهار،
والدّهر كلّه ما أدّيت شكر نعمةٍ واحدةٍ أنعمتها عليّ.
قال: {إنّ اللّه لغفورٌ رحيمٌ} ). [تفسير القرآن العظيم: 1/56]

تفسير قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (19)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): {واللّه يعلم ما تسرّون وما تعلنون} ما يسرّ المشركون من نجواهم في أمر النّبيّ، ما يتشاورون به بينهم في أمره.
مثل قوله: {وأسرّوا النّجوى الّذين ظلموا} أشركوا {هل هذا}، يعنون محمّدًا {إلا بشرٌ مثلكم أفتأتون السّحر وأنتم تبصرون} أنّه سحرٌ، يعنون القرآن.
قال: {وما تعلنون} من شركهم وجحودهم). [تفسير القرآن العظيم: 1/56]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 9 محرم 1432هـ/15-12-2010م, 06:11 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 20 إلى 40]

{وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21) إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (22) لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (23) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (24) لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (25) قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (26) ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ (27) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29) وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (31) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (33) فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (34) وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (35) وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36) إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (37) وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (38) لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ (39) إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (40)}


تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {والّذين يدعون من دون اللّه} الأوثان.
{لا يخلقون شيئًا وهم يخلقون} يصنعون، يصنعونهم بأيديهم.
قال إبراهيم: {قال أتعبدون ما تنحتون * واللّه خلقكم وما تعملون } بأيديكم.
وقال السّدّيّ: {لا يخلقون شيئًا وهم يخلقون}، يعني: وهم يصوّرون). [تفسير القرآن العظيم: 1/57]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {والّذين يدعون من دون اللّه لا يخلقون شيئا وهم يخلقون}
ويقرأ {تدعون من دون اللّه} بالتاء والياء.
{لا يخلقون شيئا وهم يخلقون}.
يعنى به الأوثان التي كانت تعبدها العرب). [معاني القرآن: 3/193]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون} يعني الأوثان
وقرأ محمد اليماني والذين يدعون من دون الله بضم الياء وفتح العين). [معاني القرآن: 4/62-61]

تفسير قوله تعالى: {أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {أمواتٌ غير أحياءٍ} قال قتادة: هي الأوثان أمواتٌ لا روح فيها.
{وما يشعرون أيّان يبعثون} متى يبعثون، يعني البعث.
إنّ الأوثان تحشر بأعيانها فتخاصم عابدها عند اللّه بأنّها لم تدعهم إلى عبادتها، وإنّما كان دعاهم إلى عبادتها الشّياطين.
قال: {إن يدعون من دونه إلا إناثًا} إلا مواتًا، شيئًا ليس فيه روحٌ، {وإن يدعون إلا شيطانًا مريدًا} ). [تفسير القرآن العظيم: 1/57]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أمواتٌ غير أحياء...}
رفعته بالاستئناف. وإن شئت رددته إلى أنه خبر للذين فكأنه قال: والذين تدعون من دون الله أموات. الأموات في غير هذا الموضع أنها لا روح فيها يعني الأصنام.
ولو كانت نصباً على قولك يخلقون أمواتاً على القطع وعلى وقوع الفعل أي ويخلقون أمواتاً ليسوا بأحياء.
وقوله: {وما يشعرون أيّان يبعثون} يقول: هي أموات فكيف تشعر متى تبعث، يعني الأصنام. ويقال للكفار: وما يشعرون أيّان.
وقرأ أبو عبد الرحمن السّلميّ {إيّان يبعثون}بكسر ألف (إيّان) وهي لغة لسليم وقد سمعت بعض العرب يقول: متى إيوان ذاك والكلام أوان ذلك). [معاني القرآن: 2/99-98]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {أيّان يبعثون} مجازه: متى يحيون). [مجاز القرآن: 1/357]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {أمواتٌ غير أحياء وما يشعرون أيّان يبعثون}
وقال: {أمواتٌ غير أحياء} على التوكيد). [معاني القرآن: 2/64]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {أيان تبعثون}: متى). [غريب القرآن وتفسيره: 205]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وما يشعرون أيّان يبعثون} أي متى يبعثون). [تفسير غريب القرآن: 242]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (أيان
أيّان: بمعنى متى، ومتى بمعنى: أيّ حين.
ونرى أصلها: أيّ أوان، فحذفت الهمزة والواو، وجعل الحرفان واحدا، قال الله تعالى: {أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} ؟ أي متى يبعثون؟ و{أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ} ). [تأويل مشكل القرآن: 522]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {أموات غير أحياء وما يشعرون أيّان يبعثون} أي وهم أموات غير أحياء.
وقوله: {وما يشعرون أيّان يبعثون} أي ما يشعرون متى يبعثون، و (أيّان) في موضع نصب بقوله (يبعثون) ولكنه مبني غير منون، لأنه بمعنى الاستفهام فلا يعرب كما لا تعرب كم ومتى وكيف وأين، إلّا أن النون فتحت لالتقاء السّاكنين.
فإن قال قائل: فهلّا كسرت؟
قيل الاختيار إذا كان قبل الساكن الأخير ألف أن يفتح، لأن الفتح أشبه بالألف وأخف معها.
وزعم سيبويه والخليل أنك إذا رخّمت رجلا اسمه أسحار، قلت يا أسحارّ - بتشديد الراء - أقبل، ففتحت الراء لالتقاء السّاكنين، - وكذلك تختار مع المفتوح الفتح، تقول إذا أمرت من غضّ: غضّ يا هذا). [معاني القرآن: 3/194-193]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {أموات غير أحياء} أي هم أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون يجوز أن يكون المعنى وما تشعر الأصنام ويجوز أن يكون المعنى وما يشعر المشركون
متى يبعثون). [معاني القرآن: 4/62]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {أَيَّانَ}: متى). [العمدة في غريب القرآن: 177]

تفسير قوله تعالى: {إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (22)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {إلهكم إلهٌ واحدٌ فالّذين لا يؤمنون بالآخرة} لا يصدّقون بالآخرة.
{قلوبهم منكرةٌ} له.
سعيدٌ عن قتادة، قال: لهذا القرآن.
وبعضهم يقول: لا إله إلا اللّه.
{وهم مستكبرون} عن عبادة اللّه، وعن ما جاء به رسوله في تفسير الحسن.
وقال قتادة: عن القرآن.
وهو واحدٌ). [تفسير القرآن العظيم: 1/57]

تفسير قوله تعالى: {لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (23)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (ثمّ قال: {لا جرم} وهي كلمة وعيدٍ.
{أنّ اللّه يعلم ما يسرّون وما يعلنون} وقد فسّرناه قبل هذا الموضع.
{إنّه لا يحبّ المستكبرين} ). [تفسير القرآن العظيم: 1/58-57]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {لا جرم} أي حقاً، وقال أبو أسماء بن الضّريبة أو عطيّة بن عفيف:


يا كرز إنك قد منيت بفارسٍ= بطلٍ إذا هاب الكماة مجرّب
ولقد طعنت أبا عيينة طعنة= جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا
أي أحقت لهم الغضب، وجرم مصدر منه: وكرز: رجل من بني عقيل؛ وأبو عيينة حصن بن حذيفة بن بدر). [مجاز القرآن: 1/358]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {جرم}: أي حقا). [غريب القرآن وتفسيره: 206]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {لا جَرَمَ} قالَ الفرَّاء: هي بمنزلةِ لا بُدَّ ولا مَحَالةَ، ثمَّ كَثُرَت في الكلام حتى صارت بمنزلة حقًّا.
وأصلها من جَرَمْتُ: أي كَسَبْتُ.
وقال في قول الشاعر:
ولقد طعنتُ أبا عيينةَ طعنةً = جَرَمَتْ فَزَارَةُ بعدَها أَن يَغْضَبُوا
أي: كَسَبْتُهُمُ الغَضَبَ أَبَدًا.
قال: وليس قول من قال: (حُقَّ لِفَزَارَةَ الغَضَبُ) بِشيء.
ويقال: فلان جَارِمُ أَهْلِهِ، أَي كاسبُهُم وَجَرِيمَتُهُم.
ولا أحسبُ الذَّنبَ سُمِّيَ جُرْمًا إِلاَّ مِن هَذَا: لأَنَّهُ كَسْبٌ واقترِافٌ). [تأويل مشكل القرآن: 551-550] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {لا جرم أنّ اللّه يعلم ما يسرّون وما يعلنون إنّه لا يحبّ المستكبرين}
معنى {لا جرم} حق أن اللّه يعلم، ووجب، وقوله: " لا " رد لفعلهم.
قال الشاعر:
ولقد طعنت أبا عيينة طعنة= جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا
المعنى أحقت فزارة بالغضب). [معاني القرآن: 3/194]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {جَرَمَ}: حق). [العمدة في غريب القرآن: 177]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (24)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربّكم} ، إذا قال المؤمنون للمشركين في الدّنيا: {ماذا أنزل ربّكم}.
{قالوا أساطير الأوّلين} وإنّما ارتفعت لأنّهم قالوا لهم أساطير الأوّلين.
وهذه حكايةٌ.
قال قتادة: أي: كذب الأوّلين وباطلهم، وليس يقرّون أنّ اللّه أنزل كتابًا، ويقولون إنّ النّبيّ افتراه من عنده.
سعيدٌ عن قتادة، قال: قال ذلك ناسٌ من مشركي العرب كانوا يتصدّون بالطّريق من أتى نبيّ اللّه، فإذا مرّ بهم من المؤمنين من يريد نبيّ اللّه قالوا: إنّما هو أساطير الأوّلين، أي: كذب الأوّلين وباطلهم.
وفي تفسير الكلبيّ: إنّ المقتسمين الّذين تفرّقوا على أعقاب مكّة أربعة نفرٍ على كلّ طريقٍ، أمرهم بذلك الوليد بن المغيرة فقال: من سألكم عن محمّدٍ من النّاس وقد كان حضر الموسم.
فقال لهم: إنّ النّاس سائلوكم عنه غدًا بعد الموسم، فمن سألكم عنه من النّاس فليقل بعضكم: ساحرٌ، وليقل الآخران: كاهنٌ، وليقل الآخرون: شاعرٌ، وليقل الآخرون: مجنونٌ يهذي من أمّ رأسه.
فإن رجعوا بذا ورضوا بقولكم فذاك، وإلا لقوني عند البيت، فإذا سألوني صدّقتكم كلّكم.
فسمع بذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فشقّ عليه، وبعث مع كلّ أربعةٍ أربعةً من أصحابه.
فقال: إذا سألوكم عنّي فكذبوا عليّ، فحدّثوا النّاس بما أقول.
فكان إذا سئل المشركون ما صاحبكم؟ فقالوا: ساحرٌ، فقال الأربعة الّذين من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه: انطلقوا، بل هو رسول اللّه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويأمر بصلة ذي القرابة وبأن يقرى الضّيف، وأن يعبد اللّه، في كلامٍ حسنٍ جميلٍ، فيقول النّاس للمسلمين: واللّه ما تقولون أنتم أحسن ممّا يقول هؤلاء، واللّه لا نرجع حتّى نلقاه، فهو قوله: {وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربّكم} ، يعني: المشركين {قالوا أساطير الأوّلين} ). [تفسير القرآن العظيم: 1/58]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربّكم قالوا أساطير الأوّلين}
" ما " مبتدأ، و " ذا " في موضع الذي. المعنى ما الذي أنزل ربكم.
وأساطير مرفوعة على الجواب، كأنهم قالوا: الّذي أنزل أساطير الأولين.
أي أكاذيب الأولين، واحدها أسطورة). [معاني القرآن: 3/194]

تفسير قوله تعالى: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (25)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {ليحملوا أوزارهم} آثامهم، في تفسير الحسن والسّدّيّ.
وقال قتادة: ذنوبهم.
وهو واحدٌ.
{كاملةً يوم القيامة} ، يعني: الّذين قالوا: أساطير الأوّلين.
{ومن أوزار} قال قتادة: ومن ذنوب.
{الّذين يضلّونهم} وقال السّدّيّ: ومن آثام الّذين يضلّونهم.
وهو واحدٌ.
{بغير علمٍ ألا ساء ما يزرون} ، أي: بئس ما يحملون، يحملون آثام أنفسهم ومثل آثام الّذين دعوهم إلى الضّلال واتّبعوهم عليه.
وهو كقوله: {وليحملنّ أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم} يحملون آثام أنفسهم ومثل آثام الّذين دعوهم إلى الضّلالة فاتّبعوهم عليها إلى يوم القيامة، من غير أن ينقص من أوزار الّذين اتّبعوهم شيءٌ.
- أبو الأشهب، عن الحسن، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ((أيّما داعٍ دعا إلى هدًى فاتّبع فله مثل أجر من اتّبعه ولا ينقص ذلك من أجورهم، وأيّما داعٍ دعا إلى ضلالةٍ فاتّبع فعليه مثل وزر من اتّبعه لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئًا)) ). [تفسير القرآن العظيم: 1/59]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {أوزارهم}: الأوزار هي الآثام، واحدها وزرٌ). [مجاز القرآن: 1/358]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الّذين يضلّونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون}
هؤلاء كانوا يصدون من أراد اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - وإذا سئلوا عما أتى به - قالوا الذي جاء أساطير الأولين، فأعلم اللّه - عزّ وجلّ - أنهم يحملون بذلك آثام الذين كفروا بقولهم.. ولا ينقص ذلك من إثم التابع.
وقوله: {ألا ساء ما يزرون}.
" ما " في موضع رفع، كما ترفع بنعم وبئس، المعنى ساء الشيء وزرهم، هذا كما تقول: بئس الشيء). [معاني القرآن: 3/195-194]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة} الوزر في اللغة الحمل الثقيل وقيل للإثم وزر على التمثيل).[معاني القرآن: 4/62]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال تعالى: {ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم}
قال مجاهد يحملون إثم من أضلوه ولا ينقص من إثم المضل شيء). [معاني القرآن: 4/63-62]

تفسير قوله تعالى: {قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (26)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {قد مكر الّذين من قبلهم فأتى اللّه بنيانهم من القواعد}، يعني: الّذين أهلك بالرّجفة من الأمم السّالفة، رجفت بهم الأرض.
{فخرّ عليهم السّقف من فوقهم} تناقضت سقوف منازلهم عليهم.
{وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون} سعيدٌ عن قتادة، قال: أتاها أمر اللّه من أصلها، {فخرّ عليهم السّقف من فوقهم} والسّقف: أعالي البيوت، فانكفأت بهم بيوتهم.
عاصم بن حكيمٍ أنّ مجاهدًا قال: يعني مكر نمرود.
وقال ابن مجاهدٍ عن أبيه: مكر نمرود بن كنعان الّذي حاجّ إبراهيم في ربّه). [تفسير القرآن العظيم: 1/59]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فأتى الله بنيانهم من القواعد} مجازه مجاز المثل والتشبيه والقواعد الأساس. إذا استأصلوا شيئاً قالوا هذا الكلام،
وهو مثل؛ القواعد واحدتها قاعدة، والقاعد من النساء التي لا تحيض). [مجاز القرآن: 1/359]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {القواعد}: الأساس). [غريب القرآن وتفسيره: 206]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فأتى اللّه بنيانهم من القواعد} أي من الأساس. وهذا مثل.
أي أهلكهم كما أهلك من هدم مسكنه من أسفله فخرّ عليه). [تفسير غريب القرآن: 242]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {قد مكر الّذين من قبلهم فأتى اللّه بنيانهم من القواعد فخرّ عليهم السّقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون}
أي من أساطين البناء التي تعمده.
{فخرّ عليهم السّقف من فوقهم}.
يروى أن ذلك في قصة نمرود بن كنعان، بنى صرحا يمكر به فخر سقفه عليه وعلى أصحابه، وقال بعضهم: هذا مثل، جعلت أعمالهم التي عملوها بمنزلة الباني بناء يسقط عليه فمضرة عملهم عليهم كمضرّة الباني إذا سقط عليه بناؤه). [معاني القرآن: 3/195]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف} من فوقهم،
وقرأ الأعرج السقف قال مجاهد يعني بهذا نمرود بن كنعان الذي حاج إبراهيم في ربه ويروي أنه بنى بنيانا عظيما فخر وقد قيل هذا تمثيل أي أهلكهم الله فكانوا بمنزلة من سقط عليه بنيانه وهلك وقيل أحبط الله أعمالهم فكانوا بمنزلة من سقط عليه بنيانه والفائدة في قوله تعالى: {من فوقهم} أنه قد يقال سقط على منزل كذا إذا كان يملكه وإن لم يكن وقع عليه).[معاني القرآن: 4/64-63]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {فخر عليهم السقف من فوقهم} قال: وَكَّدَ-ليس بسماع - ليعلمك أنهم كانوا حالين تحته،
والعرب تقول: خر علينا سقف، ووقع علينا حائط، فجاء بقوله: من فوقهم، ليخرج هذا الشك، الذي في كلام العرب، فقال فخر عليهم السقف من فوقهم، أي عليهم وقع، وكانوا تحته فهلكوا، وما افلتوا). [ياقوتة الصراط: 294-293]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {من القواعد} أي من الأساس. وقيل: هذا مثل في إهلاكهم كما أهلك من تهدم مسكنه من أسفل، فخر عليه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 130]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {القَوَاعِدَ}: الأساس). [العمدة في غريب القرآن: 177]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ (27)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ثمّ يوم القيامة يخزيهم} في النّار بعد عذاب الدّنيا.
{ويقول أين شركائي} ، أي: الّذين زعمتم أنّهم شركائي.
{الّذين كنتم تشاقّون فيهم} تفارقون فيهم، يعني: المحاربة والعداوة.
عادوا اللّه في الأوثان فعبدوها من دونه.
وقال السّدّيّ: {تشاقّون فيهم} ، يعني: تحاجّون فيهم.
{قال الّذين أوتوا العلم} وهم المؤمنون.
{إنّ الخزي اليوم} ، يعني: إنّ الهوان اليوم.
{والسّوء} ، يعني: العذاب.
وهو تفسير السّدّيّ.
{على الكافرين} وهذا الكلام يوم القيامة). [تفسير القرآن العظيم: 1/60]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {أين شركائي الّذين كنتم تشاقّون فيهم} أي تحاربون فيهم). [مجاز القرآن: 1/359]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {تشاقون فيهم}: تحاربون). [غريب القرآن وتفسيره: 206]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ثمّ يوم القيامة يخزيهم ويقول أين شركائي الّذين كنتم تشاقّون فيهم قال الّذين أوتوا العلم إنّ الخزي اليوم والسّوء على الكافرين}
و {تشاقّون فيهم} بكسر النون، وقد فسرنا مثل هذا، وإنّما... شركائي
حكاية لقولهم، واللّه - جل ثناؤه - لا شريك له.
المعنى أين الذين في دعواكم أنهم شركائي). [معاني القرآن: 3/195]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ثم يوم القيامة يخزيهم ويقول أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم} المعنى أين الذين كنتم تدعون أنهم شركائي أي أين شركائي على قولكم
والله جل وعز لا شريك له). [معاني القرآن: 4/64]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {تُشَاقُّونَ}: تحاربون). [العمدة في غريب القرآن: 177]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {الّذين تتوفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} قال بعضهم: توفّاهم عند الموت.
وقال الحسن: هي وفاةٌ إلى النّار، حشرٌ إلى النّار.
{فألقوا السّلم} تفسير قتادة: استسلموا.
وتفسير الحسن: فأعطوا الإسلام، أسلموا فلم يقبل ذلك منهم.
وقال: إنّ في القيامة مواطن، فمنها موطنٌ يقرّون فيه بأعمالهم الخبيثة وهو قوله: {وشهدوا على أنفسهم أنّهم كانوا كافرين}،
ومنها موطنٌ يجحدون فيه فقالوا: {ما كنّا نعمل من سوءٍ}.
فقيل لهم: {بلى إنّ اللّه عليمٌ بما كنتم تعملون} في الدّنيا أنّكم مشركون.
وقالوا: {واللّه ربّنا ما كنّا مشركين}.
قال: {انظر كيف كذبوا على أنفسهم} فادّعوا أنّهم لم يكونوا مشركين، {وضلّ عنهم ما كانوا يفترون} من عبادتهم الأوثان، فلم تغن عنهم شيئًا.
وإنّ آخرها موطنًا أن يختم على أفواههم وتكلّم أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون، يعملون.
وقال السّدّيّ في قوله: {ما كنّا نعمل من سوءٍ}، يعني: من شركٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/61-60]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فألقوا السّلم} أي صالحوا وسالموا والسلم والسلم والسلام واحد). [مجاز القرآن: 1/359]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {فألقوا السلم}: الاستسلام). [غريب القرآن وتفسيره: 206]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فألقوا السّلم} أي انقادوا واستسلموا والسلّم: الاستسلام). [تفسير غريب القرآن: 243]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {الّذين تتوفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السّلم ما كنّا نعمل من سوء بلى إنّ اللّه عليم بما كنتم تعملون}
{فألقوا السّلم ما كنّا نعمل من سوء} أي ألقوا الاستسلام، وذكر السّلم، والسّلم الصّلح، - لذكره المشاقة.
وبإزاء المشاقة والمعاداة الصلح.
{ما كنّا نعمل من سوء} أي قالوا: ما كنا نعمل من سوء). [معاني القرآن: 3/196-195]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فألقوا السلم} أي الاستسلام أي أذعنوا واستسلموا). [معاني القرآن: 4/64]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {السَّلَمَ}: الاستسلام). [العمدة في غريب القرآن: 177]

تفسير قوله تعالى: {فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {فادخلوا أبواب جهنّم} .
قد فسّرناها قبل هذا الموضع.
{خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبّرين} عن عبادة اللّه). [تفسير القرآن العظيم: 1/61]

تفسير قوله تعالى: {وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {وقيل للّذين اتّقوا ماذا أنزل ربّكم قالوا خيرًا} ، أي: أنزل خيرًا.
ثمّ انقطع الكلام.
ثمّ قال: {للّذين أحسنوا} آمنوا.
{في هذه الدّنيا حسنةٌ ولدار الآخرة خيرٌ}
- همّامٌ عن قتادة عن أنس بن مالكٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ((إنّ اللّه لا يظلم المؤمن حسنةً يثاب عليها الرّزق في الدّنيا ويجزى بها في الآخر)).
قال يحيى: وبلغني عن عليٍّ في تفسيرها نحو ذلك.
وتفسير الحسن يقول: للّذين أحسنوا في هذه الدّنيا تكون لهم حسنتهم في الآخرة الجنّة.
قال: {ولدار الآخرة خيرٌ} من الدّنيا.
{ولنعم دار المتّقين} الجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 1/61]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ولنعم دار المتّقين...}
{جنّات عدنٍ...} ترفع الجنات لأنه اسم لنعم كما تقول: نعم الدار دارٌ تنزلها. وأن شئت جعلت {ولنعم دار المتّقين} مكتفياً بما قبله، ثم تستأنف الجنات فيكون رفعها على الاستئناف.
وإن شئت رفعتها بما عاد من ذكرها في {يدخلونها}). [معاني القرآن: 2/99]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وقيل للّذين اتّقوا ماذا أنزل ربّكم قالوا خيراً لّلّذين أحسنوا في هذه الدّنيا حسنةٌ ولدار الآخرة خيرٌ ولنعم دار المتّقين}
وقال: {وقيل للّذين اتّقوا ماذا أنزل ربّكم قالوا خيراً} فجعل "ماذا" بمنزلة "ما" وحدها). [معاني القرآن: 2/65]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وقيل للّذين اتّقوا ماذا أنزل ربّكم قالوا خيرا للّذين أحسنوا في هذه الدّنيا حسنة ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتّقين}
" ما " و "ذا " كالشيء الواحد، والمعنى أي شيء أنزل ربكم.
{قالوا خيرا}.
على جواب " ماذا " المعنى أنزل خيرا.
{للّذين أحسنوا في هذه الدّنيا حسنة}.
جائز أن يكون هذا الكلام ذكر ليدل على أن الذي قالوه اكتسبوا به حسنة، وجائز أن يكون تفسيرا لقولهم خيرا، وحسنة، بالرفع القراءة. ويجوز " للذين أحسنوا في هذه الدّنيا حسنة "، ولا تقرأنّ بها،
وجوازها أن معناها أن " أنزل خيرا " - جعل للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة، أي جعل لهم مكافأة في الدنيا قبل الآخرة.
وقوله: {ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتّقين}.
المعنى، ولنعم دار المتقين دار الآخرة، ولكن المبيّن لقوله {دار المتقين} هو، قوله: {جنّات عدن يدخلونها تجري من تحتها الأنهار لهم فيها ما يشاءون كذلك يجزي اللّه المتّقين}
وهي مرفوعة بإضمار " هي " كأنك لما قلت، ولنعم دار المتقين على جواب السائل أي دار هي هذه الممدوحة، فقلت: (جنّات عدن يدخلونها).
وإن شئت رفعت على الابتداء، ويكون المعنى: جنات عدن نعم دار المتقين). [معاني القرآن: 3/196]

تفسير قوله تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (31)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {جنّات عدنٍ يدخلونها تجري من تحتها الأنهار} وقد فسّرنا (عدنٍ) قبل هذا الموضع.
نسبت الجنان كلّها إليها.
قال: {لهم فيها ما يشاءون كذلك يجزي اللّه المتّقين}. [تفسير القرآن العظيم: 1/61]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ولنعم دار المتّقين...}
{جنّات عدنٍ...} ترفع الجنات لأنه اسم لنعم كما تقول: نعم الدار دارٌ تنزلها.
وأن شئت جعلت {ولنعم دار المتّقين} مكتفياً بما قبله، ثم تستأنف الجنات فيكون رفعها على الاستئناف.
وإن شئت رفعتها بما عاد من ذكرها في {يدخلونها} ). [معاني القرآن: 2/99] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتّقين}.
المعنى، ولنعم دار المتقين دار الآخرة، ولكن المبيّن لقوله {دار المتقين} هو، قوله: {جنّات عدن يدخلونها تجري من تحتها الأنهار لهم فيها ما يشاءون كذلك يجزي اللّه المتّقين}
وهي مرفوعة بإضمار " هي " كأنك لما قلت، ولنعم دار المتقين على جواب السائل أي دار هي هذه الممدوحة، فقلت: {جنّات عدن يدخلونها}.
وإن شئت رفعت على الابتداء، ويكون المعنى: جنات عدن نعم دار المتقين). [معاني القرآن: 3/196]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {الّذين تتوفّاهم الملائكة} تقبض أرواحهم.
{طيّبين}
قال ابن مجاهدٍ عن أبيه: أحياءً وأمواتًا، قدّر اللّه ذلك لهم.
{يقولون سلامٌ عليكم ادخلوا الجنّة بما كنتم تعملون} حيوة بن شريحٍ، ذكره بإسنادٍ قال: إنّ الملائكة تأتي وليّ اللّه عند الموت فتقول: السّلام عليك يا وليّ اللّه، اللّه يقرأ عليك السّلام.
وتبشّره بالجنّة.
قال يحيى: فهو قوله: {تتوفّاهم الملائكة طيّبين يقولون سلامٌ عليكم}.
الخليل بن مرّة ذكره بإسنادٍ قال: يقول اللّه: ادخلوا الجنّة برحمتي، واقتسموها بأعمالكم.
- إسماعيل بن مسلمٍ عن أبي المتوكّل النّاجيّ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: (( الدّرجة فوق الدّرجة كما بين السّماء والأرض، وإنّ العبد ليرفع بصره فيلمع له برقٌ يكاد أن يختطف بصره، فيفزع لذلك فيقول: ما هذا؟ فيقال له: هذا نور أخيك فلانٍ، فيقول: أخي فلانٌ، كنّا في الدّنيا نعمل جميعًا وقد فضّل عليّ هكذا.فيقال له إنّه كان أفضل منك عملا.
ثمّ يجعل في قلبه الرّضى حتّى يرضى)) ). [تفسير القرآن العظيم: 1/61-62]

تفسير قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (33)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {هل ينظرون} ما ينظرون.
{إلا أن تأتيهم الملائكة} وهو عند الموت.
{أو يأتي أمر ربّك} ذاك يوم القيامة.
وهذا تفسير قتادة.
وتفسير الحسن: {هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة} بعذابهم، يعني: مشركي العرب.
{أو يأتي أمر ربّك} ، يعني: النّفخة الأولى الّتي يهلك اللّه بها آخر كفّار هذه الأمّة الدّائنين بدين أبي جهلٍ وأصحابه قبل عذاب الآخرة.
قال: {كذلك فعل الّذين من قبلهم} كذلك كذّب الّذين من قبل مشركي العرب كما كذّب مشركو العرب، فأهلكناهم بالعذاب.
قال: {وما ظلمهم اللّه ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} يضرّون.
وقال الحسن: ينقصون). [تفسير القرآن العظيم: 1/62]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {هل ينظرون إلّا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربّك كذلك فعل الّذين من قبلهم وما ظلمهم اللّه ولكن كانوا أنفسهم يظلمون}
أي: لقبض أرواحهم، أو يأتي ما وعدهم اللّه به من عذابه.
وقوله: {كذلك فعل الّذين من قبلهم وما ظلمهم اللّه}
أي كذلك فعلوا فأتاهم أمر اللّه بالعذاب، {فأصابهم سيئات ما عملوا} ). [معاني القرآن: 3/197-196]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة} أي لقبض أرواحهم أو يأتي أمر ربك أي بالعذاب والزلزلة والخسف). [معاني القرآن: 4/64]

تفسير قوله تعالى: {فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (34)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {فأصابهم سيّئات ما عملوا} ثواب ما عملوا.
وقال السّدّيّ: أي عذاب ما عملوا من الشّرك.
{وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون} ثواب ما كانوا به يستهزئون بآيات اللّه وبالرّسل). [تفسير القرآن العظيم: 1/63-62]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (35)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وقال الّذين أشركوا لو شاء اللّه ما عبدنا من دونه من شيءٍ نحن ولا آباؤنا ولا حرّمنا من دونه من شيءٍ}
وهو ما حرّموا على أنفسهم من البحيرة والسّائبة، والوصيلة، والحام، والزّرع.
وهو قوله: {وجعلوا للّه ممّا ذرأ من الحرث والأنعام نصيبًا فقالوا هذا للّه بزعمهم وهذا لشركائنا} إلى آخر الآية.
قالوا: لو كره اللّه هذا الّذي نحن عليه لحوّلنا عنه.
فقال اللّه جوابًا لقولهم: {كذلك فعل الّذين من قبلهم فهل}.
وقد ذكر عنهم في سورة الأنعام مثل هذا فقال: {قل هل عندكم من علمٍ فتخرجوه لنا} أي: من حجّةٍ، أنّه لا يكره ما أنتم عليه، {إن تتّبعون إلا الظّنّ}.
وقال في هذه الآية: {كذلك فعل الّذين من قبلهم}يعني: فما {فهل على الرّسل}.
تفسير السّدّيّ.
{إلا البلاغ المبين} ). [تفسير القرآن العظيم: 1/63]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (هل: تكون للاستفهام...، ويجعلونها أيضا بمعنى: (ما) في قوله: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ}
و{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ}، و {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ}، و {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ}؟ ،و{فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ}؟ .
هذا كله عندهم بمعنى: (ما).
وهو والأوّل عند أهل اللغة تقرير). [تأويل مشكل القرآن: 539-538] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وقال الّذين أشركوا لو شاء اللّه ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ولا حرّمنا من دونه من شيء كذلك فعل الّذين من قبلهم فهل على الرّسل إلّا البلاغ المبين}
هذه الآية وأشباهها فيه تنازع وينبغي أن يقف أهل القرآن والسنة على حقيقة تفسيرها لأن قوما زعموا أن من قال هذا فقد كفر وأن من قال من العباد أن لا يفعل إلا ما شاء الله فقد كفر، وهذا تأويل رديء، وإنما كفر أولئك وكذبوا، لأنهم كانوا يقولون: لو شاء اللّه ما عبدنا من دونه من شيء على جهة الهزؤ، والدليل على ذلك أنّ قوم شعيب قالوا لشعيب:
{أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنّك لأنت الحليم الرّشيد}.
فلو قالوا له هذا معتقدين لكانوا مؤمنين، وإنما قالوه مستهزئين.
وقد اتفقت الأمّة على أن الله لو شاء ألا يعبد غيره مشيئة اضطرار إلى ذلك لم يقدر أحد على غير ذلك، ولكن اللّه جل ثناؤه تعبّد العباد ووفق من أحبّ توفيقه، وأضل من أحب إضلاله، وهؤلاء قالوا هذه محقّقين ما قيل لهم أنهم مكذبون إذ كان الإجماع على أن اللّه - عزّ وجلّ - يقدر على أن يجبر العباد على طاعته وأعلم اللّه أنهم مكذبون كما كذب الذين من قبلهم فقال:
{فهل على الرّسل إلّا البلاغ المبين} أي الإبلاغ. الذي يبينون معه أنهم أنبياء). [معاني القرآن: 3/197]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا}
قال قوم ذم الله هؤلاء الذين جعلوا شركهم عن مشيئته وقال قوم من قال هذا فقد كفر
قال أبو جعفر هذا غلط في التأويل ولا يقبل في التفسير على أنهم قالوا هذا على جهة الهزء كما قال قوم شعيب لنبيهم إنك لأنت الحليم الرشيد أي إنك أنت الحليم الرشيد على قولك وقد تبين هذا بقوله:
{إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل} وفي قراءة أبي (فإن الله لا هادي لمن أضل الله) وهو شاهد لمن قرأ: {لا يهدي} وهي القراءة البينة كما قال: {وما توفيقي إلا بالله}
وروى عن عبد الله بن مسعود أنه قرأ لا يهدي من يضل وأحسن ما قيل في هذا ما رواه أبو عبيد عن الفراء أنه يقال هدى يهدي بمعنى اهتدى يهتدي قال تعالى: {أمن لا يهدي إلا أن يهدى} بمعنى يهتدي
قال أبو عبيد ولا نعلم أحدا روى هذا غير الفراء وليس بمتهم فيما يحكيه قال أبو جعفر حكى لي عن محمد بن يزيد كأن معنى لا يهدي من يضل من علم ذلك منه وسبق له ذلك عنده قال ولا يكون يهدي بمعنى يهتدي إلا أن
تقول يهدي أو يهدي). [معاني القرآن: 4/66-64]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ولقد بعثنا في كلّ أمّةٍ رسولا}، يعني: من أهلك بالعذاب.
{أن اعبدوا اللّه واجتنبوا الطّاغوت} والطّاغوت: الشّيطان، هو دعاهم إلى عبادة الأوثان، مثل قوله: {وإن يدعون إلا شيطانًا مريدًا}.
وقال السّدّيّ: {واجتنبوا الطّاغوت} ، يعني: واجتنبوا الأوثان.
قال: {فمنهم من هدى اللّه ومنهم من حقّت عليه الضّلالة} كقوله: {شقيٌّ وسعيدٌ}.
{فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذّبين} سعيدٌ عن قتادة، قال: كان عاقبتهم أن دمّر اللّه عليهم، ثمّ صيّرهم إلى النّار). [تفسير القرآن العظيم: 1/63]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ولقد بعثنا في كلّ أمّة رسولا أن اعبدوا اللّه واجتنبوا الطّاغوت فمنهم من هدى اللّه ومنهم من حقّت عليه الضّلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذّبين}
فأعلم اللّه أنه بعث الرسل بالأمر بالعبادة، وهو من وراء الإضلال والهداية،
فقال: {فمنهم من هدى اللّه ومنهم من حقّت عليه الضّلالة}.فهذا يدل على أنهم لو قالوا ذلك معتقدين لكانوا صادقين،
ثم أكد ذلك فقال: {إن تحرص على هداهم فإنّ اللّه لا يهدي من يضلّ وما لهم من ناصرين} ). [معاني القرآن: 3/198-197]

تفسير قوله تعالى: {إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (37)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {إن تحرص على هداهم فإنّ اللّه لا يهدي من يضلّ}
كقوله: {من يضلل اللّه فلا هادي له}.
حمّادٌ عن قيس بن سعيدٍ عن مجاهدٍ، أنّه كان يقرؤها كذلك.
قال حمّادٌ: وهي قراءة ابن كثيرٍ.
وهي تقرأ على وجهٍ آخر: لا يهدى من يضلّ.
حدّثني فطرٌ، عن الشّعبيّ، قال: أشهد على علقمة أنّي سمعته يقرأ: {إن تحرص على هداهم فإنّ اللّه لا يهدي من يضلّ}، أي: من أضلّه اللّه، فوجبت عليه الضّلالة فإنّ اللّه لا يهديه.
وقوله في الحرص كقوله: {إنّك لا تهدي من أحببت ولكنّ اللّه يهدي من يشاء}.
قال: {وما لهم من ناصرين} إذا جاءهم العذاب). [تفسير القرآن العظيم: 1/64-63]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إن تحرص على هداهم فإنّ اللّه لا يهدي من يضلّ...}
قرأها أصحاب عبد الله {يهدّي} يريدون: يهتدي من يضلّ. والعرب تقول للرجل: قد هدّي الرجل يريدون: اهتدى. ومثله {أم من لا يهدّي إلاّ أن يهدى} ... حدثني الحسن بن عيّاش أخو أبى بكر بن عيّاش وقيس بن الربيع وغيرهما عن الأعمش عن الشّعبي عن علقمة أنه قرأ (لا يهدي من يضل) كذلك.
وقرأها أهل الحجاز {لا يهدى من يضلّ} وهو وجه جيّد لأنها في قراءة أبيّ (لا هادي لمن أضل الله) ومن في الوجهين جميعاً في موضع رفع ومن قال {يهدي} كانت رفعاً إذ لم يسمّ فاعلها ومن قال {لا يهدي} يريد: يهتدي يكون الفعل لمن). [معاني القرآن: 2/99]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {إن تحرص على هداهم فإنّ اللّه لا يهدي من يضلّ وما لهم مّن نّاصرين}
وقال: {إن تحرص} لأنها من "حرص" "يحرص"). [معاني القرآن: 2/65]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {إن تحرص على هداهم فإنّ اللّه لا يهدي من يضلّ وما لهم من ناصرين}
وقرئت فإن اللّه لا يهدى من يضل، كما قال: {من يضلل اللّه فلا هادي له}.
وفيها وجه ثالث في القراءة.. " لا يهدي من يضل " وهو أقلّ الثلاثة). [معاني القرآن: 3/198]

تفسير قوله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (38)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وأقسموا باللّه جهد أيمانهم لا يبعث اللّه من يموت} قال: {بلى وعدًا عليه} ليبعثنّهم.
ثمّ قال: {حقًّا} فأقسم بقوله: {حقًّا}
{ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون * ليبيّن لهم الّذي يختلفون فيه} ما كانوا يختلفون فيه في الدّنيا، المؤمنون والكافرون). [تفسير القرآن العظيم: 1/64]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (قوله: {بلى وعداً عليه حقّاً...}
بلى ليبعثنّهم وعداً عليه حقّاً. ولو كان رفعاً على قوله: {بلى وعد عليه حقٌّ} كان صواباً). [معاني القرآن: 2/100]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وأقسموا باللّه جهد أيمانهم لا يبعث اللّه من يموت بلى وعدا عليه حقّا ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون}
{وعدا} منصوب مؤكد، المعنى بلى يبعثهم اللّه وعدا عليه حقا، {ليبين لهم الذي يختلفون فيه}.
فهذا على ضربين، جائز أن يكون معلقا بالبعث، ويكون المعنى: بلى يبعثهم الله ليبيّن - لهم وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين، وجائز أن يكون {ليبيّن لهم الّذي يختلفون فيه} معلقا بقوله: {ولقد بعثنا في كلّ أمّة رسولا}
ليبيّن لهم اختلافهم، وأنهم كانوا من قبله على ضلالة). [معاني القرآن: 3/198]

تفسير قوله تعالى: {لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ (39)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وليعلم الّذين كفروا أنّهم كانوا كاذبين} بقولهم في الدّنيا: {لا يبعث اللّه من يموت} ). [تفسير القرآن العظيم: 1/64]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ليبين لهم الذي يختلفون فيه} يحتمل معنيين أحدهما أن يكون متعلقا بفعل محذوف دل عليه جملة الكلام وهو أن يكون المعنى بل يبعثهم ليبين لهم الذي يختلفون فيه والقول الآخر أن يكون متعلقا بقوله: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا} فيكون المعنى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا ليبين لهم الذي يختلفون فيه وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين} ). [معاني القرآن: 4/66]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (40)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {إنّما قولنا لشيءٍ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون} قبل أن يكون {كن فيكون} ). [تفسير القرآن العظيم: 1/64]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إنّما قولنا لشيءٍ إذا أردناه أن نّقول له كن فيكون...}
القول مرفوع بقوله: (أن نقول) كما تقول: إنما قولنا الحقّ. وأمّا قوله: {فيكون} فهي منصوبة بالردّ على نقول. ومثلها التي في يس منصوبة، وقد رفعها أكثر القراء.
وكان الكسائيّ يردّ الرفع في النحل. وفي يس وهو جائز على أن تجعل {أن تقول له} كلاماً تامّاً ثم تخبر بأنه سيكون، كما تقول للرجل: إنّما يكفيه أن آمره ثم تقول: فيفعل بعد ذلك ما يؤمر). [معاني القرآن: 2/100]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله - عزّ وجلّ -: {إنّما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون}
القراءة الرفع، وقد قرئت بالنصب، فالرفع على فهو، ويكون على معنى ما أراد اللّه فهو يكون، والنصب على ضربين أحدهما أن يكون قوله فيكون عطفا على {أن نقول فيكون}.
ويجوز أن يكون نصبا على جواب (كن) فـ (قولنا) رفع بالابتداء.
وخبره {أن نقول}، المعنى إنما قولنا لكل مراد قولنا كن، وهذا خوطب العباد فيه بما يعقلون وما أراد اللّه فهو كائن على كل حال وعلى ما أراده من الإسراع ولو أراد خلق الدنيا - السّماوات والأرض - في قدر لمح البصر لقدر على ذلك ولكنّ العباد خوطبوا بما يعقلون، فأعلمهم الله سهولة خلق الأشياء عليه قبل أن تكون، فأعلم أنه متى أراد الشيء كان، وأنه إذا قال كن كان. ليس أن الشيء قبل أن يخلق كان موجودا.
إنما المعنى: إذا أردنا الشيء نقول من أجله " كن " أيها المراد فيكون على قدر إرادة اللّه، لأن القوم أعني المشركين أنكروا البعث، {وأقسموا باللّه جهد أيمانهم لا يبعث اللّه من يموت}.
وهو معنى قوله: {وكانوا يصرّون على الحنث العظيم} أي كانوا يحلفون أنهم لا يبعثون.
ولقد جاء في التفسير أن الحنث الشرك لأن من اعتقد هذا فضلا أن يحلف عليه فهو مشرك. فقال جلّ وعلا.
{بلى وعدا عليه حقّا}أي بلى يبعثهم وعدا عليه حقا، و {حقّا} منصوب مصدر مؤكد لأنه إذا قال يبعثهم دل على " وعد بالبعث وعدا "). [معاني القرآن: 3/199-198]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 9 محرم 1432هـ/15-12-2010م, 06:14 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 41 إلى 59]

{وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44) أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (45) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (46) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (47) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ (48) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (49) يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (50) وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (51) وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (52) وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53) ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (54) لِيَكْفُرُوا بِمَا آَتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (55) وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ (56) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ (57) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59)}

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {والّذين هاجروا في اللّه} إلى المدينة.
{من بعد ما ظلموا} من بعد ما ظلمهم المشركون وأخرجوهم من ديارهم من مكّة في تفسير الحسن قال: وهو قوله: {أذن للّذين يقاتلون بأنّهم ظلموا}.
وقال السّدّيّ: {من بعد ما ظلموا} ، يعني: من بعد ما عذّبوا على الإيمان.
قال: {لنبوّئنّهم في الدّنيا حسنةً} المدينة منزلا في تفسير قتادة.
وتفسير ابن مجاهدٍ عن أبيه: {لنبوّئنّهم} لنرزقهم {في الدّنيا حسنةً}.
وتفسير الحسن: لنعطينّهم في الدّنيا النّصر.
{ولأجر الآخرة} الجنّة.
{أكبر} من الدّنيا.
{لو كانوا يعلمون} لعلموا أنّ الجنّة خيرٌ من الدّنيا، أي: إنّ اللّه يعطي المؤمنين في الآخرة أفضل ممّا يعطي في الدّنيا.
سعيدٌ عن قتادة قال: هؤلاء أصحاب نبيّ اللّه، ظلمهم أهل مكّة فأخرجوهم من ديارهم، حتّى لحق طوائف منهم بالحبشة، ثمّ بوّأهم اللّه المدينة بعد ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/65]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {والّذين هاجروا في اللّه من بعد ما ظلموا...}
ذكر أنها نزلت في عمّار وصهيب وبلال ونظرائهم الذين عذّبوا بمكّة {لنبوّئنّهم في الدّنيا حسنةً}: نزول المدينة، ولنحلّلنّ لهم الغنيمة. و{الذين} موضعها رفع). [معاني القرآن: 2/100]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {والّذين هاجروا في اللّه من بعد ما ظلموا لنبوّئنّهم في الدّنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون}
هؤلاء قوم كان المشركون يعذبونهم على اعتقادهم الإيمان منهم صهيب وبلال، وذلك أن صهيبا قال لأهل مكة: أنا رجل كبير، إن كنت معكم لم أنفعكم، وإن كنت عليكم لم أضركم، خذوا مالي ودعوني فأعطاهم ماله وهاجر إلى رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - فقال له أبو بكر الصديق: ربح البيع يا صهيب، وقال عمر: نعم الرجل صهيب لو لم يخف الله لم يعصه، تأويله لو أنه أمن عذابه وعقابه لما ترك الطاعة ولا جنح إلى المعصية لأمنه العذاب.
ومعنى {لنبوّئنّهم في الدّنيا حسنة}.
أي: لأنهم صاروا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ودخلوا في الإسلام وسمعوا ثناء اللّه عليهم). [معاني القرآن: 3/200-199]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا}
يقال إنه يراد به بلال وصهيب والذي يوجب جملة الكلام أن يكون عاما ويروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا دفع إلى المهاجرين أعطياتهم قال لهم هذا ما وعدكم الله في الدنيا وما ذخر لكم في الآخرة أكثر ثم يتلو والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر وروى هشيم عن داود ابن أبي هند عن الشعبي في قوله: {لنبوئنهم في الدنيا حسنة} قال المدينة وكذا قال الحسن وقال الضحاك يعني بالحسنة النصر والفتح ولأجر الآخرة أكبر الجنة وروى ابن جريج عن مجاهد لنبوئنهم في الدنيا حسنة قال لسان صدق). [معاني القرآن: 4/67-66]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {الّذين صبروا وعلى ربّهم يتوكّلون} قال الحسن: وهم الّذين {هاجروا في اللّه من بعد ما ظلموا} .
وتفسير الكلبيّ: أنّ هؤلاء صهيبٌ، وخبّاب بن الأرتّ، وبلالٌ، وعمّار بن ياسرٍ، وفلانٌ مولى ابن خلفٍ الجمحيّ، أخذوا بعدما خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من مكّة، فعذّبهم المشركون على أن يكفروا بنبيّ اللّه،
فعذّبوا حتّى بلغوا مجهودهم). [تفسير القرآن العظيم: 1/65]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذّكر إن كنتم لا تعلمون}
يقول للمشركين.
قال الحسن: يعني أهل الكتابين.
وقال قتادة: يعني أهل التّوراة، هي مثل قوله: {فاسألوا أهل الذّكر إن كنتم لا تعلمون}.
وقال السّدّيّ: {فاسألوا أهل الذّكر} ، يعني: التّوراة، عبد اللّه بن سلامٍ وأصحابه الّذين أسلموا.
{وما جعلناهم جسدًا لا يأكلون الطّعام}، يقول: ولكن كانوا يأكلون الطّعام، {وما كانوا خالدين} ما كانوا لا يموتون). [تفسير القرآن العظيم: 1/66-65]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وما أرسلنا من قبلك إلاّ رجالاً...}
ثم قال {بالبيّنات والزّبر...}
بعد إلاّ وصلة ما قبل إلاّ لا تتأخّر بعد إلاّ. وذلك جائز على كلامين. فمن ذلك أن تقول: ما ضرب زيداً إلاّ أخوك، وما مرّ بزيد إلاّ أخوك. (فإن قلت ما ضرب [سقط في ا] إلاّ أخوك زيداً أو ما مرّ إلا أخوك بزيد) فإنه على كلامين تريد ما مرّ إلا أخوك ثم تقول: مرّ بزيد.
مثله قول الأعشى:

وليس مجيراً إن أتى الحيّ خائف = ولا قائلاً إلا هو المتعيّبا
فلو كان على كلمة واحدة كان خطأ؛ لأن المتعيّب من صلة القائل فأخّره ونوى كلامين فجاز ذلك.
وقال الآخر:
نبّئتهم عذّبوا بالنار جارتهم = وهل يعّذب إلاّ الله بالنار
ورأيت الكسائيّ يجعل (إلاّ) مع الجحد والاستفهام بمنزلة غير فينصب ما أشبه هذا على كلمة واحدة،
واحتجّ بقول الشاعر:
فلم يدر إلاّ الله ما هيّجت لنا = أهلّة أناء الديار وشامها
ولا حجّة له في ذلك لأنّ (ما) في موضع أي فلها فعل مضمر على كلامين. ولكنه حسن قوله، يقول الله عزّ وجل: {لو كان فيهما آلهةٌ إلاّ الله لفسدتا}
فقال: لا أجد المعنى إلاّ لو كان فيهما آلهة غير الله لفسدتا،
واحتجّ بقول الشاعر:
أبني لبيني لستم بيدٍ = إلاّ يدٍ ليست لها عضد
فقال لو كان المعنى إلاّ كان الكلام فاسداً في هذا؛ لأني لا أقدر في هذا البيت على إعادة خافض بضمير وقد ذهب ها هنا مذهباً). [معاني القرآن: 2/101-100]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وما أرسلنا من قبلك إلّا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذّكر إن كنتم لا تعلمون}
و {نوحي إليهم}، ويوحي إليهم. أما القراءتان الأوليان فجيدتان والثالثة ضعيفة لذكره أرسلنا. فأن يكون اللفظ على نوحي ويوحي أحسن، لأن نوحي يوافق اللفظ والمعنى، ويوحي إنما هو محمول على المعنى، لأن المعنى:
وما أرسل اللّه إلا رجالا يوحى إليهم.
وإنما تجيل لهم لأنهم قالوا لولا أنزل عليه ملك أو جاء مع نذير، فأعلم اللّه - جل وعز - أن الرسل بشر إلا أنهم يوحى إليهم). [معاني القرآن: 3/200]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم} قيل لهم هذا لأنهم قالوا: {أبعث الله بشرا رسولا} ).[معاني القرآن: 4/68]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال تعالى: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} قيل يعني به أهل الكتاب لأنهم مقرون أن الرسل من بني آدم
وقال وكيع سألت سفيان عن قوله: {فاسألوا أهل الذكر} فقال سمعنا أنهم من أسلم من أهل التوراة والإنجيل ثم قال تعالى: {بالبينات والزبر} أي بالبراهين والكتب). [معاني القرآن: 4/68]

تفسير قوله تعالى: {بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {بالبيّنات والزّبر} قال السّدّيّ: {بالبيّنات}، يعني: بالآيات الّتي كانت تجيء بها الأنبياء إلى قومهم.
قال: {والزّبر} ، يعني: وحديث الكتاب وما كان قبلهم من المواعظ.
قال يحيى: وفيها تقديمٌ: وما أرسلنا من قبلك بالبيّنات والزّبر، الكتب، إلا رجالا يوحى إليهم.
قال: {وأنزلنا إليك الذّكر} القرآن.
{لتبيّن للنّاس ما نزّل إليهم ولعلّهم يتفكّرون} ). [تفسير القرآن العظيم: 1/66]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {والزّبر} وهي الكتب واحدها: زبور، ويقال: زبرت وذبرت أي كتبت،
وقال أبو ذؤيب:
عرفت الدّيار كرقم الدّوا= ة كما زبر الكاتب الحميريّ
وكما ذبر في رواية). [مجاز القرآن: 1/359]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {الزبر}: الكتب، يقال زبرت أي كتبت). [غريب القرآن وتفسيره: 206]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : {بالبيّنات والزّبر}: الكتب. جمع زبور). [تفسير غريب القرآن: 243]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (ثم أعلم كيف يستدل على صحة نبوتهم فقال:
{بالبيّنات والزّبر وأنزلنا إليك الذّكر لتبيّن للنّاس ما نزّل إليهم ولعلّهم يتفكّرون} أي بالآيات والحجج، والزبر الكتب، واحدها زبور، يقال زبرت الكتاب وذبرته بمعنى واحد،
قال أبو ذؤيب:
عرفت الدّيار كرقم الدّوا= ة يذبرها الكاتب الحميري
وقوله: {فاسألوا أهل الذّكر إن كنتم لا تعلمون}.
فيها قولان:
قيل فاسألوا أهل الكتب أهل التوراة والإنجيل وأهل جميع الكتب يعترفون أن الأنبياء كلهم بشر.
وقيل {فاسألوا أهل الذّكر} أي فاسألوا من آمن من أهل الكتاب.
ويجوز واللّه أعلم - أن يكون قيل لهم اسألوا كل من يذكر بعلم وافق أهل هذه الملة أو خالفهم.
والدليل على أن أهل الذكر أهل الكتب قوله تعالى: {وأنزلنا إليك الذّكر لتبيّن للنّاس ما نزّل إليهم}، وقوله: {وهذا ذكر مبارك أنزلناه} ). [معاني القرآن: 3/201-200]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الزُّبُر}: الكتب). [العمدة في غريب القرآن: 177]

تفسير قوله تعالى:{أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (45)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {أفأمن الّذين مكروا السّيّئات} عملوا السّيّئات.
والسّيّئات هاهنا: الشّرك، وكذلك ذكر سعيدٌ عن قتادة.
قال: {أن يخسف اللّه بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون}. [تفسير القرآن العظيم: 1/66]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {أفأمن الّذين مكروا السّيّئات أن يخسف اللّه بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون}
أي أفأمنوا أن يفعل بهم ما فعل بقوم لوط، والذين أهلكوا من الأمم السالفة بتعجيل العذاب في الدنيا.
{أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون} عطف على: {أن يخسف}.
{أو يأخذهم في تقلبهم} أي في تصرفهم في أسفارهم، وسائر ما ينقلبون فيه). [معاني القرآن: 3/201]

تفسير قوله تعالى: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (46)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {أو يأخذهم في تقلّبهم} تفسير الحسن: في البلاد في أسفارهم في غير قرارٍ.
{فما هم بمعجزين} بسابقين). [تفسير القرآن العظيم: 1/66]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين} روى معمر عن قتادة قال في أسفارهم وروى علي بن الحكم عن الضحاك قال بالليل والنهار). [معاني القرآن: 4/69]

تفسير قوله تعالى: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (47)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {أو يأخذهم على تخوّفٍ} يهلك القرية، يخوّف بهلاكها القرية الأخرى لعلّهم يرجعون، لعلّ من بقي ممّن هو على دينهم، الشّرك، أن يرجعوا إلى الإيمان.
وتفسير الكلبيّ: أو يأخذهم في تقلّبهم في البلاد باللّيل والنّهار.
{أو يأخذهم على تخوّفٍ} على تنقّصٍ.
وهو تفسير السّدّيّ.
أن يبتليهم بالجهد حتّى يرقّوا ويقلّ عددهم، فإن تابوا وأصلحوا كشف عنهم.
فذلك قوله: {فإنّ ربّكم لرءوفٌ رحيمٌ}، أي: إن تابوا وأصلحوا.
وتفسير ابن مجاهدٍ عن أبيه من قوله: {مكروا السّيّئات} إلى قوله: {على تخوّفٍ} بعض ما أوعدهم من هذا، وهو نمرود بن كنعان وقومه). [تفسير القرآن العظيم: 1/67]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أو يأخذهم على تخوّفٍ...}
جاء التفسير بأنه التنقّص. والعرب تقول: تحوّفته بالحاء: تنقّصته من حافاته. فهذا الذي سمعت. وقد أتى التفسير بالخاء و(هو معنى). ومثله ممّا قرئ بوجهين
قوله: {إنّ لك في النّهار سبحاً طويلاً} و(سبخاً) بالحاء والخاء. والسّبخ: السعة. وسمعت العرب تقول: سبّخى صوفك وهو شبيه بالندف، والسّبح نحو من ذلك،
وكلّ صواب بحمد الله). [معاني القرآن: 2/102-101]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {أو يأخذهم على تخوّفٍ} مجازه: على تنقّص قال:

ألام على الهجاء وكل يوم= يلاقيني من الجيران غول
تخوّف غدرهم مالي وأهدي= سلاسل في الحلوق لها صليل
أي تنقّص غدرهم مالي. سلاسل يريد القوافي تنشد فهو صليلها وهو قلائد في أعناقهم
وقال طرفة:
وجاملٍ خوّف من نيبه= زجر المعلّى أصلاً والسفيح
خوّف من نيبه أي لا يدعه يزيد). [مجاز القرآن: 1/360]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {أو يأخذهم على تخوف}: تنقص يقال تخوف فلان مالي تخوفا أي نقصة). [غريب القرآن وتفسيره: 207-206]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {أو يأخذهم على تخوّفٍ} أي: على تنقص ومثله الثخون يقال: تخوفته الدهور وتخونثه إذا نقصته وأخذت من ماله أو جسمه.
تدور ظلاله وترجع من جانب إلى جانب. والفي: الرجوع. ومنه قيل للظل بالعشي: فيء، لأنه فاء عن المغرب إلى المشرق). [تفسير غريب القرآن: 243]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ}.
تفيؤ الظّلال: رجوعها من جانب إلى جانب، فهي مرة تجاه الشّخص، ومرة وراءه، ومرة عن يمينه، ومرة عن شماله.
وأصل الفيء: الرّجوع، ومنه قيل للظل في العشيّ: فيء، لأنه فاء، أي رجع من جانب إلى جانب. ومنه الفيء في الإيلاء إنما هو: الرّجوع إلى المرأة.
وأصل السجود: التطأطؤ والميل، يقال: سجد البعير وأسجد: إذا طؤطئ ليركب، وسجدت النّخلة: إذا مالت.
قال: لبيد يصف نخلا:
غلب سواجد لم يدخل بها الحصر
فالغلب: الغلاظ الأعناق. والسّواجد: الموائل.
ومن هذا قيل لمن وضع جبهته بالأرض: ساجد، لأنه تطامن في ذلك. ثم قد يستعار السجود فيوضع موضع الاستسلام والطاعة والذّل، كما يستعار التطأطؤ والتّطامن فيوضعان موضع الخشوع والخضوع والانقياد والذل، فيقال: تطامن للحق، أي أخضع له، وتطأطأ لها تخطّك، أي تذلّل لها ولا تعزّز.
ومن الأمثال المبتذلة: اسجد للقرد في زمانه. يراد: اخضع للسّفلة واللئيم في دولته، ولا يراد معنى سجود الصلاة. قال الشاعر:
بجمع تضلّ البلق في حجراته ترى الأكم فيها سجّدا للحوافر
يريد أن حوافر الخيل قد قلعت الأكم ووطئتها حتى خشعت وانخفضت. ومن خلق الله عز وجل: المسخّر المقصور على فعل واحد، كالنّار شأنها الإحراق، والشمس والقمر شأنهما المسير الليل والنّهار دائبين، والفلك المسخّر للدّوران.
ومنه المسخّر لمعنيين، ثم هو مخيّر بينهما، كالإنسان في الكلام والسكوت، والقيام والقعود، والحركة والسكون. والشمس والظلّ، خلقان مسخّران لأن يعاقب كلّ واحد منهما صاحبه بغير فصل.
والظلّ في أول النهار قبل طلوع الشمس يعمّ الأرض كما تعمّها ظلمة الليل، ثم تطلع الشمس فتعمّ الأرض إلا ما سترته الشّخوص، فإذا ستر الشّخص شيئا عاد الظّل.
فرجوع الظلّ بعد أن كان شمسا، ودورانه من جانب إلى جانب- هو سجوده، لأنه مستسلم منقاد مطيع بالتّسخير، وهو في ذلك يميل، والميل: سجود.
وكذلك قوله: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ}، أي يستسلمان لله بالتّسخير.
وقوله: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ}، أي يستسلم من في السموات من الملائكة، ومن في الأرض من المؤمنين طوعا، ويستسلم من في الأرض من الكافرين كرها من خوف السيف.
{وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ} مستسلمة.
وهو مثل قوله: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} ). [تأويل مشكل القرآن: 418-416]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {أو يأخذهم في تقلّبهم فما هم بمعجزين}
أي أو يأخذهم بعد أن يخيفهم، بأن يهلك فرقة فتخاف التي تليها.
وقيل على تخوف على تنقص، ومعنى التنقص أن ينتقصهم في أموالهم وثمارهم حتى يهلكهم.
ويروى عن عمر قال: ما كنت أدري ما معنى أو يأخذهم على تخوف حتى سمعت قول الشاعر:
تخوّف السّير منها تامكا قردا= كما تخوّف عود النّبعة السّفن
يصف ناقة وأن السير تنقص سنامها بعد تمكنه واكتنازه). [معاني القرآن: 3/202-201]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {أو يأخذهم على تخوّف فإنّ ربّكم لرءوف رحيم }أي من رحمته أن أمهل فجعل فسحة للتوبة). [معاني القرآن: 3/202]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال تعالى: {أو يأخذهم على تخوف} قال الضحاك آخذ طائفة وادع طائفة فتخاف الطائفة الباقية أن ينزل بها ما نزل بصاحبتها وروى عطاء الخراساني عن ابن عباس أو يأخذهم على تخوف قال على تنقص وتفزع وروى ابن جريج عن ابن كثير عن مجاهد قال تنقصا قال أبو جعفر وهذا القول هو المعروف عند أهل اللغة يقال أخذهم على خوف وعلى تخوف إذا تنقصهم كما قال ابن عباس ومجاهد
ومعنى التنقص أن ينقصهم في أموالهم وفي زروعهم وفي خيرهم شيئا بعد شيء حتى يهلكهم وقال الليث على تخوف سمعت أنه على عجل وقول الضحاك على تخوف أي يأخذ هذه القرية ويدع هذه عندها أي فتخاف).
[معاني القرآن: 4/70-69]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {على تخوف} أي: على تنقص من الأموال والأنفس والثمرات، حتى أهلكهم كلهم). [ياقوتة الصراط: 294]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {على تخوف} أي تنقص، ومثله التخون). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 130]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {تَخَوُّفٍ}: تنقّص وهلاك معه هلاك). [العمدة في غريب القرآن: 177]

تفسير قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ (48)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {أولم يروا إلى ما خلق اللّه من شيءٍ يتفيّأ ظلاله} ، يعني: ظلّ كلّ شيءٍ، من الفيء.
{عن اليمين والشّمائل} والفيء: الظّلّ.
قال الحسن: ربّما كان الفيء عن اليمين، وربّما كان عن الشّمال.
وقال الكلبيّ: وهذا يكون قبل طلوع الشّمس وبعد غروبها، فعند ذلك يكون الظّلّ عن اليمين والشّمال، ولا يكون ذلك في ساعةٍ إلا قبل طلوع الشّمس وبعد غروبها.
سعيدٌ عن قتادة، قال: {عن اليمين والشّمائل} أمّا اليمين فأوّل النّهار، وأمّا الشّمائل فآخر النّهار.
قوله: {سجّدًا للّه} فظلّ كلّ شيءٍ سجوده.
{وهم داخرون} قال قتادة: وهم صاغرون.
فسجد ظلّ الكافر كرهًا، يسجد ظلّه والكافر كارهٌ). [تفسير القرآن العظيم: 1/67]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {يتفيّأ ظلاله...}
الظّلّ يرجع على كلّ شيء من جوانبه، فذلك تفيّؤه. ثم فسّر فقال: {عن اليمين والشّمائل} فوحّد اليمين وجمع الشمائل. وكل ذلك جائز في العربيّة.
قال الشاعر:
بفي الشامتين الصخر إن كان هدّني = رزيّة شبلي مخدر في الضراغم
ولم يقل: بأفواه الشامتين.
وقال الآخر:
الواردون وثيم في ذرا سبأ = قد عضّ أعناقهم جلد الجواميس
وقال الآخر:
فباست بني عبس وأستاه طيّء = وباست بني دودان حاشا بني نصر
فجمع ووحّد.
وقال الآخر:
كلوا في نصف بطنكم تعيشوا = فإنّ زمانكم زمنٌ خميص
فجاء التوحيد لأن أكثر الكلام يواجه به الواحد، فيقال: خذ عن يمينك وعن شمالك لأن المكلّم واحد والمتكلّم كذلك، فكأنه إذا وحّد ذهب إلى واحد من القوم، وإذا جمع فهو الذي لا مسألة فيه.
وكذلك قوله:
بني عقيل ماذه الخنافق = المال هدىٌ والنساء طالق
* وجبل يأوي إليه السارق *
فقال: طالق لأن أكثر ما يجرى الاستحلاف بين الخصم والخصم، فجرى في الجمع على كثرة المجرى في الأصل. ومثله (بفي الشامتين) وأشباهه). [معاني القرآن: 2/103-102]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وهم داخرون} أي صاغرون، يقال: فلان دخر لله، أي ذل وخضع). [مجاز القرآن: 1/360]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {أولم يروا إلى ما خلق اللّه من شيءٍ يتفيّؤا ظلاله عن اليمين والشّمائل سجّداً للّه وهم داخرون}
وإذا وقفت على {يتفيّؤا} قلت "يتفيّأ" كما تقول بالعين "تتفّيع" جزما وإن شئت أشممتها الرفع ورمته كما تفعل ذلك في "هذا حجر".
وقال: {عن اليمين والشّمائل سجّداً للّه وهم داخرون} فذكروهم غير الإنس لأنه لما وصفهم بالطاعة أشبهوا ما يعقل وجعل اليمين للجماعة مثل {ويولّون الدّبر} ). [معاني القرآن: 2/65]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {داخرون}: صاغرون. دخر لله يدخر أي خضع). [غريب القرآن وتفسيره: 207]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {يتفيّؤا ظلاله عن اليمين والشّمائل} أي تدور ظلاله وترجع من جانب إلى جانب. والفيء: الرجوع.
ومنه قيل للظل بالعشي: فيء، لأنه فاء عن المغرب إلى المشرق.
{سجّداً للّه} أي مستسلمة منقادة. وقد بينت هذا في كتاب «المشكل» {وهم داخرون} أي صاغرون. يقال: دخر اللّه). [تفسير غريب القرآن: 243]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {أولم يروا إلى ما خلق اللّه من شيء يتفيّأ ظلاله عن اليمين والشّمائل سجّدا للّه وهم داخرون}
وتقرأ تتفيأ ظلاله.
{سجّدا} منصوب على الحال.
{وهم داخرون}.
ومعنى {داخرون} صاغرون، وهذه الآية فيها نظر، وتأويلها – واللّه أعلم - أن كل ما خلق اللّه من جسم وعظم ولحم ونجم وشجر خاضع لله ساجد، والكافر إن كفر بقلبه ولسانه وقصده فنفس جسمه وعظمه ولحمه وجميع الشجر والحيوان خاضعة للّه ساجدة.
والدليل على ذلك قوله: {ألم تر أنّ اللّه يسجد له من في السّماوات ومن في الأرض والشّمس والقمر والنّجوم والجبال والشّجر والدّوابّ وكثير من النّاس وكثير حقّ عليه العذاب}.
روي عن ابن عباس أنه قال: الكافر يسجد لغير الله، وظلّه يسجد للّه.
وتأويل الظلّ تأويل الجسم الذي عنه الظل.
وقوله: {وهم داخرون} أي هذه الأشياء مجبولة على الطاعة). [معاني القرآن: 3/202]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {يتفيؤ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله} قال قتادة الفيء الظل وقال غيره التفيؤ رجوعه من موضع إلى موضع خاضعا منقادا وكذلك معنى السجود وقال قتادة عن اليمين بالغداة وقوله: {والشمائل} بالعشي). [معاني القرآن: 4/70]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال الله جل وعز: {وهم داخرون} قال قتادة أي صاغرون). [معاني القرآن: 4/70]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {يتفيأ} أي يدور ويرجع من جانب إلى جانب والفيء: الرجوع، وهو اسم الظل من الزوال إلى الليل.
{وهم داخرون} أي صاغرون). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 130]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {دَاخِرونَ}: صاغرون). [العمدة في غريب القرآن: 177]

تفسير قوله تعالى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (49)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وللّه يسجد ما في السّموات} الملائكة.
{وما في الأرض من دابّةٍ والملائكة وهم لا يستكبرون} عن عبادة اللّه يعني الملائكة). [تفسير القرآن العظيم: 1/68]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وللّه يسجد ما في السّماوات وما في الأرض من دآبّةٍ...}
فقال: (من دابة) لأن (ما) وإن كانت قد تكون على مذهب (الذي) فإنها غير مؤقّتة، وإذا أبهمت غير موقّتة أشبهت الجزاء. والجزاء تدخل (من) فيما جاء من اسم بعده من النكرة. فيقال: من ضربه من رجل فاضربوه.
ولا تسقط من في هذا الموضع. وهو كثير في كتاب الله عزّ وجلّ. قال الله تبارك وتعالى: {ما أصابك من حسنةٍ فمن الله} وقال {ومن يعمل من الصّالحات من ذكرٍ أو أنثي وهو مؤمنٌ} وقال {أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء}
ولم يقل في شيء منه بطرح (من) كراهية أن تشبه أن تكون حالا لمن وما، فجعلوه بمن ليدلّ على أنه تفسير لما ومن لأنهما غير مؤقّتتين، فكان دخول (من) فيما بعدهما تفسيراً لمعناهما، وكان دخول (من) أدلّ على ما لم يوقّت من من وما، فلذلك لم تلقيا.
ومثله قول الشاعر:
حاز لك الله ما آتاك من حسنٍ = وحيثما يقض أمراً صالحاً تكن
وقال آخر.
عمرا حييت ومن يشناك من أحد = يلق الهوان ويلق الذلّ والغيرا
فدلّ مجيء أحدها هنا على أنه لم يرد أن يكون ما جاء من النكرات حالا للأسماء التي قبلها، ودلّ على أنه مترجم عن معنى من وما. وممّا يدلّ أيضاً قول الله عزّ وجلّ: {وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه} لأن الشيء لا يكون حالاً، ولكنه اسم مترجم. وإنما ذكرت هذا لأن العرب تقول: لله درّه من رجل، ثم يلقون (من) فيقولون لله درّه. رجلاً. فالرجل مترجم (لما قبله) وليس بحال، إنّما الحال التي تنتقل؛ مثل القيام والقعود، ولم ترد لله درّه في حال رجوليّته فقط، ولو أردت ذلك لم تمدحه كلّ المدح؛ لأنك إذا قلت: لله درّك قائماً، فإنما تمدحه في القيام وحده.
فإن قلت: فكيف جاز سقوط من في هذا الموضع؟ قلت من قبل أن الذي قبله مؤقت فلم أبل أن يخرج بطرح من كالحال، وكان في الجزاء غير موقت فكرهوا أن تفسّر حال عن اسم غير موقّت فألزموها من. فإن قلت: قد قالت العرب: ما أتاني من أحدٍ وما أتاني أحد فاستجازوا إلقاء من. قلت: جاز ذلك إذ لم يكن قبل أحد وما أتى مثله شيء يكون الأحد له حالا فلذلك قالوا: ما جاءني من رجل وما جاءني رجل). [معاني القرآن: 2/104-103]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وللّه يسجد ما في السّماوات وما في الأرض من دآبّةٍ والملائكة وهم لا يستكبرون}
وقال: {وللّه يسجد ما في السّماوات وما في الأرض من دآبّةٍ} يريد: من الدواب واجتزأ بالواحد كما تقول: "ما أتاني من رجلٍ" أي: ما أتاني من الرجال مثله). [معاني القرآن: 2/65]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وللّه يسجد ما في السّماوات وما في الأرض من دابّة والملائكة وهم لا يستكبرون}
المعنى ولله يسجد ما في السّماوات من الملائكة وما في الأرض من دابة والملائكة، أي وتسجد ملائكة الأرض، والدليل على أن الملائكة في الأرض
أيضا قوله تعالي: {ما يلفظ من قول إلّا لديه رقيب عتيد}.
وقوله: {له معقّبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر اللّه}.
وقوله: {وإنّ عليكم لحافظين *كراما} ). [معاني القرآن: 3/203-202]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة والملائكة} قيل المعنى ولله يسجد ما في السموات من الملائكة وما في الأرض من دابة والملائكة
أي والملائكة الذين في الأرض والله أعلم بما أراد وقال الضحاك كل شيء فيه روح دابة يسجد لله عز وجل). [معاني القرآن: 4/71]

تفسير قوله تعالى: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (50)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وهم لا يستكبرون * يخافون ربّهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون }أي يخافون ربهم خوف مخلدين معظمين.
{ويفعلون ما يؤمرون} وصفهم بالطاعة وأنهم لا يجاوزون أمرا له ولا يتقدمونه). [معاني القرآن: 3/203]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (51)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {وقال اللّه لا تتّخذوا إلهين اثنين} أي: لا تعبدوا مع اللّه غيره.
{إنّما هو إلهٌ واحدٌ فإيّاي فارهبون} فخافون). [تفسير القرآن العظيم: 1/68]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين} أي لا تعبدوا من دون الله شيئا وإن كنتم تتقربون بعبادته إلى الله وجاء باثنين توكيدا وقيل المعنى لا تتخذوا اثنين إلهين). [معاني القرآن: 4/71]

تفسير قوله تعالى: {وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (52)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وله ما في السّموات والأرض وله الدّين واصبًا} سعيد عن قتادة، قال: دائمًا.
جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران، قال: دائمًا.
وهو تفسير مجاهدٍ.
قال: {أفغير اللّه تتّقون}، يعني: تعبدون.
قال يحيى: يعني: المشركين، على الاستفهام، أي قد فعلتم فعبدتم الأوثان من دونه). [تفسير القرآن العظيم: 1/68]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وله الدّين واصباً...}
معناه: دائماً. يقال: وصب يصب: دام. ويقال: خالصاً). [معاني القرآن: 2/104]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (وله الدّين واصباً أي دائماً،
قال أبو الأسود الدّؤليّ:
لا أبتغي الحمد القليل بقاؤه= يوماً بذم الدهر أجمع واصبا).
[مجاز القرآن: 1/361]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {وله الدين واصبا}: أي دائما وصب الدين يصب). [غريب القرآن وتفسيره: 207]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وله الدّين واصباً} أي دائما. والدين: الطاعة. يريد: أنه ليس من أحد يدان له ويطاع إلا انقطع ذلك عنه بزوال أو هلكة، غير اللّه.
فإن الطاعة تدوم له). [تفسير غريب القرآن: 243]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وله ما في السّماوات والأرض وله الدّين واصبا أفغير اللّه تتّقون}
{وله الدّين واصبا} قيل معناه دائما، أي طاعة واجبة أبدا، ويجوز - واللّه أعلم - أن يكون (وله الدّين واصبا) أي له الدين والطاعة، رضي العبد بما يؤمر به أو لم يرض، وسهل عليه أو لم يسهل، فله الدين وإن كان فيه الوصب.
والوصب شدّة التعب.
ثم قال: {أفغير اللّه تتّقون} أي أفغير اللّه الذي قد بان لكم أنّه وحده، وأنه خالق كل شيء، وأن ما بكم من نعمة فمن عنده، وأنه لو أراد إهلاككم حين كفرتم وألّا ينظركم إلى يوم التوبة لقدر، وأعلم أنه مع إقامته الحجج في أنه واحد، وأنه أمر ألا يتخذ معه إله عبدوا غيره، لأنهم قالوا عن الأصنام: {ما نعبدهم إلّا ليقرّبونا إلى اللّه زلفى}.
فأعلم اللّه - عزّ وجلّ - أن لا إله إلا هو، ولا يجوز أن يعبد غيره، وإن قصد التقرب بالعبادة للّه وحده، فقال - جلّ وعلا -:{وقال اللّه لا تتّخذوا إلهين اثنين}.
فذكر اثنين توكيدا لقوله إلهين، كما ذكر الواحد في قوله: {إنّما هو إله واحد} ). [معاني القرآن: 3/204-203]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وله ما في السموات والأرض وله الدين واصبا}
روى عكرمة عن ابن عباس قال واجبا وقيل الطاعة على كل الأحوال وإن كان فيها الوصب وهو التعب وهذا معنى قول الحسن
وروى معمر عن قتادة وله الدين واصبا قال دائما ألا تسمع إلى قوله: {ولهم عذاب واصب} أي دائم وكذا قال ميمون بن مهران
وروى ابن جريج عن مجاهد وله الدين واصبا قال الإخلاص والواصب الدائم
وهذا هو المعروف في اللغة يقال وصب يصب وصوبا إذا دام والدين الطاعة والمعنى أن كل من يطاع تزول طاعته بهلاك أو زوال إلا الله جل وعز). [معاني القرآن: 4/73-71]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {واصبا} أي: دائما، يقال: وصبت عليهم الحمى: أي: دامت). [ياقوتة الصراط: 294]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وله الدين واصبا} أي دائما. والدين: الطاعة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 130]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وَاصباً}: دائماً). [العمدة في غريب القرآن: 178]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وما بكم من نعمةٍ فمن اللّه ثمّ إذا مسّكم الضّرّ} المرض وذهاب الأموال والشّدائد.
{فإليه تجأرون} تدعونه ولا تدعون الأوثان.
وقال مجاهدٌ: تجأرون، تصرخون). [تفسير القرآن العظيم: 1/68]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وما بكم مّن نّعمةٍ فمن اللّه...}
(ما) في معنى جزاء ولها فعل مضمر، كأنك قلت: ما يكن بكم من نعمة فمن الله؛ لأن الجزاء لا بدّ له من فعل مجزوم، إن ظهر فهو جزم وإن لم يظهر فهو مضمر؛
كما قال الشاعر:
إن العقل في أموالنا لا نضق به =ذراعاً وإن صبراً فنعرف للصبر
أراد: إن يكن فأضمرها. ولو جعلت (ما بكم) في معنى (الذي) جاز وجعلت صلته (بكم) و(ما) حينئذ في موضع رفع بقوله: {فمن اللّه} وأدخل الفاء كما قال تبارك وتعالى:
{قل إنّ الموت الذي تفرّون منه فإنّه ملاقيكم} وكلّ اسم وصل، مثل من وما والذي فقد يجوز دخول الفاء في خبره؛ لأنه مضارع للجزاء والجزاء قد يجاب بالفاء.
ولا يجوز أخوك فهو قائم؛ لأنه اسم غير موصول وكذلك مالك لي. فإن قلت: مالك جاز أنت قول: فهو لي. وإن ألقيت الفاء فصواب. وما ورد عليك فقسه على هذا.
وكذلك النكرة الموصولة. تقول: رجل يقول الحقّ فهو أحبّ إليّ من قائل الباطل. وإلقاء الفاء أجود في كلّه من دخولها.
والجؤار: الصوت الشديد. والثور يقال له: قد جأر يجأر جؤارا إذا ارتفع صوته من جوع أو غيره بالجيم. وكذلك {فإليه تجأرون} ). [معاني القرآن: 2/105-104]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فإليه تجأرون} أي ترفعون أصواتكم، وقال عديّ بن زيد:
إنّني والله فاقبل حلفي= بأبيلٍ كلّما صلّى جأر
أي رفع صوته وشدّه). [مجاز القرآن: 1/361]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وما بكم مّن نّعمةٍ فمن اللّه ثمّ إذا مسّكم الضّرّ فإليه تجأرون}
وقال: {وما بكم مّن نّعمةٍ فمن اللّه} لأنّ (ما) بمنزلة (من) فجعل الخبر بالفاء). [معاني القرآن: 2/65]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {تجأرون}: ترفعون أصواتكم، وجؤار البقرة صوتها). [غريب القرآن وتفسيره: 207]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ثمّ إذا مسّكم الضّرّ فإليه تجأرون} أي تضجون بالدعاء وبالمسألة. يقال: جأر الثور يجأر.
والضّرّ: البلاء والمصيبة). [تفسير غريب القرآن: 243]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وما بكم من نعمة فمن اللّه ثمّ إذا مسّكم الضّرّ فإليه تجأرون}
دخلت الفاء، ولا فعل ههنا لأن الباء متصلة بالفعل، المعنى ما حل بكم من نعمة فمن اللّه، أي ما أعطاكم الله من صحة جسم أوسعة في رزق، أو متاع بمال أو ولد فكل ذلك من اللّه.
وقوله: {ثمّ إذا مسّكم الضّرّ فإليه تجأرون} أي إليه ترفعون أصواتكم بالاستغاثة، يقال: جأر الرّجل يجأر جؤارا.
والأصوات مبنية على فعال وفعيل، فأمّا فعال فنحو الصّراخ، والجؤار.
والبكاء. وأما الفعيل فنحو العويل والزئير، والفعال أكثر). [معاني القرآن: 3/204]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال تعالى: {وما بكم من نعمة فمن الله} أي ما يكن بكم من سعة في رزق أو صحة في بدن فمن الله ثم إذا مسكم الضر وهو البلاء والمشقة فإليه تجأرون
أي تدعون وتستغيثون يقال جأر يجأر جؤارا إذا رفع صوته مستغيثا من جوع أو غيره). [معاني القرآن: 4/73]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {تَجأرُونَ} أي: تضجون وتستغيثون بأصوات عالية). [ياقوتة الصراط: 295]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {تجأرون} أي تضجون بالدعاء والتضرع). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 131]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {يَجْأَرونَ}: يرفعون أصواتهم). [العمدة في غريب القرآن: 178]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (54)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {ثمّ إذا كشف الضّرّ عنكم إذا فريقٌ منكم بربّهم يشركون}، يعني بالفريق: المشركين). [تفسير القرآن العظيم: 1/68]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ثمّ إذا كشف الضّرّ عنكم إذا فريق منكم بربّهم يشركون}هذا خاص فيمن كفر به). [معاني القرآن: 3/204]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون * ليكفروا بما آتيناهم}
قيل المعنى ليجعلوا النعمة سببا إلى الكفر كما قال تعالى: {ربنا ليضلوا عن سبيلك}
وقيل ليجحدوا النعمة التي أنعم عليهم كما قال الشاعر:
والكفر مخبثة لنفس المنعم).
[معاني القرآن: 4/74-73]

تفسير قوله تعالى: {لِيَكْفُرُوا بِمَا آَتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (55)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {ليكفروا بما آتيناهم} يعني لئلا يكفروا بما آتيناهم.
تفسير السّدّيّ.
قال: {فتمتّعوا} في الدّنيا.
{فسوف تعلمون} وهذا وعيدٌ). [تفسير القرآن العظيم: 1/69-68]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {ليكفروا بما آتيناهم فتمتّعوا فسوف تعلمون}
وقال: {ليكفروا بما آتيناهم} ). [معاني القرآن: 2/65-66]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ليكفروا بما آتيناهم فتمتّعوا فسوف تعلمون }
أي ليكفروا بأنا أنعمنا عليهم، أي جعلوا ما رزقناهم وأنعمنا به عليهم سببا إلى الكفر كما قال تعالى: {ربّنا إنّك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدّنيا ربّنا ليضلّوا عن سبيلك}.
ويجوز أن يكون (ليكفروا بما آتيناهم) أي ليجحدوا نعمة الله في ذلك، كما قال: {أفبنعمة اللّه يجحدون}.
وقوله: {فتمتّعوا فسوف تعلمون}.
لم يأمرهم الله جلّ وعلا أن يتمتعوا أمر تعبّد، إنما هو لفظ أمر ليهدّد كما قال: {قل آمنوا به أو لا تؤمنوا} أي فقد وعد اللّه وأوعد وأنذر وبلّغت الرسل فمن اختار بعد ذلك الكفر والتمتع بما يباعد من اللّه فسوف يعلم عاقبة أمره.
وقد بين اللّه عاقبة الكفر والمعصية بالحجج البالغة والآيات البينات). [معاني القرآن: 3/205-204]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون * ليكفروا بما آتيناهم} قيل المعنى ليجعلوا النعمة سببا إلى الكفر كما قال تعالى:
{ربنا ليضلوا عن سبيلك}
وقيل ليجحدوا النعمة التي أنعم عليهم كما قال الشاعر:
والكفر مخبثة لنفس المنعم).
[معاني القرآن: 4/74-73] (م)
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال تعالى: {فتمتعوا فسوف تعلمون} وهذا على التهديد كما قال تعالى: {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} فإنا قد أرسلنا الرسل وبينا وأنذرنا فمن شاء فليكفر بعد هذا فإن العقوبة حالة به). [معاني القرآن: 4/74]

تفسير قوله تعالى: {وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ (56)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ويجعلون لما لا يعلمون نصيبًا ممّا رزقناهم} ، يعني: آلهتهم، أي: يجعلون لما لا يعلمون أنّه خلق مع اللّه شيئًا ولا أمات ولا أحيا ولا رزق معه شيئًا {نصيبًا ممّا رزقناهم} ، يعني قوله: {وجعلوا للّه ممّا ذرأ من الحرث والأنعام نصيبًا فقالوا هذا للّه بزعمهم وهذا لشركائنا} وقد فسّرناه قبل هذا الموضع سعيدٌ عن قتادة قال: {ويجعلون لما لا يعلمون نصيبًا ممّا رزقناهم} وهم مشركو العرب جعلوا لأوثانهم وشياطينهم نصيبًا ممّا رزقهم اللّه.
قال: {تاللّه} قسمٌ أقسم بنفسه.
{لتسألنّ عمّا كنتم تفترون} الأوثان تقرّبهم إلى اللّه يقوله لهم لما يقولون إنّ الأوثان تقرّبهم إلى اللّه، وإنّ اللّه أمرهم بعبادتها). [تفسير القرآن العظيم: 1/69]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ويجعلون لما لا يعلمون نصيباً ممّا رزقناهم}، هذا ما كانوا يجعلونه لآلتهم من الحظ في زروعهم وأنعامهم. وقد ذكرناه في سورة الأنعام). [تفسير غريب القرآن: 244]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ويجعلون لما لا يعلمون نصيبا ممّا رزقناهم تاللّه لتسألنّ عمّا كنتم تفترون}
هو معنى قوله تعالى: {فقالوا هذا للّه بزعمهم وهذا لشركائنا}
فجعلوا نصيبا يتقربون به إلى الله تعالى، ونصيبا يتقربون به إلى الأصنام والحجارة.
وقوله: {تاللّه لتسألنّ عمّا كنتم تفترون} أي تاللّه لتسألنّ عنه سؤال توبيخ حتى تعترفوا به على أنفسكم.
وتلزموا أنفسكم الحجة). [معاني القرآن: 3/205]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {ويجعلون لما لا يعلمون نصيبا مما رزقناهم} يعني ما كانوا يجعلونه لأصنامهم من زرعهم وأنعامهم
كما قال تعالى: {فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا} ). [معاني القرآن: 4/74]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {ويجعلون لما لا يعلمون نصيبا مما رزقناهم} هذا ما جعلوا لآلهتهم من الحظ في الزرع وأنعامهم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 131]

تفسير قوله تعالى: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ (57)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ويجعلون للّه البنات} قال السّدّيّ: يعني ويصفون للّه البنات.
كان مشركو العرب يقولون: إنّ الملائكة بنات اللّه.
قال اللّه: {سبحانه} ينزّه نفسه عن ما قالوا.
{ولهم ما يشتهون} ، أي: ويجعلون لأنفسهم ما يشتهون، الغلمان). [تفسير القرآن العظيم: 1/69]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ويجعلون للّه البنات سبحانه...}
نصب لأنها مصدر، وفيها معنى من التعّوذ والتنزيه لله عزّ وجلّ. فكأنها بمنزلة قوله: {معاذ الله} وبمنزلة {غفرانك ربنا}.
وقوله: {لهم مّا يشتهون} (ما) في موضع رفع ولو كانت نصباً على: ويجعلون لأنفسهم ما يشتهون لكان ذلك صواباً. وإنما اخترت الرفع لأن مثل ذا من الكلام يجعل مكان لهم لأنفسهم؛ ألا ترى أنك تقول: قد جعلت لنفسك كذا وكذا، ولا تقول: قد جعلت لك. وكلّ فعل أو خافض ذكرته من مكنّى عائد عليه مكنيّاً فاجعل مخفوضه الثاني بالنفس فتقول أنت لنفسك لا لغيرك، ثم تقول في المنصوب أنت قتلت نفسك وفي المرفوع أهلكتك نفسك
ولا تقول أهلكتك. وإنما أراد بإدخال النفس تفرقة ما بين نفس المتكلّم وغيره. فإذا كان الفعل واقعاً من مكنّى على مكنّى سواه لم تدخل النفس. تقول غلامك أهلك مالك ثم تكنى عن الغلام والمال فتقول: هو أهلكه،
ولا تقول: هو أهلك نفسه وأنت تريد المال، وقد تقوله العرب في ظننت وأخواتها من رأيت وعلمت وحسبت فيقولون: أظنّني قائماً، ووجدتني صالحاً؛ لنقصانهما وحاجتهما إلى خبر سوى الاسم.
وربما اضطرّ الشاعر فقال: عدمتني وفقدتني فهو جائز،
وإن كان قليلا؛ قال الشاعر - وهو جران العود -:

لقد كان بي عن ضرّتين عدمتني =وعمّا ألاقي منهما متزحزح
هي الغول والسعلاة حلقي منهما =مخدّش فوق التراقي مكدّح).
[معاني القرآن: 2/106-105]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ويجعلون للّه البنات سبحانه} أي تنزيها له عن ذلك. {ولهم ما يشتهون} يعني البنين). [تفسير غريب القرآن: 244]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ويجعلون للّه البنات سبحانه ولهم ما يشتهون }
لأنهم زعموا أن الملائكة بنات اللّه.
{سبحانه} معناه تنزيه له من السّوء.
{ولهم ما يشتهون} (ما) في موضع رفع لا غير، المعنى سبحانه ولهم الشيء الذي يشتهون كما قال: {أم له البنات ولكم البنون}.
فإن قال قائل لم لا يكون المعنى (ويجعلون لهم ما يشتهون)؟
قيل العرب تستعمل في هذا الموضع: جعل لنفسه ما يشتهي، ولا يقولون جعل زيد له ما يشتهي، وهو يعني نفسه.
ثم أعلم أنهم يجعلون للّه البنات. فقال:{وإذا بشّر أحدهم بالأنثى ظلّ وجهه مسودّا وهو كظيم} ). [معاني القرآن: 3/206-205]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون} أي ولهم البنون). [معاني القرآن: 4/75-74]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {وإذا بشّر أحدهم بالأنثى} الّتي جعلها للّه، زعم حيث جعلوا للّه البنات، يعنون الملائكة.
{ظلّ وجهه مسودًّا} أي أقام وجهه.
تفسير السّدّيّ.
{مسودًّا} ومغيّرًا.
{وهو كظيمٌ} قد كظم على الغيظ والحزن.
سعيدٌ عن قتادة قال: هذا فعل مشركي العرب، كان يقتل أحدهم ابنته). [تفسير القرآن العظيم: 1/70-69]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ظلّ وجهه مسودّاً...}
ولو كان (ظلّ وجهه مسودٌ) لكان صواباً تجعل الظلول للرجل ويكون الوجه ومسودّ في موضع نصب كما قال {ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودّةٌ}
والظلول إذا قلت {مسودّاً} للوجه). [معاني القرآن: 2/106]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (وهو كظمٌ) أي يكظم شدة حزنه ووجده ولا يظهره، وهو في موضع كاظم خرج مخرج عليم وعالم). [مجاز القرآن: 1/361]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {الكظيم}: الحزين أشد الحزن من غير أن يظهره). [غريب القرآن وتفسيره: 207]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وهو كظيمٌ} أي حزين قد كظم فلا يشكو ما به). [تفسير غريب القرآن: 244]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وإذا بشّر أحدهم بالأنثى ظلّ وجهه مسودّا وهو كظيم}
فيجعلون لمن يعترفون بأنه خالقهم البنات اللاتي محلهن منهم هذا المحل. ومعنى (ظلّ وجهه مسودّا)، متغيرا تغيّر مغموم.
ويقال لكل من لقي مكروها: قد اسود وجهه غمّا وحزنا.
ومن ذلك قولك سوّدت وجه فلان). [معاني القرآن: 3/206]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا} أي ظل كئيبا مغموما،
والعرب تقول هذا لكل مغموم قد تغير لونه من الغم أسود وجهه). [معاني القرآن: 4/75]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {وهو كظيم} الكظيم الحزين الذي يخفي غيظه ولا يشكو ما به). [معاني القرآن: 4/75]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وهو كظيم} أي حزين لا يبدي حزنه، وأصل الكظم الحبس). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 131]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الكَظيمُ}: الحزين). [العمدة في غريب القرآن: 178]

تفسير قوله تعالى: {يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {يتوارى من القوم من سوء ما بشّر به أيمسكه على هونٍ} على هوانٍ.
يقول: كيف يصنع بما بشّر به، أيمسكه أيمسك الّذي بشّر به، الابنة على هوانٍ؟ {أم يدسّه في التّراب} فيقتل ابنته يدفنها حيّةً حتّى تموت مخافة الفاقة.
كان أحدهم يقتل ابنته مخافة أن تأكل معه، مخافة الفاقة، ويغذّي كلبه.
وكانوا يقولون: إنّ الملائكة بنات اللّه، فاللّه صاحب بناتٍ، فألحقوا البنات به.
قال اللّه: {ألا ساء ما} بئس ما {يحكمون} وهذا مثلٌ ضربه اللّه لهم). [تفسير القرآن العظيم: 1/70]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أيمسكه على هونٍ...}
الهون في لغة قريش: الهوان وبعض بني تميم يجعل الهون مصدراً للشيء الهيّن. قال الكسائيّ: سمعت العرب تقول: إن كنت لقليل هون المؤونة مذ اليوم.
وقال: سمعت الهوان في مثل هذا المعنى من بني إنسان قال: قال لبعير له ما به بأس غير هوانه، يقول: إنه هيّن خفيف الثمن. فإذا قالت العرب: أقبل فلان يمشي على هونه لم يقولوه إلاّ بفتح الهاء، كقوله: {يمشون على الأرض هوناً} وهي السكينة والوقار. ... حدثني شريك عن جابر عن عكرمة ومجاهد في قوله: {يمشون على الأرض هونا} قالا: بالسكينة، والوقار وقوله: {أيمسكه على هونٍ أم يدسّه} يقول: لا يدري أيّهما يفعل: أيمسكه أم يدسّه في التراب، يقول: يدفنها أم يصبر عليها وعلى مكروهها وهي الموءودة، وهو مثل ضربه الله تبارك وتعالى). [معاني القرآن: 2/107-106]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {أيمسكه على هونٍ} أي هوان). [مجاز القرآن: 1/361]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {على هون}: على هوان). [غريب القرآن وتفسيره: 207]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {أيمسكه على هونٍ} أي على هوان.
{أم يدسّه في التّراب} أي يئده). [تفسير غريب القرآن: 244]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {يتوارى من القوم من سوء ما بشّر به أيمسكه على هون أم يدسّه في التّراب ألا ساء ما }
قيل كان الرجل في الجاهلية إذا حزب امرأته المخاض توارى لكي يعلم ما يولد له، فإن كان ذكرا سرّ به وابتهج، وإن كانت أنثى اكتأب بها وحزن، فمنهم من يئد ولده يدفنها حية، أو يمسكها على كراهة وهوان.
فقال اللّه تعالى: {يتوارى من القوم من سوء ما بشّر به أيمسكه على هون أم يدسّه في التّراب ألا ساء ما يحكمون}.
أي ألا ساء حكمهم في ذلك الفعل وفي جعلهم للّه البنات وجعلهم لأنفسهم البنين، ونسبهم للّه اتخاذ الولد). [معاني القرآن: 3/206]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {يتوارى من القوم من سوء ما بشر به}
يروى أن أحدهم كان إذا ولد له يتوارى في ذلك الوقت أو قبله فإن ولد له ذكر سر به وإن ولدت له أنثى استتر وربما وأدها). [معاني القرآن: 4/75]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم بين ذلك بقوله تعالى: {أيمسكه على هون أم يدسه في التراب} وقرأ الجحدري {أم يدسها في التراب} يردها على قوله بالأنثى ويلزمه أن يقرأ أيمسكها
وقرأ عيسى بن عمر أيمسكه على هوان وقال هوان وهون واحد وقرأ الأعمش أيمسكه على سوء
وحكى أبو عبيد عن الكسائي قال في لغة قريش الهون والهوان بمعنى واحد وقال لغة بني تميم يجعل الهون مصدر الشيء الهين). [معاني القرآن: 4/76]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {ألا ساء ما يحكمون} لأنهم جعلوا لله البنات وهم يكرهونها هذه الكراهية). [معاني القرآن: 4/77-76]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {على هون} أي هوان.
{أم يدسه في التراب} أي يئده). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 131]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الهُونِ}: الهوان والذل). [العمدة في غريب القرآن: 178]


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 9 محرم 1432هـ/15-12-2010م, 06:21 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 60 إلى 74]

{لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (60) وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (61) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ (62) تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64) وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (65) وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ (66) وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67) وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (70) وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (71) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ (73) فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (74)}

تفسير قوله تعالى: {لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (60)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (ثمّ قال: {للّذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السّوء وللّه المثل الأعلى} إنّه: {لم يتّخذ ولدًا ولم يكن له شريكٌ في الملك}
قال: {وهو العزيز الحكيم} سعيدٌ عن قتادة في قوله: {وللّه المثل الأعلى} قال: الإخلاص والتّوحيد). [تفسير القرآن العظيم: 1/70]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {للّذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السّوء...}
ولو كان {مثل السّوء} نصباً لجاز، فيكون في المعنى على قولك: ضرب للذين لا يؤمنون مثل السوء، كما كان في قراءة أبيّ (وضرب مثلاً كلمةً خبيثةً) وقراءة العوامّ ها هنا وفي إبراهيم بالرفع لم نسمع أحداً نصب). [معاني القرآن: 2/107]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وللّه المثل الأعلى}: شهادة أن لا إله إلا هو). [تفسير غريب القرآن: 244]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى} وروى سعيد عن قتادة قال المثل الأعلى الإخلاص والتوحيد المعنيان واحد أي لله جل وعز التوحيد ونفى كل معبود دونه). [معاني القرآن: 4/77]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {ولله المثل الأعلى} أي شهادة أن لا إله إلا الله). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 131]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (61)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ولو يؤاخذ اللّه النّاس بظلمهم ما ترك عليها من دابّةٍ} لحبس المطر فأهلك حيوان الأرض.
{ولكن يؤخّرهم} يؤخّر المشركين.
{إلى أجلٍ مسمًّى} إلى السّاعة، لأنّ كفّار هذه الأمّة أخّر عذابها بالاستئصال إلى النّفخة الأولى.
{فإذا جاء أجلهم} بعذاب اللّه.
{لا يستأخرون} عنه، عن العذاب.
{ساعةً ولا يستقدمون} ). [تفسير القرآن العظيم: 1/70]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ولو يؤاخذ اللّه النّاس بظلمهم ما ترك عليها من دابّة ولكن يؤخّرهم إلى أجل مسمّى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون}
معنى {عليها} على الأرض، ودل الإضمار على الأرض لأن الدوابّ إنما هي على الأرض.
وقوله: {وللّه المثل الأعلى}.
جاء في التفسير أنه، قوله: لا إله إلا اللّه، وتأويله أن اللّه - جل ثناؤه - له التوحيد، ونفي كل إله سواه). [معاني القرآن: 3/207-206]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة} أي على الأرض ولم يجر لها ذكر لأنه قد عرف المعنى). [معاني القرآن: 4/77]

تفسير قوله تعالى: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ (62)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ويجعلون للّه ما يكرهون} يجعلون له البنات ويكرهونها لأنفسهم.
{وتصف ألسنتهم الكذب} سعيدٌ عن قتادة: أي: يتكلّمون به ويعلنون به.
{أنّ لهم الحسنى} ، أي: الغلمان.
وقال السّدّيّ: البنين، وهو واحدٌ.
وفي تفسير الحسن: أنّ لهم الجنّة، يقولون: أي إن كانت جنّةٌ.
كقوله: قول الكافر: {ولئن رجعت إلى ربّي إنّ لي عنده للحسنى}، أي: إن رجعت، وكانت ثمّ جنّةٌ.
قال اللّه: {لا جرم} وهي كلمة وعيدٍ.
{أنّ لهم النّار وأنّهم مفرطون} قال: معجّلون إلى النّار في تفسير الحسن.
أشعث عن جعفر بن أبي وحشيّة عن سعيد بن جبيرٍ، قال: {مفرطون} منسيّون فيها، مضيّعون.
قال السّدّيّ: {وأنّهم مفرطون} ، يعني: وأنّهم مسلّمون.
وبعضهم يقرأ هذا الحرف: وأنّهم مفرّطون، يعني: أنّهم مفرطون كقولهم: {يا حسرتنا على ما فرّطنا فيها}.
قال يحيى: وكذلك قرأتها عند عمرٍو). [تفسير القرآن العظيم: 1/71-70]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وتصف ألسنتهم الكذب أنّ لهم الحسنى...}
أنّ في موضع نصب لأنه عبارة عن الكذب. ولو قيل: {وتصف ألسنتهم الكذب} تجعل الكذب من صفة الألسنة واحدها كذوبٌ وكذب، مثل رسول ورسل،
ومثله قوله: {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب} وبعضهم يخفض (الكذب) يجعله مخفوضاً باللام التي في قوله (لما) لأنه عبارة عن (ما) والنصب فيه وجه الكلام، وبه قرأت العوامّ. ومعناه: ولا تقولوا لوصفها الكذب.
وقوله: {وأنّهم مّفرطون} يقول: منسيّون في النار. والعرب تقول: أفرطت منهم ناساً أي خلّفتهم ونسيتهم.
وتقرأ {وأنّهم مّفرطون} بكسر الراء، كانوا مفرطين في سوء العمل لأنفسهم في الذنوب. وتقرأ {مفرّطون} كقوله: {يا حسرتا على ما فرّطت في جنب الله}
يقول: فيما تركت وضيّعت). [معاني القرآن: 2/108-107]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {مفرطون} أي متروكون منسيون مخلفون). [مجاز القرآن: 1/361]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {مفرطون}: معجلون مخسؤون مبعدون وقال بعضهم). [غريب القرآن وتفسيره: 207]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ويجعلون للّه ما يكرهون} من البنات.
{وتصف ألسنتهم الكذب أنّ لهم الحسنى} أي الجنة. ويقال: البنين.
{وأنّهم مفرطون} أي معجلون إلى النار. يقال: فرط مني ما لم أحسبه.
أي سبق. والفارط: المتقدّم إلى الماء لإصلاح الأرشية والدّلاء حتى يرد القوم. وأفرطته: أي قدمته). [تفسير غريب القرآن: 245-244]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ويجعلون للّه ما يكرهون وتصف ألسنتهم الكذب أنّ لهم الحسنى لا جرم أنّ لهم النّار وأنّهم مفرطون}أي يجعلون للّه البنات اللاتي يكرهونهن.
وقوله: {وتصف ألسنتهم الكذب أنّ لهم الحسنى}.
(أنّ) بدل من (الكذب) المعنى وتصف ألسنتهم أنّ لهم الحسنى، أي يصفون أن لهم - مع فعلهم هذا القبيح - من اللّه جل ثناؤه - الجزاء الحسن.
وقوله: {لا جرم أنّ لهم النّار}.
" لا " رد لقولهم. المعنى - واللّه أعلم - ليس ذلك كما وصفوا، جرم أن لهم النّار، المعنى جرم فعلهم هذا أن لهم النار، أي كسب فعلهم أن لهم النار.
وقيل إنّ " أنّ " في موضع رفع، ذكر ذلك قطرب، وقال المعنى أن لهم النار.
{وأنهم مفرطون}.
فيها أربعة أوجه: (مفرطون) بإسكان الفاء وفتح الراء، ومفرّطون بفتح الفاء وتشديد الراء وبفتحها، ومفرطون - بإسكان الفاء وكسر الراء، ومفرّطون بفتح الفاء وتشديد الراء وكسرها.
فأمّا تفسير (مفرطون) و (مفرّطون) فجاء عن ابن عباس، متروكون وقيل عنه: معجلون. ومعنى الفرط في اللغة: التقدم، وقد فرط إليّ منه قول أي تقدّم، فمعنى مفرطون مقدمون إلى النار، وكذلك مفرطون، ومن فسّر متروكون فهو كذلك، أي قد جعلوا مقدّمين في العذاب أبدا متروكين فيه.
ومن قرأ مفرّطون، فالمعنى أنه وصف لهم بأنهم فرطوا في الدنيا فلم يعملوا فيها للآخرة وتصديق هذه القراءة قوله: {أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرّطت في جنب اللّه}.
ومن قرأ مفرطون، فالمعنى على أنهم أفرطوا في معصية اللّه، كما تقول: قد أفرط فلان في مكروهي.
وتأويله أنه آثر العجز وقدّمه). [معاني القرآن: 3/208-207]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ويجعلون لله ما يكرهون} يعني البنات ثم قال تعالى: {وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى}
قال مجاهد هو قولهم لنا البنون وقال غيره الحسنى الجنة). [معاني القرآن: 4/78]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {لا جرم أن لهم النار وأنهم مفرطون} وقيل لا رد لكلامهم وجرم بمعنى وجب وحق،
وقال أبو جعفر وقد استقصينا القول فيه). [معاني القرآن: 4/78]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال تعالى: {وأنهم مفرطون}
كذا قرأ الحسن ومجاهد وسعيد بن جبير بفتح الراء والتخفيف واختلفوا في تفسيره فقال الحسن مفرطون معجلون إلى النار،
وقال هشيم أخبرنا أبو بشر وحصين عن سعيد ابن جبير وأنهم مفرطون قال متروكون منسيون وروى ابن جريح عن مجاهد قال مفرطون منسيون،
قال أبو جعفر وقول الحسن أشهر في اللغة وأعرف وحكى أهل اللغة هو فارط وفرط وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنا فرطكم على الحوض أي متقدمكم إليه حتى تردوا على وأفرطته إذا قدمته وأنشد جماعة من أهل اللغة:

فاستعجلونا وكانوا من صحابتنا = كما تعجل فراط لوراد
وقال بقول سعيد بن جبير ومجاهد أبو عبيدة والكسائي والفراء قال أبو جعفر فعلى قول الحسن معجلون مقدمون إلى النار وعلى قول سعيد بن جبير ومجاهد متروكون في النار،
وقرأ عبد الله بن مسعود وابن عباس وأنهم مفرطون مبالغون في الإساءة كما يقال فرط فلان على فلان إذا أربى عليه وقال له أكثر مما قال من الشر ،
وقرأ أبو جعفر والسدي وأنهم مفرطون ومعناه مضيعون أي كانوا مضيعين في الدنيا). [معاني القرآن: 4/81-78]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {وأنهم مفرطون} أي: متروكون منسيون في النار). [ياقوتة الصراط: 295]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {لهم الحسنى} أي الجنة.
{وأنهم مفرطون} أي معجلون. والفارط: المتقدم إلى الماء). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 131]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مُفْرَطُونَ}: تفرّطوا في النار). [العمدة في غريب القرآن: 178]

تفسير قوله تعالى: {تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {تاللّه} قسمٌ، أقسم اللّه بنفسه.
{لقد أرسلنا إلى أممٍ من قبلك} ، يعني: من أهلك بالعذاب من الأمم السّالفة.
{فزيّن لهم الشّيطان أعمالهم فهو وليّهم اليوم} وإلى يوم القيامة.
{ولهم عذابٌ أليمٌ} في الآخرة). [تفسير القرآن العظيم: 1/72]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وما أنزلنا عليك الكتاب} القرآن.
{إلا لتبيّن لهم الّذي اختلفوا فيه وهدًى ورحمةً} يقول: ما فيه هدًى ورحمةٌ.
{لقومٍ يؤمنون} ). [تفسير القرآن العظيم: 1/72]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وما أنزلنا عليك الكتاب إلّا لتبيّن لهم الّذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون }
بنصب (رحمة) المعنى: وما أنزلنا عليك الكتاب إلا هدى ورحمة، أي ما أنزلناه عليك إلا للهداية والرحمة، فهو مفعول له.
ويجوز: وهدى ورحمة في هذا الموضع، المعنى: وما أنزلنا عليك الكتاب إلا للبيان رهو - مع ذلك - هدى ورحمة). [معاني القرآن: 3/208]

تفسير قوله تعالى: {وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (65)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {واللّه أنزل من السّماء ماءً فأحيا به الأرض بعد موتها} الأرض اليابسة الّتي ليس فيها نباتٌ فيحييها بالمطر وتنبت بعد إذ لم يكن فيها نباتٌ.
{إنّ في ذلك لآيةً لقومٍ يسمعون} فيعلمون أنّ الّذي أحيا هذه الأرض الميتة حتّى أنبتت قادرٌ على أن يحيي الموتى؛ لأنّ المشركين لا يقرّون بالبعث). [تفسير القرآن العظيم: 1/72]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ (66)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وإنّ لكم في الأنعام لعبرةً نسقيكم ممّا في بطونه من بين فرثٍ ودمٍ لبنًا خالصًا سائغًا للشّاربين} ،
يقول: ففي هذا اللّبن الّذي أخرجه اللّه من بين فرثٍ ودمٍ آية لقومٍ يعقلون، فيعلمون أنّ الّذي أخرجه من بين فرثٍ ودمٍ قادرٌ على أن يحيي الموتى). [تفسير القرآن العظيم: 1/72]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {نّسقيكم مّمّا في بطونه...}
العرب تقول لكلّ ما كان من بطون الأنعام ومن السّماء أو نهر يجري لقوم: أسقيت. فإذا سقاك الرّجل ماء لشفتك قالوا: سقاه. ولم يقولوا: أسقاه؛
كما قال الله عزّ وجل: {وسقاهم ربّهم شراباً طهوراً} وقال {والّذي هو يطعمني ويسقين} وربما قالوا لما في بطون الأنعام ولماء السّماء سقى وأسقى،
كما قال لبيد:

سقى قومي بني مجد وأسقى = نميرا والقبائل من هلال
رعوه مربعاً وتصيّفوه = بلا وبأٍ سميّ ولا وبال
وقد اختلف القراء فقرأ بعضهم {نسقيكم} وبعضهم {نسقيكم}.
وأمّا قوله: {مّمّا في بطونه} ولم يقل بطونها فإنه قيل - والله أعلم - إن النّعم والأنعام شيء واحد، وهما جمعان، فرجع التذكير إلى معنى النّعم إذا كان يؤدى عن الأنعام،
أنشدني بعضهم:

إذا رأيت أنجما من الأسد = جبهته أو الخراة والكتد
بال سهيل في الفضيح. ففسد = وطاب ألبان الّلقاح وبرد
فرجع إلى اللبن لأن اللبن والألبان يكون في معنى واحد. وقال الكسائي {نسقيكم ممّا بطونه}: بطون ما ذكرناه، وهو صواب،
أنشدني بعضهم:
* مثل الفراخ نتقت حواصله *
وقال الآخر:
* كذاك ابنة الأعيار خافي بسالة الـ = ـرجال وأصلال الرجال أقاصره *
ولم يقل أقاصرهم. أصلال الرجال: الأقوياء منهم.
وقوله: {سائغاً للشّاربين} يقول: لا يشرق باللبن ولا يغصّ به). [معاني القرآن: 2/109-108]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وإنّ لكم في الأنعام لعبرةً نسقيكم ممّا في بطونه} يذكّر ويؤنث، وقال آخرون: المعنى على النّعم لأن النعم يذكر ويؤنث،
قال:
أكلّ عامٍ نعمٌ تحوونه= يلقحه قومٌ وتنتجونه
أربابه نوكي ولا يحمونه
والعرب قد تظهر الشيء ثم تخبر عن بعض ما هو بسببه وإن لم يظهروه كقوله:
قبائلنا سبعٌ وأنتم ثلاثةٌ= وللسّبع أزكي من ثلاثٍ وأكثر
قال أنتم أحياءٍ ثم قال: من ثلاث، فذهب به إلى القبائل وفي آية أخرى: {وعلى الله قصد السّبيل ومنها جائرٌ} أي من السبل سبيل جائر). [مجاز القرآن: 1/362]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {نسقيكم ممّا في بطونه} ذهب إلى النّعم. والنّعم تؤنث وتذكر والفرث: ما في الكرش.
وقوله: {من بين فرثٍ ودمٍ لبناً} لأن اللبن كان طعاما فخلص من ذلك الطعام دم، وبقي منه فرث في الكرش، وخلص من الدم لبن.
{سائغاً للشّاربين} أي سهلا في الشراب لا يشجي به شاربه ولا يغص). [تفسير غريب القرآن: 245]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وإنّ لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم ممّا في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشّاربين}
وتقرأ {نسقيكم} ويقال سقيته وأسقيته في معنى واحد.
قال سيبويه والخليل سقيته كما تقول ناولته فشرب. وأسقيته جعلت له سقيا، وكذلك قول الشاعر يحتمل المذهبين:
سقى قومي بني مجد وأسقى= نميرا والقبائل من هلال
وهذا البيت وضعه النحويون على أنّه سقى وأسقى بمعنى واحد، وهو يحتمل التفسير الثاني.
والأنعام لفظه لفظ جمع، وهو اسم للجنس يذكر ويؤنث، يقال هو الأنعام وهي الأنعام. نسقيكم مما في بطونه.
وفي موضع آخر {مما في بطونها}. فأعلم اللّه - عزّ وجلّ - أن في إخراجه اللبن {من بين فرث ودم} دليلا على قدرة لا يقدر عليها إلا الله الذي ليس كمثله شيء).
[معاني القرآن: 3/209-208]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا} الفرث ما يكون في الكرش يقال أفرثت الكرش إذا أخرجت ما فيها والمعنى أن الطعام يكون فيه ما في الكرش ويكون منه الدم ثم يخلص اللبن من الدم
ثم قال تعالى: {سائغا للشاربين} أي سهلا لا يشجي به من شربه). [معاني القرآن: 4/81]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {من بين فرث ودم} الفرث - هاهنا: السرجين). [ياقوتة الصراط: 295]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {سائغا للشاربين} أي: لذة للشاربين، قال ثعلب: وروي.
عن ابن عباس أنة قال: ما غص إنسان بلبن قط). [ياقوتة الصراط: 296-295]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {والفرث} ما يكون من كروش الأنعام، من غذائها). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 131]

تفسير قوله تعالى: {وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ومن ثمرات النّخيل والأعناب تتّخذون منه سكرًا ورزقًا حسنًا} ،
أي: وجعل لكم من ثمرات النّخيل والأعناب ما تتّخذون منه سكرًا ورزقًا حسنًا.
تفسير ابن مجاهدٍ، عن أبيه: {سكرًا} الخمر قبل تحريمها.
{ورزقًا حسنًا} طعامًا.
- المعلّى بن هلالٍ ومندل بن عليٍّ عن الأسود بن قيسٍ عن عمرو بن سفيان عن ابن عبّاسٍ قال: السّكر ما حرّم من ثمرتها، والرّزق الحسن ما أحلّ من ثمرتها.
همّامٌ وعثمان عن قتادة قال: نزلت قبل تحريم الخمر.
فأمّا الرّزق الحسن فهو ما أحلّ اللّه من ثمرتها ممّا تأكلون، وتعتصرون وتنتبذون، وتخلّلون، وأمّا السّكر فهو خمور الأعاجم.
- حمّادٌ عن عليّ بن زيدٍ عن صفوان بن محرزٍ عن أبي موسى الأشعريّ، قال: إنّ لكلّ قومٍ خمرًا وإنّ خمر المدينة البسر والتّمر، وإنّ خمر فارس العنب، وإنّ خمر اليمن البتع.
قال حمّادٌ: يعني العسل وإنّ خمر الحبشة السّكركة قال حمّادٌ: يعني الأرزّ.
- أبو أميّة عن يحيى بن أبي كثيرٍ عن أبي كثيرٍ عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: (( إنّ الخمر من هاتين الشّجرتين: النّخلة والعنبة )).
- أبو بكر بن عيّاشٍ عن أبي إسحاق الهمدانيّ عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعريّ قال: قال عمر بن الخطّاب: إنّ هذه الأنبذة تنبذ من خمسة أشياء، من التّمر والزّبيب والعسل والبرّ والشّعير، فما خمّرتم منه فعتّقتم فهو خمرٌ.
قوله: {إنّ في ذلك لآيةً لقومٍ يعقلون} هي مثل الأولى). [تفسير القرآن العظيم: 1/73-72]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {تتّخذون منه سكراً} أي طعماً، ويقال: جعلوا لك هذا سكراً أي طعماً، وهذا له سكرٌ أي طعم،
وقال جندل:
جعلت عيب الأكرمين سكرا
وله موضع آخر مجازه: سكناً،
وقال:
جاء الشتاء واجثالّ القنبر= وجعلت عين الحرور تسكر
أي يسكن حرها ويخبو، ويقال ليلة ساكرة أي ساكنة،
وقال:
تريد الليالي في طولها= وليست بطلقٍ ولا ساكرة
ويروى تزيد ليالي في طولها). [مجاز القرآن: 1/363]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {ومن ثمرات النّخيل والأعناب تتّخذون منه سكراً ورزقاً حسناً إنّ في ذلك لآيةً لّقومٍ يعقلون}
وقال: {ومن ثمرات النّخيل والأعناب تتّخذون منه سكراً ورزقاً حسناً} ولم يقل "منها" لأنه أضمر "الشيء" كأنه قال "ومنها شيءٌ تتّخذون منه سكراً "). [معاني القرآن: 2/66]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا} {السكر}: الحرام {الرزق الحسن}: الحلال). [غريب القرآن وتفسيره: 208]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {تتّخذون منه سكراً} أي خمرا. ونزل هذا قبل تحريم الخمر.
{ورزقاً حسناً} يعني التمر والزبيب.
وقال أبو عبيدة: السّكر: الطّعم.
ولست أعرف هذا في التفسير). [تفسير غريب القرآن: 245]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عز وجل: {ومن ثمرات النّخيل والأعناب تتّخذون منه سكرا ورزقا حسنا إنّ في ذلك لآية لقوم يعقلون}
أي فيما بيّنّا علامة تدل على توحيد اللّه.
وقالوا في تفسير قوله: {سكرا ورزقا حسنا} إنه الخمر من قبل أن تحرم.
والرزق الحسن يؤكل من الأعناب والتمور.
وقيل إن معنى السكر الطعم
وأنشدوا:
جعلت أعراض الكرام سكرا
أي جعلت دمهم طعما لك. وهذا بالتفسير الأول أشبه.
المعنى جعلت تتخمر بأعراض الكرام، وهو أبين - فيما يقال: الذي يتبرك. في أعراض الناس). [معاني القرآن: 3/209]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا} روى عمرو بن سفيان عن ابن عباس
قال السكر ما حرم من ثمرتها والزرق الحسن ما كان حلالا من ثمرتها وروى شعبة عن مغيره عن إبراهيم والشعبي قالا السكر ما حرم وقد نسخ
وروى معمر عن قتادة قال السكر نبيذ للأعاجم وقد نسخت
وروى علي بن الحكم عن الضحاك قال السكر قد حرم وقال مجاهد السكر ما حرم من الخمر والرزق الحسن ما أحل من التمر والعنب قال أبو جعفر الأولى أن تكون الآية منسوخة
لأن تحريم الخمر كان بالمدينة والنحل مكية
والرواية عن ابن عباس كأن معناها أن الآية على الإخبار بأنهم يفعلون ذلك لا أنه أذن لهم في ذلك وذلك معناه وهي رواية تضعف من جهة عمرو بن سفيان
قال أبو جعفر وفي معنى السكر قول آخر قال أبو عبيدة السكر الطعم وأنشد:
جعلت عيب الأكرمين سكرا
أي جعلت ذمهم طعما
قال أبو جعفر قال الزجاج وقول أبي عبيدة هذا لا يعرف وأهل التفسير على خلافة ولا حجة له في البيت الذي أنشده لأن معناه عند غيره أنه يصف أنها تتخمر بعيوب الناس).
[معاني القرآن: 4/83-81]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({سكرا} أي خمرا، نزل هذا قبل تحريم الخمر.
وقيل: السكر الحرام. والرزق الحلال الحسن. وقيل: السكر: الطعم).[تفسير المشكل من غريب القرآن: 131]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {السَكَرُ}: الخمر.
{الرِزْقُ الحَسَنُ}: الحلال). [العمدة في غريب القرآن: 178]

تفسير قوله تعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وأوحى ربّك إلى النّحل} ، أي: ألهمها.
قال السّدّيّ: وكلّ شيءٍ من الحيوان إلهامٌ.
{أن اتّخذي من الجبال بيوتًا ومن الشّجر وممّا يعرشون}، أي: وممّا يبنون). [تفسير القرآن العظيم: 1/73]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وأوحى ربّك إلى النّحل...}
ألهمها ولم يأتها رسول.
وقوله: {أن اتّخذي من الجبال بيوتاً ومن الشّجر وممّا يعرشون} وهي سقوف البيوت). [معاني القرآن: 2/109]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وممّا يعرشون} أي يجعلونه عريشاً، ويقال: يعرش ويعرش). [مجاز القرآن: 1/364]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وأوحى ربّك إلى النّحل أن اتّخذي من الجبال بيوتاً ومن الشّجر وممّا يعرشون}
وقال: {إلى النّحل أن اتّخذي} على التأنيث في لغة أهل الحجاز. وغيرهم يقول "هو النّحل" وكذلك كل جمع ليس بينه وبين واحده إلا الهاء نحو "البرّ" و"الشعير"
هو في لغتهم مؤنث). [معاني القرآن: 2/66]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وأوحى ربّك إلى النّحل} [أي ألهمها. وقيل:] سخّرها.
وقد بينت في كتاب «المشكل» أنه قد يكون كلاما وإشارة وتسخيرا.
{وممّا يعرشون} كل شيء عرش من كرم أو نبات أو سقف: فهو عرش ومعروش.
{ثمّ كلي من كلّ الثّمرات} أي من الثمرات. وكل هاهنا ليس على العموم. ومثل هذا قوله تعالى: {تدمّر كلّ شيءٍ بأمر ربّها} ). [تفسير غريب القرآن: 245-246]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): («اللام» مكان «إلى»
قال الله تعالى: {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا}، أي أوحى إليها.
قال الله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا}، أي إلى هذا.
يدلك على ذلك قوله في موضع آخر: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} وقوله: {وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} ). [تأويل مشكل القرآن: 572] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الوحيُ: كلُّ شيء دللت به من كلام أو كتاب أو إشارة أو رسالة...
والوحي: إلهام، كقوله: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ}، و{وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ}، أي ألهمها). [تأويل مشكل القرآن: 489] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وأوحى ربّك إلى النّحل أن اتّخذي من الجبال بيوتا ومن الشّجر وممّا يعرشون}
وبيوتا. فمن قرأ بيوتا بالضم فهو القياس، مثل كعب وكعوب وقلب وقلوب، ومن قرأ بيوتا بالكسر فهذا لم يذكر مثله أحد من البصريين لأنهم لا يجيزون مثله.
ليس في الكلام مثل فعل ولا فعول، والذين قرأوا به قلبوا الضمة إلى الكسرة من أجل الياء التي بعدها.
ومعنى الوحي في اللغة على وجهين يرجعان إلى معنى الإعلام والإفهام فمن الوحي وحي الله إلى أنبيائه بما سمعت الملائكة من كلامه، ومنه الإلهام كما قال اللّه:
(وأخرجت الأرض أثقالها) إلى {بأن ربّك أوحى لها} معناه ألهمها. فاللّه أوحى إلى كل دابّة وذي روح في التماس منافعها واجتناب مضارها، فذكر من ذلك أمر النحل.
وواحد النحل نحلة، مثل نخل ونخلة - لأن فيها من لطيف الصنعة وبديع الخلق ما فيه أعظم معتبر بأن ألهمها اتخاذ المنازل والمساكن، وأن تأكل من كل الثمرات على اختلاف طعومها..
ثم سهل عليها سبيل ذلك فقال جلّ وعزّ: {ثمّ كلي من كلّ الثّمرات فاسلكي سبل ربّك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للنّاس إنّ في ذلك لآية لقوم يتفكّرون} ). [معاني القرآن: 3/210]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا} روى عن الضحاك أنه قال ألهمها وأصل الوحي في اللغة الإعلان بالشيء في ستره فيقع ذلك بالإلهام وبالإشارة وبالكتابة وبالكلام الخفي). [معاني القرآن: 4/84-83]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {ثمّ كلي من كلّ الثّمرات فاسلكي سبل ربّك} طرق ربّك الّتي جعل اللّه لك.
{ذللا} مطيعةً في تفسير قتادة.
يعني أنت مطيعةٌ.
وقال مجاهدٌ: {فاسلكي سبل ربّك ذللا} ، ذلّلت لها السّبل لا يتوعّر عليها مكانٌ.
{يخرج من بطونها شرابٌ} يعني العسل.
{مختلفٌ ألوانه فيه شفاءٌ للنّاس} دواءٌ.
- إسماعيل بن مسلمٍ عن أبي المتوكّل النّاجيّ أنّ رجلا أتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه إنّ أخي يشتكي بطنه.
قال: اذهب فاسقه عسلا.
فذهب فسقاه عسلا، فلم ينفعه شيئًا.
فأتى النّبيّ صلّى اللّه عليه فقال: يا رسول اللّه إنّي سقيته، فلم ينفعه شيئًا.
فقال: اذهب فاسقه.
فذهب فسقاه، فلم ينفعه شيئًا، فجاء النّبيّ فأخبره فقال: اذهب فاسقه عسلا.
فذهب فسقاه، فلم يغن عنه شيئًا فأتى إلى النّبيّ فأخبره، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه في الثّالثة أو في الرّابعة: «صدق اللّه وكذب بطن أخيك، اذهب فاسقه عسلا،
فذهب فسقاه فبرأ بإذن اللّه».
قوله: {إنّ في ذلك لآيةً لقومٍ يتفكّرون} هي مثل الأولى). [تفسير القرآن العظيم: 1/74]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ذللاً...}نعت للسبل.
يقال: سبيل ذلول وذلل للجمع ويقال: إن الذّلل نعت للنحل أي ذلّلت لأن يخرج الشراب من بطونها.
وقوله: {شفاء للنّاس} يعني العسل دواء ويقال {فيه شفاء للنّاس} يراد بالهاء القرآن، فيه بيان الحلال والحرام). [معاني القرآن: 2/109]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {ثمّ كلي من كلّ الثّمرات فاسلكي سبل ربّك ذللاً يخرج من بطونها شرابٌ مّختلفٌ ألوانه فيه شفاء للنّاس إنّ في ذلك لآيةً لّقومٍ يتفكّرون}
وقال: {ذللاً} وواحدها "الذلول" وجماعة "الذّلول" "الذلل"). [معاني القرآن: 2/66]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فاسلكي سبل ربّك ذللًا} أي منقادة بالتّسخير. وذل: جمع ذلول). [تفسير غريب القرآن: 246]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقولهم: وأين قوله: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آَيَاتِهِ} من قوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} .
ولم يرد الله في هذا الموضع معنى الصبر والشكر خاصة، وإنما أراد: إن في ذلك لآيات لكل مؤمن. والصبر والشكر أفضل ما في المؤمن من خلال الخير، فذكره الله عز وجل في هذا الموضع بأفضل صفاته.
وقال في موضع آخر: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ}.
وفي موضع آخر: {لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} و{لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} و{إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} يعني المؤمنين). [تأويل مشكل القرآن: 75] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {ثمّ كلي من كلّ الثّمرات فاسلكي سبل ربّك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للنّاس إنّ في ذلك لآية لقوم يتفكّرون}
أي قد ذللها اللّه لك وسهل عليك مسالكها.
ثم قال {يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه}.
فهي تأكل الحامض والمرّ وما لا يوصف طعمه فيحيل الله ذلك عسلا يخرج من بطونها إلا أنها تلقيه من أفواهها ولكنه قال: {من بطونها} لأن استحالة الأطعمة لا تكون إلا في البطون فيخرج بعضها من الفم كالريق الدائم الذي يخرج من فم ابن آدم، فالنحل تخرج العسل من بطونها إلى أفواهها.
{فيه شفاء للنّاس} في هذا قولان، قيل إن. الهاء يرجع على العسل، المعنى في العسل شفاء للناس. وقيل إن الهاء للقرآن، المعنى في القرآن شفاء للناس وهذا القول إذا فسّر علم أنه حسن، المعنى فيما قصصنا عليكم من قصة النحل في القرآن وسائر القصص التي تدل على أن اللّه واحد شفاء للناس.
والتفسير في العسل حسن جدا.
فإن قال قائل: قد رأينا من ينفعه العسل ومن يضره العسل، فكيف يكون فيه شفاء للناس؟
فجواب هذا أن يقال له الماء حياة كل شيء فقد رأينا من يقتله الماء إذا أخذه على ما يصادف من علة في البدن، وقد رأينا شفاء العسل في أكثر هذه الأشربة، لأن الجلّاب والسكنجيين، إنما أصلهما العسل، وكذلك سائر المعجونات.
وهذا الاعتراض في أمر العسل إنما هو اعتراض جهلة لا يعرفون قدرة في النفع، فأمّا من عرف مقدار النفع فهو وإن كان من غير أهل هذه الملة فهو غير رافع أن في العسل شفاء).
[معاني القرآن: 3/211-210]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فاسلكي سبل ربك ذللا} روى معمر وسعيد عن قتادة قال مطيعة قال أبو جعفر ويحتمل في اللغة أن يكون قوله: {ذللا} للسبل لأنه يقال سبيل ذلول وسبل ذلل أي سهلة السلوك ويحتمل أن يكون للنحل أي هي منقادة مسخرة). [معاني القرآن: 4/84]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء} للشفاء فيه قولان: أحداهما أن المعنى في القرآن شفاء للناس وهذا قول حسن
أي فيما قصصنا عليكم من الآيات والبراهين شفاء للناس
وقيل في العسل شفاء للناس وهذا القول بين أيضا لأن أكثر الأشربة والمعجونات التي يتعالج بها أصلها من العسل). [معاني القرآن: 4/85-84]

تفسير قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (70)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {واللّه خلقكم ثمّ يتوفّاكم} يميتكم.
{ومنكم من يردّ إلى أرذل العمر}إلى الهرم.
{لكي لا يعلم بعد علمٍ شيئًا} يصير بمنزلة الطّفل الّذي لا يعقل شيئًا.
{إنّ اللّه عليمٌ قديرٌ} ). [تفسير القرآن العظيم: 1/75-74]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {لكي لا يعلم...}
يقول: لكيلا يعقل من بعد عقله الأوّل (شيئاً) ). [معاني القرآن: 2/110]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ومنكم من يردّ إلى أرذل العمر} وهو الهرم، لأن الهرم أسوأ العمر وشرّه.
{لكي لا يعلم بعد علمٍ شيئاً} أي حتى لا يعلم بعد علمه بالأمور شيئا لشدة هرمه). [تفسير غريب القرآن: 246]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ * فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ * أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ}.
يريد: عدّلنا خلقه، وقوّمناه أحسن تعديل وتقويم.
{ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ}، والسّافلون: هم الضعفاء والزّمنى والأطفال، ومن لا يستطيع حيلة، ولا يجد سبيلا. وتقول: سفل يسفل فهو سافل، وهم سافلون.
كما تقول: علا يعلو فهو عال وهم عالون. وهو مثل قوله سبحانه: {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ}
وأراد: أنّ الهرم يخرف ويهتز وينقص خلقه، ويضعف بصره وسمعه، وتقلّ حيلته، ويعجز عن عمل الصالحات، فيكون أسفل من هؤلاء جميعا.
{إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} في وقت القوّة والقدرة، فإنّهم في حال الكبر غير منقوصين، لأنّا نعلم أنا لو لم نسلبهم القدرة والقوّة لم يكونوا ينقطعون عن عمل الصّالحات، فنحن نجري لهم أجر ذلك ولا نمنّه،
أي لا نقطعه ولا ننقصه.
وهو معنى قول المفسرين. ومثله قوله سبحانه: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ}، والخسر: النقصان {إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}
فإنهم غير منقوصين.
ونحوه قول رسول الله، صلّى الله عليه وسلم: «يقول الله للكرام الكاتبين: إذا مرض عبدي فاكتبوا له ما كان يعمل في صحته، حتى أعاقبه أو أقبضه».
ثم قال: {فَمَا يُكَذِّبُكَ} أيها الإنسان {بِالدِّينِ}؟ أي: بمجازاتي إيّاك بعملك وأنا أحكم الحاكمين؟). [تأويل مشكل القرآن: 343-342] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {واللّه خلقكم ثمّ يتوفّاكم ومنكم من يردّ إلى أرذل العمر لكي لا يعلم بعد علم شيئا إنّ اللّه عليم قدير}
أي منكم من يكبر ويسن حتى يذهب عقله خرفا فيصير بعد أن كان عالما جاهلا، والمعنى - واللّه أعلم - {لكيلا يعلم بعد علم شيئا} أي ليريكم من قدرته أنه كما قدر على إماتته وإحيائه أنه قادر على نقله من العلم إلى الجهل.
وأعلم - عزّ وجلّ - أن الموت والحياة بيده، وأنه [الإنسان] قد يتغذى بالأغذية التي يتعمّد فيها الغاية في الصلاح والبقاء، فلا يقدر أن يزيد في مقدار مدته شيئا).
[معاني القرآن: 3/212-211]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ومنكم من يرد إلى أرذل العمر} أي يهرم حتى ينقص عقله). [معاني القرآن: 4/85]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {لكي لا يعلم بعد علم شيئا} أي حتى يعود بعد العلم جاهلا أي لتعلموا أن الذي رده إلى هذه الحال قادر على أن يميته ثم يحييه). [معاني القرآن: 4/85]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {إلى أرذل العمر} الهرم.
{لكي لا يعلم بعد علم شيئا} أي الهرم، حتى لا يعلم شيئا بعد ما كان ذا علم، لشدة هرمه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 132-131]

تفسير قوله تعالى: {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (71)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {واللّه فضّل بعضكم على بعضٍ في الرّزق فما الّذين فضّلوا} يعني في الرّزق.
{برادّي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواءٌ} ، سواءٌ يعني شرعًا، تفسير السّدّيّ.
يقول: هل منكم من أحدٍ يكون هو ومملوكه في أهله وماله سواءٌ؟ أي إنّكم لا تفعلون ذلك بمملوككم حتّى تكونوا في ذلك سواءً.
فاللّه أحقّ ألا يشرك به أحدٌ من خلقه.
وهو كقوله: {ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواءٌ تخافونهم كخيفتكم أنفسكم}
كخيفة بعضكم بعضًا.
سعيدٌ عن قتادة قال: هذا مثلٌ ضربه اللّه، فهل منكم من أحدٍ يشارك مملوكه في زوجته، وفراشه، وماله.
أفتعدلون باللّه خلقه؟ قال: {أفبنعمة اللّه يجحدون} على الاستفهام، أي: قد جحدوا بنعمة اللّه.
قال قتادة: والجحد لا يكون إلا من بعد المعرفة). [تفسير القرآن العظيم: 1/75]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فما الّذين فضّلوا برآدّي رزقهم على ما ملكت أيمانهم...}
فهذا مثل ضرب الله للذين قالوا: إن عيسى ابنه تعالى الله عمّا يقول الظالمون علوّا كبيراً، فقال: أنتم لا تشركون عبيدكم فيما ملكتم فتكونون سواء فيه، فكيف جعلتم عبده شريكاً له تبارك وتعالى). [معاني القرآن: 2/110]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {واللّه فضّل بعضكم على بعضٍ في الرّزق} يعني فضل السادة على المماليك.
{فما الّذين فضّلوا} يعني السادة {برادّي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواءٌ} أي لا يجعلون أموالهم لعبيدهم حتى يكونوا والعبيد فيها سواء.
وهذا مثل ضربه اللّه لمن جعل له شركاء من خلقه). [تفسير غريب القرآن: 246]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقوله: {ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا} أي بأمثالهم من المؤمنين.
يقول: فإذا كنتم أنتم بهذه المنزلة فيما بينكم وبين أرقائكم، فكيف تجعلون لله من عبيده شركاء في ملكه؟
ومثله قوله: {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ} فجعل منكم المالك والمملوك {فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا} يعني: السادة {بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} من عبيدهم حتى يكونوا فيه شركاء. يريد: فإذا كان هذا لا يجوز بينكم، فكيف تجعلونه لله؟). [تأويل مشكل القرآن: 383] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (القنوت: القيام.
وسئل صلّى الله عليه وسلم: أيّ الصلاة أفضل؟ فقال: «طول القنوت»
أي طول القيام.
وقال تعالى: {أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا} أي أمن هو مصلّ، فسميت الصلاة قنوتا: لأنها بالقيام تكون.
وروي عنه، عليه السلام، أنه قال: «مثل المجاهد في سبيل الله كمثل القانت الصائم»، يعني المصلّي الصّائم.
ثم قيل للدعاء: قنوت، لأنّه إنما يدعو به قائما في الصلاة قبل الركوع أو بعده.
وقيل، الإمساك عن الكلام في الصلاة قنوت، لأن الإمساك عن الكلام يكون في القيام، لا يجوز لأحد أن يأتي فيه بشيء غير القرآن.
قال زيد بن أرقم: كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} فنهينا عن الكلام وأمرنا بالسكوت.
ويقال: إن قانتين في هذا الوضع: مطيعين.
والقنوت: الإقرار بالعبوديّة، كقوله: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} أي مقرّون بعبوديته.
والقنوت: الطاعة، كقوله: {وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ} أي: المطيعين والمطيعات.
وقوله: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ} أي مطيعا لله.
ولا أرى أصل هذا الحرف إلا الطاعة، لأنّ جميع هذه الخلال: من الصلاة، والقيام فيها، والدعاء وغير ذلك- يكون عنها). [تأويل مشكل القرآن: 452-451] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {واللّه فضّل بعضكم على بعض في الرّزق فما الّذين فضّلوا برادّي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء أفبنعمة اللّه يجحدون}
أي قد فضل الله الملّاك على مماليكهم، فجعل المملوك لا يقدر على ملك مع مولاه وأعلم أن المالك ليس يردّ على مملوكه من فضل ما في يده حتى يستوي حالهما في الملك.
وقيل لهم: إنكم كلكم من بني آدم، وأنتم لا تسوون بينكم فيما ملكت أيمانكم، وأنتم كلكم بشر.
فكيف تجعلون بعض الرزق الذي رزقكم اللّه له، وبعضه لأصنامكم، فتشركون بين اللّه وبين الأصنام، وأنتم لا ترضون لأنفسكم فيمن هو مثلكم بالشركة.
وقوله: {أفبنعمة اللّه يجحدون}.
فيها وجهان: يجوز أن يكون "، أَفَبِأنْ أنعم الله عليكم اتخذتم النعم لتجحدوا وتشركوا به الأصنام. وجائز أن يكون {أفبنعمة اللّه} أفبما أنعم اللّه عليكم بأن بين لكم ما تحتاجون إليه تجحدون). [معاني القرآن: 3/212]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء} روى سعيد عن قتادة قال هذا مثل ضربه الله أي إذا كان لأحدكم مملوك لم تسغ نفسه أن يعطيه مما يملك والله جل وعز أولى أن ينزه عن هذا
ومن هذا القول أنهم عمدوا إلى رزق الله فجعلوا للأصنام منه نصيبا وله نصيبا والمعنى إنكم كلكم بشر ويكون لأحدكم المملوك فلا يرد عليه مما يملك شيئا ولا يساويه فيه فكيف تعمدون إلى رزق الله فتجعلون منه نصيبا وللأوثان نصيبا). [معاني القرآن: 4/86-85]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {أفبنعمة الله يجحدون} أي أفأن أنعم الله عليهم جحدوا بالنعمة وجعلوا ما رزقهم لغيره،
وقيل المعنى أفأن أنعم عليهم بالبيان والبراهين جحدوا نعمه
قال الضحاك هذا المثل لله جل وعز وعيسى أي أنتم لا تفعلون هذا بعبيدكم فكيف ترضون لي باتخاذ بشر ولدا تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا). [معاني القرآن: 4/87-86]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {والله فضل بعضكم على بعض في الرزق} يعني فضل السادة على المماليك.
{فما الذين فضلوا} يعني السادة (برادين) ما في أيديهم فيشركون فيه عبيدهم، فيكونون سواء. هو مثل ضربه الله تعالى لمن جعل له شريكا في خلقه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 132]

تفسير قوله تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {واللّه جعل لكم من أنفسكم أزواجًا} ، يعني: النّساء.
والنّساء من الرّجال.
سعيدٌ عن قتادة قال: خلق آدم ثمّ خلق زوجته منه.
قال: {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدةً} والحفدة الخدم يعني: ولدًا يخدمونه، وولد ولده في تفسير الحسن.
عمّارٌ عن أبي هلالٍ الرّاسبيّ عن الحسن، قال: بنوك وبنو بنيك، البنون والحفدة كلّ شيءٍ يحفدونك ويخدمونك.
سعيدٌ عن قتادة قال: مهنّةٌ يمهنونك ويخدمونك من ولدك.
- المعلّى عن عاصم بن بهدلة عن زرّ بن حبيشٍ عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: الحفدة الأختان.
قوله: {ورزقكم من الطّيّبات أفبالباطل يؤمنون} على الاستفهام، أي: قد آمنوا بالباطل، والباطل إبليس.
وقال السّدّيّ: {أفبالباطل يؤمنون} يعني: بعبادة الشّيطان، الشّرك، يصدّقون.
قوله: {وبنعمة اللّه هم يكفرون} هو كقوله: {ألم تر إلى الّذين بدّلوا نعمت اللّه كفرًا} وكقوله: {وتجعلون رزقكم أنّكم تكذّبون}،
يقول: تجعلون مكان الشّكر التّكذيب). [تفسير القرآن العظيم: 1/76-75]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وحفدةً...}
والحفدة الأختان، وقالوا الأعوان. ولو قيل: الحفد: كان صواباً؛ لأن واحدهم حافد فيكون بمنزلة الغائب والغيب والقاعد والقعد). [معاني القرآن: 2/110]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {بنين وحفدةً} أعواناً وخدّاماً،
قال جميل:
حفد الولائد بينهنّ وأسلمت= بأكفّهن أزمّة الأجمال
واحدهم: حافد، خرج مخرج كامل والجميع كملة). [مجاز القرآن: 1/364]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {واللّه جعل لكم مّن أنفسكم أزواجاً وجعل لكم مّن أزواجكم بنين وحفدةً ورزقكم مّن الطّيّبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمت اللّه هم يكفرون}
وقال: {بنين وحفدةً} وواحدهم "الحافد"). [معاني القرآن: 2/66]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( (والحفدة): الأعوان والخدم واحدهم حافد وقالوا الأختان في التفسير ويقال: مر فلان يحفد حفدانا ومنه" وإليك نسعى ونحفد " أي نسرع). [غريب القرآن وتفسيره: 208]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {بنين وحفدةً} الحفدة: الخدم والأعوان. ويقال: هم بنون وخدم.
ويقال: الحفدة الأصهار. وأصل الحفد: مداركة الخطو والإسراع في المشي. وإنما يفعل هذا الخدم. فقيل لهم: حفدة، واحدهم حافد، مثل كافر وكفرة. ومنه
يقال في دعاء الوتر: وإليك نسعى ونحفد). [تفسير غريب القرآن: 247-246]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {لعمرك}، ولعمر الله: هو العمر. ويقال: أطال الله عمرك، وعمرك، وهو قسم بالبقاء). [تأويل مشكل القرآن: 562]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {واللّه جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطّيّبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمت اللّه هم يكفرون}
جاء في التفسير أن الله خلق حواء من ضلع من أضلاع آدم، فهو معنى جعل لكم من أنفسكم أزواجا أي من جنسكم.
وقوله: {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة}.
اختلف الناس في تفسير الحفدة، فقيل الأولاد، وقيل البنات وقيل الأختان، وقيل الأصهار، وقيل الأعوان.
وحقيقة هذا أن اللّه عزّ وجلّ جعل من الأزواج بنين ومن يعاون على ما يحتاج إليه بسرعة وطاعة، يقال حفد يحفد حفدا وحفدا وحفدانا إذا أسرع.
قال الشاعر:
حفد الولائد حولهن وأسلمت= بأكفّهنّ أزمّة الأجمال
معناه أسرعوا في الخدمة). [معاني القرآن: 3/213-212]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا} روى سعيد عن قتادة في قوله: {والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا} قال خلق حواء من ضلع آدم
وقال غيره جعل لكم من أنفسكم أزواجا أي من جنسكم). [معاني القرآن: 4/87]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة}
روى سفيان الثوري عن عاصم عن زر عن عبد الله بن مسعود قال الحفدة الأختان
وروى سفيان بن عيينة عن عاصم عن زر عن عبد الله قال الحفدة الأصهار
وروى شعبة عن زر قال سألني ابن مسعود عن الحفدة فقلت هم الأعوان قال هم الأختان وقال علقمه وأبو الضحى الحفدة الأختان وقال إبراهيم الحفدة الأصهار قال أبو جعفر وقد اختلف في الأختان والأصهار
فقال محمد بن الحسن الختن الزوج ومن كان من ذوي رحمه والصهر من كان من قبل المرأة نحو أبيها وعمتها وخالها
وقال ابن الأعرابي ضد هذا في الأختان والأصهار وقال الأصمعي الختن من كان من قبل المرأة مثل أبيها وأخيها وما أشبههما والأصهار منهما جميعا يقال أصهر فلان إلى بني فلان وصاهر
وقول عبد الله بن مسعود هم الأختان يحتمل المعنيين جميعا يجوز أن يكون أراد أبا المرأة وما أشبه من أقربائها ويجوز أن يكون أراد وجعل لكم من أزواجكم بنين وبنات وتزوجونهم فيكون لكم بسببهن أختان
وقد قيل في الآية غير هذا قال عكرمة الحفدة ولد الرجل من نفعة منهم وقال الحسن وطاووس ومجاهد الحفدة الخدم
قال أبو جعفر وأصل الحفدة في اللغة الخدمة والعمل يقال حفد يحفد حفدا وحفودا وحفدانا إذا خدم وعمل ومنه وإليك نسعى ونحفد ومنه قول الشاعر:
حفد الولائد حولهن وأسلمت = بأكفهن أزمة الأجمال
وقول من قال هم الخدم حسن على هذا إلا إنه يكون منقطعا مما قبله عند أبي عبيد وينوي به التقديم والتأخير كأنه قال وجعل لكم حفدة أي خدما وجعل لكم من أزواجكم بنين). [معاني القرآن: 4/90-87]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {بنين وحفدة} اختلف الناس، فقالت طائفة: هم الأعوان والأختان، وقالت طائفة: كل من أسرع في حاجتك، فهو حافد، قرابة كان أو غير قرابة،
يقال حافد وحفدة، مثل: كاتب وكتبة). [ياقوتة الصراط: 296]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الحفدة} الخدام والأعوان، وقيل: الأصهار. وأصل الحفد: مداركة الخطو والإسراع في المشي. وهذا فعل الخدم).[تفسير المشكل من غريب القرآن: 132]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الحَفَدَةُ}: الأحفاد، الخدم). [العمدة في غريب القرآن: 178]

تفسير قوله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ (73)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ويعبدون من دون اللّه ما لا يملك لهم رزقًا} قال قتادة: وهي الأوثان.
{من السّموات والأرض شيئًا} ، يعني: آلهتهم الّتي يعبدون من دون اللّه.
{ولا يستطيعون} مثل قوله: {ولا يملكون لأنفسهم ضرًّا ولا نفعًا ولا يملكون موتًا ولا حياةً ولا نشورًا} بعثًا). [تفسير القرآن العظيم: 1/76]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ويعبدون من دون اللّه ما لا يملك لهم رزقاً مّن السّماوات والأرض شيئاً...}
نصبت (شيئاً) بوقوع الرزق عليه، كما قال تبارك وتعالى: {ألم نجعل الأرض كفاتاً أحياءً وأمواتاً} أي تكفت الأحياء والأموات. ومثله {أو إطعامٌ في يومٍ ذي مسغبة يتيماً}
ولو كان الرزق مع الشيء لجاز خفضه: لا يملك لهم رزق شيء من السموات. ومثله قراءة من قرأ {فجزاء مثل ما قتل من النّعم}.
وقوله: {ولا يستطيعون} وقال في أوّل الكلام (يملك) وذلك أن (ما) في مذهب جمع لآلهتهم التي يعبدون، فوحّد (يملك) على لفظ (ما) وتوحيدها، وجمع في (يستطيعون) على المعنى.
ومثله قوله: {ومنهم من يستمع إليك} وفي موضع آخر {ومنهم من يستمعون إليك}
ومثله: {ومن يقنت منكنّ للّه ورسوله وتعمل صالحاً} و{يعمل صالحاً} فمن ذكره ردّ آخره على أوّله، ومن أنّث ذهب إلى أن (من) في موضع تأنيث، فذهب إلى تأنيثها.
وأنشدنا بعض العرب:

هيا أمّ عمرو من يكن عقر داره = جواءٌ عدي يأكل الحشرات
ويسودّ من لفح السموم جبينه = ويعر وإن كانوا ذوي نكرات
فرجع في (كانوا) إلى معنى الجمع وفي قراءة عبد الله - فيما أعلم - (ومنكم من يكون شيوخاً) ولم يقل (شيخاً)
وقد قال الفرزدق:

تعشّ فإن واثقتني لا تخونني = نكن مثل من يا ذئب يصطحبان
وأنت امرؤ يا ذئب والغدر كنتما = أخيّين كانا أرضعا بلبان
فثنّى (يصطحبان) وهو فعل لمن لأنه نواه ونفسه). [معاني القرآن: 2/111-110]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {ويعبدون من دون اللّه ما لا يملك لهم رزقاً مّن السّماوات والأرض شيئاً ولا يستطيعون}
وقال: {رزقاً مّن السّماوات والأرض شيئاً} فجعل "الشيء" بدلا من "الرزق" وهو في معنى "لا يملكون رزقاً قليلاً ولا كثيرا".
وقال بعضهم: "الرّزق فعل يقع بالشيء" يريد: "لا يملكون أن يرزقوا شيئا"). [معاني القرآن: 2/67-66]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( وقوله: {ويعبدون من دون اللّه ما لا يملك لهم رزقاً من السّماوات والأرض شيئاً} نصب شيئا بإيقاع رزق عليه.
أي يعبدون مالا يملك أن يرزقهم شيئا. كما تقول: هو يخدم من لا يستطيع إعطاءه درهما). [تفسير غريب القرآن: 247]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والأرض شيئا} أي لا يملكون أن يرزقوهم شيئا). [معاني القرآن: 4/91-90]

تفسير قوله تعالى: {فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (74)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {فلا تضربوا للّه الأمثال} ، يعني: فتشبّهوا هذه الأوثان الميّتة الّتي لا تحيي ولا تميت ولا ترزق باللّه الّذي يحيي ويميت ويرزق، ويفعل ما يريد.
{إنّ اللّه يعلم وأنتم لا تعلمون}
وقال السّدّيّ: {فلا تضربوا للّه الأمثال} ، يعني: لا تصفوا له الأشباه). [تفسير القرآن العظيم: 1/77-76]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {فلا تضربوا للّه الأمثال إنّ اللّه يعلم وأنتم لا تعلمون}
أي لا تجعلوا للّه مثلا لأنه واحد لا مثل له، جلّ وعزّ، ولا إله إلّا هو - عز وجل. ثم ضرب لهم المثل فقال:
{ضرب اللّه مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ومن رزقناه منّا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرّا وجهرا هل يستوون الحمد للّه بل أكثرهم لا يعلمون} ). [معاني القرآن: 3/213]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {ولا يستطيعون * فلا تضربوا لله الأمثال} قال الضحاك لا تعبدوا من دونه ما لا ينفعكم ولا يضركم ولا يرزقكم). [معاني القرآن: 4/91]


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 9 محرم 1432هـ/15-12-2010م, 06:34 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 75 إلى 96]

{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (75) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (76) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (77) وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78) أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (79) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (80) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (81) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (82) يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ (83) وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (84) وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذَابَ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (85) وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ (86) وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (87) الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ (88) وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89) إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91) وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92) وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (93) وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (94) وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (95) مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (96)}


تفسير قوله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (75)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ضرب اللّه مثلا} ، يعني وصف اللّه شبهًا.
وهو تفسير السّدّيّ.
{عبدًا مملوكًا لا يقدر على شيءٍ} يعني الوثن.
{ومن رزقناه منّا رزقًا حسنًا} يعني المؤمن.
{فهو ينفق منه سرًّا وجهرًا} قال: {هل يستوون} ، يعني: هل يستوي هذا الّذي يعبد الوثن الّذي لا يقدر على شيءٍ والّذي يعبد اللّه فيرزقه الرّزق الحسن، أي إنّهما لا يستويان.
ثمّ قال: {الحمد للّه بل أكثرهم لا يعلمون} وهم المشركون.
سعيدٌ عن قتادة، قال: هذا مثلٌ ضربه اللّه للكافر، رزقه اللّه مالا فلم يقدّم فيه خيرًا، ولم يعمل فيه بطاعته.
قال اللّه: {ومن رزقناه منّا رزقًا حسنًا فهو ينفق منه سرًّا وجهرًا} فهذا المؤمن أعطاه اللّه رزقًا حلالا طيّبًا، فعمل فيه بطاعته، وأخذه بشكرٍ.
قال اللّه: {هل يستوون} مثلا). [تفسير القرآن العظيم: 1/77]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ضرب اللّه مثلاً عبداً مّملوكاً...}
ضرب مثلا للصنم الذي يعبدون أنه لا يقدر على شيء، {وهو كلٌّ على مولاه} أي يحمله، فقال: هل يستوي هذا الصنم {ومن يأمر بالعدل}
فقال: لا تسوّوا بين الصنم وبين الله تبارك وتعالى). [معاني القرآن: 2/111]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وضرب اللّه مثلًا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيءٍ وهو كلٌّ على مولاه} أي ثقل على مولاه.
أي على وليه وقرابته. مثل ضربه لمن جعل شريكا له من خلقه). [تفسير غريب القرآن: 247]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا}.
هذا مثل ضربه الله لنفسه ولمن عبد دونه، فقال: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} فهذا مثل من جعل إلها دونه أو معه لأنه عاجز مدبّر، مملوك لا يقدر على نفع ولا ضرّ.
ثم قال: {وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ}.
فهذا مثله جل وعز لأنه الواسع الجواد القادر، الرّازق عباده جهرا من حيث يعلمون، وسرا من حيث لا يعلمون.
وقال بعض المفسرين: هو مثل للمؤمن، والكافر. فالعبد: هو الكافر، والمرزوق: هو المؤمن.
والتفسير الأول أعجب إليّ، لأن المثل توسّط كلامين هما لله تعالى أمّا (الأوّل) فقوله: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ}.
فهذا لله ومن عبد من دونه.
وأمّا الآخر فقوله بعد انقضاء المثل: {فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}.
ولأنه ضرب لهذا المعنى مثلا آخر بعقب هذا الكلام فقال: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ} أي: أخرس {لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ}
أي: عيال وثقل على قرابته ووليّه {أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ}.
فهذا مثل آلهتهم، لأنها صمّ بكم عمي، ثقل على من عبدها، في خدمتها والتّعبّد لها، وهي لا تأتيه بخير.
ثم قال: {هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} فجعل هذا المثل لنفسه). [تأويل مشكل القرآن: 384-385]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والضرب: التّبيين والوصف، قال الله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا} ، وقال: {فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ} ،
أي لا تصفوه بصفات غيره ولا تشبهوه). [تأويل مشكل القرآن: 497]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {ضرب اللّه مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ومن رزقناه منّا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرّا وجهرا هل يستوون الحمد للّه بل أكثرهم لا يعلمون}
فأعلم اللّه - جلّ وعزّ - أن الاثنين المتساويين في الخلق إذا كان أحدهما مقتدرا على الإنفاق مالكا والآخر عاجزا لا يقدر على أن ينفق لا يستويان.
فكيف بين الحجارة التي لا تتحرك ولا تعقل وبين الله عزّ وجلّ الذي هو على كل شيء قدير، وهو رازق جميع خلقه، فبين لهم أمر ضلالتهم وبعدهم عن الطريق في عبادتهم الأوثان، ثم زاد في البيان فقال جلّ وعزّ:{وضرب اللّه مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كلّ على مولاه أينما يوجّهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم}. [معاني القرآن: 3/213]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ضرب اللّه مثلاً عبداً مّملوكاً...}
ضرب مثلا للصنم الذي يعبدون أنه لا يقدر على شيء، {وهو كلٌّ على مولاه} أي يحمله، فقال: هل يستوي هذا الصنم {ومن يأمر بالعدل}
فقال: لا تسوّوا بين الصنم وبين الله تبارك وتعالى). [معاني القرآن: 2/111]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا}
هذه الآية مشكلة وفيها أقوال قال مجاهد والضحاك هذا المثل لله جل ذكره ومن عبد من دونه وقال قتادة هذا المثل للمؤمن والكافر
يذهب قتادة إلى أن العبد المملوك هو الكافر لأنه لا ينتفع في الآخرة بشيء من عبادته والى أن معنى ومن رزقناه منا رزقا حسنا المؤمن
وقال بعض أهل اللغة القول الأول أحسن لأنه وقع بين كلامين لا نعلم بين أهل التفسير اختلافا إلا من شذ منهم أنهما لله جل وعز وهما: {فلا تضربوا لله الأمثال}
وبعده: {وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه} يعني الوثن لأنه كل على من عنده وثقل والمولى الولي). [معاني القرآن: 4/92-91]

تفسير قوله تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (76)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {وضرب اللّه مثلا}، يعني: وصف اللّه مثلا، يعني: شبهًا، تفسير السّدّيّ.
{رجلين أحدهما أبكم}، أي: لا يتكلّم، يعني الوثن.
{لا يقدر على شيءٍ وهو كلٌّ على مولاه} عمله بيده، وينفق عليه ويعبده، ويتولاه {وهو كلٌّ على مولاه} ، يعني: على وليّه الّذي يتولاه ويعبده.
{أينما يوجّهه} هذا العابد له، يعني: دعاءه إيّاه.
{لا يأت بخيرٍ هل يستوي} هذا الوثن.
{هو ومن يأمر بالعدل} وهو اللّه.
{وهو على صراطٍ مستقيمٍ} وهو اللّه.
قال يحيى: مثل قوله: {إنّ ربّي على صراطٍ مستقيمٍ}.
سعيدٌ عن قتادة في قوله: {وضرب اللّه مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيءٍ} وهو نحوٌ من صنيعهم بآلهتهم وأحجارهم الّتي يعبدون.
قال اللّه: {هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل} وهو اللّه تبارك وتعالى.
وفي تفسير الحسن: إنّه المؤمن الّذي ضرب اللّه مثلا في هذه الآية.
{وهو على صراطٍ مستقيمٍ} يعني المؤمن.
قال يحيى: سمعت غير واحدٍ يذكر أنّ هذا المثل نزل في عثمان بن عفّان). [تفسير القرآن العظيم: 1/78-77]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): ( {وهو كلٌّ على مولاه} أي يحمله، فقال: هل يستوي هذا الصنم {ومن يأمر بالعدل} فقال: لا تسوّوا بين الضم وبين الله تبارك وتعالى). [معاني القرآن: 2/111]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وهو كلٌّ على مولاة} أي عيال على ابن عمّه وكل وليّ له). [مجاز القرآن: 1/364]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وضرب اللّه مثلاً رّجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيءٍ وهو كلٌّ على مولاه أينما يوجّههّ لا يأت بخيرٍ هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراطٍ مّستقيمٍ}
وقال: {أينما يوجّههّ لا يأت بخيرٍ} لأنّ (أينّما) من حروف المجازاة). [معاني القرآن: 2/67]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراطٍ مستقيمٍ} مثل ضربه لنفسه). [تفسير غريب القرآن: 247]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وضرب اللّه مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كلّ على مولاه أينما يوجّهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم}
والأبكم المطبق الذي لا يسمع ولا يبصر ولا يعقل، ثم قال: {وهو كلّ على مولاه} أي على وليّه
{أينما يوجّهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم}.
أي هل يستوي القادر التام التمييز والعاجز الذي لا يحس ولا يأتي بخير، فكيف يسوون بين اللّه وبين الأحجار). [معاني القرآن: 3/214-213]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( {وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه} يعني الوثن لأنه كل على من عنده وثقل والمولى الولي). [معاني القرآن: 4/92] (م)
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم} يعني نفسه جل وعز وكذا،
قال قتادة الله جل وعز يأمرنا بالعدل وهو على صراط مستقيم والمعنى على هذا في قوله جل وعز: {ضرب الله مثلا عبدا مملوكا} أنه يعني به ما عبد من دونه لأنه لا يملك ضرا ولا نفعا ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا وهذا لله جل وعز لأنه الجواد الرزاق للإنسان من حيث يعلم ومن حيث لا يعلم
وروى عن ابن عباس وهذا لفظه المروي عنه قال نزلت هذه الآية ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء في هشام بن عمرو وهو الذي ينفق منه سرا وجهرا ومولاه أبو الجواب الذي كان ينهاه وقيل نزلت في رجلين وضرب الله مثلا رجلين الأبكم منهما الكل على مولا أسيد بن أبي العاص والذي يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم هو عثمان بن عفان رحمة الله عليه كان عثمان يكفل مولاه فعثمان الذي ينفق بالعدل وهو على صراط مستقيم والآخر الأبكم وقال الحسن عبدا مملوكا هو الصنم
وأولى الأقوال في هذا قول ابن عباس رواه عنه حماد بن سلمة عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن إبراهيم عن عكرمة عن ابن عباس فبين ابن عباس رحمه الله أن هذه الآية نزلت في عبد بعينه لم يكن له مال ولا يقال في كل عبد لا يقدر على شيء فنزلت فيه وفي سيد كان له مال ينفق منه وأن الآية الأخرى نزلت في رجل بعينه لم يكن له مال وكان كلا على مولاه أي ابن عمه أو قريبه وضرب الله هذه الأمثال ليعلم أنه إله واحد وأنه لا ينبغي أن يشبه به غيره ولا يصح قول من قال إنه صنم لأن الصنم لا يقع عليه اسم عبد). [معاني القرآن: 4/94-92]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {أحدهما أبكم} قال: الأبكم: الذي لا يفهم ما تقول له، والأكمه الذي يولد أعمى). [ياقوتة الصراط: 297]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {وهو كل على مولاه} قال: الكل: الثقل، ومولاه - هاهنا: مالكه وصاحبه، يعني: الصنم هاهنا، لأنه يحتاج أن يحمله في النقل). [ياقوتة الصراط: 297]

تفسير قوله تعالى: {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (77)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وللّه غيب السّموات والأرض} يعلم غيب السّموات ويعلم غيب الأرض.
{وما أمر السّاعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب} ، يعني: بل هو أقرب من لمح البصر.
ولمح البصر أنّه يلمح مسيرة خمس مائة عامٍ، يلمح إلى السّماء، يعني: سرعة البصر.
{إنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ} ). [تفسير القرآن العظيم: 1/78]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {أو}: تأتي للشك، تقول. رأيت عبد الله أو محمدا.
وتكون للتخيير بين شيئين...، وأما قوله: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ}، فإن بعضهم يذهب إلى أنها بمعنى بل يزيدون، على مذهب التَّدارك لكلام غلطت
فيه وكذلك قوله: {وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ} وقوله: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى}.
وليس هذا كما تأوّلوا، وإنما هي بمعنى (الواو) في جميع هذه المواضع: وأرسلناه إلى مائة ألف ويزيدون، وما أمر الساعة إلا كلمح البصر وهو أقرب، و: فكان قاب قوسين وأدنى.
وقال ابن أحمر:

قَرَى عنكُما شَهْرينِ أو نِصْفَ ثالث = إلى ذاكُمَا قَد غَيَّبَتْنِي غِيَابِيَا
وهذا البيت بوضح لك معنى الواو: وأراد: قرى شهرين ونصفا، ولا يجوز أن يكون أراد قرى شهرين بل نصف شهر ثالث.
وقال آخر:
أثعلبةَ الفوارسِ أو رِياحا = عَدَلْتَ بِهِمْ طُهَيَّةُ وَالخِشَابَا
أراد: وعدلت هذين بهذين). [تأويل مشكل القرآن: 545-543] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وللّه غيب السّماوات والأرض وما أمر السّاعة إلّا كلمح البصر أو هو أقرب إنّ اللّه على كلّ شيء قدير }
ومعناه - واللّه أعلم -: وللّه علم غيب السّماوات والأرض
{وما أمر السّاعة إلّا كلمح البصر}.
والساعة اسم لإماتة الخلق وإحيائهم.
فأعلم اللّه - عزّ وجلّ - أن البعث والإحياء في قدرته ومشيئته {كلمح البصر أو هو أقرب} ليس يريد أنّ الساعة تأتي في أقرب من لمح البصر، ولكنه يصف سرعة القدرة على الإتيان بها). [معاني القرآن: 3/214]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ولله غيب السماوات والأرض} أي علم ما غاب فيهما عن العباد ثم قال: {وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب} قال قتادة هو أن يقول جل وعز كن فذلك كلمح البصر أو هو أقرب وقال غيره المعنى أو هو أقرب عندكم ولم يرد أنها على هذا القرب وإنما أراد أن يعرفنا قدرته). [معاني القرآن: 4/95]

تفسير قوله تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {واللّه أخرجكم من بطون أمّهاتكم لا تعلمون شيئًا وجعل لكم السّمع والأبصار والأفئدة لعلّكم تشكرون}
لكي تشكروا). [تفسير القرآن العظيم: 1/79]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {والله أخرجكم من بطون أمّهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السّمع والأبصار والأفئدة} قبل أن يخرجكم، والعرب تقدّم وتؤخّر، قال الأخطل:
ضخمٌ تعلّق أشناق الدّيات به= إذا المئون أمرّت فوقه حملا
الشّنق: ما بين الفريضتين؛ والمئون: أعظم من الشّنق فبدأ بالأقل قبل الأعظم.
{السّمع} لفظه لفظ الواحد. وهو في موضع الجميع، كقولك: الأسماع، وفي آية أخرى: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله} وهي قبل القراءة). [مجاز القرآن: 1/365-364]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {واللّه أخرجكم من بطون أمّهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السّمع والأبصار والأفئدة لعلّكم تشكرون}
و {إمّهاتكم} - بالكسر -، والأصل في الأمّهات " أمّات، ولكن الهاء زيدت مؤكدة كما زادوا هاء في قولهم أهرقت الماء، وإنما أصله أرقت الماء.
والأفئدة جمع فؤاد مثل غراب وأغربة.
ولم يجمع فؤاد على أكثر العدد، لم يقل فئدان، مثل غراب، وغربان.
ثم دلهم - سبحانه - على قدرته على أمر السّاعة بما شاهدوا من تدبيره فقال -:
{ألم يروا إلى الطّير مسخّرات في جوّ السّماء ما يمسكهنّ إلّا اللّه إنّ في ذلك لآيات لقوم يؤمنون} . [معاني القرآن: 3/214]

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (79)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ألم يروا إلى الطّير مسخّراتٍ في جوّ السّماء}، أي: متحلّقاتٍ في كبد السّماء، فيما بين السّماء والأرض،
وهي كلمةٌ عربيّةٌ كقوله: {وفرعها في السّماء} يعني بذلك طولها، كذلك الطّير متحلّقةٌ.
سعيدٌ عن قتادة قال: {في جوّ السّماء} في كبد السّماء.
قال: {ما يمسكهنّ إلا اللّه} يبيّن قدرته للمشركين يقول: هل تصنع آلهتكم شيئًا من هذا؟ {إنّ في ذلك لآياتٍ لقومٍ يؤمنون} وهي مثل الأولى). [تفسير القرآن العظيم: 1/79]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {جوّ السّماءٍ} أي الهواء، قال:
ويل أمّها من هواءٍ الجّو طالبّة= ولا كهذا الذي في الأرض مطلوب).
[مجاز القرآن: 1/365]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {جو السماء}: الجو الهواء). [غريب القرآن وتفسيره: 209]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {ألم يروا إلى الطّير مسخّرات في جوّ السّماء ما يمسكهنّ إلّا اللّه إنّ في ذلك لآيات لقوم يؤمنون }
{جوّ السّماء} الهواء البعيد من الأرض، وأبعد منه من الأرض السكاك.
ومثل السّكاك اللوح، وواحد السّكاك سكاكة). [معاني القرآن: 3/214]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء} الجو الهواء البعيد وأبعد منه السكاك الواحدة سكاكة).
[معاني القرآن: 4/95]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الجَوُّ}: ما بين السماء والأرض). [العمدة في غريب القرآن: 178]

تفسير قوله تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (80)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {واللّه جعل لكم من بيوتكم سكنًا} تسكنون فيه.
تفسير مجاهدٍ.
{وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتًا} يعني من الشّعر والصّوف.
{تستخفّونها يوم ظعنكم} حين ظعنكم.
تفسير السّدّيّ.
يعني: في سفركم.
{ويوم} وحين.
{إقامتكم} ، يعني: قراركم في غير سفرٍ.
{ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثًا} والأثاث المتاع في تفسير الحسن.
وقال مجاهدٌ: الأثاث: الغناء.
والمتاع إلى حينٍ.
وقال الأعمش: الأثاث: المال، وهو واحدٌ.
{ومتاعًا} تستمعون به إلى حين الموت). [تفسير القرآن العظيم: 1/79]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وجعل لكم مّن جلود الأنعام...} يعني الفساطيط للسفر، وبيوت العرب التي من الصوف والشعر.
والظعن يثقّل في القراءة ويخفّف؛ لأن ثانيه عين، والعرب تفعل ذلك بما كان ثانيه أحد الستة الأحرف مثل الشعر والبحر والنهر. أنشدني بعض العرب:
له نعل لا تطّبي الكلب ريحها = وإن وضعت بين المجالس شمّت
وقوله: {أثاثاً ومتاعاً} المتاع إلى حين يقول يكتفون بأصوافها إلى أن يموتوا. ويقال إلى الحين بعد الحين). [معاني القرآن: 2/112-111]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (وقوله {أثاثاً} أي متاعاً،
قال محمد بن نمير الثّقفيّ:
أهاجتك الظّمائن يوم بانوا= بذي الرّئ الجميل من الأثاث
والرئ الكسوة الظاهرة وما ظهر). [مجاز القرآن: 1/366-365]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {والأثاث}: المتاع). [غريب القرآن وتفسيره: 209]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتاً} يعني قباب الأدم وغيرها {تستخفّونها} في الحمل.
{يوم ظعنكم}: يوم سفركم {ويوم إقامتكم}.
والأثاث: متاع البيت من الفرش والأكسية. قال أبو زيد: واحد الأثاث: أثاثة). [تفسير غريب القرآن: 247]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {واللّه جعل لكم من بيوتكم سكنا وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفّونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين} أي موضعا تسكنون فيه.
{وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا}.
والأنعام اسم للإبل والبقر والغنم
وقوله: {تستخفّونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم}.
معنى تستخفونها، أي يخف عليكم حملها في أسفاركم وإقامتكم.
ويقرأ {يوم ظعنكم}، وظعنكم.
{ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين}.
الأوبار للإبل، والأصواف للضأن، والأشعار للمعز.
والأثاث متاع البيت، ويقال لمتاع البيت أيضا، الأهرة، ويقال: قد أثّ يئيث أثّا إذا صار ذا أثاث). [معاني القرآن: 3/215-214]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {والله جعل لكم من بيوتكم سكنا} أي موضعا تسكنون فيه). [معاني القرآن: 4/96-95]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا} يعني بيوت الأدم وما أشبهها والأنعام الإبل والبقر والغنم).
[معاني القرآن: 4/96]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال تعالى: {تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم} أي يخف عليكم حملها في سفركم وإقامتكم). [معاني القرآن: 4/96]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال تعالى: {ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين} فالأصواف للضأن والأوبار للإبل والأشعار للمعز قال قتادة الأثاث المال
وقال الضحاك الأثاث المال والزينة
والأثاث عند أهل اللغة متاع البيت نحو الفرش والأكسية
وقد أث يئث أثا إذ صار ذا أثاث قال أبو زيد واحد الأثاث أثاثه ثم قال تعالى: {ومتاعا إلى حين} روى معمر عن قتادة إلى أجل وبلغة). [معاني القرآن: 4/97-96]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {ظعنكم} أي سفركم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 132]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الأَثَاثُ}: المتاع). [العمدة في غريب القرآن: 179]

تفسير قوله تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (81)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {واللّه جعل لكم ممّا خلق ظلالا}
قال قتادة: من الشّجر وغيرها.
قال يحيى: يعني: المنازل تظلّكم من الشّمس والمطر، وجعل لكم ظلالا من الشّجر.
{وجعل لكم من الجبال أكنانًا} قال قتادة: يسكن فيها.
قال غيرانًا تكنّكم أيضًا من الحرّ والبرد والرّيح والأمطار، يعني الغيران الّتي تكون في الجبال.
{وجعل لكم سرابيل تقيكم الحرّ} قال قتادة: من القطن، والكتّان، والصّوف.
وقد قال في أوّل السّورة: {لكم فيها دفءٌ} من البرد.
قال: {وسرابيل تقيكم بأسكم} قال قتادة: من هذا الحديد.
يعني: دروع الحديد تقيكم القتال.
{كذلك يتمّ نعمته عليكم لعلّكم تسلمون} لكي تسلموا.
قال: إن أسلمتم تمّت عليكم النّعمة بالجنّة، وإن لم تسلموا لم يتمّ نعمته عليكم.
قال يحيى: بلغني أنّ ابن عبّاسٍ كان يقرؤها: لعلّكم تسلمون، أي: من الجراح، يعني: في لبس الدّروع.
قال قتادة: وكانت هذه السّورة تسمّى سورة النّعم). [تفسير القرآن العظيم: 1/80-79]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {سرابيل تقيكم الحرّ...}.
ولم يقل: البرد، وهي تقي الحرّ والبرد، فترك لأن معناه معلوم - والله أعلم - كقول الشاعر:
وما أدري إذا يمّمت وجهاً = أريد الخير أيّهما يليني
يريد أي الخير والشر يليني لأنه إذا أرد الخير فهو يتّقي الشرّ وقوله: {لعلّكم تسلمون} وبلغنا عن ابن عباس أنه قرأ {لعلكم تسلمون} من الجراحات). [معاني القرآن: 2/112]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وجعل لكم من الجبال أكناناً} واحدها: كنّ.
{سرابيل تقيكم الحرّ} أي قمصاً، وسرابيل تقيكم بأسكم) أي دروعاً
وقال كعب بن زهير:
شمّ العرانين أبطال لبوسهم= من نسج داود في الهيجاء سرابيل).
[مجاز القرآن: 1/366]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {واللّه جعل لكم مّمّا خلق ظلالاً وجعل لكم مّن الجبال أكناناً وجعل لكم سرابيل تقيكم الحرّ وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتمّ نعمته عليكم لعلّكم تسلمون}
وقال: {مّن الجبال أكناناً} وواحده: "الكنّ"). [معاني القرآن: 2/67]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {سرابيل تقيكم الحر}: قمص.
{وسرابيل تقيكم بأسكم}: الدروع). [غريب القرآن وتفسيره: 209]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {واللّه جعل لكم ممّا خلق ظلالًا} أي ظلال الشجر والجبال.
والسرابيل: القمص.
{تقيكم الحرّ} أراد تقيكم الحر والبرد. فاكتفى بذكر أحدهما إذا كان يدل على الآخر. كذلك قال الفراء.
{وسرابيل تقيكم بأسكم} يعني الدّروع تقيكم بأس الحرب). [تفسير غريب القرآن: 248]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {واللّه جعل لكم ممّا خلق ظلالا وجعل لكم من الجبال أكنانا وجعل لكم سرابيل تقيكم الحرّ وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتمّ نعمته عليكم لعلّكم تسلمون} أي جعل لكم من الشجر ما تستظلون به
{وجعل لكم من الجبال أكنانا} واحد الأكنان كن، على وزن حمل وأحمال، ولا يجوز أن يكون واحدها كنانا، لأن جمع الكنان أكنة. أي جعل لكم ما يكنكم.
{وجعل لكم سرابيل تقيكم الحرّ} كل ما لبسته فهو سربال. من قميص أو درع أو جوشنن أو غيره، قال الله عزّ وجلّ: {سرابيلهم من قطران}، وقال {تقيكم الحرّ} ولم يقل تقيكم البرد لأن ما وقى من الحر وقى من البرد.
وقوله: {وسرابيل تقيكم بأسكم} أي جعل لكم دروعا تتقون بها في الحروب من بأس الحديد وغيره.
وقوله: {كذلك يتمّ نعمته عليكم لعلّكم تسلمون}.
أكثر القراء تسلمون، ويقرأ لعلكم تسلمون، أي لعلكم إذا لبستم الدروع في الحرب سلمتم من الجراح، ثم قال بعد أن - بيّن لهم الآيات:
{فإن تولّوا فإنّما عليك البلاغ المبين} ). [معاني القرآن: 3/216-215]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {والله جعل لكم مما خلق ظلالا} يعني ظلالا الشجر والله أعلم). [معاني القرآن: 4/97]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال تعالى: {وجعل لكم من الجبال أكنانا} أي ما يكنكم الواحد كن). [معاني القرآن: 4/97]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال تعالى: {وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر} روى معمر عن قتادة قال يعني قمص الكتان). [معاني القرآن: 4/97]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال تعالى: {وسرابيل تقيكم بأسكم} قال قتادة يعني الدروع
وروى عثمان بن عطاء عن أبيه قال إنما خوطبوا بما يعرفون قال جل وعز: {وجعل لكم من الجبال أكنانا} وما جعل لهم من السهل أكثر وأعظم ولكنهم كانوا أصحاب جبال وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وما يقي البرد أكثر ولكنهم أصحاب حر
وقال الفراء يحيى بن زياد المعنى تقيكم الحر وتقيكم البرد ثم حذف كما قال الشاعر:
فما أدري إذا يممت وجها = أريد الخير أيهما يليني
والمعنى أي الخير والشر لأنه إذا أراد الخير أتقى الشر). [معاني القرآن: 4/99-97]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال تعالى: {كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون} روى عن ابن عباس لعلكم تسلمون وقال أي من الجراحات وإسناده ضعيف رواه عباد بن العوام عن حنظلة عن شهر بن حوشب عن ابن عباس وظاهر القرآن يدل على الإسلام لأنه عدد النعم ثم قال لعلكم تسلمون). [معاني القرآن: 4/99]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم} السرابيل: القمص، واحدها: سربال،
وقوله: تقيكم الحر - أراد: الحر والبرد، ولكنه حذف، كما قال: تمر بنا رياح الصيف دوني
أراد: والشتاء، وهذا اختصار، كما قال - عز وجل: {لا يسألون الناس إلحافا} أراد: ولا غير إلحاف، فحذف، وكما قال - جل وعز: {وأشربوا في قلوبهم العجل} معناه: وأشربوا في قلوبهم حب العجل، فحذف، كما قال: {واسأل القرية التي كنا فيها} أراد: أهل القرية، وكما قال: {والعير التي أقبلنا فيها} أراد: أهل العير). [ياقوتة الصراط: 297-300]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مما خلق ظلالا} يعني الشجر والجبال.
{والسرابيل} القمص.
{تقيكم بأسكم} يعني الدروع، يعني بأس الحرب، واكتفى في أول الكلام بذكر الحر عن البرد لدلالته). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 132]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {سَرَابيلُ}: قمص). [العمدة في غريب القرآن: 179]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (82)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {فإن تولّوا فإنّما عليك البلاغ المبين} وكان هذا قبل أن يؤمر بقتالهم.
يقول: وليس عليك أن تهديهم كقوله: {ليس عليك هداهم ولكنّ اللّه يهدي من يشاء} ). [تفسير القرآن العظيم: 1/80]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {فإن تولّوا فإنّما عليك البلاغ المبين} أي عليك أن تبلغ الرسالة وتأتي بالآيات الدالة على النبوة). [معاني القرآن: 3/216]

تفسير قوله تعالى: {يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ (83)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {يعرفون نعمت اللّه ثمّ ينكرونها} يعرفون ويقرّون أنّ اللّه الّذي خلقهم وخلق السّموات والأرض، وأنّه هو الرّزّاق،
ثمّ ينكرونها بتكذيبهم.
وقال مجاهدٌ: يعني نعمته الّتي قصّ في هذه السّورة.
قال: {وأكثرهم الكافرون} ، يعني: جماعتهم كلّهم، كقوله: {يلقون السّمع وأكثرهم كاذبون}، يعني كلّهم). [تفسير القرآن العظيم: 1/81-80]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {يعرفون نعمت اللّه...}
يعني الكفار إذا قيل لهم، من رزقكم؟ قالوا: الله، ثم يقولون: بشفاعة آلهتنا فيشركون فذلك إنكارهم {نعمت اللّه} ). [معاني القرآن: 2/112]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {يعرفون نعمت اللّه} أي يعلمون أن هذا كله من عنده، ثم ينكرون ذلك، بأن يقولون: هو شفاعة آلهتنا).
[تفسير غريب القرآن: 248]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {يعرفون نعمت اللّه ثمّ ينكرونها وأكثرهم الكافرون}
أي يعرفون أن أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - حق ثم ينكرون ذلك). [معاني القرآن: 3/216]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين *يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها} روى سفيان عن السدي
قال يعني محمدا صلى الله عليه وسلم قال أبو جعفر وهذا القول حسن والمعنى يعرفون أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم حق ثم ينكرونه
وروى ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال يعني المساكين والأنعام وما يرزقون منها والسرابيل من الحديد والثياب أنعم الله بذلك عليهم فلم يشكروا وقالوا إنما كان لآبائنا وورثناها عنهم). [معاني القرآن: 4/100-99]

تفسير قوله تعالى: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (84)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ويوم نبعث من كلّ أمّةٍ} يعني من كلّ أمّةٍ.
{شهيدًا} وهم الأنبياء، تفسير السّدّيّ.
قال يحيى: شهيدًا، يعني نبيّهم يشهد عليهم أنّه قد بلّغهم.
{ثمّ لا يؤذن للّذين كفروا ولا هم يستعتبون} هي مثل قوله: {هذا يوم لا ينطقون * ولا يؤذن لهم فيعتذرون} بحجّةٍ، وهي مواطن لا يؤذن لهم في موطنٍ في الكلام، ويؤذن لهم في موطنٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/81]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ويوم نبعث من كل أمة شهيدا} يروى أن نبي كل أمة شاهد عليها). [معاني القرآن: 4/100]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذَابَ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (85)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وإذا رأى الّذين ظلموا العذاب} وإذا دخل الّذين ظلموا العذاب، يعني المشركين.
{فلا يخفّف عنهم} العذاب.
{ولا هم ينظرون} سألوا اللّه أن ينظرهم، أن يؤخّرهم فيردّهم إلى الدّنيا حتّى يتوبوا، فلم ينظرهم، أي فلم يؤخّرهم). [تفسير القرآن العظيم: 1/82-81]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ (86)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {وإذا رأى الّذين أشركوا شركاءهم} إذا رأوا الشّياطين الّذين كانوا يضلّونهم في الدّنيا، يعرف كلّ إنسانٍ شيطانه.
{قالوا} يقول بنو آدم.
{ربّنا هؤلاء شركاؤنا} يعنون بني إبليس.
{الّذين كنّا ندعو من دونك} لأنّهم هم الّذين دعوهم إلى عبادة الأوثان.
قال: {وإن يدعون إلا شيطانًا مريدًا}.
وقال قتادة: {الّذين كنّا ندعو من دونك}
{فألقوا إليهم القول} فألقى بنو آدم إلى بني إبليس القول، حدّثوهم.
تفسير مجاهدٍ.
ذكره عاصم بن حكيمٍ وابن مجاهدٍ فقالوا لهم: {إنّكم لكاذبون}، أي: إنّكم كذّبتمونا في الدّنيا وغرّرتمونا). [تفسير القرآن العظيم: 1/82]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): ( [قوله]: {فألقوا إليهم القول...}
آلهتهم ردّت عليهم قولهم {إنّكم لكاذبون} أي لم ندعكم إلى عبادتنا). [معاني القرآن: 2/112]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فألقوا إليهم القول إنّكم لكاذبون...}
فكسرت لأنها من صلة القول. ومن فتحها لو لم تكن فيها لام في قوله لكاذبون جعلها تفسيراً للقول: ألقوا إليهم أنكم كاذبون فيكون نصباً لو لم يكن فيها لام؛ كما تقول:
ألقيت إليك أنك كاذب. ولا يجوز إلاّ الكسر عند دخول اللام، فتقول: ألقيت إليك إنّك لكاذب). [معاني القرآن: 2/112]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فألقوا إليهم القول إنّكم لكاذبون} أي قالوا: إنكم لكاذبون، يقال: ألقيت إليه كذا، أي قلت له كذا). [مجاز القرآن: 1/366]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وإذا رأى الّذين أشركوا شركاءهم قالوا ربّنا هؤلاء شركاؤنا الّذين كنّا ندعو من دونك فألقوا إليهم القول إنّكم لكاذبون}
أي لما رأى الذين أشركوا ما كانوا يشركون باللّه غير نافعهم وجحدتهم آلهتهم كما قال الله جلّ وعزّ: {كلّا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدّا} ). [معاني القرآن: 3/216]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون} أي جحدتم آلهتهم كما قال تعالى: {سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا} ). [معاني القرآن: 4/100]

تفسير قوله تعالى: {وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (87)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {وألقوا إلى اللّه يومئذٍ السّلم} أعطوا الإسلام يومئذٍ واستسلموا له، آمنوا باللّه وكفروا بالشّيطان والأوثان.
وقال قتادة: ذلّوا واستسلموا يومئذٍ.
{وضلّ عنهم ما كانوا يفترون} عبادتهم إيّاهم في الدّنيا افتراءً على اللّه وهو الكذب وهو كقوله: {ثمّ قيل لهم أين ما كنتم تشركون * من دون اللّه قالوا ضلّوا عنّا} ).
[تفسير القرآن العظيم: 1/82]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وألقوا إلى الله يومئذٍ السّلم} أي المسالمة). [مجاز القرآن: 1/366]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {وألقوا إلى الله يومئذ السلم وضل عنهم ما كانوا يفترون}
روى سعيد عن قتادة قال استسلموا وذلوا وضل عنهم ما كانوا يفترون أي يشركون). [معاني القرآن: 4/101-100]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ (88)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل اللّه زدناهم عذابًا فوق العذاب} قال يحيى: بلغني عن عبد اللّه بن مسعودٍ،
قال: حيّاتٌ وعقارب لها أنيابٌ مثل النّخل الطّوال تنهشهم.
وقال الحسن هو كقوله: {فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابًا} ). [تفسير القرآن العظيم: 1/83]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل اللّه زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون}
روي في التفسير أن الّذي زيدوا عقارب لها أنياب كالنحل الطوال.
وقيل أيضا: إنهم يخرجون من حرّ النار إلى الزمهرير، فيبادرون من شدة برده إلى النّار). [معاني القرآن: 3/216]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب}
روى مسروق عن عبد الله قال زيدوا عقارب أنيابها كالنخل الطوال). [معاني القرآن: 4/101]

تفسير قوله تعالى: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ويوم نبعث في كلّ أمّةٍ شهيدًا عليهم من أنفسهم} ، يعني: نبيّهم هو شاهدٌ عليهم.
{وجئنا بك} يا محمّد.
{شهيدًا على هؤلاء} ، يعني: أمّته.
قوله: {ونزّلنا عليك الكتاب تبيانًا لكلّ شيءٍ} ما بيّن فيه من الحلال والحرام، والكفر، والإيمان، والأمر والنّهي، وكلّ ما أنزل اللّه فيه.
- النّضر بن معبدٍ عن أبي قلابة عن أبي الدّرداء، قال: نزل القرآن على ستّ آياتٍ: آية مبشّرةٍ، وآيةٍ منذرةٍ، وآية فريضةٍ، وآيةٍ تأمرك، وآيةٍ تنهاك، وآية قصصٍ وأخبارٍ.
قال: {وهدًى ورحمةً وبشرى للمسلمين} للمؤمنين). [تفسير القرآن العظيم: 1/83]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {تبياناً لكلّ شيءٍ} أي بياناً). [مجاز القرآن: 1/366]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ويوم نبعث في كلّ أمّة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ونزّلنا عليك الكتاب تبيانا لكلّ شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين}
كل نبي شاهد على أمّته، وهو أعدل شاهد عليها.
وقوله: {ونزّلنا عليك الكتاب تبيانا لكلّ شيء}.
تبيان: اسم في معنى البيان، ومثل التّبيان التّلقاء، ولو قرئت تبيانا على وزن تفعال لكان وجها، لأن التبيان في معنى التبيين، ولا تجوز القراءة به لأنه لم يقرا به أحد من القراء).
[معاني القرآن: 3/217-216]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء} روى أبان بن ثعلب عن مجاهد قال تبيانا للحلال من الحرام). [معاني القرآن: 4/101]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) :{تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ} أي: بيانا لكل شيء). [ياقوتة الصراط: 300]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {إنّ اللّه يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى} حقّ القرابة.
أبو الأشهب عن الحسن قال: حقّ الرّحم ألا تحرمها ولا تهجرها.
سعيدٌ عن قتادة قال: كان يقال: إذا لم يكن لك مالٌ تعطيه فامش إليه برجلك.
- فطرٌ عن أبي يحيى عن مجاهدٍ عن عبد اللّه بن عمرٍو قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ الرّحم معلّقةٌ بالعرش، وليس الواصل المكافي، ولكنّ الّذي إذا انقطعت رحمه وصلها».
قوله: {وينهى عن الفحشاء} المعاصي.
{والمنكر} الكذب.
{والبغي} أن يبغي بعضهم على بعضٍ.
هو من المعاصي.
وتفسير السّدّيّ: والبغي يعني: والظّلم.
{يعظكم لعلّكم تذكّرون}
- فطرٌ عن أبي يحيى عن مجاهدٍ عن ابن عبّاسٍ، قال: لو أنّ جبلا بغى على جبلٍ لدكّ الباغي منهما.
- خداشٌ عن عيينة بن عبد الرّحمن الثّقفيّ عن أبيه عن أبي بكرة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ما من ذنبٍ أجدر أن تعجّل لصاحبه العقوبة في الدّنيا مع ما يدّخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرّحم».
قال يحيى: بلغني أنّه لمّا نزلت هذه الآية قال بعض المشركين: إنّ هذا الرّجل ليأمر بمحاسن الأخلاق). [تفسير القرآن العظيم: 1/84-83]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وإيتاء ذي القربى} يعني وإعطاؤه). [مجاز القرآن: 1/367]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {وإيتاء ذي القربى}: إعطاء). [غريب القرآن وتفسيره: 209]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وَإِيتَاءِ}: إعطاء ). [العمدة في غريب القرآن: 179]

تفسير قوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وأوفوا بعهد اللّه إذا عاهدتم} ، يعني المؤمنين، على السّمع والطّاعة.
{ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها} يعني بعد توكيد العهد.
قال قتادة: بعد تشديدها وتغليظها.
{وقد جعلتم اللّه عليكم كفيلا إنّ اللّه يعلم ما تفعلون} تفسير الحسن: عهد الأنبياء.
{وقد جعلتم اللّه عليكم كفيلا} يقول: وقد تكفّل لكم بالجنّة إذا تمسّكتم بدينه.
أبو الأشهب عن الحسن قال: الإيمان حقيقةٌ في الإسلام والإيمان...
قال اللّه.
كما قال: إنّ اللّه أعطى ذمّته في عهدٍ، فمن صدق...
فإنّ له خيرًا في الدّنيا، وخيرًا له في الآخرة، ومن كذب...
أكل به وناكح به ووارث به أتى اللّه به يوم القيامة لا عهد.....). [تفسير القرآن العظيم: 1/84]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها} قال مجاهدٌ: توكيدٌ في الحلفاء.
وهو تقديمٌ، وفيه إضمارٌ). [تفسير القرآن العظيم: 1/85]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وأوفوا بعهد اللّه إذا عاهدتّم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم اللّه عليكم كفيلاً إنّ اللّه يعلم ما تفعلون}
وقال: {وأوفوا بعهد اللّه} تقول: "أوفيت بالعهد" و"وفيت بالعهد" فإذا قلت "العهد" قلت "أوفيت العهد" بالألف). [معاني القرآن: 2/67]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (واليمين: عهد، قال الله تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} ). [تأويل مشكل القرآن: 447]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وأوفوا بعهد اللّه إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم اللّه عليكم كفيلا إنّ اللّه يعلم ما تفعلون}
{ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها}.
يقال: وكدت الأمر، وأكّدت الأمر. لغتان جيّدتان، والأصل الواو.
والهمزة بدل منها). [معاني القرآن: 3/217]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله تعالى: {ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها} قال مجاهد يعني تغليظ اليمين). [معاني القرآن: 4/101]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ولا تكونوا كالّتي نقضت غزلها من بعد قوّةٍ أنكاثًا} تنكثون العهد، يعني المؤمنين، ينهاهم عن ذلك.
قال: فيكون مثلكم إن نكثتم العهد مثل الّتي نقضت غزلها من بعد ما أبرمته، فنقضته من بعد ما كان غزلا قويًّا أنكاثًا عن العهد). [تفسير القرآن العظيم: 1/85]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {تتّخذون أيمانكم}، أي: عهدكم.
{دخلا بينكم} قال قتادة: خيانةً وغدرًا.
قال الحسن: كما صنع المنافقون، فلا تصنعوا كما صنع المنافقون فتظهروا الإيمان وتسرّوا الشّرك.
والدّخل: إظهار الإيمان وإسرار الشّرك.
{أن تكون أمّةٌ هي أربى من أمّةٍ} هي أكثر من أمّةٍ، يقول: فتنقضوا عهد اللّه لقومٍ هم أكثر من قومٍ.
قال قتادة: أن يكون قومٌ هم أعدّ وأكثر من قومٍ.
وقال السّدّيّ: أن يكون قومٌ أكثر من قومٍ.
وبعضهم يقول: العهد فيما بين النّاس فيما وافق الحقّ.
- عبد القدّوس بن حبيبٍ عن مكحولٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ اللّه يوصيكم بأمّهاتكم فالأقرب الأقرب.الدّين مقضيٌّ، والأمانة مؤدّاةٌ، وأحقّ ما وفى به العبد العهد، عهد اللّه»
- جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران قال: قال ابن مسعودٍ: ما نزلت بعبدٍ شديدةٌ إلا قد عاهد اللّه عندها، فإن لم يتكلّم بلسانه فقد أضمر ذلك في قلبه، فاتّقوا اللّه وأوفوا بما عاهدتم له.
- الحسن بن دينارٍ عن الحسن أنّ ابن مسعودٍ قال: يا أهل المواثيق انظروا ما تعاهدون عليه ربّكم.
كم من مريضٍ قد قال: إن اللّه شفاني فعلت كذا، فعلت كذا.
قال: والمرأة الّتي ضربت مثلا في غزلها كانت حمقاء تغزل الشّعر، فإذا غزلته رجعت نقضته ثمّ عادت فغزلته.
وتفسير مجاهدٍ قال: هذا في الحلفاء، كانوا يحالفون الحلفاء، ثمّ يجدون أكثر منهم وأعزّ، فينقضون حلف هؤلاء ويحالفون الّذين هم أعزّ منهم، فنهوا عن ذلك.
قوله: {إنّما يبلوكم اللّه به} بالكثرة.
يبتليكم، يختبركم.
{وليبيّننّ لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون} من الكفر والإيمان). [تفسير القرآن العظيم: 1/86-85]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ولا تكونوا كالّتي نقضت غزلها من بعد قوّةٍ...}:
من بعد إبرام. كانت تغزل الغزل من الصوف فتبرمه ثم تأمر جارية لها بنقضه. ويقال: إنها ريطة {تتّخذون أيمانكم دخلاً بينكم} يقول: دغلا وخديعة.
قوله: {أن تكون أمّةٌ هي أربى من أمّةٍ} يقول: هي أكثر، ومعناه لا تغدروا بقوم لقلّتهم وكثرتكم أو قلّتكم وكثرتهم، وقد غررتموهم بالأيمان فسكنوا إليها. وموضع (أدنى) نصب.
وإن شئت رفعت؛ كما تقول: ما أظن رجلاً يكون هو أفضل منك وأفضل منك، النصب على العماد، والرفع على أن تجعل (هو) اسماً.
ومثله قول الله عزّ وجلّ: {تجدوه عند الله هو خيراً وأعظم أجراً} نصب، ولو كان رفعا كان صواباً). [معاني القرآن: 2/113-112]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {قوّةٍ أنكاثاً} كل حبل وغزل ونحو ذلك نقضته فهو نكث، وهو من قولهم نكثت قال المسيّب بن علس:
من غير مقليةٍ وإنّ حبالها= ليست بأنكاثٍ ولا أقطاع
{دخلاً بينكم} كل شيء وأمر لم يصح فهو دخلٌ: {هي أربى من أمّةٍ} أي أكثر). [مجاز القرآن: 1/367]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {ولا تكونوا كالّتي نقضت غزلها من بعد قوّةٍ أنكاثاً تتّخذون أيمانكم دخلاً بينكم أن تكون أمّةٌ هي أربى من أمّةٍ إنّما يبلوكم اللّه به وليبيّننّ لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون}
وقال: {أنكاثاً} وواحدها "النّكث). [معاني القرآن: 2/67]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {أنكاثا}: كل شيء نقضته فهو أنكاث واحدة نكث.
{دخلا بينكم}: كل شيء لم يصح في كلام فهو دخل.
{هي أربا من أمة}: أي أكثر). [غريب القرآن وتفسيره: 209]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( الأنكاث: ما نقض من غزل الشعر وغيره. واحدها نكث، يقول: لا تؤكدوا على أنفسكم الإيمان والعهود ثم تنقضوا ذلك وتحنثوا فتكونوا كامرأة غزلت ونسجت، ثم نقضت ذلك النسخ فجعلته أنكاثا.
{تتّخذون أيمانكم دخلًا بينكم} أي دخلا وخيانة.
{أن تكون أمّةٌ} أي فريق منكم.
{أربى من أمّةٍ} أي أغنى من فريق). [تفسير غريب القرآن: 248]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ}.
هذا مثل لمن عاهد الله وحلف به، فقال تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} فتكونوا إن فعلتم كامرأة غزلت غزلا وقوّت مرّته وأبرمته، فلما استحكم نقضته، فجعلته أنكاثا.
والأنكاث: ما نقض من أخلاق بيوت الشعر والوبر ليغزل ثانية ويعاد مع الجديد، وكذلك ما نقض من خلق الخزّ.
ومنه قيل لمن أعطاك بيعته على السمع والطاعة ثم خرج عليك: ناكث، لأنه نقض ما وكّد على نفسه بالإيمان والعهود، كما تنقض النّاكثة غزلها.
ثم قال: {تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ}. أي: دغلا وخيانة وحيلا {أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ} أي: لأن يكون قوم أغنى من قوم، وقوم أعلى من قوم،
تريدون: أن تقتطعوا بأيمانكم حقوقا لهؤلاء، فتجعلوها لهؤلاء.
وقال المفسرون في التي نقضت غزلها: هي امرأة من قريش وكانت حمقاء، فكانت تغزل الغزل من الصوف والشّعر والوبر بمغزل في غلظ الذّراع، وصنّارة في قدر الإصبع، وفلكة عظيمة، فإذا أحكمته أمرت خادمها فنقضته). [تأويل مشكل القرآن: 387-386]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ولا تكونوا كالّتي نقضت غزلها من بعد قوّة أنكاثا تتّخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمّة هي أربى من أمّة إنّما يبلوكم اللّه به وليبيّننّ لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون}
{أنكاثا} منصوب لأنه في معنى المصدر لأن معنى نكثت نقضت، ومعنى نقضت نكثت، وواحد الأنقاض نكث وهو ما نقض بعد أن غزل.
قال الشاعر:.
ترعيّة تعرف الأرباع ضجعته= له نكاث من الأنجاد والفضل
وقوله: {تتّخذون أيمانكم دخلا بينكم} أي غشا بينكم وغلّا.
و{دخلا} منصوب لأنه مفعول له.
المعنى: تتخذون أيمانكم للغش والدّخل، وكل ما دخله عيب قيل هو مدخول، وفيه دخل.
وقوله: {أن تكون أمّة هي أربى من أمّة}.
لتغتز إحداهما بالأخرى، وأربى مأخوذ من ربا الشيء يربو إذا كثر). [معاني القرآن: 3/217]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة} هذه آية مشكلة تحتاج إلى تدبير قال قتادة الدخل الخيانة
وقال غيره المعنى لا تحلفوا أو تؤكدوا عليكم الأيمان ثم تحنثوا فتكونوا كامرأة غزلت غزلا فأبرمته وأحكمته ثم نقضته والأنكاث ما نقض من الخز والوبر وغيرهما ليغزل ثانية ومنه قيل ناكث
وروى في التفسير أن امرأة يقال لها ربطة ابنة سعد كانت تغزل بمغزل كبير فإذا أبرمته وأتقنته أمرت جارتها فنقضته
قال الضحاك في قوله تعالى: {أن تكون أمة هي أربى من أمة} أي أكثر قال فأمروا بوفاء العهد وإن كانوا كثيرا
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال كانوا يحلفون القوم ويعاهدونهم فإذا علموا أن غيرهم أكثر منهم وأقوى نقضوا عهدهم وحالفوا غيرهم فنهاهم الله جل ذكره عن ذلك
والمعنى عند أهل اللغة لأن تكون أمة وبأن تكون أمة هي أربى من أمة أي هي أغنى وأكثر أي لا تعاهدوا قوما فإذا أمنوا نقضتم العهد ليكون أصحابكم أغنى وأقوى).
[معاني القرآن: 4/103102]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم} أي: فسادا بينكم). [ياقوتة الصراط: 300]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {هي أربى من أمة} أي: هي أي أزيد). [ياقوتة الصراط: 300]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {والأنكاث} ما نقض من غزل. يقول الله تبارك وتعالى: لا تؤكدوا على أنفسكم الأيمان والعهود، ثم تنقضوا ذلك وتحنثوا،
فتكونوا كامرأة غزلت ونسجت ثم نقضت ذلك.
{دخلا بينكم} أي دغلا وخيانة.
{أربى من أمة} أي أغنى من فريق). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 133]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الأَنْكَاثُ}: النقض.
{دَخَلاً}: فسادا ودغلاً.
{أَرْبَى}: أكثر). [العمدة في غريب القرآن: 179]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (93)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ولو شاء اللّه لجعلكم أمّةً واحدةً} يعني على...
وهو تفسير السّدّيّ: على الإيمان.
قال يحيى: مثل قوله: {ولو شئنا لآتينا كلّ نفسٍ هداها}.
ومثل قوله: {ولو شاء ربّك لآمن من في الأرض كلّهم جميعًا}.
قال: {ولكن يضلّ من يشاء ويهدي من يشاء ولتسألنّ عمّا كنتم تعملون} يوم القيامة). [تفسير القرآن العظيم: 1/86]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والأمّة: الدّين، قال تعالى: {إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} أي: على دين.
قال النابغة:
حلفتُ فَلَمْ أتركْ لنفسكَ رِيبَةً = وهل يَأْثَمَن ذُو أُمَّةٍ وهو طائعُ؟
أي: ذو دين.
والأصل أنه يقال للقوم يجتمعون على دين واحد: أمة، فتقام الأمة مقام الدين، ولهذا قيل للمسلمين: أمّة محمد، صلّى الله عليه وسلم، لأنهم على أمر واحد،
قال تعالى: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً}. مجتمعة على دين وشريعة.
وقال الله عز وجل: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً}، أي: مجتمعة على الإسلام). [تأويل مشكل القرآن: 446] (م)
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {أمة واحدة} أي: دينا واحد، وملة واحدة). [ياقوتة الصراط: 301]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (94)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ولا تتّخذوا أيمانكم دخلا بينكم} تفسير الحسن: أن تسرّوا الشّرك، فترتدّوا عن الإسلام.
{فتزلّ قدمٌ بعد ثبوتها} تزلّ إلى الكفر بعد ما كانت على الإيمان فتزلّ إلى النّار.
{وتذوقوا السّوء بما صددتم عن سبيل اللّه ولكم عذابٌ عظيمٌ} والسّوء: عذاب الدّنيا، القتل بالسّيف.
يقول: إن ارتددتم عن الإسلام قتلتم في الدّنيا، ولكم في الآخرة عذابٌ عظيمٌ). [تفسير القرآن العظيم: 1/87]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال يحيى: قدم وفدٌ من كندة وحضرموت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فبايعوه على الإسلام ولم يهاجروا،
وأقرّوا بإقام الصّلاة وإيتاء الزّكاة.
ثمّ إنّ رجلا من حضرموت قام فتعلّق برجلٍ من كندة يقال له: امرؤ القيس، فقال: يا رسول اللّه إنّ هذا جاورني في أرضٍ لي، فقطع طائفةً منها فأدخلها في أرضه.
فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ألك بيّنةٌ بما تزعم؟ فقال: القوم كلّهم يعلمون أنّي صادقٌ وأنّه كاذبٌ، ولكنّه أكرم عليهم منّي.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: يا امرأ القيس، ما يقول هذا؟ فقال: ما يقول إلا الباطل.
قال: فقم فاحلف باللّه الّذي لا إله إلا هو ما له قبلك شيءٌ ممّا يقول، وأنّه الكاذب فيما يقول.
فقال: نعم.
فقال الحضرميّ: إنّا للّه، تجعلها يا رسول اللّه إليه؟ إنّه رجلٌ فاجرٌ، لا يبالي بما حلف عليه.
فقال رسول اللّه عليه السّلام: إنّه من اقتطع مال رجلٍ مسلمٍ بيمينٍ كاذبةٍ لقي اللّه وهو عليه ساخطٌ.
فقام امرؤ القيس ليحلف، فنزلت هاتان الآيتان: {ولا تشتروا بعهد اللّه ثمنًا قليلا إنّما عند اللّه هو خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون * ما عندكم ينفد وما عند اللّه باقٍ ولنجزينّ الّذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} فقام الأشعث بن قيسٍ فأخذ بمنكبي امرئ القيس فقال: ويلك يا امرأ القيس، إنّه قد نزلت آيتان فيك وفي صاحبك، خيرتهما له،
والأخرى لك.
وقد قال رسول اللّه عليه السّلام: «من اقتطع مال امرئٍ مسلمٍ بيمينٍ كاذبةٍ لقي اللّه وهو عليه ساخطٌ».
فأقبل امرؤ القيس فقال: يا رسول اللّه ما نزل فيّ؟ فتلا عليه الآيتين، فقال امرؤ القيس: أمّا ما عندي فينفد، وأمّا صاحبي فيجزى بأحسن ما كان يعمل.
اللّهمّ إنّه صادقٌ، وإنّي أشهد اللّه أنّه صادقٌ، ولكن واللّه ما أدري ما يبلغ ما يدّعي من أرضه في أرضي فقد أصبتها منذ زمانٍ، فله ما ادّعى في أرضي، ومثلها معها.
فنزلت هذه الآية: {من عمل صالحًا من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ فلنحيينّه حياةً طيّبةً ولنجزينّهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون}
فقال امرؤ القيس: ألي هذه يا رسول اللّه؟ قال: نعم.
فكبّر امرؤ القيس). [تفسير القرآن العظيم: 1/88-87]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فتزلّ قدمٌ بعد ثبوتها} مثل يقال: لكل مبتلى بعد عافية أو ساقط في ورطة بعد سلامة ونحو ذلك: زلّت قدمه.
{من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمنٌ فلنحيينّه حياةً طيّبةً} ). [مجاز القرآن: 1/367]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (95)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ولا تشتروا بعهد اللّه ثمنًا قليلا} من الدّنيا). [تفسير القرآن العظيم: 1/87]

تفسير قوله تعالى: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (96)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال يحيى: قدم وفدٌ من كندة وحضرموت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فبايعوه على الإسلام ولم يهاجروا،
وأقرّوا بإقام الصّلاة وإيتاء الزّكاة.
ثمّ إنّ رجلا من حضرموت قام فتعلّق برجلٍ من كندة يقال له: امرؤ القيس، فقال: يا رسول اللّه إنّ هذا جاورني في أرضٍ لي، فقطع طائفةً منها فأدخلها في أرضه.
فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ألك بيّنةٌ بما تزعم؟ فقال: القوم كلّهم يعلمون أنّي صادقٌ وأنّه كاذبٌ، ولكنّه أكرم عليهم منّي.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: يا امرأ القيس، ما يقول هذا؟ فقال: ما يقول إلا الباطل.
قال: فقم فاحلف باللّه الّذي لا إله إلا هو ما له قبلك شيءٌ ممّا يقول، وأنّه الكاذب فيما يقول.
فقال: نعم.
فقال الحضرميّ: إنّا للّه، تجعلها يا رسول اللّه إليه؟ إنّه رجلٌ فاجرٌ، لا يبالي بما حلف عليه.
فقال رسول اللّه عليه السّلام: إنّه من اقتطع مال رجلٍ مسلمٍ بيمينٍ كاذبةٍ لقي اللّه وهو عليه ساخطٌ.
فقام امرؤ القيس ليحلف، فنزلت هاتان الآيتان: {ولا تشتروا بعهد اللّه ثمنًا قليلا إنّما عند اللّه هو خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون * ما عندكم ينفد وما عند اللّه باقٍ ولنجزينّ الّذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} فقام الأشعث بن قيسٍ فأخذ بمنكبي امرئ القيس فقال: ويلك يا امرأ القيس، إنّه قد نزلت آيتان فيك وفي صاحبك، خيرتهما له،
والأخرى لك.
وقد قال رسول اللّه عليه السّلام: «من اقتطع مال امرئٍ مسلمٍ بيمينٍ كاذبةٍ لقي اللّه وهو عليه ساخطٌ».
فأقبل امرؤ القيس فقال: يا رسول اللّه ما نزل فيّ؟ فتلا عليه الآيتين، فقال امرؤ القيس: أمّا ما عندي فينفد، وأمّا صاحبي فيجزى بأحسن ما كان يعمل.
اللّهمّ إنّه صادقٌ، وإنّي أشهد اللّه أنّه صادقٌ، ولكن واللّه ما أدري ما يبلغ ما يدّعي من أرضه في أرضي فقد أصبتها منذ زمانٍ، فله ما ادّعى في أرضي، ومثلها معها.
فنزلت هذه الآية: {من عمل صالحًا من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ فلنحيينّه حياةً طيّبةً ولنجزينّهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} فقال امرؤ القيس: ألي هذه يا رسول اللّه؟
قال: نعم فكبّر امرؤ القيس). [تفسير القرآن العظيم: 1/88-87] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ما عندكم ينفد وما عند اللّه باق ولنجزينّ الّذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون}
يقال نفد الشيء ينفد نفادا ونفدا إذا فني). [معاني القرآن: 3/217]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {ما عندكم ينفد وما عند الله باق} يقال: نفد الشيء ينفد، إذ فني، ونفذ ينفذ، إذا خرج). [ياقوتة الصراط: 301]


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 9 محرم 1432هـ/15-12-2010م, 06:38 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 97 إلى آخر السورة]

{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97) فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100) وَإِذَا بَدَّلْنَا آَيَةً مَكَانَ آَيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101) قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102) وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103) إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ (105) مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (107) أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (108) لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآَخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (109) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (110) يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (111) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (113) فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (114) إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (115) وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (117) وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (118) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (119) إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (121) وَآَتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (122) ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (123) إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (124) ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)}

تفسير قوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال يحيى: قدم وفدٌ من كندة وحضرموت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فبايعوه على الإسلام ولم يهاجروا، وأقرّوا بإقام الصّلاة وإيتاء الزّكاة.
ثمّ إنّ رجلا من حضرموت قام فتعلّق برجلٍ من كندة يقال له: امرؤ القيس، فقال: يا رسول اللّه إنّ هذا جاورني في أرضٍ لي، فقطع طائفةً منها فأدخلها في أرضه.
فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ألك بيّنةٌ بما تزعم؟ فقال: القوم كلّهم يعلمون أنّي صادقٌ وأنّه كاذبٌ، ولكنّه أكرم عليهم منّي.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: يا امرأ القيس، ما يقول هذا؟ فقال: ما يقول إلا الباطل.
قال: فقم فاحلف باللّه الّذي لا إله إلا هو ما له قبلك شيءٌ ممّا يقول، وأنّه الكاذب فيما يقول.
فقال: نعم.
فقال الحضرميّ: إنّا للّه، تجعلها يا رسول اللّه إليه؟ إنّه رجلٌ فاجرٌ، لا يبالي بما حلف عليه.
فقال رسول اللّه عليه السّلام: إنّه من اقتطع مال رجلٍ مسلمٍ بيمينٍ كاذبةٍ لقي اللّه وهو عليه ساخطٌ.
فقام امرؤ القيس ليحلف، فنزلت هاتان الآيتان: {ولا تشتروا بعهد اللّه ثمنًا قليلا إنّما عند اللّه هو خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون * ما عندكم ينفد وما عند اللّه باقٍ ولنجزينّ الّذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} فقام الأشعث بن قيسٍ فأخذ بمنكبي امرئ القيس فقال: ويلك يا امرأ القيس، إنّه قد نزلت آيتان فيك وفي صاحبك، خيرتهما له، والأخرى
لك.
وقد قال رسول اللّه عليه السّلام: «من اقتطع مال امرئٍ مسلمٍ بيمينٍ كاذبةٍ لقي اللّه وهو عليه ساخطٌ».
فأقبل امرؤ القيس فقال: يا رسول اللّه ما نزل فيّ؟ فتلا عليه الآيتين، فقال امرؤ القيس: أمّا ما عندي فينفد، وأمّا صاحبي فيجزى بأحسن ما كان يعمل.
اللّهمّ إنّه صادقٌ، وإنّي أشهد اللّه أنّه صادقٌ، ولكن واللّه ما أدري ما يبلغ ما يدّعي من أرضه في أرضي فقد أصبتها منذ زمانٍ، فله ما ادّعى في أرضي، ومثلها معها.
فنزلت هذه الآية: {من عمل صالحًا من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ فلنحيينّه حياةً طيّبةً ولنجزينّهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} فقال امرؤ القيس: ألي هذه يا رسول اللّه؟
قال: نعم .فكبّر امرؤ القيس). [تفسير القرآن العظيم: 1/88-87] (م)
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (سعيد بن عبد العزيز الدّمشقيّ عن وهب بن منبّهٍ في قوله: {فلنحيينّه حياةً طيّبةً}، قال: القناعة.
سعيدٌ عن قتادة قال: هي الجنّة.
قال يحيى: من قال إنّها القناعة يقول: هي حياةٌ طيّبةٌ في الدّنيا ولنجزينّهم في الآخرة أجرهم الجنّة بأحسن ما كانوا يعملون في الدّنيا). [تفسير القرآن العظيم: 1/88]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): {ولنجزينّهم أجرهم} من تقع على الواحد وعلى الجميع والذكر والأنثى، ولفظها لفظ الواحد فجاء الأول من الكناية على لفظ من وإن كان المعنى إنما يقع على الجميع ثم جاء الآخر من الكناية على معنى الجميع، فقال: {ولنجزينّهم أجرهم} ). [مجاز القرآن: 1/368]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينّه حياة طيّبة ولنجزينّهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون}
{فلنحيينّه حياة طيّبة}.
قيل لنرزقنه حلالا، وقيل {حياة طيبة} الجنة.
وموضع: (أربى) رفع. المعنى: أن تكون أمة هي أكثر من أمة.
وزعم الفراء أن موضع (أربى) نصب و " هي " عماد، وهذا خطأ، " هي " لا تدخل عمادا ولا فصلا مع النكرات.
وشبهه بقوله: {تجدوه عند اللّه هو خيرا وأعظم أجرا}.
و " تجدوه " الهاء فيه معرفة، و (أمّة) نكرة). [معاني القرآن: 3/218]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} روى عن ابن عباس أنه قال الحياة الطيبة الرزق الحلال ثم يصير إلى الله فيجزيه أجره بأحسن ما كان يعمل وروى عن ابن عباس رواه الحكم عن عكرمة عنه أنه
قال الحياة الطيبة القناعة وروى ابن كثير عن سعيد بن جبير في قوله تعالى: {فلنحيينه حياة طيبة} قال في الآخرة يحييه حياه طيبة
وروى عوف عن الحسن ليس لأحد حياة طيبة إلا في الجنة). [معاني القرآن: 4/103-104]

تفسير قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {فإذا قرأت القرءان فاستعذ باللّه من الشّيطان الرّجيم} والرّجيم: الملعون، رجمه اللّه باللّعنة.
قال الحسن: فنزلت في الصّلاة ثمّ صارت سنّةً في غير الصّلاة إذا أراد أن يقرأ، وليس بمفروضٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/88]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله} مقدّم ومؤخّر، لأن الاستعاذة قبل القراءة). [مجاز القرآن: 1/368]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ باللّه من الشّيطان الرّجيم}
معناه إذا أردت أن تقرأ القرآن فاستعذ باللّه من الشيطان الرجيم، ليس معناه استعذ باللّه بعد أن تقرأ، لأن الاستعاذة أمر بها قبل الابتداء، وهو مستعمل في الكلام، مثله إذا أكلت
فقل بسم اللّه، ومثله في القرآن: {إذا قمتم إلى الصّلاة فاغسلوا وجوهكم} فالهيئة قبل الصلاة، والمعنى إذا أردتم ذلك فافعلوا). [معاني القرآن: 3/218]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم}
المعنى إذا أردت أن تقرأ وهذا كما تقول إذا أكلت فقل بسم الله ومثله في كتاب الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة} ). [معاني القرآن: 4/105-104]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {إنّه ليس له سلطانٌ على الّذين آمنوا وعلى ربّهم يتوكّلون} كقوله: {إنّ عبادي ليس لك عليهم سلطانٌ}
لا تستطيع أن تضلّهم، وكقوله: {ومن يهد اللّه فما له من مضلٍّ} ). [تفسير القرآن العظيم: 1/89]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {إنه ليس له سلطان} أي: حجة، وسلطان: قوة). [ياقوتة الصراط: 301]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {إنّما سلطانه على الّذين يتولّونه} يتولّون الشّيطان.
قال قتادة: يعبدونه ويطيعونه.
قال الحسن: من غير أن يستطيع أن يكرههم هو عليه.
قال يحيى: وهو مثل قوله: {ما أنتم عليه بفاتنين} بمضلّين {إلا من هو صال الجحيم}.
وكقوله: {ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون }.
وتفسير ابن مجاهدٍ، عن أبيه: {إنّما سلطانه} حجّته {على الّذين يتولّونه}
قوله: {والّذين هم به مشركون} والّذين هم باللّه مشركون.
فيها تقديم.
قال: {فاستعذ باللّه} ثمّ قال في هذه الآية: {والّذين هم به مشركون} باللّه مشركون.
رجع إلى أوّل الكلام.
وقال ابن مجاهدٍ، عن أبيه: {والّذين هم به مشركون} يعدلونه بربّ العالمين.
وقال الحسن: يقول: شركوا الشّيطان بعبادة اللّه). [تفسير القرآن العظيم: 1/89]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {إنّما سلطانه على الّذين يتولّونه والّذين هم به مشركون} لم يرد إنهم بإبليس كافرون. ولو كان هذا كذا كانوا مؤمنين.
وإنما أراد الذين هم من أجله مشركون باللّه. وهذا كما يقال: سار فلان بك عالما، أي سار من أجلك). [تفسير غريب القرآن: 249-248]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون} روى ابن نجيح عن مجاهد قال سلطانه حجته
قال والذين هم به مشركون يعدلونه برب العالمين وقال غير مجاهد لو كان المعنى على أنهم أشركوا بالشيطان لكانوا مؤمنين ولكن المعنى والذين هم من أجله مشركون كما تقول صار فلان بك عالما أي من أجلك). [معاني القرآن: 4/105]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {والذين هم به مشركون} قال ثعلب: معناه: الذين صاروا مشركين بطاعتهم للشيطان، فصاروا بعبادتهم الشيطان مشركين، وليس المعنى: أنهم آمنوا بالله - عز وجل - وأشركوا بالشيطان، ولكن عبدوا الله - عز وجل - وعبدوا معه الشيطان، فصاروا بعبادتهم الشيطان مشركين، ليس أنهم أشركوا بالشيطان، وآمنوا بالله وحده. قال الشيخ أبو عمر: فعرضت هذا الكلام على محمد بن يزيد المبرد، فقال: هذا كلام متلئب صحيح). [ياقوتة الصراط: 302-301]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {والذين هم به مشركون} أي من أجله أشركوا بالله تعالى؛ والهاء في {به} تعود على الشيطان، ويجوز أن تعود على الله جل ذكره، أي والذين هم به مشركون). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 133]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آَيَةً مَكَانَ آَيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وإذا بدّلنا آيةً مكان آيةٍ واللّه أعلم بما ينزّل قالوا إنّما أنت مفترٍ بل أكثرهم لا يعلمون} وهذا في النّاسخ والمنسوخ في تفسير قتادة.
قال الحسن: كانت الآية إذا نزلت فعمل بها وفيها شدّةٌ، ثمّ نزلت بعدها آية فيها لينٌ قالوا: إنّما يأمر محمّدٌ أصحابه بالأمر فإذا اشتدّ عليهم صرفهم إلى غيره، ولو كان هذا الأمر من عند اللّه لكان أمرًا واحدًا وما اختلف، ولكنّه من قبل محمّدٍ.
قال اللّه: قل يا محمّد). [تفسير القرآن العظيم: 1/90-89]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وإذا بدّلنا آيةً مّكان آيةٍ...}
إذا نسخنا آية مكان آية ألين منها قال المشركون: إنما يتقوّله من نفسه ويتعلّمه من عائش مملوكٍ كان لحويطب بن عبد العزّى كان قد أسلم فحسن إسلامه وكان أعجم،
فقال الله عز وجل). [معاني القرآن: 2/113]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وإذا بدّلنا آيةً مكان آيةٍ} أي نسخنا آية بآية). [تفسير غريب القرآن: 249]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وإذا بدّلنا آية مكان آية واللّه أعلم بما ينزّل قالوا إنّما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون }
أي: إذا نسخت آية بآية أخرى عليها فيها مشقة.
{قالوا إنّما أنت مفتر} أي قالوا قد كذبتنا). [معاني القرآن: 3/218]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وإذا بدلنا آية مكان آية} روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال رفعناها وجعلنا موضعها غيرها
وقال غيره أي نسخنا آية بأية هي أشد عليهم منها قالوا إنما أنت مفتر أي كاذب فقال جل وعز: {إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله}
أي الذي إذا رأوا آية لا يأتي بها إلا نبي كذبوا بها فهؤلاء أكذب الكاذبين). [معاني القرآن: 4/106]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {نزّله روح القدس من ربّك بالحقّ} والقدس: اللّه، وروحه: جبريل.
فأخبر أنّه نزل به جبريل من عند اللّه، وأنّ محمّدًا لم يفتر منه شيئًا.
وقال السّدّيّ: جبريل.
قال: {ليثبّت الّذين آمنوا وهدًى وبشرى للمسلمين} ). [تفسير القرآن العظيم: 1/90]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {روح القدس} جبريل عليه السلام). [مجاز القرآن: 1/368]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {روح القدس}: جبريل عليه السلام). [غريب القرآن وتفسيره: 210]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {رُوحُ القُدُسِ}: جبريل عليه السلام). [العمدة في غريب القرآن: 179]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ولقد نعلم أنّهم يقولون إنّما يعلّمه بشرٌ} يعنون عبدًا لابن الحضرميّ في قول الحسن وقتادة.
وقال قتادة: قالت قريشٌ إنّما يعلّم محمّدًا عبدٌ لابن الحضرميّ، يقال له: جبرٌ، وكان يقرأ الكتاب.
وبعضهم يقول: عدّاسٌ غلام عتبة.
وكان الكلبيّ يجمعها جميعًا ويقول: كان عدّاسٌ يهوديًّا فأسلم، وكانا يقرآن كتابهما بالعبرانيّة، وكانا أعجميّي اللّسان.
قال اللّه: {لسان الّذي يلحدون إليه}.
يميلون إليه في تفسير الكلبيّ.
وقال الحسن: الّذي يذهبون إليه أنّه يعلّم محمّدًا أعجميٌّ.
قال اللّه: {وهذا لسانٌ عربيٌّ مبينٌ} أي: بيّنٌ.
وقال مجاهدٌ: عبد ابن الحضرميّ، روميٌّ، صاحب كتابٍ.
يقول اللّه: {لسان الّذي يلحدون إليه أعجميٌّ} يتكلّم بالرّوميّة {وهذا لسانٌ عربيٌّ مبينٌ} في حديث عاصم بن حكيمٍ، وفي حديث ابن مجاهدٍ، عن أبيه:
{ولقد نعلم أنّهم يقولون إنّما يعلّمه بشرٌ} قول قريشٍ إنّما يعلّم محمّدًا عبدٌ لابن الحضرميّ روميٌّ، وهو صاحب كتابٍ.
يقول اللّه: {لسان الّذي يلحدون إليه أعجميٌّ} يتكلّم بالرّوميّة {وهذا لسانٌ عربيٌّ مبينٌ}.
وفي قول الحسن: هو عبد ابن الحضرميّ، وكان كاهنًا في الجاهليّة). [تفسير القرآن العظيم: 1/90-91]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {لّسان الّذي يلحدون إليه...}
يميلون إليه ويهوونه (أعجمي) فقال الله: وهذا لسان محمد صلّى الله عليه وسلم والقرآن عربيّ). [معاني القرآن: 2/113]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {لسان الّذي يلحدون إليه أعجميٌّ} أي يعدلون إليه، ويقال: ألحد فلان أي جار؛ أعجميٌّ أضيف إلى أعجم اللسان).
[مجاز القرآن: 1/368]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {يلحدون إليه} أي يميلون إليه ويزعمون أنه يعلّمك. وأصل الإلحاد: الميل). [تفسير غريب القرآن: 249]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ولقد نعلم أنّهم يقولون إنّما يعلّمه بشر لسان الّذي يلحدون إليه أعجميّ وهذا لسان عربيّ مبين}
أعلم اللّه عزّ وجلّ نبيّه - صلى الله عليه وسلم - ما يقولونه بينهم.
وقوله: {لسان الّذي يلحدون إليه أعجميّ}.
ويقرأ {يلحدون}، أي لسان الذي يميلون القول إليه أعجمي.
وقيل هذا غلام كان لحويطب اسمه عايش، أسلم وحسن إسلامه.
{وهذا لسان عربيّ مبين}.
يقال: عرب الإنسان: يعرب عروبيّة وعرابة وعروبة.
وقوله: {مبين}.
وصفه بالبيان كما وصفه بأنه عربيّ، ومعنى عربيّ أن صاحبه يتكلم بالعربية ومعناه معرب: {مبين} ). [معاني القرآن: 3/220-219]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين}
روى سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن عكرمة قال هو غلام لبني عامر بن لؤي يقال أرى له يعيش وروى علي بن الحكم عن الضحاك قال هو سلمان الفارسي رحمه الله
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد هو عبد الله بن الحضرمي وهو رومي كان يحسن الكتابة قال أبو عبيد وقال غير مجاهد اسمه جبر
قال أبو جعفر وهذه الأقوال ليست بمتناقضة لأنه يجوز أن يكونوا أومأوا إلى هؤلاء جميعا وزعموا أنهم يعلمونه وأصل الإلحاد في اللغة الميل). [معاني القرآن: 4/106-107]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {يلحدون} أي: يميلون إليه). [ياقوتة الصراط: 303]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {يلحدون إليه} أي يميلون إليه ويزعمون أنه يعلمك. وأصل الإلحاد: الميل). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 133]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {إنّ الّذين لا يؤمنون بآيات اللّه لا يهديهم اللّه} هؤلاء الّذين لا يريد اللّه أن يهديهم يلقونه بكفرهم.
{ولهم عذابٌ أليمٌ} موجعٌ). [تفسير القرآن العظيم: 1/91]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ (105)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {إنّما يفتري الكذب الّذين لا يؤمنون بآيات اللّه} ، يعني: المشركين.
{وأولئك هم الكاذبون} ). [تفسير القرآن العظيم: 1/91]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {إنّما يفتري الكذب الّذين لا يؤمنون بآيات اللّه وأولئك هم الكاذبون}
أي: إنما يفتري الكذب الذين إذا رأوا الآيات التي لا يقدر عليها إلا اللّه كذبوا بها، فهؤلاء أكذب الكذبة). [معاني القرآن: 3/219-218]

تفسير قوله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {من كفر باللّه من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئنٌّ بالإيمان} راضٍ بالتّوحيد.
تفسير السّدّيّ.
نزلت في عمّار بن ياسرٍ وأصحابه.
أخذهم المشركون، فوقفوهم على الكفر باللّه ورسوله، فخافوا منهم، فأعطوهم ذلك بأفواههم.
- الفرات بن سلمان عن عبد الكريم الجزريّ عن أبي عبيدة بن محمّد بن عمّار بن ياسرٍ، قال: أخذ المشركون عمّار بن ياسرٍ فلم يتركوه حتّى سبّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وذكر آلهتهم بخيرٍ ثمّ تركوه.
فلمّا أتى النّبيّ عليه السّلام قال: «ما وراءك» ؟ قال: شرٌّ يا رسول اللّه، واللّه ما تركت حتّى نلت منك وذكرت آلهتهم بخيرٍ.
قال: فقال له رسول اللّه: «كيف تجد قلبك؟».
قال: أجد قلبي مطمئنًّا بالإيمان.
قال: «فإن عادوا فعد».
قال يحيى: بلغني أنّ هذه الآية نزلت عند ذلك: {إلا من أكره وقلبه مطمئنٌّ بالإيمان}.
وقوله: {مطمئنٌّ} راضٍ بالإيمان.
- إسماعيل بن مسلمٍ عن أبي المتوكّل النّاجيّ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعث عمّار بن ياسرٍ إلى بئرٍ للمشركين ليستقي منها، وحولها ثلاثة صفوفٍ يحرسونها، فاستقى في قربةٍ، ثمّ أقبل حتّى أتى على الصّفّ الأوّل، فأخذوه فقال: دعوني فإنّما أستقي لأصحابكم، فتركوه.
فذهب حتّى أتى على الصّفّ الثّاني، فأخذوه فقال: دعوني فإنّما أستقي لأصحابكم، فتركوه.
فذهب حتّى أتى على الصّفّ الثّالث، فأخذوه فردّوه إلى البئر، فصبّوا ماءه، ثمّ نكّسوه حتّى قاء ما شرب، ثمّ قالوا له: لتكفرنّ أو لنقتلنّك.
فتكلّم بما أرادوه عليه ثمّ تركوه.
فرجع الثّانية، ففعلوا به مثل ذلك وتركوه.
ثمّ رجع الثّالثة، ففعلوا به مثل ذلك.
فلمّا أرادوه على أن يتكلّم بالكفر أبى.
فبعث نبيّ اللّه الخيل فاستنقذته.
فأنزلت فيه: {إلا من أكره وقلبه مطمئنٌّ بالإيمان}.
وتفسير ابن مجاهدٍ، عن أبيه قال: ناسٌ بمكّة آمنوا، فكتب إليهم بعض أصحاب محمّدٍ بالمدينة: أن هاجروا فإنّكم لا ترون منّا خيرًا حتّى تهاجروا.
فخرجوا يريدون المدينة، فأدركتهم قريشٌ بالطّريق ففتنوهم، فكفروا مكرهين.
ففيهم نزلت هذه الآية.
قال: {ولكن من شرح بالكفر صدرًا فعليهم غضبٌ من اللّه ولهم عذابٌ عظيمٌ} في الآخرة). [تفسير القرآن العظيم: 1/93-91]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضبٌ من الله} شرح صدره بذلك: تابعته نفسه وانبسط إلى ذلك،
يقال: ما يشرح صدري لك بذلك، أي لا يطيب، وجاء قوله: فعليهم غضب على معنى الجميع لأن من يقع على الجميع). [مجاز القرآن: 1/368]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {من كفر باللّه من بعد إيمانه إلاّ من أكره وقلبه مطمئنٌّ بالإيمان ولكن مّن شرح بالكفر صدراً فعليهم غضبٌ مّن اللّه ولهم عذابٌ عظيمٌ}
وقال: {من كفر باللّه من بعد إيمانه إلاّ من أكره وقلبه مطمئنٌّ بالإيمان ولكن مّن شرح بالكفر صدراً فعليهم غضبٌ مّن اللّه} خبر لقوله {ولكن من شرح} ثم دخل معه قوله:
{من كفر باللّه من بعد إيمانه} فأخبر عنهم بخبر واحد إذ كان ذلك يدل على المعنى). [معاني القرآن: 2/68]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ولكن من شرح بالكفر صدراً} أي فتح له صدرا بالقبول). [تفسير غريب القرآن: 249]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (قوله: {من كفر باللّه من بعد إيمانه إلّا من أكره وقلبه مطمئنّ بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من اللّه ولهم عذاب عظيم}
(من) في موضع رفع على البدل من الكاذبين ومفسّر عن الكاذبين.
ولا يجوز أن يكون (من) رفعا بالابتداء، لأنه لا خبر ههنا للابتداء، لأنّ قوله: {من كفر باللّه من بعد إيمانه إلّا من أكره وقلبه مطمئنّ بالإيمان}.
ليس بكلام تام، وبعده: {ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من اللّه}.
فقوله: {فعليهم غضب من اللّه} خبر (من) التي بعد (لكن) ). [معاني القرآن: 3/219]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان} أهل التفسير أن هذه الآية نزلت في
عمار بن ياسر رحمة الله لأنه قارب بعض ما ندبوه إليه). [معاني القرآن: 4/107]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال تعالى: {ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله} أي من فتح صدره لقبوله). [معاني القرآن: 4/108-107]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (107)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {ذلك بأنّهم استحبّوا الحياة الدّنيا على الآخرة} اختاروا الحياة الدّنيا على الآخرة.
{وأنّ اللّه لا يهدي القوم الكافرين} ، يعني: الّذين يلقون اللّه بكفرهم). [تفسير القرآن العظيم: 1/93]

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (108)}

تفسير قوله تعالى: {لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآَخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (109)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {لا جرم} وهذا وعيدٌ.
{أنّهم في الآخرة هم الخاسرون} خسروا أنفسهم أن يغنموها فصاروا في النّار، وخسروا أهليهم من الحور العين، فهو الخسران المبين.
وتفسيره في سورة الزّمر). [تفسير القرآن العظيم: 1/93]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {لا جرم أنّهم في الآخرة هم الخاسرون}
" أنّ " يصلح أن تكون في موضع رفع على أنّ " لا " ردّ للكلام، والمعنى وجب أنّهم، ويجوز أن تكون " أن " في موضع نصب على أن المعنى جرم فعلهم هذا أنهم في الآخرة هم الخاسرون. ومعنى جرم كسب، والمجرم الكاسب، وأكثر ما يستعمل للذنوب). [معاني القرآن: 3/220]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (110)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ثمّ إنّ ربّك للّذين هاجروا من بعد ما فتنوا} يعني: من بعد ما عذّبوا في الدّنيا.
تفسير السّدّيّ.
{ثمّ جاهدوا وصبروا إنّ ربّك من بعدها لغفورٌ رحيمٌ} تفسير الحسن: أنّهم قومٌ كانوا بمكّة، فعرضت لهم فتنةٌ، فارتدّوا عن الإسلام، وشكّوا في نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
ثمّ إنّهم أسلموا وهاجروا إلى رسول اللّه عليه السّلام بالمدينة، ثمّ جاهدوا معه وصبروا، فنزلت هذه الآية.
سعيدٌ عن قتادة قال: ذكر لنا أنّه لمّا أنزل اللّه أنّ أهل مكّة لا يقبل منهم الإسلام حتّى يهاجروا، كتب بذلك المسلمون إلى أصحابٍ لهم بمكّة، وخرجوا فأدركهم المشركون فردّوهم،
فأنزل اللّه: {الم * أحسب النّاس أن يتركوا أن يقولوا آمنّا وهم لا يفتنون} والآية الأخرى الّتي بعدها.
فكتب بها أهل المدينة إلى أهل مكّة، فلمّا جاءهم ذلك تبايعوا أن يخرجوا، فإن لحق بهم المشركون أن يقاتلوهم حتّى يلحقوا باللّه أو ينجوا، فخرجوا.
فأنزل اللّه: {ثمّ إنّ ربّك للّذين هاجروا من بعد ما فتنوا} إلى آخر الآية). [تفسير القرآن العظيم: 1/94-93]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ثمّ إنّ ربّك للّذين هاجروا من بعد ما فتنوا...}
يقول: عذّبوا. نزلت في عمّار بن ياسر وأصحابه الذين عذّبوا، حتّى أشرك بعضهم بلسانه وهو مؤمن بقلبه فغفر الله لهم، فذلك قوله: {إنّ ربّك من بعدها لغفورٌ رّحيمٌ} بعد الفعلة). [معاني القرآن: 2/114-113]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ثمّ إنّ ربّك للّذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثمّ جاهدوا وصبروا إنّ ربّك من بعدها لغفور رحيم}
أي من بعد الفعلة التي فعلوها. وهذه الآية في قصة عمّار بن ياسر وأصحابه حين عذبهم أهل مكة فأكرهوهم على أن تركوا الإيمان، وكفروا بألسنتهم وفي قلوبهم ونيّاتهم الإيمان، ثم هربوا منهم وهاجروا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فلحقهم جمع من أهل مكة فقاتلوهم حتى نجّاهم الله منهم، وصبروا على جهادهم). [معاني القرآن: 3/220]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا} هذا كله في عمار والمعنى وصبروا على الجهاد). [معاني القرآن: 4/108]

تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (111)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {يوم تأتي كلّ نفسٍ تجادل عن نفسها} قال الحسن: إنّ كلّ نفسٍ توقف بين يدي اللّه للحساب ليس يسألها عن عملها إلا اللّه.
قال: {وتوفّى كلّ نفسٍ ما عملت وهم لا يظلمون} أمّا الكافر فليس له من حسناته في الآخرة شيءٌ، قد استوفاها في الدّنيا.
وأمّا سيّئاته فيوفّاها في الآخرة، يجازى بها النّار.
وأمّا المؤمن فهو الّذي يوفّى الحسنات في الآخرة.
وأمّا سيّئاته فإنّ منهم من لم يخرج من الدّنيا حتّى ذهبت سيّئاته بالبلايا والعقوبة كقوله: {وما أصابكم من مصيبةٍ فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثيرٍ}
ومنهم من تبقى عليه من سيّئاته فيفعل اللّه فيه ما يشاء.
قال يحيى: وبلغني أنّ منهم من تبقى عليه من سيّئاته فيشدّد عليه عند الموت، ومنهم من تبقى عليه منها فيشدّد عليه في القبر، ومنهم من تبقى عليه منها فيشدّد عليه في الموقف، ومنهم من يبقى عليه منها فيشدّد عليه عند الصّراط، ومنهم من يبقى عليه منها فيدخل النّار فينتقم منه ثمّ يخرجه اللّه منها إلى الجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 1/94]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {يوم تأتي كلّ نفسٍ تجادل عن نّفسها وتوفّى كلّ نفسٍ مّا عملت وهم لا يظلمون}
وقال: {كلّ نفسٍ تجادل عن نّفسها} لأن معنى {كلّ نفسٍ}: كلّ إنسان، وأنّث لأن النفس تؤنّث وتذكر.
يقال "ما جاءتني نفسٌ واحدةٌ" و"ما جاءني نفسٌ واحدٌ"). [معاني القرآن: 2/68]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {يوم تأتي كلّ نفسٍ تجادل عن نفسها} أي يأتي كل إنسان يجادل عن نفسه [غدا] ). [تفسير غريب القرآن: 249]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {يوم تأتي كلّ نفس تجادل عن نفسها وتوفّى كلّ نفس ما عملت وهم لا يظلمون}
{يوم} منصوب على أحد شيئين، على معنى {إنّ ربّك من بعدها لغفور رحيم، يوم تأتي} ويجوز أن يكون بمعنى اذكر لأن معنى القرآن العظة والإنذار والتذكير.
أي اذكر يوم تأتي كل نفس أي كل إنسان يجادل عن نفسه.
ويروى أنه إذا كان يوم القيامة زفرت جهنّم زفرة فلا يبقى ملك مقرّب ولا نبي مرسل إلا جثا على ركبتيه، وقال يا رب نفسي نفسي، وتصديق هذا قوله تعالى:
{يوم يفرّ المرء من أخيه * وأمّه وأبيه ..} الآية ). [معاني القرآن: 3/221-220]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها}
يروى أن كعبا قال لعمر بن الخطاب رحمه الله تزفر جهنم يوم القيامة زفرة فلا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا جثا على ركبتيه يقول يا رب نفسي حتى إن إبراهيم خليل الرحمن ليجثو على ركبتيه ويقول لا أسألك إلا نفسي ثم قال كعب إن هذا لفي كتاب الله وتلا يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وقال غيره يدل على هذا {يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه} ). [معاني القرآن: 4/108]

تفسير قوله تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وضرب اللّه مثلا} يعني وصف اللّه مثلا: شبهًا.
تفسير السّدّيّ.
{قريةً كانت آمنةً مطمئنّةً يأتيها رزقها رغدًا من كلّ مكانٍ فكفرت بأنعم اللّه فأذاقها اللّه لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون* ولقد جاءهم رسولٌ منهم فكذّبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون} القرية: مكّة، والرّسول: محمّدٌ، كفروا بأنعم اللّه فكذّبوا رسوله ولم يشكروا وهم {الّذين بدّلوا نعمت اللّه كفرًا وأحلّوا قومهم دار البوار}.
وأمّا قوله: {فأذاقها اللّه لباس الجوع والخوف} فإنّه الجوع الّذي عذّبوا به بمكّة قبل عذابهم يوم بدرٍ، عذّبهم بالسّيف يوم بدرٍ.
وأمّا الخوف فبعدما خرج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عنهم.
سعيدٌ عن قتادة، قال: ذكر لنا أنّ القرية مكّة). [تفسير القرآن العظيم: 1/95-94]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {قريةً كانت آمنةً مّطمئنّةً...}
يعني مكّة أنها كانت لا يغار عليها كما تفعل العرب: كانوا يتغاورون {مّطمئنّةً} : لا تنتقل كما تنتجع العرب الخصب بالنّقلة.
وقوله: {مّن كلّ مكانٍ}: من كلّ ناحية {فكفرت} ثم قال {بما كانوا يصنعون} ومثله في القرآن كثير. منه قوله: {فجاءها بأسنا بياتاً أوهم قائلون} ولم يقل: قائلة.
فإذا قال {قائلون} ذهب إلى الرجال، وإذا قال (قائلة) فإنما يعني أهلها، وقوله: {فحاسبناها حساباً شديداً وعذّبناها عذابا نكراً فذاقت}.
وقوله: {لباس الجوع والخوف} ابتلوا بالجوع سبع سنين حتى أكلوا العظام المحرقة والجيف. والخوف بعوث رسول الله صلّى الله عليه وسلم وسراياه.
ثم إن النبي صلّي الله عليه وسلم رقّ لهم فحمل إليهم الطعام وهم مشركون. قال الله عز وجل لهم، كلوا {واشكروا} ). [معاني القرآن: 2/114]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {يأتيها رزقها رغداً} أي واسعاً كثيراً.
{فكفرت بأنعم الله} واحدها نعم ومعناه نعمة وهما واحد، قالوا: نادى منادي النبيّ عليه السلام بمنى: إنها أيام طعم ونعم فلا تصوموا) ). [مجاز القرآن: 1/369]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {رغداً}: كثيرا واسعا). [تفسير غريب القرآن: 249]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه قوله سبحانه: {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}.
وأصل الذَّوَاقِ: بالفم، ثم قد يستعار فيوضع موضع الابتلاء والاختبار، تقول في الكلام: ناظر فلانا وَذُقْ ما عنده، أي تعرّف واختبر، واركب الفرس وَذُقْهُ.
قال الشمّاخ في وصف قوس:

فَذَاقَ فأعطته من اللّين جانبا = كَفَى وَلَها أن تُفْرِقَ السَّهْمَ حَاجِزُ
يريد: أنه ذاق القوس بالنَّزع فيها ليعلم أليِّنَةٌ هي أم صَلبة؟
وقال آخر:
وإنَّ الله ذاق حُلُوم قيس = فلمّا راء خِفَّتَها قلاها
وهذه الآية نزلت في أهل مكة، وكانوا آمنين بها لا يغار عليهم، مطمئنين لا ينتجعون ولا يتنقَّلون، فأبدلهم الله بالأمن الخوف من سرايا رسول الله صلّى الله عليه وسلم وبعوثه، وبالكفاية الجوع سبع سنين، حتى أكلوا القِدَّ والعظام.
ولباس الجوع والخوف: ما ظهر عليهم من سوء آثارهما بالضّمر والشّحوب ونهكة البدن، وتغيّر الحال، وكسوف البال.
وقال في موضع آخر: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى}، أي ما ظهر عنه من السّكينة والإخبات والعمل الصالح، وكما تقول: تعرّفت سوء أثر الخوف والجوع على فلان، وَذُقْتُ بمعنى: تعرَّفت، واللّباس: بمعنى سُوءِ الأثرِ، كذلك تقول: ذقت لباس الجوع والخوف، وأذاقني الله ذلك). [تأويل مشكل القرآن: 164-165] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقالوا للكبير: (جلل)، وللصغير: (جلل)، لأنّ الصغير قد يكون كبيرا عند ما هو أصغر منه، والكبير يكون صغيرا عند ما هو أكبر منه، فكلّ واحد منهما صغير كبير.
ولهذا جعلت (بعض) بمعنى (كلّ)، لأنّ الشيء يكون كلّه بعضا لشيء، فهو بعض وكلّ.
وقال عز وجل: {وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ} (وكلّ) بمعنى (بعض)، كقوله: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ}، و{يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ} ،
وقال: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} ). [تأويل مشكل القرآن: 189-190] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وضرب اللّه مثلا قرية كانت آمنة مطمئنّة يأتيها رزقها رغدا من كلّ مكان فكفرت بأنعم اللّه فأذاقها اللّه لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون }
المعنى - واللّه أعلم - وضرب الله مثلا مثل قرية كانت آمنة مطمئنة.
{يأتيها رزقها رغدا من كلّ مكان} أي واسعا من كل مكان.
الذي جاء في التفسير أنه. يعني بها مكة، وذلك أنهم كانوا قد أمنوا الجوع والخوف لأن اللّه جل ثناؤه جعل أفئدة من الناس تهوي إليهم.
فأرزاقهم تأتيهم في بلدهم وكان حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم.
{فكفرت بأنعم اللّه فأذاقها اللّه لباس الجوع والخوف}.
وقد جاعوا حتى بلغوا إلى أن أكلوا الوبر بالدّم، وبلغ منهم الجوع الحال التي لا غاية بعدها. وأنعم جمع نعمة، وقالوا شدّة، وأشدّ.
وقال قطرب: جائز أن يكون جمع نعم وأنعم، مثل بؤس وأبؤس). [معاني القرآن: 3/221]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة} روى معمر عن قتادة قال هي مكة وقال غيره كان أهلها في أمن ودعة ثم ابتلاهم الله بالقتل والجوع سبع سنين قال تعالى: {فأذاقها الله لباس الجوع والخوف} وأصل الذوق بالفم ثم استعمل للابتلاء وللاختبار). [معاني القرآن: 4/109]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (113)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (وقوله: {ولقد جاءهم رسولٌ منهم فكذّبوه} يعرفون نسبه وأمّه، يعني: محمّدًا.
{فأخذهم العذاب وهم ظالمون} أخذهم اللّه بالجوع، والخوف، والقتل الشّديد). [تفسير القرآن العظيم: 1/95]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ولقد جاءهم رسول منهم فكذّبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون}
عذبهم اللّه بالسيف والقتل). [معاني القرآن: 3/221]

تفسير قوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (114)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {فكلوا ممّا رزقكم اللّه حلالا طيّبًا}، يعني المؤمنين، ما أحلّ لهم من الرّزق ومن الغنيمة وغيرها). [تفسير القرآن العظيم: 1/95]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (115)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {إنّما حرّم عليكم الميتة والدّم ولحم الخنزير وما أهلّ لغير اللّه به} ذبائح المشركين، ثمّ أحلّ ذبائح أهل الكتاب من المشركين.
قوله: {فمن اضطرّ غير باغٍ ولا عادٍ فإنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ} وقد فسّرنا ذلك في سورة البقرة وسورة الأنعام). [تفسير القرآن العظيم: 1/95]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فمن اضطر غير باغ ولا عاد}
قال أبو جعفر قد ذكرناه في سورة البقرة وروى عن ابن عباس أنه قال من أكل الميتة وهو غير مضطر إليها فهو باغ عاد
وروى عن سعيد بن جبير ومجاهد أنهما قالا إذا أخاف السبيل وقطع الطريق لم تحلل له الميتة هذا معنى قولهما). [معاني القرآن: 4/110-109]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {وما أهل لغير الله به} أي: ذبح لغير الله، أي: الصنم والوثن). [ياقوتة الصراط: 303]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلالٌ وهذا حرامٌ} لما حرموا من الأنعام والحرث،
وما استحلّوا من أكل الميتة.
{لتفتروا على اللّه الكذب إنّ الّذين يفترون على اللّه الكذب لا يفلحون}
وهي كقوله: {قل أرأيتم ما أنزل اللّه لكم من رزقٍ فجعلتم منه حرامًا وحلالا قلءاللّه أذن لكم أم على اللّه تفترون} ). [تفسير القرآن العظيم: 1/96-95]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلالٌ وهذا حرامٌ لّتفتروا على اللّه الكذب إنّ الّذين يفترون على اللّه الكذب لا يفلحون}
وقال: {ألسنتكم الكذب} جعل (ما تصف) ألسنتهم اسما للفعل كأنه قال "ولا تقولوا لوصف ألسنتكم {الكذب هذا حلالٌ} وقال بعضهم {الكذب} يقول:
"ولا تقولوا للكذب الذي تصفه ألسنتكم". وقال بعضهم {الكذب} فرفع وجعل {الكذب} من صفة الألسنة، كأنه قال: "ألسنةٌ كذبٌ"). [معاني القرآن: 2/68]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على اللّه الكذب إنّ الّذين يفترون على اللّه الكذب لا يفلحون}
في الكذب ثلاثة أوجه، قرئت الكذب، وقرئت الكذب، وقرئت الكذب، فمن قرأ - وهو أكثر القراءة - الكذب فالمعنى: ولا تقولوا لوصف ألسنتكم الكذب:{هذا حلال وهذا حرام}
ومن قرأ الكذب كان ردّا على ما المعنى: ولا تقولوا لوصف ألسنتكم الكذب. ومن قرأ الكذب فهو نعت للألسنة، يقال لسان كذوب وألسنة كذوب.
وهذا إنما قيل لهم لما كانوا حرموه وأحلوه، فقالوا: {ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرّم على أزواجنا}.
وقد شرحنا ذلك في موضعه). [معاني القرآن: 3/222]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام} قال مجاهد يعني البحائر والسيب).
[معاني القرآن: 4/110]

تفسير قوله تعالى: {مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (117)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {متاعٌ قليلٌ} ، أي: إنّ الّذين هم فيه من الدّنيا متاعٌ قليلٌ ذاهبٌ.
{ولهم عذابٌ أليمٌ} في الآخرة، يعنيهم). [تفسير القرآن العظيم: 1/96]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {متاع قليل ولهم عذاب أليم} المعنى متاعهم هذا الذي فعلوه متاع قليل.
ولو كان في غير القرآن لجاز فيه النّصب: متاعا قليلا، على أن المعنى يتمتعون كذلك متاعا قليلا). [معاني القرآن: 3/222]

تفسير قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (118)}
ققال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وعلى الّذين هادوا} اليهود، سمّوا أنفسهم اليهود وتركوا اسم الإسلام.
{حرّمنا} عليهم بكفرهم.
{ما قصصنا عليك من قبل} سعيدٌ عن قتادة، قال: يعني ما قصّ اللّه عليه في سورة الأنعام، وهي مكّيّةٌ، وهذا الموضع من هذه السّورة مدنيٌّ، يعني:
{وعلى الّذين هادوا حرّمنا كلّ ذي ظفرٍ ومن البقر والغنم حرّمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا} والحوايا: المبعر {أو ما اختلط بعظمٍ}
وقد فسّرناه في سورة الأنعام.
قال: {وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} إنّما حرّم ذلك عليهم بظلمهم قال: {فبظلمٍ من الّذين هادوا حرّمنا عليهم طيّباتٍ أحلّت لهم} إلى آخر الآية).
[تفسير القرآن العظيم: 1/96]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وعلى الّذين هادوا} من اليهود). [مجاز القرآن: 1/369]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وعلى الّذين هادوا} يعني اليهود). [تفسير غريب القرآن: 249]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل} قال قتادة هو قوله تعالى:
{وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر} ). [معاني القرآن: 4/110]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (119)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( قوله: {ثمّ إنّ ربّك للّذين عملوا السّوء بجهالةٍ} قال: {ثمّ تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إنّ ربّك من بعدها}
من بعد تلك الجهالة إذا تابوا منها.
{لغفورٌ رحيمٌ} وكلّ ذنبٍ عمله العبد فهو بجهالةٍ وذلك منه جهلٌ.
سعيدٌ عن قتادة، قال: كلّ ذنبٍ أتاه عبدٌ فهو بجهالةٍ.
الحسن بن دينارٍ عن الحسن، قال: يعمل الذّنب ولا يعلم أنّه ذنبٌ فإذا أخبر أنّه ذنبٌ تركه.
وقال السّدّيّ: {ثمّ إنّ ربّك للّذين عملوا السّوء بجهالةٍ} ، يعني: الشّرك). [تفسير القرآن العظيم: 1/97-96]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {للّذين عملوا السّوء بجهالةٍ...}
كلّ من عمل سوءا فهو جاهل إذا عمله). [معاني القرآن: 2/114]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {إنّ إبراهيم كان أمّةً} والأمّة في تفسير غير واحدٍ: السّنّة، في الخير، يعلّم الخير.
وقال السّدّيّ: يعني كان إمامًا يقتدى به في الخير.
سعيدٌ عن قتادة قال: {كان أمّةً قانتًا}، أي: مطيعًا للّه.
كان إمام هدًى يهتدى به.
- قرّة بن خالدٍ عن سيّار بن سلامة أنّ ابن مسعودٍ قال: إنّ معاذ بن جبلٍ كان أمّةً.
ثمّ قال ابن مسعودٍ: إنّ معاذًا كان يعلّم الخير.
وفي تفسير المعلّى عن أبي يحيى عن مجاهدٍ قال: كان مؤمنًا وحده والنّاس كلّهم كفّارًا.
- إبراهيم بن محمّدٍ عن صالحٍ مولى التّوأمة عن ابن عبّاسٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «يأتي زيد بن عمرو بن نفيلٍ أمّةً وحده يوم القيامة».
قوله: {قانتًا للّه} أي: مطيعًا.
{حنيفًا} مخلصًا.
{ولم يك من المشركين} ). [تفسير القرآن العظيم: 1/97]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أمّةً قانتاً...} معلماً للخير). [معاني القرآن: 2/114]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إنّ إبراهيم كان أمّةً قانتاً لله} أي إماماً مطيعاً لله.
{حنيفاً} مسلماً؛ ومن كان في الجاهلية يختتن ويحج البيت فهو حنيف). [مجاز القرآن: 1/369]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {إن إبراهيم كان أمة قانتا}: معلما للخير يؤتم به {والقانت} المطيع). [غريب القرآن وتفسيره: 210]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {كان أمّةً} أي معلما للخير. يقال: فلان أمة. وقد بينت هذا في كتاب «المشكل».
{قانتاً للّه} أي مطيعا). [تفسير غريب القرآن: 249]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ثم تصير الأمّة: الإمام والرّباني، كقوله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا} أي: إماما يقتدي به الناس،
لأنه ومن اتبعه أمّة، فسمّي أمّة لأنه سبب الاجتماع.
وقد يجوز أن يكون سمّي أمّة: لأنه اجتمع عنده من خلال الخير ما يكون مثله في أمة. ومن هذا يقال: فلان أمّة وحده، أي: هو يقوم مقام أمة). [تأويل مشكل القرآن: 445]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقوله: {ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا} أي بأمثالهم من المؤمنين.
يقول: فإذا كنتم أنتم بهذه المنزلة فيما بينكم وبين أرقائكم، فكيف تجعلون لله من عبيده شركاء في ملكه؟
ومثله قوله: {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ} فجعل منكم المالك والمملوك {فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا} يعني: السادة {بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} من عبيدهم حتى يكونوا فيه شركاء. يريد: فإذا كان هذا لا يجوز بينكم، فكيف تجعلونه لله؟). [تأويل مشكل القرآن: 383] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (القنوت: القيام.
وسئل صلّى الله عليه وسلم: أيّ الصلاة أفضل؟ فقال: «طول القنوت» أي طول القيام.
وقال تعالى: {أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا}، أي أمن هو مصلّ، فسميت الصلاة قنوتا: لأنها بالقيام تكون.
وروي عنه عليه السلام، أنه قال: «مثل المجاهد في سبيل الله كمثل القانت الصائم»، يعني المصلّي الصّائم.
ثم قيل للدعاء: قنوت، لأنّه إنما يدعو به قائما في الصلاة قبل الركوع أو بعده.
وقيل، الإمساك عن الكلام في الصلاة قنوت، لأن الإمساك عن الكلام يكون في القيام، لا يجوز لأحد أن يأتي فيه بشيء غير القرآن.
قال زيد بن أرقم: كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}، فنهينا عن الكلام وأمرنا بالسكوت.
ويقال: إن قانتين في هذا الوضع: مطيعين.
والقنوت: الإقرار بالعبوديّة، كقوله: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ}، أي مقرّون بعبوديته.
والقنوت: الطاعة، كقوله: {وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ}، أي: المطيعين والمطيعات.
وقوله: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ} ، أي مطيعا لله.
ولا أرى أصل هذا الحرف إلا الطاعة، لأنّ جميع هذه الخلال: من الصلاة، والقيام فيها، والدعاء وغير ذلك- يكون عنها). [تأويل مشكل القرآن: 452-451] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {إنّ إبراهيم كان أمّة قانتا للّه حنيفا ولم يك من المشركين}
جاء في التفسير أنه كان آمن وحده، وفي أكثر التفسير أنه كان معلّما للخير وإماما حنيفا قيل أخذ بالختانة.
وحقيقته في اللغة أن الحنيف المائل إلى الشيء لا يزول عنه أبدا، فكان عليه السلام مائلا إلى الإسلام غير زائل عنه.
وقالوا في القانت هو المطيع، والقانت القائم بجميع أمر الله - جلّ وعزّ -.
وقوله: {ولم يك من المشركين}.
{لم يك} أصلها لم يكن، وإنما حذفت النون عند سيبويه لكثرة استعمال هذا الحرف، وذكر الجلة من البصريين أنه اجتمع فيها كثرة الاستعمال، وأنها عبارة عن كل ما يمضي من الأفعال وما يستأنف، وأنها مع ذلك قد أشبهت حروف اللين لأنها تكون علامة كما تكون حروف اللين علامة، وأنها غنة تخرج من الأنف. فلذلك احتملت الحذف).
[معاني القرآن: 3/223-222]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {إن إبراهيم كان أمة قانتا لله}
روى الشعبي عن مسروق قال تلا عبد الله بن مسعود رحمه الله إن إبراهيم كان أمة قانتا لله فقال إن معاذ بن جبل كان أمة قانتا لله أتدرون ما الأمة هو الذي يعلم الناس الخير أتدرون ما القانت هو المطيع قال أبو جعفر لم يقل في هذه الآية أحسن من هذا لأنه إذا كان يعلم الناس الخير فهو يؤتم به وهذا مذهب أبي عبيدة والكسائي
القنوت القيام فقيل للمطيع قانت لقيامه بطاعة الله وروى أبو يحيى عن مجاهد إن إبراهيم كان أمة قانتا لله قال كان مؤمنا وحده والناس كلهم كفار وقال بعض أهل اللغة يقوي هذا حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر زيد بن عمرو بن نفيل فقال كان أمة وحده). [معاني القرآن: 4/111-110]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {إن إبراهيم كان أمة قانتا} أخبرنا أبو عمر - قال أخبرنا ثعلب عن ابن الأعرابي:
قال الأمة: العالم والنهاية في وقته، والأمة: الملة والدين، والأمة - أيضا: الجماعة من الناس،
والأمة: الحين والوقت، والأمة والأم واحد، والأمة العامة). [ياقوتة الصراط: 304-303]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {كان أمة} أي معلما للخير {قانتا} مطيعا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 133]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {أُمَّةً}: تأتمّ به.
{قانِتاً}: طائعا). [العمدة في غريب القرآن: 179]

تفسير قوله تعالى: {شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (121)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({شاكرًا لأنعمه اجتباه} للنّبوّة، واجتباه واصطفاه واختاره واحدٌ.
{وهداه إلى صراطٍ مستقيمٍ} إلى طريقٍ مستقيمٍ، إلى الجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 1/97]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {اجتباه} اختاره). [مجاز القرآن: 1/369]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {شاكراً لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراطٍ مّستقيمٍ}
وقال: {شاكراً لأنعمه} وقال: {فكفرت بأنعم اللّه} فجمع "النّعمة" على "أنعمٍ" كما قال: {حتّى إذا بلغ أشدّه} فزعموا أنه جمع "الشدّة"). [معاني القرآن: 2/69-68]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {اجتباه}: اختاره). [غريب القرآن وتفسيره: 210]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {شاكراً لأنعمه} جمع نعم. يقال: يوم نعم ويوم بؤس ويجمع أنعم وأبؤس. وليس قول من قال: إنه جمع نعمة، بشيء. لأن فعلة لا يجمع على أفعل). [تفسير غريب القرآن: 249]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {شاكرا لأنعمه} جمع نعم، يقال: نعم وأنعم، وبؤس وأبؤس، ليس بجمع ''نعمة''). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 133]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {اجْتَباهُ}: اختاره). [العمدة في غريب القرآن: 179]

تفسير قوله تعالى: {وَآَتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (122)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وآتيناه في الدّنيا حسنةً} وهو كقوله: {وآتيناه أجره في الدّنيا}.
سعيدٌ عن قتادة، قال: ليس من أهل دينٍ إلا وهم يتولّونه ويرضونه.
قال: {وتركنا عليه في الآخرين} الثّناء الحسن).
وقال في آية أخرى: {وإنّه في الآخرة لمن الصّالحين} في المنزلة عند اللّه.
تفسير السّدّيّ.
قال يحيى: والصّالحون أهل الجنّة، وأفضلهم الأنبياء.
وقال ابن مجاهدٍ عن أبيه: لسان صدقٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/98-97]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله: {وآتيناه في الدنيا حسنة} قال مجاهد لسان صدق). [معاني القرآن: 4/111]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (123)}

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (124)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {إنّما جعل السّبت على الّذين اختلفوا فيه وإنّ ربّك ليحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون}
سعيدٌ عن قتادة، قال: استحلّه بعضهم، وحرّمه بعضهم.
{وإنّ ربّك ليحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون} وحكمه فيهم أن يدخل المؤمن منهم الجنّة، ويدخل الكافرين النّار.
وقال الكلبيّ: إنّ موسى أمر قومه أن يتفرّغوا إلى اللّه في كلّ سبعةٍ أيّامٍ يومًا؛ يعبدونه ولا يعملون فيه شيئًا من ضيعتهم والسّتّة الأيّام لضيعتهم.
فأمرهم بالجمعة، فاختاروا هم السّبت، وأبوا إلا السّبت.
فاختلافهم أنّهم أبوا الجمعة واختاروا السّبت.
- عثمان عن نعيم بن عبد اللّه عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ((نحن الآخرون ونحن السّابقون.
ذلك بأنّهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم. ها أنتم هذا اليوم الّذي اختلفوا فيه وهدانا اللّه له، فاليوم لنا، وغدًا لليهود، وبعد غدٍ للنّصارى.
فاليوم لنا، يعني: يوم الجمعة، وغدًا لليهود، يعني: السّبت، وبعد غدٍ للنّصارى، يعني: الأحد)) ). [تفسير القرآن العظيم: 1/98]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إنّما جعل السّبت على الّذين اختلفوا فيه...}
أتى موسى أصحابه فقال: تفرّغوا لله يوم الجمعة فلا تعملوا فيه شيئاً، فقالوا: لا، بل يوم السبت، فرغ الله فيه من خلق السموات والأرض، فشدّد عليهم فيه. وأتى عيسى النصارى بالجمعة أيضاً فقالوا: لا يكون عيدهم بعد عيدنا فصاروا إلى الأحد. فذلك اختلافهم وتقرأ (إنما جعل السبت نصباً، أي جعل الله تبارك وتعالى) ). [معاني القرآن: 2/114]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {إنّما جعل السّبت على الّذين اختلفوا فيه وإنّ ربّك ليحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون}
الكلام يدل على أنهم ألزموا آية نبوة موسى عليه السلام.
وجاء في التفسير أنه حرمه بعضهم وأحلّه بعضهم.
وهذا أدلّ ما جاء من الاختلاف في السبت، وقد جاء كثير في التفسير أنهم أمروا بأن يتّخذوا عيدا فخالفوا وقالوا نريد يوم السبت لأنه آخر يوم فرغ فيه من خلق السّماوات والأرض، وأن عيسى أمر النصارى أن يتخذوا الجمعة عيدا فقالوا لا يكون عيدنا إلا بعد عيد اليهود فجعلوه الأحد، واللّه أعلم بحقيقة ذلك). [معاني القرآن: 3/223]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه}
روى سعيد بن جبير عن قتادة قال أحله بعضهم وحرمة بعضهم وقال مجاهد تركوا الجمعة واختاروا السبت). [معاني القرآن: 4/112-111]

تفسير قوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ادع إلى سبيل ربّك} الهدى، الطّريق إلى الجنّة.
وقال السّدّيّ: يعني: إلى دين ربّك.
{بالحكمة} يعني: القرآن.
تفسير السّدّيّ.
{والموعظة الحسنة} القرآن.
{وجادلهم بالّتي هي أحسن} يأمرهم بما أمرهم اللّه به، وينهاهم عمّا نهاهم اللّه عنه.
{إنّ ربّك هو أعلم بمن ضلّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين}، أي: إنّهم مشركون ضالّون، وإنّ محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه مؤمنون مهتدون). [تفسير القرآن العظيم: 1/99]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ادع إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالّتي هي أحسن إنّ ربّك هو أعلم بمن ضلّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين}
جاء في التفسير: {الحكمة} النبوة، و {الموعظة} القرآن.
{وجادلهم بالتي هي أحسن}أي جادلهم غير فظ ولا غليظ القلب في ذلك. ألن لهم جانبك). [معاني القرآن: 3/223]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}
وجادلهم بالتي هي أحسن هي منسوخة). [معاني القرآن: 4/112]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خيرٌ للصّابرين}
- المعلّى عن أبي بكر بن عبد اللّه عن مجاهدٍ عن ابن عبّاسٍ، قال: لمّا كان يوم أحدٍ مثّل المشركون بحمزة يوم أحدٍ وقطعوا مذاكيره، فلمّا رآه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم جزع عليه جزعًا شديدًا فأمر به فغطّي ببردةٍ كانت عليه، فمدّها على وجهه ورأسه وجعل على رجليه إذ خرّ وصلّى عليه، ثمّ قال رسول اللّه: لأمثّلنّ بثلاثين من قريشٍ.
فأنزل اللّه: {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خيرٌ للصّابرين * واصبر وما صبرك إلا باللّه} فصبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وترك ذلك ولم يمثّل.
- ابن لهيعة عن عبيد اللّه بن أبي جعفرٍ عن مكحولٍ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان ينهى جيوشه عن المثل بالكفّار.
- الحسن بن دينارٍ عن الحسن عن عمران بن حصينٍ قال: نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن المثلة). [تفسير القرآن العظيم: 1/99-100]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به...}
(نزلت في حمزة) لمّا مثّل المشركون بحمزة يوم أحد فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لأمثّلنّ بسبعين شيخاً من قريش فأنزل الله عز وجل: {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به}
ثم أمره بالصبر فقال {ولئن صبرتم لهو خيرٌ لّلصّابرين} ثم أمره بالصبر عزماً). [معاني القرآن: 2/115]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصّابرين }
سمّي الأول عقوبة، وإنما العقوبة الثاني - لازدواج الكلام لأن الجنسين في الفعل معنى واحد. ومثله: {وجزاء سيّئة سيّئة مثلها} فالثاني ليس بسيئة ولكنه سمّي به ليتفق اللفظ،
لأن معنى القتل واحد وقد بيّنّا نظير هذا في سورة آل عمران في قوله: {ومكروا ومكر اللّه}.
وجاء في التفسير أن المسلمين همّوا بأن يمثّلوا بالمشركين، لأنهم كانوا قد مثّلوا بهم، فهمّ المسلمون بأن يزيدوا في المثلة، فأمروا بأن لا يزيدوا وجائز - واللّه أعلم -
أن يكون معنى: {وجزاء سيّئة سيّئة مثلها} أي من فعل به ما يجب فيه القصاص فلا يجاوز القصاص إلا بمثل.
وقوله جلّ وعزّ: {ولئن صبرتم لهو خير للصّابرين}.
هو مثل قوله: {فمن عفا وأصلح فأجره على اللّه} ). [معاني القرآن: 3/224-223]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} قال قتادة لما مثلوا بحمزة رضي الله عنه قال لنمثلن بهم فأنزل الله جل وعز هذه الآية وروى على بن الحكم عن الضحاك قال نزلت هذه الآية قبل القتال وقبل سورة براءة قال أبو جعفر وهذا القول أولى وقد قال زيد بن أسلم نحوه
قال لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أذن له في جهاد المشركين والغلظة عليهم ويدلك على أن هذا نزل بمكة قوله تعالى: {ولا تك في ضيق مما يمكرون} وأكثر مكرهم وحزنه صلى الله عليه وسلم عليهم كان بمكة، فأما حديث أبي هريرة وابن عباس لما قتل حمزة رحمة الله عليه قال النبي صلى الله عليه وسلم لأمثلن بسبعين منهم فنزلت:
{وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} فإسنادهما ضعيف). [معاني القرآن: 4/113-112]

تفسير قوله تعالى: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خيرٌ للصّابرين}
- المعلّى عن أبي بكر بن عبد اللّه عن مجاهدٍ عن ابن عبّاسٍ قال: لمّا كان يوم أحدٍ مثّل المشركون بحمزة يوم أحدٍ وقطعوا مذاكيره، فلمّا رآه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم جزع عليه جزعًا شديدًا فأمر به فغطّي ببردةٍ كانت عليه، فمدّها على وجهه ورأسه وجعل على رجليه إذ خرّ وصلّى عليه، ثمّ قال رسول اللّه: لأمثّلنّ بثلاثين من قريشٍ.
فأنزل اللّه: {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خيرٌ للصّابرين * واصبر وما صبرك إلا باللّه} فصبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وترك ذلك ولم يمثّل.
- ابن لهيعة عن عبيد اللّه بن أبي جعفرٍ عن مكحولٍ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان ينهى جيوشه عن المثل بالكفّار.
- الحسن بن دينارٍ عن الحسن عن عمران بن حصينٍ، قال: نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن المثلة). [تفسير القرآن العظيم: 1/100-99] (م)
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ولا تحزن عليهم} على المشركين إن لم يؤمنوا.
{ولا تك في ضيقٍ ممّا يمكرون} لا يضيق صدرك بمكرهم وكذبهم عليك). [تفسير القرآن العظيم: 1/100]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {واصبر وما صبرك إلاّ باللّه...}
وقوله: {ولا تك في ضيقٍ مّمّا يمكرون} فالضّيق ما ضاق عنه صدرك، والضّيق ما يكون في الذي يتّسع؛ مثل الدار والثوب وأشباه ذلك إذا رأيت الضّيق وقع في موقع الضّيق كان على وجهين: أحدهما أن يكون جمعاً واحدته ضيقة كما قال:
* كشف الضيقة عنا وفسح *
والوجه الآخر أن يراد به شيء ضيّق فيكون مخففاً، وأصله التشديد مثل هين ولين تريد هيّن ليّن). [معاني القرآن: 2/115]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {في ضيقٍ} مفتوح الأول وهو تخفيف ضيّقٍ بمنزلة ميّت وهيّن وليّن، وإذا خففتها قلت ميت ولين وإذا كسرت أول ضيق فهو مصدر الضّيق). [مجاز القرآن: 1/369]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ولا تك في ضيقٍ} تخفيف ضيّق. مثل: هين ولين. وهو إذا كان على التأويل صفة.
كأنه قال: لا تك في أمر ضيق من مكرهم.
ويقال: إن «ضيق» و«ضيق» بمعنى واحد. كما يقال: رطل ورطل.
ويقال: أنا قي ضيق وضيقة. وهو أعجب إليّ). [تفسير غريب القرآن: 250-249]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {واصبر وما صبرك إلّا باللّه ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق ممّا يمكرون}
ضيق، في معنى ضيّق مخفف، مثل ميت وميّت. وجائز أن يكون بمعنى الضّيق، فيكون مصدرا لقولك ضاق الشيء يضيق ضيقا). [معاني القرآن: 3/224]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {في ضيق} أي في ضيق). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 133]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (فـ {إنّ اللّه} معك و {مع الّذين اتّقوا والّذين هم محسنون} ). [تفسير القرآن العظيم: 1/100]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {إنّ اللّه مع الّذين اتّقوا والّذين هم محسنون}أي إن اللّه ناصرهم،
كما قال: {لا تحزن إنّ اللّه معنا} فقد وعد في هذه الآية بالنّصر). [معاني القرآن: 3/224]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (قوله جل اسمه: {إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون} روى عن الحسن أنه قال اتقوا الله جل وعز فيما حرم عليكم وأحسنوا في أداء فرائضه). [معاني القرآن: 4/114]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:45 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة