العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الأنعام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 ربيع الثاني 1434هـ/26-02-2013م, 10:23 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير سورة الأنعام [ من الآية (145) إلى الآية (147) ]

{قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145) وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (146) فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (147)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21 ربيع الثاني 1434هـ/3-03-2013م, 10:07 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145)}

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه في قوله تعالى: {قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما} قال كان أهل الجاهلية يستحلون أشياء ويحرمون أشياء فقال لا أجد شيئا فيما كنتم تستحلون إلا هذا يقول إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 220]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن جعفر بن سليمان عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال تلا هذه الآية: {قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه}، فقال ابن عباس: ما خلا هذا فهو حلال.
عن ابن عيينة عن عمرو عن عكرمة قال لولا هذه الآية أو دما مسفوحا لا تبع المسلمون من العروق ما اتبع اليهود). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 220]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى: {أو دما مسفوحا}، قال حرم الله الدم ما كان مسفوحا فأما لحم يخالطه دم فلا بأس به). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 221]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] قال كان أصحاب عبد اللّه يقرءونها (قل لا أجد فيما أوحي إليّ محرّمًا على طاعمٍ يطعمه) ). [تفسير الثوري: 110]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( قوله عزّ وجلّ: { [قل لا أجد في ما أوحي إليّ محرّمًا على طاعمٍ يطعمه إلّا أن يكون ميتةً أو دمًا مسفوحًا أو لحم خنزيرٍ... }
- حدّثنا سعيدٌ؛ قال: نا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، عن عكرمة، قال: لولا هذه الآية: {أو دمًا}، لاتّبع المسلمون من العروق ما تتبع منه اليهود). [سنن سعيد بن منصور: 5/ 110]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (قال ابن عبّاسٍ: {ثمّ لم تكن فتنتهم}[الأنعام: 23] : «معذرتهم» {معروشاتٍ} [الأنعام: 141] : «ما يعرش من الكرم وغير ذلك» ، {حمولةً} [الأنعام: 142] : «ما يحمل عليها»، {وللبسنا} [الأنعام: 9] : «لشبّهنا» ، {لأنذركم به} [الأنعام: 19] : «أهل مكّة» {ينأون} [الأنعام: 26] : «يتباعدون» . {تبسل} [الأنعام: 70] : «تفضح» . {أبسلوا} [الأنعام: 70] : «أفضحوا» ، {باسطو أيديهم} : «البسط الضّرب» ، وقوله: {استكثرتم من الإنس} [الأنعام: 128] : «أضللتم كثيرًا»، {ممّا ذرأ من الحرث} [الأنعام: 136] : «جعلوا للّه من ثمراتهم ومالهم نصيبًا، وللشّيطان والأوثان نصيبًا» ، {أكنّةً} [الأنعام: 25] : «واحدها كنانٌ» ، {أمّا اشتملت} [الأنعام: 143] : «يعني هل تشتمل إلّا على ذكرٍ أو أنثى، فلم تحرّمون بعضًا وتحلّون بعضًا؟» {مسفوحًا} [الأنعام: 145] : مهراقًا). [صحيح البخاري: 6/ 55-56] (م)
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله: مسفوحًا مهراقًا وقع هذا للكشميهنيّ وهو تفسير أبي عبيدة في قوله تعالى: {أو دمًا مسفوحا}، أي مهراقا مصبوبا ومنه قولهم سفح الدّمع أي سال). [فتح الباري: 8/ 290]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (وبه في قوله: {أو دمًا مسفوحا}، يعني مهراقا). [تغليق التعليق: 4/ 210]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (مسفوحا مهراقا
أشار به إلى قوله تعالى: {قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه إلّا أن يكون ميتة أو دمًا مسفوحا} وفسّر مسفوحا بقوله مهراقا. أي: مصبوبا وقال العوفيّ عن ابن عبّاس أو دمًا مسفوحا يعني مهراقا). [عمدة القاري: 18/ 221]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وفي قوله: {أو دمًا} ({مسفوحًا}) أي (مهراقًا) يعني مصبوبًا كالدم في العروق لا كالكبد والطحال وهذا ثابت للكشميهني ساقط لغيره). [إرشاد الساري: 7/ 116]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل لا أجد في ما أوحي إليّ محرّمًا على طاعمٍ يطعمه إلاّ أن يكون ميتةً أو دمًا مسفوحًا أو لحم خنزيرٍ فإنّه رجسٌ أو فسقًا أهلّ لغير اللّه}.
يقول جلّ ثناؤه لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل يا محمّد لهؤلاء الّذين جعلوا للّه ممّا ذرأ من الحرث والأنعام نصيبًا، ولشركائهم من الآلهة والأنداد مثله، والقائلين {هذه أنعامٌ وحرثٌ حجرٌ لا يطعمها إلاّ من نشاء بزعمهم}، والمحرّمين من أنعامٍ أخر ظهورها، والتّاركين ذكر اسم اللّه على أخر منها، والمحرّمين بعض ما في بطون بعض أنعامهم على إناثهم وأزواجهم ومحلّيه لذكورهم، المحرّمين ما رزقهم اللّه افتراءً على اللّه، وإضافةً منهم ما يحرّمون من ذلك إلى أنّ اللّه هو الّذي حرّمه عليهم: أجاءكم من اللّه رسولٌ بتحريمه ذلك عليكم، فأنبئونا به، أم وصّاكم اللّه بتحريمه مشاهدةً منكم له، فسمعتم منه تحريمه ذلك عليكم فحرّمتموه؟ فإنّكم كذبةٌ إن ادّعيتم ذلك ولا يمكنكم دعواه، لأنّكم إذا ادّعيتموه علم النّاس كذبكم، فإنّي لا أجد فيما أوحي إليّ من كتابه وآي تنزيله شيئًا محرّمًا على آكلٍ يأكله ممّا تذكرون أنّه حرّمه من هذه الأنعام الّتي تصفون، تحريم ما حرّم عليكم منها بزعمكم، إلاّ أن يكون ميتةً قد ماتت بغير تذكيةٍ أو دمًا مسفوحًا وهو المنصبّ أو إلاّ أن يكون لحم خنزيرٍ. {فإنّه رجسٌ أو فسقًا} يقول: أو إلاّ أن يكون فسقًا، يعني بذلك: أو إلاّ أن يكون مذبوحًا ذبحه ذابحٌ من المشركين من عبدة الأوثان لصنمه وآلهته فذكر عليه اسم وثنه، فإنّ ذلك الذّبح فسقٌ نهى اللّه عنه وحرّمه، ونهى من آمن به عن أكل ما ذبح كذلك، لأنّه ميتةٌ.
وهذا إعلامٌ من اللّه جلّ ثناؤه للمشركين الّذين جادلوا نبيّ اللّه وأصحابه في تحريم الميتة بما جادلوهم به أنّ الّذي جادلوهم فيه من ذلك هو الحرام الّذي حرّمه اللّه، وأنّ الّذي زعموا أنّ اللّه حرّمه حلالٌ قد أحلّه اللّه، وأنّهم كذبةٌ في إضافتهم تحريمه إلى اللّه.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن ابن طاووسٍ، عن أبيه، في قوله: {قل لا أجد في ما أوحي إليّ محرّمًا} قال: كان أهل الجاهليّة يحرّمون أشياء ويحلّون أشياء، فقال: قل لا أجد ممّا كنتم تحرّمون وتستحلّون إلاّ هذا {إلاّ أن يكون ميتةً أو دمًا مسفوحًا أو لحم خنزيرٍ فإنّه رجسٌ أو فسقًا أهلّ لغير اللّه به}.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا سويدٌ قال: أخبرنا ابن المبارك، عن معمرٍ، عن ابن طاووسٍ، عن أبيه، في قوله: {قل لا أجد في ما أوحي إليّ محرّمًا} الآية، قال: كان أهل الجاهليّة يستحلّون أشياء ويحرّمون أشياء، فقال اللّه لنبيّه: {قل لا أجد في ما أوحي إليّ محرّمًا} ممّا كنتم تستحلّون إلاّ هذا، وكانت أشياء يحرّمونها فهي حرامٌ الآن.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن ابن طاووسٍ، عن أبيه: {قل لا أجد في ما أوحي إليّ محرّمًا على طاعمٍ يطعمه} قال: ما يؤكل. قلت: في الجاهليّة؟ قال: نعم، وكذلك كان يقول: {إلاّ أن يكون ميتةً أو دمًا مسفوحًا}.
قال ابن جريجٍ: وأخبرني إبراهيم بن أبي بكرٍ، عن مجاهدٍ: {قل لا أجد في ما أوحي إليّ محرّمًا} قال: ممّا كان في الجاهليّة يأكلون، لا أجد محرّمًا من ذلك على طاعمٍ يطعمه، إلاّ أن يكون ميتةً أو دمًا مسفوحًا.
وأمّا قوله: {أو دمًا مسفوحًا} فإنّ معناه: أو دمًا مسالاً مهراقًا، يقال منه: سفحت دمه: إذا أرقته، أسفحه سفحًا، فهو دمٌ مسفوحٌ، كما قال طرفة بن العبد:
إنّي وجدّك ما هجوتك والـ ....... أنصاب يسفح فوقهنّ دم
وكما قال عبيد بن الأبرص:
إذا ما عاده منّا نساءٌ ....... سفحن الدّمع من بعد الرّنين
يعني: صببن، وأسلن الدّمع.
وفي اشتراطه جلّ ثناؤه في الدّم عند إعلامه عباده تحريمه إيّاه المسفوح منه دون غيره، الدّليل الواضح أنّ ما لم يكن منه مسفوحًا فحلالٌ غير نجسٍ.
- وذلك كالّذي حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن عيينة، عن عمرٍو، عن عكرمة: {أو دمًا مسفوحًا} قال: لولا هذه الآية لتتبّع المسلمون من العروق ما تتبّعت اليهود.
- حدّثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرّزّاق قال: أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينارٍ، عن عكرمة بنحوه، إلاّ أنّه قال: لاتّبع المسلمون.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا سويدٌ قال: أخبرنا ابن المبارك، عن ابن عيينة، عن عمرو بن دينارٍ، عن عكرمة بنحوه.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: أخبرنا وكيعٌ، عن عمران بن حديرٍ، عن أبي مجلزٍ، في القدر يعلوها الحمرة من الدّم قال: إنّما حرّم اللّه الدّم المسفوح.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا الحجّاج بن المنهال قال: حدّثنا حمّادٌ، عن عمران بن حديرٍ، عن أبي مجلزٍ قال: سألته عن الدّم، وما يتلطّخ بالمذبح من الرّأس، وعن القدر يرى فيها الحمرة، قال: إنّما نهى اللّه عن الدّم المسفوح.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {أو دمًا مسفوحًا} قال: حرّم الدّم ما كان مسفوحًا، وأمّا لحمٌ خالطه دمٌ فلا بأس به.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {قل لا أجد في ما أوحي إليّ محرّمًا على طاعمٍ يطعمه إلاّ أن يكون ميتةً أو دمًا مسفوحًا}: يعني مهراقًا.
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، أخبرني ابن دينارٍ، عن عكرمة: {أو دمًا مسفوحًا} قال: لولا هذه الآية لتتبّع المسلمون عروق اللّحم ما تتبّعها اليهود.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحجّاجّ بن المنهال، قال: حدّثنا حمّادٌ، عن يحيى بن سعيدٍ، عن القاسم بن محمّدٍ، عن عائشة أنّها كانت لا ترى بلحوم السّباع بأسًا، والحمرة والدّم يكونان على القدر بأسًا. وقرأت هذه الآية: {قل لا أجد في ما أوحي إليّ محرّمًا على طاعمٍ يطعمه} الآية.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويدٌ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن يحيى بن سعيدٍ، حدّثني القاسم بن محمّدٍ، عن عائشة، قالت، وذكرت هذه الآية: {أو دمًا مسفوحًا} قلت: وإنّ البرمة ليرى في مائها الصّفرة.
وقد بيّنّا معنى الرّجس فيما مضى من كتابنا هذا، وأنّه النّجس والنّتن، وما يعصى اللّه به، بشواهده، فأغنى عن إعادته في هذا الموضع. وكذلك القول في معنى الفسق، وفي قوله: {أهلّ لغير اللّه به} قد مضى ذلك كلّه بشواهده الكافية من وفّق لفهمه عن تكراره وإعادته.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {إلاّ أن يكون ميتةً} فقرأ ذلك بعض قرّاء أهل المدينة والكوفة والبصرة: {إلاّ أن يكون} بالياء {ميتةً} مخفّفة الياء منصوبةً على أنّ في (يكون) مجهولاً، والميتة فعلٌ له فنصبت على أنّها فعل (يكون)، وذكّروا (يكون) لتذكير المضمر في (يكون).
وقرأ ذلك بعض قرّاء أهل مكّة والكوفة: (إلاّ أن تكون) بالتّاء (ميتةً) بتخفيف الياء من الميتة ونصبها، وكأنّ معنى نصبهم الميتة معنى الأوّلين، وأنّثوا (تكون) لتأنيث الميتة، كما يقال: إنّها قائمةٌ جاريتك، وإنّه قائمٌ جاريتك، فيذكّر المجهول مرّةً، ويؤنّث أخرى لتأنيث الاسم الّذي بعده.
وقرأ ذلك بعض المدنيّين: (إلاّ أن تكون ميّتةٌ) بالتّاء في (تكون)، وتشديد الياء من (ميّتةٌ) ورفعها، فجعل (الميّتة) اسم (تكون)، وأنّث (تكون) لتأنيث (الميّتة)، وجعل (تكون) مكتفيةً بالاسم دون الفعل، لأنّ قوله: (إلاّ أن تكون ميّتةً) استثناءٌ، والعرب تكتفي في الاستثناء بالأسماء عن الأفعال، فيقولون: قام النّاس إلاّ أن يكون أخاك، وإلاّ أن يكون أخوك، فلا تأتي ليكون بفعلٍ، وتجعلها مستغنيةً بالاسم، كما يقال: قام القوم إلاّ أخاك وإلاّ أخوك، فلا يعتدّ الاسم الّذي بعد حرف الاستثناء نفلاً.
والصّواب من القراءة في ذلك عندي: {إلاّ أن يكون} بالياء {ميتةً} بتخفيف الياء ونصب الميتة، لأنّ الّذي في (يكون) من المكنّى من ذكر المذكّر، وإنّما هو: قل لا أجد في ما أوحي إليّ محرّمًا على طاعمٍ يطعمه، إلاّ أن يكون ذلك ميتةً أو دمًا مسفوحًا.
فأمّا قراءة (ميتةٌ) بالرّفع، فإنّه وإن كان في العربيّة غير خطأٍ فإنّه في القراءة في هذا الموضع غير صوابٍ، لأنّ اللّه يقول: {أو دمًا مسفوحًا}، فلا خلاف بين الجميع في قراءة الدّم بالنّصب، وكذلك هو في مصاحف المسلمين، وهو عطفٌ على (الميتة). فإذ كان ذلك كذلك، فمعلومٌ أنّ الميتة لو كانت مرفوعةً لكان الدّم وقوله: {أو فسقًا} مرفوعين، ولكنّها منصوبةٌ فيعطف بهما عليها بالنّصب). [جامع البيان: 9/ 631-637]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فمن اضطرّ غير باغٍ ولا عادٍ فإنّ ربّك غفورٌ رحيمٌ}.
وقد ذكرنا اختلاف أهل التّأويل في تأويل قوله: {فمن اضطرّ غير باغٍ ولا عادٍ} والصّواب من القول فيه عندنا فيما مضى من كتابنا هذا في سورة البقرة بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع، وأنّ معناه: فمن اضطرّ إلى أكل ما حرّم اللّه من أكل الميتة والدّم المسفوح أو لحم الخنزير، أو ما أهلّ لغير اللّه به، غير باغٍ في أكله إيّاه تلذّذًا، لا لضرورة حالةٍ من الجوع، ولا عادٍ في أكله بتجاوزه ما حدّه اللّه وأباحه له من أكله، وذلك أن يأكل منه ما يدفع عنه الخوف على نفسه بترك أكله من الهلاك لم يتجاوز ذلك إلى أكثر منه، فلا حرج عليه في أكله ما أكل من ذلك. {فإنّ ربّك غفورٌ} فيما فعل من ذلك، فساترٌ عليه بتركه عقوبته عليه، ولو شاء عاقبه عليه. {رحيمٌ} بإباحته إيّاه أكل ذلك عند حاجته إليه، ولو شاء حرّمه عليه ومنعه منه). [جامع البيان: 9/ 637-638]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({قل لا أجد في ما أوحي إليّ محرّمًا على طاعمٍ يطعمه إلّا أن يكون ميتةً أو دمًا مسفوحًا أو لحم خنزيرٍ فإنّه رجسٌ أو فسقًا أهلّ لغير اللّه به فمن اضطرّ غير باغٍ ولا عادٍ فإنّ ربّك غفورٌ رحيمٌ (145)}
قوله تعالى: {قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما}
الوجه الأول:
- حدّثنا موسى بن عبد الرّحمن المسروقيّ ثنا أبو نعيمٍ الفضل بن دكين ثنا محمّد بن شريكٍ عن عمرو بن دينارٍ عن أبي الشّعثاء عن ابن عبّاسٍ قال: كان أهل الجاهليّة يأكلون أشياء ويتركون أشياء تقذّرًا، فبعث اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وأنزل كتابه، وأحلّ حلاله وحرّم حرامه، فما أحلّ فهو حلالٌ، وما حرّم فهو حرامٌ، وما سكت عنه فهو عفوٌ منه، ثمّ تلا هذه الآية: {قل لا أجد في ما أوحي إليّ محرّمًا ... الآية}.
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع أنا عبد الرّزّاق أنا معمرٌ عن ابن طاوس عن أبيه، في قوله: {قل لا أجد في ما أوحي إليّ محرّمًا}، قال: كان أهل الجاهليّة يستحلّون أشياء، ويحرّمون أشياء، فقال: قل لا أجد في ما أوحي إليّ... شيئًا فيما كنتم تستحلّون إلا هذا، يقول: إلا أن يكون ميتةً أو دمًا مسفوحًا أو لحم خنزيرٍ.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي ثنا الرّبيع بن يحيى ثنا أسباطٌ عن عمرو بن مرّة قال: سمعت جابر بن زيدٍ قال: سألت البحر يعني ابن عبّاسٍ في رجلٍ ذبح ونسي أن يذكر، فتلا هذه الآية: {قل لا أجد في ما أوحي إليّ محرّمًا}.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي ثنا مسدّدٌ ثنا أبو عوانة وأبو الأحوص قالا: ثنا سماكٍ عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ قال: ماتت شاة لأم الأسود وفأخبرت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: «ألا انتفعتم بمسكها؟» فقالوا: يا رسول اللّه، «مسك ميتةٍ؟» فقرأ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: {قل لا أجد في ما أوحي إليّ محرّمًا على طاعمٍ يطعمه}، فسلخت. قال ابن عبّاسٍ: فجعلوا مسكها قربةً، ثمّ رأيتها- بعد- شنّةً.
قوله تعالى: {على طاعمٍ يطعمه}
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا محمّد بن أبي حمّادٍ ثنا زافرٌ عن أبي بكرٍ الهذليّ عن الحسن قال: لولا حديث الزّهريّ ما لبسنا فراكم ولا خفافكم حتّى نعلم أذكيّةً هي أم غير ذكيّةٍ؟ قال أبو بكرٍ: فحديث به الزّهريّ فقال: حدّثني عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتيبة عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {قل لا أجد في ما أوحي إليّ محرّمًا على طاعمٍ يطعمه ... الآية}، قال: طاعمٌ الطّعام.
وأمّا القدّ والشّعر والسّنّ والظّفر، من الميتة، فإنّه لا يؤكل.
قوله: {إلا أن يكون ميتةً}
- حدّثنا أبو تبة أحمد بن الفرج الحمصيّ ثنا المؤمّل ثنا إسرائيل ثنا سماكٌ عن عكرمة عن سودة بنت زمعة قالت: كانت لنا شاةٌ فماتت، فألقيناها، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ما فعلت الشّاة؟» قلنا: ماتت يا رسول اللّه فألقيناها. فقرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الآية: {قل لا أجد في ما أوحي إليّ محرّمًا على طاعمٍ يطعمه ... الآية}، قال: «ألا انتفعتم بإهابها»، فأرسلنا إليها، فسلخناها ودبغنا إهابها، فجعلنا منه سقاءً، فانتفعنا به حتّى كان شنًّا.
- حدّثني أبو عبد اللّه محمّد بن حمّادٍ الطّهرانيّ أنبأ حفص بن عمر العدنيّ ثنا الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ قال: ليس من الدّوابّ شيءٌ حرامٌ إلا ما حرّم اللّه في كتابه، قوله: {قل لا أجد في ما أوحي إليّ محرّمًا على طاعمٍ يطعمه إلا أن يكون ميتةً}.
- حدّثنا الفضل بن شاذان ثنا سعيد بن منصورٍ ثنا عبد العزيز بن محمّدٍ أخبرني عيسى بن نميلة الفزاريّ عن أبيه قال: كنت عند عبد اللّه بن عمر فسأله رجلٌ عن أكل القنفذ، فقرأ: قل لا أجد في ما أوحي إليّ محرّمًا على طاعمٍ يطعمه فقال شيخٌ عنده: سمعت أبا هريرة يقول: سئل عنه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: «خبيثٌ من خبائث». فقال ابن عمر: إن كان قاله رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فهو كما قاله.
قوله تعالى: {أو دمًا مسفوحًا}
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: قوله: {أو دمًا مسفوحًا}، يعني مهراقًا.
- حدّثنا أبي ثنا سهل بن عثمان ثنا أبو الأحوص عن سماكٍ عن عكرمة قال: جاء رجلٌ إلى ابن عبّاسٍ فقال: آكل الطّحال؟ قال: نعم. قال: إنّ عامّتها دمٌ؟
قال: {إنّما حرّم اللّه الدّم المسفوح}.
- حدّثنا صالح بن أحمد بن حنبلٍ قال: سمعت أبي يقول: سمعت سفيان ابن عيينة يقول في قوله: {أو دمًا مسفوحًا}، المسفوح: العبيط.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا أبو خالدٍ الأحمر عن يحيى بن سعيدٍ عن القاسم قال: كانت عائشة إذا سئلت عن كلّ ذي ناب عن السّباع، وكلّ ذي مخلبٍ من الطّير قالت: {قل لا أجد في ما أوحي إليّ محرّمًا على طاعمٍ يطعمه إلا أن يكون ميتةً أو دمًا مسفوحًا} ثمّ تقول: إنّ البرمة لتكون فيها الصّفرة.
- ذكر عن الفضل بن موسى عن شريكٌ عن سماكٍ عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ قال: كان أهل الجاهليّة إذا ذبحوا أودجوا الدّابّة، وأخذوا الدّم فأكلوه. قالوا: هو دمٌ مسفوحٌ.
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع أنبأ عبد الرّزّاق أنبأ معمرٌ عن قتادة: في قوله:{ أو دمًا مسفوحًا}، قال: حرّم الدّم ما كان مسفوحًا، فأمّا لحمٌ يخالطه الدّم فلا بأس به.
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع أنا عبد الرّزّاق أنا ابن عيينة عن عمرو بن دينارٍ عن عكرمة أنّه قال: لولا هذه الآية: {أو دمًا مسفوحًا} لاتّبع المسلمون من العروق ما اتّبع اليهود.
قوله تعالى: {أو لحم خنزيرٍ فإنّه رجسٌ أو فسقًا}
- حدّثنا الحسن بن أحمد ثنا إبراهيم بن عبد اللّه حدّثني سرور بن المغيرة عن عبّاد بن منصورٍ عن الحسن: قوله: {أو لحم خنزيرٍ}، قال: حرّم اللّه الميتة والدّم ولحم الخنزير.
قوله: {أهل لغير الله به}
الوجه الأول:
- حدّثنا عصام بن داود ثنا آدم ثنا أبو جعفرٍ عن الرّبيع عن أبي العالية: وما أهلّ لغير اللّه به، يقول: ما ذكر عليه غير اسم اللّه. وروي عن الرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي ثنا أبو حذيفة ثنا شبلٌ عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ: أهلّ لغير اللّه به، قال: ما ذبح لغير اللّه. وروي عن الحسن وقتادة والضحاك والزهري مثل ذلك.
قوله: {فمن اضطرّ}
- حدّثني أبو عبد اللّه محمّد بن حمّادٍ الطّهرانيّ أنبأ حفص بن عمر ثنا الحكم بن أبان عن عكرمة: قال ابن عبّاسٍ: فمن اضطرّ فليأكل منه الشّيء قدر ما يسدّه، ولا يشبع منه.
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: قوله: {فمن اضطرّ غير باغٍ ولا عادٍ} يقول: من أكل شيئًا من هذه وهو مضطرٌّ- فلا حرج، ومن أكله وهو غير مضطرٍّ فقد بغى واعتدى.
قوله: {غير باغٍ}.
الوجه الأول:

- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا أبو خالدٍ الأحمر عن حجّاجٍ عن القاسم بن أبي بزّة عن مجاهدٍ:
{غير باغٍ}، قال: الباغي على الأئمّة.
- حدّثنا أبي ثنا أبو حذيفة ثنا شبلٌ عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ: {فمن اضطرّ غير باغٍ ولا عادٍ}، يقول: لا قاطعًا للسّبيل ولا مفارقًا للأئمّة، أو في معصيةٍ اللّه: لا رخصة له وإن اضطرّ إليه.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا محمّد بن سعيدٍ الأصبهانيّ أنبأ شريكٌ عن سالمٍ عن سعيد بن جبيرٍ: قوله: {فمن اضطرّ غير باغٍ ولا عادٍ}، قال: الّذي يقطع الطّريق، فلا رخصة له إذا جاع أن يأكل الميتة، وإذا عطش أن يشرب الخمر.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه ثنا ابن لهيعة حدّثني عطاءٌ عن سعيد ابن جبيرٍ، قول اللّه: غير باغٍ، يعني: غير مستحلّه. وروي عن مقاتل بن حيّان نحو ذلك.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا أبو زرعة ثنا عمرو بن حمّادٍ ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ: {فمن اضطرّ غير باغٍ ولا عادٍ}، أمّا باغٍ فيبغي فيه شهوته.
- حدّثنا عصام بن روّادٍ ثنا آدم ثنا ضمرة عن عثمان بن عطاءٍ عن أبيه: قوله: {فمن اضطرّ غير باغٍ}، قال: لا يشوي من الميتة ليشتهيه ولا يأكل إلا المعلّقة، ويحمل معه ما يبلّغه الحلال، فإذا بلغه ألقاه.
قوله تعالى: {ولا عاد}.
الوجه الأول:

- ذكر عن محمّد بن ربيعة ثنا سلمة بن سابور عن عطيّة عن ابن عبّاسٍ: قوله: {فمن اضطرّ غير باغٍ ولا عادٍ}، قال: غير باغٍ في الميتة ولا عادٍ في أكله.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو خالدٍ عن الحجّاج عن القاسم عن مجاهدٍ: {غير باغٍ ولا عادٍ}، قال: العادي المخيف للسّبيل. وروي عن سعيد بن جبيرٍ نحو ذلك.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبو زرعة ثنا عمرو بن حمّادٍ ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ: أمّا العادي فيعتدي في أكله، يأكل حتّى يشبع، ولكن منه قوته ما يمسك به نفسه حتّى يبلغ حاجته.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا الحسن بن عمرو بن عونٍ الباهليّ ثنا يزيد بن زريعٍ ثنا سعيدٌ عن قتادة، في قوله: فمن اضطرّ غير باغٍ ولا عادٍ، في أكله، أن يتعدّى الحلال إلى حرامٍ وهو يجد عنه مندوحةً.
قوله: {فإنّ ربّك غفورٌ رحيمٌ}.
قرأت على محمّد بن الفضل ثنا محمّد بن عليٍّ ثنا محمّد بن مزاحمٍ عن بكير بن معروفٍ عن مقاتل بن حيّان: غفورٌ رحيمٌ فيما أكل في اضطرارٍ، وبلغنا واللّه أعلم أنّه لا يزيد على ثلاث لقمٍ.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه ثنا ابن لهيعة حدّثني عطاءٌ عن سعيد ابن جبيرٍ: فإنّ ربّك غفورٌ يعني لما أكل من الحرام رحيمٌ يعني: رحيمًا به إذ أحلّ له الحرام في الاضطرار). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1404-1409]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا عليّ بن حمشاذ العدل، ثنا بشر بن موسى، ثنا عبد اللّه بن الزّبير الحميديّ، ثنا سفيان، ثنا عمرو بن دينارٍ، قال: قلت لجابر بن عبد اللّه إنّهم يزعمون أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم «نهى عن لحوم الحمر الأهليّة يوم خيبر» قال: قد كان يقول ذلك الحكم بن عمرٍو، عن رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، ولكن أبى ذلك البحر يعني ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، وقرأ: {قل لا أجد فيما أوحي إليّ محرّمًا} الآية. وقد كان أهل الجاهليّة يتركون أشياء تقذّرًا فأنزل اللّه عزّ وجلّ في كتابه وبيّن حلاله وحرامه، فما أحلّ فهو حلالٌ، وما حرّم فهو حرامٌ، وما سكت عنه، فهو عفوٌ، ثمّ تلا هذه الآية: {قل لا أجد في ما أوحي إليّ محرّمًا على طاعمٍ يطعمه إلّا أن يكون ميتةً أو دمًا مسفوحًا أو لحم خنزيرٍ} [الأنعام: 145] «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين ولم يخرجاه بهذه السّياقة»). [المستدرك: 2/ 347]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال مسدّدٌ: حدثنا يحيى عن يحيى، قال: سمعت القاسم يقول: قالت عائشة رضي الله عنها: لمّا سمعت النّاس يقولون: يحرم كلّ ذي نابٍ من السّباع، قلت: لا أجد فيما أوحي علي محرّمًا على طاعمٍ يطعمه... إلى آخر الآية، قال: وإنّ البرمة (تكون) في مائها الصّفرة ثمّ لا يحرّمها ذلك). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 14/622] (م)

قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : ( أخرج عبد بن حميد، عن طاووس قال: إن أهل الجاهلية كانوا يحرمون أشياء ويستحلون أشياء فنزلت: {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما} الآية.
- وأخرج عبد بن حميد وأبو داود، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه والحاكم وصححه عن ابن عباس قال: كان أهل الجاهلية يأكلون أشياء ويتركون أشياء تقذرا فبعث الله نبيه وأنزل كتابه وأحل حلاله وحرم حرامه فما أحل فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو منه ثم تلا هذه الآية: {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما} إلى آخر الآية.
- وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد عن ابن عباس أنه تلا هذه الآية: {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما} فقال: ما خلا هذا فهو حلال.
- وأخرج البخاري وأبو داود، وابن المنذر والنحاس وأبو الشيخ عن عمرو بن دينار قال: قلت لجابر بن زيد: إنهم يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر فقال: قد كان يقول ذلك الحكم بن عمر والغفاري عندنا بالبصرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن أبى ذلك البحر بن عباس وقرأ: {قل لا أجد فيما أوحي إلي} الآية.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: ليس من الدواب شيء حرام إلا ما حرم الله في كتابه: {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما} الآية.
- وأخرج سعيد بن منصور وأبو داود، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عمر، أنه سئل عن أكل القنفذ فقرأ: {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما} الآية، فقال شيخ عنده: سمعت أبا هريرة يقول: ذكر عند النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال خبيث من الخبائث، فقال ابن عمر: إن كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم قاله فهو كما قال.
- وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم والنحاس وأبو الشيخ، وابن مردويه عن عائشة، أنها كانت إذا سئلت عن كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير تلت: {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما} الآية.
- وأخرج أحمد والبخاري والنسائي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والطبراني، وابن مردويه عن ابن عباس، إن شاة السودة بنت زمعة ماتت فقالت: يا رسول الله ماتت فلانة - تعنى الشاة - قال: فلولا أخذتم مسكها قالت: يا رسول الله أنأخذ مسك شاة قد ماتت، فقرأ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قل: {لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة} وإنكم لا تطعمونه وإنما تدبغونه حتى تنتفعوا به فأرسلت إليها فسلختها ثم دبغته فاتخذت منه قربة حتى تخرقت عندها.
- وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس، أنه قرأ هذه الآية: {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة} إلى آخر الآية، وقال: إنما حرم من الميتة ما يؤكل منها وهو اللحم فإما الجلد والقد والسن والعظم والشعر والصوف فهو حلال.
- وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: كان أهل الجاهلية إذا ذبحوا أودجوا الدابة وأخذوا الدم فأكلوه قالوا: هو دم مسفوح.
- وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن قتادة قال: حرم الدم ما كان مسفوحا فأما لحم يخالطه الدم فلا بأس به.
- وأخرج سعيد بن منصور وعبد الرزاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة قال: لولا هذه الآية: {أو دما مسفوحا} لاتبع المسلمون من العروق ما تتبع منه اليهود.
- وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {أو دما مسفوحا} قال: المسفوح الذي يهراق ولا بأس بما كان في العروق منها.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة قال: جاء رجل إلى ابن عباس فقال له: آكل الطحال قال: نعم، قال: إن عامتها دم قال: إنما حرم الله الدم المسفوح.
- وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن أبي مجلز، في الدم يكون في مذبح الشاة أو الدم يكون على أعلى القدر قال: لا بأس إنما نهى عن الدم المسفوح.
- وأخرج أبو الشيخ، وابن مردويه عن ابن عمر وعائشة قالا: لا بأس بأكل كل ذي شيء إلا ما ذكر الله في هذه الآية: {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما ... الآية}.
- وأخرج أبو الشيخ عن الشعبي، أنه سئل عن لحم الفيل والأسد فتلا قل: {لا أجد فيما أوحي إلي
... الآية}.
- وأخرج ابن أبي شيبة وأبو الشيخ عن ابن الحنفية، أنه سئل عن أكل الجريت فقال: {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما} الآية.
- وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس أنه سئل عن ثمن الكلب والذئب والهر وأشباه ذلك فقال {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} [المائدة: 101] كان ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون أشياء فلا يحرمونه وإن الله أنزل كتابا فأحل فيه حلالا وحرم حراما وأنزل في كتابه: {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير}.
- وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والنسائي عن ابن عمر قال: نهى النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر.
- وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والنسائي عن أبي ثعلبة قال: حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الحمر الأهلية.
- وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه جاء فقال: أكلت الحمر ثم جاءه جاء فقال: أفنيت الحمر فأمر مناديا فنادى في الناس: إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية فإنها رجس فأكفئت القدور وإنها لتفور باللحم
- وأخرج مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجه عن أبي ثعلبة الخشي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع.
- وأخرج مسلم وأبو داود والنسائي، وابن ماجة عن ابن عباس قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن كل ذي ناب من السباع وعن كل ذي مخلب من الطير.
- وأخرج أبو داود عن خالد بن الوليد قال: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر فأتوا اليهود فشكوا أن الناس قد أشرفوا إلى حظائرهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا لا تحل أموال المعاهدين إلا بحقها حرام عليكم حمير الأهلية وخيلها وبغالها وكل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير».
- وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وحسنه، عن جابر قال حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر الحمر الأنسية ولحوم البغال وكل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير والمجثمة والحمار الأنسي
- وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وحسنه عن أبي هريرة أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم حرم يوم خيبر كل ذي ناب من السباع وحرم المجثمة والخلسة والنهبة.
- وأخرج الترمذي عن العرباض بن سارية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر عن كل ذي ناب من السبع وعن كل ذي مخلب من الطير وعن لحم الحمر الأهلية.
- وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن مكحول قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وعن الحبالى أن يقربن وعن بيع المغانم - يعني حتى تقسم - وعن أكل كل ذي ناب من السباع.
- وأخرج ابن أبي شيبة من طريق القاسم ومكحول عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر عن أكل الحمار الأهلي وعن أكل كل ذي ناب من السباع وأن توطأ الحبالى حتى تضعن وعن أن تباع السهام حتى تقسم وأن تباع التمرة حتى يبدو صلاحها ولعن يومئذ الواصلة والموصولة والواشمة والموشومة والخامشة وجهها والشاقة جيبها.
- وأخرج أبو داود والترمذي، وابن ماجة، عن جابر بن عبد الله أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل الهرة وأكل ثمنها.
- وأخرج أبو داود عن عبد الرحمن بن شبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحم الضب.
- وأخرج مالك والشافعي، وابن أبي شيبة والبخاري والترمذي والنسائي، وابن ماجه عن ابن عمر قال: سئل النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن الضب فقال: «لست آكله ولا أحرمه».
- وأخرج مالك والبخاري ومسلم والنسائي، وابن ماجه عن خالد بن الوليد أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة فأتى بضب محنوذ فأهوى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فقال: بعض النسوة أخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يريد أن يأكل فقالوا: هو ضب يا رسول الله فرفع يده فقلت: أحرام هو يا رسول الله قال: «لا ولكن لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه»، قال خالد: فاجترره فأكلته ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر.
- وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والنسائي، وابن ماجه عن ثابت بن وديعة قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جيش فأصبنا ضبابا فشويت منها ضبا فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعته بين يديه فأخذ عودا فعد به أصابعه ثم قال إن أمة من بني اسرائيل مسخت دواب في الأرض وإنى لا أدري أي الدواب هي فلم يأكل ولم ينه.
- وأخرج أبو داود عن خالد بن الحويرث أن عبد الله بن عمرو كان بالصفاح وأن رجلا جاء بأرنب قد صادها فقال له: ما تقول قال: قد جيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس فلم يأكلها ولم ينه عن أكلها وزعم إنها تحيض.
- وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجه عن أنس قال: أنفجنا أرنبا ونحن بمر الظهران فسعى القوم فلغبوا وأخذتها فجئت بها إلى أبي طلحة فذبحها فبعث بوركيها إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقبلها.
- وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وضعفه، وابن ماجه عن خزيمة بن جزى ء السلمي قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الضبع فقال: ويأكل الضبع أحد وسألته عن أكل الذئب قال: ويأكل الذئب أحد فيه خير وفي لفظ لابن ماجه: قلت: يا رسول الله جئتك لأسألك عن أجناس الأرض ما تقول في الثعلب قال:« ومن يأكل الثعلب» قلت: ما تقول في الضب قال: «لا آكله ولا أحرمه»، قلت: ولم يا رسول الله قال: «فقدت أمة من الأمم ورأيت خلقا رابني»، قلت: يا رسول الله ما تقول في الأرنب قال: «لا آكله ولا أحرمه»، قلت: ولم يا رسول الله قال:
«نبئت أنها تدمى».
- وأخرج ابن ماجه عن ابن عمر قال: من يأكل الغراب وقد سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسقا والله ما هو من الطيبات
- وأخرج أبو داود والترمذي من طريق إبراهيم بن عمر بن سفينة عن أبيه عن جده قال أكلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لحم حباري.
- وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أبي موسى قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل لحم دجاج.
- وأخرج أبو داود والترمذي وصححه النسائي، وابن ماجه عن عبد الرحمن بن أبي عمار قال: قلت لجابر: الضبع أصيد هي قال: نعم، قلت: آكلها قال: نعم، قلت: أقاله رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نعم). [الدر المنثور: 6/ 232-244]

تفسير قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (146)}
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (بلغني عن جعفر بن ربيعة، عن ربيعة بن أبي سليم أنه سمع حنشا يقول في قول الله: {حرمنا} عليهم، {كل ذي ظفرٍ}، إنه الخنزير والنعام والبعير). [الجامع في علوم القرآن: 1/ 81]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (معمر وعن قتادة في قوله تعالى كل ذي ظفر قال الإبل والنعام ظفر يد البعير ورجله والنعام أيضا كذلك قال وحرم عليهم من الطير البط وشبهه كل شيء ليس مشقوق الأصابع). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 221]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى أو الحوايا قال هو البقر).
[تفسير عبد الرزاق: 1/ 221]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب قوله: {وعلى الّذين هادوا حرّمنا كلّ ذي ظفرٍ، ومن البقر والغنم حرّمنا عليهم شحومهما}.
وقال ابن عبّاسٍ: " كلّ ذي ظفرٍ: البعير والنّعامة. {الحوايا} : «المبعر» وقال غيره: " هادوا: صاروا يهودًا، وأمّا قوله: {هدنا} [الأعراف: 156] : تبنا، هائدٌ: تائبٌ "
- حدّثنا عمرو بن خالدٍ، حدّثنا اللّيث، عن يزيد بن أبي حبيبٍ، قال عطاءٌ: سمعت جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنهما، سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «قاتل اللّه اليهود لمّا حرّم اللّه عليهم شحومها جملوه، ثمّ باعوه، فأكلوها» وقال أبو عاصمٍ: حدّثنا عبد الحميد، حدّثنا يزيد، كتب إليّ عطاءٌ، سمعت جابرًا، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مثله). [صحيح البخاري: 6/ 57]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب {وعلى الّذين هادوا حرّمنا كلّ ذي ظفر}
زاد أبو ذرٍّ في روايته إلى قوله: {وإنّا لصادقون}، قوله: {كلّ ذي ظفرٍ}؛ البعير والنعامة وصله بن جريرٍ من طريق عليّ بن أبي طلحة عن بن عبّاس مثله وروى من طريق بن أبي نجيح عن مجاهد مثله وروى بن أبي حاتمٍ من طريق سعيد بن جبيرٍ عن بن عبّاسٍ قال كلّ ذي ظفرٍ هو الّذي ليس بمنفرج الأصابع يعني ليس بمشقوق الأصابع منها الإبل والنعام وإسناده حسن وأخرجه بن جريرٍ من طريق سعيد بن جبيرٍ مثله مفرقا وليس فيه بن عبّاسٍ ومن طريق قتادة قال البعير والنّعامة وأشباهه من الطّير والحيوانات والحيتان قوله الحوايا المبعر في رواية أبي الوقت المباعر وصله بن جريرٍ من طريق عليّ بن أبي طلحة عن بن عبّاسٍ قال الحوايا هو المبعر وأخرجه عبد الرّزّاق عن معمرٍ عن قتادة مثله وقال سعيد بن جبير الحوايا المباعر أخرجه بن جريرٍ وقال الحوايا جمع حويّةٍ وهي ما تحوّى واجتمع واستدار من البطن وهي نبات اللّبن وهي المباعر وفيها الأمعاء قال ومعنى الكلام إلّا ما حملت ظهورهما وإلّا ما حملت الحوايا أي فهو حلالٌ لهم تنبيهٌ المبعر بفتح الميم ويجوز كسرها ثمّ ذكر المصنّف حديث جابرٍ قاتل اللّه اليهود حرّمت عليهم شحومها الحديث وقد تقدّم شرحه في أواخر كتاب البيوع وقد تقدّم أيضًا بيان من وصل رواية أبي عاصمٍ المذكور هنا ونبه بن التّين على أنّه وقع في الرّواية هنا لحومها قال والصّواب شحومها قوله هادوا تابوا هدنا تبنا هائدٌ تائبٌ هو كلام أبي عبيدة وقد تقدم في أوائل الهجرة). [فتح الباري: 8/ 295]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله فيه
وقال ابن عبّاس كل ذي ظفر البعير والنعامة الحوايا المباعر
قال ابن جرير ثنا علّي بن داود ثنا عبد الله بن صالح حدثني معاوية عن علّي عن ابن عبّاس في قوله {كل ذي ظفر} قال البعير والنعامة
وقال ابن أبي حاتم ثنا أبي ثنا أبو صالح حدثني معاوية عن علّي عن ابن عبّاس في قوله {أو الحوايا} قال هو المبعر
قوله فيه
- ثنا عمرو بن خالد ثنا اللّيث عن يزيد بن أبي حبيب قال: قال عطاء سمعت جابر بن عبد الله رضي اللّه عنهما سمعت النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «قاتل الله اليهود الحديث»
وقال أبو عاصم ثنا عبد الحميد ثنا يزيد قال كتب إليّ عطاء سمعت جابرا مثله
تقدم الكلام عليه في البيوع). [تغليق التعليق: 4/ 212]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (6 - (باب قوله: {وعلى الّذين هادوا حرّمنا كلّ ذي ظفرٍ ومن البقر والغنم حرّمنا عليهم شحومهما}
أي: هذا باب في قوله تعالى: {وعلى الّذين هادوا} . وزاد أبو ذر في روايته إلى قوله: {إنّا لصادقون} قوله: {وعلى الّذين هادوا} أي: حرمنا على اليهود كل ذي ظفر، وقال ابن جرير: هو البهائم والطير ما لم يكن مشقوق الأصابع كالإبل والأنعام والأوز والبط، وقال سعيد بن جبير: هو الّذي ليس بمنفرج الأصابع، وفي رواية عنه: كل شيء مفرق الأصابع ومنه الديك، وقال قتادة: كان يقال البعير وأشياء من الطير والحيتان، وقيل: ذوات الظلف كالإبل، وما ليس بذي أصابع كالأوز والبط، وهو اختيار الزّجاج، وقال ابن دريد، ذو الظفر الإبل فقط، وقال القتبي: هو كل ذي مخلب من الطير وحافر من الدّوابّ، قال: ويسمى الحافر ظفرا على الاستعارة، وقال الثّعلبيّ: قرأ الحسن: ظفر، بكسر الظّاء وسكون الفاء، وقرأ أبو السماك بكسر الظّاء والفاء، وهي لغة. قوله: (شحومهما) ، جمع شحم، والشحوم المحرمة الثروب، قيل: هو الّذي لم يختلط بعظم ولا لحم، وقيل: شحوم الكلّي.
وقال ابن عبّاسٍ كلّ ذي ظفرٍ البعير والنّعامة
هذا التّعليق وصله ابنن جريج من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاس، وروى من طريق آخر ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله.
الحوايا المبعر
أشار به إلى قوله تعالى: {أو الحوايا أو ما اختلط بعظم} ، وهو تفسير ابن عبّاس أيضا والمبعر هو المعا. وفي رواية أبي الوقت المباعر جمع مبعر، ووصله ابن جرير من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاس، قال: الحوايا هو المبعر، وأخرجه عبد الرّزّاق عن معمر عن قتادة مثله، وقال سعيد بن جبير: الحوايا المباعر، أخرجه ابن جرير، وقال الجوهري: الحوايا الأمعاء، وقال ابن جرير: وهو جمع واحدها حاوية وحوية، وهي ما حوى واجتمع واستدار من البطن، وهي بنات اللّبن وهي المباعر وتسمى المرابض وفيها الأمعاء.
وقال غيره هادوا صاروا يهودا وأما قوله عدنا تبنا هائدٌ تائبٌ
أي: قال غير ابن عبّاس في معنى قوله تعالى: {وعلى الّذين هادوا} صاروا يهودا. قوله: (هدنا) ، أشار به إلى قوله تعالى: {وفي الآخرة إنّا هدنا إليك} ، وفي التّفسير: أي تبنا ورجعنا إليك. قال ابن عبّاس ومجاهد وسعيد بن جبير وأبو العالية والضّحّاك وقتادة، والسّديّ وغير واحد، وهو من هاد يهود هودا تاب ورجع إلى الحق، فهو هائد ويجمع على هود، يقال: قوم هود، مثل حائل وحول، وقال أبو عبيد: التهود التّوبة والعمل الصّالح). [عمدة القاري: 18/ 226-227]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (6 - باب قوله: {وعلى الّذين هادوا حرّمنا كلّ ذي ظفرٍ ومن البقر والغنم حرّمنا عليهم شحومهما}
وقال ابن عبّاسٍ: كلّ ذي ظفرٍ: البعير والنّعامة. الحوايا: المبعر، وقال غيره: هادوا: صاروا يهودًا. وأمّا قوله هدنا: تبنا. هائدٌ: تائبٌ.
(باب قوله) عز وجل{وعلى الذين هادوا} أي وعلى اليهود{حرمنا كل ذي ظفر} أي لم يكن منفرج الأصابع مشقوقها. رواه ابن أبي حاتم من طريق سعيدبن جبير عن ابن عباس بإسناد حسن وذلك لشؤم ظلمهم لقوله تعالى:{فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم} [النساء: 160] {ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما} . أي الثروب بالثاء المثلثة المضمومة والراء آخره موحدة وهو شحم قد غشي الكرش والأمعاء رقيق وشحم الكلى وترك البقر والغنم على التحليل لم يحرم منها إلا الشحوم الخاصة، واستثنى من الشحم ما علق بظهورهما أو ما اشتمل على الأمعاء فإنه غير محرم، وهو المراد بقوله: {أو الحوايا} جمع حاوية أو حاوياء كقاصعاء وقواصع أو حوية كسفينة وسفائن. ومن عطف على شحومهما جعل أو بمعنى الواو فهي بمنزلة قولك: لا تطع زيدًا أو عمرًا أو خالدًا أي هؤلاء كلهم أهل أن لا يطاع فلا تطع واحدًا منهم ولا تطع الجماعة، ومثله الحسن أو ابن سيرين أو الشعبي فليس المعنى أني أمرتك بمجالسة واحد منهم بل المعنى كلهم أهل أن يجالس فإن جالست واحدًا منهم فأنت مصيب وإن جالست الجماعة فأنت مصيب.
وقال ابن الحاجب: أو في قوله: {ولا تطع منه آثمًا وكفورًا} [الإنسان: 24] بمعناها وهو أحد الأمرين وإنما جاء التعميم من النهي الذي فيه معنى النفي، لأن المعنى قبل وجود النهي فيهما تطيع آثمًا أو كفورًا أي واحدًا منهما فإذا جاء النهي ورد على ما كان ثابتًا في المعنى، فيصير المعنى ولا تطع أحدًا منهما فيجيء العموم فيهما من جهة النهي الداخل بخلاف الإثبات فإنه قد يفعل أحدهما دون الآخر وهو معنى دقيق، والحاصل أنك إذا عطفت أو الحوايا أو ما اختلط بعظم على شحومهما دخلت الثلاث تحت حكم النفي فيحرم الكل سوى ما استثني منها وإذا عطفت على المستثنى لم يحرم سوى الشحوم وأو على الأول للإباحة وعلى الثاني للتنويع قاله في فتوح الغيب، وسقط في رواية أبي ذر قوله: {ومن البقر} إلى آخره، وقال بعد قوله: {ظفر} إلى قوله: {وإنا لصادقون}.
(وقال ابن عباس): فيما وصله ابن جرير من طريق علي بن أبي طلحة عنه في تفسير قوله: ({كل ذي ظفر} البعير والنعامة ونحوهما (الحوايا المبعر) بفتح الميم وصله ابن جرير عن ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة وعبد الرزاق عن معمر عن قتادة، وفي رواية أبي الوقت المباعر بالجمع، وكذا قاله سعيد بن جبير فيما أخرجه ابن جرير. وقال: الحوايا جمع حوية وهي ما تحوّى
واجتمع واستدار من البطن وهو بنات اللبن وهي المباعر وفيها الأمعاء.
(وقال غيره): غير ابن عباس في قوله تعالى: {وعلى الذين هادوا} (صاروا يهودًا.
وأما قوله) تعالى: إنّا {هدنا} إليك بالأعراف فمعناه (تبنا هائد تائب) كذا نقل ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير، وغيره الخ لأبي ذر.
- حدّثنا عمرو بن خالدٍ، حدّثنا اللّيث، عن يزيد بن أبي حبيبٍ، قال عطاءٌ: سمعت جابر بن عبد اللّه -رضي الله عنهما- سمعت النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال: «قاتل اللّه اليهود لمّا حرّم اللّه عليهم شحومها جملوه ثمّ باعوه فأكلوها» وقال أبو عاصمٍ: حدّثنا عبد الحميد، حدّثنا يزيد كتب إلىّ عطاءٌ سمعت جابرًا عن النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم-.
وبه قال: (حدّثنا عمرو بن خالد) بفتح العين ابن فروخ بن سعيد الحراني التميمي نزيل مصر قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام المصري (عن يزيد بن أبي حبيب) أبي رجاء البصري واسم أبيه سويد أنه قال: (قال عطاء): هو ابن أبي رباح (سمعت جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما-) يقول: (سمعت النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم-) زاد في باب بيع الميتة من كتاب البيع عام الفتح وهو بمكة (قال):
(قاتل الله اليهود) أي لعنهم (لما حرم الله عليهم شحومها) أي أكل شحوم الميتة (جملوه) أي أذابوا المذكور واستخرجوا دهنه (ثم باعوه) ولأبي الوقت وأبي ذر عن الكشميهني: جملوها على الأصل (فأكلوها) أي أثمانها.
(وقال أبو عاصم) الضحاك النبيل شيخ البخاري مما وصله أحمد (حدّثنا عبد الحميد) بن جعفر الأنصاري قال: (حدّثنا يزيد) بن أبي حبيب قال: (كتب إليّ) بتشديد الياء (عطاء) هو ابن أبي رباح قال: (سمعت جابرًا) هو ابن عبد الله رضي الله تعالى عنهما (عن النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم-). زاد أبو ذر مثله أي مثل المذكور من الحديث). [إرشاد الساري: 7/ 120-121]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {وعلى الّذين هادوا حرّمنا}
- أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا سفيان، عن عمرٍو، عن طاوسٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: بلغ عمر أنّ سمرة، باع خمرًا فقال: قاتل الله سمرة، ألم يعلم أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «قاتل الله اليهود، حرّمت عليهم الشّحوم فجملوها» قال سفيان: يعني أذابوها). [السنن الكبرى للنسائي: 10/ 94]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وعلى الّذين هادوا حرّمنا كلّ ذي ظفرٍ}.
يقول تعالى ذكره: وحرّمنا على اليهود كلّ ذي ظفرٍ، وهو من البهائم والطّير ما لم يكن مشقوق الأصابع كالإبل والأنعام والإوزّ والبطّ.
وبما قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، وعليّ بن داود، قالا: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وعلى الّذين هادوا حرّمنا كلّ ذي ظفرٍ} وهو البعير والنّعامة.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {وعلى الّذين هادوا حرّمنا كلّ ذي ظفرٍ} قال: البعير والنّعامة ونحو ذلك من الدّوابّ.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا يحيى بن آدم، عن شريكٍ، عن عطاءٍ، عن سعيدٍ: {وعلى الّذين هادوا حرّمنا كلّ ذي ظفرٍ} قال: هو ليس الّذي بمنفرج الأصابع.
- حدّثني عليّ بن الحسين الأزديّ قال: حدّثنا يحيى بن يمانٍ، عن شريكٍ، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، في قوله: {وعلى الّذين هادوا حرّمنا كلّ ذي ظفرٍ} قال: كلّ شيءٍ متفرّق الأصابع، ومنه الدّيك.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: {كلّ ذي ظفرٍ}: النّعامة والبعير.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، مثله.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وعلى الّذين هادوا حرّمنا كلّ ذي ظفرٍ} فكان يقال: البعير والنّعامة وأشباهه من الطّير والحيتان.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، قال: حدّثنا معمرٌ، عن قتادة: {كلّ ذي ظفرٍ} قال: الإبل والنّعام، ظفر يد البعير ورجله، والنّعام أيضًا كذلك، وحرّم عليهم أيضًا من الطّير البطّ وشبهه، وكلّ شيءٍ ليس بمشقوق الأصابع.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: أمّا كلّ ذي ظفرٍ: فالإبل والنّعام.
- حدّثني الحرث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا شيخٌ، عن مجاهدٍ، في قوله: {وعلى الّذين هادوا حرّمنا كلّ ذي ظفرٍ} قال: النّعامة والبعير شقًّا شقًّا، قال: قلت: ما شقًّا شقًّا؟ قال: كلّ ما لم تفرّج قوائمه لم يأكله اليهود، البعير والنّعامة، والدّجاج والعصافير تأكلها اليهود لأنّها قد فرّجت.
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: {كلّ ذي ظفرٍ} قال: النّعامة والبعير شقًّا شقًّا قلت للقاسم بن أبى بزّة وحدّثنيه: ما شقًّا شقًّا؟ قال: كلّ شيءٍ لم يفرّج من قوائم البهائم، قال: وما انفرج أكلته اليهود، قال: انفرجت قوائم الدّجاج والعصافير، فيهود تأكلها. قال: ولم تنفرج قائمة البعير خفّه ولا خفّ النّعامة ولا قائمة الوزّين، فلا تأكل اليهود الإبل ولا النّعام ولا الوزّين ولا كلّ شيءٍ لم تنفرج قائمته، وكذلك لا تأكل حمار وحشٍ.
وكان ابن زيدٍ يقول في ذلك بما:
- حدّثني به، يونس قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وعلى الّذين هادوا حرّمنا كلّ ذي ظفرٍ}: الإبل فقط.
وأولى القولين في ذلك بالصّواب، القول الّذي ذكرنا عن ابن عبّاسٍ ومن قال بمثل مقالته، لأنّ اللّه جلّ ثناؤه أخبر أنّه حرّم على اليهود كلّ ذي ظفرٍ، فغير جائزٍ إخراج شيءٍ من عموم هذا الخبر إلاّ ما أجمع أهل العلم أنّه خارجٌ منه. وإذا كان ذلك كذلك، وكان النّعام وكلّ ما لم يكن من البهائم والطّير ممّا له ظفرٌ غير منفرج الأصابع داخلاً في ظاهر التّنزيل، وجب أن يحكم له بأنّه داخلٌ في الخبر، إذ لم يأت بأنّ بعض ذلك غير داخلٍ في الآية خبرٌ عن اللّه، ولا عن رسوله، وكانت الأمّة أكثرها مجمّعٌ على أنّه فيه داخلٌ). [جامع البيان: 9/ 638-641]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ومن البقر والغنم حرّمنا عليهم شحومهما إلاّ ما حملت ظهورهما}.
اختلف أهل التّأويل في الشّحوم الّتي أخبر اللّه تعالى أنّه حرّمها على اليهود من البقر والغنم، فقال بعضهم: هي شحوم الثّروب خاصّةً.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {ومن البقر والغنم حرّمنا عليهم شحومهما}: الثّروب. ذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقول: قاتل اللّه اليهود، حرّم اللّه عليهم الثّروب، ثمّ أكلوا أثمانها.
وقال آخرون: بل ذلك كان كلّ شحمٍ لم يكن مختلطًا بعظمٍ ولا على عظمٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ قال: قال ابن جريجٍ، قوله: {حرّمنا عليهم شحومهما} قال: إنّما حرّم عليهم الثّرب، وكلّ شحمٍ كدنٍ كذلك ليس في عظمٍ.
وقال آخرون: بل ذلك شحم الثّرب والكلى.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: {حرّمنا عليهم شحومهما} قال: الثّرب وشحم الكليتين. وكانت اليهود تقول: إنّما حرّمه إسرائيل فنحن نحرّمه.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {حرّمنا عليهم شحومهما} قال: إنّما حرّم عليهم الثّروب والكليتين هكذا هو في كتابي عن يونس، وأنا أحسب أنّه الكلى.
والصّواب في ذلك من القول أن يقال: إنّ اللّه أخبر أنّه كان حرّم على اليهود من البقر والغنم شحومهما، إلاّ ما استثناه منها ممّا حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظمٍ، فكلّ شحمٍ سوى ما استثناه اللّه في كتابه من البقر والغنم، فإنّه كان محرّمًا عليهم.
وبنحو ذلك من القول تظاهرت الأخبار عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وذلك قوله: قاتل اللّه اليهود حرّمت عليهم الشّحوم فجملوها ثمّ باعوها وأكلوا أثمانها.
وأمّا قوله: {إلاّ ما حملت ظهورهما} فإنّه يعني: إلاّ شحوم الجنب وما علق بالظّهر، فإنّها لم تحرّم عليهم.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ: {إلاّ ما حملت ظهورهما} يعني: ما علق بالظّهر من الشّحوم.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: أمّا ما حملت ظهورهما: فالأليات.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبو أسامة، عن إسماعيل، عن أبي صالحٍ، قال: الألية ممّا حملت ظهورهما). [جامع البيان: 9/ 641-643]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أو الحوايا}.
قال أبو جعفرٍ: والحوايا جمعٌ، واحدها حاوياء وحاويةٌ وحويّةٌ: وهي ما تحوّى من البطن فاجتمع واستدار، وهي بنات اللّبن، وهي المباعر، وتسمّى المرابض، وفيها الأمعاء.
ومعنى الكلام: ومن البقر والغنم حرّمنا عليهم شحومهما إلاّ ما حملت ظهورهما أو ما حملت الحوايا، فالحوايا رفع عطفًا على الظّهور، و(ما) الّتي بعد (إلاّ)، نصب على الاستثناء من الشّحوم.
وبمثل ما قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {أو الحوايا} وهي المبعر.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {أو الحوايا} قال: المبعر.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: الحوايا: المبعر والمربض.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا أبو أسامة، عن شبلٍ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {أو الحوايا} قال: المبعر.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا يحيى بن يمانٍ، عن سفيان، عن عطاءٍ، عن سعيد بن جبيرٍ: {أو الحوايا} قال: المباعر.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا يحيى بن آدم، عن شريكٍ، عن عطاءٍ، عن سعيد بن جبيرٍ: {أو الحوايا} قال: المباعر.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {أو الحوايا} قال: المبعر.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {أو الحوايا} قال: المبعر.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبو أسامة، والمحاربيّ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، قال: المبعر.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: حدّثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {أو الحوايا} يعني: البطون غير الثّروب.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {أو الحوايا} هو المبعر.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {أو الحوايا} قال: المباعر.
- وقال ابن زيدٍ في ذلك ما حدّثني به، يونس قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {أو الحوايا} قال: الحوايا: المرابض الّتي تكون فيها الأمعاء تكون وسطها، وهي بنات اللّبن، وهي في كلام العرب تدعى المرابض). [جامع البيان: 9/ 643-646]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أو ما اختلط بعظمٍ}.
يقول تعالى ذكره: ومن البقر والغنم حرّمنا على الّذين هادوا شحومهما سوى ما حملت ظهورهما، أو ما حملت حواياهما، فإنّا أحللنا ذلك لهم، وإلاّ ما اختلط بعظمٍ فهو لهم أيضًا حلالٌ. فردّ قوله: {أو ما اختلط بعظمٍ} على قوله: {إلاّ ما حملت ظهورهما} فـ (ما) الّتي في قوله: {أو ما اختلط بعظمٍ} في موضع نصبٍ عطفًا على (ما) الّتي في قوله: {إلاّ ما حملت ظهورهما}.
وعنى بقوله: {أو ما اختلط بعظمٍ}: شحم الألية والجنب وما أشبه ذلك.
- كما حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: {أو ما اختلط بعظمٍ} قال: شحم الألية بالعصعص، فهو حلالٌ، وكلّ شيءٍ في القوائم والجنب والرّأس والعين قد اختلط بعظمٍ، فهو حلالٌ.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {أو ما اختلط بعظمٍ} ممّا كان من شحمٍ على عظمٍ). [جامع البيان: 9/ 646]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ذلك جزيناهم ببغيهم وإنّا لصادقون}.
يقول تعالى ذكره: فهذا الّذي حرّمنا على الّذين هادوا من الأنعام والطّير، ذوات الأظافير غير المنفرجة، ومن البقر والغنم، ما حرّمنا عليهم من شحومهما الّذي ذكرنا في هذه الآية، حرّمناه عليهم عقوبةً منّا لهم، وثوابًا على أعمالهم السّيّئة وبغيهم على ربّهم.
- كما حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {ذلك جزيناهم ببغيهم وإنّا لصادقون} إنّما حرّم ذلك عليهم عقوبةً ببغيهم.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ذلك جزيناهم ببغيهم}: فعلنا ذلك بهم ببغيهم.
وقوله: {وإنّا لصادقون} يقول: وإنّا لصادقون في خبرنا هذا عن هؤلاء اليهود عمّا حرّمنا عليهم من الشّحوم ولحوم الأنعام والطّير الّتي ذكرنا أنّا حرّمنا عليهم، وفي غير ذلك من أخبارنا، وهم الكاذبون في زعمهم أنّ ذلك إنّما حرّمه إسرائيل على نفسه، وأنّهم إنّما حرّموه لتحريم إسرائيل إيّاه على نفسه). [جامع البيان: 9/ 647]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): {وعلى الّذين هادوا حرّمنا كلّ ذي ظفرٍ ومن البقر والغنم حرّمنا عليهم شحومهما إلّا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظمٍ ذلك جزيناهم ببغيهم وإنّا لصادقون (146) }
قوله: {وعلى الّذين هادوا}
- حدّثنا أبي ثنا أحمد بن يونس ثنا أبو عوانة عن أبي بشرٍ عن مجاهدٍ قال: تهوّدت اليهود يوم السّبت.
قوله: {حرّمنا كلّ ذي ظفرٍ}.
حدّثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيدٍ القطّان ثنا يحيى بن آدم ثنا شريكٌ عن عطاء بن السّائب عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ: قوله: {وعلى الّذين هادوا حرّمنا كلّ ذي ظفرٍ}، قال: هو الّذي ليس بمنفرد الأصابع، يعني ليس بمشقوق الأصابع، منها الإبل والنّعام.
وروي عن سعيد بن جبيرٍ ومجاهدٍ وعكرمة وقتادة والضّحّاك وعطاءٍ الخراسانيّ ومقاتل بن حيّان، وكذلك روي عن حنشٍ الصّنعانيّ وزاد فيه: والخنزير.
وكذلك روي عن السّدّيّ وقتادة وزاد فيه: والوزّ.
وزاد سعيد بن جبيرٍ: والدّيك.
قوله تعالى: {ومن البقر والغنم حرّمنا عليهم شحومهما}
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ فيما كتب إليّ ثنا أحمد بن مفضّلٍ ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ: قوله: ومن البقر والغنم حرّمنا عليهم شحومهما قال: حرّمنا عليهم من الشّحوم الثّرب وشحم الكليتين، وكان اليهود يقولون: إنّما حرّمه إسرائيل، فنحن نحرّمه.
قوله: {إلا ما حملت ظهورهما}
الوجه الأول:
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ ابن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: قوله: {إلّا ما حملت ظهورهما} يعني: ما علق بالظّهر من الشّحم. وروي عن الضّحّاك ومقاتل بن حيّان نحو ذلك.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ وأحمد بن سنانٍ قالا: ثنا أبو معاوية عن ابن أبي خالدٍ، عن أبي صالحٍ: {إلا ما حملت ظهورهما} قال: إلألية. وروي عن السّدّيّ نحو ذلك.
قوله: {أو الحوايا}.
الوجه الأول:

- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: قوله: أو الحوايا هو المبعر. وروي عن سعيد بن جبيرٍ وأبي صالحٍ ومجاهدٍ ومقاتل بن حيّان والسّدّيّ وقتادة وعطاءٍ الخراسانيّ نحو ذلك.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا أبو أسامة عن جويبرٍ عن الضّحّاك: أو الحوايا قال: المباعر والمرابض.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ ثنا أصبغ ثنا ابن زيدٍ، في قوله:
أو الحوايا قال: الحوايا المرابض الّتي تكون فيها الأمعاء، تكون وسطها، وهي بنات اللّبن، وهي في كلام العرب تدعى المرابض.
الوجه الثّالث:
- أخبرنا أبو الأزهر أحمد بن الأزهر النّيسابوريّ فيما كتب إليّ ثنا وهب بن جريرٍ ثنا أبي عن عليّ بن الحكم عن الضّحّاك: أمّا قوله: أو الحوايا فالبطون غير الثروب.
وروي عن مقاتل بن حيّان مثل ذلك، وخالفه عبيد بن سلمان عن الضّحّاك فقال: يعني بالثّروب: غير البطون.
قوله:{ أو ما اختلط بعظمٍ}
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا أبو معاوية عن ابن أبي خالدٍ عن أبي صالحٍ: أو ما اختلط بعظمٍ قال: الشّحم، وروي عن السّدّيّ نحو ذلك، وقال: ما كان من شحمٍ على عظمٍ. وروي عن مقاتل بن حيّان نحو ذلك.
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا محمّد بن العلاء ثنا أبو خالدٍ عن جويبرٍ عن الضّحّاك: أو ما اختلط بعظمٍ قال: ما ألزق بالعظم.
قوله تعالى: {ذلك جزيناهم}.
حدّثنا محمّد بن يحيى، أنا العبّاس بن الوليد النّرسيّ ثنا يزيد بن زريعٍ ثنا سعيدٌ عن قتادة: قوله: ذلك جزيناهم ببغيهم، إنما حرم ذلك عليهم عقوبة ببغيهم.
قوله: {ببغيهم، وإنّا لصادقون}.
قرأت على محمّد بن الفضل ثنا محمّد بن عليٍّ ثنا محمّد بن مزاحمٍ عن بكير بن معروفٍ عن مقاتل بن حيّان، في قوله: ذلك جزيناهم ببغيهم يقول: باستحلالهم ما كان اللّه حرّم عليهم). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1409-1412]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر يعني النعامة والبعير ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومها يعني المرابض أو الحوايا وهو المبعر ثم قال لنبيه صلى الله عليه وسلم فإن كذبوك يعني اليهود). [تفسير مجاهد: 226]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر} قال: هو الذي ليس بمنفرج الأصابع يعني ليس بمشقوق الأصابع منها الإبل والنعام.
- وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس {وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر} قال: هو البعير والنعامة.
- وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {حرمنا كل ذي ظفر} قال: كان يقال: هو البعير والنعامة في أشياء من الطير والحيتان.
- وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد {حرمنا كل ذي ظفر} قال: كل شيء لم تفرج قوائمه من البهائم وما انفرج أكلته اليهود، قال: أنفدت قوائم الدجاج والعصافير فيهود تأكله ولم تفرج قائمة البعير خفه ولا خف النعامة ولا قائمة الورينة فلا تأكل اليهود الإبل ولا النعام ولا الورينة ولا كل شيء لم تفرج قائمته كذلك ولا تأكل حمار الوحش.
- وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير {وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر} قال: الديك منه.
- وأخرج أبو الشيخ عن ابن جريج {حرمنا كل ذي ظفر} قال: كل شيء لم تفرج قوائمه من البهائم وما انفرجت قوائمه أكلوه ولا يأكلون البعير ولا النعامة ولا البط ولا الوزر ولا حمار الوحش.
- وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجه وابن مردويه، عن جابر بن عبد الله سمعت النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «قاتل الله اليهود لما حرم الله عليهم شحومها جملوه ثم باعوه فأكلوها
».
- وأخرج ابن مردويه عن أسامة بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها».
- وأخرج البخاري ومسلم والنسائي، وابن ماجه، وابن مردويه عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
:«لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها».
-وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
«قاتل الله اليهود حرم الله عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا ثمنها».
- وأخرج أبو داود، وابن مردويه عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«لعن الله اليهود ثلاثا إن الله حرم عليهم الشحوم ثلاثا إن الله حرم عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها وإن الله لم يحرم على قوم أكل شيء إلا حرم عليهم ثمنه»
- وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس في قوله {ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما} يعني ما علق بالظهر من الشحم {أو الحوايا} هو المبعر.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله {ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما} قال: حرم الله عليهم الثرب وشحم الكليتين.
- وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال: إنما حرم عليهم الثرب وشحم الكلية وكل شحم كان ليس في عظم.
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي صالح في قوله {إلا ما حملت ظهورهما}
قال: الإلية {أو الحوايا} قال: المبعر {أو ما اختلط بعظم} قال: الشحم.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن مجاهد في قوله {أو الحوايا} قال: المباعر.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله {أو الحوايا} قال: المرابض والمباعر {أو ما اختلط بعظم} قال: ما ألزق بالعظم.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال: الحوايا المرابض التي تكون فيها الأمعاء تكون وسطها وهي بنات اللبن وهي في كلام العرب تدعى: المرابض.
- وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله {أو ما اختلط بعظم} قال: الإلية اختلط شحم الإلية بالعصعص فهو حلال وكل شحم القوائم والجنب والرأس والعين والأذن يقولون قد اختلط ذلك بعظم فهو حلال لهم إنما حرم عليهم الثرب وشحم الكلية وكل شيء كان كذلك ليس في عظم.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله {ذلك جزيناهم ببغيهم} قال: إنما حرم الله ذلك عليهم عقوبة ببغيهم فشدد عليهم بذلك وما هو بخبيث). [الدر المنثور: 6/ 244-248]

تفسير قوله تعالى: (فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (147) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فإن كذّبوك فقل ربّكم ذو رحمةٍ واسعةٍ ولا يردّ بأسه عن القوم المجرمين}.
يقول جلّ ثناؤه لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: فإن كذّبوك يا محمّد هؤلاء اليهود فيما أخبرناك أنّا حرّمنا عليهم وحلّلنا لهم كما بيّنّا في هذه الآية، فقل: ربّكم ذو رحمةٍ بنا وبمن كان به مؤمنًا من عباده وبغيرهم من خلقه، واسعةٍ، تسع جميع خلقه المحسن والمسيء، لا يعاجل من كفر به بالعقوبة ولا من عصاه بالنّقمة، ولا يدع كرامة من آمن به وأطاعه ولا يحرمه ثواب عمله، رحمةً منه بكلا الفريقين، ولكنّ بأسه، وذلك سطوته وعذابه، لا يردّه إذا أحلّه عند غضبه على المجرمين بهم عنهم شيءٌ. والمحرّمون هم الّذين أجرموا فاكتسبوا الذّنوب واجترحوا السّيّئات.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {فإن كذّبوك}: اليهود.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {فإن كذّبوك}: اليهود {فقل ربّكم ذو رحمةٍ واسعةٍ}.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: كانت اليهود يقولون: إنّما حرّمه إسرائيل يعني: الثّرب وشحم الكليتين فنحن نحرّمه، فذلك قوله: {فإن كذّبوك فقل ربّكم ذو رحمةٍ واسعةٍ ولا يردّ بأسه عن القوم المجرمين}). [جامع البيان: 9/ 647-648]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({فإن كذّبوك فقل ربّكم ذو رحمةٍ واسعةٍ ولا يردّ بأسه عن القوم المجرمين (147) }
قوله: {فإن كذّبوك}.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ: قوله: {فإن كذّبوك} قال: اليهود.
قوله تعالى: {فقل ربّكم ذو رحمةٍ واسعةٍ }.
أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ فيما كتب إليّ ثنا أحمد بن مفضّلٍ ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قال: كانت اليهود تقول: إنّما حرّمه إسرائيل، فنحن نحرّمه. فذلك قوله: فإن كذّبوك فقل ربّكم ذو رحمةٍ واسعةٍ ولا يردّ بأسه عن القوم المجرمين). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1412]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {فإن كذبوك} قال: اليهود
- وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: كانت اليهود يقولون في اللحم: إنما حرمه إسرائيل فنحن نحرمه، فذلك قوله: {فإن كذبوك فقل ربكم} الآية، والله أعلم). [الدر المنثور: 6/ 248-249]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 24 ربيع الثاني 1434هـ/6-03-2013م, 11:44 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي

{قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145) وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (146) فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (147)}


تفسير قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145)}

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {قل لاّ أجد في ما أوحي إليّ محرّماً...}
ثم قال جلّ وجهه: {إلاّ أن يكون ميتةً} وإن شئت (تكون) وفي (الميتة) وجهان الرفع والنصب. ولا يصلح الرفع في القراءة؛ لأنّ الدم منصوب بالردّ على الميتة وفيه ألف تمنع من جواز الرفع. ويجوز (أن تكون) لتأنيث الميتة، ثم تردّ ما بعدها عليها.
ومن رفع (الميتة) جعل (يكون) فعلا لها، اكتفى بيكون بلا فعل. وكذلك (يكون) في كل الاستثناء لا تحتاج إلى فعل؛ ألا ترى أنك تقول: ذهب الناس إلا أن يكون أخاك، وأخوك. وإنما استغنت كان ويكون عن الفعل كما استغنى ما بعد إلا عن فعل يكون للاسم. فلما قيل: قام الناس إلا زيدا وإلا زيد فنصب بلا فعل ورفع بلا فعل صلحت كان تامة. ومن نصب: قال كان من عادة كان عند العرب مرفوع ومنصوب، فأضمروا في كان اسما مجهولا، وصيّروا الذي بعده فعلا لذلك المجهول. وذلك جائز في كان، وليس، ولم يزل، وفي أظنّ وأخواتها: أن تقول (أظنه زيد أخوك و) أظنّه فيها زيد. ويجوز في إنّ وأخواتها؛ كقول الله تبارك وتعالى: {يا بنيّ إنّها إن تك مثقال حبّةٍ} وكقوله: {إنّه أنا اللّه العزيز الحكيم} فتذكّر الهاء وتوحّدها، ولا يجوز تثنيتها ولا جمعها مع جمع ولا غيره. وتأنيثها مع المؤنث وتذكيرها مع المؤنث جائز؛ فتقول: إنها ذاهبة جاريتك، وإنه ذاهبة جاريتك.
فإن قلت: كيف جاز التأنيث مع الأنثى، ولم تجز التثنية مع الاثنين؟
قلت: لأن العرب إنما ذهبت إلى تأنيث الفعل وتذكيره، فلما جاز {وأخذ الّذين ظلموا الصّيحة} {وأخذت} جاز التأنيث، والتذكير. ولما لم يجز: قاما أخواك ولا قاموا قومك، لم يجز تثنيتها ولا جمعها.
فإن قلت: أتجيز تثنيتها في قول من قال: ذهبا أخواك؟ قلت: لا، من قبل أنّ الفعل واحد، والألف التي فيها كأنها تدلّ على صاحبي الفعل، والواو في الجمع تدل على أصحاب الفعل، فلم يستقم أن يكنى عن فعل واسم في عقدة، فالفعل واحد أبدا؛ لأن الذي فيه من الزيادات أسماء.
وتقول في مسألتين منه يستدلّ بهما على غيرهما: إنها أسد جاريتك، فأنثت لأن الأسد فعل للجارية، ولو جعلت الجارية فعلا للأسد ولمثله من المذكر لم يجز إلا تذكير الهاء. وكذلك كل اسم مذكّر شبهته بمؤنث فذكّر فيه الهاء، وكل مؤنث شبهته بمذكر ففيه تذكير الهاء وتأنيثها؛ فهذه واحد. ومتى ما ذكّرت فعل مؤنث فقلت: قام جاريتك، أو طال صلاتك، (ثم أدخلت عليه إنه) لم يجز إلا تذكيرها، فتقول: إنه طال صلاتك؛ فذكّرتها لتذكير الفعل، لا يجوز أن تؤنث وقد ذكّر الفعل.
وإذا رأيت الاسم مرفوعا بالمحالّ - مثل عندك، وفوقك، وفيها - فأنّث وذكّر في المؤنث ولا تؤنث في المذكر. وذلك أن الصفة لا يقدر فيها على التأنيث كما يقدر (في قام) جاريتك على أن تقول: قامت جاريتك. فلذلك كان في الصفات الإجراء على الأصل.
وإذا أخليت كان باسم واحد جاز أن ترفعه وتجعل له الفعل. وإن شئت أضمرت فيه مجهولا ونصبت ما بعده فقلت: إذا كان غدا فأتنا. وتقول: اذهب فليس إلا أباك، وأبوك. فمن رفع أضمر أحدا؛ كأنه قال: ليس أحد إلا أبوك، ومن نصب أضمر الاسم المجهول فنصب؛ لأن المجهول معرفة فلذلك نصبت.
ومن قال: إذا كان غدوةً فأتنا لم يجز له أن يقول: إذا غدوةً كان فأتنا، كذلك الاسم المجهول لا يتقدمه منصوبه. وإذا قرنت بالنكرة في كان صفة فقلت: إن كان بينهم شرّ فلا تقربهم، رفعت. وإن بدأت بالشر وأخرت الصفة كان الوجه الرفع فقلت: إن شر بينهم فلا تقربهم، ويجوز النصب.
قال وأنشدني بعضهم:
فعينيّ هلاّ تبكيان عفاقا ....... إذا كان طعنا بينهم وعناقا
فإذا أفردت النكرة بكان اعتدل النصب والرفع. وإذا أفردت المعرفة بكان كان الوجه النصب؛ يقولون: لو كان إلا ظله لخاب ظله. فهذه على ما وصفت لك). [معاني القرآن: 1/ 361-364]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({أو دماً مسفوحاً} أي مهراقاً مصبوباً، ومنه قولهم: سفح دمعى، أي: سال. قال الشاعر:
هاج سفح دموعي ....... ما تحنّ ملوعي).
[مجاز القرآن: 1/ 207-208]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({قل لاّ أجد في ما أوحي إليّ محرّماً على طاعمٍ يطعمه إلاّ أن يكون ميتةً أو دماً مّسفوحاً أو لحم خنزيرٍ فإنّه رجسٌ أو فسقاً أهلّ لغير اللّه به فمن اضطرّ غير باغٍ ولا عادٍ فإنّ ربّك غفورٌ رّحيمٌ}
وقال: {فإنّه رجسٌ أو فسقاً} يقول: "إلاّ أن يكون ميتةً أو فسقاً فإنّه رجسٌ"). [معاني القرآن: 1/ 252]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (أبو عمرو {فمن اضطر} يرفع النون للضمة التي بعدها، كما قالوا: اقتل، ولغة أخرى {فمن اضطر} بكسر النون، مثل {وقالت اخرج} و{قل انظروا} وهو القياس؛ لأنه منفصل.
[معاني القرآن لقطرب: 532]
الحسن "فمن اضطر" بكسر الطاء.
وبعض العرب يقولها، حكى لنا: ذلك؛ كأنه قال: اضطرر، ثم رمى بكسرة الراء الأولى على الطاء؛ على مثل ما ذكرنا من "ولو ردوا لعادوا" وقد فسرنا ذلك في أول السورة). [معاني القرآن لقطرب: 533]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {أو دما مسفوحا} يقال: سفحت دمه أي أسلته، وسفح هو أي سال؛ والدمع أيضًا.
قال طرفة:
إني وجدك ما هجوتك = والأنصاب يسفح فوقهن دم
وقال عبيد:
إذا ما عاده منها نساء = سفحن الدمع من بعد الرنين). [معاني القرآن لقطرب: 554]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله عز وجل {فإنه رجس أو فسقا} فنصب على: "إلا أن يكون فسقا"، ولم يرده على "الرجس" كقوله {ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده} فرفع على الابتداء، ولم يرده على الأول.
وكذلك {ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة} فرفع على الابتداء ولم يرد "وختم غشاوة على أبصارهم"، ولو أريد لكان معنى؛ وكقوله {ولولا كلمة
[معاني القرآن لقطرب: 558]
سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى} فرفع الأجل؛ كأنه قال: "ولولا أجل مسمى"، ولم يرده على خبر كان.
وما ورد من القرآن من هذا فاعتبره به، وقسه عليه إن شاء الله). [معاني القرآن لقطرب: 559]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({دما مسفوحا}: أي سائلا). [غريب القرآن وتفسيره: 143]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({أو دماً مسفوحاً} أي سائلا.
{أو فسقاً أهلّ لغير اللّه به} أي: ما ذبح لغيره وذكر عليه غير اسمه). [تفسير غريب القرآن: 162-163]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (ثم قال: {قل لا أجد في ما أوحي إليّ محرّما على طاعم يطعمه إلّا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنّه رجس أو فسقا أهلّ لغير اللّه به فمن اضطرّ غير باغ ولا عاد فإنّ ربّك غفور رحيم}
فأعلمهم - صلى الله عليه وسلم - أن التحريم والتحليل إنما يقبله بالوحي أو التنزيل فقال: {قل لا أجد في ما أوحي إليّ محرّما على طاعم يطعمه إلّا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا}.
والمسفوح المصبوب، فكأنه إذا ذبحوا أكلوا الدّم كما يأكلون اللحم.
{أو لحم خنزير فإنّه رجس} والرجس اسم لما يستقذر، وللعذاب.
{أو فسقا أهلّ لغير اللّه به} أي رفع الصوت على ذبحه باسم غير اللّه، وكانوا يذكرون أسماء أوثانهم على ذبائحهم.
{ففسق} عطف على لحم خنزير، المعنى إلا أن يكون المأكول ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير أو فسقا.
فسمّي ما ذكر عليه غير اسم اللّه فسقا، أي خروجا من الدّين.
{فمن اضطرّ غير باغ} أي دعته الضرورة إلى أكله فأكله غير باغ، أي غير قاصد لتحليل ما حرم اللّه.
{ولا عاد} أي ولا مجاوز للقصد وقدر الحاجة. و "العادي" الظالم.
{فإنّ ربّك غفور رحيم} أي يغفر لمن لم يتعدّ.
فأما إعراب (آلذّكرين) فالنصب بـ (حرّم).
وتثبت ألف المعرفة مع ألف الاستفهام لئلا يلتبس الاستفهام بالخبر، لأنه لو قيل ألذكرين حرّم بألف واحدة لالتبس الاستفهام بالخبر.
وقد يجوز جمع أم حذف الألف لأن أم تدل على الاستفهام لأنه لو قيل ألرجل ضربت أم الغلام لدلّت "أم" على أن الأول، داخل في الاستفهام.
وقد أجاز سيبويه أن يكون البيت على ذلك وهو قوله:
لعمرك ما أدري وإن كنت داريا ....... شعيث بن سهم أم شعيث بن منقر
فأجاز أن يكون على أشعيث بن سهم، ولكن القراءة بتبيين الألف الثانية في قوله: {آلذّكرين}). [معاني القرآن: 2/ 299-301]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم بين أنه لا يحرم الله شيئا إلا بوحي فقال {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه} روي عن عائشة رحمة الله عليها على طاعم طعمه وعن أبي جعفر محمد بن علي طاعم يطعمه). [معاني القرآن: 2/ 507]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا} قال قتادة المسفوح المصبوب فحرم ما كان مصبوبا خاصة فأما ما كان مختلطا باللحم فهو حلال). [معاني القرآن: 2/ 507]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به} أي ذبح لغير الله وذكر عليه غير اسم الله وسماه فسقا لأنه خارج عن الدين، والمعنى أو دما مسفوحا أو لحم خنزير أو فسقا أهل لغير الله به فإنه رجس والموقوذة والمتردية والنطيحة داخلة في هذه الآية عند قوم لأنها أصناف الميتة فأما ما لم يدخل في هذه الآية عند قوم ففيه قولان: أحدهما أنه روي عن عائشة وابن عباس أن الآية جامعة لجميع ما حرم من الحيوان خاصة وأنه ليس في الحيوان محرم إلا ما ذكر فيها والقول الآخر أن هذه الآية محكمة جامعة للحيوان وغيره وثم أشياء قد حرمها الله سوى هذه وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن لحوم الحمر الأهلية وعن كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير فقيل هذا قول قوي في اللغة لأن ما مبهمة فقوله جل وعز: {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما} يجب أن يكون عاما للحيوان وغيره والله أعلم بما أراد). [معاني القرآن: 2/ 507-509]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {فمن اضطر غير باغ ولا عاد} أحسن ما قيل في الباغي الذي يأكل مضطرا لا متلذذا والعادي الذي يجاوز ما يقيم رمقه). [معاني القرآن: 2/ 509]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({مسفوحا} أي: مصبوبا). [ياقوتة الصراط: 225]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا} أي سائلاً). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 81]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مسْفُوحًا}: مصبوباً). [العمدة في غريب القرآن: 131]

تفسير قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (146)}

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ومن البقر والغنم حرّمنا عليهم شحومهما...}
حرّم عليهم الثّرب، وشحوم الكلى.
ثم قال: {إلاّ ما حملت ظهورهما} و(ما) في موضع نصب بالفعل بالاستثناء. و{الحوايا} في موضع رفع، تردّها على الظهور: إلا ما حملت ظهورهما أو حملت الحوايا،وهي المباعر وبنات اللبن. والنصب على أن تريد (أو شحوم الحوايا) فتحذف الشحوم وتكتفى بالحوايا؛ كما قال: {واسأل القرية} يريد: واسأل أهل القرية.
وقوله: {أو ما اختلط بعظمٍ} وهي الألية. و(ما) في موضع نصب). [معاني القرآن: 1/ 364]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وعلى الّذين هادوا حرّمنا كلّ ذي ظفرٍ ومن البقر والغنم حرّمنا عليهم شحومهما إلاّ ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظمٍ ذلك جزيناهم ببغيهم وإنّا لصادقون}
وقال: {ومن البقر والغنم حرّمنا عليهم شحومهما إلاّ ما حملت ظهورهما أو الحوايا} فواحد "الحوايا": "الحاوياء" "والحاوية". ويريد بقوله - والله أعلم - {ومن البقر والغنم} أي: والبقر والغنم حرمنا عليهم. ولكنه أدخل فيها "من" والعرب تقول: "قد كان من حديثٍ" يريدون: قد كان حديثٌ" وإن شئت قلت: "ومن الغنم حرّمنا الشّحوم" كما تقول: "من الدّار أخذ النّصف والثلث" فأضفت على هذا المعنى كما تقول: "من الدّار أخذ نصفها" و"من عبد الله ضرب وجهه"). [معاني القرآن: 1/ 252-253]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {أو الحوايا} الواحد: حاوية؛ وهي بنات اللبن، وقالوا في الواحد: حاويآء، وقالوا في الواحد: حوية؛ وقالوا: هو ما اجتمع من البطن). [معاني القرآن لقطرب: 554]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({حرّمنا كلّ ذي ظفرٍ} أي كلّ ذي مخلب من الطير، وكلّ ذي ظلف ليس بمشقوق. يعني الحافر.
{شحومهما إلّا ما حملت ظهورهما} يقال: الألية. أو الحوايا المباعر، واحدها حاوية وحويّة). [تفسير غريب القرآن: 163]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه قوله سبحانه: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} أي كلّ ذي مخلب من الطير، وكلّ ذي حافر من الدّواب كذلك قال المفسّرون: وسمّى الحافر ظفرا على الاستعارة، كما قال الآخر وذكر ضيفا طرقه:
فما رَقَد الوِلْدَانُ حتّى رأيتُه ....... على البَكْرِ يَمْرِيه بساقٍ وحَافِرِ
فجعل الحافر موضع القدم.
وقال آخر:
سأمنعها أو سوف أجعل أمرها ....... إلى مَلِكِ أَظلافُهُ لَمْ تُشَقَّقِ
يريد بالأظلاف: قدميه، وإنما الأظلاف للشاء والبقر.
والعرب تقول للرجل: (هو غليظ المشافِر) تريد الشفتين، والمشافر للإبل.
وقال الحطيئة:
قَرَوْا جارَك العَيْمَان لَمَّا جفوتَه ....... وقلَّص عن بَرْدِ الشَّرابِ مَشَافِرُه).
[تأويل مشكل القرآن: 153-154]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وعلى الّذين هادوا حرّمنا كلّ ذي ظفر ومن البقر والغنم حرّمنا عليهم شحومهما إلّا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وإنّا لصادقون}
يعنى به الإبل والنعام، لأن النعام ذوات ظفر كالإبل.
{ومن البقر والغنم حرّمنا عليهم شحومهما إلّا ما حملت ظهورهما}.
فقال بعض الناس:. حرمت عليهم الثروب، وأحل لهم ما سواها مما حملت الظهور.
{أو الحوايا} وهي المباعر واحدها حاوية وحاوياء وحويّة.
{أو ما اختلط بعظم} نحو شحم الإلية. وهذا أكثر القولين، وقال قوم حرمت عليهم الثروب.
وأحل لهم ما حملت الظهور وصارت الحوايا أو ما اختلط بعظم إلا ما حملت الظهور فإنه غير محرم، و " أو " دخلت على طريق الإباحة، كما قال جلّ وعزّ: {ولا تطع منهم آثما أو كفورا}، فالمعنى كل هؤلاء أهل أن يعصى.
فاعص هذا، واعص هذا و " أو " بليغة في هذا المعنى، لأنك إذا قلت: لا تطع زيدا وعمرا فجائز أن تكون نهيتني عن طاعتهما معا في حال إن أطعت زيدا على حدته لم أكن عصيتك، وإذا قلت: لا تطع زيدا أو عمرا أو خالدا، فالمعنى أن هؤلاء كلهم أهل ألا يطاع فلا تطع واحدا منهم ولا تطع الجماعة.
ومثله جالس الحسن أو ابن سيرين أو الشعبي، فليس المعنى أني آمرك بمجالسة واحد منهم، ولكن معنى " أو" الإباحة.
المعنى كلهم أهل أن يجالس، فإن جالست واحدا منهم فأنت مصيب وإن جالست الجماعة فأنت مصيب). [معاني القرآن: 2/ 301-302]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر} قال مجاهد وقتادة والضحاك كل ذي ظفر الإبل والنعام قال قتادة وهو من الطير ما لم يكن مشقوق الظفر نحو البط وما أشبهه وهو عند أهل اللغة من الطير ما كان ذا مخلب ودخل في ذا ما يصطاد بظفره من الطير وجميع أنواع السباع والكلاب والسنانير). [معاني القرآن: 2/ 510]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما}
قال قتادة: هي شحوم الثروب خاصة. ومذهب ابن جريج أنه كل شحم لم يكن مختلطا بعظم ولا على عظم..
وهذا أولى لعموم الآية، وللحديث المسند: قاتل الله اليهود؛ حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها، وأكلوا أثمانها إلا ما حملت ظهورهما أي إلا شحوم الجنب وما علق بالظهر فإنها لم تحرم عليهم أو الحوايا.
قال مجاهد وقتادة: {الحوايا}: المباعر.
قال أبو عبيدة: هي عندي ما تحوى من البطن أي استدار.
قال الكسائي: واحدها حاوية وحوية.
وحكى سيبويه (حاوياء) قيل المعنى: حرمنا عليهم شحومها ثم استثنى فقال {إلا ما حملت ظهورهما} ثم عطف على الاستثناء فقال أو الحوايا أو ما اختلط بعظم أي إلا هذه الأشياء فإنها حلال.
وقيل المعنى: حرمنا عليهم شحومهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم إلا ما حملت ظهورهما فيكون ما بعد إلا استثناء على هذا القول داخلا في التحريم ويكون مثل قوله تعالى: {ولا تطع منهم آثما أو كفورا} وأو ههنا بخلاف معنى الواو أي لا تطع هذا الضرب.
وقال الكسائي إلا ما حملت ظهورهما ما في موضع نصب على الاستثناء والحوايا في موضع رفع بمعنى وما حملت الحوايا فعطف الحوايا على الظهور). [معاني القرآن: 2/ 510-512]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {أو ما اختلط بعظم}
قال فعطفه على المستثنى وهذا أحد قولي الفراء وهذا أصح هذه الأقوال والله أعلم). [معاني القرآن: 2/ 512-513]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون} قال قتادة حرمت عليهم هذه الأشياء عقوبة لهم على بغيهم). [معاني القرآن: 2/ 513]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ({أو الحوايا} فالحوايا: بنات اللبن، واحدتها: حاوية وحوية). [ياقوتة الصراط: 226]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} أي كل ذي مخلب من الطير، وكل ذي ظلف ليس بمشقوق الحافر.
{إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا} المباعِر). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 81]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (147)}

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة}
قال مجاهد: يعني اليهود). [معاني القرآن: 2/ 513]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 1 جمادى الأولى 1434هـ/12-03-2013م, 11:20 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145) }

قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وقوله:
من سفح ذاك الدم الزاكي الذي سفحوا
أي من صب ذاك الدم، يقال: سفحت دمه وسفكت دمه. قال الله تعالى: {إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} ). [الكامل: 2/ 920]

تفسير قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (146) }

قال أبو فَيدٍ مُؤَرِّجُ بنُ عمروٍ السَّدُوسِيُّ (ت: 195هـ) : (وواحِدُ الْحَوَايَا حَاوِيَةٌ، والْحَوايَا للناسِ، والأَعْصَالُ للدوابِّ، والْمَصَارِينُ للطَّيْرِ). [شرح لامية العرب: --]
قال أبو فَيدٍ مُؤَرِّجُ بنُ عمروٍ السَّدُوسِيُّ (ت: 195هـ) : (قالَ غيرُه: الْحَوايا: الأَمعاءُ واحِدَتُها حَوِيَّةٌ). [شرح لامية العرب: --]
قال أبو زكريا يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (والحيا على ثلاثة أوجه: الحياء من الاستحياء ممدود، وحياء الناقة ممدود، والحيا الغيث والخصب مقصور والخصب مقصور يكتب بالألف وهو من الياء فرارا أن يجمعوا بين ياءين، وذلك أن العرب لا تكاد تكتب مثل هذا بالياء لأن قبله ياء، ألا ترى إلى قولهم خطايا وزوايا وحوايا ومنايا يكتبن بالألف لمكان الياء التي قبلها). [المقصور والممدود: 22] (م)
قال أبو زكريا يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (و«الغنم» أنثى؛ تقول: «هذه غنيمة»). [المذكور والمؤنث: 79]
قال عبدُ الملكِ بنُ قُرَيبٍ الأصمعيُّ (ت: 216هـ) : (وفي البطن الحوايا والواحدة حاوية مخففة وحوية مثقلة وحاوياء وكل ذلك واحد، فمن قال حاوياء فقال حاوياوات. ومن قال حاوية قال حوايا مثل راوية روايا، ومن قال حوية قال حويات، قال الشاعر:

أقتلهم ولا أرى معاويه ....... الجاحظ العين العظيم الحاويه).[خلق الإنسان: 220]
قال عبدُ الملكِ بنُ قُرَيبٍ الأصمعيُّ (ت: 216هـ) : (ثم الظفر
يقال: ظفر الإنسان، وجمعه: أظفار، وأظفور، وجمعه: أظافير.
وقد يجوز الظفر في كل شيء، قال الأعشى:
في مجدل شيذ بنيانه ....... يزل عنه ظفر الطائر
ولآخر:
ما بين لقمته الأولى إذا ازدردت ....... وبين أخرى تليها قيس أظفور
ولزهير:
لدى أسد شاكي السلاح مقاذف ....... له لبد أظفاره لم تقلم).
[كتاب الفَرْق: 61-62]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (147) }


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 06:41 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 06:41 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 06:41 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 06:41 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {قل لا أجد في ما أوحي إليّ محرّماً على طاعمٍ يطعمه إلاّ أن يكون ميتةً أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزيرٍ فإنّه رجسٌ أو فسقاً أهلّ لغير اللّه به فمن اضطرّ غير باغٍ ولا عادٍ فإنّ ربّك غفورٌ رحيمٌ (145)}
هذا أمر من الله عز وجل بأن يشرع للناس جميعا ويبين عن الله ما أوحي إليه، وهذه الآية نزلت بمكة ولم يكن في الشريعة في ذلك الوقت شيء محرم غير هذه الأشياء، ثم نزلت سورة المائدة بالمدينة وزيد في المحرمات كالمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة، فإن هذه وإن كانت في حكم الميتة فكان في النظر احتمال أن تلحق بالمذكيات لأنها بأسباب وليست حتف الأنف، فلما بين النص إلحاقها بالميتة كانت زيادة في المحرمات، ثم نزل النص على رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحريم الخمر بوحي غير منجز، وبتحريم كل ذي ناب من السباع، فهذه كلها زيادات في التحريم ولفظة التحريم إذا وردت على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنها صالحة أن تنتهي بالشيء المذكور إلى غاية المنع والحظر، وصالحة بحسب اللغة أن تقف دون الغاية في حيز الكراهية ونحوها، فما اقترنت به قرينة التسليم من الصحابة المتأولين وأجمع عليه الكل منهم ولم يضطرب فيه ألفاظ الأحاديث وأمضاه الناس على إذلاله وجب بالشرع أن يكون تحريمه قد وصل الغاية من الحظر والمنع ولحق بالخنزير والميتة، وهذه صفة تحريم الخمر وما اقترنت به قرينة ألفاظ الحديث واختلفت الأمة فيه مع علمهم بالأحاديث كقوله عليه السلام «كل ذي ناب من السباع حرام».
وقد روي عنه نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع ثم اختلف الصحابة ومن بعدهم في تحريم ذلك فجاز لهذه الوجوه لمن ينظر أن يجمل لفظ التحريم على المنع الذي هو الكراهية ونحوها، وما اقترنت به قرينة التأويل كتحريمه عليه الصلاة والسلام لحوم الحمر الإنسية فتأول بعض الصحابة الحاضرين ذلك لأنها لم تخمس، وتأول بعضهم أن ذلك لئلا تفنى حمولة الناس، وتأول بعضهم التحريم المحض وثبت في الأمة الاختلاف في تحريم لحمها فجائز لمن ينظر من العلماء أن يحمل لفظ التحريم بحسب اجتهاده وقياسه على كراهية أو نحوها.
وروي عن ابن عامر أنه قرأ «فيما أوحى إلي» بفتح الهمزة والحاء وقرأ جمهور الناس يطعمه وقرأ أبو جعفر محمد بن علي «يطّعمه» بتشديد الطاء وكسر العين، وقرأ محمد بن الحنفية وعائشة وأصحاب عبد الله «طعمه» بفعل ماض، وقرأ نافع والكسائي وأبو عمر وعاصم «إلا أن يكون» بالياء على تقدير إلا أن يكون المطعوم، وقرأ ابن كثير وحمزة وأبو عمرو أيضا «إلا أن تكون» بالتاء من فوق «ميتة» على تقدير إلا أن تكون المطعومة، وقرأ ابن عامر وحده وذكرها مكي عن أبي جعفر «إلا أن تكون» بالتاء «ميتة» بالرفع على أن تجعل «تكون» بمعنى تقع، ويحتاج على هذه القراءة أن يعطف أو دماً على موضع «أن تكون»، لأنها في موضع نصب بالاستثناء، والمسفوح الجاري الذي يسيل وجعل الله هذا فرقا بين القليل والكثير، والمنسفح، السائل من الدم ونحوه، ومنه قول الشاعر وهو طرفة:
إذا ما عاده منّا نساء ....... سفحن الدّمع من بعد الرّنين
وقول امرئ القيس:
وإن شفائي عبرة إن سفحتها ....... وهل عند رسم دارس من معول
فالدم المختلط باللحم والدم الخارج من مرق اللحم وما شاكل هذا حلال والدم غير المسفوح هو هذا وهو معفوّ عنه، وقيل لأبي مجلز في القدر تعلوها الحمرة من الدم قال: إنما حرم الله المسفوح، وقالت نحوه عائشة وغيرها وعليه إجماع العلماء.
وقيل: الدم حرام لأنه إذا زايل فقد انسفخ، و «الرجس» النتن والحرام، يوصف بذلك الأجرام والمعاني كما قال عليه السلام: دعوها فإنها منتنة الحديث، فكذلك قيل في الأزلام والخمر رجس، والرجس أيضا العذاب لغة بمعنى الرجز، وقوله أو فسقاً يريد ذبائحهم التي يختصون بها أصنامهم، وقوله تعالى: فمن اضطرّ الآية، أباح الله فيها مع الضرورة ركوب المحظور دون بغي.
واختلف الناس فيم ذا فقالت فرقة دون أن يبغي الإنسان في أكله فيأكل فوق ما يقيم رمقه وينتهي إلى حد الشبع وفوقه، وقالت فرقة: بل دون أن يبغي في أن يكون سفره في قطع طريق أو قتل نفس أو يكون تصرفه في معصية فإن ذلك لا رخصة له، وأما من لم يكن بهذه الأحوال فاضطر فله أن يشبع ويتزود، وهذا مشهور قول مالك بن أنس رحمه الله، وقال بالأول الذي هو الاقتصار على سد الرمق عبد المالك بن حبيب رحمه الله، وقوله فإنّ ربّك غفورٌ رحيمٌ إباحة تعطيها قوة للفظ). [المحرر الوجيز: 3/ 479-482]

تفسير قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (146) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وعلى الّذين هادوا حرّمنا كلّ ذي ظفرٍ ومن البقر والغنم حرّمنا عليهم شحومهما إلاّ ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظمٍ ذلك جزيناهم ببغيهم وإنّا لصادقون (146)}
لما ذكر الله عز وجل ما حرم على أمة محمد صلى الله عليه وسلم أعقب ذلك بذكر ما حرم على اليهود لما في ذلك من تكذيبهم في قولهم إن الله لم يحرم علينا شيئا وإنما حرمنا على أنفسنا ما حرمه إسرائيل على نفسه، وقد تقدم القول في سورة البقرة في هادوا ومعنى تسميتهم يهودا، وكلّ ذي ظفرٍ يراد به الإبل والنعام والإوز ونحوه من الحيوان الذي هو غير منفرج الأصابع وله ظفر، وقال أبو زيد:
المراد الإبل خاصة وهذا ضعيف التخصيص، وذكر النقاش عن ثعلب أن كل ما لا يصيد فهو ذو ظفر وما يصيد فهو ذو مخلب.
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: وهذا غير مطرد لأن الأسد ذو ظفر، وقرأ جمهور الناس «ظفر» بضم الظاء والفاء، وقرأ الحسن والأعرج «ظفر» بسكون الفاء، وقرأ أبو السمال قعنب «ظفر» بكسر الظاء وسكون الفاء.
وأخبرنا الله عز وجل في هذه الآية بتحريم الشحوم على بني إسرائيل وهي الثروب وشحم الكلى وما كان شحما خالصا خارجا عن الاستثناء الذي في الآية.
واختلف العلماء في تحريم ذلك على المسلمين من ذبائح اليهود فحكى ابن المنذر في الأشراف عن مالك وغيره منع أكل الشحم من ذبائح اليهود وهو ظاهر المدونة.
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: وهذا على القول في قوله عز وجل: {وطعام الّذين أوتوا الكتاب حلٌّ لكم} [المائدة: 5] بأنه المطعوم من ذبائحهم وأما ما لا يحل لهم فلا تقع عليه ذكاة بل هو كالدم في ذبائح المسلمين، وعلى هذا القول يجيء قول مالك رحمه الله في المدونة فيما ذبحه اليهودي مما لا يحل لهم كالجمل والأرنب أنه لا يؤكل.
وروي عن مالك رحمه الله كراهية الشحم من ذبائح أهل الكتاب دون تحريم وأباح بعض الناس الشحم من ذبائح أهل الكتاب وذبحهم ما هو عليهم حرام إذا أمرهم بذلك مستنيبا أو نحوه.
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: وهذا على أن يجعل قوله: {وطعام الّذين أوتوا الكتاب حلٌّ لكم} [المائدة: 5] يراد به الذبائح فمتى وقع الذبح على صفته وقعت الإباحة، وهذا قول ضعيف لأنه جرد لفظة وطعام من معنى أن تكون مطعوما لأهل الكتاب وخلصها لمعنى الذبح وذلك حرج لا يتوجه، وأما الطريق فحرمه قوم وكرهه قوم وأباحه قوم وخففه مالك في المدونة ثم رجع إلى منعه، وقال ابن حبيب ما كان محرما عليهم وعلمنا ذلك من كتابنا فلا يحل لنا من ذبائحهم، وما لم نعلم تحريمه إلا من أقوالهم فهو غير محرم علينا من ذبائحهم، وقوله إلّا ما حملت ظهورهما يريد ما اختلط باللحم في الظهر والأجناب ونحوه، قال السدي وأبو صالح: الأليات مما حملت ظهورهما أو الحوايا قال هو جمع حوية على وزن فعلية، فوزن «حوايا» على هذا فعائل كسفينة وسفائن، وقيل هو جمع حاوية على وزن فاعلة، فحوايا على هذا فواعل كضاربة وضوارب وقيل جمع حاوياء، فوزنها على هذا أيضا فواعل كقاصعاء وقواصع وأما «الحوايا» على الوزن الأول فأصلها حوايي فقلب الياء الأخيرة ألفا فانفتحت لذلك الهمزة ثم بدلت ياء، وأما على الوزنين الأخيرين فأصل «حوايا» حواوي وبدلت الواو الثانية همزة، والحوية ما تحوى في البطن واستدار وهي المصارين والحشوة ونحوهما، وقال مجاهد وقتادة وابن عباس والسدي وابن زيد: «الحوايا» المباعر وقال بعضهم: هي المرابط التي تكون فيها الأمعاء وهي بنات اللبن، وقوله أو ما اختلط بعظمٍ يريد في سائر الشخص، والحوايا معطوف على ما في قوله إلّا ما حملت فهي في موضع نصب عطفا على المنصوب بالاستثناء، وقال الكسائي الحوايا معطوف على الظهور، كأنه قال «إلا ما حملت ظهورهما أو حملت الحوايا»، وقال بعض الناس الحوايا معطوف على الشحوم.
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: وعلى هذا تدخل الحوايا في التحريم، وهذا قول لا يعضده اللفظ ولا المعنى بل يدفعانه، وقوله تعالى: ذلك جزيناهم ببغيهم، ذلك في موضع رفع وجزيناهم ببغيهم يقتضي أن هذا التحريم إنما كان عقوبة لهم على ذنوبهم وبغيهم واستعصائهم على الأنبياء، وقوله وإنّا لصادقون إخبار يتضمن التعريض بكذبهم في قولهم ما حرم الله علينا شيئا وإنما اقتدينا بإسرائيل فيما حرم على نفسه ويتضمن إدحاض قولهم ورده عليهم). [المحرر الوجيز: 3/ 482-485]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (147) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {فإن كذّبوك فقل ربّكم ذو رحمةٍ واسعةٍ ولا يردّ بأسه عن القوم المجرمين (147) سيقول الّذين أشركوا لو شاء اللّه ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرّمنا من شيءٍ كذلك كذّب الّذين من قبلهم حتّى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علمٍ فتخرجوه لنا إن تتّبعون إلاّ الظّنّ وإن أنتم إلاّ تخرصون (148)}
يريد فإن كذّبوك فيما أخبرت به أن الله حرمه عليهم وقالوا لم يحرم الله علينا شيئا وإنما حرمنا ما حرم إسرائيل على نفسه، قال السدي وهذه كانت مقالتهم فقل يا محمد على جهة التعجب من حالهم والتعظيم لفريتهم في تكذيبهم لك مع علمهم بحقيقة ما قلت، ربّكم ذو رحمةٍ واسعةٍ، إذ لا يعاجلكم بالعقوبة مع شدة جرمكم.
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: وهذا كما تقول عند رؤية معصية أو أمر مبغي ما أحلم الله، وأنت تريد لإمهاله على مثل ذلك في قوله ربّكم ذو رحمةٍ واسعةٍ قوة وصفهم بغاية الاجترام وشدة الطغيان، ثم أعقب هذه المقالة بوعيد في قوله ولا يردّ بأسه عن القوم المجرمين فكأنه قال: ولا تغتروا أيضا بسعة رحمته فإن له بأسا لا يرد عن المجرمين إما في الدنيا وإما في الآخرة، وهذه الآية وما جانسها من آيات مكة مرتفع حكمه بالقتال). [المحرر الوجيز: 3/ 485-486]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 06:41 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 06:49 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {قل لا أجد في ما أوحي إليّ محرّمًا على طاعمٍ يطعمه إلا أن يكون ميتةً أو دمًا مسفوحًا أو لحم خنزيرٍ فإنّه رجسٌ أو فسقًا أهلّ لغير اللّه به فمن اضطرّ غير باغٍ ولا عادٍ فإنّ ربّك غفورٌ رحيمٌ (145)}
يقول تعالى آمرًا عبده ورسوله محمّدًا، صلوات اللّه وسلامه عليه: قل لهؤلاء الّذين حرّموا ما رزقهم اللّه افتراءً على اللّه: {لا أجد في ما أوحي إليّ محرّمًا على طاعمٍ يطعمه} أي: آكلٍ يأكله. قيل: معناه: لا أجد شيئًا ممّا حرّمتم حرامًا سوى هذه. وقيل: معناه: لا أجد من الحيوانات شيئًا حرامًا سوى هذه. فعلى هذا يكون ما ورد من التّحريمات بعد هذا في سورة "المائدة"، وفي الأحاديث الواردة، رافعًا لمفهوم هذه الآية.
ومن النّاس من يسمّي ذلك نسخًا، والأكثرون من المتأخّرين لا يسمّونه نسخًا؛ لأنّه من باب رفع مباح الأصل، واللّه أعلم.
قال العوفي، عن ابن عبّاسٍ: {أو دمًا مسفوحًا} يعني: المهراق.
قال عكرمة في قوله: {أو دمًا مسفوحًا} لولا هذه الآية لتتبّع النّاس ما في العروق، كما تتبّعه اليهود.
وقال حمّادٌ، عن عمران بن حدير قال: سألت أبا مجلز عن الدّم، وما يتلطّخ من الذّبح من الرّأس، وعن القدر يرى فيها الحمرة، فقال: إنّما نهى اللّه عن الدّم المسفوح.
وقال قتادة: حرّم من الدّماء ما كان مسفوحًا، فأمّا لحمٌ خالطه دمٌ فلا بأس به.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا المثنّى، حدّثنا حجّاج بن منهال، حدّثنا حمّادٌ، عن يحيى بن سعيدٍ، عن القاسم، عن عائشة: أنّها كانت لا ترى بلحوم السّباع بأسًا، والحمرة والدّم يكونان على القدر بأسًا، وقرأت هذه الآية. صحيحٌ غريبٌ.
وقال الحميديّ: حدّثنا سفيان، حدّثنا عمرو بن دينارٍ قال: قلت لجابر بن عبد اللّه: إنهم يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لحوم الحمر الأهليّة زمن خيبرٍ، فقال: قد كان يقول ذلك "الحكم بن عمرو" عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ولكن أبى ذلك الحبر -يعني ابن عبّاسٍ -وقرأ: {قل لا أجد في ما أوحي إليّ محرّمًا} الآية.
وهكذا رواه البخاريّ عن عليّ بن المدينيّ، عن سفيان، به. وأخرجه أبو داود من حديث ابن جريج، عن عمرو بن دينارٍ. ورواه الحاكم في مستدركه مع أنّه في صحيح البخاريّ، كما رأيت.
وقال أبو بكر بن مردويه والحاكم في مستدركه: حدّثنا محمّد بن عليّ بن دحيم، حدّثنا أحمد بن حازمٍ، حدّثنا أبو نعيم الفضل بن دكين، حدّثنا محمّد بن شريكٍ، عن عمرو بن دينارٍ، عن أبي الشّعثاء، عن ابن عبّاسٍ قال: كان أهل الجاهليّة يأكلون أشياء ويتركون أشياء تقذّرًا، فبعث اللّه نبيّه وأنزل كتابه، وأحلّ حلاله وحرّم حرامه، فما أحلّ فهو حلالٌ، وما حرّم فهو حرامٌ، وما سكت عنه فهو عفوٌ، وتلا هذه الآية: {قل لا أجد في ما أوحي إليّ محرّمًا على طاعمٍ يطعمه إلا أن يكون ميتةً أو دمًا مسفوحًا} إلى آخر الآية.
وهذا لفظ ابن مردويه. ورواه أبو داود منفردًا به، عن محمّد بن داود بن صبيحٍ، عن أبي نعيمٍ به. وقال الحاكم: هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرّجاه.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا عفّان، حدّثنا أبو عوانة، عن سماك بن حربٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: ماتت شاةٌ لسودة بنت زمعة، فقالت: يا رسول اللّه، ماتت فلانةٌ -تعني الشّاة -قال: «فلم لا أخذتم مسكها؟ ». قالت: نأخذ مسك شاةٍ قد ماتت؟! فقال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّما قال اللّه: {قل لا أجد في ما أوحي إليّ محرّمًا على طاعمٍ يطعمه إلا أن يكون ميتةً أو دمًا مسفوحًا أو لحم خنزيرٍ} وإنّكم لا تطعمونه، أن تدبغوه فتنتفعوا به". فأرسلت فسلخت مسكها فدبغته، فاتّخذت منه قربةً، حتّى تخرّقت عندها.
ورواه البخاريّ والنّسائيّ، من حديث الشّعبيّ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، عن سودة بنت زمعة، بذلك أو نحوه.
وقال سعيد بن منصورٍ: حدّثنا عبد العزيز بن محمّدٍ، عن عيسى بن نميلة الفزاريّ، عن أبيه قال: كنت عند ابن عمر، فسأله رجلٌ عن أكل القنفذ، فقرأ عليه: {قل لا أجد في ما أوحي إليّ محرّمًا على طاعمٍ يطعمه إلا أن يكون ميتةً أو دمًا مسفوحًا أو لحم خنزيرٍ} الآية، فقال شيخ عنده: سمعت أبا هريرة يقول: ذكر عند النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: "خبيثٌ من الخبائث". فقال ابن عمر: إن كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قاله فهو كما قال.
ورواه أبو داود، عن أبي ثورٍ، عن سعيد بن منصورٍ، به.
وقوله تعالى: {فمن اضطرّ غير باغٍ ولا عادٍ} أي: فمن اضطرّ إلى أكل شيءٍ ممّا حرّم في هذه الآية الكريمة، وهو غير متلبّسٍ ببغيٍ ولا عدوانٍ، {فإنّ ربّك غفورٌ رحيمٌ} أي: غفورٌ له، رحيمٌ به.
وقد تقدّم تفسير هذه الآية في سورة البقرة بما فيه كفايةٌ.
والمقصود من سياق هذه الآية الكريمة الرّدّ على المشركين الّذين ابتدعوا ما ابتدعوه، من تحريم المحرّمات على أنفسهم بآرائهم الفاسدة من البحيرة والسّائبة والوصيلة والحام ونحو ذلك، فأمر [اللّه] رسوله أن يخبرهم أنّه لا يجد فيما أوحاه اللّه إليه أنّ ذلك محرّمٌ، وإنّما حرّم ما ذكر في [هذه] الآية، من الميتة، والدّم المسفوح، ولحم الخنزير، وما أهلّ لغير اللّه به. وما عدا ذلك فلم يحرّم، وإنّما هو عفوٌ مسكوتٌ عنه، فكيف تزعمون [أنتم] أنّه حرامٌ، ومن أين حرّمتموه ولم يحرّمه [اللّه] ؟ وعلى هذا فلا يبقى تحريم أشياء أخر فيما بعد هذا، كما جاء النّهي عن لحوم الحمر ولحوم السّباع، وكلّ ذي مخلبٍ من الطّير، على المشهور من مذاهب العلماء). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 352-354]

تفسير قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (146) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {وعلى الّذين هادوا حرّمنا كلّ ذي ظفرٍ ومن البقر والغنم حرّمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظمٍ ذلك جزيناهم ببغيهم وإنّا لصادقون (146)}
قال ابن جريرٍ: يقول تعالى: وحرّمنا على اليهود {كلّ ذي ظفرٍ} وهو البهائم والطّير ما لم يكن مشقوق الأصابع، كالإبل والنّعام والأوزّ والبطّ. قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {وعلى الّذين هادوا حرّمنا كلّ ذي ظفرٍ} وهو البعير والنّعامة. وكذا قال مجاهدٌ، والسّدّي في روايةٍ.
وقال سعيد بن جبير: هو الّذي ليس بمنفرج الأصابع، وفي روايةٍ عنه: كلّ شيءٍ متفرّق الأصابع، ومنه الدّيك.
وقال قتادة في قوله: {وعلى الّذين هادوا حرّمنا كلّ ذي ظفرٍ} وكان يقال: البعير والنّعامة وأشياء من الطّير والحيتان. وفي روايةٍ: البعير والنّعامة، وحرّم عليهم من الطّير: البطّ وشبهه، وكلّ شيءٍ ليس بمشقوق الأصابع.
وقال ابن جريج: عن مجاهدٍ: {كلّ ذي ظفرٍ} قال: النّعامة والبعير، شقًّا شقًّا. قلت للقاسم بن أبي بزّة وحدّثنيه: ما "شقًّا شقًّا"؟ قال: كلّ ما لا يفرج من قول البهائم. قال: وما انفرج أكلته اليهود قال: انفرجت قوائم البهائم والعصافير، قال: فيهود تأكلها. قال: ولم تنفرج قائمة البعير، خفّه، ولا خفّ النّعامة ولا قائمة الوزّ، فلا تأكل اليهود الإبل ولا النّعام ولا الوزّ، ولا كلّ شيءٍ لم تنفرج قائمته، ولا تأكل حمار وحش.
وقوله: {ومن البقر والغنم حرّمنا عليهم شحومهما} قال السّدّي: [يعني] الثرب وشحم الكليتين. وكانت اليهود تقول: إنّه حرّمه إسرائيل فنحن نحرّمه. وكذا قال ابن زيدٍ.
وقال قتادة: الثّرب وكلّ شحمٍ كان كذلك ليس في عظمٍ.
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {إلا ما حملت ظهورهما} يعني: ما علق بالظّهر من الشّحوم.
وقال السّدّي وأبو صالحٍ: الألية، ممّا حملت ظهورهما.
وقوله: {أو الحوايا} قال الإمام أبو جعفر بن جريرٍ: {الحوايا} جمعٌ، واحدها حاوياء، وحاويةٌ وحويّة وهو ما تحوي من البطن فاجتمع واستدار، وهي بنات اللّبن، وهي "المباعر"، وتسمّى "المرابض"، وفيها الأمعاء.
قال: ومعنى الكلام: ومن البقر والغنم حرّمنا عليهم شحومهما، إلّا ما حملت ظهورهما، أو ما حملت الحوايا.
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {أو الحوايا} وهي المبعر.
وقال مجاهدٌ: {الحوايا} المبعر، والمربض. وكذا قال سعيد بن جبيرٍ، والضّحّاك، وقتادة، وأبو مالكٍ، والسّدّي.
وقال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: {الحوايا} المرابض الّتي تكون فيها الأمعاء، تكون وسطها، وهي بنات اللّبن، وهي في كلام العرب تدعى المرابض.
وقوله تعالى: {أو ما اختلط بعظمٍ} أي: وإلّا ما اختلط من الشّحوم بالعظام فقد أحللناه لهم.
وقال ابن جريج: شحم الألية اختلط بالعصعص، فهو حلالٌ. وكلّ شيءٍ في القوائم والجنب والرّأس والعين وما اختلط بعظمٍ، فهو حلالٌ، ونحوه قال السّدّي.
وقوله تعالى: {ذلك جزيناهم ببغيهم} أي: هذا التّضييق إنّما فعلناه بهم وألزمناهم به، مجازاةً لهم على بغيهم ومخالفتهم أوامرنا، كما قال تعالى: {فبظلمٍ من الّذين هادوا حرّمنا عليهم طيّباتٍ أحلّت لهم وبصدّهم عن سبيل اللّه كثيرًا} [النساء: 160].
وقوله: {وإنّا لصادقون} أي: وإنّا لعادلون فيما جزيناهم به.
وقال ابن جريرٍ: وإنّا لصادقون فيما أخبرناك به يا محمّد من تحريمنا ذلك عليهم، لا كما زعموا من أنّ إسرائيل هو الّذي حرّمه على نفسه، واللّه أعلم.
وقال عبد اللّه بن عبّاسٍ: بلغ عمر بن الخطّاب، رضي اللّه عنه، أنّ سمرة باع خمرًا، فقال: قاتل اللّه سمرة! ألم يعلم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «لعن اللّه اليهود، حرّمت عليهم الشّحوم فجمّلوها فباعوها».
أخرجاه من حديث سفيان بن عيينة، عن عمرٍو بن دينارٍ، عن طاوسٍ، عن ابن عبّاسٍ، عن عمر، به.
وقال اللّيث: حدّثني يزيد بن أبي حبيبٍ قال: قال عطاء بن أبي رباحٍ: سمعت جابر بن عبد اللّه يقول: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول عام الفتح: "إنّ اللّه ورسوله حرّم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام". فقيل: يا رسول اللّه، أرأيت شحوم الميتة، فإنّه يدهن بها الجلود ويطلى بها السّفن، ويستصبح بها النّاس. فقال: "لا هو حرامٌ". ثمّ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عند ذلك: "قاتل اللّه اليهود، إنّ اللّه لمّا حرّم عليهم شحومها جملوه، ثمّ باعوه وأكلوا ثمنه".
رواه الجماعة من طرقٍ، عن يزيد بن أبي حبيبٍ، به.
وقال الزّهريّ، عن سعيد بن المسيّب، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «قاتل اللّه اليهود ! حرّمت عليهم الشّحوم، فباعوها وأكلوا ثمنه».
ورواه البخاريّ ومسلمٌ جميعًا، عن عبدان، عن ابن المبارك، عن يونس، عن الزّهريّ، به.
وقال ابن مردويه: حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن إبراهيم، حدّثنا إسماعيل بن إسحاق، حدّثنا سليمان بن حربٍ، حدّثنا وهيب، حدّثنا خالدٌ الحذّاء، عن بركة أبي الوليد، عن ابن عبّاسٍ؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان قاعدًا خلف المقام، فرفع بصره إلى السّماء فقال: "لعن اللّه اليهود -ثلاثًا -إنّ اللّه حرّم عليهم الشّحوم، فباعوها وأكلوا ثمنها، إنّ اللّه لم يحرّم على قومٍ أكل شيءٍ إلّا حرّم عليهم ثمنه".
وقال الإمام أحمد: حدّثنا عليّ بن عاصمٍ، أنبأنا خالدٌ الحذّاء، عن بركة أبي الوليد، أنبأنا ابن عبّاسٍ قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قاعدًا في المسجد مستقبلًا الحجر، فنظر إلى السّماء فضحك، ثم قال: «لعن اللّه اليهود، حرّمت عليهم الشّحوم فباعوها وأكلوا أثمانها، وإنّ اللّه إذا حرّم على قومٍ أكل شيءٍ حرّم عليهم ثمنه».
ورواه أبو داود، من حديث خالدٍ الحذّاء.
وقال الأعمش، عن جامع بن شدّاد، عن كلثومٍ، عن أسامة بن زيدٍ قال: دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مريضٌ نعوده، فوجدناه نائمًا قد غطّى وجهه ببردٍ عدني، فكشف عن وجهه وقال: «لعن اللّه اليهود يحرّمون شحوم الغنم ويأكلون أثمانها»، وفي روايةٍ: «حرّمت عليهم الشّحوم فباعوها وأكلوا أثمانها»). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 354-357]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (147) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {فإن كذّبوك فقل ربّكم ذو رحمةٍ واسعةٍ ولا يردّ بأسه عن القوم المجرمين (147)}
يقول تعالى: فإن كذّبك -يا محمّد -مخالفوك من المشركين واليهود ومن شابههم، فقل: {ربّكم ذو رحمةٍ واسعةٍ} وهذا ترغيبٌ لهم في ابتغاء رحمة اللّه الواسعة، واتّباع رسوله، {ولا يردّ بأسه عن القوم المجرمين} ترهيبٌ لهم من مخالفتهم الرّسول خاتم النّبيّين. وكثيرًا ما يقرن اللّه تعالى بين التّرغيب والتّرهيب في القرآن، كما قال تعالى في آخر هذه السّورة: {إنّ ربّك سريع العقاب وإنّه لغفورٌ رحيمٌ} [الآية: 165]، وقال {وإنّ ربّك لذو مغفرةٍ للنّاس على ظلمهم وإنّ ربّك لشديد العقاب} [الرّعد: 6]، وقال تعالى: {نبّئ عبادي أنّي أنا الغفور الرّحيم. وأنّ عذابي هو العذاب الأليم} [الحجر: 49، 50]، وقال تعالى: {غافر الذّنب وقابل التّوب شديد العقاب} [غافر: 3]، وقال [تعالى]: {إنّ بطش ربّك لشديدٌ إنّه هو يبدئ ويعيد وهو الغفور الودود} [البروج: 12 -14]، والآيات في هذا كثيرةٌ جدًّا). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 357]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:39 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة