العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الأعراف

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 ربيع الثاني 1434هـ/26-02-2013م, 10:33 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير سورة الأعراف [ من الآية (1) إلى الآية (9) ]

{المص (1) كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (3) وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ (4) فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (5) فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (7) وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَظْلِمُونَ (9)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21 ربيع الثاني 1434هـ/3-03-2013م, 11:15 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: {المص (1)}

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن قتادة، في قوله تعالى: {المص}، قال: اسم من أسماء القرآن). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 225]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله -جلّ ثناؤه وتقدّست أسماؤه-: {المص}.
قال أبو جعفرٍ: اختلف أهل التّأويل في تأويل قول اللّه تعالى: {المص}؛ فقال بعضهم: معناه: أنا اللّه أفضل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا سفيان، قال: حدّثنا أبي، عن شريكٍ، عن عطاء بن السّائب، عن أبي الضّحى، عن ابن عبّاسٍ: {المص}: أنا اللّه، أفضل.
- حدّثني الحرث، قال: حدّثنا القاسم بن سلاّمٍ، قال: حدّثنا عمّار بن محمّدٍ، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، في قوله: {المص} أنا اللّه أفضل.
وقال آخرون: هو هجاء حروف اسم اللّه تعالى الّذي هو المصوّر.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {المص} قال: هي هجاء المصوّر.
وقال آخرون: هي اسمٌ من أسماء اللّه أقسم ربّنا به.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {المص} قسمٌ أقسمه اللّه، وهو من أسماء اللّه.
وقال آخرون: هو اسمٌ من أسماء القرآن.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {المص} قال: اسمٌ من أسماء القرآن.
- حدّثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرّزّاق قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، مثله.
وقال آخرون: هي حروف هجاءٍ مقطّعةٌ.
وقال آخرون: هي من حساب الجمّل.
وقال آخرون: هي حروفٌ تحوي معاني كثيرةً دلّ بها اللّه خلقه على مراده من ذلك.
وقال آخرون: هي حروف اسم اللّه الأعظم.
وقد ذكرنا كلّ ذلك بالرّواية فيه، وتعليل كلّ فريقٍ قال فيه قولاً وأمّا الصّواب من القول عندنا في ذلك بشواهده وأدلّته فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع). [جامع البيان: 10/ 52-53]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله عزّ وجلّ: {المص}
الوجه الأول:
- حدّثنا موسى بن سهلٍ الرّمليّ ثنا آدم، ثنا شيبان عن عطاء بن السّائب عن أبي الضّحى، في قوله:
{المص يقول: أنا اللّه أفعل.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: قوله:
{المصاسمٌ من أسماء اللّه وقسمٌ أقسمه اللّه.
والوجه الثّالث:
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: قوله:
{المص فهو المصوّر.
والوجه الرّابع:
- أخبرنا أبو عبد اللّه الطّهرانيّ فيما كتب إليّ، أنا عبد الرّزّاق أنا معمرٌ عن قتادة قوله:
{المص قال: اسمٌ من أسماء القرآن.
والوجه الخامس:
- حدّثنا أبي، ثنا سهل بن عثمان أنا يحيى بن أبي زائدة عن ابن جريجٍ قال مجاهدٌ:
{المص} هذا فواتح يفتح اللّه بها القرآن. قلت: ألم تكن تقول هي أسماءٌ؟
قال: لا.
والوجه السّادس:
- حدّثنا أبي، ثنا سهل بن عثمان، ثنا الحكم، عن محمّد بن إسحاق عن محمّد بن كعبٍ، في:
{المص} قال: ألفٌ من اللّه، والميم من الرّحمن، والصّاد من الصمد). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1437]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله:
{المص قال: أنا الله أفصل.
- وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير في قوله:
{المص} قال: أنا الله أفصل.
- وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله:
{المص وطه وطسم ويس وص وحم وحمعسق وق ون وأشباه هذا فإنه قسم أقسم الله به وهي من أسماء الله.
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي في قوله:
{المص قال: هو المصور.
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن محمد بن كعب القرظي في قوله:
{المص قال: الألف من الله والميم من الرحمن والصاد من الصمد
- وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك
{المص قال: أنا الله الصادق). [الدر المنثور: 6/ 311-313]

تفسير قوله تعالى: {كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2)}
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن قتادة، في قوله تعالى: {فلا يكن في صدرك حرج منه}، قالا لا يكن في صدرك شك منه). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 225]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {كتابٌ أنزل إليك}.
قال أبو جعفرٍ: يعني تعالى ذكره: هذا القرآن يا محمّد في كتابٍ أنزله اللّه إليك.
ورفع (الكتاب) بتأويل: هذا كتابٌ.
القول في تأويل قوله تعالى: {فلا يكن في صدرك حرجٌ منه}.
يقول جلّ ثناؤه لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: فلا يضق صدرك يا محمّد من الإنذار به من أرسلتك لإنذاره به، وإبلاغه من أمرتك بإبلاغه إيّاه، ولا تشكّ في أنّه من عندي، واصبر بالمضيّ لأمر اللّه واتّباع طاعته فيما كلّفك وحمّلك من عبء أثقال النّبوّة، كما صبر أولو العزم من الرّسل، فإنّ اللّه معك.
والحرج: هو الضّيق في كلام العرب، وقد بيّنّا معنى ذلك بشواهده وأدلّته في قوله: {ضيّقًا حرجًا}، بما أغنى عن إعادته.
وقال أهل التّأويل في ذلك ما:
- حدّثني به محمّد بن سعدٍ قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {فلا يكن في صدرك حرجٌ منه}، قال: لا تكن في شكٍّ منه.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {فلا يكن في صدرك حرجٌ منه} قال: شكٌّ.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، قال: حدّثنا معمرٌ، عن قتادة: {فلا يكن في صدرك حرجٌ منه}: شكٌّ منه.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ قال: حدّثنا يزيد قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة مثله.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {فلا يكن في صدرك حرجٌ منه}، قال: أمّا الحرج: فشكٌّ.
- حدّثنا الحرث قال: حدّثنا عبد العزيز قال: حدّثنا أبو سعدٍ المدنيّ قال: سمعت مجاهدًا، في قوله: {فلا يكن في صدرك حرجٌ منه}، قال: شكٌّ من القرآن.
قال أبو جعفرٍ: وهذا الّذي ذكرته من التّأويل عن أهل التّأويل هو معنى ما قلنا في الحرج، لأنّ الشّكّ فيه لا يكون إلاّ من ضيق الصّدر به وقلّة الاتّساع لتوجيهه وجهته الّتي هي وجهته الصّحيحة. وإنّما اخترنا العبارة عنه بمعنى الضّيق، لأنّ ذلك هو الغالب عليه من معناه في كلام العرب، كما قد بيّنّاه قبل.
القول في تأويل قوله تعالى: {لتنذر به وذكرى للمؤمنين}.
يعني بذلك تعالى ذكره: هذا كتابٌ أنزلناه إليك يا محمّد لتنذر به من أمرتك بإنذاره، {وذكرى للمؤمنين}: وهو من المؤخّر الّذي معناه التّقديم، ومعناه: كتابٌ أنزل إليك لتنذر به، وذكرٌ للمؤمنين، فلا يكن في صدرك حرجٌ منه.
وإذا كان ذلك معناه كان موضع قوله: {وذكرى} نصبًا بمعنى: أنزلنا إليك هذا الكتاب لتنذر به، وتذكّر به المؤمنين. ولو قيل: معنى ذلك: هذا كتابٌ أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرجٌ منه أن تنذر به وتذكّر به المؤمنين، كان قولاً غير مدفوعةٍ صحّته. وإذا وجّه معنى الكلام إلى هذا الوجه كان في قوله: {وذكرًى} من الإعراب وجهان: أحدهما النّصب بالرّدّ على موضع لتنذر به، والآخر الرّفع عطفًا على الكتاب، كأنّه قيل: المص، كتابٌ أنزل إليك وذكرًى للمؤمنين). [جامع البيان: 10/ 54-56]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({كتابٌ أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرجٌ منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين (2)}
قوله تعالى: {كتابٌ أنزل إليك}
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس بن الوليد ثنا يزيد بن زريعٍ عن سعيدٍ، عن قتادة: قوله:
{كتابٌ أنزل إليك} وهو القرآن الذين أنزله اللّه على محمّدٍ -صلّى اللّه عليه وسلّم.
قوله تعالى: {فلا يكن في صدرك حرجٌ منه}
- حدّثنا أبي ثنا محمّد بن سلمة الباهليّ الطّورانيّ، ثنا عبد الله بن رجاءٍ المكّيّ، عن عثمان أنّ الأسود، عن عبد اللّه بن عبيد بن عميرٍ، عن ابن عبّاسٍ:
{فلا يكن في صدرك حرجٌ منه}، قال: ليس شكٌّ.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {حرجٌ منه}، قال: شكٌّ. وروي عن سعيد بن جبيرٍ والسّدّيّ وعكرمة وقتادة مثل قول مجاهدٍ.
قوله تعالى: {لتنذر به وذكرى للمؤمنين}
- حدّثنا أبو زرعة ثنا صفوان ثنا الوليد، ثنا سعيد بن بشيرٍ عن قتادة، في قوله: {لتنذر به} وأنت تعلم أنّه حقٌّ من اللّه، فلا تشكّ فيه). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1438]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم بن الحسين ابن علي قال نا آدم بن أبي إياس، قال نا ورقاء بن عمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: {فلا يكن في صدرك حرج منه} يعني شكا منه).[تفسير مجاهد: 231]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : ( أخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن ابن عباس: {فلا يكن في صدرك حرج منه}، قال: الشك، وقال لأعرابي: ما الحرج فيكم قال: الشك اللبس.
- وأخرج ابن جرير عن ابن عباس: {فلا يكن في صدرك حرج منه} قال: شك.
- وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك: {فلا يكن في صدرك حرج منه} قال: ضيق). [الدر المنثور: 6/ 313]

تفسير قوله تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (3)}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {اتّبعوا ما أنزل إليكم من ربّكم ولا تتّبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكّرون}.
يقول جلّ ثناؤه لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل يا محمّد لهؤلاء المشركين من قومك الّذين يعبدون الأوثان والأصنام: اتّبعوا أيّها النّاس ما جاءكم من عند ربّكم بالبيّنات والهدى، واعملوا بما أمركم به ربّكم، {ولا تتّبعوا} شيئًا {من دونه} يعني: شيئًا غير ما أنزل إليكم ربّكم، يقول: لا تتّبعوا أمر أوليائكم الّذين يأمرونكم بالشّرك باللّه وعبادة الأوثان، فإنّهم يضلّونكم ولا يهدونكم.
فإن قال قائلٌ: وكيف قلت: معنى الكلام: قل اتّبعوا، وليس في الكلام موجودًا ذكر القول؟
قيل: إنّه وإن لم يكن مذكورًا صريحًا، فإنّ في الكلام دلالةً عليه، وذلك قوله: {فلا يكن في صدرك حرجٌ منه لتنذر به}، ففي قوله: {لتنذر به} الأمر بالإنذار، وفي الأمر بالإنذار الأمر بالقول لأنّ الإنذار قولٌ، فكان معنى الكلام: أنذر القوم وقل لهم: اتّبعوا ما أنزل إليكم ربّكم.
ولو قيل: معناه: لتنذر به وتذكّر به المؤمنين، فتقول لهم: اتّبعوا ما أنزل إليكم. كان غير مدفوعٍ.
وقد كان بعض أهل العربيّة يقول: قوله: {اتّبعوا} خطابٌ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، ومعناه: كتابٌ أنزل إليك، فلا يكن في صدرك حرجٌ منه، اتّبع ما أنزل إليك من ربّك. ويرى أنّ ذلك نظير قول اللّه: {يا أيّها النّبيّ إذا طلّقتم النّساء فطلّقوهنّ لعدّتهنّ}، إذ ابتدأ خطاب النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم-، ثمّ جعل الفعل للجميع، إذ كان أمر اللّه نبيّه بأمرٍ أمرًا منه لجميع أمّته، كما يقال للرّجل يفرد بالخطاب والمراد به هو وجماعة أتباعه أو عشيرته وقبيلته: أما تتّقون اللّه؟ أما تستحيون من اللّه؟ ونحو ذلك من الكلام.
وذلك وإن كان وجهًا غير مدفوعٍ، فالقول الّذي اخترناه أولى بمعنى الكلام لدلالة الظّاهر الّذي وصفنا عليه.
وقوله: {قليلاً ما تذكّرون} يقول: قليلاً ما تتّعظون وتعتبرون، فتراجعون الحقّ). [جامع البيان: 10/ 56-57]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({اتّبعوا ما أنزل إليكم من ربّكم ولا تتّبعوا من دونه أولياء قليلًا ما تذكّرون (3)}
قوله تعالى: {إتّبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ... الآية}
- وبه عن قتادة: ثمّ قال للمؤمنين: اتّبعوا ما أنزل الله إليكم من ربّكم من القرآن). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1438]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن قتادة: {اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم}، أي هذا القرآن). [الدر المنثور: 6/ 313]

تفسير قوله تعالى: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ (4)}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وكم من قريةٍ أهلكناها فجاءها بأسنا بياتًا أو هم قائلون}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: حذّر هؤلاء العابدين غيري والعادلين بي الآلهة والأوثان سخطي، لا أحلّ بهم عقوبتي فأهلكهم كما أهلكت من سلك سبيلهم من الأمم قبلهم، فكثيرًا ما أهلكت قبلهم من أهل قرًى عصوني وكذّبوا رسلي وعبدوا غيري. {فجاءها بأسنا بياتًا} يقول: فجاءتهم عقوبتنا ونقمتنا ليلاً قبل أن يصبحوا، أو جاءتهم قائلين، يعني نهارًا في وقت القائلة.
وقيل: {وكم} لأنّ المراد بالكلام ما وصفت من الخبر عن كثرة ما قد أصاب الأمم السّالفة من المثلاث بتكذيبهم رسله وخلافهم عليه، وكذلك تفعل العرب إذا أرادوا الخبر عن كثرة العدد، كما قال الفرزدق:
كم عمّةٍ لك يا جرير وخالةٍ = فدعاء قد حلبت عليّ عشاري
فإن قال قائلٌ. فإنّ اللّه تعالى ذكره إنّما أخبر أنّه أهلك قرًى، فما في خبره عن إهلاكه القرى من الدّليل على إهلاكه أهلها؟
قيل: إنّ القرى لا تسمّى قرًى، ولا القرية قريةً، إلاّ وفيها مساكن لأهلها وسكّانٌ منهم، ففي إهلاكها من فيها من أهلها.
وقد كان بعض أهل العربيّة يرى أنّ الكلام خرج مخرج الخبر عن القرية، والمراد به أهلها.
والّذي قلنا في ذلك أولى بالحقّ لموافقته ظاهر التّنزيل المتلوّ.
فإن قال قائلٌ: وكيف قيل: {وكم من قريةٍ أهلكناها فجاءها بأسنا بياتًا أو هم قائلون}، وهل هلكت قريةٌ إلاّ بمجيء بأس اللّه وحلول نقمته وسخطه بها؟ فكيف قيل (أهلكناها فجاءها) وإن كان مجيء بأس اللّه إيّاها بعد هلاكها، فما وجه مجيء ذلك قومًا قد هلكوا وبادوا ولا يشعرون بما ينزل بهم ولا بمساكنهم؟
قيل: إنّ لذلك من التّأويل وجهين كلاهما صحيحٌ واضحٌ منهجه: أحدهما أن يكون معناه: وكم من قريةٍ أهلكناها بخذلاننا إيّاها عن اتّباع ما أنزلنا إليها من البيّنات والهدى واختيارها اتّباع أمر أوليائها المغويها عن طاعة ربّها، فجاءها بأسنا إذ فعلت ذلك بياتًا، أو هم قائلون. فيكون إهلاك اللّه إيّاها: خذلانه لها عن طاعته، ويكون مجيء بأس اللّه إيّاهم جزاءً لمعصيتهم ربّهم بخذلانه إيّاهم.
والآخر منهما: أن يكون الإهلاك هو البأس بعينه. فيكون في ذكر الإهلاك الدّلالة على ذكر مجيء البأس، وفي ذكر مجيء البأس الدّلالة على ذكر الإهلاك. وإذا كان ذلك كذلك، كان سواءً عند العرب بدئ بالإهلاك ثمّ عطف عليه بالبأس، أو بدئ بالبأس ثمّ عطف عليه بالإهلاك، وذلك كقولهم: زرتني فأكرمتني، إذ كانت الزّيارة هي الكرامة، فسواءٌ عندهم قدّم الزّيارة وأخّر الكرامة، أو قدّم الكرامة وأخّر الزّيارة، فقال: أكرمتني فزرتني.
وكان بعض أهل العربيّة يزعم أنّ في الكلام محذوفًا، لولا ذلك لم يكن الكلام صحيحًا، وأنّ معنى ذلك: وكم من قريةٍ أهلكناها، فكان مجيء بأسنا إيّاها قبل إهلاكنا.
وهذا قولٌ لا دلالة على صحّته من ظاهر التّنزيل، ولا من خبرٍ يجب التّسليم له، وإذا خلا القول من دلالةٍ على صحّته من بعض الوجوه الّتي يجب التّسليم لها كان بيّنًا فساده.
وقال آخر منهم أيضًا: معنى الفاء في هذا الموضع معنى الواو، وقال: تأويل الكلام: وكم من قريةٍ أهلكناها وجاءها بأسنا بياتًا.
وهذا قولٌ لا معنى له، إذ كان للفاء عند العرب من الحكم ما ليس للواو في الكلام، فصرفها إلى الأغلب من معناها عندهم ما وجد إلى ذلك سبيلٌ أولى من صرفها إلى غيره.
فإن قال: كيف قيل: {فجاءها بأسنا بياتًا أو هم قائلون}، وقد علمت أنّ الأغلب من شأن (أو) في الكلام اجتلاب الشّكّ، وغير جائزٍ أن يكون في خبر اللّه شكٌّ؟
قيل: إنّ تأويل ذلك خلاف ما إليه ذهبت، وإنّما معنى الكلام: وكم من قريةٍ أهلكناها فجاء بعضها بأسنا بياتًا، وبعضها وهم قائلون. ولو جعل مكان (أو) في هذا الموضع الواو لكان الكلام كالمحال، ولصار الأغلب من معنى الكلام: إنّ القرية الّتي أهلكها اللّه جاءها بأسه بياتًا، وفي وقت القائلة، وذلك خبرٌ عن البأس أنّه أهلك من قد هلك وأفنى من قد فني، وذلك من الكلام خلفٌ، ولكنّ الصّحيح من الكلام هو ما جاء به التّنزيل، إذ لم يفصل القرى الّتي جاءها البأس بياتًا من القرى الّتي جاءها ذلك قائلةً، ولو فصلت لم يخبر عنها إلاّ بالواو.
وقيل: {فجاءها بأسنا} خبرًا عن القرية أنّ البأس أتاها، وأجرى الكلام على ما ابتدئ به في أوّل الآية، ولو قيل: فجاءهم بأسنا بياتًا لكان صحيحًا فصيحًا ردًّا للكلام إلى معناه، إذ كان البأس إنّما قصد به سكّان القرية دون بنيانها، وإن كان قد نال بنيانها ومساكنها من البأس بالخراب نحوٌ من الّذي نال سكّانها.
وقد رجع في قوله: {أو هم قائلون} إلى خصوص الخبر عن سكّانها دون مساكنها لما وصفنا من أنّ المقصود بالبأس كان السّكّان وإن كان في هلاكهم هلاك مساكنهم وخرابها. ولو قيل: (أو هي قائلةٌ) كان صحيحًا إذ كان السّامعون قد فهموا المراد من الكلام.
فإن قال قائلٌ: أو ليس قوله: {أو هم قائلون} خبرًا عن الوقت الّذي أتاهم فيه بأس اللّه من النّهار؟
قيل: بلى.
فإن قال: أو ليس المواقيت في مثل هذا تكون في كلام العرب بالواو الدّالّ على الوقت؟
قيل: إنّ ذلك وإن كان كذلك، فإنّهم قد يحذفون من مثل هذا الموضع استثقالاً للجمع بين حرفي عطفٍ، إذ كان (أو) عندهم من حروف العطف، وكذلك الواو، فيقولون: لقيتني مملقًا أو أنا مسافرٌ، بمعنى: أو أنا مسافرٌ، فيحذفون الواو وهم مريدوها في الكلام لما وصفت). [جامع البيان: 10/ 57-61]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وكم من قريةٍ أهلكناها فجاءها بأسنا بياتًا أو هم قائلون (4)}
قوله تعالى: {وكم من قريةٍ أهلكناها ... الآية}
- حدّثنا أبي ثنا ابن زيادٍ ثنا سيّارٌ، حدّثني جعفرٌ قال: سمعت مالك بن دينارٍ قال: قالت ابنة الرّبيع لأبيها: يا أبتاه، مالي أرى النّاس ينامون ولا أراك تنام؟
قال: إنّي أخاف البيات). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1438]

تفسير قوله تعالى: {فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (5)}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلاّ أن قالوا إنّا كنّا ظالمين}.
يقول تعالى ذكره: فلم يكن دعوى أهل القرية الّتي أهلكناها إذ جاءهم بأسنا وسطوتنا بياتًا أو هم قائلون، إلاّ اعترافهم على أنفسهم بأنّهم كانوا إلى أنفسهم مسيئين وبربّهم آثمين ولأمره ونهيه مخالفين.
وعنى بقوله جلّ ثناؤه: {دعواهم} في هذا الموضع: دعاءهم.
وللدّعوى في كلام العرب وجهان: أحدهما الدّعاء، والآخر الادّعاء للحقّ. ومن الدّعوى الّتي معناها الدّعاء قول اللّه تبارك وتعالى: {فما زالت تلك دعواهم}، ومنه قول الشّاعر:
وإن مذلت رجلي دعوتك أشتفي ....... بدعواك من مذلٍ بها فيهون
وقد بيّنّا فيما مضى قبل أنّ البأس والبأساء: الشّدّة، بشواهد ذلك الدّالّة على صحّته، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وفي هذه الآية الدّلالة الواضحة على صحّة ما جاءت به الرّواية عن رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- من قوله: «ما هلك قومٌ حتّى يعذروا من أنفسهم».
وقد تأوّل ذلك كذلك بعضهم.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن أبي سنانٍ، عن عبد الملك بن ميسرة الزّرّاد، قال: قال عبد اللّه بن مسعودٍ: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ما هلك قومٌ حتّى يعذروا من أنفسهم»، قال: قلت لعبد الملك: كيف يكون ذلك؟ قال: فقرأ هذه الآية: {فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا ... الآية}.
فإن قال قائلٌ: وكيف قيل: {فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلاّ أن قالوا إنّا كنّا ظالمين}، وكيف أمكنتهم الدّعوى بذلك وقد جاءهم بأس اللّه بالهلاك، أقالوا ذلك قبل الهلاك؟ فإن كانوا قالوه قبل الهلاك، فإنّهم قالوا قبل مجيء البأس، واللّه يخبر عنهم أنّهم قالوه حين جاءهم لا قبل ذلك، أو قالوه بعدما جاءهم فتلك حالةٌ قد هلكوا فيها، فكيف يجوز وصفهم بقيل ذلك إذا عاينوا بأس اللّه وحقيقة ما كانت الرّسل تعدهم من سطوة اللّه؟
قيل: ليس كلّ الأمم كان هلاكها في لحظةٍ، ليس بين أوّله وآخره مهلٌ، بل كان منهم من غرق بالطّوفان، فكان بين أوّل ظهور السّبب الّذي علموا أنّهم به هالكون وبين آخره الّذي عمّ جميعهم هلاكه المدّة الّتي لا خفاء بها على ذي عقلٍ، ومنهم من متّع بالحياة بعد ظهور علامة الهلاك لأعينهم أيّامًا ثلاثةً، كقوم صالحٍ وأشباههم، فحينئذٍ لمّا عاينوا أوائل بأس اللّه الّذي كانت رسل اللّه تتوعّدهم به وأيقنوا حقيقة نزول سطوة اللّه بهم، دعوا: {يا ويلنا إنّا كنّا ظالمين}، {فلم يك ينفعهم إيمانهم} مع مجيء وعيد اللّه وحلول نقمته بساحتهم، فحذّر ربّنا جلّ ثناؤه الّذين أرسل إليهم نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم من سطوته وعقابه على كفرهم به وتكذيبهم رسوله، ما حلّ بمن كان قبلهم من الأمم، إذ عصوا رسله واتّبعوا أمر كلّ جبّارٍ عنيدٍ). [جامع البيان: 10/ 61-63]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلّا أن قالوا إنّا كنّا ظالمين (5)}
قوله تعالى: {فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنّا كنّا ظالمين}
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا محمّد بن عيسى الدّامغانيّ أنبأ جرير عن أبي سنانٍ عن عبد الملك الزّرّاد عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: ما هلك قومٌ حتّى يعذروا من أنفسهم، ثمّ قرأ: {فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين}). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1438-1439]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال: ما هلك قوم حتى يعذروا من أنفسهم ثم قرأ: {فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين}.
- وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود مرفوعا، مثله). [الدر المنثور: 6/ 313-314]

تفسير قوله تعالى: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6)}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فلنسألنّ الّذين أرسل إليهم ولنسألنّ المرسلين}.
يقول تعالى ذكره: لنسألنّ الأمم الّذين أرسلت إليهم رسلي ماذا عملت فيما جاءتهم به الرّسل من عندي من أمري ونهيي، هل عملوا بما أمرتهم به وانتهوا عمّا نهيتهم عنه وأطاعوا أمري، أم عصوني فخالفوا ذلك؟
{ولنسألنّ المرسلين} يقول: ولنسألنّ الرّسل الّذين أرسلتهم إلى الأمم، هل بلّغتهم رسالاتي وأدّت إليهم ما أمرتهم بأدائه إليه، أم قصّروا في ذلك ففرّطوا ولم يبلّغوهم؟

وكذلك كان أهل التّأويل يتأوّلونه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {فلنسألنّ الّذين أرسل إليهم ولنسألنّ المرسلين}، قال: يسأل اللّه النّاس عمّا أجابوا المرسلين، ويسأل المرسلين عمّا بلّغوا.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {فلنسألنّ الّذين أرسل إليهم} إلى قوله: {غائبين}، قال: يوضع الكتاب يوم القيامة فيتكلّم بما كانوا يعملون.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {فلنسألنّ الّذين أرسل إليهم ولنسألنّ المرسلين}: يقول فلنسألنّ الأمم ما عملوا فيما جاءت به الرّسل، ولنسألنّ الرّسل هل بلّغوا ما أرسلوا به.
- حدّثني الحرث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا أبو سعدٍ المدنيّ، قال: قال مجاهدٌ: {فلنسألنّ الّذين أرسل إليهم}: الأمم، ولنسألنّ الّذين أرسلنا إليهم عمّا ائتمنّاهم عليه، هل بلّغوا). [جامع البيان: 10/ 64-65]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({فلنسألنّ الّذين أرسل إليهم ولنسألنّ المرسلين (6)}
قوله تعالى: {فلنسئلن الذين أرسل إليهم}
الوجه الأول:
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس: {فلنسئلن الّذين أرسل إليهم}، قال: نسأل النّاس عمّا أجابوا المرسلين.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا هشام بن خالدٍ ثنا سويد بن عبد العزيز، عن يحيى بن الحارث عن القاسم أبي عبد الرّحمن أنه تلا هذه الآية: {فلنسئلن الذين أرسل إليهم ولنسئلن المرسلين}، قال: يسأل العبد يوم القيامة عن أربع خصالٍ، يقول ربّك: ألم أجعل لك جسدًا، ففيم أبليته؟ ألم أجعل لك علمًا ففيم عملت؟ ألم أجعل لك مالاً، ففيم أنفقته في طاعتي أم في معصيتي؟، ألم أجعل لك عمرًا، ففيم أفنيته.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا محمّد بن أبي حمّادٍ ثنا مهران، عن سفيان قال:
قال مجاهد: {فلنسئلن الذين أرسل إليهم ولنسئلن المرسلين}، يقول: النّاس يسألهم عن لا إله إلّا الله.
وقال غير مجاهد: فلنسئلن الذين أرسل إليهم الأنبياء.
والوجه الرّابع:
- حدّثنا أبي ثنا عليّ بن ميسرة، ثنا عبد العزيز بن أبي عثمان عن سفيان الثوري، في قوله: {فلنسئلن الّذين أرسل إليهم}، قال: هل بلّغكم الرّسل؟
والوجه الخامس:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا المحاربيّ، قال ليثٌ: أخبرني عن طاوسٍ أنّه قرأ: {فلنسئلن الّذين أرسل إليهم}، قال: فالإمام يسأل عن النّاس، والرّجل يسأل عن أهله، والمرأة تسأل عن بيت زوجها، والعبد يسأل عن مال سيّده.
قوله تعالى: {لنسئلن المرسلين}
الوجه الأول:
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس: {لنسئلن المرسلين} عمّا بلّغوا.
- حدّثنا أبي ثنا عليّ بن ميسرة، ثنا عبد العزيز بن أبي عثمان، عن سفيان الثوري، في قوله: {فلنسئلن الذين أرسل إليهم} ماذا ردّوا عليكم؟
والوجه الثّاني:
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن أبي حمّادٍ، ثنا مهران عن سفيان قال: قال مجاهدٌ: ولنسئلن المرسلين، قال: جبريل). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1439-1440]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث عن ابن عباس: {فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين}، قال: نسأل الناس عما أجابوا المرسلين ونسأل المرسلين عما بلغوا، {فلنقصن عليهم بعلم} قال: يوضع الكتاب يوم القيامة فيتكلم بما كانوا يعملون.
- وأخرج عبد بن حميد عن قوله: {فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين}، قال: أحدهما الأنبياء وأحدهما الملائكة {فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين} قال: ذلك قول الله.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {فلنسألن الذين أرسل إليهم}، يقول: الناس تسألهم عن لا إله إلا الله، {ولنسألن المرسلين} قال: جبريل
- وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان الثوري في قوله: {فلنسألن الذين أرسل إليهم}، قال: هل بلغكم الرسل، {ولنسألن المرسلين} قال: ماذا ردوا عليكم.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن القاسم أبي الرحمن، أنه تلا هذه الآية فقال: يسأل العبد يوم القيامة عن أربع خصال، يقول ربك: ألم أجعل لك جسدا ففيم أبليته ألم أجعل لك علما ففيم عملت بما علمت ألم أجعل لك مالا ففيم أنفقته في طاعتي أم في معصيتي ألم أجعل لك عمرا ففيم أفنيته.
- وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن وهيب بن الورد قال: بلغني أن أقرب الخلق إلى الله إسرافيل والعرش على كاهله فإذا نزل الوحي دلى اللوح من نحو العرش فيقرع جبهة إسرافيل فينظر فيه فيرسل إلى جبريل فيدعوه فيرسله فإذا كان يوم القيامة دعي إسرافيل فيؤتى به ترتعد فرائصه فيقال له: ما صنعت فيما أدى إليك اللوح فيقول: أي رب أديته إلى جبريل، فيدعى جبريل فيؤتى به ترتعد فرائصه فيقال له: ما صنعت فيما أدى إليك إسرافيل فيقول: أي رب بلغت الرسل، فيدعى بالرسل ترتعد فرائصهم فيقال لهم: ما صنعتم فيما أدى إليكم جبريل فيقولون: أي رب بلغنا الناس، قال: فهو قوله: {فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين}.
- وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن أبي سنان قال: أقرب الخلق إلى الله اللوح وهو معلق بالعرش فإذا أراد الله أن يوحي بشيء كتب في اللوح فيجيء اللوح حتى يقرع جبهة إسرافيل وإسرافيل قد غطى وجهه بجناحيه لا يرفع بصره إعظاما لله فينظر فيه فإن كان إلى أهل السماء دفعه إلى ميكائيل وإن كان إلى أهل الأرض دفعه إلى جبريل فأول من يحاسب يوم القيامة اللوح يدعى به ترعد فرائصه فيقال له: هل بلغت فيقول: نعم، فيقول ربنا: من يشهد لك فيقول: إسرافيل، فيدعى إسرافيل ترعد فرائصه فيقال له: هل بلعك اللوح فإذا قال نعم قال اللوح: الحمد لله الذي نجاني من سوء الحساب ثم كذلك.
وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن وهب بن منبه قال: إذا كان يوم القيامة يقول الله عز وجل: يا إسرافيل هات ما وكلتك به، فيقول: نعم يا رب في الصور كذا وكذا ثقبة وكذا روح للإنس منها كذا وكذا وللجن منها كذا وكذا وللشياطين منها كذا وكذا وللوحوش منها كذا وكذا وللطير منها كذا وكذا وللبهائم منها كذا وكذا وللهوام منها كذا وكذا وللحيتان منها كذا وكذا فيقول الله عز وجل: خذه من اللوح، فإذا هو مثلا بمثل لا يزيد ولا ينقص ثم يقول عز وجل: هات ما وكلتك يا ميكائيل، فيقول: نعم يا رب أنزلت من السماء كذا وكذا كيلة وزنة كذا وكذا مثقالا وزنة كذا وكذا قيراطا وزنة كذا وكذا خردلة وزنة كذا وكذا درة أنزلت في سنة كذا وكذا كذا وكذا وفي شهر كذا وكذا كذا وكذا وفي جمعة كذا وكذا كذا وكذا وفي يوم كذا وكذا كذا وكذا وفي ساعة كذا وكذا كذا وكذا أنزلت للزرع منه كذا وكذا وأنزلت للشياطين منه كذا وكذا وأنزلت للإنس منه كذا وكذا وأنزلت للبهائم كذا وكذا وأنزلت للوحوش كذا وكذا وللطير كذا وكذا وللحيتان كذا وكذا وللهوام كذا وكذا، فذلك كله كذا وكذا فيقول: خذه من اللوح، فإذا هو مثلا بمثل لا يزيد ولا ينقص ثم يقول: يا جبريل هات ما وكلتك به، فيقول: نعم يا رب أنزلت على نبيك فلان كذا وكذا آية في شهر كذا وكذا في جمعة كذا وكذا في يوم كذا وكذا وأنزلت على نبيك فلان كذا وكذا آية وكذا وكذا سورة فيها كذا وكذا آية، فذلك كذا وكذا آية فذلك كذا وكذا حرفا وأهلكت كذا وكذا مدينة وخسفت بكذا وكذا فيقول: خذه من اللوح، فإذا هو مثلا بمثل لا يزيد ولا ينقص، ثم يقول: هات ما وكلتك به يا عزرائيل، فيقول: نعم يا رب فبضت روح كذا وكذا إنسي وكذا وكذا جني وكذا وكذا شيطان وكذا وكذا غريق وكذا وكذا حريق وكذا وكذا كافر وكذا وكذا شهيد وكذا وكذا هديم وكذا وكذا لديغ وكذا وكذا في سهل وكذا وكذا في جبل وكذا وكذا طير وكذا وكذا هوام وكذا وكذا وحش، فذلك كذا وكذا جملته كذا وكذا فيقول: خذه من اللوح، فإذا مثلا بمثل لا يزيد ولا ينقص.
- وأخرج أحمد عن معاوية بن حيدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن ربي داعي وإنه سائلي هل بلغت عبادي وإني قائل رب إني قد بلغتهم فليبلغ الشاهد منكم الغائب ثم إنكم تدعون مفدمة أفواهكم بالفدام إن أول ما يبين عن أحدكم لفخذه وكفه».
- وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه، عن طاووس، أنه قرأ هذه الآية فقال الإمام يسأل عن الناس والرجل يسأل عن أهله والمرأة تسأل عن بيت زوجها والعبد يسأل عن مال سيده.
- وأخرج البخاري ومسلم والترمذي، وابن مردويه عن ابن عمر قال: قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» فالإمام يسأل عن الناس والرجل يسأل عن أهله والمرأة تسأل عن بيت زوجها والعبد يسأل عن مال سيده.
- وأخرج ابن حبان وأبو نعيم عن أنس أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله سائل كل راع عما استرعاه أحفظ ذلك أم ضيعه حتى يسأل الرجل عن أهل بيته».
- وأخرج الطبراني في الأوسط بسند صحيح عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فأعدوا للمسائل جوابا»، قالوا: وما جوابها قال: أعمال البر.
- وأخرج الطبراني في الكبير عن المقدام سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:« لا يكون رجل على قوم إلا جاء يقدمهم يوم القيامة بين يديه راية يحملها وهم يتبعونه فيسأل عنهم ويسألون عنه».
- وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من أمير يؤمر على عشرة إلا سئل عنهم يوم القيامة»
- وأخرج الطبراني عن ابن مسعود قال: إن الله سائل كل ذي رعية عما استرعاه أقام أمر الله فيهم أم أضاعه حتى إن الرجل ليسأل عن أهل بيته.
- وأخرج الطبراني في الأوسط عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة ينظر في صلاته فإن صلحت فقد أفلح وإن فسدت فقد خاب وخسر»). [الدر المنثور: 6/ 314-320]

تفسير قوله تعالى: {فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (7)}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فلنقصنّ عليهم بعلمٍ وما كنّا غائبين}.
يقول تعالى ذكره: فلنخبرنّ الرّسل ومن أرسلتهم إليه بيقين علمٍ بما عملوا في الدّنيا فيما كنت أمرتهم به، وما كنت نهيتهم عنه، وما كنّا غائبين عنهم وعن أفعالهم الّتي كانوا يفعلونها.
فإن قال قائلٌ: وكيف يسأل الرّسل والمرسل إليهم، وهو يخبر أنّه يقصّ عليهم بعلمٍ بأعمالهم وأفعالهم في ذلك؟
قيل: إنّ ذلك منه تعالى ذكره ليس بمسألة استرشادٍ ولا مسألة تعرّفٍ منهم ما هو به غير عالمٍ، وإنّما هو مسألة توبيخٍ وتقريرٍ معناها الخبر، كما يقول الرّجل للرّجل: ألم أحسن إليك فأسأت؟ وألم أصلك فقطعت؟ فكذلك مسألة اللّه المرسل إليهم بأن يقول لهم: ألم يأتكم رسلي بالبيّنات؟ ألم أبعث إليكم النّذر فتنذركم عذابي وعقابي في هذا اليوم من كفر بي وعبد غيري؟ كما أخبر جلّ ثناؤه أنّه قائلٌ لهم يومئذٍ: {ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشّيطان إنّه لكم عدوٌّ مبينٌ. وأن اعبدوني هذا صراطٌ مستقيمٌ}. ونحو ذلك من القول الّذي ظاهره ظاهر مسألةٍ، ومعناه الخبر والقصص وهو بعد توبيخٌ وتقريرٌ.
وأمّا مسألة الرّسل الّذي هو قصصٌ وخبرٌ، فإنّ الأمم المشركة لمّا سئلت في القيامة قيل لها: {ألم يأتكم رسلٌ منكم يتلون عليكم آيات ربّكم}؟ أنكر ذلك كثيرٌ منهم وقالوا: ما جاءنا من بشيرٍ ولا نذيرٍ، فقيل للرّسل: هل بلّغتم ما أرسلتم به؟ أو قيل لهم: ألم تبلّغوا إلى هؤلاء ما أرسلتم به؟ كما جاء الخبر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وكما قال جلّ ثناؤه لأمّة نبيّنا محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا لتكونوا شهداء على النّاس ويكون الرّسول عليكم شهيدًا}، فكلّ ذلك من اللّه مسألةٌ للرّسل على وجه الاستشهاد لهم على من أرسلوا إليه من الأمم وللمرسل إليهم على وجه التّقرير والتّوبيخ، وكلّ ذلك بمعنى القصص والخبر. فأمّا الّذي هو عن اللّه منفيّ من مسألته خلقه، فالمسألة الّتي هي مسألة استرشادٍ واستثباتٍ فيما لا يعلمه السّائل عنها ويعلمه المسئول، ليعلم السّائل علم ذلك من قبله. فذلك غير جائزٍ أن يوصف اللّه به، لأنّه العالم بالأشياء قبل كونها وفي حال كونها وبعد كونها، وهي المسألة الّتي نفاها جلّ ثناؤه عن نفسه بقوله: {فيومئذٍ لا يسأل عن ذنبه إنسٌ ولا جانٌّ}، وبقوله: {ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون}، يعني: لا يسأل عن ذلك أحدًا منهم علم مستثبتٍ، ليعلم علم ذلك من قبل من سأل منه، لأنّه العالم بذلك كلّه وبكلّ شيءٍ غيره.
وقد ذكرنا ما روي في معنى ذلك من الخبر في غير هذا الموضع، فكرهنا إعادته.
وقد روي عن ابن عبّاسٍ أنّه كان يقول في معنى قوله: {فلنقصنّ عليهم بعلمٍ} أنّه ينطق لهم كتاب عملهم عليهم بأعمالهم.
وهذا قولٌ غير بعيدٍ من الحقّ، غير أنّ الصّحيح من الخبر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: «ما منكم من أحدٍ إلاّ سيكلّمه ربّه يوم القيامة ليس بينه وبينه ترجمانٌ»، فيقول له: أتذكر يوم فعلت كذا وفعلت كذا؟ حتّى يذكّره ما فعل في الدّنيا. والتّسليم لخبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أولى من التّسليم لغيره). [جامع البيان: 10/ 65-67]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({فلنقصّنّ عليهم بعلمٍ وما كنّا غائبين (7)}
قوله تعالى: {فلنقصّنّ عليهم بعلمٍ وما كنّا غائبين}
- أخبرنا محمّد بن سعد بن عطيّة فيما كتب إليّ ثنا أبي ثنا عمّي عن أبيه عن ابن عبّاسٍ: قوله:
{فلنقصّنّ عليهم بعلمٍ وما كنّا غائبين}، قال: يوضع الكتاب يوم القيامة فيتكلّم بما كانوا يعملون). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1440]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث عن ابن عباس: {فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين} قال: نسأل الناس عما أجابوا المرسلين ونسأل المرسلين عما بلغوا، {فلنقصن عليهم بعلم} قال: يوضع الكتاب يوم القيامة فيتكلم بما كانوا يعملون.
- وأخرج عبد بن حميد عن قوله: {فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين}، قال: أحدهما الأنبياء وأحدهما الملائكة، {فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين} قال: ذلك قول الله). [الدر المنثور: 6/ 314] (م)

تفسير قوله تعالى: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8)}

قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( قوله تعالى: {والوزن يومئذٍ الحقّ فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون (8) ومن خفّت موازينه فأولئك الّذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون}
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا يزيد بن هارون، عن سعيد بن المرزبان، عن (عبد الرّحمن بن) عبد اللّه بن سابطٍ، قال: لمّا بلغ النّاس، أنّ أبا بكرٍ يريد أن يستخلف عمر، قالوا: ماذا يقول لربّه إذا لقيه؟ استخلف علينا فظًّا غليظًا وهو لا يقدر على شيءٍ، فكيف لو قدر؟ فبلغ ذلك أبا بكرٍ فقال: أبربّي تخوّفوني؟ أقول: استخلفت خير أهلك، ثمّ أرسل إلى عمر فقال: إنّ لله عملاً بالليل لا يقبله بالنّهار، وعملًا بالنّهار، لا يقبله باللّيل، واعلم أنّه لن تقبل نافلةٌ حتّى تؤدّوا الفريضة، ألم تر أنّ اللّه ذكر أهل الجنّة فذكرهم بأحسن أعمالهم، وذلك أنّه تجاوز عن سيّئةٍ حتّى يقول القائل: أنّى يبلغ عملي هذا؟ ألم تر أن اللّه حين ذكر أهل النّار فذكرهم بأسوأ أعمالهم، وذلك أنّه ردّ عليهم حسنةً فلم تقبل منهم حتّى يقول القائل: عملي خيرٌ من هذا؟ ألم تر أنّ اللّه أنزل الرّغبة والرّهبة لكي يرهب المؤمن فيعمل، وكي يرغّب فلا يلقي بيديه إلى التّهلكة؟ ألم تر أنّ من ثقلت موازينه يوم القيامة ثقلت موازينهم باتّباعهم الحقّ وتركهم الباطل، فثقل ذلك عليهم، وحقّ لميزانٍ أن لا يوضع فيه إلّا الحقّ أن يثقل؟ ألم تر أنّ ما خفّت موازين من خفّت موازينه (إلّا) باتّباعهم الباطل وتركهم الحقّ، وحقّ لميزانٍ أن لا يوضع فيه إلّا الباطل أن يخفّ؟ ثمّ قال: أما إن حفظت وصيّتي لم يكن غائبٌ أحبّ إليك من الموت وأنت لا بدّ لاقيه، وإن أنت ضيّعت وصيّتي لم يكن غائبٌ أبغض إليك من الموت ولا تعجزه). [سنن سعيد بن منصور: 5/ 133-134]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {والوزن يومئذٍ الحقّ فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون}.
الوزن: مصدرٌ من قول القائل: وزنت كذا وكذا، أزنه وزنًا وزنةً، مثل: وعدته أعده وعدًا وعدةً.
وهو مرفوعٌ بالحقّ، والحقّ به.
ومعنى الكلام: والوزن يوم نسأل الّذين أرسل إليهم والمرسلين، الحقّ.
ويعني بـ{الحقّ}: العدل. وكان مجاهدٌ يقول: الوزن في هذا الموضع: القضاء.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {والوزن يومئذٍ}: القضاء.
وكان يقول أيضًا: معنى الحقّ ههنا: العدل.
ذكر الرّواية بذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن الأعمش، عن مجاهدٍ: {والوزن يومئذٍ الحقّ}، قال العدل.
وقال آخرون: معنى قوله: {والوزن يومئذٍ الحقّ}: وزن الأعمال.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: {والوزن يومئذٍ الحقّ}: توزن الأعمال.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {والوزن يومئذٍ الحقّ} قال: قال عبيد بن عميرٍ: يؤتى بالرّجل العظيم الطّويل الأكول الشّروب، فلا يزن جناح بعوضةٍ.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {والوزن يومئذٍ الحقّ} قال: قال عبيد بن عميرٍ: يؤتى بالرّجل الطّويل العظيم، فلا يزن جناح بعوضةٍ.
- حدّثني الحرث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا يوسف بن صهيبٍ، عن موسى، عن بلال بن يحيى، عن حذيفة، قال: صاحب الموازين يوم القيامة جبريل عليه السّلام، قال: يا جبريل، زن بينهم، فردّ على المظلوم، وإن لم يكن له حسناتٌ حمّل عليه من سيّئات صاحبه، فيرجع الرّجل عليه مثل الجبال، فذلك قوله: {والوزن يومئذٍ الحقّ}.
واختلف أهل التّأويل في تأويل قوله: {فمن ثقلت موازينه}، فقال بعضهم: معناه: فمن كثرت حسناته.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن الأعمش، عن مجاهدٍ: {فمن ثقلت موازينه}، قال: حسناته.
وقال آخرون: معنى ذلك: فمن ثقلت موازينه الّتي توزن بها حسناته وسيّئاته، قالوا: وذلك هو الميزان الّذي يعرفه النّاس، له لسانٌ وكفّتان.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ قال: قال ابن جريجٍ: قال لي عمرو بن دينارٍ: قوله: {والوزن يومئذٍ الحقّ} قال: إنّا نرى ميزانًا وكفّتين، سمعت عبيد بن عميرٍ يقول: يجعل الرّجل العظيم الطّويل في الميزان، ثمّ لا يقوم بجناحٍ ذبابٍ.
قال أبو جعفرٍ: والصّواب من القول في ذلك عندي القول الّذي ذكرناه عن عمرو بن دينارٍ من أنّ ذلك: هو الميزان المعروف الّذي يوزن به، وأنّ اللّه جلّ ثناؤه يزن أعمال خلقه الحسنات منها والسّيّئات، كما قال جلّ ثناؤه: {فمن ثقلت موازينه}: موازين عمله الصّالح، {فأولئك هم المفلحون} يقول: فأولئك هم الّذين ظفروا بالنّجاح وأدركوا الفوز بالطّلبات، والخلود والبقاء في الجنّات، لتظاهر الأخبار عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بقوله:« ما وضع في الميزان شيءٌ أثقل من حسن الخلق»، ونحو ذلك من الأخبار الّتي تحقّق أنّ ذلك ميزانٌ يوزن به الأعمال على ما وصفت.
فإن أنكر ذلك جاهلٌ بتوجيه معنى خبر اللّه عن الميزان وخبر رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم عن وجهته، وقال: وكيف توزن الأعمال، والأعمال ليست بأجسامٍ توصف بالثّقل والخفّة، وإنّما توزن الأشياء ليعرف ثقلها من خفّتها وكثرتها من قلّتها، وذلك لا يجوز إلاّ على الأشياء الّتي توصف بالثّقل والخفّة والكثرة والقلّة؟
قيل له في قوله: وما وجه وزن اللّه الأعمال وهو العالم بمقاديرها قبل كونها؟: وزن ذلك نظير إثباته إيّاه في أمّ الكتاب، واستنساخه ذلك في الكتاب من غير حاجةٍ به إليه ومن غير خوفٍ من نسيانه، وهو العالم بكلّ ذلك في كلّ حالٍ ووقتٍ قبل كونه وبعد وجوده، بل ليكون ذلك حجّةً على خلقه، كما قال جلّ ثناؤه في تنزيله: {كلّ أمّةٍ تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون. هذا كتابنا ينطق عليكم بالحقّ} الآية، فكذلك وزنه تعالى أعمال خلقه بالميزان حجّةً عليهم ولهم، إمّا بالتّقصير في طاعته والتّضييع، وإمّا بالتّكميل والتّتميم.
وأمّا وجه جواز ذلك، فإنّه كما:
- حدّثني موسى بن عبد الرّحمن المسروقيّ، قال: حدّثنا جعفر بن عونٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن زيادٍ الإفريقيّ، عن عبد اللّه بن يزيد، عن عبد اللّه بن عمرٍو، قال: يؤتى بالرّجل يوم القيامة إلى الميزان، فيوضع في الكفّة، فيخرج له تسعةٌ وتسعون سجلًّا فيها خطاياه وذنوبه. قال: ثمّ يخرج له كتابٌ مثل الأنملة، فيها شهادة أن لا إله إلاّ اللّه وأنّ محمّدًا عبده ورسوله -صلّى اللّه عليه وسلّم-. قال:« فتوضع في الكفّة فترجح بخطاياه وذنوبه».
فكذلك وزن اللّه أعمال خلقه بأن يوضع العبد وكتب حسناته في كفّةٍ من كفّتي الميزان، وكتب سيّئاته في الكفّة الأخرى، ويحدث اللّه تبارك وتعالى ثقلاً وخفّةً في الكفّة الّتي الموزون بها أولى احتجاجًا من اللّه بذلك على خلقه كفعله بكثيرٍ منهم من استنطاق أيديهم وأرجلهم، استشهادًا بذلك عليهم، وما أشبه ذلك من حججه.
ويسأل من أنكر ذلك، فيقال له: إنّ اللّه أخبرنا تعالى ذكره أنّه يثقّل موازين قومٍ في القيامة ويخفّف موازين آخرين، وتظاهرت الأخبار عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بتحقيق ذلك، فما الّذي أوجب لك إنكار الميزان أن يكون هو الميزان الّذي وصفنا صفته الّذي يتعارفه النّاس؟ أحجّة عقلٍ؟ فقد يقال: وجه صحّته من جهة العقل، وليس في وزن اللّه جلّ ثناؤه خلقه وكتب أعمالهم، لتعريفهم أثقل القسمين منها بالميزان، خروجٌ من حكمةٍ، ولا دخولٌ في جورٍ في قضيّةٍ، فما الّذي أحال ذلك عندك من حجّةٍ أو عقلٍ أو خبرٍ؟ إذ كان لا سبيل إلى حقيقة القول بإفساد ما لا يدفعه العقل إلاّ من أحد الوجهين اللّذين ذكرت، ولا سبيل إلى ذلك. وفي عدم البرهان على صحّة دعواه من هذين الوجهين وضوح فساد قوله وصحّة ما قاله أهل الحقّ في ذلك.
وليس هذا الموضع من مواضع الإكثار في هذا المعنى على من أنكر الميزان الّذي وصفنا صفته، إذ كان قصدنا في هذا الكتاب البيان عن تأويل القرآن دون غيره، ولولا ذلك لقرنّا إلى ما ذكرنا نظائره، وفي الّذي ذكرنا من ذلك كفايةٌ لمن وفّق لفهمه إن شاء اللّه). [جامع البيان: 10/ 67-72]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({والوزن يومئذٍ الحقّ فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون (8)}
قوله تعالى:
{والوزن يومئذٍ الحقّ}
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ
قوله:
{والوزن يومئذٍ الحقّ}، قال عبيد بن عميرٍ: يقول يؤتى بالرّجل الطّويل العظيم الأكول الشّروب فلا يزن جناح بعوضةٍ.
- حدّثنا أبي ثنا يحيى بن المغيرة، أنا جريرٌ عن الأعمش، عن مجاهدٍ:
{والوزن يومئذٍ الحقّ}، قال: العدل.
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: قوله:
{والوزن يومئذٍ الحقّ}، قال: الأعمال.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا إبراهيم بن موسى، أنا ابن أبي زائدة، عن ابن جريرٍ عن عبد اللّه بن كثيرٍ، عن مجاهدٍ:
{والوزن يومئذٍ الحقّ}، قال: القضاء.
قوله تعالى: {فمن ثقلت موازينه}
- حدّثنا أبي، ثنا يحيى بن المغيرة، أنبأ جريرٌ عن الأعمش عن مجاهدٍ:
{فمن ثقلت موازينه}، قال: من ثقلت حسناته.
قوله تعالى: {فأولئك هم المفلحون}
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ أبو غسّان محمّد بن عمرٍو، ثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق قال: فيما حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ عن عكرمة أو سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ: {فأولئك هم المفلحون} أي الّذين أدركوا ما طلبوا، ونجوا من شرّ ما منه هربوا). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1440-1441]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن عبيد بن عمير الليثي في قوله عز وجل: {والوزن يومئذ الحق}، قال: يؤتى بالرجل العظيم الطويل الأكول الشروب فلا يزن عند الله جناح بعوضة). [تفسير مجاهد: 231]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج اللالكائي في السنة والبيهقي في البعث عن عمر بن الخطاب قال بينا نحن جلوس عند النّبيّ صلى الله عليه وسلم في أناس إذ جاء رجل ليس عليه سحناء سفر وليس من أهل البلد يتخطى حتى ورك بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يجلس أحدنا في الصلاة ثم وضع يده على ركبتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد ما الإسلام قال: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وأن تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتحج وتعتمر وتغتسل من الجنابة وتتم الوضوء وتصوم رمضان»، قال: فإن فعلت هذا فأنا مسلم قال: نعم، قال: صدقت يا محمد قال: ما الإيمان، قال: «الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وتؤمن بالجنة والنار والميزان وتؤمن بالبعث بعد الموت وتؤمن بالقدر خيره وشره»، قال: فإذا فعلت هذا فأنا مؤمن قال: نعم، قال: صدقت
- وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن مجاهد، في قوله: {والوزن يومئذ الحق}، قال: العدل، {فمن ثقلت موازينه}، قال: حسناته، {ومن خفت موازينه}، قال: حسناته.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وابن أبي حاتم عن عبد الله بن العيزار قال: إن الأقدام يوم القيامة لمثل النبل في القرن والسعيد من وجد لقدميه موضعا وعند الميزان ملك
ينادي: ألا إن فلان بن فلان ثقلت موازينه وسعد سعادة لن يشقى بعدها أبدا ألا إن فلان بن فلان خفت موازينه وشقى شقاء لن يسعد بعده أبدا.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي، في قوله: {والوزن يومئذ الحق}، قال: توزن الأعمال.
- وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية عن وهب بن منبه قال: إنما يوزن من الأعمال خواتيمها فمن أراد الله به خيرا ختم له بخير عمله ومن أراد به شرا ختم له بشر عمله.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن الحارث الأعور قال: إن الحق ليثقل على أهل الحق كثقله في الميزان وإن الحق ليخف على أهل الباطل كخفته في الميزان.
- وأخرج ابن المنذر واللالكائي عن عبد الملك بن أبي سليمان قال: ذكر الميزان عند الحسن فقال: له لسان وكفتان.
- وأخرج أبو الشيخ عن كعب قال: يوضع الميزان بين شجرتين عند بيت المقدس.
- وأخرج ابن أبي الدنيا، وابن جرير واللالكائي عن حذيفة قال: صاحب الموازين يوم القيامة جبريل عليه السلام يرد بعضهم على بعض فيؤخذ من حسنات الظالم فترد على المظلوم فإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات المظلوم فردت على الظالم.
- وأخرج أبو الشيخ عن الكلبي في قوله: {والوزن يومئذ الحق}، قال: أخبرني أبو صالح عن ابن عباس أنه قال: له لسان وكفتان يوزن فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم ومنازلهم في الجنة بما كانوا بآياتنا تظلمون
- وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر عن قتادة في قوله: {فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون} قال: قال للنبي صلى الله عليه وسلم بعض أهله: يا رسول الله هل يذكر الناس أهليهم يوم القيامة، قال: «أما في ثلاث مواطن فلا، عند الميزان وعند تطاير الصحف في الأيدي وعند الصراط».
- وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: يحاسب الناس يوم القيامة فمن كانت حسناته أكثر من سيئاته بواحدة دخل الجنة ومن كانت سيئاته أكثر من حسناته بواحدة دخل النار ثم قرأ: {فمن ثقلت موازينه} الآيتين، ثم قال، إن الميزان يخف بمثقال حبة ويرجح ومن استوت حسناته وسيئاته كان من أصحاب الأعراف فوقفوا على الأعراف.
- وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الإخلاص عن علي بن أبي طالب قال: «من كان ظاهره أرجح من باطنه خف ميزانه يوم القيامة ومن كان باطنه أرجح من ظاهره ثقل ميزانه يوم القيامة».
- وأخرج أبو الشيخ، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يوضع الميزان يوم القيامة فيوزن الحسنات والسيئات فمن رجحت حسناته على سيئاته دخل الجنة ومن رجحت سيئاته على حسناته دخل النار».
- وأخرج البزار، وابن مردويه واللالكائي والبيهقي عن أنس رفعه قال: إن ملكا موكل بالميزان فيؤتى بالعبد يوم القيامة فيوقف بين كفتي الميزان فإن ثقل ميزانه نادى الملك بصوت يسمع الخلائق: سعد فلان بن فلان سعادة لا يشقى بعدها أبدا وإن خفت ميزانه نادى الملك: شقى فلان شقاوة لا يسعد بعدها أبدا.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد وأبو داود والآجري في الشريعة والحاكم وصححه والبيهقي في البعث عن عائشة، أنها ذكرت النار فبكت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مالك؟»، قالت: ذكرت النار فبكيت فهل تذكرون أهليكم يوم القيامة قال: «أما في ثلاث مواطن فلا يذكر أحدا أحدا حيث توضع الميزان حتى يعلم أتخف ميزانه أم تثقل وعند تطاير الكتب» حين يقال: {هاؤم اقرؤوا كتابيه} [الحاقة: 19] حتى يعلم أين يقع كتابه أفي يمينه أم في شماله أو من وراء ظهره وعند الصراط إذا وضع بين ظهري جهنم حافتاه كلاليب كثيرة وحسك كثير يحبس الله بها من شاء من خلقه حتى يعلم أينجو أم لا.
- وأخرج الحاكم وصححه عن سلمان عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «يوضع الميزان يوم القيامة فلو وزن فيه السموات والأرض لوسعت فتقول الملائكة: يا رب لمن يزن هذا فيقول الله: لمن شئت من خلقي، فتقول الملائكة: سبحانك، ما عبدناك حق عبادتك ويوضع الصراط مثل حد الموس فتقول الملائكة: من تنحى على هذا فيقول: من شئت من خلقي، فيقولون: سبحانك، ما عبدناك حق عبادتك».
-لاوأخرج ابن المبارك في الزهد والآجري في الشريعة واللالكائي عن سلمان قال: يوضع الميزان وله كفتان لو وضع في إحداهما السموات والأرض ومن فيهن لوسعه فتقول الملائكة: من يزن هذا فيقول: من شئت من خلقي، فتقول الملائكة: سبحانك، ما عبدناك حق عبادتك.
- وأخرج ابن مردويه عن عائشة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «خلق الله كفتي الميزان مثل السموات والأرض، فقالت الملائكة: يا ربنا من تزن بهذا قال: أزن به من شئت، وخلق الله الصراط كحد السيف فقالت الملائكة: يا ربنا من تجيز على هذا قال: أجيز عليه من شئت».
- وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس قال: الميزان له لسان وكفتان يوزن فيه الحسنات والسيئات فيؤتى بالحسنات في أحسن صورة فتوضع في كفة الميزان فتثقل على السيئات فتؤحذ فتوضع في الجنة عند منازله ثم يقال للمؤمن: إلحق بعملك، فينطلق إلى الجنة فيعرف منازله بعمله ويؤتى بالسيئات في أقبح صورة فتوضع في كفة الميزان فتخف - والباطل خفيف - فتطرح في جهنم إلى منازله فيها ويقال له: إلحق بعملك إلى النار، فيأتي النار فيعرف منازله بعمله وما أعد الله له فيها من ألوان العذاب، قال ابن عباس: فلهم أعرف بمنازلهم في الجنة والنار بعملهم من القوم ينصرفون يوم الجمعة راجعين إلى منازلهم.
- وأخرج الترمذي وحسنه والبيهقي في البعث عن أنس قال: سألت النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن يشفع لي يوم القيامة فقال: «أنا فاعل»، قلت: يا رسول الله أين أطلبك، قال: «اطلبني أول ما تطلبني على الصراط»، قلت: فإن لم ألقك على الصراط قال: «فاطلبني عند الميزان»، قلت: فإن لم ألقك عند الميزان قال: «فاطلبني عند الحوض فإني لا أخطئ هذه الثلاثة مواطن».
- وأخرج أحمد والترمذي، وابن ماجة، وابن حبان والحاكم وصححه، وابن مردويه واللالكائي والبيهقي في البعث عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يصاح برجل من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر له تسعة وتسعون سجلا كل سجل منها مد البصر فيقول: أتنكر من هذا شيئا أظلمك كتبتي الحافظون فيقول: لا يا رب، فيقول: أفلك عذرا وحسنة فيهاب الرجل فيقول: لا يا رب، فيقول: بلى إن لك عندنا حسنة وإنه لا ظلم عليك اليوم، فيخرج له بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد عبده ورسوله، فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات فيقال: إنك لا تظلم، فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة ولا يثقل مع اسم الله شيء»
- وأخرج أحمد بسند حسن عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «توضع الموازين يوم القيامة فيؤتي بالرجل فيوضع في كفه ويوضع ما أحصى عليه فتمايل به الميزان فيبعث به إلى النار فإذا أدبر به صائح يصيح من عند الرحمن: لا تعجلوا لا تعلجوا فإنه قد بقي له، فيؤتي ببطاقة فيها: لا إله إلا الله، فتوضع مع الرجل في كفة حتى تميل به الميزان».
- وأخرج ابن أبي الدنيا والنميري في كتاب الاعلام عن عبد الله بن عمرو، قال: إن لآدم عليه السلام من الله عز وجل موقفا في فسح من العرش عليه ثوبان أخضران كأنه سحوق ينظر إلى من ينطلق به من ولده إلى الجنة وينظر إلى من ينطلق به من ولده إلى النار فبينا آدم على ذلك إذا نظر إلى رجل من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ينطلق به إلى النار فينادي آدم: يا أحمد يا أحمد، فيقول: لبيك يا أبا البشر، فيقول: هذا رجل من أمتك ينطلق به إلى النار فأشد المئزر وأسرع في أثر الملائكة وأقول: يا رسل ربي قفوا، فيقولون: نحن الغلاظ الشداد الذين لا نعصى الله ما أمرنا ونفعل ما نؤمر، فإذا أيس النّبيّ صلى الله عليه وسلم قبض على لحيته بيده اليسرى واستقبل العرش بوجهه فيقول: يا رب قد وعدتني أن لا تخزيني في أمتي قيأتي النداء من عند العرش: أطيعوا محمدا وردوا هذا العبد إلى المقام، فأخرج من حجزتي بطاقة بيضاء كالأنملة فألقيها في كفة الميزان اليمنى وأنا أقول: بسم الله، فترجح الحسنات على السيئات فينادي سعد وسعد جده وثقلت موازينه: انطلقوا به إلى الجنة فيقول: يا رسل ربي قفوا حتى أسأل هذا العبد الكريم على ربه، فيقول: بأبي أنت وأمي ما أحسن وجهك وأحسن خلقك من أنت فقد: أقلتني عثرتي، فيقول: أنا نبيك محمد وهذه صلاتك التي كنت تصلي علي وافتك أحوج ما تكون إليها.
- وأخرج الطبراني في الأوسط، عن جابر، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، قال:« أول ما يوضع في ميزان العبد نفقته على أهله»
- وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي، وابن ماجة واللالكائي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم».
- وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لو جيء بالسموات والأرض ومن فيهن وما بينهن وما تحتهن فوضعن في كفة الميزان ووضعت شهادة أن لا إله إلا الله في الكفة الأخرى لرجحت بهن».
- وأخرج ابن أبي الدنيا والبزار وأبو يعلى والطبراني والبيهقي بسند جيد عن أنس قال: لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا ذر، فقال: «ألا أدلك على خصلتين هما خفيفتان على الظهر وأثقل في الميزان من غيرهما» قال: بلى يا رسول الله، قال: «عليك بحسن الخلق وطول الصمت فوالذي نفسي بيده ما عمل الخلائق بمثلهما»
- وأخرج ابن أبي شيبة عن ميمون بن مهران قال: قلت لأم الدرداء: أما سمعت من النّبيّ صلى الله عليه وسلم شيئا قالت: نعم دخلت عليه فسمعته يقول: «أول ما يوضع في الميزان الخلق الحسن».
- وأخرج أبو داود والترمذي وصحح، وابن حبان واللالكائي عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من شيء يوضع في الميزان يوم القيامة أثقل من خلق حسن».
- وأخرج الطبراني في الأوسط عن عمر بن الخطاب قال: أعطيت ناقة في سبيل الله فأردت أن أشتري من نسلها فسألت النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: «دعها تأتي يوم القيامة هي وأولادها جميعا في ميزانك».
- وأخرج أبو نعيم عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قضى لأخيه حاجة كنت واقفا عند ميزانه فإن رجح وإلا شفعت».
- وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن مغيث بن سمى وعن مسروق قالا: تعبد راهب في صومعة ستين سنة فنظر يوما في غب السماء فقال: لو نزلت فإني لا أرى أحدا فشربت من الماء وتوضأت ثم رجعت إلى مكاني فتعرضت له امرأة فتكشفت له فلم يملك نفسه أن وقع عليها فدخل بعض تلك الغدران يغتسل فيه وأدركه الموت وهو على تلك الحال ومر به سائل فأومأ إليه أن خذ الرغيف رغيفا كان في كسائه فأخذ المسكين الرغيف ومات فجيء بعمل ستين سنة فوضع في كفة وجيء بخطيئته فوضعت في كفة فرجحت بعمله حتى جيء بالرغيف فوضع مع عمله فرجح بخطيئته.
- وأخرج الطبراني في الأوسط عن سفينة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بخ بخ خمس ما أثقلهن في الميزان، سبحان الله ولا إله إلا الله والحمد لله والله أكبر وفرط صالح يفرطه المسلم».
- وأخرج أبو يعلى، وابن حبان عن عمرو بن حريث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما أنفقت عن خادمك من عمله كان لك أجره في موازينك».
- وأخرج ابن عساكر بسند ضغيف عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «من توضأ فمسح بثوب نظيف فلا بأس به ومن لم يفعل فهو أفضل لأن الوضوء يوزن يوم القيامة مع سائر الأعمال».
- وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن سعيد بن المسيب أنه كره المنديل بعد الوضوء وقال: هو يوزن.
- وأخرج الترمذي والبيهقي في شعب الإيمان عن الزهري قال: إنما كره المنديل بعد الوضوء لأن كل قطرة توزن.
- وأخرج المرهبي في فضل العلم عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يوزن يوم القيامة مداد العلماء ودماء الشهداء فيرجح مداد العلماء على دماء الشهداء».
- وأخرج الديلمي من حديث ابن عمر، وابن عمرو، مثله.
- وأخرج عبد البر في فضل العلم عن إبراهيم النخعي، قال: يجاء بعمل الرجل فيوضع في كفة ميزانه يوم القيامة فيخف فيجاء بشيء أمثال الغمام فيوضع في كفة ميزانه فترجح فيقال له: أتدري ما هذا فيقول: لا، فيقال له: هذا فضل العلم الذي كنت تعلمه الناس.
- وأخرج ابن المبارك في الزهد عن حماد بن أبي سليمان قال: يجيء رجل يوم القيامة فيرى عمله محتقرا فبينما هو كذلك إذ جاءه مثل السحاب حتى يقع في ميراثه فيقال: هذا ما كنت تعلم الناس من الخير فورث بعدك فأجرت فيه.
- وأخرج ابن المبارك عن أبي الدرداء قال: من كان الأجوفان همه خسر ميزانه يوم القيامة.
- وأخرج الأصبهاني في الترغيب عن ليث قال: قال عيسى بن مريم عليه السلام: أمة محمد أثقل الناس في الميزان ذلت ألسنتهم بكلمة ثقلت على من كان قبلهم: لا إله إلا الله.
- وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن أيوب قال: سمعت من غير واحد من أصحابنا: إن العبد يوقف على الميزان يوم القيامة فينظر في الميزان وينظر إلى صاحب الميزان فيقول صاحب الميزان: يا عبد الله أتفقد من عملك ذلك شيئا فيقول: نعم، فيقول: ماذا فيقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فيقول صاحب الميزان: هي أعظم من أن توضع في الميزان، قال موسى بن عبيدة: سمعت أنها تأتي يوم القيامة تجادل عمن كان يقولها في الدنيا جدال الخصم
- وأخرج أبو داود والحاكم عن أبي الأزهر زهير الأنماري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخذ مضجعه، قال: «اللهم اغفر لي وأخس شيطاني وفك رهاني وثقل ميزاني واجعلني في الندى الأعلى»). [الدر المنثور: 6/ 320-334]

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَظْلِمُونَ (9)}

قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): (قوله تعالى: {والوزن يومئذٍ الحقّ فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون (8) ومن خفّت موازينه فأولئك الّذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون}
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا يزيد بن هارون، عن سعيد بن المرزبان، عن (عبد الرّحمن بن) عبد اللّه بن سابطٍ، قال: لمّا بلغ النّاس، أنّ أبا بكرٍ يريد أن يستخلف عمر، قالوا: ماذا يقول لربّه إذا لقيه؟ استخلف علينا فظًّا غليظًا وهو لا يقدر على شيءٍ، فكيف لو قدر؟ فبلغ ذلك أبا بكرٍ فقال: أبربّي تخوّفوني؟ أقول: استخلفت خير أهلك، ثمّ أرسل إلى عمر فقال: إنّ لله عملاً بالليل لا يقبله بالنّهار، وعملًا بالنّهار، لا يقبله باللّيل، واعلم أنّه لن تقبل نافلةٌ حتّى تؤدّوا الفريضة، ألم تر أنّ اللّه ذكر أهل الجنّة فذكرهم بأحسن أعمالهم، وذلك أنّه تجاوز عن سيّئةٍ حتّى يقول القائل: أنّى يبلغ عملي هذا؟ ألم تر أن اللّه حين ذكر أهل النّار فذكرهم بأسوأ أعمالهم، وذلك أنّه ردّ عليهم حسنةً فلم تقبل منهم حتّى يقول القائل: عملي خيرٌ من هذا؟ ألم تر أنّ اللّه أنزل الرّغبة والرّهبة لكي يرهب المؤمن فيعمل، وكي يرغّب فلا يلقي بيديه إلى التّهلكة؟ ألم تر أنّ من ثقلت موازينه يوم القيامة ثقلت موازينهم باتّباعهم الحقّ وتركهم الباطل، فثقل ذلك عليهم، وحقّ لميزانٍ أن لا يوضع فيه إلّا الحقّ أن يثقل؟ ألم تر أنّ ما خفّت موازين من خفّت موازينه (إلّا) باتّباعهم الباطل وتركهم الحقّ، وحقّ لميزانٍ أن لا يوضع فيه إلّا الباطل أن يخفّ؟ ثمّ قال: أما إن حفظت وصيّتي لم يكن غائبٌ أحبّ إليك من الموت وأنت لا بدّ لاقيه، وإن أنت ضيّعت وصيّتي لم يكن غائبٌ أبغض إليك من الموت ولا تعجزه). [سنن سعيد بن منصور: 5/ 133-134] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ومن خفّت موازينه فأولئك الّذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون}.
يقول جلّ ثناؤه: ومن خفّت موازين أعماله الصّالحة فلم تثقل بإقراره بتوحيد اللّه والإيمان به وبرسوله واتّباعٍ ونهيه، فأولئك الّذين غبنوا أنفسهم حظوظها من جزيل ثواب اللّه وكرامته، {بما كانوا بآياتنا يظلمون}، يقول: بما كانوا بحجج اللّه وأدلّته يجحدون، فلا يقرّون بصحّتها، ولا يوقنون بحقيقتها.
- كالّذي حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن الأعمش، عن مجاهدٍ: {ومن خفّت موازينه}، قال: حسناته.
وقيل: {فأولئك} و{من} في لفظ الواحد، لأنّ معناه الجمع، ولو جاء موحّدًا كان صوابًا فصيحًا). [جامع البيان: 10/ 72-73]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({ومن خفّت موازينه فأولئك الّذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون (9)}
قوله تعالى: {ومن خفّت موازينه}
- حدّثنا أبي ثنا يحيى بن المغيرة، أنا جريرٌ عن الأعمش عن مجاهدٍ: قوله: {ومن خفّت موازينه}، قال: من خفّت حسناته.
قوله تعالى: {فأولئك الذين خسروا أنفسهم}
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا أبو أسامة، عن مالك بن مغولٍ قال: سمعت عبيد الله بن الغيزار قال: إنّ الأقدام يوم القيامة لمثل النّبل في القرن، والسعيدٌ من وجد لقدميه موضعًا، وعند الميزان ملكٌ ينادي: ألا أنّ فلان بن فلانٍ ثقلت موازينه، سعد سعادةً لن يشقى بعدها أبدًا، ألا أنّ فلان بن فلانٍ خفّت موازينه، شقي لن يسعد بعدها أبدًا). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1441]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج اللالكائي في السنة والبيهقي في البعث، عن عمر بن الخطاب، قال: بينما نحن جلوس عند النّبيّ صلى الله عليه وسلم في أناس، إذ جاء رجل ليس عليه سحناء سفر وليس من أهل البلد يتخطى حتى ورك بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما يجلس أحدنا في الصلاة ثم وضع يده على ركبتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد ما الإسلام قال: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وأن تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتحج وتعتمر وتغتسل من الجنابة وتتم الوضوء وتصوم رمضان»، قال: فإن فعلت هذا فأنا مسلم قال: نعم، قال: صدقت يا محمد قال: ما الإيمان قال: «الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وتؤمن بالجنة والنار والميزان وتؤمن بالبعث بعد الموت وتؤمن بالقدر خيره وشره»، قال: فإذا فعلت هذا فأنا مؤمن قال: نعم، قال: صدقت
- وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن مجاهد، في قوله: {والوزن يومئذ الحق}، قال: العدل، {فمن ثقلت موازينه}؛ قال: حسناته، {ومن خفت موازينه}؛ قال: حسناته.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وابن أبي حاتم، عن عبد الله بن العيزار، قال: إن الأقدام يوم القيامة لمثل النبل في القرن والسعيد من وجد لقدميه موضعا وعند الميزان ملك ينادي: ألا إن فلان بن فلان ثقلت موازينه وسعد سعادة لن يشقى بعدها أبدا ألا إن فلان بن فلان خفت موازينه وشقى شقاء لن يسعد بعده أبدا.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {والوزن يومئذ الحق}، قال: توزن الأعمال.
- وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية عن وهب بن منبه قال: إنما يوزن من الأعمال خواتيمها فمن أراد الله به خيرا ختم له بخير عمله ومن أراد به شرا ختم له بشر عمله.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن الحارث الأعور قال: إن الحق ليثقل على أهل الحق كثقله في الميزان وإن الحق ليخف على أهل الباطل كخفته في الميزان.
- وأخرج ابن المنذر واللالكائي عن عبد الملك بن أبي سليمان قال: ذكر الميزان عند الحسن فقال: له لسان وكفتان.
- وأخرج أبو الشيخ عن كعب قال: يوضع الميزان بين شجرتين عند بيت المقدس.
- وأخرج ابن أبي الدنيا، وابن جرير واللالكائي عن حذيفة قال: صاحب الموازين يوم القيامة جبريل عليه السلام يرد بعضهم على بعض فيؤخذ من حسنات الظالم فترد على المظلوم فإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات المظلوم فردت على الظالم.
- وأخرج أبو الشيخ عن الكلبي في قوله: {والوزن يومئذ الحق}، قال: أخبرني أبو صالح عن ابن عباس أنه قال: له لسان وكفتان يوزن فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم ومنازلهم في الجنة بما كانوا بآياتنا تظلمون
- وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر عن قتادة في قوله: {فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون}، قال: قال للنبي صلى الله عليه وسلم بعض أهله: يا رسول الله هل يذكر الناس أهليهم يوم القيامة، قال: «أما في ثلاث مواطن فلا، عند الميزان وعند تطاير الصحف في الأيدي وعند الصراط».
- وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: يحاسب الناس يوم القيامة فمن كانت حسناته أكثر من سيئاته بواحدة دخل الجنة ومن كانت سيئاته أكثر من حسناته بواحدة دخل النار ثم قرأ: {فمن ثقلت موازينه} الآيتين، ثم قال، إن الميزان يخف بمثقال حبة ويرجح ومن استوت حسناته وسيئاته كان من أصحاب الأعراف فوقفوا على الأعراف.
- وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الإخلاص عن علي بن أبي طالب، قال:« من كان ظاهره أرجح من باطنه خف ميزانه يوم القيامة ومن كان باطنه أرجح من ظاهره ثقل ميزانه يوم القيامة».
- وأخرج أبو الشيخ، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يوضع الميزان يوم القيامة فيوزن الحسنات والسيئات فمن رجحت حسناته على سيئاته دخل الجنة ومن رجحت سيئاته على حسناته دخل النار».
- وأخرج البزار، وابن مردويه واللالكائي والبيهقي عن أنس رفعه قال: إن ملكا موكل بالميزان فيؤتى بالعبد يوم القيامة فيوقف بين كفتي الميزان فإن ثقل ميزانه نادى الملك بصوت يسمع الخلائق: سعد فلان بن فلان سعادة لا يشقى بعدها أبدا وإن خفت ميزانه نادى الملك: شقى فلان شقاوة لا يسعد بعدها أبدا.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد وأبو داود والآجري في الشريعة والحاكم وصححه والبيهقي في البعث عن عائشة، أنها ذكرت النار فبكت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مالك؟»، قالت: ذكرت النار فبكيت فهل تذكرون أهليكم يوم القيامة قال: «أما في ثلاث مواطن فلا يذكر أحدا أحدا حيث توضع الميزان حتى يعلم أتخف ميزانه أم تثقل وعند تطاير الكتب » حين يقال: {هاؤم اقرؤوا كتابيه} [الحاقة: 19] حتى يعلم أين يقع كتابه أفي يمينه أم في شماله أو من وراء ظهره وعند الصراط إذا وضع بين ظهري جهنم حافتاه كلاليب كثيرة وحسك كثير يحبس الله بها من شاء من خلقه حتى يعلم أينجو أم لا.
- وأخرج الحاكم وصححه عن سلمان عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، قال: «يوضع الميزان يوم القيامة فلو وزن فيه السموات والأرض لوسعت فتقول الملائكة: يا رب لمن يزن هذا فيقول الله: لمن شئت من خلقي، فتقول الملائكة: سبحانك، ما عبدناك حق عبادتك ويوضع الصراط مثل حد الموس فتقول الملائكة: من تنحى على هذا فيقول: من شئت من خلقي، فيقولون: سبحانك، ما عبدناك حق عبادتك».
- وأخرج ابن المبارك في الزهد والآجري في الشريعة واللالكائي عن سلمان قال: يوضع الميزان وله كفتان لو وضع في إحداهما السموات والأرض ومن فيهن لوسعه فتقول الملائكة: من يزن هذا فيقول: من شئت من خلقي، فتقول الملائكة: سبحانك، ما عبدناك حق عبادتك.
- وأخرج ابن مردويه عن عائشة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «خلق الله كفتي الميزان مثل السموات والأرض، فقالت الملائكة: يا ربنا من تزن بهذا قال: أزن به من شئت، وخلق الله الصراط كحد السيف فقالت الملائكة: يا ربنا من تجيز على هذا قال: أجيز عليه من شئت».
- وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس قال: الميزان له لسان وكفتان يوزن فيه الحسنات والسيئات فيؤتى بالحسنات في أحسن صورة فتوضع في كفة الميزان فتثقل على السيئات فتؤحذ فتوضع في الجنة عند منازله ثم يقال للمؤمن: إلحق بعملك، فينطلق إلى الجنة فيعرف منازله بعمله ويؤتى بالسيئات في أقبح صورة فتوضع في كفة الميزان فتخف - والباطل خفيف - فتطرح في جهنم إلى منازله فيها ويقال له: إلحق بعملك إلى النار، فيأتي النار فيعرف منازله بعمله وما أعد الله له فيها من ألوان العذاب، قال ابن عباس: فلهم أعرف بمنازلهم في الجنة والنار بعملهم من القوم ينصرفون يوم الجمعة راجعين إلى منازلهم.
- وأخرج الترمذي وحسنه والبيهقي في البعث عن أنس قال: سألت النّبيّ صلى الله عليه وسلم: أن يشفع لي يوم القيامة، فقال: «أنا فاعل»، قلت: يا رسول الله أين أطلبك قال: «اطلبني أول ما تطلبني على الصراط»، قلت: فإن لم ألقك على الصراط قال: «فاطلبني عند الميزان»، قلت: فإن لم ألقك عند الميزان قال: «فاطلبني عند الحوض فإني لا أخطئ هذه الثلاثة مواطن».
- وأخرج أحمد والترمذي، وابن ماجة، وابن حبان والحاكم وصححه، وابن مردويه واللالكائي والبيهقي في البعث عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يصاح برجل من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر له تسعة وتسعون سجلا كل سجل منها مد البصر فيقول: أتنكر من هذا شيئا أظلمك كتبتي الحافظون فيقول: لا يا رب، فيقول: أفلك عذرا وحسنة فيهاب الرجل فيقول: لا يا رب، فيقول: بلى إن لك عندنا حسنة وإنه لا ظلم عليك اليوم، فيخرج له بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد عبده ورسوله، فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات فيقال: إنك لا تظلم، فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة ولا يثقل مع اسم الله شيء».
- وأخرج أحمد بسند حسن عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «توضع الموازين يوم القيامة فيؤتي بالرجل فيوضع في كفه ويوضع ما أحصى عليه فتمايل به الميزان فيبعث به إلى النار فإذا أدبر به صائح يصيح من عند الرحمن: لا تعجلوا لا تعلجوا فإنه قد بقي له، فيؤتي ببطاقة فيها: لا إله إلا الله، فتوضع مع الرجل في كفة حتى تميل به الميزان».
- وأخرج ابن أبي الدنيا والنميري في كتاب الاعلام عن عبد الله بن عمرو قال إن لآدم عليه السلام من الله عز وجل موقفا في فسح من العرش عليه ثوبان أخضران كأنه سحوق ينظر إلى من ينطلق به من ولده إلى الجنة وينظر إلى من ينطلق به من ولده إلى النار فبينا آدم على ذلك إذا نظر إلى رجل من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ينطلق به إلى النار فينادي آدم: يا أحمد يا أحمد، فيقول: لبيك يا أبا البشر، فيقول: هذا رجل من أمتك ينطلق به إلى النار فأشد المئزر وأسرع في أثر الملائكة وأقول: يا رسل ربي قفوا، فيقولون: نحن الغلاظ الشداد الذين لا نعصى الله ما أمرنا ونفعل ما نؤمر، فإذا أيس النّبيّ صلى الله عليه وسلم قبض على لحيته بيده اليسرى واستقبل العرش بوجهه فيقول: يا رب قد وعدتني أن لا تخزيني في أمتي قيأتي النداء من عند العرش: أطيعوا محمدا وردوا هذا العبد إلى المقام، فأخرج من حجزتي بطاقة بيضاء كالأنملة فألقيها في كفة الميزان اليمنى وأنا أقول: بسم الله، فترجح الحسنات على السيئات فينادي سعد وسعد جده وثقلت موازينه: انطلقوا به إلى الجنة فيقول: يا رسل ربي قفوا حتى أسأل هذا العبد الكريم على ربه، فيقول: بأبي أنت وأمي ما أحسن وجهك وأحسن خلقك من أنت فقد: أقلتني عثرتي، فيقول: أنا نبيك محمد وهذه صلاتك التي كنت تصلي علي وافتك أحوج ما تكون إليها.
- وأخرج الطبراني في الأوسط، عن جابر، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، قال: «أول ما يوضع في ميزان العبد نفقته على أهله»
- وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي، وابن ماجة واللالكائي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم».
- وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لو جيء بالسموات والأرض ومن فيهن وما بينهن وما تحتهن فوضعن في كفة الميزان ووضعت شهادة أن لا إله إلا الله في الكفة الأخرى لرجحت بهن».
- وأخرج ابن أبي الدنيا والبزار وأبو يعلى والطبراني والبيهقي بسند جيد عن أنس قال: لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا ذر فقال: «ألا أدلك على خصلتين هما خفيفتان على الظهر وأثقل في الميزان من غيرهما» قال: بلى يا رسول الله، قال:« عليك بحسن الخلق وطول الصمت فوالذي نفسي بيده ما عمل الخلائق بمثلهما»
- وأخرج ابن أبي شيبة عن ميمون بن مهران قال: قلت لأم الدرداء: أما سمعت من النّبيّ صلى الله عليه وسلم شيئا قالت: «نعم دخلت عليه فسمعته يقول أول ما يوضع في الميزان الخلق الحسن»».
- وأخرج أبو داود والترمذي وصحح، وابن حبان واللالكائي عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من شيء يوضع في الميزان يوم القيامة أثقل من خلق حسن».
- وأخرج الطبراني في الأوسط عن عمر بن الخطاب قال: أعطيت ناقة في سبيل الله فأردت أن أشتري من نسلها فسألت النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال: دعها تأتي يوم القيامة هي وأولادها جميعا في ميزانك.
- وأخرج أبو نعيم عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قضى لأخيه حاجة كنت واقفا عند ميزانه فإن رجح وإلا شفعت».
- وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن مغيث بن سمى وعن مسروق قالا: تعبد راهب في صومعة ستين سنة فنظر يوما في غب السماء فقال: لو نزلت فإني لا أرى أحدا فشربت من الماء وتوضأت ثم رجعت إلى مكاني فتعرضت له امرأة فتكشفت له فلم يملك نفسه أن وقع عليها فدخل بعض تلك الغدران يغتسل فيه وأدركه الموت وهو على تلك الحال ومر به سائل فأومأ إليه أن خذ الرغيف رغيفا كان في كسائه فأخذ المسكين الرغيف ومات فجيء بعمل ستين سنة فوضع في كفة وجيء بخطيئته فوضعت في كفة فرجحت بعمله حتى جيء بالرغيف فوضع مع عمله فرجح بخطيئته.
- وأخرج الطبراني في الأوسط عن سفينة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بخ بخ خمس ما أثقلهن في الميزان، سبحان الله ولا إله إلا الله والحمد لله والله أكبر وفرط صالح يفرطه المسلم».
- وأخرج أبو يعلى، وابن حبان عن عمرو بن حريث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما أنفقت عن خادمك من عمله كان لك أجره في موازينك».
- وأخرج ابن عساكر بسند ضغيف عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «من توضأ فمسح بثوب نظيف فلا بأس به ومن لم يفعل فهو أفضل لأن الوضوء يوزن يوم القيامة مع سائر الأعمال».
- وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن سعيد بن المسيب أنه كره المنديل بعد الوضوء وقال: هو يوزن.
- وأخرج الترمذي والبيهقي في شعب الإيمان عن الزهري قال: إنما كره المنديل بعد الوضوء لأن كل قطرة توزن.
- وأخرج المرهبي في فضل العلم عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يوزن يوم القيامة مداد العلماء ودماء الشهداء فيرجح مداد العلماء على دماء الشهداء».
- وأخرج الديلمي من حديث ابن عمر، وابن عمرو، مثله.
- وأخرج عبد البر في فضل العلم عن إبراهيم النخعي قال: يجاء بعمل الرجل فيوضع في كفة ميزانه يوم القيامة فيخف فيجاء بشيء أمثال الغمام فيوضع في كفة ميزانه فترجح فيقال له: أتدري ما هذا فيقول: لا، فيقال له: هذا فضل العلم الذي كنت تعلمه الناس.
- وأخرج ابن المبارك في الزهد عن حماد بن أبي سليمان قال: يجيء رجل يوم القيامة فيرى عمله محتقرا فبينما هو كذلك إذ جاءه مثل السحاب حتى يقع في ميراثه فيقال: هذا ما كنت تعلم الناس من الخير فورث بعدك فأجرت فيه.
- وأخرج ابن المبارك عن أبي الدرداء قال: من كان الأجوفان همه خسر ميزانه يوم القيامة.
- وأخرج الأصبهاني في الترغيب عن ليث قال: قال عيسى بن مريم عليه السلام: أمة محمد أثقل الناس في الميزان ذلت ألسنتهم بكلمة ثقلت على من كان قبلهم: لا إله إلا الله.
- وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن أيوب قال: سمعت من غير واحد من أصحابنا: إن العبد يوقف على الميزان يوم القيامة فينظر في الميزان وينظر إلى صاحب الميزان فيقول صاحب الميزان: يا عبد الله أتفقد من عملك ذلك شيئا فيقول: نعم، فيقول: ماذا فيقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فيقول صاحب الميزان: هي أعظم من أن توضع في الميزان، قال موسى بن عبيدة: سمعت أنها تأتي يوم القيامة تجادل عمن كان يقولها في الدنيا جدال الخصم.
- وأخرج أبو داود والحاكم عن أبي الأزهر زهير الأنماري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخذ مضجعه، قال: «اللهم اغفر لي وأخس شيطاني وفك رهاني وثقل ميزاني واجعلني في الندى الأعلى»). [الدر المنثور: 6/ 320-334] (م)


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 24 ربيع الثاني 1434هـ/6-03-2013م, 10:57 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي

{المص (1) كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (3) وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ (4) فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (5) فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (7) وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَظْلِمُونَ (9)}


تفسير قوله تعالى: {المص (1)}

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): ({المص}
قلت: أرأيت ما يأتي بعد حروف الهجاء مرفوعا؛ مثل قوله: {المص كتابٌ أنزل إليك} ومثل قوله: {الم تنزيل الكتاب}، وقوله: {الر كتابٌ أحكمت آياته} وأشباه ذلك بم رفعت الكتاب في هؤلاء الأحرف؟
قلت: رفعته بحروف الهجاء إلى قبله؛ كأنك قلت: الألف واللام والميم والصاد من حروف المقطّع كتابٌ أنزل إليك مجموعا. فإن قلت: كأنك قد جعلت الألف واللام والميم والصاد يؤدّين عن جميع حروف المعجم، وهو ثلاثة أحرف أو أربعة؟ قلت: نعم، كما أنك تقول: ا ب ت ث ثمانية وعشرون حرفا، فتكتفي بأربعة أحرف من ثمانية وعشرين. فإن قلت: إن ألف ب ت ث قد صارت كالاسم لحروف الهجاء؛ كما تقول: قرأت الحمد، فصارت اسما لفاتحة الكتاب. قلت: إن الذي تقول ليقع في الوهم، ولكنك قد تقول: ابني في ا ب ت ث، ولو قلت في حاط لجاز ولعلمت بأنه يريد: ابني في الحروف المقطّعة. فلما اكتفى بغير أوّلها علمنا أن أوّلها ليس لها باسم وإن كن أوّلها آثر في الذكر من سائرها. فإن قلت: فكيف جاءت حروف (المص)، (كهيعص) مختلفة ثم أنزلا منزل باتاثا وهنّ متواليات؟ قلت: إذا ذكرن متواليات دللن على أ ب ت ث
بعينها مقطّعة، وإذا لم يأتين متواليات دللن على الكلام المتصل لا على المقطّع. أنشدني الحارثيّ:
تعلمت باجاد وآل مرامرٍ ....... وسوّدت أثوابي ولست بكاتب
وأنشدني بعض بني أسد:
لّما رأيت أمرها في حطّي ....... وفنكت في كذب ولط
أخذت منها بقرونٍ شمط ....... ولم يزل ضربي لها ومعطي

* حتى على الرأس دم يغطي * .......
فاكتفى بحطى من أبي جاد، ولو قال قائل: الصبي في هوّز أو كلمن، لكفى ذلك من أبى جاد.
وقد قال الكسائي: رفعت {كتابٌ أنزل إليك} وأشباهه من المرفوع بعد الهجاء بإضمار (هذا) أو (ذلك) وهو وجه. وكأنه إذا أضمر (هذا) أو (ذلك) أضمر لحروف الهجاء ما يرفعها قبلها؛ لأنها لا تكون إلا ولها موضع.
قال: أفرأيت ما جاء منها ليس بعده ما يرافعه؛ مثل قوله: حم. عسق، ويس، وق، وص، مما يقلّ أو يكثر، ما موضعه إذ لم يكن بعده مرافع؟ قلت:
قبله ضمير يرفعه، بمنزلة قول الله تبارك وتعالى: {براءة من اللّه ورسوله} المعنى والله أعلم: هذه براءة من الله. وكذلك {سورة أنزلناها} وكذلك كل حرف مرفوع مع القول ما ترى معه ما يرفعه فقبله اسم مضمر يرفعه؛ مثل قوله: {ولا تقولوا ثلاثة انتهوا} المعنى والله أعلم: لا تقولوا هم ثلاثة، يعني الآلهة. وكذلك قوله: {سيقولون ثلاثة رابعهم} المعنى والله أعلم: سيقولون هم ثلاثة.
وقد قيل في {كهيعص}: إنه مفسّر لأسماء الله. فقيل: الكاف من كريم، والهاء من هاد، والعين والياء من عليم، والصاد من صدوق. فإن يك كذلك (فالذكر) مرفوع بضمير لا بـ (كهيعص). وقد قيل في {طه} إنه: يا رجل، فإن يك كذلك فليس يحتاج إلى مرافع؛ لأن المنادى يرفع بالنداء؛ وكذلك {يس} جاء فيها يا إنسان، وبعضهم: يا رجل، والتفسير فيها كالتفسير في طه). [معاني القرآن: 1/ 369-371]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({آلمص}: ساكن لأنه جرى مجرى سائر فواتح السور اللواتي جرين مجرى حروف التّهجّي، وموضعه ومعناه على تفسير سائر ابتداء السور). [مجاز القرآن: 1/ 210]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (قوله عزّ وجلّ: {المص}
قد فسرنا هذه الحروف في أول سورة البقرة، إلا أنا أعدنا ههنا شيئا من تفسيرها لشي في إعرابها، والذي اخترنا في تفسيرها قول ابن عباس أن (المص) معناه: أنا اللّه أعلم وأفصّل. وقال بعض النحويين موضع هذه الحروف رفع بما بعدها، قال: {المص * كتاب..}، كتاب مرتفع بـ(المص)، وكأن معناه المص حروف كتاب أنزل إليك، وهذا لو كان كما وصف لكان بعد هذه الحروف أبدا ذكر الكتاب؛ فقوله: {الم اللّه لا إله إلا هو} يدل على أن (الم) لا مرافع لها على قوله، وكذلك: {يس * والقرآن الحكيم}، وكذلك: {حم عسق * كذلك يوحى إليك}، وقوله: {حم والكتاب المبين إنا أنزلناه}.. فهذه الأشياء تدل على أن الأمر على غير ما ذكر، ولو كان كذلك أيضا لما كان (الم) مكررا، ولا (حم) مكررا.
وقد أجمع النحويون على أن قوله عزّ وجلّ {كتاب أنزل إليك} مرفوع بغير هذه الحروف، المعنى هذا كتاب أنزل إليك، وهو مجمع معهم على أن ما قالوه جائز فيجب اتباعهم من قوله وقولهم، ويجب على قائل هذا القول التثبيت على مخالفتهم، ولو كان كما يصف لكان مضمرا اسمين فكان المعنى (الم) بعض حروف كتاب أنزل إليك، فيكون قد أضمر المضاف وما أضيف إليه، وهذا ليس بجائز.
فإن قال قائل قد يقول ألف. با. تا. ثا. ثمانية وعشرون حرفا، وإنما ذكرت أربعة فمن أين جاز ذلك، قيل قد صار اسم هذه ألف. با. تا. ثا، كما أنك تقول: الحمد سبع آيات فالحمد اسم لجملة السورة، وليس اسم الكتاب (الم)، ولا اسم القرآن (طسم). وهذا فرق بين.
وهذه الحروف كما وصفنا حروف هجاء مبنية على الوقف، وهي في موضع جمل، والجملة إذا كانت ابتداء وخبرا فقط لا موضع لها. فإذا كان معنى كهيعص، معنى الكاف كاف، ومعنى الهاء هاد، ومعنى الياء والعين من عليم ومعنى الصاد من صدوق، وكان معنى " الم " أنا أعلم، فإنما موضعها كموضع الشيء الذي هو تأويل لها. ولا موضع في الإعراب لقولك: أنا اللّه أعلم، ولا لقولك؛ هو هاد، وهو كاف، إنما يرتفع بعض هذا ببعض.
والجملة لا موضع لها). [معاني القرآن: 2/ 313-314]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (قوله جل وعز: {المص}
قال أبو جعفر قد بين معنى فواتح السور في أول سورة البقرة فمن قال معنى آلم أنا الله أعلم قال معنى آلمص أنا الله أفصل
وهذا قول ابن عباس وسعيد بن جبير). [معاني القرآن: 3/ 7]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (روي عن ابن عباس رضي الله عنه أن تفسير {المص} أنا الله الملك الصادق). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 83]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({المص}: أنا الله أعلم وأفصل). [العمدة في غريب القرآن: 133]

تفسير قوله تعالى: {كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2)}

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {فلا يكن في صدرك حرجٌ مّنه...}
يقول: لا يضيق صدرك بالقرآن بأن يكذبوك، وكما قال الله تبارك وتعالى: {فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا}. وقد قيل: {فلا يكن في صدرك حرج}: شك.
{لتنذر به} مؤخر، ومعناه: المص كتاب أنزل إليك لتنذر به فلا يكن في صدرك حرج منه.
{وذكرى للمؤمنين} في موضع نصب ورفع. إن شئت رفعتها على الردّ على الكتاب؛ كأنك قلت: كتاب حقّ وذكرى للمؤمنين؛ والنصب يراد به: لتنذر وتذّكر به المؤمنين). [معاني القرآن: 1/ 371]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({كتابٌ أنزل إليك} رفع من موضعين؛ أحدهما: أنزل إليك كتاب، والآخر: على الاستئناف.
{فلا يكن} ساكن لأنه نهىٌ.
{في صدرك حرجٌ منه} أي ضيق.
{بياتاً}: أي ليلا؛ بيّتهم بياتاً وهم نيام). [مجاز القرآن: 1/ 210]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {كتابٌ أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرجٌ مّنه لتنذر به وذكرى للمؤمنين}
قال {كتابٌ أنزل إليك} على الابتداء.
وقال: {فلا يكن في صدرك حرجٌ مّنه} على النهي كما قال: {ولا تعد عيناك عنهم} أي: "الحرج فلا يكن في صدرك"، و"عيناك فلا تعدوا عنهم"). [معاني القرآن: 2/ 1]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فلا يكن في صدرك حرجٌ منه} أي شك. وأصل الحرج: الضيق، والشاك في الأمر يضيق صدرا، لأنه لا يعلم حقيقته. فسمي الشك حرجا). [تفسير غريب القرآن: 165]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الحرج: أصله الضيق. ومن الضيق: الشك، كقول الله تعالى: {فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ}، أي شك، لأنّ الشّاكّ في الشيء يضيق صدرا به). [تأويل مشكل القرآن: 484]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين}
فمعنى الحرج الضيق. وفيه وجهان:
أحدهما: أن يكون لا يضق صدرك بالإبلاغ ولا تخافن، لأنه يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنّه قال: رب إني أخاف أن يثلغوا رأسي فيجعلوه كالخبزة، فأعلم الله عزّ وجلّ أنّه في أمان منهم، فقال: {واللّه يعصمك من النّاس}، وقال: {فلا يكن في صدرك حرج منه}.
أي فلا - يضيقن صدرك من تأدية ما أرسلت به.
وقيل أيضا: فلا تشكن فيه.
وكلا التفسيرين له وجه، فأما تأويل فلا تشكنّ، وتأويل {فلا تكونن من الممترين}، وتأويل: (فإن كنت في شكّ ممّا أنزلنا إليك فاسأل الّذين يقرءون الكتاب من قبلك) فإن ما خوطب به - صلى الله عليه وسلم - فهو خطاب لأمته، فكأنه بمنزله " فلا تشكوا ولا ترتابوا ".
وقوله: {لتنذر به} معناه التقديم، والمعنى واللّه أعلم - كتاب أنزل إليك لتنذر به وذكرى للمؤمنين، فلا يكن في صدرك حرج منه.
{وذكرى} يصلح أن يكون في موضع رفع ونصب وجرّ فأمّا النصب فعلى قولك: أنزل لتنذر به وذكرى للمؤمنين، أي ولتذكر به ذكرى، لأن في الإنذار معنى التذكير.
ويجوز أن يكون وهو ذكرى للمؤمنين كقولك وهو ذكر للمؤمنين.
فأما الجر فعلى معنى لتنذر، لأن معنى {لتنذر} لأن تنذر فهو في موضع جر. المعنى للإنذار والذكرى. فأما ذكرى فمصدر فيه ألف التأنيث، بمنزلة دعوت دعوى، وبمنزلة رجعته رجعى. واتقيت تقوى، إلا أنه اسم في موضع المصدر). [معاني القرآن: 2/ 315-316]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( وقوله جل وعز: {كتاب أنزل إليك}
المعنى هذا كتاب أنزل إليك). [معاني القرآن: 3/ 7]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {فلا يكن في صدرك حرج منه}
قال مجاهد وقتادة: "الحرج": الشك. والمعنى على هذا القول: فلا تشكوا فيه لأن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم خطاب لأمته.
والحرج في اللغة: الضيق،
- فيجوز أن يكون سمي ضيق لأن الشاك لا يعرف حقيقة الشيء فصدره يضيق به،
- ويجوز أن يكون المعنى فلا يكن في صدرك ضيق من أن تبلغه لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «إني أخاف أن يثلغوا رأسي»،
وفي الكلام تقديم وتأخير المعنى كتاب أنزل إليك لتنذر به وذكرى للمؤمنين فلا يكن في صدرك حرج منه). [معاني القرآن: 3/ 7-8]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ} أي شك، وأصله الضيق). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 83]

تفسير قوله تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (3)}

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {اتّبعوا ما أنزل إليكم...}
وإنما خاطب النبي صلى الله عليه وسلم وحده لأن ما أنذر به فقد أنذرت به أمته؛ كما قال: {يأيها النبي إذا طلقتم النساء} فخاطبه، ثم جعل الفعل للجميع، وأنت قد تقول للرجل: ويحك أما تتقون الله، تذهب إليه وإلى أهل بيته أو عشيرته. وقد يكون قوله: (اتبعوا) محكيا من قوله (لتنذر به) لأن الإنذار قول، فكأنه قيل له: لتقول لهم اتبعوا؛ كما قال الله تبارك وتعالى: {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظّ الأنثيين} لأن الوصية قول.
ومثله: {يأيها النبي لم تحرّم ما أحلّ الله لك}. ثم قال: {قد فرض الله لكم} فجمع). [معاني القرآن: 1/ 372]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({أوهم قائلون}: أي نهاراً إذا قالوا). [مجاز القرآن: 1/ 210]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الحسن {قليلا ما تذكرون} بالتاء.
مجاهد {يذكرون} بالياء.
أصحاب عبد الله {تذكرون} خفيفة ما كان بالتاء، ويقولون {لعلهم يذكرون} فيثقلون ما كان بالياء). [معاني القرآن لقطرب: 560]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {اتّبعوا ما أنزل إليكم من ربّكم ولا تتّبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكّرون}
أي اتبعوا القرآن، وما أتي به عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه مما أنزل عليه لقوله جلّ وعزّ: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}.
{ولا تتبعوا من دونه أولياء}
أي لا تتولّوا من عدل عن دين الحق، ومن ارتضى مذهبا من المذاهب، فالمؤمن وليّ المؤمن {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض}.
وقوله عزّ وجلّ: {قليلا ما تذكرون}
ما زائدة مؤكدة، المعنى قليلا تذكرون، وفي تذكرون وجهان في القراءة: قليلا ما تذّكرون - بالتشديد - في الذال، والمعنى: قليلا ما تتذكرون، إلا أن التاء تدغم في الذال لقرب مكان هذه من مكان هذه.
ومن قرأ (تذكّرون) فالأصل - أيضا - تتذكرون، إلّا أنّه حذف إحدى التاءين، وهي التاء الثانية لأنهما زائدتان، إلا أن الأولى تدل على معنى الاستقبال فلا يجوز حذفها، والثانية إنما دخلت على معنى فعلت الشيء على تمهّل، نحو تفهّمت وتعلّمت، أي أحدثت الشيء على مهل، وتدخل على معنى إظهار الشيء والحقيقة غيره، كقولك تقيّست أي أظهرت أني قيسيّ.
فإنما المحذوف من تتفعلون الثانية، لأن الباقي في الكلمة من تشديد العين من تفعل يدل على معنى الكلمة، ولو حذفت تاء " استقبال " لبطل معنى الاستقبال). [معاني القرآن: 2/ 316-317]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله عز وجل: {اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم}
قيل هو القرآن والسنة لقوله جل وعز: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}.
ثم قال جل وعز: {ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون}
أي لا تتخذوا من عدل عن دين الحق وليا وكل من رضي مذهبا فأهل ذلك المذهب أولياؤه.
وروي عن مالك بن دينار رحمه الله أنه قرأ (ولا تبتغوا من دونه أولياء) أي لا تطلبوا). [معاني القرآن: 3/ 8-9]

تفسير قوله تعالى: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ (4)}

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وكم مّن قريةٍ أهلكناها فجاءها...}
يقال: إنما أتاها البأس من قبل الإهلاك، فكيف تقدم الهلاك؟ قلت: لأن الهلاك والبأس يقعان معا؛ كما تقول: أعطيتني فأحسنت، فلم يكن الإحسان بعد الإعطاء ولا قبله: إنما وقعا معا، فاستجيز ذلك. وإن شئت كان المعنى: وكم من قرية أهلكناها فكان مجيء البأس قبل الإهلاك، فأضمرت كان. وإنما جاز ذلك على شبيه بهذا المعنى، ولا يكون في الشروط التي خلفتها بمقدّم معروف أن يقدم المؤخر أو يؤخر المقدم؛ مثل قولك: ضربته فبكى، وأعطيته فاستغنى، إلا أن تدع الحروف في مواضعها.
وقوله: {أهلكناها فجاءها} قد يكونان خبرا بالواو: أهلكناها وجاءها البأس بياتا). [معاني القرآن: 1/ 372-373]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {أو هم قائلون...}
ردّ الفعل إلى أهل القرية وقد قال في أولها {أهلكناها} ولم يقل: أهلكناهم فجاءهم، ولو قيل، كان صوابا. ولم يقل: قائلة، ولو قيل لكان صوابا.
وقوله: {أو هم قائلون} واو مضمرة. المعنى أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو وهم قائلون، فاستثقلوا نسقا على نسق، ولو قيل لكان جائزا؛ كما تقول في الكلام: أتيتني واليا، أو وأنا معزول، وإن قلت: أو أنا معزول، فأنت مضمر للواو). [معاني القرآن: 1/ 373]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({أوهم قائلون}: من القائلة). [غريب القرآن وتفسيره: 144]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فجاءها بأسنا} يعني العذاب. {بياتاً} ليلا. {أو هم قائلون} من القائلة نصف النهار). [تفسير غريب القرآن: 165]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون}
المعنى وكم من أهل قرية أهلكناهم، إلا أن أهل حذف لأن في الكلام دليلا عليه.
وقوله: {فجاءها بأسنا بياتا} محمول على لفظ القرية، ولو قيل فجاءهم لكان صوابا.
وقوله: {أو هم قائلون}
قال بعض النحويين: المعنى: وهم قائلون، والواو فيما ذكر محذوفة وهذا لا يحتاج إلى ضمير الواو، ولو قلت: جاءني زيد راجلا أو وهو فارس، أو جاءني زيد هو فارس لم تحتج إلى واو، لأن الذكر قد عاد إلى الأول.
ومعنى {بياتا}: ليلا، يقال بات بياتا حسنا، وبيتة حسنة، والمصدر في الإصابات بيتا. والبيت بيت الشعر وكذلك بيت المدر، وإنما أصل تسميته من أنه يصلح للمبيت، ويقال لفلان بيتة وليلة وبيت ليلة، أي ما يكفيه من القوت في ليلة.
ومعنى {أو هم قائلون}
أي أو جاءهم بأسنا نهارا في وقت القائلة، يقال قلت من القائلة، فالمعنى: إنهم جاءهم بأسنا غفلة، وهم غير متوقعين له، إما ليلا وهم نائمون.
أو نهارا وهم قائلون كأنهم غافلون.
و{أو} ههنا دخلت على جهة تصرف الشيء ووقوعه، إما مرة كذا، وإما مرة كذا، فهي في الخبر ههنا بمنزلة أو في الإباحة، تقول جالس زيدا أو عمرا، أي كل واحد منهما أهل أن يجالس، واو ههنا أحسن من الواو، لأن الواو تتضمن اجتماع الشيئين، لو قلت: ضربت القوم قياما وقعودا، لأوجبت الواو أنك ضريتهم وهم على هاتين الحالتين، وإذا قلت: ضربتهم قياما أو ضربتهم قعودا، ولم تكن شاكا، فإنما المعنى أنك ضربتهم مرة على هذه الحال، ومرة على هذه الحال.
وموضع "كم" رفع بالابتداء وخبرها أهلكناها، وهو أحسن من أن تكون في موضع نصب، لأن قولك زيد ضربته أجود من زيدا ضربته. -
والنصب جيد عربي أيضا مثله قوله جلّ وعزّ: {إنّا كلّ شيء خلقناه بقدر}). [معاني القرآن: 2/ 317-318]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( وقوله جل وعز: {وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون}
المعنى: فجاءهم العذاب على غفلة بالليل وهم نائمون أو نصف النهار وهم قائلون
ومعنى {أو} ههنا التصرف مرة كذا ومرة كذا وهي بمنزلة أو التي تكون للإباحة في الأمر). [معاني القرآن: 3/ 9]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): (قوله عز وجل: {بَيَاتاً} أي: ليلاً.
{أو هم قائلون} أي: نصف النهار، وقت النوم). [ياقوتة الصراط: 227]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({قَائِلُونَ}: من القائلة). [العمدة في غريب القرآن: 133]

تفسير قوله تعالى: {فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ}

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فما كان دعواهم...}
"الدعوى" في موضع نصب لكان. ومرفوع كان قوله: {إلاّ أن قالوا} فأن في موضع رفع. وهو الوجه في أكثر القرآن: أن تكون أن إذا كان معها فعل، أن تجعل مرفوعة والفعل منصوبا؛ مثل قوله: {فكان عاقبتهما أنهما في النار} و{ما كان حجتهم إلا أن قالوا}. ولو جعلت الدعوى مرفوعة (وأن) في موضع نصب كان صوابا؛ كما قال الله تبارك وتعالى: {ليس البرّ أن تولوا} وهي في إحدى القراءتين: ليس البر بأن تولوا). [معاني القرآن: 1/ 373]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فما كان دعواهم} أي قولهم وتداعيهم). [تفسير غريب القرآن: 165]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلّا أن قالوا إنّا كنّا ظالمين}
المعنى - واللّه أعلم - أنهم لم يحصلوا مما كانوا ينتحلونه من المذهب والدّين ويدعونه إلاّ على اعتراف بأنهم كانوا ظالمين، والدعوى اسم لما يدّعيه، والدعوى يصلح أن تكون في معنى الدعاء لو قلت: اللهم أشركنا في صالح دعاء المسلمين ودعوى المسلمين جاز، حكى سيبويه ذلك وأنشد:
ولّت ودعواها كثير صخبه.
وموضع "أن" الأحسن أن يكون رفعا، وأن تكون الدعوى في موضع نصب، كما قال جل ثناؤه: {ما كان حجتهم إلا أن قالوا} ويجوز أن يكون في موضع نصب، ويكون الدعوى في موضع رفع إلا أن الدعوى إذا كانت في موضع رفع فالأكثر في اللفظ "فما كانت دعواهم كذا وكذا إلا أن" لأنّ الدعوى مؤنثة في اللفظ، ويجوز كان دعواه باطلا وباطلة). [معاني القرآن: 2/ 318-319]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا}
الدعوى ههنا بمنزلة الدعاء والدعوى تكون بمنزلة الادعاء وتكون بمنزلة الدعاء وأجاز النحويون اللهم أشركنا في صالح دعوى من دعاك
والمعنى أنهم لم يحصلوا عند الهلاك إلا على الإقرار بأنهم كانوا ظالمين). [معاني القرآن: 3/ 10]

تفسير قوله تعالى: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6)}

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ( {فلنسألنّ الّذين أرسل إليهم ولنسألنّ المرسلين}
وقال{فلنسألنّ الّذين أرسل إليهم} يقول لنسألنّ القوم الذين بعث إليهم وأنذروا {ولنسألنّ المرسلين}). [معاني القرآن: 2/ 1]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين}
وهذا سؤال توبيخ وتقرير.
فأما قوله تعالى: {فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان} فمعناه أنه لا يسأل سؤال استعلام والله أعلم). [معاني القرآن: 3/ 10]

تفسير قوله تعالى: {فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (7)}

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({فلنقصّنّ عليهم بعلمٍ وما كنّا غائبين}
{فلنقصّنّ} أدخل النون واللام لأن قوله: {فلنسألنّ}، {ولنسألنّ المرسلين} على القسم). [معاني القرآن: 2/ 1]

تفسير قوله تعالى: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8)}

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {والوزن يومئذٍ الحقّ...}
وإن شئت رفعت الوزن بالحقّ، وهو وجه الكلام. وإن شئت رفعت الوزن بيومئذ، كأنك قلت: الوزن في يوم القيامة حقّاً، فتنصب الحقّ وإن كانت فيه ألف ولام؛ كما قال: {فالحقّ والحقّ أقول}الأولى منصوبة بغير أقول. والثانية بأقول.
وقوله: {فمن ثقلت موازينه فأولئك} ولم يقل (فذلك) فيوحّد لتوحيد من، ولو وحّد لكان صوابا. و(من) تذهب بها إلى الواحد وإلى الجمع. وهو كثير). [معاني القرآن: 1/ 374]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {والوزن يومئذ الحقّ فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون}
اختلف الناس في ذكر الميزان في القيامة، وجاء في بعض التفسير أنه ميزان له كفّتان، وأن الميزان أنزل إلى الدنيا ليتعامل الناس بالعدل وتوزن به الأعمال، وقال بعضهم: الميزان العدل، وذهب إلى قولك هذا في وزن هذا، وإن لم يكن مما يوزن، وتأويله أنه قد قام في النفس مساويا لغيره كما يقوم الوزن في مرآة العين.
وقال بعضهم: الميزان الكتاب الذي فيه أعمال الخلق، وهذا كله في باب اللغة - والاحتجاج سائغ، إلا أن الأولى من هذا أن يتبع ما جاء بالأسانيد الصحاح. فإن جاء في الخبر أنه ميزان له كفّتان، من حيث ينقل أهل الثقة، فينبغي أن يقبل ذلك.
وقد روي عن جرير عن الضحاك أن الميزان العدل، والله أعلم بحقيقة ذلك، إلا أن جملة أعمال العباد موزونة على غاية العدل والحق.
وهو قوله: {فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون}.
وقد فسرنا المفلح فيما تقدم). [معاني القرآن: 2/ 319-320]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( وقوله جل وعز: {والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون}
قال عبيد بن عمير: يؤتى يوم القيامة بالرجل العظيم الطويل الأكول الشروب فلا يزن جناح بعوضة.
قال عمرو بن دينار: إن الميزان له كفتان). [معاني القرآن: 3/ 11]

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَظْلِمُونَ (9)}

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {بما كانوا بآياتنا يظلمون} أي يجحدون. والظلم يتصرف على وجوه قد ذكرناها في «المشكل»). [تفسير غريب القرآن: 165]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ويكون الظلم: الجحد، قال الله تعالى: {وَآَتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا} أي: جحدوا بأنّها من الله تعالى.
وقال: {بِمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَظْلِمُونَ} أي: يجحدون). [تأويل مشكل القرآن: 468]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 1 جمادى الأولى 1434هـ/12-03-2013م, 11:37 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {المص (1) }


تفسير قوله تعالى: {كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) }

قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وقوله: فعلمت أن يمينها لم تحرج
يقول: لم تضق عليها، يقال: حرج يحرج إذا دخل في مضيق والحرجة: الشجر الملتف المتضايق ما بينه، قال الله عز وجل: {فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ} وقال تعالى: {يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرِجًا} وقرئ {حَرَجًا}، فمن قال: "حَرِجًا "أراد التوكيد للضيق، كأنه قال: ضيق شديد الضيق. ومن قال: "حَرَجًا" جعله مصدراٌ، مثل قولك: ضيق ضيقاٌ. وقوله: "ببرد ماء الحشرج" فهو الماء الجاري على الحجارة). [الكامل: 1/ 382-383]

تفسير قوله تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (3) }

تفسير قوله تعالى: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ (4) }

تفسير قوله تعالى: {فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (5) }

تفسير قوله تعالى: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) }

تفسير قوله تعالى: {فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (7) }

تفسير قوله تعالى: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8) }

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَظْلِمُونَ (9) }


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 21 جمادى الآخرة 1435هـ/21-04-2014م, 03:56 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 21 جمادى الآخرة 1435هـ/21-04-2014م, 03:56 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 21 جمادى الآخرة 1435هـ/21-04-2014م, 03:57 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 21 جمادى الآخرة 1435هـ/21-04-2014م, 03:57 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {المص (1) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {المص (1) كتابٌ أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرجٌ منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين (2) اتّبعوا ما أنزل إليكم من ربّكم ولا تتّبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكّرون (3)}
تقدم القول في تفسير الحروف المقطعة التي في أوائل السور وذكر اختلاف المتأولين فيها، ويختص هذا الموضع زائدا على تلك الأقوال بما قاله السدي: إن المص هجاء اسم الله هو المصور، وبقول زيد بن علي إن معناه أنا الله الفاصل). [المحرر الوجيز: 3/ 509]

تفسير قوله تعالى: {كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {كتابٌ أنزل إليك ... الآية}، قال الفراء وغيره كتابٌ رفع على الخبر للحروف، كأنه قال هذه الحروف كتاب أنزل إليك، ورد الزجّاج على هذا القول بما لا طائل فيه، وقال غيره: كتابٌ رفع على خبر ابتداء مضمر تقديره هذا كتاب وأنزل إليك في موضع الصفة ل كتابٌ، ثم نهي النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يبرم أو يستصحب من هذا الكتاب أو بسبب من أسبابه حرجا، ولفظ النهي هو للحرج ومعناه للنبي عليه السلام، وأصل الحرج الضيق، ومنه الحرجة الشجر الملتف الذي قد تضايق، و «الحرج» هاهنا يعم الشك والخوف والهم وكل ما يضيق الصدر، وبحسب سبب الحرج يفسر الحرج هاهنا، وتفسيره بالشك قلق، والضمير في منه عائد على الكتاب أي بسبب من أسبابه، و «من» هاهنا لابتداء الغاية، وقيل يعود على التبليغ الذي يتضمنه معنى الآية، وقيل على الابتداء.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا التخصيص كله لا وجه له إذ اللفظ يعم الجهات التي هي من سبب الكتاب ولأجله وذلك يستغرق التبليغ والإنذار وتعرض المشركين وتكذيب المكذبين وغير ذلك.
وقوله تعالى: {فلا يكن في صدرك حرجٌ منه}؛ اعتراض في أثناء الكلام، ولذلك قال بعض الناس إن فيه تقديما وتأخيرا، وقوله لتنذر اللام متعلقة ب أنزل. وقوله وذكرى معناه تذكرة وإرشاد، وذكرى في موضع رفع عطفا على قوله كتابٌ. فالتقدير هذه الحروف كتاب وذكرى، وقيل رفعه على جهة العطف على صفة الكتاب فالتقدير هذه الحروف كتاب منزل إليك وذكرى، فهي عطف على منزل داخلة في صفة الكتاب، وقيل ذكرى في موضع نصب بفعل مضمر تقديره لتنذر به وتذكر ذكرى للمؤمنين، وقيل نصبها على المصدر وقيل ذكرى في موضع خفض عطفا على قوله: {لتنذر} أي لإنذارك وذكرى). [المحرر الوجيز: 3/ 509-510]

تفسير قوله تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (3) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {اتّبعوا ما أنزل إليكم من ربّكم ... الآية}، قال الطبري وحكاه: التقدير قل اتبعوا، فحذف القول لدلالة الإنذار المتقدم الذكر عليه، وقالت فرقة: قوله: اتبعوا أمر يعم النبي -صلى الله عليه وسلم- وأمته.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والظاهر أن يكون أمرا لجميع الناس أي اتبعوا ملة الإسلام والقرآن، وقرأ الجحدري «ابتغوا ما أنزل»، من الابتغاء، وقرأ مجاهد «ولا تبتغوا» من الابتغاء أيضا، وقوله أولياء، يريد كل ما عبد واتبع من دون الله كالأصنام والأحبار والكهان والنار والكواكب وغير ذلك، والضمير في قوله من دونه راجع على ربّكم، هذا أظهر وجوهه وأبينها، وقيل يعود على قوله اتّبعوا ما، وقيل يعود على الكتاب المتقدم الذكر، وقليلًا نعت لمصدر نصب بفعل مضمر، وقال مكي هو منصوب بالفعل الذي بعده، قال الفارسي وما في قوله ما تذكّرون موصولة بالفعل وهي مصدرية، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر «تذكّرون» بتشديد الذال والكاف، وقرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص «تذكّرون» بتخفيف الذال وتشديد الكاف، وقرأ ابن عامر «يتذكرون» بالياء كناية عن غيب، وروي عنه أنه قرأ «تتذكرون» بتاءين على مخاطبة حاضرين). [المحرر الوجيز: 3/ 510-511]

تفسير قوله تعالى: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ (4) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وكم من قريةٍ أهلكناها فجاءها بأسنا بياتاً أو هم قائلون (4) فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلاّ أن قالوا إنّا كنّا ظالمين (5) فلنسئلنّ الّذين أرسل إليهم ولنسئلنّ المرسلين (6) فلنقصّنّ عليهم بعلمٍ وما كنّا غائبين (7)}
كم في موضع رفع بالابتداء والخبر أهلكناها، ويصح أن يكون الخبر في قوله فجاءها وأهلكناها صفة، ويصح أن تكون في موضع نصب بفعل مقدر بعدها تقديره وكم أهلكنا من قرية أهلكناها، وقدر الفعل بعدها- وهي خبرية- تشبيها لها بالاستفهامية في أن لها في كل حال صدر الكلام، وقالت فرقة المراد وكم من أهل قرية وحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقام المضاف، وقالت فرقة إنما عبر بالقرية لأنها أعظم في العقوبة إذا هلك البشر وقريتهم، وقد بين في آخر الآية بقوله أو هم أن البشر داخلون في الهلاك، فالآية على هذا التأويل تتضمن هلاك القرية وأهلها جميعا، وعلى التأويل الأول تتضمن هلاك الأهل ولا معنى لذكر القرية، والمراد بالآية التكثير، وقرأ ابن أبي عبلة: «وكم من قرية أهلكناهم فجاءهم بأسنا». وقوله فجاءها يقتضي ظاهره أن المجيء بعد الإهلاك، وذلك مستحيل فلم يبق إلا أن يعدل على ظاهر هذا التعقيب فقيل الفاء قد تجيء بمنزلة الواو ولا تعطى رتبة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا ضعيف وقيل عبر عن إرادة الإهلاك بالإهلاك، قال مكي في المشكل: مثل قوله: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ} [النحل: 98].
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا يحتج به في تأويل من قال الفاء في هذه الآية لتعقيب القول، وقيل المعنى «أهلكناها» بالخذلان وقلة التوفيق فجاءها بأسنا بعد ذلك، وقال الفراء وحكاه الطبري أن الإهلاك هو مجيء البأس ومجيء البأس هو الإهلاك فلما تلازما لم يبال أيهما قدم في الرتبة، وقيل إن الفاء لترتيب القول فقط فكأنه أخبر عن قرى كثيرة أنه أهلكها ثم قال فكان من أمرها مجيء البأس.
وبياتاً نصب على المصدر في موضع الحال، وقائلون من القائلة، وإنما خص وقتي الدعة والسكون لأن مجيء العذاب فيهما أفظع وأهول لما فيه من البغت والفجأة، وأو في هذا الموضع كما تقول: الناس في فلان صنفان حامد أو ذام، فكأنه قال جاءهم بأسنا فرقتين بائتين أو قائلين، وهذا هو الذي يسمى اللف، وهو إجمال في اللفظ يفرقه ذهن المخاطب دون كلفة، والبأس: العذاب، وقيل: المراد أو وهم قائلون فكره اجتماع حرفي العطف فحذفت الواو وهذا تكلف لأن معنى اللف باق). [المحرر الوجيز: 3/ 511-512]

تفسير قوله تعالى: {فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (5) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {فما كان دعواهم ... الآية}، تبين في هذه الآية غاية البيان أن المراد في الآية قبلها أهل القرى، والدعوى في كلام العرب لمعنيين، أحدهما الدعاء قال الخليل: تقول اللهم أشركنا في صالح دعوى المسلمين ومنه قول عز وجل: {فما زالت تلك دعواهم} [الأنبياء: 15].
ومنه قول الشاعر [الطويل]:
وإن مذلت رجلي دعوتك أشتفي ....... بدعواك من مذل بها فيهون
والثاني الادعاء، فقال الطبري: هي في هذا الموضع يعني الدعاء.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ويتوجه أن يكون أيضا بمعنى الادعاء، لأن من ناله مكروه أو حزبه حادث فمن شأنه أن يدعو كما ذهب إليه المفسرون في فعل هؤلاء المذكورين في هذه الآية، ومن شأنه أيضا أن يدعي معاذير وأشياء تحسن حاله وتقيم حجته في زعمه، فيتجه أن يكون هؤلاء بحال من يدعي معاذير ونحوها، فأخبر الله عنهم أنهم لم تكن لهم دعوى ثم استثنى من غير الأول، كأنه قال لم يكن دعاء أو ادعاء إلا الإقرار والاعتراف، أي هذا كان بدل الدعاء أو الادعاء، وتحتمل الآية أن يكون المعنى فما آلت دعواهم التي كانت في حال كفرهم إلا إلى اعتراف، ونحو من الآية قول الشاعر: [الفرزدق]
وقد شهدت قيس فما كان نصرها ....... قتيبة إلا عضها بالأباهم
واعترافهم وقولهم إنّا كنّا ظالمين هو في المدة بين ظهور العذاب إلى إتيانه على أنفسهم، وفي ذلك مهلة بحسب نوع العذاب تتسع لهذه المقالة وغيرها، وروى ابن مسعود عن النبي عليه السلام أنه قال «ما هلك قوم حتى يعذروا من أنفسهم». وفسر عبد الملك بن ميسرة هذا الحديث بهذه الآية. ودعواهم خبر كان، واسمها إلّا أن قالوا وقيل بالعكس). [المحرر الوجيز: 3/ 512-514]

تفسير قوله تعالى: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {فلنسئلنّ الّذين أرسل إليهم ... الآية}، وعيد من الله عز وجل لجميع العالم، أخبر أنه يسأل الأمم أجمع عما بلغ إليهم عنه وعن جميع أعمالهم ويسأل النبيين عما بلغوا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقد نفي السؤال في آيات وذلك هو سؤال الاستفهام الحقيقي وقد أثبت في آيات كهذه الآية وهذا هو سؤال التقرير، فإن الله قد أحاط علما بكل ذلك قبل السؤال فأما الأنبياء والمؤمنون فيعقبهم جوابهم رحمة وكرامة، وأما الكفار ومن نفذ عليه الوعيد من العصاة فيعقبهم جوابهم عذابا وتوبيخا، فمن أنكر منهم قص عليه بعلم، وقرأ ابن مسعود وابن عباس «فلنسألن الذين أرسلنا إليهم قبلك رسلنا ولنسألن المرسلين»). [المحرر الوجيز: 3/ 514]

تفسير قوله تعالى: {فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (7) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {فلنقصّنّ}؛ أي فلنسردن عليهم أعمالهم قصة قصة، بعلمٍ أي بحقيقة ويقين، قال ابن عباس: يوضع الكتاب يوم القيامة فيتكلم بما كانوا يعملون.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: يشبه أن يكون الكلام هنا استعارة إذ كل شيء فيه مقيد، وما كنّا غائبين أي ما كنا من لا يعلم جميع تصرفاتهم كالغائب عن الشيء الذي لا يعرف له حالا). [المحرر الوجيز: 3/ 514]

تفسير قوله تعالى: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {والوزن يومئذٍ الحقّ فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون (8) ومن خفّت موازينه فأولئك الّذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون (9)}
الوزن مصدر وزن يزن، ورفعه بالابتداء والحقّ خبره، ويومئذٍ ظرف منتصب ب الوزن ويصح أن يكون يومئذٍ خبر الابتداء، والحقّ نعت ل الوزن والتقدير الوزن الحق ثابت أو ظاهر يومئذ، ويومئذٍ إشارة إلى يوم القيامة والفصل بين الخلائق، واختلف الناس في معنى الوزن والموازين فقالت فرقة: إن الله عز وجل أراد أن يعلم عباده أن الحساب والنظر يوم القيامة هو في غاية التحرير ونهاية العدل فمثل لهم في ذلك بالوزن والميزان إذ لا يعرف البشر أمرا أكثر تحريرا منه، فاستعير للعدل وتحرير النظر لفظة الوزن والميزان كما استعار ذلك أبو طالب في قوله:
بميزان قسط لا يخس شعيرة ....... له حاكم من نفسه غير عائل
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا القول أصح من الأول من جهات، أولها أن ظواهر كتاب الله عز وجل تقتضيه وحديث الرسول عليه السلام ينطق به، من ذلك: قوله لبعض الصحابة وقد قال له يا رسول الله أين أجدك في القيامة؟ فقال: «اطلبني عند الحوض فإن لم تجدني فعند الميزان»، ولو لم يكن الميزان مرئيا محسوسا لما أحاله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الطلب عنده، وجهة أخرى أن النظر في الميزان والوزن والثقل والخفة المقترنات بالحساب لا يفسد شيء منه ولا تختل صحته، وإذا كان الأمر كذلك فلم نخرج من حقيقة اللفظ إلى مجازه دون علة؟ وجهة ثالثة وهي أن القول في الميزان هو من عقائد الشرع الذي لم يعرف إلا سمعا، وإن فتحنا فيه باب المجاز غمرتنا أقوال الملحدة والزنادقة في أن الميزان والصراط والجنة والنار والحشر ونحو ذلك إنما هي ألفاظ يراد بها غير الظاهر.
وروي هذا القول عن مجاهد والضحاك وغيره، وكذلك استعير على قولهم الثقل والخفة لكثرة الحسنات وقلتها، وقال جمهور الأمة: إن الله عز وجل أراد أن يعرض لعباده يوم القيامة تحرير النظر وغاية العدل بأمر قد عرفوه في الدنيا وعهدته أفهامهم، فميزان القيامة له عمود وكفتان على هيئة موازين الدنيا، قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: صاحب الموازين يوم القيامة جبريل عليه السلام، وقالوا: هذا الذي اقتضاه لفظ القرآن ولم يرده نظر.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فينبغي أن يجري في هذه الألفاظ إلى حملها على حقائقها، وأما «الثقل» و «الخفة» فإن الآثار تظاهرت بأن صحائف الحسنات والسيئات توضع في كفتي الميزان فيحدث الله في الجهة التي يريد ثقلا وخفة على نحو إحداثه ذلك في جسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في وقت نزول الوحي عليه، ففي الصحيح من حديث زيد بن ثابت أنه قال: كنت أكتب حتى نزلت: {غير أولي الضّرر} [النساء: 95]، وفخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على فخذي حتى كادت أن ترض فخذي، وفي الحديث أنه كان إذا أوحي إليه وهو على ناقته بركت به عجزا عن حمله لثقل الحادث فيه، ولا بد لنا أن نعلم أن الثقل الحادث مع الحسنات إنما يتعلق بجسم، إذ العرض لا يقوم بالعرض، فجائز أن يحدث الثقل في الصحائف وهو أقربها إلى الظن، وجائز أن يحدث في ذلك من الأجسام المجاورة لتلك الحال، وإلى حدوثه في الصحائف ذهب أبو المعالي، ورويت في خبر الميزان آثار عن صحابة وتابعين في هيئته وطوله وأحواله لم تصح بالإسناد، فلم نر للإطالة بها وجها، وقال الحسن فيما روي عنه: بلغني أن لكل أحد يوم القيامة ميزانا على حدة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا قول مردود الناس على خلافه، وإنما لكل أحد وزن يختص به والميزان واحد، وروي عن مجاهد في قوله ثقلت موازينه أن «الموازين» الحسنات نفسها.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وجمع لفظ «الموازين» إذ في الميزان موزونات كثيرة فكأنه أراد التنبيه عليها بجمعه لفظ الميزان. والمفلحون في اللغة المدركون لبغيتهم الناجحون في طلبهم ومنه قول عبيد: [الرجز]
أفلح بما شئت فقد يبلغ بالض ....... ضعف وقد يخدع الأريب
فأما قول الشاعر: [المنسرح]
... ... ... ... ....... والمسي والصبح لا فلاح معه
فقد قيل إنه بمعنى البقاء.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والبقاء بلوغ بغية فالمعنيان متقاربان، ووزن الله تعالى أعمال العباد مع علمه بدقائق الأشياء وجلائلها نظير كتبه أعمالهم في صحائفهم واستنساخه ذلك ونظير استنطاقه جوارحهم بالشهادة عليهم إقامة للحجة وإيضاحا، فقد تقرر في الشرع أن كلمة التوحيد ترجح ميزان من وزنت في أعماله ولا بد، فإن قال قائل كيف تثقل موازين العصاة من المؤمنين بالتوحيد ويصح لهم حكم الفلاح ثم تدخل طائفة منهم النار وذلك شقاء لا محالة؟ فقالت طائفة إنه توزن أعمالهم دون التوحيد فتخف الحسنات فيدخلون النار ثم عند إخراجهم يوزن التوحيد فتثقل الحسنات فيدخلون الجنة، وأيضا فمعرفة العاصي أنه غير مخلد فلاح وإن تقدمه شقاء على جهة التأديب). [المحرر الوجيز: 3/ 514-518]

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَظْلِمُونَ (9) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ومن خفّت موازينه ... الآية}، المعنى من خفت كفة حسناته فشالت، وخسروا أنفسهم أي بالهلاك والخلود في النار وتلك غاية الخسارة، وقوله: بما كانوا أي جزاء بذلك كما تقول أكرمتك بما أكرمتني، و «ما» في هذا الموضع مصدرية، و «الآيات» هنا البراهين والأوامر والنواهي ويظلمون أي يضعونها في غير مواضعها بالكفر والتكذيب). [المحرر الوجيز: 3/ 518]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 21 جمادى الآخرة 1435هـ/21-04-2014م, 03:57 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 21 جمادى الآخرة 1435هـ/21-04-2014م, 03:57 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {المص (1) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {المص (1) كتابٌ أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرجٌ منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين (2) اتّبعوا ما أنزل إليكم من ربّكم ولا تتّبعوا من دونه أولياء قليلًا ما تذكّرون (3) }
قد تقدّم الكلام في أوّل "سورة البقرة" على ما يتعلّق بالحروف وبسطه، واختلاف النّاس فيه.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا سفيان بن وكيع، حدّثنا أبي، عن شريك، عن عطاء بن السّائب، عن أبي الضّحى، عن ابن عبّاسٍ: {المص} أنا اللّه أفصل وكذا قال سعيد بن جبير). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 387]

تفسير قوله تعالى: {كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( قوله: {كتابٌ أنزل إليك} أي: هذا كتابٌ أنزل إليك، أي: من ربّك، {فلا يكن في صدرك حرجٌ منه}، قال مجاهدٌ، وعطاءٌ وقتادة والسّدّي: شكٌّ منه.
وقيل: لا تتحرّج به في إبلاغه والإنذار به واصبر كما صبر أولو العزم من الرّسل؛ ولهذا قال: {لتنذر به} أي: أنزل إليك لتنذر به الكافرين، {وذكرى للمؤمنين}). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 387]

تفسير قوله تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (3) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى مخاطبًا للعالم: {اتّبعوا ما أنزل إليكم من ربّكم} أي: اقتفوا آثار النّبيّ الأمّيّ الّذي جاءكم بكتابٍ أنزل إليكم من ربّ كلّ شيءٍ ومليكه، {ولا تتّبعوا من دونه أولياء} أي: لا تخرجوا عمّا جاءكم به الرّسول إلى غيره، فتكونوا قد عدلتم عن حكم اللّه إلى حكم غيره.
{قليلا ما تذكّرون} كقوله: {وما أكثر النّاس ولو حرصت بمؤمنين} [يوسف: 103]. وقوله: {وإن تطع أكثر من في الأرض يضلّوك عن سبيل اللّه} [الأنعام: 116]، وقوله: {وما يؤمن أكثرهم باللّه إلا وهم مشركون} [يوسف: 106] ). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 387]

تفسير قوله تعالى: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ (4) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {وكم من قريةٍ أهلكناها فجاءها بأسنا بياتًا أو هم قائلون (4) فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلّا أن قالوا إنّا كنّا ظالمين (5) فلنسألنّ الّذين أرسل إليهم ولنسألنّ المرسلين (6) فلنقصّنّ عليهم بعلمٍ وما كنّا غائبين (7) }
{وكم من قريةٍ أهلكناها فجاءها بأسنا بياتًا أو هم قائلون فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنّا كنّا ظالمين فلنسألنّ الّذين أرسل إليهم ولنسألنّ المرسلين فلنقصّنّ عليهم بعلمٍ وما كنّا غائبين}
يقول تعالى: {وكم من قريةٍ أهلكناها} أي: بمخالفة رسلنا وتكذيبهم، فأعقبهم ذلك خزي الدّنيا موصولًا بذلّ الآخرة، كما قال تعالى: {ولقد استهزئ برسلٍ من قبلك فحاق بالّذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون} [الأنعام: 10]. وقال تعالى: {فكأيّن من قريةٍ أهلكناها وهي ظالمةٌ فهي خاويةٌ على عروشها وبئرٍ معطّلةٍ وقصرٍ مشيدٍ} [الحج: 45].
وقال تعالى: {وكم أهلكنا من قريةٍ بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنّا نحن الوارثين} [القصص: 58].
وقوله: {فجاءها بأسنا بياتًا أو هم قائلون} أي: فكان منهم من جاءه أمر اللّه وبأسه ونقمته {بياتًا} أي: ليلًا، {أو هم قائلون} من القيلولة، وهي: الاستراحة وسط النّهار. وكلا الوقتين وقت غفلة ولهو كما قال تعالى: {أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتًا وهم نائمون * أوأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحًى وهم يلعبون} [الأعراف: 97، 98]. وقال: {أفأمن الّذين مكروا السّيّئات أن يخسف اللّه بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون * أو يأخذهم في تقلّبهم فما هم بمعجزين * أو يأخذهم على تخوّفٍ فإنّ ربّكم لرءوفٌ رحيمٌ} [النّحل: 45-47] ). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 387-388]

تفسير قوله تعالى: {فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (5) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنّا كنّا ظالمين} أي: فما كان قولهم عند مجيء العذاب إلّا أن اعترفوا بذنوبهم، وأنّهم حقيقون بهذا. كما قال تعالى: {وكم قصمنا من قريةٍ كانت ظالمةً وأنشأ بعدها قومًا آخرين * فلمّا أحسّوا بأسنا إذا هم منها يركضون * لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلّكم تسألون. قالوا يا ويلنا إنّا كنّا ظالمين * فما زالت تلك دعواهم حتّى جعلناهم حصيدًا خامدين} [الأنبياء: 11-15].
وقال ابن جريرٍ: في هذه الآية الدّلالة الواضحة على صحّة ما جاءت به الرّواية عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من قوله: «ما هلك قومٌ حتّى يعذروا من أنفسهم»، حدّثنا بذلك ابن حميد، حدّثنا جريرٌ، عن أبي سنان، عن عبد الملك بن ميسرة الزّرّاد قال: قال عبد اللّه بن مسعودٍ [رضي اللّه عنه] قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ما هلك قومٌ حتّى يعذروا من أنفسهم». قال: قلت لعبد الملك: كيف يكون ذاك؟ قال: فقرأ هذه الآية: {فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنّا كنّا ظالمين} ). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 388]

تفسير قوله تعالى: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {فلنسألنّ الّذين أرسل إليهم} الآية، كقوله [تعالى]: {ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين} [القصص: 65]، وقوله: {يوم يجمع اللّه الرّسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنّك أنت علام الغيوب} [المائدة: 109] فالرّبّ تبارك وتعالى يوم القيامة يسأل الأمم عمّا أجابوا رسله فيما أرسلهم به، ويسأل الرّسل أيضًا عن إبلاغ رسالاته؛ ولهذا قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، في تفسير هذه الآية: {فلنسألنّ الّذين أرسل إليهم ولنسألنّ المرسلين}، قال: يسأل اللّه النّاس عمّا أجابوا المرسلين، ويسأل المرسلين عمّا بلّغوا.
وقال ابن مردويه: حدّثنا محمّد بن أحمد بن إبراهيم، حدّثنا إبراهيم بن محمّد بن الحسن، حدّثنا أبو سعيدٍ الكندي، حدّثنا المحاربيّ، عن ليث، عن نافعٍ، عن ابن عمر [رضي اللّه عنهما] قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «كلّكم راعٍ وكلّكم مسئولٌ عن رعيّته، فالإمام يسأل عن الرجل والرّجل يسأل عن أهله والمرأة تسأل عن بيت زوجها، والعبد يسأل عن مال سيّده». قال اللّيث: وحدّثني ابن طاوسٍ، مثله، ثمّ قرأ: {فلنسألنّ الّذين أرسل إليهم ولنسألنّ المرسلين}.
وهذا الحديث مخرّجٌ في الصّحيحين بدون هذه الزّيادة). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 388-389]

تفسير قوله تعالى: {فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (7) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقال ابن عبّاسٍ: {فلنقصّنّ عليهم بعلمٍ وما كنّا غائبين} يوضع الكتاب يوم القيامة، فيتكلّم بما كانوا يعملون، {وما كنّا غائبين} يعني: أنّه تعالى يخبر عباده يوم القيامة بما قالوا وبما عملوا، من قليلٍ وكثيرٍ، وجليلٍ وحقير؛ لأنّه تعالى شهيدٌ على كلّ شيءٍ، لا يغيب عنه شيءٌ، ولا يغفل عن شيءٍ، بل هو العالم بخائنة الأعين وما تخفي الصّدور، {وما تسقط من ورقةٍ إلا يعلمها ولا حبّةٍ في ظلمات الأرض ولا رطبٍ ولا يابسٍ إلا في كتابٍ مبينٍ} [الأنعام: 59] ). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 389]

تفسير قوله تعالى: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَظْلِمُونَ (9) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {والوزن يومئذٍ الحقّ فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون (8) ومن خفّت موازينه فأولئك الّذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون (9) }
يقول تبارك و تعالى: {والوزن} أي: للأعمال يوم القيامة {الحق} أي: لا يظلم تعالى أحدًا، كما قال تعالى: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفسٌ شيئًا وإن كان مثقال حبّةٍ من خردلٍ أتينا بها وكفى بنا حاسبين} [الأنبياء: 47]، وقال تعالى: {إنّ اللّه لا يظلم مثقال ذرّةٍ وإن تك حسنةً يضاعفها ويؤت من لدنه أجرًا عظيمًا} [النّساء: 40] وقال تعالى: {فأمّا من ثقلت موازينه فهو في عيشةٍ راضيةٍ * وأمّا من خفّت موازينه فأمّه هاويةٌ * وما أدراك ما هيه * نارٌ حاميةٌ} [القارعة: 6-11]، وقال تعالى: {فإذا نفخ في الصّور فلا أنساب بينهم يومئذٍ ولا يتساءلون * فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون * ومن خفّت موازينه فأولئك الّذين خسروا أنفسهم في جهنّم خالدون} [المؤمنون: 101 -103].
فصلٌ:
والّذي يوضع في الميزان يوم القيامة قيل: الأعمال وإن كانت أعراضًا، إلّا أنّ اللّه تعالى يقلبها يوم القيامة أجسامًا.
قال البغويّ: يروى هذا عن ابن عبّاسٍ كما جاء في الصّحيح من أنّ "البقرة" و "آل عمران" يأتيان يوم القيامة كأنّهما غمامتان -أو: غيايتان -أو فرقان من طيرٍ صوافّ. من ذلك في الصّحيح قصّة القرآن وأنّه يأتي صاحبه في صورة شابٍّ شاحب اللّون، فيقول: من أنت؟ فيقول: أنا القرآن الّذي أسهرت ليلك وأظمأت نهارك وفي حديث البراء، في قصّة سؤال القبر: "فيأتي المؤمن شابٌّ حسن اللّون طيّب الرّيح، فيقول: من أنت؟ فيقول: أنا عملك الصّالح" وذكر عكسه في شأن الكافر والمنافق.
وقيل: يوزن كتاب الأعمال، كما جاء في حديث البطاقة، في الرّجل الّذي يؤتى به ويوضع له في كفّة تسعةٌ وتسعون سجلًّا كلّ سجلّ مدّ البصر، ثمّ يؤتى بتلك البطاقة فيها: "لا إله إلّا اللّه" فيقول: يا ربّ، وما هذه البطاقة مع هذه السّجلّات؟ فيقول اللّه تعالى: إنّك لا تظلم. فتوضع تلك البطاقة في كفّة الميزان. قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "فطاشت السّجلّات، وثقلت البطاقة".
رواه التّرمذيّ بنحوٍ من هذا وصحّحه.
وقيل: يوزن صاحب العمل، كما في الحديث: "يؤتى يوم القيامة بالرّجل السّمين، فلا يزن عند اللّه جناح بعوضة" ثمّ قرأ: {فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنًا} [الكهف: 105].
وفي مناقب عبد اللّه بن مسعودٍ أنّ رسول اللّه صلّى عليه وسلّم قال: "أتعجبون من دقّة ساقيه، فوالّذي نفسي بيده لهما في الميزان أثقل من أحدٍ"
وقد يمكن الجمع بين هذه الآثار بأن يكون ذلك كلّه صحيحًا، فتارةً توزن الأعمال، وتارةً توزن محالّها، وتارةً يوزن فاعلها، واللّه أعلم). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 389-390]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:11 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة