العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة آل عمران

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 ربيع الثاني 1434هـ/28-02-2013م, 09:46 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي تفسير سورة آل عمران[من الآية (179) إلى الآية (180) ]

تفسير سورة آل عمران
[من الآية (179) إلى الآية (180) ]

{مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179) وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 25 ربيع الثاني 1434هـ/7-03-2013م, 11:23 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف


جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى حتى يميز الخبيث من الطيب قال حتى يميز الكافر من المؤمن). [تفسير عبد الرزاق: 1/140]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن عطاء بن السّائب عن أبي عبد الرّحمن السّلميّ أنّه كان يقرأ (حتى يميز) [الآية: 179].
سفيان [الثوري] قال: كان أصحاب عبد اللّه يقرءونها (حتّى يميز الخبيث من الطيب)). [تفسير الثوري: 82]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتّى يميز الخبيث من الطّيّب} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا الحارث بن عبيدٍ، عن مالك بن دينارٍ أنّه قرأ: {حتّى يميز الخبيث من الطيب} ). ). [سنن سعيد بن منصور: 3/1129]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله عز وجل: {ما كان اللّه ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب} فيسم الصّادق بإيمانه من الكاذب). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 79]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ما كان اللّه ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتّى يميز الخبيث من الطّيّب وما كان اللّه ليطلعكم على الغيب ولكنّ اللّه يجتبي من رسله من يشاء فآمنوا باللّه ورسله وإن تؤمنوا وتتّقوا فلكم أجرٌ عظيمٌ}
يعني بقوله: {ما كان اللّه ليذر المؤمنين} ما كان اللّه ليدع المؤمنين على ما أنتم عليه من التباس المؤمن منكم بالمنافق، فلا يعرف هذا من هذا {حتّى يميز الخبيث من الطّيّب} يعني بذلك: حتّى يميز الخبيث، وهو المنافق المستسرّ للكفر من الطّيّب، وهو المؤمن المخلص الصّادق الإيمان بالمحن والاختبار، كما ميّز بينهم يوم أحدٍ عند لقاء العدوّ عند خروجهم إليه.
واختلف أهل التّأويل في الخبيث الّذي عنى اللّه بهذه الآية، فقال بعضهم فيه مثل قولنا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثني أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {ما كان اللّه ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتّى يميز الخبيث من الطّيّب} قال: ميّز بينهم يوم أحدٍ، المنافق من المؤمن.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: {ما كان اللّه ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتّى يميز الخبيث من الطّيّب} قال ابن جريجٍ: يقول: ليبيّن الصّادق بإيمانه من الكاذب قال: ابن جريجٍ: قال مجاهدٌ: يوم أحدٍ ميّز بعضهم عن بعضٍ، المنافق عن المؤمن.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {ما كان اللّه ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتّى يميز الخبيث من الطّيّب} أي المنافق.
وقال آخرون: معنى ذلك: حتّى يميّز المؤمن من الكافر بالهجرة والجهاد.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ما كان اللّه ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه} يعني: الكفّار، يقول: لم يكن اللّه ليدع المؤمنين على ما أنتم عليه من الضّلالة {حتّى يميز الخبيث من الطّيّب} يميّز بينهم في الجهاد والهجرة.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة في قوله: {حتّى يميز الخبيث من الطّيّب} قال: حتّى يميّز الفاجر من المؤمن.
- حدّثنا محمّدٌ، قال: حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ما كان اللّه ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتّى يميز الخبيث من الطّيّب} قالوا: إن كان محمّدٌ صادقًا فليخبرنا بمن يؤمن باللّه به منا ومن يكفر فأنزل اللّه: {ما كان اللّه ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتّى يميز الخبيث من الطّيّب} حتّى يخرج المؤمن من الكافر.
والتّأويل الأوّل أولى بتأويل الآية، لأنّ الآيات قبلها في ذكر المنافقين وهذه في سياقتها، فكونها بأن تكون فيهم أشبه منها بأن تكون في غيرهم). [جامع البيان: 6/262-264]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وما كان اللّه ليطلعكم على الغيب ولكنّ اللّه يجتبي من رسله من يشاء}
اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم بما:
- حدّثنا به محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وما كان اللّه ليطلعكم على الغيب} وما كان اللّه ليطلع محمّدًا على الغيب، ولكنّ اللّه اجتباه فجعله رسولا.
وقال آخرون بما:
- حدّثنا به ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {وما كان اللّه ليطلعكم على الغيب} أي فيما يريد أن يبتليكم به، لتحذروا ما يدخل عليكم فيه: {ولكنّ اللّه يجتبي من رسله من يشاء} يعلمه.
وأولى الأقوال في ذلك بتأويله: وما كان اللّه ليطلعكم على ضمائر قلوب عباده، فتعرفوا المؤمن منهم من المنافق والكافر، ولكنّه يميّز بينهم بالمحن والابتلاء كما ميّز بينهم بالبأساء يوم أحدٍ، وجهاد عدوّه، وما أشبه ذلك من صنوف المحن، حتّى تعرفوا مؤمنهم وكافرهم ومنافقهم غير أنّه تعالى ذكره يجتبي من رسله من يشاء، فيصطفيه، فيطلعه على بعض ما في ضمائر بعضهم بوحيه ذلك إليه ورسالته.
- كما: حدّثنا محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ، في قوله: {ولكنّ اللّه يجتبي من رسله من يشاء}: يجتبى يمتحن يخلصهم لنفسه.
وإنّما قلنا هذا التّأويل أولى بتأويل الآية؛ لأنّ ابتداءها خبرٌ من اللّه تعالى ذكره أنّه غير تاركٍ عباده، يعني بغير محنٍ، حتّى يفرّق بالابتلاء بين مؤمنهم وكافرهم وأهل نفاقهم، ثمّ عقّب ذلك بقوله: {وما كان اللّه ليطلعكم على الغيب}، فكان فيما افتتح به من صفة إظهار اللّه نفاق المنافق وكفر الكافر، دلالةٌ واضحةٌ على أنّ الّذي ولي ذلك هو الخبر عن أنّه لم يكن ليطلعهم على ما يخفى عنهم من باطن سرائرهم إلاّ بالّذي ذكر أنّه مميّزٌ به بينهم إلاّ من استثناه من رسله الّذي خصّه بعلمه). [جامع البيان: 6/264-265]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فآمنوا باللّه ورسله وإن تؤمنوا وتتّقوا فلكم أجرٌ عظيمٌ}
يعني بذلك جلّ ثناؤه بقوله: {وإن تؤمنوا} وإن تصدّقوا من اجتبيته من رسلي بعلمي، وأطلعته على المنافقين منكم، وتتّقوا ربّكم بطاعته فيما أمركم به نبيّكم محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم وفيما نهاكم عنه {فلكم أجرٌ عظيمٌ} يقول: فلكم بذلك من إيمانكم واتّقائكم ربّكم ثوابٌ عظيمٌ.
- كما: حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {فآمنوا باللّه ورسله وإن تؤمنوا وتتّقوا} أي ترجعوا وتتوبوا {فلكم أجرٌ عظيمٌ}). [جامع البيان: 6/266]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ما كان اللّه ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتّى يميز الخبيث من الطّيّب وما كان اللّه ليطلعكم على الغيب ولكنّ اللّه يجتبي من رسله من يشاء فآمنوا باللّه ورسله وإن تؤمنوا وتتّقوا فلكم أجرٌ عظيمٌ (179)
قوله تعالى: ما كان اللّه ليذر المؤمنين
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قال: يقول للكفّار: ما كان اللّه ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس، ثنا يزيد، ثنا سعيدٌ، عن قتادة:
قوله: ما كان اللّه ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه يعني: الكفّار، يقول: لم يكن ليدع المؤمنين على ما أنتم عليه من الضّلالة.
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ، ثنا أحمد بن المفضّل، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قال: قالوا: إن كان محمّدٌ صادقاً، فليخبرنا بمن يؤمن به منّا ومن يكفر، فأنزل اللّه تعالى: ما كان اللّه ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: على ما أنتم عليه: من الكفر.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا عليّ بن زنجة، ثنا عليّ بن الحسين، عن الحسين بن واقدٍ، عن مطرٍ في قوله: ما كان اللّه ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه:
من الضّلالة.
قوله تعالى: حتّى يميز الخبيث من الطيب
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ حتّى يميز الخبيث من الطّيّب: فيميز أهل السعادة من أهل الشقاء.
[الوجه الثّاني]
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: حتّى يميز الخبيث من الطّيّب: حتّى يخرج الكافر من المؤمن.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: حتّى يميز الخبيث من الطّيّب: ميّز منهم يوم أحدٍ المنافق من المؤمن.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محكمٍ، ثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، ثنا عبّاد بن منصورٍ قال: سألت الحسن عن قوله: حتّى يميز الخبيث من الطّيّب: حتّى نبتليهم ويعلم الصّادق، ويعلم الكاذب فأمّا المؤمن فصدق، وأمّا الكافر فكذب.
والوجه الرّابع:
- حدّثنا محمّد بن يحيى، ثنا العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد، ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: حتّى يميز الخبيث من الطّيّب: فيميز بينهم بالجهاد والهجرة، وروي عن مطرٍ نحو ذلك.
قوله تعالى: وما كان اللّه ليطلعكم على الغيب
[الوجه الأول]
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محكمٍ، ثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، ثنا عبّاد بن منصورٍ قال: سألت الحسن عن قوله: وما كان اللّه ليطلعكم على الغيب قال: ولا يطلع على الغيب إلا رسولٌ.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: ما كان اللّه ليطلعكم على الغيب قال: ما كان اللّه ليطلع محمّداً على الغيب.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا محمّد بن عمرٍو، ثنا سلمة قال محمّدٌ:
وما كان اللّه ليطلعكم على الغيب أي: فيما يريد أن يبتليكم به لتحذروا ما يدخل عليكم فيه.
قوله تعالى: ولكنّ اللّه يجتبي
[الوجه الأول]
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: يجتبي من رسله من يشاء يجتبي: يمتحن.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو بكر بن أبي موسى، ثنا هارون بن حاتمٍ، ثنا عبد الرّحمن بن أبي حمّادٍ، ثنا أسباط بن نصرٍ، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ قوله: يجتبي يعني:
يستخلص.
قوله تعالى: من رسله من يشاء
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ من رسله من يشاء: يختصّهم لنفسه.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا زنيجٌ، ثنا سلمة، قال محمّد بن إسحاق:
يجتبي من رسله من يشاء: يعلمه.
قوله تعالى: فآمنوا باللّه ورسله وإن تؤمنوا وتتّقوا فلكم أجرٌ عظيم
- وبه قال: قال محمّد بن إسحاق: فآمنوا باللّه ورسله وإن تؤمنوا وتتّقوا أي: ترجعوا وتتوبوا فلكم أجرٌ عظيمٌ). [تفسير القرآن العظيم: 2/824-826]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ولكن الله
[تفسير مجاهد: 139]
يجتبي من رسله من يشاء قال يخلصهم لنفسه). [تفسير مجاهد: 140]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 179
أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي قال: قالوا إن كان محمد صادقا فليخبرنا بمن يؤمن به منا ومن يكفر فأنزل الله {ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه} الآية.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس قال: يقول للكفار {ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه} من الكفر {حتى يميز الخبيث من الطيب} فيميز أهل السعادة من أهل الشقاوة.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال: يقول للكفار لم يكن ليدع المؤمنين على ما أنتم عليه من الضلالة حتى يميز الخبيث من الطيب فميز بينهم في الجهاد والهجرة.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في الآية قال: ميز بينهم يوم أحد، المنافق من المؤمن.
وأخرج سعيد بن منصور عن مالك بن دينار أنه قرأ {حتى يميز الخبيث من الطيب}.
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ {حتى يميز الخبيث من الطيب} مخففة منصوبة الياء.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله {وما كان الله ليطلعكم على الغيب} قال: ولا يطلع على الغيب إلا رسول.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء} قال: يختصهم لنفسه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك {يجتبي} قال: يستخلص). [الدر المنثور: 4/153-154]

تفسير قوله تعالى: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني اللّيث بن سعدٍ عن عبيد اللّه بن أبي جعفرٍ عن صفوان بن سليمٍ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ذكر أهل اليمن، فقيل: يا رسول اللّه، أليس يؤتون زكاة أموالهم ويتصدّقون، قال: فكيف بما تحوي الفضول من سأله ذو قرابةٍ حقًّا من غنًى فمنعه طوّق شجاعًا أقرع حتّى يقضي بين الخلق يوم القيامة،
[الجامع في علوم القرآن: 1/33]
ثم قال: {ولا تحسبن الّذين يبخلون بما آتاهم اللّه من فضله هو خيرٌ لهم بل هو شرٌ لهم سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة}). [الجامع في علوم القرآن: 1/34]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وحدّثني من سمع أبا الأحوص يخبر عن عاصم بن بهدلة
[الجامع في علوم القرآن: 1/99]
عن شقيق بن سلمة عن عبد اللّه بن مسعودٍ في قول اللّه: {سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة}، قال: يطوّق شجاعًا أقرع بفيه زبيبتان ينقر رأسه يقول: ما لي ولك، قال: يقول: أنا مالك الّذي بخلت بي.
قال الأحوص: أحسبه قال: حتى يلقى الحساب). [الجامع في علوم القرآن: 1/100]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني أشهل، عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي وائلٍ، عن
[الجامع في علوم القرآن: 1/146]
ابن مسعودٍ في هذه الآية: {سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة}، قال: شجاعٌ أسود). [الجامع في علوم القرآن: 1/147]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى سيطوقون ما بخلوا به يوم القيمة قال يطوقون في أعناقهم يوم القيامة). [تفسير عبد الرزاق: 1/140]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا الثوري عن منصور عن إبراهيم في قوله تعالى سيطوقون ما بخلوا قال طوق من نار). [تفسير عبد الرزاق: 1/141]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا الثوري عن أبي إسحاق عن أبي وائل عن ابن مسعود قال يجيء ماله يوم القيامة ثعبانا فينقر رأسه ويقول أنا مالك الذي بخلت بي فينطوي على عنقه). [تفسير عبد الرزاق: 1/141]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن منصورٍ عن إبراهيم في قوله: {سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة} قال: طوقا من نار [الآية: 180].
سفيان [الثوري] عن أبي إسحاق عن أبي وائلٍ عن عبد اللّه في قوله: {سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة} قال: يجيء ماله ثعبانًا، ينقر رأسه يقول: أنا مالك الذي بخلت به فينطوي على عنقه). [تفسير الثوري: 82]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {ولا يحسبنّ الّذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرًا لهم بل هو شرٌّ لهم سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو الأحوص، عن عاصم بن بهدلة، عن أبي وائل، عن ابن مسعودٍ - في قوله عزّ وجلّ: {سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة}، قال: يطوّق (شجاعًا) أقرع بفيه زبيبتان ينقر رأسه، فيقول: ما لي ولك؟ فيقول: أنا مالك الّذي بخلت بي.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا خلف بن خليفة، قال: نا أبو هاشمٍ، عن أبي وائلٍ، عن مسروقٍ، قال: هو الرّجل يرزقه اللّه المال، فيمنع قرابته الحقّ الّذي جعل اللّه لهم في ماله، فيجعل حيّةً، فيطوّقها، فيقول للحيّة: ما لي وما لك؟ فتقول: أنا مالك.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا جريرٌ، عن منصورٍ، عن إبراهيم - في قوله عزّ وجلّ: {سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة} -، قال: طوقٌ من نار). [سنن سعيد بن منصور: 3/1129-1135]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب (ولا يحسبنّ الّذين يبخلون بما آتاهم اللّه من فضله هو خيرًا لهم، بل هو شرٌّ لهم، سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة وللّه ميراث السّموات والأرض واللّه بما تعملون خبيرٌ)
{سيطوّقون} [آل عمران: 180] : «كقولك طوّقته بطوقٍ»
- حدّثني عبد اللّه بن منيرٍ، سمع أبا النّضر، حدّثنا عبد الرّحمن هو ابن عبد اللّه بن دينارٍ، عن أبيه، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: " من آتاه اللّه مالًا فلم يؤدّ زكاته، مثّل له ماله شجاعًا أقرع، له زبيبتان يطوّقه يوم القيامة، يأخذ بلهزمتيه - يعني بشدقيه - يقول: أنا مالك أنا كنزك " ثمّ تلا هذه الآية: (ولا يحسبنّ الّذين يبخلون بما آتاهم اللّه من فضله) إلى آخر الآية). [صحيح البخاري: 6/39]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب ولا يحسبنّ الّذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله الآية)
ساق غير أبي ذرٍّ إلى قوله خبيرٌ قال الواحديّ أجمع المفسّرون على أنّها نزلت في مانعي الزّكاة وفي صحّة هذا النّقل نظرٌ فقد قيل إنّها نزلت في اليهود الّذين كتموا صفة محمّد قاله بن جريجٍ واختاره الزّجّاج وقيل فيمن يبخل بالنّفقة في الجهاد وقيل على العيال وذي الرّحم المحتاج نعم الأوّل هو الرّاجح وإليه أشار البخاريّ قوله سيطوّقون كقولك طوّقته بطوقٍ قال أبو عبيدة في قوله تعالى سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة أي يلزمون كقولك طوّقته بالطّوق وروى عبد الرّزّاق وسعيد بن منصورٍ من طريق إبراهيم النّخعيّ بإسنادٍ جيّدٍ في هذه الآية سيطوّقون قال بطوقٍ من النّار ثمّ ذكر حديث أبي هريرة فيمن لم يؤدّ الزّكاة وقد تقدّم مع شرحه في أوائل كتاب الزّكاة وكذا الاختلاف في التّطويق المذكور هل يكون حسّيًّا أو معنويًّا وروى أحمد والتّرمذيّ والنّسائيّ وصححه بن خزيمة من طريق أبي وائلٍ عن عبد اللّه مرفوعًا لا يمنع عبدٌ زكاة ماله إلّا جعل الله له شجاعًا أقرع يطوّق في عنقه ثمّ قرأ مصداقه في كتاب اللّه سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة وقد قيل إنّ الآية نزلت في اليهود الّذين سئلوا أن يخبروا بصفة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم عندهم فبخلوا بذلك وكتموه ومعنى قوله سيطوقون ما بخلوا أي بائمه). [فتح الباري: 8/230]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (14 - (بابٌ: {ولا تحسبنّ الّذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله} (آل عمران: 180) الآية)

أي: هذا باب في قوله تعالى: {ولا تحسبن الّذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله} الآية هكذا وقع في رواية أبي ذر، وفي رواية غيره سيقت الآية إلى آخرها قال الواحدي: أجمع المفسّرون على أنّها نزلت في مانعي الزّكاة، وروى عطيّة العوفيّ عن ابن عبّاس أنّها نزلت في أحبار اليهود الّذين كتموا صفة محمّد صلى الله عليه وسلم، ونبوته وأراد بالبخل كتمان العلم الّذي آتاهم الله عز وجل، وذكره الزّجاج أيضا عن ابن جريج واختاره، وفي (تفسير أبي عبد الله بن النّقيب) أن هذه الآية الكريمة نزلت في البخيل بنفقة الجهاد حيث كانت النّفقة فيه واجبة. وقيل: نزلت في النّفقة على العيال وذوي الأرحام إذا كانوا محتاجين. قال الزّمخشريّ، ولا تحسبن من قرأ بالتّاء قدر مضافا محذوفا أي: ولا تحسبن بخل الّذين يبخلون هو خيرا لهم، وكذلك من قرأ بالياء وجعل فاعل: يحسبن، ضمير رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو ضمير أحد، ومن جعل فاعله الّذين يبخلون كان المفعول الأول عنده محذوفا، تقديره، ولا تحسبن الّذين يبخلون بخلهم هو خيرا لهم، والّذي سوغ حذفه دلالة، يبخلون، عليه قوله: (هو خيرا لهم) كلمة هو فصل وقرأ الأعمش بغير هو. قوله: (سيطوقون) تفسير لقوله: (بل هو شرّ لهم) أي: سيلزمون وبال ما يخلو به إلزام الطوق، وروى عبد الرّزّاق وسعيد بن منصور من طريق إبراهيم النّخعيّ بإسناد جيد في هذه الآية سيطوقون، قال: بطوق من النّار.
سيطوّقون كقولك طوّقته بطوقٍ
أراد بهذا تفسير قوله: {سيطوقون ما بخلوا به} حاصل المعنى: أن ما بخلوا به في الدّنيا يجعل أطواقا يوم القيامة فيطوقون بها فعن ابن عبّاس، رضي الله تعالى عنهما سيحملون يوم القيامة ما بخلوا به، وعن مجاهد: يكلفون أن يأتوا بما بخلوا به، وعن أبي مالك العبدي: يخرج لهم ما بخلوا به شجاعا أقرع من النّار فيطوقونه، وعن ابن مسعود ثعبانا يلتوي به رأس أحدهم. قوله: (كقولك: طوقته) ، يعني الّذي بخلوا به يصير أطواقا في أعناقهم فيصيرون مطوقين. كما في قولك إذا قلت: طوقت فلانا، يعني: جعلت في عنقه طوقا حتّى صار مطوقا.

- حدّثني عبد الله بن منيرٍ سمع أبا النّضر حدّثنا عبد الرّحمان هو ابن عبد الله بن دينارٍ عن أبيه عن أبي صالحٍ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من آتاه الله مالا فلم يؤدّ زكاته مثل له ماله شجاعا أقرع له زبيبتان يطوّقه يوم القيامة يأخذ بلهزمتيه يعني بشدقيه يقول أنا مالك أنا كنزك ثمّ تلا هذه الآية {ولا يحسبنّ الّذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله} إلى آخر الآية.

مطابقته للتّرجمة ظاهرة وعبد الله بن منير، بضم الميم وكسر النّون على وزن اسم فاعل من الإنارة، أبو عبد الرّحمن المروزي الزّاهد، وأبو النّضر، بفتح النّون وسكون الضّاد المعجمة، هاشم بن القاسم ولقبه قيصر التّميمي، ويقال: الكناني الحافظ الخراساني، سكن بغداد، وأبو صالح السمان واسمه ذكوان. والحديث مضى في كتاب الزّكاة في: باب إثم مانع الزّكاة، فإنّه أخرجه هناك عن عليّ بن عبد الله عن هاشم بن القاسم عن عبد الرّحمن بن دينار إلى آخره نحوه: ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (مثل) على صيغة المجهول أي: صور له ماله (شجاعا) أي: حيّة (أقرع) أي: منحسر شعر الرّأس لكثرة سمه. والزبيبة، بفتح الزّاي وكسر الباء الموحدة الأولى: النقطة السّوداء فوق العين، واللهزمة: بكسر اللّام وسكون الهاء وبالزاي: وهي الشدق). [عمدة القاري: 18/153-154]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (14 - باب {ولا يحسبنّ الّذين يبخلون بما آتاهم اللّه من فضله هو خيرًا لهم بل هو شرٌّ لهم سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة وللّه ميراث السّماوات والأرض واللّه بما تعملون خبيرٌ} {سيطوّقون} كقولك طوّقته بطوقٍ
هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({ولا يحسبنّ الّذين يبخلون بما آتاهم اللّه من فضله هو خيرًا لهم}) قرئ يحسبن بالياء والتاء وعلى التقديرين المضاف محذوف أي بخل الذين إذا كان الحسبان للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم أو لكل أحد تقديره بخل الذين يبخلون وإذا كان الفاعل الذين فالتقدير بخلهم هو خيرًا لهم ({بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به}) بيان الشرية أي سيصير عذاب بخلهم لازمًا كالطوق في أعناقهم ({يوم القيامة}) روي أن حيّة تنهشه من فرقه إلى قدمه وتبقر رأسه ({ولله ميراث السماوات والأرض}) ما فيهما مما يتوارث ملك له تعالى فما لهؤلاء لا يبخلون بملكه ولا ينفقونه في سبيله والتعبير بالميراث خطاب بما نعلم ({والله بما تعملون خبير}) [آل عمران: 180] وسقط لغير أبي ذر من قوله: {هو خيرًا لهم} إلى آخره وقال الآية بالنصب.
وقال العوفي عن ابن عباس فيما رواه ابن جرير: نزلت في أهل الكتاب الذين بخلوا بما في أيديهم من الكتب المنزلة أن يبينوها، وقيل في اليهود الذين سئلوا أن يخبروا بصفة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم عندهم فبخلوا بذلك وكتموه فيكون البخل بكتمان العلم، والطوق أن يجعل في رقابهم أطواق النار وفي حديث أبي هريرة مرفوعًا: "من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة" رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وحسنه الترمذي وصححه الحاكم.
({سيطوقون}) قال البخاري كأبي عبيدة هو (كقولك طوّقته بطوق) وعند عبد الرزاق وسعيد بن منصور من طريق إبرهيم النخعي بإسناد جيد قال بطوق من النار.
- حدّثني عبد اللّه بن منيرٍ سمع أبا النّضر، حدّثنا عبد الرّحمن هو ابن عبد اللّه بن دينارٍ، عن أبيه عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «من آتاه اللّه مالًا فلم يؤدّ زكاته مثّل له ماله شجاعًا أقرع له زبيبتان، يطوّقه يوم القيامة يأخذ بلهزمتيه -يعني بشدقيه- يقول أنا مالك أنا كنزك» ثمّ تلا هذه الآية: «{ولا يحسبنّ الّذين يبخلون بما آتاهم اللّه من فضله} [آل عمران: 180])» إلى آخر الآية.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن منير) بضم الميم وبعد النون المكسورة تحتية ساكنة فراء المروزي أنه (سمع أبا النضر) بفتح النون وسكون الضاد المعجمة هاشم بن القاسم الملقب بقيصر التميمي يقول: (حدّثنا عبد الرحمن هو ابن عبد الله بن دينار عن أبيه عن أبي صالح) ذكوان السمان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه أنه (قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم):
(من آتاه الله) بمدّ الهمزة أي أعطاه الله (مالًا فلم يؤدّ زكاته مثل له) بضم الميم مبنيًّا للمفعول أي صوّر له (ماله) الذي لم يؤدّ زكاته (شجاعًا) قال في المصابيح نصب على الحال أي حية (أقرع) لا شعر على رأسه لكثرة سمّه وطول عمره (له زبيبتان) بزاي فموحدتين بينهما تحتية ساكنة نقطتان سوداوان فوق عينيه وهو أخبث ما يكون منها (يطوّقه) بفتح الواو المشدّدة أي يجعل طوقًا في عنقه (يوم القيامة يأخذ بلهزمته)، بكسر اللام والزاي بينهما هاء ساكنة ولأبي ذر والأصيلي بلهزمتيه بالتثنية (يعني بشدقيه) بكسر المعجمة أي فمه (يقول) أي الشجاع له (أنا مالك أنا كنزك) يقول له ذلك تهكمًا ويزيده حسرة (ثم تلا) أي قرأ صلّى اللّه عليه وسلّم (هذه الآية: {ولا تحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله} إلى آخر الآية) سقط لأبي ذر لفظ إلى آخر وقال: الآية.
وهذا الحديث سبق في باب إثم مانع الزكاة في كتابه). [إرشاد الساري: 7/66-67]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا ابن أبي عمر، قال: حدّثنا سفيان، عن جامعٍ وهو ابن أبي راشدٍ، وعبد الملك بن أعين، عن أبي وائلٍ، عن عبد الله بن مسعودٍ، يبلغ به النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: ما من رجلٍ لا يؤدّي زكاة ماله إلاّ جعل اللّه يوم القيامة في عنقه شجاعًا، ثمّ قرأ علينا مصداقه من كتاب الله عزّ وجلّ: {ولا يحسبنّ الّذين يبخلون بما آتاهم اللّه من فضله} الآية، وقال مرّةً: قرأ رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم مصداقه: سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة ومن اقتطع مال أخيه المسلم بيمينٍ لقي اللّه وهو عليه غضبان، ثمّ قرأ رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم مصداقه من كتاب الله: {إنّ الّذين يشترون بعهد اللّه} الآية.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. ومعنى قوله شجاعًا أقرع، يعني: حيّةً). [سنن الترمذي: 5/82]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {سيطوّقون ما بخلوا به}
- أخبرنا مجاهد بن موسى، حدّثنا ابن عيينة، عن جامع بن أبي راشدٍ، عن أبي وائلٍ، عن عبد الله، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما من رجلٍ له مالٌ لا يؤدّي حقّ ماله إلّا جعل له طوقًا في عنقه شجاعٌ أقرع فهو يفرّ منه وهو يتبعه» قال: ثمّ قرأ مصداقه من كتاب الله {ولا يحسبنّ الّذين يبخلون} [آل عمران: 180] إلى قوله: {يوم القيامة} [آل عمران: 180]). [السنن الكبرى للنسائي: 10/55]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا يحسبنّ الّذين يبخلون بما آتاهم اللّه من فضله هو خيرًا لهم بل هو شرٌّ لهم سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة وللّه ميراث السّموات والأرض واللّه بما تعملون خبيرٌ}
اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأه جماعةٌ من أهل الحجاز والعراق: {ولا يحسبنّ الّذين يبخلون} بالياء من يحسبنّ وقرأته جماعةٌ أخر: (ولا تحسبنّ) بالتّاء.
ثمّ اختلف أهل العربيّة في تأويل ذلك، فقال بعض نحويّي الكوفة: معنى ذلك: لا يحسبنّ الباخلون البخل هو خيرًا لهم، فاكتفى بذكر يبخلون من البخل، كما تقول: قدم فلانٌ فسررت به وأنت تريد فسررت بقدومه، وهو عمادٌ.
وقال بعض نحويّي أهل البصرة: إنّما أراد بقوله: (ولا تحسبنّ الّذين يبخلون بما آتاهم اللّه من فضله هو خيرًا لهم بل هو شرٌّ لهم) لا تحسبنّ البخل هو خيرًا لهم، فألقى الاسم الّذي أوقع عليه الحسبان به وهو البخل؛ لأنّه قد ذكر الحسبان، وذكر ما آتاهم اللّه من فضله، فأضمرهما إذ ذكرهما، قال: وقد جاء من الحذف ما هو أشدّ من هذا، قال: {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل} ولم يقل: ومن أنفق من بعد الفتح؛ لأنّه لمّا قال: {أولئك أعظم درجةً من الّذين أنفقوا من بعد} كان فيه دليلٌ على أنّه قد عناهم.
وقال بعض من أنكر قول من ذكرنا قوله من أهل البصرة أنّ {من} في قوله: {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح} في معنى جمعٍ، ومعنى الكلام: لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح في منازلهم وحالاتهم، فكيف من أنفق من بعد الفتح؟ فالأوّل مكتفٍ، وقال في قوله: {لا يحسبنّ الّذين يبخلون بما آتاهم اللّه من فضله هو خيرًا لهم} محذوفٌ، غير أنّه لم يحذف إلاّ وفي الكلام ما قام مقام المحذوف، لأنّ {هو} عائد البخل،
و{خيرًا لهم} عائد الأسماء، فقد دلّ هذان العائدان على أنّ قبلهما اسمين، واكتفى بقوله: يبخلون، من البخل، قال: وهذا إذا قرئ بالتّاء، فالبخل قبل الّذين، وإذا قرئ بالياء، فالبخل بعد الّذين، وقد اكتفى بالّذين يبخلون من البخل، كما قال الشّاعر:.
إذا نهي السّفيه جرى إليه = وخالف والسّفيه إلى خلاف
كأنّه قال: جرى إلى السّفه، فاكتفى عن بالسّفه السّفيه، كذلك اكتفى بالّذين يبخلون من البخل.
وأولى القراءتين بالصّواب في ذلك عندي، قراءة من قرأ: (ولا تحسبنّ الّذين يبخلون) بالتّاء بتأويل: ولا تحسبنّ أنت يا محمّد بخل الّذين يبخلون بما أتاهم اللّه من فضله، هو خيرًا لهم، ثمّ ترك ذكر البخل، إذ كان في قوله {هو خيرًا لهم}، دلالةٌ على أنّه مرادٌ في الكلام، إذ كان قد تقدّمه قوله: {الّذين يبخلون بما آتاهم اللّه من فضله}.
وإنّما قلنا: قراءة ذلك بالتّاء أولى بالصّواب من قراءته بالياء؛ لأنّ المحسبة من شأنها طلب اسمٍ وخبرٍ، فإذا قرئ قوله: {ولا يحسبنّ الّذين يبخلون} بالياء لم يكن للمحسبة اسمٌ يكون قوله: {هو خيرًا لهم} خبرًا عنه، وإذا قرئ ذلك بالتّاء كان قوله: {الّذين يبخلون} اسمًا له، قد أدّى عن معنى البخل الّذي هو اسم المحسبة المتروك، وكان قوله: {هو خيرًا لهم} خبرًا لها، فكان جاريًا مجرى المعروف من كلام العرب الفصيح، فلذلك اخترنا القراءة بالتّاء في ذلك على ما بيّنّاه، وإن كانت القراءة بالياء غير خطأٍ، ولكنّه ليس بالأفصح ولا الأشهر من كلام العرب.
وأمّا تأويل الآية الّذي هو تأويلها على ما اخترنا من القراءة في ذلك: ولا تحسبنّ يا محمّد بخل الّذين يبخلون بما أعطاهم اللّه في الدّنيا من الأموال، فلا يخرجون منه حقّ اللّه الّذي فرضه عليهم فيه من الزّكوات هو خيرًا لهم عند اللّه يوم القيامة، بل هو شرٌّ لهم عنده في الآخرة.
- كما: حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: (ولا تحسبنّ الّذين يبخلون بما آتاهم اللّه من فضله هو خيرًا لهم بل هو شرٌّ لهم):ام الذين يبخلون بما اتاهم الّذين آتاهم اللّه من فضله، فبخلوا أن ينفقوها في سبيل اللّه، ولم يؤدّوا زكاتها.
وقال آخرون: بل عنى بذلك اليهود الّذين بخلوا أن يبيّنوا للنّاس ما أنزل اللّه في التّوراة من أمر محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم ونعته.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: (ولا تحسبنّ الّذين يبخلون بما آتاهم اللّه من فضله) إلى {سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة} يعني بذلك أهل الكتاب أنّهم بخلوا بالكتاب أن يبيّنوه للنّاس.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قوله: (ولا تحسبنّ الّذين يبخلون بما آتاهم اللّه من فضله) قال: هم يهود، إلى قوله: {والكتاب المنير}
وأولى التّأويلين بتأويل هذه الآية التّأويل الأوّل وهو أنّه معنى بالبخل في هذا الموضع: منع الزّكاة لتظاهر الأخبار عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه تأوّل قوله: {سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة} قال: البخيل الّذي منع حقّ اللّه منه أنّه يصير ثعبانًا في عنقه، ولقول اللّه عقيب هذه الآية: {لقد سمع اللّه قول الّذين قالوا إنّ اللّه فقيرٌ ونحن أغنياء} فوصف جلّ ثناؤه قول المشركين من اليهود الّذين زعموا عند أمر اللّه إيّاهم بالزّكاة أنّ اللّه فقيرٌ). [جامع البيان: 6/266-270]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة}
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {سيطوّقون} سيجعل اللّه ما بخل به المانعون الزّكاة طوقًا في أعناقهم، كهيئة الأطواق المعروفة.
- كالّذي: حدّثني الحسن بن قزعة، قال: حدّثنا مسلمة بن علقمة، قال: حدّثنا داود، عن أبي قزعة، عن أبي مالكٍ العبديّ، قال: ما من عبدٍ يأتيه ذو رحمٍ له يسأله من فضلٍ عنده فيبخل عليه إلاّ أخرج له الّذي بخل به عليه شجاعًا أقرع وقال: وقرأ: (ولا تحسبنّ الّذين يبخلون بما آتاهم اللّه من فضله هو خيرًا لهم بل هو شرٌّ لهم سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة) إلى آخر الآية.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا داود، عن أبي قزعة، عن رجلٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: ما من ذي رحمٍ يأتي رحمه فيسأله من فضلٍ جعله اللّه عنده فيبخل به عليه إلاّ أخرج له من جهنّم شجاعٌ يتلمّظ حتّى يطوّقه.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا أبو معاوية محمّد بن خازمٍ، قال: حدّثنا داود، عن أبي قزعة حجر بن بيانٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ما من ذي رحمٍ يأتي ذا رحمه فيسأله من فضلٍ أعطاه اللّه إيّاه فيبخل به عليه، إلاّ أخرج له يوم القيامة شجاعٌ من النّار يتلمّظ حتّى يطوّقه ثمّ قرأ: {ولا يحسبنّ الّذين يبخلون بما آتاهم اللّه من فضله} حتّى انتهى إلى قوله: {سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة}.
- حدّثني زياد بن عبيد اللّه المرّيّ، قال: حدّثنا مروان بن معاوية، وحدّثني عبد اللّه ابن عبدالله الكلابيّ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن بكرٍ السّهميّ، وحدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا عبد الواحد بن واصلٍ أبو عبيدة الحدّاد واللّفظ ليعقوب جميعًا، عن بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة عن أبيه، عن جدّه، قال: سمعت نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: لا يأتي رجلٌ مولاه فيسأله من فضل مالٍ عنده فيمنعه إيّاه إلاّ دعا له يوم القيامة شجاعًا يتلمّظ فضله الّذي منع.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي وائلٍ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ: {سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة} قال: ثعبانٌ ينقر رأس أحدهم، يقول: أنا مالك الّذي بخلت به.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن أبي إسحاق، قال: سمعت أبا وائلٍ، يحدّث أنّه سمع عبد اللّه، قال في هذه الآية: سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة قال: شجاعٌ يلتوي برأس أحدهم.
- حدّثني ابن المثنّى قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، عن شعبة، قال: حدّثنا خلاّد بن أسلم، قال أخبرنا النّضر بن شميلٍ، قال: أخبرنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي وائلٍ، عن عبد اللّه، بمثله، إلاّ أنّهما قالا: قال شجاعٌ أسود.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن أبي إسحاق، عن أبي وائلٍ، عن ابن مسعودٍ، قال: يجيء ماله يوم القيامة ثعبانًا، فينقر رأسه فيقول: أنا مالك الّذي بخلت به، فينطوي على عنقه.
- حدّثت عن سفيان بن عيينة، قال: حدّثنا جامع بن ابى راشدّ، وعبد الملك بن أعين، عن أبي وائلٍ، عن ابن مسعودٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ما من أحدٍ لا يؤدّي زكاة ماله إلاّ مثّل له شجاعٌ أقرع يطوّقه ثمّ قرأ علينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {ولا يحسبنّ الّذين يبخلون بما آتاهم اللّه من فضله هو خيرًا لهم} الآية.
- حدثنا ابن المثنى قال حدثنا عبد الصمد قال حدثنا شعبة عن المغيرة عن الشعبى في قوله {سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة} قال شجاع يلتوى.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثني أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: أمّا {سيطوّقون ما بخلوا به} فإنّه يجعل ماله يوم القيامة شجاعًا أقرع يطوّقه، فيأخذ بعنقه، فيتبعه حتّى يقذفه في النّار.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا خلف بن خليفة، عن أبي هاشمٍ، عن أبي وائلٍ، قال: هو الرّجل الّذي يرزقه اللّه مالاً، فيمنع قرابته الحقّ الّذي جعل اللّه لهم في ماله، فيجعل حيّةً فيطوّقها، فيقول: ما لي ولك؟ فيقول: أنا مالك.
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا أبو غسّان، قال: حدّثنا إسرائيل، عن حكيم بن جبيرٍ، عن سالم بن أبي الجعد، عن مسروقٍ، قال: سألت ابن مسعودٍ عن قوله: {سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة} قال: يطوّقون شجاعًا أقرع، ينهش رأسه.
وقال آخرون: معنى ذلك: {سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة} فيجعل في أعناقهم طوقًا من نارٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن منصورٍ، عن إبراهيم: {سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة} قال: طوقًا من نّار.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن منصورٍ، عن إبراهيم أنّه قال في هذه الآية: سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة قال: طوقًا من نارٍ.
- حدّثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن منصورٍ، عن إبراهيم، في قوله: {سيطوّقون} قال: طوقًا من نارٍ.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن إبراهيم: سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة قال: طوقٌ من نارٍ.
- وقال آخرون: معنى ذلك: سيحمل الّذين كتموا نبوّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم من أحبار اليهود ما كتموا من ذلك.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه عن ابن عبّاسٍ، قوله: {سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة} يقول سيحملون يوم القيامه مابخلوا به ألم تسمع أنّه قال: {يبخلون ويأمرون النّاس بالبخل} يعني أهل الكتاب، يقول: يكتمون ويأمرون النّاس بالكتمان.
قال آخرون: معنى ذلك: سيكلّفون يوم القيامة أن يأتوا بما بخلوا به في الدّنيا من أموالهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ، في قوله: {سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة} قال: سيكلّفون أن يأتوا بما بخلوا به إلى قوله: {والكتاب المنير}.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {سيطوّقون} سيكلّفون أن يأتوا بمثل ما بخلوا به من أموالهم يوم القيامة
وأولى الأقوال بتأويل هذه الآية التّأويل الّذي قلناه في ذلك في مبدأ قوله: {سيطوّقون ما بخلوا به} للأخبار الّتي ذكرنا في ذلك عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. ولا أحد أعلم بما عنى اللّه تبارك وتعالى بتنزيله منه عليه الصّلاة والسّلام). [جامع البيان: 6/271-276]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وللّه ميراث السّموات والأرض واللّه بما تعملون خبيرٌ}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: أنّه الحيّ الّذي لا يموت، والباقي بعد فناء جميع خلقه.
فإن قال قائلٌ: فما معنى قوله: {وللّه ميراث السّموات والأرض} والميراث المعروف: هو ما انتقل من ملك مالكٍ إلى وارثه بموته وللّه الدّنيا قبل فناء خلقه وبعده؟
قيل: إنّ معنى ذلك ما وصفنا من وصفه نفسه بالبقاء، وإعلام خلقه أنّه كتب عليهم الفناء وذلك أنّ ملك المالك إنّما يصير ميراثًا بعد وفاته، فإنّما قال جلّ ثناؤه: {وللّه ميراث السّموات والأرض} إعلامًا بذلك منه عباده أنّ أملاك جميع خلقه منتقلةٌ عنهم بموتهم، وأنّه لا أحد إلاّ وهو فانٍ سواءً، فإنّه الّذي إذا هلك جميع خلقه، فزالت أملاكهم عنهم لم يبق أحدٌ يكون له ما كانوا يملكونه غيره.
وإنّما معنى الآية: لا تحسبنّ الّذي يبخلون بما آتاهم اللّه من فضله هو خيرًا لهم، بل هو شرٌّ لهم، سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة، بعد ما يهلكون، وتزول عنهم أملاكهم في الحين الّذي لا يملكون شيئًا، وصار للّه ميراثه وميراث غيره من خلقه، ثمّ أخبر تعالى ذكره أنّه بما يعمل هؤلاء الّذين يبخلون بما آتاهم اللّه من فضلهٍ، وغيرهم من سائر خلقه، ذو خبرةٍ وعلمٍ، محيطٌ بذلك كلّه، حتّى يجازي كلًّا منهم على قدر استحقاقه المحسن بالإحسان، والمسيء على ما يرى تعالى ذكره). [جامع البيان: 6/276-277]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ولا يحسبنّ الّذين يبخلون بما آتاهم اللّه من فضله هو خيرًا لهم بل هو شرٌّ لهم سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة وللّه ميراث السّماوات والأرض واللّه بما تعملون خبيرٌ (180)
قوله تعالى: ولا يحسبنّ الّذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله
[الوجه الأول]
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني عمّي الحسين، عن أبيه، عن جدّه، عن ابن عبّاسٍ قوله: ولا يحسبنّ الّذين يبخلون بما آتاهم اللّه من فضله هو خيرًا لهم بل هو شرٌّ لهم يعني بذلك أهل الكتاب أنّهم بخلوا بالكتاب أن يبيّنوه للنّاس.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محكمٍ، ثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، ثنا عبّاد بن منصورٍ قال: سألت الحسن عن قوله: ولا يحسبنّ الّذين يبخلون بما آتاهم اللّه من فضله هو خيرًا لهم بل هو شرٌّ لهم
قال: سيعذبون ب ما بخلوا به يوم القيامة قال: هم كافرٌ ومنافقٌ يبخل أن ينفق في سبيل اللّه.
- حدّثنا أحمد بن عثمان، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ:
أما الّذين يبخلون بما آتاهم اللّه من فضله، فيبخلون أن ينفقوها في سبيل ولم يؤدّوا زكاتها.
قوله تعالى: سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا الحميديّ، ثنا سفيان بن عيينة، ثنا جامع بن أبي راشدٍ، وعبد الملك بن أعين، عن أبي وائلٍ، عن عبد اللّه قال: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: ما من رجلٍ لا يؤدّي زكاة ماله إلا مثّل له يوم القيامة شجاعٌ أقرع يطوّقه، ثمّ قرأ علينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مصداقه من كتاب اللّه تعالى: سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة.
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ، ثنا عبد الرّحمن يعني: ابن مهديٍّ، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي وائلٍ، عن عبد اللّه: سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة قال: ثعبانٌ ينقر رأس أحدهم فيقول: أنا مالك الّذي بخلت به.
- حدّثنا يونس بن حبيبٍ، ثنا أبو داود، ثنا شعبة بإسناده نحوه، وقال:
أسود يلتوي برأس أحدهم.
- حدّثنا أبي، ثنا الحسين بن الرّبيع، ثنا أبو الأحوص، عن عاصمٍ، عن أبي وائلٍ عن عبد اللّه: سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة قال: يطوق شجاعا أقرع له زبيتان ينقر رأسه قال: يقول: مالي ولك؟ قال: أنا مالك الّذي بخلت.
- حدّثنا أحمد بن عصامٍ، ثنا مؤمّلٌ، ثنا إسرائيل، ثنا حكيم بن جبيرٍ، عن سالم بن أبي الجعد، عن أبيه، عن مسروقٍ قال: سألت عبد اللّه عن قوله:
سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة قال: يطوّق شجاعاً أقرع ينهش لهزميه.
والوجه الثّاني:
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، ثنا عمّي الحسين، عن أبيه، عن جدّه، عن ابن عبّاسٍ قوله: سيطوّقون ما بخلوا به يوم - قال أبو محمّدٍ: وروي عن مجاهدٍ قال: سيكلفون أن يأتوا بما بخلوا.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن منصورٍ عن إبراهيم قوله: سيطوّقون ما بخلوا به قال: بطوقٍ من نارٍ.
قوله تعالى: وللّه ميراث السماوات والأرض
- حدّثنا عليّ بن طاهرٍ، ثنا محمّد بن العلاء، ثنا عثمان بن سعيدٍ يعني:
الزّيّات، ثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ قال: قال جبريل: يا محمّد، للّه الخلق كلّه السّموات كلّهنّ، والأرضون كلّهنّ ومن فيهنّ ومن بينهنّ ممّا يعلم وممّا لا يعلم.
قوله تعالى: واللّه بما تعملون
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ قوله: واللّه بما تعملون يعني:
بما يكون
قوله تعالى: خبيرٌ
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس بن الوليد النّرسيّ، ثنا يزيد بن زريعٍ، ثنا سعيدٌ: عن قتادة قوله: خبيرٌ قال: خبيرٌ بخلقه). [تفسير القرآن العظيم: 2/826-828]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد سيطوقون ما بخلوا به يقول يكلفون أن يأتوا بما بخلوا به يوم القيامة). [تفسير مجاهد: 140]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرني يحيى بن منصورٍ القاضي، ثنا أبو عمر المستمليّ، ثنا أبو هشامٍ الرّفاعيّ، ثنا أبو بكر بن عيّاشٍ، ثنا أبو إسحاق، ثنا أبو وائلٍ، قال: قال عبد اللّه " سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة قال: ثعبانٌ له زبيبتان ينهشه في قبره، ويقول: أنا مالك الّذي بخلت به " سمعت يحيى بن منصورٍ يقول: سمعت أبا عمرٍو المستملي يقول: سمعت أبا هشامٍ الرّفاعيّ يقول: سمعت أبا بكر بن عيّاشٍ يقول: واللّه ما كذبت على أبي إسحاق ولا أرى أبا إسحاق كذب على أبي وائلٍ ولا أرى أبا وائلٍ كذب على عبد اللّه " رواه الثّوريّ عن أبي إسحاق
- أخبرناه أبو بكرٍ الشّافعيّ، ثنا إسحاق بن الحسن الحربيّ، ثنا أبو حذيفة، ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي وائلٍ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ، في قوله " {سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة} [آل عمران: 180] قال: قال عبد اللّه: يجيئه ثعبانٌ فينقر رأسه ثمّ يتطوّق في عنقه ثمّ يقول: أنا مالك الّذي بخلت به «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/326-327]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {سيطوّقون ما بخلوا به} [آل عمران: 180]
- عن عبد اللّه - يعني ابن مسعودٍ - في قوله: {سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة} [آل عمران: 180] قال: يطوّق شجاعًا أقرع بفيه زبيبتان، ينقر رأسه، فيقول: ما لي ولك؟! فيقول: أنا مالك الّذي بخلت به.
- وفي روايةٍ عن عبد اللّه أيضًا قال: من كان له مالٌ لم يؤدّ زكاته، طوّقه يوم القيامة شجاعًا أقرع ينقر رأسه، فيقول: أنا مالك الّذي كنت تبخل به، {سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة} [آل عمران: 180].
رواه كلّه الطّبرانيّ بأسانيد، ورجال أحدها ثقاتٌ). [مجمع الزوائد: 6/329]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (حدثنا أبو معاوية: عن داود - (هو) ابن أبي هندٍ -، عن أبي قزعة، عن حجير بن بيان رضي الله عنه، قال: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: ما من ذي رحمٍ (يأتي رحمه) فيسأله من فضل ما أعطاه اللّه تعالى إيّاه، فيبخل عليه، إلّا أخرج له يوم القيامة، شجاعٌ (يتلمّظ) حتّى يطوّقه، ثمّ قرأ: {ولا يحسبنّ الّذين يبخلون بما آتاهم اللّه من فضله}، الآية). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 14/546]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 180
أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس {ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله} يعني بذلك أهل الكتاب أنهم بخلوا بالكتاب أن يبينوه للناس {سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة} ألم تسمع أنه قال (يبخلون ويأمرون الناس بالبخل) (النساء الآية 37) يعني أهل الكتاب يقول: يكتمون ويأمرون الناس بالكتمان.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله {ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله} قال: هم يهود.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي {ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله} قال: بخلوا أن ينفقوها في سبيل الله ولم يؤدوا زكاتها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال: هم كافر ومؤمن بخل أن ينفق في سبيل الله.
وأخرج البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له شجاع أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة فيأخذ بلهزمتيه - يعني شدقيه - فيقول: أنا مالك، أنا كنزك، ثم تلا هذه الآية {ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله} الآية
وأخرج أحمد، وعبد بن حميد والترمذي وصححه، وابن ماجة والنسائي، وابن جرير، وابن خزيمة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن مسعود عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ما من رجل لا يؤدي زكاة ماله إلا مثل له يوم القيامة شجاع أقرع يفر منه وهو يتبعه فيقول: أنا كنزك حتى يطوق في عنقه، ثم قرأ علينا النّبيّ صلى الله عليه وسلم مصداقه من كتاب الله {ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله} الآية.
وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه عن ابن
مسعود في قوله {سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة} قال: من كان له مال لم يؤد زكاته طوقه الله يوم القيامة شجاعا أقرع بفيه زبيبتان ينقر رأسه حتى يخلص إلى دماغه، ولفظ الحاكم ينهسه في قبره فيقول: ما لي ولك فيقول: أنا مالك الذي بخلت بي.
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال: يكون المال على صاحبه يوم القيامة شجاعا أقرع إذا لم يعط حق الله منه فيتبعه وهو يلوذ منه
وأخرج ابن أبي شيبة في مسنده، وابن جرير عن حجر بن بيان عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ما من ذي رحم يأتي ذا رحمه فيسأله من فضل ما أعطاه الله إياه فيبخل عليه إلا خرج له يوم القيامة من جهنم شجاع يتلمظ حتى يطوقه، ثم قرأ {ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله} الآية.
وأخرج عبد بن حميد وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي، وابن جرير والبيهقي في الشعب عن معاوية بن حيدة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال لا يأتي الرجل مولاه فيسأله من فضل مال عنده فيمنعه إياه إلا دعى له يوم القيامة شجاع يتلمظ فضله الذي منع.
وأخرج الطبراني عن جرير بن عبد الله البجلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من ذي رحم يأتي ذا رحمه فيسأله فضلا أعطاه الله إياه فيبخل عليه إلا أخرج الله له حية من جهنم يقال لها شجاع يتلمظ فيطوق به.
وأخرج سعيد بن منصور والبيهقي في الشعب عن أبي الدرداء سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يؤتى بصاحب المال الذي أطاع الله فيه وماله بين يديه كلما تكفأ به الصراط قال له ماله: امض فقد أديت حق الله في، ثم يجاء بصاحب المال الذي لم يطع الله فيه وماله بين كتفيه كلما تكفأ به الصراط قال له ماله: ويلك ألا أديت حق الله في فما يزال كذلك حتى يدعو بالويل والثبور.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر عن مسروق في الآية قال: هو الرجل يرزقه الله المال فيمنع قرابته الحق الذي جعله الله لهم في ماله فيجعل حية فيطوقها فيقول للحية: ما لي ولك فتقول: أنا مالك.
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن إبراهيم النخعي في قوله {سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة} قال: طوقا من نار.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد {سيطوقون ما بخلوا به} قال: سيكلفون أن يأتوا بمثل ما بخلوا به من أموالهم يوم القيامة). [الدر المنثور: 4/154-158]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 8 جمادى الآخرة 1434هـ/18-04-2013م, 07:12 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي



تفسير قوله تعالى: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {مّا كان اللّه ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه...}
قال المشركون للنبيّ صلى الله عليه وسلم: مالك تزعم أن الرجل منا في النار، فإذا صبأ إليك وأسلم قلت: هو في الجنة، فأعلمنا من ذا يأتيك منّا قبل أن يأتيك حتّى نعرفهم، فأنزل الله تبارك وتعالى: {مّا كان اللّه ليذر المؤمنين} على ما تقولون أيها المشركون {حتّى يميز الخبيث من الطّيّب} ثم قال: ((لم يكن الله ليعلمكم ذلك فيطلعكم على غيبه)).). [معاني القرآن: 1/248]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {يجتبي من رسله}: يختار). [مجاز القرآن: 1/109]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({يجتبي}: يختار). [غريب القرآن وتفسيره: 112]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({حتّى يميز الخبيث من الطّيّب} يقول: حتى يخلّص المؤمنين من الكفار). [تفسير غريب القرآن: 116]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ما كان اللّه ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتّى يميز الخبيث من الطّيّب وما كان اللّه ليطلعكم على الغيب ولكنّ اللّه يجتبي من رسله من يشاء فآمنوا باللّه ورسله وإن تؤمنوا وتتّقوا فلكم أجر عظيم}
يروى في التفسير: أن الكفار قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - تخبرنا بأن الإنسان في النار حتى إذا صار من أهل ملّتك قلت إنه من أهل الجنة، فأعلم اللّه عزّ وجلّ - أن حكم من كفر أن يقال له: إنه من أهل النار، ومن آمن فهو - ما آمن وأقام على إيمانه وأدّى ما افترض عليه - من أهل الجنة، أعلم أن المؤمنين وهم (الطيّب) مميزّون من الخبيث، أي: مخلّصون.
وقوله عزّ وجلّ: {وما كان اللّه ليطلعكم على الغيب} أي: ما كان اللّه ليعلمكم من " يصير منكم مؤمنا بعد كفره، لأن الغيب إنما يطلع عليه الرسل لإقامة البرهان، لأنهم رسل وأن ما أتوا به من عند اللّه، وقد قيل في التفسير: ما بالنا نحن لا نكون أنبياء، فأعلم اللّه أن ذلك إليه، وأنه يختار لرسالاته من يشاء). [معاني القرآن: 1/492]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {وما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب}
قال قتادة: حتى يميز الكافر من المؤمن.
وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد: حتى يميز المؤمن من المنافق وكان هذا يوم أحد بين فيه المؤمن من المنافق حتى قتل من المسلمين من قتل.
ثم قال تعالى {وما كان الله ليطلعكم على الغيب}أي: ليس يخبركم من يسلم ومن يموت على الكفر.
ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء قال مجاهد أي يخلصهم لنفسه). [معاني القرآن: 1/514]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيسِيُّ (ت:437هـ): ({يَجْتَبِي}: يختار). [العمدة في غريب القرآن: 104]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ولا يحسبنّ الّذين يبخلون بما آتاهم اللّه من فضله هو خيراً لّهم...}
[يقال: إنما "هو" ههنا عماد، فأين اسم هذا العماد؟ قيل: هو مضمر، معناه: فلا يحسبن الباخلون البخل هو خيرا لهم] فاكتفى بذكر يبخلون من البخل؛ كما تقول في الكلام: قدم فلان فسررت به، وأنت تريد: سررت بقدومه، وقال الشاعر:
إذا نهى السفيه جرى إليه * وخالف، والسفيه إلى خلاف
يريد: إلى السفه. وهو كثير في الكلام.
وقوله: {سيطوّقون ما بخلوا به} يقال: هي الزكاة، يأتي الذي منعها يوم القيامة قد طوّق شجاعا أقرع بفيه زبيبتان يلدغ خدّيه، يقول: أنا الزكاة التي منعتني.
وقوله: {وللّه ميراث السّماوات والأرض}المعنى: يميت الله أهل السموات وأهل الأرض ويبقى وحده، فذلك ميراثه تبارك وتعالى: أنه يبقى ويفنى كل شيء). [معاني القرآن: 1/248-249]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ولا يحسبنّ الّذين يبخلون بما أتاهم الله من فضله هو خيراً لهم}: انتصب، ولم تعمل (هو) فيه، وكذلك كل ما وقفت فيه فلم يتمّ إّلا بخبر نحو: ما ظننت زيداً هو خيراً منك، وإنما نصبت (خيراً)، لأنك لا تقول: ما ظننت زيداً، ثم تسكت؛ وتقول: رأيت زيداً فيتم (الكلام)، فلذلك قلت: هو خير منك فرفعت وقد يجوز في هذا النصب.
{سيطوّقون}: يلزمون، كقولك طوّقته الطوق). [مجاز القرآن: 1/109-110]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ولا يحسبنّ الّذين يبخلون بما آتاهم اللّه من فضله هو خيراً لّهم بل هو شرٌّ لّهم سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة وللّه ميراث السّماوات والأرض واللّه بما تعملون خبيرٌ}
قال: {ولا يحسبنّ الّذين يبخلون بما آتاهم اللّه من فضله هو خيراً لّهم بل هو شرٌّ لّهم} فأراد "ولا تحسبنّ البخل هو خيراً لهم" فألقى الاسم الذي أوقع عليه الحسبان وهو "البخل"، لأنه قد ذكر الحسبان وذكر ما آتاهم الله من فضله فأضمرهما إذا ذكرهما.
وقد جاء من الحذف ما هو أشد من ذا، قال الله تعالى:
{لا يستوي منكم مّن أنفق من قبل الفتح وقاتل} ولم يقل "ومن أنفق من بعد" لأنه لما قال: {أولئك أعظم درجةً مّن الّذين أنفقوا من بعد} كان فيه دليل على أنه قد عناهم).
[معاني القرآن: 1/188-189]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({سيطوقون}: يلزمون في أعناقهم مثل الطوق.
ويروى في التفسير: " من بخل بزكاته جاء يوم القيامة وقد طوق شجاعا أقرع").
[غريب القرآن وتفسيره: 112]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة} أي: يلزم أعناقهم إثمه.
ويقال: هي الزكاة يأتي مانعها يوم القيامة قد طوّق شجاعا أقرع يقول: أنا الزكاة). [تفسير غريب القرآن: 116]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ولا يحسبنّ الّذين يبخلون بما آتاهم اللّه من فضله هو خيرا لهم بل هو شرّ لهم سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة وللّه ميراث السّماوات والأرض واللّه بما تعملون خبير} هذا يعني به: علماء اليهود الذين بخلوا بما آتاهم اللّه من علم نبوة النبي - صلى الله عليه وسلم - ومشاقته وعداوته وقد قيل إنهم الذين يبخلون بالمال فيمنعون الزكاة.
قال أهل العربية، المعنى: لا يحسبن الذين يبخلون البخل هو خيرا لهم.
ودل (يبخلون) على البخل. و (هو) ههنا فصل، وهو الذي يسميه الكوفيون العماد، وقد فسرناه إلا أنا أغفلنا فيه شيئا نذكره ههنا:
زعم سيبويه أن هو، وهما، وهم، وأنا، وأنت، ونحن - وهي، وسائر هذه الأشياء إنما تكون فصولا مع الأفعال التي تحتاج إلى اسم وخبر ولم يذكر سيبويه الفصل مع المبتدأ والخبر، ولو تأول متأول أن ذكره الفصل ههنا يدل على أنه جائز في المبتدأ أو الخبر كان ذلك غير ممتنع.
قال أبو إسحاق: والذي أرى أنا في هذه {ولا يحسبن الذين يبخلون} بالياء، ويكون الاسم محذوفا.
وقد يجوز {ولا تحسبن الذين يبخلون}، على معنى: ولا تحسبن بخل الذين يبخلون، ولكن حذف البخل من ههنا فيه قبح، إلا أن حذفه من قولك: {ولا يحسبن الذين يبخلون} قد دل يبخلون فيه على البخل، كما تقول: من كذب كان شرّا له، والقراءة بالتاء عندي لا تمنع، فيكون مثل {وأسأل القرية} أي: أهل القرية، فكذلك يكون معنى هذا: لا تحسبن بخل الباخلين خيرا لهم.
وقوله عزّ وجلّ: {وللّه ميراث السّماوات والأرض}أي: اللّه يغني أهلهما فيغنيان بما فيهما، ليس لأحد فيهما ملك فخوطب القوم بما يعقلون، لأنهم يجعلون ما رجع إلى الإنسان ميراثا إذا كان ملكا له). [معاني القرآن: 1/492-493]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة}في الآية قولان:
أحدهما: أنه يراد به اليهود لأنهم بخلوا أن يخبروا بصفة النبي صلى الله عليه وسلم فهي على هذا للتمثيل، أي: سيطوقون الإثم
والقول الآخر: هو الذي عليه أهل الحديث أنه روى أبو وائل عن عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من رجل له مال ثم بخل بالحق في ماله إلا طوق الله يوم القيامة شجاعا أقرع)) ثم تلا مصداق ذلك {ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله}إلى قوله:{سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة}
ثم قال عز وجل: {ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير}
العرب تسمي: كل ما صار إلى الإنسان مما قد كان في يد غيره ميراثا فخوطبوا على ما يعرفون لأن الله يغني الخلق وهو خير الوارثين). [معاني القرآن: 1/514-516]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ}أي: يلزم أعناقهم إثمه، وهو إثم منع الزكاة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 54]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({سَيُطَوَّقُونَ}: يلزمون). [العمدة في غريب القرآن: 104]

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 9 جمادى الآخرة 1434هـ/19-04-2013م, 09:31 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]
تفسير قوله تعالى: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (واعلم أن هاهنا حروفاً تنتصب بعدها الأفعال وليست الناصبة، وإنما أن بعدها مضمرةٌ. فالفعل منتصب بأن وهذه الحروف عوضٌ منها، ودالةٌ عليها.

فمن هذه الحروف الفاء، والواو، وأو، وحتى، واللام المكسورة.
فأما اللام فلها موضعان: أحدهما نفي، والآخر إيجاب. وذلك قوله: جئتك لأكرمك وقوله عز وجل: {ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر}. فهذا موضع الإيجاب.
و موضع النفي: ما كان زيد ليقوم. وكذلك قوله تبارك وتعالى: {ما كان الله ليذر المؤمنين} {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم} ). [المقتضب: 2/6-7]

تفسير قوله تعالى: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180) )
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (واعلم أن ما كان فصلا لا يغير ما بعده عن حاله التي كان عليها قبل أن يذكر وذلك قولك حسبت زيدا هو خيرا منك وكان عبد الله هو الظريف وقال الله عز وجل: {ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق}.
وقد زعم ناس أن هو هاهنا صفة فكيف يكون صفة وليس من الدنيا عربى يجعلها هاهنا صفة للمظهر. ولو كان ذلك كذلك لجاز مررت بعبد الله هو نفسه فهو هاهنا مستكرهة لا يتكلم بها العرب لأنه ليس من مواضعها عندهم. ويدخل عليهم إن كان زيد لهو الظريف وإن كنا
لنحن الصالحين. فالعرب تنصب هذا والنحويون أجمعون. ولو كان صفة لم يجز أن يدخل عليه اللام لأنك لا تدخلها في ذا الموضع على الصفة فتقول إن كان زيد للظريف عاقلا. ولا يكون هو ولا نحن هاهنا صفة وفيهما اللام.
ومن ذلك قوله عز وجل: {ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم} كأنه قال ولا يحسبن الذين يبخلون البخل هو خيرا لهم. ولم يذكر البخل اجتزاء بعلم المخاطب بأنه البخل لذكره يبخلون). [الكتاب: 2/390-391] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (واعلم أن جواب الأمر والنهي ينجزم بالأمر والنهي؛ كما ينجزم جواب الجزاء بالجزاء؛ وذلك لأن جواب الأمر والنهي يرجع إلى أن يكون جزاءً صحيحاً. وذلك قولك: ائتني أكرمك، لأن المعنى: فإنك إن تأتني أكرمك؛ ألا ترى أن الإكرام إنما يستحق بالإتيانو كذلك: لا تأت زيداً يكن خيراً لك؛ لأن المعنى: فإنك إلا تأته يكن خيراً لك.
ولو قال على هذا: لا تدن من الأسد يأكلك كان محالاً؛ لأنه إذا قال: لا تدن فإنما هو: تباعد، فتباعده منه لا يكون سبباً لأكله إياه. ولكن إن رفع جاز، فيكون المعنى: لا تدن من الأسد ثم قال: إنه مما يأكلك.
وإنما انجزم جواب الاستفهام؛ لأنه يرجع من الجزاء إلى ما يرجع إليه جواب الأمر والنهي وذلك قولك: أين بيتك أزرك? لأن المعنى: بإن أعرفه أزرك وكذلك هل تأتيني أعطك، وأحسن إليك؛لأن المعنى: فإنك إن تفعل أفعل.
فأما قول الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذابٍ أليمٍ} ثم قال: {تؤمنون بالله ورسوله} فإن هذا ليس بجواب، ولكنه شرح ما دعوا إليه، والجواب: {يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم}.
فإن قال قائل: فهلا كان الشرح أن تؤمنوا، لأنه بدل من تجارة? فالجواب في ذلك أن الفعل يكون دليلاً على مصدره، فإذا ذكرت ما يدل على الشيء فهو كذكرك إياه؛ ألا ترى أنهم يقولون: من كذب كان شراً، يريدون: كان الكذب وقال الله عز وجل: {ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم} لأن المعنى: البخل هو خيراً لهم، فدل عليه بقوله يبخلون. وقال الشاعر:


ألا أيـهــذا الــزاجــري أحــضــر الــوغــىوأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي

فالمعنى: عن أن أحضر الوغى، كقولك: عن حضور الوغى. فلما ذكر أحضر الوغى دل على الحضور. وقد نصبه قوم على إضمار أن وقدموا الرفع.
وسنذكر ذلك باستقصاء العلة فيه إن شاء الله.
فأما الرفع فلأن الأفعال لا تضمر عواملها، فإذا حذفت رفع الفعل وكان دالاً على مصدره بمنزلة الآية وهي {هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم} ثم قال: تؤمنون.
وكذلك لو قال قائل: ماذا يصنع زيد? فقلت:يأكل أو يصلي لأغناك عن أن تقول:الأكل أو الصلاة. ألا ترى أن الفعل إنما مفعوله اللازم له إنما هو المصدر، لأن قولك: قد قام زيد بمنزلة قولك: قد كان منه قيام، والقيام هو النوع الذي تعرفه وتفهمه ولو قلت: ضرب زيد لعلمت أنه قد فعل ضرباً واصلاً إلى مضروب، إلا أنك لا تعرف المضروب بقوله: ضرب وتعرف المصدر.
وأما الذين نصبوا فلم يأبوا الرفع، ولكنهم أجازوا معه النصب؛ لأن المعنى إنما حقه بأن، وقد أبان ذلك فيما بعده بقوله: وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي?. فجعله بمنزلة الأسماء التي يجيء بعضها محذوفاً للدلالة عليه.
وفي كتاب الله عز وجل: {يسأله من في السماوات والأرض} فالقول عندنا أن من مشتملة على الجميع؛ لأنها تقع للجميع على لفظ الواحد.
وقد ذهب هؤلاء القوم إلى أن المعنى: ومن في الأرض. وليس المعنى عندي كما قالوا وقالوا في بيت حسان:


فمن يهجوا رسول الله منكمويــمــدحــه ويــنــصـــره ســـــــواء

إنما المعنى: ومن يمدحه وينصره. وليس الأمر عند أهل النظر كذلك؛ ولكنه جعل من نكرةً، وجعل الفعل وصفاً لها، ثم أقام في الثانية الوصف مقام الموصوف. فكأنه قال: وواحد يمدحه وينصره، لأن الوصف يقع في موضع الموصوف، إذ كان دالاً عليه.
وعلى هذا قول الله عز وجل: {وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به} ). [المقتضب: 2/133-135] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وأنت إذا قلت: أعطيت زيداً مائة درهم، أو كسوته ثوبين فإنما أوصلت إليه هذا القدر بعينه من الدراهم، والثياب؛ فلذلك لم يجز أن تقيم المصدر مقام الفاعل إذا كان معه مفعول على الحقيقة، ولكنه قد يجوز أن تقيم المصادر، والظروف من الأمكنة والأزمنة مقام الفاعل إذا دخل المفعول من حروف الجر ما يمنعه أن يقوم مقام الفاعل، وذلك نحو قولك: سير بزيد سير شديد، وضرب بزيد عشرون سوطاً. المعنى: بسبب زيد، ومن أجله، وسير بزيد يوم الجمعة، واختلف به شهران، ومضى به فرسخان، ومشي به ميلان. أقمت هذه الأشياء مقام الفاعل، وقد يجوز نصبها في هذا الموضع وإن كان المفعول مجروراً على ما أصف لك.
فمن ذلك أنك إذا قلت: سير بزبد فرسخاً أضمرت السير؛ لأن سير يدل على السير، فلم تحتج إلى ذكره معه؛ كما تقول: من كذب كان شراً له، تريد: كان الكذب شراً له، فلم تذكر الكذب؛ لأن كذب قد دل عليه.
ونظيره قول الله عز وجل: {ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً} فلم يذكر البخل لذكره يبخلون.
وجاز أن يكون المضمر الطريق. فكأنه قال: سير عليه الطريق فرسخاً، فحذف لعلم المخاطب بما يعنى.
وجائز أن تقيم المجرور مع المصدر والظروف مقام الفاعل، فتقول: سير يزيد فرسخاً، فلا يمنعه حرف الجر من أن يكون فاعلاً؛ كما قال: ما من أحد، ف أحد فاعل وإن كان مجروراً بمن. وكذلك قوله: {أن ينزل عليكم من خير من ربكم} إنما هو خير من ربكم. ف من لم تغير المعنى وإن غيرت اللفظ. فهذا الذي ذكرته مشبه بذلك في هذا الموضع إذا نصبت المصادر والظروف على مواضعها، فلم تجعلها مفعولات على السعة). [المقتضب: 4/51-52]

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 02:53 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 02:53 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 02:54 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 02:54 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (واختلف المفسرون في معنى قوله تعالى: ما كان اللّه ليذر فقال مجاهد وابن جريج وابن إسحاق وغيرهم: الخطاب للمؤمنين، والمعنى: ما كان الله ليدع المؤمنين مختلطين بالمنافقين مشكلا أمرهم، يجري المنافق مجرى المؤمن، ولكنهم ميز بعضهم من بعض، بما ظهر من هؤلاء وهؤلاء في أحد من الأفعال والأقوال، وقال قتادة والسدي: الخطاب للكفار، والمعنى: حتى يميز المؤمنين من الكافرين بالإيمان والهجرة، وقال السدي وغيره: قال الكفار في بعض جدلهم: أنت يا محمد تزعم في الرجل منا أنه من أهل النار، وأنه إذا اتبعك من أهل الجنة، فكيف يصح هذا؟ ولكن أخبرنا بمن يؤمن منا وبمن يبقى على كفره، فنزلت الآية، فقيل لهم: لا بد من التمييز وما كان اللّه ليطلعكم على الغيب فيمن يؤمن ولا فيمن يبقى كافرا ولكن هذا رسول مجتبى فآمنوا به. فإن آمنتم نجوتم وكان لكم أجر، وأما مجاهد وابن جريج وأهل القول، فقولهم في تأويل قوله تعالى: وما كان اللّه ليطلعكم على الغيب أنه في أمر «أحد» أي ما كان الله ليطلعكم على أنكم تهزمون، فكنتم تكعون عن هذا. وأيضا فما كان ليطلعكم على المنافقين تصريحا بهم وتسمية لهم، ولكن هذا بقرائن أفعالهم وأقوالهم في مثل هذا الموطن، وحتى- في قوله: حتّى يميز غاية مجردة، لأن الكلام قبلها معناه: الله يخلص ما بينكم بابتلائه وامتحانه حتى يميز، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم: «حتى يميز» - بفتح الياء وكسر الميم وتخفيف الياء، وكذلك «ليميز»، وقرأ حمزة والكسائي: «حتى يميّز» و «ليميز الله» بضم الياء والتشديد، قال يعقوب بن السكيت: مزت وميزت، لغتان بمعنى واحد، قال أبو علي: وليس ميزت بمنقول من مزت، بدليل أن ميزت لا يتعدى إلى مفعولين وإنما يتعدى إلى مفعول واحد كمزت، كما أن «ألقيت» ليس بمنقول من لقي، إنما هو بمعنى أسقطت، والغيب هنا: ما غاب عن البشر مما هو في علم الله من الحوادث التي تحدث ومن الأسرار التي في قلوب المنافقين، ومن الأقوال التي يقولونها إذا غابوا عن الناس، قال الزجّاج وغيره: روي أن بعض الكفار قال: لم لا يكون جميعنا أنبياء؟ فنزلت هذه الآية، ويجتبي- معناه: يختار ويصطفي، وهي من جبيت الماء والمال، وباقي الآية بين والله المستعان). [المحرر الوجيز: 2/429-430]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: ولا يحسبنّ الّذين يبخلون بما آتاهم اللّه من فضله هو خيراً لهم بل هو شرٌّ لهم سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة وللّه ميراث السّماوات والأرض واللّه بما تعملون خبيرٌ (180) لقد سمع اللّه قول الّذين قالوا إنّ اللّه فقيرٌ ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حقٍّ ونقول ذوقوا عذاب الحريق (181)
لّقد سمع الله قول الّذين قالوا إنّ الله فقير ونحن أغنياء القراءات في قوله تعالى: ولا يحسبنّ الّذين يبخلون كالتي تقدمت آنفا في قوله ولا يحسبنّ الّذين كفروا سواء، وقال السدي وجماعة من المتأولين: الآية نزلت في البخل بالمال والإنفاق في سبيل الله وأداء الزكاة المفروضة ونحو ذلك، قالوا: ومعنى: سيطوّقون ما بخلوا هو الذي ورد في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما من ذي رحم يأتي ذا رحمه فيسأله عن فضل ما عنده فيبخل به عليه إلا خرج له يوم القيامة شجاع أقرع من الناس يتلمظ حتى يطوقه. والأحاديث في مثل هذا من منع الزكاة واكتناز المال كثيرة صحيحة. وقال ابن عباس: الآية إنما نزلت في أهل الكتاب وبخلهم ببيان ما علمهم الله من أمر محمد صلى الله عليه وسلم، وقال ذلك مجاهد وجماعة من أهل التفسير، وقوله تعالى سيطوّقون على هذا التأويل معناه سيحملون عقاب ما بخلوا به، فهو من الطاقة كما قال تعالى: وعلى الّذين يطيقونه [البقرة: 184] وليس من التطويق، وقال إبراهيم النخعي: سيطوّقون سيجعل لهم يوم القيامة طوق من نار، وهذا يجري مع التأويل الأول الذي ذكرته للسدي وغيره، وقال مجاهد: سيكلفون أن يأتوا بمثل ما بخلوا به يوم القيامة، وهذا يضرب مع قوله: إن البخل هو بالعلم الذي تفضل الله عليهم بأن علمهم إياه وإعراب قوله تعالى: الّذين يبخلون رفع في قراءة من قرأ «يحسبن» بالياء من أسفل والمفعول الأول مقدر بالصلة تقديره «ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم من فضله بخلهم هو خيرا»، والمفعول الثاني خيرا، وهو فاصلة وهي العماد عند الكوفيين، ودل قوله: يبخلون على هذا البخل المقدر كما دل السفيه على السفه في قول الشاعر: [الوافر]
إذ نهي السّفيه جرى إليه = وخالف، والسّفيه إلى خلاف
فالمعنى جرى إلى السفه، وأما من قرأ «تحسبن» بالتاء من فوق ففي الكلام حذف مضاف هو المفعول الأول، تقديره ولا تحسبن يا محمد بخل الذين يبخلون خيرا لهم، قال الزّجاج: وهي مثل وسئل القرية [يوسف: 82] وقوله تعالى: وللّه ميراث السّماوات خطاب على ما يفعله البشر دال على فناء الجميع وأنه لا يبقى مالك إلا الله تعالى وإن كان ملكه تعالى على كل شيء لم يزل، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «والله بما يعملون» بالياء من أسفل على ذكر الذين يبخلون ويطوقون، وقرأ الباقون بالتاء من فوق، وذلك على الرجوع من الغيبة إلى المخاطبة لأنه قد تقدم وإن تؤمنوا وتتّقوا [آل عمران: 179]). [المحرر الوجيز: 2/430-432]

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 02:54 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 02:54 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى: {ما كان اللّه ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتّى يميز الخبيث من الطّيّب} أي: لا بد أن يعقد سببًا من المحنة، يظهر فيه وليّه، ويفتضح فيه عدوّه. يعرف به المؤمن الصّابر، والمنافق الفاجر. يعني بذلك يوم أحدٍ الّذي امتحن به المؤمنين، فظهر به إيمانهم وصبرهم وجلدهم [وثباتهم] وطاعتهم للّه ولرسوله صلّى اللّه عليه وسلّم، وهتك به ستر المنافقين، فظهر مخالفتهم ونكولهم عن الجهاد وخيانتهم للّه ولرسوله [صلّى اللّه عليه وسلّم] ولهذا قال: {ما كان اللّه ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتّى يميز الخبيث من الطّيّب}.
قال مجاهدٌ: ميّز بينهم يوم أحدٍ. وقال قتادة: ميّز بينهم بالجهاد والهجرة. وقال السّدّي: قالوا: إن كان محمّدٌ صادقًا فليخبرنا عمّن يؤمن به منّا ومن يكفر. فأنزل اللّه: {ما كان اللّه ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتّى [يميز الخبيث من الطّيّب} أي: حتّى] يخرج المؤمن من الكافر. روى ذلك كلّه ابن جريرٍ:
ثمّ قال: {وما كان اللّه ليطلعكم على الغيب} أي: أنتم لا تعلمون غيب اللّه في خلقه حتّى يميز لكم المؤمن من المنافق، لولا ما يعقده من الأسباب الكاشفة عن ذلك.
ثمّ قال: {ولكنّ اللّه يجتبي من رسله من يشاء} كقوله {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدًا إلا من ارتضى من رسولٍ فإنّه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدًا} [الجنّ:26، 27].
ثمّ قال: {فآمنوا باللّه ورسله} أي: أطيعوا اللّه ورسوله واتّبعوه فيما شرع لكم {وإن تؤمنوا وتتّقوا فلكم أجرٌ عظيمٌ} ). [تفسير القرآن العظيم: 2/173]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ولا يحسبنّ الّذين يبخلون بما آتاهم اللّه من فضله هو خيرًا لهم بل هو شرٌّ لهم} أي: لا يحسبنّ البخيل أنّ جمعه المال ينفعه، بل هو مضّرة عليه في دينه -وربّما كان-في دنياه.
ثمّ أخبر بمآل أمر ماله يوم القيامة فقال: " سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة " قال البخاريّ:
حدّثنا عبد اللّه بن منيرٍ، سمع أبا النّضر، حدّثنا عبد الرّحمن -هو ابن عبد اللّه بن دينارٍ-عن أبيه، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "من آتاه الله مالا فلم يؤدّ زكاته مثّل له شجاعًا أقرع له زبيبتان، يطوّقه يوم القيامة، يأخذ بلهزمتيه -يعني بشدقيه-يقول: أنا مالك، أنا كنزك" ثمّ تلا هذه الآية: {ولا يحسبنّ الّذين يبخلون بما آتاهم اللّه من فضله هو خيرًا لهم بل هو شرٌّ لهم} إلى آخر الآية.
تفرّد به البخاريّ دون مسلمٍ من هذا الوجه، وقد رواه ابن حبّان في صحيحه من طريق اللّيث بن سعدٍ، عن محمّد بن عجلان، عن القعقاع بن حكيمٍ، عن أبي صالحٍ، به.
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا حجين بن المثنّى، حدّثنا عبد العزيز بن عبد اللّه بن أبي سلمة، عن عبد اللّه بن دينارٍ، عن ابن عمر، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "إنّ الّذي لا يؤدّي زكاة ماله يمثّل الله له ماله يوم القيامة شجاعًا أقرع له زبيبتان، ثمّ يلزمه يطوّقه، يقول: أنا كنزك، أنا كنزك".
وهكذا رواه النّسائيّ عن الفضل بن سهلٍ، عن أبي النّضر هاشم بن القاسم، عن عبد العزيز بن عبد اللّه بن أبي سلمة، به ثمّ قال النّسائيّ: ورواية عبد العزيز، عن عبد اللّه بن دينارٍ، عن ابن عمر، أثبت من رواية عبد الرّحمن، عن أبيه عبد اللّه بن دينارٍ، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة.
قلت: ولا منافاة بينهما فقد يكون عند عبد اللّه بن دينارٍ من الوجهين، واللّه أعلم. وقد ساقه الحافظ أبو بكر بن مردويه من غير وجهٍ، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة. ومن حديث محمّد بن أبي حميدٍ، عن زيادٍ الخطميّ، عن أبي هريرة، به.
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا سفيان، عن جامعٍ، عن أبي وائلٍ، عن عبد اللّه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم؛ قال: " ما من عبدٍ لا يؤدّي زكاة ماله إلّا جعل له شجاعٌ أقرع يتبعه، يفرّ منه وهو يتبعه فيقول: أنا كن ". ثمّ قرأ عبد اللّه مصداقه من كتاب اللّه: {سيطوّقون ما بخلوا به يوم القيامة}.
وهكذا رواه التّرمذيّ والنّسائيّ وابن ماجه، من حديث سفيان بن عيينة، عن جامع بن أبي راشدٍ، زاد التّرمذيّ: وعبد الملك بن أعين، كلاهما عن أبي وائلٍ شقيق بن سلمة، عن عبد اللّه بن مسعودٍ، به. ثمّ قال التّرمذيّ: حسنٌ صحيحٌ. وقد رواه الحاكم في مستدركه، من حديث أبي بكر بن عيّاشٍ وسفيان الثّوريّ، كلاهما عن أبي إسحاق السّبيعي، عن أبي وائلٍ، عن ابن مسعودٍ، به ورواه ابن جريرٍ من غير وجه، عن ابن مسعود، موقوفا.
حديثٌ آخر: قال الحافظ أبو يعلى: حدّثنا أميّة بن بسطام، حدّثنا يزيد بن زريع، حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن معدان بن أبي طلحة، عن ثوبان، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم؛ قال: " من ترك بعده كنزا مثّل له شجاعًا أقرع يوم القيامة له زبيبتان، يتبعه ويقول: من أنت؟ ويلك. فيقول: أنا كنزك الّذي خلّفت بعدك فلا يزال يتبعه حتّى يلقمه يده فيقضمها، ثمّ يتبعه سائر جس". إسناده جيّدٌ قويٌّ ولم يخرّجوه.
وقد رواه الطّبرانيّ عن جرير بن عبد اللّه البجلي ورواه ابن جريرٍ وابن مردويه من حديث بهز بن حكيمٍ، عن أبيه، عن جدّه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "لا يأتي الرّجل مولاه فيسأله من فضل ماله عنده، فيمنعه إيّاه، إلّا دعي له يوم القيامة شجاعٌ يتلمّظ فضله الّذي منع". لفظ ابن جريرٍ.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا ابن المثنّى، حدّثنا عبد الأعلى، حدّثنا داود، عن أبي قزعة، عن رجلٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "ما من ذي رحمٍ يأتي ذا رحمه، فيسأله من فضلٍ جعله الله عنده، فيبخل به عليه، إلّا أخرج له من جهنّم شجاعٌ يتلمّظ، حتّى يطوّقه".
ثمّ رواه من طريقٍ أخرى عن أبي قزعة -واسمه حجير بن بيان-عن أبي مالكٍ العبديّ موقوفًا. ورواه من وجهٍ آخر عن أبي قزعة مرسلًا.
وقال العوفي عن ابن عبّاسٍ: نزلت في أهل الكتاب الّذين بخلوا بما في أيديهم من الكتب المنزّلة أن يبيّنوها.
رواه ابن جريرٍ. والصّحيح الأوّل، وإن دخل هذا في معناه. وقد يقال: [إنّ] هذا أولى بالدّخول، واللّه أعلم.
وقوله: {وللّه ميراث السّماوات والأرض} أي: فأنفقوا ممّا جعلكم مستخلفين فيه، فإنّ الأمور كلّها مرجعها إلى اللّه عزّ وجلّ. فقدّموا لكم من أموالكم ما ينفعكم يوم معادكم {واللّه بما تعملون خبيرٌ} أي: بنياتكم وضمائركم). [تفسير القرآن العظيم: 2/174-176]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:06 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة