العودة   جمهرة العلوم > جمهرة علوم القرآن الكريم > توجيه القراءات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 03:12 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة آل عمران
[من الآية (153) إلى الآية (155) ]

{إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (153) ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154) إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (155)}


قوله تعالى: {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (153)}

قوله تعالى: {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (تغشى طائفةً منكم... (154)
قرأ حمزة والكسائي: (تغشى طائفةً) بالتاء، وقرأ الباقون بالياء.
قال أبو منصور: من قرأ بالتاء فللأمنة، ومن قرأ بالياء فللنعاس، وكل ذلك جائز). [معاني القراءات وعللها: 1/276]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (قل إنّ الأمر كلّه للّه... (154).
قرأ أبو عمرو ويعقوب: (قل إنّ الأمر كلّه للّه) بالرفع.
وقرأ الباقون بالنصب.
[معاني القراءات وعللها: 1/276]
قال أبو منصور: من نصب (كلّه) فعلى التأكيد (للأمر)، ومن رفع فعلى الابتداء، و(للّه) الخبر، المعنى: الأمر كلّه للّه، أي: النصر وما يلقى في القلوب من الرعب (للّه)، أي: كل ذلك (للّه) ). [معاني القراءات وعللها: 1/277]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (55- وقوله تعالى: {يغشى طائفة منكم} [154].
قرأ حمزة والكسائي بالتاء.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/120]
وقرأ الباقون بالياء، فمن ذكره رده على النعاس، ومن أنثه رده على الأمنة). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/121]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (56- وقوله تعالى: {قل إن الأمر كله لله} [154].
قرأ أبو عمرو وحده {كله لله} [الرفع].
وقرأ الباقون بنصب اللام فمن نصب اللام جعله تأكيدًا للأمر و{لله} خبر «إن».
ومن ضم اللام رفعه بالابتداء و{لله} الخبر، والجملة خبر «إن»). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/121]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الياء والتاء من قوله تعالى: يغشى طائفة منكم [آل عمران/ 154] فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر يغشى طائفة منكم بالياء. وقرأ حمزة والكسائي تغشى بالتاء.
[قال أبو علي]: حجّة من قرأ بالياء: قوله تعالى: إذ يغشاكم النعاس [الأنفال/ 11] فالنّعاس هو الغاشي، وكذلك قراءة من قرأ: إذ يغشيكم النعاس لأنّه إنّما جعل الفاعل بتضعيف العين مفعولا. ومن حجّتهم: أنّ يغشى أقرب إلى النعاس،
[الحجة للقراء السبعة: 3/88]
فإسناد الفعل إليه أولى. ومنها أنّه يقال: غشيني النعاس، وغلب عليّ النعاس، ولا يسهل: غشيني الأمنة، ومن قرأ بالتاء حمله على الأمنة.
فأمّا قوله: إن شجرة الزقوم طعام الأثيم كالمهل يغلي [الدخان/ 45] فحمل الكلام على الشجرة لقوله تعالى:
فإنهم لآكلون منها فمالؤن منها البطون [الصافات/ 66] وقال:
لآكلون من شجر من زقوم [الواقعة/ 52] فنسب الأكل إلى الشجر.
ومن حجّة من قرأ بالتاء: أنّ النعاس، وإن كان بدلا من الأمنة، فليس المبدل منه في طريق ما يسقط من الكلام، يدلّك على ذلك قولهم: الذي مررت به زيد أبو عبد الله.
وقال:
وكأنّه لهق السّراة كأنّه... ما حاجبيه معيّن بسواد
فجعل الخبر عن الذي أبدل منه). [الحجة للقراء السبعة: 3/89]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في رفع اللام ونصبها من قوله: [جلّ وعز]: قل إن الأمر كله لله [آل عمران/ 154].
فقرأ أبو عمرو وحده: قل إن الأمر كله لله رفعا. وقرأ الباقون كله نصبا.
قال أبو علي: حجّة من نصب: أنّ كله بمنزلة أجمعين وجمع في أنّه للإحاطة والعموم، فكما أنّه لو قال:
[إنّ الأمر] أجمع، لم يكن إلّا نصبا، كذلك إذا قال: كله لأنّه بمنزلة أجمعين، وليس الوجه أن يلي العوامل، كما لا يليها أجمعون. وحجّة أبي عمرو في رفعه كله* وابتدائه به أنّه وإن كان في أكثر الأمر بمنزلة أجمعين لعمومها، فإنّه قد [ابتدئ بها كما] ابتدئ بسائر الأسماء في نحو قوله: وكلهم آتيه يوم القيامة فردا [مريم/ 95] فابتدأ به في الآية.
ولم يجره على ما قبله، لأنّ قبله كلاما قد بني عليه فأشبه [بذلك ما يكون] جاريا على ما قبله، وإن خالفه في الإعراب، ألا ترى أنّ اسم الفاعل يعمل عمل الفعل إذا جرى صفة لموصوف أو حالا لذي حال أو خبرا لمبتدإ، ولا يحسن إعماله عمل الفعل، إلّا في هذه المواضع؟ وقد قالوا: أقائم أخواك وأ ذاهب إخوتك،
[الحجة للقراء السبعة: 3/90]
وما ذاهب إخوتك، فأعملوا اسم الفاعل لمّا تقدّمه كلام أسند إليه، وإن لم يكن أحد تلك الأشياء التي تقدّم ذكرها، فكذلك حسن ابتداء كلّهم في الآية لمّا كان قبله كلام، فأشبه بذلك [اتباعه، ما كان] جاريا عليه كما أشبه اسم الفاعل في إجرائه على ما ذكرنا، ما يجري صفة على موصوف أو حالا أو خبر مبتدأ، نحو: مررت برجل قائم أبواه، وهذا زيد قائما غلامه وزيد منطلق أبواه، فكذلك. حسن الابتداء بكلّهم، وقطعه مما قبله لما ذكرت من المشابهة.
ومن ثمّ أجاز سيبويه: أين تظن زيد ذاهب، فألغى الظنّ، وإن كان أين غير مستقرّ، كما جاز إلغاؤه إذا كان أين مستقرّا لأنّ قبله كلاما، فجعله، وإن لم يكن مستقرا، بمنزلة المستقر كما جعلوا همزة الاستفهام، وحرف النفي في: أقائم أخواك، بمنزلة الموصوف نحو: مررت برجل قائم أخواه). [الحجة للقراء السبعة: 3/91]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن محيصن، ورُويت عن يحيى وإبراهيم: [أَمْنَةً نُعَاسًا] بسكون الميم.
قال أبو الفتح: روينا عن قطرب أنه قال: الأَمْنة: الأمن، والأَمَنَة بفتح الميم: أشبه بمعاقبة الأمن، ونظير ذلك قولهم: الحبَطَ والحبَجَ والرَّمَث، كل ذلك في أدواء الإبل. فلما أسكنوا العين جاءوا بالهاء فقالوا: مَغِل مَغْلَة وحَقِل حقلة، وقد أفردنا بابًا في كتاب الخصائص لنحو هذا، وهو باب في ترافع الأحكام). [المحتسب: 1/174]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ثمّ أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم} {قل إن الأمر كله لله} 153
قرأ حمزة والكسائيّ تغشى بالتّاء والإمالة ردا على ال أمنة وحجتهما قوله {وطائفة قد أهمتهم أنفسهم} فذكر من غشيته الأمنة ثمّ أتبعه من لم يأمن وأهمته نفسه من الخوف فكان تقدير الكلام أن بعضهم قد غشيته الأمنة وبعضهم خائف لم تغشه
وقرأ الباقون يغشى بالباء إخبارًا عن النعاس وحجتهم أن العرب تقول غشيني النعاس ولا تكاد تقول غشيني الأمن لأن النعاس يظهر والأمن شيء يقع في القلب وحجّة أخرى أنهم أسندوا الفعل إلى النعاس بإجماع الجميع في قراءة من يقرأ (يغشاكم النعاس) وفي قراءة من يقرأ {إذ يغشيكم النعاس} مشددا ومخففا
[حجة القراءات: 176]
فدلّ ذلك على أن الّذي غشيهم هو النعاس لا الأمنة لأن الآيتين نزلتا في طائفة واحدة
قرأ أبو عمرو {قل إن الأمر كله لله} برفع اللّام وقرأ الباقون بالنّصب
فمن نصب فعلى توكيد الأمر ومن رفع فعلى الابتداء و{لله} الخبر ونظير ذلك قوله {ويوم القيامة ترى الّذين كذبوا على الله وجوههم مسودة} عدل بالوجوه عن أن يعمل فيها الفعل ورفعت {مسودة} وكذلك عدل ب كل عن إتباع {الأمر} ورفع بالابتداء). [حجة القراءات: 177]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (84- قوله: {يغشى طائفة} قرأه حمزة والكسائي بالتاء والإمالة، رداه على تأنيث «الأمنة» لأن من أجلها تغشوا، فهي المقصودة بالغشيان لهم، لأن الناعس لا يغشاه النعاس إلا ومعه أمنة، وقد تحدث الأمنة ولا نعاس معها، فالأمنة أولى بإضافة الفعل إليها، وقد قدّمنا علة الإمالة، وقرأ الباقون بالياء والفتح، حملوه على تذكير النعاس، لأنه هو الذي غشيهم، ودليله قوله: {إذ يغشيكم النعاس} «الأنفال 11» فأضاف الفعل إلى النعاس، وكان النعاس أولى بذلك، لأنه أقرب إلى الفعل، وأيضًا فإن المستعمل في الكلام أن يقال: غشيني النعاس إذا نعس، ولا يقال غشيتني الأمنة، وأيضًا فإن النعاس بدل من الأمنة، فكأن الأمنة محذوفة من الكلام، لقيام المبدل منها مقامها، وهو الاختيار، لما ذكرنا من العلة، ولأن الجماعة على الياء). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/360]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (85- قوله: {قل إن الأمر كله لله} قرأ أبو عمرو {كله} بالرفع على الابتداء، و{لله} الخبر، والجملة خبر {إن} وحسن أن يكون {كل} ابتداء، وهي مما يؤكد بها؛ لأنها أدخل في الأسماء منها في التأكيد، إذ تقع فاعلة ومفعولة ومجرورة، كسائر الأسماء، ولا يكون شيء من ذلك في «أجمعين»، تقول: كلهم أتاني، ورأيت كل القوم، ومررت بكل أصحابك، ولا يجوز ذلك في «أجمعين»، فحسن أن تقع مبتدأة، وقرأ الباقون بالنصب على التأكيد للأمر، ويجوز عند الأخفش أن يكون {كله} بدلًا من الأمر، و«الله» الخبر في الوجهين، والنصب الاختيار، للإجماع عليه، ولصحة وجهه، ولأن التأكيد أصل «كل» لأنها للإحاطة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/361]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (38- {تَغْشَى طائِفَةً} [آية/ 154]:-
بالتاء فوقها نقطتان، قرأها حمزة والكسائي.
والوجه أن اللفظ محمول على الأمنة، أي تغشى الأمنة طائفة، والأمنة وإن أبدل منها النعاس فليست هي في حكم ما يسقط من الكلام، ولو كان كذلك لم يجز قولهم: الذي مررت به زيدٍ أبو عبد الله، إذ لو جعلت به في حكم الساقط لم يكن على الذي عائد.
وقرأ الباقون {يَغْشَى} بالياء؛ لأن الفعل للنعاس؛ لأنه أقرب إلى الفعل، فإسناد الفعل إليه أولى). [الموضح: 387]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (39- {قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} [آية/ 154].
بالرفع، قرأها أبو عمرو ويعقوب؛ لأنهما جعلاه مبتدأ و{للهِ} خبره، ولم يجعلاه تأكيدًا للأمر؛ لأن كلاًّ يليه العوامل، فهو كسائر الأسماء، ألا ترى إلى قوله تعالى {وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا}.
[الموضح: 387]
وقرأ الباقون {كُلَّه} بالنصب؛ وذلك لأن {كُلَّه} بمنزلة أجمعين في أنه للإحاطة والعموم، فكما إن الأمر أجمع نصب لا محالة، فكذلك إن الأمر كله). [الموضح: 388]

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (155)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 03:14 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة آل عمران
[من الآية (156) إلى الآية (158) ]

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156) وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158)}

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (واللّه بما تعملون بصيرٌ (156)
قرأ ابن كثيرٍ وحمزة والكسائي: (واللّه بما يعملون) بالياء، وقرأ الباقون بالتاء، وروى عن أبي عمرو الياء أيضًا.
قال أبو منصور: التاء للمخاطبة، والياء إخبار عن الغيب). [معاني القراءات وعللها: 1/277]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (58- وقوله تعالى: {والله بما تعملون بصير} [156].
قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي بالياء.
وقرأ الباقون بالتاء، وقد مرت الحجة للياء والتاء في نظيرها). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/122]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في التاء والياء من قوله: [جلّ اسمه] يحيى ويميت والله بما تعملون بصير [آل عمران/ 156] فقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي يعملون بالياء.
وقرأ الباقون بالتاء. وروى هارون الأعور وعلي بن نصر عن أبي عمرو بالياء.
[الحجة للقراء السبعة: 3/91]
[قال أبو علي]: حجّة من قرأ بالتاء قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا [آل عمران/ 156] وحجّة الياء: أنّ قبلها أيضا غيبة وهو قوله: وقالوا لإخوانهم [آل عمران/ 147] وما بعده، فحمل الكلام على الغيبة). [الحجة للقراء السبعة: 3/92]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في ضمّ الميم وكسرها [من قوله جلّ وعزّ]: مت ومتنا ومتم، في كلّ القرآن. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر، وابن عامر: مت، ومتم ومتنا برفع الميم في كلّ القرآن. وروى حفص عن عاصم ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم [آل عمران/ 157] ولئن متم أو قتلتم [آل عمران/ 158] برفع الميم في هذين الحرفين، ولم يكن يرفع الميم في غير هذين الحرفين في جميع القرآن.
[حدّثنا ابن مجاهد قال]: حدثنا وهيب المروذيّ قال:
حدّثنا الحسن بن المبارك، قال: حدّثنا أبو حفص قال: حدّثنا سهل أبو عمرو قال: قال عاصم: ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم [آل عمران/ 157] بضمّ الميم من الموت، وباقي القرآن متّم بكسر الميم، أي: بليتم. ومتنا ومتّ.
[الحجة للقراء السبعة: 3/92]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (وقرأ نافع وحمزة والكسائي: متم*، ومت*، ومتنا* في كلّ القرآن بالكسر.
قال أبو علي: الأشهر الأقيس: متّ تموت، مثل: قلت تقول وطفت تطوف، وكذلك هذا يستمرّ على ضمّ الفاء منه، والكسر شاذ في القياس، وإن لم يكن في الاستعمال كشذوذ.
... اليجدّع ونحوه مما شذّ عن الاستعمال والقياس، ونظيره: فضل يفضل في الصحيح، وأنشدوا:
ذكرت ابن عباس بباب ابن عامر... وما مرّ من عمري ذكرت وما فضل
وقد أنشد بعضهم:
عيشي ولا يومي بأن تماتي ولا أظنّه ثبتا، وكذلك شعر آخر فيه «تدام» وهو عندي مثل
[الحجة للقراء السبعة: 3/93]
الأول، ولا أعلم فصلا بين الموت إذا تبعه البلى، وبينه إذا لم يتبعه البلى.
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن والزهري: [أَوْ كَانُوا غُزًا] خفيفة الزاي.
قال أبو الفتح: وجهه عندي أن يكون أراد غزاة، فحذف الهاء إخلادًا إلى قراءة من قرأ: [غُزَّى] بالتشديد، ولا يُستنكر هذا؛ فإن الحرف إذا كان فيه لغتان متقاربتان فكثيرًا ما تتجاذب هذه طرفًا من حكم هذه.
قرأت على أبي بكر محمد بن الحسن عن أحمد بن يحيى لبلال بن جرير:
إذا خفتهم أو سآيلتهم ... وجدتَ بهم علة حاضره
وذلك أنه يقال: سألته عن حاله وسايلته على البدل، فلما ألف استماعهما تجاذبتا لفظه فجمع بينهما فيه لتداخلهما وتزاحم حروفهما، وقد حُذفت تاء التأنيث في أماكن قد ذكرناها: ناحٍ في ناحية، ومألُك في مألُكة. وأنشد ابن الأعرابي للعتابي يمدح الكسائي:
أبَى الذمَّ أخلاق الكسائي وانتحى ... به المجد أخلاق الأُبُو السوابق
يريد: الأبوة جمع أب، كالعمومة جمع عم، والْخُئولة جمع خال، وهذا عندي أمثل من أن يكون خرَّج [أُبُوًّا] على أصله من الصحة، وأن يكون من باب نَحْو ونُحوّ، وبَهْو وبُهُو للصدر، ونجو ونجو للسحاب، وعلى أنه قد يمكن أن تكون الهاء مرادة في جميع ذلك، وقد قالوا أيضًا: ابن وبُنُوّ، والقول فيهما سواء.
ووجه آخر؛ وهو أن يكون مخففًا من {غُزًّى}، ونظيره قراءة علي عليه السلام: [وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا كِذَابًا]، وبابه {كذَّابًا} كقراءة الجماعة. وقد يجوز أن يكون [كِذَابًا] مصدر كذَب الخفيفة، جرى على الثقيلة لدلالة الفعل على صاحبه، والقول الأول أقوى). [المحتسب: 1/175]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم والله يحيي ويميت والله بما تعملون بصير} 156
قرأ ابن كثير وحمزة والكسائيّ (والله بما يعملون بصير) بالياء وحجتهم أن الكلام أتى عقيب الإخبار عن الّذين قالوا لو كان إخواننا عندنا ما ماتوا وما قتلوا فأخبر الله المؤمنين أنه جعل ذلك القول حسرة منهم في قلوبهم إذ قالوه ثمّ أتبع ذلك أنه بما يعملون من الأعمال بصير
وقرأ الباقون {بما تعملون} بالتّاء وحجتهم أن الكلام في أول الآية وبعد الآية جرى بلفظ مخاطبة المؤمنين فقال {يا أيها الّذين آمنوا لا تكونوا كالّذين كفروا} إلى قوله تعالى {والله بما تعملون بصير} ثمّ قال بعد هذه {ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم} وحجّة
[حجة القراءات: 177]
الياء قوله {ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم} ). [حجة القراءات: 178]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (86- قوله: {بما تعملون بصير} قرأه ابن كثير وحمزة والكسائي بالياء، ردوه على لفظ الغيبة الذي قبله، في قوله: {يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا} وقوله: {وقالوا لإخوانهم}، وقوله: {حسرة في قلوبهم}، وقرأ الباقون بالتاء، ردّوه على الخطاب الذي قبله، في قوله: {لا تكونوا كالذين كفروا}، فالضمير في {تعملون} للمؤمنين، وهو في القراءة بالياء للكفار، والقراءتان متعادلتان والتاء أحب إليّ لأن الأكثر عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/361]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (40- {وَاللهُ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [آية/ 156]:-
بالياء، قرأها ابن كثير وحمزة والكسائي.
وذلك لأن ما قبله على الغيبة، وهو {وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ}.
وقرأ الباقون {تَعْمَلُونَ} بالتاء على الخطاب، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا}). [الموضح: 388]

قوله تعالى: {وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (متّم... (157) و(متنا).
[معاني القراءات وعللها: 1/277]
قرأ نافع وحمزة والكسائي: (متّم) و: (متنا) و: (متّ) بكسر الميم في كل القرآن وكذلك قرأ حفص إلا في قوله ها هنا: (أو متّم) و(لئن متّم) فإنه ضم الميم فيها.
وكسر في سائر القرآن.
وقرأ الباقون بضم الميم في جميع القرآن.
قال أبو منصور: القراءة العالية واللغة الفصيحة (مت) و(متنا)
ومن العرب من يقول: مات يمات.
ومثله: دمت أدوم، ودمت أدام.
والقراءة بكسر الميم من (متّ) فاشية، وإن كان الضم أفشى). [معاني القراءات وعللها: 1/278]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (خيرٌ ممّا يجمعون (157)
قرأ حفص عن عاصم: (ممّا يجمعون) وقرأ الباقون بالتاء.
[معاني القراءات وعللها: 1/278]
وعرفت مما قد مرّ الجواب عن ذلك من الخطاب والغيبة). [معاني القراءات وعللها: 1/279]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (57- وقوله تعالى: {ورحمة خير مما يجمعون} [157].
قرأ حفصٌ بالياء.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/121]
والباقون بالتاء] ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/122]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: وكلّهم قرأ: خير مما تجمعون بالتاء [آل عمران/ 157] إلّا عاصما في رواية حفص، فإنّه قرأ بالياء، ولم يروها عن عاصم غيره بالياء.
[قال أبو علي]: والمعنى: خير مما تجمعون. أيها المقتولون في سبيل الله، أو المائتون مما تجمعون من أعراض الدنيا التي تتركون القتال في سبيله للاشتغال بها وبجمعها عنه.
ومعنى الياء أنه: لمغفرة من الله خير مما يجمعه غيركم، مما تركوا القتال لجمعه. والأول أظهر وأشكل بالكلام). [الحجة للقراء السبعة: 3/94]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم}
قرأ نافع وحمزة والكسائيّ {أو متم} بكسر الميم في جميع القرآن وقرأ حفص ها هنا بالضّمّ وفي سائر القرآن بالكسر
وقرأ الباقون {متم} و{متنا} جميع ذلك بالضّمّ وحجتهم أنّها من مات يموت فعل يفعل مثل دام يدوم وقال يقول وكان يكون ولا يقال كنت ولا قلت وحجّة أخرى وهو قوله {وفيها تموتون} {ويوم أموت} ولو كانت على اللّغة الأخرى لكانت تماتون ويوم أمات لأن من مت تمات يجيء فعل يفعل ومن فعل يفعل يجيء قال يقول وقد ذكرنا
وأصل الكلمة عند أهل البصرة موت على وزن فعل مثل قول ثمّ ضمّوا الواو فصارت موت وإنّما ضمّوا الواو لأنهم أرادوا أن ينقلوا الحركة الّتي كانت على الواو إلى الميم وهي الفتحة ولو نقلوها إلى الميم لم تكن هناك علامة تدل على الحركة المنقولة إلى الميم لأن الميم كانت مفتوحة في الأصل ويقع اللّبس بين الحركة الأصليّة وبين المنقولة وأيضًا لم تكن هناك علامة تدل على الواو المحذوفة فضموا الواو لهذه العلّة ثمّ نقلوا ضمة الواو إلى الميم فصار موت واتصل بها اسم المتكلّم فسكنت التّاء فاجتمع ساكنان الواو والتّاء فحذفت الواو وأدغمت التّاء في التّاء فصارت متم وكذلك الكلام في قلت
[حجة القراءات: 178]
وأما من قرأ {متم} بالكسر له حجتان إحداهما ذكرها الخليل قال يقال مت تموت ودمت تدوم فعل يفعل مثل فضل يفضل قال الشّاعر
وما مر من عيشي ذكرت وما فضل
وكان الأصل عنده موت على فعل ثمّ استثقل الكسرة على الواو فنقلت إلى الميم فصارت موت ثمّ حذفت الواو لما اتّصلت بها تاء المتلكم لاجتماع الساكنين فصارت مت فهذا في المعتل وفضل يفضل في الصّحيح والثّانية قال الفراء مت مأخوذة من يمات على فعل يفعل مثل سمع يسمع وكان الأصل يموت ثمّ نقلوا فتحة الواو إلى الميم وقلبوا الواو ألفا لانفتاح ما قبلها فصارت يمات إلّا أنه لم يجئ يمات في المستقبل والعرب والعرب قد تستعمل الكلمة بلفظ ما ولا تقيس ما تصرف منها على ذلك القياس من ذلك قولهم رأيت همزته في الماضي ثمّ أجمعوا على ترك الهمزة في المستقبل فقالوا ترى ونرى بغير همز فخالفوا بين لفظ الماضي والمستقبل فكذلك خالفوا بين لفظ مت وتموت ولم يقولوا تمات). [حجة القراءات: 179]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (90- قوله: {مما يجمعون} قرأه حفص بالياء، على أنه حمله على لفظ الغيبة، على معنى: لمغفرة من الله لكم ورحمة خير مما يجمع غيركم، ممن ترك القتال في سبيل الله لجمع الدنيا، ولم يقاتل معكم، وقرأ الباقون بالتاء، ردوه على الخطاب الذي قبله، في قوله: {ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم} على معنى: لمغفرة من الله ورحمة خير مما تجمعون من أعراض الدنيا لو بقيتم، والتاء الاختيار؛ لأن الجماعة على ذلك، ولانتظام آخر الكلام بأوله). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/362]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (41- {أَوْ مِتُّمْ} [آية/ 157]:-
بكسر الميم، قرأها نافع وحمزة والكسائي.
وهذه لغة شاذة، أعني مت تموت، ونظيره: فضل يفضل بكسر العين في الماضي وضمها في المستقبل.
وقرأ الباقون {مُتُّمْ} بضم الميم.
[الموضح: 388]
وهي اللغة المشهورة المنقاسة، أعني مت بالضم تموت، نحو قلت تقول، وطفت تطوف). [الموضح: 389]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (42- {خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [آية/ 157]:-
بالياء على الغيبة، رواها ص- عن عاصم.
والمعنى المغفرة من الله خير مما يجمعه غيركم ممن تركوا القتال.
وقرأ الباقون وياش- عن عاصم {تَجْمَعُونَ} بالتاء على الخطاب.
والمعنى خير مما تجمعون أيها المخاطبون، وهذا أشد مشاكلة للكلام الذي قبله؛ لأن ما قبله على الخطاب). [الموضح: 389]

قوله تعالى: {وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (56- وقوله تعالى: {ولئن متم أو قتلتم} [158].
قرأ نافع بالضم. فمن ضم فحجته «يموت» وذلك أن يفعل مثل قال يقول، فتقول: مت كما تقول: قُلت. ومن كسر فحجته أن بعضَ العربِ تقول في مُضارعه: مات يمات، وحَكَى ذلك الفَرَّاء، رحمةُ الله عليه وغيره، فيكون على هذا وزنه، فعل يَفْعَلُ مثل خاف يخاف ونام ينام، والأصل خُوِفَ ونَوِمَ، فقلبوا الواو ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها وكذلك الأصل: مُوِتَ فاعلم). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/121]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (87- قوله: {متم}، و{متنا} قرأ نافع وحفص وحمزة والكسائي بكسر الميم، حيث وقع، وقرأ الباقون بضم الميم، غير أن حفصًا ضم الميم في هذه السورة خاصة.
88- وحجة من ضم الميم أن المستعمل الفاشي في هذا الفعل
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/361]
«مات يموت» كـ قال يقول، على: فعل يفعل، منقول «فعل» منه إلى «فعُل» بضم العين، فضمت فاء الفعل في الإخبار، لتدل على الواو المحذوفة، كما تقول: قُلت وطُفت، فإذا كسر لم تدل الكسرة على الواو المحذوفة، فأصله ضم أوله في الإخبار، للدلالة على الواو.
89- وحجة من كسر الميم أنه حمله على لغة أتت فيه على «فعل، يفعِل» وذلك قليل في القياس، أتى في المعتل كما أتى في السالم، نحو: فضل يفضل، وهو قليل أيضًا في السالم، فلما كان الماضي على «فعل» كسر أوله في الإخبار، لتدل الكسرة على أن العين من الفعل أصلها الكسر، كما كسروا في «كَلت» لتدل الكسرة على الياء المحذوفة، فـ «مِت» بالكسر كثير الاستعمال، شاذ في القياس، و«مُت» بالضم كثير الاستعمال، غير شاذ في القياس، فالضم هو الاختيار، لما ذكرنا، ولأن عليه جماعة من القراء، وقد قيل: إن من كسر الميم أتى به على لغة من قال: مات يَمات، مثل دام يَدام، فهو: فعل يفعَل كـ خاف يخاف، لغة معروفة، حكاها الكوفيون، فتكسر الميم، لتدل على أن عين الفعل مكسورة، كما كسروا في: خِفت، لذلك). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/362]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 03:17 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة آل عمران
[من الآية (159) إلى الآية (163) ]

{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160) وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (161) أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162) هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (163)}

قوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن عباس فيما رواه عنه عمرو: [وشاوِرْهُمْ في بَعْض الأمر].
[المحتسب: 1/175]
قال أبو الفتح: في هذه القراءة دلالة على أنك إذا قلت: شربت ماءك -وإنما شربت بعضه- كنت صادقًا، وكذلك إذا قلت: أكلت طعامك، وإنما أكلت بعضه.
ووجه الدلالة منه قراءة الباقين: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} والمعنى واحد في القراءتين، ونحن أيضًا نعلم أن الله سبحانه لم يأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} أي: في جميعه؛ كشرب الماء، وتناول الغذاء؛ وإنما المراد به العاني من أمر الشريعة وما أُرسل عليه السلام له، ومع هذا فقد قال سيبويه في باب الاستقامة والاستحالة من الكلام: فأما المستقيم الكذب فهو قولك: حملت الجبل، وشربت ماء البحر ونحوه، فجعْلُه إياه كذبًا يدلك على أن مراده هنا بقوله: ماء البحر جميعه؛ لأنه لا يجوز أن يشرب جميع مائه، فأما على العرف في ذلك على ما مضى فلا يكون كذبًا). [المحتسب: 1/176]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة جابر بن يزيد وأبي نهيك وعكرمة وجعفر بن محمد: [فإذا عَزَمْتُ] بضم التاء.
قال أبو الفتح: تأويله عندي -والله أعلم- فإذا أَريتُك أمرًا فاعمل به وصِرْ إليه. وشاهده قول الله تعالى: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ}، وهذا ليس من رؤية العين؛ لأنه لا مدخل له في الأحكام، ولا من العلم؛ لأن ذلك متعد إلى مفعولين. فإذا نقل بالهمزة وجب أن يتعدى إلى ثلاثة، والذي معنا في هذا الفعل إنما هو مفعولان؛ أحدهما: الكاف، والآخر: الهاء المحذوفة العائدة على "ما"؛ أي: بما أراكه الله. فثبت بذلك أنه من الرأي الذي هو الاعتقاد، كقولك: فلان يرى رأي الخوارج، ويرى رأي أبي حنيفة ورأي مالك، ونحو ذلك؛ فرأيتُ هذه إذن قسم ثالث ليست من رؤية العين ولا من يقين القلب.
وجاز أن يَنْسب سبحانه العزم إليه؛ إذ كان بهدايته وإرشاده، فهو كقوله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ}، وقد جاء فيه ما هو أقوى معنى من هذا؛ وهو قوله تعالى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى}، فخرج اللفظ فيه نافيًا أوله ما أثبته آخره، والغرض فيه
[المحتسب: 1/176]
ما قدمناه من أن الرمي لما كان بإقداره ومشيئته صار كأنه هو الفاعل له وهو كثير، منه قول الإنسان لمن ينتسب إليه: إنما أَرى بعينك وأسمع بأذنك والفعل منك؛ وإنما أنا آلة لك، ومن عَرف طريق القوم في اللغة سقطعت عنه مئونات التعسف والشُّبَه). [المحتسب: 1/177]

قوله تعالى: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160)}

قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (161)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله عزّ وجلّ: (وما كان لنبيٍّ أن يغلّ... (161)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم: (أن يغلّ) بفتح الياء وضم الغين.
وقرأ الباقون بضم الياء وفتح الغين.
قال أبو منصور: من قرأ (يغلّ) فالمعنى ما كان لنبي أن يخون أمّته، وتفسير ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع الغنائم في غزاة، فجاءه جماعة فقالوا له: ألا تقسم بيننا غنائمنا؟
فقال صلى الله عليه وسلم: "لو أن لكم عندي مثل أحدٍ ذهبًا ما منعتكم دينارًا، أتروني أغلكم مغنمكم".
[معاني القراءات وعللها: 1/279]
ومن قرأ (أن يغلّ) فهو على وجهين:
أحدهما: ما كان لنبي أن يغلّه أصحابه، أي: يخونوه، وجاء عن النبي صلى الله عليه: "لا يخونن أحدكم خيطا ولا خياطا".
والوجه الثاني: أن يكون (يغلّ) بمعنى: يخوّن، المعنى: ما كان لنبي أن يخوّن، أي: ينسب إلى الخيانة؛ لأن نبي الله لا يخون إذ هو أمين الله في الأرض). [معاني القراءات وعللها: 1/280]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (59- وقوله تعالى: {وما كان لنبي أن يغل} [161].
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم (أن يغل) بفتح الياء وضم الغين.
وقرأ الباقون (يغل) بضم الياء وفتح الغين، فمن ضم الياء فمعناه: أن يُخان، والأصل يُخْوَنَ. ومن قرأ بفتح الياء {يغل} أي: يخون). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/122]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح الياء وضمّ الغين، وضمّ الياء وفتح الغين من قوله: [جلّ وعز]: يغل [آل عمران/ 161].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم بغل بفتح الياء وضمّ الغين.
وقرأ الباقون: يغل بضم الياء، وفتح الغين.
[الحجة للقراء السبعة: 3/94]
[قال أبو علي]: قالوا في الخيانة: أغلّ يغلّ إغلالا: إذا خان ولم يؤدّ الأمانة، قال النمر بن تولب:
جزى الله عنّا جمرة ابنة نوفل... جزاء مغلّ بالأمانة كاذب
وقال آخر:
حدّثت نفسك بالوفاء ولم تكن... للغدر خائنة مغلّ الإصبع
أي: لكراهة الغدر.
فأمّا «خائنة» فيحتمل أن تكون مصدرا كالعافية، والعاقبة، فإن حملته في البيت على هذا قدرت حذف المضاف، وإن شئت جعلته مثل راوية.
[الحجة للقراء السبعة: 3/95]
ونسب الإغلال إلى الإصبع كما نسب الآخر الخيانة إلى اليد في قوله:
فولّيت العراق ورافديه... فزاريا أحذّ يد القميص
[الرواية: أأطعمت العراق].
وقالوا: من الغلّ الذي هو الشحناء والضّغن، غلّ يغلّ، بكسر الغين. وقالوا في الغلول من الغنيمة: غلّ يغلّ بضمّ الغين.
والحجّة لمن قرأ: يغل أنّ ما جاء في التنزيل من هذا النحو أسند الفعل فيه إلى الفاعل نحو ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء [يوسف/ 38] وما كان ليأخذ أخاه [يوسف/ 76] وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله [آل عمران/ 145] وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم [التوبة/ 115] وما كان الله ليطلعكم على الغيب [آل عمران/ 179] ولا يكاد يجيء منه: ما كان زيد ليضرب، فيسند الفعل فيه إلى المفعول به.
فكذلك ما كان لنبي أن يغل [آل عمران/ 161] يسند الفعل فيه إلى الفاعل. وروي عن ابن عباس أنّه قرأ: يغل وقيل له: إنّ
[الحجة للقراء السبعة: 3/96]
عبد الله قرأ: يغل فقال ابن عباس: بلى والله ويقتل، وروي أيضا عن ابن عباس: «قد كان النبي يقتل فكيف لا يخوّن» ؟.
ومن قال: يغلّ احتمل أمرين: أحدهما أن ينسب إلى ذلك، أي:
لا يقال له غللت، كقولك: أسقيته. أي: قلت له: سقاك الله. وقال:
وأسقيه حتّى كاد ممّا أبثّه... تكلّمني أحجاره وملاعبه
وكقولهم: [أكفرتني أي: نسبتني] إلى الكفر قال:
فطائفة قد أكفرتني بحبّكم.....
أي: نسبتني إلى الكفر. ويجوز أن يكون يغل. أي: ليس لأحد أن يغلّه، فيأخذ من الغنيمة التي حازها، وإن كان لا يجوز أن يغلّ غير النبي صلى الله عليه وسلم من إمام للمسلمين وأمير لهم، لأنّ ذلك يجوز أن يعظم بحضرته، ويكبر كبرا لا يكبر عند غيره [عليه
[الحجة للقراء السبعة: 3/97]
السلام]، لأنّ المعاصي تعظم بحضرته، كما قال: لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي. [الحجرات/ 2] فالغلول وإن كان كبيرا، فهو بحضرته عليه السلام أعظم). [الحجة للقراء السبعة: 3/98]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وما كان لنبيّ أن يغل}
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم {أن يغل} بفتح الياء وضم الغين أي ما كان لنبيّ أن يخون أصحابه فيما أفاء الله عليهم وحجتهم في ذلك أن النّبي صلى الله عليه جمع الغنائم في غزاة فجاءه جماعة من المسلمين فقالوا ألا تقسم بيننا غنائمنا فقال صلى الله عليه
لو أن لكم مثل أحد ذهبا ما منعتكم درهما أترونني أغلكم مغنمكم
[حجة القراءات: 179]
فنزلت {وما كان لنبيّ أن يغل} أي ما ينبغي لنبيّ أن يجور في القسم ولكن يعدل ويعطي كل ذي حق حقه
عن ابن عبّاس قال نزلت على رسول الله صلى الله عليه في قطيفة حمراء فقدت في غزوة بدر فقال من كان مع النّبي صلى الله عليه لعلّ رسول الله صلى الله عليه أخذها فأنزل الله الآية
وحجّة أخرى وهي أن المستعمل في كلام العرب أن يقال لمن فعل ما لا يجوز له أن يفعل ما كان لزيد أن يفعل كذا وكذا وما كان له أن يظلم ولا يقال أن يظلم لأن الفاعل فيما لا يجوز له يقال له ما كان ينبغي له أن يفعل ذلك به نظير قوله وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله وكما قال {ما كان للنّبي والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} ألا ترى أنهم المستغفرون ولم يقل أن يستغفروا
وقرأ الباقون {يغل} بضم الياء وفتح الغين أي ما كان لنبيّ أن يغله أصحابه أي يخونوه ثمّ أسقط الأصحاب فبقي الفعل غير مسمّى فاعله وتأويله ما كان لنبيّ أن يخان وحجتهم ما ذكر عن قتادة قال ما كان لنبيّ أن يغله اصحابه الّذين معه من المؤمنين
ذكر لنا أن هذه الآية نزلت على النّبي صلى الله عليه يوم بدر وقد غل طوائف من أصحابه وقال آخرون معنى ذلك وما كان لنبيّ
[حجة القراءات: 180]
أن يتهم بالغلول قال الفراء يغل أي يسرق ويخون أي ينسب إلى الغلول يقال أغللته أي نسبته إلى الغلول وقال آخرون {وما كان لنبيّ أن يغل} أي يلفى غالا أي خائنا كما يقال أحمدت الرجل إذا وجدته محمودًا). [حجة القراءات: 181]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (91- قوله: {أن يغل} قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم بفتح الياء، وضم الغين، وقرأ الباقون بضم الياء وفتح الغين.
92- وحجة من فتح الياء وضمّ الغين أنه نفى الغلول عن النبي، وأضاف الفعل إليه، ونفاه عنه أن يفعله، وقد ثبت أن الغُلول وقع من غيره، فلا يحسن أن ينفي الغلول عن غيره، لأنه أمر قد وقع، وإنما ينفي الغلول عنه، وهي الخيانة في المغانم، فالمعنى: ما كان لنبي أن يخون من معه في الغنيمة، وقد نفى ابن عباس القراءة بضم الياء، وقال: كيف لا يكون له أن يغل، وقد كان جائزًا أن يقتل، قال الله: {ويقتلون الأنبياء} «آل عمران 112» قال: ولكن المنافقين اتهموا النبي في شيء فقد، فأنزل الله: {وما كان لنبي أن يغل} أي: يخون أمته في المغانم، فنفى عنه الغلول، وروى معاذ بن جبل أن النبي عليه السلام كان يقرأه بفتح الياء، وبه قرأ ابن عباس.
93- وحجة من ضم الياء وفتح العين أنه حمله على النفي عن أصحاب النبي، أن يخونوه في المغانم، وفيه معنى النهي عن فعل ذلك، فدلّ على هذا المعنى قوله: {ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة} فدل على أنه كان في القم غلول تنزيها للنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمًا له أن يكون أحد من أمته نسب إليه الغلول بل هم المخطئون والمذنبون، فالمعنى: ما كان لنبي أن يغان في الغنائم، قال جابر بن عبد الله: أنزلت يوم بدر هذه الآية، قال: وكان ناس غلوا فأنزلت فيهم، فلو يخونوا بعد، وقيل: إن أصله «يغلل» أي: يخون، أي: ما كان لنبي أن يخونه أصحابه، لكن حذفت إحدى اللامات استخفافًا، فالفعل على هذا منفي عن النبي عليه السلام كالقراءة بفتح الياء،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/363]
ويجوز أن يكون المعنى في هذه القراءة: ما كان لنبي أن ينسب إلى الغلول، أي: لا يقال له: أغللت، كقولك: أكفرت الرجل، أي: نسبته إلى الكفر، فيكون النفي أيضًا عن النبي، لا عن أصحابه، ويجوز أن يكون المعنى: ما كان لنبي أن يوجد غالًا، كقوله: أحمدت الرجل، أي: وجدتُه محمودًا، فيكون النفي أيضًا عن النبي عليه السلام، والاختيار ضم الياء، لأن عليه أكثر القراء، ولأن فيه تنزيهًا للنبي وتعظيمًا له، أن يكون أحد من أمته نسب إليه الغلول، بل هم المخطئون المذنبون). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/364]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (43- {أَنْ يَغُلّ} [آية/ 161]:-
بفتح الياء وضم الغين، قرأها ابن كثير وأبو عمرو وعاصم.
والمراد ما كان لنبيٍ أن يخون أمته في الغنيمة، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع الغنائم في غزاة ليقسمها، فجاءه جماعة، فقالوا: ألا تقسم بيننا غنائمنا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «لو أن لكم عندي مثل
[الموضح: 389]
أحدٍ ذهبًا ما منعتكم دينارًا، أترونني أغلكم مغنمكم» فنزلت هذه الآية، وعلى هذه القراءة ورد في القرآن ما جاء من نظيره نحو {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ} و{مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ} على إسناد الفعل إلى الفاعل، وقلما يقال: ما كان لزيدٍ أن يضرب، على إسناد الفعل إلى المفعول به.
وقرأ الباقون «يغل» بضم الياء وفتح الغين.
والوجه أ، المراد ينسب إلى الغلول، وهو الخيانة في المغنم، يقال: أكفرته أي نسبته إلى الكفر.
ويجوز أن يكون المعنى: ليس لأحدٍ أن يغله، أي يخونه في الغنيمة؛ لأن الغلول وإن كانت كبيرةً فإنه معه وبحضرته أعظم إثمًا). [الموضح: 390]

قوله تعالى: {أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162)}

قوله تعالى: {هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (163)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 03:19 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة آل عمران
[ الآية (164) ]

{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164)}

قوله تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 03:22 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة آل عمران
[من الآية (165) إلى الآية (168) ]

{أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165) وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167) الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (168)}


قوله تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165)}

قوله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166)}

قوله تعالى: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167)}

قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (168)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 03:23 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة آل عمران
[من الآية (169) إلى الآية (171) ]

{وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171)}

قوله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ولا تحسبنّ الّذين قتلوا... (169)
قرأ ابن عامر وحده: (قتّلوا) مشددًا، وخفف الباقون.
واتفقوا على التاء في (تحسبنّ).
قال أبو منصور: من قرأ (قتّلوا) بالتشديد فهو للتكثير، ومن قرأ (قتلوا) فعلى (فعل) ). [معاني القراءات وعللها: 1/280]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (60- وقوله تعالى: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله} [169].
اتفق القراء على التاء إلا هشامًا فإنه قرأ: {يحسبن} بالياء في هذا، واختلفوا فيما بعده، وشدد ابن عامر وحده التاء في {قتلوا}.
وخففها الباقون. فمن خفف برواية هشام يكون مرة ومرارًا، ومن شدد لا يكون إلا مرارًا كأنهم قتلوه مرة بعد مرة). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/122]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: وكلهم قرأ: ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله [آل عمران/ 169] مخففة التاء إلا ابن عامر فإنّه قرأ: قتلوا* مشدّدة التاء.
[قال أبو علي]: وجه من قرأ قتلوا بالتخفيف أنّ التخفيف يصلح للكثير والقليل، تقول: قتلت القوم فيصلح، التخفيف للكثرة، وضربت زيدا ضربة، فيصلح للقلّة. ووجه التّثقيل أنّ المقتولين كثرة فحسن التثقيل، كما قال: مفتحة لهم الأبواب [ص/ 50] وفعّل يختص به الكثير دون القليل). [الحجة للقراء السبعة: 3/98]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (ولم يختلفوا في قوله: ولا تحسبن الذين قتلوا [آل عمران/ 169] أنها بالتاء). [الحجة للقراء السبعة: 3/101] (م)
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: ولم يختلفوا في قوله: ولا تحسبن الذين قتلوا [آل عمران/ 169] أنّها بالتاء قوله: تحسبن مسند إلى الفاعل المخاطب، والذين قتلوا المفعول الأول، والمفعول الثاني قوله: أمواتا. فقد استوفى الحسبان فاعله ومفعوليه). [الحجة للقراء السبعة: 3/110] (م)
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (94- قوله: {ولا تحسبن الذين قتلوا} قرأه ابن عامر بالتشديد، على التكثير لأن المقتولين كُثر والتشديد للتكثير، وقرأه الباقون بالتخفيف، لأن التخفيف للتقليل والتكثير، فهو كالتشديد في أحد وجهيه، وهو الاختيار، لإجماع القراء عليه، ومثله في العلة الذي قبله، وهو قوله: {لو أطاعونا ما قتلوا} «168» قرأه هشام بالتشديد، وخفف الباقون). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/364]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (44- {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا} [آية/ 169]:-
بتشديد التاء، قرأها ابن عامر وحده.
وذلك لأن في المقتولين كثرةً فحسن التثقيل، كما تقول: فتحت الأبواب، قال تعالى {مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأَبْوَابُ}، وفعل بالتشديد يختص بالكثرة.
وقرأ الباقون {قُتِلُوا} بالتخفيف.
والوجه أن فعل بالتخفيف قد يصلح للقليل والكثير، فيجوز أن تقع ههنا
[الموضح: 390]
الكثرة، كما تقول: قتلت القوم). [الموضح: 391]

قوله تعالى: {فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170)}

قوله تعالى: {يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وأنّ اللّه لا يضيع أجر المؤمنين (171).
قرأ الكسائي وحده: (وإنّ اللّه) بكسر الألف، وفتحها الباقون.
[معاني القراءات وعللها: 1/280]
قال أبو منصور: من قرأ (وأن الله) بالفتح فالمعنى: يستبشرون بأن لا خوفٌ عليهم وبأنّ اللّه لا يضيع أجر المؤمنين.
ومن قرأ (وإنّ اللّه) فهو استئناف). [معاني القراءات وعللها: 1/281]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (61- وقوله تعالى: {وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين} [171].
قرأ الكسائي وحده (إن الله) بالكسر.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/122]
وقرأ الباقون بالفتح. فمن فتح فموضع «أن» خفضٌ بالنَّسق على قوله: {ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم} بأن الله لا يضيع، ولأن الله.
ومن كسر جعلها مبتدأة، واعتبر قراءته بحرف عبد الله {والله لا يضيع} بغير «إن»). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/123]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله [جلّ وعز] وأن الله لا يضيع [آل عمران/ 171] في كسر الألف وفتحها، فقرأ الكسائي وحده: وإن الله لا يضيع بكسر الألف وقرأ الباقون: وأن الله بفتح الألف.
[قال أبو علي]: وجه الفتح أنّ المعنى يستبشرون بنعمة من الله، وبأنّ الله لا يضيع، فأنّ معطوفة على الباء، المعنى:
يستبشرون، بتوفر ذلك عليهم، ووصوله إليهم، لأنّه إذا لم يضعه،
[الحجة للقراء السبعة: 3/98]
وصل إليهم، فلم يبخسوه، ولم ينقصوه، فهذا مما يستبشر به، كما أنّ النعمة والفضل كذلك. ومن كسر فإلى ذا المعنى يؤول، لأنّه إذا لم يضعه وصل إليهم، فلم ينقصوه، فالأول أشدّ إبانة لهذا المعنى). [الحجة للقراء السبعة: 3/99]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين}
قرأ الكسائي {وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين} بكسر الألف على معنى والله لا يضيع أجر المؤمنين
وكذلك هي في قراءة عبد الله (والله لا يضيع) فهذا يقوي إن بالكسر
وقرأ الباقون {وأن الله} بالفتح وهي في موضع خفص على النسق على {بنعمة من الله وفضل} المعنى ويستبشرون بأن الله لا يضيع أجر المؤمنين). [حجة القراءات: 181]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (95- قوله: {وأن الله لا يضيع} قرأه الكسائي بكسر الهمزة، على الابتداء والاستئناف، وهو مع ذلك متعلق بالأول، لأنه إذا لم يضعه فهو واصل
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/364]
أجره إليهم، وقرأ الباقون بالفتح، عطفوه على {بنعمة} أي: يستبشرون بالنعمة والفضل، وبأن الله لا يضيع الأجر، فـ «أن» في موضع نصب، بحذف الخافض، أو في موضع خفض على تقدير الخافض محذوفًا). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/365]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (45- {وَأَنَّ الله لَا يُضِيعُ} [آية/ 171]:-
بكسر إن، قرأها الكسائي وحده.
وذلك أنه استأنف بها ولم يعطفها على ما قبلها، فهو على كلامين.
وقرأ الباقون {وَأَنَّ} بالفتح، عطفًا على {نعمةٍ}، كأنه قال: يستبشرون بنعمة وبأن الله لا يضيع؛ لأنه إذا لم يضع تعالى أجرهم، فإن ذلك مما يستبشر به). [الموضح: 391]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 03:26 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة آل عمران
[من الآية (172) إلى الآية (175) ]

{الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)}


قوله تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172)}

قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)}

قوله تعالى: {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174)}

قوله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن عباس وعكرمة وعطاء: [يُخَوِّفُكُمْ أَوْلياءَه].
قال أبو الفتح: في هذه القراءة دلالة على إرادة المفعول في يخوف وحذفه في قراءة أكثر الناس: {يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ} . وليس هذا كقولنا: فلان يُخوِّف غلامه ويخوف جاريته مِن ضربه إياهما وإساءته إليهما. فالمحذوف هنا هو المفعول الثاني، وهو في الآية المفعول الأول على ما قدمنا). [المحتسب: 1/177]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 03:29 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة آل عمران
[من الآية (176) إلى الآية (178) ]

{وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (176) إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (177) وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (178)}

قوله تعالى: {وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (176)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ولا يحزنك الّذين... (176)
قرأ نافع: (ولا يحزنك الّذين) و(لا يحزنك قولهم) ونحو هذا بضم الياء وكسر الزاي في جميع القرآن، إلا قوله في سورة الأنبياء: (لا يحزنهم الفزع الأكبر) فإنه وافق القراء في هذه.
وقرأ الباقون بفتح الياء وضم الزاي في كل القرآن.
[معاني القراءات وعللها: 1/281]
قال أبو منصور: اللغة الجيدة (لا يحزنك) بفتح الياء، وبها قرأ أكثر القراء.
وأما قراءة نافع أحزن يحزن فهو لغة صحيحة، غير أن حزن يحزن أفشى وأكثر). [معاني القراءات وعللها: 1/282]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (62- وقوله تعالى: {ولا يحزنك الذين يسارعون} [176].
قرأ نافع وحده {يحزنك} بضم الياء في كل القرآن إلا قوله تعالى: {لا يحزنهم الفزع الأكبر}.
وقرأ الباقون بفتح ذلك كله وهما لغتان: حزن وأحزن والاختيار حزن لقولهم: محزون، ولا يقال: محزن، تقول: حزن يحزن حزنا وحزنا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/123]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح الياء وضمّ الزاي، وضمّ الياء وكسر الزاي من قوله تعالى: ولا يحزنك [آل عمران/ 176].
فقرأ نافع وحده يحزنك* وليحزن [المجادلة/ 10] وإني ليحزنني [يوسف/ 13] بضم الياء، وكسر الزاي في كلّ القرآن إلّا في سورة الأنبياء: لا يحزنهم الفزع [الآية/ 103] فإنّه فتحها، يعني الياء، وضمّ الزاي.
وقرأ الباقون في جميع ذلك يحزن* بفتح الياء وضمّ الزاي في كلّ القرآن.
[قال أبو علي]: قال سيبويه تقول: فتن الرجل وفتنته، وحزن وحزنته. قال: وزعم الخليل أنّك حيث قلت: فتنته
[الحجة للقراء السبعة: 3/99]
وحزنته لم ترد أن تقول: جعلته حزينا وجعلته فاتنا، كما أنّك حين قلت: أدخلته، أردت: جعلته داخلا، ولكنك أردت أن تقول: جعلت فيه حزنا وفتنة، فقلت: فتنته، كما قلت: كحلته، أي: جعلت فيه كحلا، ودهنته جعلت فيه دهنا، فجئت بفعلته على حدّه. ولم ترد بفعلته هاهنا تغيير قوله: حزن وفتن، ولو أردت ذلك لقلت أحزنته، وأفتنته، وفتن من فتنته، كحزن من حزنته. قال: وقال بعض العرب: أفتنت الرجل، وأحزنته: أراد جعلته حزينا وفاتنا، فغيروا فعل.
قال أبو علي: فهذا الذي حكاه عن بعض العرب حجة نافع في قراءته ليحزنني وأمّا قراءته: لا يحزنهم الفزع الأكبر [الأنبياء/ 103] فعلى أنّه يشبه أن يكون تبع فيه أثرا أو أحبّ الأخذ بالوجهين إذ كان كل واحد منهما جائزا). [الحجة للقراء السبعة: 3/100]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحر النحوي: [يُسْرِعون] في كل القرآن.
قال أبو الفتح: معنى {يسارعون} في قراءة العامة: أي يسابقون غيرهم، فهو أسرع لهم وأظهر خفوفًا بهم، وأما [يسرعون] فأضعف معنى في السرعة من يسارعون؛ لأن مَن سابق غيره أحرص على التقدم ممن آثر الخفوف وحده، وأما سَرُع فعادة ونحيزة؛ أي: صار سريعًا في نفسه.
وفعَل من لفظ فَاعلتُ ضربان: متعد، وغير متعد؛ فالمعتدي كضربت زيدًا وضاربته، وغير المتعدي كقمت وقاومت زيدًا. وأما أسرع وسَرُع جميعًا فغير متعديين؛ لكن سَرُع غريزة، وأسرع كلَّف نفسه السرعة؛ لكن سارع متعد). [المحتسب: 1/177]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ولا يحزنك الّذين يسارعون في الكفر} 176
قرأ نافع {ولا يحزنك} بضم الياء في كل القرآن إلّا قوله {لا يحزنهم الفزع الأكبر}
وقرأ الباقون بالفتح وهما لغتان يقال حزن وأحزن والاختيار حزن لقولهم محزون ولا يقال محزن وحجّة نافع قول العرب هذا أمر محزن). [حجة القراءات: 181]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (96- قوله: {يحزُن}، {وليحزُن} وشبهه، قرأه نافع بضم الياء، وكسر الزاي، حيث وقع إلا في موضع واحد، فإنه فتح الياء فيه، وضم الزاي كالجماعة، وهو قوله: {لا يحزنهم الفزع الأكبر} «الأنبياء 103» وقرأ الباقون بفتح الياء، وضم الزاي في جميع القرآن، وهما لغتان، حكى سيبويه: أحزنت الرجل، إذا جعلته حزينًا، فضممت الياء في المستقبل؛ لأنه رباعي، ويقال: حَزِن الرجل يَحزَن، لغة. وحزّن يحزّن لغة، ومنه قوله: {ولا هم يحزنون} «البقرة 38»، ويقال: حزّنته، جعلت فيه حُزنًا، كما تقول: كحّلته، جعلت فيه كحلا، وخصّ نافع الموضع المذكور بفتح الياء للجمع بين اللغتين، والقراءتان متساويتان، وما عليه الجماعة، من فتح الياء، وضم الزاي، أحب إليّ، لأنها اللغة الفاشية المستعملة المجمع عليها). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/365]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (46- {وَلَا يَحْزُنْكَ} [آية/ 176]:-
بضم الياء وكسر الزاي، قرأها نافع وحده، وكذلك {لَيُحْزِنُنِي} و{لَيُحْزِنُكَ} و{لِيُحْزِنَ الَّذِينَ} وأشباهها، إلا قوله تعالى في الأنبياء {لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ} فإنه بفتح الياء وبضم الزاي.
والوجه أنه جعله من أحزن، وهي لغة غير فاشيةٍ، والأظهر حزن، وأما قراءته في الأنبياء، فلما أراد من الأخذ باللغتين.
[الموضح: 391]
وقرأها الباقون {يَحْزُنْكَ} بفتح الياء وضم الزاي، وكذلك في كل القرآن.
لأن اللغة الجيدة المشهورة هي حزنه بغير ألف، أي جعل فيه حزنًا، كما تقول كحلته ودهنته، أي جعلت فيه كحلاً ودهنًا، فهذا متعدٍّ أولاً، ويشبه أن يكون أحزن معدى من حزن بكسر الزاي من غير ألفٍ). [الموضح: 392]

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (177)}

قوله تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (178)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ولا تحسبنّ الّذين كفروا... (178)
و: (ولا يحسبنّ الّذين يبخلون)
و: (لا تحسبنّ الّذين يفرحون)... (فلا تحسبنّهم).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو أربعهن بالياء، وقرأ نافع وابن عامر ثلاثًا بالياء وواحدة بالتاء، وهو قوله: (فلا تحسبنّهم)، وقرأ عاصم والكسائي ويعقوب: (ولا يحسبنّ الّذين كفروا) و(لا يحسبنّ الّذين يبخلون) بالياء، والأخريين بالتاء.
وقرأ حمزة كلهن بالتاء، وكل من قرأ (فلا تحسبنّهم) بالتاء فتح الباء، ومن قرأ بالياء ضم الباء (فلا يحسبنّهم).
[معاني القراءات وعللها: 1/282]
قال محمد بن يزيد: من قرأ (يحسبنّ) يفتح (أن)، وكانت تنوب عن الاسم والخبر، يقول: (حسبت أنّ زيدًا منطلق)، ويقبح الكسر مع الياء، وهو مع قبحه جائز.
ومن قرأ (لا تحسبنّ الّذين كفروا) لم يجز عند البصريين إلا كسر ألف (إن)، المعنى: لا تحسبن الذين كفروا إملاؤنا خير لهم.
ودخلت (إن) مؤكدة، وإذا فتحت صار المعنى: ولا تحسبن الذين كفروا إملاءنا.
قال أبو منصور: الفتح جائز مع الياء عند غيره من النحويين، وهو على البدل من (الذين)، المعنى: لا يحسبن إملاءنا الذين كفروا خيرًا لهم.
وقد قرأ بهذه القراءة جماعة.
وقراءتهم دليل على جوازها، ومثله قال الشاعر:
فما كان قيسٌ هلكه هلك واحدٍ... ولكنه بنيان قومٍ تهدّما
[معاني القراءات وعللها: 1/283]
يجوز هلك واحد، وهلك واحد، فمن رفع قوله (هلكه) ابتداءً جعل هلك واحدا خبر الابتداء، ويسدّان معًا مسدّ الخبر.
ومن جعل (هلكه) بدلا من قوله (قيسٌ) نصب (هلك واحد) المعنى: ما كان هلكه هلك واحد.
وقال الفراء: من قرأ (ولا تحسبنّ الّذين كفروا أنّما) قال: هو على التكرير: لا تحسبنهم لا تحسبن أنما نملي لهم.
قال: وهو مثل قوله: (هل ينظرون إلّا السّاعة أن تأتيهم) على التكرير: هل ينظرون إلا أن تأتيهم). [معاني القراءات وعللها: 1/284] (م)
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (63- وقوله تعالى: {ولا يحسبن الذين كفروا} [178].
قرأ حمزة وحده بالتاء.
وقرأ الباقون بالياء، فمن قرأ بالتاء فالخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم. ومن قرأ بالياء فإخبارٌ عن الذين كفروا، فمن قرأ بالتاء فموضع {الذين} نصب و{كفروا} صلته، «وأن» مع ما بعدها في موضع المفعول الثاني. وإنما فتحت «أن» لأن الفعل واقع عليها «وما» اسم «أن» و{نملي} صلته {وخير} خبر «أن»، تمَّ الكلامُ. ثم استأنف بقوله: {إنما نملي لهم} بكسر الألف {ليزدادوا إثمًا}.
ومن قرأ بالتاء جعل الفعل لمحمد صلى الله عليه وسلم، فموضع {الذين} نصب
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/123]
أيضًا. ومن جعل الفعل للكفار فموضع {الذين} رفع بفعلهم و{كفروا} صلتهم «وأن» مع ما بعده نائب عن مفعولي «يحسب»، وذلك أن الحسبان يحتاج إلى مفعولين، «وأن» يحتاج إلى اسمين فناب شيئان عن شيئين). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/124]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الياء والتاء من قوله [جلّ وعز]: ولا يحسبن الذين كفروا [آل عمران/ 178] فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: ولا يحسبن الذين كفروا بالياء، ولا يحسبن الذين يبخلون [آل عمران/ 180] ولا يحسبن الذين يفرحون [آل عمران/ 188] فلا يحسبنهم [آل عمران/ 188] بضمّ
[الحجة للقراء السبعة: 3/100]
الباء في يحسبنهم وكلّهنّ بالياء وكسر السين في كل القرآن.
وقرأ نافع وابن عامر ولا يحسبن الذين كفروا [آل عمران/ 178] ولا يحسبن الذين يبخلون [آل عمران/ 180] لا يحسبن الذين يفرحون [آل عمران/ 188] كل ذلك بالياء فلا تحسبنهم [آل عمران/ 188] بالتاء وفتح الباء غير أنّ نافعا كسر السين وفتحها ابن عامر. وقرأ حمزة: ولا تحسبن الذين كفروا [آل عمران/ 178] ولا تحسبن الذين يفرحون... فلا تحسبنهم [آل عمران/ 188] بفتح الباء والسين وكل ذلك بالتاء. وقرأ عاصم والكسائي كلّ ما في هذه السورة بالتاء إلّا حرفين: قوله: ولا يحسبن الذين يبخلون [آل عمران/ 180] ولا يحسبن الذين كفروا [آل عمران/ 178] فإنّهما بالياء غير أنّ عاصما فتح السين وكسرها الكسائي. ولم يختلفوا في قوله: ولا تحسبن الذين قتلوا [آل عمران/ 169] أنها بالتاء.
قال أبو علي: قراءة ابن كثير وأبي عمرو، ولا يحسبن الذين كفروا* [آل عمران/ 178] ولا يحسبن الذين يبخلون [آل عمران/ 180] ولا يحسبن الذين يفرحون
[الحجة للقراء السبعة: 3/101]
[آل عمران/ 188] فلا يحسبنهم بضم الباء في يحسبنهم وكلّهنّ بالياء وكسر السين في كلّ القرآن.
[قال أبو علي]: الذين في هذه الآي في قراءتهما:
رفع بأنّه فاعل يحسب، وإذا كان الذي في الآي فاعلا اقتضى حسب مفعولين، لأنّها تتعدى إلى مفعولين، أو إلى مفعول يسد مسدّ المفعولين، وذلك إذا جرى في صلة ما يتعدى إليه ذكر الحديث والمحدّث عنه نحو: حسبت أنّ زيدا منطلق، وحسبت أن تقوم، فقوله: أنما نملي لهم خير لأنفسهم [آل عمران/ 178] قد سدّ مسدّ المفعولين اللذين يقتضيهما يحسبنّ. وكسر إنّ في قول من قرأ: يحسبن بالياء لا ينبغي، وقد قرئ فيما حكاه غير أحمد بن موسى. ووجه ذلك أنّ «إنّ» يتلقّى بها القسم كما يتلقّى بلام الابتداء، ويدخل كلّ واحد منهما على الابتداء والخبر فكسر إنّ بعد يحسبنّ، وعلّق عليها الحسبان كما يعلّق باللّام. فقال: لا يحسبن الذين كفروا إنما نملي [آل عمران/ 178] كما قال: لا يحسبن الذين كفروا للآخرة خير لهم. وما تحتمل ضربين أحدهما: أن تكون بمعنى الذي فيكون التقدير: لا يحسبنّ الذين كفروا أنّ الذي نمليه خير لأنفسهم، والآخر: أن يكون ما نملي بمنزلة الإملاء فيكون مصدرا، وإذا كان مصدرا، لم يقتض راجعا إليه. وقال أبو الحسن: المعنى: ولا يحسبنّ الذين كفروا أنّ ما نملي لهم ليزدادوا إثما، إنّما نملي لهم خير لأنفسهم. وأمّا قوله: ولا يحسبن الذين
[الحجة للقراء السبعة: 3/102]
يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم [آل عمران/ 180] فالذين يبخلون فاعل يحسبنّ والمفعول الأول محذوف من اللفظ لدلالة اللفظ عليه، وهو بمنزلة قولك: من كذب كان شرا له، أي:
الكذب، فكذلك: لا يحسبنّ الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله البخل هو خيرا لهم، فدخلت هو فصلا، لأنّ تقدّم يبخلون بمنزلة تقدّم البخل، فكأنّك قلت: لا يحسبنّ الذين يبخلون البخل هو خيرا لهم. فأمّا قوله: ولا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا [آل عمران/ 188] فلا تحسبنهم فالذين في موضع رفع بأنّه فاعل يحسب، ولم توقع يحسبنّ على شيء. قال أبو الحسن لا يعجبني قراءة من قرأ الأولى بالياء، لأنّه لم يوقعه على شيء، ونرى أنّه لم يستحسن أن لا يعدّى حسبت، لأنّه قد جرى مجرى اليمين في نحو: علم الله لأفعلنّ.
ولقد علمت لتأتينّ منيتي.......
وظننت ليسبقنّني، وظنوا ما لهم من محيص [فصلت/ 48] فكما أنّ القسم لا يتكلّم به حتى يعلّق بالمقسم عليه، كذلك ظننت وعلمت، في هذا الباب.
وأيضا فإنّه قد جرى في كلامهم لغوا، وما جرى [في
[الحجة للقراء السبعة: 3/103]
كلامهم] لغوا لا يكون في حكم الجمل المفيدة، ومن ثمّ جاء نحو:
وما خلت أبقى بيننا من مودّة... عراض المذاكي المسنفات القلائصا
إنّما هو وما أبقى بيننا، وكذلك قال الخليل: تقول: ما رأيته يقول ذاك إلّا زيد، وما أظنّه يقول ذاك إلّا عمرو، فهذا يدلّك أنّك انتحيت على القول، ولم ترد أن تجعل زيدا موضع فعلك كضربت وقتلت. ولذلك لم يجر الشرط مجرى الجمل في نحو:
إن تفعل، لأنّ الشرط بمنزلة القسم، والجزاء بمنزلة المقسم عليه، ولذلك فصل بالشرط بين أمّا وجوابها في نحو وأما إن كان من أصحاب اليمين، فسلام لك [الواقعة/ 91] ولو كان بمنزلة الجمل لم يجز به الفصل. ووجه قول ابن كثير وأبي عمرو في أن لم يعدّيا حسبت إلى مفعوليه اللذين يقتضيهما أنّ يحسب في قوله: فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب [آل عمران/ 188] لمّا جعل بدلا من الأول،
[الحجة للقراء السبعة: 3/104]
وعدّي إلى مفعوليه استغنى بهما عن تعدية الأول إليهما، كما استغنى في قوله:
بأيّ كتاب أم بأيّة سنّة... ترى حبّهم عارا عليّ وتحسب
بتعدية أحد الفعلين إلى المفعولين عن تعدية الآخر إليهما فإن قلت: كيف يستقيم، تقدير البدل في قوله: لا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا... فلا تحسبنهم بمفازة [آل عمران/ 188].
وقد دخلت الفاء بينهما ولا يدخل بين البدل والمبدل منه الفاء؟ فالقول أنّ الفاء زائدة، يدلّك على أنّها لا يجوز أن تكون التي تدخل على الخبر، أنّ ما قبل الفاء ليس بمبتدإ، فتكون الفاء خبره، ولا تكون العاطفة لأنّ المعنى: لا يحسبنّ الذين يفرحون بما أتوا أنفسهم بمفازة من العذاب. فإذا كان كذلك لم يجز تقدير العطف لأنّ الكلام لم يستقل بعد، فيستقيم فيه تقدير العطف.
فأمّا قوله: فلا يحسبنهم فإنّ فعل الفاعل الذي هو يحسبنّ تعدّى إلى ضميره، وحذفت واو الضمير لدخول النون
[الحجة للقراء السبعة: 3/105]
الثقيلة. فإن قلت: هلّا لم يحذف الواو من يحسبون، وأثبتها كما ثبتت في: تمودّ الثوب، وأ تحاجوني [الأنعام/ 80] ونحو ذلك، مما يثبت فيه التقاء الساكنين لما في الساكن الأوّل من زيادة المدّ التي تقوم مقام الحركة، فالقول فيه أنّه حذفت كما حذفت مع الخفيفة، ألا ترى أنّك لو قلت: لا يحسبن زيدا ذاهبا، لزمك الحذف، فأجرى الثقيلة مجرى الخفيفة لهذا. وقوله: بمفازة من العذاب في موضع المفعول الثاني وفيه ذكر للمفعول الأوّل. وفعل الفاعل في هذا الباب يتعدّى إلى ضمير نفسه، نحو:
ظننتني أخاه، لأنّ هذه الأفعال لمّا كانت تدخل على الابتداء والخبر أشبهت إنّ وأخواتها في دخولهنّ على الابتداء والخبر [كدخول هذه الأفعال عليهما وذلك قولك]: ظننتني ذاهبا، كما تقول:
إنّي ذاهب. ومما يدلّك على ذلك قبح دخول اليقين عليها، لو قلت: أظنّ نفسي تفعل كذا لم يحسن كما يحسن أظنّني فاعلا.
قال: وقرأ نافع وابن عامر: ولا يحسبن الذين كفروا ولا يحسبن الذين يبخلون [آل عمران/ 180].. ويفرحون [آل عمران/ 188] كلّ ذلك بالياء. فلا تحسبنهم بالتاء وفتح الباء.
[الحجة للقراء السبعة: 3/106]
قراءتهما في ذلك مثل قراءة ابن كثير وأبي عمرو، وقد مرّ القول فيها إلّا في قوله: فلا تحسبنهم بالتاء وفتح الباء.
والمفعولان اللذان يقتضيهما الحسبان في قوله: ولا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا محذوفان، لدلالة ما ذكر من بعد عليهما، ولا يجوز البدل، كما جاز البدل في قراءة ابن كثير وأبي عمرو لاختلاف الفعلين باختلاف فاعليهما.
قال: وقرأ حمزة ولا تحسبن الذين كفروا ولا تحسبن الذين يفرحون فلا تحسبنهم بفتح الباء والسين وكل ذلك بالتاء.
قوله: الذين كفروا في موضع نصب بأنّه المفعول الأول. والمفعول الثاني في هذا الباب هو المفعول الأول في المعنى، فلا يجوز إذا فتح إنّ في قوله: ولا تحسبن الذين كفروا إن ما نملي لهم، لأنّ إملاءهم لا يكون إياهم. فإن قلت: فلم لا يجوز الفتح في أنّ، وتجعله بدلا من الذين كفروا كقوله: وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره [الكهف/ 63] وكما كان أنّ من قوله: وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم [الأنفال/ 7]. [بدلا من إحدى الطائفتين] قيل: لا يجوز ذلك لأنّك إذا أبدلت أنّ من الذين كفروا، كما أبدلت أنّ من إحدى الطائفتين لزمك أن تنصب خيرا على تقدير: لا تحسبنّ إملاء الذين كفروا خيرا لأنفسهم من حيث
[الحجة للقراء السبعة: 3/107]
كان المفعول الثاني: لتحسبنّ وقيل: إنّه لم ينصبه أحد. فإذا لم ينصب علمت أنّ البدل فيه لا يصح، فإذا لم يصح البدل [لم يجز فيه إلّا كسر إنّ] ولا تحسبن الذين كفروا إن ما نملي لهم خير لأنفسهم على أن تكون إنّ وخبرها في موضع المفعول الثاني من تحسبنّ. فأمّا قوله: لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا [آل عمران/ 188] فحذف المفعول الذي يقتضيه تحسبنّ، لأنّ ما يجيء من بعد من قوله: فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب يدلّ عليه، ويجوز أن تجعل تحسبنهم بدلا من تحسبن، كما جاز أن تجعل يحسبنهم بدلا من يحسبن الذين يفرحون في قراءة ابن كثير وأبي عمرو لاتفاق فعلي الفاعلين. وقد قدّمنا أنّ الفاء زائدة، والقول فيها أنّها لا تخلو من أن تكون للعطف، أو للجزاء، أو زائدة، فإن كانت للعطف فلا يخلو من أن تعطف جملة على جملة، أو مفردا على مفرد، وليس هذا موضع العطف، لأنّ الكلام لم يتمّ، ألا ترى أنّ المفعول الثاني لم يذكر بعد؟ ولا يجوز أيضا أن تكون للجزاء كالتي في قوله: وما بكم من نعمة فمن الله [النحل/ 53] ونحوها، لأنّ تلك تدخل على ما كان خبرا من الجمل، لأنّ أصلها أن تدخل في الجزاء، وهي جملة خبر، وليس ما دخلت عليه الفاء في الآية بجملة، إنّما هو فضلة، ألا ترى أنّ مفعولي حسبت فضلة؟ فإن قلت: إنّ أصلهما أن يكونا خبرا، فإنّ
[الحجة للقراء السبعة: 3/108]
ذلك الأصل قد زال بكونهما فضلة، كما زال في قولك: ليت الذي في الدار منطلق، عن أن يكون خبرا بدخول ليت، وكذلك قد زال بدخول حسبت عليهما أن يكون جملة، ويدلّك على ذلك أنّك تقول: حسبت زيدا اليوم منطلقا. فتفصل بينهما باليوم الذي هو ظرف حسبت، ولو كان الكلام باقيا على ما كان عليه قبل دخول الظنّ، لم يجز أن تفصل بينهما بأجنبي منهما، فإذا لم يجز أن تكون للعطف ولا للجزاء، ثبت أنّها زائدة قال: وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي قال: وقرأ عاصم والكسائي: كلّ ما في هذه السورة بالتاء إلّا حرفين: قوله: ولا يحسبن الذين يبخلون، ولا يحسبن الذين كفروا فإنّهما بالياء، غير أنّ عاصما فتح السين وكسرها الكسائي.
قد تقدّم القول في ولا يحسبن الذين يبخلون فأمّا قوله: ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم [آل عمران/ 178] فالوجه فتح أنّ لأنّها تسدّ مسدّ المفعولين، كما سدّ الفعل والفاعل مسدّهما لمّا جرى ذكرهما في الصلة في نحو قوله: أحسب الناس أن يتركوا [العنكبوت/ 29].
[الحجة للقراء السبعة: 3/109]
قال: ولم يختلفوا في قوله: ولا تحسبن الذين قتلوا [آل عمران/ 169] أنّها بالتاء قوله: تحسبن مسند إلى الفاعل المخاطب، والذين قتلوا المفعول الأول، والمفعول الثاني قوله: أمواتا. فقد استوفى الحسبان فاعله ومفعوليه). [الحجة للقراء السبعة: 3/110] (م)
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ولا يحسبن الّذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم}
قرأ حمزة {لا تحسبن الّذين كفروا} بالتّاء خطاب للنّبي صلى الله عليه وموضع الّذين نصب المفعول الأول من {تحسبن} و{كفروا} صلته و{إنّما} مع ما بعدها في موضع المفعول الثّاني لأن حسب يتعدّى إلى مفعولين تقول حسبت زيدا منطلقًا ولا يجوز حسبت زيدا وإنّما فتحت {إنّما} لأن الفعل واقع عليها قال الزّجاج قوله أنما نملي يجوز على البدل من الّذين المعنى لا تحسبن إملاءنا للّذين كفروا خيرا لهم
وقرأ الباقون {ولا يحسبن} بالياء إخبار عن الّذين كفروا فموضع الّذين رفع بفعلهم والمحسبة واقعة على {إنّما} ونابت عن الاسم والخبر تقول حسبت أن زيدا منطلق فاسم إن وخبرها سد مسد المفعولين وتقدير الكلام لا يحسبن الّذين كفروا إملاءنا خيرا لهم). [حجة القراءات: 182]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (97- قوله: {ولا يحسبن الذين كفروا} قرأه حمزة بالتاء، وقرأ الباقون بالياء.
ووجه القراءة بالياء أنه أسند الفعل إلى {الذين كفروا} فهم الفاعلون، وكان ذلك أولى، لتقدم ذكرهم قبل الآية، وقوله: {إنما نملي} يسد مسد مفعولي حسب، و«ما» في {إنما} بمعنى «الذي»، والهاء محذوفة من {نملي} لأنه صلة الذي، ولك أن تجعل «ما» وما بعدها مصدرًا، فلا
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/365]
تقدر حذف هاء، والتقدير: ولا يحسبن الذين كفروا أن الذي نملي لهم خير لأنفسهم، وإن شئت كان التقدير: ولا يحسبن الذين كفروا أن الإملاء خير لهم.
98- ووجه القراءة بالتاء أنه جعل الفعل خطابًا للنبي عليه السلام، فهو الفاعل، و{الذين كفروا} مفعول أول «يحسب»، و«إنما» وما بعدها بدل من «الذين» في موضع نصب، فيسد مسد المفعولين كما يسد لو لم يكن بدلًا، و«ما» بمعنى «الذي»، والهاء محذوفة من «نملي» ـ والتقدير: ولا تحسبن يا محمد الذين كفروا أن الذي نمليه لهم خير لأنفسهم، فيؤول التقدير: إذا حذف المبدل منه، إلى: ولا تحسبن يا محمد أن الذي نمليه للذين كفروا خير لهم، ولا تحسب، أن تجعل «ما» إلى: ولا تحسبن يا محمد أن الذي نمليه للذين كفروا خيرًا لهم، ولا تحسبن، أن تجعل «ما» والفعل مصدرًا، على هذه القراءة؛ لأن المفعول الثاني في هذا الباب، هو الأول في المعنى، والإملاء غير الذين كفروا، إلا أن تقدّر مع المفعول الأول حذف مضاف، هو الإملاء في المعنى، فيكون التقدير: ولا تحسبن يا محمد شأن الذين كفروا الإملاء هو خير لهم، أو تضمر «حال الذين كفروا»، أو «أمر الذين كفروا»، ونحوه، مما يكون الإملاء خيرًا لهم فيه، ويجوز، في القراءة بالياء، أن يكون الفعل للنبي كالتاء على تقدير: ولا يحسبن محمد الذين كفروا أنما نملي لهم، فتكون القراءتان بمعنى واحد). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/366]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (47- {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} [آية/ 178]:-
قرأ ابن كثير وأبو عمرو {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ} و{لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ} {فَلا يَحْسِبُنَّهُمْ} بالياء في ذلك كله وضم الباء في {يَحْسِبُنَّهُمْ}.
وقرأ نافع وابن عامر {فَلاَ تَحْسِبَنَّهُمْ} بالتاء وفتح الباء، والباقي بالياء.
وقرأ حمزة كل ذلك بالتاء.
وقرأ عاصم والكسائي ويعقوب حرفين بالياء {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ}، والباقي بالتاء، وفتح الباء من {تَحْسَبنّهم}.
وفتح السين في ذلك كله ابن عامرٍ وعاصم وحمزة، وكسرها الباقون.
أما من قرأ بالياء وهو ابن كثير وأبو عمرو، فإنه أسند الفعل إلى {الَّذِينَ}
[الموضح: 392]
فيرتفع {الَّذِينَ} بأنه فاعل يحسبن، وقوله تعالى {أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ} قام مقام مفعولي {يحسبنّ}؛ لأن أفعال الظن إذا وقع بعدها أن وما يعمل فيه، كان سادًا مسد المفعولين نحو: ظننت أن زيدًا عالم.
وأما قوله تعالى {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ} فالذين يبخلون فاعل يحسبن، والمفعول الأول محذوف يدل عليه {يَبْخَلُونَ} والتقدير: ولا يحسبن الذين يبخلون البخل هو خيرًا، فدل {يَبْخَلُونَ} على البخل، كقول القائل:-
22- إذا نهي السفيه جرى إليه = وخالف والسفيه إلى خلاف
أي جرى إلى السفه.
وقوله {هُوَ} فصل، يسميه الكوفيون عمادًا، ولا موضع له من الإعراب.
وأما قوله تعالى {لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ} الآية، فالذين رفع بأنه فاعل {يَحْسَبَنَّ}، والمفعول الأول محذوف يدل عليه الهاء والميم في {تحسبنّهم بِمَفَازَةٍ}؛ لأن {تحسبَنّهم} بدل من {تحسبَنَّ} الأول، والتقدير: لا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا، أنفسهم بمفازةٍ من العذاب، وقوله {فَلا تحسبنّهم} بدل من الأول، ولهذا ضم الباء من ضمه في هذه القراءة؛ لأنه أراد: فلا يحسبوا أنفسهم بمفازةٍ، يعني الذين يفرحون، فهو مسند إلى ضمير الذين المتقدم، وهو جمع، وما قبل ضمير الجماعة في مثل هذا لا يكون إلا مضمومًا، لتدل الضمة على الواو المحذوفة لالتقاء الساكنين.
[الموضح: 393]
وأما قراءة نافع وابن عامر {فلا تحسبَنّهم} بالتاء وفتح الباء، والباقي بالياء، فإن الفعل عندهما في {تحسبنّهم} مسند إلى المخاطب، والمفعولان اللذان يلزمان في باب الظن محذوفان في قوله تعالى {لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ} بدلالة ما ذكر من بعد عليهما، ولا يجوز أن يكون {فلا تحسبنّهم} بدلاً من {تحسبنّ} الأول في هذه القراءة لاختلاف فاعليهما و«هم» في {لا تحسبنّهم} مفعول أول له، و{بمفازةٍ} مفعول ثانٍ.
وأما قراءة حمزة بالتاء في الجميع وبفتح الباء في {لا تحسبَنّهم}، فإنه أسند الفعل في الجميع إلى المخاطب و{الذين} في موضع النصب بأنه المفعول الأول، فقوله تعالى {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ} لا يجوز أ، يفتح {إنَّما} على هذه القراءة؛ لأن إملاءهم لا يكون إياهم، ولا يجوز إلا كسر إن على أن يكون إن وما بعدها في موضع المفعول الثاني من {يحسبن}.
وأما قوله {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا} في هذه القراءة، فإن المفعول الثاني الذي يقتضيه يحسبن محذوف؛ لأن قوله {فلا تحسبنّهم بمفازةٍ من العذاب} يدل عليه، ويجوز أن يجعل {تحسبنّهم} بدلاً من {تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ} يدل عليه، ويجوز أن يجعل {تحسبنّهم} بدلاً من {تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ}، كما جاز ذلك في قراءة ابن كثير وأبي عمرو لاتفاق فعلي الفاعلين، والفاء زائدة.
وأما قوله {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ} على هذه القراءة، فإن التقدير: ولا تحسبن بخل الذين يبخلون، وهو المفعول الأول، ليكون هو والمفعول الثاني سواء، وهو قوله {خيرًا لهم} فحذف المضاف الذي هو بخل، وأقيم المضاف إليه مقامه، فانتصب انتصابه.
وأما قراءة عاصم والكسائي ويعقوب في الحرفين بالياء، والباقي بالتاء، فقد تقدم ذكر وجههما.
[الموضح: 394]
وأما فتح السين في تحسب وكسرها، فقد ذكر في آخر سورة البقرة). [الموضح: 395]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 03:31 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة آل عمران
[من الآية (179) إلى الآية (180) ]

{مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179) وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180)}

قوله تعالى: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (حتّى يميز الخبيث من الطّيّب... (179)
و: (ليميز).
قرأ حمزة والكسائي والحضرمي: (حتّى يميّز) و: (ليميّز) بضم الياء والتشديد، وقرأ الباقون: (حتّى يميز) و: (ليميز) بالتخفيف وفتح الياء.
قال أبو منصور: يقال: ميّزت الشيء من الشيء فتميّز، إذا خلصته منه، والمعنى: أن المؤمنين هم الطيّب، ميّزهم الله من الخبيث، وهم المشركون، أي: خلصهم.
ومن قرأ (حتى يميز) فهو من مزته أميزه
[معاني القراءات وعللها: 1/284]
ميزًا، فهو مميز، بمعنى ميّزت.
ويقال: مزته فامتاز وأماز، وميزته فتميّز، قال الله جلّ وعزّ: (وامتازوا اليوم أيّها المجرمون)، أي: تميزوا من المؤمنين فإنكم وقود النار، والمؤمنون للجنة). [معاني القراءات وعللها: 1/285]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (67- وقوله تعالى: {حتى يميز الخبيث من الطيب} [179].
قرأ حمزة والكسائي {حتى يميز} مشددة.
وقرأ الباقون مخففة، وهما لغتان، ماز يميز وميز يميز). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/124]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح الياء والتخفيف وضمّها والتّشديد من قوله عز وجل: حتى يميز [آل عمران/ 179] وليميز الله الخبيث [الأنفال/ 37].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم: حتى يميز وليميز الله الخبيث بفتح الياء والتخفيف. وقرأ حمزة والكسائي حتى يميز وليميز الله بضمّ الياء والتشديد.
[قال أبو علي]: قال يعقوب: مزته، فلم ينمز، وزلته فلم ينزل، وأنشد أبو زيد:
[الحجة للقراء السبعة: 3/110]
لمّا ثنى الله عنّي شرّ عزمته... وانمزت لا مسئيا
ذعرا ولا وجلا [مسئيا من قول ذي الرّمّة:
... بعيد السأو مهيوم والسأو: هو الهمّة.
تقول: لا أذعر ولا أهم بالذعر. فمزت وميّزت لغتان]، وليس ميّزت بمنقول من مزت كما أنّ غرّمته منقول من غرم، يدلّك على ذلك أنّه لا يخلو تضعيف العين في ميّز من أن يكون لغة في ماز، أو يكون تضعيف العين لنقل الفعل، كما أنّ الهمزة في أقمته له، فالذي يدلّ على أنّه ليس للنقل، كما أن غرّمته للنّقل، أنّه لو كان للنّقل للزم أن يتعدّى ميّزت إلى مفعولين، كما أنّ غرّمت يتعدى إلى مفعولين، تقول: غرّمت زيدا مالا. وفي أنّ ميّزت لا يتعدّى إلى مفعولين إلّا بحرف جر نحو قولهم: ميّزت
[الحجة للقراء السبعة: 3/111]
متاعك بعضه من بعض، دلالة بيّنة على أنّ تضعيف العين ليس للنّقل. ومثل ميّزت في أنّ التضعيف فيه ليس للتعدية إنّما هو لغير هذا المعنى، الهمزة في قولهم: ألقيت ألا ترى أنّ الهمزة فيه ليست لنقل الفعل من فعل إلى أفعل ليزيد في الكلام مفعول؟ إنّما ألقيت بمنزلة أسقطت، ولو كان منقولا من لقي لتعدّى إلى مفعولين، لأنّ لقي يتعدّى إلى مفعول في قولك: لقيت زيدا، ولو كانت الهمزة في ألقيت للنقل لتعدّى إلى مفعولين. وفي قولهم:
ألقيت متاعك بعضه على بعض وتعدّيه إلى المفعول الثاني بالجارّ دلالة على أنّ ألقيت ليس للنقل من لقي، وأنّ ألقيت بمنزلة أسقطت في تعدي ألقيت إلى مفعول واحد كما أنّ أسقطت يتعدّى إلى مفعول واحد، ولا يتعدّى إلى مفعول ثان، إلّا بحرف الجرّ، كما أنّ أسقطت لا يتعدّى إلى مفعول ثان إلّا بحرف الجرّ، كقولك: أسقطت متاعك بعضه على بعض. ومثل ميّز في أنّ التضعيف فيه ليس للتعدي قولهم: عوّض، فالتضعيف فيه ليس للنقل، ولو كان للنقل من عاض، لتعدّى إلى ثلاثة مفعولين لأنّ عاض يتعدّى إلى مفعولين يدلّك على ذلك ما أنشده الأصمعي:
عاضها الله غلاما بعد ما... شابت الأصداغ والضرس نقد
[الحجة للقراء السبعة: 3/112]
وتقول: عوّضت زيدا مالا، فعوّض وعاض لغتان كما أنّ ميّز وماز لغتان، كلّ واحد منهما في معنى الآخر، ليس عوّض منقولا من عاض، كما أنّ ميّز ليس بمنقول من ماز. وإذا كان الأمر في ذلك على ما وصفنا، فكلتا القراءتين حسنة، لأنّ ماز فعل متعد إلى مفعول واحد، كما أنّ ميّز كذلك. ولقولهم: ماز من المزية أنّ أكثر القراء عليها، وكثرة القراءة بها يدلّ على أنّها أكثر في استعمالهم). [الحجة للقراء السبعة: 3/113]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({حتّى يميّز الخبيث من الطّيب}
قرأ حمزة والكسائيّ {حتّى يميّز الخبيث} بالتّشديد من قولك ميزت بين الشّيئين أميز تمييزا إذا خلصته كما تقول فرقت بينهما أفرق تفريقا
وقرأ الباقون {حتّى يميّز الخبيث} بالتّخفيف من مزت الشّيء وأنا أميز ميزا وحجتهم قوله {الخبيث من الطّيب} والتّشديد إنّما يدخل في الكلام للتكثير قال أبو عمرو لا يكون يميّز
[حجة القراءات: 182]
بالتّشديد إلّا كثيرا من كثير فأما واحد من واحد ف يميّز على معنى يعزل
وحجّة التّشديد أن العرب للمشدد أكثر استعمالا وذلك أنهم وضعوا مصدر هذا الفعل على معنى التّشديد فقالوا فيه التّمييز ولم يقولوا الميز فدلّ استعمالهم المصدر على بنية التّشديد فتأويل الكلام حتّى يميّز جنس الخبيث من جنس الطّيب). [حجة القراءات: 183]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (105- قوله: {حتى يميز}، {وليميز} قرأه حمزة والكسائي بضم الياء والتشديد هنا وفي الأنفال، وقرأ الباقون بفتح الياء، والتخفيف فيهما، وهما لغتان، يقال: مازَ يميز، مثل كال يكيل، وميّز يميز مثل: قتل يقتل، وفي التشديد معنى التكثير، يقال: ميزت الطعام فتميّز، وليس التشديد في هذا لتعدي الفعل كـ «كرم وكرمت»؛ لأنه لم يتعد بالتشديد، لأنك تقول: مزت المتاع، وميّزت المتاع، فلا يحدث التشديد تعديًا لم يكن في التخفيف، فالقراءتان بمعنى التخفيف أحب إلي؛ لأن الجماعة عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/369]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (48- {حَتَّى يُمَيِّزَ} [آية/ 179]:-
بضم الياء وتشديد الياء الثانية، قرأها حمزة والكسائي ويعقوب، وكذلك في الأنفال {لِيُمَيِّزَ الله}.
وهو من ميز يميز تمييزًا، أي فصل وأبان.
وقرأ الباقون {لِيَمِيزَ} بفتح الياء وبالتخفيف في السورتين.
وهو من ماز يميز ميزًا، إذا فصل، وهو بمعنى ميز سواء، وليس ميز بمنقول من ماز، إذ لو كان كذلك لتعدى إلى مفعولين، وليس كذلك، بل يتعدى كلاهما إلى مفعولٍ واحدٍ). [الموضح: 395]

قوله تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ولا تحسبنّ الّذين كفروا... (178)
و: (ولا يحسبنّ الّذين يبخلون)
و: (لا تحسبنّ الّذين يفرحون)... (فلا تحسبنّهم).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو أربعهن بالياء، وقرأ نافع وابن عامر ثلاثًا بالياء وواحدة بالتاء، وهو قوله: (فلا تحسبنّهم)، وقرأ عاصم والكسائي ويعقوب: (ولا يحسبنّ الّذين كفروا) و(لا يحسبنّ الّذين يبخلون) بالياء، والأخريين بالتاء.
وقرأ حمزة كلهن بالتاء، وكل من قرأ (فلا تحسبنّهم) بالتاء فتح الباء، ومن قرأ بالياء ضم الباء (فلا يحسبنّهم).
[معاني القراءات وعللها: 1/282]
قال محمد بن يزيد: من قرأ (يحسبنّ) يفتح (أن)، وكانت تنوب عن الاسم والخبر، يقول: (حسبت أنّ زيدًا منطلق)، ويقبح الكسر مع الياء، وهو مع قبحه جائز.
ومن قرأ (لا تحسبنّ الّذين كفروا) لم يجز عند البصريين إلا كسر ألف (إن)، المعنى: لا تحسبن الذين كفروا إملاؤنا خير لهم.
ودخلت (إن) مؤكدة، وإذا فتحت صار المعنى: ولا تحسبن الذين كفروا إملاءنا.
قال أبو منصور: الفتح جائز مع الياء عند غيره من النحويين، وهو على البدل من (الذين)، المعنى: لا يحسبن إملاءنا الذين كفروا خيرًا لهم.
وقد قرأ بهذه القراءة جماعة.
وقراءتهم دليل على جوازها، ومثله قال الشاعر:
فما كان قيسٌ هلكه هلك واحدٍ... ولكنه بنيان قومٍ تهدّما
[معاني القراءات وعللها: 1/283]
يجوز هلك واحد، وهلك واحد، فمن رفع قوله (هلكه) ابتداءً جعل هلك واحدا خبر الابتداء، ويسدّان معًا مسدّ الخبر.
ومن جعل (هلكه) بدلا من قوله (قيسٌ) نصب (هلك واحد) المعنى: ما كان هلكه هلك واحد.
وقال الفراء: من قرأ (ولا تحسبنّ الّذين كفروا أنّما) قال: هو على التكرير: لا تحسبنهم لا تحسبن أنما نملي لهم.
قال: وهو مثل قوله: (هل ينظرون إلّا السّاعة أن تأتيهم) على التكرير: هل ينظرون إلا أن تأتيهم). [معاني القراءات وعللها: 1/284] (م)
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (واللّه بما تعملون خبيرٌ (180)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب: (بما يعملون) بالياء -، وقرأ الباقون: بالتاء.
التاء للخطاب، والياء للغيبة). [معاني القراءات وعللها: 1/285]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (64- وقوله تعالى: {ولا يحسبن الذين يبخلون} [180].
قرأ حمزة وحده بالتاء.
والباقون بالياء. فمن قرأ بالياء فموضع {الذين} رفع، و{يبخلون} صلة {الذين} والمفعول الأول مصدر دل عليه الفعل، والتقدير: ولا يحسبن الذين يبخلون بُخلهم خيرًا لهم.
ومن قرأ بالتاء فـ {الذين} في موضع نصب، وهو المفعول الأول، {وخيرًا} المفعول الثاني). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/124]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (65- وقوله تعالى: {والله بما تعملون خبير} [180].
قرأ ابن كثير وأبو عمرو بالياء؛ إخبارًا عن الكفرة.
وقرأ الباقون بالتاء، أي: والله بما تعملون أنتم وهم خبير). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/124]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (68- وقوله تعالى: {ولا يحسبن الذين يفرحون} [180]
قرأ أهل الكوفة بالتاء.
والباقون بالياء.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو {فلا يحسبنهم} بالياء وضم الباء وفيه جوابان:
أحدهما: أن يكون الفعل لمحمد صلى الله عليه وسلم، والهاءُ كناية عن الكفرة.
والثاني: فلا يحسب الكفار أنفسهم.
ومن قرأ بالتاء أي: فلا تَحسبنهم يا محمد بمفازة من العذاب أي: بِبُعْدٍ من النار). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/125]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الياء والتاء من قوله [جلّ وعز]: ولا يحسبن الذين كفروا [آل عمران/ 178] فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: ولا يحسبن الذين كفروا بالياء، ولا يحسبن الذين يبخلون [آل عمران/ 180] ولا يحسبن الذين يفرحون [آل عمران/ 188] فلا يحسبنهم [آل عمران/ 188] بضمّ
[الحجة للقراء السبعة: 3/100]
الباء في يحسبنهم وكلّهنّ بالياء وكسر السين في كل القرآن.
وقرأ نافع وابن عامر ولا يحسبن الذين كفروا [آل عمران/ 178] ولا يحسبن الذين يبخلون [آل عمران/ 180] لا يحسبن الذين يفرحون [آل عمران/ 188] كل ذلك بالياء فلا تحسبنهم [آل عمران/ 188] بالتاء وفتح الباء غير أنّ نافعا كسر السين وفتحها ابن عامر. وقرأ حمزة: ولا تحسبن الذين كفروا [آل عمران/ 178] ولا تحسبن الذين يفرحون... فلا تحسبنهم [آل عمران/ 188] بفتح الباء والسين وكل ذلك بالتاء. وقرأ عاصم والكسائي كلّ ما في هذه السورة بالتاء إلّا حرفين: قوله: ولا يحسبن الذين يبخلون [آل عمران/ 180] ولا يحسبن الذين كفروا [آل عمران/ 178] فإنّهما بالياء غير أنّ عاصما فتح السين وكسرها الكسائي. ولم يختلفوا في قوله: ولا تحسبن الذين قتلوا [آل عمران/ 169] أنها بالتاء.
قال أبو علي: قراءة ابن كثير وأبي عمرو، ولا يحسبن الذين كفروا* [آل عمران/ 178] ولا يحسبن الذين يبخلون [آل عمران/ 180] ولا يحسبن الذين يفرحون
[الحجة للقراء السبعة: 3/101]
[آل عمران/ 188] فلا يحسبنهم بضم الباء في يحسبنهم وكلّهنّ بالياء وكسر السين في كلّ القرآن.
[قال أبو علي]: الذين في هذه الآي في قراءتهما:
رفع بأنّه فاعل يحسب، وإذا كان الذي في الآي فاعلا اقتضى حسب مفعولين، لأنّها تتعدى إلى مفعولين، أو إلى مفعول يسد مسدّ المفعولين، وذلك إذا جرى في صلة ما يتعدى إليه ذكر الحديث والمحدّث عنه نحو: حسبت أنّ زيدا منطلق، وحسبت أن تقوم، فقوله: أنما نملي لهم خير لأنفسهم [آل عمران/ 178] قد سدّ مسدّ المفعولين اللذين يقتضيهما يحسبنّ. وكسر إنّ في قول من قرأ: يحسبن بالياء لا ينبغي، وقد قرئ فيما حكاه غير أحمد بن موسى. ووجه ذلك أنّ «إنّ» يتلقّى بها القسم كما يتلقّى بلام الابتداء، ويدخل كلّ واحد منهما على الابتداء والخبر فكسر إنّ بعد يحسبنّ، وعلّق عليها الحسبان كما يعلّق باللّام. فقال: لا يحسبن الذين كفروا إنما نملي [آل عمران/ 178] كما قال: لا يحسبن الذين كفروا للآخرة خير لهم. وما تحتمل ضربين أحدهما: أن تكون بمعنى الذي فيكون التقدير: لا يحسبنّ الذين كفروا أنّ الذي نمليه خير لأنفسهم، والآخر: أن يكون ما نملي بمنزلة الإملاء فيكون مصدرا، وإذا كان مصدرا، لم يقتض راجعا إليه. وقال أبو الحسن: المعنى: ولا يحسبنّ الذين كفروا أنّ ما نملي لهم ليزدادوا إثما، إنّما نملي لهم خير لأنفسهم. وأمّا قوله: ولا يحسبن الذين
[الحجة للقراء السبعة: 3/102]
يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم [آل عمران/ 180] فالذين يبخلون فاعل يحسبنّ والمفعول الأول محذوف من اللفظ لدلالة اللفظ عليه، وهو بمنزلة قولك: من كذب كان شرا له، أي:
الكذب، فكذلك: لا يحسبنّ الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله البخل هو خيرا لهم، فدخلت هو فصلا، لأنّ تقدّم يبخلون بمنزلة تقدّم البخل، فكأنّك قلت: لا يحسبنّ الذين يبخلون البخل هو خيرا لهم. فأمّا قوله: ولا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا [آل عمران/ 188] فلا تحسبنهم فالذين في موضع رفع بأنّه فاعل يحسب، ولم توقع يحسبنّ على شيء. قال أبو الحسن لا يعجبني قراءة من قرأ الأولى بالياء، لأنّه لم يوقعه على شيء، ونرى أنّه لم يستحسن أن لا يعدّى حسبت، لأنّه قد جرى مجرى اليمين في نحو: علم الله لأفعلنّ.
ولقد علمت لتأتينّ منيتي.......
وظننت ليسبقنّني، وظنوا ما لهم من محيص [فصلت/ 48] فكما أنّ القسم لا يتكلّم به حتى يعلّق بالمقسم عليه، كذلك ظننت وعلمت، في هذا الباب.
وأيضا فإنّه قد جرى في كلامهم لغوا، وما جرى [في
[الحجة للقراء السبعة: 3/103]
كلامهم] لغوا لا يكون في حكم الجمل المفيدة، ومن ثمّ جاء نحو:
وما خلت أبقى بيننا من مودّة... عراض المذاكي المسنفات القلائصا
إنّما هو وما أبقى بيننا، وكذلك قال الخليل: تقول: ما رأيته يقول ذاك إلّا زيد، وما أظنّه يقول ذاك إلّا عمرو، فهذا يدلّك أنّك انتحيت على القول، ولم ترد أن تجعل زيدا موضع فعلك كضربت وقتلت. ولذلك لم يجر الشرط مجرى الجمل في نحو:
إن تفعل، لأنّ الشرط بمنزلة القسم، والجزاء بمنزلة المقسم عليه، ولذلك فصل بالشرط بين أمّا وجوابها في نحو وأما إن كان من أصحاب اليمين، فسلام لك [الواقعة/ 91] ولو كان بمنزلة الجمل لم يجز به الفصل. ووجه قول ابن كثير وأبي عمرو في أن لم يعدّيا حسبت إلى مفعوليه اللذين يقتضيهما أنّ يحسب في قوله: فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب [آل عمران/ 188] لمّا جعل بدلا من الأول،
[الحجة للقراء السبعة: 3/104]
وعدّي إلى مفعوليه استغنى بهما عن تعدية الأول إليهما، كما استغنى في قوله:
بأيّ كتاب أم بأيّة سنّة... ترى حبّهم عارا عليّ وتحسب
بتعدية أحد الفعلين إلى المفعولين عن تعدية الآخر إليهما فإن قلت: كيف يستقيم، تقدير البدل في قوله: لا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا... فلا تحسبنهم بمفازة [آل عمران/ 188].
وقد دخلت الفاء بينهما ولا يدخل بين البدل والمبدل منه الفاء؟ فالقول أنّ الفاء زائدة، يدلّك على أنّها لا يجوز أن تكون التي تدخل على الخبر، أنّ ما قبل الفاء ليس بمبتدإ، فتكون الفاء خبره، ولا تكون العاطفة لأنّ المعنى: لا يحسبنّ الذين يفرحون بما أتوا أنفسهم بمفازة من العذاب. فإذا كان كذلك لم يجز تقدير العطف لأنّ الكلام لم يستقل بعد، فيستقيم فيه تقدير العطف.
فأمّا قوله: فلا يحسبنهم فإنّ فعل الفاعل الذي هو يحسبنّ تعدّى إلى ضميره، وحذفت واو الضمير لدخول النون
[الحجة للقراء السبعة: 3/105]
الثقيلة. فإن قلت: هلّا لم يحذف الواو من يحسبون، وأثبتها كما ثبتت في: تمودّ الثوب، وأ تحاجوني [الأنعام/ 80] ونحو ذلك، مما يثبت فيه التقاء الساكنين لما في الساكن الأوّل من زيادة المدّ التي تقوم مقام الحركة، فالقول فيه أنّه حذفت كما حذفت مع الخفيفة، ألا ترى أنّك لو قلت: لا يحسبن زيدا ذاهبا، لزمك الحذف، فأجرى الثقيلة مجرى الخفيفة لهذا. وقوله: بمفازة من العذاب في موضع المفعول الثاني وفيه ذكر للمفعول الأوّل. وفعل الفاعل في هذا الباب يتعدّى إلى ضمير نفسه، نحو:
ظننتني أخاه، لأنّ هذه الأفعال لمّا كانت تدخل على الابتداء والخبر أشبهت إنّ وأخواتها في دخولهنّ على الابتداء والخبر [كدخول هذه الأفعال عليهما وذلك قولك]: ظننتني ذاهبا، كما تقول:
إنّي ذاهب. ومما يدلّك على ذلك قبح دخول اليقين عليها، لو قلت: أظنّ نفسي تفعل كذا لم يحسن كما يحسن أظنّني فاعلا.
قال: وقرأ نافع وابن عامر: ولا يحسبن الذين كفروا ولا يحسبن الذين يبخلون [آل عمران/ 180].. ويفرحون [آل عمران/ 188] كلّ ذلك بالياء. فلا تحسبنهم بالتاء وفتح الباء.
[الحجة للقراء السبعة: 3/106]
قراءتهما في ذلك مثل قراءة ابن كثير وأبي عمرو، وقد مرّ القول فيها إلّا في قوله: فلا تحسبنهم بالتاء وفتح الباء.
والمفعولان اللذان يقتضيهما الحسبان في قوله: ولا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا محذوفان، لدلالة ما ذكر من بعد عليهما، ولا يجوز البدل، كما جاز البدل في قراءة ابن كثير وأبي عمرو لاختلاف الفعلين باختلاف فاعليهما.
قال: وقرأ حمزة ولا تحسبن الذين كفروا ولا تحسبن الذين يفرحون فلا تحسبنهم بفتح الباء والسين وكل ذلك بالتاء.
قوله: الذين كفروا في موضع نصب بأنّه المفعول الأول. والمفعول الثاني في هذا الباب هو المفعول الأول في المعنى، فلا يجوز إذا فتح إنّ في قوله: ولا تحسبن الذين كفروا إن ما نملي لهم، لأنّ إملاءهم لا يكون إياهم. فإن قلت: فلم لا يجوز الفتح في أنّ، وتجعله بدلا من الذين كفروا كقوله: وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره [الكهف/ 63] وكما كان أنّ من قوله: وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم [الأنفال/ 7]. [بدلا من إحدى الطائفتين] قيل: لا يجوز ذلك لأنّك إذا أبدلت أنّ من الذين كفروا، كما أبدلت أنّ من إحدى الطائفتين لزمك أن تنصب خيرا على تقدير: لا تحسبنّ إملاء الذين كفروا خيرا لأنفسهم من حيث
[الحجة للقراء السبعة: 3/107]
كان المفعول الثاني: لتحسبنّ وقيل: إنّه لم ينصبه أحد. فإذا لم ينصب علمت أنّ البدل فيه لا يصح، فإذا لم يصح البدل [لم يجز فيه إلّا كسر إنّ] ولا تحسبن الذين كفروا إن ما نملي لهم خير لأنفسهم على أن تكون إنّ وخبرها في موضع المفعول الثاني من تحسبنّ. فأمّا قوله: لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا [آل عمران/ 188] فحذف المفعول الذي يقتضيه تحسبنّ، لأنّ ما يجيء من بعد من قوله: فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب يدلّ عليه، ويجوز أن تجعل تحسبنهم بدلا من تحسبن، كما جاز أن تجعل يحسبنهم بدلا من يحسبن الذين يفرحون في قراءة ابن كثير وأبي عمرو لاتفاق فعلي الفاعلين. وقد قدّمنا أنّ الفاء زائدة، والقول فيها أنّها لا تخلو من أن تكون للعطف، أو للجزاء، أو زائدة، فإن كانت للعطف فلا يخلو من أن تعطف جملة على جملة، أو مفردا على مفرد، وليس هذا موضع العطف، لأنّ الكلام لم يتمّ، ألا ترى أنّ المفعول الثاني لم يذكر بعد؟ ولا يجوز أيضا أن تكون للجزاء كالتي في قوله: وما بكم من نعمة فمن الله [النحل/ 53] ونحوها، لأنّ تلك تدخل على ما كان خبرا من الجمل، لأنّ أصلها أن تدخل في الجزاء، وهي جملة خبر، وليس ما دخلت عليه الفاء في الآية بجملة، إنّما هو فضلة، ألا ترى أنّ مفعولي حسبت فضلة؟ فإن قلت: إنّ أصلهما أن يكونا خبرا، فإنّ
[الحجة للقراء السبعة: 3/108]
ذلك الأصل قد زال بكونهما فضلة، كما زال في قولك: ليت الذي في الدار منطلق، عن أن يكون خبرا بدخول ليت، وكذلك قد زال بدخول حسبت عليهما أن يكون جملة، ويدلّك على ذلك أنّك تقول: حسبت زيدا اليوم منطلقا. فتفصل بينهما باليوم الذي هو ظرف حسبت، ولو كان الكلام باقيا على ما كان عليه قبل دخول الظنّ، لم يجز أن تفصل بينهما بأجنبي منهما، فإذا لم يجز أن تكون للعطف ولا للجزاء، ثبت أنّها زائدة قال: وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي قال: وقرأ عاصم والكسائي: كلّ ما في هذه السورة بالتاء إلّا حرفين: قوله: ولا يحسبن الذين يبخلون، ولا يحسبن الذين كفروا فإنّهما بالياء، غير أنّ عاصما فتح السين وكسرها الكسائي.
قد تقدّم القول في ولا يحسبن الذين يبخلون فأمّا قوله: ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم [آل عمران/ 178] فالوجه فتح أنّ لأنّها تسدّ مسدّ المفعولين، كما سدّ الفعل والفاعل مسدّهما لمّا جرى ذكرهما في الصلة في نحو قوله: أحسب الناس أن يتركوا [العنكبوت/ 29].
[الحجة للقراء السبعة: 3/109]
قال: ولم يختلفوا في قوله: ولا تحسبن الذين قتلوا [آل عمران/ 169] أنّها بالتاء قوله: تحسبن مسند إلى الفاعل المخاطب، والذين قتلوا المفعول الأول، والمفعول الثاني قوله: أمواتا. فقد استوفى الحسبان فاعله ومفعوليه). [الحجة للقراء السبعة: 3/110] (م)
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: قرأ ابن كثير وأبو عمرو: والله بما يعملون خبير [آل عمران/ 180] بالياء وقرأ الباقون بالتاء.
[قال أبو علي]: القول في ذلك أنّ من قرأ بالياء أتبعه ما قبله، وهو على الغيبة، وذلك قوله: سيطوقون [آل عمران/ 180] والله بما يعملون خبير [آل عمران/ 180] من منعهم الحقوق من أموالهم فيجازيهم عليه، ومن قرأ بالتاء فلأنّ قبله خطابا، وهو قوله: وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم [آل عمران/ 179] والله بعملكم المرضيّ خبير فيجازيكم عليه، فالغيبة أقرب إليه من الخطاب). [الحجة للقراء السبعة: 3/113]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ولا يحسبن الّذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شرّ لهم سيطوقون ما بخلوا به} {والله بما تعملون خبير} 180
قرأ حمزة (ولا تحسبن الّذين يبخلون) بالتّاء خطاب للنّبي صلى الله عليه ف الّذين في موضع نصب على المفعول الأول و{خيرا لهم} المفعول الثّاني قال أحمد بن يحيى الوجه عندنا بالتّاء ليكون للمحسبة اسم وخبر فيكون {الّذين} نصبا باسم المحسبة و{هو خيرا لهم} خبرا والمعنى لا تحسبن بخل الباخلين خيرا لهم فأقام الباخلين مقام بخلهم وإذا قرأت بالياء لم تأت للمحسبة باسم فلذلك اخترنا التّاء
وقرأ الباقون {ولا يحسبن} بالياء موضع {الّذين} رفع و{يبخلون} صلة الّذين والم الأول مصدر محذوف وهو البخل دلّ {يبخلون} عليه المعنى ولا يحسبن الّذين يبخلون
[حجة القراءات: 183]
البخل هو خيرا لهم فحذف المفعول الأول واجتزئ ب يبخلون عن البخل كما يقال من صدق كان خيرا له ومن كذب كان شرا تريد كان الصدق خيرا وكان الكذب شرا قال الفراء إنّما {هو} عماد يقال فأين اسم هذا العماد قيل مضمر معناه لا يحسبن الباخلون البخل هو خيرا لهم فاكتفى بذكر يبخلون من البخل كما قال الشّاعر
إذا نهي السّفيه جرى إليه ... وخالف والسّفيه إلى خلاف
يريد جرى إلى السّفه ولم يذكر السّفه ولكن دلّ السّفيه على السّفه فكذلك دلّ يبخلون على البخل
قرأ ابن كثير وأبو عمرو (والله بما يعلمون خبير) بالياء إخبار عن الكفرة وحجتهما قوله {سيطوقون ما بخلوا به}
وقرأ الباقون {بما تعملون خبير} التّاء أي أنتم وهم وحجتهم قوله قبلها {وما كان الله ليطلعكم على الغيب} ). [حجة القراءات: 184]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (99- قوله: {ولا يحسبن الذين يبخلون} قرأه حمزة وحده بالتاء كالأول، وقرأ الباقون بالياء كالأول.
100- ووجه القراءة بالياء أنه أضيف الفعل إلى ما بعده، وهم «الذين
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/366]
يبخلون»، فهم الفاعلون، ورد الفعل على ما قبله من الغيبة، في قوله: {ولا يحسبن الذين كفروا}، والمفعول الأول لـ «يحسب» محذوف. والتقدير: ولا يحسبن الذين يبخلون البخل خيرًا لهم، فحذف البخل لدلالة «يبخلون» عليه، ويجوز أن يكون الفعل للنبي عليه السلام على معنى: ولا يحسبن محمد الذين يبخلون، على حذف مضاف أيضًا، أي: ولا يحسبن محمد بخل الذين يبخلون هم خير لهم.
101- ووجه القراءة بالتاء أنه على الخطاب للنبي عليه السلام، فهو الفاعل، و{الذين يبخلون} مفعول بهم أول، على تقدير حذف مضاف، أي: بخل الذين، ولابد من الإضمار في القراءتين جميعًا، ليكون المفعول الثاني هو الأول في المعنى، لأن «الذين» غير خبر، ولابد من إضمار شيء يكون هو خبرًا في المعنى؛ لأن «الذين» غير خبر، ولابد من إضمار شيء يكون هو خبرًا في المعنى والنفي إنما وقع على ان البخل ليس هو «خيرًا» لهم و«خيرًا» هو المفعول الثاني، وهو فاصلة لا موضع لها من الإعراب). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/367]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (106- قوله: {بما تعملون خبير} قرأه ابن كثير وأبو عمرو بالياء، رداه على لفظ الغيبة التي قبله، في قوله: {سيطوقون} قوله: {ولا يحسبن الذين يبخلون}، وقرأ الباقون بالتاء، ردوه على الخطاب المكرر الذي قبله في قوله: {وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم} «179» ونوي به التقدم، ليكون أقرب إليه، والتقدير: فلكم أجر عظيم، والله بما تعملون خبير، والتاء أحب إلي، لتكرر لفظ الخطاب الذي قبله، ولأن الجماعة عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/369]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (49- {والله بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [آية/ 180]:-
بالياء، قرأها ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب؛ لأنهم جعلوه تابعًا لما قبله، وهو على الغيبة، وذلك قوله تعالى {سَيُطَوَّقُونَ}.
وقرأ الباقون {تَعْمَلُون} بالتاء، جعلوه موافقًا لقوله تعالى: {وَإِنْ تُؤْمِنُوا
[الموضح: 395]
وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ}، والمعنى والله بعملكم المرضي خبير فيجازيكم عليه، على أن الخطاب أبعد منه، والغيبة أقرب). [الموضح: 396]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:38 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة