العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير جزء قد سمع

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 29 جمادى الأولى 1434هـ/9-04-2013م, 07:23 AM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي تفسير سورة المجادلة [ من الآية (1) إلى الآية (4) ]

{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1) الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2) وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 29 جمادى الأولى 1434هـ/9-04-2013م, 07:25 AM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن أبي إسحاق في قوله تعالى قد سمع الله قول التي تجادلك قال نزلت في امرأة اسمها خويلة قال معمر قال عكرمة أيضا اسمها خولة بنت ثعلبة وزوجها أوس بن الصامت فقال جاءت إلى النبي فقالت إن زوجها جعلها عليه كظهر أمه فقال النبي ما أراك إلا وقد حرمت عليه وهو حينئذ يغسل رأسه فقالت انظر جعلني الله فداك يا نبي الله قال ما أراك إلا قد حرمت عليه قالت انظر في شأني فجعلت تجادله ثم حول شق رأسه الآخر لتغسله فتحولت من الجانب الآخر فقالت انظر جعلني الله فداك يا نبي الله فقالت الغاسلة أقصري من حديثك ومجادلتك يا خولة أما ترين وجه رسول الله قد تربد ليوحى إليه فأنزل الله تعالى قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها حتى بلغ ثم يعودون قال قتادة حرمها ثم يريد أن يعود لها يطؤها فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا حتى بلغ بما تعملون خبير). [تفسير عبد الرزاق: 2/277]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أخبرنا جريرٌ، عن الأعمش، عن تميم بن سلمة، عن عروة، عن عائشة، أنّها قالت: " الحمد للّه الّذي وسع سمعه الأصوات، لقد جاءت خولة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تشكو زوجها، فكان يخفى عليّ كلامها، فأنزل الله عزّ وجلّ {قد سمع الله قول الّتي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما} [المجادلة: 1] الآية). [السنن الكبرى للنسائي: 10/289]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قد سمع اللّه قول الّتي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى اللّه واللّه يسمع تحاوركما إنّ اللّه سميعٌ بصيرٌ}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: {قد سمع اللّه} يا محمّد {قول الّتي تجادلك في زوجها}. والّتي كانت تجادل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في زوجها امرأةٌ من الأنصار.
واختلف أهل العلم في نسبها واسمها، فقال بعضهم: خولة بنت ثعلبة، وقال بعضهم: اسمها خويلة بنت ثعلبة، وقال آخرون: هي خويلة بنت خويلدٍ، وقال آخرون: هي خويلة بنت الصّامت. وقال آخرون: هي خويلة ابنة الدّليج.
وكانت مجادلتها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في زوجها - وزوجها أوس بن الصّامت - مراجعتها إيّاه في أمره، وما كان من قوله لها: أنت عليّ كظهر أمّي. ومحاورتها إيّاه في ذلك. وبذلك قال أهل التّأويل، وتظاهرت به الرّواية.
ذكر من قال ذلك والآثار الواردة به:
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا أبو داود، قال: سمعت أبا العالية يقول: إنّ خويلة ابنة الدّليج أتت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وعائشة تغسل شقّ رأسه، فقالت: يا رسول اللّه، طالت صحبتي مع زوجي، ونفضت له بطني، وظاهر منّي. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: حرمت عليه، فقالت: أشكو إلى اللّه فاقتي. ثمّ قالت: يا رسول اللّه طالت صحبتي، ونفضت له بطني. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: حرمت عليه. فجعل إذا قال لها: حرمت عليه. هتفت وقالت: أشكو إلى اللّه فاقتي. قال: فنزل الوحي، وقد قامت عائشة تغسل شقّ رأسه الآخر، فأومأت إليها عائشة أن: اسكتي. قالت: وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا نزل عليه الوحي أخذه مثل السّبات، فلمّا قضي الوحي، قال: ادعي زوجك. فتلاها عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {قد سمع اللّه قول الّتي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى اللّه واللّه يسمع تحاوركما}. إلى قوله: {والّذين يظاهرون من نسائهم ثمّ يعودون لما قالوا}. أي يرجع فيه {فتحرير رقبةٍ من قبل أن يتماسّا}.: أتستطيع رقبةً؟ قال: لا. قال: {فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين}. قال: يا رسول اللّه، إنّي إذا لم آكل في اليوم ثلاث مرارٍ خشيت أن يعشو بصري. قال: {فمن لم يستطع فإطعام ستّين مسكينًا}. قال: أتستطيع أن تطعم ستّين مسكينًا؟ قال: لا يا رسول اللّه، إلاّ أن تعينني. فأعانه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأطعم.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة قال: ذكر لنا أنّ خويلة ابنة ثعلبة وكان زوجها أوس بن الصّامت قد ظاهر منها، فجاءت تشتكي إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقالت: ظاهر منّي زوجي حين كبر سنّي، ورقّ عظمي. فأنزل اللّه فيها ما تسمعون: {قد سمع اللّه قول الّتي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى اللّه}. فقرأ حتّى بلغ {لعفوٌّ غفورٌ والّذين يظاهرون من نسائهم ثمّ يعودون لما قالوا}.
يريد أن يغشى بعد قوله ذلك، فدعاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال له: أتستطيع أن تحرّر محرّرًا؟ قال: ما لي بذلك يدان. أو قال: لا أجد. قال: أتستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا واللّه؛ إنّه إذا أخطأه المأكل كلّ يومٍ مرارًا يكلّ بصره. قال: أتستطيع أن تطعم ستّين مسكينًا؟ قال: لا واللّه، إلاّ أن تعينني منك بعونٍ وصلاةٍ. قال بشرٌ، قال يزيد: يعني دعاءً؛ فأعانه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بخمسة عشر صاعًا، فجمع اللّه له، واللّه رحيمٌ.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة في قوله: {قد سمع اللّه قول الّتي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى اللّه واللّه يسمع تحاوركما}. قال: ذاك أوس بن الصّامت، ظاهر من امرأته خويلة ابنة ثعلبة قالت: يا رسول اللّه كبر سنّي، ورقّ عظمي، وظاهر منّي زوجي. قال: فأنزل اللّه: {الّذين يظاهرون منكم من نسائهم} إلى قوله: {ثمّ يعودون لما قالوا}. يريد أن يغشى بعد قوله: {فتحرير رقبةٍ من قبل أن يتماسّا}. فدعاه إليه نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: هل تستطيع أن تعتق رقبةً؟ قال: لا. قال: أفتستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: إنّه إذا أخطأه أن يأكل كلّ يومٍ ثلاث مرّاتٍ يكلّ بصره. قال: أتستطيع أن تطعم ستّين مسكينًا؟ قال: لا، إلاّ أن يعينني فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعونٍ وصلاةٍ. فأعانه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بخمسة عشر صاعًا، وجمع اللّه له أمره، واللّه غفورٌ رحيمٌ.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عبيد اللّه بن موسى، عن أبي حمزة، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: كان الرّجل إذا قال لامرأته في الجاهليّة: أنت عليّ كظهر أمّي، حرمت في الإسلام، فكان أوّل من ظاهر في الإسلام أوس بن الصّامت، وكانت تحته ابنة عمٍّ له يقال لها خويلة بنت خويلدٍ وظاهر منها، فأسقط في يديه، وقال: ما أراك إلاّ قد حرمت عليّ. وقالت له مثل ذلك، قال: فانطلقي إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؛ قال: فأتت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فوجدت عنده ماشطةً تمشط رأسه، فأخبرته، فقال: يا خويلة ما أمرنا في أمرك بشيءٍ. فأنزل اللّه على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا خويلة أبشري. قالت: خيرًا. قال: فقرأ عليها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {قد سمع اللّه قول الّتي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى اللّه}. إلى قوله: {فتحرير رقبةٍ من قبل أن يتماسّا}. قالت: وأيّ رقبةٍ لنا، واللّه ما يجد رقبةً غيري. قال: {فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين}. قالت: واللّه لولا أنّه يشرب في اليوم ثلاث مرّاتٍ لذهب بصره. قال: {فمن لم يستطع فإطعام ستّين مسكينًا}. قالت: من أين؟ ما هي إلاّ أكلةً إلى مثلها، قال: فدعا بشطر وسقٍ ثلاثين صاعًا والوسق ستّون صاعًا، فقال: ليطعم ستّين مسكينًا وليراجعك.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {قد سمع اللّه قول الّتي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى اللّه}. إلى قوله: {فإطعام ستّين مسكينًا} وذلك أنّ خولة بنت الصّامت - امرأةٌ من الأنصار - ظاهر منها زوجها، فقال: أنت عليّ مثل ظهر أمّي. فأتت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقالت: إنّ زوجي كان تزوّجني، وأنا أحبّ النّاس إليه، حتّى إذا كبرت ودخلت في السّنّ قال: أنت عليّ مثل ظهر أمّي، فتركني إلى غير أحدٍ، فإن كنت تجد لي رخصةً يا رسول اللّه تنعشني وإيّاه بها فحدّثني بها. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ما أمرت في شأنك بشيءٍ حتّى الآن، ولكن ارجعي إلى بيتك، فإن أومر بشيءٍ لا أعمّه عليك إن شاء اللّه. فرجعت إلى بيتها، وأنزل اللّه على رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم في الكتاب رخصتها ورخصة زوجها: {قد سمع اللّه قول الّتي تجادلك في زوجها}. إلى قوله: {وللكافرين عذابٌ أليمٌ}. فأرسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى زوجها؛ فلمّا أتاه قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ما أردت إلى يمينك الّتي أقسمت عليها؟ فقال: وهل لها كفّارةٌ؟ فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: هل تستطيع أن تعتق رقبةً؟ قال: إذًا يذهب مالي كلّه، الرّقبة غاليةٌ وأنا قليل المال. فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا واللّه لولا أنّي آكل في اليوم ثلاث مرّاتٍ لكلّ بصري، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: هل تستطيع أن تطعم ستّين مسكينًا؟ قال: لا واللّه إلاّ أن تعينني على ذلك بعونٍ وصلاةٍ. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّي معينك بخمسة عشر صاعًا، وأنا داعٍ لك بالبركة فأصلح ذلك بينهما. قال: وجعل فيه تحرير رقبةٍ لمن كان موسرًا لا يكفّر عنه إلاّ تحرير رقبةٍ إذا كان موسرًا من قبل أن يتماسّا، فإن لم يكن موسرًا فصيام شهرين متتابعين، لا يصلح له إلاّ الصّوم إذا كان معسرًا، إلاّ أن لا يستطيع، فإن لم يستطع فإطعام ستّين مسكينًا، وذلك كلّه قبل الجماع.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا مهران، عن أبي معشرٍ المدنيّ، عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ، قال: كانت خولة ابنة ثعلبة تحت أوس بن الصّامت، وكان رجلاً به لممٌ، فقال في بعض هجراته: أنت عليّ كظهر أمّي، ثمّ ندم على ما قال، فقال لها: ما أظنّك إلاّ قد حرمت عليّ. قالت: لا تقل ذلك، فواللّه ما أحبّ اللّه طلاقًا. قالت: ائت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فسله. فقال: إنّي أجدني أستحي منه أن أسأله عن هذا، فقالت: فدعني أن أسأله، فقال لها: سليه؛ فجاءت إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقالت: يا نبيّ اللّه إنّ أوس بن الصّامت أبو ولدي، وأحبّ النّاس إليّ، قد قال كلمةً، والّذي أنزل عليك الكتاب ما ذكر طلاقًا، قال: أنت عليّ كظهر أمّي. فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: ما أراك إلاّ قد حرمت عليه. قالت: لا تقل ذلك يا نبيّ اللّه، واللّه ما ذكر طلاقًا؛ فرادّت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم مرارًا، ثمّ قالت: اللّهمّ إنّي أشكو اليوم شدّة حالي ووحدتي، وما يشقّ عليّ من فراقه، اللّهمّ فأنزل على لسان نبيّك. فلم ترم مكانها حتّى أنزل اللّه {قد سمع اللّه قول الّتي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى اللّه}. إلى أن ذكر الكفّارات، فدعاه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: أعتق رقبةً. لا أجد، فقال: صم شهرين متتابعين قال: لا أستطيع، إنّي لأصوم اليوم الواحد فيشقّ عليّ. قال: أطعم ستّين مسكينًا؟ قال: أمّا هذا فنعم.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن أبي إسحاق، {قد سمع اللّه قول الّتي تجادلك في زوجها}. قال: نزلت في امرأةٍ اسمها خولة، وقال عكرمة: اسمها خويلة ابنة ثعلبة وزوجها أوس بن الصّامت، جاءت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقالت: إنّ زوجها جعلها عليه كظهر أمّه، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: ما أراك إلاّ قد حرمت عليه. وهو حينئذٍ يغسل رأسه، فقالت: انظر جعلت فداك يا نبيّ اللّه. فقال: ما أراك إلاّ قد حرمت عليه. فقالت: انظر في شأني يا رسول اللّه. فجعلت تجادله، ثمّ حوّل رأسه ليغسله، فتحوّلت من الجانب الآخر، فقالت: انظر جعلني اللّه فداك يا نبيّ اللّه، فقالت الغاسلة: أقصري حديثك ومخاطبتك يا خولة، أما ترين وجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم متربّدًا ليوحى إليه. فأنزل اللّه: {قد سمع اللّه قول الّتي تجادلك في زوجها}. حتّى بلغ {ثمّ يعودون لما قالوا} قال قتادة: فحرّمها، ثمّ يريد أن يعود لها فيطأها، {فتحرير رقبةٍ}. حتّى بلغ {بما تعملون خبيرٌ}.
قال أيّوب: أحسبه ذكره عن عكرمة، أنّ الرّجل قال: يا نبيّ اللّه ما أجد رقبةً، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: ما أنا بزائدك فأنزل اللّه عليه: {فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسّا}. فقال: واللّه يا نبيّ اللّه ما أطيق الصّوم، إنّي إذا لم آكل في اليوم كذا وكذا أكلةً لقيت ولقيت، فجعل يشكو إليه، فقال: ما أنا بزائدك فنزلت: {فمن لم يستطع فإطعام ستّين مسكينًا}.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، قال: حدّثنا ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه عزّ وجلّ: {الّتي تجادلك في زوجها}. قال: تجادل محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم، فهي تشتكي إلى اللّه عند كبره وكبرها حتّى انتفض وانتفض رحمها.
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه {الّتي تجادلك في زوجها}. قال: محمّدًا في زوجها قد ظاهر منها، وهي تشتكي إلى اللّه، ثمّ ذكر سائر الحديث نحوه.
- حدّثنا عبد الوارث بن عبد الصّمد، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا أبان العطّار، قال: حدّثنا هشام بن عروة، عن عروة، أنّه كتب إلى عبد الملك بن مروان: كتبت إليّ تسألني عن خويلة ابنة أوس بن الصّامت، وإنّها ليست بابنة أوس بن الصّامت، ولكنّها امرأة أوسٍ، وكان أوسٌ امرأً به لممٌ، وكان إذا اشتدّ به لممه تظاهر منها، وإذا ذهب عنه لممه لم يقل من ذلك شيئًا، فجاءت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم تستفتيه وتشتكي إلى اللّه، فأنزل اللّه فيها ما سمعت، وذلك شأنهما.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا وهب بن جريرٍ، قال: حدّثنا أبي، قال: سمعت محمّد بن إسحاق، يحدّث عن معمر بن عبد اللّه، عن يوسف بن عبد اللّه بن سلامٍ، قال: حدّثتني خويلة، امرأة أوس بن الصّامت، قالت: كان بيني وبينه شيءٌ، تعني زوجها، فقال: أنت عليّ كظهر أمّي، ثمّ خرج إلى نادي قومه، ثمّ رجع فراودني عن نفسي، فقالت: كلاّ والّذي نفسي بيده حتّى ينتهي أمري وأمرك إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فيقضي فيّ وفيك أمره، وكان شيخًا كبيرًا رقيقًا، فغلبته بما تغلب به المرأة القويّة الرّجل الضّعيف، ثمّ خرجت إلى جارةٍ لها، فاستعارت ثيابها، فأتت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتّى جلست بين يديه، فذكرت له أمره، فما برحت حتّى أنزل الوحي على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ثمّ قلت: لا يقدر على ذلك، قال: إنّا سنعينه على ذلك بفرقٍ من تمرٍ. قلت: وأنا أعينه بفرقٍ آخر، فأطعم ستّين مسكينًا.
- حدّثني أبو السّائب، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن تميمٍ، عن عروة، عن عائشة، قالت: الحمد للّه الّذي وسع سمعه الأصوات، لقد جاءت المجادلة إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وأنا في ناحية البيت تشكو زوجها ما أسمع ما تقول، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {قد سمع اللّه قول الّتي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى اللّه} إلى آخر الآية.
- حدّثني عيسى بن عثمان الرّمليّ، قال: حدّثنا يحيى بن عيسى، عن الأعمش، عن تميم بن سلمة، عن عروة، عن عائشة، قالت: تبارك الّذي وسع سمعه الأصوات كلّها، إنّ المرأة ل تناجي النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أسمع بعض كلامها، ويخفى عليّ بعض كلامها، إذ أنزل اللّه {قد سمع اللّه قول الّتي تجادلك في زوجها}.
- حدّثني يحيى بن إبراهيم المسعوديّ، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن الأعمش، عن تميم بن سلمة، عن عروة بن الزّبير، قال: قالت عائشة: تبارك الّذي وسع سمعه كلّ شيءٍ، إنّي لأسمع كلام خولة ابنة ثعلبة، ويخفى عليّ بعضه، وهي تشتكي زوجها إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهي تقول: يا رسول اللّه، أكل شبابي، ونثرت له بطني، حتّى إذا كبر سنّي، وانقطع ولدي، ظاهر منّي، اللّهمّ إنّي أشكو إليك. قال: فما برحت حتّى نزل جبريل عليه السّلام بهؤلاء الآيات {قد سمع اللّه قول الّتي تجادلك في زوجها} قال: زوجها أوس بن الصّامت.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن الأعمش، عن تميم بن سلمة، عن عروة، عن عائشة، قالت: الحمد للّه الّذي وسع سمعه الأصوات، إنّ خولة تشتكي زوجها إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فيخفى عليّ أحيانًا بعض ما تقول، قالت: فأنزل اللّه عزّ وجلّ {قد سمع اللّه قول الّتي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى اللّه}.
- حدّثنا الرّبيع بن سليمان، قال: حدّثنا أسد بن موسى، قال: حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، أنّ جميلة كانت امرأة أوس بن الصّامت، وكان امرأً به لممٌ، وكان إذا اشتدّ به لممه ظاهر من امرأته، فأنزل اللّه عزّ وجلّ آية الظّهار.
- حدّثني يحيى بن بشيرٍ القرقسانيّ، قال: حدّثنا عبد العزيز بن عبد الرّحمن الأمويّ، قال: حدّثنا خصيفٌ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: كان ظهار الجاهليّة طلاقًا، فأوّل من ظاهر في الإسلام أوس بن الصّامت أخو عبادة بن الصّامت من امرأته الخزرجيّة، وهي خولة بنت ثعلبة بن مالكٍ؛ فلمّا ظاهر منها حسبت أن يكون ذلك طلاقًا، فأتت به نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقالت: يا رسول اللّه، إنّ أوسًا ظاهر منّي، وإنّا إن افترقنا هلكنا، وقد نثرت بطني منه، وقدمت صحبته؛ فهي تشكو ذلك وتبكي، ولم يكن جاء في ذلك شيءٌ، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {قد سمع اللّه قول الّتي تجادلك في زوجها} إلى قوله: {وللكافرين عذابٌ أليمٌ}. فدعاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: أتقدر على رقبةٍ تعتقها؟ فقال: لا واللّه يا رسول اللّه، ما أقدر عليها. فجمع له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتّى أعتق عنه، ثمّ راجع أهله.
وذكر أنّ ذلك في قراءة عبد اللّه بن مسعودٍ: قد سمع اللّه قول الّتي تحاورك في زوجها.
وقوله: {وتشتكي إلى اللّه}. يقول: وتشتكي المجادلة ما لديها من الهمّ بظهار زوجها منها إلى اللّه وتسأله الفرج {واللّه يسمع تحاوركما}. يعني تحاور رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، والمجادلة خولة ابنة ثعلبة، {إنّ اللّه سميعٌ بصيرٌ}. يقول تعالى ذكره: إنّ اللّه سميع لما تتجاوبانه وتتحاورانه، وغير ذلك من كلام خلقه، بصيرٌ بما تعلمون، ويعمل جميع عباده). [جامع البيان: 22/446-456]
قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (وفي تفسير عبد بن حميد: اسم هذه المجادلة خويلة قاله محمّد بن سيرين، وكان زوجها ظاهر منها، وهو أول ظهار كان في الإسلام، وقال أبو العالية: خويلة بنت دليج وقال عكرمة هي خولة بنت ثعلبة هي خويلة بنت الصّامت، وقال أبو عمر: خولة بنت ثعلبة وزوجها أوس بن الصّامت، وسماها مجاهد: جميلة وسماها ابن منده: خولة بنت الصّامت، وقال أبو عمر. خولة بنت ثعلبة بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم بن عوف، وأما عروة ومحمّد بن كعب وعكرمة. فقالوا: خولة بنت ثعلبة، كانت تحت أوس بن الصّامت أخي عبادة بن الصّامت، وظاهر منها، وفيها نزلت: {قد سمع الله قول الّتي تجادلك في زوجها} (المجادلة: 1) إلى آخر القصّة في الظّهار، وقيل: إن الّتي نزلت فيها هذه الآية جميلة امرأة أوس بن الصّامت، وقيل: بل هي خويلة بنت دليج ولا يثبت شيء من ذلك). [عمدة القاري: 19/222]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن زيد قال: لقي عمر بن الخطاب امرأة يقال لها خولة وهو يسير مع الناس فاستوقفته فوقف لها ودنا منها وأصغى إليها رأسه ووضع يديه على منكبيها حتى قضت حاجتها وانصرفت فقال له رجل يا أمير المؤمنين: حبست رجال قريش على هذه العجوز قال: ويحك وتدري من هذه قال: لا قال: هذه امرأة سمع الله شكواها من فوق سبع سموات هذه خولة بنت ثعلبة والله لو لم تنصرف عني إلى الليل ما انصرفت حتى تقضي حاجتها). [الدر المنثور: 14/298-299]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البخاري في تاريخه، وابن مردويه عن ثمامة بن حزن قال: بينما عمر بن الخطاب يسير على حماره لقيته امرأة فقالت: قف يا عمر فوقف فأغلظت له القول فقال رجل: يا أمير المؤمنين ما رأيت كاليوم فقال: وما يمنعني أن أستمع إليها وهي التي استمع الله لها أنزل فيها ما نزل {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها}.
وأخرج أحمد وأبو داود، وابن المنذر والطبراني، وابن مردويه والبيهقي من طريق يوسف بن عبد الله بن سلام قال: حدثتني خولة بنت ثعلبة قالت: في والله وفي أوس بن الصامت أنزل الله صدر سورة المجادلة قالت: كنت عنده وكان شيخا كبيرا قد ساء خلقه فدخل علي يوما فراجعته بشيء فغضب فقال: أنت علي كظهر أمي ثم رجع فجلس في نادي قومه ساعة ثم دخل علي فإذا هو يريدني عن نفسي قلت: كلا والذي نفس خولة بيده لا تصل إلي وقد قلت ما قلت حتى يحكم الله ورسوله فينا ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فما برحت حتى نزل القرآن فتغشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يتغشاه ثم سري عنه فقال لي: يا خولة قد أنزل الله فيك وفي صاحبك ثم قرأ علي رسول الله صلى الله عليه وسلم {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها} إلى قوله: {عذاب أليم} فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: مريه فليعتق رقبة قلت يا رسول الله: ما عنده ما يعتق قال: فليصم شهرين متتابعين قلت: والله إنه لشيخ كبير ما به من صيام قال: فليطعم ستين مسكينا وسقا من تمر قلت: والله ما ذاك عنده قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإنا سنعينه بعرق من تمر قلت: وأنا يا رسول الله سأعينه بعرق آخر قال: فقد أصبت وأحسنت فاذهبي فتصدقي به عنه ثم استوصي بابن عمك خيرا، قالت: ففعلت). [الدر المنثور: 14/299-300]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور، وابن مردويه والبيهقي عن عطاء بن يسار أن أوس بن الصامت ظاهر من امرأته خولة بنت ثعلبة فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته وكان أوس به لمم فنزل القرآن {والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا} فقال لامرأته: مريه فليعتق رقبة فقالت يا رسول الله: والذي أعطاك ما أعطاك ما جئت إلا رحمة له إن له في منافع والله ما عنده رقبة ولا يملكها قالت: فنزل القرآن وهي عنده في البيت قال: مريه فليصم شهرين متتابعين فقالت: والذي أعطاك ما أعطاك ما قدر عليه فقال: مريه فليتصدق على ستين مسكينا فقالت: يا رسول الله ما عنده ما يتصدق به فقال: يذهب إلى فلان الأنصاري فإن عنده شطر وسق تمر أخبرني أنه يريد أن يتصدق به فليأخذ منه ثم ليتصدق على ستين مسكينا). [الدر المنثور: 14/300-301]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في السنن عن عائشة أن خولة كانت امرأة أوس بن الصامت وكان امرأ به لمم فإذا اشتد لممه ظاهر من امرأته فأنزل الله فيه كفارة الظهار، واخرج النحاس، وابن مردويه والبيهقي من طريق عكرمة عن ابن عابس قال: كان الرجل في الجاهلية لو قال لأمرأته: أنت علي كظهر أمي حرمت عليه وكان أول من ظاهر في الإسلام أوس بن الصامت وكانت تحته ابنة عم له يقال لها خولة فظاهر منها فأسقط في يده وقال: ما أراك إلا قد حرمت علي فانطلقي إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فاسأليه فأتت النّبيّ صلى الله عليه وسلم فوجدت عنده ماشطة تمشط رأسه فأخبرته فقال: يا خولة ما أمرنا في أمرك بشيء فأنزل الله على النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا خولة أبشري قالت: خيرا قال: خيرا فأنزل الله على النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقرأ عليها {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها} الآيات). [الدر المنثور: 14/301-302]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس أن خولة أو خويلة أتت النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن زوجي ظاهر مني فقال لها النّبيّ صلى الله عليه وسلم: ما أراك إلا قد حرمت عليه فقالت أشكو إلى الله فاقتي فأنزل الله {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله}). [الدر المنثور: 14/302]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال في القرآن ما أنزل الله جملة واحدة {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله} كان هذا قبل أن تخلق خولة لو أن خولة أرادت أن لا تجادل لم يكن ذلك لأن الله كان قد قدر ذلك عليها قبل أن يخلقها). [الدر المنثور: 14/302]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها} وذلك أن خولة امرأة من الأنصار ظاهر منها زوجها فقال: أنت علي كظهر أمي فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن زوجي كان تزوجني وأنا أحب الناس إليه حتى إذا كبرت ودخلت في السن قال: أنت علي كظهر أمي وتركني إلى غير أحد فإن كنت تجد لي رخصة يا رسول الله تنعشني وإياه بها فحدثني بها قال: والله ما أمرت في شأنك بشيء حتى الآن ولكن ارجعي إلى بيتك فإن أومر بشيء لا أعميه عليك إن شاء الله فرجعت إلى بيتها فأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم في الكتاب رخصتها ورخصة زوجها فقال: {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها} إلى قوله: {عذاب أليم} فأرسل إلى زوجها فقال: هل تستطيع أن تعتق رقبة قال: إذن يذهب مالي كله الرقبة غالية وأنا قليل المال قال: هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين قال: والله لولا أني آكل كل يوم ثلاث مرات لكل بصري قال: هل تستطيع أن تطعم ستين مسكينا قال: لا والله إلا أن تعينني قال: إني معينك بخمسة عشر صاعا). [الدر المنثور: 14/302-303]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن أنس رضي الله عنه أن أوس بن الصامت ظاهر من امرأته خولة بنت ثعلبة فشكت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: ظاهر مني زوجي حين كبر سني ودق عظمي فأنزل الله آية الظهار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعتق رقبة قال: مالي بذلك يدان فصم شهرين متتابعين قال: إني إذا أخطأني أن آكل في اليوم ثلاث مرات يكل بصري فأطعم ستين مسكينا قال: ما أجد إلا أن تعينني فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة عشر صاعا حتى جمع الله له أهله). [الدر المنثور: 14/303-304]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن الشعبي قال: المرأة التي جادلت في زوجها خولة بنت ثعلبة وأمها معاذة التي أنزل الله فيها (ولا تكرهوا فيتاتكم على البغاء) (سورة النور الآية 33) وكانت أمة لعبد الله بن أبي). [الدر المنثور: 14/304]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن مردويه عن محمد بن سيرين قال: إن أول من ظاهر في الإسلام زوج خويلة فأتت النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقالت: إن زوجي ظاهر مني وجعلت تشكو إلى الله فقال لها النّبيّ صلى الله عليه وسلم: ما جاءني في هذا شيء قالت: فإلى من يا رسول الله إن زوجي ظاهر مني فبينما هي كذلك إذ نزل الوحي {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها} حتى بلغ {فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا} ثم حبس الوحي فانصرف إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاها عليها فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: هو ذاك فبينما هي كذلك إذا نزل الوحي {فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا} ثم حبس الوحي فانصرف إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاها عليها فقالت: لا يستطيع أن يصوم يوما واحدا قال: هو ذاك فبينما هي كذلك إذ نزل الوحي {فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا} فانصرف إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاها عليها فقالت: لا يجد يا رسول الله قال: إنا سنعينه). [الدر المنثور: 14/304-305]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن الحسن رضي الله عنه أن رجلا ظاهر من امرأته على عهد النّبيّ صلى الله عليه وسلم وكان الظهار أشد من الطلاق وأحرم الحرام إذا ظاهر من امرأته لم ترجع إليه أبدا فأتت النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقالت: يانبي الله إن زوجي وأبا ولدي ظاهر مني وما يطلع إلا الله على ما يدخل علي من فراقه فقال لها النّبيّ صلى الله عليه وسلم: قد قال ما قال: قالت: فكيف أصنع ودعت الله واشتكت إليه فأنزل الله {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله} إلى آخر الآيات فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجها فقال: تعتق رقبة: قال: ما في الأرض رقبة أملكها قال: تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين قال يا رسول الله: إني بلغت سنا وبي دوران فإذا لم آكل في اليوم مرارا أدير علي حتى أقع قال: تستطيع أن تطعم ستين مسكينا قال: والله ما أجد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سنعينك). [الدر المنثور: 14/305-306]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة رضي الله عنه إن امرأة أخي عبادة بن الصامت جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تشكو زوجها تظاهر عنها وامرأة تفلي رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قال: تدهنه فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم نظره إلى السماء فقالت التي تفلي لامرأة أخي عبادة بن الصامت رضي الله عنه واسمها خولة بنت ثعلبة يا خولة ألا تسكتي فقد ترينه ينظر إلى السماء فأنزل الله فيها {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها} فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عتق رقبة فقال: لا أجد فعرض عليه صيام شهرين متتابعين فقال: لا أطيق أن لم آكل كل يوم ثلاث مرات شق بي فقال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأطعم ستين مسكينا قال: لا أجد فأتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم بشيء من تمر فقال له: خذ هذا فأقسمه فقال الرجل: ما بين لابتيها أفقر مني فقال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم: كله أنت وأهلك، وأخرح عبد بن حميد عن يزيد بن زيد الهمداني في قوله: {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها} قال: هي خولة بنت الصامت وكان زوجها مريضا فدعاها فلم تجبه وأبطأت عليه فقال: أنت علي كظهر أمي فأتت النّبيّ صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية {فتحرير رقبة} فقال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم: أعتق رقبة قال: لا أجد قال: فصم شهرين متتابعين قال: لا أستطيع قال: فأطعم ستين مسكينا قال: لا والله ما عندي إلا أن تعينني فأعانه النّبيّ صلى الله عليه وسلم بخمسة عشر صاعا فقال: والله ما في المدينة أحوج إليها مني فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: فكلها أنت وأهلك). [الدر المنثور: 14/306-307]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن سعد عن عمران بن أنس قال: كان أول من ظاهر في الإسلام أوس بن الصامت وكان به لمم وكان يفيق أحيانا فلاح امرأته خولة بنت ثعلبة في بعض صحواته فقال: أنت علي كظهر أمي ثم ندم فقال: ما أراك إلا قد حرمت علي قالت: ما ذكرت طلاقا فأتت النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما قال قال: وجادلت رسول الله صلى الله عليه وسلم مرارا ثم قالت: اللهم إني أشكو إليك شدة وحدتي وما يشق علي من فراقه قالت عائشة: فلقد بكيت وبكى من كان في البيت رحمة لها ورقة عليها ونزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي فسري عنه وهو يبتسم فقال: يا خولة قد أنزل الله فيك وفيه {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها} ثم قال: مريه أن يعتق رقبة قالت: لا يجد قال: فمريه أن يصوم شهرين متتابعين قالت: لا يطيق ذلك قال: فمريه فليطعم ستين مسكينا قالت: وأنى له فمريه فليأت أم المنذر بنت قيس فليأخذ منها شطر وسق تمر فليتصدق به على ستين مسكينا فرجعت إلى أوس فقال: ما وراءك قالت: خير وأنت ذميم ثم أخبرته فأتى أم المنذر فأخذ ذلك منها فجعل يطعم مدين من تمر كل مسكين). [الدر المنثور: 14/307-308]

تفسير قوله تعالى: (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى منكرا من القول وزورا قال الزور الكذب). [تفسير عبد الرزاق: 2/278]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {الّذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هنّ أمّهاتهم إن أمّهاتهم إلاّ اللاّئي ولدنهم وإنّهم ليقولون منكرًا من القول وزورًا وإنّ اللّه لعفوٌّ غفورٌ}.
يقول تعالى ذكره: الّذين يحرّمون نساءهم على أنفسهم تحريم اللّه عليهم ظهور أمّهاتهم، فيقولون لهنّ: أنتنّ علينا كظهور أمّهاتنا، وذلك كان طلاق الرّجل امرأته في الجاهليّة.
- كذلك: حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: حدّثنا أيّوب، عن أبي قلابة، قال: كان الظّهار طلاقًا في الجاهليّة، الّذي إذا تكلّم به أحدهم لم يرجع في امرأته أبدًا، فأنزل اللّه عزّ وجلّ فيه ما أنزل.
واختلفت القرأة في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرأة المدينة سوى نافعٍ، وعامّة قرأة الكوفة خلا عاصمٍ: (يظّاهرون) بفتح الياء وتشديد الظّاء وإثبات الألف، وكذلك قرءوا الأخرى بمعنى: يتظاهرون، ثمّ أدغمت التّاء في الظّاء فصارتا ظاءً مشدّدةً. وذكر أنّها في قراءة أبيٍّ: يتظاهرون وذلك تصحيحٌ لهذه القراءة وتقويةٌ لها؛ وقرأ ذلك نافعٌ وأبو عمرٍو وكذلك بفتح الياء وتشديد الظّاء، غير أنّهما قرآه بغير ألفٍ: (يظّهّرون). وقرأ ذلك عاصمٌ: {يظاهرون} بتخفيف الظّاء وضمّ الياء وإثبات الألف.
والصّواب من القول في ذلك عندي أنّ كلّ هذه القراءات متقاربات المعاني. وأمّا (يظّاهرون) فهو من تظاهر، فهو يتظاهر. وأمّا (يظّهّرون) فهو من تظهّر فهو يتظهّر، ثمّ أدغمت التّاء في الظّاء فقيل: يظّهّر. وأمّا {يظاهرون} فهو من ظاهر يظاهر، فبأيّة هذه القراءات الثّلاث قرأ ذلك القارئ فمصيبٌ.
وقوله: {ما هنّ أمّهاتهم}. يقول تعالى ذكره: ما نساؤهم اللاّئي تظاهرن منهنّ بأمّهاتهم، فيقولوا لهنّ: أنتنّ علينا كظهر أمّهاتنا، بل هنّ لهم حلالٌ.
وقوله: {إن أمّهاتهم إلاّ اللاّئي ولدنهم}. لا اللاّئي قالوا لهنّ ذلك.
وقوله: {وإنّهم ليقولون منكرًا من القول وزورًا}. يقول جلّ ثناؤه: وإنّ الرّجال ليقولون منكرًا من القول الّذي لا تعرف صحّته؛ وزورًا: يعني كذبًا.
- كما حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، {منكرًا من القول وزورًا} قال: الزّور: الكذب.
{وإنّ الله لعفوٌّ غفورٌ}. يقول جلّ ثناؤه: إنّ اللّه لذو عفوٍ وصفحٍ عن ذنوب عباده إذا تابوا منها وأنابوا، غفورٌ لهم أن يعاقبهم عليها بعد التّوبة). [جامع البيان: 22/456-458]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا الحسن بن يعقوب، وإبراهيم بن عصمة، وأبو عبد اللّه محمّد بن يعقوب الحافظ، قالوا: ثنا عليّ بن الحسن الهلاليّ، ثنا أبو النّعمان محمّد بن الفضل، ثنا حمّاد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي اللّه عنها «أنّ جميلة كانت امرأة أوس بن الصّامت، وكان أوسٌ امرءًا به لممٌ، فإذا اشتدّ لممه ظاهر من امرأته، فأنزل اللّه فيه كفّارة الظّهار» هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط مسلمٍ ولم يخرّجاه "). [المستدرك: 2/523]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن أبي قلابة قال: إنما كان طلاقهم في الجاهلية الظهار والإيلاء حتى قال ما سمعت). [الدر المنثور: 14/308]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة في قوله: {وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا} قال: الزور الكذب). [الدر المنثور: 14/308]

تفسير قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن أبي إسحاق في قوله تعالى قد سمع الله قول التي تجادلك قال نزلت في امرأة اسمها خويلة قال معمر قال عكرمة أيضا اسمها خولة بنت ثعلبة وزوجها أوس بن الصامت فقال جاءت إلى النبي فقالت إن زوجها جعلها عليه كظهر أمه فقال النبي ما أراك إلا وقد حرمت عليه وهو حينئذ يغسل رأسه فقالت انظر جعلني الله فداك يا نبي الله قال ما أراك إلا قد حرمت عليه قالت انظر في شأني فجعلت تجادله ثم حول شق رأسه الآخر لتغسله فتحولت من الجانب الآخر فقالت انظر جعلني الله فداك يا نبي الله فقالت الغاسلة أقصري من حديثك ومجادلتك يا خولة أما ترين وجه رسول الله قد تربد ليوحى إليه فأنزل الله تعالى قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها حتى بلغ ثم يعودون قال قتادة حرمها ثم يريد أن يعود لها يطؤها فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا حتى بلغ بما تعملون خبير). [تفسير عبد الرزاق: 2/277] (م)
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه ثم يعودون لما قالوا قال الوطء). [تفسير عبد الرزاق: 2/278]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن الزهري في قوله تعالى فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا قال يجزي ها هنا الطفل). [تفسير عبد الرزاق: 2/278]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {والّذين يظاهرون من نسائهم ثمّ يعودون لما قالوا فتحرير رقبةٍ من قبل أن يتماسّا ذلكم توعظون به واللّه بما تعملون خبيرٌ}.
يقول جلّ ثناؤه: والّذين يقولون لنسائهم: أنتنّ علينا كظهور أمّهاتنا.
وقوله: {ثمّ يعودون لما قالوا}. اختلف أهل العلم في معنى العود لما قال المظاهر، فقال بعضهم: هو الرّجوع في تحريم ما حرّم على نفسه من زوجته الّتي كانت له حلالاً قبل تظاهره، فيحلّها بعد تحريمه إيّاها على نفسه بعزمه على غشيانها ووطئها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {ثمّ يعودون لما قالوا} قال: يريد أن يغشى بعد قوله.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، مثله.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة {ثمّ يعودون لما قالوا} قال: حرّمها، ثمّ يريد أن يعود لها فيطأها.
وقال آخرون نحو هذا القول، إلاّ أنّهم قالوا: إمساكه إيّاها بعد تظهّره منها، وتركه فراقها عودٌ منه لما قال، عزم على الوطء أو لم يعزم. وكان أبو العالية يقول: معنى قوله: {لما قالوا}: فيما قالوا.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثني عبد الأعلى، قال: حدّثنا داود، قال: سمعت أبا العالية، يقول في قوله: {ثمّ يعودون لما قالوا}. أي يرجع فيه.
واختلف أهل العربيّة في معنى ذلك، فقال بعض نحويّ البصرة في ذلك المعنى: فتحرير رقبةٍ من قبل أن يتماسّا، فمن لم يجد فصيامٌ، فإطعام ستّين مسكينًا، ثمّ يعودون لما قالوا إنّا لا نفعله فيفعلونه هذا الظّهار يقول: هي عليّ كظهر أمّي، وما أشبه هذا من الكلام، فإذا عاد أعتق رقبةً أو أطعم ستّين مسكينًا عاد لهذا الذي قد قال: هو عليّ حرامٌ، بفعله. وكأنّ قائل هذا القول كان يرى أنّ هذا من المقدّم الّذي معناه التّأخير.
وقال بعض نحويّ الكوفة ثمّ يعودون لما قالوا، يصلح فيها في العربيّة، ثمّ يعودون إلى ما قالوا، وفيما قالوا، يريدون النّكاح، يريد: يرجعون عمّا قالوا، وفي نقض ما قالوا، قال: ويجوز في العربيّة أن تقول: إن عاد لما فعل، تريد إن فعل مرّةً أخرى، ويجوز إن عاد لما فعل: إن نقض ما فعل، وهو كما تقول: حلف أن يضربك، فيكون معناه: حلف لا يضربك، وحلف ليضربنّك.
والصّواب من القول في ذلك عندي أن يقال: معنى اللاّم في قوله: {لما قالوا}. بمعنى إلى أو في، لأنّ معنى الكلام: ثمّ يعودون لنقض ما قالوا من التّحريم فيحلّلونه. وإن قيل معناه: ثمّ يعودون إلى تحليل ما حرّموا، أو في تحليل ما حرّموا فصوابٌ؛ لأنّ كلّ ذلك عودٌ له، فتأويل الكلام: ثمّ يعودون لتحليل ما حرّموا على أنفسهم ممّا أحلّه اللّه لهم.
وقوله: {فتحرير رقبةٍ من قبل أن يتماسّا}. يقول: فعليه تحرير رقبةٍ، يعني عتق رقبةٍ عبدٍ أو أمةٍ، من قبل أن يماسّ الرّجل المظاهر امرأته الّتي ظاهر منها أو تماسّه.
واختلف في المعنى بالمسيس في هذا الموضع نظير اختلافهم في قوله: {وإن طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ}. وقد ذكرنا ذلك هنالك. وسنذكر بعض ما لم نذكره هنالك:
- حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {والّذين يظاهرون من نسائهم ثمّ يعودون لما قالوا}. فهو الرّجل يقول لامرأته: أنت عليّ كظهر أمّي؛ فإذا قال ذلك، فليس يحلّ له أن يقربها بنكاحٍ ولا غيره حتّى يكفّر عن يمينه بعتق رقبةٍ {فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسّا}. والمسّ: النّكاح {فمن لم يستطع فإطعام ستّين مسكينًا}. وإن هو قال لها: أنت عليّ كظهر أمّي إن فعلت كذا وكذا، فليس يقع في ذلك ظهارٌ حتّى يحنث، فإن حنث فلا يقربها حتّى يكفّر، ولا يقع في الظّهار طلاقٌ.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، قال: حدّثنا أشعث، عن الحسن، أنّه كان لا يرى بأسًا أن يغشى المظاهر دون الفرج.
- حدّثنا عليّ بن سهلٍ، قال: حدّثنا زيدٌ، قال: قال سفيان: إنّما نهي المظاهر عن الجماع. ولم ير بأسًا أن يقضي حاجته دون الفرج أو فوق الفرج، أو حيث يشاء، أو يباشر.
وقال آخرون: عني بذلك كلّ معاني المسيس، وقالوا: الآية على العموم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا وهيبٌ، عن يونس، قال: بلغني عن الحسن، أنّه كره للمظاهر المسيس.
وقوله: {ذلكم توعظون به}. يقول تعالى ذكره: أوجب ربّكم ذلك عليكم عظةً لكم تتّعظون به، فتنتهون عن الظّهار وقول الزّور. {واللّه بما تعملون خبيرٌ} يقول تعالى ذكره: واللّه بأعمالكم الّتي تعلمونها أيّها النّاس ذو خبرةٍ لا يخفى عليه شيءٌ منها، وهو مجازيكم عليها، فانتهوا عن قول المنكر والزّور). [جامع البيان: 22/458-461]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن أنس رضي الله عنه أن أوس بن الصامت ظاهر من امرأته خولة بنت ثعلبة فشكت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: ظاهر مني زوجي حين كبر سني ودق عظمي فأنزل الله آية الظهار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعتق رقبة قال: مالي بذلك يدان فصم شهرين متتابعين قال: إني إذا أخطأني أن آكل في اليوم ثلاث مرات يكل بصري فأطعم ستين مسكينا قال: ما أجد إلا أن تعينني فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة عشر صاعا حتى جمع الله له أهله). [الدر المنثور: 14/303-304] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن مردويه عن محمد بن سيرين قال: إن أول من ظاهر في الإسلام زوج خويلة فأتت النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقالت: إن زوجي ظاهر مني وجعلت تشكو إلى الله فقال لها النّبيّ صلى الله عليه وسلم: ما جاءني في هذا شيء قالت: فإلى من يا رسول الله إن زوجي ظاهر مني فبينما هي كذلك إذ نزل الوحي {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها} حتى بلغ {فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا} ثم حبس الوحي فانصرف إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاها عليها فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: هو ذاك فبينما هي كذلك إذا نزل الوحي {فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا} ثم حبس الوحي فانصرف إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاها عليها فقالت: لا يستطيع أن يصوم يوما واحدا قال: هو ذاك فبينما هي كذلك إذ نزل الوحي {فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا} فانصرف إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاها عليها فقالت: لا يجد يا رسول الله قال: إنا سنعينه). [الدر المنثور: 14/304-305] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة رضي الله عنه إن امرأة أخي عبادة بن الصامت جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تشكو زوجها تظاهر عنها وامرأة تفلي رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قال: تدهنه فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم نظره إلى السماء فقالت التي تفلي لامرأة أخي عبادة بن الصامت رضي الله عنه واسمها خولة بنت ثعلبة يا خولة ألا تسكتي فقد ترينه ينظر إلى السماء فأنزل الله فيها {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها} فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عتق رقبة فقال: لا أجد فعرض عليه صيام شهرين متتابعين فقال: لا أطيق أن لم آكل كل يوم ثلاث مرات شق بي فقال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأطعم ستين مسكينا قال: لا أجد فأتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم بشيء من تمر فقال له: خذ هذا فأقسمه فقال الرجل: ما بين لابتيها أفقر مني فقال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم: كله أنت وأهلك، وأخرح عبد بن حميد عن يزيد بن زيد الهمداني في قوله: {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها} قال: هي خولة بنت الصامت وكان زوجها مريضا فدعاها فلم تجبه وأبطأت عليه فقال: أنت علي كظهر أمي فأتت النّبيّ صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية {فتحرير رقبة} فقال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم: أعتق رقبة قال: لا أجد قال: فصم شهرين متتابعين قال: لا أستطيع قال: فأطعم ستين مسكينا قال: لا والله ما عندي إلا أن تعينني فأعانه النّبيّ صلى الله عليه وسلم بخمسة عشر صاعا فقال: والله ما في المدينة أحوج إليها مني فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: فكلها أنت وأهلك). [الدر المنثور: 14/306-307] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن سعد عن عمران بن أنس قال: كان أول من ظاهر في الإسلام أوس بن الصامت وكان به لمم وكان يفيق أحيانا فلاح امرأته خولة بنت ثعلبة في بعض صحواته فقال: أنت علي كظهر أمي ثم ندم فقال: ما أراك إلا قد حرمت علي قالت: ما ذكرت طلاقا فأتت النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما قال قال: وجادلت رسول الله صلى الله عليه وسلم مرارا ثم قالت: اللهم إني أشكو إليك شدة وحدتي وما يشق علي من فراقه قالت عائشة: فلقد بكيت وبكى من كان في البيت رحمة لها ورقة عليها ونزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي فسري عنه وهو يبتسم فقال: يا خولة قد أنزل الله فيك وفيه {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها} ثم قال: مريه أن يعتق رقبة قالت: لا يجد قال: فمريه أن يصوم شهرين متتابعين قالت: لا يطيق ذلك قال: فمريه فليطعم ستين مسكينا قالت: وأنى له فمريه فليأت أم المنذر بنت قيس فليأخذ منها شطر وسق تمر فليتصدق به على ستين مسكينا فرجعت إلى أوس فقال: ما وراءك قالت: خير وأنت ذميم ثم أخبرته فأتى أم المنذر فأخذ ذلك منها فجعل يطعم مدين من تمر كل مسكين). [الدر المنثور: 14/307-308] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس في قوله: {والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا} قال: هو الرجل يقول لامرأته: أنت علي كظهر أمي فإذا قال ذلك: فليس له أن يقربها بنكاح ولاغيره حتى يكفر بعتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا والمس النكاح فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناوإن هو قال لها: أنت علي كظهر أميفإذا قال: إن فعلت كذا فليس يقع في ذلك ظهار حتى يحنث فلا يقربها حتى يكفر ولا يقع في الظهار طلاق). [الدر المنثور: 14/308]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه {ثم يعودون لما قالوا} قال: يعود لمسها). [الدر المنثور: 14/308]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن طاووس {ثم يعودون لما قالوا} قال: الوطء). [الدر المنثور: 14/309]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن طاووس قال: إذا اكلم الرجل بالظهار المنكر والزور فقد وجبت عليه الكفارة حنث أو لم يحنث). [الدر المنثور: 14/309]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق عن طاووس قال: كان طلاق أهل الجاهلية الظهار فظاهر رجل في الإسلام وهو يريد الطلاق فأنزل الله فيه الكفارة). [الدر المنثور: 14/309]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد عن عطاء أنه سئل عن هذه الآية من قبل أن يتماسا قال: هو الجماع). [الدر المنثور: 14/309]

تفسير قوله تعالى: (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن أيوب أحسبه ذكره عن عكرمة أن الرجل قال والله يا نبي الله ما أجد رقبة فقال النبي ما أنا بزايدك فأنزل الله تعالى عليه فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فقال والله يا نبي الله ما أطيق الصوم إني إذا لم آكل في اليوم كذا وكذا أكلة لقيت ولقيت فجعل يشكو إليه فقال ما أنا بزائدك فنزلت فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا). [تفسير عبد الرزاق: 2/278]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسّا فمن لم يستطع فإطعام ستّين مسكينًا ذلك لتؤمنوا باللّه ورسوله وتلك حدود اللّه وللكافرين عذابٌ أليمٌ}.
يقول تعالى ذكره: فمن لم يجد منكم ممّن ظاهر من امرأته رقبةً يحرّرها، فعليه صيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسّا؛ والشّهران المتتابعان هما اللّذان لا فصل بينهما بإفطارٍ في نهار شيءٍ منهما إلاّ من عذرٍ، فإنّه إذا كان الإفطار بالعذر ففيه اختلافٌ بين أهل العلم، فقال بعضهم: إذا كان إفطاره لعذرٍ فزال العذر بنى على ما مضى من الصّوم.
وقال آخرون: بل يستأنف، لأنّ من أفطر بعذرٍ أو غير عذرٍ لم يتابع صوم شهرين.
ذكر من قال: إذا أفطر بعذرٍ وزال العذر بنى وكان متابعًا.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا ابن عدي وعبد الأعلى، عن سعيدٍ، عن قتادة، عن سعيد بن المسيّب، أنّه قال في رجلٍ صام من كفّارة الظّهار، أو كفّارة القتل، ومرض فأفطر، أو أفطر من عذرٍ، قال: عليه أن يقضي يومًا مكان يومٍ، ولا يستقبل صومه.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا ابن عديٍّ، عن سعيدٍ، عن قتادة، عن سعيد بن المسيّب، بمثله.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا يحيى، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن سعيد بن المسيّب، في المظاهر الّذي عليه صوم شهرين متتابعين، فصام شهرًا، ثمّ أفطر، قال: يتمّ ما بقي.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا ابن عبد الأعلى، عن سعيدٍ، عن قتادة، عن الحسن وسعيد بن المسيّب في رجلٍ صام من كفّارة الظّهار شهرًا أو أكثر ثمّ مرض، قال: يعتدّ بما مضى إذا كان له عذرٌ.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا سالم بن نوحٍ، قال: حدّثنا عمر بن عامرٍ، عن قتادة، عن الحسن، في الرّجل يكون عليه الصّوم في قتلٍ أو نذرٍ أو ظهارٍ، فصام بعضه ثمّ أفطر، قال: إن كان معذورًا فإنّه يقضي.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن إدريس، عن هشامٍ، عن الحسن، قال: إن أفطر من عذرٍ أتمّ، وإن كان من غير عذرٍ استأنف.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن حجّاجٍ، عن عطاءٍ، قال: من كان عليه صوم شهرين متتابعين فمرض فأفطر، قال: يقضي ما بقي عليه.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني ابن جريجٍ، عن عطاء بن أبي رباحٍ وعمرو بن دينارٍ، في الرّجل يفطر في اليوم الغيم، يظنّ أنّ اللّيل قد دخل عليه في الشّهرين المتتابعين أنّه لا يزيد على أن يبدله، ولا يأتنف شهرين آخرين.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن أبي زائدة، عن عبد الملك، عن عطاءٍ، قال: إن جامع المعتكف وقد بقي عليه أيّامٌ من اعتكافه قال: يتمّ ما بقي، والمظاهر كذلك.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ، قال: إذا كان شيئًا ابتلي به بنى على صومه، وإذا كان شيئًا هو فعله استأنف.
قال: سفيان: هذا معناه0
- حدّثنا عبد الحميد بن بيانٍ، قال: أخبرنا محمّد بن يزيد، عن إسماعيل، عن عامرٍ، في رجلٍ ظاهر، فصام شهرين متتابعين إلاّ يومين ثمّ مرض، قال: يتمّ ما بقي.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن إدريس، قال: سمعت إسماعيل، عن الشّعبيّ بنحوه.
- حدّثنا أبو كريبٍ ويعقوب قالا: حدّثنا هشيمٌ، عن إسماعيل، عن الشّعبيّ في رجلٍ عليه صيام شهرين متتابعين، فصام فمرض فأفطر، قال: يقضي ولا يستأنف.
ذكر من قال: يستقبل من أفطر بعذرٍ أو غير عذرٍ.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم، في رجلٍ عليه صيام شهرين متتابعين فأفطر، قال: يستأنف، والمرأة إذا حاضت فأفطرت تقضي.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: إذا مرض فأفطر استأنف، يعني من كان عليه صوم شهرين متتابعين فمرض فأفطر.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن جابرٍ، عن أبي جعفرٍ، قال: يستأنف.
وأولى القولين عندنا بالصّواب قول من قال: يبني المفطر بعذرٍ، ويستقبل المفطر بغير عذرٍ، لإجماع الجميع على أنّ المرأة إذا حاضت في صومها الشّهرين المتتابعين بعذرٍ، فمثله، لأنّ إفطار الحائض بسبب حيضها بعذرٍ كان من قبل اللّه، فكلّ عذرٍ كان من قبل اللّه فمثله.
وقوله: {فمن لم يستطع فإطعام ستّين مسكينًا} يقول تعالى ذكره: فمن لم يستطع منهم الصّيام فعليه إطعام ستّين مسكينًا. وقد بيّنّا وجه الإطعام في الكفّارات فيما مضى قبل، فأغنى ذلك عن إعادته.
وقوله: {ذلك لتؤمنوا باللّه ورسوله}. يقول جلّ ثناؤه: هذا الّذي فرضت على من ظاهر منكم ما فرضت في حال القدرة على الرّقبة، ثمّ خفّفت عنه مع العجز بالصّوم، ومع فقد الاستطاعة على الصّوم بالإطعام، وإنّما فعلته كي تقرّ النّاس بتوحيد اللّه ورسالة الرّسول محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، ويصدّقوا بذلك، ويعملوا به، وينتهوا عن قول الزّور والكذب. {وتلك حدود اللّه}. يقول تعالى ذكره: وهذه الحدود الّتي حدّها اللّه لكم، والفروض الّتي بيّنها لكم حدود اللّه فلا تتعدّوها أيّها النّاس. {وللكافرين} بها وهم جاحدو هذه الحدود وغيرها من فرائض اللّه أن تكون من عند اللّه {عذابٌ أليمٌ} يقول: عذابٌ مؤلمٌ). [جامع البيان: 22/462-465]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد فإطعام ستين مسكينا قال كنا نطعم في كفارة اليمين لكل مسكين مدين). [تفسير مجاهد: 659]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن أنس رضي الله عنه أن أوس بن الصامت ظاهر من امرأته خولة بنت ثعلبة فشكت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: ظاهر مني زوجي حين كبر سني ودق عظمي فأنزل الله آية الظهار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعتق رقبة قال: مالي بذلك يدان فصم شهرين متتابعين قال: إني إذا أخطأني أن آكل في اليوم ثلاث مرات يكل بصري فأطعم ستين مسكينا قال: ما أجد إلا أن تعينني فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة عشر صاعا حتى جمع الله له أهله). [الدر المنثور: 14/303-304] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن مردويه عن محمد بن سيرين قال: إن أول من ظاهر في الإسلام زوج خويلة فأتت النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقالت: إن زوجي ظاهر مني وجعلت تشكو إلى الله فقال لها النّبيّ صلى الله عليه وسلم: ما جاءني في هذا شيء قالت: فإلى من يا رسول الله إن زوجي ظاهر مني فبينما هي كذلك إذ نزل الوحي {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها} حتى بلغ {فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا} ثم حبس الوحي فانصرف إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاها عليها فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: هو ذاك فبينما هي كذلك إذا نزل الوحي {فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا} ثم حبس الوحي فانصرف إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاها عليها فقالت: لا يستطيع أن يصوم يوما واحدا قال: هو ذاك فبينما هي كذلك إذ نزل الوحي {فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا} فانصرف إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاها عليها فقالت: لا يجد يا رسول الله قال: إنا سنعينه). [الدر المنثور: 14/304-305] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن عطاء الخراساني قال: أعانه النّبيّ صلى الله عليه وسلم بخمسة عشر صاعا). [الدر المنثور: 14/305]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن أبي زيد المدني رضي الله عنه أن امرأة جاءت بشطر وسق من شعير فأعطاه النّبيّ صلى الله عليه وسلم أي مدين من شعير مكان مد من بر). [الدر المنثور: 14/305]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أعانه بخمسة عشر صاعا من شعير). [الدر المنثور: 14/305]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن الحسن رضي الله عنه أن رجلا ظاهر من امرأته على عهد النّبيّ صلى الله عليه وسلم وكان الظهار أشد من الطلاق وأحرم الحرام إذا ظاهر من امرأته لم ترجع إليه أبدا فأتت النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقالت: يانبي الله إن زوجي وأبا ولدي ظاهر مني وما يطلع إلا الله على ما يدخل علي من فراقه فقال لها النّبيّ صلى الله عليه وسلم: قد قال ما قال: قالت: فكيف أصنع ودعت الله واشتكت إليه فأنزل الله {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله} إلى آخر الآيات فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجها فقال: تعتق رقبة: قال: ما في الأرض رقبة أملكها قال: تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين قال يا رسول الله: إني بلغت سنا وبي دوران فإذا لم آكل في اليوم مرارا أدير علي حتى أقع قال: تستطيع أن تطعم ستين مسكينا قال: والله ما أجد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سنعينك). [الدر المنثور: 14/305-306] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة رضي الله عنه إن امرأة أخي عبادة بن الصامت جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تشكو زوجها تظاهر عنها وامرأة تفلي رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قال: تدهنه فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم نظره إلى السماء فقالت التي تفلي لامرأة أخي عبادة بن الصامت رضي الله عنه واسمها خولة بنت ثعلبة يا خولة ألا تسكتي فقد ترينه ينظر إلى السماء فأنزل الله فيها {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها} فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عتق رقبة فقال: لا أجد فعرض عليه صيام شهرين متتابعين فقال: لا أطيق أن لم آكل كل يوم ثلاث مرات شق بي فقال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأطعم ستين مسكينا قال: لا أجد فأتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم بشيء من تمر فقال له: خذ هذا فأقسمه فقال الرجل: ما بين لابتيها أفقر مني فقال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم: كله أنت وأهلك، وأخرح عبد بن حميد عن يزيد بن زيد الهمداني في قوله: {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها} قال: هي خولة بنت الصامت وكان زوجها مريضا فدعاها فلم تجبه وأبطأت عليه فقال: أنت علي كظهر أمي فأتت النّبيّ صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية {فتحرير رقبة} فقال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم: أعتق رقبة قال: لا أجد قال: فصم شهرين متتابعين قال: لا أستطيع قال: فأطعم ستين مسكينا قال: لا والله ما عندي إلا أن تعينني فأعانه النّبيّ صلى الله عليه وسلم بخمسة عشر صاعا فقال: والله ما في المدينة أحوج إليها مني فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: فكلها أنت وأهلك). [الدر المنثور: 14/306-307] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن سعد عن عمران بن أنس قال: كان أول من ظاهر في الإسلام أوس بن الصامت وكان به لمم وكان يفيق أحيانا فلاح امرأته خولة بنت ثعلبة في بعض صحواته فقال: أنت علي كظهر أمي ثم ندم فقال: ما أراك إلا قد حرمت علي قالت: ما ذكرت طلاقا فأتت النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما قال قال: وجادلت رسول الله صلى الله عليه وسلم مرارا ثم قالت: اللهم إني أشكو إليك شدة وحدتي وما يشق علي من فراقه قالت عائشة: فلقد بكيت وبكى من كان في البيت رحمة لها ورقة عليها ونزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي فسري عنه وهو يبتسم فقال: يا خولة قد أنزل الله فيك وفيه {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها} ثم قال: مريه أن يعتق رقبة قالت: لا يجد قال: فمريه أن يصوم شهرين متتابعين قالت: لا يطيق ذلك قال: فمريه فليطعم ستين مسكينا قالت: وأنى له فمريه فليأت أم المنذر بنت قيس فليأخذ منها شطر وسق تمر فليتصدق به على ستين مسكينا فرجعت إلى أوس فقال: ما وراءك قالت: خير وأنت ذميم ثم أخبرته فأتى أم المنذر فأخذ ذلك منها فجعل يطعم مدين من تمر كل مسكين). [الدر المنثور: 14/307-308] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد {فإطعام ستين مسكينا} قال: كهيئة الطعام في اليمين مدين لكل مسكين). [الدر المنثور: 14/309]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن أبي هريرة قال: ثلاث فيهن مد كفارة اليمين وكفارة الظهار وكفارة الصيام). [الدر المنثور: 14/309]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أمر الذي أتى أهله في رمضان بكفارة الظهار). [الدر المنثور: 14/309]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق عن عطاء والزهري وقتادة قالوا: العتق في الظهار والصيام والطعام كل ذلك من قبل أن يتماسا). [الدر المنثور: 14/310]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال: كان الظهار في الجاهلية يحرم النساء فكان أول من ظاهر في الإسلام أوس بن الصامت وكانت امرأته خولة بنت خويلد وكان الرجل ضعيفا وكانت المرأة جلدة فلما تكلم بالظهار قال: لا أراك إلا قد حرمت علي فانطلقي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلك تبتغي شيئا يردك علي فانطلقت وجلس ينتظرها فأتت النّبيّ صلى الله عليه وسلم وماشطة تمشط رأسه فقالت: يا رسول الله إن أوس بن الصامت من قد علمت من ضعف رأيه وعجز مقدرته وقد ظاهر مني فابتغ لي يا رسول الله شيئا إليه يا خويلة: ما أمرنا بشيء في أمرك وأن نؤمر فسأخبرك فبينا ماشطته قد فزعت من شق رأسه وأخذت في الشق الآخر أنزل الله عز وجل وكان إذا أنزل عليه الوحي تربد لذلك وجهه حتى يجد بردة فإذا سري عنه عاد وجهه أبيض كالقلب ثم تكلم بما أمر به فقالت ما شطته: يا خويلة إني لأظنه الآن في شأنك فأخذها افكل (هكذا في الأصل ولعلها إفك) ثم قالت: اللهم بك أعوذ أن تنزل في إلا خيرا فإني لم أبغ من رسولك إلا خيرا فلما سري عنه قال: يا خويلة قد أنزل الله فيك وفي صاحبك فقرأ {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله} إلى قوله: {فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا} فقالت: والله يا رسول الله ماله خادم غيري ولا لي خادم غيره قال: {فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين} قالت: والله إنه إذا لم يأكل في اليوم مرتين يسدر بصره قال: {فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا} قالت: والله ما لنا في اليوم إلا وقية قال: فمريه فليطلق إلى فلان فليأخذ منه شطر وسق من تمر فليتصدق به على ستين مسكينا وليراجعك). [الدر المنثور: 14/310-311]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق في المصنف من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن عن سلمة بن صخر الأنصاري أنه جعل امرأته عليه كظهر أمه حتى يمضي رمضان فسمنت وتربصت فوقع عليها في النصف من رمضان فأتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم كأنه يعظم ذلك فقال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم: أتستطيع أن تعتق رقبة فقال: لا قال: أفتستطيع أن تصوم شهرين متتابعين قال: لا قال: أفتستطيع أن تطعم ستين مسكينا قال: لا فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: يا فروة بن عمرو أعطه ذلك العرق وهو مكتل يأخذ خمسة عشر أو ستة عشر صاعا فليطعمه ستين مسكينا فقال: أعلي أفقر مني فوالذي بعثك بالحق ما بين لا بتيها أهل بيت أحوج إليه منا فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: اذهب به إلى أهلك). [الدر المنثور: 14/311-312]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن مردويه والبيهقي في السنن عن أبي العالية قال: كانت خولة بنت ودبيج تحت رجل من الأنصار وكان سييء الخلق ضرير البصر فقيرا وكانت الجاهلية إذا أراد الرجل أن يفارق امرأته قال: أنت علي كظهر أمي فادارعته بعض الشيء فقال: أنت علي كظهر أمي وكان له عيل أو عيلان فلما سمعته يقول ما قال احتملت صبيانها فانطلقت تسعى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوافقته عند عائشة وإذا عائشة تغسل شق رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقامت عليه ثم قالت: يا رسول الله إن زوجي فقير ضرير البصر سييء الخلق وإني نازعته في شيء فقال: أنت علي كظهر أمي ولم يرد الطلاق فرفع النّبيّ صلى الله عليه وسلم رأسه فقال: ما أعلم إلا قد حرمت عليه فاستكانت وقالت: أشتكي إلى الله ما نزل بي ومصيبتي وتحولت عائشة تغسل شق رأسه الآخر فتحولت معها فقالت: مثل ذلك قالت: ولي منه عيل أو عيلان فرفع النّبيّ رأسه إليها فقال: ما أعلم إلا قد حرمت عليه فبكت وقالت: أشتكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مصيبتي وتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت عائشة: وراءك فتنحت ومكث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله ثم انقطع الوحي فقال يا عائشة: أين المرأة قالت: هاهي قال: ادعيها فدعتها فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: اذهبي فجيئي بزوجك فانطلقت تسعى فلم تلبث أن جاءت فأدخلته على النّبيّ صلى الله عليه وسلم فإذا هو كما قالت: ضرير فقير سييء الخلق فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: أستعيذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي} إلى آخر الآية فقال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم: أتجد رقبة قال: لا قال: أفتستطيع صوم شهرين متتابعين قال: والذي بعثك بالحق إني إذا لم آكل المرة والمرتين والثلاثة يكاد يغشى علي قال: أفتستطيع أن تطعم ستين مسكينا قال: لا إلا أن تعينني فيها فأعانه رسول الله صلى الله عليه وسلم فكفر يمينه). [الدر المنثور: 14/312-313]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البيهقي عن مقاتل بن حيان قال: كان الظهار والايلاء طلاقا في الجاهلية فوقت الله في الايلاء أربعة أشهر وجعل في الظهار الكفارة. وأخرج). [الدر المنثور: 14/313-314]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج سعيد بن منصور والبيهقي عن ابن عباس قال:ليس الظهار والطلاق قبل الملك بشي). [الدر المنثور: 14/314]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البيهقي عن ابن عباس قال: ليس من الأمة ظهار). [الدر المنثور: 14/314]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البيهقي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال:لا ظهار من الأمة). [الدر المنثور: 14/314]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البزار والحاكم والطبراني، وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال: أتى رجل النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: إني ظاهرت من امرأتي فرأيت بياض خلخالها في ضوء القمر فأعجبتني فوقعت عليها قبل أن أكفر فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: ألم يقل الله {من قبل أن يتماسا} قال: قد فعلت يا رسول الله قال: أمسك حتى تكفر). [الدر المنثور: 14/314]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجة والحاكم والبيهقي من طريق عكرمة عن ابن عباس أن رجلا قال: يا رسول الله إني ظاهرت من امرأتي فوقعت عليها قبل أن أكفر قال: وما حملك على ذلك قال: ضوء خلخالها في ضوء القمر قال: فلا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله). [الدر المنثور: 14/314-315]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد وأحمد وأبو داود والترمذي وحسنه، وابن ماجة والطبراني والبغوي في معجمه والحاكم وصححه والبيهقي عن سلمة بن صخر الأنصاري قال: كنت رجلا قد أوتيت من جماع النساء ما لم يؤت غيري فلما دخل رمضان ظاهرت من امرأتي حتى ينسلخ رمضان فرقا من أن أصيب منها في ليلى فأتتابع في ذلك ولا أستطيع أن أنزع حتى يدركني الصبح فبينما هي تخدمني ذات ليلة إذ انكشف لي منها شيء فوثبت عليها فلما أصبحت غدوت على قومي فأخبرتهم خبري فقلت: انطلقوا معي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بأمري فقالوا: لا والله لا نفعل نتخوف أن ينزل فينا القرآن أو يقول فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالة يبقى علينا عارها ولكن اذهب أنت فاصنع ما بدا لك فخرجت فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته خبري فقال: أنت بذاك قلت: أنا بذاك قال: أنت بذاك قلت: أنا بذاك قال: أنت بذاك قلت: أنا بذاك وها أنا ذا فامض في حكم الله فإني صابر لذلك قال: أعتق رقبة فضربت صفحة عنقي بيدي قلت: لا والذي بعثك بالحق ما أصبحت أملك غيرها فصم شهرين متتابعين قلت: وهل أصابني ما أصابني إلا في الصيام قال: فأطعم ستين مسكينا قلت: والذي بعثك بالحق لقد بتنا ليلتنا هذه وبني ما لنا عشاء قال: اذهب إلى صاحب صدقة بني زريق فقل له فليدفعها إليك فأطعم عنك منها وسقا ستين مسكينا ثم استعن بسائرها عليك وعلى عيالك فرجعت إلى قومي فقلت: وجدت عندكم الضيق وسوء الرأي ووجدت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم السعة والبركة أمر لي بصدقتكم فدفعوها إليه). [الدر المنثور: 14/315-316]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 29 جمادى الأولى 1434هـ/9-04-2013م, 07:29 AM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
Post

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1) }
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (قوله عز وجل: {قد سمع اللّه قول الّتي تجادلك في زوجها...} نزلت في امرأة يقال لها: خولة بنت ثعلبة، وزوجها أوس بن الصامت الأنصاري، قال لها إن لم أفعل كذا وكذا قبل أن تخرجي من البيت فأنت عليّ كظهر أمي، فأتت خولة رسول الله صلى الله عليه تشكو، فقالت: إن أوس بن الصامت تزوجني شابة غنية، ثم قال لي كذا وكذا وقد ندم، فهل من عذر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه: ما عندي في أمرك شيء، وأنزل الله الآيات فيها، فقال عز وجل: {قد سمع اللّه}، وهي في قراءة عبد الله: (قد يسمع الله)، "والله قد يسمع تحاوركما"، وفي قراءة عبد الله: "قول التي تحاورك في زوجها" حتى ذكر الكفّارة في الظهار، فصارت عامة). [معاني القرآن: 3/138]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({وتشتكي إلى اللّه} أي تشكو، يقال: اشتكيت ما بي وشكوته). [تفسير غريب القرآن: 456]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (قوله عزّ وجلّ: {قد سمع اللّه قول الّتي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى اللّه واللّه يسمع تحاوركما إنّ اللّه سميع بصير} إدغام الدال في السين حسن، لقرب المخرجين. يقرأ (قد سمع اللّه) بإدغام الدال في السين حتى لا يلفظ التكلم بدال. وإنما حسن ذلك لأنّ السين والدال من حروف طرف اللسان فإدغام الدال في السين تقوية للحرف.
وإظهار الدال جائز لأن موضع الدال - وإن قرب من موضع السين - فموضع الدال حيّز على حدة.ومن موضع الدال الطاء والتاء، هذه الأحرف الثلاثة موضعها واحد. والسين والزاي والصاد من موضع واحد، وهي تسمى حروف الصفير، فلذلك جاز إظهار الدال.
وهذه الآية نزلت بسبب خولة بنت ثعلبة، وأوس بن الصامت وكانا من الأنصار، قال لها: أنت على كظهر أمّي.وقيل قال لها أنت على كأمّي.وكانت هذه الكلمة مما يطلق بها أهل الجاهلية، فرووا أنها صارت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: إنّ أوسا تزوجني وأنا شابّة مرغوب فيّ، فلما خلا سني ونثرت بطني، أي كثر ولدي جعلني عليه كأمّه. فروي أن رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- قال لها: ما عندي في أمرك شيء، فشكت إلى اللّه عزّ وجلّ وقالت: اللهم إني أشكو إليك.
وروي أيضا أنها قالت للنبي عليه السلام فيما قالت: إن لي صبية صغارا إن ضممتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إليّ جاعوا، فأنزل اللّه - عزّ وجلّ - كفّارة الظّهار.
وفي هذا دليل أنه لا يكون ما يطلق به الجاهلية طلاقا إلا أن يأتي الإسلام بذلك نحو ما قالوا في خليّة وبريّة وحبلك على غاربك.وأصل قولهم: أنت طالق لمّا أتى الإسلام بحكم فيه مضى على حكم الإسلام). [معاني القرآن: 5/133-134]


تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2) }
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {الّذين يظاهرون...} قرأها يحيى والأعمش وحمزة (يظّاهرون)، وقرأها بعض أهل الحجاز كذلك، وقرأها الحسن ونافع" يظّهّرون" فشدد، ولا يجعل فيها ألفا، وقرأها عاصم وأبو عبد الرحمن السلمي (يظاهرون) يرفعان الياء، ويثبتان الألف، ولا يشددان، ولا يجوز فيه التشديد إذا قلت: (يظاهرون) وهي في قراءة أبيّ: يتظاهرون من نسائهم قوة لقراءة أصحاب عبد الله). [معاني القرآن: 3/138-139]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {مّا هنّ أمّهاتهم...} الأمهات في موضع نصب لما ألقيت منها الباء نصبت، كما قال في سورة يوسف: {ما هذا بشراً} إنما كانت في كلام أهل الحجاز: ما هذا ببشر؛ فلما ألقيت الباء ترك فيها أثر سقوط الباء وهي في قراءة عبد الله "ما هن بأمهاتهم"، وأهل نجد إذا ألقوا الباء رفعوا، فقالوا "ما هذا بشر"، "ما هن أمهاتهم".
أنشدني بعض العرب:
ركاب حسيلٍ آخر الصيف بدّن = وناقة عمرو ما يحلّ لها رحل
ويزعم حسل أنه فرع قومه = وما أنت فرع يا حسيل ولا أصل). [معاني القرآن: 3/139]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({الّذين يظاهرون منكم مّن نّسائهم مّا هنّ أمّهاتهم إن أمّهاتهم إلاّ اللاّئي ولدنهم وإنّهم ليقولون منكراً مّن القول وزوراً وإنّ اللّه لعفوٌّ غفورٌ} قال: {الّذين يظاهرون} خفيفة وثقيلة. ومن ثقل جعلها من "تظهّرت" ثم ادغم التاء في الظاء). [معاني القرآن: 4/27]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {الّذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هنّ أمّهاتهم إن أمّهاتهم إلّا اللّائي ولدنهم وإنّهم ليقولون منكرا من القول وزورا وإنّ اللّه لعفوّ غفور} المعنى ما اللواتي يجعلن من الزوجات كالأمهات بأمّهات.
{إن أمّهاتهم إلّا اللّائي ولدنهم} المعنى ما أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم، فذكر اللّه -عزّ وجلّ– الأمّهات في موضع آخر فقال: (وأمّهاتكم اللّاتي أرضعنكم)، فأعلم اللّه أنّ المرضعات أمهات، والمعنى ما أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم، أي الوالدات والمرضعات. فلا تكن الزوجات كهؤلاء، فأعلم اللّه - عزّ وجلّ - أن ذلك منكر وباطل فقال: {وإنّهم ليقولون منكرا من القول وزورا وإنّ اللّه لعفوّ غفور} عفا عنهم وغفر لهم بجعله الكفارة عليهم.
و(الذين) في موضع رفع بالابتداء، وخبره (ما هنّ أمّهاتهم). وأمهاتهم في موضع نصب على خبر (ما) المعنى ليس هن بأمّهاتهم). [معاني القرآن: 5/134]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يُظَاهِرُونَ}: يقول لامرأته أنت علي كظهر أمي). [العمدة في غريب القرآن: 301]


تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) }
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ثمّ يعودون لما قالوا...} يصلح فيها في العربية: ثم يعودون إلى ما قالوا، وفيما قالوا. يريد: يرجعون عما قالوا، وقد يجوز في العربية أن تقول: إن عاد لما فعل، يريد إن فعله مرة أخرى، ويجوز: إن عاد لما فعل: إن نقض ما فعل، وهو كما تقول: حلف أن يضربك فيكون معناه: حلف لا يضربك وحلف ليضربنك). [معاني القرآن: 3/139]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({والّذين يظاهرون من نّسائهم ثمّ يعودون لما قالوا فتحرير رقبةٍ مّن قبل أن يتماسّا ذلكم توعظون به واللّه بما تعملون خبيرٌ} وقوله: {ثمّ يعودون لما قالوا فتحرير رقبةٍ} المعنى: "فتحرير رقبةٍ من قبل أن يتماسّا فمن لم يجد فإطعام ستين مسكيناً ثمّ يعودون لما قالوا: "أن لا نفعله" "فيفعلونه" هذا الظهار، يقول: "هي عليّ كظهر أمّي" وما أشبه هذا من الكلام، فإذا اعتق رقبة أو اطعم ستين مسكينا عاد لهذا الذي قد قال: "إنّه عليّ حرامٌ" ففعله). [معاني القرآن: 4/27]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({والّذين يظاهرون من نسائهم} أي: يحرّمونهم تحريم ظهور الأمهات. ويروي: أن هذا نزل في رجل ظاهر، فذكر اللّه قصته. ثم تبع هذا كلّ ما كان من الأم محرما على الابن أن يطأه: كالبطن والفخذ، وأشباه ذلك. وقوله: {ثمّ يعودون لما قالوا}، يتوهم قوم: أن الظاهر لا يحسب ولا يقع حتى يتكرر اللفظبه، لقول اللّه تعالى: {ثمّ يعودون لما قالوا}. وقد اجمع الناس على أن الظّهار يقع بلفظ واحد. فأمّا تأويل قوله: {ثمّ يعودون لما قالوا}، فإن أهل الجاهلية كانوا يطلّقونبالظّهار، فجعل اللّه حكم الظّهار في الإسلام خلاف حكمه عندهم في الجاهلية، وأنزل: {والّذين يظاهرون من نسائهم} في الجاهلية {ثمّ يعودون لما قالوا}: [لما] كانوا يقولونه من هذا الكلام.
{فتحرير رقبةٍ} أي عتقها {من قبل أن يتماسّا}). [تفسير غريب القرآن: 456-457]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {والّذين يظاهرون من نسائهم ثمّ يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسّا ذلكم توعظون به واللّه بما تعملون خبير}
(الذين) رفع بالابتداء، وخبرهم فعليهم تحرير رقبة، ولم يذكر "عليهم" لأن في الكلام دليلا عليه، وإن شئت أضمرت فكفارتهم تحرير رقبة.
{من قبل أن يتماسّا} فاختلف أهل العلم فقال بعضهم: الكفارة للمسيس.
وقال بعضهم: إذا أراد العود إليها والإقامة مسّ أو لم يمس كفّر.
وقوله عزّ وجلّ: {ذلكم توعظون به} المعنى ذلكم التغليظ في الكفّارة توعظون به.
وقال بعض الناس لا تجب الكفّارة حتى يقول ثانية: أنت عليّ كظهر أمّي. وهذا قول من لا يدري اللغة، وهو خلاف قول أهل العلم أجمعين.إنما المعنى ثم يعودون العودة التي من أجل القول، فلتلك العودة تلزم الكفارة لا لكل عودة.وفيها قول آخر للأخفش وهو أن يجعل " لما قالوا " من صلة فتحرير رقبة، فالمعنى عنده: والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون فتحرير رقبة لما قالوا، فهذا مذهب حسن أيضا.
والدليل على بطلان هذا القائل أن " ثم يعودون لما قالوا " أن يقول ثانية: أنت على كظهر أمّي - قول جميع أهل العلم ومتابعته هو إياهم: {للّذين يؤلون من نسائهم تربّص أربعة أشهر فإن فاءوا} فأجمعوا أنه ليس {فإن فاءوا} فإن حلفوا ثانية. ومعنى "فاءوا" في اللغة و"عادوا" معنى واحد.
وقوله: {من قبل أن يتماسّا} كناية عن الجماع، ودليل ذلك قوله: {وإن طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ} فالمعنى من قبل أن تدخلوا بهنّ). [معاني القرآن: 5/134-135]


تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4) }
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسّا فمن لم يستطع فإطعام ستّين مسكينا ذلك لتؤمنوا باللّه ورسوله وتلك حدود اللّه وللكافرين عذاب أليم} المعنى: فمن لم يجد الرقبة فكفارته صيام شهرين متتابعين، وإن شئت فعليه صيام شهرين متتابعين.
ولو قرئت (فصيام شهرين) جاز كما قال اللّه عزّ وجلّ: {أو إطعام في يوم ذي مسغبة * يتيما ذا مقربة} ولا أعلم أحدا قرأ بالتنوين.
وقوله: {فمن لم يستطع فإطعام ستّين مسكينا}"من" في موضع رفع على معنى فمن لم يستطع الصيام فكفارته إطعام ستين مسكينا، وكذلك فإطعام بالتنوين ولا أعلم أحدا قرأ بها.
وقوله: {ذلك لتؤمنوا باللّه ورسوله} (ذلك) في موضع رفع، المعنى الفرض ذلك الذي وصفنا.
ومعنى {لتؤمنوا باللّه ورسوله} أي: لتصدّقوا ما أتى به رسول اللّه، ولتصدّقوا أن اللّه أمرنا به.
{وتلك حدود اللّه} أي: تلك التي وصفنا في الظّهار والكفّارة حدود اللّه.
{وللكافرين عذاب أليم} أي: لمن لم يصدق بها، وأليم مؤلم). [معاني القرآن: 5/135-136]

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 29 جمادى الأولى 1434هـ/9-04-2013م, 07:32 AM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
Post

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1) }

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2) }
قالَ يعقوبُ بنُ إسحاقَ ابنِ السِّكِّيتِ البَغْدَادِيُّ (ت: 244هـ) : (والزور: الباطل والكذب). [إصلاح المنطق: 124] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (هذا باب
ما جرى في بعض اللغات مجرى الفعل لوقوعه في معناه
وهو حرف جاء لمعنى، ويجري
في غير تلك اللغة مجرى الحروف غير العوامل
وذلك الحرف ما النافية.
تقول: ما زيد قائماً، وما هذا أخاك. كذلك يفعل أهل الحجاز. وذلك أنهم رأوها في معنى ليس، تقع مبتدأة، وتنفي ما يكون في الحال، وما لم يقع. فلما خلصت في معنى ليس ودلت على ما تدل عليه، ولم يكن بين نفييهما فصل البتة حتى صارت كل واحدة تغني عن الأخرى أجروها مجراها.
فمن ذلك قول الله عز وجل: {ما هذا بشراً} و{ما هن أمهاتهم} ). [المقتضب: 4/188] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وأما نقض الخبر فقولك: ما زيد إلا منطلق؛ لأنك نفيت عنه كل شيء إلا الانطلاق. فلم تصلح ما أن تكون عاملة في نقض النفي؛ كما لم تعمل في تقديم الخبر.
قال الله عز وجل: {وما أمرنا إلا واحدة كلمح} و{ما هذا إلا بشر مثلكم} وقال حيث كانت في موضعها {ما هذا بشراً} و{ما هن أمهاتهم}.
فهذا أصلها الذي شرحنا، وسنفرد باباً للمسائل؛ إذ كانت لا تصح إلا بعد الفراغ من الأصول). [المقتضب: 4/190] (م)

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) }

تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4) }

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 2 ذو الحجة 1435هـ/26-09-2014م, 07:46 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري
...

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 2 ذو الحجة 1435هـ/26-09-2014م, 07:46 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 2 ذو الحجة 1435هـ/26-09-2014م, 07:46 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري
....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 2 ذو الحجة 1435هـ/26-09-2014م, 07:47 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: قد سمع اللّه قول الّتي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى اللّه واللّه يسمع تحاوركما إنّ اللّه سميعٌ بصيرٌ (1) الّذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هنّ أمّهاتهم إن أمّهاتهم إلاّ اللاّئي ولدنهم وإنّهم ليقولون منكراً من القول وزوراً وإنّ اللّه لعفوٌّ غفورٌ (2)
سمع اللّه عبارة عن إدراكه المسموعات على ما هي ما عليه بأكمل وجوه ذلك دون جارحة ولا محاداة ولا تكييف ولا تحديد تعالى الله عن ذلك.
وقرأ الجمهور: قد سمع بالبيان، وقرأ ابن محيصن: قد سمع بالإدغام، وفي قراءة ابن مسعود: «قد يسمع الله قول التي»، وفيها: «والله قد يسمع تحاوركما».
واختلف الناس في اسم التي تجادل، فقال قتادة هي خويلة بنت ثعلبة، وقيل عن عمر بن الخطاب أنه قال: هي خولة بنت حكيم. وقال بعض الرواة وأبو العالية هي خويلة بنت دليج، وقال المهدوي، وقيل: خولة بنت دليج، وقالت عائشة: هي خميلة. وقال ابن إسحاق: هي خولة بنت الصامت. وقال ابن عباس فيها: خولة بنت خويلد، وقال محمد بن كعب القرظي ومنذر بن سعيد: هي خولة بنت ثعلبة، قال ابن سلام: «تجادل» معناه تقاتل في القول، وأصل الجدل الفتل، وأكثر الرواة على أن الزوج في هذه النازلة: أوس بن الصامت أو عبادة بن الصامت. وحكى النقاش وهو في المصنفات حديثا عن سلمة بن صخر البياضي أنه ظاهر من امرأته أن واقعها مدة شهر رمضان فواقعها ليلة فسأل قومه أن يسألوا له رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبوا وهابوا ذلك وعظموا عليه، فذهب هو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه وسأله واسترشدوه فنزلت الآية. وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتعتق رقبة» ؟ فقال له والله ما أملك رقبة غير رقبتي، فقال: «أتصوم شهرين متتابعين؟»، فقال يا رسول الله وهل أتيت إلا في الصوم، فقال: «أتطعم ستين مسكينا؟» فقال: لا أجد، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقات قومه فكفر بها فرجع سلمة إلى قومه فقال: إني وجدت عندكم الشدة والغلظة، ووجدت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الرخصة والرفق وقد أعطاني صدقاتكم.
وأما ما رواه الجمهور في شأن أوس بن الصامت، فاختصاره: أن أوسا ظاهر من امرأته خولة بنت خويلد، وكان الظهار في الجاهلية يوجب عندهم فرقة مؤيدة، قاله أبو قلابة وغيره، فلما فعل ذلك أوس، جاءت زوجته رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن أوسا أكل شبابي، ونثرت له بطني فلما كبرت ومات أهلي، ظاهر مني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أراك إلا قد حرمت عليه»، فقالت يا رسول الله: لا تفعل فإني وحيدة ليس لي أهل سواه، فراجعها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل مقالته، فراجعته، فهذا هو جدالها، وكانت في خلال جدالها تقول: اللهم إليك أشكو حالي وفقري وانفرادي إليه، وروي أنها كانت تقول: اللهم إن لي منه صبية صغارا إن ضممتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إلي جاعوا، فهذا هو اشتكاؤها إلى الله، فنزل الوحي عند جدالها على رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الآيات.
وكانت عائشة حاضرة لهذه القصة كلها فكانت تقول: سبحان من وسع سمعه الأصوات، لقد كنت حاضرة وكان بعض كلام خولة يخفى علي، وسمع الله جدالها، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوس فقال له: أتعتق رقبة؟ فقال والله ما أملكها، فقال أتصوم شهرين متتابعين؟ فقال: والله ما أقدر أن أصبر إلا على أكلات ثلاث في اليوم، ومتى لم أفعل ذلك غشي بصري فقال له: أتطعم؟ فقال له لا أجد إلا أن تعينني يا رسول الله بمعونة وصلاة يريد الدعاء، فأعانه رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسة عشر صاعا ودعا له، وقيل بثلاثين صاعا، فكفر بالإطعام وأمسك أهله.
وفي مصحف عبد الله بن مسعود: «تحاورك في زوجها»، والمحاورة مراجعة القول ومعاطاته). [المحرر الوجيز: 8/ 243-245]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: «يظهرون»، وقرأ أبي بن كعب بخلاف عنه: «يتظهرون». وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي: «يظاهرون». وقرأ أبي بن كعب أيضا: «يتظاهرون». وقرأ عاصم والحسن وأبو جعفر وقتادة:«يظاهرون» بضم الياء من قولك فاعل، وهذه مستعملة جدا وقولهم الظهار دليل عليها، والمراد بهذا كله قول الرجل لزوجته: أنت علي كظهر أمي، يريد في التحريم كأنها إشارة إلى الركوب، إذ عرفه في ظهور الحيوان، وكان أهل الجاهلية يفعلون ذلك، فرد الله بهذه الآية فعلهم، وأخبر بالحقيقة من أن الأم هي الوالدة، وأما الزوجة فلا يكون حكمها حكم الأم.
وقرأ جمهور الناس: «أمهاتهم» بنصب الأمهات، وقرأ عاصم في رواية المفضل عنه: «أمهاتهم» بالرفع وهذا على اللغتين في ما لغة الحجاز ولغة تميم، وقرأ ابن مسعود «ما هنّ بأمهاتهم» بزيادة باء الجر، وجعل الله تعالى القول بالظهار منكراً وزوراً، فهو محرم، لكنه، إذا وقع لزم، هكذا قال فيه أهل العلم، لكن تحريمه تحريم المكروهات جدا، وقد رجى الله تعالى بعده بأنه لعفوٌّ غفورٌ مع الكفارة). [المحرر الوجيز: 8/ 245]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: والّذين يظاهرون من نسائهم ثمّ يعودون لما قالوا فتحرير رقبةٍ من قبل أن يتماسّا ذلكم توعظون به واللّه بما تعملون خبيرٌ (3) فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسّا فمن لم يستطع فإطعام ستّين مسكيناً ذلك لتؤمنوا باللّه ورسوله وتلك حدود اللّه وللكافرين عذابٌ أليمٌ (4)
اختلف الناس في معنى قوله عز وجل: ثمّ يعودون لما قالوا فقال قوم: المعنى والّذين يظاهرون من نسائهم في الجاهلية، كأنه قال: والذين كان الظهار عادتهم ثم يعودون إلى ذلك في الإسلام، وقاله القتبي وقال أهل الظاهر المعنى: والذين يظاهرون ثم يظاهرون ثم ثانية فلا يلزم عندهم كفارة إلا بأن يعيد الرجل الظهار، قاله منذر بن سعيد، وحينئذ هو عائد إلى القول الذي هو منكر وزور.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا قول ضعيف، وإن كان القشيري قد حكاه عن بكير بن عبد الله بن الأشج وقال بعض الناس في هذه الآية تقديم وتأخير، وتقديرها: «فتحرير رقبة لما قالوا»، وهذا أيضا قول يفسد نظر الآية، وحكي عن الأخفش، لكنه غير قوي. وقال قتادة وطاوس ومالك والزهري وجماعة كثيرة من أهل العلم معنى: ثمّ يعودون لما قالوا أي للوطء فالمعنى ثم يعودون لما قالوا إنهم لا يعودون فإذا ظاهر الرجل ثم وطئ فحينئذ تلزمه الكفارة في ذمته وإن طلق أو ماتت امرأته. وقال الشافعي وأبو حنيفة ومالك أيضا وفريق يعودون معناه: بالعوم على إمساك الزوجة ووطئها والتزام التكفير لذلك، فمتى وقع من المظاهر هذا العزم لزمت الكفارة ذمته، طلق أو ماتت المرأة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذان القولان في مذهب مالك رحمه الله وهما حسنان لزمت الكفارة فيهما بشرطين: ظهار وعود.
واختلفا في العود ما هو؟ وقال الشافعي العود الموجب للكفارة: أن يمسك عن طلاقها بعد الظهار ويمضي بعد الظهار ما يمكنه أن يطلق فيه فلا يطلق، والرقبة في الظهار لا تكون عند مالك إلا مؤمنة، رد هذا: إلى المقيد الذي في كفارة القتل الخطأ.
واختلف الناس في قوله تعالى: من قبل أن يتماسّا فقال الحسن والثوري وجماعة من قبل الوطء، وجعلت المسيس هاهنا الوطء، فأباحت للمظاهر التقبيل والمضاجعة والاستمتاع بأعلى المرأة كالحائض.
وقال جمهور أهل العلم قوله: من قبل أن يتماسّا عام في نوع المسيس الوطء والمباشرة، فلا يجوز لمظاهر أن يطأ ولا يقبل ولا يلمس بيده، ولا يفعل شيئا من هذا النوع إلا بعد الكفارة، وهذا قول مالك رحمه الله.
وقوله تعالى: ذلكم إشارة إلى التحرير أي فعل عظة لكم لتنتهوا عن الظهار). [المحرر الوجيز: 8/ 245-247]

تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (والتتابع في الشهرين صيامهما ولا بين أيامهما، وجائز أن يصومهما الرجل بالعدد، فيصوم ستين يوما تباعا، وجائز أن يصومهما بالأهلة، يبدأ مع الهلال ويفطر مع الهلال، وإن جاء أحد شهريه ناقصا، وذلك مجزئ عنه، وجائز إن بدأ صومه في وسط الشهر أن يبعض الشهر الأول فيصوم إلى الهلال ثم يصوم شهرا بالهلال ثم يتم الشهر الأول بالعدد. ولا خلاف أحفظه من أهل العلم أن الصائم في الظهار إن أفسد التتابع باختياره أنه يبتدأ صومها.
واختلف الناس إذا أفسده لعذر غالب: كالمرض والنسيان ونحوه، فقال أصحاب الرأي والشافعي في أحد قوليه والنخعي وابن جبير والحكم بن عيينة والثوري: يبتدئ، وقال مالك والشافعي وغيره: يبني. وأجمعوا على الحائض وأنها تبني في صومها التتابع.
وإطعام المساكين في الظهار هو بالمد الهاشمي عند مالك، وهو مد وثلث بمد النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل مدان غير ثلث. وروى عنه ابن وهب أنه يطعم كل مسكين مدين بمد النبي عليه السلام وفي العلماء من يرى إطعام الظهار مدا بمد النبي عليه السلام، ولا يجزئ في إطعام الظهار إلا إكمال عدد المساكين، ولا يجوز أن يطعم ثلاثين مرتين ولا ما أشبهه، والطعام عو غالب قوت البلد. قال مالك رحمه الله وعطاء وغيره: إطعام المساكين أيضا هو قبل التماس حملا على العتق والصوم. وقال أبو حنيفة وجمهور من أهل العلم لم ينص الله على الشرط هنا، فنحن نلتزمه، فجاز للمظاهر إذا كان من أهل الإطعام أن يطأ قبل الكفارة ويستمتع.
وقوله: ذلك لتؤمنوا إشارة إلى الرخصة والتسهيل في النقل من التحرير إلى الصوم، والإطعام ثم شدد تعالى بقوله: تلك حدود اللّه أي فالتزموها وقفوا عندها، ثم توعد الكافرين بهذا الحديث والحكم الشرعي). [المحرر الوجيز: 8/ 247]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 2 ذو الحجة 1435هـ/26-09-2014م, 07:48 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 2 ذو الحجة 1435هـ/26-09-2014م, 07:49 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قد سمع اللّه قول الّتي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى اللّه واللّه يسمع تحاوركما إنّ اللّه سميعٌ بصيرٌ (1)}
قال الإمام أحمد: حدّثنا أبو معاوية، حدّثنا الأعمش، عن تميم بن سلمة، عن عروة، عن عائشة قالت: الحمد للّه الّذي وسع سمعه الأصوات، لقد جاءت المجادلة إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم تكلّمه وأنا في ناحية البيت، ما أسمع ما تقول، فأنزل اللّه، عزّ وجلّ: {قد سمع اللّه قول الّتي تجادلك في زوجها} إلى آخر الآية
وهكذا رواه البخاريّ في كتاب التّوحيد تعليقًا فقال: وقال الأعمش، عن تميم بن سلمة، عن عروة، عن عائشة، فذكره وأخرجه النّسائيّ، وابن ماجه، وابن أبي حاتمٍ، وابن جريرٍ، من غير وجهٍ، عن الأعمش، به
وفي روايةٍ لابن أبي حاتمٍ عن الأعمش، عن تميم بن سلمة، عن عروة، عن عائشة، أنّها قالت: تبارك الّذي أوعى سمعه كلّ شيءٍ، إنّي لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة، ويخفى عليّ بعضه، وهي تشتكي زوجها إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وهي تقول: يا رسول اللّه، أكل شبابي، ونثرت له بطني، حتّى إذا كبرت سنّي، وانقطع ولدي، ظاهر منّي، اللّهمّ إنّي أشكو إليك. قالت: فما برحت حتّى نزل جبريل بهذه الآية: {قد سمع اللّه قول الّتي تجادلك في زوجها} وقال وزوجها أوس بن الصّامت.
وقال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة: هو أوس بن الصّامت-وكان أوسٌ امرأً به لممٌ، فكان إذا أخذه لممه واشتدّ به يظاهر من امرأته، وإذا ذهب لم يقل شيئًا. فأتت رسول اللّه تستفتيه في ذلك، وتشتكي إلى اللّه، فأنزل اللّه: {قد سمع اللّه قول الّتي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى اللّه} الآية.
وهكذا روى هشام بن عروة، عن أبيه: أنّ رجلًا كان به لممٌ، فذكر مثله.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا موسى بن إسماعيل أبو سلمة، حدّثنا جريرٌ-يعني بن حازمٍ-قال: سمعت أبا يزيد يحدّث قال: لقيت امرأةٌ عمر-يقال لها: خولة بنت ثعلبة-وهو يسير مع النّاس، فاستوقفته فوقف لها ودنا منها وأصغى إليها رأسه، ووضع يديه على منكبيها حتّى قضت حاجتها وانصرفت. فقال له رجلٌ: يا أمير المؤمنين، حبست رجالات قريشٍ على هذه العجوز؟! قال: ويحك! وتدري من هذه؟ قال: لا. قال: هذه امرأةٌ سمع اللّه شكواها من فوق سبع سموات، هذه خولة بنت ثعلبة، واللّه لو لم تنصرف عنّي إلى اللّيل ما انصرفت عنها حتّى تقضي حاجتها إلى أن تحضر صلاةٌ فأصلّيها، ثمّ أرجع إليها حتّى تقضي حاجتها
هذا منقطعٌ بين أبي يزيد وعمر بن الخطّاب. وقد روي من غير هذا الوجه. وقال ابن أبي حاتمٍ أيضًا: حدّثنا المنذر بن شاذان حدّثنا يعلى، حدّثنا زكريّا عن عامرٍ قال: المرأة الّتي جادلت في زوجها خولة بنت الصّامت، وأمّها معاذة الّتي أنزل اللّه فيها: {ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصّنًا} [النّور: 33]
صوابه: خولة امرأة أوس بن الصّامت). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 34-35]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({الّذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هنّ أمّهاتهم إن أمّهاتهم إلّا اللّائي ولدنهم وإنّهم ليقولون منكرًا من القول وزورًا وإنّ اللّه لعفوٌّ غفورٌ (2) والّذين يظاهرون من نسائهم ثمّ يعودون لما قالوا فتحرير رقبةٍ من قبل أن يتماسّا ذلكم توعظون به واللّه بما تعملون خبيرٌ (3) فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسّا فمن لم يستطع فإطعام ستّين مسكينًا ذلك لتؤمنوا باللّه ورسوله وتلك حدود اللّه وللكافرين عذابٌ أليمٌ (4)}
قال الإمام أحمد: حدّثنا سعد بن إبراهيم ويعقوب قالا حدّثنا أبي، حدّثنا محمّد بن إسحاق، حدّثني معمر بن عبد اللّه بن حنظلة، عن ابن عبد اللّه بن سلام، عن خويلة بنت ثعلبة قالت: فيّ-واللّه-وفي أوس بن الصّامت أنزل اللّه صدر سورة "المجادلة"، قالت: كنت عنده وكان شيخًا كبيرًا قد ساء خلقه، قالت: فدخل عليّ يومًا فراجعته بشيءٍ فغضب فقال: أنت عليّ كظهر أمّي. قالت: ثمّ خرج فجلس في نادي قومه ساعةً، ثمّ دخل عليّ فإذا هو يريدني عن نفسي. قالت: قلت: كلّا والّذي نفس خويلة بيده، لا تخلص إليّ وقد قلت ما قلت، حتّى يحكم اللّه ورسوله فينا بحكمه. قالت: فواثبني وامتنعت منه، فغلبته بما تغلب به المرأة الشّيخ الضّعيف، فألقيته عنّي، قالت: ثمّ خرجت إلى بعض جاراتي، فاستعرت منها ثيابًا، ثمّ خرجت حتّى جئت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فجلست بين يديه، فذكرت له ما لقيت منه، وجعلت أشكو إليه ماألقى من سوء خلقه. قالت: فجعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "يا خويلة ابن عمّك شيخٌ كبيرٌ، فاتّقي اللّه فيه". قالت: فواللّه ما برحت حتّى نزل فيّ القرآن، فتغشّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ما كان يتغشّاه، ثمّ سرّي عنه، فقال لي: "يا خويلة قد أنزل اللّه فيك وفي صاحبك". ثمّ قرأ عليّ: {قد سمع اللّه قول الّتي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى اللّه واللّه يسمع تحاوركما إنّ اللّه سميعٌ بصيرٌ} إلى قوله: {وللكافرين عذابٌ أليمٌ} قالت: فقال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "مريه فليعتق رقبةً". قالت: فقلت يا رسول اللّه، ما عنده ما يعتق. قال: "فليصم شهرين متتابعين". قالت: فقلت: واللّه إنّه شيخٌ كبيرٌ، ما به من صيامٍ. قال: "فليطعم ستّين مسكينًا وسقًا من تمر". قالت: فقلت: يا رسول اللّه، ما ذاك عنده. قالت: فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "فإنّا سنعينه بعرقٍ من تمرٍ". قالت: فقلت: يا رسول اللّه، وأنا سأعينه بعرقٍ آخر، قال: "فقد أصبت وأحسنت، فاذهبي فتصدّقي به عنه، ثمّ استوصي بابن عمّك خيرًا". قالت: ففعلت.
ورواه أبو داود في كتاب الطّلاق من سننه من طريقين، عن محمّد بن إسحاق بن يسارٍ، به وعنده: خولة بنت ثعلبة، ويقال فيها: خولة بنت مالك بن ثعلبة. وقد تصغّر فيقال: خويلة. ولا منافاة بين هذه الأقوال، فالأمر فيها قريبٌ. واللّه أعلم.
هذا هو الصّحيح في سبب نزول صدر هذه السّورة، فأمّا حديث سلمة بن صخر فليس فيه أنّه كان سبب النّزول، ولكن أمرٌ بما أنزل اللّه في هذه السّورة، من العتق أو الصّيام، أو الإطعام، كما قال الإمام أحمد:حدّثنا يزيد بن هارون، أخبرنا محمّد بن إسحاق، عن محمّد بن عمرو بن عطاءٍ، عن سليمان بن يسار، عن سلمة بن صخرٍ الأنصاريّ قال: كنت امرأً قد أوتيت من جماع النّساء ما لم يؤت غيري، فلمّا دخل رمضان تظهّرت من امرأتي حتّى ينسلخ رمضان، فرقًا من أن أصيب في ليلتي شيئًا فأتابع في ذلك إلى أن يدركني النّهار، وأنا لا أقدر أن أنزع، فبينا هي تخدمني من اللّيل إذ تكشّف لي منها شيءٌ، فوثبت عليها، فلمّا أصبحت غدوت على قومي فأخبرتهم خبري وقلت: انطلقوا معي إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم-فأخبره بأمري. فقالوا: لا واللّه لا نفعل؛ نتخوّف أن ينزل فينا -أو يقول فينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم-مقالةً يبقى علينا عارها، ولكن اذهب أنت فاصنع ما بدا لك. قال: فخرجت حتّى أتيت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فأخبرته خبري. فقال لي: "أنت بذاك". فقلت: أنا بذاك. فقال "أنت بذاك". فقلت: أنا بذاك. قال "أنت بذاك". قلت: نعم، ها أناذا فأمض فيّ حكم اللّه تعالى فإنّي صابرٌ له. قال: "أعتق رقبةً". قال: فضربت صفحة رقبتي بيدي وقلت: لا والّذي بعثك بالحقّ ما أصبحت أملك غيرها. قال: "فصم شهرين". قلت: يا رسول اللّه، وهل أصابني ما أصابني إلّا في الصّيام؟ قال: "فتصدّق". فقلت: والذي بعثك بالحق،لقد بتنا ليلتنا هذه وحشى ما لنا عشاءٌ. قال: "اذهب إلى صاحب صدقة بني زريق فقل له فليدفعها إليك، فأطعم عنك منها وسقًا من تمرٍ ستّين مسكينًا، ثمّ استعن بسائره عليك وعلى عيالك". قال: فرجعت إلى قومي فقلت: وجدت عندكم الضيق وسوء الرّأي، ووجدت عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم السّعة والبركة، قد أمر لي بصدقتكم، فادفعوها إليّ. فدفعوها إليّ.
وهكذا رواه أبو داود، وابن ماجه، واختصره التّرمذيّ وحسّنه
وظاهر السّياق: أنّ هذه القصّة كانت بعد قصّة أوس بن الصّامت وزوجته خويلة بنت ثعلبة، كما دلّ عليه سياق تلك وهذه بعد التّأمّل.
قال خصيف، عن مجاهدٍ، عن بن عبّاسٍ: أوّل من ظاهر من امرأته أوس بن الصّامت، أخو عبادة بن الصّامت، وامرأته خولة بنت ثعلبة بن مالكٍ، فلمّا ظاهر منها خشيت أن يكون ذلك طلاقًا، فأتت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقالت: يا رسول اللّه، إنّ أوسًا ظاهر منّي، وإنّا إن افترقنا هلكنا، وقد نثرت بطني منه، وقدمت صحبته. وهي تشكو ذلك وتبكي، ولم يكن جاء في ذلك شيءٌ. فأنزل اللّه: {قد سمع اللّه قول الّتي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى اللّه} إلى قوله: {وللكافرين عذابٌ أليمٌ} فدعاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: "أتقدر على رقبةٍ تعتقها؟ ". قال: لا واللّه يا رسول اللّه ما أقدر عليها؟ قال: فجمع له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، حتّى أعتق عنه، ثم راجع أهله رواه بن جريرٍ
ولهذا ذهب ابن عبّاسٍ والأكثرون إلى ما قلناه، واللّه أعلم.
فقوله تعالى: {الّذين يظاهرون منكم من نسائهم} أصل الظّهار مشتقٌّ من الظّهر، وذلك أنّ الجاهليّة كانوا إذا تظاهر أحدٌ من امرأته قال لها: أنت عليّ كظهر أمّي، ثمّ في الشّرع كان الظّهار في سائر الأعضاء قياسًا على الظّهر، وكان الظّهار عند الجاهليّة طلاقًا، فأرخص اللّه لهذه الأمّة وجعل فيه كفّارةً، ولم يجعله طلاقًا كما كانوا يعتمدونه في جاهليّتهم. هكذا قال غير واحدٍ من السّلف.
قال ابن جريرٍ: حدّثنا أبو كريب، حدّثنا عبيد اللّه بن موسى، عن أبي حمزة، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: كان الرّجل إذا قال لامرأته في الجاهليّة: أنت عليّ كظهر أمّي، حرّمت عليه، فكان أوّل من ظاهر في الإسلام أوس، وكان تحته ابنة عمٍّ له يقال لها: "خويلة بنت ثعلبة. فظاهر منها، فأسقط في يديه، وقال: ما أراك إلّا قد حرمت عليّ. وقالت له مثل ذلك، قال: فانطلقي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأتت رسول اللّه فوجدت عنده ماشطةً تمشّط رأسه، فقال: "ياخويلة، ما أمرنا في أمرك بشيءٍ فأنزل اللّه على رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: " يا خويلة، أبشري" قالت: خيرًا. قال فقرأ عليها: {قد سمع اللّه قول الّتي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى اللّه واللّه يسمع تحاوركما} إلى قوله: {والّذين يظاهرون من نسائهم ثمّ يعودون لما قالوا فتحرير رقبةٍ من قبل أن يتماسّا}قالت: وأيّ رقبةٍ لنا؟ واللّه ما يجد رقبةً غيري. قال: {فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين} قالت: واللّه لولا أنّه يشرب في اليوم ثلاث مرّاتٍ لذهب بصره! قال: {فمن لم يستطع فإطعام ستّين مسكينًا} قالت: من أين؟ ما هي إلّا أكلةٌ إلى مثلها! قال: فدعا بشطر وسق-ثلاثين صاعًا، والوسق: ستّون صاعًا-فقال: "ليطعم ستّين مسكينًا وليراجعك" وهذا إسنادٌ جيّدٌ قويٌّ، وسياقٌ غريبٌ، وقد روي عن أبي العالية نحو هذا، فقال ابن أبي حاتمٍ:
حدّثنا محمّد بن عبد الرّحمن الهرويّ، حدّثنا علىّ بن عاصمٍ، عن داود بن أبي هندٍ، عن أبي العالية قال: كانت خولة بنت دليج تحت رجلٍ من الأنصار، وكان ضرير البصر فقيرًا سيّئ الخلق، وكان طلاق أهل الجاهليّة إذا أراد الرّجل أن يطلّق امرأته، قال: "أنت عليّ كظهر أمّي". وكان لها منه عيّلٌ أو عيّلان، فنازعته يومًا في شيءٍ فقال: "أنت عليّ كظهر أمّي". فاحتملت عليها ثيابها حتّى دخلت على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم. وهو في بيت عائشة، وعائشة تغسل شقّ رأسه، فقدمت عليه ومعها عيّلها، فقالت: يا رسول اللّه، إنّ زوجي ضرير البصر، فقيرٌ لا شيء له سيّئ الخلق، وإنّي نازعته في شيءٍ فغضب، فقال: "أنت عليّ كظهر أمّي"، ولم يرد به الطّلاق، ولي منه عيّلٌ أو عيّلان، فقال: "ما أعلمك إلّا قد حرمت عليه" فقالت: أشكو إلى اللّه ما نزل بي وأبا صبيّي. قال: ودارت عائشة فغسلت شقّ رأسه الآخر، فدارت معها، فقالت: يا رسول اللّه، زوجي ضرير البصر، فقيرٌ سيّئ الخلق، وإنّ لي منه عيّلا أو عيّلين، وإنّي نازعته في شيءٍ فغضب، وقال: "أنت عليّ كظهر أمّي"، ولم يرد به الطّلاق! قالت: فرفع إليّ رأسه وقال: "ما أعلمك إلّا قد حرّمت عليه". فقالت: أشكو إلى اللّه ما نزل بي وأبا صبيّي؟ قال: ورأت عائشة وجه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم تغيّر، فقالت لها: "وراءك وراءك؟ " فتنحّت، فمكث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في غشيانه ذلك ما شاء اللّه، فلمّا انقطع الوحي قال: "يا عائشة، أين المرأة" فدعتها، فقال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "اذهبي فأتني بزوجك". فانطلقت تسعى فجاءت به. فإذا هو-[كما قالت] -ضرير البصر، فقيرٌ سيّئ الخلق. فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "أستعيذ باللّه السّميع العليم، بسم اللّه الرّحمن الرّحيم {قد سمع اللّه قول الّتي تجادلك في زوجها [وتشتكي إلى اللّه]} إلى قوله: {والّذين يظاهرون من نسائهم ثمّ يعودون لما قالوا [فتحرير رقبةٍ]} قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "أتجد رقبةً تعتقها من قبل أن تمسّها؟ ". قال: لا. قال: "أتستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ ". قال: والّذي بعثك بالحقّ، إنّي إذا لم آكل المرّتين والثّلاث يكاد أن يعشو بصري. قال: "أفتستطيع أن تطعم ستّين مسكينًا؟ ". قال: لا إلّا [أن] تعينني. قال: فأعانه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: "أطعم ستين مسكينا". قال:وحوّل اللّه الطّلاق، فجعله ظهارًا.
ورواه ابن جريرٍ، عن ابن المثنّى، عن عبد الأعلى، عن داود، سمعت أبا العالية، فذكر نحوه، بأخصر من هذا السياق
وقال سعيد ابن جبيرٍ: كان الإيلاء والظّهار من طلاق الجاهليّة، فوقّت اللّه الإيلاء أربعة أشهرٍ، وجعل في الظهار الكفارة. رواه بن أبي حاتمٍ، بنحوه.
وقد استدلّ الإمام مالكٌ على أنّ الكافر لا يدخل في هذه الآية بقوله: {منكم} فالخطاب للمؤمنين، وأجاب الجمهور بأنّ هذا خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له، واستدلّ الجمهور عليه بقوله: {من نسائهم} على أنّ الأمة لا ظهار منها، ولا تدخل في هذا الخطاب.
وقوله: {ما هنّ أمّهاتهم إن أمّهاتهم إلا اللائي ولدنهم} أي: لا تصير المرأة بقول الرّجل: "أنت عليّ كأمّي" أو "مثل أمّي" أو "كظهر أمّي" وما أشبه ذلك، لا تصير أمّه بذلك، إنّما أمّه الّتي ولدته؛ ولهذا قال: {وإنّهم ليقولون منكرًا من القول وزورًا} أي: كلامًا فاحشًا باطلًا {وإنّ اللّه لعفوٌّ غفورٌ} أي: عمّا كان منكم في حال الجاهليّة. وهكذا أيضًا عمّا خرج من سبق اللّسان، ولم يقصد إليه المتكلّم، كما رواه أبو داود: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم سمع رجلًا يقول لامرأته: يا أختي. فقال: أختك هي؟ "، فهذا إنكارٌ ولكن لم يحرّمها عليه بمجرّد ذلك؛ لأنّه لم يقصده، ولو قصده لحرّمت عليه؛ لأنّه لا فرق على الصّحيح بين الأمّ وبين غيرها من سائر المحارم من أختٍ وعمّةٍ وخالةٍ وما أشبه ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 35-39]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {والّذين يظاهرون من نسائهم ثمّ يعودون لما قالوا} اختلف السّلف والأئمّة في المراد بقوله: {ثمّ يعودون لما قالوا} فقال بعض النّاس: العود هو أن يعود إلى لفظ الظّهار فيكرّره، وهذا القول باطلٌ، وهو اختيار بن حزمٍ وقول داود، وحكاه أبو عمر بن عبد البر عن بكير ابن الأشجّ والفرّاء، وفرقةٍ من أهل الكلام.
وقال الشّافعيّ: هو أن يمسكها بعد الظّهار زمانًا يمكنه أن يطلّق فيه فلا يطلّق.
وقال أحمد بن حنبلٍ: هو أن يعود إلى الجماع أو يعزم عليه فلا تحلّ له حتّى يكفّر بهذه الكفّارة. وقد حكي عن مالكٍ: أنّه العزم على الجماع أو الإمساك وعنه أنّه الجماع.
وقال أبو حنيفة: هو أن يعود إلى الظّهار بعد تحريمه، ورفع ما كان عليه أمر الجاهليّة، فمتى تظاهر الرّجل من امرأته فقد حرّمها تحريمًا لا يرفعه إلّا الكفّارة. وإليه ذهب أصحابه، واللّيث بن سعد.
وقال ابن لهيعة: حدّثني عطاءٌ، عن سعيد بن جبيرٍ: {ثمّ يعودون لما قالوا} يعني: يريدون أن يعودوا في الجماع الّذي حرّموه على أنفسهم.
وقال الحسن البصريّ: يعني الغشيان في الفرج. وكان لا يرى بأسًا أن يغشى فيما دون الفرج قبل أن يكفّر.
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {من قبل أن يتماسّا} والمسّ: النّكاح. وكذا قال عطاء، والزهري، وقتادة، ومقاتل ابن حيّان.
وقال الزّهريّ: ليس له أن يقبّلها ولا يمسّها حتّى يكفّر.
وقد روى أهل السّنن من حديث عكرمة، عن ابن عبّاسٍ أنّ رجلًا قال: يا رسول اللّه، إنّي ظاهرت من امرأتي فوقعت عليها قبل أن أكفّر. فقال: "ما حملك على ذلك يرحمك اللّه؟ ". قال: رأيت خلخالها في ضوء القمر. قال: "فلا تقربها حتّى تفعل ما أمرك اللّه، عزّ وجلّ"
وقال التّرمذيّ: حسنٌ غريبٌ صحيحٌ ورواه أبو داود والنّسائيّ من حديث عكرمة مرسلًا. قال النّسائيّ: وهو أولى بالصّواب
وقوله: {فتحرير رقبةٍ} أي: فإعتاق رقبةٍ كاملةٍ من قبل أن يتماسّا، فها هنا الرّقبة مطلقةٌ غير مقيّدةٍ بالإيمان، وفي كفّارة القتل مقيّدةٌ بالإيمان، فحمل الشّافعيّ، رحمه اللّه، ما أطلق ها هنا على ما قيّد هناك لاتّحاد الموجب، وهو عتق الرّقبة، واعتضد في ذلك بما رواه عن مالكٍ بسنده، عن معاوية بن الحكم السّلميّ، في قصّة الجارية السّوداء، وأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "أعتقها فإنّها مؤمنةٌ". وقد رواه أحمد في مسنده، ومسلمٌ في صحيحه
وقال الحافظ أبو بكرٍ البزّار: حدّثنا يوسف بن موسى، حدّثنا عبد اللّه بن نميرٍ، عن إسماعيل بن مسلمٍ، عن عمرو بن دينارٍ، عن طاوسٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رجلٌ فقال: إنّي تظاهرت من امرأتي ثمّ وقعت عليها قبل أن أكفّر. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ألم يقل اللّه {من قبل أن يتماسّا} قال: أعجبتني؟ قال: "أمسك حتّى تكفّر"
ثمّ قال البزّار: لا يروى عن ابن عبّاسٍ بأحسن من هذا، وإسماعيل بن مسلمٍ تكلّم فيه، وروى عنه جماعةٌ كثيرةٌ من أهل العلم، وفيه من الفقه أنّه لم يأمره إلّا بكفّارةٍ واحدةٍ.
وقوله: {ذلكم توعظون به} أي: تزجرون به {واللّه بما تعملون خبيرٌ} أي: خبيرٌ بما يصلحكم، عليمٌ بأحوالكم). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 39-41]

تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسّا فمن لم يستطع فإطعام ستّين مسكينًا} وقد تقدّمت الأحاديث الواردة بهذا على التّرتيب، كما ثبت في الصّحيحين في قصّة الّذي جامع امرأته في رمضان.
{ذلك لتؤمنوا باللّه ورسوله} أي: شرعنا هذا لهذا.
وقوله: {وتلك حدود اللّه} أي: محارمه فلا تنتهكوها.
وقوله: {وللكافرين عذابٌ أليمٌ} أي: الّذين لم يؤمنوا ولا التزموا بأحكام هذه الشّريعة، لا تعتقدوا أنّهم ناجون من البلاء، كلّا ليس الأمر كما زعموا، بل لهم عذابٌ أليمٌ، أي: في الدّنيا والآخرة). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 41]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:02 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة