العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة البقرة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 9 ربيع الثاني 1434هـ/19-02-2013م, 06:42 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي تفسير سورة البقرة [من الآية (135) إلى الآية (138) ]

تفسير سورة البقرة
[من الآية (135) إلى الآية (138) ]


{وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135) قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137) صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (138)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 17 ربيع الثاني 1434هـ/27-02-2013م, 09:46 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف


جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135) }
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال معمر وقال أيوب: «ثم وقف به حتى إذا كان كالصلاة المؤخرة دفع به ثم رمى الجمرة ثم ذبح ثم حلق ثم أفاض به إلى البيت وقال الله لنبيه: {ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين} »). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 60] (م)
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال معمر وقال قتادة: «وقد تكون حنيفية في شرك ومن الحنيفية الختان وتحريم نكاح الأم والبنت والأخت ولكن الله قال: {حنيفا وما كان من المشركين}»
). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 60]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وقالوا كونوا هودًا أو نصارى تهتدوا}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {وقالوا كونوا هودًا أو نصارى تهتدوا} وقالت اليهود لمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه من المؤمنين: كونوا هودًا تهتدوا، وقالت النّصارى لهم: كونوا نصارى تهتدوا. تعني بقولها تهتدوا: أي تصيبوا طريق الحقّ.
- كما حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا يونس بن بكيرٍ، وحدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، جميعًا، عن ابن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، مولى زيد بن ثابتٍ، قال: حدّثني سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: قال عبد اللّه بن صوريا الأعور لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ما الهدى إلاّ ما نحن عليه، فاتّبعنا يا محمّد تهتد. وقالت النّصارى مثل ذلك. فأنزل اللّه عزّ وجلّ فيهم: {وقالوا كونوا هودًا أو نصارى تهتدوا قل بل ملّة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين}.
فاحتجّ اللّه لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم أبلغ حجّةٍ وأوجزها وأكملها، وعلّمها محمّدًا نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا محمّد قل للقائلين لك من اليهود والنّصارى ولأصحابك: كونوا هودًا أو نصارى تهتدوا، بل تعالوا نتّبع ملّة إبراهيم الّتي يجمع جميعنا على الشّهادة لها بأنّها دين اللّه الّذي ارتضاه واجتباه وأمر به، فإنّ دينه كان الحنيفيّة المسلمة، وندع سائر الملل الّتي نختلف فيها فينكرها بعضنا ويقرّ بها بعضنا، فإنّ ذلك على اختلافه لا سبيل لنا إلى الاجتماع عليه كما لنا السّبيل إلاّ الاجتماع على ملّة إبراهيم.
وفي نصب قوله: {بل ملّة إبراهيم} أوجهٍ ثلاثةٍ:
أحدها أن يوجّه معنى قوله: {وقالوا كونوا هودًا أو نصارى} إلى معنى: وقالوا اتّبعوا اليهوديّة والنّصرانيّة، لأنّهم إذ قالوا: كونوا هودًا أو نصارى إلى اليهوديّة والنّصرانيّة دعوهم، ثمّ يعطف على ذلك المعنى بالملّة، فيكون معنى الكلام حينئذٍ: قل يا محمّد لا نتّبع اليهوديّة والنّصرانيّة، ولا نتّخذها ملّةً، بل نتّبع ملّة إبراهيم حنيفًا، ثمّ يحذف نتّبع الثّانية، ويعطف بالملّة على أعراب اليهوديّة والنّصرانيّة.
والآخر أن يكون نصبه بفعلٍ مضمرٍ بمعنى نتّبع.
والثّالث أن يكون أريد: بل نكون أصحاب ملّة إبراهيم، أو أهل ملّة إبراهيم؛ ثمّ حذف الأهل والأصحاب، وأقيمت الملّة مقامهم، إذ كانت مؤدّيةً عن معنى الكلام، كما قال الشّاعر:


حسبت بغام راحلتي عناقًا ....... وما هي ويب غيرك بالعناق

يعني صوت عناقٍ، فتكون الملّة حينئذٍ منصوبةً عطفًا في الإعراب على اليهود والنّصارى. وقد يجوز أن يكون منصوبًا على وجه الإغراء، باتّباع ملّة إبراهيم.
وقرأ بعض القرّاء ذلك رفعًا، فتأويله على قراءة من قرأ رفعًا: بل الهدى ملّة إبراهيم). [جامع البيان: 2/ 589-591 ]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {بل ملّة إبراهيم حنيفًا}:
والملّة: الدّين. وأمّا الحنيف: فإنّه المستقيم من كلّ شيءٍ. وقد قيل: إنّ الرّجل الّذي تقبل إحدى قدميه على الأخرى إنّما قيل له أحنف نظرًا له إلى السّلامة، كما قيل للمهلكة من البلاد: المفازة، بمعنى الفوز بالنّجاة فيها والسّلامة؛ وكما قيل للّديغ: السّليم، تفاؤلاً له بالسّلامة من الهلاك، وما أشبه ذلك.
فمعنى الكلام إذًا: قل يا محمّد بل نتّبع ملّة إبراهيم مستقيمًا. فيكون الحنيف حينئذٍ حالاً من إبراهيم.
وأمّا أهل التّأويل فإنّهم اختلفوا في تأويل ذلك، فقال بعضهم: الحنيف: الحاجّ. وقال: إنّما سمّي دين إبراهيم الإسلام الحنيفيّة، لأنّه أوّل إمامٍ لزم العباد الّذين كانوا في عصره والّذين جاءوا بعده إلى يوم القيامة اتّباعه في مناسك الحجّ، والائتمام به فيه. قالوا: فكلّ من حجّ البيت فنسك مناسك إبراهيم على ملّته، فهو حنيفٌ مسلمٌ على دين إبراهيم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، قال: حدّثنا القاسم بن الفضل، عن كثير أبي سهلٍ، قال: «سألت الحسن عن الحنيفيّة، قال: حجّ البيت».
- حدّثني محمّد بن عمارة الأسديّ، قال: حدّثنا عبيد اللّه بن موسى قال: أخبرنا فضيلٌ، عن عطيّة: في قوله: {حنيفًا}، قال: «الحنيف: الحاجّ».
- حدّثني الحسين بن عليٍّ الصّدائيّ، قال: حدّثنا أبي، عن الفضيل، عن عطيّة مثله.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّام بن سلمٍ، عن عنبسة، عن محمّد بن عبد الرّحمن، عن القاسم بن أبي بزّة، عن مجاهدٍ، قال: «الحنيف: الحاجّ».
- حدّثني الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا ابن التّيميّ، عن كثير بن زيادٍ، قال: «سألت الحسن عن الحنيفيّة، قال: هو حجّ هذا البيت» قال ابن التّيميّ: «وأخبرني جويبرٌ، عن الضّحّاك بن مزاحمٍ مثله».
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا ابن مهديّ، قال: حدّثنا سفيان، عن السّدّيّ، عن مجاهدٍ: {حنفاء}، قال: «حجّاجًا».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: قوله: {حنيفًا}، قال: «حاجًّا».
- حدّثنا عن وكيعٍ، عن فضيل بن غزوان، عن عبد اللّه بن القاسم، قال: كان نّاس من مضرٍ يحجّون البيت في الجاهليّة يسمّون حنفاء، فأنزل اللّه تعالى ذكره: {حنفاء للّه غير مشركين به}.
وقال آخرون: الحنيف: المتّبع، كما وصفنا قبل من قول الّذين قالوا: إنّ معناه الاستقامة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {حنفاء}، قال: «متّبعين».
وقال آخرون: إنّما سمّي دين إبراهيم الحنيفيّة، لأنّه أوّل إمامٍ سنّ للعباد الختان، فاتّبعه من بعده عليه. قالوا: فكلّ من اختتن على سبيل اختتان إبراهيم، وهو على ما كان عليه إبراهيم من الإسلام، فهو حنيفٌ على ملّة إبراهيم.
وقال آخرون: بل ملّة إبراهيم حنيفًا، بل ملّة إبراهيم مخلصًا، فالحنيفة على قولهم: المخلص دينه للّه وحده.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {واتّبع ملّة إبراهيم حنيفًا} يقول: «مخلصًا».
وقال آخرون: بل الحنيفيّة الإسلام، فكلّ من ائتمّ بإبراهيم في ملّته فاستقام عليها فهو حنيفٌ.
قال أبو جعفرٍ: الحنيف عندي هو الاستقامة على دين إبراهيم واتّباعه على ملّته. وذلك أنّ الحنيفيّة لو كانت حجّ البيت لوجب أن يكون الّذين كانوا يحجّونه في الجاهليّة من أهل الشّرك كانوا حنفاء، وقد نفى اللّه أن يكون ذلك تحنّفًا بقوله: {ولكن كان حنيفًا مسلمًا وما كان من المشركين} فكذلك القول في الختان؛ لأنّ الحنيفيّة لو كانت هي الختان لوجب أن يكون اليهود حنفاء، وقد أخرجهم اللّه من ذلك بقوله: {ما كان إبراهيم يهوديًّا ولا نصرانيًّا ولكن كان حنيفًا مسلمًا}. فقد صحّ إذًا أنّ الحنيفيّة ليست الختان وحده، ولا حجّ البيت وحده، ولكنّه هو ما وصفنا من الاستقامة على ملّة إبراهيم واتّباعه عليها والائتمام به فيها.
فإن قال قائلٌ: أوما كان من كان قبل إبراهيم عليه السلام من الأنبياء وأتباعهم مستقيمين على ما أمروا به من طاعة الله استقامه إبراهيم وأتباعه؟ قيل: بلى.
فإن قال قائلٌ: فكيف أضيف الحنيفيّة إلى إبراهيم وأتباعه على ملّته خاصّةً دون سائر الأنبياء قبله وأتباعهم؟
قيل: إنّ كلّ من كان قبل إبراهيم من الأنبياء كان حنيفًا متّبعًا طاعة اللّه، ولكنّ اللّه تعالى ذكره لم يجعل أحدًا منهم إمامًا لمن بعده من عباده إلى قيام السّاعة، كالّذي فعل من ذلك بإبراهيم، فجعله إمامًا فيما بيّنه من مناسك الحجّ والختان، وغير ذلك من شرائع الإسلام، يقتدى به أبدًا إلى قيام السّاعة، وجعل ما سنّ من ذلك علمًا مميّزًا بين مؤمني عباده وكفّارهم والمطيع منهم له والعاصي، فسمّي الحنيف من النّاس حنيفًا باتّباعه ملّته واستقامته على هديه ومنهاجه، وسمّي الضّالّ عن ملّته بسائر أسماء الملل، فقيل: يهوديٌّ ونصرانيٌّ ومجوسيٌّ، وغير ذلك من صنوف الملل.
وأمّا قوله: {وما كان من المشركين} يقول: إنّه لم يكن ممّن يدين بعبادة الأوثان والأصنام. ولا كان من اليهود. ولا من النّصارى، بل كان حنيفًا مسلمًا). [جامع البيان: 2/ 591-595]

قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ( {وقالوا كونوا هودًا أو نصارى تهتدوا قل بل ملّة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين (135)}
قوله:{وقالوا كونوا هودًا أو نصارى تهتدوا}:
- ذكر عن محمّد بن عبد اللّه بن نميرٍ ثنا يونس بن بكيرٍ ثنا ابن إسحاق حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ حدّثني سعيد بن جبيرٍ، أو عكرمة عن ابن عباس قال: «
قال عبد الله بن صوريّا الأعور لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ما لهدى إلا ما نحن عليه فاتّبعنا يا محمّد تهتدي. وقالت النّصارى مثل ذلك فأنزل اللّه فيهم {وقالوا كونوا هودًا أو نصارى تهتدوا} ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 241]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {قل بل ملّة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين}
اختلف في تفسيره على أوجه:

الوجه الأول
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ- كاتب اللّيث- حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: حنيفًا يقول: «حاجًّا». وروي عن الحسن، والضّحّاك، وعطيّة، والسّدّيّ نحو ذلك.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي ثنا قبيصة وعيسى بن جعفرٍ قالا: ثنا سفيان عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ: حنيفًا قال: «متّبعًا». وروي عن الرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي ثنا عبد الرّحمن بن عبد اللّه بن عبد الحكم ثنا عثمان بن
صالحٍ ثنا ابن لهيعة عن أبي صخرٍ عن محمّد بن كعبٍ: حنيفًا قال: «الحنيف المستقيم»، قال أبو صخرٍ: عن عيسى بن جارية سمعته يقول مثله.
الوجه الرّابع:
- حدّثنا الأحمسيّ ثنا أبو يحيى الحمّانيّ عن أبي قتيبة البصريّ- هو نعيم بن ثابتٍ- عن أبي قلابة في قوله: حنيفًا قال: «الحنيف: الّذي يؤمن بالرّسل كلّهم من أوّلهم إلى آخرهم».
الوجه الخامس:
- حدّثنا أبي ثنا النّفيليّ ثنا محمّد بن سلمة عن خصيفٍ في قوله: حنيفًا قال: «الحنيف المخلص».
الوجه السّادس:
- حدّثنا محمّد بن عمّارٍ ثنا عبد الرّحمن بن عبد اللّه الدّشتكيّ أنبأ أبو جعفرٍ عن الرّبيع عن أبي العالية قال: «الحنيف: الّذي يستقبل البيت بصلاته، ويرى أنّ حجّه عليه إن استطاع إليه سبيلا».
الوجه السّابع:
- حدّثنا محمّد بن يحيى ثنا العبّاس ثنا يزيد بن زريعٍ ثنا سعيدٌ عن قتادة قال: «الحنيفيّة: شهادة أن لا إله إلا اللّه. يدخل فيها تحريم الأمّهات والبنات والخالات، والعمّات، وما حرّم اللّه عزّ وجلّ، والختان. وكانت حنيفةً في الشّرك:
كانوا أهل الشّرك، وكانوا يحرّمون في شركهم الأمّهات والبنات والخالات والعمّات، وكانوا يحجّون البيت، وينسكون المناسك»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 241-242]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين}:
أخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: «قال عبد الله بن صوريا الأعور للنبي صلى الله عليه وسلم ما الهدى إلا ما نحن عليه فاتبعنا يا محمد تهتد وقالت النصارى مثل ذلك فأنزل الله {وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا} الآية» ). [الدر المنثور: 1/ 721]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأمّا قوله تعالى: {حنيفا}:
أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله:{حنيفا} قال: «حاجا».
وأخرج ابن أبي حاتم محمد بن كعب قال: «الحنيف المستقيم».
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {حنيفا} قال: «متبعا».
وأخرج ابن أبي حاتم عن خصيف قال: «الحنيف المخلص».
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي قلابة قال: «الحنيف الذي يؤمن بالرسل كلهم من أولهم إلى آخرهم».
وأخرج ابن المنذر عن السدي قال: «ما كان في القرآن حنيفا مسلما وما كان في القرآن حنفاء مسلمين حجاجا».
وأخرج أحمد عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بعثت بالحنيفية السمحة».
وأخرج أحمد والبخاري في الأدب المفرد، وابن المنذر عن ابن عباس قال قيل: يا رسول الله أي الأديان أحب إلى الله قال: «الحنيفية السمحة».
وأخرج أبو الترس في الغرائب والحاكم في تاريخه وأبو موسى المديني في الصحابة، وابن عساكر عن سعد بن عبد الله بن مالك الخزاعي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة» ). [الدر المنثور: 1/ 722-723]

تفسير قوله تعالى: {قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136)}
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( قوله تعالى: {قولوا آمنّا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النّبيّون من ربّهم لا نفرّق بين أحدٍ منهم ونحن له مسلمون}
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيم، قال: نا جويبر، عن الضّحّاك، قال: «علّموا أولادكم، وأهاليكم، وخدمكم أسماء الأنبياء
الّذين ذكرهم اللّه في كتابه حتّى يؤمنوا بهم، ويصدّقوا بما جاءوا به، فإنّ اللّه يقول: {قولوا آمنّا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النّبيّون من ربّهم لا نفرّق بين أحدٍ منهم ونحن له مسلمون}» ). [سنن سعيد بن منصور: 2/ 617-618]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ): (باب {قولوا آمنّا باللّه وما أنزل إلينا}:

4485 - حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، حدّثنا عثمان بن عمر، أخبرنا عليّ بن المبارك، عن يحيى بن أبي كثيرٍ، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، قال: كان أهل الكتاب يقرءون التّوراة بالعبرانيّة، ويفسّرونها بالعربيّة لأهل الإسلام، فقال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «لا تصدّقوا أهل الكتاب ولا تكذّبوهم، وقولوا: {آمنّا باللّه وما أنزل إلينا} [البقرة: 136] الآية» ). [صحيح البخاري: 6/ 20-21]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ): ( (بابٌ: {قولوا آمنّا باللّه وما أنزل إلينا}:

أي: هذا باب يذكر فيه: {قولوا آمنا باللّه وما أنزل إلينا} ولم يثبت لفظ: باب إلاّ في رواية أبي ذر. قوله: (قولوا)، خطاب للمؤمنين، قاله الزّمخشريّ، ويجوز أن يكون خطابا للكافرين.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ حدّثنا عثمان بن عمر أخبرنا عليّ بن المبارك عن يحيى بن أبي كثيرٍ عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه. قال:كان أهل الكتاب يقرؤون التّوراة بالعبرانيّة
ويفسّرونها بالعربيّة لأهل الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تصدّقوا أهل الكتاب ولا تكذّبوهم و{قولوا آمنّا باللّه وما أنزل إلينا} [البقرة: 136] الآية».
مطابقته للآية في قوله: {قولوا آمنا باللّه وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم} إلى قوله: {ونحن له مسلمون}. والحديث ذكره البخاريّ أيضا في الاعتصام وفي التّوحيد عن محمّد بن بشار أيضا. وأخرجه النّسائيّ في التّفسير أيضا عن محمّد بن المثنى.
قوله: (كان أهل الكتاب)، أي: من اليهود. قوله: (لا تصدقوا)، إلى آخره، يعني: إذا كان ما يخبرونكم به محتملا لئلّا يكون في نفس الأمر صدقا فتكذبوه، أو كذبا فتصدقوه فتقعوا في الحرج، ولم يرد النّهي عن تكذيبهم فيما ورد شرعنا بخلافه، ولا عن تصديقهم فيما ورد شرعنا بوفاقه. وقال الخطابيّ: «هذا الحديث أصل في وجوب التّوقّف عمّا يشكل من الأمور فلا يقضي عليه بصحّة أو بطلان ولا بتحليل وتحريم، وقد أمرنا أن نؤمن بالكتب المنزلة على الأنبياء، عليهم السّلام، إلاّ أنه لا سبيل لنا إلى أن نعلم صحيح ما يحكونه عن تلك الكتب من سقيمه، فنتوقف فلا نصدقهم لئلّا نكون شركاء معهم فيما حرفوه منه، ولا نكذبهم فلعلّه يكون صحيحا فنكون منكرين لما أمرنا أن نؤمن به، وعلى هذا كان يتوقّف السّلف عن بعض ما أشكل عليهم وتعليقهم القول فيه كما سئل عثمان رضي الله عنه، عن الجمع بين الأختين في ملك اليمين، فقال: «أحلّتهما آية وحرمتهما آية»، وكما سئل ابن عمر عن رجل نذر أن يصوم كل اثنين، فوافق ذلك اليوم يوم عيد، فقال: «أمر الله بالوفاء بالنذر ونهى النّبي صلى الله عليه وسلمعن صوم يوم العيد»، فهذا مذهب من يسلك طريق الورع وإن كان غيرهم قد اجتهدوا واعتبروا الأصول فرجحوا أحد المذهبين على الآخر، وكل على ما ينويه من الخير ويؤمه من الصّلاح مشكور). [عمدة القاري: 18/ 93-94]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب {قولوا آمنّا باللّه وما أنزل إلينا}:

هذا (باب) بالتنوين {قولوا آمنًا بالله وما أنزل إلينا} [البقرة: 136] القرآن والخطاب للمؤمنين وسقط لفظ باب لغير أبي ذر.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، حدّثنا عثمان بن عمر، أخبرنا عليّ بن المبارك، عن يحيى بن أبي كثيرٍ، عن أبي سلمة عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: كان أهل الكتاب يقرءون التّوراة بالعبرانيّة ويفسّرونها بالعربيّة لأهل الإسلام، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا تصدّقوا أهل الكتاب، ولا تكذّبوهم وقولوا {آمنّا باللّه وما أنزل إلينا} [البقرة: 136]». [الحديث 4485 طرفاه في: 7262، 7542].
وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر حدّثني (محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة العبدي البصري يقال له بندار قال: (حدّثنا عثمان بن عمر) بضم العين ابن فارس البصري قال: (أخبرنا علي بن المبارك) الهنائي بضم الهاء وتخفيف النون ممدودة (عن يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة الطائي مولاهم (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: كان أهل الكتاب) اليهود (يقرؤون التوراة بالعبرانية) بكسر العين المهملة وسكون الموحدة (ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم): «لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم» يعني إذا كان ما يخبرونكم به محتملًا لئلا يكون في نفس الأمر صدقًا فتكذبوه أو كذبًا فتصدقوه فتقعوا في الحرج (وقولوا: {آمنا بالله وما أنزل إلينا}) [البقرة: 136] ولغير أبي ذر: الآية بدل قوله إلينا). [إرشاد الساري: 7/ 15]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قولوا آمنّا باللّه وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النّبيّون من ربّهم لا نفرّق بين أحدٍ منهم ونحن له مسلمون}:
يعني تعالى ذكره بذلك: قولوا أيّها المؤمنون لهؤلاء اليهود والنّصارى الّذين قالوا لكم: كونوا هودًا أو نصارى تهتدوا: آمنّا، أي صدّقنا باللّه.
وقد دلّلنا فيما مضى أنّ معنى الإيمان التّصديق بما أغنى عن إعادته.
{وما أنزل إلينا} يقول أيضًا: صدّقنا بالكتاب الّذي أنزل اللّه إلى نبيّنا محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم. فأضاف الخطاب بالتّنزيل إليهم إذ كانوا متّبعيه ومأمورين منهيّين به، فكان وإن كان تنزيلاً إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بمعنى التّنزيل إليهم للّذي لهم فيه من المعاني الّتي وصفت.
ويعني بقوله: {وما أنزل إلى إبراهيم} صدّقنا أيضًا وآمنّا بما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط، وهم الأنبياء من ولد يعقوب.
وقوله: {وما أوتي موسى وعيسى} يعني: وآمنّا أيضًا بالتّوراة الّتي آتاها اللّه موسى، وبالإنجيل الّذي آتاه اللّه عيسى، والكتب الّتي آتى النّبيّين كلّهم، وأقررنا وصدّقنا أنّ ذلك كلّه حقٌّ وهدًى ونورٌ من عند اللّه. وأنّ جميع من ذكر اللّه من أنبيائه كانوا على حقٍّ وهدًى يصدّق بعضهم بعضًا على منهاجٍ واحدٍ في الدّعاء إلى توحيد اللّه والعمل بطاعته.
{لا نفرّق بين أحدٍ منهم} يقول: لا نؤمن ببعض الأنبياء ونكفر ببعضٍ، ونتبرّأ من بعضٍ، ونتولّى بعضًا، كما تبرّأت اليهود من عيسى ومحمّدٍ عليهما السّلام وأقرّت بغيرهما من الأنبياء، وكما تبرّأت النّصارى من محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وأقرّت بغيره من الأنبياء؛ بل نشهد لجميعهم أنّهم كانوا رسل اللّه وأنبياءه، بعثوا بالحقّ والهدى.
وأمّا قوله: {ونحن له مسلمون} فإنّه يعني تعالى ذكره: ونحن له خاضعون بالطّاعة، مذعنون له بالعبوديّة. فذكر أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال ذلك لليهود، فكفروا بعيسى وبمن يؤمن به.
- كما حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا يونس بن بكيرٍ، قال: حدّثنا محمّد بن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، مولى زيد بن ثابتٍ، قال: حدّثني سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نفرٌ من اليهود فيهم أبو ياسر بن أخطب ورافع بن أبي رافعٍ وعازرٌ وخالدٌ وزيدٌ وأزار بن أبي أزارٍ وأشيع، فسألوه عمّن يؤمن به من الرّسل، فقال: «أؤمن باللّه وما أنزل إلينا، وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط، وما أوتي موسى وعيسى، وما أوتي النّبيّون من ربّهم، لا نفرّق بين أحدٍ منهم ونحن له مسلمون».
فلمّا ذكر عيسى جحدوا نبوّته وقالوا: لا نؤمن بعيسى، ولا نؤمن بمن آمن به. فأنزل اللّه فيهم: {قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منّا إلاّ أن آمنّا باللّه وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأنّ أكثركم فاسقون}.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثنا محمّد بن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فذكر نحوه، إلاّ أنّه، قال: ونافع بن أبي نافعٍ، مكان رافع بن أبي رافعٍ.
وقال قتادة: «أنزلت هذه الآية أمرًا من اللّه تعالى ذكره للمؤمنين بتصديق رسله كلّهم».
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {قولوا آمنّا باللّه وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم} إلى قوله: {ونحن له مسلمون} أمر اللّه المؤمنين أن يؤمنوا ويصدّقوا بأنبيائه ورسله كلّهم، ولا يفرّقوا بين أحدٍ منهم.
وأمّا الأسباط الّذين ذكرهم فهم اثنا عشر رجلاً من ولد يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، ولد كلّ رجلٍ منهم أمّةً من النّاس، فسمّوا أسباطًا.
- كما حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: «الأسباط: يوسف وإخوته بنو يعقوب، ولد اثني عشر رجلاً، فولد كلّ رجلٍ منهم أمّةً من النّاس، فسمّوا أسباطًا».
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: «أمّا الأسباط فهم بنو يعقوب: يوسف، وبنيامين، وروبيل، ويهوذا، وشمعون، ولاوي، ودان، وقهاث».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قال: «الأسباط: يوسف وإخوته بنو يعقوب اثنا عشر رجلاً، فولد لكلّ رجلٍ منهم أمّةٌ من النّاس، فسمّوا الأسباط».
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثني محمّد بن إسحاق، قال: «نكح يعقوب بن إسحاق وهو إسرائيل ابنة خاله ليا ابنة ليان بن تبويل بن إلياس، فولدت له روبيل بن يعقوب، وكان أكبر ولده، وشمعون بن يعقوب، ولاوي بن يعقوب، ويهوذا بن يعقوب، وربالون بن يعقوب، ويشجر بن يعقوب ودينة بنت يعقوب. ثمّ توفّيت ليا بنت ليان، فخلّف يعقوب على أختها راحيل بنت ليان بن توبيل بن إلياس، فولدت له يوسف بن يعقوب وبنيامين بن يعقوب، وهو بالعربيّة شدادٌ، وولد له من سريّتين له اسم إحداهما زلفة، واسم الأخرى بلهة أربعة نفرٍ: دان بن يعقوب، ونفثالي بن يعقوب، وجاد بن يعقوب، وأشر بن يعقوب. فكان بنو يعقوب اثني عشر رجلاً، نشر اللّه منه اثني عشر سبطًا لا يحصى عددهم ولا يعلم أنسابهم إلاّ اللّه، يقول اللّه تعالى: {وقطّعناهم اثنتي عشرة أسباطًا أممًا}» ). [جامع البيان: 2/ 595-599]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ( {قولوا آمنّا باللّه وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النّبيّون من ربّهم لا نفرّق بين أحدٍ منهم ونحن له مسلمون (136)}
قوله: {قولوا آمنّا باللّه وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب}:
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ ثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ عن سفيان عن سعيد بن إبراهيم عن عطاء بن يسارٍ قال: كان اليهود يجيئون إلى أصحاب محمّدٍ- صلّى اللّه عليه وسلّم- فيحدّثونهم فيسبّحون فذكروا ذلك للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: «لا تصدّقوهم ولا تكذّبوهم، وقولوا: {آمنّا باللّه وما أنزل إلينا، وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب} ».
- حدّثنا محمّد، بن يحيى ثنا أبو غسّان ثنا سلمة عن محمّد بن إسحاق قال محمّد بن أبي محمّدٍ وأتى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- أبو ياسر بن أخطب ونافع بن أبي نافعٍ وعازرٌ وخالدٌ ويزيد وأزار وأشيع فسألوه عن من يؤمن به من الرّسل، فقال النّبيّ- صلّى اللّه عليه وسلّم-: «نؤمن باللّه وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النّبيّون من ربّهم» ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 242-243]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {والأسباط}:
- حدّثنا عصام بن روّادٍ العسقلانيّ ثنا آدم ثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ عن الرّبيع عن أبي العالية قال: «الأسباط هم يوسف وأخوته بنو يعقوب اثنا عشر رجلا ولد كلّ رجلٍ منهم أمّةً من النّاس فسمّوا الأسباط». وروي عن قتادة والرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا عمرو بن حمّادٍ ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ: «وأمّا الأسباط فهم بنو يعقوب، يوسف وبنيامين، ويهوذى، وشمعون، ولاوي، وجان، وفهاب» ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 243]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النّبيّون من ربّهم}:
- حدّثنا محمّد بن مصعبٍ الصّوريّ ثنا مؤمّلٌ ثنا عبيد اللّه بن أبي حميدٍ عن أبي المليح عن معقل بن يسارٍ قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم-: «
آمنوا بالتّوراة والزّبور والإنجيل وليسعكم القرآن».
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا عبّاسٌ الخلال ثنا مروان بن محمّدٍ ثنا كلثوم بن زيادٍ قال: سمعت سليمان بن حبيبٍ المحاربيّ يقول: «إنّما أمرنا أن نؤمن بالتّوراة والإنجيل ولا نعمل بما فيها».
- حدّثنا محمّد بن عبيد اللّه بن المنادي فيما كتب إليّ ثنا يونس بن محمّدٍ المؤدّب ثنا شيبان النّحويّ عن قتادة: {وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النّبيّون من ربّهم} قال: «أمر اللّه المؤمنين أن يؤمنوا به ويصدّقوا بكتبه كلّها وبرسله» ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 243]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {لا نفرّق بين أحدٍ منهم ونحن له مسلمون}:
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ العبّاس بن الوليد ثنا يزيد بن زريعٍ ثنا سعيدٌ عن قتادة قوله: {لا نفرّق بين أحدٍ منهم ونحن له مسلمون} قال: «أمر اللّه المؤمنين أن لا يفرّقوا بين أحدٍ منهم» ). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 243]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم واسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون}:
أخرج ابن أبي حاتم عن معقل بن يسار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «آمنوا بالتوراة والزبور والإنجيل وليسعكم القرآن».
وأخرج أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في ركعتي الفجر في الأولى منهما الآية التي في البقرة {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا} الآية كلها وفي الآخرة ب {آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون} [آل عمران الآية 52]».
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال: «أكثر ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في ركعتي الفجر {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم} الآية، وفي الثانية {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة} [آل عمران الآية 64] الآية».
وأخرج وكيع عن الضحاك قال: «علموا نساءكم وأولادكم وخدمكم أسماء الأنبياء المسلمين في الكتاب ليؤمنوا بهم فإن الله أمر بذلك فقال: {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا} إلى قوله: {ونحن له مسلمون}»، وأخر ابن جرير عن ابن عباس قال: «الأسباط بنو يعقوب كانوا اثني عشر رجلا كل واحد منهم ولد سبطا أمة من الناس».
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي قال: «الأسباط بنو يعقوب يوسف وبنيامين وروبيل ويهوذا وشمعون ولاوى ودان وقهات وكوذ وباليوق».
وأخرج الطبراني وأبو نعيم، وابن عساكر عن عبد الله بن عبد الثمالي أنه سمع النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: «لو حلفت لبررت أنه لا يدخل الجنة قبل الرعيل الأول من أمتي إلا بضعة عشر إنسانا إبراهيم واسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وموسى وعيسى بن مريم» ). [الدر المنثور: 1/ 723-725]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137) }

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولّوا فإنّما هم في شقاقٍ فسيكفيكهم اللّه وهو السّميع العليم}:
يعني تعالى ذكره بقوله: {فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به} فإن صدّق اليهود والنّصارى باللّه وما أنزل إليكم وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط، وما أوتي موسى وعيسى، وما أوتي النّبيّون من ربّهم، وأقرّوا بذلك مثل ما صدّقتم أنتم به أيّها المؤمنون وأقررتم، فقد وفّقوا ورشدوا ولزموا طريق الحقّ فاهتدوا، وهم حينئذٍ منكم وأنتم منهم لدخولهم في ملّتكم بإقرارهم بذلك. فدلّ تعالى ذكره بهذه الآية على أنّه لم يقبل من أحدٍ عملاً إلاّ بالإيمان بهذه المعاني الّتي عدّها قبلها.
- كما حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثنا معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: قوله: {فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا} ونحو هذا، قال: «أخبر اللّه سبحانه أنّ الإيمان هو العروة الوثقى، وأنّه لا يقبل عملاً إلاّ به، ولا تحرّم الجنّة إلاّ على من تركه».
وقد روي عن ابن عبّاسٍ في ذلك قراءةٌ جاءت مصاحف المسلمين بخلافها، وأجمعت قرّاء القرآن على تركها.
- وذلك ما حدّثنا به، محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن أبي حمزة، قال: قال ابن عبّاسٍ: «لا تقولوا: {فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا} فإنّه ليس للّه مثلٌ، ولكن قولوا: فإن آمنوا بالّذين آمنتم به فقد اهتدوا، أو قال: فإن آمنوا بما آمنتم به».
فكأن ابن عبّاسٍ في هذه الرّواية إن كانت صحيحةً عنه يوجّه تأويل قراءة من قرأ: {فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به} فإن آمنوا بمثل اللّه، وبمثل ما أنزل على إبراهيم وإسماعيل؛ وذلك إذا صرف إلى هذا الوجه شركٌ لا شكّ باللّه العظيم، لأنّه لا مثل للّه تعالى ذكره، فنؤمن أو نكفر به. ولكن تأويل ذلك على غير المعنى الّذي وجّه إليه تأويله، وإنّما معناه ما وصفنا، وهو: فإن صدّقوا مثل تصديقكم بما صدّقتم به من جميع ما عددنا عليكم من كتب اللّه وأنبيائه، فقد اهتدوا.
فالتّشبيه إنّما وقع بين التّصديقين والإقرارين اللّذين هما إيمان هؤلاء وإيمان هؤلاء، كقول القائل: مرّ عمرٌو بأخيك مثل ما مررت به، يعني بذلك مرّ عمرٌو بأخيك مثل مروري به، فالتّمثيل إنّما دخل تمثيلاً بين المرورين، لا بين عمرٍو وبين المتكلّم؛ فكذلك قوله: {فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به} إنّما وقع التّمثيل بين الإيمانين لا بين المؤمن به). [جامع البيان: 2/ 599-601]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإنّ تولّوا فإنّما هم في شقاقٍ}:
يعني تعالى ذكره بقوله: {وإن تولّوا} وإن تولّى هؤلاء الّذين قالوا لمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه كونوا هودًا أو نصارى، فأعرضوا، فلم يؤمنوا بمثل إيمانكم أيّها المؤمنون باللّه، وبما جاءت به الأنبياء، وابتعثت به الرّسل، وفرّقوا بين رسل اللّه، وبين اللّه ورسله، فصدّقوا بعضًا وكفروا ببعضٍ، فاعلموا أيّها المؤمنون أنّهم إنّما هم في عصيانٍ وفراقٍ وحربٍ للّه ولرسوله ولكم.
- كما حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيد، عن قتادة: «{فإنّما هم في شقاقٍ} أي في فراقٍ».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: «{فإنّما هم في شقاقٍ} يعني فراقٍ».
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: {وإن تولّوا فإنّما هم في شقاقٍ}، قال: «الشّقاق: الفراق والمحاربة، إذا شاقّ فقد حارب، وإذا حارب فقد شاقّ، وهما واحدٌ في كلام العرب. وقرأ: {ومن يشاقق الرّسول}».وأصل الشّقاق عندنا واللّه أعلم مأخوذٌ من قول القائل: شقّ على هذا الأمر إذا كرثه وآذاه، ثمّ قيل: شاقّ فلانٌ فلانًا بمعنى: نال كلّ واحدٍ منهما من صاحبه ما كربه وآذاه وأثقلته مساءته، ومنه قول اللّه تعالى ذكره: {وإن خفتم شقاق بينهما} بمعنى فراق بينهما). [جامع البيان: 2/ 601-602]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فسيكفيكهم اللّه وهو السّميع العليم}:
يعني تعالى ذكره بقوله: {فسيكفيكهم اللّه} فسيكفيك اللّه يا محمّد هؤلاء الّذين قالوا لك ولأصحابك: {كونوا هودًا أو نصارى تهتدوا} من اليهود والنّصارى، إن هم تولّوا عن أن يؤمنوا مثل إيمان أصحابك باللّه، وبما أنزل إليك، وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق وسائر الأنبياء غيرهم، وفرّقوا بين اللّه ورسله، إمّا بقتل السّيف، وإمّا بجلاءٍ عن جوارك، وغير ذلك من العقوبات، فإنّ اللّه هو السّميع لما يقولون لك بألسنتهم ويبدون لك بأفواههم من الجهل والدّعاء إلى الكفر والملل الضّالّة، العليم بما ينطوون لك ولأصحابك من المؤمنين عليه في أنفسهم من الحسد والبغضاء. ففعل اللّه بهم ذلك عاجلاً وأنجز وعده، فكفى نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم بتسليطه إيّاه عليهم حتّى قتل بعضهم وأجلى بعضًا وأذلّ بعضًا وأخزاه بالجزية والصّغار). [جامع البيان: 2/ 602]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ( {فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولّوا فإنّما هم في شقاقٍ فسيكفيكهم اللّه وهو السّميع العليم (137)}:
قوله: {فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به}:
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح ثنا يحيى بن عبّادٍ وشبابة قالا: ثنا شعبة ثنا أبو حمزة عن ابن عبّاسٍ قال: «لا تقولوا فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فإنّ اللّه لا مثل له ولكن قولوا: فإن آمنوا بالذي آمنتم به وآمنوا بما آمنتم به». واللّفظ لابن عبّادٍ.
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قوله: {فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا} قال: «أخبر اللّه سبحانه أنّ الإيمان هو العروة الوثقى، وأن لا يقبل عملا إلا به، ولا يحرّم الجنّة إلا على من تركه»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 244]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {فقد اهتدوا}:
- حدّثنا أبي ثنا أحمد بن عبد الرّحمن ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ عن أبيه عن الرّبيع ثمّ قال: {فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا} فقال: «من تكلّم بهذا صدقًا من قلبه- يعني- الإيمان فقد اهتدى»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 244]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وإن تولّوا}:
- وبه عن الرّبيع بن أنسٍ: «وإن تولّوا عنه يعني عن الإيمان».
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ أبو غسّان ثنا سلمة ثنا محمّد بن إسحاق: «وإن تولّوا على كفرهم»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 244]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {فإنّما هم في شقاقٍ}:
- حدّثنا عصام بن روّادٍ ثنا آدم ثنا أبو جعفرٍ عن الرّبيع عن أبي العالية: «
في شقاقٍ يعني في فراقٍ» وروي عن قتادة والرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 244]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {فسيكفيكهم اللّه}:
- قرئ على يونس بن عبد اللّه ثنا ابن وهبٍ ثنا زياد بن يونس ثنا نافع بن أبي نعيمٍ، قال: «أرسل إليّ بعض الخلفاء مصحف عثمان بن عفّان ليصلحه، فقلت له: إنّ النّاس يقولون إنّ مصحفه كان في حجره حين قتل فوقع الدّم على {
فسيكفيكهم اللّه وهو السّميع العليم} فقال نافعٌ: بصرت عيني على هذه الآية». وقد تقدّم). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 244-245]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم}:
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس قال: «لا تقولوا {فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به} فإن الله لا مثل له ولكن قولوا: فإن آمنوا بالذي أمنتم به».
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف والخطيب في تاريخه عن أبي جمرة قال: «كان ابن عباس يقرأ (فإن آمنوا بالذي آمنتم به)».
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي اعالية في قوله: {فإنما هم في شقاق} قال: «فراق».
وأخرج الحاكم عن ابن عباس قال: كنت قاعدا إذ أقبل عثمان فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «يا عثمان تقتل وأنت تقرأ سورة البقرة فتقع قطرة من دمك على{فسيكفيكهم الله}» قال الذهبي في مختصر المستدرك: «هذا كذب بحت وفي إسناده أحمد بن محمد بن عبد الحميد الجعفي وهو المتهم به».
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف وأبو القاسم بن بشران في أماليه وأبو نعيم في المعرفة، وابن عساكر عن أبي سعيد مولى بني أسد قال: «لما دخل المصريون على عثمان والمصحف بين يديه فضربوه بالسيف على يديه فجرى الدم {فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم} فمد يده وقال: والله لأنها أول يد خطت المفصل».
وأخرج ابن أبي حاتم عن نافع بن أبي نعيم قال: «أرسل إلي بعض الخلفاء بمصحف عثمان بن عفان فقلت له: إن الناس يقولون: إن مصحفه كان في حجره حين قتل فوقع الدم على {فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم} فقال نافع: بصرت عيني بالدم على هذه الآية» وقد قدم وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن عمرة بنت أرطاة العدوية قال: «خرجت مع عائشة سنة قتل عثمان إلى مكة فمررنا بالمدينة ورأينا المصحف الذي قتل وهو في حجره وكانت أول قطرة من دمه على هذه الآية {فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم} قالت عمرة: فما مات منهم رجل سويا» ). [الدر المنثور: 1/ 725-727]

تفسير قوله تعالى: {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (138) }

قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني ابن لهيعة عن جعفر بن ربيعة أن مجاهدا قال: {صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة} قال: «هي الفطرة، فطرة الإسلام التي فطر الناس عليها» ). [الجامع في علوم القرآن: 1/ 7]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله: {صبغة الله} قال: دين الله). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 60]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (
سفيان الثوري في قوله قال: {صبغة الله} قال: «دين اللّه» {ومن أحسن من الله صبغة} قال: «دينا»).
[تفسير الثوري: 49-50]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {صبغة اللّه ومن أحسن من اللّه صبغةً ونحن له عابدون}:
يعني تعالى ذكره بالصّبغة: صبغة الإسلام، وذلك أنّ النّصارى إذا أرادت أن تنصّر أطفالهم جعلتهم في ماءٍ لهم تزعم أنّ ذلك لها تقديسٌ بمنزلة الختانه لأهل الإسلام، وأنّه صبغةٌ لهم في النّصرانيّة، فقال اللّه تعالى ذكره إذ قالوا لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه المؤمنين به: {كونوا هودًا أو نصارى تهتدوا} قل لهم يا محمّد: أيّها اليهود والنّصارى، بل اتّبعوا ملّة إبراهيم صبغة اللّه الّتي هي أحسن الصّبغ، فإنّها هي الحنيفيّة المسلمة، ودعوا الشّرك باللّه والضّلال عن محجّة هداه.
ونصب الصّبغة من قرأها نصبًا على الرّدّ على الملّة، وكذلك رفع الصّبغة من رفع الملّة على ردّها عليها. وقد يجوز رفعها على غير هذا الوجه، وذلك على الابتداء، بمعنى: هي صبغة اللّه. وقد يجوز نصبها على غير وجه الرّدّ على الملّة، ولكن على قوله: {قولوا آمنّا باللّه} إلى قوله: {ونحن له مسلمون} صبغة اللّه، بمعنى: آمنّا هذا الإيمان، فيكون الإيمان حينئذٍ هو صبغة اللّه.
وبمثل الّذي قلنا في تأويل الصّبغة قال جماعةٌ من أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: قوله: «{صبغة اللّه ومن أحسن من اللّه صبغةً} إنّ اليهود تصبغ أبناءها يهود، والنّصارى تصبغ أبناءها نصارى، وإنّ صبغة اللّه الإسلام، فلا صبغة أحسن من الإسلام ولا أطهر، وهو دين اللّه بعث به نوحًا والأنبياء بعده».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال عطاءٌ: «{صبغة اللّه} صبغت اليهود أبناءهم خالفوا الفطرة».
واختلفوا أهل التّأويل في تأويل قوله: {صبغة اللّه} فقال بعضهم: دين اللّه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة: {صبغة اللّه} قال: «دين اللّه».
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن أبي جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية: في قوله: {صبغة اللّه} قال: «دين اللّه ، {ومن أحسن من اللّه صبغةً} ومن أحسن من اللّه دينًا».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، مثله.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق الأهوازيّ، قال: حدّثنا أبو أحمد الزّبيريّ، قال: حدّثنا سفيان، عن رجلٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا سفيان، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا فضيل بن مرزوقٍ، عن عطيّة: قوله: {صبغة اللّه} قال: «دين اللّه».
- حدّثنا موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {صبغة اللّه ومن أحسن من اللّه صبغةً} يقول: «دين اللّه، ومن أحسن من اللّه دينًا».
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {صبغة اللّه} قال: «دين اللّه».
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: في قول اللّه: {صبغة اللّه} قال: «دين اللّه».
- حدّثني ابن البرقيّ، قال: حدّثنا عمرو بن أبي سلمة، قال: سألت ابن زيدٍ: عن قول اللّه: {صبغة اللّه} قال: «دين اللّه».
وقال آخرون: {صبغة اللّه} فطرة اللّه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: في قول اللّه: {صبغة اللّه} قال: «فطرة اللّه الّتي فطر النّاس عليها».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا محمّد بن حربٍ، قال: حدّثنا ابن لهيعة، عن جعفر بن ربيعة، عن مجاهدٍ: {ومن أحسن من اللّه صبغةً}، قال: «الصّبغة: الفطرة».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ قال: «{صبغة اللّه} الإسلام، فطرة اللّه الّتي فطر النّاس عليها».
- قال ابن جريجٍ: قال لي عبد اللّه بن كثيرٍ: {صبغة اللّه} قال: «دين اللّه ومن أحسن من اللّه دينًا»، قال: «هي فطرة اللّه».
قال أبو جعفرٍ: «ومن قال هذا القول، فوجّه الصّبغة إلى الفطرة، فمعناه: بل نتّبع فطرة اللّه وملّته الّتي خلق عليها خلقه، وذلك الدّين القيّم. من قول اللّه تعالى ذكره: {فاطر السّموات والأرض} معنى خالق السّموات والأرض»). [جامع البيان: 2/ 603-606]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ونحن له عابدون}:
وقوله تعالى ذكره: {ونحن له عابدون} أمر من اللّه تعالى ذكره نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يقوله لليهود والنّصارى الّذين قالوا له ولمن تبعه من أصحابه: {كونوا هودًا أو نصارى} فقال لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل بل نتّبع ملّة إبراهيم حنيفًا، صبغة اللّه، ونحن له عابدون. ويعني بالعابدين الخاضعين للّه المستكينين له في اتّباعنا ملّة إبراهيم ودينونتنا له بذلك، غير مستكبرين عليه في اتّباع أمره والإقرار برساله رسله، كما استكبرت اليهود والنّصارى، فكفروا بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم استكبارًا وبغيًا وحسدًا). [جامع البيان: 2/ 606]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ( {صبغة اللّه ومن أحسن من اللّه صبغةً ونحن له عابدون (138) قل أتحاجّوننا في اللّه وهو ربّنا وربّكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون (139)}
قوله: {صبغة الله}:
الوجه الأول:
- حدّثنا أبو زرعة ثنا منجابٌ أنبأ بشرٌ بن عمارة أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ في قوله: {صبغة اللّه} قال: «دين اللّه». وروي عن أبي العالية ومجاهدٍ والحسن وإبراهيم النّخعيّ وعبد اللّه بن كثيرٍ والضّحّاك وقتادة وعكرمة وعطيّة والرّبيع بن أنسٍ والسّدّيّ نحو ذلك.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو بكر بن القاسم بن عطيّة ثنا أحمد بن عبد الرّحمن الدّشتكيّ ثنا أبي عن أبيه ثنا أشعث عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ: «
أنّ بني إسرائيل قالوا: يا موسى هل يصبغ ربّك؟ قال: اتّقوا اللّه، فناداه ربّه يا موسى سألوك هل يصبغ ربّك؟ فقل: نعم. أصبغ الألوان الأحمر والأبيض والأسود، والألوان كلّها في صبغتي، فأنزل اللّه على نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {صبغة اللّه ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون}» وروي عن سالم بن أبي الجعد نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 245]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {ومن أحسن من اللّه صبغةً ونحن له عابدون}:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا ابن نميرٍ عن أبي جعفرٍ الرّازيّ عن الرّبيع بن أنسٍ عن أبي العالية: {ومن أحسن من اللّه صبغةً} قال: «ومن أحسن من اللّه دينًا».
وروي عن مجاهدٍ وإبراهيم النّخعيّ والحسن والسّدّيّ والرّبيع بن أنسٍ وعبد اللّه بن كثيرٍ نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 245]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: {صبغة الله} قال: «يعني فطرة الإسلام التي فطر الناس عليها» ). [تفسير مجاهد: 89]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون}:
أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {صبغة الله} قال: «دين الله».
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد في قوله {صبغة الله} قال: «فطرة الله التي فطر الناس عليها».
وأخرج ابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إن بني اسرائيل قالوا: يا موسى هل يصبغ ربك فقال: اتقوا الله، فناداه ربه: يا موسى سألوك هل يصبغ ربك فقل: نعم: أنا اصبغ الألوان الأحمر والأبيض والأسود والألوان كلها من صبغتي وأنزل الله على نبيه {صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة}» وأخرجه ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس موقوفا.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة قال: «إن اليهود تصبغ أبناءها يهود وأن النصارى تصبغ أبناءها نصارى وأن صبغة الله الإسلام ولا صبغة أحسن من صبغة الله الإسلام ولا أطهر وهو دين الله الذي بعث به نوحا ومن كان بعده من الأنبياء».
وأخرج ابن النجار في تاريخ بغداد عن ابن عباس في قوله: {صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة} قال: «البياض» ). [الدر المنثور: 1/ 727-728]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 26 ربيع الثاني 1434هـ/8-03-2013م, 09:52 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {َقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({بل ملّة إبراهيم}: انتصب، لأن فيه ضمير فعلٍ، كأن مجازه بل اتبعوا ملة إبراهيم، أو: عليكم ملة إبراهيم.
{حنيفاً}: الحنيف في الجاهلية : من كان على دين إبراهيم، ثم سمّى من اختتن , وحج البيت حنيفاً لما تناسخت السنون، وبقي من يعبد الأوثان من العرب قالوا: نحن حنفاء على دين إبراهيم، ولم يتمسكوا منه إلا بحج البيت، والختان؛ والحنيف اليوم: المسلم.
قال ذو الرمة:
إذا خالف الظّلّ العشيّ رأيته= حنيفاً ومن قرن الضّحى يتنصّر
يعني : الحرباء). [مجاز القرآن: 1/ 57-58]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وقالوا كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا قل بل ملّة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين}
قال: {بل ملّة إبراهيم} بالنصب). [معاني القرآن: 1/ 116]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (قراءة أبي عمرو {بل ملة إبراهيم} نصب؛ يكون على بل تكون ملة إبراهيم؛ أي أهل ملته على مثل {وسل القرية}، وسل العير؛ أي سل أهل القرية، واسأل أهل العير.
ويكون على: بل نتبع ملة إبراهيم.
وقراءة أخرى "بل ملة إبراهيم"، كأنه قال: ديننا، أو بل ملتنا ملة إبراهيم). [معاني القرآن لقطرب: 259]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما {بل ملة إبراهيم} فكل دين ملة، وذلك مأخوذ عندنا من الإملال؛ أي ما يملون عليهم من كتبهم؛ وكان ابن عباس يقول: {بل ملة إبراهيم} دين إبراهيم.
وأما {فليملل} بالتضعيف، فلغة مضر، وغيرهم: أمليت بالياء). [معاني القرآن لقطرب: 335]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما {حنيفا} فكان ابن عباس يقول: الحينف الحاج؛ وقالوا في الحنيف: المائل؛ وقالوا: حنفت رجله فهي حنفاء؛ ويقال: حنفك الله؛ وقد تحنفت إلى الشيء: ملت إليه؛ وتحنف: دخل في الإسلام؛ كأنه مال.
والحنيفية من كل دين يقال: الميل إلى الشيء؛ والحنيف في الجاهلية كان يقال: من اختتن وحج البيت؛ وفي الإسلام أيضًا يقال: الحنيف المسلم؛ وحسب حنيف؛ أي إسلامي.
وحكي عن ابن عباس أيضًا: {حنيفا} أي مسلمًا.
وقال مغيرة بن حبناء:
وماذا غير أنك في سبال = تمسحها وذو حسب حنيف
[معاني القرآن لقطرب: 335]
وقالوا: الحنيف هاهنا: السمح الكثير؛ وكأن هذا البيت في معنى ما حكي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بعثت بالحنيفية السمحة"). [معاني القرآن لقطرب: 336]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({الحنيف}: من كان على دين إبراهيم عليه السلام). [غريب القرآن وتفسيره: 82]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {الحنيف}: المستقيم, وقيل للأعرج: حنيف، نظراً له إلى السلامة). [تفسير غريب القرآن: 64]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملّة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين}
المعنى: قالت اليهود: كونوا هودااً, وقالت النصارى: كونوا نصارى.
وجزم تهتدوا على الجواب للأمر، وإنما معنى الشرط قائم في الكلمة.
المعنى: إن تكونوا على هذه الملة تهتدوا، فجزم تهتدوا على الحقيقة جواب الجزاء.
وقوله عزّ وجلّ: {بل ملة إبراهيم حنيفاً}
تنصب الملة على تقدير: بل نتبع ملة إبراهيم,
ويجوز أن تنصب على معنى: بل نكون أهل ملة إبراهيم، وتحذف " الأهل " كما قال الله عزّ وجلّ: {واسأل القرية التي كنّا فيها}؛لأن القرية لا تسأل ولا تجيب.
ويجوز الرفع:{بل ملة إبراهيم حنيفاً},
والأجود والأكثر: النصب, ومجاز الرفع على معنى: قل: ملتنا وديننا ملة إبراهيم، ونصب {حنيفاً}على الحال.
المعنى: بل نتبع ملة إبراهيم في حال حنيفته، ومعنى الحنيفة في اللغة: الميل, فالمعنى: أن إبراهيم حنيف إلى دين اللّه، دين الإسلام.
كما قال عزّ وجلّ: {إنّ الدّين عند اللّه الإسلام} فلم يبعث نبي إلا به.
وإن اختلفت شرائعهم، فالعقد توحيد اللّه عزّ وجلّ والإيمان برسله وإن اختلفت الشرائع، إلا أنّه لا يجوز أن تترك شريعة نبي، أو يعمل بشريعة نبي قبله تخالف شريعة نبي الأمة التي يكون فيها, وإنما أخذ الحنف من قولهم: امرأة حنفاء , ورجل أحنف، وهو الذي تميل قدماه كل واحدة منهما بأصابعها إلى أختها بأصابعها، قالت أم الأحنف بن قيس وكانت ترقصه، وخرج سيد بني تميم: -
والله لولا حنف في رجله= ودقة في ساقه من هزله
ما كان في فتيانكم من مثله). [معاني القرآن: 1/ 213-214]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الحَنِيف}: الذي لا يرجع عن دينه). [العمدة في غريب القرآن: 84]

تفسير قوله تعالى: {قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {لا نفرّق بين أحدٍ مّنهم...}
يقول: لا نؤمن ببعض الأنبياء , ونكفر ببعض كما فعلت اليهود والنصارى). [معاني القرآن: 1/ 82]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما {والأسباط} فالواحد منها عند العرب: سبط، وقالوا: هذا صبط، وهذه صبط؛ فأنثوا، وقالوا أيضًا: هؤلاء سبط؛ فجعلوه جمعًا.
وقال العجاج:
كأنه سبط من الأسباط = بين حوامي هيدب سقاط
أي فرقة من الفرق، وهي فيما فسر لنا). [معاني القرآن لقطرب: 336]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {قولوا آمنّا باللّه وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النّبيّون من ربّهم لا نفرّق بين أحد منهم ونحن له مسلمون}
{لا نفرّق بين أحد منهم}: المعنى: لا نكفر ببعض , ونؤمن ببعض). [معاني القرآن: 1/ 214]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({فإنّما هم في شقاقٍ }: مصدر شاققته وهو المشاقّة أيضاً، وشاقّه: باينه، قال النابغة الجعديّ:

وكان إليها كالذي اصطاد بكرها ....... شقاقاً وبغضاً أو أطمّ وأهجرا

ومجازه: حارب، وعصى). [مجاز القرآن: 1/ 58-59]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله عز وجل {فإنما هم في شقاق} فالشقاق الشدة.
وقال بشر:
وإلا فاعلموا أنا وأنتم = بغاة ما بقينا في شقاق
ويروى: ما حيينا.
والأصل من قوله {ومن يشاقق الله} من المشاقة؛ من المعاندة؛ أي ما يعاند الله، ويماحله). [معاني القرآن لقطرب: 336]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({في شقاق}: في محاربة وعصيان). [غريب القرآن وتفسيره: 83]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فإنّما هم في شقاقٍ} أي: في عداوة, ومباينة). [تفسير غريب القرآن: 64]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولّوا فإنّما هم في شقاق فسيكفيكهم اللّه وهو السّميع العليم (137)}
فإن قال قائل: فهل للإيمان مثل هو غير الإيمان؟
قيل له: المعنى واضح بين، وتأويله: فإن أتوا بتصديق مث: ل تصديقكم , وإيمانكم بالأنبياء، ووحّدوا كتوحيدكم, فقد اهتدوا، أي: فقد صاروا مسلمين مثلكم.
{وإن تولّوا فإنّما هم في شقاق}, أي: في مشاقة , وعداوة, ومن هذا قول الناس: فلان قد شق عصا المسلمين، إنما هو قد فارق ما اجتمعوا عليه من اتباع إمامهم، وإنما صار في شق غير شق المسلمين.
وقوله عزّ وجلّ: {فسيكفيكهم اللّه}
هذا ضمان من اللّه عزّ وجلّ في النصر لنبيه صلى الله عليه وسلم؛ لأنه إنما يكفيه إياهم بإظهار ما بعثه به على كل دين سواهو, هذا كقوله: {ليظهره على الدّين كلّه}, فهذا تأويله , واللّه أعلم.
وكذا قوله:{كتب اللّه لأغلبنّ أنا ورسلي}
فإن قال قائل : فإن من المرسل من قتل.
فإن تأويل ذلك - والله أعلم - : أن اللّه غالب هو , ورسله بالحجة الواضحة، والآية البينة، ويجوز أن تكون غلبة الآخرة ؛ لأن الأمر هو على ما يستقر عليه في العاقبة.
وقد قيل: إن الله لم يأمر رسولاً بحرب , فاتبع ما أمره الله به في حربه إلا غلب, فعلى هذا التأويل : يجوز أن يكون لم يقتل رسول قط محارباً).
[معاني القرآن: 1/ 214-215]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({في شقاق}: عداوة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 34]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الشِقَاقٍ}: المحاربـــة). [العمدة في غريب القرآن: 84]

تفسير قوله تعالى: {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (138)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {صبغة اللّه...}
نصب، مردودة على الملّة، وإنما قيل :{صبغة الله}؛ لأن بعض النصارى كانوا إذا ولد المولود , جعلوه في ماء لهم , يجعلون ذلك تطهيراً له كالختانة, وكذلك هي في إحدى القراءتين, قل {صبغة اللّه}, وهي الختانة، اختتن إبراهيم صلى الله عليه وسلم فقال: {صبغة الله}: يأمر بها محمدا صلى الله عليه وسلم , فجرت الصبغة على الختانة , لصبغهم الغلمان في الماء، ولو رفعت الصبغة والمل‍ّة كان صواباً كما تقول العرب: جدّك لاكدّك، وجدّك لا كدّك, فمن رفع أراد: هي ملّة إبراهيم، هي صبغة الله، هو جدّك, ومن نصب أضمر مثل: الذي قلت لك من الفعل).
[معاني القرآن: 1/ 82-83]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({صبغة الله}: أي: دين الله، وخلقته التي خلقه عليها، وهي : فطرته، من فاطر , أي: خالق). [مجاز القرآن: 1/ 59]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({صبغة اللّه ومن أحسن من اللّه صبغةً ونحن له عابدون}
قال: {صبغة الله} بالنصب؛ لأنهم حين قالوا لهم: {كونوا هوداً}, كأنه قيل لهم: "اتّخذوا هذه الملّة" , فقالوا: "لا , {بل ملّة إبراهيم}, أي: نتّبع ملّة إبراهيم، ثم أبدل "الصّبغة" من "الملّة" , فقال: {صبغة اللّه} بالنصب, أو يكون أراد: ثم حذف "أصحاب" كما قال: {ولكنّ البرّ من آمن باللّه} يريد: "برّ من آمن باللّه", والصّبغة: هي الدين). [معاني القرآن: 1/ 116-117]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {صبغة الله} والصبغة عند العرب: اللون؛ وكأنه يقول: خلق الله وتصويره؛ {ومن أحسن من الله صبغة}.
وقد قالوا في التفسير أيضًا: الخلق، وكان ابن عباس يقول: الدين، {صبغة الله} دين الله؛ وذلك أن النصارى كان إذا ولد لأحدهم ولد صبغوه؛ أي غسلوه بماء ليطهروه). [معاني القرآن لقطرب: 337]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله {صبغة الله} فنصب، وقوله {وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول} وما يشبهه في النصب، قوله {والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم}، {ويومئذ يفرح المؤمنون}، ثم قال {وعد الله} فنصب، وكذلك {وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء}، وقوله {قالوا سلاما قال سلام} فنصب الأول ورفع الآخر، وقوله {سلام قولا من رب رحيم} وقوله {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما}، وقوله {الذي أحسن كل شيء خلقه} و{ذرية من حملنا مع نوح} و{سبحان الله} و{معاذ الله إنه ربي}، و{انتهوا خيرا لكم}.
[معاني القرآن لقطرب: 445]
أما قوله: {صبغة الله} فقالوا: خلق الله، فكأنه قال: وهو السميع العليم خلقا وعلما، على المصدر.
ويكون: اعرفوا صبغة الله أو أبصروا.
وكذلك تكون {وصية لأزواجهم} على: يوصون وصية؛ على الأمر: ليوصوا وصية.
وأما قوله عز وجل {كتاب الله عليكم}؛ فكأنه قال: كتابا عليكم وفرضا؛ لأنه قد أمرهم في صدر الآية، وفرض عليهم؛ ويكون أيضًا على الأمر: عليكم كتاب الله، والزموا كتاب الله.
وكذلك {ويومئذ يفرح المؤمنون} ثم قال {وعد الله}؛ فكأنه قال: وعدًا؛ لأن ذلك النصر وعد من الله عز وجل؛ كأنه قال: وعدهم وعدا.
وكذلك {صنع الله} لما قال {تمر مر السحاب}؛ فكأنه قال: صنعا من الله؛ لأن مرورها صنع منه، فكأنه قال: صنع الله ذلك صنعًا.
وأما قوله {فقالوا سلاما قال سلام} فكأنه قال: أهل سلام وأصحاب سلام قوم منكرون؛ وكقوله {ولكن البر من آمن بالله} وإنما المعنى: بر من آمن بالله، كما قال ذو الخرق الطهوي:
[معاني القرآن لقطرب: 446]
حسبت بغام راحلتي عناقا = وما هي ويب غيرك بالعناق
ويب غيرك: كما تقول: ويح وويس.
يريد: حسبت بغام راحلتي صوت عناق؛ لأن البغام لا يشبه بالعناق؛ لأنه صوت.
وأما قوله عز وجل {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما} فيجوز على أن يكون على: براءة منهم، كقولك: سلام لسلام؛ أي أنت مسلم مني.
قال أمية بن أبي الصلت:
سلامك ربنا في كل فجر = بريئًا ما تعنتك الذموم
كأن المعنى: براءتك وتسليمك من كل قبيح أن يضاف إليك.
وقوله {والله يدعو إلى دار السلام} من ذلك، وقوله {السلام المؤمن المهيمن}؛ وكان الحسن يقول: السلام الذي سلمت البرية من ظلمه، وهذا كله حسن.
وقالوا أيضًا: السلام للسلم، كأنه يقول: سلم قوم منكرون؛ أي صلح، وهي قراءة الأعمش.
وأما قوله {سلام قولا من رب رحيم} فعلى وجهين.
أحدهما: لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون سلام؛ أي لهم ما يدعون، لهم سلام؛ على البدل، كقوله {لنسفعا بالناصية ناصية كاذبة خاطية} فأبدل.
ويكون على إضمار الخبر؛ كأنه قال: سلام تحيتهم، أو ما يلقون به.
وكذلك {الذي أحسن كل شيء خلقه} يكون على شيئين:
[معاني القرآن لقطرب: 447]
على البدل؛ كأنه قال: أحسن خلقه، كما قال {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه} على البدل.
ويكون على المصدر؛ أي أحسنه خلقًا وصنعًا.
وكذلك {وعد الله} أي وعدًا، و{فضرب الرقاب}؛ أي ضربا للرقاب.
وأما قوله {ألا تتخذوا من دوني وكيلا ذرية من حملنا مع نوح} فكأن الأحسن في المعنى أن تكون منادى: يا ذرية من حملنا؛ ويكون على إضمار الفعل، كأنه قال: أذكر وأعني.
وكذلك قوله عز وجل {ذلك عيسى ابن مريم قول الحق} إذا نصب فعلى المصدر؛ أي أقول قولاً؛ كقولك: قسما وحقا.
وكذلك {سبحان الله} و{معاذ الله إنه ربي}؛ كأنه قال: أسبح الله تسبيحًا، وأعوذ به معاذًا وعياذًا.
قال الأعشى:
أقول لما جاءني فحره = سبجان من علقمة الفاخر
فلم ينون.
وقال الآخر:
سبحانه ثم سبحانًا يعد له = وقبلنا سبح الجودي والجمد
فنون؛ كأنه قال: تسبيحًا.
[معاني القرآن لقطرب: 448]
ومثله: لله علي نذرًا واجبًا؛ كأنما لما قال: لله علي، فقد قال: نذرت نذرًا واجبًا؛ وكأن معنى {سبحان الله} براءة لله، كقولك {سبحان ربك رب العزة عما يصفون} كأنه قال: تنزيهًا لله عز وجل وبراءة.
وأما قوله عز وجل {معذرة إلى ربكم} فالمعنى فيمن نصب على قوله: نعتذر معذرة؛ ومن رفع فعلى إضمار الخبر والابتداء، كأنه قال: موعظتنا معذرة؛ لقوله {لم تعظون}.
وأما قوله عز وجل {ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم} فنصب {خيرا لكم}؛ لأنه لما قال: {انتهوا} فقد نهاهم عن شيء، وأمرهم أن يدخلوا في غيره؛ فكأنه قال: انتهوا خيرًا لكم، والزموا خيرًا لكم، واحفظوا خيرًا لكم.
ومثل هذه الأشياء التي ذكرناها في انتصابها، قول الراجز وهو رؤبة:
إن نزارا أصبحت نزارا = دعوة أبرار دعوا أبرارا
كأنه قال: دعوا دعوة أبرار.
وكذلك قولك: الله أكبر دعوة الحق، ودعوة الحق؛ إذا نصب، فكأنه لما قال: الله أكبر قال: ادعوا دعوة الحق؛ لأن الله أكبر هي دعوة الحق؛ والرفع على الابتداء؛ كأنه قال: دعوتي دعوة الحق.
وشبيه به ما حكي عن بعضهم أنه قال: بسم الله - عند الذبح - حلالاً طيبًا؛ لما قال: بسم الله؛ صار كأنه قال: حلت، فذكر الفعل لأن الذبيحة إنما تحل بالتسمية، فحمله على المعنى كما ذكرنا في هذه الأبيات.
ومثل ذلك قول الشاعر:
دأبت إلى أن ينبت الظل بعد ما = تقاصر حتى كاد في الآل يمصح
وجيف المطايا ثم قلت لصحبتي = ولم ينزلوا أبردتم فتروحوا
[معاني القرآن لقطرب: 449]
لأنه لما قال: دأبت فقد قال: أوجفت في السير؛ لأن الدأب سير كالإيجاف؛ فصار كأنه قال: أوجفت.
وكذلك هذا البيت:
إذا تغنى الحمام الورق هيجني = ولو تعزيت عنها أم عمار
كأنه لما قال: هيجني قال: ذكرني؛ لأن التهييج تذكير؛ وكل ما ورد عليك في القرآن فعلى مثل هذا التمثيل.
وأما ما جاء مرفوعًا فمنه:
{وقولوا حطة نغفر لكم}؛ فكأنه قال: قولوا استغفارنا حطة، وطلبنا حطة لذنوبنا؛ ولو نصب كان جائزًا على إضمار الفعل؛ كأنه قال: حط عنا ذنوبنا حطة.
ومثل ذلك {ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بالغ} فيكون رفع البلاغ على شيئين:
أحدهما: لا تستعجل لهم بلاغ فيصير لهم خبرًا عن البلاغ، وإن فرق بينهما فذلك جائز؛ وسنذكره في موضعه إن شاء الله.
والوجه الآخر: كأنه قال هي بلاغ فأضمر ورفع على الابتداء؛ وهذا كثير في كلامهم وأشعارهم.
قال الشاعر:
اعتاد قلبك من ليلى عوائده = وهاج أهواءك المكتومة الطلل
ربع قواء أذاع المعصرات به = وكل حيران سار ماؤه خضل
كأنه قال: ذلك ربع قواء.
وأما قوله عز وجل {فأولى لهم طاعة وقول معروف} فيجوز على ثلاثة أشياء:
فوجه: أن يكون على {فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم} أنى لهم طاعة وقول معروف؛ فتكون الطاعة على شيئين: على السورة؛ وعلى أن تكون بدلاً من السورة؛ كأنه قال:
[معاني القرآن لقطرب: 450]
إذا أنزلت سورة قال: إذا أنزلت طاعة لله وقول معروف فيجعله بدلاً؛ ويكون على طاعة وقول معروف فيها أي في السورة، ومثل ذلك.
وإن جعلته على الابتداء فجائز؛ كأنه قال: أمرنا وطاعتنا طاعة وقول معروف.
وكذلك {واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور} فالمعنى {واشكروا} ثم قال: {له بلدة طيبة} فهذا أغلب وأحسن؛ وقد يجوز: اشكروا له، ثم تقول: بلدتكم بلدة طيبة، وربكم رب غفور، فيبتدئ ويضمر كما ذكرنا.
وأما قوله عز وجل {وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم} فرفع، والنصب حسن إلا أنه لا يجوز لمخالفة الكتاب؛ فالرفع كأنه إذا قال: {وعد الله} فقد قال: قال الله؛ لأن وعد هاهنا معناها معنى قال؛ لأن الوعد من أهله قول، إذا قلت: أفعل شيئًا، فأنت قائل واعد، فالوعد قول: فكأنه قال: قال الله: لهم مغفرة وأجر عظيم، فحمل على المعنى.
ومثل ذلك قول الشاعر:
وجدنا الصالحين لهم جزاء = وجنات وعينا سلسبيلا
فرفع جزاء كما قال {مغفرة}؛ كأنه قال وجدناهم هكذا؛ وهذا في البيت حسن؛ لأن "وجدت" قد تكون ثمل: علمت، ولا يقتصر على مفعول واحد فيها، ووعد قد يقتصر فيها على مفعول واحد، تقول: وعدت زيدًا؛ فلذلك كان الرفع في البيت سهلاً.
وعلى هذا ما ورد عليك من القرآن من هذا، وإن كنا قد أتينا على أكثره إن شاء الله). [معاني القرآن لقطرب: 451]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({صبغة الله}: دين الله وإنما قيل صبغة الله لأن بعض النصارى كانوا إذا ولد لهم المولود جعلوه في ماء لهم ويقولون: هذا تطهير له كالختانة فجرت الصبغة على الختانة). [غريب القرآن وتفسيره: 83]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({صبغة اللّه}, يقال: دين اللّه, أي:ألزم دين اللّه, ويقال: الصّبغة : الختان وقد بينت اشتقاق الحرف في كتاب «تأويل المشكل»). [تفسير غريب القرآن: 64]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {صبغة اللّه ومن أحسن من اللّه صبغة ونحن له عابدون}
يجوز أن تكون {صبغة} منصوبة على قوله: {بل نتبع ملة إبراهيم}, أي: بل نتبع صبغة اللّه, ويجوز أن يكون نصبها على: بل نكون أهل صبغة الله, كما قلنا في ملة إبراهيم، ويجوز أن ترفع الصبغة على إضمار هي، كأنهم قالوا: هي صبغة اللّه , أي: هي ملة إبراهيم : صبغة الله.
وقيل: إنما ذكرت الصبغة ؛ لأنّ قوماً من النصارى؟, كانوا يصبغون أولادهم في ماء لهم، ويقولون هذا تطهير كما أن الختان تطهير لكم؛ فقيل لهم: {صبغة اللّه ومن أحسن من اللّه صبغة}, أي: التطهير الذي أمر به مبالغ في النظافة.
ويجوز أن يكون - واللّه أعلم - صبغة الله, أي: خلقة اللّه جلّ وعزّ الخلق، فيكون المعنى:. أن اللّه ابتدأ الخلق على الإسلام، ويكون دليل هذا القول قول الله عزّ وجلّ: {وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى}
وجاء في الحديث: أنهم أخرجهم كالذر، ودليل هذا التأويل أيضا قوله عزّ وجلّ: {فطرت اللّه الّتي فطر النّاس عليه}, ويجوز أن يكون منه الخبر: ((كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يهودانه أو ينصرانه )), وصبغت الثوب ؛ إنما هو غيرت لونه, وخلقته).
[معاني القرآن: 1/ 215-216]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (والصبغة: الدين). [ياقوتة الصراط: 178]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({صِبْغَةَ اللّهِ}: دين الله). [العمدة في غريب القرآن: 84]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 1 جمادى الآخرة 1434هـ/11-04-2013م, 09:37 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]
تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (هذا باب ما يضمر فيه الفعل المستعمل إظهاره في غير الأمر والنهي

وذلك قولك إذا رأيت رجلاً متوجها وجهة الحاجّ قاصدا في هيئ الحاجّ فقلت مكّة ورب الكعبة. حيث زكنت أنّه يريد مكّة كأنّك قلت يريد مكّة والله.
ويجوز أن تقول مكّة والله على قولك أراد مكّة والله كأنّك أخبرت بهذه الصفّة عنه أنّه كان فيها أمس فقلت مكة والله أي أراد مكّة إذ ذاك.
ومن ذلك قوله عزّ وجلّ: {بل ملة إبراهيم حنيفا} أي بل نتّبع ملّة إبراهيم حنيفا كأنه قيل لهم اتّبعوا حين قيل لهم: {كونوا هوداً أو نصارى} ). [الكتاب: 1/ 257]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (هذا باب القسم
اعلم أن للقسم أدواتٍ توصل الحلف إلى المقسم به؛ لأن الحلف مضمر مطرحٌ لعلم السامع به؛ كما كان قولك: يا عبد الله محذوفاً منه الفعل لما ذكرت لك.
وكذلك كل مستغنىً عنه فإن شئت أظهرت الفعل؛ كما أنك تقول: يا زيد عمراً، أي: عليك عمراً: وتقول: الطريق يا فتى، أي ظل الطريق، وترى الرامي قد رمى، فنسمع صوتاً فتقول: القرطاس والله، أي: أصبت.
وإن شئت قلت: خل الطريق، ويا زيد عليك عمراً، وأصبت القرطاس يا فتى.
وكذلك قوله عز وجل: {بل ملة إبراهيم} إنما هو: اتبعوا؛ وذلك لأنه جواب قوله: {كونوا هوداً أو نصارى}.
فهكذا القسم في إضمار الفعل وإظهاره. وذلك قوله: أحلف بالله لأفعلن. وإن شئت قلت: بالله لأفعلن. والباء موصلة؛ كما كانت موصلة في قولك: مررت بزيد. فهي والواو تدخلان على كل مقسم به؛ لأن الواو في معنى الباء؛ وإنما جعلت مكان الباء، والباء هي الأصل؛ كما كان في مررت بزيد، وضربت بالسيف يا فتى؛ لأن الواو من مخرج الباء، ومخرجهما جميعاً من الشفة، فلذلك أبدلت منها؛ كما أبدلت من رب في قوله:
وبلدٍ ليس به أنيس
لأنها لما أبدلت من الباء دخلت على رب لما أشرحه لك في بابها؛ كما تدخل الإضافة بعضها على بعض. فمن ذلك قوله عز وجل: {يحفظونه من أمر الله} أي: بأمر الله. وقال: {ولأصلبنكم في جذوع النخل} أي: على. وقال: {أم لهم سلمٌ يستمعون فيه} أي: يستمعون عليه. وقال الشاعر:


هم صلبوا العبدي في جذع نخلةٍ ....... فــلا عطـسـت شيـبـان إلا بأجـذعـا

وقال الآخر:


إذا رضيت على بنو قشيرٍ ....... لعمـر الله أعجبنـي رضـاهـا

أي عني. وقال الآخر:


غدت من عليه تنفـض الطـل بعـد مـا ....... رأت حاجب الشمس استوى فترفعا

وسنفرد باباً لما يصلح فيه الإبدال وما يمتنع عنه إن شاء الله.
تقول والله لأفعلن، وتالله لأفعلن وتبدل التاء من الواو، ولا تدخل من المقسم به إلا في الله وحده. وذلك قوله {وتالله لأكيدن أصنامكم}؛ وإنما امتنعت من الدخول في جميع ما دخلت فيه الباء، والواو؛ لأنها لم تدخل على الباء التي هي الأصل، وإنما دخلت على الواو الداخلة على الباء؛ فلذلك لم تتصرف.
فأما إبدالها من الواو فنحن نذكره مفسراً في التصريف. ألا ترى أنك تقول: هذا أتقى من هذا، والأصل أوقى، لأنه من وقيت. وكذلك تراث. إنما هو وراث، لأنه من ورثت. وتجاهٌ فعال من الوجه. وكذلك تخمة من الوخامة. وهذا أكثر من أن يحصى أو يؤتى بجميعه، ونحن نستقصي شرحه في باب التصريف إن شاء الله.
واعلم أنك إذا حذفت حروف الإضافة من المقسم به نصبته؛ لأن الفعل يصل فيعمل، فتقول: الله لأفعلن؛ لأنك أردت أحلف الله لأفعلن. وكذلك كل خافض في موضع نصب إذا حذفته وصل الفعل، فعمل فيما بعده؛ كما قال الله عز وجل: {واختار موسى قومه سبعين رجلاً} أي من قومه. وقل الشاعر:


أستغفر الله ذنباً لست محصيه ....... رب العبـاد إليـه الـوجـه والعـمـل

أي من ذنب. وقال الشاعر:


أمرتك الخير فافعل ما أمرت به ....... فقـد تركـتـك ذا مــالٍ وذا نـشـب

فتقول: الله لأفعلن. وكذلك كل مقسم به.
واعلم أن للقسم تعويضاتٍ من أدواته تحل محلها، فيكون فيها ما يكون في أدوات القسم وتعتبر ذلك بأنك لا تجمع بينها وبين ما هي عوضٌ منه. فإن جاز الجمع بين شيئين فليس أحدهما عوضاً عن الآخر؛ ألا ترى أنك تقول: عليك زيداً، وإنما المعنى: خذ زيداً، وما أشبهه من الفعل. فإن قلت: عليك لم تجمع بينها وبين فعل آخر لأنها بدل من ذلك الفعل). [المقتضب: 2/ 317-321]

تفسير قوله تعالى: {قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) }

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137) }

تفسير قوله تعالى: {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (138) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (واعلم أنه قد تدخل الألف واللام في التوكيد في هذه المصادر المتمكنة التي تكون بدلاً من اللفظ بالفعل كدخولها في الأمر والنهى والخبر والاستفهام فأجرها في هذا الباب مجراها هناك.
وكذلك الإضافة بمنزلة الألف واللام.
فأمّا المضاف فقول الله تبارك وتعالى: {وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله} وقال الله تبارك وتعالى: {ويومئذ يفرح المؤمنون * بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم وعد الله لا يخلف الله وعده}. وقال جلّ وعزّ: {الذي أحسن كل شيء خلقه}. وقال جل ثناؤه: {والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم}. ومن ذلك الله أكبر دعوة الحق. لأنّه لمّا قال جلّ وعزّ: {مر السحاب} وقال: {أحسن كلّ شيء} علم أنّه خلقٌ وصنعٌ ولكنّه وكّد وثّبت للعباد. ولما قال: {حرمت عليكم أمهاتكم} حتّى انقضى الكلام علم المخاطبون أنّ هذا مكتوبٌ عليهم مثّبت عليهم وقال كتاب الله توكيداً كما قال صنع الله وكذلك وعد الله لأنّ الكلام الذي قبله وعدٌ
وصنعٌ فكأنّه قال جلّ وعزّ وعداً وصنعا وخلقا وكتابا. وكذلك دعوة الحق لأنّه قد علم أنّ قولك الله أكبر دعاء الحق ولكنّه توكيدٌ كأنّه قال دعاءً حقًّا.
قال رؤبة:


إنّ نزاراً أصبحت نزارا دعوة أبرارٍ دعوا أبـرارا

لأنّ قولك أصبحت نزاراً بمنزلة هم على دعوةٍ بارّةٍ.
وقد زعم بعضهم أنّ كتاب الله نصب على قوله عليكم كتاب الله.
وقال قومٌ: {صبغة الله} منصوبةٌ على الأمر. وقال بعضهم لا بل توكيداً. والصبغة الدين.
وقد يجوز الرفع فيما ذكرنا أجمع على أن يضمر شيئاً هو المظهر كأنّك قلت ذاك وعد الله وصبغة الله أو هو دعوة الحقّ. على هذا ونحوه رفعه.
ومن ذلك قوله جلّ وعزّ: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ} كأنه قال ذاك بلاغٌ). [الكتاب: 1/ 381-382] (م)


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 03:16 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 03:17 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 03:17 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 03:17 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقولهم: {كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا} نظير قولهم: {لن يدخل الجنّة إلّا من كان هوداً أو نصارى} [البقرة: 111]، ونصب ملّة بإضمار فعل، أي بل نتبع ملة، وقيل نصبت على الإغراء، وقرأ الأعرج وابن أبي عبلة «بل ملة» بالرفع والتقدير بل الهدى ملة، وحنيفاً حال، وقيل نصب بإضمار فعل، لأن الحال تعلق من المضاف إليه، والحنف الميل، ومنه الأحنف لمن مالت إحدى قدميه إلى الأخرى، والحنيف في الدين الذي مال عن الأديان المكروهة إلى الحق، وقال قوم: الحنف الاستقامة، وسمي المعوج القدمين أحنف تفاؤلا كما قيل سليم ومفازة، ويجيء الحنيف في الدين المستقيم على جميع طاعات الله عز وجل، وقد خصص بعض المفسرين، فقال قوم: الحنيف الحاج، وقال آخرون: المختتن، وهذه أجزاء الحنف.
ونفى عنه الإشراك فانتفت عبادة الأوثان واليهودية لقولهم عزير ابن الله، والنصرانية لقولهم المسيح ابن الله). [المحرر الوجيز: 1/ 395-360]


تفسير قوله تعالى: {قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {قولوا آمنّا باللّه وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النّبيّون من ربّهم لا نفرّق بين أحدٍ منهم ونحن له مسلمون (136) فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولّوا فإنّما هم في شقاقٍ فسيكفيكهم اللّه وهو السّميع العليم (137) صبغة اللّه ومن أحسن من اللّه صبغةً ونحن له عابدون (138)}
هذا الخطاب لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، علمهم الله الإيمان، وما أنزل إلينا يعني به القرآن، وصحت إضافة الإنزال إليهم من حيث هم المأمورون المنهيون فيه، وإبراهيم وإسماعيل يجمعان براهيم وسماعيل، هذا هو اختيار سيبويه والخليل، وقال قوم «براهم»، وقال الكوفيون: «براهمة وسماعلة»، وقال المبرد: «أباره وأسامع»، وأجاز ثعلب «براه» كما يقال في التصغير «بريه»، والأسباط هم ولد يعقوب، وهم روبيل وشمعون ولاوي ويهوذا وربالون ويشحر ودنية بنته وأمهم ليا، ثم خلف على أختها راحيل فولدت له يوسف وبنيامين، وولد له من سريتين ذان وتفثالي وجاد وأشرو، والسبط في بني إسرائيل بمنزلة القبيلة في ولد إسماعيل، فسموا الأسباط لأنه كان من كل واحد منهم سبط، وما أوتي موسى هو التوراة وآياته، و «ما أوتي عيسى» هو الإنجيل وآياته، فالمعنى أنا نؤمن بجميع الأنبياء لأن جميعهم جاء بالايمان بالله، فدين الله واحد وإن اختلفت أحكام الشرائع، ولا نفرّق بين أحدٍ منهم أي لا نؤمن ببعض ونكفر ببعض كما تفعلون، وفي الكلام حذف تقديره: بين أحد منهم وبين نظيره، فاختصر لفهم السامع، والضمير في له عائد على اسم الله عز وجل). [المحرر الوجيز: 1/ 360-361]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به} الآية، خطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم وأمته.
والمعنى إن صدقوا تصديقا مثل تصديقكم، فالمماثلة وقعت بين الإيمانين، هذا قول بعض المتأولين، وقيل الباء زائدة مؤكدة، والتقدير آمنوا مثل، والضمير في به عائد كالضمير في له، فكأن الكلام فإن آمنوا بالله مثل ما آمنتم به، ويظهر عود الضمير على ما، وقيل «مثل» زائدة كما هي في قوله: {ليس كمثله شيءٌ} [الشورى: 11]، وقالت فرقة: هذا من مجاز الكلام، تقول هذا أمر لا يفعله مثلك أي لا تفعله أنت، فالمعنى فإن آمنوا بالذي آمنتم به، هذا قول ابن عباس، وقد حكاه عنه الطبري قراءة، ثم أسند إليه أنه قال: «لا تقولوا فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به، فإنه لا مثل لله تعالى، ولكن قولوا فإن آمنوا بالذي آمنتم أو بما آمنتم به».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «وهذا على جهة التفسير، أي هكذا فليتأول»، وحكاهما أبو عمرو الداني قراءتين عن ابن عباس فالله أعلم.
وقوله تعالى: {وإن تولّوا} أي أعرضوا، يعني به اليهود والنصارى، والشقاق المشاقة والمحادة والمخالفة، أي في شقاق لك هم في شق وأنت في شق، وقيل: شاق معناه شق كل واحد وصل ما بينه وبين صاحبه، ثم وعده تعالى أنه سيكفيه إياهم ويغلبه عليهم، فكان ذلك في قتل بني قينقاع وبني قريظة وإجلاء النضير.
وهذا الوعد وانتجازه من أعلام نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، والسّميع لقول كل قائل، العليم بما يجب أن ينفذ في عباده). [المحرر الوجيز: 1/ 361-362]

تفسير قوله تعالى: {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (138) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وصبغة اللّه شريعته وسنته وفطرته، قال كثير من المفسرين: وذلك أن النصارى لهم ماء يصبغون فيه أولادهم، فهذا ينظر إلى ذلك: وقيل: سمي الدين صبغة استعارة من حيث تظهر أعماله وسمته على المتدين كما يظهر الصبغ في الثوب وغيره، ونصب الصبغة على الإغراء، وقيل بدل من ملة، وقيل نصب على المصدر المؤكد لأن ما قبله من قوله فقد اهتدوا هو في معنى يلبسون أو يتجللون صبغة الله، وقيل: التقدير ونحن له مسلمون صبغة الله، فهي متصلة بالآية المتقدمة، وقال الطبري من قرأ برفع «ملة» قرأ برفع «صبغة».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقد ذكرتها عن الأعرج وابن أبي عبلة. ونحن له عابدون ابتداء وخبر). [المحرر الوجيز: 1/ 362]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 03:18 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 03:18 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {وقالوا كونوا هودًا أو نصارى تهتدوا قل بل ملّة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين (135)}
قال محمّد بن إسحاق: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، حدّثني سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: «قال عبد اللّه بن صوريا الأعور لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ما الهدى إلّا ما نحن عليه، فاتّبعنا يا محمّد تهتد. وقالت النّصارى مثل ذلك. فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {وقالوا كونوا هودًا أو نصارى تهتدوا}».
وقوله: {بل ملّة إبراهيم حنيفًا} أي: لا نريد ما دعوتم إليه من اليهوديّة والنّصرانيّة، بل نتّبع {ملّة إبراهيم حنيفًا} أي: «مستقيمًا». قاله محمّد بن كعبٍ القرظيّ، وعيسى بن جارية.
وقال خصيف عن مجاهدٍ: «مخلصًا». وروى عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: حاجًّا. وكذا روي عن الحسن والضّحّاك وعطيّة، والسّدّيّ.
وقال أبو العالية: «الحنيف الذي يستقبل البيت بصلاته، ويرى أنّ حجّه عليه إن استطاع إليه سبيلًا».
وقال مجاهدٌ، والرّبيع بن أنسٍ: «حنيفًا أي: متّبعًا». وقال أبو قلابة: «الحنيف الذي يؤمن بالرّسل كلّهم من أوّلهم إلى آخرهم».
وقال قتادة: «الحنيفيّة: شهادة أن لا إله إلّا اللّه. يدخل فيها تحريم الأمّهات والبنات والخالات والعمّات وما حرّم اللّه، عزّ وجلّ والختان» ). [تفسير ابن كثير: 1/ 448]


تفسير قوله تعالى: {قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {قولوا آمنّا باللّه وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النّبيّون من ربّهم لا نفرّق بين أحدٍ منهم ونحن له مسلمون (136)}
أرشد اللّه تعالى عباده المؤمنين إلى الإيمان بما أنزل إليهم بواسطة رسوله محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم مفصّلًا وبما أنزل على الأنبياء المتقدّمين مجملًا ونصّ على أعيانٍ من الرّسل، وأجمل ذكر بقيّة الأنبياء، وأن لا يفرّقوا بين أحدٍ منهم، بل يؤمنوا بهم كلّهم، ولا يكونوا كمن قال اللّه فيهم: {ويريدون أن يفرّقوا بين اللّه ورسله ويقولون نؤمن ببعضٍ ونكفر ببعضٍ ويريدون أن يتّخذوا بين ذلك سبيلا * أولئك هم الكافرون حقًّا} [النّساء: 150، 151].
وقال البخاريّ: حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، حدّثنا عثمان بن عمر، أخبرنا عليّ بن المبارك، عن يحيى بن أبي كثيرٍ، عن أبي سلمة بن عبد الرّحمن، عن أبي هريرة، قال: كان أهل الكتاب يقرؤون التّوراة بالعبرانيّة ويفسّرونها بالعربيّة لأهل الإسلام، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا تصدّقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقولوا: آمنّا باللّه وما أنزل إلينا» .
وقد روى مسلمٌ وأبو داود والنّسائيّ من حديث عثمان بن حكيمٍ، عن سعيد بن يسار عن ابن عبّاسٍ، قال: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أكثر ما يصلّي الرّكعتين اللّتين قبل الفجر بـ {آمنّا باللّه وما أنزل إلينا} الآية، والأخرى بـ {آمنّا باللّه واشهد بأنّا مسلمون} [آل عمران: 52]». وقال أبو العالية والرّبيع وقتادة: «الأسباط: بنو يعقوب اثنا عشر رجلًا؛ ولد كلّ رجلٍ منهم أمّةً من النّاس، فسمّوا الأسباط».
وقال الخليل بن أحمد وغيره: «الأسباط في بني إسرائيل، كالقبائل في بني إسماعيل»وقال الزّمخشريّ في الكشّاف: «الأسباط: حفدة يعقوب ذراري أبنائه الاثنى عشر»، وقد نقله الرّازيّ عنه، وقرّره ولم يعارضه. وقال البخاريّ: «الأسباط: قبائل بني إسرائيل، وهذا يقتضي أنّ المراد بالأسباط هاهنا شعوب بني إسرائيل، وما أنزل اللّه تعالى من الوحي على الأنبياء الموجودين منهم، كما قال موسى لهم: {اذكروا نعمة اللّه عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكًا وآتاكم ما لم يؤت أحدًا من العالمين} [المائدة: 20] وقال تعالى: {وقطّعناهم اثنتي عشرة أسباطًا أممًا} [الأعراف: 160]» وقال القرطبيّ: «وسمّوا الأسباط من السّبط، وهو التّتابع، فهم جماعةٌ متتابعون». وقيل: أصله من السّبط، بالتّحريك، وهو الشّجر، أي: هم في الكثرة بمنزلة الشّجر الواحدة سبطةٌ. قال الزّجّاج: ويبيّن لك هذا: ما حدّثنا محمّد بن جعفرٍ الأنباريّ، حدّثنا أبو نجيدٍ الدّقّاق، حدّثنا الأسود بن عامرٍ، حدّثنا إسرائيل عن سماكٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: «كلّ الأنبياء من بني إسرائيل إلّا عشرةً: نوحٌ وهودٌ وصالحٌ وشعيبٌ وإبراهيم ولوطٌ وإسحاق ويعقوب وإسماعيل ومحمّدٌ -عليهم الصّلاة والسّلام». قال القرطبيّ: «والسّبط: الجماعة والقبيلة، الرّاجعون إلى أصلٍ واحدٍ».
وقال قتادة: «أمر اللّه المؤمنين أن يؤمنوا به، ويصدقوا بكتبه كلّها وبرسله».
وقال سليمان بن حبيبٍ: «إنّما أمرنا أن نؤمن بالتّوراة والإنجيل، ولا نعمل بما فيهما».
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا محمّد بن محمّد بن مصعب الصّوريّ، حدّثنا مؤمّل، حدّثنا عبيد الله بن أبي حميدٍ، عن أبي المليح، عن معقل بن يسارٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «آمنوا بالتّوراة والزّبور والإنجيل وليسعكم القرآن»). [تفسير ابن كثير: 1/ 448-450]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137) }.
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولّوا فإنّما هم في شقاقٍ فسيكفيكهم اللّه وهو السّميع العليم (137) صبغة اللّه ومن أحسن من اللّه صبغةً ونحن له عابدون (138)}
يقول تعالى: {فإن آمنوا} أي: الكفّار من أهل الكتاب وغيرهم {بمثل ما آمنتم به} أيّها المؤمنون، من الإيمان بجميع كتب اللّه ورسله، ولم يفرّقوا بين أحدٍ منهم {فقد اهتدوا} أي: فقد أصابوا الحقّ، وأرشدوا إليه {وإن تولّوا} أي: عن الحقّ إلى الباطل، بعد قيام الحجّة عليهم {فإنّما هم في شقاقٍ فسيكفيكهم اللّه} أي: فسينصرك عليهم ويظفرك بهم {وهو السّميع العليم}.
وقال ابن أبي حاتمٍ: قرئ على يونس بن عبد الأعلى حدّثنا ابن وهبٍ، حدّثنا زياد بن يونس، حدّثنا نافع بن أبي نعيم، قال: «أرسل إليّ بعض الخلفاء مصحف عثمان بن عفّان ليصلحه، قال زيادٌ: فقلت له: إنّ النّاس يقولون: إنّ مصحفه كان في حجره حين قتل، فوقع الدّم على {فسيكفيكهم اللّه وهو السّميع العليم} فقال نافعٌ: بصرت عيني بالدّم على هذه الآية وقد قدم»). [تفسير ابن كثير: 1/ 450]

تفسير قوله تعالى: {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (138) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {صبغة اللّه} قال الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: «دين اللّه» وكذا روي عن مجاهدٍ، وأبي العالية، وعكرمة، وإبراهيم، والحسن، وقتادة، والضّحّاك، وعبد اللّه بن كثيرٍ، وعطيّة العوفيّ، والرّبيع بن أنسٍ، والسّدّيّ، نحو ذلك.
وانتصاب {صبغة اللّه} إمّا على الإغراء كقوله: {فطرت اللّه} [الرّوم: 30] أي: الزموا ذلك عليكموه. وقال بعضهم: بدلٌ من قوله: {ملّة إبراهيم} وقال سيبويه: «هو مصدرٌ مؤكّدٌ انتصب عن قوله: {آمنّا باللّه} كقوله: {واعبدوا اللّه} [النّساء: 36]».
وقد ورد في حديثٍ رواه ابن أبي حاتمٍ وابن مردويه، من رواية أشعث بن إسحاق عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاسٍ أنّ نبيّ اللّه قال: «إنّ بني إسرائيل قالوا: يا موسى، هل يصبغ ربّك؟ فقال: اتّقوا اللّه. فناداه ربّه: يا موسى، سألوك هل يصبغ ربّك؟ فقل: نعم، أنا أصبغ الألوان: الأحمر والأبيض والأسود، والألوان كلّها من صبغي، وأنزل اللّه على نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {صبغة اللّه ومن أحسن من اللّه صبغةً}».
كذا وقع في رواية ابن مردويه مرفوعًا، وهو في رواية ابن أبي حاتمٍ موقوفٌ، وهو أشبه، إن صحّ إسناده، واللّه أعلم). [تفسير ابن كثير: 1/ 450]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:01 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة