العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الأنعام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 ربيع الثاني 1434هـ/26-02-2013م, 12:45 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير سورة الأنعام [ من الآية (54) إلى الآية (58) ]

{وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54) وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (55) قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (56) قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (57) قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (58)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21 ربيع الثاني 1434هـ/3-03-2013م, 12:03 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف


تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54)}

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن عاصم بن سليمان، عن أبي عثمان النهدي، عن سلمان، في قوله تعالى: {كتب ربكم على نفسه الرحمة}؛ أن سلمان قال إنا نجد في التوراة أن الله خلق السماوات والأرض ثم خلق أو جعل مائة رحمة قبل أن يخلق الخلق ثم خلق الخلق فوضع بينهم رحمة واحدة وأمسك عنده تسعا وتسعين رحمة قال فيها يتراحمون وبها يتعاطفون وبها يتباذلون وبها يتزاورون وبها تحن الناقة وبها تثج البقرة وبها تيعر الشاة وبها تتابع الطير وبها تتابع الحيتان في البحر فإذا كان يوم القيامة جمع تلك الرحمة إلى ما عنده ورحمته أوسع وأفضل.
عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، أن الله- تعالى لما خلق الخلق- لم يعطف شيء على شيء حتى خلق الله مائة رحمة فوضع بينهم رحمة واحدة فعطف بعض الخلق على بعض.
عن معمر، عن قتادة، قال عبد الله بن عمرو بن العاص: «إن لله مائة رحمة فأهبط منها إلى الأرض رحمة واحدة فتراحم بها الجن والأنس والطير والبهائم وهوام الأرض»). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 203-204] (م)
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن مجمّعٍ عن ماهان قال: جاء نفرٌ إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقالوا: إنّا أصبنا ذنوبًا عظامًا فلم يردّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلم عليهم شيئا فنزلت: {وإذا جاءك الّذين يؤمنون بآياتنا فقل سلامٌ عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة} فدعاهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم فقرأها عليهم). [تفسير الثوري: 107-108]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإذا جاءك الّذين يؤمنون بآياتنا فقل سلامٌ عليكم كتب ربّكم على نفسه الرّحمة أنّه من عمل منكم سوءًا بجهالةٍ ثمّ تاب من بعده وأصلح فأنّه غفورٌ رحيمٌ}.
اختلف أهل التّأويل في الّذين عنى اللّه تعالى بهذه الآية: فقال بعضهم: عنى بها الّذين نهى اللّه نبيّه عن طردهم، وقد مضت الرّواية بذلك عن قائليه.
وقال آخرون: عنى بها قومًا استفتوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في ذنوبٍ أصابوها عظامٍ، فلم يؤيّسهم اللّه من التّوبة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، قال: حدّثنا سفيان، عن مجمّعٍ، قال: سمعت ماهان، قال: جاء قومٌ إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قد أصابوا ذنوبًا عظامًا. قال ماهان: فما إخاله ردّ عليهم شيئًا. قال: فأنزل اللّه هذه الآية: {وإذا جاءك الّذين يؤمنون بآياتنا فقل سلامٌ عليكم ... الآية}.
- حدّثنا هنّادٌ قال: حدّثنا قبيصة، عن سفيان، عن مجمّعٍ، عن ماهان: أنّ قومًا جاءوا إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقالوا: يا محمّد، إنّا أصبنا ذنوبًا عظامًا، فما إخاله ردّ عليهم شيئًا، فانصرفوا، فأنزل اللّه تعالى: {وإذا جاءك الّذين يؤمنون بآياتنا فقل سلامٌ عليكم كتب ربّكم على نفسه الرّحمة}، قال: فدعاهم، فقرأها عليهم.
- حدّثنا المثنّى قال: حدّثنا أبو نعيمٍ قال: حدّثنا سفيان، عن مجمّعٍ التّميميّ قال: سمعت ماهان يقول، فذكر نحوه.
وقال آخرون: بل عني بها قومٌ من المؤمنين كانوا أشاروا على النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- بطرد القوم الّذين نهاه اللّه عن طردهم، فكان ذلك منهم خطيئةً، فغفرها اللّه لهم وعفا عنهم، وأمر نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا أتوه أن يبشّرهم بأن قد غفر لهم خطيئتهم الّتي سلفت منهم بمشورتهم على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بطرد القوم الّذين أشاروا عليه بطردهم. وذلك قول عكرمة وعبد الرّحمن بن زيدٍ، وقد ذكرنا الرّواية عنهما بذلك قبل.
وأولى الأقوال في ذلك عندي بتأويل الآية، قول من قال: المعنيّون بقوله: {وإذا جاءك الّذين يؤمنون بآياتنا فقل سلامٌ عليكم} غير الّذين نهى اللّه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن طردهم، لأنّ قوله: {وإذا جاءك الّذين يؤمنون بآياتنا} خبرٌ مستأنفٌ بعد تقضّي الخبر عن الّذين نهى اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن طردهم، ولو كانوا هم لقيل: وإذا جاءوك فقل سلامٌ عليكم، وفي ابتداء اللّه الخبر عن قصّة هؤلاء وتركه وصل الكلام بالخبر عن الأوّلين ما ينبئ عن أنّهم غيرهم.
فتأويل الكلام إذ كان الأمر على ما وصفنا: وإذا جاءك يا محمّد القوم الّذين يصدّقون بتنزيلنا وأدلّتنا وحججنا فيقرّون بذلك قولاً وعملاً، مسترشديك عن ذنوبهم الّتي سلفت منهم بيني وبينهم، هل لهم منها توبةٌ؟ فلا تؤيّسهم منها، وقل لهم: سلامٌ عليكم: أمنة اللّه لكم من ذنوبكم أنّ يعاقبكم عليها بعد توبتكم منها، {كتب ربّكم على نفسه الرّحمة} يقول: قضى ربّكم الرّحمة بخلقه، {أنّه من عمل منكم سوءًا بجهالةٍ ثمّ تاب من بعده وأصلح فأنّه غفورٌ رحيمٌ}.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء المدنيّين: {أنّه من عمل منكم سوءًا} فيجعلون (أنّ) منصوبةً على التّرجمة بها عن الرّحمة، {ثمّ تاب من بعده وأصلح فإنّه غفورٌ رحيمٌ} على ائتناف (إنّه) بعد الفاء فيكسرونها ويجعلونها أداةً لا موضع لها، بمعنى: فهو له غفورٌ رحيمٌ، أو فله المغفرة والرّحمة.
وقرأهما بعض الكوفيّين بفتح الألف منهما جميعًا، بمعنى: كتب ربّكم على نفسه الرّحمة، ثمّ ترجم بقوله: {أنّه من عمل منكم سوءًا بجهالةٍ} عن الرّحمة {فأنّه غفورٌ رحيمٌ} فيعطف (فأنّه) الثّانية على (أنّه) الأولى، ويجعلهما اسمين منصوبين على ما بيّنت.
وقرأ ذلك بعض المكّيّين وعامّة قرّاء أهل العراق من الكوفة والبصرة بكسر الألف من (إنّه) و(فإنّه) على الابتداء، وعلى أنّهما أداتان لا موضع لهما.
وأولى القراءات في ذلك عندي بالصّواب، قراءة من قرأهما بالكسر: (كتب ربّكم على نفسه الرّحمة إنّه) على ابتداء الكلام، وأنّ الخبر قد انتهى عند قوله: {كتب ربّكم على نفسه الرّحمة}، ثمّ استؤنف الخبر عمّا هو فاعلٌ تعالى ذكره بمن عمل سوءًا بجهالةٍ ثمّ تاب وأصلح منه.
ومعنى قوله: {أنّه من عمل منكم سوءًا بجهالةٍ}: أنّه من اقترف منكم ذنبًا، فجهل باقترافه إيّاه. {ثمّ تاب}، {وأصلح فأنّه غفورٌ} لذنبه إذا تاب وأناب وراجع العمل بطاعة اللّه وترك العود إلى مثله مع النّدم على ما فرط منه. {رحيمٌ} بالتّائب أن يعاقبه على ذنبه بعد توبته منه.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قالت جماعة أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبو خالدٍ الأحمر، عن عثمان، عن مجاهدٍ: {من عمل منكم سوءًا بجهالةٍ} قال: من جهلٍ أنّه لا يعلم حلالاً من حرامٍ، ومن جهالته ركب الأمر.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبو خالدٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، مثله.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ: {يعملون السّوء بجهالةٍ} قال: من عمل بمعصية اللّه، فذاك منه جهلٌ حتّى يرجع.
- حدّثني الحرث قال: حدّثنا عبد العزيز قال: حدّثنا بكر بن خنيسٍ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {من عمل منكم سوءًا بجهالةٍ} قال: كلّ من عمل بخطيئةٍ فهو بها جاهلٌ.
- حدّثني الحرث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا خالد بن دينارٍ أبو خلدة، قال: كنّا إذا دخلنا على أبي العالية قال: {وإذا جاءك الّذين يؤمنون بآياتنا فقل سلامٌ عليكم كتب ربّكم على نفسه الرّحمة}). [جامع البيان: 9/ 272-275]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وإذا جاءك الّذين يؤمنون بآياتنا فقل سلامٌ عليكم كتب ربّكم على نفسه الرّحمة أنّه من عمل منكم سوءًا بجهالةٍ ثمّ تاب من بعده وأصلح فأنّه غفورٌ رحيمٌ (54)}
قوله تعالى: {وإذا جاءك الّذين يؤمنون بآياتنا}
- حدّثني أبي، ثنا أبو نعيمٍ، ثنا سفيان ، عن مجمّعٍ التّيميّ قال: سمعت ماهان قال: جاء قومٌ إلى النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- فقالوا: يا رسول اللّه إنّا، أصبنا ذنوبًا عظامًا، فلم يردّ عليهم شيئًا، فلمّا ذهبوا نزلت هذه الآية: وإذا جاءك الّذين يؤمنون بآياتنا فقل سلامٌ عليكم كتب ربّكم على نفسه الرّحمة الآية. فدعاهم فقرأها عليهم.
قوله: {فقل سلامٌ عليكم}.
- حدّثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيدٍ القطّان، ثنا عمرو بن محمّدٍ العنقزيّ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، عن أبي عسد الأزديّ، عن أبي الكنود، عن خبّابٍ، ثمّ قال: وإذا جاءك الّذين يؤمنون بآياتنا فقل سلامٌ عليكم كتب ربّكم على نفسه الرّحمة، فدنونا منه يومئذٍ حتّى وضعنا ركبنا على ركبته، وكان رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- يجلس معنا، فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا، فأنزل الله تعالى: واصبر نفسك مع الّذين يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه قال خبّابٌ:
فكنّا نقعد مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فإذا بلغنا السّاعة الّتي يقوم فيها قمنا وتركناه حتّى يقوم.
قوله تعالى: {أنّه من عمل منكم سوءا}.
الوجه الأول:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو خالدٍ الأحمر، عن عثمان بن الأسود، عن مجاهد، وجويبرٍ، عن الضّحّاك في قوله: سوءًا بجهالةٍ قالا: ليس من جهالته (أن لا يعلم) حلالا ولا حرامًا، ولكن من جهالته حين دخل فيه.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: سوءًا بجهالةٍ، من (عصى) ربّه فهو جاهلٌ حتّى ينزع، عن معصيته.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن جابرٍ، عن مجاهدٍ إنّما التّوبة على اللّه للّذين يعملون السّوء بجهالةٍ قال: الجهالة العمد.
وروي، عن عطاءٍ، مثله.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو أسامة، عن جهير بن يزيد قال: سألت الحسن، عن قوله: السّوء بجهالةٍ قلت: ما هذه الجهالة؟ قال: هم قومٌ لم يعلموا ما لهم ممّا عليهم. قلت: أرأيت لو كانوا علموا؟ قال: فليخرجوا منها، فإنّها جهالةٌ.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، والمقدّميّ، ويحيى بن خلفٍ قالوا: ثنا معتمر بن سليمان، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة في قوله: السّوء بجهالةٍ قال: الدّنيا كلّها جهالةٌ.
قوله: {ثمّ تاب من بعده وأصلح}.
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ الواسطيّ، ثنا عبد الرّحمن، ثنا سفيان، عن مجمع بن صمعان قال: سمعت ماهان قال: جاء قومٌ إلى رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- قد أصابوا ذنوبًا عظامًا، فقال ماهان: فما إخاله ردّ عليهم شيئًا. فذهبوا، فنزلت هذه الآية: ثمّ تاب من بعده وأصلح. فأرسل إليهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فدعاهم فقرأ عليهم.
قوله: {فأنه غفورٌ}
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ قوله: غفور يعني: لما كان منه قبل التّوبة.
قوله: {رحيمٌ}
- وبه، عن سعيد بن جبيرٍ، قوله: رحيمٌ: لمن تاب.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد، عن سعيدٍ، عن قتادة
قوله: {رحيم} قال: رحيمٌ بعباده). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1300-1302]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (وقال مسدّدٌ: ثنا يحيى، عن سفيان، حدّثني مجمّعٌ التّيميّ، عن ماهان "أنّ قومًا أتوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقالوا: إنّا أصبنا ذنوبًا عظامًا فما أخاله ردّ عليهم، فلمّا أدبروا نزلت: {وإذا جاءك الّذين يؤمنون بآياتنا فقل سلامٌ عليكم كتب ربّكم على نفسه الرّحمة أنّه من عمل منكم سوءاً بجهالة} فدعاهم، فتلاها عليهم".
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؟ لجهالة بعض رواته). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/ 206]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال مسدّدٌ: حدثنا يحيى عن سفيان، عن مجمّعٍ التّيميّ، حدّثه عن ماهان، قال: إنّ قومًا أتوا النّبيّ (صلّى اللّه عليه وسلّم)، فقالوا: إنّا أصبنا ذنوبًا عظامًا، فما إخاله ردّ عليهم، فلمّا أدبروا (نزلت): {وإذا جاءك الّذين يؤمنون بآياتنا فقل سلامٌ عليكم كتب ربّكم على نفسه الرّحمة ... الآية}، فدعاهم (صلّى اللّه عليه وسلّم) فتلاها عليهم). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 14/ 644]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد ومسدد في مسنده، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ماهان قال: أتى قوم إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا أصبنا ذنوبا عظاما فما رد عليهم شيئا فانصرفوا فأنزل الله: {وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا ... الآية}، فدعاهم فقرأها عليهم.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال: أخبرت أن قوله: {سلام عليكم}، قال: كانوا إذا دخلوا على النّبيّ صلى الله عليه وسلم بدأهم فقال: «سلام عليكم وإذا لقيهم فكذلك أيضا»). [الدر المنثور: 6/ 60-61]

تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (55)}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وكذلك نفصّل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {وكذلك نفصّل الآيات}: وكما فصّلنا لك في هذه السّورة من ابتدائها وفاتحتها يا محمّد إلى هذا الموضع حجّتنا على المشركين من عبدة الأوثان وأدلّتنا، وميّزناها لك وبيّنّاها، كذلك نفصّل لك أعلامنا وأدلّتنا في كلّ حقٍّ ينكره أهل الباطل من سائر أهل الملل غيرهم، فنبيّنها لك حتّى تبيّن حقّه من باطله، وصحيحه من سقيمه.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {ولتستبين سبيل المجرمين} فقرأ ذلك عامّة قرّاء أهل المدينة: {ولتستبين} بالتّاء (سبيل المجرمين) بنصب السّبيل، على أنّ (تستبين) خطابٌ للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، كأنّ معناه عندهم: ولتستبين أنت يا محمّد سبيل المجرمين.
وكان ابن زيدٍ يتأوّل ذلك: ولتستبين أنت يا محمّد سبيل المجرمين الّذين سألوك طرد النّفر الّذين سألوه طردهم عنه من أصحابه.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: (ولتستبين سبيل المجرمين) قال: الّذين يأمرونك بطرد هؤلاء.
وقرأ ذلك بعض المكّيّين وبعض البصريّين: {ولتستبين} بالتّاء {سبيل المجرمين} برفع السّبيل على أنّ القصد للسّبيل، ولكنّه يؤنّثها، وكأنّ معنى الكلام عندهم: وكذلك نفصّل الآيات ولتتّضح لك وللمؤمنين طريق المجرمين.
وقرأ ذلك عامّة قرّاء أهل الكوفة: (ولتستبين) بالياء {سبيل المجرمين} برفع السّبيل على أنّ الفعل للسّبيل ولكنّهم يذكّرونه. ومعنى هؤلاء في هذا الكلام، ومعنى من قرأ ذلك بالتّاء في: {ولتستبين} ورفع السّبيل واحدٌ، وإنّما الاختلاف بينهم في تذكير السّبيل وتأنيثها.
وأولى القراءتين بالصّواب عندي في (السّبيل) الرّفع، لأنّ اللّه تعالى ذكره فصّل آياته في كتابه وتنزيله، ليتبيّن الحقّ بها من الباطل جميع من خوطب بها، لا بعضٌ دون بعضٍ.
ومن قرأ (السّبيل) بالنّصب، فإنّما جعل تبيين ذلك محصورًا على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
وأمّا القراءة في قوله: {ولتستبين} فسواءٌ قرئت بالتّاء أو بالياء، لأنّ من العرب من يذكّر السّبيل وهم تميمٌ وأهل نجدٍ، ومنهم من يؤنّث السّبيل وهم أهل الحجاز، وهما قراءتان مستفيضتان في قرّاء الأمصار، ولغتان مشهورتان من لغات العرب، وليس في قراءة ذلك بإحداهما خلافٌ لقراءته بالأخرى ولا وجه لاختيار إحداهما على الأخرى بعد أن يرفع السّبيل للعلّة الّتي ذكرنا.
وبنحو الّذي قلنا في تأويل قوله: {نفصّل الآيات} قال أهل التّأويل.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة: {وكذلك نفصّل الآيات}: نبيّن الآيات.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في: {نفصّل الآيات}: نبيّن). [جامع البيان: 9/ 276-278]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وكذلك نفصّل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين (55)}
قوله تعالى: {وكذلك نفصّل الآيات}
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، في قوله: {وكذلك نفصّل الآيات} أمّا نفصّل: فنبيّن
قوله: {ولتستبين سبيل المجرمين}.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم يقول في قوله: ولتستبين سبيل المجرمين قال: الّذين يأمرونك بطرد هؤلاء). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1302]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير عن قتادة في قوله: {وكذلك نفصل الآيات} قال: نبين الآيات.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله: {ولتستبين سبيل المجرمين} قال: الذين يأمرونك بطرد هؤلاء). [الدر المنثور: 6/ 61]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (56)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل إنّي نهيت أن أعبد الّذين تدعون من دون اللّه قل لا أتّبع أهواءكم قد ضللت إذًا وما أنا من المهتدين}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ -صلّى اللّه عليه وسلّم-: قل يا محمّد لهؤلاء المشركين بربّهم من قومك، العادلين به الأوثان والأنداد، الّذين يدعونك إلى موافقتهم على دينهم وعبادة الأوثان: إنّ اللّه نهاني أن أعبد الّذين تدعون من دونه، فلن أتّبعكم على ما تدعونني إليه من ذلك ولا أوافقكم عليه، ولا أعطيكم محبّتكم وهواكم فيه، وإن فعلت ذلك فقد تركت محجّة الحقّ وسلكت على غير الهدى، فصرت ضالًّا مثلكم على غير استقامةٍ.
وللعرب في (ضللت) لغتان: فتح اللاّم وكسرها، واللّغة الفصيحة المشهورة هي فتحها، وبها قرأ عامّة قرّاء الأمصار، وبها نقرأ لشهرتها في العرب، وأمّا الكسر فليس بالغالب في كلامها والقرّاء بها قليلون، فمن قال ضللت قال أضلّ، ومن قال ضللت قال في المستقبل أضلّ، وكذلك القراءة عندنا في سائر القرآن: {وقالوا أئذا ضللنا} بفتح اللاّم). [جامع البيان: 9/ 278]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({قل إنّي نهيت أن أعبد الّذين تدعون من دون اللّه قل لا أتّبع أهواءكم قد ضللت إذًا وما أنا من المهتدين (56)}
قوله: {قل إنّي نهيت أن أعبد الّذين تدعون من دون الله ... الآية}.
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ الواسطيّ، ثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، عن سفيان، عن أبي قيسٍ، عن هزيل بن شرحبيل قال: جاء رجلٌ إلى أبي موسى، وسلمان بن ربيعة فسألهما، عن ابنةٍ وابنة ابنٍ وأختٍ؟ فقال: للابنة النّصف، وللأخت النّصف، وأت عبد اللّه فإنّه سيتابعنا، فأتى عبد اللّه فأخبره فقال: قد ضللت إذًا وما أنا من المهتدين، لأقضينّ فيها بقضاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: للابنة النصف، وللابنة الابن السّدس وما بقي فللأخت). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1302]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين}.
أخرج ابن أبي شيبة والبخاري وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجه، وابن أبي حاتم عن هزيل بن شرحبيل قال: جاء رجل إلى أبي موسى وسلمان بن ربيعة فسألهما عن ابنة وابنة ابن أخت فقال: للابنة النصف وللأخت النصف وأئت عبد الله فإنه سيتابعنا، فأتى عبد الله فأخبره فقال: {قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين} لأقضين فيها بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم للابنة النصف ولابنة الإبن السدس وما بقي فللأخت). [الدر المنثور: 6/ 61]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (57)}

قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وحدّثني حرملة بن عمران أنّه سمع محمّد بن راشدٍ يخبر عن أبيه قال: عرضت القرآن على أبي الدّرداء وواثلة بن الأسقع صاحبي النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بدمشق ثماني مراتٍ فلم يردّدا عليّ شيئًا؛ وأنّه كان يقرأ: يقضي {الحقّ وهو خير الفاصلين}). [الجامع في علوم القرآن: 3/ 49]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( قوله تعالى: {إن الحكم إلّا لله يقصّ الحقّ وهو خير الفاصلين}
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ، أنّه كان يقرأ: {يقصّ الحق}، ويقول: {نحن نقصّ عليك أحسن القصص} ). [سنن سعيد بن منصور: 5/ 21]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل إنّي على بيّنةٍ من ربّي وكذّبتم به ما عندي ما تستعجلون به إن الحكم إلاّ للّه يقصّ الحقّ وهو خير الفاصلين}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {قل} يا محمّد لهؤلاء العادلين بربّهم، الدّاعين لك إلى الإشراك بربّك: {إنّي على بيّنةٍ من ربّي}: أي إنّي على بيانٍ قد تبيّنته وبرهانٌ قد وضح لي من ربّي، يقول: من توحيده، وما أنا عليه من إخلاص عبوديّته من غير إشراك شيءٍ به.
وكذلك تقول العرب: فلانٌ على بيّنةٍ من هذا الأمر، إذا كان على بيانٍ منه، ومن ذلك قول الشّاعر:
أبيّنةً تبغون بعد اعترافه ....... وقول سويدٍ قد كفيتكم بشرا
{وكذّبتم به} يقول: وكذبتم أنتم بربّكم. والهاء في قوله: {به} من ذكر الرّبّ -جلّ وعزّ-: {ما عندي ما تستعجلون به} يقول: ما الّذي تستعجلون من نقم اللّه وعذابه بيدي، ولا أنا على ذلك بقادرٍ. وذلك أنّهم قالوا حين بعث اللّه نبيّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم بتوحيده، فدعاهم إلى اللّه وأخبرهم أنّه رسوله إليهم: {هل هذا إلاّ بشرٌ مثلكم أفتأتون السّحر وأنتم تبصرون}، وقالوا للقرآن: هو أضغاث أحلامٍ. وقال بعضهم: بل هو اختلاقٌ اختلقه. وقال آخرون: بل محمّدٌ شاعرٌ، فليأتنا بآيةٍ كما أرسل الأوّلون، فقال اللّه لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أجبهم بأنّ الآيات بيد اللّه لا بيدك، وإنّما أنت رسولٌ، وليس عليك إلاّ البلاغ لما أرسلت به، وإنّ اللّه يقضي الحقّ فيهم وفيك ويفصل به بينك وبينهم فيتبيّن المحقّ منكم والمبطل. {وهو خير الفاصلين} أي وهو خيرٌ من بيّن وميّز بين المحقّ والمبطل وأعدلهم، لأنّه لا يقع في حكمه وقضائه حيفٌ إلى أحدٍ لوسيلةٍ له إليه ولا لقرابةٍ ولا مناسبةٍ، ولا في قضائه جورٌ لأنّه لا يأخذ الرّشوة في الأحكام فيجور، فهو أعدل الحكّام وخير الفاصلين.
وقد ذكر لنا في قراءة عبد اللّه: (وهو أسرع الفاصلين).
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، أنّه قال: في قراءة عبد اللّه: (يقضي الحقّ وهو أسرع الفاصلين).
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: (يقض الحقّ) فقرأه عامّة قرّاء الحجاز والمدينة وبعض قرّاء أهل الكوفة والبصرة: {إن الحكم إلاّ للّه يقصّ الحقّ} بالصّاد بمعنى القصص، وتأوّلوا في ذلك قول اللّه تعالى: {نحن نقصّ عليك أحسن القصص}. وذكر ذلك عن ابن عبّاسٍ.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينارٍ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: {يقصّ الحقّ}، وقال: {نحن نقصّ عليك أحسن القصص}.
وقرأ ذلك جماعةٌ من قرّاء الكوفة والبصرة: (إن الحكم إلاّ للّه يقض الحقّ) بالضّاد من القضاء بمعنى الحكم والفصل بالقضاء. واعتبروا صحّة ذلك بقوله: {وهو خير الفاصلين}، وأنّ الفصل بين المختلفين إنّما يكون بالقضاء لا بالقصص.
وهذه القراءة عندنا أولى القراءتين بالصّواب لما ذكرنا لأهلها من العلّة.
فمعنى الكلام إذن: ما الحكم فيما تستعجلون به أيّها المشركون من عذاب اللّه وفيما بيني وبينكم، إلاّ اللّه الّذي لا يجور في حكمه، وبيده الخلق والأمر، يقضي الحقّ بيني وبينكم، وهو خير الفاصلين بيننا بقضائه وحكمه). [جامع البيان: 9/ 278-280]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({قل إنّي على بيّنةٍ من ربّي وكذّبتم به ما عندي ما تستعجلون به إن الحكم إلّا للّه يقصّ الحقّ وهو خير الفاصلين (57)}
قوله: {قل إنّي على بيّنةٍ من ربّي}.
- ذكر، عن يزيد بن هارون، عن جعفر بن سليمان قال: سمعت أبا عمران الجونيّ قرأ هذه الآية: قل إنّي على بيّنةٍ من ربّي قال: على ثقةٍ.
قوله: {إن الحكم إلّا لله يقص الحق ... الآية}.
- حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن يزيد المقري، ثنا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، عن عطاءٍ: قرأ ابن عبّاسٍ: يقصّ الحقّ، وهو خير الفاصلين وقال: نحن نقصّ عليك أحسن القصص.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو معمرٍ المنقريّ عبد اللّه بن عمرٍو، ثنا عبد الوارث قال حميدٌ: قال مجاهدٌ: لو كانت يقص لكانت يقضي بالحقّ، ولكنّها يقصّ الحقّ.
وروي، عن عطيّة مثله.
- حدّثنا أبي، ثنا سليمان بن معبدٍ، ثنا الأصمعيّ قال: قرأ أبو عمرٍو يقض الحق، وقال: لا يكون الفصل إلا بعد القضاء.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا خلاد بن خالد المقري، ثنا حسن بن صالحٍ، عن مغيرة، عن إبراهيم قال مغيرة: فسمعته يقرأ: يقضى الحق وهو خير الفاصلين. قال ابن حمى: لا يكون الفصل إلا مع القضاء). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1303]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي عمران الجوني في قوله: {قل إني على بينة من ربي} . قال:على ثقة.
- وأخرج ابن أبي شيبة،وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن سعيد ابن جبير قال: في قراءة عبدالله: (يقضي الحق وهو أسرع الفاصلين).
- وأخرج ابن أبي حاتم الأصمعي قال: قرأ أبو عمرو (يقض الحق) وقال: لا يكون الفصل إلا بعد القضاء.
- وأخرج ابن أبي حاتم، من طريق حسن بن صالح بن حي عن مغيرة عن إبراهيم النخعي أنه قرأ: (يقضي الحق وهو خير الفاصلين) قال ابن حي: لا يكون الفصل إلا مع القضاء .، -.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر عن الشعبي أنه قرأ (يقضي الحق).
- وأخرج الدار قطني في الأفراد، وابن مردويه عن أبي بن كعب قال أقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا: {يقص الحق وهو خير الفاصلين}.
- وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس، أنه كان يقرأ: {يقص الحق}، ويقول: {نحن نقص عليك أحسن القصص} [لقمان: 34].
- وأخرج ابن الأنباري عن هرون قال: في قراءة عبد الله {يقص الحق}.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد الأنباري عن هرون قال: في قراءة عبد الله {يقص الحق}.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد أنه كان يقرأ {يقص الحق} وقال: لو كانت يقضي كانت بالحق). [الدر المنثور: 6/ 61-63]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (58)}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل لو أنّ عندي ما تستعجلون به لقضي الأمر بيني وبينكم واللّه أعلم بالظّالمين}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل يا محمّد لهؤلاء العادلين بربّهم الآلهة والأوثان، المكذّبيك فيما جئتهم به، السّائليك أن تأتيهم بآيةٍ استعجالاً منهم بالعذاب: لو أنّ بيدي ما تستعجلون به من العذاب {لقضي الأمر بيني وبينكم} ففصل ذلك أسرع الفصل بتعجيلي لكم ما تسألوني من ذلك وتستعجلونه، ولكنّ ذلك بيد اللّه الّذي هو أعلم بوقت إرساله على الظّالمين الّذين يضعون عبادتهم الّتي لا تنبغي أن تكون إلاّ للّه في غير موضعها فيعبدون من دونه الآلهة والأصنام، وهو أعلم بوقت الانتقام منهم وحال القضاء بيني وبينهم.
وقد قيل: معنى قوله: {لقضي الأمر بيني وبينكم}: الذّبح للموت.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبو خالدٍ الأحمر، عن ابن جريجٍ، قال: بلغني في قوله: {لقضي الأمر} قال: ذبح الموت.
وأحسب أنّ قائل هذا النّوع نزع لقوله: {وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلةً}، فإنّه روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في ذلك قصّةٌ تدلّ على معنى ما قاله هذا القائل في قضاء الأمر، وليس قوله: {لقضي الأمر بيني وبينكم} من ذلك في شيءٍ، وإنّما هذا أمرٌ من اللّه تعالى نبيّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم أن يقول لمن استعجله فصل القضاء بينه وبينهم من قوله بآيةٍ يأتيهم بها: لو أنّ العذاب والآيات بيدي وعندي لعاجلتكم بالّذي تسألوني من ذلك، ولكنّه بيد من هو أعلم بما يصلح خلقه منّي ومن جميع خلقه). [جامع البيان: 9/ 281]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({قل لو أنّ عندي ما تستعجلون به لقضي الأمر بيني وبينكم واللّه أعلم بالظّالمين (58)}
قوله: {قل لو أنّ عندي ما تستعجلون به}
الوجه الأول:
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعثمان قالا: حدّثنا معاوية بن هشامٍ، ثنا سفيان الثّوريّ، عن أبيه، عن عكرمة، في قوله: لقضي الأمر بيني وبينكم قال: قامت السّاعة.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا أبو خالدٍ الأحمر، عن ابن جريجٍ مرسلا: لقضي الأمر قال: ذبح الموت). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1303]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة في قوله {لقضي الأمر بيني وبينكم} قال: لقامت الساعة). [الدر المنثور: 6/ 63]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 22 ربيع الثاني 1434هـ/4-03-2013م, 11:39 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي

{وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54) وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (55) قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (56) قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (57) قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (58)}


تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54)}:

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {كتب ربّكم على نفسه الرّحمة أنّه من عمل منكم...}
تكسر الألف من (أنّ) والتي بعدها في جوابها على الاستئناف، وهي في قراءة القرّاء.
- وإن شئت فتحت الألف من (أنّ) تريد: {كتب ربكم على نفسه أنه من عمل}.
- ولك في (أنّ) التي بعد الفاء الكسر والفتح.
- فأمّا من فتح فإنه يقول: إنما يحتاج الكتاب إلى (أنّ) مرة واحد؛ ولكن الخبر هو موضعها، فلما دخلت في ابتداء الكلام أعيدت إلى موضعها؛ كما قال: {أيعدكم أنّكم إذا متّم وكنتم تراباً وعظاماً أنّكم مخرجون} فلمّا كان موقع أنّ: أيعدكم أنكم مخرجون إذا متم دخلت في أوّل الكلام وآخره. ومثله: {كتب عليه أنّه من تولاّه فأنّه يضلّه} بالفتح.
ومثله: {ألم يعلموا أنّه من يحادد اللّه ورسوله فأنّ له نار جهنّم}
- ولك أن تكسر (إن) التي بعد الفاء في هؤلاء الحروف على الاستئناف؛ ألا ترى أنك قد تراه حسنا أن تقول: "كتب أنه من تولاه فهو يضله" بالفتح.
وكذلك "وأصلح فهو غفور رحيم" لو كان لكان صوابا. فإذا حسن دخول (هو) حسن الكسر). [معاني القرآن: 1/ 336-337]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وإذا جاءك الّذين يؤمنون بآياتنا فقل سلامٌ عليكم كتب ربّكم على نفسه الرّحمة أنّه من عمل منكم سوءًا بجهالةٍ ثمّ تاب من بعده وأصلح فأنّه غفورٌ رّحيمٌ}
وقال: {كتب ربّكم على نفسه الرّحمة أنّه من عمل} و{أنّه من عمل منكم سوءًا بجهالةٍ ثمّ تاب من بعده وأصلح فأنّه غفورٌ رّحيمٌ} فقوله: {أنّه} بدلٌ من قوله: {الرّحمة} أي: كتب أنّه من عمل.
وقوله: {فأنّه} على الابتداء أي: فله المغفرة والرّحمة فهو غفورٌ رحيم.
وقال بعضهم {فأنّه} أراد به الاسم وأضمر الخبر. أراد "فأنّ"). [معاني القرآن: 1/ 239]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الحسن {أنه من عمل منكم سوءا بجهالة فأنه}.
أبو عمرو {إنه من عمل}، {فإنه}؛ وقد فسرنا ذلك في صدر الكتاب). [معاني القرآن لقطرب: 513]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وإذا جاءك الّذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربّكم على نفسه الرّحمة أنّه من عمل منكم سوءا بجهالة ثمّ تاب من بعده وأصلح فأنّه غفور رحيم} أي: الذين يصدقون بحججنا، وبراهيننا {فقل سلام عليكم}
خلا سمعت أبا العباس محمد بن يزيد يذكر أن، "السلام" في اللغة أربعة:
1- أشياء فمنها سلّمت سلاما - مصدر سلّمت.
2- ومنها السلام جمع سلامة.
3- ومنها السلام اسم من أسماء الله تعالى.
4- ومنها السلام شجر، ومنه قوله: إلّا سلام وحرمل.
ومعنى السلام: الذي هو مصدر سلّمت، إنّه دعاء للإنسان أن يسلم من الآفات " في دينه ونفسه، وتأويله التخلص.
و "السلام" اسم من أسماء اللّه "
تأويله -واللّه أعلم- ذو السلام أي: هو الذي يملك السلام الذي هو تخليص من المكروه، فأما السلام الشجر فهو شجر عظام قوي أحسبه سمي بذلك لسلامته من الآفات.
- والسّلام الحجارة الصلبة سميت بذلك لسلامتها من الرخاوة.
- والصلح يسمّى السّلم والسّلم والسّلم، سمي بهذا لأن معناه السلامة من الشر.
- والسّلم دلو لها عروة واحدة نحو دلو السّقائين، سميت الدلو سلما لأنها أقل عرى من سائر الدّلاء فهي أسلمها من الآفات والسّلّم الذي يرتقى عليه سمّي بهذا لأنه يسلّمك إلى حيث تريد.
والسّلّم السبب إلى الشيء، سمّي بهذا لأنه يؤدي إلى غيره، كما يؤدي السّلّم الذي يرتقى عليه.
وقوله: {كتب ربّكم على نفسه الرّحمة أنّه من عمل منكم سوءا بجهالة ثمّ تاب من بعده وأصلح فأنّه غفور رحيم}
1- بفتحهما جميعا.
2- ويجوز أن يكون " إنّه - فإنّه " بكسرهما جميعا.
3- ويجوز فتح الأولى وكسر الثانية.
4- ويجوز كسر الأولى وفتح الثانية.
- فأما فتح الأولى والثانية فعلى أن موضع أن الأولى نصب، المعنى: كتب ربكم على نفسه المغفرة، وهي بدل من الرحمة، كأنّه قال: كتب ربّكم على نفسه الرّحمة وهي المغفرة للمذنبين التائبين، لأن معنى إنّه (غفور رحيم) المغفرة منه.
- ويجوز أن تكون الثانية وقعت مؤكدة للأولى، لأن المعنى: كتب ربكم أنه (غفور رحيم) فلما طال الكلام أعيد ذكر إنّ.
- فأما كسرهما جميعا فعلى مذهب الحكاية، كأنّه لما قال {كتب ربّكم على نفسه الرّحمة} قال: {أنّه من عمل منكم سوءا بجهالة ثمّ تاب من بعده وأصلح فإنّه غفور رحيم} بالكسر.
وجعلت الفاء جوابا للجزاء وكسرت إنّ دخلت على ابتداء وخبر، كأنك قلت فهو غفور رحيم. إلا أن الكلام بـ إنّ أوكد، ومن كسر الأولى فعل ما ذكرنا من الحكاية، وإذا فتح الثانية مع كسر الأولى. لأن معناها المصدر، والخبر محذوف.
المعنى إنه من عمل كذا وكذا فمغفرة اللّه له.
- ومن فتح الأولى وكسر الثانية فالمعنى راجع إلى المصدر.
وكأنك لم تذكر إن الثانية، المعنى كتب ربكم على نفسه أنه غفور رحيم.
ومعنى {كتب}: أوجب ذلك إيجابا مؤكدا، وجائز أن يكون كتب ذلك في اللوح المحفوظ، وإنما خوطب الخلق بما يعقلون، فهم يعقلون أن توكيد الشيء المؤخر إنما يحفظ بالكتاب، ونحن نشرح ذلك في موضعه شرحا أوكد من هذا إن شاء اللّه.
ومعنى: يعملون السوء بجهالة، أي ليس بأنهم يجهلون أنه سوء.
لو أتى المسلم ما يجهل أنّه سوء لكان كمن لم يتعمد سوءا، ولم يوقع سوءا.
وقولك عمل فلان كذا وكذا بجهالة يحتمل أمرين، فأحدهما أنّه عمله وهو جاهل بالمكروه فيه، أي لم يعرف أن فيه مكروها، والآخر أقدم عليه على بصيرة، وعلم أن عاقبته مكروهة، فآثر العاجل فجعل جاهلا، فإنه آثر القليل على الراحة الكثيرة والعافية الدائمة.
فهذا معنى: {من عمل منكم سوءا بجهالة}). [معاني القرآن: 2/ 252-254]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة}
السلام والسلامة بمعنى واحد، ومعنى سلام عليكم: سلمكم الله في دينكم وأنفسكم
والسلام اسم من أسماء الله جل وعز معناه ذو السلامة.
- وقرأ الحسن وعاصم وعيسى: {كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم}: بفتحها جميعا فالأولى بدل من الرحمة والثانية مؤكدة مكررة لطول الكلام هذا مذهب سيبويه.
- وقرأ أبو عمر والكسائي والأعمش وابن كثير وشبل: بكسرهما جميعا والمعنى الأولى قال انه وكسر الثانية لأنها مبتدأة بعد الفاء
- وقرأ أهل المدينة: بفتح الأولى لأنها تبيين للرحمة وكسروا الثانية لما تقدم). [معاني القرآن: 2/ 430-432]

تفسير قوله تعالى: {كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (55)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وليستبين سبيل المجرمين...}
ترفع {السبيل} بقوله: {وليستبين} لأنّ الفعل له من أنّث السبيل
قال: {ولتستبين سبيل المجرمين} ، وقد يجعل الفعل للنبيّ -صلى الله عليه وسلم- فتنصب السبيل،
يراد به: ولتستبين يا محمد سبيلّ المجرمين). [معاني القرآن: 1/ 337]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({وكذلك نفصّل الآيات} أي: نميزها ونبيّنها.
قال يزيد ابن ضبّة في البغتة:
ولكنّهم بانوا ولم أدر بغتةً ....... وأفظع شيءٍ حين يفجؤك البغت).
[مجاز القرآن: 1/ 193]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وكذلك نفصّل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين}
وقال: {ولتستبين سبيل المجرمين} لأنّ أهل الحجازّ يقولن:"هي السّبيل".
وقال بعضهم: {ولتستبين} يعني النبيّ صلى الله عليه.
وقال بعضهم: {وليستبين سبيل} في لغة بني تميم). [معاني القرآن: 1/ 239-240]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الحسن وأبو عمرو {ولتستبين سبيل المجرمين} يرفع السبيل [...] والسبيل والطريق يؤنثان ويذكران.
الأعرج {ولتستبين سبيل المجرمين} ينصب يعني النبي صلى الله عليه وسلم). [معاني القرآن لقطرب: 513]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({نفصّل الآيات} أي: نأتي بها متفرّقة شيئا بعد شيء، ولا ننزلها جملة). [تفسير غريب القرآن: 154]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وكذلك نفصّل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين}
يقرأ بالتاء والياء، فمن قرأ بالتاء فلان السبيل الطريق، وهو يذكر ويؤنث.
ويجوز وجه ثالث: ولتستبين سبيل المجرمين -بنصب السبيل-، لأن المعنى ولتستبين أنت يا محمد سبيل المجرمين.
فإن قال قائل أفلم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم– مستبينا سبيل المجرمين؟
فالجواب في هذا: أن جميع ما يخاطب به المؤمنون يخاطب به النبي -صلى الله عليه وسلم- فكأنّه قال ولتستبينوا المجرمين، أي: لتزدادوا استبانة لها، ولم يحتج أن يقول ولتستبين سبيل المؤمنين مع ذكر سبيل المجرمين، لأن سبيل المجرمين إذا استبانت فقد بانت معها سبيل المؤمنين.
وجائز أن يكون المعنى: ولتستبين سبيل المجرمين ولتستبين سبيل المؤمنين. إلا أن الذكر والخطاب ههنا في ذكر المجرمين فذكروا وترك ذكر سبيل المؤمنين، لأن في الكلام دليلا عليها كما قال عز وجلّ: {سرابيل تقيكم الحرّ} ولم يقل تقيكم البرد، لأن الساتر يستر من الحر والبرد، ولكن جرى ذكر الحرّ لأنهم كانوا في مكانهم أكثر معاناة له من البرد). [معاني القرآن: 2/ 254-255]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين} المعنى على هذه القراءة ولتستبين يا محمد سبيل المجرمين فإن قيل فقد كان صلى الله عليه وسلم يستبينها فالجواب عند الزجاج أن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم خطاب لأمته بالمعنى ولتستبينوا سبيل المجرمين فإن قيل فلم لم تذكر سبيل المؤمنين ففي هذا جوابان:
أحدهما: أنه إذا استبينت سبيل المجرمين فقد استبينت سبيل المؤمنين
والجواب الآخر: أن يكون مثل قوله: {سرابيل تقيكم الحر} فالمعنى وتقيكم البرد ثم حذف وكذلك هذا يكون المعنى ولتستبين سبيل المؤمنين ثم حذف). [معاني القرآن: 2/ 432-433]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({نفَصِّلُ الآيَاتِ} أي نأتي بها متفرقة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 76]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (56)}:
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({قد ضللت}
تضلّ تقديرها: فررت تفرّ وضللت تضلّ، تقديرها: مللت نملّ، لغتان). [مجاز القرآن: 1/ 193]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({قل إنّي نهيت أن أعبد الّذين تدعون من دون اللّه قل لاّ أتّبع أهواءكم قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين}
وقال: {قد ضللت إذاً}، وقال بعضهم {ضللت}وهما لغتان:
- من قال "ضللت" قال "تضلّ" .
- ومن قال "ضللت" قال "تضلّ" ونقرأ بالمفتوحة). [معاني القرآن: 1/ 240]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (القراء {قد ضللت}.
يحيى بن وثاب "قد ضللت" وعلى هذه: ضللت أضل وضللت أضل). [معاني القرآن لقطرب: 513]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: {قل إنّي نهيت أن أعبد الّذين تدعون من دون اللّه قل لا أتّبع أهواءكم قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين}
كانوا يعبدون الأصنام، وقالوا {ما نعبدهم إلّا ليقرّبونا إلى اللّه زلفى}فأعلم اللّه عز وجل أنه لا يعبد غيره.
وقوله: {قل لا أتّبع أهواءكم} أي: إنما عبدتموها على طريق الهوى لا على طريق البيّنة والبرهان.
وقوله: {قد ضللت إذا} معنى إذن معنى الشرط، المعنى: قد ضللت إن عبدتها.
وقوله: {وما أنا من المهتدين} أي: وما أنا من النبيين الذين سلكوا طريق الهدى). [معاني القرآن: 2/ 255]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (57)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {إن الحكم إلاّ للّه يقصّ الحقّ...} كتبت بطرح الياء لاستقبالها الألف واللام؛
كما كتب {سندع الزّبانية} بغير واو،
وكما كتب {فما تغن النّذر} بغير ياء على اللفظ، فهذه قراءة أصحاب عبد الله.
وذكر عن عليّ أنه قال: {يقصّ الحقّ} بالصاد...
- وحدثني سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينارٍ عن رجلٍ عن ابن عباسٍ أنه قرأ: {يقضي بالحق}
قال الفراء: وكذلك هي في قراءة عبد الله). [معاني القرآن: 1/ 337-338]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({على بيّنةٍ من ربّي} أي بيان،
وقال:

أبيّنةً تبغون بعد اعترافه ....... وقول سويدٍ قد كفيتكم بشرا
أي: بياناً). [مجاز القرآن: 1/193]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الحسن وأبو عمرو {يقضي الحق}.
[معاني القرآن لقطرب: 513]
مجاهد {يقص الحق}.
ابن مسعود "يقضي بالحق" يقوي قراءة الحسن). [معاني القرآن لقطرب: 514]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {قل إنّي على بيّنة من ربّي وكذّبتم به ما عندي ما تستعجلون به إن الحكم إلّا للّه يقصّ الحقّ وهو خير الفاصلين}أي: على أمر بين، لا متبع هوى.
{وكذبتم به} هذه الهاء كناية عن البيان، أي: وكذبتم بالبيان، لأن البينة والبيان في معنى واحد،
ويكون {وكذبتم به} أي: بما أتيتكم به، لأنه هو البيان.
وقوله: {ما عندي ما تستعجلون به}
والذي استعجلوا به الآيات التي اقترحوها عليه. فأعلم - صلى الله عليه وسلم - أن ذلك عند الله، فقال: {إن الحكم إلّا للّه يقصّ الحقّ وهو خير الفاصلين}
هذه كتبت ههنا بغير ياء على اللفظ، لأن الياء أسقطت لالتقاء السّاكنين
كما كتبوا.. {سندع الزّبانية} بغير واو.
وقرئت: {يَقُصُّ الحقّ}، وقرأ ابن عباس (يقضي بالحق)، إلا أنّ القراء لا يقرأون (يقضي بالحق) لمخالفة المصحف.
و(يقضي الحق)فيه وجهان:
1- جائز أن يكون الحق صفة للمصدر، المعنى يقضي القضاء الحق.
2- ويجوز أن يكون يقضي الحق يصنع الحق، أي كل ما صنعه عزّ وجلّ فهو حق وحكمة، إلا أن {وهو خير الفاصلين} يدل على معنى القضاء الذي هو الحكم، فأما قضى في معنى صنع فمثله قول الهذلي:
وعليهما مسرودتان قضاهما ....... داود أو صنع السّوابغ تبّع
أي صنعهما داود، ومن قرأ {يقصّ الحقّ} فمعناه أن جميع ما أنبأ به وأمر به فهو من أقاصيص الحق). [معاني القرآن: 2/ 255-257]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {قل إني على بينة من ربي وكذبتم به ما عندي ما تستعجلون به} أي:
- ما تستعجلون من اقتراح الآيات.
- ويجوز أن يكون المعنى ما تستعجلون به من العذاب). [معاني القرآن: 2/ 433]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( ثم قال جل وعز: {إن الحكم إلا لله يقضي الحق}كذلك قرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأبو عبد الرحمن السلمي وسعيد بن المسيب.
واحتج بعض من قرأ هذه القراءة بأن بعده {وهو خير الفاصلين} والفصل لا يكون إلا في القضاء والحكم
وقرأ ابن عباس ومجاهد والأعرج {يَقُصُّ الحق}.
قال ابن عباس كما قال جل وعز: {نحن نقص عليك أحسن القصص} واحتج بعض من قرأ هذه القراءة بأنه في السواد بلا ياء. قال: ولو كانت يقضي لكانت بالحق وهذا الاحتجاج لا يلزم لأن مثل هذه الياء تحذف كثيرا.
وأما قوله لو كانت يقضي لكانت بالحق فلا يلزم أيضا لأن معنى يقضي يأتي ويصنع فالمعنى:
- يأتي الحق
- ويجوز أن يكون المعنى يقضي القضاء الحق). [معاني القرآن: 2/ 434-435]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (58)}:

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({قل لو أنّ عندي ما تستعجلون به} من عقوبة اللّه.
{لقضي الأمر بيني وبينكم} أي: لعجّلته لكم فأنقضي ما بيننا). [تفسير غريب القرآن:154]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 28 ربيع الثاني 1434هـ/10-03-2013م, 11:22 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54) }

قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (هذا بابٌ تكون فيه أن بدلا من شيءٍ ليس بالآخر
من ذلك: {وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم} فأن مبدلة من إحدى الطائفتين موضوعةٌ في مكانها كأنك قلت وإذ يعدكم الله أن إحدى الطائفتين لكم كما أنك إذا قلت رأيت متاعك بعضه فوق بعض فقد أبدلت الآخر من الأول وكأنك قلت رأيت بعض متاعك فوق بعض وإنما نصبت بعضاً لأنك أردت معنى رأيت بعض متاعك فوق بعض كما جاء الأول على معنى وإذ يعدكم الله أن إحدى الطائفتين لكم.
ومن ذلك قوله عز وجل: {ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون} فالمعنى والله أعلم ألم يروا أن القرون الذين أهلكناهم إليهم لا يرجعون.
ومما جاء مبدلاً من هذا الباب: {أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون} فكأنه على أيعدكم أنكم مخرجون
إذا متم وذلك أريد بها ولكنه إنما قدمت أن الأولى ليعلم بعد أي شيء الإخراج.
ومثل ذلك قولهم زعم أنه إذا أتاك أنه سيفعل وقد علمت أنه إذا فعل أنه سيمضي.
ولا يستقيم أن تبتدئ إن هاهنا كما تبتدئ الأسماء أو الفعل إذا قلت قد علمت زيداً أبوه خيرٌ منك وقد رأيت زيداً يقول أبوه ذاك لأن إن لا تبتدأ في كل موضع وهذا من تلك المواضع.
وزعم الخليل أن مثل ذلك قوله تبارك وتعالى: {ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم} ولو قال فإن كانت عربيه جيدة.
وسمعناهم يقولون في قول ابن مقبلٍ
وعلمي بأسدام المياه فلم تزل ....... قلائص تخدى في طريقٍ طلائح
وأنّي إذا ملّت ركابي مناخها ....... فإنّي على حظّي من الأمر جامح

وإن جاء في الشعر قد علمت أنك إذا فعلت إنك سوف تغتبط به تريد معنى الفاء جاز والوجه والحد ما قلت لك أول مرة.
وبلغنا أن الأعرج قرأ: (أنه من عمل منكم سوأ بجهالةٍ ثم تاب من بعده وأصلح فإنه غفورٌ رحيم) ونظيره ذا البيت الذي أنشدتك). [الكتاب: 3/ 132-134]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (هذا باب من أبواب أن مكررةً
وذلك قولك: قد علمت أن زيداً إذا أتاك أنه سيكرمك، وذلك أنك قد أردت: قد علمت أن زيداً إذا أتاك سيكرمك، فكررت الثانية توكيداً، ولست تريد بها إلا ما أردت بالأولى. فمن ذلك قوله عز وجل: {أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم تراباً وعظاماً أنكم مخرجون} فهذا أحسن الأقاويل عندي في هذه الآية، وقد قيل فيها غير هذا. ونحن ذاكروه في آخر الباب إن شاء الله.
ونظير تكرير أن هاهنا قوله تبارك وتعالى: {وهم بالآخرة هم كافرون} وقوله عز وجل: {فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها}. وكذلك قوله عز وجل: {وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها}.
ومن هذا الباب عندنا وهو قول أبي عمر الجرمي {ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم}. فالتقدير: والله أعلم فله نار جهنم، وردت أن توكيداً. وإن كسرها كاسر جعلها مبتدأة بعد الفاء؛ لأن ما بعد فاء المجازاة ابتداء، كقوله عز وجل: {قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم} فـ إن في هذا الموضع يجوز أن تكون الأولى التي وقعت بعد الحكاية كررت، ويجوز أن تكون وقعت مبتدأة بعد الفاء، كقولك: من يأتني فإني سأكرمه.
وأما أبو الحسن الأخفش فقال في قوله تبارك وتعالى: {ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم} قال: المعنى: فوجوب النار له، ثم وضع أن في موضع المصدر.
فهذا قول ليس بالقوي، لأنه يفتحها مبتدأة، ويضمر الخبر.
وكذلك قال في قوله: {كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءاً بجهالةٍ ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفورٌ رحيمٌ}، أي فوجوب الرحمة له.
والقول فيه عندنا التكرير على ما ذكرت لك.
فأما ما قيل في الآية التي ذكرنا قبل سوى القول الذي اخترناه وهي {أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم تراباً وعظاماً أنكم مخرجون} فأن يكون {أنكم مخرجون} مرتفعاً بالظرف. كأنه في التقدير: أيعدكم أنكم إذا متم إخراجكم. فهذا قول حسن جميل.
وأما سيبويه فكان يقول: المعنى: أن يعد وقعت على أن الثانية وذكر أن الأولى ليعلم بعد أي شيءٍ يكون الإخراج?.
وهذا قول ليس بالقوي). [المقتضب: 2/ 354-357] (م)

تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (55)}


تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (56) }


تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (57) }

تفسير قوله تعالى: {قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (58) }


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 10:34 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 10:34 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 10:35 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 10:35 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وإذا جاءك الّذين يؤمنون بآياتنا فقل سلامٌ عليكم كتب ربّكم على نفسه الرّحمة أنّه من عمل منكم سوءاً بجهالةٍ ثمّ تاب من بعده وأصلح فأنّه غفورٌ رحيمٌ (54) وكذلك نفصّل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين (55)}
قال جمهور المفسرين: الّذين يراد بهم القوم الذين كان عرض طردهم فنهى الله عز وجل عن طردهم، وشفع ذلك بأن أمر بأن يسلم النبي صلى الله عليه وسلم عليهم ويؤنسهم، وقال عكرمة وعبد الرحمن بن زيد الّذين يراد بهم القوم من المؤمنين الذين صوبوا رأي أبي طالب في طرد الضعفة فأمر الله نبيه أن يسلم عليهم ويعلمهم أن الله يغفر لهم مع توبتهم من ذلك السوء وغيره، وأسند الطبري عن ماهان أنه قال نزلت الآية في قوم من المؤمنين استفتوا النبي صلى الله عليه وسلم في ذنوب سلفت منهم فنزلت الآية بسببهم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهي على هذا تعم جميع المؤمنين دون أن تشير إلى فرقة، وقال الفضيل بن
عياض: قال قوم للنبي -صلى الله عليه وسلم- إنّا قد أصبنا ذنوبا فاستغفر لنا فأعرض عنهم فنزلت الآية، وقوله بآياتنا يعم آيات القرآن وأيضا علامات النبوة كلها، وسلامٌ عليكم ابتداء والتقدير: سلام ثابت أو أوجب عليكم، والمعنى: أمنة لكم من عذاب الله في الدنيا والآخرة، وقيل المعنى أن الله يسلم عليكم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا معنى لا يقتضيه لفظ الآية حكاه المهدوي، ولفظه لفظ الخبر وهو في معنى الدعاء، وهذا من المواضع التي جاز فيها الابتداء بالنكرة إذ قد تخصصت، وكتب بمعنى أوجب، والله تعالى لا يجب عليه شيء عقلا إلا إذا أعلمنا أنه قد حتم بشيء ما فذلك الشيء واجب، وفي: أين هذا الكتاب اختلاف؟ قيل في اللوح المحفوظ، وقيل في كتاب غيره لقوله عليه السلام في صحيح البخاري: إن الله تعالى كتب كتابا فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي سبقت غضبي، وقرأ عاصم وابن عامر: «أنه» بفتح الهمزة في الأولى والثانية، ف «أنه» الأولى بدل من الرحمة و «أنه» الثانية خبر ابتداء مضمر تقديره: فأمره أنه غفور رحيم، هذا مذهب سيبويه وقال أبو حاتم «فإنه» ابتداء ولا يجوز هذا عند سيبويه، وقال النحاس: هي عطف على الأولى وتكرير لها لطول الكلام، قال أبو علي. ذلك لا يجوز لأن من لا يخلو أن تكون موصولة بمعنى الذي فتحتاج إلى خبر أو تكون شرطية فتحتاج إلى جواب، وإذا جعلنا «فأنه» تكريرا للأولى عطفا عليها بقي المبتدأ بلا خبر أو الشرط بلا جواب، قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي «إنه» بكسر الهمزة في الأولى والثانية، وهذا على جهة التفسير للرحمة في الأولى والقطع فيها، وفي الثانية إما في موضع الخبر أو موضع جواب الشرط وحكم ما بعد الفاء إنما هو الابتداء، وقرأ نافع بفتح الأولى وكسر الثانية، وهذا على أن أبدل من الرحمة واستأنف بعد الفاء، وقرأت فرقة بكسر الأولى وفتح الثانية حكاه الزهراوي عن الأعرج وأظنه وهما، لأن سيبويه حكاه عن الأعرج مثل قراءة نافع، وقال أبو عمرو الداني: قراءة الأعرج ضد قراءة نافع، و «الجهالة» في هذا الموضع تعم التي تضاد العلم والتي تشبه بها، وذلك أن المتعمد لفعل الشيء الذي قد نهي عنه تشمل معصيته تلك جهالة، إذ قد فعل ما يفعله الذي لم يتقدم له علم، قال مجاهد: من الجهالة أن لا يعلم حلالا من حرام ومن جهالته أن يركب الأمر، ومن هذا الذي لا يضاد العلم قول النبي عليه السلام في استعاذته «أو أجهل أو يجهل عليّ»، ومنه قول الشاعر [عمرو بن كلثوم]: [الوافر]
ألا لا يجهلن أحد علينا ....... فنجهل فوق جهل الجاهلينا
والجهالة المشبهة ليست بعذر في الشرع جملة والجهالة الحقيقية يعذر بها في بعض ما يخف من الذنوب ولا يعذر بها في كبيرة، و «التوبة» الرجوع، وصحتها مشروطة باستدامة الإصلاح بعدها في الشيء الذي تيب منه). [المحرر الوجيز: 3/ 370-373]

تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (55) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (والإشارة بقوله وكذلك إلى ما تقدم من النهي عن طرد المؤمنين وبيان فساد منزع العارضين لذلك، وتفصيل الآيات تبيينها وشرحها وإظهارها، واللام في قوله ولتستبين متعلقة بفعل مضمر تقديره ولتستبين سبيل المجرمين فصلناها، وقرأ نافع: «ولتستبين» بالتاء أي النبي صلى الله عليه وسلم، «سبيل» بالنصب حكاه مكي في المشكل له، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وحفص عن عاصم: «ولتستبين سبيل المجرمين» برفع السبيل وتأنيثها، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي «وليستبين سبيل» برفع السبيل وتذكيرها، وعرب الحجاز تؤنث السبيل، وتميم وأهل نجد يذكرونها، وخص سبيل المجرمين لأنهم الذين أثاروا ما تقدم من الأقوال وهم أهم في هذا الموضع لأنها آيات رد عليهم، وأيضا فتبيين سبيلهم يتضمن بيان سبيل المؤمنين، وتأول ابن زيد أن قوله المجرمين يعني به الآمرون بطرد الضعفة). [المحرر الوجيز: 3/ 373]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (56) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {قل إنّي نهيت أن أعبد الّذين تدعون من دون اللّه قل لا أتّبع أهواءكم قد ضللت إذاً وما أنا من المهتدين (56) قل إنّي على بيّنةٍ من ربّي وكذّبتم به ما عندي ما تستعجلون به إن الحكم إلاّ للّه يقصّ الحقّ وهو خير الفاصلين (57) قل لو أنّ عندي ما تستعجلون به لقضي الأمر بيني وبينكم واللّه أعلم بالظّالمين (58)}
أمر الله -تعالى- نبيه -عليه السلام- أن يجاهرهم بالتبري مما هم فيه وأن أعبد هو بتأويل المصدر التقدير عن عبادة، ثم حذف الجار فتسلط الفعل ثم وضع أن أعبد موضع المصدر، وعبر عن الأصنام ب الّذين على زعم الكفار حين أنزلوها منزلة من يعقل، وتدعون معناه تعبدون، ويحتمل أن يريد تدعون في أموركم وذلك من معنى العبادة واعتقادها آلهة وقرأ جمهور الناس «قد ضللت» بفتح اللام، قرأ يحيى بن وثاب وأبو عبد الرحمن السلمي وطلحة بن مصرف: «ضللت» بكسرها، وهما لغتان وإذاً في هذا الموضع متوسطة وما بعدها معتمد على ما قبلها فهي غير عاملة إلا أنها تتضمن معنى الشرط فهي بتقدير إن فعلت ذلك ف أهواءكم جمع هوى وهو الإرادة المحبة في المرديات من الأمور هذا غالب استعمال الهوى وقد تقدم). [المحرر الوجيز: 3/ 373-374]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (57) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {قل إنّي على بيّنةٍ من ربّي ... الآية}، هذه الآية تماد في إيضاح مباينته لهم، والمعنى قل إني على أمر بين فحذف الموصوف ثم دخلت هاء المبالغة كقوله عز وجل: {بل الإنسان على نفسه بصيرةٌ} [القيامة: 14] ويصح أن تكون الهاء في بيّنةٍ مجردة للتأنيث، ويكون بمعنى البيان، كما قال: {ويحيى من حيّ عن بيّنةٍ}[الأنفال: 42] والمراد بالآية أني أيها المكذبون في اعتقادي ويقيني وما حصل في نفسي من العلم على بينة من ربي وكذّبتم به الضمير في به عائد على بين في تقدير هاء المبالغة أو على البيان التي هي بيّنةٍ بمعناه في التأويل الآخر، أو على الرب، وقيل على القرآن وهو وإن لم يتقدم له ذكر جلي فإنه بعض البيان الذي منه حصل الاعتقاد واليقين للنبي عليه السلام، فيصح عود الضمير عليه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وللنبي -عليه السلام- أمور أخر غير القرآن وقع له العلم أيضا من جهتها كتكليم الحجارة له ورؤيته للملك قبل الوحي وغير ذلك، وقال بعض المفسرين الضمير في به عائد على ما والمراد بها الآيات المقترحة على ما قال بعض المفسرين، وقيل المراد بها العذاب، وهذا يترجح بوجهين: أحدهما من جهة المعنى وذلك أن قوله وكذّبتم به يتضمن أنكم واقعتم ما تستوجبون به العذاب إلا أنه ليس عندي، والآخر من جهة اللفظ وهو الاستعجال الذي لم يأت في القرآن استعجالهم إلا العذاب لأن اقتراحهم بالآيات لم يكن باستعجال، وقوله: إن الحكم إلّا للّه أي القضاء والإنفاذ يقصّ الحقّ أي يخبر به، والمعنى يقص القصص الحق، وهذه قراءة ابن كثير وعاصم ونافع وابن عباس، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وابن عامر «يقضي الحق» أي ينفذه، وترجع هذه القراءة بقوله الفاصلين لأن الفصل مناسب للقضاء، وقد جاء أيضا الفصل والتفصيل مع القصص، وفي مصحف عبد الله بن مسعود «وهو أسرع الفاصلين»، قال أبو عمرو الداني: وقرأ عبد الله وأبيّ ويحيى ابن وثاب وإبراهيم النخعي وطلحة والأعمش «يقضي بالحق» بزيادة باء الجر، وقرأ مجاهد وسعيد بن جبير «يقضي الحق وهو خير الفاصلين»). [المحرر الوجيز: 3/ 374-375]


تفسير قوله تعالى: {قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (58) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى:{ قل لو أنّ عندي ... الآية}، المعنى لو كان عندي الآيات المقترحة أو العذاب على التأويل الآخر لقضي الأمر أي لوقع الانفصال، وتم التنازع لظهور الآية المقترحة أو لنزل العذاب بحسب التأويلين، وحكى الزهراوي: أن المعنى لقامت القيامة، ورواه النقاش عن عكرمة، وقال بعض الناس: معنى لقضي الأمر أي لذبح الموت.
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: وهذا قول ضعيف جدا لأن قائله سمع هذا المعنى في قوله تعالى: {وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر} [مريم: 39] وذبح الموت هنا لائق فنقله إلى هذا الموضع دون شبه، وأسند الطبري هذا القول إلى ابن جريج غير مقيد بهذه السورة، والظن بابن جريج أنه إنما فسر الذي في يوم الحسرة واللّه أعلم بالظّالمين يتضمن الوعيد والتهديد). [المحرر الوجيز: 3/ 375-376]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 10:35 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 10:35 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وإذا جاءك الّذين يؤمنون بآياتنا فقل سلامٌ عليكم} أي: فأكرمهم بردّ السّلام عليهم، وبشّرهم برحمة اللّه الواسعة الشّاملة لهم؛ ولهذا قال: {كتب ربّكم على نفسه الرّحمة} أي: أوجبها على نفسه الكريمة، تفضّلًا منه وإحسانًا وامتنانًا {أنّه من عمل منكم سوءًا بجهالةٍ} قال بعض السّلف: كلّ من عصى اللّه، فهو جاهلٌ.
وقال معتمر بن سليمان، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة في قوله: {من عمل منكم سوءًا بجهالةٍ} قال: الدّنيا كلّها جهالةٌ. رواه ابن أبي حاتمٍ.
{ثمّ تاب من بعده وأصلح} أي: رجع عمّا كان عليه من المعاصي، وأقلع وعزم على ألّا يعود وأصلح العمل في المستقبل، {فأنّه غفورٌ رحيمٌ}
قال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الرّزّاق حدّثنا معمر، عن همّام بن منبّهٍ قال: هذا ما حدّثنا أبو هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لمّا قضى اللّه الخلق، كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش: إنّ رحمتي غلبت غضبي». أخرجاه في الصّحيحين وهكذا رواه الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة ورواه موسى بن عقبة عن الأعرج، عن أبي هريرة. وكذا رواه اللّيث وغيره، عن محمّد بن عجلان، عن أبيه، عن أبي هريرة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بذلك
وقد روى ابن مردويه، من طريق الحكم بن أبانٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إذا فرغ اللّه من القضاء بين الخلق، أخرج كتابًا من تحت العرش: إنّ رحمتي سبقت غضبي، وأنا أرحم الرّاحمين، فيقبض قبضةً أو قبضتين فيخرج من النار خلقًا لم يعملوا خيرًا، مكتوبٌ بين أعينهم. عتقاء اللّه».
وقال عبد الرّزّاق: أخبرنا معمر، عن عاصم بن سليمان، عن أبي عثمان النّهدي، عن سلمان في قوله: {كتب ربّكم على نفسه الرّحمة}، قال: إنّا نجد في التّوراة عطفتين: أنّ اللّه خلق السّماوات والأرض، وخلق مائة رحمةٍ -أو: جعل مائة رحمةٍ -قبل أن يخلق الخلق، ثمّ خلق الخلق، فوضع بينهم رحمةً واحدةً، وأمسك عنده تسعًا وتسعين رحمةً. قال فبها يتراحمون، وبها يتعاطفون، وبها يتباذلون وبها يتزاورون، وبها تحنّ النّاقة، وبها تثجّ البقرة، وبها تثغو الشّاة، وبها تتابع الطّير، وبها تتابع الحيتان في البحر. فإذا كان يوم القيامة، جمع اللّه تلك الرّحمة إلى ما عنده، ورحمته أفضل وأوسع.
وقد روي هذا مرفوعًا من وجهٍ آخر وسيأتي كثيرٌ من الأحاديث الموافقة لهذه عند قوله: {ورحمتي وسعت كلّ شيءٍ} [الأعراف: 156]
وممّا يناسب هذه الآية [الكريمة] من الأحاديث أيضًا قوله صلّى اللّه عليه وسلّم لمعاذ بن جبلٍ: "أتدري ما حقّ اللّه على العباد؟ أن يعبدوه لا يشركوا به شيئًا"، ثمّ قال: "أتدري ما حقّ العباد على اللّه إذا هم فعلوا ذلك؟ ألّا يعذّبهم" وقد رواه الإمام أحمد، من طريق كميل بن زيادٍ، عن أبي هريرة [رضي اللّه عنه] ). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 262-263]

تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (55) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {وكذلك نفصّل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين (55) قل إنّي نهيت أن أعبد الّذين تدعون من دون اللّه قل لا أتّبع أهواءكم قد ضللت إذًا وما أنا من المهتدين (56) قل إنّي على بيّنةٍ من ربّي وكذّبتم به ما عندي ما تستعجلون به إن الحكم إلا للّه يقصّ الحقّ وهو خير الفاصلين (57) قل لو أنّ عندي ما تستعجلون به لقضي الأمر بيني وبينكم واللّه أعلم بالظّالمين (58) وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البرّ والبحر وما تسقط من ورقةٍ إلا يعلمها ولا حبّةٍ في ظلمات الأرض ولا رطبٍ ولا يابسٍ إلا في كتابٍ مبينٍ (59)}
يقول تعالى: وكما بيّنا ما تقدّم بيانه من الحجج والدّلائل على طريق الهداية والرّشاد، وذمّ المجادلة والعناد، {وكذلك نفصّل الآيات} أي: الّتي يحتاج المخاطبون إلى بيانها {ولتستبين سبيل المجرمين} أي: ولتظهر طريق المجرمين المخالفين للرّسل، وقرئ: "وليستبين سبيل المجرمين" أي: وليستبين يا محمّد -أو يا مخاطب -سبيل المجرمين). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 263-264]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (56) }

تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (57) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {قل إنّي على بيّنةٍ من ربّي} أي: على بصيرةٍ من شريعة اللّه الّتي أوحاها إليّ {وكذّبتم به} أي: بالحقّ الّذي جاءني من [عند] اللّه {ما عندي ما تستعجلون به} أي: من العذاب، {إن الحكم إلا للّه} أي: إنّما يرجع أمر ذلك إلى اللّه إن شاء عجّل لكم ما سألتموه من ذلك، وإن شاء أنظركم وأجّلكم؛ لما له في ذلك من الحكمة العظيمة. ولهذا قال: {إن الحكم إلا للّه يقصّ الحقّ وهو خير الفاصلين} أي: وهو خير من فصل القضايا، وخير الفاتحين الحاكمين بين عباده). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 264]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (58) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {قل لو أنّ عندي ما تستعجلون به لقضي الأمر بيني وبينكم} أي: لو كان مرجع ما تستعجلون به إليّ، لأوقعت بكم ما تستحقّونه من ذلك {واللّه أعلم بالظّالمين}
فإن قيل: فما الجمع بين هذه الآية، وبين ما ثبت في الصّحيحين من طريق ابن وهب، عن يونس، عن الزّهريّ، عن عروة، عن عائشة؛ أنّها قالت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: يا رسول اللّه، هل أتى عليك يومٌ كان أشدّ من يوم أحدٍ؟ فقال: «لقد لقيت من قومك، وكان أشدّ ما لقيت منه يوم العقبة؛ إذ عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل ابن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهمومٌ على وجهي، فلم أستفق إلّا بقرن الثّعالب، فرفعت رأسي، فإذا أنا بسحابةٍ قد أظلّتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، عليه السّلام، فناداني، فقال: إنّ اللّه قد سمع قول قومك لك، وما ردّوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم». قال: «فناداني ملك الجبال وسلّم عليّ، ثمّ قال: يا محمّد، إنّ اللّه قد سمع قول قومك لك، وقد بعثني ربّك إليك، لتأمرني بأمرك، فما شئت؟ إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين"، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "بل أرجو أن يخرج اللّه من أصلابهم من يعبد اللّه، لا يشرك به شيئًا»، وهذا لفظ مسلمٍ
فقد عرض عليه عذابهم واستئصالهم، فاستأنى بهم، وسأل لهم التّأخير، لعلّ اللّه أن يخرج من أصلابهم من لا يشرك به شيئًا. فما الجمع بين هذا، وبين قوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {قل لو أنّ عندي ما تستعجلون به لقضي الأمر بيني وبينكم واللّه أعلم بالظّالمين}؟
فالجواب -واللّه أعلم -: أنّ هذه الآية دلّت على أنّه لو كان إليه وقوع العذاب الّذي يطلبونه حال طلبهم له، لأوقعه بهم. وأمّا الحديث، فليس فيه أنّهم سألوه وقوع العذاب بهم، بل عرض عليه ملك الجبال أنّه إن شاء أطبق عليهم الأخشبين -وهما جبلا مكّة اللّذان يكتنفانها جنوبًا وشمالًا -فلهذا استأنى بهم وسأل الرّفق لهم). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 264]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:39 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة