العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الأنعام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 ربيع الثاني 1434هـ/26-02-2013م, 01:30 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير سورة الأنعام [ من الآية (84) إلى الآية (90) ]

{وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86) وَمِنْ آَبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (87) ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (88) أُولَئِكَ الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89) أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21 ربيع الثاني 1434هـ/3-03-2013م, 12:12 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف


تفسير قوله تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84)}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلًّا هدينا ونوحًا هدينا من قبل ومن ذرّيّته داود وسليمان وأيّوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين}.
يقول تعالى ذكره: فجزينا إبراهيم صلّى اللّه عليه وسلّم على طاعته إيّانا، وإخلاصه توحيد ربّه، ومفارقته دين قومه المشركين باللّه بأن رفعنا درجته في علّيّين، وآتيناه أجره في الدّنيا، ووهبنا له أولادًا خصصناهم بالنّبوّة، وذرّيّةً شرّفناهم منّا بالكرامة وفضّلناهم على العالمين، منهم ابنه إسحاق، وابن ابنه يعقوب. {كلًّا هدينا} يقول: هدينا جميعهم لسبيل الرّشاد، فوفّقناهم للحقّ والصّواب من الأديان. {ونوحًا هدينا من قبل} يقول: وهدينا لمثل الّذي هدينا إبراهيم وإسحاق ويعقوب من الحقّ والصّواب فوفّقناه له، نوحًا من قبل إبراهيم وإسحاق ويعقوب. {ومن ذرّيّته داود}، والهاء الّتي في قوله: {ومن ذرّيّته} من ذكر نوحٍ، وذلك أنّ اللّه تعالى ذكر في سياق الآيات الّتي تتلو هذه الآية لوطًا فقال: {وإسماعيل واليسع ويونس ولوطًا وكلًّا فضّلنا على العالمين}، ومعلومٌ أنّ لوطًا لم يكن من ذرّيّة إبراهيم صلّى اللّه عليه وسلّم أجمعين. فإذا كان ذلك كذلك، وكان معطوفًا على أسماء من سمّينا من ذرّيّته، كان لا شكّ أنّه لو أريد بالذّرّيّة ذرّيّة إبراهيم لما دخل يونس ولوطٌ فيهم، ولا شكّ أنّ لوطًا ليس من ذرّيّة إبراهيم، ولكنّه من ذرّيّة نوحٍ، فلذلك وجب أن تكون الهاء في (الذّرّيّة) من ذكر نوحٍ.
فتأويل الكلام: ونوحًا وفّقنا للحقّ والصّواب من قبل إبراهيم وإسحاق ويعقوب، وهدينا أيضًا من ذرّيّة نوحٍ داود وسليمان.
وداود: هو داود بن إيشا. وسليمان هو ابنه، سليمان بن داود. وأيّوب هو أيّوب بن موص بن روح بن عيص بن إسحاق بن إبراهيم. ويوسف: هو يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم. وموسى: هو موسى بن عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب. وهارون: أخو موسى.
{وكذلك نجزي المحسنين} يقول تعالى ذكره: جزينا نوحًا بصبره على ما امتحن به فينا بأن هديناه فوفّقناه لإصابة الحقّ الّذي خذلنا عنه من عصانا فخالف أمرنا ونهينا من قومه، وهدينا من ذرّيّته من بعده من ذكر تعالى ذكره من أنبيائه لمثل الّذي هديناه له. وكما جزينا هؤلاء بحسن طاعتهم إيّانا وصبرهم على المحن فينا، كذلك نجزي بالإحسان كلّ محسنٍ). [جامع البيان: 9/ 381-382]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلًّا هدينا ونوحًا هدينا من قبل ومن ذرّيّته داوود وسليمان وأيّوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين (84)}
قوله: {ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا}
- حدّثنا سهل بن بحرٍ العسكريّ، ثنا عبد الرّحمن بن صالحٍ، ثنا عليّ بن عابسٍ، عن عبد اللّه بن عطاءٍ المكّيّ، عن أبي حرب بن أبي الأسود قال: أرسل الحجّاج إلى يحيى بن يعمر فقال: بلغني أنّك تزعم أنّ الحسن والحسين من ذرّيّة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، تجده في كتاب اللّه، وقد قرأته من أوّله إلى آخره فلم أجده.
قال: أليس تقرأ سورة الأنعام: ومن ذرّيّته داود وسليمان وأيّوب حتّى بلغ: ويحيى وعيسى؟ قال: بلى. قال: أليس من ذرّيّة إبراهيم وليس له أبٌ؟
قال: صدقت). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1335]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن أبي حاتم عن أبي حرب بن أبي الأسود قال: أرسل الحجاج إلى يحيى بن يعمر فقال: بلغني أنك تزعم أن الحسن والحسين من ذرية النّبيّ صلى الله عليه وسلم تجده في كتاب الله وقد قرأته من أوله إلى آخره فلم أجده، قال: ألست تقرأ سورة الأنعام {ومن ذريته داود وسليمان} حتى بلغ {ويحيى وعيسى} قال: أليس عيسى من ذرية إبراهيم وليس له أب قال: صدقت.
- وأخرج أبو الشيخ والحاكم والبيهقي عن عبد الملك بن عمير قال: دخل يحيى بن يعمر على الحجاج فذكر الحسين فقال الحجاج: لم يكن من ذرية النّبيّ صلى الله عليه وسلم: فقال يحيى: كذبت، فقال: لتأتيني على ما قلت ببينة، فتلا: {ومن ذريته داود وسليمان} إلى قوله: {وعيسى وإلياس} فأخبر تعالى أن عيسى من ذرية إبراهيم بأمه، قال: صدقت.
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن محمد بن كعب قال: الخال والد والعم والد نسب الله عيسى إلى أخواله قال: {ومن ذريته} حتى بلغ إلى قوله: {وزكريا ويحيى وعيسى}.
- وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل} ثم قال في إبراهيم {ومن ذريته داود وسليمان} إلى قوله: {وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين} ثم قال في الأنبياء الذين سماهم الله في هذه الآية: {فبهداهم اقتده}). [الدر المنثور: 6/ 121-122]

تفسير قوله تعالى: {وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85)}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وزكريّا ويحيى وعيسى وإلياس كلٌّ من الصّالحين}.
يقول تعالى ذكره: وهدينا أيضًا لمثل الّذي هدينا له نوحًا من الهدى والرّشاد من ذرّيّته زكريّا بن أزن بن بركيا، ويحيى بن زكريّا، وعيسى ابن مريم ابنة عمران بن أشيم بن أمور بن حزقيا، وإلياس. واختلفوا في إلياس، فكان ابن إسحاق يقول: هو إلياس بن يسّي بن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران ابن أخي موسى نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
وكان غيره يقول: هو إدريس، وممّن ذكر ذلك عنه عبد اللّه بن مسعودٍ.
13570- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبيدة بن ربيعة، عن عبد اللّه بن مسعودٍ، قال: إدريس هو إلياس، وإسرائيل هو يعقوب.
وأمّا أهل الأنساب فإنّهم يقولون: إدريس جدّ نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ، وأخنوخ: هو إدريس بن يرد بن مهلائيل، وكذلك روي عن وهب بن منبّهٍ.
والّذي يقول أهل الأنساب أشبه بالصّواب، وذلك أنّ اللّه تعالى نسب إليه في هذه الآية إلى نوحٍ، وجعله من ذرّيّته، ونوحٌ ابن إدريس عند أهل العلم، فمحالٌ أن يكون جدّ أبيه منسوبًا إلى أنّه من ذرّيّته.
وقوله: {كلٌّ من الصّالحين} يقول: من ذكرناه من هؤلاء الّذين سمّينا من الصّالحين، يعني: زكريّا، ويحيى، وعيسى، وإلياس صلّى اللّه عليهم). [جامع البيان: 9/ 382-384]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وزكريّا ويحيى وعيسى وإلياس كلٌّ من الصّالحين (85)}
قوله تعالى: {وزكريّا ويحيى وعيسى وإلياس كلٌّ من الصّالحين}.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو أسامة، عن موسى بن عبيدة قال: سمعت محمّد بن كعبٍ يقول: الخال والدٌ، والعمّ والدٌ، نسب اللّه عيسى إلى أخواله، قال: ومن ذرّيّته، حتّى بلغ إلى قوله: وزكريّا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين.
قوله: {وإلياس}
- حدّثنا أبي، ثنا أبو نعيمٍ، ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبيدة بن ربيعة قال: قال عبد اللّه بن مسعودٍ رضي اللّه عنه: إنّ إلياس هو إدريس).[تفسير القرآن العظيم: 4/ 1336]

تفسير قوله تعالى: {وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86)}

قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) :(باب قوله: {ويونس، ولوطًا وكلًّا فضّلنا على العالمين}
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، حدّثنا ابن مهديٍّ، حدّثنا شعبة، عن قتادة، عن أبي العالية، قال: حدّثني ابن عمّ نبيّكم، يعني ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما ينبغي لعبدٍ أن يقول: أنا خيرٌ من يونس بن متّى»
- حدّثنا آدم بن أبي إياسٍ، حدّثنا شعبة، أخبرنا سعد بن إبراهيم، قال: سمعت حميد بن عبد الرّحمن بن عوفٍ، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: « ما ينبغي لعبدٍ أن يقول: أنا خيرٌ من يونس بن متّى »). [صحيح البخاري: 6/ 57]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله باب قوله: {ويونس ولوطًا} ذكر فيه حديثي بن عبّاسٍ وأبي هريرة ما ينبغي لعبدٍ أن يقول أنا خيرٌ من يونس بن متّى وقد تقدم شرحه في أحاديث الأنبياء).[فتح الباري: 8/ 294]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (4 - (باب قوله: {ويونس ولوطا وكلاًّ فضلنا على العالمين}
أي: هذا باب في قوله تعالى: {ويونس} إلى آخره. قال الله تعالى: {ووهبنا له إسحاق ويعقوب} إلى أن قال: {وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا} الآية. قوله: (ويونس) ، عطف على قوله: وإسماعيل واليسع، وهما معطوفان على ما قبله من قوله: {وزكريا ويحيى} وهذا معطوف على قوله: (ومن ذريّته داود وسليمان) ، والضّمير في: ذريّته، يرجع إلى نوح عليه السّلام، لأنّه أقرب المذكورين وهو اختيار ابن جرير، ولا إشكال عليه في عوده إلى إبراهيم في قوله: {ووهبنا له إسحاق} أي: وهبنا لإبراهيم إسحاق ولدا لصلبه، ويعقوب ولدا لإسحاق. فإن قلت: يشكل على ذلك لوط فإنّه ليس من ذرّيّة إبراهيم بل هو ابن أخيه هاران. قلت: دخل في الذّرّيّة هاران تغليبًا كما في قوله تعالى: {قالوا أنعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم ... الآية}. فإسماعيل عليه السّلام، عم يعقوب عليه السّلام، ودخل في آبائه تغليبًا.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ حدّثنا ابن مهدي حدّثنا شعبة عن قتادة عن أبي العالية قال حدّثني ابن عمّ نبيّكم يعني ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «ما ينبغي لعبدٍ أن يقول أنا خيرٌ من يونس بن متّى» .

مطابقته للتّرجمة ظاهرة، وابن مهدي هو عبد الرّحمن، وأبو العالية ضد السافلة اسمه رفيع، بضم الرّاء وفتح الفاء ابن مهران الرياحي، والحديث قد مضى في كتاب الأنبياء في: باب قوله عز وجل: {وإن يونس لمن المرسلين} [الأنعام: 139] فإنّه أخرجه هناك عن حفص بن عمر عن شعبة عن قتادة عن أبي العالية عن ابن عبّاس، ومضى الكلام فيه هناك.
- حدّثنا آدم بن أبي إياسٍ حدّثنا شعبة أخبرنا سعد بن إبراهيم قال سمعت حميد ابن عبد الرحمان بن عوفٍ عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما ينبغي لعبدٍ أن يقول أنا خيرٌ من يونس بن متّى».
مضى هذا الحديث أيضا في كتاب الأنبياء في الباب المذكور فإنّه أخرجه هناك عن أبي الوليد عن شعبة إلى آخره). [عمدة القاري: 18/ 225-226]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (4 - باب قوله: {ويونس ولوطًا وكلاًّ فضّلنا على العالمين}
(باب قوله) جل وعلا: {ويونس ولوطًا} هو ابن هاران ابن أخي إبراهيم الخليل عليه السلام {وكلاًّ فضلنا على العالمين }أي عالمي زمانهم، وتمسك به من قال: إن الأنبياء أفضل من الملائكة لدخولهم في عموم الجمع المحلى.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، حدّثنا ابن مهديٍّ، حدّثنا شعبة، عن قتادة، عن أبي العالية، قال: حدّثني ابن عمّ نبيّكم يعني ابن عبّاسٍ -رضي الله عنهما- عن النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال: «ما ينبغى لعبدٍ أن يقول: أنا خيرٌ من يونس بن متّى».
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (محمد بن بشار) بندار العبدي قال: (حدّثنا ابن مهدي) عبد الرحمن قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة (عن أبي العالية) رفيع بضم الراء وفتح الفاء وبعد التحتية الساكنة عين مهملة ابن مهران الرياحي أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (ابن عم نبيكم يعني ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم-) أنه (قال): «ما ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى» بفتح الميم والفوقية المشددة وضمير المتكلم يحتمل أن يعود إلى كل قائل، أي: لا يقول بعض الجاهلين من المجتهدين في العبادة أو العلم أو غير ذلك من الفضائل فإنه ولو بلغ لم يبلغ درجة النبوة، ويؤيده ما في بعض الروايات ما ينبغي لعبد أن يقول: وقيل يعود إلى الرسول -صلّى اللّه عليه وسلّم- أي لا ينبغي لأحد أن يفضلني عليه قاله على سبيل التواضع أو قبل أن يعلم أنه سيد ولد آدم وفيه نظر من جهة معرفة المتقدم تاريخيًّا.
- حدّثنا آدم بن أبي إياسٍ، حدّثنا شعبة، أخبرنا سعد بن إبراهيم، قال: سمعت حميد بن عبد الرّحمن بن عوفٍ عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال: «ما ينبغي لعبدٍ أن يقول أنا خيرٌ من يونس بن متّى».
وبه قال: (حدّثنا آدم بن أبي إياس) بكسر الهمزة وتخفيف التحتية قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (أخبرنا سعد بن إبراهيم) بسكون العين قال: سمعت حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- أنه قال: «ما ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى» فيه الكف عن الخوض في التفضيل بين الأنبياء بالرأي فيوقف عند المروي من ذلك والدلائل متظافرة على تفضيل نبينا -صلّى اللّه عليه وسلّم- على جميع الأنبياء، وخص يونس بالذكر خوفًا من توهم حط مرتبته العلية بقصة الحوت.
وهذا الحديث قد سبق مرارًا وقد ثبت باب قوله لأبي ذر عن المستملي وسقط لغيره). [إرشاد الساري: 7/ 119-120]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (
قوله تعالى: {ويونس ولوطًا وكلًّا فضّلنا على العالمين}
- أخبرنا محمود بن غيلان، حدّثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن الأعمش، عن أبي وائلٍ، عن عبد الله عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: « لا ينبغي لأحدٍ أن يقول: أنا خيرٌ من يونس بن متّى »). [السنن الكبرى للنسائي: 10/ 92]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإسماعيل واليسع ويونس ولوطًا وكلًّا فضّلنا على العالمين}.
يقول تعالى ذكره: وهدينا أيضًا من ذرّيّة نوحٍ إسماعيل، وهو إسماعيل بن إبراهيم، واليسع: هو اليسع بن أخطوب بن العجوز.
واختلف القرّاء في قراءة اسمه، فقرأته عامّة قرّاء الحجاز والعراق: {واليسع} بلامٍ واحدةٍ مخفّفةٍ.
وقد زعم قومٌ أنّه (يفعل)، من قول القائل: وسع يسع، ولا تكاد العرب تدخل الألف واللاّم على اسمٍ يكون على هذه الصّورة، أعني: على (يفعل)، لا يقولون: رأيت اليزيد، ولا أتاني التّجيب، ولا مررت باليشكر، إلاّ في ضرورة شعرٍ، وذلك أيضًا إذا تحرّي به المدح، كما قال بعضهم:
وجدنا الوليد بن اليزيد مباركًا = شديدًا بأعباء الخلافة كاهله
فأدخل في (اليزيد) الألف واللاّم، وذلك لإدخاله إيّاهما في الوليد، فأتبعه اليزيد بمثل لفظه.
وقرأ ذلك جماعةٌ من قرّاء الكوفيّين: (واللّيسع) بلامين وبالتّشديد، وقالوا: إذا قرئ كذلك كان أشبه بأسماء العجم. وأنكروا التّخفيف وقالوا: لا نعرف في كلام العرب اسمًا على (يفعل) فيه ألفٌ ولامٌ.
والصّواب من القراءة في ذلك عندي قراءة من قرأه بلامٍ واحدةٍ مخفّفةٍ، لإجماع أهل الأخبار على أنّ ذلك هو المعروف من اسمه دون التّشديد، مع أنّه اسمٌ أعجميّ، فينطق به على ما هو به. وإنّما لا يستقيم دخول الألف واللاّم فيما جاء من أسماء العرب على (يفعل)، وأمّا الاسم الّذي يكون أعجميًّا فإنّما ينطق به على ما سمّوا به، فإن غيّر منه شيءٌ إذا تكلّمت العرب، فإنّما يغيّر بتقويم حرفٍ منه من غير حذفٍ ولا زيادةٍ فيه ولا نقصانٍ، واليسع إذا شدّد لحقته زيادةٌ لم تكن فيه قبل التّشديد. وأخرى أنّه لم يحفظ عن أحدٍ من أهل العلم علمنا أنّه قال: اسمه (ليسع)، فيكون مشدّدًا عند دخول الألف واللاّم اللّتين تدخلان للتّعريف.
{ويونس} هو يونس بن متّى، {ولوطًا وكلًّا فضّلنا} من ذرّيّة نوحٍ ونوحًا، لهم بيّنّا الحقّ ووفّقناهم له. وفضّلنا جميعهم {على العالمين} يعني: على عالم أزمانهم). [جامع البيان: 9/ 384-385]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وإسماعيل واليسع ويونس ولوطًا وكلًّا فضّلنا على العالمين (86)}
قوله: {وإسماعيل واليسع ويونس}
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحًا هدينا من قبل ثمّ قال في إبراهيم: ومن ذرّيّته داود وسليمان إلى قوله: وإسماعيل واليسع ويونس ولوطًا وكلًّا فضلنا على العالمين، ثمّ قال في الأنبياء الّذين سمّاهم اللّه في هذه الآية: فبهداهم اقتده صلّى اللّه عليهم).[تفسير القرآن العظيم: 4/ 1336]

تفسير قوله تعالى: {وَمِنْ آَبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (87)}

قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (بركة الذّرّيّة
- أخبرنا محمّد بن سلمة، أخبرنا ابن القاسم، عن مالكٍ، قال: حدّثني عبد الله بن أبي بكر بن محمّد بن عمرو بن حزمٍ، عن أبيه، عن عمرو بن سليمٍ الزّرقيّ، قال: أخبرني أبو حميدٍ السّاعديّ أنّهم قالوا: يا رسول الله، كيف نصلّي عليك؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: « قولوا: اللهمّ صلّ على محمّدٍ وأزواجه وذرّيّته، كما صلّيت على آل إبراهيم، وبارك على محمّدٍ وأزواجه وذرّيّته، كما باركت على آل إبراهيم إنّك حميدٌ مجيدٌ »). [السنن الكبرى للنسائي: 10/ 93]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ومن آبائهم وذرّيّاتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراطٍ مستقيمٍ}.
يقول تعالى ذكره: وهدينا أيضًا من آباء هؤلاء الّذين سمّاهم تعالى ذكره ومن ذرّيّاتهم وإخوانهم آخرين سواهم لم يسمّهم للحقّ والدّين الخالص الّذي لا شرك فيه، فوفّقناهم له. {واجتبيناهم} يقول: واخترناهم لديننا وبلاغ رسالتنا إلى من أرسلناهم إليه، كالّذي اخترنا ممّن سمّينا، يقال منه: اجتبى فلانٌ لنفسه كذا: إذا اختاره واصطفاه، يجتبيه اجتباءً.
وكان مجاهدٌ يقول في ذلك ما:
- حدّثني به محمّد بن عمرٍو قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه تعالى ذكره: {واجتبيناهم} قال: أخلصناهم.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
{وهديناهم إلى صراطٍ مستقيمٍ} يقول: وسدّدناهم فأرشدناهم إلى طريقٍ غير معوجٍّ، وذلك دين اللّه الّذي لا عوج فيه، وهو الإسلام الّذي ارتضاه اللّه ربّنا لأنبيائه، وأمر به عباده). [جامع البيان: 9/ 385-386]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({ومن آبائهم وذرّيّاتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراطٍ مستقيمٍ (87)}
قوله تعالى: {ومن آبائهم وذرّيّاتهم وإخوانهم واجتبيناهم}
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: قوله: {اجتبيناهم}، قال: أخلصناهم.
قوله: {وهديناهم إلى صراطٍ مستقيمٍ}.
الوجه الأول:
- حدّثنا الحسن بن عرفة، حدّثني يحيى بن اليمان، عن حمزة الزّيّات، عن سعدٍ الطّائيّ، عن ابن أخي الحارث الأعور، عن الحارث قال: دخلت على عليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنه فقال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «الصّراط المستقيم كتاب اللّه عزّ وجلّ».
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني معاوية بن صالحٍ أنّ عبد الرّحمن بن جبيرٍ حدّثه، عن أبيه، عن النّوّاس بن سمعان الأنصاريّ، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: «ضرب اللّه مثلا صراطًا مستقيمًا، فالصّراط المستقيم الإسلام».
الوجه الثّالث:
- حدّثنا سعدان بن نصرٍ، ثنا أبو النّضر هاشم بن القاسم، ثنا حمزة بن المغيرة، عن عاصمٍ الأحول، عن أبي العالية: الصّراط المستقيم، قال: هو النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وصاحباه من بعده. قال عاصمٌ: فذكرنا ذلك للحسن، فقال: صدق أبو العالية ونصح.
الوجه الرّابع:
- حدّثنا يحيى بن عبدك، ثنا خالد بن عبد الرّحمن المخزوميّ، ثنا عمر بن ذرٍّ، عن مجاهدٍ في قوله: الصّراط المستقيم، قال: الحقّ). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1336-1337]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ):
(ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد واجتبيناهم يعني أخلصناهم). [تفسير مجاهد: 219]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {واجتبيناهم} قال: أخلصناهم). [الدر المنثور: 6/ 122-123]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (88)}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ذلك هدى اللّه يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {ذلك هدى اللّه}: هذا الهدى الّذي هديت به من سمّيت من الأنبياء والرّسل فوفّقتهم به لإصابة الدّين الحقّ، الّذي نالوا بإصابتهم إيّاه رضا ربّهم وشرف الدّنيا وكرامة الآخرة، هو هدى اللّه، يقول: هو توفيق اللّه ولطفه، الّذي يوفّق به من يشاء ويلطّف به لمن أحبّ من خلقه، حتّى ينيب إلى طاعة اللّه وإخلاص العمل له وإقراره بالتّوحيد ورفض الأوثان والأصنام. {ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون} يقول: ولو أشرك هؤلاء الأنبياء الّذين سمّيناهم بربّهم تعالى ذكره، فعبدوا معه غيره، {لحبط عنهم} يقول: لبطل فذهب عنهم أجر أعمالهم الّتي كانوا يعملون، لأنّ اللّه لا يقبل مع الشّرك به عملاً). [جامع البيان: 9/ 386]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({ذلك هدى اللّه يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون (88)}
قوله: {ذلك هدى اللّه يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا}
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم يقول في قوله: أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده وقرأ: ذلك هدى اللّه يهدي به من يشاء من عباده، ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون يريد هؤلاء الّذين قال هديناهم وفضّلناهم).[تفسير القرآن العظيم: 4/ 1337]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله: {ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون} قال: يريد هؤلاء الذين قال: هديناهم وفضلناهم).[الدر المنثور: 6/ 123]

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89) }

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن قتادة، في قوله تعالى:{ فإن يكفر بها هؤلاء} يعني قوم محمد ثم قال فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين يعني النبيين الذين قص الله عليهم ثم قال أولئك الذين هدى الله فبهدهم اقتد). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 213]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أولئك الّذين آتيناهم الكتاب والحكم والنّبوّة}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {أولئك}: هؤلاء الّذين سمّيناهم من أنبيائه ورسله نوحًا وذرّيّته الّذين هداهم لدين الإسلام واختارهم لرسالته إلى خلقه، هم {الّذين آتيناهم الكتاب}، يعني بذلك: صحف إبراهيم وموسى، وزبور داود، وإنجيل عيسى صلوات اللّه عليهم أجمعين. {والحكم} يعني: الفهم بالكتاب ومعرفة ما فيه من الأحكام.
وروي عن مجاهدٍ في ذلك ما:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا مسلم بن إبراهيم، قال: حدّثنا أبان، قال: حدّثنا مالك بن شدّادٍ، عن مجاهدٍ: {والحكم والنّبوّة} قال: الحكم: هو اللّبّ.
وعنى بذلك مجاهدٌ إن شاء اللّه ما قلت، لأنّ اللّبّ هو العقل، فكأنّه أراد: أنّ اللّه آتاهم العقل بالكتاب، وهو بمعنى ما قلنا أنّه الفهم به.
وقد بيّنّا معنى النّبوّة والحكم فيما مضى بشواهدهما، فأغنى ذلك عن إعادته). [جامع البيان: 9/ 387]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكّلنا بها قومًا ليسوا بها بكافرين}.
يقول تعالى ذكره: فإن يكفر يا محمّد بآيات كتابي الّذي أنزلته إليك، فيجحد هؤلاء المشركون العادلون بربّهم.
- كالّذي حدّثني عليّ بن داود، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {فإن يكفر بها هؤلاء} يقول: إن يكفروا بالقرآن.
ثمّ اختلف أهل التّأويل في المعنيّ بهؤلاء، فقال بعضهم: عني بهم كفّار قريشٍ، وعني بقوله: {فقد وكّلنا بها قومًا ليسوا بها بكافرين}: الأنصار.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا سليمان، قال: حدّثنا أبو هلالٍ، عن قتادة، في قول اللّه تعالى: {فإن يكفر بها هؤلاء}، قال: أهل مكّة، فقد وكّلنا بها أهل المدينة.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عبدة بن سليمان، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك: {فقد وكّلنا بها قومًا ليسوا بها بكافرين} قال: الأنصار.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا إسحاق قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن مغراء، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك: {فإن يكفر بها هؤلاء} قال: إن يكفر بها أهل مكّة، فقد وكّلنا بها أهل المدينة الأنصار، {ليسوا بها بكافرين}.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {فإن يكفر بها هؤلاء} يقول: إن يكفر بها قريشٌ فقد وكّلنا بها الأنصار.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: {فإن يكفر بها هؤلاء}: أهل مكّة، {فقد وكّلنا بها قومًا ليسوا بها بكافرين}: أهل المدينة.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكّلنا بها قومًا ليسوا بها بكافرين}، قال: كان أهل المدينة قد تبوّءوا الدّار والإيمان قبل أن يقدم عليهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فلمّا أنزل اللّه عليهم الآيات جحد بها أهل مكّة، فقال اللّه تعالى: {فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكّلنا بها قومًا ليسوا بها بكافرين} قال عطيّة: ولم أسمع هذا من ابن عبّاسٍ، ولكن سمعته من غيره.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {فإن يكفر بها هؤلاء} يعني أهل مكّة. يقول: إن يكفروا بالقرآن {فقد وكّلنا بها قومًا ليسوا بها بكافرين}، يعني أهل المدينة والأنصار.
وقال آخرون: معنى ذلك: فإن يكفر بها أهل مكّة، فقد وكّلنا بها الملائكة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبو أسامة، عن عوفٍ، عن أبي رجاءٍ: {فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكّلنا بها قومًا ليسوا بها بكافرين} قال: هم الملائكة.
- حدّثنا ابن بشّارٍ قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، وابن أبي عديٍّ، وعبد الوهّاب، عن عوفٍ، عن أبي رجاءٍ، مثله.
وقال آخرون: عني بقوله: {فإن يكفر بها هؤلاء} يعني قريشًا، وبقوله: {فقد وكّلنا بها قومًا} الأنبياء الّذين سمّاهم في الآيات الّتي مضت قبل هذه الآية.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {فإن يكفر بها هؤلاء} يعني أهل مكّة {فقد وكّلنا بها قومًا ليسوا بها بكافرين}: وهم الأنبياء الثّمانية عشر الّذين قال اللّه: {أولئك الّذين هدى اللّه فبهداهم اقتده}.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {فإن يكفر بها هؤلاء} قال: يعني قوم محمّدٍ، ثمّ قال: {فقد وكّلنا بها قومًا ليسوا بها بكافرين} يعني: النّبيّين الّذين قصّ قبل هذه الآية قصصهم، ثمّ قال: {أولئك الّذين هدى اللّه فبهداهم اقتده}.
وأولى هذه الأقوال في تأويل ذلك بالصّواب، قول من قال: عنى بقوله: {فإن يكفر بها هؤلاء} كفّار قريشٍ، {فقد وكّلنا بها قومًا ليسوا بها بكافرين} يعني به: الأنبياء الثّمانية عشر الّذين سمّاهم اللّه تعالى ذكره في الآيات قبل هذه الآية، وذلك أنّ الخبر في الآيات قبلها عنهم مضى، وفي الّتي بعدها عنهم ذكرٌ، فما بينها بأن يكون خبرًا عنهم أولى وأحقّ من أن يكون خبرًا عن غيرهم.
فتأويل الكلام إذا كان ذلك كذلك: فإن يكفر قومك من قريشٍ يا محمّد بآياتنا، وكذّبوا وجحدوا حقيقتها، فقد استحفظناها واسترعينا القيام بها رسلنا وأنبياءنا من قبلك الّذين لا يجحدون حقيقتها ولا يكذّبون بها، ولكنّهم يصدّقون بها ويؤمنون بصحّتها.
وقد قال بعضهم: معنى قوله: {فقد وكّلنا بها قومًا}: رزقناها قومًا). [جامع البيان: 9/ 388-391]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({أولئك الّذين آتيناهم الكتاب والحكم والنّبوّة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكّلنا بها قومًا ليسوا بها بكافرين (89)}
قوله: {أولئك الذين آتيناهم الكتاب}
الوجه الأول:
- ذكر، عن مسلم بن إبراهيم، ثنا جويرية بن بشيرٍ قال: سمعت رجلا سأل الحسن، عن قوله: الّذين آتيناهم الكتاب والحكم والنّبوّة، من هم يا أبا سعيدٍ؟ قال: هم الّذين في صدر هذه الآية.
- حدّثنا عليّ بن الحسين قال: قال أبو كريبٍ محمّد بن العلاء، ثنا:
يونس بن بكيرٍ، عن مطر بن ميمونٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: الكتاب: الخطّ بالقلم.
وروي، عن مقاتل بن حيّان ويحيى بن أبي كثيرٍ وعثمان بن عطاءٍ مثل ذلك.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا أسباط بن محمّدٍ، عن أبي بكرٍ الهذليّ، عن الحسن في قول اللّه: {الكتاب}، قال: الكتاب القرآن.
قوله: {والحكم والنّبوّة}.
الوجه الأول:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا وكيعٌ، عن إسماعيل بن مسلمٍ، عن عكرمة قال: الحكم اللّبّ.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا عليّ بن الحسين قال: قال محمّد بن العلاء ثنا يونس بن بكيرٍ، عن مطر بن ميمونٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: الحكم العلم.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا الأشجّ، ثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن رجلٍ، عن مجاهدٍ:
الحكم قال هو القرآن.
قوله: {فإن يكفر بها}
الوجه الأول:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: فإن يكفر بها هؤلاء يقول: إن يكفروا بالقرآن.
- وبه، عن ابن عبّاسٍ قوله: فإن يكفر بها هؤلاء يعني أهل مكّة.
وروي، عن سعيد بن المسيّب وقتادة والضّحّاك نحو ذلك.
وروي، عن السّدّيّ قال قريشٌ.
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع ثنا عبد الرّزّاق ثنا معمرٌ، عن قتادة قوله فإن يكفر بها هؤلاء يعني محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا يحيى بن عبدك ثنا حسّان بن حسّان ثنا أبو هلالٍ، عن الحسن في قوله: فإن يكفر بها هؤلاء إن يكفر بها أمتك.
قوله: {فقد وكلنا بها قوما}
الوجه الأول:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: قوله: فقد وكّلنا بها قومًا ليسوا بها بكافرين يعني أهل المدينة ولأنصار.
وروي عن سعيد بن المسيّب والضّحّاك والسّدّيّ أنّهم قالوا: الأنصار.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا يحيى بن عبدك، ثنا حسّان بن حسّان ثنا أبو هلالٍ، عن الحسن في قوله: {فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين} قال: إن يكفر بها أمّتك فقد وكّلنا بها النّبيّين والصّالحين.
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، ثنا عبد الرّزّاق ، ثنا معمرٌ، عن قتادة في قوله: {فقد وكّلنا بها قومًا ليسوا بها بكافرين} يعني النّبيّين الّذين قصّ اللّه تعالى. ثمّ قال: أولئك الّذين هدى اللّه فبهداهم اقتده.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا أحمد بن منصورٍ المروزيّ، ثنا النّضر بن شميلٍ، ثنا عوفٌ، عن أبي رجاءٍ العطارديّ في قوله: فقد وكّلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين قال: هم الملائكة.
الوجه الرّابع:
- ذكر عن يحيى بن يمانٍ، عن قيسٍ، عن سماكٍ، عن عكرمة- يعني قوله: فقد وكّلنا بها قومًا ليسوا بها بكافرين: قال: هي لمن هاجر من مكّة إلى المدينة). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1337-1339]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ):
(نا إبراهيم قال نا آدم قال نا أبو هلال الراسبي عن الحسن قال فإن يكفر بها هؤلاء يعني إن تكفر بها أمتك فقد وكلنا بها النبيين والصالحين). [تفسير مجاهد: 219]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن أبي حاتم عن حوثرة بن بشير، سمعت رجلا سأل الحسن عن قوله: {الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة} من هم يا أبا سعيد قال: هم الذين في صدر هذه الآية.
- وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم} قال: الحكم اللب.
- وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {فإن يكفر بها هؤلاء} يعني أهل مكة يقول: إن يكفروا بالقرآن {فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين} يعني أهل المدينة والأنصار.
- وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {فإن يكفر بها هؤلاء} قال: أهل مكة كفار قريش {فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين} وهم الأنبياء الذين قص الله على نبيه الثمانية عشر الذين قال الله: {فبهداهم اقتده}.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي رجاء العطاردي في قوله: {فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين} قال: هم الملائكة.
- وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: كان أهل الإيمان قد تبوأوا الدار والإيمان قبل أن يقدم عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أنزل الله الآيات جحد بها أهل مكة فقال الله: {فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين}.
- وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن المسيب في الآية قال: إن يكفر بها أهل مكة فقد وكلنا بها أهل المدينة من الأنصار). [الدر المنثور: 6/ 123-124]

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90)}

قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( قوله تعالى: {أولئك الّذين هدى الله فبهداهم اقتده}
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا شهاب بن خراشٍ، قال: حدّثني العوّام، قال: قال لي مجاهدٌ: فيم السّجدة الّتي في (ص) ؟ قال: إنّ اللّه ذكر الأنبياء، ثمّ قال: {أولئك الّذين هدى الله فبهداهم اقتده}، فاقتدى رسول اللّه - صلّى الله عليه وسلّم -، واقتدينا نحن برسول اللّه - صلّى الله عليه وسلّم -.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا يزيد بن هارون، عن العوّام بن حوشب، عن مجاهدٍ، قال: قلت لابن عبّاس: إنّا نسجد في (ص) ؟ فقرأ: {أولئك الّذين هدى الله فبهداهم اقتده}، فكان داود فيمن أمر نبيّكم أن يقتدي به). [سنن سعيد بن منصور: 5/ 38-39]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) :(باب قوله: {أولئك الّذين هدى اللّه فبهداهم اقتده}
- حدّثني إبراهيم بن موسى، أخبرنا هشامٌ، أنّ ابن جريجٍ أخبرهم، قال: أخبرني سليمان الأحول، أنّ مجاهدًا أخبره، أنّه سأل ابن عبّاسٍ: أفي ص سجدةٌ؟ فقال: «نعم» ، ثمّ تلا: {ووهبنا له إسحاق ويعقوب} إلى قوله: {فبهداهم اقتده} ، ثمّ قال: «هو منهم» ، زاد يزيد بن هارون، ومحمّد بن عبيدٍ، وسهل بن يوسف، عن العوّام، عن مجاهدٍ، قلت لابن عبّاسٍ، فقال: «نبيّكم صلّى الله عليه وسلّم ممّن أمر أن يقتدي بهم»). [صحيح البخاري: 6/ 57]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب قوله:{ أولئك الّذين هدى اللّه فبهداهم اقتده})
ذكر فيه حديث بن عبّاسٍ في السّجود في ص وسيأتي شرحه في تفسير ص
[4632] قوله زاد يزيد بن هارون ومحمّد بن عبيدٍ وسهل بن يوسف عن العوام هو بن حوشبٍ عن مجاهدٍ قلت لابن عبّاسٍ فقال نبيّكم صلّى اللّه عليه وسلّم ممّن أمر أن يقتدي بهم حاصله أنّ الزّيادة لفظيّةً وإلّا فالكلام المذكور داخلٌ في قوله في الرّواية الأولى هو منهم أي داود ممّن أمر نبيّكم أن يقتدي به في قوله تعالى:{ فبهداهم اقتده} وطريق يزيد بن هارون المذكورة وصلها الإسماعيليّ وطريق محمّد بن عبيدٍ وصلها المصنّف في تفسير ص وطريق سهل بن يوسف وصلها المصنّف في أحاديث الأنبياء وقد اختلف هل كان عليه الصّلاة والسّلام متعبّدًا بشرع من قبله حتّى نزل عليه ناسخه فقيل نعم وحجّتهم هذه الآية ونحوها وقيل لا وأجابوا عن الآية بأنّ المراد اتّباعهم فيما أنزل عليه وفاقه ولو على طريق الإجمال فيتبعهم في التّفصيل وهذا هو الأصحّ عند كثيرٍ من الشّافعيّة واختاره إمام الحرمين ومن تبعه واختار الأول بن الحاجب والله أعلم).[فتح الباري: 8/ 294-295]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله فيه
عقب حديث 4612 سليمان الأحول عن مجاهد أنه سأل ابن عبّاس أفي ص سجدة فقال نعم ثمّ تلا عليه: {ووهبنا له} إلى قوله: {فبهداهم اقتده}
ثمّ قال هو منهم زاد يزيد بن هارون ومحمّد بن عبيد وسهل بن يوسف عن العوام عن مجاهد قلت لابن عبّاس فقال: نبيكم -صلّى اللّه عليه وسلّم- ممّن أمر أن يقتدي بهم
أما يزيد بن هارون فأخبرناه عبد الله بن عمر عن زينب بنت الكمال عن عجيبة بنت أبي بكر أن مسعود بن الحسن أخبرهم في كتابه أنا أبو القاسم الصيدلاني أنا أبو عمر بن عبد الوهّاب أنا عبد الله بن عبد الله بن عمر رسته أنا عمي عبد الرّحمن ثنا يزيد بن هارون ثنا العوام بن حوشب عن مجاهد قال قلت لابن عبّاس أنسجد في ص فتلا هذه الآية: {ومن ذريّته داود وسليمان} إلى قوله: {أولئك الّذين هدى الله فبهداهم اقتده} قال كان داود ممّن أمر نبيكم أن يقتدي به
رواه أحمد بن منيع في مسنده عن يزيد
ورواه الإسماعيليّ في مستخرجه من حديث يزيد فوقع لنا عاليا على طريقه
وأما حديث محمّد بن عبيد فأسنده المؤلف في التّفسير أيضا
وأما حديث سهل بن يوسف فأسنده المؤلف في أحاديث الأنبياء). [تغليق التعليق: 4/ 211-212]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (5 - (باب قوله: {أولئك الّذين هدى الله فبهداهم اقتده}

أي: هذا باب في قوله تعالى: {أولئك الّذين هدى الله} الآية. قوله: (أولئك) ، أي: الأنبياء المذكورون. قيل هذه الآية هم أهل الهداية لا غيرهم. قوله: (اقتده) ، أي: اقتد يا محمّد بهدي هؤلاء واتبع، والهدي هنا السّنة وقال الزّمخشريّ: اقتد بطريقتهم في التّوحيد والأصول دون الفروع، وفيه دلالة على أن شريعة من قبلنا شرع لنا ما لم ينسخ، أجمع القرّاء على إثبات الهاء في الوقف، وأما في الوصل فقرأ حمزة والكسائيّ اقتد، بحذف الهاء والباقون بإثباتها ساكنة وابن عامر من بينهم كسرها. وروى هشام عنه مدها وقصرها.

- حدّثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا هشامٌ أنّ ابن جريجٍ أخبرهم قال أخبرني سليمان الأحول أنّ مجاهدا أخبره أنّه سأل ابن عبّاسٍ أفي ص سجدةٌ فقال: نعم ثمّ تلا: {ووهبنا له إسحاق ويعقوب} إلى قوله: {فبهداهم اقتده} ثمّ قال هو منهم.

مطابقته للتّرجمة في آخر الحديث وإبراهيم بن موسى بن يزيد الفراء أبو إسحاق الرّازيّ يعرف بالصغير، وهشام هو ابن يوسف الصّنعانيّ اليمانيّ، وابن جريج عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج والحديث من أفراده.
قوله: (أفي ص) ؟ أي: في سورة (ص سجدة) ؟ والهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستخبار. قوله: (هو منهم) ، أي: داود عليه السّلام من الأنبياء المذكورين. في قوله: {ووهبنا له إسحاق} والنّبيّ صلى الله عليه وسلم، أمر أن يقتدى بداود في سجدة. (ص) لأنّه سجدها وسجدها النّبي صلى الله عليه وسلم، أيضا. وقال ابن عبّاس: وكان داود ممّن أمر نبيكم عليه الصّلاة والسّلام أن يقتدى به فسجدها. فسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
زاد يزيد بن هارون ومحمّد بن عبيدٍ وسهل بن يوسف عن العوّام عن مجاهدٍ قلت لابن عبّاسٍ فقال:« نبيّكم صلى الله عليه وسلم ممّن أمر أن يقتدي بهم».
أي: زاد على الرّواية الماضية يزيد بن هارون الواسطيّ، ومحمّد بن عبيد الطنافسي الكوفي، وسهل بن يوسف الأنماطي ثلاثتهم عن العوام، بتشديد الواو، ابن حوشب، بفتح الحاء المهملة وسكون الواو وفتح الشين المعجمة وبالياء الموحدة أما طريق يزيد فوصله الإسماعيليّ، وأما طريق محمّد بن عبيد فوصله البخاريّ في تفسير (ص) قال: حدثني محمّد بن عبد الله الطنافسي عن العوام. قال: سألت مجاهدًا الحديث وأما طريق سهل بن يوسف فوصله البخاريّ أيضا في أحاديث الأنبياء في: باب (واذكر عبدنا داود الأيدي) فإنّه أخرجه هناك عن سهل بن يوسف عن العوام إلى آخره، ومضى الكلام فيه هناك مستوفى). [عمدة القاري: 18/ 226]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (5 - باب قوله: {أولئك الّذين هدى اللّه فبهداهم اقتده}
(باب قوله) سبحانه وتعالى: ({أولئك الذين هدى الله}) قال الزجاج الأنبياء الذين ذكرهم ({فبهداهم اقتده})الهاء من اقتده للوقف ومن أثبتها في الوصل ساكنة. كالحرمين، والبصري وعاصم أجرى الوصل مجرى الوقف وأشبعها ابن عامر على أنها كناية المصدر أي اقتد اقتداء وحذفها الأخوان على أنها هاء السكت وقياسها في الوصل الحذف.
وفي هذه الآية دلالة على فضل نبينا -صلّى اللّه عليه وسلّم- على سائر الأنبياء لأنه سبحانه أمره بالاقتداء بهداهم، ولا بد من امتثاله لذلك الأمر فوجب أن يجتمع فيه جميع فضائلهم وأخلاقهم المتفرقة، فثبت بهذا أنه -صلّى اللّه عليه وسلّم- أفضل الأنبياء وتقديم قوله: {فبهداهم اقتده} يفيد حصر الأمر في هذا الاقتداء وأنه لا هدى غيره، والمراد أصول الدين وهو الذي يستحق أن يسمى الهدى المطلق فإنه لا يقبل النسخ، وكذا في مكارم الأخلاق والصفات الحميدة المشهورة عن كل واحد من هؤلاء الأنبياء ولو أمر بالاقتداء في مشروع تلك الأديان لم يكن دينًا ناسخًا وكان يجب محافظة كتبهم ومراجعتها عند الحاجة وبطلان اللازم بالاتفاق يدل على بطلان الملزوم، وسقط لغير أبي ذر قوله: باب قوله.
- حدّثني إبراهيم بن موسى، أخبرنا هشامٌ أنّ ابن جريجٍ أخبرهم، قال: أخبرني سليمان الأحول أنّ مجاهدًا أخبره أنّه سأل ابن عبّاسٍ أفي (ص) سجدةٌ فقال: نعم، ثمّ تلا: {ووهبنا} إلى قوله: {فبهداهم اقتده} ثمّ قال: هو منهم. زاد يزيد بن هارون، ومحمّد بن عبيدٍ، وسهل بن يوسف، عن العوّام عن مجاهدٍ، قلت لابن عبّاسٍ: فقال نبيّكم -صلّى اللّه عليه وسلّم- ممّن أمر أن يقتدى بهم.
وبه قال: (حدّثني) بالتوحيد (إبراهيم بن موسى) الفراء الرازي الصغير قال: (أخبرنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني (أن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (أخبرهم قال: أخبرني) بالإفراد (سليمان) بن أبي مسلم (الأحول) المكي قيل اسم أبيه عبد الله (أن مجاهدًا) هو ابن جبر بفتح الجيم وسكون الموحدة المخزومي مولاهم المكي الإمام في التفسير (أخبره أنه سأل ابن عباس) -رضي الله عنهما- (أفي) سورة (ص سجدة؟ فقال: نعم، ثم تلا {ووهبنا} زاد أبو ذر: {له إسحاق ويعقوب} إلى قوله: {فبهداهم اقتده} ثم قال: هو منهم). أبي داود من الأنبياء المذكورين في هذه الآية.
(زاد) على الرواية الماضية (يزيد بن هارون) الواسطي فيما وصله الإسماعيلي (ومحمد بن عبيد) مصغرًا من غير إضافة الطيالسي الكوفي فيما وصله البخاري في سورة ص (وسهل بن يوسف) بسكون الهاء الأنماطي فيما وصله المؤلّف في أحاديث الأنبياء ثلاثتهم (عن العوام) بتشديد الواو ابن حوشب بفتح الحاء المهملة وسكون الواو وفتح المعجمة آخره موحدة (عن مجاهد) المذكور آنفًا أنه قال: (قلت لابن عباس: فقال: نبيكم -صلّى اللّه عليه وسلّم- ممن أمر أن يقتدي بهم) أي وقد سجدها داود فسجدها رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- اقتداء به، واستدلّ بهذا على أن شرع من قبلنا شرع لنا وهي مسألة مشهورة في الأصول.
ويأتي هذا الحديث إن شاء الله تعالى في سورة ص بعون الله تعالى وقوته). [إرشاد الساري: 7/ 120]
- قال محمدُ بنُ عبدِ الهادي السِّنْديُّ (ت: 1136هـ) : (5 ـ باب {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده}
قوله: (إلى قوله: فبهداهم اقتده ثم قال: هو) أي: داود منهم، أي: فلا بدّ لنا أن نسجد في ص اقتداء بداود عليه السلام فضرورة أنا نقتدي بمن أمر نبينا عليه الصلاة والسلام بالاقتداء به، وكذا لا بد أن نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم يسجد في ص للأمر بالاقتداء بداود عليه الصلاة والسلام لكن قد يقال: الاقتداء بداود عليه السلام يقتضي أن نسجد عند التوبة كما هو سجد عند التوبة، وأما عند قراءة سورة ص، فلا إذ داود ما قرأ سورة ص، ولا سجد عند ذلك قط إلا أن يقال: ينبغي السجود عند تذكر توبته عليه السلام، والله تعالى أعلم اهـ سندي). [حاشية السندي على البخاري: 3/ 50]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (
قوله تعالى: {أولئك الّذين هدى الله فبهداهم اقتده}
- أخبرنا عبيد الله بن سعدٍ، حدّثنا عمّي، عن شريكٍ، عن حصين بن عبد الرّحمن، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ: " أنّه سجد في ص ثمّ قال: أمر نبيّ الله -صلّى الله عليه وسلّم- أن يقتدي بالأنبياء، ثمّ قرأ {أولئك الّذين هدى الله فبهداهم اقتده}
- أخبرنا عتبة بن عبد الله، أخبرنا سفيان، عن أيّوب، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: رأيت النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- يسجد في ص {أولئك الّذين هدى الله فبهداهم اقتده} ). [السنن الكبرى للنسائي: 10/ 93]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أولئك الّذين هدى اللّه فبهداهم اقتده}.
يقول تعالى ذكره: {أولئك} هؤلاء القوم الّذين وكّلنا بآياتنا وليسوا بها بكافرين، هم الّذين هداهم اللّه لدينه الحقّ، وحفظ ما وكّلوا بحفظه من آيات كتابه، والقيام بحدوده، واتّباع حلاله وحرامه، والعمل بما فيه من أمر اللّه، والانتهاء عمّا فيه من نهيه، فوفّقهم جلّ ثناؤه لذلك. {فبهداهم اقتده} يقول تعالى ذكره: فبالعمل الّذي عملوا، والمنهاج الّذي سلكوا، وبالهدى الّذي هديناهم، والتّوفيق الّذي وفّقناهم، اقتده يا محمّد: أي فاعمل وخذ به واسلكه، فإنّه عملٌ للّه فيه رضًا، ومنهاجٌ من سلكه اهتدى.
وهذا التّأويل على مذهب من تأوّل قوله: {فقد وكّلنا بها قومًا ليسوا بها بكافرين} أنّهم الأنبياء المسمّون في الآيات المتقدّمة، وهو القول الّذي اخترناه في تأويل ذلك.
وأمّا على تأويل من تأوّل ذلك أنّ القوم الّذين وكّلوا بها هم أهل المدينة، أو أنّهم هم الملائكة، فإنّهم جعلوا قوله: {فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكّلنا بها قومًا ليسوا بها بكافرين} اعتراضًا بين الكلامين، ثمّ ردّوا قوله: {أولئك الّذين هدى اللّه فبهداهم اقتده} على قوله: {أولئك الّذين آتيناهم الكتاب والحكم والنّبوّة}.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قوله: {ووهبنا له إسحاق ويعقوب} إلى قوله: {أولئك الّذين هدى اللّه فبهداهم اقتده} يا محمّد.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {أولئك الّذين هدى اللّه} يا محمّد، {فبهداهم اقتده}، ولا تقتد بهؤلاء.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثني أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: ثمّ رجع إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: {أولئك الّذين هدى اللّه فبهداهم اقتده}.
- حدّثنا عليّ بن داود، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قال: ثمّ قال في الأنبياء الّذين سمّاهم في هذه الآية: {فبهداهم اقتده}.
ومعنى الاقتداء في كلام العرب بالرّجل: اتّباع أثره والأخذ بهديه، يقال: فلانٌ يقدو فلانًا، إذا نحا نحوه واتّبع أثره، قدةً وقدوةً وقدوةً وقديةً). [جامع البيان: 9/ 391-392]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل لا أسألكم عليه أجرًا إن هو إلاّ ذكرى للعالمين}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل لهؤلاء الّذين أمرتك أن تذكّرهم بآياتي أن تبسل نفسٌ بما كسبت من مشركي قومك يا محمّد: لا أسألكم على تذكيري إيّاكم، والهدى الّذي أدعوكم إليه، والقرآن الّذي جئتكم به، عوضًا أعتاضه منكم عليه، وأجرًا آخذه منكم، وما ذلك منّي إلاّ تذكيرٌ لكم ولكلّ من كان مثلكم ممّن هو مقيمٌ على باطلٍ، بأس اللّه أن يحلّ بكم، وسخطه أن ينزل بكم على شرككم به وكفركم، وإنذارٌ لجميعكم بين يدي عذابٍ شديدٍ، لتذّكّروا وتنزجروا). [جامع البيان: 9/ 393]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({أولئك الّذين هدى اللّه فبهداهم اقتده قل لا أسألكم عليه أجرًا إن هو إلّا ذكرى للعالمين (90)}
قوله: {أولئك الّذين هدى اللّه فبهداهم اقتده}
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا ابن أبي غنيّة، ثنا العوام قال: سمعت مجاهدا، عن السجدة التي في، قال: نعم سألت ابن عباس فقرأ هذه الآية: ومن ذرّيّته داود وسليمان إلى قوله: أولئك الّذين هدى اللّه فبهداهم اقتده قال: أمر نبيّكم أن يقتدي بداود صلّى اللّه عليه وسلّم.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن يزيد بن أسلم يقول في قول اللّه: {أولئك الّذين ... الآية}: يا محمّد فبهداهم اقتده، ولا تقتد بهؤلاء.
- أخبرنا موسى بن هارون الطّوسيّ فيما كتب إليّ، ثنا الحسين بن محمّدٍ المروزيّ، ثنا شيبان، عن قتادة: قوله: أولئك الّذين هدى اللّه فبهداهم اقتده قال: قصّ اللّه عليه ثمانية عشر نبيًّا، ثمّ أمر نبيّكم أن يقتدي بهم. قال: وأنتم، فاقتدوا بالصّالحين قبلكم.
قوله: {قل لا أسئلكم عليه أجرًا}
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث ثنا بشر بن عمارة عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: قوله: {قل لا أسئلكم عليه أجرًا} قال: قل لهم يا محمّد: لا أسألكم على ما أدعوكم إليه أجرًا.
- قرئ على يونس بن عبد الأعلى، ثنا ابن وهبٍ، أخبرني سعيد بن أبي أيّوب، عن عطاء بن دينارٍ في قول اللّه تعالى: {لا أسئلكم عليه أجرًا} يقول: لا أسألكم على ما جئتكم به أجرًا.
- أخبرني أبو يزيد القراطيسيّ، ثنا أصبغ بن فرجٍ قال: سمعت عبد الرحمن ابن زيد بن أسلم يقول في قول اللّه: قل لا أسئلكم عليه أجرًا يقول: لا أسألكم على القرآن أجرًا.
قوله: {أجرًا}
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث، ثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {قل لا أسئلكم عليه أجرًا} يقول: عرضًا من عرض الدّنيا). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1339-1340]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : ( أخرج سعيد بن منصور والبخاري والنسائي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والطبراني، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده} قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتدي بهداهم وكان يسجد في ص، ولفظ ابن أبي حاتم عن مجاهد: سألت ابن عباس عن السجدة التي في ص فقرأ هذه الآية وقال: أمر نبيكم أن يقتدى بداود عليه السلام.
- وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال: قص الله عليه ثمانية عشر نبيا ثم أمره أن يقتدي بهم.
- وأخرج عبد بن حميد عن عاصم، أنه قرأ (فبهداهم اقتده) بين الهاء إذا وصل ولا يدغمها.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس، في قوله {قل لا أسألكم عليه أجرا} قال: قل لهم يا محمد لا أسألكم على ما أدعوكم إليه عرضا من عرض الدنيا، والله أعلم).[الدر المنثور: 6/ 124-125]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 24 ربيع الثاني 1434هـ/6-03-2013م, 12:06 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي

{وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86) وَمِنْ آَبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (87) ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (88) أُولَئِكَ الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89) أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90)}

تفسير قوله تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84)}:

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ومن ذرّيّته...}
هذه الهاء لنوح: و(هدينا) من ذرّيته داود وسليمان. ولو رفع داود وسليمان على هذا المعنى إذ لم يظهر الفعل كان صوابا؛ كما تقول: أخذت صدقاتهم لكل مائة (شاةٍ شاةً) وشاةٌ). [معاني القرآن: 1/ 342]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلاًّ هدينا ونوحاً هدينا من قبل ومن ذرّيّته داوود وسليمان وأيّوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين وزكريّا ويحيى وعيسى وإلياس كلٌّ مّن الصّالحين}
قال: {ومن ذرّيّته داوود وسليمان} يعني: {ووهبنا له} {ومن ذرّيّته داوود وسليمان} وكذلك {وزكريّا ويحيى وعيسى}). [معاني القرآن: 1/ 244]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلّا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذرّيّته داوود وسليمان وأيّوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين}
داود وسليمان نسق على نوح، كأنه قال: وهدينا داود وسليمان وجائز أن يكون من ذرية نوح، وجائز أن يكون من ذرية إبراهيم، لأن ذكرهما جميعا قد جرى، وأسماء الأنبياء التي جاءت بعد قوله: {ونوحا هدينا من قبل} نسق على نوح، إلا أن اليسع يقال فيه اللّيسع واليسع، بتشديد اللام وتخفيفها). [معاني القرآن: 2/ 269]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ومن ذريته داود وسليمان}
ويجوز أن يكون المعنى وهدينا داود وسليمان ويكون معطوفا على كل ويجوز أن يكون المعنى ووهبنا له داود وسليمان). [معاني القرآن: 2/ 454-455]

تفسير قوله تعالى: {وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85)}:
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (أبو عمرو {وإلياس} مقطوعة الألف.
قراءة أخرى "والياس" لا يقطع الألف؛ كأن الاسم يأس، أدخل عليه الألف واللام). [معاني القرآن لقطرب: 518]

تفسير قوله تعالى: {وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {واليسع...}
يشدّد أصحاب عبد الله اللام، وهي أشبه بأسماء العجم من الذين يقولون (واليسع) لا تكاد العرب تدخل الألف واللام فيما لا يجرى؛ مثل يزيد ويعمر إلا في شعر؛ أنشد بعضهم:
وجدنا الوليد بن اليزيد مباركا ....... شديدا بأحناء الخلافة كاهله
وإنما أدخل في يزيد الألف واللام لمّا أدخلها في الوليد. والعرب إذا فعلت ذلك فقد أمسّت الحرف مدحا). [معاني القرآن: 1/ 342]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وإسماعيل واليسع ويونس ولوطاً وكلاًّ فضّلنا على العالمين}
وقال بعضهم: {واليسع}، وقال بعضهم: (واللّيسع)، ونقرأ بالخفيفة). [معاني القرآن: 1/ 244]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (أبو جعفر وشيبة ونافع {واليسع} كأنه يفعل من وسع. أصحاب عبد الله والأعمش {والليسع} مثقلة اللام يصير الاسم ليسع، فيعل). [معاني القرآن لقطرب: 518]

تفسير قوله تعالى: {وَمِنْ آَبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (87)}:
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({واجتبيناهم} أي اخترناهم، يقال: اجتبي فلان كذا لنفسه، أي اختار). [مجاز القرآن: 1/ 200]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (أهل مكة وأصحاب عبد الله يقرءون بالجمع ثلاثة أحرف {ومن آبائهم وذرياتهم} وفي الرعد {وأزواجهم وذرياتهم} وفي المؤمن {ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم} وسائر القرآن على واحد.
[معاني القرآن لقطرب: 518]
أهل المدينة وأبو عمرو يقرءون التي في الأعراف {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم} بالجمع، وفي يس قراءة أهل المدينة دون أبي عمرو {أنا حملنا ذرياتهم} ). [معاني القرآن لقطرب: 519]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما {واجتبيناهم} اجتباء؛ والمعنى الاختيار والاصطفاء، يكون افتعل من جبي يجبي؛ يأخذ ويجمع). [معاني القرآن لقطرب: 545]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({اجتبيناهم}: اخترناهم). [غريب القرآن وتفسيره: 139]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {ومن آبائهم وذرّيّاتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم}
أي هدينا هؤلاء، وهدينا بعض آبائهم وإخوانهم.
ومعنى قوله: {واجتبيناهم}
مثل اخترناهم، وهو مأخوذ من جبيت الماء في الحوض إذا جمعته). [معاني القرآن: 2/ 269]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {واجتبيناهم} قال مجاهد: (أخلصناهم)، وهو عند أهل اللغة بمعنى: اخترناهم). [معاني القرآن: 2/ 455]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({اجْتَبَيْنَاهُمْ}: اخترناهم). [العمدة في غريب القرآن: 128]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (88)}

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89)}:

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {فإن يكفر بها هؤلاء...} يعني أهل مكّة {فقد وكّلنا بها قوماً} يعني أهل المدينة {لّيسوا بها بكافرين} بالآية). [معاني القرآن: 1/ 342]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({فقد وكّلنا بها قوماً} أي فقد رزّقناها قوماً). [مجاز القرآن: 1/ 200]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {أولئك الّذين آتيناهم الكتاب والحكم والنّبوّة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكّلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين}
{فإن يكفر بها هؤلاء} أي: الذين قد كفروا، ويكفرون، ممن أرسلت إليه.
{فقد وكّلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين} أي قد وكلنا بالإيمان بها، وقيل في هذه ثلاثة أقوال:
- قيل يعني بذلك الأنبياء الذين جرى ذكرهم آمنوا بما أتى به النبي -صلى الله عليه وسلم- في وقت مبعثهم.
- وقيل يعني به الملائكة.
- وقيل أيضا يعني به من آمن من أصحاب النبي وأتباعه.
وهو -واللّه أعلم- يعني به الأنبياء الذين تقدموا لقوله تبارك وتعالى: {أولئك الّذين هدى اللّه فبهداهم اقتده قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلّا ذكرى للعالمين}). [معاني القرآن: 2/ 270]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله تعالى: {فإن يكفر بها هؤلاء} قال مجاهد يعني أهل مكة وقال قتادة يعني قوم محمد عليه السلام). [معاني القرآن:2/ 455]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ({فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين} قال مجاهد يعني أهل المدينة وقال قتادة يعني النبيين الذين قص الله عز وجل
وهذا القول أشبه بالمعنى لأنه قال بعد أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده وحدثني محمد بن إدريس قال حدثنا إبراهيم حدثنا عثمان المؤذن عن عوف عن أبي رجاء في قول الله جل وعز: {فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين} قال هم الملائكة). [معاني القرآن: 2/ 455-456]

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90)}:
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({أولئك الّذين هدى اللّه فبهداهم اقتده قل لاّ أسألكم عليه أجراً إن هو إلاّ ذكرى للعالمين}
وقال: {فبهداهم اقتده}. وكلّ شيء من بنات الياء والواو في موضع الجزم فالوقف عليه بالهاء ليلفظ به كما كان). [معاني القرآن: 1/ 244]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الحسن وأبو عمرو {فبهداهم اقتده} بإثبات الهاء.
ابن أبي إسحاق يحذفها، وقد فسرنا ذلك في سورة أم الكتاب). [معاني القرآن لقطرب: 519]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {فبهداهم اقتده} فإنهم يقولون: هو يقدو قدوك؛ أي ينحو نحوك، و"اقتده" من هذه؛ وقالوا: زيد قدوة وقدوة وقدية بالياء، وقدة؛ أي يقتدي به؛ وهدية من الاهتداء). [معاني القرآن لقطرب: 545]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({أولئك الّذين هدى اللّه فبهداهم اقتده قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلّا ذكرى للعالمين}
أي الأنبياء الذين ذكرناهم الذين هدى اللّه فبهداهم اقتده أي اصبر كما صبروا، فإن قومهم قد كذبوهم فصبروا على ما كذبوا وأوذوا، فاقتد بهم.
وهذه الهاء التي في " اقتده " إنما تثبت في الوقف، تبين بها كسرة الدال، فإن وصلت قلت "اقتد"
{قل لا أسألكم}
قال أبو إسحاق: والذي أختار من أثق بعلمه أن يوقف عند هذه الهاء.
وكذلك في قوله {فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه * إنّي ظننت أنّي ملاق حسابيه}.
وكذلك {لم يتسنّه} وكذلك {وما أدراك ما هيه}
وقد بيّنّا ما في " يتسنّه " في سورة البقرة). [معاني القرآن: 2/ 270]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 1 جمادى الأولى 1434هـ/12-03-2013م, 10:40 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) }

تفسير قوله تعالى: {وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85) }

تفسير قوله تعالى: {وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86) }

تفسير قوله تعالى: {وَمِنْ آَبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (87) }

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (88) }

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89) }

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90) }

قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (والهاء تزاد لبيان الحركة، ولخفاء الألف.
فأما بيان الحركة فنحو قولك: ارمه {وما أدراك ما هيه} و{فبهداهم اقتده}.
وأما بعد الألف فقولك: يا صاحباه، ويا حسرتاه). [المقتضب: 1/ 198] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (والياء المكسور ما قبلها لا يدخلها خفض ولا رفع لثقل ذلك، نحو ياء القاضي، ويدخلها الفتح في قولك: رأيت القاضي؛ فلذلك بنيت هذه الياء على الفتح.
وإنما جاز إسكانها في قولك: هذا غلامي، وزيد ضربني؛ لأن ما قبلها معها بمنزلة شيء واحد، فكان عوضاً مما يحذف منها، والحركات مستثقلة في حروف المد واللين؛ فلذلك أسكنت استخفافاً.
فمما حركت فيه على الأصل قول الله عز وجل: {يا ليتني لم أوت كتابيه * ولم أدر ما حسابيه} حركت الياء على الأصل، وألحقت الهاء لبيان الحركة في الوقف.
فإن وصلت حذفتها؛ لأن حركة الياء تظهر في ماليه وسلطانيه، وما كان مثل هذا إنما هو بمنزلة قولك {فبهداهم اقتده} فإن وصلت حذفت. وكذلك يقرأ: {لكم دينكم ولي دين} على الإسكان والحركة.
فإن كان ما قبل هذه الياء ساكناً فالحركة فيها لا غير لئلا يلتقي ساكنان، وذلك قولك: هذه عشري يا فتى، وهذه رحاي فاعلم. و{يا بني لا تدخلوا من باب واحد} حذفت النون للإضافة، وأدغمت الياء التي كانت في ياء الإضافة. فحركت ياء الإضافة لئلا يلتقي ساكنان على أصلها، وكذلك قولك: {هي عصاي أتوكأ عليها} لا يكون إلا ذلك لما ذكرت لك من سكون ما قبلها.
وأما قوله: {يا بني إنها إن تك} فإنما أضاف قوله بني فاعلم، الياء ثقيلة فتصرف في الكلام؛ لأن الواو والياء إذا سكن ما قبل كل واحد منهما جريا مجرى غير المعتل. نحو: دلو، وظبي، ومغزو، ومرمي. لا يكون ذلك إلا معرباً). [المقتضب: 4/ 248-249] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (قال الشاعر:
هذا طريق يأزم المآزما ....... وعضوات تقطع اللهازما
ونظير عضة، سنة؛ على أن الساقط الهاء في قول بعض العرب، والواو في قول بعضهم، تقول في جمعها سنوات. وسانيت الرجل. وبعضهم يقول: سهات. وأكريته مسانهة.
وهذا الحرف في القرآن يقرأ على ضروب. فمن قرأ: {لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ} فوصل بالهاء - هو مأخوذ من: سانهت، التي هي سنيهة. ومن جعله من الواو قال في الوصل: لم يتسن وانظر. فإذا وقف قال: {لَمْ يَتَسَنَّه} فكانت الهاء زائدة لبيان الحركة. بمنزلة الهاء في قوله: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}. و{كِتَابِيَهْ}. و{حِسَابِيَهْ}. والمعنى واحد. وتأويله: لم تغيره السنون. ومن لم يقصد إلى السنة، قال: لم يتأسن. والآسن: المتغير، قال الله جل وعز: {فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ}، ويقال: أسن في هذا المعنى، كما يقال: رجل حاذر وحذر). [الكامل: 2/ 967-968] (م)


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 12:08 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 12:08 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 12:08 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 12:08 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلاًّ هدينا ونوحاً هدينا من قبل ومن ذرّيّته داود وسليمان وأيّوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين (84) وزكريّا ويحيى وعيسى وإلياس كلٌّ من الصّالحين (85) وإسماعيل واليسع ويونس ولوطاً وكلاًّ فضّلنا على العالمين (86)}
ووهبنا عطف على آتيناها وإسحاق ابنه من سارة، ويعقوب هو ابن إسحاق، وكلًّا ونوحاً منصوبان على المفعول مقدمان على الفعل، وقوله: من قبل لقومه صلى الله عليه وسلم، وقوله: ومن ذرّيّته المعنى وهدينا من ذريته، والضمير في ذرّيّته قال الزجّاج جائز أن يعود على إبراهيم، ويعترض هذا بذكر «لوط» عليه السلام وهو ليس من ذرية إبراهيم بل هو ابن أخيه وقيل ابن أخته ويتخرج عند من يرى الخال أبا وقيل: يعود الضمير على نوح وهذا هو الجيد، وداود يقال هو ابن إيشى وسليمان ابنه، وأيّوب هو فيما يقال أيوب بن رازح بن عيصو بن إسحاق بن إبراهيم، ويوسف هو ابن يعقوب بن إسحاق، وموسى وهارون هما ابنا عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب، ونصب داود يحتمل أن يكون ب وهبنا ويحتمل أن يكون ب هدينا وهذه الأسماء كلها فيها العجمة والتعريف، فهي غير مصروفة، وموسى عند سيبويه وزنه مفعل فعلى هذا يتصرف في النكرة، وقيل وزنه فعلى، فعلى هذا لا يتصرف في معرفة ولا نكرة، وكذلك نجزي المحسنين وعد من الله عز وجل لمن أحسن في عمله وترغيب في الإحسان). [المحرر الوجيز: 3/ 408-409]

تفسير قوله تعالى: {وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وزكريّا فيما يقال هو ابن آذر بن بركنا، وعيسى ابن مريم بنت عمران بن ياشهم بن أمون بن حزينا، وإلياس هو ابن نسي بن فنحاص بن العيزان بن هارون بن عمران، وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قال إدريس هو الياس ورد ذلك الطبري وغيره بأن إدريس هو جد نوح تظاهرت بذلك الروايات، «وزكرياء» قرأته طائفة بالمد وقرأته طائفة بالقصر «زكريا»، وقرأ ابن عامر باختلاف عنه، والحسن وقتادة بتسهيل الهمزة من الياس، وفي هذه الآية أن عيسى عليه السلام من ذرية نوح أو إبراهيم بحسب الاختلاف في عود الضمير من ذريته، وهو ابن ابنته، وبهذا يستدل في الأحباس على أن ولد البنت من الذرية). [المحرر الوجيز: 3/ 409]

تفسير قوله تعالى: {وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وإسماعيل هو أكبر ولدي إبراهيم عليه السلام وهو من هاجر واليسع قال زيد بن أسلم وهو يوشع بن نون، وقال غيره: هو أليسع بن أخطوب بن العجوز، وقرأ جمهور الناس «وأليسع» وقرأ حمزة والكسائي «والليسع» كأن الألف واللام دخلت على فيعل، قال أبو علي الفارسي: فالألف واللام في «اليسع» زائدة لا تؤثر معنى تعريف لأنها ليست للعهد كالرجل والغلام ولا للجنس كالإنسان والبهائم ولا صفة غالبة كالعباس والحارث لأن ذلك يلزم عليه أن يكون «اليسع» فعلا، وحينئذ يجري صفة. وإذا كان فعلا وجب أن يلزمه الفاعل ووجب أن يحكى إذ هي جملة ولو كان كذلك لم يجز لحاق اللام له إذ اللام لا تدخل على الفعل فلم يبق إلا أن تكون الألف واللام زائدة كما هي زائدة في قولهم الخمسة العشر درهما، وفي قول الشاعر: [الرجز]
يا ليت أمّ العمر كانت صاحبي
بالعين غير منقوطة، وفي قوله: [الطويل]
وجدنا الوليد بن اليزيد مباركا ....... شديدا بأعباء الخلافة كاهله
قال وأما الليسع فالألف واللام فيه بمنزلتها في الحارث والعباس لأنه من أبنية الصفات لكنها بمنزلة «اليسع» في أنه خارج عما عليه الأسماء الأعجمية إذ لم يجئ فيها شيء هو على هذا الوزن كما لم يجئ منها شيء فيه لام تعريف فهما من الأسماء الأعجمية إلا أنهما مخالفان للأسماء فيما ذكر.
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: وأما اليزيد فإنه لما سمي به أزيل منه معنى الفعل وأفردت فيه الاسمية فحصل علما وزيدت فيه الألف واللام لا لتعريف، وقال الطبري دخلت الألف واللام اتباعا للفظ الوليد، ويونس هو ابن متّى ويقال يونس ويونس ويونس وكذلك يوسف ويوسف ويوسف وبكسر النون من يونس والسين من يوسف قرأ الحسن وابن مصرف وابن وثاب وعيسى بن عمر والأعمش في جميع القرآن والعالمين معناه عالمي زمانهم). [المحرر الوجيز: 3/ 409-411]

تفسير قوله تعالى: {وَمِنْ آَبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (87) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ومن آبائهم وذرّيّاتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراطٍ مستقيمٍ (87) ذلك هدى اللّه يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون (88) أولئك الّذين آتيناهم الكتاب والحكم والنّبوّة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكّلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين (89) أولئك الّذين هدى اللّه فبهداهم اقتده قل لا أسئلكم عليه أجراً إن هو إلاّ ذكرى للعالمين (90)}
والمعنى وهدينا من آبائهم وذرياتهم وإخوانهم جماعات، ف من للتبعيض والمراد من آمن منهم نبيا كان أو غير نبي، ويدخل عيسى عليه السلام في ضمير قوله: ومن آبائهم، ولهذا قال محمد بن كعب الخال أب والخالة أم، واجتبيناهم معناه تخيرناهم وأرشدناهم وضممناهم إلى خاصتنا وأرشدناهم إلى الإيمان والفوز برضى الله تعالى. قال مجاهد معناه أخلصناهم، و «الذرية» الأبناء وينطلق على جميع البشر ذرية لأنهم أبناء، وقال قوم: إن الذرية تقع على الآباء لقوله تعالى:{ وآيةٌ لهم أنّا حملنا ذرّيّتهم في الفلك} [يس: 41] يراد به نوع البشر). [المحرر الوجيز: 3/ 411]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (88) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: ذلك هدى اللّه يهدي به الآية، ذلك إشارة إلى النعمة في قوله: واجتبيناهم وإضافة الهدى إلى الله إضافة ملك، ولحبط معناه تلف وذهب لسوء غلب عليه). [المحرر الوجيز: 3/ 411]

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وأولئك إشارة إلى من تقدم ذكره والكتاب يراد به المصحف والتوراة والإنجيل والزبور، والحكم يراد به اللب والفطنة والفقه في دين الله، وهؤلاء إشارة إلى كفار قريش المعادين لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى كل كفار في ذلك العصر، قاله قتادة وابن عباس والسدي وغيرهم، وقوماً يراد به مؤمنو أهل المدينة، قاله ابن عباس وقتادة والضحاك والسدي وغيرهم، فالآية على هذا التأويل وإن كان القصد في نزولها هذين الصنفين فهي تعم الكفرة والمؤمنين إلى يوم القيامة، وقال قتادة أيضا والحسن بن أبي الحسن المراد ب «القوم» من تقدم ذكره من الأنبياء والمؤمنين، وقال أبو رجاء: المراد الملائكة، والباء في به متعلقة بقوله: بكافرين والباء في قوله بكافرين زائدة للتأكيد). [المحرر الوجيز: 3/ 411-412]

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {أولئك الّذين هدى اللّه ... الآية}، الظاهر في الإشارة، ب أولئك أنها إلى المذكورين قبل من الأنبياء ومن معهم من المؤمنين المهديين ومعنى الاقتداء اتباع الأثر في القول والفعل والسيرة، وإنما يصح اقتداؤه بجميعهم في العقود والإيمان والتوحيد الذي ليس بينهم فيه اختلاف وأما أعمال الشرائع فمختلفة، وقد قال عز وجل: {لكلٍّ جعلنا منكم شرعةً ومنهاجاً} [المائدة: 48] ويحتمل أن تكون الإشارة ب أولئك إلى قوله قوماً.
-قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وذلك يترتب على بعض التأويلات في المراد بالقوم ويقلق بعضها، قال القاضي ابن الباقلاني: واختلف الناس هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه متعبدا بشرع من كان قبله، فقالت طائفة كان متعبدا، واختلف بشرع من؟ فقالت فرقة بشرع إبراهيم، وفرقة بشرع موسى، وفرقة بشرع عيسى، وقالت طائفة بالوقف في ذلك، وقالت طائفة لم يكن متعبدا بشرع من كان قبله وهو الذي يترجح.
-قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ولا يحمل كلام القاضي على أنه لم يكن متعبدا بشرع من كان قبله في توحيد ولا معتقد لأنّا نجد شرعنا ينبئ أن الكفار الذين كانوا قبل النبي عليه السلام كأبويه وغيرهما في النار ولا يدخل الله تعالى أحدا النار إلا بترك ما كلف، وذلك في قوله تعالى: {وما كنّا معذّبين حتّى نبعث رسولًا} [الإسراء: 15] وغير ذلك وقاعدة المتكلمين أن العقل لا يوجب ولا يكلف وإنما يوجب الشرع، فالوجه في هذا أن يقال إن آدم عليه السلام فمن بعده دعا إلى توحيد الله دعاء عاما واستمر ذلك على العالم، فواجب على الآدمي البالغ أن يبحث على الشرع الآمر بتوحيد الله تعالى وينظر في الأدلة المنصوبة على ذلك بحسب إيجاب الشرع النظر فيها، ويؤمن ولا يعبد غير الله، فمن فرضناه لم يجد سبيلا إلى العلم بشرع آمر بتوحيد الله وهو مع ذلك لم يكفر ولا عبد صنما بل تخلى فأولئك أهل الفترات الذين أطلق عليهم أهل العلم أنهم في الجنة وهم بمنزلة الأطفال والمجانين، ومن قصر في النظر والبحث فعبد صنما وكفر فهذا تارك للواجب عليه مستوجب العقاب بالنار، فالنبي صلى الله عليه وسلم قبل المبعث ومن كان معه من الناس وقبله مخاطبون على ألسنة الأنبياء قبل بتوحيد الله عز وجل، وغير مخاطبين بفروع شرائعهم إذ هي مختلفة وإذ لم يدعهم إليها نبي، وأما بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم فهل هو وأمته مخاطبون بشرع من تقدم فقالت فرقة لسنا مخاطبين بشيء من ذلك وقالت فرقة نحن مخاطبون بشرع من قبلنا.
-قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ومن قال من هذه الطائفة إن محمدا عليه السلام وأمته مخاطبون بكل شرائع من تقدم على الإطلاق فقد أحال لأن أحكام الشرائع تأتي مختلفة، وإنما يتحدق قول من قال منها إنّا متعبدون بما صح نقله من شرائع من قبلنا ولم تختلف فيه الشرائع وبالآخر مما اختلفت فيه لأنه الناسخ المتقدم ويرتبط في صحة نقل ذلك إلى ما وقع في القرآن في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من حكاية أحكام سالفة كقوله تعالى: {وخذ بيدك ضغثاً فاضرب به} [ص: 44] وكقوله: {أقم الصّلاة لذكري} [طه: 14] وكحكاية تزويج شعيب ابنته بموسى عليهما السلام، وكحديث النبي عليه السلام في قضية سليمان بين المرأتين في الولد ونحو ذلك، ولا يقتضي قولهم أكثر من جواز أن يتعبد بذلك وأما وجوب أن تعبد فغير لازم، ولا يتعلق عندي أشبه في ذلك من أن يقال النبي عليه السلام شرع لأمته أن يصلي الناس صلاته إذا ذكرها، ثم مثل في ذلك لا على طريق التعليل بقوله عز وجل لموسى: {وأقم الصّلاة لذكري} [طه: 14] فننقل نحن هذا إلى غير ذلك من النوازل ونقول إنه كما شرع عندنا المثال في نسيان الصلاة كذلك نشرع هذه الأمثلة كلها.
-قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا قياس ضعيف، ولو ذكر النبي عليه السلام قوله تعالى: {وأقم الصّلاة لذكري} [طه: 14] على جهة التعليل لكانت الحجة به قوية، ولا يصح أن يقال يصح عندنا نقل ما في الشرائع من جهة من أسلم منهم كعبد الله بن سلام وغيره صحة ننقلها، وكذلك ما شرعه الحواريون لا سبيل إلى صحة شرع عيسى عليه السلام له، وقرأ ابن كثير وأهل مكة ونافع وأبو عمرو وأهل المدينة وعاصم «اقتده» بهاء السكت ثابتة في الوقف والوصل، وقرأ حمزة والكسائي «اقتد» قال بحذف الهاء في الوصل وإثباتها في الوقف، وهذا هو القياس، وهي تشبه ألف الوصل في أنها تقطع في الابتداء وتوصل غير مبتدأ بها، فكذلك هذه تثبت في الوقف وتحذف في الوصل، وقرأ ابن عامر «اقتده» بكسر الهاء دون بلوغ الياء، قال ابن مجاهد وهذا غلط لأنها هاء وقف لا تعرب على حال، قال أبو علي ووجه ذلك أن تكون ضمير المصدر كأنه قال اقتد الاقتداء، وقرأ ابن ذكوان على هذه «اقتده» بإشباع الياء بعد الهاء، وقالت فرقة إن كسر الهاء إنما هو في هاء السكت كما قد تسكن هاء الضمير أحيانا.
-قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا ضعيف، ولا تجوز عليه القراءة بإشباع الياء، وقوله تعالى: قل لا أسئلكم الآية، المعنى قل يا محمد لهؤلاء الكفرة المعاندين لا أسألكم على دعائي إياكم بالقرآن إلى عبادة الله وتوحيده أستكثر بها وأختص بدنياها، إن القرآن إلا موعظة، وذكرى ودعاء لجميع العالمين). [المحرر الوجيز: 3/ 412-415]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 12:08 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 12:08 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحًا هدينا من قبل ومن ذرّيّته داود وسليمان وأيّوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين (84) وزكريّا ويحيى وعيسى وإلياس كلٌّ من الصّالحين (85) وإسماعيل واليسع ويونس ولوطًا وكلا فضّلنا على العالمين (86) ومن آبائهم وذرّيّاتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراطٍ مستقيمٍ (87) ذلك هدى اللّه يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون (88) أولئك الّذين آتيناهم الكتاب والحكم والنّبوّة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكّلنا بها قومًا ليسوا بها بكافرين (89) أولئك الّذين هدى اللّه فبهداهم اقتده قل لا أسألكم عليه أجرًا إن هو إلا ذكرى للعالمين (90)}
يخبر تعالى أنّه وهب لإبراهيم إسحاق، بعد أن طعن في السّنّ، وأيس هو وامرأته "سارة" من الولد، فجاءته الملائكة وهم ذاهبون إلى قوم لوطٍ، فبشّروهما بإسحاق، فتعجّبت المرأة من ذلك، وقالت: {قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوزٌ وهذا بعلي شيخًا إنّ هذا لشيءٌ عجيبٌ * قالوا أتعجبين من أمر اللّه رحمة اللّه وبركاته عليكم أهل البيت إنّه حميدٌ مجيدٌ} [هودٍ: 72، 73]، وبشّروه مع وجوده بنبوّته، وبأنّ له نسلًا وعقبا، كما قال: {وبشّرناه بإسحاق نبيًّا من الصّالحين} [الصّافّات: 112]، وهذا أكمل في البشارة، وأعظم في النّعمة، وقال: {فبشّرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب} [هودٍ: 71] أي: ويولد لهذا المولود ولدٌ في حياتكما، فتقرّ أعينكما به كما قرّت بوالده، فإنّ الفرح بولد الولد شديدٌ لبقاء النّسل والعقب، ولمّا كان ولد الشّيخ والشّيخة قد يتوهّم أنّه لا يعقب لضعفه، وقعت البشارة به وبولده باسم "يعقوب"، الّذي فيه اشتقاق العقب والذّرّيّة، وكان هذا مجازاةً لإبراهيم، عليه السّلام، حين اعتزل قومه وتركهم، ونزح عنهم وهاجر من بلادهم ذاهبًا إلى عبادة اللّه في الأرض، فعوّضه اللّه، عزّ وجلّ، عن قومه وعشيرته بأولادٍ صالحين من صلبه على دينه، لتقرّ بهم عينه، كما قال [تعالى]: {فلمّا اعتزلهم وما يعبدون من دون اللّه وهبنا له إسحاق ويعقوب وكلا جعلنا نبيًّا} [مريم: 49]، وقال هاهنا: {ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا}
وقوله: {ونوحًا هدينا من قبل} أي: من قبله، هديناه كما هديناه، ووهبنا له ذرّيّةً صالحةً، وكلٌّ منهما له خصوصيّةٌ عظيمةٌ، أمّا نوحٌ، عليه السّلام، فإنّ اللّه تعالى لمّا أغرق أهل الأرض إلّا من آمن به -وهم الّذين صحبوه في السّفينة -جعل اللّه ذرّيّته هم الباقين، فالنّاس كلّهم من ذرّيّة نوحٍ، وكذلك الخليل إبراهيم، عليه السّلام، لم يبعث اللّه، عزّ وجلّ، بعده نبيًّا إلّا من ذرّيّته، كما قال تعالى: {وجعلنا في ذرّيّته النّبوّة والكتاب ... الآية} [العنكبوت: 27]، وقال تعالى: {ولقد أرسلنا نوحًا وإبراهيم وجعلنا في ذرّيّتهما النّبوّة والكتاب} [الحديد: 26]، وقال تعالى: {أولئك الّذين أنعم اللّه عليهم من النّبيّين من ذرّيّة آدم وممّن حملنا مع نوحٍ ومن ذرّيّة إبراهيم وإسرائيل وممّن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرّحمن خرّوا سجّدًا وبكيًّا} [مريم: 58].
وقوله في هذه الآية الكريمة: {ومن ذرّيّته} أي: وهدينا من ذرّيّته {داود وسليمان} الآية، وعود الضّمير إلى "نوحٍ"؛ لأنّه أقرب المذكورين، ظاهرٌ. وهو اختيار ابن جرير، ولا إشكال عليه. وعوده إلى "إبراهيم"؛ لأنّه الّذي سبق الكلام من أجله حسنٌ، لكن يشكل على ذلك "لوطٌ"، فإنّه ليس من ذرّيّة "إبراهيم"، بل هو ابن أخيه مادان بن آزر؛ اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّه دخل في الذّرّيّة تغليبًا، كما في قوله تعالى: {أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهًا واحدًا ونحن له مسلمون} [البقرة: 133]، فإسماعيل عمّه، ودخل في آبائه تغليبًا.
وكما قال في قوله: {فسجد الملائكة كلّهم أجمعون * إلا إبليس} [الحجر: 30، 31] فدخل إبليس في أمر الملائكة بالسّجود، وذمّ على المخالفة؛ لأنّه كان قد تشبّه بهم، فعومل معاملتهم، ودخل معهم تغليبًا، وكان من الجنّ وطبيعتهم النّار والملائكة من النّور
وفي ذكر "عيسى"، عليه السّلام، في ذرّيّة "إبراهيم" أو "نوحٍ"، على القول الآخر دلالةٌ على دخول ولد البنات في ذرّيّة الرّجال؛ لأنّ "عيسى"، عليه السّلام، إنّما ينسب إلى "إبراهيم"، عليه السّلام، بأمّه "مريم" عليها السّلام، فإنّه لا أب له.
قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا سهل بن يحيى العسكريّ، حدّثنا عبد الرحمن بن صالح، حدثنا علي ابن عابسٍ عن عبد اللّه بن عطاءٍ المكّيّ، عن أبي حرب بن أبي الأسود قال: أرسل الحجّاج إلى يحيى بن يعمر فقال: بلغني أنّك تزعم أنّ الحسن والحسين من ذرّيّة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، تجده في كتاب اللّه، وقد قرأته من أوّله إلى آخره فلم أجده؟ قال: أليس تقرأ سورة الأنعام: {ومن ذرّيّته داود وسليمان} حتّى بلغ {ويحيى وعيسى}؟ قال: بلى، قال: أليس عيسى من ذرّيّة إبراهيم، وليس له أبٌ؟ قال: صدقت.
فلهذا إذا أوصى الرّجل لذرّيّته، أو وقف على ذرّيّته أو وهبهم، دخل أولاد البنات فيهم، فأمّا إذا أعطى الرّجل بنيه أو وقف عليهم، فإنّه يختصّ بذلك بنوه لصلبه وبنو بنيه، واحتجّوا بقول الشّاعر العربيّ:
بنونا بنو أبنائنا وبناتنا ....... بنوهنّ أبناء الرّجال الأجانب
وقال آخرون: ويدخل بنو البنات فيه أيضًا، لما ثبت في صحيح البخاريّ، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال للحسن بن عليٍّ: "إنّ ابني هذا سيّدٌ، ولعلّ اللّه أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين" فسمّاه ابنًا، فدلّ على دخوله في الأبناء.
وقال آخرون: هذا تجوّزٌ). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 297-298]

تفسير قوله تعالى: {وَمِنْ آَبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (87) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ومن آبائهم وذرّيّاتهم وإخوانهم} ذكر أصولهم وفروعهم. وذوي طبقتهم، وأنّ الهداية والاجتباء شملهم كلّهم؛ ولهذا قال: {واجتبيناهم وهديناهم إلى صراطٍ مستقيمٍ} ). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 298]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (88) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال: {ذلك هدى اللّه يهدي به من يشاء من عباده} أي: إنّما حصل لهم ذلك بتوفيق اللّه وهدايته إيّاهم، {ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون} تشديدٌ لأمر الشّرك، وتغليظٌ لشأنه، وتعظيمٌ لملابسته، كما قال [تعالى] {ولقد أوحي إليك وإلى الّذين من قبلك لئن أشركت ليحبطنّ عملك} الآية [الزّمر: 65]، وهذا شرطٌ، والشّرط لا يقتضي جواز الوقوع، كقوله [تعالى] {قل إن كان للرّحمن ولدٌ فأنا أوّل العابدين} [الزّخرف: 81]، وكقوله: {لو أردنا أن نتّخذ لهوًا لاتّخذناه من لدنّا إن كنّا فاعلين} [الأنبياء: 17] وكقوله: {لو أراد اللّه أن يتّخذ ولدًا لاصطفى ممّا يخلق ما يشاء سبحانه هو اللّه الواحد القهّار} [الزّمر: 4] ). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 299]

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {أولئك الّذين آتيناهم الكتاب والحكم والنّبوّة} أي: أنعمنا عليهم بذلك رحمةً للعباد بهم، ولطفًا منّا بالخليقة، {فإن يكفر بها} أي: بالنّبوّة. ويحتمل أن يكون الضّمير عائدًا على هذه الأشياء الثّلاثة: الكتاب، والحكم، والنّبوّة.
وقوله: {هؤلاء} يعني: أهل مكّة. قاله ابن عبّاسٍ، وسعيد بن المسيّب، والضّحّاك، وقتادة، والسّدّي. {فقد وكّلنا بها قومًا ليسوا بها بكافرين} أي: إن يكفر بهذه النّعم من كفر بها من قريشٍ وغيرهم من سائر أهل الأرض، من عربٍ وعجمٍ، وملّيين وكتابيّين، فقد وكّلنا بها قومًا {آخرين} يعني: المهاجرين والأنصار وأتباعهم إلى يوم القيامة، {ليسوا بها بكافرين} أي: لا يجحدون شيئًا منها، ولا يردّون منها حرفًا واحدًا، بل يؤمنون بجميعها محكمها ومتشابهها، جعلنا اللّه منهم بمنّه وكرمه وإحسانه). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 299]

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى مخاطبًا عبده ورسوله محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم: {أولئك} يعني: الأنبياء المذكورين مع من أضيف إليهم من الآباء والذّرّيّة والإخوان وهم الأشباه {الّذين هدى اللّه} أي: هم أهل الهداية لا غيرهم، {فبهداهم اقتده} أي: اقتد واتّبع. وإذا كان هذا أمرًا للرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم، فأمّته تبعٌ له فيما يشرّعه [لهم] ويأمرهم به.
قال البخاريّ عند هذه الآية: حدّثنا إبراهيم بن موسى، أخبرنا هشامٌ، أنّ ابن جريجٍ أخبرهم قال: أخبرني سليمان الأحول، أنّ مجاهدًا أخبره، أنّه سأل ابن عبّاسٍ: أفي (ص) سجدةٌ؟ فقال: نعم، ثمّ تلا: {ووهبنا له إسحاق} إلى قوله: {فبهداهم اقتده} ثمّ قال: هو منهم -زاد يزيد بن هارون، ومحمّد بن عبيدٍ، وسهل بن يوسف، عن العوّام، عن مجاهدٍ قال: قلت لابن عبّاسٍ، فقال: نبيّكم صلّى اللّه عليه وسلّم ممّن أمر أن يقتدي بهم
وقوله: {قل لا أسألكم عليه أجرًا} أي: لا أطلب منكم على إبلاغي إيّاكم هذا القرآن {أجرًا} أي: أجرةً، ولا أريد منكم شيئًا، {إن هو إلا ذكرى للعالمين} أي: يتذكّرون به فيرشدوا من العمى إلى الهدى، ومن الغيّ إلى الرّشاد، ومن الكفر إلى الإيمان). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 299]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:38 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة