العودة   جمهرة العلوم > المنتديات > منتدى جمهرة العلوم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 6 جمادى الأولى 1435هـ/7-03-2014م, 09:45 PM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي مسائل في السحر

مَسائِل فِي السِّحرِ

عناصر الموضوع

معنى السِّحر
- تنبيه مهم
هل للسحر حقيقة؟
إنكار المعتزلة للسحر
ما مقدار تأثير السحر؟
سحر الحيوان
الفرق بين خوارق السحرة وآيات الأنبياء وكرامات الأولياء
كيف يتم السحر؟
الترهيب من عمل السحر وتعلمه
- حديث أبي هريرة
- حديث آخر لأبي هريرة
- مرسل صفوان بن سليم
عقوبة الساحر
- حديث جندب بن كعب
- قتل جندب بن كعب ساحراً لدى الوليد بن عقبة
- ما روي عن عمر بن الخطاب في قتل السحرة
- حديث بجالة بن عبدة العنبري
- أثر آخر عن عمر
- أثر حفصة وابن عمر
- أثر قيس بن سعد بن عبادة
- أثر عمر بن عبد العزيز
- أثر سعيد بن المسيب
- أثر الحسن البصري
- أثر سنان بن سلمة

هل يقتل سحرة أهل الذمة؟
- أقوال العلماء

الرد على من أنكر السحر
حادثة سَحْرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم
- حديث عائشة رضي الله عنها
- طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها
- حديث عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة، وهو ضعيف جداً

حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه
- طريق أبي معاوية عن الأعمش عن يزيد بن حيَّان عن زيد بن أرقم
- زيادة أحمد بن يونس في حديث الأعمش
- طريق جرير عن الأعمش عن ثمامة بن عقبة عن زيد بن أرقم
- مَن ذكر حديث زيد بن أرقم من المفسرين
- تخريج حديث زيد بن أرقم
أحاديث أخرى في حادثة سحر النبي صلى الله عليه وسلم
- حديث ابن عباس رضي الله عنه
- حديث أنس بن مالك رضي الله عنه
مَن أدخل حديث ابن عباس وعائشة بعضهما في بعض
المراسيل المرويّة في حادثة سحر النبي صلى الله عليه وسلم
- مرسل سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير
- مرسل يحيى بن يعمر
مسائل في حادثة سحر النبي صلى الله عليه وسلم
الرد على من أنكر حادثة سحر النبي صلى الله عليه وسلم
من الذي سحر النبيَّ صلى الله عليه وسلم؟
متى سُحِرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم؟
كم كانت مدة سَحْرِ النبي صلى الله عليه وسلم؟
كيف كان تأثير السحر على النبي صلى الله عليه وسلم
قصة شفاء النبي صلى الله عليه وسلم من السحر
- دعاء النبي صلى الله عليه وسلم
- نزول الملكين لإخباره صلى الله عليه وسلم بالسحر وموضعه
- معنى مطبوب
فِيمَ سحر النبي صلى الله عليه وسلم؟ وأين وضع السحر؟
هل استخرج النبي صلى الله عليه وسلم السحر؟
ما صنع النبي صلى الله عليه وسلم بمن سحره؟
هل رَقَى جبريلُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بالمعوذتين من السحر؟
هدي النبي صلى الله عليه وسلم في التداوي من السحر
احتجامه صلى الله عليه وسلم حين سُحِرَ
ما وقع لبعض الصحابة من السحر
- قصة سحر عائشة رضي الله عنها
- قصة سحر حفصة رضي الله عنها
- قصة سحر قيس بن سعد بن عبادة

الحل والنشرة
- معنى النشرة
- أنواع النشرة

ما رُوي في النشرة من الأحاديث والآثار
- حديث جابر بن عبد الله مرفوعاً وموقوفاً
- حديث أنس بن مالك
- مرسل الحسن البصري
- أثر الحسن البصري
- أثر سعيد بن المسيب
- أثر عطاء بن أبي رباح ويحيى بن سعيد الأنصاري
- أثر عطاء الخراساني
أقوال العلماء في حكم النشرة
تحريم إتيان الكهان
- حديث عائشة بنت أبي بكر
- حديث آخر عن عائشة
- حديث معاوية بن الحكم
- حديث صفية بنت أبي عبيد عن بعض أمهات المؤمنين
- حديث عمران بن الحصين
- حديث ابن عباس
- حديث جابر بن عبد الله
- أثر عبد الله بن مسعود

بيان كذب الكهان
- حديث عائشة
- حديث ابن عباس عن رجل من الأنصار

الأُخْذَة
- معنى الأُخْذَةِ
- حكم التأخيذ
- أثر عبد الله بن عمر رضي الله عنهما
- أثر جابر بن عبد الله
- أثر الحسن البصري
- أثر سعيد بن المسيب
- أثر يحيى بن سعيد الأنصاري

الرَّعَب
للاستزادة


التوقيع :

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 6 جمادى الأولى 1435هـ/7-03-2014م, 10:12 PM
أروى المطيري أروى المطيري غير متواجد حالياً
فريق تنسيق النصوص
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 405
افتراضي

معنى السِّحر

قالَ الخَلِيلُ بنُ أَحْمَدَ الفَرَاهِيدِيُّ (ت:170هـ): (السِّحْرُ: كُلُّ مَا كَانَ مِنَ الشَّيطَانِ فيهِ مَعُونةٌ.
وَالسِّحْرُ: الأُخْذَةُ التي تَأخُذُ العينَ.
وَالسِّحْرُ: البَيانُ فِي الفِطْنَةِ .
والسَّحْرُ: فِعْلُ السِّحْرِ.
وَالسَّحَّارَةُ: شَيءٌ يَلْعَبُ بهِ الصِّبيانُ إِذا مُدَّ خَرَجَ على لَوْنٍ، وَإِذا مُدَّ مِن جَانِبٍ آخَرَ خَرَجَ على لونٍ آخَرَ مُخَالِفٍ لِلأوَّلِ، وَمَا أَشْبَهَها فَهُوَ سَحَّارَةٌ). [العين: سحر ]
قالَ أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الأَزْهَرِيُّ (ت: 370هـ): (قالَ اللَّيثُ: (السِّحْرُ: عَمَلٌ يُقْرَّبُ فيهِ إِلَى الشَّيطَانِ وَبمعونةٍ منهُ)، كلُّ ذلكَ الأمرِ كَيْنُونتُهُ السِّحْرُ.
وَمِنَ السِّحْرِ الأُخْذَةُ الَّتي تَأخُذُ العَينَ حَتَّى تَظُنَّ أنَّ الأمرَ كَمَا تَرَى، وَلَيسَ الأَصْلُ عَلَى مَا تَرَى.
وَفِي الحديثِ أنَّ قيسَ بنَ عاصِمٍ المِنْقَرِيَّ والزِّبرقانَ بن بدرٍ وَعمرَو بنَ الأهتمِ قَدِموا علَى النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَ النبيُّ عَمْراً عنِ الزِّبْرقانِ فأثنَى عليهِ خيراً، فلم يَرْضَ الزِّبْرقانُ بذلكَ، وَقالَ: وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَني أفضلُ مِمَّا قالَ، وَلَكِنَّهُ حَسَدَ مَكَانِي مِنكَ؛ فأثنى عَلَيْهِ عَمْرٌو شَرًّا، ثمَّ قالَ: وَاللهِ مَا كَذَبْتُ عليهِ فِي الأُولَى وَلا فِي الآخِرَةِ، وَلَكِنَّهُ أرضانِي فقلتُ بالرِّضا، ثمَّ أسْخَطَنِي فقلتُ بالسُّخْطِ، فقالَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ: ((إنَّ مِنَ البَيَانِ لَسِحْراً)) .
قالَ أبو عُبيدٍ: كَأَنَّ المعنَى -واللهُ أَعْلَمُ - أنهُ يَبْلُغُ مِن بَيَانِهِ أنَّهُ يَمْدَحُ الإِنسَانَ فيُصَدَّقُ فِيهِ حَتَّى يَصْرِفَ القُلُوبَ إِلَى قَوْلِهِ، ثمَّ يَذُمُّه فيُصَدَّقُ فيهِ حتَّى يَصْرِفَ القُلوبَ إِلَى قَولِهِ الآخَرِ؛ فَكأنهُ قد سَحَر السَّامِعِينَ بذلِكَ.
قلتُ: وأصلُ السِّحْرِ صَرْفُ الشَّيءِ عَنْ حَقِيقَتِهِ إِلَى غَيرِهِ.
وَقالَ الفَرَّاءُ فِي قَولِ اللهِ: {فأنَّى تُسْحَرونَ (89)} [المؤمنون: 89] مَعْنَاهُ: فأنَّى تُصْرَفون، ومثله: {فأنَّى تُؤْفَكُونَ (95)} [الأنعام: 95]، أُفِكَ وسُحِرَ سَواءٌ.
وَأخبرني المُنذريُّ عنِ ابنِ فَهْمٍ عَن مُحَمَّدِ بنِ سَلاَّمٍ عَن يُونسَ فِي قولهِ: {فأنَّى تُسْحَرونَ (89)} [المؤمنون: 89] قالَ: تُصْرَفُون.
قالَ يونسُ: تقولُ العرَبُ للرَّجُلِ: مَا سَحَركَ عَن وَجْهِ كَذا وَكَذا، أَي مَا صَرَفكَ عنه.
وَقالَ شِمْرٌ: قالَ ابنُ عَائِشَةَ: العَرَبُ إِنَّمَا سَمَّتِ السِّحْرَ سِحْراً لأنه يُزيلُ الصِّحَّةَ إِلَى المرَضِ، وَإِنَّمَا يُقَالُ: سَحَرَهُ أَي أَزالَهُ عَنِ البُغْضِ إِلَى الحُبِّ، وقال ابن الكُمَيْت:
وقَادَ إليها الحُبَّ فانْقادَ صَعْبُه.....بحبٍّ من السِّحْرِ الحَلالِ التَّحَبُّبُ
يُرِيدُ أنَّ غَلَبَةَ حُبِّهَا كَالسِّحْرِ وَلَيْسَ بهِ، لأنه حُبٌّ حَلالٌ، وَالحَلالُ لا يَكُونُ سِحْرًا، لأنَّ السِّحْرَ فِيهِ كَالخِدْاع). [تهذيب اللغة: سحر]

تنبيه
قالَ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الجَصَّاصُ (ت: 370هـ): (الواجبُ أن نقدِّمَ القولَ فِي السِّحْرِ لخفائِهِ على كثيرٍ من أهلِ العلمِ فضلاً عنِ العامَّةِ، ثمَّ نعقبه بالكلامِ فِي حُكمِه في مقتضَى الآيةِ فِي المعَانِي وَالأحكامِ.
فنقول: إنَّ أهلَ اللغَةِ يذكرونَ أنَّ أَصْلَهُ في اللُّغَةِ لِمَا لَطُفَ وَخَفِيَ سَبَبُهُ). [أحكام القرآن: 1/50 ]
- قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (تَوَصَّلَ الجصَّاصُ بهذا التعريفِ إلى إنكارِ حقيقةِ السِّحْرِ على طريقةِ المعتزلةِ، وانظرْ تتمةَ كلامِه فِي مَسْألة: إنكارِ المعتزلةِ للسِّحرِ، وَقَرِيبٌ منهُ قولُ الجوهَرِيِّ صَاحِبِ الصَّحَاحِ: (وكلُّ ما لَطُفَ مَأْخَذُهُ ودَقَّ فهو سِحْرٌ).
وَقدِ اشتهَرَ تعريفُ الجصَّاصِ بَعْدَ أن ذكرَهُ ابنُ الجوزِيُّ وَغيرُهُ، وأورَدَهُ الحافِظُ ابنُ حَجَرٍ فِي الفَتحِ ثمَّ تدَاوَلَهُ بعضُ الشُّرَّاحِ حتَّى راجَ هذا التعريفُ عِندَ بعضِ أهلِ السُّنَّةِ وَأورَدُوهُ فِي بَعْضِ كُتُبهم.
وَهذا التعريفُ لا يُسَلَّم؛ فإنَّ لفظَ السِّحْرِ يطلقُ في اللغةِ علَى مَعَانٍ مَعْرُوفَةٍ كَمَا ذَكَرَ الخَلِيلُ، وَمِنهَا السِّحْرُ المعرُوفُ الذي هو عُقَدٌ وَرُقًى، وَلا يُحْتَاجُ فِي تَعْرِيفِهِ إِلا لِبَيَانِ حَقِيقَتِهِ، وَلِذلكَ لَمَّا أتى الصَّاحِبُ بنُ عَبَّادٍ فِي كِتَابهِ المحيطُ في اللغَةِ عَلَى مَادَّةِ سَحَرَ قالَ: (السِّحْرُ مَعْرُوفٌ) وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذلِكَ، وَقَالَ ابنُ السِّكِّيتِ فِي إِصْلاحِ المنطِقِ: (السِّحْرُ: الَّذِي يُسْحَرُ بهِ) وَلَمْ يَزِدْ فِي شَرْحِهِ عَلَى ذلِكَ.
وَعُلَمَاءُ اللغَةِ المتقدِّمينَ لا يَزيدُونَ في بَيَانِ مَعْنَى السِّحْرِ علَى ما تَعْرِفُه العَرَبُ مِن حَقِيقَتِهِ، بَلْ لِوُضُوحِ مَعْنَاهُ يُفَسِّرُونَ بهِ الألفاظَ الغَرِيبَةَ الَّتِي يُرَادُ بهَا مَعْنَاهُ كالأُخْذَةِ وَالجِبْتِ وَالعِضَهِ وَغَيرِهَا.
وَهَذا التَّعْرِيفُ الذي ذكره الجصَّاصُ لا يَسْتَقِيمُ طَرْدًا وَلا عَكْسًا، وَإِن كَان قَدْ يَصْدُقُ عَلَى بَعْضِ أَنْوَاعِ السِّحْرِ؛ فَمَا أَكْثَرَ مَا يَلْطُفُ ويخفَى سببُه ولا يُسَمَّى سِحْرًا، فَكَم من أنواعِ الحِيَلِ الخَفِيَّةِ وَالمَكْرِ وَالاختلاسِ وَالغِيلَةِ وَالسَّرِقَاتِ الخَفِيَّةِ وَالتَّعرِيضَاتِ وَنَحْوِهَا لا تُسَمَّى سِحْرًا، وَفِي المقَابلِ فَإنَّ خفَاءَ السِّحْرِ أَمْرٌ نِسْبيٌّ وَلَيْسَ عَدَمُ خَفَائِهِ بمخرِجِهِ عَنِ اسْمِ السِّحْرِ، وَفِي سُنَنِ النَّسَائِيِّ مِن حَدِيثِ أَبي هُرَيرَةَ مَرْفُوعًا: ((مَنْ عَقَدَ عُقْدَةً ثُمَّ نَفَثَ فِيهَا فَقَدْ سَحَرَ)).
وَقَدْ أَحْسَنَ من عرَّفَهُ مِنَ الفُقَهَاءِ بأنَّهُ عُقَدٌ وَرُقًى وَعَزَائِمُ يُتَوَصَّلُ بهَا إِلَى صَرْفٍ وَعَطْفٍ، فإنَّهُ قَصَدَ إِلَى بَيَانِ حَقِيقَةِ السِّحْرِ وَأَثرِهِ وَمَا يَكُونُ بهِ، وَهُوَ مُوافِقٌ لِمَا ذَكَرَهُ أَئِمَّةُ اللغةِ المتقدِّمونَ، بَلْ هُوَ عَيْنُ مَعْنَاهُ فِي لِسَانِ العَرَبِ إِذ هُو مَعْهُودٌ لَدَيهِم مشتهِرٌ مَعْروفٌ بأنه عُقَدٌ وَرُقًى، وَلِذلكَ شَواهِد كثيرةٌ تدلُّ على هذا المعنَى، قَالَ المعافَى بنُ زكَرِيَّا: (وَمِنَ العِضَهِ السِّحْرُ، مَا أنشدَنِيهِ عُبَيدُ اللهِ بنُ محَمَّدِ بنِ جَعفرَ الأزدِيُّ، قالَ: أنشدَنا أحمدُ بنُ يَحْيَى:
أَعُوذ بربِّي مِنَ النَّافِثَا.....تِ في عُقَدِ العَاضِهِ المُعْضِهِ
وَقَالَ: يَعْنِي بهمَا السَّاحِرَ).
أَحْمَدُ بنُ يَحْيَى هُو ثَعْلَبٌ إِمَامُ أَهْلِ الُّلغَةِ، وَقَالَ عُمَرُ بنُ أَبي رَبيعَةَ:
وَكأَنَّني أُسْقَى إذا ذُكِرَتْ.....صفوَ المدامِ على رُقَى السِّحْرِ


وَقَالَ جَرِيرٌ الخَطَفَىيَهْجُو رَجُلاً بأنَّ بَنَاتِهِ سَحَّارَاتٌ:
نَهَيْتُ بَنَاتِ المستَنِيرِ عَنِ الرُّقَى.....وَعَن مَشْيهِنَّ الليلَ بَيْنَ المزَارِعِ


وقَالَ الزُّبَيرُ بنُ بَكَّارٍ فِي (جَمْهَرةِ نَسَبِ قُرَيشٍ): حَدَّثني مُحَمَّدُ بنُ رَاشِدٍ قَالَ: اخْتُلَفَ مَا بَين أَبي بَكْرِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ مُصْعَبٍ، وَبينَ أَخِيهِ مُصْعَبِ بنِ عبدِ اللهِ، فَدَخَلْتُ يَومًا علَى مُصْعَبِ بنِ عبدِ اللهِ، فَوَجَدتُهُ يَقُولُ:
أيزْعُمُ أقوامٌ رمَوْهُ بظِنَّةٍ.....بأن سوفَ تأتيني عقاربُهُ تَسْرِي
ووَدّ رجالٌ لو تمادَتْ بنا الخُطَى.....إلى الغَيِّ أو تُلْقَ
ى
علانيةً تَجْرِي
أبتْ رَحِمٌ أطّتْ لَنَا م
ُرْجَحِنَّةٌ.....أمانِي العِدَى وَالكَاشِحَ الحَسِكَ
الصَّدْرِ
فقُلْ لوُشَاة النّاسِ لن تُذْهِبَ الرُّقَى.....ولا نافثاتُ السِّحْر وُدَّ أبي بَكْرِ



وَشَواهِدُ إِثباتِ أَنَّ السِّحْرَ عُقَدٌ وَرُقًى مِن كَلامِ العَرَبِ كَثِيرَةٌ، وَفِيمَا ذَكَرْتُ كِفَايَةٌ لِلتَّنبيهِ عَلَى المرادِ، وَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ السُّنَّةِ علَى أَنَّ لَهُ حَقِيقَةً وَتَأثِيراً، وَأَنَّهُ مُحَرَّمٌ لا يَجُوزُ، وَسَيَأتِي بَيَانُ ذَلِكَ إِن شَاءَ اللهُ تَعَالَى).

قالَ الحُسَينُ بنُ مُحَمَّدٍ الرَّاغِبُ الأَصْفَهَانِيُّ (ت: ق5 هـ):(سَحَرَ: السَّحْرُ طَرَفُ الحلقُومِ وَالرِّئَةُ، وَقِيلَ: انتَفَخَ سَحْرُهُ، وَبعِيرٌ سَحِرٌ عَظِيمُ السَّحْرِ، وَالسُّحَارَةُ مَا يُنزَعُ مِنَ السَّحْرِ عِندَ الذَّبحِ فَيُرْمَى بهِ، وَجُعِلَ بنَاؤُهُ بناءَ النُّفَايَةِ وَالسُّقَاطَةِ، وَقِيلَ: مِنهُ اشتقَّ السّحر، وَهو إِصابةُ السّحر.
وَالسِّحْرُ يُقَالُ علَى مَعَانٍ:
الأوَّلُ: الخِدَاعُ وَتَخْييلاتٌ لا حَقِيقَةَ لَهَا نحو مَا يَفْعَلُهُ المشَعْبِذُ بصَرْفِ الأبصَارِ عمَّا يفعلُه لِخِفَّةِ يدٍ، وَمَا يَفْعَلُهُ النَّمَّامُ بقَولٍ مُزَخْرَفٍ عَائِقٍ للأسْمَاعِ، وَعَلَى ذلِكَ قَوْلُه تَعَالَى: {سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ} [الأعراف: 116]، وَقَالَ: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ} [طه: 66]، وَبهذا النَّظَرِ سَمَّوا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ سَاحِرًا فَقَالَوا:{يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ} [الزخرف: 49].
وَالثَّانِي: استِجلابُ مُعَاوَنَةِ الشَّيْطَانِ بضَرْبٍ مِنَ التَّقَرُّبَ إِليهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222)} [الشعراء: 221، 222] وَعَلَى ذلِكَ قَولُهُ تَعَالَى: {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102].
وَالثَّالِثُ: مَا يَذْهَبُ إِلَيْهِ الأَغْتَامُ، وَهُوَ اسْمٌ لِفِعْلٍ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ مِن قُوَّتِهِ يُغَيِّرُ الصُّوَرَ وَالطَّبَائِعَ؛ فَيَجْعَلُ الإِنسَانَ حِمَارًا، وَلا حَقِيقَةَ لِذَلِكَ عِندَ المُحَصِّلِينَ.
وَقَدْ تُصُوِّرَ مِنَ السِّحْرِ تَارَةً حُسْنُه فَقِيلَ: إِنَّ مِنَ البَيَانِ لَسِحْرًا، وَتَارَةً دِقَّةُ فِعْلِهِ حَتَّى قَالَتِ الأَطِبَّاءُ: الطَّبيعَةُ سَاحِرَةٌ، وَسَمَّوا الغِذَاءَ سِحْرًا مِن حيثُ إِنه يَدِقُّ وَيَلْطُفُ تَأثِيرُهُ، قالَ تَعَالَى: {بَل نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ}[الحجر: 15] أَي مَصْرُوفُونَ عَن مَعْرِفَتِنَا بالسِّحْرِ.
وَعَلَى ذلِكَ قَولُهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا أَنتَ مِنَ المُسَحَّرِينَ (153)} [الشعراء: 153] قِيلَ: مِمَّن جُعِلَ لَهُ سَحْرٌ تَنبيهًا أَنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَى الغِذَاءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَالِ هَذا الرَّسُولِ يَأكُلُ الطَّعَامَ} [الفرقان: 7]. وَنَبَّهَ أَنَّهُ بَشَرٌ كَمَا قَالَ: {مَا أَنْتَ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا} [الشعراء: 154] وَقِيلَ: مَعْنَاهُ مِمَّن جُعِلَ لَهُ سِحْرٌ يَتَوَصَّلُ بلُطْفِهِ وَدِقَّتِهِ إِلَى مَا يَأْتِي بهِ وَيَدَّعِيهِ.
وَعَلَى الوَجْهَينِ حُمِلَ قَولُهُ تَعَالَى: {إِنْ تَتَّبعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُورًا (47)} [الإسراء: 47]، وَقَالَ تَعَالَى: {قَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنِّي لأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا (101)} [الإسراء: 101]، وَعَلَى المعنَى الثانِي دَلَّ قَولُهُ تَعَالَى: {إِنْ هَذا إِلا سِحْرٌ مُبينٌ (7)} [الأنعام: 7]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَجَاءُوا بسِحْرٍ عَظِيمٍ (116)} [الأعراف: 116]، وَقَالَ: {أَسِحْرٌ هَذَا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (77)} [يونس: 77] وَقَال: {فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (38)} [الشعراء: 38]، {فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ} [الشعراء: 46] ). [مفردات القرآن:225]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (قالَ بعضُ أهلِ العلمِ : السِّحْرُ : اسمٌ لِمَا لَطُفَ وَخَفِيَ سَبَبُهُ،وَالسِّحْرُ أنواعٌ، فَمِنْهُ شَعْبَذَةٌ؛ كَإِيهَامِ سَحَرَةِ فِرْعَوْنَ أَنَّ العِصِيَّ حَيَّاتٌ، وَمِنْهُ عُقَدٌ وَنَفْثٌ وَرُقًى وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَرُبَّمَا أَثَّرَ فِي الماءِ وَالهَوَاءِ.
وَقَالَ ابنُ عَقِيلٍ مِنْ أَصْحَابنَا: وَلا يُنكَرُ أنْ يُحْدِثَ اللهُ شَيْئًا عَقِيبَ شَيْءٍ مِنْ غَيرِ تَوَلُّدٍ مِن ذلكَ الشَّيءِ، كَمَا يُحْدِثُ الشفاءَ عِندَ التداوي، وَالجَرَبَ وَالجُذامَ عِندَ مُقَارَبَةِ أَصْحَابِ ذلكَ باطِّرَادِ العَادَةِ لا مِن طَرِيقِ العَدْوَى.
وَقَد نقَصَ قومٌ مِن رُتبَةِ السِّحْرِ فَقَالَتِ المعتزلَةُ: لَيْسَ السِّحْرُ إِلا الشعبَذَةَ وَالدَّهْشَةَ. وَالنَّقْلُ الصَّحِيحُ يُكَذبُهُم؛ فإنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ سُحِرَ حتَّى كَانَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أنه يَأتِي أهلَهُ فَيَغْتَسِلُ.
وَقد رفَعَهُ قومٌ فجعلُوه زائدًا علَى المعجزاتِ، وَربما تَوَهَّمَ جَاهِلٌ أنَّ السَّاحِرَ يقلِبُ الصُّوَرَ فَيَجْعَلُ المرأَةَ طَائِرًا وَنَحْوَ ذلِكَ).[نزهة الأعين النواظر: 354]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 6 جمادى الأولى 1435هـ/7-03-2014م, 10:13 PM
أروى المطيري أروى المطيري غير متواجد حالياً
فريق تنسيق النصوص
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 405
افتراضي

هل للسحر حقيقة؟

قالَ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ إبْرَاهِيمَ الإسْمَاعِيلِيُّ (ت:371هـ) في اعْتِقَادِ أَئِمَّةِ الحَدِيثِ: (وَيُؤْمِنُونَ بأَنَّ اللهَ تَعَالَى خَلَقَ الشَّيَاطِينَ تُوَسْوِسُ للآدَمِيِّينَ وَيَخْدَعُونَهُمْ وَيَغُرُّونَهُمْ، وَأَنَّ الشَّيْطَانَ يَتَخَبَّطُ الإِنْسَانَ،وَأَنَّ فِي الدُّنْيَا سِحْرًا وَسَحَرَةً، وَأَنَّ السِّحْرَ وَاسْتِعْمَالَهُ كُفْرٌ مِنْ فَاعِلِهِ مُعْتَقِدًا لَهُ نَافِعًا ضَارًّا بغَيرِ إِذْنِ اللهِ). [اعتقاد أئمة الحديث]
قالَ هِبَةُ اللهِ بنُ الحَسَنِ بن مَنصُورٍ اللاَّلَكَائِيُّ (418 هـ): (سِيَاقُ مَا رُوِيَ فِي أَنَّ السِّحْرَ لَهُ حَقِيقَةٌ، قالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102]، وَقَالَ: {فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ} [يونس: 80]، وقال: {وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116)} [الأعراف: 116]، وَعَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَجُنْدَبَ وَعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ أَنَّهُمْ أَمَرُوا بقَتْلِ السَّاحِرِ). [شرح أصول اعتقاد أهل السنة:5/364]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الفَضْلِ التَّيْمِيُّ الأَصْبَهَانِيُّ (ت:535هـ): (فَصْلٌ فِي بَيَانِ أَنَّ السِّحْرَ لَهُ حَقِيقَةٌ قالَ اللهُ عزَّ وَجَلَّ: {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102] وَقَالَ: {فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ...} [يونس: 80]. وَقَالَ: {وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116)} [الأعراف: 116].
وَعَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَجُنْدبَ وَعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ أَمَرُوا بقَتْلِ السَّاحِرِ).[الحجة في بيان المحجة:1/519]
قالَ مُحْيِي الدِّين يَحْيَى بنُ شَرَفٍ النَّوَوِيُّ (ت:676هـ): (قَالَ الإِمَام المَازِرِيُّ رَحِمَهُ اللَّه: مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَجُمْهُورِ عُلَمَاءِ الأمَّةِعَلَى إِثْبَاتِ السِّحْرِ، وَأَنَّ لَهُ حَقِيقَةً كَحَقِيقَةِ غَيْرِه مِنَ الأشْيَاءِ الثَّابِتَةِ، خِلافًا لِمَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ وَنَفَى حَقِيقَتَه، وَأَضَافَ مَا يَقَعُ مِنْهُ إِلَى خَيَالاتٍ بَاطِلَة لا حَقَائِقَ لَهَا، وَقَدْ ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِه، وَذَكَرَ أَنَّهُ مِمَّا يُتَعَلَّمُ، وَذَكَرَ مَا فِيهِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ مِمَّا يُكَفَّرُ بِهِ، وَأَنَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنَالمَرْءِ وَزَوْجِه، وَهَذَا كُلُّه لا يُمْكِنُ فِيمَا لا حَقِيقَةَ لَهُ، وَهَذَا الحَدِيثُ [يريدُ حديثَ عائشةَ] أَيْضًا مُصَرَّحٌ بِإِثْبَاتِهِ، وَأَنَّهُ أَشْيَاءُ دُفِنَتْ وَأُخْرِجَتْ، وَهَذَا كُلُّه يُبْطِلُ مَا قَالُوهُ، فَإِحَالَةُ كَوْنِه مِنَالحَقَائِقِ مُحَالٌ، وَلا يُسْتَنْكَرُ فِي العَقْلِ أَنَّ اللَّه سُبْحَانَه وَتَعَالَى يَخْرِقُالعَادَةَ عِنْدَ النُّطْقِ بِكَلامٍ مُلَفَّقٍ، أَوْ تَرْكِيبِ أَجْسَامٍ، أَوِالمَزْجِ بَيْن قُوًى عَلَى تَرْتِيبٍلا يَعْرِفُهُ إِلا السَّاحِرُ.
وَإِذَا شَاهَدَ الإِنْسَانُ بَعْضَ الأجْسَامِ مِنْهَا قَاتِلَةُ كَالسُّمُومِ، وَمِنْهَا مُسْقِمَةٌ كَالأدْوِيَةِ الحَادَّةِ، وَمِنْهَا مُضِرَّةٌ كَالأدْوِيَةِ المُضَادَّة لِلْمَرَضِ لَمْ يَسْتَبْعِدْ عَقْلُه أَنْ يَنْفَرِدَ السَّاحِرُ بِعِلْمِ قُوًى قَتَّالَةٍ، أَوْ كَلامٍ مُهْلِكٍ، أَوْ مُؤَدٍّ إِلَى التَّفْرِقَةِ). [شرح صحيح مسلم: 14/396]
قالَ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الخَازِنُ (ت: 725هـ):(فَصْلٌ: وقبلَ الشُّروعِ في التفسيرِ نذْكُرُ معنى الحديثِ، وما قِيلَ فيهِ، وما قِيلَ في السِّحْرِ، وما قِيلَ في الرُّقَى
قَوْلُهَا في الحديثِ: إنَّ النبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ سُحِرَ حتَّى كانَ يُخَيَّلُ إليهِ أَنَّهُ يَصْنَعُ الشيءَ ولم يَصْنَعْهُ.
قال الإمامُ المَازِرِيُّ: مَذْهَبُ أهلِ السُّنَّةِ وجمهورِ علماءِ الأُمَّةِ على إِثْبَاتِ السِّحْرِ، وأنَّ لهُ حقيقةً كحقيقةِ غيرِهِ من الأشياءِ الثابتةِ، خِلافاً لمَنْ أنكَرَ ذلكَ ونَفَى حَقِيقَتَهُ، وأضافَ ما يَقَعُ منهُ إلى خَيَالاتٍ باطِلَةٍ لا حقائِقَ لها، وقدْ ذكرَهُ اللَّهُ في كتابِهِ، وذكَرَ أنَّهُ مِمَّا يُتَعَلَّمُ، وذكرَ ما فيهِ إشارةً إلى أَنَّهُ مِمَّا يُكَفَّرُ بِهِ، وأنَّهُ يُفَرِّقُ بينَ المرءِ وزَوْجِهِ، وهذا كُلُّهُ لا يُمْكِنُ أنْ يكونَ ممَّا لا حقيقةَ لهُ.
وهذا الحديثُ الصحيحُ مُصَرَّحٌ بإِثْبَاتِهِ، ولا يُسْتَنْكَرُ في العقلِ أنَّ اللَّهَ تعالى يَخْرِقُ العادةَ عندَ النُّطْقِ بكلامٍ مُلَفَّقٍ أوْ تَرْكِيبِ أجْسَامٍ أو المَزْجِ بينَ قُوًى لا يَعْرِفُهَا إلاَّ الساحرُ، وأنَّهُ لا فاعلَ إلاَّ اللَّهُ تعالى، وما يَقَعُ مِنْ ذلكَ فهوَ عادَةٌ أَجْرَاهَا اللَّهُ تعالى على يَدِ مَنْ يشاءُ مِنْ عِبَادِهِ). [لباب التأويل: 4/500]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ): (فهذه السورةُ تَضَمَّنَتْ الاستعاذةَ مِن جميعِ أنواعِ الشرورِ عُمُوماً وخُصوصاً، ودَلَّتْ على أنَّ السِّحرَ له حقيقةٌ، يُخْشَى مِن ضَرَرِهِ، ويُسْتَعَاذُ باللَّهِ مِنه ومِن أهلِه).
[تيسير الكريم الرحمن: 4/2001]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 6 جمادى الأولى 1435هـ/7-03-2014م, 10:14 PM
أروى المطيري أروى المطيري غير متواجد حالياً
فريق تنسيق النصوص
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 405
افتراضي

إنكار المعتزلة للسحر

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ):({وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي العُقَدِ (4)} [الفلق: 4] جَمْعُ نَفَّاثَةٍ وفي المُكَسَّرِ نَوَافِثُ يقالُ: إِنَّهُنَّ نِسَاءٌ سَوَاحِرُ كُنَّ في عهدِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ أُمِرَ بالاستعاذةِ مِنْهُنَّ لأنَّهُنَّ يُوهِمْنَ أنهن يَنْفَعْنَ أو يَضْرُرْنَ فرُبَّما لَحِقَ الإنسانُ في دينِه ما يَأْثَمُ به. فأمَّا السِّحْرُ فبَاطِلٌ). [إعراب القرآن: 5/314]
قالَ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الجَصَّاصُ (ت: 370هـ): (قالَ اللهُ تعالَى:َاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانَ} [البقرة: 102] ... إلى آخِر القصةِ.
قالَ أبو بكرٍ: الواجبُ أن نقدِّمَ القولَ فِي السِّحْرِ لخفائِهِ على كثيرٍ من أهلِ العلمِ فضلاً عنِ العامَّةِ، ثمَّ نُعقِّبُه بالكلامِ فِي حُكمِه في مقتضَى الآيةِ فِي المعَانِي وَالأحكامِ.
فنقولُ: إنَّ أهلَ اللغَةِ يذكُرونَ أنَّ أَصْلَهُ في اللُّغَةِ لِمَا لَطُفَ وَخَفِيَ سَبَبُهُ، وَالسَّحْرُ عندَهُم بالفتحِ هُو الغِذَاءُ وَلُطْفُ مَجَارِيهِ، قالَ لبيد:
أرانا مُوضِعينَ لأَمْرِ غَيْبٍ.....وَنُسْحَرُ بالطَّعامِ وَبالشرابِ
قِيلَ فيه وجهانِ: نُعَلَّلُ وَنُخْدَعُ كالمسحورِ وَالمخدُوعِ، وَالآخَرُ نُغْذَى .
وأيَّ الوجهين كان فمعناه الخفَاءُ.
وقال آخَرُ :
فإنْ تسألينا فيمَ نحن فإننا.....عصافيرُ من هذا الأنامِ المُسَحَّرِ
وهذا البيتُ يَحْتَمِلُ من المعنى ما احتملَه الأوَّلُ أيضا؛ أنه أراد بالمسحَّرِ أنه ذو سَحْرٍ، وَالسَّحْرُ الرئةُ ومَا يتعلق بالحلقومِ، وهذا يرجعُ إلى معنى الخفاءِ، ومنه قولُ عائشةَ: تُوفِّيَ رسولُ اللهِصَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بين سَحْرِي وَنَحْرِي، وَقولُه تعالى: {إِنَّمَا أَنتَ مِنَ المسحَّرِينَ (153)} [الشعراء: 153] يعني مِن المخلوقِ الذي يُطْعَمُ وَيُسْقَى، وَيدُلُّ عليه قولُه تعالى: َمَا أَنْتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا} [الشعراء: 186] وَكقولِهِ تعالَى: {مالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ} [الفرقان: 7].
وَيَحْتَمِلُ أنه ذو سَحْرٍ مثلُنا، وإنما يذكُر السحرَ في مثلِ هذه المواضِعِ لِضَعْفِ هذه الأجسادِ وَلَطَافَتِهَا وَرِقَّتِهَا، وبها معَ ذلكَ قِوامُ الإِنسَانِ؛ فمن كان بهذه الصِّفَةِ فهو ضَعيفٌ مُحتاجٌ.
وَهذا هو معنى السِّحْرِ في اللغة، ثم نُقِلَ هذا الاسمُ إلى كلِّ أمرٍ خَفِيَ سببُه وَتُخُيِّلَ عَلَى غيرِ حَقيقتِه، وَيَجرِي مَجرَى التمويهِ وَالخداعِ.
وَمَتى أُطلِقَ ولم يُقَيَّدْ أفادَ ذمَّ فاعِلِه، وَقد أُجْرِيَ مقيَّدًا فيما يُمتدَحُ وَيُحمَدُ، رُوِيَ ((إِنَّ مِنَ البَيَانِ لَسِحْرًا))
-حدثنا عبدالباقي، قال: حدثنا إبراهيمُ الحرَّانيُّ، قال: حدثنا سليمانُ بنُ حربٍ، قال: حدثنا حمادُ بنُ زيدٍ، عن محمدِ بنِ الزبيرِ قال: قدِم على رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم الزِّبرقانُ بن بدرٍ وَعمرُو بنُ الأهتمِ وَقيسُ بنُ عاصِمٍ، فقالَ لِعَمْرٍو: ((خبِّرنِي عَن الزِّبرقَانِ))؛ فقالَ: مُطَاعٌ في نادِيهِ، شَديدُ العَارِضَةِ، مَانِعٌ لِمَا وَرَاءَ ظهرِهِ. فقالَ الزبرقانُ: هو واللهِ يَعْلَمُ أنِّي أفضلُ منه. فقالَ عمرٌو: إنه زَمِر المروءَةِ، ضَيِّقُ العَطَنِ، أَحْمَقُ الأَبِ، لَئِيمُ الخَالِ. يَا رَسُولَ اللهِ صَدَقْتُ فِيهِمَا، أَرْضَانِي فقُلْتُ أَحْسَنَ مَا عَلِمْتُ، وَأَسْخَطَنِي فَقُلْتُ أَسْوَأَ مَا عَلِمْتُ؛ فَقَالَ عَليهِ السَّلامُ: ((إِنَّ مِنَ البَيَانِ لَسِحْرًا)).
-وَحدَّثنا إبراهيمُ الحرَّانيُّ، قالَ: حدَّثنا مُصعَبُ بنُ عبدِ اللهِ، قالَ: حدَّثنا مالكُ بنُ أَنَسٍ، عن زيدِ بنِ أَسْلَمَ، عَن ابنِ عُمَرَ، قالَ: قَدِمَ رجلانِ فخطَب أحدُهما فعَجِبَ الناسُ لذلكَ فقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ: ((إِنَّ مِنَ البَيَانِ لَسِحْرًا)).
قالَ: وَحدَّثنا مُحمَّدُ بنُ بكرٍ، قالَ: حدَّثنا أبو دَاودَ، قالَ: حدَّثنا مُحمَّدُ بنُ يَحيَى بنِ فارسٍ، قالَ: حدَّثنا سَعيدُ بنُ مُحمَّدٍ، قالَ: حدَّثنا أبو تُمَيْلَةَ، قالَ: حدَّثنا أبو جَعْفَرٍ النحْويُّ عبدُ اللهِ بنُ ثابتٍ، قالَ: حدَّثني صَخْرُ بنُ عبدِ اللهِ بن بُرَيدَةَ، عَن أَبيهِ، عن جدِّهِ قالَ: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((إِنَّ مِنَ البَيَانِ لَسِحْرًا، وَإِنَّ مِنَ العِلْمِ جَهْلاً، وَإِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حُكْمًا، وَإِنَّ مِنَ القَوْلِ عِيَالاً))
قالَ صَعْصَعَةُ بنُ صُوحانِ: صَدَقَ نبيُّ اللهِ، أمَّا قولُهُ: ((إِنَ مِنَ البَيَانِ لَسِحْرًا)) فالرَّجُلُ يكونُ عليهِ الحقُّ، وهو أَلْحَنُ بالحُجَجِ من صاحبِ الحقِّ؛ فيَسْحَرُ القومَ ببيانِهِ فيَذهَبُ بالحقِّ.
وَأمَّا قولُه: ((وَإِنَّ مِنَ العِلْمِ جَهْلاً)) فيتكلَّفُ العالمُ إلى علمِهِ مَا لا يعلَمُهُ فيجهِّلُهُ ذلكَ.
وَأمَّا قولُه: ((إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حُكْمًا)) فهي هذه الأمثالُ والمواعظُ التي يتَّعِظُ بها الناسُ.
وَأمَّا قولُه: ((إِنَّ مِنَ القَوْلِ عِيَالاً)) فعَرْضُك كلامَك وَحديثَكَ على مَن ليس من شأنهِ ولا يُرِيدُهُ.
فسَمَّى النبيُّ عليهِ السَّلامُ بعضَ البيانِ سِحْرًا لأن صاحبَه بَيْنَ أنْ يُنبئَ عن حقٍّ؛ فيوضحُهُ ويُجلِّيهِ بحسنِ بيانِهِ بعدَ أن كَانَ خفيًّا؛ فهذا مِنَ السِّحْرِ الحلالِ الذي أقرَّ النبيُّ عليهَ السَّلامُ عمرَو بنَ الأهتمِ عَلَيْهِ، وَلَمْ يسخَطْهُ منهُ.
وَرُوِيَ أنَّ رَجُلاً تكلَّمَ بكَلامٍ بليغٍ عندَ عُمَرَ بنِ عبدِ العزيزِ؛ فَقَالَ عُمَرُ: هذا وَاللهِ السِّحْرُ الحَلالُ.
وَبَيْنَ أن يصوِّرَ الباطلَ فِي صُورَةِ الحقِّ ببيانِهِ، وَيَخْدَعَ السَّامِعينَ بتَمْوِيهِهِ.
وَمَتى أُطلِقَ فهو اسمٌ لكلِّ أمرٍ مُمَوَّهٍ باطلٍ لا حقيقةَ له وَلا ثباتَ، قالَ اللهُ تعالى: َحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ}[الأعراف: 116] يعني مَوَّهُوا عليهِم حتى ظنوا أنَّ حبالَهم وعصيَّهم تسعَى، وَقال: ُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66)} [طه: 66]. فأخبرَ أن ما ظنوه سعيًا منهَا لم يكُن سعيًا، وإنما كَان تخييلاً، وَقد قيلَ: إنها كانت عصيًا مجوَّفة قد مُلِئَت زئبقًا، وَكذلكَ الحبالُ كانت معمولَةً من أَدَمٍ محشوَّةً زئبقًا، وقد حَفَرُوا قبلَ ذلك تحتَ المواضِعِ أسرَابًا وجعلُوا آزاجًا وملئوها نارًا؛ فلمَّا طُرِحَت عليهِ وَحَمِيَ الزِّئبقُ حرَّكَهَا لأنَّ من شأنِ الزئبقِ إذا أَصَابتهُ النَّارُ أن يطيرَ؛ فأخبرَ اللهُ أنَّ ذلكَ كانَ مموَّهًا على غيرِ حقيقةٍ.
وَالعَرَبُ تقولُ لِضَرْبٍ من الحَلْيِ: مسحورٌ أي مموَّهٌ على مَن رَآه مسحورةٌ بهِ عينُهُ.
فمَا كانَ مِنَ البيانِ على حقٍّ وَيوضحُه فهو من السِّحْرِ الحلالِ، وَمَا كَانَ منه مقصُودًا بهِ إلى تمويهٍ وَخَدِيعَةٍ وَتصويرِ باطِلٍ فِي صُورَةِ الحقِّ فهوَ مِنَ السِّحْرِ المذمُومِ.
فإن قيل: إذا كان موضوعُ السحرِ التمويهَ والإخفاءَ؛ فكيف يجوزُ أن يسمَّى ما يوضحُ الحقَّ وينبئ عنه سِحْرًا، وهو إنما أظهرَ بذلك ما خَفِيَ، ولم يقصدْ به إلى إخفاءِ ما ظَهَرَ، وإظهارِ غيرِ حَقيقتِهِ.
قيلَ له: سُمِّيَ ذلكَ سِحْرًا من حيثُ كانَ الأغلبُ فِي ظنِّ السامعِ أنه لَوْ وَرَدَ عليهِ المعنَى بلفظٍ مُستنكَرٍ غيرِ مبينٍ لما صادَف منهُ قبولاً ولا أصغَى إليه، وَمَتَى سَمِعَ المعنَى بعبارَةٍ مقبولةِ عَذْبَةٍ لا فَسَادَ فيهَا وَلا استنكارَ، وقد تأتَّى له بلفظِهِ وَحُسْنِ بَيَانِهِ بما لا يتأتَّى لهُ الغبيُّ الذي لا بيَانَ لَهُ أصغَى إِليهِ وَسَمِعَهُ وَقَبِلَهُ؛ فسمَّى استمالَتَهُ للقلوبِ بهذا الضربِ مِنَ البيانِ سِحْرًا، كَمَا يَسْتَمِيلُ السَّاحِرُ قلوبَ الحاضرينَ إلَى مَا مَوَّهَ به ولبَّسَه؛ فمن هذا الوجهِ سُمِّيَ البيانُ سِحْرًا لا من الوجهِ الذي ظننتَ.
ويجوزُ أن يكونَ إنما سُمِّيَ البيانُ سِحْرًا لأنَّ المقتدِرَ على البيانِ ربما قبَّحَ ببيانِهِ بعضَ ما هو حَسَنٌ، وَحَسَّنَ عندَه بعضَ ما هُو قَبيحٌ؛ فسمَّاه لذلك سِحْرًا، كما سَمَّى ما مَوَّهَ بهِ صاحبُهُ وَأظهرَ على غيرِ حقيقَتِهِ سِحْرًا.
قالَ أبو بكرٍ رَحِمَهُ اللهُ: وَاسمُ السِّحْرِ إنما أُطْلِقَ عَلَى البيَانِ مَجَازًا لا حَقِيقَةً، وَالحقيقةُ مَا وَصَفنَا، وَلِذلِكَ صَارَ عِندَ الإِطلاقِ يَتَنَاوَلُ كُلَّ أَمْرٍ مُمَوَّهٍ قد قُصِدَ بهِ الخديعةُ وَالتلبيسُ وَإِظهارُ مَا لا حَقِيقَةَ لَهُ وَلا ثَبَاتَ). [أحكام القرآن: 1/50 ]
قالَ مَحْمُودُ بْنُ عُمَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ (ت: 538هـ): (النَّفَّاثَاتُ: النساءُ أو النفُوسُ أو الجماعاتُ السواحِرُ اللاَّتِي يَعْقِدْنَ عُقَداً في خُيُوطٍ ويَنْفُثْنَ عليها، ويَرْقِينَ.
والنَّفْثُ: النَّفْخُ معَ رِيقٍ، ولا تأثيرَ لذلك، اللَّهُمَّ إلاَّ إذَا كانَ ثَمَّ إطعامُ شيءٍ ضارٍّ، أو سَقْيُهُ أو إشمامُه‏،‏ أو مُبَاشَرَةُ المَسْحورِ به على بعضِ الوجوهِ، ولكنَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ قد يَفْعَلُ عندَ ذلك فِعلاً على سبيلِ الامتحانِ الذي يَتَمَيَّزُ به الثبِتُ على الحَقِّ مِن الحَشْوِيَّةِ والجَهَلَةِ مِن العوامِّ، فيَنْسِبُهُ الحَشْوِيَّةُ والرَّعَاعُ إليهنَّ، وإلى نَفْثِهِنَّ، والثابتونَ بالقولِ الثابتِ لا يَلْتَفِتُونَ إلى ذلك، ولا يَعْبَؤُونَ به.
فإنْ قُلْتَ‏:‏ فما مَعْنَى الاستعاذةِ مِن شَرِّهِنَّ؟
قلتُ‏:‏ فيها ثلاثةُ أوجهٍ:
أحدُها‏:‏ أنْ يُسْتَعَاذَ مِن عَمَلِهِنَّ الذي هو صَنْعَةُ السِّحْرِ، ومِن إِثمِهِنَّ في ذلك‏.‏
والثاني‏:‏ أنْ يُسْتَعَاذَ مِن فِتْنَتِهِنَّ الناسَ بسِحْرِهِنَّ، وما يَخْدَعْنَهُم به مِن باطلِهِنَّ.
والثالثُ: أنْ يُسْتَعَاذَ مِمَّا يُصِيبُ اللَّهُ به مِن الشرِّ عندَ نَفْثِهِنَّ.
ويَجوزُ أنْ يُرَادَ بهنَّ النساءُ الكَيَّادَاتُ، مِن قولِه‏:‏ ‏{‏إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28)‏} [يوسُف: 28]؛ تشبيهاً لكَيْدِهِنَّ بالسحرِ والنفْثِ في العُقَدِ‏.‏
أو اللاتي يَفْتِنَّ الرجالَ بتَعَرُّضِهِنَّ لهم ومحاسِنِهنَّ كأنَّهُنَّ يَسْحَرْنَهُم بذلكَ‏). [الكشاف: 6/465-466]
قال صَالِحُ بْنُ غُرْمِ اللهِ الغَامِدِيُّ (م): (قالَ اللهُ تعالى: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي العُقَدِ (4)} [الفلق: 4]
قال الزَّمَخْشَرِيُّ: {النَّفَّاثَاتِ} [الفلق: 4] النِّساءُ: أو النُّفوسُ, أو الجَماعاتُ السَّواحِرُ اللاَّتِي يَعْقِدْنَ عُقَدًا في خُيُوطٍ ويَنْفُثْنَ عليها ويَرْقِينَ, والنَّفْثُ: النَّفْخُ مع رِيقٍ, ولا تَأْثِيرَ لذلك, اللَّهُمَّ إلاَّ إذا كان ثَمَّ إطْعامُ شَيْءٍ ضَارٍّ, أو سَقْيِهِ, أو إشْمامِهِ, أو مُباشَرَةِ المَسْحُورِ به على بَعْضِ الوُجوهِ, ولكِنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ قد يَفْعَلُ عند ذلك فِعْلاً على سَبِيلِ الامْتِحانِ الَّذِي يَتَمَيَّزُ به الثَّبِتُ على الحَقِّ مِنَ الحَشْوِيَّةِ والجَهَلَةِ مِنَ العَوامِّ، فيَنْسِبُهُ الحَشْوِيَّةُ والرَّعاعُ إلَيْهِنَّ وإلى نَفْثِهِنَّ, والثَّابِتونَ بالقَوْلِ الثَّابِتِ لا يَلْتَفِتونَ إلى ذلك ولا يَعْبَؤُونَ به).
قال ابْنُ المُنَيِّرِ: (وقد تَقَدَّمَ أنَّ قاعِدَةَ القَدَرِيَّةِ إنْكارُ حَقِيقَةِ السِّحْرِ, على أنَّ الكِتابَ والسُّنَّةَ قد وَرَدا بوُقوعِهِ, والأَمْرِ بالتّ‍َعَوُّذِ منه, وقد سُحِرَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ في مُشْطٍ ومُشاطَةٍ, في جُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ, والحَدِيثُ مَشْهورٌ, وإنَّما الزَّمَخْشَرِيُّ اسْتَفَزَّهُ الهَوَى حتى أَنْكَرَ ما عَرَفَ, وما به إلاَّ أنْ يَتَّبِعَ اعْتِزالَهُ، ويُغَطِّيَ بكَفِّهِ وَجْهَ الغَزالَةِ).
التَّعْلِيقُ:
والأَمْرُ كما ذَكَرَ ابْنُ المُنَيِّرِ, وقد سَبَقَ بَيانُ بُطْلانِ مَذْهَبِ الزَّمَخْشَرِيِّ هذا في غَيْرِ هذا المَوْضِعِ.

عادَ كَلامُ الزَّمَخْشَرِيِّ, قال: (فإنْ قُلْتَ: فما مَعْنَى الاسْتِعاذَةِ مِن شَرّهِنَّ؟ قُلْتُ: فيها ثَلاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُها: أنْ يُسْتَعاذَ مِن عَمَلِهِنَّ الَّذِي هو صَنْعَةُ السِّحْرِ، ومِن إثْمِهِنَّ في ذلك.
والثَّانِي: أنْ يُسْتَعاذَ مِن فِتْنَتِهِنَّ النَّاسَ بسِحْرِهِنَّ, وما يَخْدَعْنَهم به مِن باطِلِهِنَّ.
والثَّالِثُ: أنْ يُسْتَعاذَ مِمَّا يُصِيبُ اللهُ به مِنَ الشَّرِّ عند نَفْثِهِنَّ, ويَجوزُ أنْ يُرادَ بِهِنَّ النِّساءُ الكَيَّاداتُ من قَوْلِهِ: {‏إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28)‏} [28: يُوسُفُ] تَشْبِيهًا لكَيْدِهِنَّ بالسِّحْرِ والنَّفْثِ في العُقَدِ.....)
قال ابْنُ المُنَيِّرِ: (وهذا مِنَ الطِّرازِ الأَوَّلِ فَعَدِّ عَنْهُ جانِبًا, ولو فَسَّرَ غَيْرُهُ النَّفَّاثاتِ في العُقَدِ بالمتخيلاتِ مِنَ النِّساءِ، ولَسْنَ ساحِراتٍ, حتى يَتِمَّ إنْكارُ وُجودِ السِّحْرِ لعَدَّهُ مِن بِدَعِ التَّفاسِيرِ).
التَّعْلِيقُ:
والَّذِي عليه أَهْلُ التَّحْقِيقِ أنَّ المُرَادَ بالنَّفَّاثاتِ هنا الأَرْواحُ والأَنْفُسُ الشِّرِّيرَةُ, لا النِّساءُ النَّفَّاثاتُ؛ لأنَّ السِّحْرَ يَكونُ مِنَ الذُّكورِ والإناثِ.
والسِّحْرُ إنَّما هو من جِهَةِ الأَنْفُسِ الخَبِيثَةِ والأَرْواحِ الشِّرِّيرَةِ, وسُلْطانُهُ إنَّما يَظْهَرُ منها, فلهذا ذُكِرَتِ النَّفَّاثاتُ هنا بلَفْظِ التَّأْنِيثِ دُونَ التَّذْكِيرِ.
والنَّفْثُ فِعْلُ السَّاحِرِ, فإذا تَكَيَّفَتْ نَفْسُهُ بالخُبْثِ والشَّرِّ الَّذِي يُرِيدُهُ بالمَسْحورِ,واسْتَعانَ عليه بالأَرْواحِ الخَبِيثَةِ, نَفَخَ في العُقَدِ الَّتِي يَعْقِدُها نَفْخًا معه رِيقٌ, فيَخْرُجُ مِن نَفْسِهِ الخَبِيثَةِ نَفَسٌ مُمازِجٌ للشَّرِّ والأَذَى، مُقْتَرِنٌ بالرِّيقِ المُمازِجِ لذلك، يُساعِدُهُ في ذلك الرُّوحُ الشَّيْطانِيَّةُ على أَذَى المَسْحورِ, فيَقَعُ فيه السِّحْرُ بإذْنِ اللهِ الكَوْنِيِّ القَدَرِيِّ لا الأَمْرِ الشَّرْعِيِّ الدِّينِيِّ.
وهَذِهِ الآيَةُ مِن أَدِلَّةِ أَهْلِ السُّنَّةِ والجَماعَةِ على أنَّ السِّحْرَ له تَأْثِيرٌ وحَقِيقَةٌ, وقد جَرَى بَيانُ وَجْهِ ذلك في غَيْرِ هذا المَوْضِعِ, واللهُ أَعْلَمُ). [المسائل الاعتزالية في تفسير الكشاف: 2/1123-1125]
قالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بنِ الحُسَيْنِ الرَّازِيُّ (ت: 604هـ): (المسألةُ الثالثةُ: أَنْكَرَت المُعْتَزِلَةُ تَأْثِيرَ السِّحْرِ، وقَدْ تَقَدَّمَتْ هذه المَسْأَلَةُ، ثُمَّ قالُوا: سَبَبُ الاسْتِعَاذَةِ مِن شَرِّهِنَّ لثَلاثَةِ أَوْجُهٍ؛ أحَدُها: أَنْ يُسْتَعَاذَ مِن إِثْمِ عَمَلِهِنَّ في السِّحْرِ، والثاني: أَنْ يُسْتَعاذَ مِن فِتْنَتِهِنَّ النَّاسَ بسِحْرِهِنَّ. والثَالِثُ: أَنْ يُسْتَعاذَ مِن إِطْعَامِهِنَّ الأَطْعِمَةَ الرَّدِيئَةَ المُورِثَةَ للجُنُونِ والموتِ).
[التفسير الكبير: 32/179] (م)


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 6 جمادى الأولى 1435هـ/7-03-2014م, 10:15 PM
أروى المطيري أروى المطيري غير متواجد حالياً
فريق تنسيق النصوص
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 405
افتراضي

ما مقدار تأثير السحر؟


قالَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَبِيبٍ المَاوَرْدِيُّ (ت: 450هـ): (وفي {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي العُقَدِ (4)} [الفلق: 4] ثلاثةُ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أنَّه إيهامٌ للأَذَى وتَخَيُّلٌ للمَرَضِ مِن غيرِ أنْ يَكُونَ له تأثيرٌ في الأَذَى والمَرَضِ، إلاَّ استشعارٌ رُبَّما أَحْزَنَ، أو طعامٌ ضارٌّ رُبَّما نَفَذَ بحِيلةٍ خَفِيَّةٍ.
الثاني: أنَّه قد يُؤْذِي بمَرَضٍ لعارِضٍ يَنْفَصِلُ فيَتَّصِلُ بالمسحورِ فيُؤَثِّرُ فيهِ كتأثيرِ العينِ، وكما يَنْفَصِلُ مِن فَمِ المُتَثَائِبِ ما يُحْدِثُ في المقابِلِ له مِثْلَه.
الثالثُ: أنه قد يكونُ ذلك بِمَعونةٍ مِن خَدَمِ الجِنِّ يَمْتَحِنُ اللَّهُ بعْضَ عِبَادِهِ). [النكت والعيون: 6/ 376]
قالَ عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ السَّلامِ السُّلَمِيُّ (ت:660 هـ): (وَأَثَرُهُ تَخْيِيلٌ للأَذَى وَالمَرَضِ، أَوْ يُمْرِضُ وَيُؤْذِي لعارضٍ يَنْفَصِلُ فَيَتَّصِلُ بالمسحورِ، فَيُؤَثِّرُ فيهِ كَتَأْثِيرِ العَيْنِ، وَكما يَنْفَصِلُ مِنْ فَمِ المُتَثَائِبِ ما يُحْدِثُ في المُقَابِلِ لهُ مِثْلَهُ، أَوْ قدْ يَكُونُ ذلكَ بِمَعُونَةٍ مِنْ خَدَمِ الجنِّ يَمْتَحِنُ اللَّهُ تَعَالَى بهِ بعضَ عِبَادِهِ). [تفسير القرآن: 3/510-511]
قالَ مُحْيِي الدِّين يَحْيَى بنُ شَرَفٍ النَّوَوِيُّ (ت:676هـ): (قَالَ المَازِرِيُّ: وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي القَدْر الَّذِي يَقَع بِهِ السِّحْر، وَلَهُمْ فِيهِ اضْطِرَابٌ، فَقَالَ بَعْضُهم: لا يَزِيدُ تَأْثِيرُه عَلَى قَدْرِ التَّفْرِقَة بَيْن المَرْءِ وَزَوْجِه؛ لأنَّ اللَّه تَعَالَى إِنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ تَعْظِيمًا لِمَا يَكُونُ عِنْدَه، وَتَهْوِيلاً بِهِ فِي حَقِّنَا، فَلَوْ وَقَعَ بِهِ أَعْظَمُ مِنْهُ لَذَكَرَهُ؛لأنَّ المَثَلَلا يُضْرَبُ عِنْدَالمُبَالَغَة إِلا بِأَعْلَى أَحْوَالِالمَذْكُورِ.
قَالَ: وَمَذْهَبُ الأشْعَرِيَّةِ أَنَّهُ يَجُوز أَنْ يَقَعَ بِهِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ.
قَالَ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عَقْلاً لأنَّهُ لا فَاعِلَ إِلا اللَّهُ تَعَالَى، وَمَا يَقَعُ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ عَادَةٌ أَجْرَاهَا اللَّهُ تَعَالَى، وَلا تَفْتَرِقُ الأفْعَالُ فِي ذَلِكَ، وَلَيْسَ بَعْضُهَا بِأَوْلَى مِنْ بَعْضٍ، وَلَوْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِقُصُورِهِ عَنْ مَرْتَبَةٍ لَوَجَبَ المَصِيرُ إِلَيْهِ، وَلَكِنْ لا يُوجَدُ شَرْعٌ قَاطِعٌ يُوجِبُ الاقْتِصَارَ عَلَى مَا قَالَهُ القَائِلُ الأوَّلُ، وَذِكْرُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فِي الآيَةِ لَيْسَ بِنَصٍّ فِي مَنْعِ الزِّيَادَةِ، وَإِنَّمَا النَّظَرُ فِي أَنَّهُ ظَاهِرٌ أَمْ لا؟). [شرح صحيح مسلم: 14/397]
قَالَ بُرْهَانُ الدِّينِ إِبْرَاهِيمُ بنُ عُمَرَ البِقَاعِيُّ (ت: 885هـ): (فإِنَّ السحرَ يُؤَثِّرُ بإِذنِ اللَّهِ تعالى المَرَضَ وَيَصِلُ إِلى أنْ يَقْتُلَ، فَإِذَا أَقَرَّ السَّاحِرُ أَنَّهُ قَتَلَ بِسِحْرِهِ وَهو مِمَّا يَقْتُلُ غَالِباً قُتِلَ بذلكَ عندَ الشَّافِعِيِّ، وَلا يُنَافِي قولَهُ تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67]. كَمَا مَضَى بيانُهُ في المائدةِ).
[نظم الدرر: 8/606]


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 6 جمادى الأولى 1435هـ/7-03-2014م, 10:16 PM
أروى المطيري أروى المطيري غير متواجد حالياً
فريق تنسيق النصوص
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 405
افتراضي

سحر الحيوان

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ): (و(النَّفْثُ): شِبْهُ النَّفْخِ، دونَ تَفْلِ رِيقٍ، وهذا النفثُ هو على عُقَدٍ تُعْقَدُ في خُيُوطٍ ونَحْوِها على اسمِ المسحورِ فيُؤْذَى بذلكَ، وهذا الشأنُ في زمانِنا موجودٌ شائعٌ في صحراءِ المغربِ، وحَدَّثَنِي ثِقَةٌ أنه رأَى عندَ بعضِهم خيطًا أحمرَ قد عُقِدَتْ فيه عُقَدٌ على فُصْلانٍ، فمُنِعَتْ بذلك رَضَاعَ أُمَّهَاتِها، فكانَ إذا حَلَّ عُقْدَةً جَرَى ذلك الفَصِيلُ إلى أُمِّهِ في الحِينِ فرَضَعَ. أعاذَنا اللَّهُ تعالى مِن شرِّ السحرِ، بقُدْرَتِه). [المحرر الوجيز: 15/610]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بْنِ جُزَيءٍ الكَلْبِيُّ (ت: 741هـ):(وحَكَى ابنُ عَطِيَّةَ أنه حَدَّثَه ثِقَةٌ أنه رأَى عندَ بعضِ الناسِ بصْحَراءِ المغرِبِ خَيْطًا أَحْمَرَ قد عُقِدَتْ فيه عُقَدٌ على فُصلانٍ, وهي أَولادُ الإبِلِ, فمَنَعَها بذلك رَضاعَ أمَّهاتِها، فكان إذا حَلَّ عُقدةً جَرَى ذلك الفَصيلُ إلى أُمِّهِ فرَضَعَ في الحينِ). [التسهيل: 225]
قالَ أَبُو حَيَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الأندَلُسِيُّ (ت: 745هـ): (وَقالَ ابنُ عَطِيَّةَ: وَهذا النفثُ هوَ على عُقَدٍ تُعْقَدُ في خيوطٍ وَنَحْوِهَا على اسمِ المسحورِ فَيُؤْذَى بذلكَ، وَهذا الشأنُ في زَمَانِنَا موجودٌ شائعٌ في صَحْراءِ المغربِ، وَحَدَّثَنِي ثِقَةٌ أَنَّهُ رَأَى عندَ بعضِهِم خَيْطاً أَحْمَرَ، قدْ عُقِدَتْ فيهِ عُقَدٌ على فُصْلانٍ، فَمُنِعَتْ مِنْ رضاعِ أُمَّهَاتِهَا بذلكَ، فكانَ إِذا حَلَّ عُقْدَةً جَرَى ذلكَ الفَصِيلُ إِلى أُمِّهِ في الحينِ فَرَضَعَ. انْتَهَى). [البحر المحيط: 8/763]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَخْلُوفٍ الثَّعَالِبِيُّ (ت: 875 هـ):(قَالَ (ع): وَهَذَا الشأنُ فِي زَمَانِنَا مَوْجُودٌ شَائِعٌ فِي صحراءِ المَغْرِبِ، وَحَدَّثَنِي ثِقَةٌ أَنَّهُ رَأَى عِنْدَ بَعْضِهِمْ خَيْطاً أَحْمَرَ قَدْ عُقِدَتْ فِيهِ عُقَدٌ عَلَى فُصلانِ، فَمُنِعَتْ بِذَلِكَ رَضَاعَ أُمَّهَاتِهَا، فَكَانَ إِذَا حَلَّ عُقْدَةً جَرَى ذَلِكَ الفَصِيلُ إِلَى أُمِّهِ فِي الحينِ فَرَضَعَ أَعَاذَنَا اللَّهُ مِنْ شَرِّ السِّحْرِ والسَّحَرَةِ). [الجواهر الحسان: 5/641]
قالَ عَطِيَّة مُحَمَّد سَالِم (ت: 1420هـ): (تنبيهٌ: يَقَعُ تأثيرُ السِّحْرِ على الحيوانِ كما يَقَعُ على الإنسانِ.
قالَ أبو حَيَّانَ: أخْبَرَنِي مَن رأَى في بعْضِ الصَّحْراءِ عندَ البَعْضِ خَيْطاً أَحْمَرَ، قد عُقِدَتْ فيه عُقَدٌ على فُصْلانٍ - أي: جَمْعِ فَصِيلٍ - فمُنِعَتْ مِن رَضاعِ أُمَّهَاتِها بذلك، فكانَ إذا حَلَّ عُقْدَةً جَرَى ذلك الفَصِيلُ إلى أُمِّه في الحِينِ فرَضَعَ. اهـ.
كما يَقَعُ الحسَدُ أيضاً على الحيوانِ، بل وعلى الجَمادِ؛ أي: عينُ العائنِ تُؤَثِّرُ في الحيوانِ والجَمادِ والنباتِ، كما تُؤَثِّرُ في الإنسانِ، على ما سَيأتي إنْ شاءَ اللَّهُ).
[تتمة أضواء البيان: 9/342]


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 6 جمادى الأولى 1435هـ/7-03-2014م, 10:17 PM
أروى المطيري أروى المطيري غير متواجد حالياً
فريق تنسيق النصوص
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 405
افتراضي

الفرق بين خوارق السحرة وآيات الأنبياء وكرامات الأولياء


قالَ مُحْيِي الدِّين يَحْيَى بنُ شَرَفٍ النَّوَوِيُّ (ت:676هـ): (قَالَ المَازِرِيُّ:فَإِنْ قِيلَ: إِذَا جَوَّزَتِ الأشْعَرِيَّةُ خَرْقَالعَادَةِ عَلَى يَدِ السَّاحِرِ، فَبِمَاذَا يَتَمَيَّزُ عَنِ النَّبِيِّ؟ فَالجَوَابُ أَنَّ العَادَةَ تَنْخَرِقُ عَلَى يَدِ النَّبِيِّ وَالوَلِيِّ وَالسَّاحِرِ، لَكِنَّ النَّبِيَّ يَتَحَدَّى بِهَا الخَلْقَ، وَيَسْتَعْجِزُهُمْ عَنْ مِثْلِهَا، وَيُخْبِرُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى بِخَرْقِ العَادَةِ بِهَا لِتَصْدِيقِهِ، فَلَوْ كَانَ كَاذِبًا لَمْ تَنْخَرِقِالعَادَةُ عَلَى يَدَيْهِ، وَلَوْ خَرَقَهَا اللَّهُ عَلَى يَدِ كَاذِبٍ لَخَرَقَهَا عَلَى يَدِالمُعَارِضِينَ لِلأنْبِيَاءِ.
وَأَمَّا الوَلِيُّ وَالسَّاحِرُ فَلا يَتَحَدَّيَانِ الخَلْقَ، وَلا يَسْتَدِلانِ عَلَى نُبُوَّةٍ، وَلَوِادَّعَيَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَمْ تَنْخَرِقِالعَادَةُ لَهَا.
وَأَمَّا الفَرْقُ بَيْنَالوَلِيِّ وَالسَّاحِرِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهمَا: وَهُوَ المَشْهُورُ، إِجْمَاعُالمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ السِّحْرَلا يَظْهَرُ إِلا عَلَى فَاسِقٍ، وَالكَرَامَةَلا تَظْهَرُ عَلَى فَاسِقٍ، وَإِنَّمَا تَظْهَرُ عَلَى وَلِيٍّ، وَبِهَذَا جَزَمَ إِمَامُالحَرَمَيْنِ وَأَبُو سَعْدٍالمُتَوَلِّي وَغَيْرُهمَا.
وَالثَّانِي: أَنَّ السِّحْرَ قَدْ يَكُونُ نَاشِئًا بِفِعْلِهَا وَبِمَزْجِهَا وَمُعَانَاةٍ وَعِلاجٍ، وَالكَرَامَةُلا تَفْتَقِر إِلَى ذَلِكَ. وَفِي كَثِيرٍ مِنَ الأوْقَاتِ يَقَعُ ذَلِكَ اتِّفَاقًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَدْعِيَه أَوْ يَشْعُرَ بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ). [شرح صحيح مسلم: 14/397-398]
قالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الحَلِيمِ ابنُ تَيْمِيَّةَ الحَرَّانِيُّ (ت:728هـ): (وَمِنَ النَّاسِ مَن فرَّقَ بينَ مُعجِزاتِ الأنبياءِ وكَرَاماتِ الأَولياءِ بفروقٍ ضَعيفةٍ، مثلُ قَولِهم: الكَرامةُ يُخْفِيهَا صَاحبُهَا، أَو: الكَرَامَةُ لا يُتَحَدَّى بها، وَمِنَ الكَرَامَاتِ مَا أَظْهرَهَا أَصحَابُها كإِظْهَارِ العَلاءِ بنِ الحَضْرَمِيِّ المشيَ علَى الماءِ وإِظْهارِ عُمَرَ مخاطبةَ سَارِيةَ عَلَى المنبرِ وَإِظهارِ أبي مُسلمٍ لمَّا أُلْقِيَ في النَّارِ أَنَّهَا صارَتْ عَلَيهِ بَرْدًا وَسَلامًا، وهذا بخلافِ من يَدْخُلُهَا بالشَّياطِينِ فإِنَّه قَدْ يُطْفئُها إِلا أَنَّها لا تَصِيرُ عَلَيهِ بردًا وَسَلامًا، وإِطْفَاءُ النَّارِ مَقْدُورٌ للإِنسِ والجِنِّ.
ومنها مَا يتحدَّى بهَا صَاحبُهَا أَنَّ دِينَ الإِسْلامِ حَقٌّ كَمَا فَعَلَ خَالدُ بنُ الوَليدِ لمَّا شَرِبَ السُّمَّ وَكالغُلامِ الَّذِي أَتَى الرَّاهِبَ وَتَرَكَ السَّاحِرَ، وأَمَرَ بقَتْلِ نَفْسِهِ بسَهْمِهِ باسْمِ رَبِّهِ، وَكَانَ قَبلَ ذَلِكَ قَدْ خُرِقَتْ لَهُ العَادَةُ فَلَمْ يَتَمَكَّنُوا مِن قَتْلِهِ، وَمِثْلُ هَذَا كَثيرٌ؛ فَيُقَالُ: المرَاتِبُ ثَلاثَةٌ: آياتُ الأنبياءِ، ثُمَّ كَرامَاتُ الصَّالحينَ، ثُمَّ خَوَارِقُ الكُفَّارِ وَالفُجَّارِ كَالسَّحَرَةِ وَالكُهَّانِ وَمَا يَحْصُلُ لِبعْضِ المشركينَ وَأَهْلِ الكِتَابِ والضُّلاَّلِ مِنَ المسْلِمينَ، أَمَّا الصَّالِحُونَ الَّذين يَدْعُونَ إِلَى طَرِيقِ الأَنبياءِ -لا يَخْرُجُونَ عَنْهَا-فَتِلكَ خَوارِقُهُمْ مِن مُعْجِزَاتِ الأَنبياءِ؛ فَإِنَّهُم يَقُولُونَ: نَحْنُ إِنَّمَا حَصَلَ لَنَا هَذَا باتِّبَاعِ الأَنبياءِ، وَلَو لَمْ نَتَّبِعْهُم لَمْ يَحْصُلْ لَنا هَذَا؛ فَهَؤُلاءِ إِذَا قُدِّرَ أَنَّهُ جَرَى عَلَى يَدِ أَحَدِهِمْ مَا هُوَ مِن جِنسِ مَا جَرَى لِلأَنبياءِ كَمَا صَارَتِ النَّارُ بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى أَبي مُسْلِمٍ كَمَا صَارَتْ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَكَمَا يُكْثِرُ اللهُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ لِكَثيرٍ مِنَ الصَّالِحينَ كَمَا جَرَى فِي بَعْضِ الموَاطِنِ لِلنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَوْ إِحْيَاءِ اللهِ مَيْتًا لِبَعْضِ الصَّالِحينَ كَمَا أَحْيَاهُ لِلأَنبياءِ، وَهِيَ أَيْضًا مِن مُعْجِزَاتِهِم بمنزِلَةِ مَا تَقَدَّمَهُم مِنَ الإِرْهَاصِ، وَمَعَ هَذَا فَالأَوْلِياءُ دُونَ الأَنبياءِ والمُرْسَلينَ فَلا تَبْلُغُ كَرَامَاتُ أَحَدٍ قَطُّ مِثْلَ مُعْجِزَاتِ المُرْسَلينَ، كَمَا أَنَّهُمْ لا يَبْلُغُونَ فِي الفَضيلةِ وَالثَّوَابِ إِلَى دَرَجَاتِهِم وَلَكِنَّهُم قَدْ يُشَارِكُونَهُم فِي بَعْضِهَا كَمَا قَدْ يُشَارِكُونَهُم فِي بَعْضِ أَعْمَالِهِمْ.
وَكَرَامَاتُ الصَّالِحينَ تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الدِّينِ الَّذِي جَاءَ بهِ الرَّسُولُ، لا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الوَلِيَّ مَعْصُومٌ، وَلا عَلَى أَنَّهُ تَجِبُ طَاعَتُهُ فِي كُلِّ مَا يَقُولُهُ.
وَمنْ هُنَا ضَلَّ كَثيرٌ مِنَ النَّاسِ مِنَ النَّصَارَى وَغيرِهِم؛ فَإِنَّ الحَوَارِيِّينَ وَغيرَهُم كَانَتْ لَهُمْ كَرَامَاتٌ كَمَا تَكُونُ الكَرَامَاتُ لِصَالِحي هذِهِ الأُمَّةِ فَظَنُّوا أَنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ عِصْمَتَهُم كَمَا يَسْتَلْزِمُ عِصْمَةَ الأَنْبِياءِ؛ فَصَارُوا يُوجِبُونَ مُوَافَقَتَهُم فِي كُلِّ مَا يَقُولُونَ، وَهَذَا غَلَطٌ؛ فَإِنَّ النَّبيَّ وَجَبَ قَبُولُ كُلِّ مَا يَقُولُ لِكَونِهِ نَبيًّا ادَّعَى النُّبَوَّةَ، وَدَلَّتِ المعجِزَةُ عَلَى صِدْقِهِ، وَالنَّبيُّ مَعْصُومٌ.
وَهُنَا المعجِزَةُ مَا دَلَّتْ عَلَى النُّبُوَّةِ بَلْ عَلَى مُتَابَعَةِ النَّبِيِّ وَصِحَّةِ دِينِ النَّبِيِّ؛ فَلا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ هَذَا التَّابِعُ مَعْصُومًا.
وَلَكِنَّ الَّذِي يَحْتَاجُ إِلَى الفُرْقَانِ الفَرْقُ بينَ الأَنبياءِ وَأَتْبَاعِهِمِ وَبَينَ مَنْ خَالَفَهُمْ مِن الكُفَّارِ وَالفُجَّارِ كَالسَّحَرَةِ وَالكُهَّانِ وَغَيْرِهِمْ حَتَّى يَظْهَرَ الفَرْقُ بَيْنَ الحَقِّ وَالبَاطِلِ وَبَيْنَ مَا يَكُونُ دَلِيلاً عَلَى صِدْقِ صَاحِبِهِ كَمُدَّعِي النُّبُوَّةِ وَبَينَ مَا لا يَكُونُ دَلِيلاً عَلَى صِدْقِ صَاحِبِهِ؛ فَإِنَّ الدَّلِيلَ لا يَكُونُ دَلِيلاً حَتَّى يَكُونَ مُسْتَلْزِمًا لِلْمَدْلُولِ مَتَى وُجِدَ وُجِدَ المدْلُولُ، وَإلا فَإِذَا وُجِدَ تَارَةً مَعَ وُجُودِ المدْلُولِ وَتَارَةً مَعَ عَدَمِهِ فَلَيْسَ بدَلِيلٍ؛ فَآياتُ الأَنبياءِ وَبَراهِينُهُم لا تُوجَدُ إِلاَّ مَعَ النُّبَوَّةِ، وَلا تُوجَدُ مَعَ مَا يُنَاقِضُ النُّبُوَّةَ، وَمُدَّعِي النُّبُوَّةِ إِمَّا صَادِقٌ وَإِمَّا كَاذِبٌ، وَالكَذِبُ يُنَاقِضُ النُّبُوَّةَ؛ فَلا يَجُوزُ أَنْ يُوجَدَ مَعَ المنَاقِضِ لَهَا مِثْلُ مَا يُوجَدُ مَعَهَا، وَلَيْسَ هُنَا شَيْءٌ مُخَالِفٌ لَهَا وَلا مُنَاقِضٌ؛ فَإِنَّ الكُفْرَ وَالسِّحْرَ وَالكَهَانَةَ كُلُّ ذَلِكَ يُنَاقِضُ النُّبُوَّةَ، لا يَجْتَمِعُ هُوَ وَالنُّبُوَّةُ.
وَالنَّاسُ رَجُلانِ: رَجُلٌ مُوافِقٌ لَهُمْ، وَرجُلٌ مُخَالِفٌ لَهُم، فَالمخَالِفُ مناقِضٌ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيُقَالُ: جِنْسُ آياتِ الأَنبياءِ خَارِجَةٌ عَنْ مَقْدُورِ البَشَرِ، بَلْ وَعَنْ مَقْدُورِ جِنسِ الحيَوانِ، وَأَمَّا خَوارِقُ مُخَالِفِيهِمْ كَالسَّحَرَةِ وَالكُهَّانِ فَإنَّهَا مِن جنسِ أَفْعَالِ الحَيوَانِ مِنَ الإِنسِ وَغيرِهِ مِنَ الحيَوَانِ وَالجِنِّ، مِثْلُ قَتْلِ السَّاحِرِ وَتَمْريضِهِ لِغَيرِهِ؛ فَهَذَا أَمْرٌ مَقْدُورٌ مَعْرُوفٌ لِلنَّاسِ بالسِّحْرِ وَغَيرِ السِّحْرِ، وَكَذَلِكَ رُكُوبُ المِكْنَسَةِ أَو الخَابيَةِ وَغيرِ ذَلِكَ حَتَّى تَطِيرَ بهِ، وَطَيَرَانُهُ فِي الهَوَاءِ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ هَذَا فِعْلٌ مَقْدُورٌ لِلْحَيَوَانِ، فَإِنَّ الطَّيْرَ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَالجِنَّ تَفْعَلُ ذَلِكَ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللهُ أَنَّ العِفْرِيتَ قَالَ لِسُلَيمَانَ: أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِن مَقَامِكَ، وَهَذَا تَصَرُّفٌ فِي أَعْرَاضِ الحَيِّ؛ فَإِنَّ المَوْتَ وَالمرَضَ وَالحرَكَةَ أَعْرَاضٌ، وَالحَيَوَانُ يَقْبَلُ فِي العَادَةِ مِثْلَ هَذِهِ الأَعْرَاضِ، لَيْسَ فِي هَذَا قَلْبُ جِنْسٍ إِلَى جِنْسٍ، وَلا فِي هَذَا مَا يَخْتَصُّ الرَّبُّ بالقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَلا مَا تَخْتَصُّ بهِ المَلائِكَةُ، وَكَذَلِكَ إِحْضَارُ مَا يُحْضَرُ مِن طَعَامٍ أَوْ نَفَقَةٍ أَوْ ثِيَابٍ أَوْ غَيرِ ذَلِكَ مِنَ الغَيْبِ، وَهذَا إِنَّما هُوَ نَقْلُ مَالٍ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ، وَهَذَا تَفْعَلُهُ الإِنْسُ وَالجِنُّ لَكِنِ الجِنُّ تَفْعَلُهُ وَالنَّاسُ لا يُبْصِرُونَ ذَلِكَ، وَهذَا بِخَلافِ كَوْنِ الماءِ القَلِيلِ نَفْسِهِ يَفِيضُ حَتَّى يَصِيرَ كَثِيرًا بأَنْ يَنْبُعَ مِن بَينِ الأَصَابِعِ مِنْ غَيرِ زِيادَةٍ يُزَادُهَا؛ فَهَذَا لا يَقْدِرُ عَلَيهِ إِنْسِيٌّ وَلا جِنِّيٌّ). [النبوات:4-5]
قالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الحَلِيمِ ابنُ تَيْمِيَّةَ الحَرَّانِيُّ (ت:728هـ): (وَالآياتُ الخَارِقَةُ جِنسَانِ: جِنْسٌ فِي نَوْعِ العِلْمِ، وَجِنْسٌ فِي نَوْعِ القُدْرَةِ؛ فَمَا اخْتَصَّ بهِ النَّبِيُّ مِنَ العِلْمِ خَارِجٌ عَن قُدْرَةِ الإِنْسِ وَالجِنِّ، ومَا اخْتَصَّ بهِ مِنَ المقْدُورَاتِ خَارِجٌ عَنْ قُدْرَةِ الإِنْسِ وَالجِنِّ). [النبوات:6]
قالَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الحَلِيمِ ابنُ تَيْمِيَّةَ الحَرَّانِيُّ (ت:728هـ): (وَكَوْنُ الآيَةِ خَارِقَةً للعَادَةِ أَوْ غَيرَ خَارِقَةٍ هُوَ وَصْفٌ لَم يَصِفْهُ القُرْآنُ وَالحَدِيثُ وَلا السَّلَفُ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي غَيرِ هَذَا المَوْضِعِ أَنَّ هَذَا وَصْفٌ لا يَنضَبِطُ، وَهُوَ عَدِيمُ التَّأْثِيرِ؛ فَإِنَّ نَفْسَ النُّبَوَّةِ مُعْتَادَةٌ لِلأَنبياءِ خَارِقَةٌ للعَادَةِ بالنِّسْبَةِ إِلَى غَيرِهِمْ، إِنَّ كَوْنَ الشَّخْصِ يُخْبِرُهُ اللهُ بالغَيْبِ خَبَرًا مَعْصُومًا هَذَا مُخْتَصٌّ بهِم وَلَيْسَ هَذَا مَوْجُودًا لِغَيرِهِمْ، فَضْلاً عَنْ كَوْنِهِ مُعْتَادًا؛ فَآيَةُ النَّبيِّ لا بُدَّ أَنْ تَكُونَ خَارِقَةً للعَادَةِ، بمَعْنَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مُعْتَادَةً لِلآدَمِيِّينَ، وَذَلِكَ لأَنَّهَا حِينَئِذٍ لا تَكُونُ مُخْتَصَّةً بالنَّبيِّ، بَلْ مُشْتَرِكَةً، وَبهَذَا احْتَجُّوا عَلَى أَنَّهُ لا بُدَّ أَنْ تَكُونَ خَارِقَةً لِلْعَادَةِ، لَكِنْ لَيْسَ فِي هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ خَارِقٍ آيَةٌ، فَالكَهَانَةُ وَالسِّحْرُ هُو مُعْتَادٌ للسَّحَرَةِ وَالكُهَّانِ، وَهُوَ خَارِقٌ بالنِّسْبَةِ إِلَى غَيْرِهِمْ، كَمَا أَنَّ مَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ الطِّبِّ وَالنُّجُومِ وَالفِقْهِ وَالنَّحْوِ هُوَ مُعْتَادٌ لِنُظَرَائِهِمْ، وَهُوَ خَارِقٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيْرِهِمْ، وَلِهَذَا إِذَا أَخْبَرَ الحَاسِبُ بِوَقْتِ الكُسُوفِ وَالخُسُوفِ تَعَجَّبَ النَّاسُ إِذَا كَانُوا لا يَعْرِفُونَ طَرِيقَهُ). [النبوات:13]
قالَ عَلِيُّ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ ابنُ أَبي العِزِّ الحَنَفِيُّ (ت:792هـ): (وَالطَّرِيقَةُ المَشْهُورَةُ عِنْدَ أَهْلِ الكَلامِ وَالنَّظَرِ، تَقْرِيرُ نُبُوَّةِ الأنْبِيَاءِ بِالمُعْجِزَاتِ، لَكِنْ كَثِيرٌ مِنْهُمْ لا يَعْرِفُ نُبُوَّةَ الأنْبِيَاءِ إِلا بِالمُعْجِزَاتِ، وَقَرَّرُوا ذَلِكَ بِطُرُقٍ مُضْطَرِبَةٍ، وَالتَزَمَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ إِنْكَارَ خَرْقِ العَادَاتِ لِغَيْرِ الأنْبِيَاءِ، حَتَّى أَنْكَرُوا كَرَامَاتِ الأوْلِيَاءِ وَالسِّحْرَ، وَنَحْوَ ذَلِكَ.
وَلا رَيْبَ أَنَّ المُعْجِزَاتِ دَلِيلٌ صَحِيحٌ، لَكِنَّ الدَّلِيلَ غَيْرُ مَحْصُورٍ فِي المُعْجِزَاتِ، فَإِنَّ النُّبُوَّةَ إِنَّمَا يَدَّعِيهَا أَصْدَقُ الصَّادِقِينَ أَوْ أَكْذَبُ الكَاذِبِينَ، وَلا يَلْتَبِسُ هَذَا بِهَذَا إِلا عَلَى أَجْهَلِ الجَاهِلِينَ. بَلْ قَرَائِنُ أَحْوَالِهِمَا تُعْرِبُ عَنْهُمَا، وَتُعَرِّفُ بِهِمَا، وَالتَّمْيِيزُ بَيْنَ الصَّادِقِ وَالكَاذِبِ لَهُ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ فِيمَا دُونَ دَعْوَى النُّبُوَّةِ، فَكَيْفَ بِدَعْوَى النُّبُوَّةِ؟!
وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَ حَسَّانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:

لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ آيَاتٌ مُبَيِّنَةٌ.....كَانَتْ بَدِيهَتُهُ تَأْتِيكَ بِالخَبَرِ
وَمَا مِنْ أَحَدٍ ادَّعَى النُّبُوَّةَ مِنَ الكَذَّابِينَ إِلا وَقَدْ ظَهَرَ عَلَيْهِ مِنَ الجَهْلِ وَالكَذِبِ وَالفُجُورِ وَاسْتِحْوَاذِ الشَّيَاطِينِ عَلَيْهِ - مَا ظَهَرَ لِمَنْ لَهُ أَدْنَى تَمْيِيزٍ؛ فَإِنَّ الرَّسُولَ لا بُدَّ أَنْ يُخْبِرَ النَّاسَ بِأُمُورٍ وَيَأْمُرَهُمْ بِأُمُورٍ، وَلا بُدَّ أَنْ يَفْعَلَ أُمُورًا [ يُبَيِّنُ بِهَا صِدْقَهُ ]. وَالكَاذِبُ يَظْهَرُ فِي نَفْسِ مَا يَأْمُرُ بِهِ وَيُخْبِرُ عَنْهُ وَمَا يَفْعَلُهُ مَا يَبِينُ بِهِ كَذِبُهُ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ، وَالصَّادِقُ ضِدُّهُ، بَلْ كُلُّ شَخْصَيْنِ ادَّعَيَا أَمْرًا: أَحَدُهُمَا صَادِقٌ وَالآخَرُ كَاذِبٌ لا بُدَّ أَنْ يَظْهَرَ صِدْقُ هَذَا وَكَذِبُ هَذَا، وَلَوْ بَعْدَ مُدَّةٍ، إِذِ الصِّدْقُ مُسْتَلْزِمٌ لِلْبِرِّ، وَالكَذِبُ مُسْتَلْزِمٌ لِلْفُجُورِ، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ؛ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى البِرِّ، وَإِنَّ البِرَّ يَهْدِي إِلَى الجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ، حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالكَذِبَ؛ فَإِنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ، وَإِنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الكَذِبَ، حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا».
وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (223) وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ (226)} [الشعراء: 221-226].
فَالكُهَّانُ وَنَحْوُهُمْ، وَإِنْ كَانُوا أَحْيَانًا يُخْبِرُونَ بِشَيْءٍ مِنَ الغَيْبِيَّاتِ، وَيَكُونُ صِدْقًا، فَمَعَهُمْ مِنَ الكَذِبِ وَالفُجُورِ مَا يُبَيِّنُ أَنَّ الَّذِي يُخْبِرُونَ بِهِ لَيْسَ عَنْ مَلَكٍ، وَلَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ، وَلِهَذَا لَمَّا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لابْنِ صَيَّادٍ: قَدْ خَبَّأْتُ لَكَ خَبِيئًا، فَقَالَ: هُوَ الدُّخُّ . قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « اخْسَأْ، فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ». يَعْنِي: إِنَّمَا أَنْتَ كَاهِنٌ.
وَقَدْ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَأْتِينِي صَادِقٌ وَكَاذِبٌ. وَقَالَ: أَرَى عَرْشًا عَلَى المَاءِ، وَذَلِكَ هُوَ عَرْشُ الشَّيْطَانِ. وَبَيَّنَ أَنَّ الشُّعَرَاءَ يَتَّبِعُهُمُ الغَاوُونَ، وَالغَاوِي: الَّذِي يَتَّبِعُ هَوَاهُ وَشَهْوَتَهُ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُضِرًّا لَهُ فِي العَاقِبَةِ.
فَمَنْ عَرَفَ الرَّسُولَ وَصِدْقَهُ وَوَفَاءَهُ وَمُطَابَقَةَ قَوْلِهِ لِعَمَلِهِ - عَلِمَ عِلْمًا يَقِينًا أَنَّهُ لَيْسَ بِشَاعِرٍ وَلا كَاهِنٍ.
وَالنَّاسُ يُمَيِّزُونَ بَيْنَ الصَّادِقِ وَالكَاذِبِ بِأَنْوَاعٍ مِنَ الأدِلَّةِ، حَتَّى فِي المُدَّعِي لِلصِّنَاعَاتِ وَالمَقَالاتِ، كَمَنْ يَدَّعِي الفِلاحَةَ وَالنِّسَاجَةَ وَالكِتَابَةَ، وَعِلْمَ النَّحْوِ وَالطِّبِّ وَالفِقْهِ وَغَيْرَ ذَلِكَ.
وَالنُّبُوَّةُ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى عُلُومٍ وَأَعْمَالٍ لا بُدَّ أَنْ يَتَّصِفَ الرَّسُولُ بِهَا، وَهِيَ أَشْرَفُ العُلُومِ وَأَشْرَفُ الأعْمَالِ. فَكَيْفَ يَشْتَبِهُ الصَّادِقُ فِيهَا بِالكَاذِبِ؟ وَلا رَيْبَ أَنَّ المُحَقِّقِينَ عَلَى أَنَّ خَبَرَ الوَاحِدِ وَالاثْنَيْنِ وَالثَّلاثَةِ: قَدْ يَقْتَرِنُ بِهِ مِنَ القَرَائِنِ مَا يَحْصُلُ مَعَهُ العِلْمُ الضَّرُورِيُّ، كَمَا يَعْرِفُ الرَّجُلُ رِضَى الرَّجُلِ وَحُبَّهُ وَبُغْضَهُ وَفَرَحَهُ وَحُزْنَهُ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا فِي نَفْسِهِ، بِأُمُورٍ تَظْهَرُ عَلَى وَجْهِهِ، قَدْ لا يُمْكِنُ التَّعْبِيرُ عَنْهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ} ثُمَّ قَالَ: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ القَوْلِ}[محمد: 30].
وَقَدْ قِيلَ: مَا أَسَرَّ أَحَدٌ سَرِيرَةً إِلا أَظْهَرَهَا اللَّهُ عَلَى صَفَحَاتِ وَجْهِهِ وَفَلَتَاتِ لِسَانِهِ.
فَإِذَا كَانَ صِدْقُ المُخْبِرِ وَكَذِبُهُ يُعْلَمُ بِمَا يَقْتَرِنُ مِنَ القَرَائِنِ، فَكَيْفَ بِدَعْوَى المُدَّعِي أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، كَيْفَ يَخْفَى صِدْقُ هَذَا مِنْ كَذِبِهِ؟ وَكَيْفَ لا يَتَمَيَّزُ الصَّادِقُ فِي ذَلِكَ مِنَ الكَاذِبِ بِوُجُوهٍ مِنَ الأدِلَّةِ؟
وَلِهَذَا لَمَّا كَانَتْ خَدِيجَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَعْلَمُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ الصَّادِقُ البَارُّ، قَالَ لَهَا لَمَّا جَاءَهُ الوَحْيُ:(( إِنِّي قَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي)).فَقَالَتْ: كَلاّ وَاللَّهِ لا يُخْزِيكَ اللَّهُ، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ.
فَهُوَ لَمْ يَخَفْ مِنْ تَعَمُّدِ الكَذِبِ، فَهُوَ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَمْ يَكْذِبْ، وَإِنَّمَا خَافَ أَنْ يَكُونَ قَدْ عَرَضَ لَهُ عَارِضُ سُوءٍ، وَهُوَ المَقَامُ الثَّانِي، فَذَكَرَتْ خَدِيجَةُ مَا يَنْفِي هَذَا، وَهُوَ مَا كَانَ مَجْبُولاً عَلَيْهِ مِنْ مَكَارِمِ الأخْلاقِ وَمَحَاسِنِ الشِّيَمِ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ سُنَّةِ اللَّهِ أَنَّ مَنْ جَبَلَهُ عَلَى الأخْلاقِ المَحْمُودَةِ وَنَزَّهَهُ عَنِ الأخْلاقِ المَذْمُومَةِ فَإِنَّهُ لا يُخْزِيهِ.
وَكَذَلِكَ قَالَ النَّجَاشِيُّ لَمَّا اسْتَخْبَرَهُمْ عَمَّا يُخْبِرُ بِهِ وَاسْتَقْرَأَهُمُ القُرْآنَ فَقَرَؤُوا عَلَيْهِ: إِنَّ هَذَا وَالَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ لَيَخْرُجُ مِنْ مِشْكَاةٍ وَاحِدَةٍ. وَكَذَلِكَ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ، لَمَّا أَخْبَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا رَآهُ، وَكَانَ وَرَقَةُ قَدْ تَنَصَّرَ، وَكَانَ يَكْتُبُ الإِنْجِيلَ بِالعَرَبِيَّةِ، فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: أَيْ عَمِّ، اسْمَعْ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ مَا يَقُولُ، فَأَخْبَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا رَأَى فَقَالَ: هَذَا هُوَ النَّامُوسُ الَّذِي كَانَ يَأْتِي مُوسَى).
[شرح الطحاوية:1/179]


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 6 جمادى الأولى 1435هـ/7-03-2014م, 10:18 PM
أروى المطيري أروى المطيري غير متواجد حالياً
فريق تنسيق النصوص
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 405
افتراضي

كيف يتم السحر؟


قالَ ابْنُ القَيِّمِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الزُّرَعِيُّ الدِّمَشْقِيُّ (ت: 751 هـ): (وقَلَّمَا يَتَأَتَّى السحْرُ بدُونِ نوعِ عِبادةٍ للشيطانِ وتَقَرُّبٍ إليه: إمَّا بِذَبْحٍ باسمِه، أو بِذَبْحٍ يَقْصِدُه به هو، فيكونُ ذَبْحًا لغيرِ اللهِ، وبغيرِ ذلك من أنواعِ الشرْكِ والفُسوقِ، والساحرُ وإن لم يُسَمِّ هذه عِبادةً للشيطانِ فهو عِبادةٌ له، وإن سَمَّاه بما سَمَّاهُ به، فإنَّ الشرْكَ والكُفْرَ هو شِرْكٌ وكُفْرٌ لِحَقيقتِه ومعناه لا لاسمِه ولفْظِه، فمَن سَجَدَ لمخلوقٍ وقالَ: ليس هذا بسجودٍ له، هذا خُضوعٌ، وتقبيلُ الأرضِ بالجَبْهَةِ كما أُقَبِّلُها بالنِّعَمِ، أو هذا إكرامٌ؛ لم يَخْرُجْ بهذه الألفاظِ عن كونِه سُجُودًا لغيرِ اللهِ فلْيُسَمِّه بما شاءَ.
وكذلك مَن ذَبَحَ للشيطانِ ودَعاهُ واستعاذَ به وتَقَرَّبَ إليه بما يُحِبُّ فقد عَبَدَه، وإن لم يُسَمِّ ذلك عِبادةً، بل يُسَمِّيهِ استخدامًا ما، وصَدَقَ هو استخدامٌ من الشيطانِ له فيَصيرُ من خَدَمِ الشيطانِ وعَابِدِيهِ، وبذلك يَخْدُمُه الشيطانُ، لكنَّ خِدْمَةَ الشيطانِ له ليست خِدْمَةَ عِبادةٍ، فإنَّ الشيطانَ لا يَخْضَعُ له ويَعْبُدُه كما يَفعَلُ هو به.
والمقصودُ أنَّ هذا عِبادةٌ منه للشيطانِ، وإنما سَمَّاه استخدامًا؛ قالَ تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُم يَا بَنِي آدَمَ أَن لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60)}[يس: 60] وقالَ تعالى:{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الجِنَّ أَكْثَرُهُم بِهِم مُؤْمِنُونَ (41)}[سبأ: 40، 41] فهؤلاءِ وأَشباهُهم عُبَّادُ الجِنِّ والشياطينِ، وهم أولياؤُهم في الدنيا والآخِرَةِ، ولَبِئْسَ المَوْلَى ولَبِئْسَ العَشِيرُ، فهذا أَحَدُ النوعينِ.
والنوعُ الثاني: مَن يُعينُه الشيطانُ وإن لم يَسْتَعِنْ به، وهو الحاسِدُ لأنه نائبُه وخَليفتُه؛ لأنَّ كِلَيْهِما عَدُوُّ نِعَمِ اللهِ ومُنَغِّصُها على عِبادِه).
[بدائع الفوائد: 2/235-236]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 6 جمادى الأولى 1435هـ/7-03-2014م, 10:19 PM
أروى المطيري أروى المطيري غير متواجد حالياً
فريق تنسيق النصوص
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 405
افتراضي

الترهيب من عمل السحر وتعلمه


قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (فِي التَّرْهِيبِ مِن تَعَلُّمِ السِّحْرِ وَعَمَلِهِ آيَاتٌ عَظِيمَةٌ فِيهَا أَبلَغُ الزَّجْرِ عَن هَذَا العَمَلِ القَبيحِ:
قَالَ اللهُ تَعَالَى: {واتَّبعُوا ما تَتْلُو الشَّياطينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ ومَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ ببَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِن أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتنةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بهِ بينَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بضَارِّينَ بهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بإذْنِ اللهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبئْسَ مَا شَرَوْا بهِ أَنْفُسَهُمْ لَو كَانُوا يَعْلَمُونَ . وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102)} [البقرة: 102]. وقال: {ولا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حيثُ أَتَى (69)} [طه: 69]، وقال: {ولا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (77)} [يونس: 77] ).

حديث أبي هريرة
قالَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيلَ البُخَارِيُّ (ت:256هـ):( حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي الغَيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ »
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟
قَالَ: « الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلاتِ » ). [صحيح البخاري/ كتاب الوصايا]
قالَ مُحْيِي الدِّين يَحْيَى بنُ شَرَفٍ النَّوَوِيُّ (ت:676هـ): (وَأَمَّا الموبقَاتُ فَهِيَ المُهْلِكَاتُ، يُقَالُ: وَبَقَ الرَّجُلُ -بفَتْحِ البَاءِ- يَبِقُ -بكَسْرِهَا-وَوُبِقَ -بضَمِّ الوَاوِ وَكَسْرِ البَاءِ- يُوبَقُ، إذَا هَلَكَ، وَأَوْبَقَ غَيْرَهُ أَيْ أَهْلَكَهُ). [شرح صحيح مسلم: ]
- قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (هذا الحديثُ رواه البخاريُّ ومسلمٌ وأبو داود والنَّسائيُّ وأبو عوانةَ والطحاويُّ وابنُ حِبانَوابنُ أبي عاصمٍ في كتابِ الجهادِوالبيهقيُّ، كلُّهم من طُرُقٍ عن سليمانَ بنِ بلالٍ عن ثورِ بنِ زيدٍ عن أبي الغيثِ عن أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه به).

حديث آخر لأبي هريرة
قال أحمدُ بنُ شُعيبٍ النَّسائيُّ (ت:303هـ): (أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ مَيْسَرَةَ المِنْقَرِيُّ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: « مَنْ عَقَدَ عُقْدَةً ثُمَّ نَفَثَ فِيهَا فَقَدْ سَحَرَ، وَمَنْ سَحَرَ فَقَدْ أَشْرَكَ، وَمَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْهِ » ). [السنن الكبرى: برقم 3542]
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: ( هذا الحديثُ رواه النسائيُّ فِي السُّننِ الكُبرَى وَالصُّغرَى وَابنُ عديٍّ والطبرانيُّ في الأوسطِ كلُّهم من طريقِ عبادِ بنِ ميسرةَ المِنْقَرِيِّ عن الحسنِ عن أبي هريرةَ به.
وَسماعُ الحسنِ من أبي هريرةَ مختلفٌ فيه، والصَّحيحُ أنه سمع منه أحاديثَ فقد صح َّعنه التصريحُ بالسماعِ.
وعبادٌ ضعَّفه أحمدُ، وقالَ يَحيى بنُ مَعينٍ: لا بأسَ به، وقال ابنُ عَدِيٍّ: هو ممن يُكتَبُ حديثُه.
وَقَدْ رَوَى عبدُ الرزاقِ عن أبانٍ عن الحسنِ نحوَه مرسلاً، ولفظُه: « مَنْ عَقَد عُقْدَةً فِيهَا رُقْيَةٌ فَقَدْ سَحَرَ، وَمَنْ سَحَرَ فَقَدْ كَفَرَ، وَمَنْ عَلَّقَ عُلْقَةً وُكِلَ إِلَيْهَا».
وأبانُ هو ابنُ أبي عياشٍ، متروكُ الحديثِ.
قال ابنُ حجرٍ: حكى الخليليُّ في الإرشادِ بسندٍ صحيحٍ أن أحمدَ قالَ ليحيى بنِ مَعينٍ وهو يكتُبُ عن عبدِ الرزاقِ عن معمرٍ عن أبانٍ نسخةً: تكتُبُ هذه وأنت تعلَمُ أن أبانَ كذابٌ؟
فقال: يرحمُك اللهُ يا أبا عبدِ اللهِ، أكتبُها وأحفظُها حتى إذا جاء كذابٌ يرويها عن معمرٍ عن ثابتٍ عن أنسٍ أقولُ له: كذبت إنما هو أبانُ).
قالَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَبِيبٍ المَاوَرْدِيُّ (ت: 450هـ): (وقد رَوَى الحَسَنُ عن أبي هُريرةَ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ أنه قالَ: ((مَنْ عَقَدَ عُقْدَةً ثُمَّ نَفَثَ فِيهَا فَقَدْ سَحَرَ، وَمَنْ سَحَرَ فَقَدْ أَشْرَكَ، وَمَنْ تَعَلَّقَ شَيْئاً وُكِلَ إِلَيْهِ))). [النكت والعيون: 6/ 375-376]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القُرْطُبِيُّ (ت: 671هـ): (ورَوَى النَّسَائِيُّ عن أَبِي هُرَيْرَةَ, قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ عَقَدَ عُقْدَةً ثُمَّ نَفَثَ فِيهَا، فَقَدْ سَحَرَ، وَمَنْ سَحَرَ فَقَدْ أَشْرَكَ، وَمَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْهِ)) ). [الجامع لأحكام القرآن: 20/258](م)
قالَ عُمَرُ بنُ عَلِيِّ بْنِ عَادِلٍ الدِّمَشْقِيُّ الحَنْبَلِيُّ (ت: 880هـ): (رَوَى النَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ عَقَدَ عُقْدَةً ثُمَّ نَفَثَ فِيهَا، فَقَدْ سَحَرَ، وَمَنْ سَحَرَ فَقَدْ أَشْرَكَ، وَمَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْهِ)) ). [اللباب: 20/573]
قالَ جَلالُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ): (وَأَخْرَجَ النسائيُّ وَابْنُ مَرْدُويَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَنْ عَقَدَ عُقْدَةً ثُمَّ نَفَثَ فِيهَا فَقَدْ سَحَرَ، وَمَنْ سَحَرَ فَقَدْ أَشْرَكَ، فَمَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْهِ))). [الدر المنثور: 15/801]
قالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الشَّوْكَانِيُّ (ت: 1250هـ): (وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ وَابنُ مَرْدُويَه عن أَبِي هُرَيْرَةَ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَنْ عَقَدَ عُقْدَةً ثُمَّ نَفَثَ فِيهَا فَقَدْ سَحَرَ، وَمَنْ سَحَرَ فَقَدْ أَشْرَكَ، وَمَنْ تَعَلَّقَ شَيْئاً وُكِلَ إِلَيْهِ)) ). [فتح القدير: 5/760]
قالَ مُحَمَّد صِدِّيق حَسَن خَان القِنَّوْجِيُّ (ت: 1307هـ): (وأَخْرَجَ النسائيُّ وَابنُ مَرْدُوَيْهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَنْ عَقَدَ عُقْدَةً ثُمَّ نَفَثَ فِيهَا فَقَدْ سَحَرَ، وَمَنْ سَحَرَ فَقَدْ أَشْرَكَ وَمَنْ تَعَلَّقَ شَيْئاً وُكِلَ إِلَيْهِ)) ). [فتح البيان: 15/461] (م)
قالَ مُحَمَّد الطَّاهِرُ بْن عَاشُور (ت: 1393هـ): (والعُقَدُ: جَمْعُ عُقْدَةٍ، وهي ربْطٌ في خَيْطٍ أو وَتَرٍ يَزعُمُ السحَرَةُ أنَّ سِحْرَ المَسحورِ يَستَمِرُّ ما دامَتْ تلك العُقدةُ مَعقودةً، ولذلك يَخافونَ مِن حَلِّها، فيَدْفِنُونَها أو يُخَبِّئُونَها في مَحَلٍّ لا يُهتَدَى إليه).
[التحرير والتنوير: 30/628]

مرسل صفوان بن سليم
قالَ عبدُ الرَّزَّاقِ بنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت:211هـ): (عَنْ إبراهيمَ، عن صَفْوانَ بنِ سُليمٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « مَنْ تَعَلَّمَ شَيْئًا مِنَ السِّحْرِ قَلِيلاً أَوْ كَثِيرًا كَانَ آخِرَ عَهْدِهِ مِنَ اللهِ » ).
[مصنف عبد الرزاق:1/179]


رد مع اقتباس
  #10  
قديم 6 جمادى الأولى 1435هـ/7-03-2014م, 10:20 PM
أروى المطيري أروى المطيري غير متواجد حالياً
فريق تنسيق النصوص
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 405
افتراضي

عقوبة الساحر

حديث جندب بن كعب
قالَ مُحَمَّدُ بنُ عِيسَى بنِ سَوْرَةَ التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ): (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ جُنْدُبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبَةٌ بِالسَّيْفِ )).
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ لا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلا مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ المَكِّيُّ يُضَعَّفُ فِي الحَدِيثِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ العَبْدِيُّ البَصْرِيُّ قَالَ وَكِيعٌ: هُوَ ثِقَةٌ. وَيُرْوَى عَنِ الحَسَنِ أَيْضًا، وَالصَّحِيحُ عَنْ جُنْدُبٍ مَوْقُوفٌ، وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ. وقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنَّمَا يُقْتَلُ السَّاحِرُ إِذَا كَانَ يَعْمَلُ فِي سِحْرِهِ مَا يَبْلُغُ بِهِ الكُفْرَ، فَإِذَا عَمِلَ عَمَلاً دُونَ الكُفْرِ فَلَمْ نَرَ عَلَيْهِ قَتْلاً). [سنن الترمذي: 5/383]
- قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (هذا الحديثُ رواه التِّرمذيُّ والدارَقطنيُّ وأبو نُعيمٍ الأصبهانيُّ وابنُ أبي عاصمٍ والحاكِمُ والبيهقيُّ وغيرُهم من طُرُقٍ عن إسماعيلَ بنِ مسلمٍ عن الحسنِ عن جُنْدُبِ الخيرِ مرفوعاً به.
قال الترمذيُّ في العِلَلِ: (سألتُ محمداً -يعني البُخاريَّ -عن هذا الحديثِ فقال: هذا لا شيءَ ،وإِنما رواه إسماعيلُ بنُ مسلمٍ، وضَعَّف إسماعيلَ بنَ مسلمٍ المكيَّ جِدًّا).
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: وقد رواه عبدُ الرزاقِ عن إسماعيلَ عن الحسنِ مرسلاً.
وقد صحَّ عن جندبٍ أنه قتَل ساحراً في الكُوفةِ، وسيأتي خبرُه إن شاء اللهُ).

قتل جندب بن كعب ساحراً لدى الوليد بن عقبة
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ ابنُ أَبي شَيبَة العَبْسِيُّ (ت:235هـ):(حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ؛ أَنَّ جُنْدَبًا قَتَلَ سَاحِرًا، أَوْ أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَهُ). [مصنف ابن أبي شيبة:10/135]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ الحَاكِمُ النَّيسَابُورِيُّ (ت: 405هـ): (أخبرَنَا أبو عبدِ الرَّحمنِ محمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ أبي الوزيرِ التَّاجرُ، أنبأَ أبو حاتمٍ محمَّدُ بنُ إدريسَ الحَنْظَلِيُّ بالرِّيِّ، ثنَا محمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ الأنصاريُّ، ثنَا الأشعثُ بنُ عبدِ الملكِ، عن الحسنِ، أنَّ أميراً من أمراءِ الكوفةِ دعا ساحراً يلعَبُ بينَ يدي النَّاسِ فبُلِّغَ جندبٌ، فأقبلَ بسيفِهِ واشتملَ عليهِ، فلمَّا رآهُ ضربَهُ بسيفِهِ، فتفرَّقَ النَّاسُ عنه، فقالَ: أيُّهَا النَّاسُ، لن تُرَاعُوا، إنَّمَا أردْتُ السَّاحرَ. فأخذَهُ الأميرُ فحبسَهُ، فبلغَ ذلك عثمانَ فقالَ: بئسَ ما صنعَا، لم يكنْ ينبغِي لهذا وهو إمامٌ يُؤْتَمُّ بهِ يدعُو ساحراً يلعَبُ بينَ يديهِ، ولا ينبغِي لهذا أنْ يعاتِبَ أميرَهُ بالسَّيفِ). [المستدرك: 4/401]
- قال عبد العزيز بن داخل المطيري: ( قال الألبانيُّ في السلسلةِ الضعيفةِ (3/642): (أخرجه الدارقطنيُّ وعنه البيهقيُّ وابنُ عساكرَ في تاريخِ دِمَشقَ (4/19/1 و2 ) من طرقٍ عن هُشيمٍ به، وهذا إسنادٌ صحيحٌ موقوفٌ، صرح فيه هُشيمٌ بالتحديثِ.
وله طريقٌ أخرى عند البيهقيِّ عن ابنِ وهبٍ: أخبرني ابنُ لَهيعةَ عن أبي الأسودِ، أن الوليدَ بنَ عُقبةَ كان بالعراقِ يلعَبُ بين يديه ساحرٌ، وكان يضرِبُ رأسَ الرجلِ، ثم يَصيحُ به فيقومُ خارجًا، فيرتدُّ إليه رأسُه، فقال الناسُ: سبحانَ اللهِ، يُحيى الموتى ! ورآه رجلٌ من صالحِ المهاجرينَ، فنظر إليه، فلما كان من الغدِ، اشتمل على سيفِه فذهب يلعَب لعبَه ذلك، فاخترط الرجلُ سيفَه فضرب عُنُقَه، فقال : إن كان صادقًا فَلْيُحْيِ نفسَه ! وأمر به الوليدُ ديناراً صاحبَ السجن -وكان رجلا صالحا-فسجنه، فأعجبه نَحْوُ الرجلِ، فقال : أتستطيعُ أن تهرُبَ؟ قال: نعم، قال: فاخرُجْ لا يسألُني اللهُ عنك أبداً".
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: وهذا إسنادٌ صحيحٌ إن كان أبو الأسودِ أدرك القصةَ فإنه تابعيٌّ صغيرٌ، واسمُه محمدُ بنُ عبدِ الرحمنِ بنِ نوفلٍ يتيمُ عُروةَ). اهـ باختصارٍ).

ما رُوي عن عمر بن الخطاب في قتل السحَرَة
حديث بَجالة بن عبدة العنبري
قالَ مُحَمَّدُ بنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ (ت:204هـ): (أخبرنا سُفْيَانُ عن عَمْرِو بن دِينَارٍ أَنَّهُ سمِع بَجَالَةَ يقول: كَتَبَ عُمَرُ أَنِ اقْتُلُوا كُلَّ سَاحِرٍ وَسَاحِرَةٍ؛ فَقَتَلْنَا ثَلاثَ سَوَاحِرَ). [الأم:1/255]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ ابنُ أَبي شَيبَة العَبْسِيُّ (ت:235هـ):(حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، سَمِعَ بَجَالَة يَقُولُ : كُنْتُ كَاتِبًا لِجَزْءِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، فَأَتَانَا كِتَابُ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ أَنِ اقْتُلُوا كُلَّ سَاحِرٍ وَسَاحِرَةٍ. قَالَ : فَقَتَلْنَا ثَلاثَ سَوَاحِرَ). [مصنف ابن أبي شيبة:10/136]
قالَ عبدُ الرَّزَّاقِ بنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت:211هـ): (عنِ ابنِ جُرَيْجٍ قالَ: أخبرَنِي عَمْرُو بنُ دينارٍ أَنَّ عُمَرَ بنَ الخطَّابِ كَتبَ إِلَى جَزْءِ بنِ مُعَاوِيةَ عَمِّ الأَحنفِ بنِ قيسٍ وَكانَ عَامِلاً لِعُمَرَ أَنِ اقْتُلْ كُلَّ سَاحِرٍ، وَكَانَ بَجَالةُ كَاتِبَ جَزْءٍ. قَالَ بَجَالةُ: فَأَرْسَلنَا فَوجَدْنَا ثَلاثَ سَواحِرَ فَضَرَبْنَا أَعْنَاقَهُنَّ). [مصنف عبد الرزاق:1/179]
قالَ عبدُ الرَّزَّاقِ بنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت:211هـ): (عن مَعْمَرٍ وابنِ عُيينةَ عنْ عَمْرِو بنِ دِينارٍ قَالَ: سَمِعْتُ بَجالةَ يُحَدِّثُ أَبا الشَّعْثَاءِ وَعَمْرَو بنَ أَوْسٍ عِنْدَ صُفَّةِ زَمْزَمَ فِي إِمارَةِ مُصعبِ بنِ الزُّبيرِ، قَالَ: كُنْتُ كَاتِبًا لِجَزْءٍ عَمِّ الأَحنفِ بنِ قَيْسٍ، فَأتَانَا كِتَابُ عُمَرَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَنَةٍ: اقْتُلُوا كُلَّ سَاحِرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَ كُلِّ ذِي مَحْرَمٍ مِنَ المجوسِ وَانْهَهُمْ عَنِ الزَّمْزَمَةِ. فَقَتَلْنَا ثَلاثَ سَواحِرَ.
قال: وَصَنَعَ طَعَامًا كَثِيرًا وَأَعْرَضَ السَّيْفَ ثُمَّ دَعَا المجوسَ، فَأَلْقَوا قَدْرَ بَغْلٍ أَوْ بَغْلَينِ مِنَ وَرِقِ أَخِلَّةً كَانُوا يَأْكُلونَ بهَا، وَأَكَلُوا بغَيرِ زَمْزَمَةٍ.
قال: وَلَمْ يَكُنْ عُمَرُ أَخَذَ مِنَ المجوسِ الجِزْيَةَ حَتَّى شَهِدَ عَبْدُ الرَّحمنِ بنُ عَوفٍ أَنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَهَا مِن مجوسِ أَهْلِ هَجَرَ). [مصنف عبد الرزاق:1/179]
- قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (قال ابن الأثيرِ: (الزَّمزمةُ: كلامٌ يقولونه عند أكْلِهم بصَوتٍ خَفِيٍّ).
وقالَ أيضاً : (وفي حديث عُمرَ والمجوسِ (فألْقَوْا وِقْرَ بَغْلٍ أو بَغْلَيْنِ من الوَرِق) الوِقْرُ بكسرِ الواوِ: الحِمْلُ، وأكثرُ ما يُستَعْمَلُ في حِمْلِ البَغْلِ والحِمارِ، يريدُ حِملَ بَغْلٍ أو بَغْلينِ أخِلّةً من الفِضَّةِ كانوا يأكُلون بها الطَّعامَ فأعطَوْها ليُمَكَّنوا من عَادَتِهِمْ في الزَّمْزَمةِ) ).

أثر آخَر عن عمر
قالَ عبدُ الرَّزَّاقِ بنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت:211هـ): (عن عبدِ الرَّحمنِ، عَن المُثَنَّى، عَن عمرِو بنِ شُعَيْبٍ، عَنِ ابنِ المُسَيَّبِ، أَنَّ عُمَرَ بنَ الخطَّابِ أَخَذَ سَاحِراً فَدَفَنَهُ إِلَى صَدْرِهِ ثُمَّ تَرَكَهُ حَتَّى مَاتَ). [مصنف عبد الرزاق:1/182]

أثر حفصة وابن عمر
قالَ عبدُ الرَّزَّاقِ بنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت:211هـ): (عَنْ عَبْدِ اللهِ أو عُبَيدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابنِ عُمَرَ، أَنَّ جَارِيَةً لِحَفْصَةَ سَحَرَتْهَا وَاعْتَرَفَتْ بذَلِكَ، فَأَمَرَتْ بهَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ زَيْدٍ فَقَتَلَهَا، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا عُثْمَانُ، فَقَالَ ابنُ عُمَرَ: مَا تُنْكِرُ عَلَى أُمِّ المؤْمِنِينَ مِنِ امْرَأَةٍ سَحَرَتْ وَاعْتَرَفَتْ؟ فَسَكَتَ عُثْمَانُ). [مصنف عبد الرزاق:1/179]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ ابنُ أَبي شَيبَة العَبْسِيُّ (ت:235هـ):(حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَن نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ جَارِيَةً لِحَفْصَةَ سَحَرَتْهَا، وَوَجَدُوا سِحْرَهَا، وَاعْتَرَفَتْ، فَأَمَرَت عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ زَيْدٍ فَقَتَلَهَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُثْمَانَ فَأَنْكَرَهُ، وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ، فَأَتَاهُ ابْنُ عُمَرَ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهَا سَحَرَتْهَا، وَوَجَدُوا سِحْرَهَا، وَاعْتَرَفَتْ بِهِ، فَكَأَنَّ عُثْمَانَ إِنَّمَا أَنْكَرَ ذَلِكَ لأَنَّهَا قُتِلَتْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ). [مصنف ابن أبي شيبة:10/135]

أثر قيس بن سعد بن عبادة
قالَ عبدُ الرَّزَّاقِ بنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت:211هـ): (عنِ ابن عُيينةَ، عن عمرِو بنِ دِينَارٍ، عَن سَالِمِ بنِ أَبي الجَعْدِ، أَنَّ سَعْدَ بنَ قَيْسٍ -أَوْ قَيْسَ بنَ سَعْدٍ- قَتَلَ سَاحِرًا). [مصنف عبد الرزاق:1/179]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ ابنُ أَبي شَيبَةَ العَبْسِيُّ (ت:235هـ):(حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عبادٍ؛ أنَّهُ قَتَلَ سَاحِرًا). [مصنف ابن أبي شيبة:10/135]
- قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (هكَذَا فِي الأَصْلِ وَهُوَ خَطَأٌ، وَصَوابُه قَيْسُ بنُ سَعْدِ بنِ عُبَادَةَ، قَالَ ابنُ عبدِ البَرِّ فِي الاستِذْكَارِ: رَوَى ابنُ عُيَيْنَةَ عَن سَالِمِ بنِ الجَعْدِ عَنِ ابنِ دِينَارٍ أَنَّ قَيْسَ بنَ سَعْدِ بنِ عُبَادَةَ كَانَ أَمِيرًا عَلَى مِصْرَ؛ فَكَانَ سِرُّهُ يَفْشُو، فَشَقَّ ذَلكَ عَليهِ، وَقالَ: مَا هَذا؟
فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ هَاهُنا رَجُلاً ساحِرًا. فَبَعَثَ إِلَيْهِ فَسَأَلَه فَقَالَ: إِنَّا لا نَعْلَمُ مَا فِي الكِتَابِ حَتَّى يُفْتَحَ، فَإِذَا فُتِحَ عَلِمْنَا مَا فِيهِ؛ فَأَمَرَ بهِ قَيْسٌ فَقُتِلَ).

أثر عمر بن عبد العزيز
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ ابنُ أَبي شَيْبَةَ العَبْسِيُّ (ت:235هـ):(حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ يَحْيَى، أَنَّ عَامِلَ عمانَ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ فِي سَاحِرَةٍ أَخَذَهَا، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ : إِنِ اعْتَرَفَتْ، أَوْ قَامَتْ عَلَيْهَا البَيِّنَةُ، فَاقْتُلْهَا). [مصنف ابن أبي شيبة:10/135]

أثر سعيد بن المسيب
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ ابنُ أَبي شَيبَة العَبْسِيُّ (ت:235هـ):(حَدَّثَنَا الثَّقَفِيُّ، عَنِ المُثَنَّى، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ؛ فِي السَّاحِرِ إِذَا اعْتَرَفَ قُتِلَ). [مصنف ابن أبي شيبة:10/136]

أثر الحسن البصري
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ ابنُ أَبي شَيبَةَ العَبْسِيُّ (ت:235هـ):(حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ : أَخْبَرَنَا أَشْعَثُ، عَنِ الحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ : يُقْتَلُ السُّحَّارُ، وَلا يُسْتَتَابُون). [مصنف ابن أبي شيبة:10/135]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ ابنُ أَبي شَيبَةَ العَبْسِيُّ (ت:235هـ):(حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ الحَسَنِ فِي السَّاحِرِ، قَالَ : يُقْتَلُ). [مصنف ابن أبي شيبة:10/135]

أثر سنان بن سلمة
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ ابنُ أَبي شَيبَة العَبْسِيُّ (ت:235هـ):(حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ زَيْدٍ أَبِي المُعَلَّى، قَالَ : حدَّثَنِي شُرْطِيٌّ لِسِنَانِ بْنِ سَلَمَةَ؛ أَنَّ سِنَانًا أُتِيَ بِسَاحِرَةٍ، فَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُلْقَى فِي البَحْرِ). [مصنف ابن أبي شيبة:10/135]
- قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (سِنَانُ بنُ سَلَمَةَ بنِ المحبِّقِ الهُذَلِيُّ، وُلِدَ يَوْمَ حُنَينٍ، وَسَمَّاهُ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ مِنَ الأَبْطَالِ، تَوَلَّى إِمْرَةَ البَحْرَينِ، وَاسْتَعْمَلَهُ زِيَادٌ عَلى غَزْوِ الهِنْدِ زَمَنَ مُعَاوِيَةَ).


رد مع اقتباس
  #11  
قديم 6 جمادى الأولى 1435هـ/7-03-2014م, 10:21 PM
أروى المطيري أروى المطيري غير متواجد حالياً
فريق تنسيق النصوص
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 405
افتراضي

هل يقتل سَحَرة أهل الذمة؟

قالَ عبدُ الرَّزَّاقِ بنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت:211هـ): (أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابنِ المُسَيَّبِ وَعُرْوَةَ بنِ الزُّبَيرِ، أَنَّ يَهُودَ بَنِي زُرَيْقٍ سَحَرُوا النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يُذْكَرْ أَنَّهُ قَتَلَ مِنْهُمْ أَحَداً). [مصنف عبد الرزاق:1/369]
قالَ عبدُ الرَّزَّاقِ بنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت:211هـ): (أخبرَنا ابنُ جُرَيجٍ، عَنْ إِسماعِيلَ وَيعقوبَ وَغيرِهِمَا، قَالُوا: لا يُقْتَلُ سَاحِرُهُمْ، وَهُو أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ صُنِعَ بهِ بَعْضُ ذَلِكَ فَلَمْ يَقْتُلِ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَاحِبَهُ، وَكَانَ مِنْ أَهْلِ العَهْدِ.
وخَبَرُ جَزْءِ بنِ مُعَاوِيَةَ فِي كِتَابِ عُمَرَ إِلَيْهِ أَنْ يَقْتُلَ كُلَّ سَاحِرٍ.
وَخَبَرُ جُنْدَبٍ حِينَ قَالَ لَهُ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: يَضْرِبُ ضَرْبَةً يَفْرُقُ بِهَا بَيْنَ الحَقِّ وَالبَاطِلِ). [مصنف عبد الرزاق:1/369]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيلَ البُخَارِيُّ (ت:256هـ):(بابٌ: هَلْ يُعْفَى عَنِ الذِّمِّيِّ إِذَا سَحَرَ؟ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، سُئِلَ: أَعَلَى مَنْ سَحَرَ مِنْ أَهْلِ العَهْدِ قَتْلٌ؟ قَالَ بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ قَدْ صُنِعَ لَهُ ذَلِكَ، فَلَمْ يَقْتُلْ مَنْ صَنَعَهُ، وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ). [صحيح البخاري/كتاب الجزية]

أقوال العلماء
قالَ مَالِكُ بنُ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ الأَصْبَحِيُّ (ت:179هـ): (السَّاحِرُ الَّذِي يَعْمَلُ السِّحْرَ وَلَمْ يَعْمَلْ ذَلِكَ لَهُ غَيْرُهُ هُوَ مَثَلُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} [البقرة: 102] فَأَرَى أَنْ يُقْتَلَ، ذَلِكَ إِذَا عَمِلَ ذَلِكَ هُوَ نَفْسُهُ). [الموطأ: 2/872]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ (ت:204هـ): (وَالسِّحْرُ اسْمٌ جَامِعٌ لِمَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَيُقَالُ لِلسَّاحِرِ: صِفِ السِّحْرَ الذي تَسْحَرُ بِهِ؛ فَإِنْ كانَ ما يَسْحَرُ بِهِ كَلامَ كُفْرٍ صَرِيحٍ اسْتُتِيبَ منه، فَإِنْ تَابَ وَإِلاَّ قُتِلَ وَأُخِذَ مَالُهُ فَيْئًا.
وَإِنْ كان ما يَسْحَرُ بِهِ كَلامًا لا يَكُونُ كُفْرًا، وكانَ غيرَ مَعْرُوفٍ، ولم يَضُرَّ بِهِ أَحَدًا نُهِيَ عَنْهُ، فَإِنْ عَادَ عُزِّرَ.
وَإِنْ كانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَضُرُّ بِهِ أَحَدًا من غَيْرِ قَتْلٍ فَعَمَدَ أَنْ يَعْمَلَهُ عُزِّرَ.
وَإِنْ كان يَعْمَلُ عَمَلاً إذَا عَمِلَهُ قُتِلَ المَعْمُولُ بِهِ، وقال: عَمَدْتُ قَتْلَهُ قُتِلَ بِهِ قَوَدًا، إلاَّ أَنْ يَشَاءَ أَوْلِيَاؤُهُ أَنْ يَأْخُذُوا دِيَتَهُ حَالَّةً في مَالِهِ.
وَإِنْ قال: إنَّمَا أَعْمَلُ بهذا لأَقْتُلَ، فَيُخْطِئُ القَتْلَ وَيُصِيبَ، وقد مَاتَ مِمَّا عَمِلْتُ بِهِ؛ فَفِيهِ الدِّيَةُ وَلا قَوَدَ.
وَإِنْ قال: قد سَحَرْتُهُ سِحْرًا مَرِضَ منه ولم يَمُتْ منه، أَقْسَمَ أَوْلِيَاؤُهُ لَمَاتَ من ذلك العَمَلِ، وَكَانَتْ لهم الدِّيَةُ، وَلا قَوَدَ لهم.
وَلا يُغْنَمُ مَالُ السَّاحِرِ إلا في أَنْ يَكُونَ السِّحْرُ كُفْرًا مُصَرَّحًا.
وَأَمْرُ عُمَرَ أَنْ يُقْتَلَ السُّحَّارُ عِنْدَنَا وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ إنْ كان السِّحْرُ كما وَصَفْنَا شِرْكًا، وَكَذَلِكَ أَمْرُ حَفْصَةَ، وَأَمَّا بَيْعُ عَائِشَةَ الجَارِيَةَ ولم تَأْمُرْ بِقَتْلِهَا فَيُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ لم تَعْرِفْ ما السِّحْرُ فَبَاعَتْهَا لأنَّ لها بَيْعَهَا عِنْدَنَا، وَإِنْ لم تَسْحَرْهَا، وَلَوْ أَقَرَّتْ عِنْدَ عَائِشَةَ أَنَّ السِّحْرَ شِرْكٌ ما تَرَكَتْ قَتْلَهَا إنْ لم تَتُبْ أو دَفَعَتْهَا إلَى الإِمَامِ لِيَقْتُلَهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَحَدِيثُ عَائِشَةَ عن النبيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم على أَحَدِ هذه المَعَانِي عِنْدَنَا، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ).[الأم:1/255-256]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الفَضْلِ التَّيْمِيُّ الأَصْبَهَانِيُّ (ت:535هـ): (وَيَلْزَمُ السَّاحِرَ مِنَ العُقَوبَةِ مَا يَلْزَمُ سَائِرَ الجُنَاةِ بِجِنَايَاتِهِمْ). [الحجة في بيان المحجة: 1/519]
قالَ مُحْيِي الدِّين يَحْيَى بنُ شَرَفٍ النَّوَوِيُّ (ت:676هـ): (وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالمَسْأَلَةِ مِنْ فُرُوعِ الفِقْهِ فَعَمَلُ السِّحْرِ حَرَامٌ، وَهُوَ مِنَ الكَبَائِرِ بِالإِجْمَاعِ، وَقَدْ سَبَقَ فِي كِتَابِ الإِيمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَدَّهُ مِنَ السَّبْعِ المُوبِقَاتِ، وَسَبَقَ هُنَاكَ شَرْحُه، وَمُخْتَصَرُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ كُفْرًا، وَقَدْ لا يَكُونُ كُفْرًا، بَلْ مَعْصِيَتُه كَبِيرَةٌ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ قَوْلٌ أَوْ فِعْلٌ يَقْتَضِي الكُفْرَ كَفَرَ، وَإِلاَّ فَلا.
وَأَمَّا تَعَلُّمُه وَتَعْلِيمُه فَحَرَامٌ، فَإِنْ تَضَمَّنَ مَا يَقْتَضِي الكُفْرَ كَفَرَ، وَإِلا فَلا.
وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا يَقْتَضِي الكُفْرَ عُزِّرَ، وَاسْتُتِيبَ مِنْهُ، وَلا يُقْتَلُ عِنْدنَا، فَإِنْ تَابَ قُبِلَتْ تَوْبَتُه.
وَقَالَ مَالِكٌ: السَّاحِرُ كَافِرٌ، يُقْتَلُ بِالسِّحْرِ، وَلا يُسْتَتَابُ، وَلا تُقْبَلُ تَوْبَتُه، بَلْ يَتَحَتَّمُ قَتْلُه.
وَالمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الخِلافِ فِي قَبُولِ تَوْبَةِ الزِّنْدِيقِ ؛لأَنَّ السَّاحِرَ عِنْدَه كَافِرٌ كَمَا ذَكَرْنَا، وَعِنْدنَا لَيْسَ بِكَافِرٍ، وَعِنْدنَا تُقْبَلُ تَوْبَةُ المُنَافِقِ وَالزِّنْدِيقِ.
قَالَ القَاضِي عِيَاضٌ: وَبِقَوْلِ مَالِكٍ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ. قَالَ أَصْحَابُنَا: فَإِذَا قَتَلَ السَّاحِرُ بِسِحْرِهِ إِنْسَانًا، وَاعْتَرَفَ أَنَّهُ مَاتَ بِسِحْرِهِ وَأَنَّهُ يَقْتُلُ غَالِبًا لَزِمَهُ القِصَاصُ.
وَإِنْ قَالَ: مَاتَ بِهِ، وَلَكِنَّهُ قَدْ يُقْتَلُ، وَقَدْ لا، فَلا قِصَاصَ، وَتَجِبُ الدِّيَةُ وَالكَفَّارَةُ، وَتَكُونُ الدِّيَةُ فِي مَالِه لا عَلَى عَاقِلَتِه ؛لأَنَّ العَاقِلَةَ لا تَحَمَّلُ مَا ثَبَتَ بِاعْتِرَافِ الجَانِي.
قَالَ أَصْحَابُنَا: وَلا يُتَصَوَّرُ القَتْلُ بِالسِّحْرِ بِالبَيِّنَةِ، وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ بِاعْتِرَافِ السَّاحِر. وَاللَّهُ أَعْلَمُ). [شرح صحيح مسلم: 14/396]
قَالَ بُرْهَانُ الدِّينِ إِبْرَاهِيمُ بنُ عُمَرَ البِقَاعِيُّ (ت: 885هـ): (فإِنَّ السحرَ يُؤَثِّرُ بإِذنِ اللَّهِ تعالى المَرَضَ وَيَصِلُ إِلى أنْ يَقْتُلَ، فَإِذَا أَقَرَّ السَّاحِرُ أَنَّهُ قَتَلَ بِسِحْرِهِ وَهو مِمَّا يَقْتُلُ غَالِباً قُتِلَ بذلكَ عندَ الشَّافِعِيِّ). [نظم الدرر: 8/606]
قالَ عَطِيَّة مُحَمَّد سَالِم (ت: 1420هـ): (وقدْ تَقَدَّمَ للشيخِ - رحمةُ اللَّهِ تعالى عَلَيْنَا وعليهِ - مَبْحَثُ السِّحْرِ وأقسامِه وأحكامِه وكلِّ ما يَتَعَلَّقُ به، عندَ الكلامِ على قَوْلِه تعالى: {وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69)} [طه: 69] مِن سُورَةِ طه، ما عدا مَسألةً واحدةً، وهي حُكْمُ ما لو قَتَلَ أو أَتْلَفَ شَيئاً بسِحْرِهِ، فما يكونُ حُكْمُه؟ ونُورِدُها مُوجَزَةً:
مَسألةٌ: ذَكَرَ ابنُ قُدَامَةَ في (المُغْنِي) رَحِمَه اللَّهُ النوعَ السادسَ مِن أنواعِ القتْلِ: أنْ يَقْتُلَه بسِحْرٍ يَقْتُلُ غالباً، فيَلْزَمُه القَوَدُ. وإنْ كانَ مِمَّا لا يَقْتُلُ غالباً ففيه الدِّيَةُ. اهـ.
وذَكَرَ النووِيُّ في (المِنْهَاجِ شَرْحِ مُغْنِي المُحْتَاجِ) للشافعيَّةِ التنبيهَ على أنه يُقْتَلُ كذلك.
وذَكَرَ مِثْلَه ابنُ حَجَرٍ في (الفتْحِ): أنَّ الساحِرَ يُقْتَلُ إذا قَتَلَ بسِحْرِه). [تتمة أضواء البيان: 9/342]


رد مع اقتباس
  #12  
قديم 6 جمادى الأولى 1435هـ/7-03-2014م, 10:24 PM
أروى المطيري أروى المطيري غير متواجد حالياً
فريق تنسيق النصوص
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 405
افتراضي


الرد على من أنكر السحر

قالَ إِسْمَاعِيلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الفَضْلِ التَّيْمِيُّ الأَصْبَهَانِيُّ (ت:535هـ): (وَقَدْ أَنْكَرَ قَوْمٌ السِّحْرَ وَأَبْطَلُوا حَقِيقَتَهُ، وَأَكْثَرُ الأُمَمِ مِنَ العَرَبِ وَالفُرْسِ وَالهِنْدِ عَلَى إِثْبَاتِ السِّحْرِ، وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ}[البقرة: 102] وَقَالَ: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي العُقَدِ (4)} [الفلق: 4]). [الحجة في بيان المحجة: 1/521]
قالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بنِ الحُسَيْنِ الرَّازِيُّ (ت: 604هـ): (قَولُ جُمْهورِ المُفَسِّرِينَ أَنَّ لَبِيدَ بنَ أَعْصَمَ اليَهُودِيَّ سَحَرَ النَّبِيَّ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم في إِحْدَى عَشْرَةَ عُقْدَةً، وفي وَتَرٍ دَسَّهُ في بِئْرٍ يُقالَ لَها: ذَرْوانُ. فمَرِضَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم واشْتَدَّ عليه ذلك ثَلاثَ ليالٍ, فنَزَلَتِ المُعَوِّذَتانِ لذلك، وأَخْبَرَه جِبْريلُ بِمَوْضِعِ السِّحْرِ، فأَرْسَلَ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلامُ وطَلْحَةَ وجَاءَا به، وقالَ جِبْريلُ للنبِيِّ: حُلَّ عُقْدَةً واقْرَأْ آيةً. فَفَعَلَ، وكان كُلَّما قَرَأَ آيةً انْحَلَّتْ عُقْدةٌ, فكان يَجِدُ بَعْضَ الخِفَّةِ والرَّاحَةِ.
واعْلَمْ أنَّ المُعْتَزِلَةَ أَنْكَرُوا ذلك بأَسْرِهِم، قالَ القاضِي: هذه الرِّوايةُ باطِلَةٌ، وكيف يُمْكِنُ القَوْلُ بصِحَّتِهَا, واللَّهُ تعالى يقولُ: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67] وقالَ: {وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69)} [طه: 69] ولأنَّ تَجْوِيزَه يُفْضِي إلى القَدْحِ في النُّبُوَّةِ، ولأنَّه لو صَحَّ ذلك لكَانَ مِن الوَاجِبِ أنْ يَصِلوا إلى الضَّرَرِ لجميعِ الأنبياءِ والصَّالِحِينَ، ولَقَدرُوا على تَحْصِيلِ المُلْكِ العَظِيمِ لأنْفُسِهِم، وكلُّ ذلك باطِلٌ، ولأنَّ الكُفَّارَ كانوا يُعَيِّرُونَه بأنَّه مَسْحُورٌ, فلو وَقَعَتْ هذه الواقِعَةُ لكانَ الكُفَّارُ صَادِقِينَ في تلك الدَّعوةِ، ولَحَصَلَ فيه عَلَيْهِ السَّلامُ ذلك العَيْبُ، ومَعْلُومٌ أَنَّ ذلك غَيْرُ جائِزٍ.
قالَ الأَصْحَابُ: هذه القِصَّةُ قَدْ صَحَّتْ عندَ جُمْهُورِ أَهْلِ النَّقْلِ، والوُجُوهُ المَذْكُورَةُ قَدْ سَبَقَ الكَلامُ عَلَيْهَا في سورةِ البَقَرَةِ, أمَّا قولُه: الكُفَّارُ كانوا يَعِيبُونَ الرَّسُولَ عَلَيْهِ السَّلامُ بأنَّه مَسْحُورٌ، فلو وَقَعَ ذلك لكَانَ الكُفَّارُ صَادِقِينَ في ذلك القولِ. فجوابُه: أَنَّ الكُفَّارَ كانوا يُرِيدُونَ بكونِه مَسْحورًا أنَّه مَجْنُونٌ أُزِيلَ عَقْلُه بواسِطَةِ السِّحْرِ، فلذلك تَرَكَ دِينَهُم، فأَمَّا أَنْ يَكونُ مَسْحُورًا بأَلَمٍ يَجِدُه في بَدَنِه فذلك مِمَّا لا يُنْكِرُه أَحَدٌ، وبالجُمْلَةِ فاللَّهُ تعالى ما كانَ يُسَلِّطُ عليه لا شَيْطانًا ولا إِنْسِيًّا ولا جِنِّيًّا يُؤْذِيهِ في دينِه وشَرْعِه ونُبُوَّتِه، فأَمَّا في الإضْرَارِ ببَدَنِه فلا يَبْعُدُ، وتَمَامُ الكَلامِ في هذه المسألةِ قَدْ تَقَدَّمَ في سورةِ البَقَرةِ ولْنَرْجِعْ إلى التَّفْسِيرِ).[التفسير الكبير: 32/172]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ مَحْمُودٍ النَّسَفِيُّ (ت: 710هـ):(وهو دليلٌ على بُطلانِ قولِ المُعْتَزِلةِ في إنكارِ تَحَقُّقِ السِّحْرِ وظُهورِ أَثَرِه). [مدارك التنزيل: 3/2013]
قالَ ابْنُ القَيِّمِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الزُّرَعِيُّ الدِّمَشْقِيُّ (ت: 751 هـ): (فصلٌ: وقد دَلَّ قولُه: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي العُقَدِ (4)} [الفلق: 4] وحديثُ عائشةَ المذكورُ على تأثيرِ السحْرِ، وأنَّ له حقيقةً.
وقد أَنْكَرَ ذلك طائفةٌ من أهلِ الكلامِ من المُعتزِلَةِ وغيرِهم وقالُوا: إنه لا تَأثيرَ للسحْرِ البَتَّةَ، لا في مَرَضٍ ولا قَتْلٍ ولا حَلٍّ ولا عَقْدٍ، قالُوا: وإنما ذلك تَخييلٌ لأعْيُنِ الناظرينَ لا حقيقةَ له سِوَى ذلك، وهذا خِلافُ ما تَواتَرَتْ به الآثارُ عن الصحابةِ والسلَفِ، واتَّفَقَ عليه الفُقهاءُ وأَهْلُ التفسيرِ والحديثِ وأربابُ القلوبِ من أهْلِ التصوُّفِ، وما يَعرِفُه عامَّةُ العُقَلاءِ.
والسحْرُ الذي يُؤَثِّرُ مَرَضًا وثِقَلاً وحَلاًّ وعَقْدًا وحُبًّا وبُغْضًا ونَزيفًا وغيرَ ذلك من الآثارِ الموجودةِ تَعرِفُه عامَّةُ الناسِ، وكثيرٌ منهم قد عَلِمَه ذَوْقًا بما أُصِيبَ به منه، وقولُه تعالى: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي العُقَدِ (4)} [الفلق: 4] دليلٌ على أنَّ هذا النَّفْثَ يَضُرُّ المسحورَ في حالِ غَيْبَتِه عنه، ولو كان الضَّرَرُ لا يَحْصُلُ إلا بمباشَرَةِ البدَنِ ظاهرًا، كما يقولُه هؤلاءِ لم يكنْ للنَّفْثِ ولا للنَّفَّاثَاتِ شرٌّ يُستعاذُ منه.
وأيضًا فإذا جَازَ على الساحِرِ أن يَسْحَرَ جميعَ أَعْيُنِ الناظرينَ مع كَثرتِهم حتى يَرَوْا الشيءَ بِخِلافِ ما هو به، مع أنَّ هذا تَغيُّرٌ في إحساسِهم، فما الذي يُحيلُ تأثيرَه في تغييرِ بعضِ أَعراضِهم وقُواهُم وطِباعِهم، وما الفَرْقُ بينَ التغييرِ الواقعِ في الرؤيةِ والتغييرِ في صِفَةٍ أخرى من صِفاتِ النفْسِ والبَدَنِ؟!
فإذا غَيَّرَ إحساسَه حتى صارَ يَرَى الساكِنَ متَحَرِّكًا، والمُتَّصِلَ مُنْفَصِلاً والمَيِّتَ حيًّا، فما المُحيلُ لأنْ يُغيِّرَ صفاتِ نفسِه حتى يَجْعَلَ المحبوبَ إليه بَغيضًا والبغيضَ إليه مَحبوبًا، وغيرَ ذلك من التأثيراتِ.
وقد قالَ تعالى عن سَحَرَةِ فِرعونَ: إنهم {سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116)}[الأعراف:116] فَبَيَّنَ سبحانَه أن أَعْيُنَهُم سُحِرَتْ، وذلك إمَّا أن يكونَ لتغييرٍ حَصَلَ في المَرْئِيِّ، وهو الحِبالُ والعِصِيُّ، مثلُ أن يكونَ السحَرَةُ استعانَتْ بأرواحٍ حَرَّكَتْها وهي الشياطينُ، فَظَنُّوا أنها تَحَرَّكَتْ بأنْفُسِها، وهذا كما إذا جَرَّ من لا يَراه حَصِيرًا أو بُساطًا، فتَرَى الحَصيرَ والبُساطَ يَنْجَرُّ ولا تَرَى الجارَّ له مع أنه هو الذي يَجُرُّه، فهكذا حالُ الحِبالِ والعِصِيِّ التَبَسَتْها الشياطينُ فقَلَبَتْها كتَقَلُّبِ الحَيَّةِ، فظَنَّ الرائي أنها تَقَلَّبَتْ بأَنْفُسِها، والشياطينُ هم الذين يَقْلِبونَها، وإمَّا أن يكونَ التغييرُ حَدَثَ في الرائي حتى رأى الحِبالَ والعِصِيَّ تَتحرَّكُ وهي ساكنةٌ في أَنْفُسِها.
ولا رَيبَ أنَّ الساحِرَ يَفعَلُ هذا وهذا، فتارةً يَتَصَرَّفُ في نفْسِ الرائي وإحساسِه حتى يَرَى الشيءَ بِخِلافِ ما هو به، وتارةً يَتَصَرَّفُ في المَرْئِيِّ باستعانتِه بالأرواحِ الشيطانيَّةِ حتى يَتَصَرَّفَ فيها.
وأمَّا ما يقولُه المُنكِرون من أنهم فَعَلَوا في الحِبالِ والعِصِيِّ ما أَوْجَبَ حَرَكَتَها ومَشْيَها، مثلَ الزِّئْبَقِ وغيرِه حتى سَعَتْ فهذا باطِلٌ من وُجوهٍ كثيرةٍ.
فإنه لو كان كذلك لم يكنْ هذا خَيَالاً بل حَرَكَةً حقيقيَّةً, ولم يكنْ ذلك سِحْرًا لأعْيُنِ الناسِ، ولا يُسَمَّى ذلك سِحْرًا بل صناعةً من الصناعاتِ المُشْتَرَكَةِ، وقد قالَ تعالى: {فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِم مِّن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66)}[طه: 66]، ولو كانتْ تَحَرَّكَتْ بنوعِ حِيلةٍ كما يَقولُه المُنكرونَ لم يكنْ هذا من السحْرِ في شيءٍ، ومِثلُ هذا لا يَخْفَى، وأيضًا لو كان ذلك بحِيلةٍ كما قالَ هؤلاءِ لكان طريقُ إبطالِها إخراجَ ما فيها من الزِّئْبَقِ، وبيانَ ذلك المُحالِ، ولم يَحْتَجْ إلى إلقاءِ العَصَا لابتلاعِها.
وأيضًا فمِثْلُ هذه الحِيلةِ لا يُحتاجُ فيها إلى الاستعانةِ بالسحَرَةِ، بل يَكْفِي فيها حُذَّاقُ الصُّنَّاعِ، ولا يُحتاجُ في ذلك إلى تَعظيمِ فِرعونَ للسحَرَةِ وخُضوعِه لهم ووَعْدِهم بالتقريبِ والجزاءِ.
وأيضًا فإنه لا يُقالُ في ذلك: إنه لكبيرُكُم الذي عَلَّمَكُم السحْرَ، فإنَّ الصناعاتِ يَشْتَرِكُ الناسُ في تَعَلُّمِها وتعليمِها، وبالجُمْلَةِ فبُطلانُ هذا أَظْهَرُ من أن يُتَكَلَّفَ رَدُّه، فلْنَرْجِعْ إلى المقصودِ). [بدائع الفوائد: 2/227-228]
قالَ ابْنُ القَيِّمِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الزُّرَعِيُّ الدِّمَشْقِيُّ (ت: 751 هـ): (فصلٌ: فقد عَرَفْتَ بعضَ ما اشْتَمَلَتْ عليه هذه السورةُ من القواعدِ النافعةِ الهامَّةِ، التي لا غِنَى للعبْدِ عنها في دِينِه ودُنياه.
ودَلَّتْ على أنَّ نفوسَ الحاسدينَ وأَعْيُنَهُم لها تأثيرٌ، وعلى أنَّ الأرواحَ الشيطانيَّةَ لها تأثيرٌ بواسِطَةِ السحْرِ والنَّفْثِ في العُقَدِ.
وقد افْتَرَقَ العالَمُ في هذه المَقامِ أرْبَعَ فِرَقٍ.
ففِرقةٌ أَنْكَرَتْ تأثيرَ هذا وهذا، وهم فِرقتان:
فِرقةٌ اعْتَرَفَتْ بوُجودِ النفوسِ الناطقةِ والجِنِّ، وأَنْكَرَتْ تأثيرَهما البَتَّةَ، وهذا قولُ طائفةٍ من المتكلِّمينَ مِمَّنْ أَنْكَرَ الأسبابَ والقُوَى والتأثيراتِ.
وفرقةٌ أَنْكَرَتْ وجودَهما بالكُلِّيَّةِ وقالَتْ: لا وُجودَ لنفْسِ الآدَمِيِّ سوى هذا الهيكَلِ المحسوسِ وصِفاتِه وأعراضِه فقط، ولا وُجودَ للْجِنِّ والشياطينِ سوى أعراضٍ قائمةٍ به، وهذا قولُ كثيرٍ من مَلاحِدَةِ الطبائعيِّينَ وغيرِهم من المَلاحِدَةِ المنتسِبينَ إلى الإسلامِ، وهو قولُ شُذوذٍ من أهلِ الكلامِ الذين ذَمَّهُمُ السلَفُ، وشَهِدُوا عليهم بالبِدْعَةِ والضلالةِ.
الفِرْقَةُ الثانيةُ: أَنْكَرَتْ وُجودَ النفْسِ الإنسانيَّةِ المُفارِقَةِ للبَدَنِ، وأَقَرَّتْ بوجودِ الجِنِّ والشياطينِ، وهذا قولُ كثيرٍ من المتكلِّمينَ من المُعتزِلَةِ وغيرِهم.
الفِرقةُ الثالثةُ: بالعكْسِ أقَرَّتْ بوجودِ النفْسِ الناطِقَةِ المُفارِقَةِ للبَدَنِ، وأَنْكَرَتْ وُجودَ الجنِّ والشياطينِ، وزَعَمَتْ أنها غيرُ خارجةٍ عن قُوَى النفْسِ وصِفاتِها، وهذا قولُ كثيرٍ من الفلاسفةِ الإسلاميِّينَ وغيرِهم، وهؤلاءِ يقولون: إنَّ مَا يُوجَدُ في العالَمِ من التأثيراتِ الغريبةِ والحوادثِ الخارقةِ، فهي من تأثيراتِ النفْسِ، ويَجعلونَ السحْرَ والكَهانةَ كلَّه من تأثيرِ النفْسِ وحدَها، بغيرِ وَاسِطَةِ شيطانٍ مُنْفَصِلٍ، وابنُ سِينَا وأَتباعُه على هذا القولِ، حتى إنهم يَجعلونَ مُعْجِزَاتِ الرسُلِ من هذا البابِ، ويقولون: إنما هي من تأثيراتِ النفْسِ في هَيُولَى العالَمِ، وهؤلاءِ كُفَّارٌ بإجماعِ المِلَلِ ليسوا من أَتباعِ الرُّسُلِ جُمْلَةً.
الفِرْقَةُ الرابعةُ: وهم أَتْباعُ الرسُلِ وأهْلُ الحَقِّ أَقَرُّوا بوجودِ النفْسِ الناطقةِ المفارِقَةِ للبَدَنِ، وأَقَرُّوا بوجودِ الجِنِّ والشياطينِ، وأَثْبَتُوا ما أَثْبَتَه اللهُ تعالى من صِفاتِهما وشَرِّهما، واسْتَعَاذُوا باللهِ منه، وعَلِمُوا أنه لا يُعيذُهم منه ولا يُجِيرُهم إلا اللهُ، فهؤلاءِ أَهْلُ الحقِّ، ومَن عَدَاهُم مُفْرِطٌ في الباطلِ أو معه باطلٌ وحَقٌّ، واللهُ يَهْدِي مَن يَشاءُ إلى صراطٍ مُستقيمٍ). [بدائع الفوائد: 2/246-247]
قالَ أَبو الثَّناءِ مَحْمُودُ بنُ عبدِ اللهِ الآلُوسِيُّ (ت: 1270هـ): (وبعضُهم أَنْكَرَ أصلَ السحرِ ونَفَى حقيقتَه وأَضافَ ما يَقَعُ منه إلى خَيالاتٍ باطلةٍ لا حقائقَ لها، ومَذهبُ أهلِ السنَّةِ وعُلماءِ الأُمَّةِ على إثباتِه، وأنَّ له حقيقةً كحقيقةِ غيرِه مِن الأشياءِ لدَلالةِ الكتابِ والسنَّةِ على ذلك، ولا يُستنكَرُ في العقلِ أنَّ اللهَ تعالى يَخْرِقُ العادةَ عندَ النطقِ بكلامٍ مُلَفَّقٍ أو تركيبِ أجسامٍ مخصوصةٍ والمَزْجِ بينَ قُوًى على ترتيبٍ لا يَعرفُه إلا الساحرُ، وإذا شاهدَ الإنسانُ بعضَ الأجسامِ منها قاتلةٌ كالسمومِ ومنها مُسقِمَةٌ كالأدويةِ المضادَّةِ للمَرَضِ لم يَستبعِدْ عقلُه أنْ يَنفرِدَ الساحرُ بعِلمِ قُوًى قَتَّالةٍ أو كلامٍ مُهلِكٍ أو مُؤَدٍّ إلى التفرِقةِ، ومع ذلك لا يَخلُو مِن تأثيرٍ نَفسانِيٍّ, ثم إنَّ القائلينَ به اخْتَلَفوا في القَدْرِ الذي يَقعُ به، فقالَ بعضُهم: لا يَزيدُ تأثيرُه على قُدرةِ التفْرِقَةِ بينَ المرءِ وزوجِه؛ لأنَّ اللهَ تعالى إنما ذَكَرَ ذلك تَعظيمًا لِمَا يكونُ عندَه وتَهويلاً له، فلو وَقَعَ به أعظمُ منه لذَكَرَه؛ لأنَّ المَثَلَ لا يُضربُ عندَ المبالَغةِ إلا بأعلى أحوالِ المذكورِ، ومَذهبُ الأشاعرةِ أنه يَجوزُ أن يَقعَ به أكثرُ مِن ذلك وهو الصحيحُ عَقلاً؛ لأنه لا فاعلَ إلا اللهُ، وما يَقعُ مِن ذلك فهو عَادةٌ أَجراها اللهُ تعالى ولا تَفترِقُ الأفعالُ في ذلك، وليس بعضُها بأَوْلَى مِن بعضٍ، ولو وردَ الشرعُ بقُصورِه عن مَرتبةٍ لوَجَبَ المَصيرُ إليه, ولكن لا يُوجَدُ شَرْعٌ قاطعٌ يُوجِبُ الاقتصارَ على ما قالَه القائلُ الأوَّلُ، وذِكْرُ التَّفْرِقَةِ بينَ الزوجينِ في الآيةِ ليس بنَصٍّ في مَنْعِ الزيادةِ وإنما النظَرُ في أنه ظاهِرٌ أمْ لا، والفرقُ بينَ الساحرِ وبينَ النبيِّ والولِيِّ على قولِ الأشاعرةِ بأنه يَجوزُ خَرْقُ العادةِ على يدِ الساحرِ مُبَيَّنٌ في الكُتُبِ الكلاميَّةِ وغيرِها مِن شُروحِ الصِّحاحِ).
[روح المعاني: 29/283-284]


رد مع اقتباس
  #13  
قديم 6 جمادى الأولى 1435هـ/7-03-2014م, 10:27 PM
أروى المطيري أروى المطيري غير متواجد حالياً
فريق تنسيق النصوص
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 405
افتراضي


حادثة سحرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم


حديث عائشة رضي الله عنها
طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها

قالَ أَحْمَدُ بنُ محمَّدِ بنِ حَنبَلٍ الشَّيبَانِيُّ (ت:241هـ): (حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَحَرَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللهُ عليه وسلَّمَ- يَهُودِيٌّ مِنْ يَهُودِ بَنِي زُرَيْقٍ يُقَالُ لَهُ: لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ، حَتَّى كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللهُ عليه وسلم- يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَ الشَّيْءَ وَمَا يَفْعَلُهُ. قَالَتْ: حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ -أَوْ ذَاتَ لَيْلَةٍ- دَعَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللهُ عليه وسلم- ثُمَّ دَعَا ثُمَّ قَالَ: « يَا عَائِشَةُ، شَعَرْتُ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ، جَاءَنِي رَجُلانِ فَجَلَسَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ
فَقَالَ الَّذِي عِنْدَ رَأْسِيلِلَّذِي عِنْدَ رِجْلَيَّ -أَوِ الَّذِي عِنْدَ رِجْلَيَّ لِلَّذِي عِنْدَ رَأْسِي -: مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟
قَالَ: مَطْبُوبٌ.
قَالَ: مَنْ طَبَّهُ؟
قَالَ: لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ.
قَالَ: فِي أَيِّ شَيْءٍ؟
قَالَ: فِي مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ وَجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ.
قَالَ: وَأَيْنَ هُوَ؟
قَالَ: فِي بِئْرِ أَرْوَانَ ».
قَالَتْ: فَأَتَاهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللهُ عليه وسلَّمَ- في نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: « يَا عَائِشَةُ، لَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الحِنَّاءِ، وَلَكَأَنَّ نَخْلَهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ ».
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَهَلاَّ أَحْرَقْتَهُ!
قَالَ: « لا، أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَافَانِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَكَرِهْتُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ مِنْهُ شَرًّا ».
قَالَتْ: فَأَمَرَ بِهَا فَدُفِنَتْ). [مسند الإمام أحمد:40/343]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيلَ البُخَارِيُّ (ت:256هـ): (حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ - رضِي اللهُ عنها - قَالَتْ: سَحَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ - رَجُلٌ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ يُقَالُ لَهُ: لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ، حَتَّى كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّمَ - يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَمَا فَعَلَهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَوْ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَهْوَ عِنْدِي لَكِنَّهُ دَعَا وَدَعَا ثُمَّ قَالَ: « يَا عَائِشَةُ، أَشَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ، أَتَانِي رَجُلانِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي، وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟ فَقَالَ: مَطْبُوبٌ.
قَالَ: مَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ. قَالَ: فِي أَيِّ شَيْءٍ؟ قَالَ: في مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ، وَجُفِّ طَلْعِ نَخْلَةٍ ذَكَرٍ.
قَالَ: وَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ ».
فَأَتَاهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّمَ - في نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَجَاءَ فَقَالَ: « يَا عَائِشَةُ، كَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الحِنَّاءِ، وَكَأَنَّ رُءُوسَ نَخْلِهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ ».
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلا اسْتَخْرَجْتَهُ؟
قَالَ: « قَدْ عَافَانِي اللَّهُ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُثَوِّرَ عَلَى النَّاسِ فِيهِ شَرًّا ». فَأَمَرَ بِهَا فَدُفِنَتْ.
تَابَعَهُ أَبُو أُسَامَةَ وَأَبُو ضَمْرَةَ وَابْنُ أَبي الزِّنَادِ عَنْ هِشَامٍ.
وَقَالَ اللَّيْثُ وَابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامٍ: في مُشْطٍ وَمُشَاقَةٍ. يُقَالُ: المُشَاطَةُ: مَا يَخْرُجُ مِنَ الشَّعَرِ إِذَا مُشِطَ، وَالمُشَاقَةُ مِنْ مُشَاقَةِ الكَتَّانِ). [صحيح البخاري: كتاب الطب/ باب السحر]
قالَ مُسْلِمُ بنُ الحَجَّاجِ القُشَيرِيُّ النَّيسَابُورِيُّ (ت:261هـ): (حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:، سَحَرَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللهُ عليه وسلَّمَ- يَهُودِيٌّ مِنْ يَهُودِ بَنِي زُرَيْقٍ يُقَالُ لَهُ: لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ . قَالَتْ: حَتَّى كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللهُ عليه وسلَّم- يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَمَا يَفْعَلُهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَوْ ذَاتَ لَيْلَةٍ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللهُ عليه وسلم- ثُمَّ دَعَا ثُمَّ دَعَا، ثُمَّ قَالَ:« يَا عَائِشَةُ، أَشَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ، جَاءَنِي رَجُلانِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ، فَقَالَ الَّذِي عِنْدَ رَأْسِيلِلَّذِي عِنْدَ رِجْلَيَّ -أَوِ الَّذِي عِنْدَ رِجْلَيَّ لِلَّذِي عِنْدَ رَأْسِي- مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ. قَالَ: مَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ. قَالَ في أَيِّ شَيْءٍ؟ قَالَ: في مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ. قَالَ وَجُبِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ. قَالَ فَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: في بِئْرِ ذِي أَرْوَانَ ».
قَالَتْ: فَأَتَاهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللهُ عليه وسلَّم- في أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ ثُمَّ قَالَ: « يَا عَائِشَةُ، وَاللَّهِ لَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الحِنَّاءِ، وَلَكَأَنَّ نَخْلَهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ ». قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلا أَحْرَقْتَهُ؟ قَالَ: « لا، أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَافَانِي اللَّهُ وَكَرِهْتُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا، فَأَمَرْتُ بِهَا فَدُفِنَتْ ».
- حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سُحِرَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. وَسَاقَ أَبُو كُرَيْبٍ الحَدِيثَ بِقِصَّتِهِ نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ نُمَيْرٍ وَقَالَ فِيهِ: فَذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- إِلَى البِئْرِ فَنَظَرَ إِلَيْهَا وَعَلَيْهَا نَخْلٌ. وَقَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَخْرِجْهُ. وَلَمْ يَقُلْ: أَفَلا أَحْرَقْتَهُ. وَلَمْ يَذْكُرْ: « فَأَمَرْتُ بِهَا فَدُفِنَتْ ».). [صحيح مسلم/ باب السحر]
قال ابنُ ماجَهْ محمدُ بنُ يَزيدَ القَزْوِينِيُّ (ت: 273هـ): (حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَحَرَ النَّبيَّ صلى اللهُ عليه وسلَّمَيَهُودِيٌّ مِنْ يَهُودِ بَنِي زُرَيْقٍ يُقَالُ لَهُ: لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ، حَتَّى كَانَ النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَلا يَفْعَلُهُ. قَالَتْ: حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَوْ كَانَ ذَاتَ لَيْلَةٍ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى اللهُ عليه وسلم ثُمَّ دَعَا ثُمَّ دَعَا ثُمَّ قَالَ: « يَا عَائِشَةُ، أَشَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ، جَاءَنِي رَجُلانِ فَجَلَسَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ، فَقَالَ الَّذِي عِنْدَ رَأْسِيلِلَّذِي عِنْدَ رِجْلَيَّ-أَوِ الَّذِي عِنْدَ رِجْلَيَّلِلَّذِي عِنْدَ رَأْسِي-: مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ. قَالَ: مَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ. قَالَ:في أَيِّ شَيْءٍ؟ قَالَ: في مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ وَجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ. قَالَ: وَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ:في بِئْرِ ذِي أَرْوَانَ ». قَالَتْ: فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلَّمَفي أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ:« وَاللَّهِ يَا عَائِشَةُ لَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الحِنَّاءِ، وَلَكَأَنَّ نَخْلَهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ ». قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلا أَحْرَقْتَهُ؟ قَالَ:« لا، أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَافَانِي اللَّهُ وَكَرِهْتُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ مِنْهُ شَرًّا ». فَأَمَرَ بِهَا فَدُفِنَتْ). [سنن ابن ماجه/ كتاب الطب/ باب السحر]
قالَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الوَاحِدِيُّ (ت: 468هـ): (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الحِيرِيُّ، أخبَرَنا أحمدُ بنُ عليٍّ المَوْصِلِيُّ، أخبَرَنا مُجاهدُ بنُ موسى، أخبَرَنا أبو أُسامَةَ، عن هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عن أَبِيهِ، عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: سُحِرَ النَّبِيُّ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم حَتَّى إنَّه لَيُتَخَيَّلُ إليه أَنَّه فَعَلَ الشَّيْءَ وما فَعَلَ، حتى إذا كانَ ذاتَ يَوْمٍ وهو عِنْدِي دَعَا اللَّهَ ودَعَا، ثُمَّ قَالَ: ((أَشَعَرْتِ يَا عَائِشَةُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ؟)). قُلْتُ: وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((أَتَانِي مَلَكَانِ))، وذَكَرَ القِصَّةَ بطُولِهَا. رواه البُخارِيُّ عن عُبَيْدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ، عن أبي أُسامَةَ، ولهذا الحَدِيثِ طَرِيقٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ). [أسباب النزول: 553-554]
قالَ الحُسَيْنُ بنُ مَسْعُودٍ البَغَوِيُّ (ت: 516هـ): (أَخْبَرَنَا أبو حامِدٍ أحمَدُ بنُ عبدِ اللهِ الصالحيُّ، أَخْبَرَنَا أبو سعيدٍ مُحَمَّدُ بنُ موسى الصَّيْرَفيُّ، حَدَّثَنَا أبو العباسِ مُحَمَّدُ بنُ يعقوبَ الأصَمُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ [عبدِ الحكَمِ], أَخْبَرَنَا أنَسُ بنُ عِياضٍ, عن [هِشامٍ]، عن أبيه, عن عائشةَ, أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طُبَّ, حتى إنه ليُخَيَّلُ إليه أنه قد صَنَعَ شيئًا وما صَنَعَه، وأنه دعا رَبَّهُ، ثم قالَ: ((أَشَعَرْتِ أنَّ اللهَ تعالى أَفْتَانِي فيما اسْتَفْتَيْتُه فيه؟))، فقالَتْ عائشةُ: وما ذاك يا رسولَ اللهِ؟ قالَ: ((جاءني رَجلانِ, فجَلَسَ أحدُهما عندَ رأْسِي, والآخَرُ عندَ رِجْلَيَّ، فقالَ أحدُهما لصاحبِه: ما وَجَعُ الرجُلِ؟ قالَ الآخَرُ: هو مَطبوبٌ. قالَ: مَن طَبَّهُ؟ قالَ: لَبيدُ بنُ الأَعْصَمِ. قالَ: في ماذا؟ قالَ: في مُشطٍ ومُشاطَةٍ وجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ. قالَ: فأَيْنَ هو؟ قالَ: في ذَرْوانَ)) - وذَرْوانُ بئرٌ في بني زُرَيْقٍ- قالَتْ عائشةُ: فأَتاها رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم رجَعَ إلى عائشةَ فقالَ: ((واللهِ لكَأَنَّ ماءَها نُقاعَةُ الحِنَّاءِ، ولكأنَّ نَخْلَهَا رُؤوسُ الشياطينِ))، قالَتْ: فقلتُ له: يا رسولَ اللهِ, هلا أَخْرَجْتَه؟ قالَ: (( أَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفانِي اللهُ، فكَرِهْتُ أن أُثِيرَ على الناسِ به شَرًّا)).
ورُوِيَ أنه كان تَحْتَ صخرةٍ في البئرِ فرَفَعُوا الصخرةَ وأَخْرَجُوا جُفَّ الطَّلْعَةِ، فإذا فيه مُشاطةُ رأسِه وأسنانُ مُشْطِه). [معالم التنزيل: 723-724]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الفَضْلِ التَّيْمِيُّ الأَصْبَهَانِيُّ (ت:535هـ): (أخبرنا أحمدُ بنُ عليٍّ المقرئُ، أنا هبةُ اللهِ بنُ الحسنِ، أنا أحمدُ بنُ إبراهيمَ العبسقي، أنا محمدُ بنُ إبراهيمَ بنِ عبدِ اللهِ، نا أبو عُبيدِ اللهِ المَخْزُوميُّ، نا سفيانُ بنُ عُيينةَ، عن هشامِ بنِ عُروةَ، عن أبيه، عن عائشةَ رضِيَ اللهُ عنهاقالت: كان رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ أصابه شيءٌ حتى كان يرَى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن، فانتبه من نومهفقال: (( يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللهَ تَعَالَى أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ، أَتَانِي آتِيَانِ، فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالآخَرُ عِنْدَرِجْلَيَّ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلآخَرِ: مَا بَالُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ. قَالَ: وَمَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ أَعْصَمَ. قَالَ: فِيمَ؟ قَالَ: فِي مُشْطٍ وَمُشَاقَةٍ. قَالَ: وَأَيْنَ؟ قَالَ: فِي جُفِّ طَلْعَةٍ تَحْتَ رَاعُوفَةِ بِئْرِ ذَرْوَانَ)).
قال: فأتى النبيُّ صلى الله عليه وسلم البئرَ فاستخرجه، وقال النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ: (( هَذِهِ الْبِئْرُ الَّتِي رَأَيْتُهَا كَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ، وَكَأَنَّ نَخْلَهَا رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ)).
قالت عائشةُ: فقلتُ له تعني ألا تَتْنَشِرُ؟
قالَ: ((أَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِي اللهُ وَأَكْرَهُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى أَحَدٍ)). يعني شرًّا
قالت: ونزلت: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ (1) مِن شَرِّ مَا خَلَقَ (2)} حتى ختَم السورةَ). [الحجة في بيان المحجة:1/519]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القُرْطُبِيُّ (ت: 671هـ): (الثَانِيَةُ: ثَبَتَ في الصحيحيْنِ مِن حديثِ عائشةَ, أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَحَرَهُ يَهُودِيٌّ مِن يهودِ بَنِي زُرَيْقٍ، يُقالُ لَه: لَبِيدُ بنُ الأَعْصَمِ، حتَّى يُخَيَّلَ إِلَيْه أنَّه كانَ يَفْعَلُ الشيْءَ ولا يَفْعَلُه، فمَكَثَ كذلك ما شاءَ اللهُ أنْ يَمْكُثَ - في غيرِ الصحيحِ: سَنَةً - ثُمَّ قَالَ: ((يَا عَائِشَةُ, أَشَعَرْتِ أَنَّ اللهَ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُه فِيهِ, أَتَانِي مَلَكَانِ، فَجَلَسَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي، وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ، فَقَالَ [الَّذِي عِنْدَ رَأْسِي لِلَّذِي عِنْدَ رِجْلَيَّ]: مَا شَأْنُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ. قَالَ وَمَنْ طَبَّهُ؟ قالَ: لَبِيدُ بنُ الأَعْصَمِ. قَالَ في مَاذَا؟ قَالَ: في مُشْطٍ ومُشاطَةٍ وجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ، تَحْتَ رَاعُوفَةٍ فِي بِئْرِ ذِي أَرْوَانَ)). فجاءَ البِئْرَ واسْتَخْرَجَه. انْتَهَى الصحيحُ). [الجامع لأحكام القرآن: 20/253]
قالَ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الخَازِنُ (ت: 725هـ):( (ق) عنْ عَائِشَةَ، أنَّ النبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ سُحِرَ حتَّى كانَ يُخَيَّلُ إليهِ أَنَّهُ يَصْنَعَ الشيْءَ ولَمْ يَصْنَعْهُ.
وفي روايَةٍ: أنَّهُ يُخَيَّلُ إليهِ فِعْلُ الشيءِ وما فَعَلَهُ، حتَّى إذا كانَ يَوْمٌ وهوَ عندِي دَعَا اللَّهَ وَدَعَاهُ، ثمَّ قالَ: ((أَشَعَرْتِ يَا عَائِشَةُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ؟)).
قُلْتُ: وما ذاكَ يا رسولَ اللَّهِ؟
قال: ((قَدْ جَاءَنِي رَجُلانِ، فَجَلَسَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي، وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلِي، ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ. قَالَ: وَمَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ اليَهُودِيُّ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ. قَالَ: فِيمَ ذَا؟ قَالَ: فِي مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ، وَجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ، قَالَ: فَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ))، ومِن الرُّوَاةِ مَنْ قالَ: ((فِي بِئْرِ بَنِي زُرَيْقٍ)).
فذَهَبَ النبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ في أُنَاسٍ مِنْ أصحابِهِ إلى البِئْرِ فنَظَرَ إليها وعليْهَا نَخْلٌ، ثُمَّ رَجَعَ إلى عَائِشَةَ فقالَ: ((وَاللَّهِ لَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الحِنَّاءِ، وَلَكَأَنَّ نَخْلَهَا رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ))، قُلْتُ: يا رسولَ اللَّهِ، فأَخْرِجْهُ. قَالَ: ((أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَافَانِي اللَّهُ وَشَفَانِي، وَخِفْتُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ مِنْهُ شَرًّا)). وفي روايَةٍ للبُخَارِيِّ أنَّهُ كانَ يَرَى أنَّهُ يَأْتِي النِّسَاءَ ولا يَأْتِيهِنَّ.
قالَ سُفْيَانُ: وهذا أَشَدُّ ما يَكُونُ مِن السِّحْرِ إذا كانَ كَذَلِكَ). [لباب التأويل: 4/499-500]
قالَ ابْنُ القَيِّمِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الزُّرَعِيُّ الدِّمَشْقِيُّ (ت: 751 هـ): (في الصحيحِ، عن هشامِ بنِ عُرْوَةَ، عن أبيه، عن عائشةَ: أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طُبَّ حتى إنه ليُخَيَّلُ إليه أنه صَنَعَ شيئًا وما صَنَعَه، وأنه دَعَا رَبَّه ثم قالَ: ((أَشَعَرْتِ أَنَّ اللهَ قَدْ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ)). فقالَتْ عائشةُ: وما ذاك يا رسولَ اللهِ؟ قالَ: ((جَاءَنِي رَجُلانِ فجَلَسَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟ قَالَ الآخَرُ: مَطْبُوبٌ. قَالَ: مَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ. قالَ: فِي ماذا؟ قالَ: في مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ وَجُفِّ طَلْعٍ ذَكَرٍ. قالَ: فَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي ذَرْوَانَ بِئْرٍ في بَنِي زُرَيْقٍ)). قالَتْ عائشةُ رَضِيَ اللهُ عنها: فأتاها رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم رَجَعَ إلى عائشةَ فقالَ: ((وَاللهِ لَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الحِنَّاءِ، وَلَكَأَنَّ نَخْلَهَا رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ)). قالَ: فقُلْتُ له: يا رسولَ اللهِ، هَلا أَخْرَجْتَه؟ قالَ: ((أَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِي اللهُ وَكَرِهْتُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا)). فأَمَرَ بها فدُفِنَتْ.
قالَ البُخاريُّ: وقالَ الليثُ وابنُ عُيَيْنَةَ عن هِشامٍ: في مُشْطٍ ومُشاقَةٍ. ويُقالُ: إنَّ المُشاطَةَ ما يَخرُجُ من الشعْرِ إذا مُشِطَ، والمُشاقَةُ من مُشاقَةِ الكَتَّانِ. قلتُ: هكذا في هذه الروايةِ أنه لم يُخْرِجْه اكتفاءً بِمُعافاةِ اللهِ له وشِفائِه إيَّاه). [بدائع الفوائد: 2/222]
قالَ ابْنُ القَيِّمِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الزُّرَعِيُّ الدِّمَشْقِيُّ (ت: 751 هـ): (وقد رَوَى البُخاريُّ من حديثِ ابنِ عُيَيْنَةَ، قالَ: أَوَّلُ مَن حَدَّثنا به ابنُ جُرَيْجٍ يَقولُ: حَدَّثَني آلُ عُروةَ، عن عُروةَ، فسَأَلْتُ هِشامًا عنه فحَدَّثَنا عن أبيهِ، عن عائشةَ: كان رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُحِرَ حتى كان يَرَى أنه يأتي النِّساءَ ولا يَأتِيهِنَّ. قالَ سفيانُ: وهذا أَشَدُّ ما يكونُ من السِّحْرِ إذا كان كذا، فقالَ: ((يَا عَائِشَةُ، أَعَلِمْتِ أَنَّ اللهَ قَدْ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ؟ أَتَانِي رَجُلانِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي والآَخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ، فَقَالَ الَّذِي عِنْدَ رَأْسِي للآخَرِ: مَا بَالُ الرُّجُلِ؟ قالَ: مَطْبُوبٌ. قَالَ: مَن طَبَّهُ؟ قالَ: لَبِيدُ بْنُ الأعْصَمِ، رَجُلٌ من بني زُرَيْقٍ حَلِيفُ اليَهُودِ، وَكَانَ مُنَافِقًا. قالَ: وَفِيمَ؟ قالَ: في مُشْطٍ ومُشَاقَةٍ. قَالَ: وَأَيْنَ؟ قالَ: في جُفِّ طَلْعٍ ذَكَرٍ، تَحْتَ رَعُوفَةٍ فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ. قَالَ: فَأَتَى البِئْرَ حَتَّى اسْتَخْرَجَهُ، فَقَالَ: هَذِه البِئْرُ الَّتي أُرِيتُهَا، وَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الحِنَّاءِ، وَكَأَنَّ نَخْلَهَا رُؤُوسُ الشياطينِ)). قَالَ: فَاسْتُخْرِجَ. قَالَتْ: فَقُلْتُ: أَفَلا، أي: تَنَشَّرْتَ؟ قالَ: ((أَمَّا اللهُ فَقَدْ شَفَانِي، وَأَكْرَهُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ شَرًّا)). ففي هذا الحديثِ أنه اسْتَخْرَجَه، وتَرْجَمَ البخاريُّ عليه: بابٌ هل يَسْتَخْرِجُ السِّحْرَ.
وقالَ قَتادةُ: قلتُ لسَعيدِ بنِ المُسَيَّبِ: رجُلٌ به طِبٌّ، ويُؤَخَّذُ عن امرأتِه، أَيُحَلُّ عنه وَيُنَشَّرُ؟ قالَ: لا بأسَ به، إنما يُريدون به الإصلاحَ، فأمَّا ما يَنْفَعُ الناسَ فلم يُنْهَ عنه). [بدائع الفوائد: 2/222-223] (م)
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ ابْنُ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ): (وقالَ البخاريُّ في كتابِ الطِّبِّ مِن صَحيحِه: حدَّثنَا عَبْدُ اللَّهِ بنُ محمدٍ، قالَ: سَمِعْتُ سُفْيانَ بنَ عُيَيْنَةَ يَقُولُ: أَوَّلُ مَن حدَّثنَا بهِ ابنُ جُرَيْجٍ, يقولُ: حدَّثنِي آلُ عُرْوَةَ, عن عُرْوَةَ، فسَأَلْتُ هِشَاماً عَنْهُ فحدَّثنَا عن أبيهِ, عن عائشةَ قالتْ: كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسلَّمَ سُحِرَ حَتَّى كانَ يُرَى أَنَّه يَأْتِي النِّسَاءَ ولا يَأْتِيهِنَّ -قالَ سفيانُ: وهذا أشَدُّ ما يَكُونُ مِن السِّحْرِ إِذَا كانَ كَذَا- فقالَ: ((يَا عَائِشَةُ, أَعَلِمْتِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ؟ أَتَانِي رَجُلانِ, فقَعَدَ أَحَدُهما عِنْدَ رَأْسِي, والآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ, فقالَ الذي عِنْدَ رَأْسِي للآخَرِ: مَا بَالُ الرَّجُلِ؟ قالَ: مَطْبُوبٌ. قالَ: وَمَنْ طَبَّهُ؟ قالَ: لَبِيدُ بنُ أَعْصَمَ -رَجُلٌ مِن بَنِي زُرَيقٍ حَلِيفٌ ليَهُودَ, كانَ مُنافِقاً- قالَ: وفِيمَ؟ قالَ: فِي مُشْطٍ ومُشَاقَةٍ. قالَ: وأَيْنَ؟ قالَ: في جُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ, تَحْتَ رَاعُوفَةٍ في بِئْرِ ذَرْوَانَ)).
قالتْ: فأَتَى النَّبِيُّ صلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسلَّمَ البِئْرَ حَتَّى اسْتَخْرَجَه. فقالَ: ((هذهِ البِئْرُ التي أُرِيتُها, وكأنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الحِنَّاءِ, وكَأَنَّ نَخْلَهَا رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ)). قالَ: فاسْتُخْرِجَ. قالتْ: فقُلْتُ: أَفَلا تَنَشَّرْتَ؟ فقالَ: ((أَمَّا اللَّهُ فَقَدْ شَفَانِي, وأَكْرَهُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ شَرًّا)).
وأَسْنَدَهُ مِن حديثِ عِيسَى بنِ يُونُسَ وأَبِي ضَمْرَةَ أَنَسِ بنِ عِيَاضٍ وأبي أُسَامَةَ ويَحْيَى القَطَّانِ, وفيه: قالتْ: حَتَّى كانَ يُخَيَّلُ إليهِ أَنَّه فَعَلَ الشَّيْءَ ولَمْ يَفْعَلْهُ. وعندَه: فأَمَر بالبِئْرِ فدُفِنَتْ.
وذُكِرَ أنَّه رَواهُ عن هِشامٍ أيضاً ابنُ أَبِي الزِّنادِ والليثُ بنُ سَعْدٍ. وقدْ رواهُ مسلمٌ مِن حديثِ أبي أُسامةَ حَمَّادِ بنِ أُسامَةَ وعَبْدِ اللَّهِ بنِ نُمَيْرٍ. ورواهُ أحمدُ عن عَفَّانَ, عن وَهْبٍ, عن هشامٍ, به.
ورواهُ الإمامُ أحمدُ أيضاً, عن إبراهيمَ بنِ خَالِدٍ, عن مَعْمَرٍ, عن هِشَامٍ, عن أبيهِ, عن عَائِشَةَ قالتْ: لَبِثَ النَّبِيُّ صلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسلَّمَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ يُرَى أنَّه يَأْتِي ولا يَأْتِي, فأَتَاهُ مَلَكَانِ؛ فجَلَسَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِه, والآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ, فقالَ أَحَدُهما للآخَرِ: مَا بَالُه؟ قالَ: مَطْبُوبٌ. قالَ: وَمَنْ طَبَّهُ؟ قالَ: لَبِيدُ بنُ الأَعْصَمِ... وذكَر تمامَ الحديثِ). [تفسير القرآن العظيم: 8/3909]
قَالَ بُرْهَانُ الدِّينِ إِبْرَاهِيمُ بنُ عُمَرَ البِقَاعِيُّ (ت: 885هـ): (وَرَوَى البخاريُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ عائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها قَالَتْ: سُحِرَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتَّى إِنَّهُ لَيُخَيَّلُ إِليهِ أَنَّهُ فَعَلَ شَيْئاً وَما فَعَلَهُ، حتَّى إِذا كانَ ذَاتَ يَوْمٍ وَهوَ عِنْدِي دَعَا اللَّهَ وَدَعَاهُ، ثُمَّ قَالَ: ((أَشَعَرْتِ يَا عَائِشَةُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ؟)) قُلْتُ: وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((أَتَانِي مَلَكَانِ)) فَذَكَرَهُ). [نظم الدرر: 8/608]
قالَ الخَطِيبُ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الشِّرْبِينِيُّ (ت: 977هـ): (وعنْ عائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها أنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طُبَّ -أيْ سُحِرَ- حتى كأنَّهُ يُخَيَّلُ إليهِ أنَّهُ صَنعَ شيئًا وما صَنعَهُ، وأنَّهُ دَعَا ربَّهُ ثمَّ قَالَ: ((أَشَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ)). فقالتْ عائشةُ رَضِيَ اللَّهُ عنها: وما ذاكَ يا رسولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((جَاءَنِي رَجُلانِ فَجَلَسَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟ فَقَالَ الآخَرُ: مَطْبُوبٌ. قَالَ: وَمَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ الأعْصَمِ. قَالَ: فِي مَاذَا؟ قَالَ: فِي مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ وَجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ. قَالَ: فَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي ذَرْوَانَ)). وذَرْوانُ: بئرٌ في بني زُرَيْقٍ. قالتْ عائشةُ رَضِيَ اللَّهُ عنها: فأتاها رَسولُ اللَّهِ صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثمَّ رجعَ إلى عائشةَ، فَقَالَ: ((وَاللَّهِ لَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الحِنَّاءِ وَلَكَأَنَّ نَخْلَهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ)). قالتْ: فقلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، هلْ أَخْرَجْتَهُ؟ قَالَ: ((أَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِي اللَّهُ وَكَرِهْتُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ مِنْهُ شَرًّا)) ). [تفسير القرآن الكريم: 4/ 612]
قالَ أَبو الثَّناءِ مَحْمُودُ بنُ عبدِ اللهِ الآلُوسِيُّ (ت: 1270هـ): (روى البخاريُّ ومسلمٌ وابنُ ماجهْ عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ تعالى عنها قالتْ: سُحِرَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ تعالى عليه وسَلَّمَ حتى إنه ليُخَيَّلُ إليه أنه فَعَلَ الشيءَ ولم يكنْ فَعَلَه، حتى إذا كانَ ذاتَ يومٍ -أو ذاتَ ليلةٍ- دعا اللهَ, ثم دَعَا, ثم دعا, ثم قالَ: ((أَشَعَرْتِ يَا عَائِشَةُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ؟)). قلتُ: وما ذاكَ يا رسولَ اللهِ؟ فقالَ: ((جَاءَنِي رَجُلانِ فَجَلَسَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ، فَقَالَ الَّذِي عِنْدَ رَأْسِي لِلَّذِي عِنْدَ رِجْلَيَّ -أَوِ الَّذِي عِنْدَ رِجْلَيَّ لِلَّذِي عِنْدَ رَأْسِي-: مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟ قالَ: مَطْبُوبٌ. قَالَ: مَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ الأعْصَمِ. قَالَ: فِي أَيِّ شَيْءٍ؟ قَالَ: فِي مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ وَجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ؟ قَالَ: فَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي بِئْرِ ذِي أَرْوَانَ)). قالتْ: فَأَتاها رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ تعالى عليه وسَلَّمَ في أُناسٍ مِن أصحابِه ثم قالَ: ((يَا عَائِشَةُ، وَاللهِ لَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الحِنَّاءِ، وَلَكَأَنَّ نَخْلَهَا رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ)). قالتْ: فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، أفلا أَحْرَقْتَه؟ قالَ: ((لا، أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَافَانِي اللهُ تَعَالَى، وَكَرِهْتُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا، فَأَمَرْتُ بِهَا فَدُفِنَتْ)). وهذان المَلَكان على ما يَدُلُّ على روايةِ ابنِ مَردُويهْ مِن طريقِ عِكرمةَ عن ابنِ عبَّاسٍ هما جِبريلُ وميكائيلُ عليهما السلامُ). [روح المعاني: 29/282]

تنبيه:
قالَ أحمدُ بنُ عَلِيٍّ ابنُ حَجَرٍ العَسْقَلانِيُّ (ت:852هـ): (قَوْلُهُ: "وَفِي ذَلِكَ نَزَلَتِ المُعَوِّذَتَانِ"، انْتَهَى، وَهَذَا ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيُّ فِي "تَفْسِيرِهِ" مِنْ حَدِيثِ ابْن عَبَّاسٍ تَعْلِيقًا، وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَيْضًا تَعْلِيقًا، وَطَرِيقُ عَائِشَةَ صَحِيحٌ؛ أَخْرَجَهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ فِي تَفْسِيرِهِ، رِوَايَةُ أَبِي عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْهُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، فَذَكَرَ الحَدِيثَ، وَفِيهِ "وَنَزَلَتْ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ (1)}"). [التلخيص الحبير:4/110]
-قال الألباني: (وهذه فائدةٌ هامةٌ من الحافظِ رحِمه اللهُ تعالى، لم ترِدْ في كتابه (فتح الباري)، وهي شاهدٌ قويٌّ لحديثِ الترجمةِ. واللهُ أعلمُ). [السلسلة الصحيحة:6/616]
- قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (هذه الزيادةُ رواها اللالكائيُّ في شرحِ السنةِ، وأبو القاسمِ الأصبهانيُّ في كتابِ الحُجَّةِ في بيان المَحجةِ، كلاهما من طريقِ أحمدَ بنِ إبراهيمَ العبسقي، عن محمدِ بنِ إبراهيمَ بنِ عبدِ اللهِ، عن أبي عبيدِ اللهِ المَخْزُوميِّ، عن سفيانَ بنِ عُيينةَ، عن هشامِ بنِ عروةَ، عن أبيه، عن عائشةَ. فذكر الحديثَ بنحوِ روايةِ الجماعةِ، وزاد في آخرِه:
قالت: ونزلت {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ (1) مِن شَرِّ مَا خَلَقَ (2)}حتى ختم السورةَ).
وقد سبق إعلالُها بالتفردِ ومخالفتِها لما رواه الأئمةُ عن سفيانَ، وما رواه الأئمةُ عن هشامِ بنِ عروةَ، وقد سبَقَ بحثُ هذه المسألةِ عند الكلامِ عن سببِ نزولِ المعوذتيْنِ، فراجِعْه).

حديث عَمْرة بنت عبد الرحمن عن عائشة، وهو ضعيف جدًّا
قَالَ أحمدُ بنُ الحسينِ بنِ عليٍّ البَيْهَقِيُّ (ت: 458 هـ): (أخبرنا أبو الحسينِ عليُّ بنُ محمدٍ المقرئُ، قالَ: أخبرَنَا الحسَنُ بنُ محمَّدِ بنِ إسحَاقَ، قالَ: حدَّثَنَا يوسُفُ بنُ يعقُوبَ، قالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بنُ حَيَّانَ، قالَ: حَدَّثَنَا يزيدُ بنُ هارونَ، قالَ: أخبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيدِ اللهِ، عَنْ أبي بكرِ بنِ محمَّدٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عنْ عَائِشَةَ قالَت:
كَانَ لِرسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُلامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدِمُهُ، يُقَالُ لَهُ: لَبِيدُ بْنُ أَعْصَمَ، وكان تُعجبُه خِدمتُه، فَلَمْ تَزَلْ بِهِ يَهُودُ حَتَّى سَحَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذُوبُ وَلا يَدْرِي مَا وَجَعُهُ.
فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ نَائِمٌ إِذْ أَتَاهُ مَلَكَانِ، فَجَلَسَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِهِ والآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ، فَقَالَ الَّذِي عِنْدَ رَأْسِهِ للذي عِنْدَ رِجْلَيْهِ: مَا وَجَعُهُ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ. قَالَ: مَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ أَعْصَمَ. قَالَ: بِمَ طَبَّهُ؟ قَالَ: بِمُشْطٍ ومُشَاطَةٍ وَجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ بِذِي أَرْوَانَ، وَهِيَ تَحْتَ رَاعُوفَةِ البِئْرِ.
فاسْتيقظَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فدَعَا عائشَةَ؛ فقالَ: « يا عَائِشَةُ، أَشَعَرْتِ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَنْبَأَنِي بِوَجَعِي؟».
فَلَمَّا أَصْبَحَ غدَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغَدَا مَعَهُ أَصْحَابُهُ إِلَى البِئْرِ، فإذَا ماؤُهَا كأنَّهُ نَقُوعُ الحِنَّاءِ، وإذَا نخلُهَا الَّذِي يشْرَبُ مِنْ مَائِها قَدِ التوَى سَعَفُهُ كأنَّهُ رُؤوسُ الشَّياطِينِ.
قالَ: فَنَزَلَ رَجُلٌ فَاسْتَخْرَجَ جُفَّ طَلْعَةٍ مِنْ تَحْتِ الرَّاعُوفَةِ، فَإِذَا فِيهَا مُشْطُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وَمِنْ مُرَاطَةِ رَأْسِهِ، وإذا تِمْثَالٌ مِنْ شَمْعٍ تِمْثَالُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإذا فيها إِبَرٌ مَغْرُوزَةٌ، وَإِذَا وَتَرٌ فِيهِ إِحْدَى عَشْرَةَ عُقْدَةً، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عليهِ السلامُ بِالمُعَوِّذَتَيْنِ. فقالَ: يا مُحَمَّدُ، {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ (1)} [الفلق: 1]، وَحَلَّ عُقْدَةً{مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2)} [الفلق:2] وَحَلَّ عُقْدَةً. حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا، [ثُمَّ قَالَ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1)} [الناس: 1] وَحَلَّ عُقْدَهً، حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا]، وَحَلَّ العُقَدَ كُلَّهَا.
وَجَعَلَ لا يَنْزِعُ إِبْرَةً إلاَّ وجدَ لها أَلَمًا، ثُمَّ يَجِدُ بَعْدَ ذلكَ رَاحَةً، فقيلَ: يا رسولَ اللهِ، لَوْ قَتَلْتَ اليَهُودِيَّ؟ فقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ: ((قَدْ عَافَانِي اللهُ – عَزَّ وَجَلَّ - وَمَا وَرَاءَهُ مِنْ عَذَابِ اللهِ أَشَدُّ)). قالَ: فَأَخْرَجَهُ.
قدْ رُوِّينَا فِي هذا عن الكَلْبِيِّ، عن أبي صالحٍ، عن ابنِ عَبَّاسٍ بِبَعْضِ معناهُ، وَرُوِّينَاهُ في الحديثِ الصحيحِ، عن هشامِ بنِ عُرْوَةَ، عن أَبِيهِ، عنْ عَائِشَةَ في أبوابِ دَعَوَاتِهِ دونَ ذِكْرِ المُعَوِّذَتَيْنِ). [دلائل النبوة: 7/ 94]
قالَ جَلالُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ): (وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدُويَهْ والبَيْهَقِيُّ فِي الدلائلِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ لرسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُلامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدِمُهُ، يُقَالُ لَهُ: لَبِيدُ بْنُ أَعْصَمَ، فَلَمْ تَزَلْ بِهِ يَهُودُ حَتَّى سَحَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذُوبُ وَلا يَدْرِي مَا وَجَعُهُ.
فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ نَائِمٌ إِذْ أَتَاهُ مَلَكَانِ، فَجَلَسَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِهِ والآخرُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ، فَقَالَ الَّذِي عِنْدَ رَأْسِهِ للذي عِنْدَ رِجْلَيْهِ: مَا وَجَعُهُ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ. قَالَ: مَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ أَعْصَمَ. قَالَ: بِمَ طَبَّهُ؟ قَالَ: بِمُشْطٍ ومُشَاطَةٍ وَجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ بِذِي أَرْوَانَ، وَهِيَ تَحْتَ رَاعُوفَةِ البِئْرِ.
فَلَمَّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَا وَمَعَهُ أَصْحَابُهُ إِلَى البِئْرِ، فَنَزَلَ رَجُلٌ فَاسْتَخْرَجَ جُفَّ طَلْعَةٍ مِنْ تَحْتِ الرَّاعُوفَةِ، فَإِذَا فِيهَا مُشْطُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ مُشَاطَةِ رَأْسِهِ، وَإِذَا تِمْثَالٌ مِنْ شَمْعٍ؛ تِمْثَالُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِذَا فِيهَا إِبَرٌ مَغْرُوزَةٌ، وَإِذَا وَتَرٌ فِيهِ إِحْدَى عَشْرَةَ عُقْدَةً.
فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ بالمُعَوِّذَتَيْنِ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ (1)} [الفلق: 1]. وَحَلَّ عُقْدَةً, {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2)} [الفلق: 2], وَحَلَّ عُقدةً. حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا، وَحَلَّ العُقَدَ كُلَّهَا, وَجَعَلَ لا يَنْزِعُ إِبْرَةً إِلاَّ وَجَدَ لَهَا أَلَماً، ثُمَّ يَجِدُ بَعْدَ ذَلِكَ رَاحَةً، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ قَتَلْتَ اليَهُودِيَّ. فَقَالَ: ((قَدْ عَافَانِيَ اللَّهُ وَمَا وَرَاءَهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَشَدُّ)). فَأَخْرَجَهُ). [الدر المنثور: 15/793-794]
قالَ أَبو الثَّناءِ مَحْمُودُ بنُ عبدِ اللهِ الآلُوسِيُّ (ت: 1270هـ): (ومِن حديثِها في الدلائلِ للبيهقيِّ بعدَ ذِكْرِ حديثِ الملَكَيَنْ: فلمَّا أَصْبَحَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ تعالى عليه وسَلَّمَ غَدَا ومعه أصحابُه إلى البئرِ، فدَخَلَ رَجُلٌ فاستخرَجَ جُفَّ طَلعةٍ مِن تحتِ الراعوثةِ، فإذا فيها مُشطُ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ تعالى عليه وسَلَّمَ، ومِن مُشاطةِ رأسِه, وإذاتِمثالٌ مِن شمْعٍ, تِمثالُ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ تعالى عليه وسَلَّمَ، وإذا فيها إِبَرٌ مَغروزةٌ، وإذا وَتَرٌ فيه إحدى عشْرةَ عُقدةً، فأتاهُ جِبريلُ عليه السلامُ بالمُعَوِّذَتَيْنِ، فقالَ: يا محمدُ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ (1)} [الفلق: 1]، وحَلَّ عُقدةً، {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2)} [الفلق: 2]، وحلَّ عُقدةً. حتى فَرَغَ منهما وحَلَّ العُقَدَ كلَّها، وجَعلَ لا يَنْزِعُ إبرةً إلا وَجَدَ لها أَلَمًا, ثم يَجِدُ بعدَ ذلك راحةً، فقيلَ: يا رسولَ اللهِ، لو قَتَلْتَ اليهوديَّ؟ قالَ: قَدْ عَافَانِي اللهُ تَعَالَى، وَمَا يَرَاهُ مِنْ عَذَابِ اللهِ أَشَدُّ". ). [روح المعاني: 29/282-283]
قالَ أَبو الثَّناءِ مَحْمُودُ بنُ عبدِ اللهِ الآلُوسِيُّ (ت: 1270هـ): (وفي روايةٍ: أنَّ الذي تَوَلَّى السحرَ لَبيدُ بنُ الأعصمِ وبناتُه، فَمَرِضَ النبيُّ صَلَّى اللهُ تعالى عليه وسَلَّمَ، فنَزَلَ جِبريلُ بالمُعَوِّذَتَيْنِ وأَخبرَه بِمَوْضِعِ السحرِ وبِمَنْ سَحَرَه وبِمَ سَحَرَه، فأَرْسَلَ صَلَّى اللهُ تعالى عليه وسَلَّمَ عَلِيًّا كَرَّمَ اللهُ تعالى وجهَه والزُّبيرَ وعَمَّارًا، فنَزَحُوا ماءَ البئرِ وهو كنُقاعةِ الحِنَّاءِ، ثم رَفَعوا رَاعُوثةَ البئْرِ فأَخْرَجَوا أَسنانَ المُشطِ ومعها وَتَرٌ قد عُقِدَ فيه إحدى عشْرةَ عُقدةً مُغَرَّزَةً بالإبَرِ، فجاؤوا بها النبيَّ صَلَّى اللهُ تعالى عليه وسَلَّمَ، فجَعَلَ يَقرَأُ المُعَوِّذَتَيْنِ عليها، فكان كُلَّمَا يَقرأُ آيةً انْحَلَّتْ عُقدةٌ، ووَجَدَ عليه الصلاةُ والسلامُ خِفَّةً، حتى انْحَلَّتِ العُقدةُ الأخيرةُ عندَ تَمامِ السورتينِ، فقامَ صَلَّى اللهُ تعالى عليه وسَلَّمَ كأنما أُنْشِطَ مِن عِقالٍ. الخبرُ والروايةُ الأُولَى أَصَحُّ مِن هذه). [روح المعاني: 29/283]
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (وهذا الحديث ضعيفٌ جدًّا؛ فيه محمدُ بنُ عبيدِ اللهِ العَرْزَمِيُّ، متروكُ الحديثِ، وفي بعضِ ألفاظِه نَكارةٌ شديدةٌ
).


رد مع اقتباس
  #14  
قديم 6 جمادى الأولى 1435هـ/7-03-2014م, 10:28 PM
أروى المطيري أروى المطيري غير متواجد حالياً
فريق تنسيق النصوص
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 405
افتراضي


حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه

طريق أبي معاوية عن الأعمش عن يزيد بن حيَّان عن زيد بن أرقم
قالَ عبدُ اللهِ بنُ محمَّدٍ ابنُ أبي شَيبَةَ العَبْسِيُّ (ت:235هـ): (حَدَّثَنا أبو مُعَاويةَ، عَنِ الأعمَشِ، عَن يَزيدَ بنِ حَيَّانَ، عَن زَيدِ بنِ أَرْقَمَ قَالَ: سَحَرَ النبيَّ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ منَ اليهودِ، فَاشْتَكَى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لِذلكَ أياماً، فَأتَاهُ جبرِيلُ فَقَالَ: إنَّ رَجُلاً منَ اليهودِ سَحَرَكَ، عَقَدَ لكَ عُقَداً، فَأَرسَلَ إليهَا رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عليًّا فاستخرَجَها فجَاءَ بهَا، فجَعَل كلَّمَا حلَّ عُقْدَةً وجَدَ لِذلكَ خِفَّةً، فقَامَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم كأنَّمَا نُشِطَ من عِقَالٍ، فمَا ذكَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ ذلكَ اليهوديَّ ولا رَآه في وَجهِهِ قَطُّ). [مصنف ابن أبي شيبة:5/435] (م)
قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَنبَلٍ الشَّيْبَانِيُّ (ت:241هـ): (حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ حَيَّانَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: سَحَرَ النَّبيَّ -صلى اللهُ عليه وسلم- رَجُلٌ مِنَ اليَهُودِ.
قَالَ: فَاشْتَكَى لِذَلِكَ أَيَّاماً.
قَالَ: فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ فَقَالَ: إِنَّ رَجُلاً مِنَ اليَهُودِ سَحَرَكَ، عَقَدَ لَكَ عُقَداً عُقَداً في بِئْرِ كَذَا وَكَذَا، فَأَرْسِلْ إِلَيْهَا مَنْ يَجِيءُ بِهَا. فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللهُ عليه وسلَّمَ- عَلِيًّا فَاسْتَخْرَجَهَا فَجَاءَ بِهَا فَحَلَّلَهَا.
قَالَ: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللهُ عليه وسلم- كَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْعِقَالٍ، فَمَا ذَكَرَ لِذَلِكَ اليَهُودِيِّ وَلا رَآهُ في وَجْهِهِ قَطُّ حَتَّى مَاتَ). [مسند الإمام أحمد:32/14]
قالَ أَحْمَدُ بنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت:303هـ): (أَخْبَرَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، عَنْ أَبي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنِ ابْنِ حَيَّانَ - يَعْنِي يَزِيدَ - عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: سَحَرَ النَّبيَّ -صلى اللهُ عليه وسلم- رَجُلٌ مِنَ اليَهُودِ، فَاشْتَكَى لِذَلِكَ أَيَّامًا، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ فَقَالَ: إِنَّ رَجُلاً مِنَ اليَهُودِ سَحَرَكَ، عَقَدَ لَكَ عُقَدًا في بِئْرِ كَذَا وَكَذَا. فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللهُ عليه وسلَّمَ- فَاسْتَخْرَجُوهَا، فَجِيءَ بِهَا، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللهُ عليه وسلم- كَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ، فَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ لِذَلِكَ اليَهُودِيِّ وَلا رَآهُ في وَجْهِهِ قَطُّ). [سنن النسائي الكبرى: 2/308]
قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَيُّوبَ الطَّبَرَانِيُّ (ت: 360هـ): (حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بن غَنَّامٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍابنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ يَزِيدِ بن حَيَّانَ، عَنْ زَيْدِ بن أَرْقَمَ قَالَ: سَحَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مِنَ اليَهُودِ، فَاشْتَكَى لِذَلِكَ أَيَّامًا، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ رَجُلاً مِنَ اليَهُودِ سَحَرَكَ، عَقَدَ لَكَ عُقَدًا، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، فَاسْتَخْرَجَهَا، فَجَاءَ بِهَا، فَجَعَلَ كُلَّمَا حَلَّ عُقْدَةً وَجَدَ لِذَلِكَ خِفَّةً، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ، فَمَا ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ اليَهُودِيَّ وَلا رَآهُ فِي وَجْهِهِ قَطُّ). [المعجم الكبير:12/100]
قالَ أَبُو اللَّيْثِ نَصْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّمَرْقَنْدِيُّ (ت:375هـ): (ورَوَى الأَعْمَشُ، عن يَزيدَ بنِ حَيَّانَ، عن زَيدِ بنِ أَرقَمَ قالَ: سَحَرَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رجُلٌ مِنَ اليَهودِ؛ عَقَدَ له عُقَدًا، فاشتَكَى لذلك أيَّامًا، فأَتاهُ جِبريلُ عليه السلامُ فقالَ له: إنَّ رجلاً مِنَ اليَهودِ سَحَرَكَ. فبَعَثَ عليًّا رَضِيَ اللهُ عنه واستَخْرَجَها، فجعَلَ كلَّمَا حَلَّ عُقدةً وَجَدَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لذلك خِفَّةً، حتى حَلَّها كلَّها، فقامَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كأنما نُشِطَ مِن عِقَالٍ. فما ذكَرَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذلك لليَهودِ). [بحر العلوم: 3/527]
قالَ الحُسَيْنُ بنُ مَسْعُودٍ البَغَوِيُّ (ت: 516هـ): (أَخْبَرَنَا المُطَهَّرُ بنُ عليٍّ الفارِسيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن إبراهيمَ الصالحانيُّ، حَدَّثَنَا عبدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ جعفرٍ أبو الشيخِ الحافظُ، أَخْبَرَنَا ابنُ أبي عاصمٍ، حَدَّثَنَا أبو بكرِابنُ أبي شَيبةَ، حَدَّثَنَا أبو مُعاويةَ، عن الأعمَشِ، عن يَزيدَ بنِ حَيَّانَ،عَنْ زَيْدِ بنِ أَرْقَمَ قالَ: سَحَرَ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجُلٌ من اليهودِ. قالَ: فاشْتَكَى لذلك أيَّامًا. قالَ: فأَتَاهُ جِبريلُ فقالَ: إنَّ رَجُلاً من اليهودِ سَحَرَكَ وعَقَدَ لك عُقَدًا، فأَرْسَلَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا فاسْتَخْرَجَها فجاءَ بها، فجَعَلَ كُلَّمَا حَلَّ عُقْدةً وَجَدَ لذلك خِفَّةً، فقامَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كأنما نُشِطَ من عِقالٍ، فما ذَكَرَ ذلك لليهودِ ولا رَأَوْهُ في وَجْهِهِ قطُّ). [معالم التنزيل: 724]

زيادة أحمد بن يونس في حديث الأعمش
قالَ عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ الكِسِّيُّ (ت:249هـ): (حدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ يونسَ، ثنَا أبو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأعمشِ، عَن يَزيدَ بنِ حَيَّانَ، عَن زيدِ بنِ أرقمَ قالَ: سَحَرَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مِنَ اليهودِ.
قَالَ: فاشتكَى فأتَاه جبريلُ فنزَلَ عَلَيهِ بالمعوِّذَتينِ، وَقالَ: (إِنَّ رَجُلاً مِنَ اليَهُودِ سَحَرَكَ، وَالسِّحْرُ فِي بئرِ فُلانٍ).
قال: فَأَرْسَلَ عَلِيًّا فَجَاءَ بهِ.
قالَ: فَأَمَرَهُ أَن يَحُلَّ العُقَدَ، وَتُقْرَأَ آيةٌ، فَجَعَلَ يَقْرَأُ وَيَحُلُّ حَتَّى قَامَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّمَا أُنشِطَ مِن عِقَالٍ.
قالَ: فَمَا ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ لِذَلِكَ اليهوديِّ شَيئًا مِمَّا صَنَعَ بهِ؟
قالَ: وَلا أَرَاهُ فِي وَجْهِهِ » ). [مسند عبد بن حميد:1/116 ]
قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَلامَةَ الطَّحَاوِيُّ (ت: 321هـ): (حدَّثنَا فَهْدٌ، حدَّثنا أَحمدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ يُونسَ، حدَّثنَا أَبو مُعاوِيَةَ، عَنِ الأَعمشِ، عَن يَزيدَ بنِ حَيَّانَ، عَن زَيدِ بنِ أَرْقَمَ، قَالَ: سَحَرَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ رَجُلٌ مِنَ اليَهودِ، فاشتكَى، فأَتاه جبريلُ صلواتُ اللهِ عَليهِ بالمعوِّذتينِ، وَقالَ: إِنَّ رَجُلاً مِنَ اليَهودِ سَحَرَكَ، وَالسِّحرُ فِي بئرِ فُلانٍ، فَأَرسَلَ عَلِيًّا رَضِيَ اللهُ عنهُ، فَجَاءَ بهِ، فَأَمَرَه أَن يَحُلَّ العُقَدَ، وَيَقْرَأَ آيَةً، فَجَعَلَ يَقْرَأُ وَيَحُلُّ، حَتَّى قامَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ كَأنَّمَا أُنشِطَ مِن عِقَالٍ، فَمَا ذَكَرَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ لِذلِكَ اليَهودِيِّ شَيْئًا مِمَّا صَنَعَ، وَلا رَآهُ فِي وَجْهِهِ). [مشكل الآثار:15/180]

طريق جرير عن الأعمش عن ثمامة بن عقبة عن زيد بن أرقم
قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَيُّوبَ الطَّبَرَانِيُّ (ت: 360هـ): (حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ إِسحَاقَ بنِ رَاهَوَيْهِ، ثنا أَبي ح وَحدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ عثمانَ بنِ أبي شَيبةَ، ثنَا أبي ح وَحدَّثنا الحسينُ بنُ إِسحاقَ التُّسْتَرِيُّ، ثنَا عثمان بنُ أبي شَيبةَ ح وَحدَّثنا أبو خَليفةَ، ثنَا علِيُّ بنُ المدينيِّ، قالوا: ثنَا جَريرٌ، عَنِ الأعمشِ، عَن ثُمامَةَ بنِ عُقبةَ، عَن زيدِ بنِ أَرقمَ قالَ: كَانَ رَجُلٌ يَدخُلُ علَى النبيِّ صلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ، فَعَقَدَ لَهُ عُقَدًا، فَوَضَعَهُ فِي بئرِ رَجُلٍ مِنَ الأَنصَارِ؛ فَأَتَاهُ مَلَكَانِ يَعُودَانِهِ، فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِندَ رَأسِهِ وَالآخَرُ عِندَ رِجْلَيهِ؛ فقالَ أَحدُهمَا: أَتدرِي ما وَجَعُهُ؟
قالَ: فُلانُ الَّذِي يَدخُلُ عَليهِ عَقَدَ لَهُ عُقَدًا فَألقَاهُ فِي بئرِ فُلانٍ الأَنصَارِيِّ، فَلَوْ أُرسِلَ رَجُلٌ وَأَخذَ العُقَدَ لَوَجَدَ الماءَ قَدِ اصْفَرَّ.
قالَ: فبَعَثَ رَجُلاً فأخَذ العُقَدَ فحلَّها فبرَأ.
وَكانَ الرَّجُلُ بعدَ ذلكَ يَدخُلُ عَلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ؛ فلَم يَذكُرْ لهُ شيئًا مِنهُ، وَلَمْ يُعَاتِبْهُ عَلَيهِ السَّلامُ). [المعجم الكبير: 5011]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ الحَاكِمُ النَّيسَابُورِيُّ (ت: 405هـ): (حدَّثنا الأستاذُ أبو الوليدِ، ثنا أبو عبدِ اللهِ البُوشَنْجِيُّ، ثنا أحمدُ بنُ حنبلٍ، ثنا جريرٌ، عن الأعمشِ، عن ثُمامةَ بنِ عُقبةَ المُحَلِّمِيُّ، عن زيدِ بنِ أرقمَ قال: (كانَ رجُلٌ يدخُلُ علَى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمْ، فسَحَرَهُ رَجُلٌ، فعَقَدَ لَهُ عُقَدًا، فوضَعَه وطَرَحَه في بئرِ رجلٍ منَ الأنصَارِ، فأتَاهُ مَلَكَانِ يعودَانِه، فقَعَدَ أحدُهمَا عندَ رأسِهِ وقَعَدَ الآخرُ عندَ رِجلَيهِ؛ فقالَ أحدُهُمَا: أتدْرِي ما وَجَعُه؟
قال: فلانٌ الذي كانَ يدخُلُ عليهِ عقَدَ لَهُ عُقَدًا، فألقَاه في بئرِ فلانٍ الأنصارِيِّ، فلوْ أرسلَ إليهِ رجلاً فأخذَ منه العُقَدَ لوجَدَ الماءَ قَدِ اصفَرَّ. قال: وأخذَ العُقَدَ فحلَّها فيها.
قال: فكان الرجلُ بعدُ يدخُلُ علَى النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فلَمْ يذكُرْ لهُ شيئًا منهُ ولمْ يُعَاتِبْهُ)
هذا حديثٌ صحيحٌ على شرطِ الشيخينِ ولم يُخرِّجاه). [المستدرك: 4/401]
- قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (حديثُ زيدِ بنِ أرقمَ رُوِيَ من طُرُقٍ مدارُها على الأعمش:
الطريقُ الأوَّل: طريقُ جريرٍ عن الأعمشِ عن ثُمامةَ بنِ عُقبةَ، عن زيدِ بنِ أرقمَ، وقد أخرجه الطبرانيُّ في معجمِه الكبيرِ من طريقِ إسحاقَ بنِ رَاهَوَيْهِ وعثمانَ بنِ أبي شيبةَ وعليِّ بنِ المَدِينيِّ، ثلاثتُهم عن جَريرٍ به، وأخرجه الحاكمُ في مستدرَكِه من طريقِ أحمدَ بنِ حنبلٍ عن جَريرٍ به، وقال: هذا حديثٌ صحيحٌ على شرطِ الشيخينِ ولم يخرجاه.
وليس فيه ذِكْرُ نُزولِ المعوِّذتيْنِ، وهو أقربُ إلى روايةِ هشامِ بنِ عُروةَ.
الطريقُ الثاني: طريقُ شيبانَ، عن الأعمشِ، عن ثُمامةَ، عن زيدِ بنِ أرقمَ، بمثلِ روايةِ جريرٍ، أخرجه الطبرانيُّ في الكبيرِ.
الطريقُ الثالثُ: طريقُ سفيانَ الثوريِّ، عن الأعمشِ، عن ثُمامةَ عن زيدِ بنِ أرقمَ، أخرجه ابنُ سَعْدٍ في الطبقاتِ، والبزارُ في مسندِه، وفي إسنادِه عندهما موسى بنُ مسعودٍ، وهو أبو حذيفةَ النَّهديُّ، وليس فيه ذِكْرُ نزولِ المعوذتينِ.
الطريقُالرابعُ: طريقُ أبي معاويةَ، عن الأعمشِ، عن يزيدَ بنِ حَيَّانَ، عن زيدِ بنِ أرقمَ، واختُلفَ فيه فرواه ابنُ أبي شيبةَ وأحمدُ والنَّسائيُّ والطبرانيُّ وأبو الشيخِ الأصبهانيُّ والبَغَوِيُّ من طُرُقٍ عن أبي معاويةَ عن الأعمشِ به، وليس فيه ذِكْرُ نزولِ المعوِّذتينِ.
ورواه عَبدُ بنُ حُميدٍ والطَّحاويُّ في مُشكِلِ الآثارِ، كلاهما من طريقِ أحمدَ بنِ يونسَ، عن أبي معاويةَ، عن الأعمشِ، عن يَزيدَ بنِ حَيَّانَ، عن زيدِ بنِ أرقمَ، وذكر فيه نُزولَ المعوذتينِ.
فهذه الزيادةُ تفرَّدَ بها أحمدُ بنُ يونسَ، وهو إمامٌ ثقةٌ، قال عنه أحمدُ بنُ حنبلٍ: شيخُ الإسلامِ، لكنه خُولفُ في هذه الزيادةِ؛ فقد روى الحديثَ عن أبي مُعاويةَأحمدُ وابنُ أبي شيبةَ وهنَّادُ بنُ السَّرِيِّ دونَ ذِكْرِ هذه الزيادةِ.
فمَن صحح روايتَه ذهب إلى القولِ بموجبِها واعتبرها من بابِ زيادةِ الثقةِ كما فعل الألبانيُّ، ومَن اعتبرها مخالفةً حكم عليها بالشذوذِ لمخالفةِ أحمدَ بنِ يونسَ بقيةَ الرواةِ عن أبي معاويةَ، ثم مخالفةِ هذه الزيادةِ لطرقِ الحديثِ الأخرى).

مَن ذكر حديث زيد بن أرقم من المفسرين
قالَ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الخَازِنُ (ت: 725هـ):(عنْ زَيْدِ بنِ أَرْقَمَ قالَ: سَحَرَ رجُلٌ مِن اليهودِ النبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، فاشْتَكَى ذلكَ أيَّاماً، فأَتَاهُ جِبْرِيلُ فقالَ: إِنَّ رَجُلاً من اليهودِ سَحَرَكَ، وعَقَدَ لكَ عُقَداً في بِئْرِ كذا.
فأرسَلَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ عَلِيًّا فاسْتَخْرَجَهَا، فجاءَ بها فَحَلَّهَا، فجَعَلَ كُلَّمَا حَلَّ عُقْدَةً وَجَدَ لِذَلِكَ خِفَّةً، فقامَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ كَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ، فما ذَكَرَ ذلكَ لليَهُودِيِّ، ولا رَآهُ في وَجْهِهِ قَطُّ. أخرجَهُ النَّسَائِيُّ). [لباب التأويل: 4/500]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ ابْنُ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ): (قالَ الإمامُ أحمدُ: حدَّثنَا أبو مُعاوِيَةَ, حدَّثنَا الأَعْمَشُ, عن يَزِيدَ بنِ حَيَّانَ, عن زَيْدِ بنِ أَرْقَمَ قالَ: سَحَرَ النَّبِيَّ صلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسلَّمَ رَجُلٌ مِن اليَهودِ, فاشْتَكَى لذلك أَيَّاماً. قالَ: فجَاءَهُ جِبْرِيلُ, فقالَ: إِنَّ رَجُلاً مِنَ اليَهُودِ سَحَرَكَ, وعَقَدَ لَكَ عُقَداً فِي بِئْرِ كَذَا وكذا, فأَرْسِلْ مَنْ يَجِيءُ بِهَا. فبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسلَّمَ عَلِيًّا رضِيَ اللَّهُ عنهُ، فاسْتَخْرَجَها, فجاءَهُ بها فحَلَّلها. قالَ: فقامَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسلَّمَ كأنَّما نُشِطَ مِن عِقالٍ, فمَا ذَكَرَ ذلك لليَهُودِيِّ, ولا رآهُ في وَجْهِهِ قَطُّ حتَّى ماتَ.
ورواهُ النَّسائِيُّ, عن هَنَّادٍ, عن أبي مُعاوِيَةَ مُحَمَّدِ بنِ خازِمٍ الضَّرِيرِ). [تفسير القرآن العظيم: 8/3908]
قَالَ بُرْهَانُ الدِّينِ إِبْرَاهِيمُ بنُ عُمَرَ البِقَاعِيُّ (ت: 885هـ): (وَرَوَى النَّسائيُّ في (المحاربةِ) مِنْ سُنَنِهِ، وَأبو بكرِ بنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأحمدُ بنُ مَنِيعٍ وَعبدُ بنُ حُمَيْدٍ وَأبو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ في مَسَانِيدِهِمْ وَالبَغَوِيُّ في تَفْسِيرِهِ، كُلُّهُمْ عَنْ زيدِ بنِ أَرْقَمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كانَ رَجُلٌ يَدْخُلُ على النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَّذَ لَهُ، فَسَحَرَ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مِنَ اليهودِ.
فَاشْتَكَى لذلكَ أَيَّاماً، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ الصلاةُ وَالسلامُ فَقَالَ: إِنَّ رَجُلاً مِنَ اليَهُودِ سَحَرَكَ، عَقَدَ لَكَ عُقَداً في بِئْرِ كذا وَكذا، أَوْ قَالَ: فَطَرَحَهُ في بئرِ رَجُلٍ مِنَ الأنصارِ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَخْرَجُوهَا، فَجِيءَ بها فَحَلَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَ كُلَّمَا حَلَّ عُقْدَةً وَجَدَ لذلكَ خِفَّةً، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ، فَمَا ذَكَرَ ذلكَ لِذَلِكَ اليهوديِّ وَلا رَآهُ في وَجْهِهِ قَطُّ.
وَفي رِوَايَةٍ: فَأَتَاهُ مَلَكَانِ يُعَوِّذَانِهِ، فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عندَ رأسِهِ وَالآخرُ عندَ رِجْلِهِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَتَدْرِي ما وَجَعُهُ؟ قَالَ: كَأَنَّ الذي يَدْخُلُ عَلَيْهِ عَقَدَ لهُ وَأَلْقَاهُ في بِئْرٍ. فَأَرْسَلَ إِليهِ رَجُلاً - وَفي رِوَايَةٍ: عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَأَخَذَ العُقَدَ، فَوَجَدَ الماءَ قَدِ اصْفَرَّ. قَالَ: فَأَخَذَ العُقَدَ فَحَلَّهَا فَبَرِئَ، فَكَانَ الرجلُ بعدَ ذلكَ يَدْخُلُ على النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلمْ يَذْكُرْ لهُ شَيْئاً، وَلم يُعَاتِبْهُ فيهِ. وَهذا الفَضْلُ لِمَنْفَعَةِ المُعَوِّذَتَيْنِ كَمَا مَنَحَ اللَّهُ بهِ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكذا تَفَضَّلَ بهِ عَلَى سَائِرِ أُمَّتِهِ). [نظم الدرر: 8/608-609]
قالَ الخَطِيبُ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الشِّرْبِينِيُّ (ت: 977هـ): (وعنْ زيدِ بنِ أَرْقَمَ قَالَ: سَحَرَ النَّبِيَّ صلَّى اللَّهُ عليه سلم رجلٌ منَ اليهودِ، فاشتكى ذلكَ أيامًا، فأتاهُ جبريلُ عليهِ السلامُ فَقَالَ: إنَّ رجلاً منَ اليَهودِ سَحَرَكَ وعقدَ لكَ عُقَدًا في بئرِ كذا وكذا، فأرسل رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليًّا فاستخرَجَها فجاءَ بها فجعلَ كُلَّما حلَّ عُقدةً وجدَ لذلكَ خِفَّةً، فقامَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كأنَّما نُشِطَ منْ عِقَالٍ.
قَالَ: [فما ذكرَ ذلكَ لليَهوديِّ وَلا رؤي في وجههِ قطُّ].
ورُوِيَ أنَّهُ كانَ تحتَ صخرةٍ في البِئرِ فرَفَعوا الصَّخْرَةَ وأخرجوا جُفَّ الطَّلْعَةِ، فإذا فيها مُشَاطَةٌ مِن رأسِهِ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأسنانُ مُشْطِهِ. وعنْ مُقاتِلٍ والكلبيِّ: كانَ ذلكَ في وَتَرٍ عُقِدَ عليهِ إحدى عَشرة عُقدةً، وَقِيلَ: كانتْ مغروزةً بالإبرةِ، فأنزلَ اللَّهُ هاتينِ السُّورتينِ، وهما إحدى عشْرةَ آيةً، سورةُ الفَلَقِ خَمسُ آياتٍ، وسُورةُ النَّاسِ ستُّ آياتٍ، كلمَّا قرأَ آيةً انحلَّتْ عقدةٌ حتى انحلَّتِ العُقَدُ كُلُّها، فقامَ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كأنما نُشِطَ منْ عِقَالٍ). [تفسير القرآن الكريم: 4/ 612]
قالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الشَّوْكَانِيُّ (ت: 1250هـ): (وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ في مسندِهِ عَنْ زيدِ بنِ أَرْقَمَ، قَالَ: سَحَرَ النبيَّ رَجُلٌ مِنَ اليهودِ، فَاشْتَكَى، فَأَتَاهُ جبريلُ فَنَزَلَ عَلَيْهِ بالمُعَوِّذَتَيْنِ وَقالَ: إِنَّ رَجُلاً مِنَ اليهودِ سَحَرَكَ، وَالسِّحْرُ في بئرِ فلانٍ. فَأَرْسَلَ عَلِيًّا فَجَاءَ بهِ، فَأَمَرَهُ أنْ يَحُلَّ العُقَدَ وَيَقْرَأَ آيةً وَيَحُلَّ، حتَّى قَامَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ.
وَأَخْرَجَهُ ابنُ مَرْدُويَهْ وَالبيهقيُّ مِنْ حديثِ عائشةَ مُطَوَّلاً، وَكذلكَ أَخْرَجَهُ مِنْ حديثِ ابْنِ عَبَّاسٍ). [فتح القدير: 5/756]
قالَ مُحَمَّد صِدِّيق حَسَن خَان القِنَّوْجِيُّ (ت: 1307هـ): (وعنْ زيدِ بنِ أَرْقَمَ قَالَ: سَحَرَ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلٌ مِنَ اليهودِ، فَاشْتَكَى، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ، فَنَزَلَ عَلَيْهِ بالمُعَوِّذَتَيْنِ وَقَالَ: إِنَّ رَجُلاً مِنَ اليهودِ سَحَرَكَ، وَالسِّحْرُ في بِئْرِ فلانٍ. فَأَرْسَلَ عَلِيًّا، فَجَاءَ بهِ، فَأَمَرَهُ أنْ يَحُلَّ العُقَدَ وَيَقْرَأَ بِآيَةٍ وَيَحُلَّ, حتَّى قامَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ. أَخْرَجَهُ عبدُ بنُ حُمَيْدٍ في مسندِهِ، وَأَخْرَجَهُ ابنُ مَرْدُويَهْ مِنْ حديثِ عائشةَ مُطَوَّلاً، وَكذلكَ مِنْ حديثِ ابنِ عَبَّاسٍ). [فتح البيان: 15/455]

تخريج حديث زيد بن أرقم
قال محمد ناصر الدين الأَلْبَانِيُّ: (2761 - (كانَ رجلٌ [مِنَ اليهودِ] يدخُلُ على النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم، [وكان يأمَنُه]، فعقَد له عُقَداً، فوضعه في بئرِ رجلٍ من الأنصارِ، [فاشتكى لذلك أياماً، (وفي حديث عائشة: ستةَ أشهرٍ)]، فأتاه ملكانِ يعُودانِه، فقعَد أحدُهما عند رأسِه، والآخَرُ عند رجليْه، فقال أحدُهما: أتدري ما وجَعُه؟
قال: فلانٌ الذي [كان] يدخُلُ عليه عقَدَ له عُقَداً، فألقاه في بئرِ فلانٍ الأنصاريِّ، فلو أَرسل [إليه] رجلاً، وأخذ [منه] العُقَد لوجَد الماءَ قَدِ اصفرَّ. [فأتاه جبريلُ فنزل عليه بـ (المعوِّذتينِ)، وقال: إن رجلاً من اليهودِ سحَرَك، والسِّحْرُ في بئرِ فلانٍ، قال:] فبعث رجلاً (وفي طريقٍ أخرى: فبعث عليًّا رضِيَ اللهُ عنه) [فوجد الماء قَدِ اصفرَّ] فأخذ العُقَدَ [فجاء بها]، [فأمره أن يحُلَّ العُقَدَ ويقرَأَ آيةً]، فحلَّها، [فجعَل يقرَأُ ويحُلُّ]، [فجعل كلما حل عُقدةً وجد لذلك خِفَّةً] فبرَأَ، (وفي الطريقِ الأخرى: فقام رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ كأنما نُشِطَ من عِقالٍ)، وكان الرجلُ بعد ذلك يدخُلُ على النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم فلم يَذكُرْ له شيئاً منه، ولم يُعاتِبْه [قطُّ حتى مات]).
هذا من حديثِ زيدِ بنِ أرقمَ رضِيَ اللهُ عنه، وله عنه طريقانِ مدارُهما على الأعمشِ رحِمه اللهُ تعالى.
الأولُ: عنه عن ثُمامةَ بنِ عُقبةَ، عن زيدِ رضِيَ اللهُ عنه؛ أخرجه الطبرانيُّ في " المعجمِ الكبيرِ " (5 / 201 / 5011) والسِّياقُ له، والحاكِمُ (4/360 -361) والزيادةُ الرابعةُ والخامسةُ والسادسةُ له، كلاهما من طريقِ جريرٍ عن الأعمشِ به.
وقال الحاكمُ: (صحيحٌ على شرطِ الشيخينِ) وردَّهُ الذَّهَبِيُّ بقولِه: (قلتُ: لم يُخرِّجا لثُمامةَ شيئاً، وهو صدوقٌ).
قلتُ: بل هو ثقةٌ كما قال الذهبيُّ نفسُه في الكاشفِ، تبعاً لابنِ مَعينٍ والنَّسائيِّ، وكذا قال الحافظُ في (التقريبِ)، فالسندُ صحيحٌ.
و قد تابعه شيبانُ عن الأعمشِ به؛ أخرجه الطبرانيُّ (5012) وقال: (خالَفَهُما أبو معاويةَ في إسنادِه).
قلتُ: يُشيرُ إلى الطريقِ الآتي، وقد تابعهما سفيانُ الثوريُّ عن الأعمشِ به؛ أخرجه ابنُ سعدٍ في (الطبقاتِ) (2/199) والزيادةُ الثانيةُ له.
الطريقُ الثاني: يرويه أبو معاويةَ عن الأعمشِ، عن يزيدَ بنِحَيَّان، عن زيدِ بنِ أرقمَ به؛ أخرجه النَّسائيُّ في (السنن:2/172) وابنُ أبي شَيبةَ في (المصنفِ: 8/29-30/3569) وأحمدُ (4/367) وعبدُ بنُ حميدٍ في (المُنتخَبِ من المُسندِ: ق40/ 1 -2) والطبرانيُّ أيضاً (5/202/ 5013 و5016).
قلتُ: وهذا إسنادٌ صحيحٌ كما قال الحافظُ العراقيُّ في (تخريجِ الإحياءِ:2/336) وهو على شرطِ مسلمٍ؛ فإنَّ رجالَه رجالُ الشيخينِ غيرَ يزيدَ بنِحَيَّان فهو من رجالِ مسلمٍ، وأبو معاويةَ هو محمدُ بن خازمٍ الضريرُ، قال الحافظُ في (التقريبِ): (ثقةٌ، أحفظُ الناسِ لحديثِ الأعمشِ).
قلتُ: وهذا مما يمنعُنا من الحكمِ على إسنادِه بالشذوذِ لمخالفتِه للثقاتِ الثلاثةِ المتقدمينَ، فالظاهرُ أنَّ للأعمشِ فيه شيخينِ عن زيدِ بنِ أرقمَ، واللهُ أعلمُ.
ثم إنَّ سائرَ الزياداتِ لابنِ أبي شيبةَ وأحمدَ، إلا زيادةَ قراءةِ آيةٍ فهي لعَبدِ بنِ حُميدٍ، وكذا زيادةُ نزولِ جبريلَ بـ (المعوِّذتينِ)، وسندُها صحيحٌ أيضاً. ولها شاهدٌ من حديثِ عَمرةَ عن عائشةَ، قالت: كان لرسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ غلامٌ يهوديٌّ يخدُمه، يقالُ له: لَبيدُ بنُ أَعصَم، وكانت تُعجِبُه خِدمتُه، فلم تزَلْ به يهودُ حتى سَحَرَ النبيَّ صلى اللهُ عليه وسلم، فكان صلى اللهُ عليه وسلم يذوبُ ولا يدري ما وَجَعُه، فبينما رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم ذاتَ ليلةٍ نائمٌ إذ أتاه مَلَكانِ، فجلس أحدُهما عندَ رأسِه، والآخَرُ عند رجليْه، فقال الذي عندَ رأسِه للذي عند رِجليه: ما وَجَعُه؟
قال: مطبوبٌ.فقال: مَن طَبَّهُ؟ قال: لَبيدُ بنُ أَعصمَ. قال: بم طَبَّه؟ قال: بمُشْطٍ ومُشَاطَةٍ وجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ بـ (ذي أروى)، وهي تحتَ راعوفةِ البئرِ؛ فاستيقظ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم، فدعا عائشةَ فقال: يا عائشةُ، أَشَعَرْتِ أنَّ اللهَ قد أفتاني بوجعي؟ فلما أصبح غدَا رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ، وغدا أصحابُه معه إلى البئرِ، وإذا ماؤُها كأنه نَقيعُ الحِنَّاءِ، وإذا نخلُها الذي يَشرَبُ من مائِها قَدِ الْتَوَى سَعَفُه كأنه رُؤوسُ الشياطينِ. قال: فنزل رجلٌ فاستخرج جُفَّ طَلعةٍ من تحتِ الراعوفةِ، فإذا فيها مُشطُ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ ومِن مُشاطةِ رأسِه، وإذا تِمثالٌ من شَمْعٍ؛ تمثالُ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم، وإذا فيها إِبَرٌ مَغْرُوزَةٌ، وإذا وَتَرٌ فيه إحدى عشْرةَ عُقْدَةً، فأتاه جبريل بـ (المعوِّذتينِ) فقال: يا محمدُ{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ (1)} [الفلق: 1] وَحَلَّ عُقدةً، {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2)} [الفلق: 2] وحلَّ عُقدةً، حتى فرغ منها، وحل العُقَدَ كلَّها، وجعل لا ينزِعُ إبرةً إلا وجد لها ألماً ثم يجِدُ بعد ذلك راحةً.
فقيل: يا رسولَ اللهِ، لو قتلتَ اليهوديَّ؟
فقال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: قد عافاني اللهُ عزَّ وجلَّ، وما وراءَه من عذابِ اللهِ أشدُّ. قال: فأخرجه).
رواه البيهقيُّ في (دلائلِ النُّبُوَّةِ) (2/2/226/1-2و7/92-94ط) من طريقِ سَلَمَة بن حَبَّانَ: حدثنا يزيدُ بنُ هارونَ، أخبرنا محمدُ بنُ عُبيدِ اللهِ، عن أبي بكرِ بنِ محمدٍ، عن عَمرةَ به.
قلتُ: وهذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا، محمدُ بنُ عُبيدِ اللهِ هو العَرْزَمِيُّ، وهو متروكٌ، وسَلَمَةُ بن حَبَّان -وهو بفتح الحاءِ-روى عنه جَمْعٌ من الثقاتِ، وذكره ابنُ حِبَّان في ثِقاتِه (8/287) فالعلةُ من العرزميِّ.
وإن مما يُوهِنُ حديثَه هذا أنه قد جاء مختصراً من طريق هشامِ بنِ عُروةَ عن أبيه عن عائشةَ مرفوعًا نحوَه، دونَ ذِكْرِ التمثالِ وما بعدَه. أخرجه البُخاريُّ (3268 و5763 و5765 و5766 و6391) ومسلمٌ (7 / 14) وابنُ أبي شيبةَ (8 / 30 / 3570) ومن طريقِه ابنُ ماجَهْ (3590 - الأَعْظَمِيّ) وأحمدُ (6 / 50 و57 و63 و96) والحُميديُّ (259) وابنُ سعدٍ (2 / 196) وأبو يعلى (3 / 194) والبيهقيُّ (2 / 2 / 157 / 2) من طُرُقٍ عن هشامٍ به. وزيادةُ ستةِ أشهرٍ المذكورةُ في حديثِ الترجمةِ، هي عند أحمدَ في روايةٍ، وسندُها صحيحٌ، وصححها الحافظُ في " الفتحِ " (10 / 226).
وبالجملةِ، فحديثُ العَرْزَمِيِّ وما فيه من الزياداتِ منكرٌ جدًّا، إلا ما وافقَ حديثَ هشامٍ عن عُروةَ، وحديثَ الترجمةِ، ومن ذلك نزولُ (المعوذتينِ)، فقد ذكره الرافعيُّ في كتابِه، فقال الحافظُ في تلخيصِه (4/40): (وهذا ذكره الثعلبيُّ في تفسيرِه من حديثِ ابنِ عباسٍ تعليقاً، ومن حديثِ عائشةَ أيضاً تعليقاً.
طريقُ عائشةَ صحيحٌ، أخرجه سفيانُ بنُ عُيينةَ في تفسيرِه روايةَ أبي عبيدِ اللهِ عنه، عن هشامِ بنِ عُروةَ، عن أبيه، عن عائشةَ. فذكر الحديثَ، وفيه: ونزلت {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ (1)} [الفلق: 1].
وهذه فائدةٌ هامةٌ من الحافظِ رحِمه اللهُ تعالى، لم ترِدْ في كتابِه (فتحِ الباري)، وهي شاهدٌ قويٌّ لحديثِ الترجمةِ. واللهُ أعلمُ. ومن المفيدِ أن نذكُرَ أن بعضَ المبتدِعةِ قديماً وحديثاً قد أنكروا هذا الحديثَ الصحيحَ، بشُبُهاتٍ هي أوهى من بيتِ العنكبوتِ، وقد ردَّ عليهم العلماءُ في شُروحِهم، فليَرْجِعْ إليها مَن شاء. وقد أخطأ المعلقُ على "الدلائل" خطأً فاحشاً في عزوِه روايةَ البيهقيِّ إلى الشيخينِ وغيرِهما، دونَ أن يُنبِّهَ إلى ما فيه من المنكراتِ المخالفةِ لروايتيهما!).
[السلسلة الصحيحة:6/616]


رد مع اقتباس
  #15  
قديم 6 جمادى الأولى 1435هـ/7-03-2014م, 10:29 PM
أروى المطيري أروى المطيري غير متواجد حالياً
فريق تنسيق النصوص
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 405
افتراضي

أحاديث أخرى في حادثة سحر النبي صلى الله عليه وسلم
حديث ابن عبّاس رضِي الله عنه
قالَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَبِيبٍ المَاوَرْدِيُّ (ت: 450هـ): (روَى أبو صالحٍ عن ابنِ عبَّاسٍ، أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ اشْتَكَى شَكْوَى شديدةً، فبَيْنَا هو بينَ النائمِ واليَقْظَانِ إذا مَلَكانِ أَحَدُهُمَا عندَ رأسِه، والآخَرُ عندَ رِجلَيْهِ، فقالَ أَحَدُهُمَا: ما شَكواهُ؟ فقالَ الآخَرُ: مَطْبُوبٌ، -أي: مَسحورٌ، والطِّبُّ: السِّحْرُ - قالَ: ومَن طَبَّهُ؟ قالَ: لَبيدُ بنُ الأعصمِ اليهوديُّ، فطَرَحَه في بِئْرِ ذَرْوانَ تحتَ صَخرةٍ فيها، فبَعَثَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ عمَّارَ بنَ ياسِرٍ فاستخْرَجَ السحْرَ منها.
ويُرْوَى أنَّ فيهِ إحدى عَشْرَةَ عُقدةً، فأمَرَ بحَلِّ العُقَدِ، فكانَ كلَّمَا حَلَّ عُقدةً وَجَدَ راحةً، حتى حُلَّتِ العُقَدُ كلُّها، فكأنَّما أُنْشِطَ مِن عِقالٍ؛ فنَزَلَتْ عليهِ المُعَوِّذَتَانِ، وهما إِحْدَى عَشْرةَ آيةً بعَدَدِ العُقَدِ، وأُمِرَ أنْ يَتَعَوَّذَ بهما). [النكت والعيون: 6/ 376]
قَالَ أحمدُ بنُ الحسينِ بنِ عليٍّ البَيْهَقِيُّ (ت: 458 هـ): (أخبرنا أبو عبدِ اللهِ الحافظُ، وأبو سعيدِ بنُ أبي عمرٍو، قالا: حدثنا أبو العباسِ محمدُ بنُ يَعقوبَ، حدثنا يحيى بنُ أبي طالبٍ، أنبأنا عبدُ الوهَّابِ بنُ عَطَاءٍ، أنبأنا محمدُ بنُ السائبِ، عن أبي صالحٍ، عنِ ابنِ عباسٍ قال: مرِضَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم مرضًا شديدًا، فأتاه ملكانِ فقعدا أحدُهما عندَ رأسِه والآخَرُ عندَ رِجليْه، فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسِه: ما ترى؟ قال: طُبَّ.
قال: وما طَبَّهُ ؟ قال: سُحِرَ، قال: وما سَحَرَهُ؟ قال: لَبيدُ بنُ أعصمَ اليهوديُّ، قال: أين هو؟ قال: في بِئرِ آلِ فلانٍ تحتَ صخرةٍ في رَكِيَّةٍ، فأتوا الرَّكِيَّ فانْزَحُوا ماءَها وارفَعُوا الصخرةَ، ثم خذوا الكَرَبَةَ فأَحْرِقُوها. فلما أصبح رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم بعَث عمَّارَ بنَ ياسرٍ في نَفَرٍ فأتوُا الرَّكِيَّ فإذا ماؤُها مثلُ ماءِ الحِنَّاءِ، فنزحوا الماءَ ثم رفعوا الصخرةَ وأخرجوا الْكَرَبَةَ فأحرقوها، فإذا فيها وَتَرٌ فيه إحدى عشْرةَ عُقْدَةً، فأنزلت عليه هاتانِ السورتانِ، فجعَلَ كلما قرأ آيةً انحلَّتْ عُقدةٌ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ (1)} [الفلق: 1]، وُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}[الناس: 1] ). الاعتمادُ على الحديثِ الأولِ). [دلائل النبوة: جماع أبواب دعوات نبينا صلى الله عليه وسلم]
- قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (قولُ البيهقيِّ: (الاعتمادُ على الحديثِ الأولِ) يريدُ به حديثَ هشامِ بنِ عروةَ عن أبيه عن عائشةَ).
قالَ جَلالُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ): (ك، وأَخْرَجَ البَيْهَقِيُّ فِي دَلائِلِ النُّبُوَّةِ مِن طَرِيقِ الكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَضًا شَدِيدًا، فأَتَاهُ مَلَكَانِ، فَقَعَدَ أَحَدُهما عندَ رأسِهِ، والآخرُ عندَ رِجْلَيهِ، فقالَ الذي عندَ رِجْلَيْهِ للذي عندَ رأسِه: ما تَرَى؟ قَالَ: طُبَّ. قَالَ: ومَا طُبَّ؟ قَالَ: سُحِرَ. قَالَ: ومَنْ سَحَرَهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بنُ الأَعْصَمِ اليَهُودِيُّ. قَالَ: أَيْنَ هو؟ قَالَ: في بِئْرِ آلِ فُلانٍ تَحْتَ صَخْرَةٍ في رَكِيَّةٍ، فأْتُوا الرَّكِيَّةَ فانْزَحُوا مَاءَهَا، وارْفَعُوا الصَّخْرَةَ، ثُمَّ خُذُوا الرَّكِيَّةَ، وأَحْرِقُوهَا. فَلَمَّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بَعَثَ عَمَّارَ بنَ يَاسِرٍ في نَفَرٍ، فأَتَوُا الرَّكِيَّةَ، فإِذَا ماؤُها مِثْلُ مَاءِ الحِنَّاءِ، فنَزَحُوا المَاءَ ثُمَّ رَفَعُوا الصَّخْرَةَ، وأَخْرَجُوا الرَّكِيَّةَ وأَحْرَقُوها، فإذا فيها وَتَرٌ، فيه إحدَى عَشْرَةَ عُقْدَةً، وأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ هَاتَانِ السُّورَتانِ، فجَعَلَ كُلَّمَا قَرَأَ آيةً انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ (1)} [الفلق:1] وُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس: 1].
لأَصْلِه شَاهِدٌ فِي الصَّحِيحِ بدُونِ نُزُولِ السُّورَتَيْنِ، ولَهُ شَاهِدٌ بنُزُولِهِمَا). [لباب النقول: 270]
قالَ جَلالُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ): (وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدُويَهْ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ لَبِيدَ بْنَ الأَعْصَمِ اليهوديَّ سَحَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَعَلَ فِيهِ تِمْثَالاً فِيهِ إِحْدَى عَشْرَةَ عُقْدَةً، فَأَصَابَهُ مِنْ ذَلِكَ وَجَعٌ شَدِيدٌ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ ومِيكَائِيلُ يَعُودَانِهِ، فَقَالَ ميكائيلُ: يَا جِبْرِيلُ، إِنَّ صَاحِبَكَ شَاكٍ؟ قَالَ: أَجَلْ. قَالَ: أَصَابَهُ لَبِيدُ بْنُ الأعصمِ اليَهُودِيُّ, وَهُوَ فِي بِئْرِ مَيْمُونٍ فِي كَرَبَةٍ تَحْتَ صخرةٍ في المَاءِ.
قَالَ: فَمَا دَوَاءُ ذَلِكَ؟ قَالَ: تُنْزَحُ البِئْرُ، ثُمَّ تُقْلَبُ الصخرةُ فَتُؤْخَذُ الكَرَبَةُ فِيهَا تِمْثَالٌ فِيهِ إِحْدَى عَشْرَةَ عُقْدَةً، فَتُحْرَقُ، فَإِنَّهُ يَبْرَأُ بإذنِ اللَّهِ. فَأَرْسَلَ إِلَى رَهْطٍ فِيهِمْ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، فَنَزَحَ المَاءَ فَوَجَدُوهُ قَدْ صَارَ كَأَنَّهُ مَاءُ الحِنَّاءِ، ثُمَّ قُلِبَتِ الصخرةُ فإِذَا كَرَبَةٌ فِيهَا تِمثالٌ فِيهِ إِحْدَى عَشْرَةَ عُقْدَةً.
فَأَنْزَلَ اللَّهُ:{قُلْ} يَا مُحَمَّدُ {أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ (1)} [الفلق: 1]: الصُّبْحِ. فَانْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2)} [الفلق: 2]: مِن الجِنِّ وَالإِنْسِ. فَانْحَلَّتْ عقدةٌ، {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3)} [الفلق: 3]: اللَّيْلِ وَمَا يَجِيءُ بِهِ النَّهارُ، {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي العُقَدِ (4)} [الفلق: 4] السَّحَّارَاتِ المُؤْذِيَاتِ فَانْحَلَّتْ عُقدةٌ، {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)} [الفلق: 5] ). [الدر المنثور: 15/794-795]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القُرْطُبِيُّ (ت: 671هـ): (وقالَ ابنُ عبَّاسٍ: ((أَمَا شَعَرْتِ يَا عَائِشَةُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَخْبَرَنِي بِدَائِي؟)). ثُمَّ بَعَثَ عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ وعَمَّارَ بنَ يَاسِرٍ، فَنَزَحُوا مَاءَ تِلْكَ البِئْرِ كأنَّه نُقَاعَةُ الحِنَّاءِ، ثم رَفَعُوا الصخْرَةَ، وهي الراعُوفَةُ - صَخْرةٌ تُتْرَكُ أسْفَلَ البِئْرِ يَقُومُ عليها المائِحُ- وأَخْرَجُوا الجُفَّ، فإِذَا مُشَاطَةُ رَأْسِ إِنسانٍ، وأَسْنَانٌ مِنْ مُشْطٍ، وَإِذَا وَتَرٌ مَعْقُودٌ فيه إِحْدَى عَشْرَةَ عُقْدَةً مُغَرَّزَةً بِالإِبَرِ، فأَنْزَلَ اللهُ تعالى هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ، وهما إِحْدَى عَشْرَةَ آيةً على عدَدِ تِلكَ العُقَدِ، وأمَرَ أنَّ يُتَعَوَّذَ بِهِمِا؛ فجَعَلَ كُلَّمَا قَرَأَ آيَةً انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، وَوَجَدَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِفَّةً، حتَّى انْحَلَّتِ العُقْدَةُ الأخيرةُ، فكأَنَّما أُنْشِطَ مِن عِقَالٍ. وقالَ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ).
[الجامع لأحكام القرآن: 20/253]

حديث أنس بن مالك رضي الله عنه
قالَ جَلالُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ): (وأَخْرَجَ أبو نُعَيْمٍ في الدَّلائِلِ مِن طَرِيقِ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عن الرَّبِيعِ بنِ أَنَسٍ، عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ قَالَ: صَنَعَتِ اليَهُودُ لرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ شَيْئاً، فأَصَابَهُ مِن ذَلِكَ وَجَعٌ شَدِيدٌ، فدَخَلَ عَلَيْهِ أَصْحَابُه، فظَنُّوا أَنَّه لما به، فأَتَاهُ جِبْرِيلُ بالمُعَوِّذَتَيْنِ، فعَوَّذَهُ بِهِمَا، فخَرَجَ إلى أَصْحَابِه صَحِيحاً). [لباب النقول: 270]
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (لم أجِدْه فيما طُبعَ من دلائلِ النبوةِ لأبي نعيمٍ ولا أعرِفُ الإسنادَ إلى أبي جعفرٍ الرازيِّ، وعلى ذلك فأبو جعفرٍ الرازيُّ لا يُحتملُ تفرُّدُه بمثلِ هذا الأمرِ لسوءِ حفظِه، واسمُه: عيسى بنُ عبدِ اللهِ بنِ ماهانَ، قال عنه الحافظُ في التقريبِ: (صدوقٌ سيئُ الحفظِ)، وقد طَعَنَ عددٌ من الأئمةِ الحفاظِ في حفظِه كالإمامِ أحمدَ وابنِ مَعينٍ في أحدِ قوليهما فيه، والنَّسائيُّ وابنُ خِراشٍ والساجيُّ وعمرُو بنُ عليٍّ وابنُ حِبَّانَ والعِجْلِيُّ، وجرحُهم فيه مفسَّرٌ، فيُقدَّمُ على توثيقِ مَن وثَّقَه من الأئمةِ).


رد مع اقتباس
  #16  
قديم 6 جمادى الأولى 1435هـ/7-03-2014م, 10:30 PM
أروى المطيري أروى المطيري غير متواجد حالياً
فريق تنسيق النصوص
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 405
افتراضي

مَن أدخل حديث ابن عباس وعائشة بعضهما في بعض


قالَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الثَّعْلَبِيُّ (ت: 427هـ): (ذكْرُ القِصَّةِ: قالَ ابنُ عَبَّاسٍ وعائشةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، دَخَلَ حديثُ بعضِهما في بعضٍ: كانَ غلامٌ مِن اليهودِ يَخْدُمُ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدَبَّتْ إليه اليهودُ فلم يَزَالُوا به حتى أَخَذَ مُشَاطَةَ رأسِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعِدَّةَ أسنانٍ مِن مُشْطِهِ، فأَعْطَاهَا اليهودَ، فسَحَرُوه فيها، وكانَ الذي تَوَلَّى ذلك رجلٌ مِنهم يقالُ له: لَبِيدُ بنُ أَعْصَمَ، ثمَّ دَسَّهَا في بِئْرٍ لبني زُرَيْقٍ يُقالُ له: ذَرْوَانَ، فمَرِضَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وانْتَثَرَ شعَرُ رأسِه، ولَبِثَ ستَّةَ أشهرٍ يَرَى أنه يأتي النساءَ ولا يَأْتِيهِنَّ، وجَعَلَ يَذُوبُ ولا يَدْرِي ما عَرَاه، فَبَيْنَا هو نائمٌ إذ أتاه مَلَكَانِ، فقَعَدَ أحدُهما عندَ رأسِه والآخَرُ عندَ رِجْلَيْهِ، فقالَ الذي عندَ رِجْلَيْهِ للذي عندَ رأسِه: ما بالُ الرجلِ؟ قالَ: طُبَّ. قالَ: وما طُبَّ؟ قالَ: سُحِرَ. قالَ: ومَن سَحَرَه؟ قالَ: لَبِيدُ بنُ أَعْصَمَ اليَهُودِيُّ. قالَ: وبِمَ طَبَّه؟ قالَ: بمُشْطٍ ومُشاطَةٍ. قالَ: وأينَ هو؟ قالَ: في جُفِّ طَلْعَةٍ، تَحْتَ رَاعُوثَةٍ في بِئْرِ ذَرْوَانَ.
والجُفُّ: قِشْرُ الطَّلْعِ، والرَّاعُوثَةُ حَجَرٌ في أسفلِ البئرِ ناتِئٌ يقومُ عليه الماتِحُ. فانْتَبَه رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مذعوراً وقالَ: ((يَا عَائِشَةُ، أَمَا شَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَخْبَرَنِي بِدَائِي؟)). ثُمَّ بعَثَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليًّا والزُّبَيْرَ وعمَّارَ بنَ ياسرٍ فنَزَحُوا ماءَ تِلكَ البِئْرِ كأنه نُقَاعَةُ الحِنَّاءِ، ثمَّ رَفَعُوا الصخرةَ وأَخْرَجُوا الجُفَّ، فإذا فيه مُشاطةُ رأسِه وأسنانٌ مِن مُشْطِه، وإذا فيه وَتَرٌ معقودٌ فيه اثْنَتَا عَشْرَةَ عُقْدَةً مَغْرُوزَةً بالإِبَرِ، فأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ هاتيْن السورتيْن، فجَعَلَ كُلَّمَا يَقْرَأُ آيةً انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، ووَجَدَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِفَّةً حينَ انْحَلَّتِ العقدةُ الأخيرةُ، فقامَ كأنما أُنْشِطَ مِن عِقالٍ، وجَعَلَ جِبْرِيلُ عليه السلامُ يقولُ: ((بِاسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ، مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ؛ مِنْ حَاسِدٍ وَعَيْنٍ، وَاللَّهُ يَشْفِيكَ)).
قالَ: فقالوا: يا رسولَ اللَّهِ، أفلا نَأْخُذُ الخَبِيثَ فنَقْتُلَه؟ فقالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِيَ اللَّهُ، وَأَكْرَهُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا)).
قالَتْ عائشةُ: ما غَضِبَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غضباً يَنْتَقِمُ مِن أحدٍ لنفسِه قَطُّ، إلاَّ أنْ يكونَ شيئاً هو للهِ سُبْحَانَهُ، فيَغْضَبُ للهِ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى ويَنْتَقِمُ). [الكشف والبيان: 10/338-339 begin_of_the_skype_highlighting 10/338-339 مجاني end_of_the_skype_highlighting begin_of_the_skype_highlighting 10/338-339 begin_of_the_skype_highlighting 10/338-339 مجاني end_of_the_skype_highlighting مجاني end_of_the_skype_highlighting ]
قالَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الوَاحِدِيُّ (ت: 468هـ): (قَالَ المُفَسِّرونَ: كَانَ غُلامٌ مِنَ اليَهُودِ يَخْدِمُ رَسُولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، فأَتَتْ إليه اليَهُودُ، ولَمْ يَزَالُوا به حَتَّى أَخَذَ مُشَاطَةَ النَّبِيِّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وعِدَّةَ أَسْنَانٍ مِن مُشْطِهِ، فأَعْطَاهَا اليَهُودَ، فسَحَرُوهُ فِيهَا، وكَانَ الذي تَوَلَّى ذَلِكَ لَبِيدُ بنُ أَعْصَمَ اليَهُودِيُّ، ثُمَّ دَسَّهَا فِي بِئْرٍ لبَنِي زُرَيْقٍ، يُقَالُ لَهَا: ذَرْوانُ، فمَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّم، وانْتَثَرَ شَعَرُ رَأْسِه، ويَرَى أَنَّه يَأْتِي نِسَاءَهُ ولا يَأْتِيهِنَّ، وجَعَلَ يَدُورُ ولا يَدْرِي مَا عَرَاهُ، فبَيْنَمُا هو نَائِمٌ ذَاتَ يَوْمٍ أَتَاهُ مَلَكَانِ، فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عندَ رأسِه والآخرُ عندَ رِجْلَيْهِ، فقَالَ الذي عِنْدَ رَأْسِه: ما بَالُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: طُبَّ. قَالَ: وَمَا طُبَّ؟، قَالَ: سُحِرَ. قالَ: وَمَنْ سَحَرَهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بنُ أَعْصَمَ اليَهُودِيُّ. قَالَ: وبِمَ طَبَّهُ؟ قَالَ: بمُشْطٍ ومُشَاطَةٍ. قالَ: وأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي جُفِّ طَلْعَةٍ تَحْتَ رَاعُوفَةٍ فِي بِئْرِ ذَرْوانَ - والجُفُّ: قِشْرُ الطَّلْعِ، والرَّاعُوفَةُ حَجَرٌ في أَسْفَلِ البِئْرِ، يَقُومُ عَلَيْهِ المائِحُ - فانْتَبَهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقَالَ: ((يَا عَائِشَةُ، مَا شَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَنِي بدَائِي؟))، ثُمَّ بَعَثَ عَلِيًّا والزُّبَيْرَ وعَمَّارَ بنَ يَاسِرٍ، فنَزَحُوا مَاءَ تِلْكَ البِئْرِ، كأَنَّه نُقَاعَةُ الحِنَّاءِ، ثُمَّ رَفَعُوا الصَّخْرَةَ وأَخْرَجُوا الجُفَّ، فإِذَا هو مُشَاطَةُ رَأْسِه وأَسْنانُ مُشْطِه، وإِذَا وَتَرٌ مُعَقَّدٌ، فِيهِ إِحْدَى عَشْرَةَ عُقْدَةً مَغْرُوزَةً بالإِبَرِ؛ فأَنْزَلَ اللَّهُ تعالَى سُورَتَيِ المُعَوِّذَتَيْنِ، فجَعَلَ كُلَّمَا قَرَأَ آيَةً انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، ووَجَدَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّم خِفَّةً حَتَّى انْحَلَّتِ العُقْدَةُ الأَخِيرَةُ، فقَامَ كأَنَّما نُشِطَ مِن عِقالٍ، وجَعَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السلامُ يَقولُ: بِاسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ، مِن كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ، ومِن حَاسِدٍ وعينٍ، اللَّهُ يَشْفِيكَ، فقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أولا نَأْخُذُ الخَبِيثَ فنَقْتُلَه؟ فقَالَ: ((أَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِي اللَّهُ، وأَكْرَهُ أنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا))). [أسباب النزول: 551-553]
قالَ الحُسَيْنُ بنُ مَسْعُودٍ البَغَوِيُّ (ت: 516هـ): ({قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ (1)} [الفلق: 1]. قالَ ابنُ عَبَّاسٍ وعائشةُ رَضِيَ اللهُ عنهما: كان غلامٌ من اليهودِ يَخْدُمُ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, [فَدَبَّتْ ] إليه اليهودُ، فلم يَزالُوا به حتى أَخَذَ مُشاطَةَ رأْسِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعِدَّةَ أسنانٍ من مُشْطِه، فأعطاها اليهودَ فسَحَرُوه فيها، وتَوَلَّى ذلك لَبيدُ بنُ الأعصَمِ، رجلٌ من يَهودَ، فنَزَلَتِ السورتانِ فيه). [معالم التنزيل: 723]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القُرْطُبِيُّ (ت: 671هـ): (وذَكَرَ القُشَيْرِيُّ في تفسيرِهِ أنَّه وَرَدَ في الصِّحَاحِ: أنَّ غُلامًا مِنَ اليهودِ كانَ يَخْدِمُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدَسَّتْ إليه اليهودُ، ولم يَزَالُوا بِهِ حتَّى أَخَذَ مُشَاطَةَ رَأْسِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
والمُشَاطَةُ (بِضمِّ الميمِ): ما يَسْقُطُ مِنَ الشَّعْرِ عِندَ المَشْطِ.
وأَخَذَ عِدَّةً مِن أسنانِ مُشْطِهِ، فَأَعْطَاهَا اليهودَ، فسَحَرُوهُ فِيها، وكانَ الذي تَوَلَّى ذلك لَبِيدُ بنُ الأَعْصَمِ اليهوديُّ. وذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ عن ابنِ عبَّاسٍ). [الجامع لأحكام القرآن: 20/254]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ):(فذَكَرَ أهلُ التفسيرِ في نُزُولِهما أنَّ غُلامًا مِن اليهودِ كانَ يَخْدُمُ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، فلَمْ يَزَلْ بهِ اليهودُ حتَّى أَخَذَ مُشَاطَةَ رَأْسِ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وعِدَّةَ أَسْنَانٍ مِنْ مُشْطِهِ، فأَعْطَاهَا اليهودَ، فسَحَرُوهُ فيها. وكان الذي تَوَلَّى ذلكَ لَبِيدُ بنُ أَعْصَمَ اليهوديُّ، ثمَّ دَسَّهَا في بِئْرٍ لِبَنِي زُرَيْقٍ يُقالُ لها: بِئْرُ ذَرْوَانَ، ويُقالُ: ذِي أَرَوَانَ.
فمَرِضَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وانْتَشَرَ شَعْرُ رَأْسِهِ، وكانَ يَرَى أنَّهُ يَأْتِي النساءَ وما يَأْتِيهِنَّ، ويُخَيَّلُ إليهِ أنَّهُ يَفعَلُ الشيءَ وما يَفعَلُهُ. فبَيْنَا هوَ ذاتَ يومٍ نائمٌ أَتاهُ مَلَكَانِ، فقَعَدَ أحدُهما عندَ رأسِهِ والآخَرُ عندَ رِجْلَيْهِ، فقالَ أحدُهما للآخَرِ: ما بالُ الرجُلِ؟ قالَ: طُبَّ، قالَ: وما طُبَّ؟ قالَ: سُحِرَ، قالَ: ومَنْ سَحَرَهُ؟ قالَ لَبيدُ بنُ أَعصمَ. قالَ: وبِمَ طَبَّهُ؟ قالَ: بِمُشْطٍ ومُشَاطَةٍ. قالَ: وأينَ هوَ؟ قالَ: في جُفِّ طَلْعَةٍ تَحتَ رَاعُوفَةٍ في بِئْرِ ذَرْوَانَ - والجُفُّ: قِشْرُ الطَّلْعِ، والرَّاعُوفَةُ: صَخرةٌ تُتْرَكُ في أَسفلِ البئرِ إذا حُفِرَتْ، فإذا أَرادُوا تَنْقِيَةَ البئرِ جَلَسَ المُنَقِّي عليها. فانْتَبَهَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فقالَ: يَا عَائِشَةُ، أَمَا شَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَنِي بِدَائِي. ثمَّ بَعَثَ عليًّا والزُّبيرَ وعَمَّارَ بنَ ياسرٍ، فنَزَحُوا ماءَ تلكَ البئرِ، ثمَّ رَفَعُوا الصخرةَ وأَخْرَجُوا الجُفَّ، وإذا فيهِ مُشَاطَةُ رَأْسِهِ وأَسنانُ مُشْطِهِ، وإذا وَتَرٌ مَعقُودٌ فيهِ إحدى عَشْرَةَ عُقدةً مَغروزةً بالإبرةِ. فأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى المُعَوِّذَتَيْنِ، فجَعَلَ كُلَّمَا قرأَ آيَةً انْحَلَّتْ عُقدةٌ، ووَجَدَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ خِفَّةً حينَ انْحَلَّت العُقدةُ الأخيرةُ، وجَعلَ جبريلُ عليهِ السلام يقولُ: باسمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ، مِنْ كلِّ شيءٍ يُؤذيكَ، ومِنْ حاسدٍ وعينٍ واللَّهُ يَشفيكَ. فقالُوا: يا رسولَ اللَّهِ، أَفَلا نَأْخُذُ الخبيثَ فَنَقْتُلَهُ؟ فقالَ: ((أَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِي اللَّهُ وَأَكْرَهُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا)).
وقدْ أَخْرَجَ البخاريُّ ومسلمٌ في (الصحيحَيْنِ) مِنْ حديثِ عائشةَ حديثَ سِحْرِ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وقدْ بَيَّنَّا معنى أَعُوذُ في أوَّلِ كِتابِنا). [زاد المسير: 9/270-272]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القُرْطُبِيُّ (ت: 671هـ): (وقالَ ابنُ عبَّاسٍ: ((أَمَا شَعَرْتِ يَا عَائِشَةُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَخْبَرَنِي بِدَائِي؟)). ثُمَّ بَعَثَ عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ وعَمَّارَ بنَ يَاسِرٍ، فَنَزَحُوا مَاءَ تِلْكَ البِئْرِ كأنَّه نُقَاعَةُ الحِنَّاءِ، ثم رَفَعُوا الصخْرَةَ وهي الراعُوفَةُ - صَخْرةٌ تُتْرَكُ أسْفَلَ البِئْرِ يَقُومُ عليها المائِحُ- وأَخْرَجُوا الجُفَّ، فإِذَا مُشَاطَةُ رَأْسِ إِنسانٍ، وأَسْنَانٌ مِنْ مُشْطٍ، وَإِذَا وَتَرٌ مَعْقُودٌ فيه إِحْدَى عَشْرَةَ عُقْدَةً مُغَرَّزَةً بِالإِبَرِ، فأَنْزَلَ اللهُ تعالى هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ، وهما إِحْدَى عَشْرَةَ آيةً على عدَدِ تِلكَ العُقَدِ، وأمَرَ أنَّ يُتَعَوَّذَ بِهِمِا؛ فجَعَلَ كُلَّمَا قَرَأَ آيَةً انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، وَوَجَدَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِفَّةً، حتَّى انْحَلَّتِ العُقْدَةُ الأخيرةُ، فكأَنَّما أُنْشِطَ مِن عِقَالٍ، وقالَ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
وجَعَلَ جِبْرِيلُ يَرْقِي رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيقولُ: (بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ، مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ، مِنْ شَرِّ حَاسِدٍ وَعَيْنٍ، وَاللهُ يَشْفِيكَ).
فقالُوا: يا رسولَ اللهِ، أَلا نَقْتُلُ الخَبِيثَ؟ فقالَ: ((أَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِيَ اللهُ، وَأَكْرَهُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا))).[الجامع لأحكام القرآن: 20/253-254]
قالَ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الخَازِنُ (ت: 725هـ): (قولُهُ عزَّ وجلَّ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ (1)} [الفلق: 1] قالَ ابنُ عبَّاسٍ وعَائِشَةُ: كانَ غُلامٌ مِن اليهودِ يَخْدِمُ النبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، فَدَبَّتْ إليهِ اليهودُ، فلم يَزَالُوا بهِ حتَّى أخَذَ مِنْ مُشَاطَةِ رأْسِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ وعِدَّةً مِنْ أَسْنَانِ مُشْطِهِ، فأعطاها اليهودَ، فَسَحَرُوهُ فيها، وتَوَلَّى ذلكَ لَبِيدُ بنُ الأَعْصَمِ رجلٌ مِن اليهودِ، فَنَزَلَتِ السُّورتانِ فيهِ). [لباب التأويل: 4/499]
قالَ ابْنُ القَيِّمِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الزُّرَعِيُّ الدِّمَشْقِيُّ (ت: 751 هـ): (وقالَ ابنُ عَبَّاسٍ وعائشةُ: كان غُلامٌ من اليهودِ يَخْدُمُ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدَنَتْ إليه اليهودُ، فلم يَزَالُوا حتى أَخَذَ مُشاطَةَ رأسِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعِدَّةَ أسنانٍ من مُشْطِه، فأَعطاها اليهودَ، فسَحَرُوه فيها، وتَوَلَّى ذلك لَبيدُ بنُ الأعْصَمِ؛ رجلٌ من اليهودِ، فنَزَلَتْ هاتان السورتانِ فيه.
قالَ البَغَوِيُّ: وقيلَ: كانت مَغْرُوزَةً بالدُّبُرِ، فأَنْزَلَ اللهُ - عَزَّ وجَلَّ - هاتين السورتين، وهما إحدى عَشْرَةَ آيةً، سورةُ الفَلَقِ خَمْسُ آياتٍ وسورةُ الناسِ سِتُّ آياتٍ، فكُلَّمَا قرأَ آيةً انْحَلَّتْ عُقدةٌ حتى انْحَلَّتِ العُقَدُ كلُّها فقامَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كأنما أُنْشِطَ من عِقالٍ.
قالَ: ورُوِيَ أنه لَبِثَ فيه سِتَّةَ أشْهُرٍ، واشْتَدَّ عليه ثلاثةَ أيَّامٍ، فنَزَلَت المُعَوِّذتانِ). [بدائع الفوائد: 2/224]
- قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (قوله: (مغروزة بالدبر) تصحيف صوابه: بالإبر).
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ ابْنُ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ): (وقالَ الأستاذُ المُفَسِّرُ الثَّعْلَبِيُّ في تَفْسِيرِه: قالَ ابنُ عَبَّاسٍ وعَائِشَةُ رضِيَ اللَّهُ عنهُما: كانَ غلامٌ مِن اليهودِ يَخْدِمُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسلَّمَ, فدَبَّتْ إليهِ اليهودُ, فلمْ يَزَالوا بهِ حتَّى أَخَذَ مُشَاطَةَ رَأْسِ النَّبِيِّ صلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسلَّمَ وعِدَّةَ أَسْنَانٍ مِن مُشْطِه, فأعطاها اليَهودَ فسَحَرُوهُ فِيهَا, وكانَ الذي تَوَلَّى ذلك رَجُلٌ مِنهم يُقالُ له: لَبِيدُ بنُ أَعْصَمَ, ثم دَسَّهَا في بِئْرٍ لبَنِي زُرَيقٍ, يقالُ لها: ذَرْوَانُ.
فمَرِضَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسلَّمَ, وانْتَثَرَ شَعَرُ رَأْسِهِ, ولَبِثَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ يُرَى أَنَّه يَأتِي النِّسَاءَ ولا يَأْتِيهِنَّ, وجَعَلَ يَذُوبُ ولا يَدْرِي مَا عَرَاهُ, فبَيْنَما هو نَائِمٌ إِذْ أَتَاهُ مَلَكَانِ؛ فجَلَسَ أَحَدُهما عندَ رَأْسِه والآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ, فقالَ الذي عندَ رِجْلَيْهِ للذي عِنْدَ رَأْسِه: ما بَالُ الرَّجُلِ؟ قالَ: طُبَّ. قالَ: وما طُبَّ؟ قالَ: سُحِرَ. قالَ: ومَنْ سَحَرَهُ؟ قالَ: لَبِيدُ بنُ الأَعْصَمِ اليَهُودِيُّ. قالَ: وبِمَ طَبَّهُ؟ قالَ: بمُشْطٍ ومُشَاطَةٍ. قالَ: وأينَ هو؟ قالَ: في جُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ تَحْتَ رَاعُوفَةٍ في بِئْرِ ذَرْوَانَ -والجُفُّ: قِشْرُ الطَّلْعِ. والرَّاعُوفَةُ: حَجَرٌ فِي أَسْفَلِ البِئْرِ نَاتِئٌ يَقُومُ عليهِ المَاتِحُ- فانْتَبَهَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسلَّمَ مَذْعُوراً وقالَ: ((يَاعَائِشَةُ, أَمَا شَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَنِي بِدَائِي؟)).
ثمَّ بَعَثَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسلَّمَ عَلِيًّا والزُّبَيْرَ وعَمَّارَ بنَ يَاسِرٍ, فنَزَحُوا ماءَ البِئْرِ, كأَنَّه نُقاعَةُ الحِنَّاءِ, ثم رَفَعُوا الصَّخْرَةَ وأخْرَجوا الجُفَّ, فإذا فيهِ مُشاطَةُ رَأْسِه وأَسْنَانٌ مِن مُشْطِه, وإذا فيه وَتَرٌ مَعْقُودٌ فيهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ عُقْدَةً مَغْرُوزَةً بالإِبَرِ؛ فأَنْزَلَ اللَّهُ تعالَى السُّورَتَيْنِ.
فجَعَلَ كلَّمَا قرَأَ آيةً انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ, ووَجَدَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسلَّمَ خِفَّةً حينَ انْحَلَّتِ العُقْدَةُ الأَخِيرَةُ, فقامَ كأنَّما نُشِطَ مِن عِقَالٍ, وجَعَلَ جِبْرِيلُ عليهِ السلامُ يَقُولُ: بِاسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ, مِن كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ, مِن حَاسِدٍ وعَيْنٍ اللَّهُ يَشْفِيكَ. فقالوا: يا رَسُولَ اللَّهِ, أفلا نَأْخُذُ الخَبِيثَ نَقْتُلُه؟ فقالَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسلَّمَ: ((أَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِي اللَّهُ، وأَكْرَهُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا)).
هكذا أَوْرَدَهُ بِلا إِسْنَادٍ, وفيهِ غَرَابَةٌ، وفي بَعْضِه نَكَارَةٌ شَدِيدَةٌ, ولبَعْضِه شَوَاهِدُ مِمَّا تَقَدَّمَ, واللَّهُ سبحانَه وتعالى أَعْلَمُ). [تفسير القرآن العظيم: 8/3909-3910]
قالَ عُمَرُ بنُ عَلِيِّ بْنِ عَادِلٍ الدِّمَشْقِيُّ الحَنْبَلِيُّ (ت: 880هـ): (قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وعَائِشَةُ –رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: لمَّا كَانَ غُلامٌ مِنَ اليَهُودِ يَخْدُمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَّبَتْ إِلَيْهِ اليَهُودُ، فلم يَزَالُوا حتى أَخَذُوا مُشَاطَةً مِنْ أَثَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِدَّةً مِنْ أسْنَانِ مُشْطِهِ، فَأَعْطَاهُ اليَهُودَ؛ لِيَسْحَرُوهُ بها صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَوَلَّى ذَلِكَ ابْنُ الأَعْصَمِ، رَجُلٌ مِنَ اليَهُودِ). [اللباب: 20/574]
قَالَ بُرْهَانُ الدِّينِ إِبْرَاهِيمُ بنُ عُمَرَ البِقَاعِيُّ (ت: 885هـ): (وَسَبَبُ نُزُولِ المُعَوِّذَتَيْنِ على ما نَقَلَ الوَاحِدِيُّ عَنِ المُفَسِّرِينَ رَحْمَةُ اللَّهِ عليهم أَجْمَعِينَ وَالبَغَوِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عنهم، أَنَّ غُلاماً مِنَ اليهودِ كانَ يَخْدِمُ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَبَّتْ إِليهِ اليَهُودُ فَلَمْ يَزَالُوا بهِ حتَّى أَخَذَ مُشَاطَةَ رَأْسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِدَّةَ أَسْنَانٍ مِنْ مُشْطِهِ، فَأَعْطَاهَا اليهودَ فَسَحَرُوهُ فِيهَا، وَتَوَلَّى ذلكَ لَبِيدُ بنُ الأَعْصَمِ اليَهُودِيُّ، فَمَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَانْتَشَرَ شَعَرُ رَأْسِهِ، وَيُرَى أَنَّهُ يَأْتِي النِّسَاءَ وَلا يَأْتِيهِنَّ، يَذُوبُ وَلا يَدْرِي ما عَرَاهُ.
فَبَيْنَا هوَ نَائِمٌ ذاتَ يومٍ أَتَاهُ مَلَكَانِ، فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِهِ، وَالآخرُ عندَ رِجْلَيْهِ، فَقَالَ الذي عِنْدَ رِجْلَيْهِ للذي عندَ رأسِهِ: مَا بَالُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: طُبَّ، قَالَ: وَمَا طُبَّ؟ قَالَ: سُحِرَ. قَالَ: وَمَنْ سَحَرَ؟ قَالَ: لَبِيدُ بنُ الأعصمِ اليَهُودِيُّ، قَالَ: وَبِمَ طَبَّهُ؟ قَالَ: بِمُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ. قَالَ: وَأَيْنَ هُوَ؟ قالَ: فِي جُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ تَحْتَ رَاعُوفَةٍ فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ، بِئْرٍ في بَنِي زُرَيْقٍ -وَالجُفُّ: قِشْرُ الطَّلْعِ، وَالرَّاعُوفَةُ: حَجَرٌ في أَسْفَلِ البئرِ، يَقُومُ عَلَيْهِ المَائِحُ- فَانْتَبَهَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقالَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها: ((يَا عَائِشَةُ، أَمَا شَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَنِي بِدَائِي؟)).
ثمَّ بَعَثَ عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ وَعَمَّارَ بنَ يَاسِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهم، فَنَزَحُوا البئرَ كأنَّهُ نُقَاعَةُ الحِنَّاءِ، ثمَّ نَزَعُوا الصخرةَ وَأَخْرَجُوا الجُفَّ، فإِذا فيهِ مُشَاطَةُ رَأْسِهِ وَأَسْنَانُ مُشْطِهِ، وَإِذا وَتَرٌ مُعَقَّدٌ فيهِ إِحْدَى عَشْرَةَ عُقْدَةً مَغْرُوزَةً بالإِبَرِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ سبحانَهُ وَتعالى سُورَتَي المُعَوِّذَتَيْنِ، وَهُمَا إِحْدَى عَشْرَةَ آيَةً: الفلقُ خَمْسٌ, وَالناسُ سِتٌّ، فَجَعَلَ كُلَّمَا قَرَأَ آيةً انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ وَوَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِفَّةً، حتَّى انْحَلَّت العقدةُ الأخيرةُ، فَقَامَ كَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ، وَجَعَلَ جبرائيلُ عَلَيْهِ الصلاةُ وَالسلامُ يَقُولُ: (بِاسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ، مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ، وَمِنْ حَاسِدٍ وَعَيْنٍ، واللَّهُ يَشْفِيكَ). فقالوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلا نَأْخُذُهُ فَنَقْتُلَهُ؟ فَقَالَ: ((أَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِي اللَّهُ، وَأَكْرَهُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا)).
وَفي روايةٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى البئرَ بِنَفْسِهِ، ثمَّ رَجَعَ إِلى عائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها فَقَالَ: ((وَاللَّهِ لَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الحِنَّاءِ، لَكَأَنَّ نَخْلَهَا رُؤُوسَ الشَّيَاطِينِ)). فَقُلْتُ لهُ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلاَّ أَخْرَجْتَهُ؟) فَقَالَ: ((أَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِي اللَّهُ، وَكَرِهْتُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا)). وَيُجْمَعُ بِأَنَّهُ أَتَاهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَفْسِهِ الشريفةِ، فَلَمْ يُخْرِجْهُ، ثمَّ إِنَّهُ وَجَدَ بَعْضَ الأَلَمِ، فَأَرْسَلَ إِليهِ فَأَخْرَجَهُ، فَزَالَ الأَلَمُ كُلُّهُ). [نظم الدرر: 8/607-608]
قالَ أَبُو السُّعُودِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ العِمَادِيُّ الحَنَفِيُّ (ت: 982هـ): (وَتَخْصِيصُهُ بالذِّكْرِ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ وعائشةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُ كَانَ غُلامٌ مِن اليَهُودِ يَخْدِمُ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، وَكَانَ عِنْدَهُ أَسْنَانٌ مِنْ مُشْطِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، فَأَعْطَاهَا لليهودِ فَسَحَرُوهُ عَلَيْهِ السَّلامُ فِيهَا، وَتَوَلاَّهُ لَبِيدُ بْنُ الأعْصَمِ اليَهُودِيُّ وَبَنَاتُهُ، وَهُنَّ النَّافِثَاتُ فِي العُقَدِ، فَدَفَنَهَا فِي بِئْرِ أَرِيسٍ.
فَمَرِضَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ بالمُعَوِّذَتَيْنِ، وَأَخْبَرَهُ بِمَوْضِعِ السِّحْرِ وَبِمَنْ سَحَرَهُ وَبِمَا سَحَرَهُ، فَأَرْسَلَ عَلَيْهِ السَّلامُ عَلِيًّا كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ والزُّبَيْرَ وَعَمَّاراً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَنَزَحُوا مَاءَ البِئْرِ، فَكَأَنَّهُ نُقَاعَةُ الحِنَّاءِ، ثُمَّ رَفَعُوا راعُوثَةَ البِئْرِ، وَهِيَ الصخرةُ الَّتِي تُوضَعُ فِي أسفلِ البِئْرِ، فَأَخْرَجُوا مِنْ تحتِهَا الأسنانَ وَمَعَهَا وَتَرٌ قَدْ عُقِدَ فِيهِ إِحْدَى عَشْرَةَ عُقْدَةً مُغَرَّزَةً بالإِبَرِ.
فَجَاؤُوا بِهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَ يَقْرَأُ المُعَوِّذَتَيْنِ عَلَيْهَا، فَكَانَ كُلَّمَا قَرَأَ آيَةً انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، وَوَجَدَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ خِفَّةً، حَتَّى انْحَلَّتِ العُقْدَةُ الأَخِيرَةُ عِنْدَ تَمَامِ السُّورَتَيْنِ، فَقَامَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ كَأَنَّمَا أُنْشِطَ مِنْ عِقَالٍ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلا نَقْتُلُ الخَبِيثَ؟ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: ((أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَافَانِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَكْرَهُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا)). قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: مَا غَضِبَ النَّبِيُّ غَضَباً يَنْتَقِمُ لِنَفْسِهِ قَطُّ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ شَيْئاً هُوَ لِلَّهِ تَعَالَى فَيَغْضَبُ لِلَّهِ وَيَنْتَقِمُ). [إرشاد العقل السليم: 7/215]
قَالَ عَبْدُ الفَتَّاحِ بنُ عَبْدِ الغَنِيِّ القَاضِي (ت: 1403هـ): (رَوَى الثَّعْلَبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ، عنِ ابنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ كانَ غُلامٌ مِنَ اليَهُودِ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَسَّتْ إليْهِ اليَهُودُ، فَمَا زَالُوا بِهِ حتَّى أَخَذَ مُشَاطَةَ رَأْسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -وَهِيَ ما يَتَسَاقَطُ مِن شَعْرِ الرَّأْسِ عِنْدَ مُشْطِهِ- وَعِدَّةً مِنْ أَسْنَانِ مُشْطِهِ، فَأَعْطَاهَا اليَهُودَ فَسَحَرُوهُ فِيهَا، وكانَ الَّذِي تَوَلَّى ذلكَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ: لَبِيدُ بنُ أَعْصَمَ، ثُمَّ دَسَّهَا في بِئْرٍ، فَمَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَبِثَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ حتَّى كانَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى إِتْيَانِ النِّسَاءِ، وَلَكِنْ إِذَا أَرَادَ المُبَاشَرَةَ لا يَسْتَطِيعُ، فَبَيْنَمَا هُوَ نَائِمٌ إِذْ أَتَاهُ مَلَكَانِ، فَجَلَسَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِهِ وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ، فَقَالَ الَّذِي عِنْدَ رِجْلَيْهِ لِلَّذِي عِنْدَ رَأْسِهِ: ما بَالُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: هُوَ مَطْبُوبٌ (مَسْحُورٌ). قَالَ: وَمَنْ طَبَّهُ؟ أَيْ: وَمَنْ سَحَرَهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بنُ أَعْصَمَ اليَهُودِيُّ. قَالَ: وَبِمَ طَبَّهُ؟ قَالَ: بِمُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ. قَالَ: وَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي بِئْرِ كَذَا، تَحْتَ الصَّخْرَةِ الَّتِي يُوقَفُ عَلَيْهَا وَيُسْتَقَى مِنَ البِئْرِ. فَانْتَبَهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَذْعُورًا وَقَالَ: ((يَا عَائِشَةُ، أَمَا شَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَنِي بِدَائِي؟)). ثُمَّ بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ وَعَمَّارَ بنَ يَاسِرٍ إِلَى البِئْرِ، فَرَفَعُوا الصَّخْرَةَ، فَإِذَا تَحْتَهَا مُشَاطَةُ رَأْسِ النَّبِيِّ وَبَعْضُ أَسْنَانٍ مِنْ مُشْطِهِ، وَإِذَا وَتَرٌ مَعْقُودٌ فِيهِ إِحْدَى عَشْرَةَ عُقْدَةً مَغْرُوزَةً بِالإِبَرِ، فَأَتَوْا به النَّبِيَّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ السُّورَتَيْنِ المُعَوِّذَتَيْنِ، وَهُمَا إِحْدَى عَشْرَةَ آيَةً، عَلَى عَدَدِ تلكَ العُقَدِ، وَأَمَرَ الرَّسُولَ أَنْ يَتَعَوَّذَ بِهِمَا، فَجَعَلَ كُلَّمَا قَرَأَ آيَةً انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، وَوَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِفَّةً إِذَا حُلَّتْ هَذِهِ العُقْدَةُ، حتَّى إذا حُلَّتِ العُقْدَةُ الأَخِيرَةُ قامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ، وَجَعَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ يَرْقِي رَسُولَ اللَّهِ فَيَقُولُ: بِاسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ، مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ، مِنْ حَاسِدٍ وَعَيْنٍ، اللَّهُ يَشْفِيكَ.
أَخْرَجَهُ ابنُ مَرْدَوَيْهِ وَالبَيْهَقِيُّ).
[أسباب النزول: 252-253]


رد مع اقتباس
  #17  
قديم 6 جمادى الأولى 1435هـ/7-03-2014م, 10:30 PM
أروى المطيري أروى المطيري غير متواجد حالياً
فريق تنسيق النصوص
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 405
افتراضي

المراسيل المرويّة في حادثة سحر النبي صلى الله عليه وسلم
مرسَل سعيد بن المسيَّب وعروة بن الزبير
قالَ عبدُ الرَّزَّاقِ بنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت:211هـ): (عَن مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَن ابنِ المسَيَّبِ وعُروةَ بنِ الزُّبَيرِ، أَنَّ يَهُودَ بَنِي زُرَيقٍ سَحَرُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلُوه فِي بئرٍ حَتَّى كَادَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُنكِرُ بَصَرَهُ، ثمَّ دَلَّه اللهُ عَلَى مَا صَنَعُوا؛ فَأرْسَلَ إلَى البئرِ فانتُزِعَت العُقَدُ الَّتِي فِيهَا السِّحْرُ.
قالَ الزُّهْرِيُّ: فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِيمَا بَلَغَنَا: سَحَرَنِي يَهُودُ بَنِي زُرَيْقٍ).
[مصنف عبد الرزاق:11/13]


مرسَل يحيى بن يَعمر
قالَ عبدُ الرَّزَّاقِ بنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت:211هـ): (عَن معمرٍ، عَن عَطَاءٍ الخُراسَانِيِّ، عَن يحيَى بنِ يَعْمَرَ قَالَ: حُبِسَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عَن عائشةَ سنةً، فبَينا هُو نائِمٌ أَتَاه مَلَكَانِ؛ فَقَعَدَ أحدُهما عندَ رأسِهِ والآخَرُ عندَ رِجلَيهِ؛ فَقَالَ أحدُهُمَا لصَاحِبهِ: سُحِرَ مُحَمَّدٌ؟ فَقَالَ الآخَرُ: أَجَلْ، وَسِحْرُهُ في بئرِ أبي فُلان .فَلَمَّا أَصبحَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بذَلِكَ السِّحْرِ فَأُخرِجَ مِنَ تِلكَ البئرِ.
قالَ عبدُ الرَّزَّاق: قالَ مَعْمَرٌ في الرَّجلِ يجمع السِّحْرَ يغتَسِلُ بهِ إذَا قَرَأ عَلَيهِ القُرآنَ فَلا بَأْسَ بهِ).

[مصنف عبد الرزاق:11/14] (م)


رد مع اقتباس
  #18  
قديم 6 جمادى الأولى 1435هـ/7-03-2014م, 10:49 PM
أروى المطيري أروى المطيري غير متواجد حالياً
فريق تنسيق النصوص
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 405
افتراضي

مسائل في حادثة سحر النبي صلى الله عليه وسلم

..................................


رد مع اقتباس
  #19  
قديم 6 جمادى الأولى 1435هـ/7-03-2014م, 10:53 PM
أروى المطيري أروى المطيري غير متواجد حالياً
فريق تنسيق النصوص
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 405
افتراضي

الرد على من أنكر حادثة سحر النبي صلى الله عليه وسلم

قالَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَبِيبٍ المَاوَرْدِيُّ (ت: 450هـ): (وأَنْكَرَه آخَرونَ ومَنَعُوا منه في رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، وإنْ صَحَّ في غيرِه؛ لِمَا في استمرارِه عليه مِن خَبَلِ العقْلِ، وأنَّ اللَّهَ تعالى قد أَنْكَرَ على مَن قالَ في رسولِه حيثُ يقولُ: {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً 47)} [الإسراء: 47]). [النكت والعيون: 6/ 376]
قالَ مَحْمُودُ بنُ حَمْزَةَ بنِ نَصْرٍ الكِرْمَانِيُّ (ت: 525هـ): (وفي سِحْرِ النبيِّ عليه السلامُ قَوْلانِ: قالَ بَعْضُهم: سَحَرَه لَبِيدٌ بِمَا سَحَرَه، وتَقدَّمَ ذِكْرُه، وعليه جُمهورُ المُفَسِّرِينَ.
وأَنكَرَ بعضُهم وقالَ: إنَّ اللهَ أَنكَرَ على مَن قالَ هذا في صِفَةِ النبيِّ، حيث قالَ: {وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُورًا (8)} [الفرقان: 8] ). [غرائب التفسير: 2/1412]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ السُّهَيْلِيُّ (ت: 581هـ): (وَقَدْ طَعَنَتِ المُعْتَزِلَةُ فِي هَذَا الحَدِيثِ وَطَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ البِدَعِ وَقَالُوا: لا يَجُوزُ عَلَى الأنْبِيَاءِ أَنْ يُسْحَرُوا، وَلَوْ جَازَ أَنْ يُسْحَرُوا، لَجَازَ أَنْ يُجَنُّوا،وَنُزِعَ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المَائِدَةُ 67].
وَالحَدِيثُ ثَابِتٌ خَرَّجَهُ أَهْلُ الصّحِيحِ، وَلا مَطْعَنَ فِيهِ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ، وَلا مِنْ جِهَةِ العَقْلِ؛ لأَنَّالعِصْمَةَ إنَّمَا وَجَبَتْ لَهُمْ فِي عُقُولِهِمْ وَأَدْيَانِهِمْ، وَأَمَّا أَبْدَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ يُبْتَلَوْنَ فِيهَا، وَيُخْلَصُ إلَيْهِمْ بِالجِرَاحَةِ وَالضَّرْبِ وَالسُّمُومِ وَالقَتْلِ، وَالأُخْذَةُ الّتِي أُخِذَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَذَا الفَنِّ، إنّمَا كَانَتْ فِي بَعْضِ جَوَارِحِهِ دُونَ بَعْضٍ.
أَمَّا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المَائِدَةُ 67]فَإِنَّهُ قَدْ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ يُحْرَسُ فِي الغَزْوِ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ، فَأَمَرَ حُرَّاسَهُ أَنْ يَنْصَرِفُوا عَنْهُ، وَقَالَ: ((لا حَاجَةَ لِي بِكُمْ فَقَدْ عَصَمَنِي اللّهُ مِنَ النَّاسِ)). أَوْ كَمَا قَالَ). [الروض الأنف:2/372]
قالَ عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ عَبْدِ السَّلامِ السُّلَمِيُّ (ت:660 هـ): (وَمَنَعَ آخَرُونَ مِنْ تأثيرِ السحرِ في الرسولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ جازَ في غيرِهِ؛ لِمَا في استمرارِهِ مِنْ خَبَلِ العقلِ، وَلإِنكارِ اللَّهِ تَعَالَى على مَنْ قَالَ: {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (47)} [الإِسراء: 47] ). [تفسير القرآن: 3/511]
قالَ مُحْيِي الدِّين يَحْيَى بنُ شَرَفٍ النَّوَوِيُّ (ت:676هـ): (قَالَ الإِمَامُالمَازِرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَقَدْ أَنْكَرَ بَعْضُالمُبْتَدِعَةِ هَذَا الحَدِيثَ([1]) بِسَبَبٍ آخَرَ([2])، فَزَعَمَ أَنَّهُ يَحُطُّ مَنْصِبَ النُّبُوَّةِ، وَيُشَكِّكُ فِيهَا، وَأَنَّ تَجْوِيزَه يَمْنَعُ الثِّقَةَ بِالشَّرْعِ، هَذَا الَّذِي ادَّعَاهُ هَؤُلاءِ المُبْتَدِعَةُ بَاطِلٌ؛ لأنَّ الدَّلائِلَالقَطْعِيَّةَ قَدْ قَامَتْ عَلَى صِدْقِه وَصِحَّتِه وَعِصْمَتِه فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّبْلِيغِ، وَالمُعْجِزَةُ شَاهِدَةٌ بِذَلِكَ، وَتَجْوِيزُ مَا قَامَ الدَّلِيلُ بِخِلافِهِ بَاطِلٌ.
فَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِبَعْضِ أُمُور الدُّنْيَا الَّتِي لَمْ يُبْعَثْ بِسَبَبِهَا، وَلا كَانَ مُفَضَّلاً مِنْ أَجْلِهَا، وَهُوَ مِمَّا يَعْرِضُ لِلْبَشَرِ فَغَيْرُ بَعِيدٍ أَنْ يُخَيَّلَ إِلَيْهِ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا مَا لا حَقِيقَةَ لَهُ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّمَا كَانَ يُتَخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ وَطِئَ زَوْجَاتِه وَلَيْسَ بِوَاطِئٍ، وَقَدْ يَتَخَيَّلُالإِنْسَانُ مِثْلَ هَذَا فِي المَنَامِ، فَلا يَبْعُدُ تَخَيُّلُه فِي اليَقَظَةِ، وَلا حَقِيقَةَ لَهُ.
وَقِيلَ: إِنَّهُ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ فَعَلَهُ وَمَا فَعَلَهُ، وَلَكِنْ لا يَعْتَقِدُ صِحَّةَ مَا يَتَخَيَّلُهُ، فَتَكُونُاعْتِقَادَاتُه عَلَى السَّدَادِ. قَالَ القَاضِي عِيَاضٌ: وَقَدْ جَاءَتْ رِوَايَاتُ هَذَا الحَدِيثِ مُبَيِّنَةً أَنَّ السِّحْرَ إِنَّمَا تَسَلَّطَ عَلَى جَسَدِه وَظَوَاهِرِ جَوَارِحِه، لا عَلَى عَقْلِه وَقَلْبِه وَاعْتِقَادِه، وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِه فِي الحَدِيثِ: (حَتَّى يَظُنَّ أَنَّهُ يَأْتِي أَهْلَه وَلا يَأْتِيهِنَّ) وَيُرْوَى: (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ) أَيْ يَظْهَرُ لَهُ مِنْ نَشَاطِه وَمُتَقَدِّمِ عَادَتِه القُدْرَةُ عَلَيْهِنَّ، فَإِذَا دَنَا مِنْهُنَّ أَخَذَتْهُ أُخْذَةُ السِّحْرِ فَلَمْ يَأْتِهِنَّ، وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ كَمَا يُعْتَرَى المَسْحُورُ.
وَكُلُّ مَا جَاءَ فِي الرِّوَايَاتِ مِنْ أَنَّهُ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ فِعْلُ شَيْءٍ ثُمَّ لا يَفْعَلُهُ وَنَحْوِه فَمَحْمُولٌ عَلَى التَّخَيُّلِ بِالبَصَرِ، لا لِخَلَلٍ تَطَرَّقَ إِلَى العَقْلِ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا يَدْخُلُ لَبْسًا عَلَى الرِّسَالَةِ، وَلا طَعْنًا لأهْلِ الضَّلالَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ). [شرح صحيح مسلم: 14/397]
قالَ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الخَازِنُ (ت: 725هـ):( (فَصْلٌ)
وقدْ أنكَرَ بعضُ المُبْتَدِعَةِ حديثَ عَائِشَةَ المُتَّفَقَ عليهِ، وزعَمَ أنَّهُ يَحُطُّ مَنْصِبَ النُّبُوَّةِ ويُشَكِّكُ فيها، وأنَّ تَجْوِيزَهُ يَمْنَعُ الثِّقَةَ بالشَّرْعِ.
ورُدَّ على هذا المُبْتَدِعِ بأنَّ الذي ادَّعَاهُ باطِلٌ؛ لأنَّ الدلائِلَ القطعِيَّةَ والنقلِيَّةَ قدْ قامَتْ على صِدْقِهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، وعِصْمَتِهِ فيما يَتَعَلَّقُ بالتبليغِ، والمُعْجِزَةُ شاهدةٌ بذلكَ، وتَجْوِيزُ ما قامَ الدليلُ بخلافِهِ باطِلٌ.
وأمَّا ما يَتَعَلَّقُ ببعضِ أُمُورِ الدُّنْيَا، وهوَ ما يَعْرِضُ للبشرِ، فَغَيْرُ بَعِيدٍ أنْ يُخَيَّلَ إليهِ مِنْ أمُورِ الدُّنيا ما لا حَقِيقَةَ لَهُ.
وقدْ قِيلَ: إنَّهُ كانَ يُخَيَّلُ إليهِ أنَّهُ وَطِئَ زَوْجَاتِهِ، وليسَ وَاطِئاً، وهذا مِثْلُ ما يَتَخَيَّلُهُ الإنسانُ في المَنَامِ، فلا يَبْعُدُ أنْ يَتَخَيَّلَهُ في اليقظةِ، ولا حَقِيقَةَ لَهُ. وقيلَ: إنَّهُ يُخَيَّلُ إليهِ أنَّهُ فَعَلَهُ وما فعَلَهُ، ولكنْ لا يَعْتَقِدُ ما تَخَيَّلَهُ، فتكونُ اعتقاداتُهُ على السَّدَادِ.
قالَ القاضي: وقدْ جاءَتْ بعضُ رواياتِ هذا الحديثِ مُبَيِّنَةً أَنَّ السحرَ إنَّما سُلِّطَ على بَدَنِهِ وظواهرِ جوارحِهِ لا على قلبِهِ وعقلِهِ واعتقادِهِ، وليسَ في ذلكَ ما يُوجِبُ لَبْساً على الرسالةِ، ولا طَعْناً لأهلِ الزَّيْغِ والضلالةِ.
وقولُهُ: ((مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ))؛ أيْ: مسحورٌ. قولُهُ: وَجُفُّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ، يُرْوَى بالبَاءِ، ويُرْوَى بالفاءِ، وهوَ وِعَاءُ طَلْعِ النخلِ).[لباب التأويل: 4/500-501]
قالَ نِظَامُ الدِّينِ الحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُورِيُّ (ت: 728هـ):(طَعَنَتِ المُعْتَزِلَةُ في هذهِ الروايةِ بأنَّها تُوجِبُ تَسَلُّطَ الكفارِ والأشرارِ على الأنبياءِ.
وأيضاً لو صَحَّتْ لصَحَّ قولُهم: {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (47)}[الإسراء: 47].
والجوابُ: أنَّ التسليطَ الكُلِّيَّ بحيثُ يَمْنَعُه عن تبليغِ الرسالةِ- لا يَجوزُ، ولكنْ لا نُسَلِّمُ أنَّ بعضَ الإضرارِ في بدنِه لا يَجوزُ، لا سِيَّمَا وقدْ تَدَارَكَهُ تعالى بفضْلِه، وخصوصاً إذا كانَ فيه لُطْفٌ لغيرِه من أُمَّتِه، حتى يَفْعَلُوا في مِثْلِ تلك الواقعةِ كما فَعَلَ.
ولهذا اسْتَدَلَّ أكثرُ العلماءِ على أنَّه يَجوزُ الاستعانةُ بالرُّقَى والعَوْذِ، ويُؤَيِّدُه ما رُوِيَ أنَّ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ قالَ: ((بِاسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ، مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ، وَاللَّهُ يَشْفِيكَ)).
وعن ابنِ عَبَّاسٍ: كانَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ يُعَوِّذُ الحَسَنَ والحُسَيْنَ رضِيَ اللَّهُ عنهما بقولِه: ((أُعِيذُكُمَا بكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ، مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وهَامَّةٍ، ومِنْ كُلِّ عَيْنٍ لامَّةٍ))، ويقولُ: ((هَكَذَا كَانَ أَبِي إِبْرَاهِيمُ يَقُولُ لابْنَيْهِ؛ إِسْمَاعِيلَ وإِسْحَاقَ)).
وعنه: كانَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ يُعَلِّمُنا مِن الحُمَّى والأوجاعِ كُلِّها: ((بِسْمِ اللَّهِ الكَرِيمِ، أَعُوذُ بِاللَّهِ العَظِيمِ، مِنْ شَرِّ كُلِّ عِرْقٍ نَعَّارٍ، وَمِنْ شَرِّ حَرِّ النَّارِ)).
وعن عليٍّ رَضِيَ اللَّهُ عنه: كانَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ إذا دَخَلَ على مَرِيضٍ قالَ: ((أَذْهِبِ البَاسَ، رَبَّ النَّاسِ، اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي، لا شَافِيَ إِلاَّ أَنْتَ)).
ورُوِيَ أنَّه صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ كانَ إِذَا سَافَرَ فَنَزَلَ مَنْزِلاً يَقُولُ: ((يَا أَرْضُ، رَبِّي وَرَبُّكِ اللَّهُ، أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّكِ، ومِنْ شَرِّ مَا فِيكِ، وَشَرِّ مَا يَخْرُجُ مِنْكِ، وَمِنْ شَرِّ مَا يَدُبُّ عَلَيْكِ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ أَسَدٍ وَأَسْودٍ، وَحَيَّةٍ وَعَقْرَبٍ، وَمِنْ شَرِّ سَاكِنِ البَلَدِ، وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ))
وعن عائِشَةَ: كانَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ إذا اشْتَكَى شَيْئاً مِن جَسَدِه قَرَأَ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} [الإخلاص: 1] والمُعَوِّذَتَيْنِ في كَفِّه اليُمْنَى، ومَسَحَ بها المكانَ الذي يَشْتَكِي.
ورُوِيَ أنَّه صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ دخَلَ على عُثمانَ بنِ مَظْعُونٍ فعَوَّذَهُ بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} [الإخلاص: 1]، وبهاتَيْنِ السورتَيْنِ، ثم قالَ: ((تَعَوَّذْ بِهِنَّ؛ فَمَا تَعَوَّذْتُ بَخَيْرٍ مِنْهَا)).
وأمَّا قولُ الكُفَّارِ: إنَّه مَسْحورٌ. فإنَّما أَرادوا به الجُنونَ والسِّحْرَ الذي أَثَّرَ في عَقْلِه ودامَ مَعَه؛ فلذلك وَقَعَ الإنكارُ عليهم).[غرائب القرآن: 30/225-226]
قالَ ابْنُ القَيِّمِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الزُّرَعِيُّ الدِّمَشْقِيُّ (ت: 751 هـ): (وقد اعْتَاصَ على كثيرٍ من أهْلِ الكلامِ وغيرِهم وأَنْكَرُوه أَشَدَّ الإنكارِ، وقَابَلُوه بالتكذيبِ، وصَنَّفَ بعضُهم فيه مُصَنَّفًا مُفْرَدًا حَمَلَ فيه على هِشامٍ، وكان غايةُ ما أَحْسَنَ القولَ فيه أنْ قالَ: غَلِطَ واشْتَبَه عليه الأمْرُ، ولم يكن من هذا شيءٌ. قالَ: لأنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَجوزُ أنْ يُسْحَرَ، فإنه يكونُ تَصديقًا لقولِ الكُفَّارِ:{إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُورًا (8)}[الفرقان:8].
قالُوا: وهذا كما قالَ فِرعونُ لموسى: {إِنِّي لأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا (101)}[الإسراء:101] وقالَ قومُ صالحٍ له: {إِنَّمَا أَنتَ مِنَ المُسَحَّرِينَ (153)}[الشعراء:153] وقالَ قومُ شُعَيْبٍ له: {إِنَّمَا أَنتَ مِنَ المُسَحَّرِينَ (185)} [الشعراء: 185].
قالُوا: فالأنبياءُ لا يَجوزُ عليهم أن يُسْحَروا، فإنَّ ذلك يُنافي حِمايةَ اللهِ لهم وعِصمَتَهم من الشياطينِ.
وهذا الذي قالَه هؤلاءِ مَردودٌ عندَ أهْلِ العلْمِ؛ فإنَّ هِشامًا من أَوْثَقِ الناسِ وأَعْلَمِهم، ولم يَقْدَحْ فيه أَحَدٌ من الأئِمَّةِ بما يُوجِبُ رَدَّ حديثِه، فما للمُتَكَلِّمين وما لهذا الشأنِ؟ وقد رواهُ غيرُ هِشامٍ عن عائشةَ.
وقد اتَّفَقَ أصحابُ الصحيحينِ على تَصحيحِ هذا الحديثِ، ولم يَتَكَلَّمْ فيه أَحَدٌ من أهْلِ الحديثِ بكَلِمَةٍ واحدةٍ، والقِصَّةُ مَشهورةٌ عندَ أهْلِ التفسيرِ والسُّنَنِ والحديثِ والتاريخِ والفُقَهاءِ، وهؤلاءِ أَعْلَمُ بأحوالِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأيَّامِه من المُتَكَلِّمِينَ، قالَ أبو بكرِ بنُ أبي شَيْبَةَ: حدَّثَنا أبو مُعاويةَ، عن الأعمشِ، عن يَزيدَ بنِ حَيَّانَ، عن زيدِ بنِ أَرْقَمَ قالَ: سَحَرَ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ من اليهودِ، فاشْتَكَى لذلك أيَّامًا. قالَ: فَأَتَاه جِبريلُ فقالَ: إنَّ رَجُلاً من اليهودِ سَحَرَك، وعَقَدَ لذلك عُقَدًا. فَأَرْسَلَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا فاسْتَخْرَجَها فجاءَ بها، فَجَعَلَ كُلَّمَا حَلَّ عُقدةً وَجَدَ لذلك خِفَّةً، فقامَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كأنما أُنْشِطَ من عِقَالٍ، فما ذَكَرَ ذلك لليهوديِّ ولا رآهُ في وَجْهِه قطُّ.
وقالَ ابنُ عَبَّاسٍ وعائشةُ: كان غُلامٌ من اليهودِ يَخْدُمُ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدَنَتْ إليه اليهودُ فلم يَزَالُوا حتى أَخَذَ مُشاطَةَ رأسِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعِدَّةَ أسنانٍ من مُشْطِه فأَعطاها اليهودَ، فسَحَرُوه فيها، وتَوَلَّى ذلك لَبيدُ بنُ الأعْصَمِ؛ رجلٌ من اليهودِ، فنَزَلَتْ هاتان السورتانِ فيه.
قالَ البَغَوِيُّ: وقيلَ: كانت مَغْرُوزَةً بالدُّبُرِ، فأَنْزَلَ اللهُ - عَزَّ وجَلَّ - هاتين السورتين، وهما إحدى عَشْرَةَ آيةً، سورةُ الفَلَقِ خَمْسُ آياتٍ وسورةُ الناسِ سِتُّ آياتٍ، فكُلَّمَا قرأَ آيةً انْحَلَّتْ عُقدةٌ حتى انْحَلَّتِ العُقَدُ كلُّها، فقامَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كأنما أُنْشِطَ من عِقالٍ. قالَ: ورُوِيَ أنه لَبِثَ فيه سِتَّةَ أشْهُرٍ واشْتَدَّ عليه ثلاثةَ أيَّامٍ، فنَزَلَت المُعَوِّذتانِ.
قالُوا: والسحْرُ الذي أَصابَه كان مَرَضًا من الأمراضِ عَارِضًا شَفاهُ اللهُ منه، ولا نَقْصَ في ذلك ولا عَيْبَ بوجْهٍ ما، فإنَّ المَرَضَ يَجوزُ على الأنبياءِ، وكذلك الإغماءُ، فقد أُغْمِيَ عليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مَرَضِه، ووَقَعَ حين انْفَكَّتْ قدَمُه وجُحِشَ شِقُّه، وهذا من البلاءِ الذي يَزيدُه اللهُ به رِفعةً في دَرجاتِه ونَيْلِ كَرامتِه، وأَشَدُّ الناسِ بلاءً الأنبياءُ، فابْتُلُوا من أُمَمِهِمْ بما ابْتُلوا به من القَتْلِ والضرْبِ والشتْمِ والحَبْسِ، فليس ببِدَعٍ أن يُبْتَلَى النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بَعْضِ أعدائِه بنوعٍ من السِّحْرِ كما ابْتُلِيَ بالذي رَماهُ فشَجَّهُ، وابْتُلِيَ بالذي أَلْقَى على ظَهْرِه السَّلا وهو ساجِدٌ وغيرِ ذلك، فلا نَقْصَ عليهم ولا عَارَ في ذلك، بل هذا من كَمالِهم وعُلُوِّ دَرجاتِهم عندَ اللهِ.
قالُوا: وقد ثَبَتَ في الصحيحِ عن أبي سَعيدٍ الخُدريِّ أنَّ جِبريلَ أتى النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالَ: يا مُحَمَّدُ، اشْتَكَيْتَ؟ فقالَ: ((نَعَمْ)). فقالَ: باسمِ اللهِ أَرْقِيكَ، مِن كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ، مِن شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أو عَينِ حاسِدٍ، اللهُ يَشفِيكَ، بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ)) فعَوَّذَه جِبريلُ من شَرِّ كلِّ نفْسٍ وعَينِ حاسدٍ لَمَّا اشْتَكَى، فدَلَّ على أنَّ هذا التَّعَوُّذَ مُزيلٌ لشِكايتِه صلى اللهُ عليه وسلَّمَ، وإلا فلا يُعَوِّذُه من شيءٍ وشِكَايَتُه من غيرِه.
قالُوا: وأمَّا الآياتُ التي اسْتَدْلَلْتُم بها لا حُجَّة لكم فيها، أمَّا قولُه تعالى عن الكُفَّارِ أنهم قالُوا: {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا رَجُلاً مَسْحُورًا (47)}[الإسراء: 47] وقولُ قومِ صالِحٍ له: {إِنَّمَا أَنتَ مِنَ المُسَحَّرِينَ (153)}[الشعراء: 153] فقيلَ: المُرادُ به مَن له سَحْرٌ، وهي الرِّئَةُ، أي أنه بَشَرٌ مِثلُهم يَأكُلُ ويَشْرَبُ ليس بِمَلَكٍ، ليس المرادُ به السِّحْرَ، وهذا جَوابٌ غيرُ مُرْضٍ، وهو في غايةِ البُعْدِ؛ فإنَّ الكفَّارَ لم يكونوا يُعَبِّرُون عن البَشَرِ بمسحورٍ، ولا يُعْرَفُ هذا في لُغَةٍ من اللغاتِ، وحيث أَرَادُوا هذا المعنى أَتَوْا بصريحِ لفْظِ البَشَرِ فقالُوا: {مَا أَنتُمْ إِلا بَشَرٌ مِّثْلُنَا}[يس:15] {أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا}[المؤمنون:47]، {بَعَثَ اللهُ بَشَرًا رَّسُولاً (94)}[الإسراء:94] وأمَّا المَسحورُ فلم يُريدوا به ذا السَّحْرِ، وهي الرِّئَةُ، وأيُّ مُناسَبَةٍ لذِكْرِ الرئةِ في هذا المَوضِعِ؟
ثم كيف يقولُ فِرعونُ لموسى: {إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا (101)}[الإسراء:101]؟!
أَفَتَراه ما عَلِمَ أنَّ له سَحْرًا وأنه بَشَرٌ؟!
ثم كيف يُجيبُه موسى بقولِه: {إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا (102)}[الإسراء: 102]؟!
ولو أَرادَ بالمسحورِ أنه بَشَرٌ لصَدَّقَه موسى، وقالَ: نَعَمْ أنا بَشَرٌ أَرْسَلَني اللهُ إليك كما قالَت الرُّسُلُ لقومِهم، لَمَّا قالُوا لهم: {إِنْ أَنتُمْ إِلا بَشَرٌ مِّثْلُنَا}[إبراهيم:10] فقالُوا: {إِن نَّحْنُ إِلا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ}[إبراهيم: 11] ولم يُنْكِروا ذلك، فهذا الجوابُ في غايةِ الضَّعْفِ.
وأَجابَتْ طائفةٌ، منهم ابنُ جَريرٍ وغيرُه: بأن المَسحورَ هنا هو مُعَلَّمُ السحْرِ الذي قد عَلَّمَه إيَّاه غيرُه، فالمسحورُ عندَه بمعنى ساحِرٍ أي: عالِمٌ بالسحْرِ، وهذا جَيِّدٌ إن ساعَدَتْ عليه اللغةُ، وهو أنَّ مَن عُلِّمَ السحْرَ يُقالُ له: مَسحورٌ، ولا يَكادُ هذا يُعْرَفُ في الاستعمالِ ولا في اللغةِ، وإنما المَسحورُ مَنْ سَحَرَه غيرُه، كالمَطبوب والمضروبِ والمقتولِ وبابِه، وأمَّا مَن عُلِّمَ السحْرَ فإنه يُقالُ له: ساحرٌ بمعنى أنه عالِمٌ بالسحْرِ، وإن لم يَسْحَرْ غيرَه؛ كما قالَ قومُ فِرعونَ لموسى:{إِنَّ هَذَا لسَاحِرٌ عَلِيمٌ (109)}[الأعراف:109] ففِرعونُ قَذَفَه بكونِه مَسحورًا، وقَوْمُه قَذَفُوه بكونِه ساحرًا.
فالصوابُ هو الجَوابُ الثالثُ، وهو جوابُ صاحبِ الكَشَّافِ وغيرِه: أنَّ المسحورَ على بابِه، وهو مَن سُحِرَ حتى جُنَّ فقالُوا: مَسحورٌ مِثلُ مَجنونٍ؛ زائلِ العَقلِ لا يَعْقِلُ ما يَقولُ، فإنَّ المسحورَ الذي لا يُتَّبَعُ هو الذي فَسَدَ عقْلُه، بحيث لا يَدْرِي ما يقولُ فهو كالمجنونِ؛ ولهذا قالُوا فيه: {مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ (14)}[الدخان:14] فأمَّا مَن أُصيبَ في بَدَنِه بِمَرَضٍ من الأمراضِ يُصابُ به الناسُ، فإنه لا يَمْنَعُ ذلك من اتِّبَاعِه، وأعداءُ الرُّسُلِ لم يَقْذِفُوهُمْ بأمراضِ الأبدانِ وإنما قَذَفُوهم بما يُحَذِّرُون به سُفَهاءَهم من أَتْبَاعِهم، وهو أنهم قد سُحِرُوا حتى صاروا لا يَعلمون ما يَقولون بِمَنْزِلَةِ المَجانينِ، ولهذا قالَ تعالى: {انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً (9)}[الفرقان:9] مَثَّلُوكَ بالشَّاعِرِ مَرَّةً والساحِرِ أخرى والمجنونِ مَرَّةً والمسحورِ أخرى، فضَلُّوا في جَميعِ ذلك ضَلالَ مَن يَطْلُبُ في تِيهِهِ وتَحَيُّرِه طَرِيقًا يَسْلُكُه فلا يَقْدِرُ عليه، فإنَّ أيَّ طريقٍ أَخَذَها فهي طريقُ ضَلالٍ وحَيْرَةٍ، فهو مُتَحَيِّرٌ في أَمْرِه لا يَهْتَدِي سَبيلاً ولا يَقْدِرُ على سُلوكِها، فهكذا حالُ أعداءِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معه حتى ضَرَبُوا له أَمْثَالاً بَرَّأَهُ اللهُ منها، وهو أَبْعَدُ خَلْقِ اللهِ منها، وقد عَلِمَ كلُّ عاقلٍ أنها كَذِبٌ وافتراءٌ وبُهتانٌ.
وأَمَّا قولُكم: إنَّ سِحْرَ الأنبياءِ يُنافِي حِمايةَ اللهِ لهم فإنه – سُبحانَه – كما يَحميهِم ويَصُونُهم ويَحفَظُهم ويَتَوَلاهم، فيَبْتَليهم بما شاءَ من أَذَى الكُفَّارِ لهم ليَسْتَوْجِبوا كَمالَ كَرامتِه، ولِيَتَسَلَّى بهم مَن بعدَهم من أُمَمِهم وخُلفائِهم إذا أُوذُوا من الناسِ، فرَأَوْا ما جَرَى على الرُّسُلِ والأنبياءِ صَبَروا ورَضُوا وتَأَسَّوْا بهم، ولِتَمْتَلِئَ صاعُ الكفَّارِ فيَسْتَوْجبون ما أُعِدَّ لهم من النَّكَالِ العاجِلِ والعُقوبةِ الآجِلَةِ، فيَمْحَقُهم بسببِ بَغْيِهم وعَدَاوَتِهم، فيُعَجِّلُ تَطهيرَ الأرْضِ منهم، فهذا من بعضِ حِكْمَتِه تعالى في ابتلاءِ أنبيائِه ورُسُلِه بإيذاءِ قومِهم، وله الحِكْمَةُ البالغةُ والنعمَةُ السابِغَةُ، لا إلهَ غيرُه ولا ربَّ سواهُ). [بدائع الفوائد: 2/223-226]
قالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ البَيْضَاوِيُّ (ت: 691هـ): (وتخصيصُه لِمَا رُوِيَ أنَّ يَهُودِيَّا سَحَر النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في إحدى عشْرةَ عُقْدَةً في وَتَرٍ دَسَّهُ في بِئْرٍ, فَمَرِضِ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونَزَلَت المُعَوِّذَتَانِ، وأَخْبَرَه جِبريلُ عليه الصلاةُ والسلامُ بِمَوْضِعِ السِّحْرِ، فأرْسَلَ عَلِيًّا رَضِيَ اللهُ تعالى عنه فجاءَ به، فَقَرَأَهُما عليه، فكانَ كُلَّمَا قرأَ آيةً انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، ووَجَدَ بعضَ الخِفَّةِ، ولا يُوجِبُ ذلك صِدْقَ الكَفَرَةِ في أنه مَسحورٌ؛ لأنهم أَرَادُوا به أنه مَجنونٌ بوَاسِطَةِ السِّحْرِ). [أنوار التنزيل: 2/1180]
قَالَ بُرْهَانُ الدِّينِ إِبْرَاهِيمُ بنُ عُمَرَ البِقَاعِيُّ (ت: 885هـ): (وَلا يُوجِبُ ذلكَ صِدْقَ الكفرةِ في وَصْفِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأنَّهُ مَسْحُورٌ، فَإِنَّهُمْ ما أَرَادُوا إِلاَّ الجنونَ أَوْ ما يُشْبِهُهُ مِنْ فَسَادِ العقلِ وَاختلالِهِ وَالمبالغةِ في أنَّ كلَّ ما يَقُولُهُ لا حَقِيقَةَ لهُ كما أَنَّ مَا يَنْشَأُ عَنِ المسحورِ يَكُونُ مُخْتَلِطاً لا تُعْرَفُ حَقِيقَتُهُ). [نظم الدرر: 8/606]
قالَ أَبو الثَّناءِ مَحْمُودُ بنُ عبدِ اللهِ الآلُوسِيُّ (ت: 1270هـ): (وقالَ الإمامُ المازِرِيُّ: قد أَنْكَرَ ذلك الحديثَ المُبْتَدِعَةُ مِن حيث إنه يَحُطُّ مَنْصِبَ النبوَّةِ ويُشَكِّكُ فيها، وإنَّ تَجْوِيزَه يَمْنَعُ الثقةَ بالشرْعِ، وأُجيبَ بأنَّ الحديثَ صحيحٌ وهو غيرُ مُراغِمٍ للنصِّ، ولا يَلْزَمُ عليه حَطُّ مَنصِبِ النُّبُوَّةِ والتشكيكُ فيها؛ لأنَّ الكُفَّارَ أَرَادُوا بقولِهم: مَسحورٌ أنه مَجنونٌ، وحاشاهُ، ولو سُلِّمَ إرادةُ ظاهِرِه فهو كان قبلَ هذه القِصَّةِ، أو مُرادُهم أنَّ السحرَ أَثَّرَ فيه وأنَّ ما يأتيهِ مِن الوحيِ مِن تَخَيُّلاتِ السحْرِ، وهو كَذِبٌ أَيضًا؛ لأنَّ اللهَ عَصَمَه فيما يَتَعَلَّقُ بالرسالةِ، وأمَّا ما يَتعلَّقُ ببعضِ أمورِ الدنيا التي لم يُبعَثْ عليه الصلاةُ والسلامُ بسَبَبِها وهي مما يَعْرِضُ للبشرِ فغيرُ بعيدٍ أنْ يُخَيَّلَ إليه مِن ذلك ما لا حقيقةَ له، وقد قيلَ: إنه إنما هو كانَ خُيِّلَ أنه وَطِئَ زَوجاتِه وليس بوَاطِئٍ، وقد يَتَخَيَّلُ الإنسانُ مِثلَ هذا في المَنامِ فلا يَبْعُدُ تَخَيُّلُه في اليَقظةِ. وقيلَ: إنه يُخَيَّلُ أنه فَعَلَه وما فَعَلَه، ولكن لا يَعتقدُ صِحَّةَ ما تَخَيَّلَه، فتكونُ اعتقاداتُه عليه الصلاةُ والسلامُ على السدادِ. وقالَ القاضي عِياضٌ: قد جاءتْ رِواياتُ حديثِ عائشةَ مُبَيِّنَةً أنَّ السحرَ إنما تَسَلَّطَ على جَسَدِه الشريفِ صَلَّى اللهُ تعالى عليه وسَلَّمَ وظواهِرِ جَوارِحِه، لا على عَقْلِه عليه الصلاةُ والسلامُ وقَلْبِه واعتقادِه، ويكونُ معنى ما في بعضِ الرواياتِ: حتى يَظُنَّ أنه يأتي أهلَه ولا يأتيهنَّ، وفي بعضٍ: أنه يُخَيَّلُ إليه أنه إلخ، أنه يَظْهَرُ له مِن نَشاطِه ومُتَقَدِّمِ عادتِه القُدرةُ عليهنَّ فإذا دنا منهنَّ أَخَذَتْه أُخذةُ السحْرِ فلم يَأْتِهِنَّ ولم يَتَمَكَّنْ مِن ذلك كما يُعترَى المسحورُ، وكلُّ ما جاءَ في الرواياتِ مِن أنه عليه الصلاةُ والسلامُ يُخَيَّلُ إليه فعْلُ شيءٍ ولم يَفعلْه ونحوِه فمَحمولٌ على التخَيُّلِ بالبصرِ، لا لِخَلَلٍ تَطَرَّقَ إلى العقلِ، وليس في ذلك ما يُدْخِلُ لَبْسًا على الرسالةِ ولا طَعْنًا لأهلِ الضلالةِ. انتهى). [روح المعاني: 29/283]
قالَ مُحَمَّد صِدِّيق حَسَن خَان القِنَّوْجِيُّ (ت: 1307هـ): (قالَ الراغبُ: تَأْثِيرُ السحرِ في النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكنْ مِنْ حيثُ إِنَّهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّمَا كانَ في بَدَنِهِ، حيثُ إِنَّهُ إِنْسَانٌ أَوْ بَشَرٌ كما كانَ يَأْكُلُ وَيَتَغَوَّطُ وَيَغْضَبُ وَيَشْتَهِي وَيَمْرَضُ، فَتَأْثِيرُهُ فيهِ مِنْ حيثُ هوَ بشرٌ لا مِنْ حيثُ هوَ نَبِيٌّ.
وإِنَّمَا يَكُونُ ذلكَ قَادِحاً في النُّبُوَّةِ لَوْ وُجِدَ للسحرِ تَأْثِيرٌ في أمرٍ يَرْجِعُ للنُّبُوَّةِ، كما أَنَّ جُرْحَهُ وَكَسْرَ ثَنِيَّتِهِ يَوْمَ أُحُدٍ لَمْ يَقْدَحْ فيما ضَمِنَ اللَّهُ لهُ مِنْ عصمتِهِ في قولِهِ: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المَائِدَةُ 67]. وَكَمَا لا اعْتِدَادَ بِمَا يَقَعُ في الإِسلامِ مِنْ غَلَبَةِ بعضِ المشركينَ على بعضِ النواحي فِيمَا ذُكِرَ مِنَ كَمَالِ الإِسلامِ في قولِهِ تَعَالَى: {اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}[المائدة: 3].
قالَ القاضي: وَلا يُوجِبُ ذلكَ صِدْقَ الكَفَرَةِ في أَنَّهُ مَسْحُورٌ؛ لأنَّهُم أَرَادُوا بهِ أَنَّهُ مَجْنُونٌ بواسطةِ السُّحراءِ.
ومَذْهَبُ أهلِ السُّنَّةِ أنَّ السحرَ حَقٌّ وَلهُ حقيقةٌ، وَيكونُ بالقولِ وَالفعلِ، وَيُؤْلِمُ وَيُمْرِضُ وَيَقْتُلُ وَيُفَرِّقُ بينَ الزوجَيْنِ، وَتَمَامُ الكلامِ على هذا في حاشيةِ سليمان الجَمَل فَارْجِعْ إِليهِ). [فتح البيان: 15/455]
قالَ مُحَمَّد عَبْدُه المِصْرِيُّ (ت: 1323 هـ):(وقد رَوَوْا ههنا أَحادِيثَ في أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ سَحَرَهُ لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ، وأَثَّرَ سِحْرُهُ فيه حتى كانَ يُخَيَّلُ له أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وهو لا يَفْعَلُهُ، أو يَأْتِي شَيْئًا وهو لا يَأْتِيهِ، وأنَّ اللهَ أَنْبَأَهُ بذلك، وأُخْرِجَتْ مَوادُّ السِّحْرِ من بِئْرٍ، وعُوفِيَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِمَّا كانَ نَزَلَ به من ذلكَ، ونَزَلَتْ هذه السُّورَةُ، ولا يَخْفَى أنَّ تَأْثِيرَ السِّحْرِ في نَفْسِهِ عليه السَّلامُ حتى يَصِلَ به الأَمْرُ إلى أنْ يَظُنَّ أَنَّهُ يَفْعَلُ شَيْئًا وهو لا يَفْعَلُهُ، لَيْسَ من قَبِيلِ تَأْثِيرِ الأَمْراضِ في الأَبْدانِ، ولا من قَبِيلِ عُروضِ السَّهْوِ والنِّسْيانِ في بَعْضِ الأُمُورِ العادِيَّةِ، بل هو ماسٌّ بالعَقْلِ آخِذٌ بالرُّوحِ، وهو مِمَّا يُصَدِّقُ قَوْلَ المُشْرِكينَ فيه: {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا رَجُلاً مَسْحُورًا (47)} [الإسراء: 47] ولَيْسَ المَسْحورُ عندَهم إلا مَن خُولِطَ في عَقْلِهِ، وخُيِّلَ له أنَّ شَيْئًا يَقَعُ وهو لا يَقَعُ، فيُخَيَّلُ إليه أَنَّهُ يُوحَى إليه ولا يُوحَى إليه، وقد قالَ كَثِيرٌ مِنَ المُقَلِّدِينَ الَّذينَ لا يَعْقِلونَ ما هي النُّبُوَّةُ ولا ما يَجِبُ لها: إِنَّ الخَبَرَ بتَأْثِيرِ السِّحْرِ في النَّفْسِ الشَّرِيفَةِ قد صَحَّ، فيَلْزَمُ الاعْتِقادُ به... (ضبب على هذا الموضع في المطبوع) بصِحَّةِ السِّحْرِ
فانْظُرْ كيف يَنْقَلِبُ الدِّينُ الصَّحِيحُ والحَقُّ الصَّرِيحُ في نَظَرِ المُقَلِّدِ بِدْعَةً، نَعوذُ باللهِ، يَحْتَجُّ بالقُرْآنِ على ثُبُوتِ السِّحْرِ، ويُعْرِضُ عَنِ القُرْآنِ في نَفْيِهِ السِّحْرَ عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وعَدَّهُ مِنِ افْتِراءِ المُشْرِكينِ عليه، ويُئَوِّلُ في هذه ولا يُئَوِّلُ في تلك، معَ أنَّ الَّذي قَصَدَهُ المُشْرِكونَ ظاهِرٌ، لأَنَّهُم كانوا يَقولونَ: إنَّ الشَّيْطانَ يُلابِسُهُ عليه السَّلامُ، ومُلابَسَةُ الشَّيْطانِ تُعْرَفُ بالسِّحْرِ عندَهم وضَرْبٌ من ضُروبِهِ، وهو بعَيْنِهِ أَثَرُ السِّحْرِ الَّذي نُسِبَ إلى لَبِيدٍ، فإِنَّهُ قد خالَطَ عَقْلَهُ وإدْراكَهُ في زَعْمِهم.
والَّذي يَجِبُ اعْتِقادُهُ أنَّ القُرْآنَ مَقْطوعٌ به، وأَنَّهُ كِتابُ اللهِ بالتَّواتُرِ عَنِ المَعْصومِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، فهو الَّذي يَجِبُ الاعْتِقادُ بما يُثْبِتُهُ، وعَدَمُ الاعْتِقادِ بما يَنْفِيهِ، وقد جاءَ بنَفْيِ السِّحْرِ عنه عليه السَّلامُ؛ حيثُ نَسَبَ القَوْلَ بإثْباتِ حُصُولِ السِّحْرِ له إلى المُشْرِكينَ أَعْدائِهِ، ووَبَّخَهم على زَعْمِهم هذا، فإذَنْ هو لَيْسَ بمَسْحورٍ قَطْعًا، وأمَّا الحَدِيثُ فعلى فَرْضِ صِحَّتِهِ هو آحادٌ، والآحادُ لا يُؤْخَذُ بها في بابِ العَقَائِدِ، وعِصْمَةُ النَّبِيِّ من تَأْثِيرِ السِّحْرِ في عَقْلِهِ عَقِيدَةٌ مِنَ العَقائِدِ لا يُؤْخَذُ في نَفيِها عنه إلا باليَقِينِ، ولا يَجوزُ أنْ يُؤْخَذَ فيها بالظَّنِّ، والمَظْنُونُ على أنَّ الحَدِيثَ الَّذي يَصِلُ إلينا من طَرِيقِ الآحادِ إِنَّمَا يَحْصُلُ الظَّنُّ عندَ مَن صَحَّ عندَه، أمَّا مَن قامَتْ له الأَدِلَّةُ على أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ، فلا تَقومُ به عليه حُجَّةٌ، وعلى أيِّ حالٍ فلنا بل علينا أنْ نُفَوِّضَ الأَمْرَ في الحَدِيثِ ولا نُحَكِّمَهُ في عَقِيدَتِنا، ونَأْخُذَ بنَصِّ الكِتابِ، وبدَلِيلِ العَقْلِ، فإِنَّهُ إذا خُولِطَ النَّبِيُّ في عَقْلِهِ كما زَعَمُوا، جازَ عليه أنْ يُظَنَّ أَنَّهُ بَلَّغَ شَيْئًا وهو لم يُبَلِّغْهُ، أو أَنَّ شَيْئًا نَزَلَ عليه وهو لم يَنْزِلْ عليه، والأَمْرُ ظاهِرٌ لا يَحْتاجُ إلى بَيانٍ، ثُمَّ إنَّ نَفْيَ السِّحْرِ عنه لا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ السِّحْرِ مُطْلَقًا، فرُبَّما جازَ أنْ يُصِيبَ السِّحْرُ غَيْرَهُ بالجُنونِ نَفْسِهِ، ولكِنْ مِنَ المُحالِ أنْ يُصِيبَهُ؛ لأنَّ اللهَ عَصَمَهُ منه، ما أَضَرَّ المُحِبَّ الجاهِلَ، وما أَشَدَّ خَطَرَهُ على من يَظُنُّ أَنَّهُ يُحِبُّهُ! نَعوذُ باللهِ مِن الخِذْلانِ، على أنَّ نافِيَ السِّحْرِ بالمَرَّةِ لا يَجوزُ أنْ يُعَدَّ مُبْتَدِعًا؛ لأنَّ اللهَ تعالى ذَكَرَ ما يَعْتَقِدُ به المُؤْمِنونَ في قَوْلِهِ: {آمَنَ الرَّسُولُ...}[البقرة: 285] الآيَةَ، وفي غَيْرِها مِنَ الآياتِ، ووَرَدَتِ الأَوامِرُ بما يَجِبُ على المُسْلِمِ أنْ يُؤْمِنَ به، حتى يَكونَ مُسْلِمًا، ولم يَأْتِ في شَيْءٍ من ذلكَ ذِكْرُ السِّحْرِ على أَنَّهُ مِمَّا يَجِبُ الإيمانُ بثُبُوتِهِ أو وُقُوعِهِ على الوَجْهِ الَّذي يَعْتَقِدُ به الوَثَنِيُّونَ في كُلِّ مِلَّةٍ، بل الَّذي وَرَدَ في الصَّحِيحِ هو أنَّ تَعَلُّمَ السِّحْرِ كُفْرٌ، فقد طُلِبَ منَّا أنْ لا نَنْظُرَ بالمَرَّةِ فيما يُعْرَفُ عندَ النَّاسِ بالسِّحْرِ ويُسَمَّى باسْمِهِ، وجاءَ ذِكْرُ السِّحْرِ في القُرْآنِ في مَواضِعَ مُخْتَلِفَةٍ، ولَيْسَ مِنَ الواجِبِ أنْ نَفْهَمَ منه ما يَفْهَمُ هؤلاءِ العُمْيانُ، فإنَّ السِّحْرَ في اللُّغَةِ مَعْناهُ صَرْفُ الشَّيْءِ عن حَقِيقَتِهِ، قالَ الفَرَّاءُ في قَوْلِهِ تعالى: {فأنَّى تُسْحَرونَ (89)} [المؤمنون: 89] أي: أنَّى تُؤْفَكونَ وتُصْرَفونَ، سِحْرُهُ وإفْكُهُ بمَعْنًى واحِدٍ، وماذا علينا لو فَهِمْنا مِنَ السِّحْرِ الَّذي يُفَرِّقُ بَيْنَ المَرْءِ وزَوْجِهِ تلك الطُّرُقَ الخَبِيثَةَ الدَّقِيقَةَ الَّتي تَصْرِفُ الزَّوْجَ عن زَوْجَتِهِ، والزَّوْجَةَ عَن زَوْجِها، وهل يَبْعُدُ أنْ يَكونَ مِثْلُ هذه الطُّرُقِ مِمَّا يُتَعَلَّمُ وتُطْلَبُ له الأَساتِذَةُ، ونحن نَرَى أنَّ كُتُبًا أُلِّفَتْ ودُروسًا تُلْقَى لتَعْلِيمِ أَسالِيبِ التَّفْرِيقِ بَيْنَ النَّاسِ لمن يُرِيدُ أنْ يَكونَ من عُمَّالِ السِّياسَةِ في بَعْضِ الحُكُوماتِ، وقد يَكونُ ذِكْرُ المَرْءِ وزَوْجِهِ من قَبِيلِ التَّمْثِيلِ وإظْهارِ الأَمْرِ في أقَبْحِ صُورَةٍ، أي: بَلَغَ من أَمْرِ ما يَتَعَلَّمُونَهُ من ضُروبِ الحِيَلِ وطُرُقِ الإفْسادِ أنْ يَتَمَكَّنوا به مِنَ التَّفْرِيقِ بَيْنَ المَرْءِ وزَوْجِهِ، وسِياقُ الآيَةِ لا يَأْبَاهُ، وذِكْرُ الشَّياطِينِ لا يَمْنَعُنا من ذلكَ بعدَ أنْ سَمَّى اللهُ خُبَثاءَ الإنْسِ المُنافِقِينَ بالشَّياطِينِ، قالَ: {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ}[البقرة: 14]، وقالَ: {شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ} [الأنعام: 112]، وسِحْرُ سَحَرَةِ فِرْعَوْنَ كانَ ضَرْبًا مِنَ الحِيلَةِ، ولذلكَ قالَ: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه: 66]، وما قالَ: إِنَّها تَسْعَى بسِحْرِهم.
قالَ يُونُسُ: تَقولُ العَرَبُ: ما سَحَرَكَ عن وَجْهِ كذا، أي: ما صَرَفَكَ عنه، ولو كانَ هؤلاءِ يَقْدِرونَ الكِتابَ قَدْرَهُ ويَعْرِفونَ مِنَ اللُّغَةِ ما يَكْفِي لعاقِلٍ أنْ يَتَكَلَّمَ، ما هَذَروا هذا الهَذْرَ، ولا وَصَموا الإسْلامَ بهذه الوَصْمَةِ، وكيف يَصِحُّ أنْ تَكونَ هذه السُّورَةُ نَزَلَتْ في سِحْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ معَ أَنَّها مَكِّيَّةٌ في قَوْلِ عَطاءٍ والحَسَنِ وجابِرٍ، وفي رِوايَةِ ابْنِ كُرَيْبٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وما يَزْعُمونَهُ مِنَ السِّحْرِ إِنَّمَا وَقَعَ في المَدِينَةِ، لكِنْ مَن تَعَوَّدَ القَوْلَ بالمُحالِ لا يُمْكِنُ الكَلامُ معَه بحالٍ، نَعوذُ باللهِ مِنَ الخَبالِ). [تفسير جزء عم: 185-187]
- قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (أسرفَ في ردِّ الأحاديثِ الصحيحةِ، وأساء فهمَها، وأساء القولَ في كلامِ أهلِ العلمِ، وما تقدم من الأحاديثِ والآثارِ وكلامِ أهلِ العلمِ كافٍ في الردِّ عليه، وفي كلامِه مغالطاتٌ يطولُ المقامُ ببحثِها، ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ).
قالَ مُحَمَّد جَمَال الدِّينِ القَاسِمِيُّ (ت: 1332هـ):(تنبيهٌ: قالَ الشِّهابُ: نقلَ في (التَّأْوِيلاتِ) عنْ أبي بكرٍ الأصمِّ أنَّهُ قالَ: إنَّ حديثَ سِحْرِهِ صلواتُ اللَّهِ عليهِ المَرْوِيَّ هنا، مَتروكٌ لما يَلْزَمُهُ مِنْ صِدْقِ قولِ الكفَرةِ أنَّهُ مَسحورٌ، وهوَ مخالِفٌ لنَصِّ القرآنِ حيثُ أَكْذَبَهم اللَّهُ فيهِ.
ونَقَلَ الرازيُّ عن القاضي أنَّهُ قالَ: هذهِ الروايَةُ باطلةٌ، وكيفَ يُمْكِنُ القولُ بصِحَّتِها، واللَّهُ تعالى يقولُ: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المَائِدَةُ 67]، وقالَ: {وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69)} [طه: 69]، ولأنَّ تَجويزَهُ يُفْضِي إلى القَدْحِ في النُّبُوَّةِ، ولأنَّهُ لوْ صَحَّ ذلك لكانَ مِن الواجبِ أنْ يَصِلُوا إلى ضَرَرِ جميعِ الأنبياءِ والصالحينَ، ولَقَدَرُوا على تَحصيلِ المُلْكِ العظيمِ لأنفُسِهم، وكُلُّ ذلكَ باطلٌ، ولكانَ الكُفَّارُ يُعَيِّرُونَهُ بأنَّهُ مَسحورٌ، فَلَوْ وَقَعَتْ هذهِ الواقعةُ لكانَ الكُفَّارُ صادقينَ في تلكَ الدعوةِ، ولَحَصَلَ فيهِ عليهِ السلامُ ذلكَ العَيْبُ، ومعلومٌ أنَّ ذلكَ غيرُ جائزٍ. انْتَهَى.
ولا غَرابةَ في أنْ لا يَقْبَلَ هذا الخبرَ لِمَا بَرْهَنَ عليهِ، وإنْ كانَ مُخَرَّجاً في الصِّحاحِ؛ وذلكَ لأنَّهُ ليسَ كُلُّ مُخَرَّجٍ فيها سالِماً مِن النَّقْدِ، سَنَداً أوْ معنًى، كما يَعرِفُهُ الرَّاسِخُونَ، على أنَّ المُنَاقَشَةَ في خبرِ الآحادِ مَعروفةٌ مِنْ عهْدِ الصحابةِ.
قالَ الإمامُ الغزالِيُّ في (المُسْتَصْفَى): ما مِنْ أَحَدٍ مِن الصحابةِ إلاَّ وقدْ رَدَّ خبرَ الواحدِ كرَدِّ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ خبرَ أبي سِنَانٍ الأشجعيِّ في قِصَّةِ (بَرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ) وقدْ ظَهَرَ منهُ أنَّهُ كانَ يَحْلِفُ على الحديثِ، وكَرَدِّ عائشةَ خبرَ ابنِ عمرَ في تَعذيبِ المَيِّتِ ببُكَاءِ أهْلِهِ عليهِ، وظَهَرَ مِنْ عُمَرَ نَهيُهُ لأبي مُوسَى وأبي هُريرةَ عن الحديثِ عن الرسولِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، وأَمْثَالُ ذلكَ ممَّا ذُكِرَ.
أَوْرَدَ ذلكَ الغزاليُّ في مَباحثِ (خَبَرُ الآحادِ في شُبَهِ المُخَالِفينَ فيهِ)، وذَكَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ في (مَباحثِ الإِجْمَاعِ) إجماعَ الصحابةِ على تَجويزِ الخِلافِ للآحادِ؛ لأَدِلَّةٍ ظاهرةٍ قامَتْ عندَهم.
وقالَ الإمامُ ابنُ تَيْمِيَّةَ في (المُسَوَّدَةِ): الصَّوَابُ أنَّ مَنْ رَدَّ الخبرَ الصحيحَ كما كانتِ الصحابةُ تَرُدُّهُ؛ لاعتقادِ غَلَطِ الناقلِ أوْ كَذِبِهِ، لاعتقادِ الرَّادِّ أنَّ الدَّلِيلَ قدْ دَلَّ على أنَّ الرسولَ لا يقولُ هذا، فإنَّ هذا لا يُكَفَّرُ ولا يُفَسَّقُ، وإنْ لم يَكُنِ اعتقادُهُ مُطَابِقاً، فقدْ رَدَّ غيرُ واحدٍ مِن الصحابةِ غيرَ واحدٍ مِن الأخبارِ التي هيَ صحيحةٌ عندَ أهلِ الحديثِ، انْتَهَى.
وقالَ العلاَّمَةُ الفَنَارِيُّ في فُصولِ البدائعِ: (ولا يُضَلَّلُ جاحِدُ الآحادِ).
والمسألةُ معروفةٌ في الأُصُولِ، وإنَّما تَوَسَّعْتُ في نُقُولِها؛ لأَنِّي رَأَيْتُ مِنْ مُتَعَصِّبَةِ أهلِ الرأيِ مَنْ أَكْبَرَ رَدَّ خَبَرٍ رَوَاهُ مثلُ البخاريِّ، وضَلَّلَ مُنْكِرَهُ، فعَلِمْتُ أنَّ هذا مِن الجَهْلِ بفَنِّ الأُصُولِ، لا بلْ بِأُصُولِ مَذْهَبِهِ، كما رَأَيْتَ عن الفَنَارِيِّ.
ثمَّ قُلْتُ: العهدُ بأهلِ الرَّأْيِ أنْ لا يُقِيمُوا للبُخَارِيِّ وَزْناً، وقدْ رَدُّوا المِئِينَ مِنْ مَرْوِيَّاتِهِ بالتأويلِ والنسْخِ، فمَتَى صادَقُوهُ حتَّى يُضَلِّلُوا مَنْ رَدَّ خَبَراً فيهِ؟ وقدْ بَرْهَنَ على مُدَّعَاهُ، وقامَ يُدَافِعُ عنْ رسولِ اللَّهِ ومُصْطَفَاهُ.
وبعدُ، فالبحثُ في هذا الحديثِ شَهيرٌ قديماً وحديثاً، وقدْ أَوْسَعَ المَقالَ فيهِ شُرَّاحُ الصحيحِ، وابنُ قُتيبةَ في شَرْحِ تَأْوِيلِ مُختَلِفِ الحديثِ، والرازيُّ. والحقُّ لا يَخْفَى على طالِبِهِ، واللَّهُ أَعْلَمُ). [محاسن التأويل: 9/ 578]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُصْطَفَى المَرَاغِيُّ (ت: 1371هـ): (قَالَ الأسْتَاذُ الإمَامُ ما خُلاصَتُهُ: قَدْ رَوَوْا هَاهُنَا أحَادِيثَ فِي أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيه وسَلَّمَ سَحَرَهُ لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ, وَأَثَّرَ سِحْرُهُ فِيهِ حَتَّى كَانَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أنه يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَهُوَ لا يَفْعَلُهُ, أو يَأْتِي شَيْئًا وَهُوَ لا يَأْتِيهِ, وأنَّ اللهَ أَنْبَأَهُ بِذَلِكَ, وَأُخْرِجَتْ مَوَادُّ السِّحْرِ مِن بِئْرٍ, وَعُوفِيَ صَلَّى اللهُ عَلَيه وسَلَّمَ مِمَّا كَانَ نَزَلَ بِهِ مِن ذَلِكَ ونَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ.
ولا يَخْفَى أنَّ تَأْثِيرَ السِّحْرِ فِي نَفْسِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ مَاسٌّ بِالعَقْلِ آخِذٌ بالرُّوحِ, فَهُوَ مِمَّا يُصَدِّقُ قَوْلُ المُشْرِكِينَ فِيهِ: {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُورًا (47)} [الإسراء: 47].
والذَّيِ يَجِبُ عَلَيْنَا اعْتِقَادُهُ أنَّ القُرْآنَ المُتَوَاتِرَ جَاء بِنَفْيِ السِّحْرِ عنه عَلَيه الصَّلاةُ والسَّلامُ, حَيْثُ نَسَبَ القَوْلَ بإثْبَاتِ حُصُولِهِ له إِلَى المُشْرِكِينَ وَوَبَّخَهُمْ عَلَى ذلك.
والحَدِيثُ -عَلَى فَرْضِ صِحَّتِهِ- مِن أحَادِيثِ الآحَادِ الَّتِي لا يُؤْخَذُ بها فِي العَقَائِدِ, وَعِصْمَةُ الأنْبِيَاءِ عَقِيدَةٌ لا يُؤْخَذُ فِيهَا إلا باليَقِينِ, وَنَفْيُ السِّحْرِ عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْه وسَلَّمَ, لا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ السِّحْرِ مُطْلَقًا, فَرُبَّمَا جَازَ أنْ يُصِيبَ السِّحْرُ غَيْرَهُ بِالجُنُونِ, وَلَكِنْ مِنَ المُحَالِ أنْ يُصِيبَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيه وسَلَّمَ, لأنَّ اللهَ عَصَمَهُ مِنْه.
إلا أنَّ هَذِهِ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ فِي قَوْلِ عَطَاءٍ وَالحَسَنِ وَجَابِرٍ, وَمَا يَزْعُمُونَهُ مِنَ السِّحْرِ إنما وَقَعَ بِالمَدِينَةِ, فهَذَا مِمَّا يُضَعِّفُ الاحْتِجَاجَ بِالحَدِيثِ, وَيُضَعِّفُ التَّسْلِيمَ بِصِحَّتِهِ.
وَعَلَى الجُمْلَةِ فَعَلَيْنَا أنْ نَأْخُذَ بِنَصِّ الكِتَابِ, وَنُفَوِّضَ الأمْرَ فِي الحَدِيثِ ولا نُحَكِّمَهُ فِي عَقِيدَتِنَا. اهـ). [تفسير المراغي: 30/268]
- قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (وهذا تفويضٌ مذمومٌ، وتعامٍ مقيتٌ عن قبولِالخبرِ الصحيحِ، وقد أصاب في قوله بعصمةِ النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم من الجنونِ بسببِ السحرِ أو غيرِه، وهذا أمرٌ لا خلافَ فيه بينَ أهلِ العلمِ، وليس في تلك الحادثةِ ما يقدَحُ في عصمةِ النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم).

(1) يريد حديث عائشة رضي الله عنها في حادثة سحْرِ النبي صلى الله عليه وسلم.

(2) يريد بغير سبب إنكار السحر أصلاً.


رد مع اقتباس
  #20  
قديم 6 جمادى الأولى 1435هـ/7-03-2014م, 10:54 PM
أروى المطيري أروى المطيري غير متواجد حالياً
فريق تنسيق النصوص
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 405
افتراضي


من الذي سحَر النبيَّ صلى اللهُ عليه وسلم؟



قالَ مُحْيِي الدِّين يَحْيَى بنُ شَرَفٍ النَّوَوِيُّ (ت:676هـ): (قَوْلُه: (سَحَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهُودِيٌّ، حَتَّى كَانَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَمَا يَفْعَلُهُ) قَوْلُه: (مِنْ يَهُود بَنِي زُرَيْق) بِتَقْدِيمِ الزَّايِ). [شرح صحيح مسلم: 14/396]
قال أحمدُ بنُ عليٍّ ابنُ حَجَرٍ العسْقَلانِيُّ (ت:852هـ): (قَوْلُه: (سَحَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ) بِزَايٍ قَبْل الرَّاءِ مُصَغَّرٌ. قَوْلُه: (يُقَالُ لَهُ: لَبِيدٌ) بِفَتْحِ اللامِ وَكَسْرِ المُوَحَّدَةِ، بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ مُهْمَلَةٌ، (ابْنُ الأعْصَمِ) بِوَزْنِ أَحْمَرَ بِمُهْمَلَتَيْنِ.
وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ " سَحَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهُودِيٌّ مِنْ يَهُود بَنِي زُرَيْقٍ " وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ الآتِيَةِ قَرِيبًا " رَجُلٌ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ حَلِيفُ اليَهُودِ، وَكَانَ مُنَافِقًا ".
وَيُجْمَعُ بَيْنَهمَا بِأَنَّ مَنْ أَطْلَقَ أَنَّهُ يَهُودِيٌّ نَظَرَ إِلَى مَا فِي نَفْسِ الأمْرِ، وَمَنْ أَطْلَقَ عَلَيْهِ مُنَافِقًا نَظَرَ إِلَى ظَاهِرِ أَمْرِه. وَقَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ أَسْلَمَ نِفَاقًا، وَهُوَ وَاضِحٌ، وَقَدْ حَكَى عِيَاضٌ فِي " الشِّفَاءِ " أَنَّهُ كَانَ أَسْلَمَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قِيلَ لَهُ: يَهُودِيٌّ لِكَوْنِهِ كَانَ مِنْ حُلَفَائِهِمْ، لا أَنَّهُ كَانَ عَلَى دِينِهمْ.
وَبَنُو زُرَيْقٍ بَطْنٌ مِنَ الأنْصَارِ مَشْهُورٌ مِنَ الخَزْرَجِ، وَكَانَ بَيْنَ كَثِيرٍ مِنَ الأنْصَارِ وَبَيْنَ كَثِيرٍ مِنَ اليَهُودِ قَبْل َالإِسْلامِ حِلْفٌ وَإِخَاءٌ وَوُدٌّ، فَلَمَّا جَاءَ الإِسْلامُ وَدَخَلَ الأَنْصَارُ فِيهِ تَبْرَّءُوا مِنْهُمْ).
[فتح الباري:10/]


رد مع اقتباس
  #21  
قديم 6 جمادى الأولى 1435هـ/7-03-2014م, 10:55 PM
أروى المطيري أروى المطيري غير متواجد حالياً
فريق تنسيق النصوص
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 405
افتراضي

متى سُحِرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم؟


قال أحمدُ بنُ عليٍّ ابنُ حَجَرٍ العَسْقَلانِيُّ (ت:852هـ): (وَقَدْ بَيَّنَ الوَاقِدِيُّ السَّنَةَ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا السِّحْرُ، أَخْرَجَهُ عَنْهُ ابْنُ سَعْدٍ بِسَنَدٍ لَهُ إِلَى عُمَرَ بْنِ الحَكَمِ مُرْسَلٍ، قَالَ: " لَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الحِجَّةِ وَدَخَلَ المُحَرَّمُ مِنْ سَنَةِ سَبْعٍ جَاءَتْ رُؤَسَاء ُاليَهُودِ إِلَى لَبِيدِ بْنِ الأعْصَمِ - وَكَانَ حَلِيفًا فِي بَنِي زُرَيْقٍ، وَكَانَ سَاحِرًا - فَقَالُوا لَهُ: يَا أَبَا الأعْصَمِ، أَنْتَ أَسْحَرُنَا، وَقَدْ سَحَرْنَا مُحَمَّدًا فَلَمْ نَصْنَعْ شَيْئًا، وَنَحْنُ نَجْعَلُ لَكَ جُعْلاً عَلَى أَنْ تَسْحَرَهُ لَنَا سِحْرًا يَنْكَؤُهُ. فَجَعَلُوا لَهُ ثَلاثَةَ دَنَانِيرَ"). [فتح الباري:10/237]


رد مع اقتباس
  #22  
قديم 6 جمادى الأولى 1435هـ/7-03-2014م, 10:56 PM
أروى المطيري أروى المطيري غير متواجد حالياً
فريق تنسيق النصوص
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 405
افتراضي

كم كانت مدّة سحْرِ النبي صلى الله عليه وسلم؟

قالَ الحُسَيْنُ بنُ مَسْعُودٍ البَغَوِيُّ (ت: 516هـ): (ورُوِيَ أنه لَبِثَ فيه سِتَّةَ أشْهُرٍ واشْتَدَّ عليه ثلاثَ لَيالٍ، فنَزَلَتِ المُعَوِّذتانِ). [معالم التنزيل: 724]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ السُّهَيْلِيُّ (ت: 581هـ): (وَهَذَا الحَدِيثُ مَشْهُورٌ عِنْدَ النَّاسِ، ثَابِتٌ عِنْدَ أَهْلِ الحَدِيثِ، غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَجِدْ فِي الكُتُبِ المَشْهُورَةِ كَمْ لَبِثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ السِّحْرِ، حَتَّى شُفِيَ مِنْهُ، ثُمَّ وَقَعْتُ عَلَى البَيَانِ فِي جَامِعِ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ.
رَوَى مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: سُحِرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَنَةً يُخَيَّلُ إلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الفِعْلَ وَهُوَ لا يَفْعَلُهُ). [الروض الأنف:2/372]
قالَ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الخَازِنُ (ت: 725هـ): (ورُوِيَ أنَّهُ لَبِثَ سِتَّةَ أشْهُرٍ، واشتَدَّ عليهِ ذلكَ ثلاثَ ليالٍ، فنَزَلَتِ المُعَوِّذَتَانِ). [لباب التأويل: 4/500]
قال أحمدُ بنُ عليٍّ ابنُ حَجَرٍ العَسْقَلانِيُّ (ت:852هـ): (وَوَقَعَ فِي رِوَايَة أَبِي ضَمْرَة عِنْد الإِسْمَاعِيلِيِّ " فَأَقَامَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً " وَفِي رِوَايَةِ وُهَيْبٍ عَنْ هِشَامٍ عِنْدَ أَحْمَدَ " سِتَّةَ أَشْهُرٍ " وَيُمْكِنُ الجَمْعُ بِأَنْ تَكُونَ السِّتَّةَ أَشْهُرٍ مِنِ ابْتِدَاءِ تَغَيُّرِ مِزَاجِه وَالأرْبَعِينَ يَوْمًا مِنِ اسْتِحْكَامِه.
وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ: لَمْ أَقِفْ فِي شَيْءٍ مِنَ الأحَادِيثِ المَشْهُورَةِ عَلَى قَدْر ِالمُدَّةِ الَّتِي مَكَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا فِي السِّحْرِ حَتَّى ظَفِرْتُ بِهِ فِي " جَامِعِ مَعْمَرٍ " عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ لَبِثَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، كَذَا قَالَ، وَقَدْ وَجَدْنَاهُ مَوْصُولاً بِإِسْنَادِ الصَّحِيحِ فَهُوَ المُعْتَمَدُ). [فتح الباري:10/237]
قالَ الخَطِيبُ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الشِّرْبِينِيُّ (ت: 977هـ): (ورُوِيَ أنَّهُ لَبِثَ فيهِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، واشتدَّ عليهِ ثَلاثَ ليالٍ فنَزَلتِ المُعوِّذَتانِ).[تفسير القرآن الكريم: 4/ 612]
قالَ مُحَمَّد صِدِّيق حَسَن خَان القِنَّوْجِيُّ (ت: 1307هـ): (قِيلَ: وَكانتْ مُدَّةُ سِحْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعِينَ يَوْماً، وَقِيلَ: سِتَّةَ أَشْهُرٍ. وَقِيلَ: عَامَاً. قَالَ الحافظُ ابنُ حَجَرٍ: وَهوَ المُعْتَمَدُ).
[فتح البيان: 15/455]


رد مع اقتباس
  #23  
قديم 6 جمادى الأولى 1435هـ/7-03-2014م, 10:57 PM
أروى المطيري أروى المطيري غير متواجد حالياً
فريق تنسيق النصوص
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 405
افتراضي

كيف كان تأثير السحر على النبي صلى الله عليه وسلم

قالَ عبدُ الرَّزَّاقِ بنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت:211هـ): (وحُبِسَ رسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ عنْ عَائشَةَ خَاصَّةً، حتَّى أنكَرَ بصَرَهُ).[مصنف عبد الرزاق:11/13]
قالَ عبدُ الرَّزَّاقِ بنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت:211هـ): (عَن معمرٍ، عَن عَطَاءٍ الخُراسَانِيِّ، عَن يحيَى بنِ يَعْمَرَ قَالَ: حُبِسَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عَن عائشةَ سنةً، فبَينا هُو نائِمٌ أَتَاه مَلَكَانِ؛ فَقَعَدَ أحدُهما عندَ رأسِهِ والآخَرُ عندَ رِجلَيهِ؛ فَقَالَ أحدُهُمَا لصَاحِبهِ: سُحِرَ مُحَمَّدٌ؟ فَقَالَ الآخَرُ: أَجَلْ، وَسِحْرُهُ في بئرِ أبي فُلان. فَلَمَّا أَصبحَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بذَلِكَ السِّحْرِ فَأُخرِجَ مِنَ تِلكَ البئرِ.
قالَ عبدُ الرَّزَّاق: قالَ مَعْمَرٌ في الرَّجلِ يجمع السِّحْرَ يغتَسِلُ بهِ إذَا قَرَأ عَلَيهِ القُرآنَ فَلا بَأْسَ بهِ). [مصنف عبد الرزاق:11/14] (م)
قالَ مَحْمُودُ بنُ حَمْزَةَ بنِ نَصْرٍ الكِرْمَانِيُّ (ت: 525هـ): (وفي كَيفِيَّةِ ذلك أقوالٌ:
أحَدُها: أنه إيهامُ الأَذَى وتَخَيُّلُ المَرَضِ، ولا تَأْثِيرَ له.
والثاني: أنه يُؤَثِّرُ كما تُؤَثِّرُ العينُ في المَعْيُونِ.
والثالثُ: أنه بِمَعُونَةِ الجِنِّ). [غرائب التفسير: 2/1412]
قال أحمدُ بنُ عليٍّ ابنُ حَجَرٍ العَسْقَلانِيُّ (ت:852هـ): (قَوْلُه: (حَتَّى كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَمَا فَعَلَهُ)
قَالَ المَازِرِيُّ: أَنْكَرَ المُبْتَدِعَةُ هَذَا الحَدِيثَ وَزَعَمُوا أَنَّهُ يَحُطُّ مَنْصِبَ النُّبُوَّةِ، وَيُشَكِّكُ فِيهَا، قَالُوا: وَكُلُّ مَا أَدَّى إِلَى ذَلِكَ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَزَعَمُوا أَنَّ تَجْوِيزَ هَذَا يَعْدَمُ الثِّقَةَ بِمَا شَرَعَهُ مِنَ الشَّرَائِع؛ إِذْ يُحْتَمَلُ عَلَى هَذَا أَنْ يُخَيَّلَ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَرَى جِبْرِيلَ وَلَيْسَ هُوَ ثَمَّ، وَأَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ بِشَيْءٍ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ. قَالَ المَازِرِيُّ: وَهَذَا كُلُّه مَرْدُودٌ؛لأنَّ الدَّلِيلَ قَدْ قَامَ عَلَى صِدْقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يُبَلِّغُهُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى عِصْمَتِه فِي التَّبْلِيغِ، وَالمُعْجِزَاتُ شَاهِدَاتٌ بِتَصْدِيقِهِ، فَتَجْوِيزُ مَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى خِلافِه بَاطِلٌ. وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِبَعْضِ الأمُورِ الدُّنْيَا الَّتِي لَمْ يُبْعَثْلأجْلِهَا وَلا كَانَتِ الرِّسَالَةُ مِنْ أَجْلِهَا فَهُوَ فِي ذَلِكَ عُرْضَةٌ لِمَا يَعْتَرِضُالبَشَرَ كَالأمْرَاضِ، فَغَيْرُ بَعِيدٍ أَنْ يُخَيَّلَ إِلَيْهِ فِي أَمْرٍ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا مَا لا حَقِيقَةَ لَهُ مَعَ عِصْمَتِه عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ فِي أُمُورِ الدِّينِ.
قَالَ: وَقَدْ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنَّ المُرَادَ بِالحَدِيثِ أَنَّهُ كَانَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ وَطِئَ زَوْجَاتِه وَلَمْ يَكُنْ وَطِأَهُنَّ، وَهَذَا كَثِيرًا مَا يَقَعُ تَخَيُّلُه لِلْإِنْسَانِ فِي المَنَامِ فَلا يَبْعُدُ أَنْ يُخَيَّلَ إِلَيْهِ فِي اليَقِظَةِ.
قُلْتُ: وَهَذَا قَدْ وَرَدَ صَرِيحًا فِي رِوَايَةِابْنِ عُيَيْنَةَ فِي البَابِ الَّذِي يَلِي هَذَا، وَلَفْظُه (حَتَّى كَانَ يَرَى أَنَّهُ يَأْتِي النِّسَاءَ وَلا يَأْتِيهِنَّ)، وَفِي رِوَايَةِالحُمَيْدِيِّ (أَنَّهُ يَأْتِي أَهْلَه وَلا يَأْتِيهِمْ)
قَالَ الدَّاوُدِيُّ: " يُرَى " بِضَمِّ أَوَّلِه، أَيْ يَظُنُّ، وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: ضُبِطَتْ " يَرَى " بِفَتْحِ أَوَّلهِ.
قُلْتُ: وَهُوَ مِنَ الرَّأْيِلا مِنَ الرُّؤْيَةِ، فَيَرْجِعُ إِلَى مَعْنَى الظَّنِّ.
وَفِي مُرْسَلِ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ (سُحِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَائِشَةَ حَتَّى أَنْكَرَ بَصَرَه) وَعِنْدَه فِي مُرْسَلِ سَعِيدِ بْنِالمُسَيَّبِ (حَتَّى كَادَ يُنْكِرُ بَصَرَه).
قَالَ عِيَاضٌ: فَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ السِّحْرَ إِنَّمَا تَسَلَّطَ عَلَى جَسَدِه وَظَوَاهِرِ جَوَارِحِه، لا عَلَى تَمْيِيزِه وَمُعْتَقَدِه.
قُلْتُ: وَوَقَعَ فِي مُرْسَلِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبٍ عِنْدَابْنِ سَعْدٍ: فَقَالَتْ أُخْتُ لَبِيدِ بْنِ الأعْصَمِ: (إِنْ يَكُنْ نَبِيًّا فَسَيُخْبَرُ، وَإِلا فَسَيُذْهِلُهُ هَذَا السِّحْرُ حَتَّى يَذْهَبَ عَقْلُه).
قُلْتُ: فَوَقَعَ الشِّقُّ الأوَّلُ كَمَا فِي هَذَا الحَدِيثِ الصَّحِيحِ.
وَقَدْ قَالَ بَعْضُالعُلَمَاءِ: لا يَلْزَمُ مِنْ أَنَّهُ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ فَعَلَ الشَّيْءَ وَلَمْ يَكُنْ فَعَلَهُ أَنْ يُجْزَمَ بِفِعْلِهِ ذَلِكَ. وَإِنَّمَا يَكُونُ مِنْ جِنْسِالخَاطِرِ يَخْطِرُ وَلا يَثْبُتُ، فَلا يَبْقَى عَلَى هَذَا لِلْمُلْحِدِ حُجَّةٌ.
وَقَالَ عِيَاضٌ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَالمُرَادُ بِالتَّخْيِيلِ المَذْكُورِ أَنَّهُ يَظْهَرُ لَهُ مِنْ نَشَاطِه مَا أَلِفَهُ مِنْ سَابِقِ عَادَتِه مِنْ الاقْتِدَارِ عَلَى الوَطْءِ، فَإِذَا دَنَا مِنَالمَرْأَةِ فَتَرَ عَنْ ذَلِكَ كَمَا هُوَ شَأْنُالمَعْقُودِ، وَيَكُونُ قَوْلُه فِي الرِّوَايَةِ الأُخْرَى: " حَتَّى كَادَ يُنْكِرُ بَصَرَه " أَيْ صَارَ كَالَّذِي أَنْكَرَ بَصَرَه بِحَيْثُ إِنَّهُ إِذَا رَأَى الشَّيْءَ يُخَيَّلُ أَنَّهُ عَلَى غَيْرِ صِفَتِه، فَإِذَا تَأَمَّلَهُ عَرَفَ حَقِيقَتَه.
وَيُؤَيِّدُ جَمِيعَ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ فِي خَبَرٍ مِنَ الأخْبَارِ أَنَّهُ قَالَ قَوْلاً فَكَانَ بِخِلافِ مَا أَخْبَرَ بِهِ.
وَقَالَ المُهَلَّبُ: صَوْنُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الشَّيَاطِينِلا يَمْنَعُ إِرَادَتَهمْ كَيْدَهُ، فَقَدْ مَضَى فِي الصَّحِيحِ أَنَّ شَيْطَانًا أَرَادَ أَنْ يُفْسِد عَلَيْهِ صَلاتَه، فَأَمْكَنَهُ اللَّهُ مِنْهُ، فَكَذَلِكَ السِّحْرُ مَا نَالَهُ مِنْ ضَرَرِه مَا يُدْخِلُ نَقْصًا عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّبْلِيغِ، بَلْ هُوَ مِنْ جِنْسِ مَا كَانَ يَنَالَهُ مِنْ ضَرَرِ سَائِرِ الأمْرَاضِ مِنْ ضَعْفٍ عَنِالكَلامِ، أَوْ عَجْزٍ عَنْ بَعْضِالفِعْلِ، أَوْ حُدُوثِ تَخَيُّلٍلا يَسْتَمِرُّ، بَلْ يَزُولُ وَيُبْطِلُ اللَّهُ كَيْدَ الشَّيَاطِينِ.
وَاسْتَدَلَّ ابْنُالقَصَّارِ عَلَى أَنَّ الَّذِي أَصَابَهُ كَانَ مِنْ جِنْسِالمَرَضِ بِقَوْلِهِ فِي آخِرِالحَدِيثِ:((فَأَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِي اللَّهُ))، وَفِي الاسْتِدْلالِ بِذَلِكَ نَظَرٌ، لَكِنْ يُؤَيِّدُالمُدَّعَى أَنَّ فِي رِوَايَةِ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ عِنْدَالبَيْهَقِيِّ فِي الدَّلائِلِ:(فَكَانَ يَدُورُ وَلا يَدْرِي مَا وَجَعُه)، وَفِي حَدِيثِابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَابْنِ سَعْدٍ: (مَرِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُخِذَ عَنِ النِّسَاءِ وَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، فَهَبَطَ عَلَيْهِ مَلَكَانِ...) الحَدِيثَ). [فتح الباري:10/237]
قالَ أحمدُ بنُ عليٍّ ابنُ حَجَرٍ العَسْقَلانِيُّ (ت:852هـ): (ذَكَرَ حَدِيثَ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ سِحْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ سَبَقَ شَرْحُه مُسْتَوْفًى قَرِيبًا. وَقَوْلُه فِيهِ: " قَالَ سُفْيَانُ: وَهَذَا أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنَ السِّحْرِ " سُفْيَانُ هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، وَهُوَ مَوْصُولٌ بِالسَّنَدِ المَذْكُورِ. وَلَمْ أَقِفْ عَلَى كَلامِ سُفْيَانَ هَذَا فِي مُسْنَدِالحُمَيْدِيِّ وَلا ابنِأَبِي عُمَرَ وَلا غَيْرِهمَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ). [فتح الباري:10/245]
قالَ الخَطِيبُ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الشِّرْبِينِيُّ (ت: 977هـ): (ورُوِيَ أنَّهُ كانَ يُخَيَّلُ لهُ أنَّهُ يَطَأُ زَوْجَاتِهِ وليسَ بواطِئٍ، قَالَ سُفيانُ: وهَذَا أَشَدُّ ما يكونُ منَ السِّحْرِ).
[تفسير القرآن الكريم: 4/ 612]


رد مع اقتباس
  #24  
قديم 6 جمادى الأولى 1435هـ/7-03-2014م, 11:00 PM
أروى المطيري أروى المطيري غير متواجد حالياً
فريق تنسيق النصوص
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 405
افتراضي

قِصة شِفاء النبيِّ صلى الله عليه وسلم من السحر


دعاء النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلَّم
قالَ مُحْيِي الدِّين يَحْيَى بنُ شَرَفٍ النَّوَوِيُّ (ت:676هـ): (قَوْلُه: (حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ-أَوْ ذَاتَ لَيْلَةٍ- دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ دَعَا، ثُمَّ دَعَا) هَذَا دَلِيلٌ لاسْتِحْبَابِ الدُّعَاءِ عِنْد حُصُولِ الأمُورِ المَكْرُوهَاتِ، وَتَكْرِيرِه، وَحُسْنِ الالتِجَاءِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى).[شرح صحيح مسلم: 14/398]
قال أحمدُ بنُ عليٍّ ابنُ حَجَرٍ العسْقَلانِيُّ (ت:852هـ): (قَوْلُه: (حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَوْ ذَاتَ لَيْلَةٍ)
شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي، وَأَظُنُّهُ مِنَ البُخَارِيِّ؛ لأنَّهُ أَخْرَجَهُ فِي صِفَةِ إِبْلِيسَ مِنْ بَدْء ِالخَلْقِ فَقَالَ: " حَتَّى كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ " وَلَمْ يَشُكَّ، ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّ الشَّكَّ فِيهِ مِنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ، وَأَنَّ إِسْحَاقَ بْنَ رَاهَويهِ أَخْرَجَهُ فِي مُسْنَدِه عَنْهُ عَلَى الشَّكِّ، وَمِنْ طَرِيقِه أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ، فَيُحْمَل ُالجَزْمُ المَاضِي عَلَى أَنَّ إِبْرَاهِيمَ بْنَ مُوسَى شَيْخَ البُخَارِيِّ حَدَّثَهُ بِهِ تَارَةً بِالجَزْمِ وَتَارَةً بِالشَّكِّ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَأَذْكُرُهُ مِنْ الاخْتِلافِ عَنْهُ، وَهَذَا مِنْ نَوَادِرِ مَا وَقَعَ فِي البُخَارِيِّ أَنْ يُخْرِجَ الحَدِيثَ تَامًّا بِإِسْنَادٍ وَاحِدٍ بِلَفْظَيْنِ.
وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَة َالآتِيَةِ قَرِيبًا " ذَاتَ يَوْمٍ " بِغَيْرِ شَكٍّ " وَذَاتَ " بِالنَّصْبِ وَيَجُوزُ الرَّفْعُ، ثُمَّ قِيلَ: إِنَّهَا مُقْحَمَةٌ، وَقِيلَ: بَلْ هِيَ مِنْ إِضَافَةِ الشَّيْءِ لِنَفْسِهِ عَلَى رَأْيِ مَنْ يُجِيزُهُ.
قَوْلُه: (وَهُوَ عِنْدِي لَكِنَّهُ دَعَا وَدَعَا)
كَذَا وَقَعَ، وَفِي الرِّوَايَة المَاضِيَة فِي بَدْء ِالخَلْقِ: (حَتَّى كَانَ ذَات يَوْمٍ دَعَا وَدَعَا) وَكَذَا عَلَّقَهُ المُصَنِّفُ لِعِيسَى بْنِ يُونُسَ فِي الدَّعَوَاتِ، وَمِثْلُه فِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ.
قَالَ الكِرْمَانِيُّ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الاسْتِدْرَاكُ مِنْ قَوْلِهَا: (عِنْدِي) أَيْ لَمْ يَكُنْ مُشْتَغِلاً بِي، بَل ِاشْتَغَلَ بِالدُّعَاءِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنَ التَّخَيُّل، أَيْ كَانَ السِّحْرُ أَضَرَّهُ فِي بَدَنِه لا فِي عَقْلِه وَفَهْمِه بِحَيْثُ إنَّهُ تَوَجَّهَ إِلَى اللَّهِ وَدَعَا عَلَى الوَضْعِ الصَّحِيحِ وَالقَانُونِ المُسْتَقِيمِ.
وَوَقَعَ فِي رِوَايَة ِابْنِ نُمَيْرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ: (فَدَعَا، ثُمَّ دَعَا، ثُمَّ دَعَا) وَهَذَا هُوَ المَعْهُودُ مِنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُكَرِّرُ الدُّعَاءَ ثَلاثًا.
وَفِي رِوَايَةِ وُهَيْبٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَابْنِ سَعْدٍ: (فَرَأَيْتُه يَدْعُو).
قَالَ النَّوَوِيُّ: فِيهِ اسْتِحْبَابُ الدُّعَاءِ عِنْدَ حُصُولِ الأمُورِ المَكْرُوهَاتِ وَتَكْرِيرِه الالتِجَاءَ إِلَى اللَّه تَعَالَى فِي دَفْعِ ذَلِكَ.
قُلْتُ: سَلَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ القِصَّةِ مَسْلَكَيِ التَّفْوِيضِ وَتَعَاطِي الأسْبَابِ، فَفِي أَوَّلِ الأمْرِ فَوَّضَ وَسَلَّمَ لأمْرِ رَبِّه فَاحْتَسَبَ الأجْرَ فِي صَبْرِه عَلَى بَلائِهِ، ثُمَّ لَمَّا تَمَادَى ذَلِكَ وَخَشِيَ مِنْ تَمَادِيهِ أَنْ يُضْعِفَهُ عَنْ فُنُونِ عِبَادَتِه جَنَحَ إِلَى التَّدَاوِي ثُمَّ إِلَى الدُّعَاءِ، وَكُلٌّ مِن َالمَقَامَيْنِ غَايَةٌ فِي الكَمَالِ.
قَوْلُه: (أَشَعَرْتِ)
أَيْ عَلِمْتِ؟ وَهِيَ رِوَايَة ُابْنِ عُيَيْنَةَ كَمَا فِي البَابِ الَّذِي بَعْده.
قَوْلُه: (أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُه)
فِي رِوَايَةِ الحُمَيْدِيِّ:((أَفْتَانِي فِي أَمْر ٍاسْتَفْتَيْتُه فِيهِ)) أَيْ أَجَابَنِي فِيمَا دَعَوْتُه، فَأَطْلَقَ عَلَى الدُّعَاءِ اسْتِفْتَاءً؛ لأنَّ الدَّاعِيَ طَالِبٌ وَالمُجِيبَ مُفْتٍ، أَوِ المَعْنَى أَجَابَنِي بِمَا سَأَلْتُه عَنْهُ ؛لأنَّ دُعَاءَهُ كَانَ أَنْ يُطْلِعَهُ اللَّه عَلَى حَقِيقَةِ مَا هُوَ فِيهِ لِمَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ مِنَ الأمْرِ.
وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ((إِنَّ اللَّهَ أَنْبَأَنِي بِمَرَضِي))أَيْ أَخْبَرَنِي). [فتح الباري:10/238-239]


نزول الملكينِ لإخبارِه صلى اللهُ عليه وسلم بالسحرِ وموضعِه
قالَ مُحْيِي الدِّينِ يَحْيَى بنُ شَرَفٍ النَّوَوِيُّ (ت:676هـ): (قَوْلُه:((مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ)) ) المَطْبُوبُ: المَسْحُورُ، يُقَالُ: طُبَّ الرَّجُلُ إِذَا سُحِرَ، فَكَنَّوْا بِالطِّبِّ عَنِ السِّحْر، كَمَا كَنَّوْا بِالسَّلِيمِ عَنِ اللَّدِيغِ. قَالَ ابْنُ الأنْبَارِيِّ: الطِّبُّ مِنَ الأضْدَادِ، يُقَالُ لِعِلاجِ الدَّاءِ: طِبٌّ، وَلِلسِّحْرِ طِبٌّ، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الأدْوَاءِ، وَرَجُلٌ طَبِيبٌ أَيْ حَاذِقٌ، سُمِّيَ طَبِيبًا لِحِذْقِهِ وَفِطْنَتِه). [شرح صحيح مسلم: 14/398]
قال أحمدُ بنُ عليٍّ ابنُ حَجَرٍ العسْقَلانِيُّ (ت:852هـ): (قَوْلُه (أَتَانِي رَجُلانِ)
وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ: (قُلْت: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: ((أَتَانِي رَجُلانِ)) )
وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَمُرَجَّى بْنُ رَجَاءٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ، كِلاهُمَا عَنْ هِشَام: ((أَتَانِي مَلَكَانِ))، وَسَمَّاهُمَا ابْنُ سَعْدٍ فِي رِوَايَةٍ مُنْقَطِعَةٍ: جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ، وَكُنْتُ ذَكَرْتُ فِي المُقَدِّمَةِ ذَلِكَ احْتِمَالاً.
قَوْلُه: (فَقَعَدَ أَحَدُهمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ)
لَمْ يَقَعْ لِي أَيُّهمَا قَعَدَ عِنْد رَأْسِه، لَكِنَّنِي أَظُنُّهُ جِبْرِيلَ لِخُصُوصِيَّتِهِ بِهِ عَلَيْهِمَا السَّلامُ.
ثُمَّ وَجَدْتُ فِي (السِّيرَةِ) لِلدِّمْيَاطِيِّ الجَزْمُ بِأَنَّهُ جِبْرِيلُ، قَالَ: (لأَنَّهُ أَفْضَلُ)، ثُمَّ وَجَدْتُ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بِنِ أَرْقَمَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَابْنِ سَعْدٍ وَصَحَّحَهُ الحَاكِمُ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ (سَحَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مِنَ اليَهُودِ، فَاشْتَكَى لِذَلِكَ أَيَّامًا، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: إِنَّ رَجُلاً مِنَ اليَهُودِ سَحَرَكَ، عَقَدَ لَك عُقَدًا فِي بِئْرِ كَذَا).
فَدَلَّ مَجْمُوعُ الطُّرُقِ عَلَى أَنَّ المَسْئُولَ هُوَ جِبْرِيلُ وَالسَّائِلَ مِيكَائِيلُ.
قَوْلُه: (فَقَالَ أَحَدُهمَا لِصَاحِبِهِ)
فِي رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ الآتِيَةِ بَعْدَ بَابٍ: ((فَقَالَ الَّذِي عِنْدَ رَأْسِي لِلآخَرِ)) وَفِي رِوَايَةِ الحُمَيْدِيِّ: ((فَقَالَ الَّذِي عِنْدَ رِجْلَيَّ لِلَّذِي عِنْدَ رَأْسِي)) وَكَأَنَّهَا أَصْوَبُ، وَكَذَا هُوَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْد َالبَيْهَقِيِّ. وَوَقَعَ بِالشَّكِّ فِي رِوَايَةِ ابْنِ نُمَيْرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ.
قَوْلُه: (مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟) كَذَا لِلأكْثَرِ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ ((مَا بَالُ الرَّجُلِ؟)) وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ البَيْهَقِيِّ: ((مَا تَرَى))، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ فِي المَنَامِ، إِذْ لَوْ جَاءَا إِلَيْهِ فِي اليَقَظَة لَخَاطَبَاهُ وَسَأَلاهُ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَانَ بِصِفَةِ النَّائِمِ وَهُوَ يَقْظَانُ، فَتَخَاطَبَا وَهُوَ يَسْمَعُ.
وَأَطْلَقَ فِي رِوَايَةِ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ كَانَ نَائِمًا، وَكَذَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عِنْد الإِسْمَاعِيلِيِّ (فَانْتَبَهَ مِنْ نَوْمِه ذَاتَ يَوْمٍ) وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا ذَكَرْتُ، وَعَلَى تَقْدِيرِ حَمْلِهَا عَلَى الحَقِيقَةِ فَرُؤْيَا الأنْبِيَاءِ وَحْيٌ.
وَوَقَعَ فِي حَدِيث ِابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ سَعْدٍ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ جِدًّا (فَهَبَطَ عَلَيْهِ مَلَكَانِ وَهُوَ بَيْنَ النَّائِمِ وَاليَقْظَانِ).
قَوْلُه: (فَقَالَ: مَطْبُوبٌ) أَيْ مَسْحُورٌ، يُقَالُ: طُبَّ الرَّجُلُ بِالضَّمِّ إِذَا سُحِرَ، يُقَالُ :كَنَّوْا عَنِ السِّحْرِ بِالطِّبِّ تَفَاؤُلاً، كَمَا قَالُوا لِلَّدِيغِ: سَلِيمٌ، وَقَالَ ابْنُ الأنْبَارِيِّ: الطِّبُّ مِنَ الأضْدَادِ، يُقَالُ لِعِلاجِ الدَّاءِ: طِبٌّ، وَالسِّحْرُ مِنَ الدَّاءِ، وَيُقَالُ لَهُ: طِبٌّ.
وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ مِنْ مُرْسَلِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: (احْتَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَأْسِه بِقَرْنٍ حِينَ طُبَّ).
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يَعْنِي سُحِرَ.
قَالَ ابْنُ القَيِّمِ: بَنَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأمْرَ أَوَّلاً عَلَى أَنَّهُ مَرِضَ، وَأَنَّهُ عَنْ مَادَّةٍ مَالَتْ إِلَى الدِّمَاغِ وَغَلَبَتْ عَلَى البَطْنِ المُقَدَّمِ مِنْهُ، فَغَيَّرَتْ مِزَاجَه، فَرَأَى اسْتِعْمَالَ الحِجَامَةِ لِذَلِكَ مُنَاسِبًا، فَلَمَّا أُوحِيَ إِلَيْهِ أَنَّهُ سُحِرَ عَدَلَ إِلَى العِلاج ِالمُنَاسِبِ لَهُ وَهُوَ اسْتِخْرَاجُه.
قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنَّ مَادَّةَ السِّحْرِ انْتَهَتْ إِلَى إِحْدَى قُوَى الرَّأْس ِ،حَتَّى صَارَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مَا ذُكِرَ، فَإِنَّ السِّحْرَ قَدْ يَكُونُ مِنْ تَأْثِير الأرْوَاحِ الخَبِيثَةِ، وَقَدْ يَكُونُ مِن ِانْفِعَالِ الطَّبِيعَةِ، وَهُوَ أَشَدُّ السِّحْرِ، وَاسْتِعْمَال ُالحَجْمِ لِهَذَا الثَّانِي نَافِعٌ لأنَّهُ إِذَا هَيَّجَ الأخْلاطَ وَظَهَرَ أَثَرُه فِي عُضْوٍ كَانَ اسْتِفْرَاغُ المَادَّةِ الخَبِيثَةِ نَافِعًا فِي ذَلِكَ.
وَقَالَ القُرْطُبِيُّ: إِنَّمَا قِيلَ لِلسِّحْرِ: طِبٌّ لأنَّ أَصْلَ الطِّبِّ الحِذْقُ بِالشَّيْءِ وَالتَّفَطُّنُ لَهُ، فَلَمَّا كَانَ كُلٌّ مِنْ عِلاج المَرَضِ وَالسِّحْرِ إِنَّمَا يَتَأَتَّى عَنْ فِطْنَةٍ وَحِذْقٍ أُطْلِقَ عَلَى كُلِّ مِنْهُمَا هَذَا الاسْمُ). [فتح الباري:10/239]
قالَ أَبُو سُلَيْمَانَ حَمْدُ بنُ مُحَمَّدٍ الخَطَّابيُّ البُسْتِيُّ (ت:388هـ): (قالَ الأَصْمَعِيُّ : بئرُ ذي أَرْوَانَ معروفةٌ، وهي التي دُفِنَ فيها عُقَدُ السِّحْرِ للنبيِّ صلّى اللهُ عليه وسلّمَ. وبعضُهُم يقولُ: ذَرْوَانُ، وهو غَلَطٌ). [إصلاح غلط المحدثين: ]


معنى مطبوب
قالَ أَبو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت:224هـ): (قولُه : (طُبَّ) يعني سُحِرَ، يقالُ مِنْهُ: رَجُلٌ مَطْبُوبٌ.
وَنَرَى أَنَّهُ إِنَّمَا قِيلَ لَهُ: مَطْبُوبٌ لأنَّهُ كنَى بالطِّبِّ عَنِ السِّحْرِ كَمَا كَنَوا عَنِ اللَّدِيغِ فَقَالُوا: (سَلِيمٌ) تَطَيُّرًا إِلَى السَّلامَةِ مِنَ الَّلدْغِ، وَكَمَا كَنَوا عَنِ الفَلاةِ وَهِيَ المَهْلَكَةُ الَّتِي لا مَاءَ فِيهَا).
[غريب الحديث:2/43]


رد مع اقتباس
  #25  
قديم 6 جمادى الأولى 1435هـ/7-03-2014م, 11:02 PM
أروى المطيري أروى المطيري غير متواجد حالياً
فريق تنسيق النصوص
 
تاريخ التسجيل: Sep 2013
المشاركات: 405
افتراضي

فِيمَ سحر النبي صلى الله عليه وسلم؟ وأين وضع السحر؟

قالَ مُحْيِي الدِّينِ يَحْيَى بنُ شَرَفٍ النَّوَوِيُّ (ت:676هـ): (قَوْلُه: (فِي مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ وَجُبِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ)
أَمَّا (المُشَاطَةُ) فَبِضَمِّ المِيمِ، وَهِيَ الشَّعْرُ الَّذِي يَسْقُطُ مِنَ الرَّأْسِ أَوِ اللِّحْيَةِ عِنْدَ تَسْرِيحِه.
وَأَمَّا (المُشْطُ) فَفِيهِ لُغَاتٌ: مُشْطٌ وَمُشُطٌ بِضَمِّ المِيم فِيهِمَا وَإِسْكَان الشِّين وَضَمِّهَا، وَمِشْطٌ بِكَسْرِ المِيم وَإِسْكَان الشِّينِ، وَمِمْشَطٌ، وَيُقَالُ لَهُ: (مَشْطَأٌ) بِالهَمْزِ وَتَرْكِه، وَمَشْطَاءُ مَمْدُودٌ، وممكد، وَمُرَجِّلٌ، وَقَيلَمٌ بِفَتْحِ القَافِ، حَكَاهُنَّ أَبُو عُمَرَ الزَّاهِدُ.
وَأَمَّا قَوْلُه: (وجُبّ) هَكَذَا فِي أَكْثَرِ نُسَخِ بِلادِنَا (جُبّ) بِالجِيمِ وَبِالبَاءِ المُوَحَّدَةِ، وَفِي بَعْضِهَا (جُفّ) بِالجِيمِ وَالفَاءِ، وَهُمَا بِمَعْنًى، وَهُوَ وِعَاءُ طَلْعِ النَّخْلِ، وَهُوَ الغِشَاءُ الَّذِي يَكُونُ عَلَيْهِ، وَيُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالأُنْثَى، فَلِهَذَا قَيَّدَهُ فِي الحَدِيثِ بِقَوْلِهِ: (طَلْعَةِ ذَكَرٍ) وَهُوَ بِإِضَافَةِ طَلْعَة إِلَى ذَكَر. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَوَقَعَ فِي البُخَارِيّ مِنْ رِوَايَة ابْن عُيَيْنَةَ: (وَمُشَاقَةٍ) بِالقَافِ بَدَلَ مُشَاطَةٍ، وَهِيَ المُشَاطَةُ أَيْضًا، وَقِيلَ: مُشَاقَةُالكَتَّانِ.
قَوْلُه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((فِي بِئْر ذِي أَرْوَانَ)) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ مُسْلِمٍ: (ذِي أَرْوَانَ) وَكَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِالبُخَارِيِّ. وَفِي مُعْظَمِهَا: (ذَرْوَانَ) وَكِلاهُمَا صَحِيحٌ، وَالأوَّلُ أَجْوَدُ وَأَصَحُّ. وَادَّعَى ابْنُ قُتَيْبَةَ أَنَّهُ الصَّوَابُ، وَهُوَ قَوْلُ الأصْمَعِيِّ، وَهُوَ بِئْرٌ بِالمَدِينَةِ فِي بُسْتَانِ بَنِي زُرَيْقٍ.
قَوْلُه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَاللَّهِ لَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُالحِنَّاءِ)
النُّقَاعَةُ بِضَمِّ النُّونِالمَاءُ الَّذِي يُنْقَعُ فِيهِ الحِنَّاءُ، وَالحِنَّاءُ مَمْدُودٌ). [شرح صحيح مسلم: 14/398]
قَالَ ابْنُ المُلَقِّنِ عُمَرُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَحْمَدَ الأَنْصَارِيُّ (ت: 804هـ): (كانَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قدْ سَحَرَه لَبِيدُ بنُ الأعْصَمِ في إحدَى عَشْرَةَ عُقْدَةً؛ فنَزَلَتِ المُعَوِّذَتانِ إِحْدَى عَشْرَةَ آيةً، فقَرَأها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم فشُفِيَ من السِّحْرِ). [تفسير غريب القرآن: 603] (م)
قال أحمدُ بنُ عليٍّ ابنُ حَجَرٍ العَسْقَلانِيُّ (ت:852هـ): (قَوْلُه: (فِي جُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ تَحْتَ رَعُوفَةٍ)
فِي رِوَايَةِالكُشْمِيهَنِيِّ " رَاعُوفَةٍ " بِزِيَادَةِ أَلِفٍ بَعْدَ الرَّاءِ، وَهُوَ كَذَلِكَ لأكْثَرِ الرُّوَاةِ، عَكَسَ ابْنِ التِّينِ، وَزَعَمَ أَنَّ رَاعُوفَةٍ لِلأَصِيلِيِّ فَقَطْ، وَهُوَ المَشْهُورُ فِي اللُّغَةِ، وَفِي لُغَةٍ أُخْرَى " أرْعُوفَة "، وَوَقَعَ كَذَلِكَ فِي مُرْسَلِ عُمَرَ بْنِالحَكَمِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عِنْد أَحْمَدَ: " تَحْتَ رَعُوثَة " بِمُثَلَّثَةٍ بَدَل الفَاء/ وَهِيَ لُغَة أُخْرَى مَعْرُوفَةٌ، وَوَقَعَ فِي النِّهَايَةِلابْنِ الأثِيرِ أَنَّ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى " زَعُوبَة " بِزَايٍ وَمُوَحَّدَةٍ وَقَالَ: هِيَ بِمَعْنَى رَاعُوفَة ا ه. وَالرَّاعُوفَةُ حَجَرٌ يُوضَعُ عَلَى رَأْسِالبِئْرِلا يُسْتَطَاعُ قَلْعُه، يَقُومُ عَلَيْهِ المُسْتَقِي. وَقَدْ يَكُونُ فِي أَسْفَلِالبِئْرِ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هِيَ صَخْرَةٌ تُنْزَلُ فِي أَسْفَلِالبِئْرِ إِذَا حُفِرَتْ يَجْلِسُ عَلَيْهَا الَّذِي يُنَظِّفُالبِئْرَ، وَهُوَ حَجَرٌ يُوجَدُ صُلْبًا لا يُسْتَطَاعُ نَزْعُه فَيُتْرَكُ، وَاخْتُلِفَ فِي اشْتِقَاقِهَا فَقِيلَ: لِتَقَدُّمِهَا وَبُرُوزِهَا، يُقَالُ: جَاءَ فُلانٌ يَرْعُفُالخَيْلَ، أَيْ يَتَقَدَّمُهَا؛ وَذَكَرَ الأزْهَرِيُّ فِي تَهْذِيبِه عَنْ شِمْرٍ قَالَ: رَاعُوفَةُالبِئْرِ: النَّظافَةُ، هِيَ مِثْلُ عَيْنٍ عَلَى قَدْرِ حَجَرِالعَقْرَبِ فِي أَعْلَى الرَّكِيَّةِ فَيُجَاوِزُ فِي الحَفْرِ خَمْسَ قِيَمٍ وَأَكْثَرَ، فَرُبَّمَا وَجَدُوا مَاءً كَثِيرًا، قَالَ شِمْرٌ: فَمَنْ ذَهَبَ بِالرَّاعُوفَةِ إِلَى النَّظَافَةِ فَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ رُعَافِ الأنْفِ، وَمَنْ ذَهَبَ بِالرَّاعُوفَةِ إِلَى الحَجَرِ الَّذِي يَتَقَدَّمُ طَيَّالبِئْرِ فَهُوَ مِنْ رَعَفَ الرَّجُل إِذَا سَبَقَ. قُلْتُ: وَتَنْزِيلُ الرَّاعُوفَةِ عَلَى الأخِيرِ وَاضِحٌ بِخِلافِ الأوَّل، وَاللَّهُ أَعْلَمُ). [فتح الباري:10/245]
قال أحمدُ بنُ عليٍّ ابنُ حَجَرٍ العسْقَلانِيُّ (ت:852هـ): (قَوْلُه: (فِي مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ)
أَمَّا المُشْطُ فَهُوَ بِضَمِّ المِيمِ، وَيَجُوزُ كَسْرُهَا، أَثْبَتَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَنْكَرَهُ أَبُو زَيْدٍ، وَبِالسُّكُونِ فِيهِمَا، وَقَدْ يُضَمُّ ثَانِيه مَعَ ضَمِّ أَوَّلِه فَقَطْ، وَهُوَ الآلَةُالمَعْرُوفَةُ الَّتِي يُسَرَّحُ بِهَا شَعْرُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ؛ وَهَذَا هُوَ المَشْهُورُ.
وَيُطْلَق المُشْطُ بِالاشْتِرَاكِ عَلَى أَشْيَاءَ أُخْرَى: مِنْهَا العَظْمُالعَرِيضُ فِي الكَتِفِ، وَسُلامِيَّاتُ ظَهْرِالقَدَمِ، وَنَبْتٌ صَغِيرٌ يُقَالُ لَهُ: مُشْطُ الذِّئْبِ.
قَالَ القُرْطُبِيُّ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي سُحِرَ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدُ هَذِهِ الأرْبَعِ.
قُلْتُ: وَفَاتَهُ آلَةٌ لَهَا أَسْنَانٌ وَفِيهَا هِرَاوَةٌ يُقْبَضُ عَلَيْهَا وَيُغَطَّى بِهَا الإِنَاء.
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ فِي (المُحْكَمِ): (إِنَّهَا تُسَمَّى المُشْطَ). وَالمُشْطُ أَيْضًا سِمَةٌ مِنْ سِمَاتِالبَعِيرِ تَكُونُ فِي العَيْنِ وَالفَخِذِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَالمُرَادُ بِالمُشْطِ هُنَا هُوَ الأوَّلُ، فَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ: (فَإِذَا فِيهَا مُشْطُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ مُرَاطَةِ رَأْسِه) وَفِي حَدِيثِابْنِ عَبَّاسٍ:(مِنْ شَعْرِ رَأْسِه وَمِنْ أَسْنَانِ مُشْطِه) وَفِي مُرْسَلِ عُمَرَ بْنِالحَكَمِ: (فَعَمَدَ إِلَى مُشْطٍ وَمَا مُشِطَ مِنَ الرَّأْسِ مِنْ شَعْرٍ فَعَقَدَ بِذَلِكَ عُقَدًا).
قَوْلُه: (وَمُشَاطَةٍ) سَيَأْتِي بَيَانُ الاخْتِلافِ هَلْ هِيَ بِالطَّاءِ أَوِالقَافِ فِي آخِرِالكَلامِ عَلَى هَذَا الحَدِيثِ حَيْثُ بَيَّنَهُ المُصَنِّفُ.
قَوْلُه: (وَجُفِّ طَلْعِ نَخْلَةٍ ذَكَرٍ)
قَالَ عِيَاضٌ: وَقَعَ لِلْجُرْجَانِيِّ - يَعْنِي فِي البُخَارِيِّ - وَالعُذْرِيِّ - يَعْنِي فِي مُسْلِمٍ - بِالفَاءِ. وَلِغَيْرِهِمَا بِالمُوَحَّدَةِ. قُلْتُ: أَمَّا رِوَايَةُ عِيسَى بْنِ يُونُسَ هُنَا فَوَقَعَ لِلْكُشْمِيهَنِيِّ بِالفَاءِ وَلِغَيْرِهِ بِالمُوَحَّدَةِ، وَأَمَّا رِوَايَتُهُ فِي بَدْءِالخَلْقِ فَالجَمِيعُ بِالفَاءِ، وَكَذَا فِي رِوَايَةِابْنِ عُيَيْنَةَ لِلْجَمِيعِ، وَلِلْمُسْتَمْلِي فِي رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ بِالمُوَحَّدَةِ، ولِلكُشْمِيهَنِيِّ بِالفَاءِ، قَالَ القُرْطُبِيُّ: رِوَايَتُنَا - يَعْنِي فِي مُسْلِمٍ - بِالفَاءِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: فِي أَكْثَرِ نُسَخِ بِلادِنَا بِالبَاءِ، يَعْنِي فِي مُسْلِمٍ، وَفِي بَعْضِهَا بِالفَاءِ، وَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَهُوَ الغِشَاءُ الَّذِي يَكُونُ عَلَى الطَّلْعِ، وَيُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالأُنْثَى، فَلِهَذَا قَيَّدَهُ بِالذَّكَرِ فِي قَوْلِه: " طَلْعَةِ ذَكَرٍ " وَهُوَ بِالإِضَافَةِ انْتَهَى. وَوَقَعَ فِي رِوَايَتِنَا هُنَا بِالتَّنْوِينِ فِيهِمَا عَلَى أَنَّ لَفْظَ " ذَكَرٍ " صِفَةٌ لِجُفٍّ، وَذَكَرَ القُرْطُبِيُّ أَنَّ الَّذِي بِالفَاءِ هُوَ وِعَاءُ الطَّلْعِ، وَهُوَ لِلْغِشَاءِ الَّذِي يَكُونُ عَلَيْهِ، وَبِالمُوَحَّدَةِ دَاخِلُ الطَّلْعَةِ إِذَا خَرَجَ مِنْهَا الكُفُرَّى؛ قَالَهُ شِمْرٌ. قَالَ: وَيُقَالُ أَيْضًا لِدَاخِلِ الرَّكِيَّةِ مِنْ أَسْفَلِهَا إِلَى أَعْلاهَا: جُفٌّ، وَقِيلَ: هُوَ مِنَالقَطْعِ، يَعْنِي مَا قُطِعَ مِنْ قُشُورِهَا. وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو الشَُّيْبَانِيُّ: الجُفُّ بِالفَاءِ شَيْءٌ يُنْقَرُ مِنْ جُذُوعِ النَّخْلِ.
قَوْلُه: (قَالَ: وَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: هُوَ فِي بِئْر ذَرْوَانَ)
زَادَ ابْنُ عُيَيْنَةَ وَغَيْرُه: " تَحْتَ رَاعُوفَة " وَسَيَأْتِي شَرْحُهَا بَعْدَبَابٍ، وَذَرْوَانُ بِفَتْحِ المُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ، وَحَكَى ابْنُ التِّينِ فَتْحَهَا، وَأَنَّهُ قَرَأَهُ كَذَلِكَ. قَالَ: وَلَكِنَّهُ بِالسُّكُونِ أَشْبَهُ، وَفِي رِوَايَةِابْنِ نُمَيْرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ: " فِي بِئْرِ ذِي أَرْوَانَ "، وَيَأْتِي فِي رِوَايَةِ أَبِي ضَمْرَةَ فِي الدَّعَوَاتِ مِثْلُه، وَفِي نُسْخَةِ الصَّغَانِيِّ لَكِنْ بِغَيْرِ لَفْظِ بِئْرٍ، وَلِغَيْرِهِ: " فِي ذَرْوَانَ "، وَذَرْوَانُ بِئْرٌ فِي بَنِي زُرَيْقٍ، فَعَلَى هَذَا فَقَوْلُه: (بِئْر ذَرْوَان) مِنْ إِضَافَةِ الشَّيْءِ لِنَفْسِهِ، وَيُجْمَعُ بَيْنَهمَا وَبَيْنَ رِوَايَةِابْنِ نُمَيْرٍ بِأَنَّ الأصْلَ (بِئْر ذِي أَرْوَان) ثُمَّ لِكَثْرَةِ الاسْتِعْمَالِ سُهِّلَتِ الهَمْزَةُ فَصَارَتْ (ذَرْوَان) وَيُؤَيِّدهُ أَنَّ أَبَا عُبَيْدٍالبَكْرِيَّ صَوَّبَ أَنَّ اسْمَالبِئْرِ(أَرْوَان) بِالهَمْزِ، وَأَنَّ مَنْ قَالَ: (ذَرْوَان) أَخْطَأَ.
وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِخَطَأٍ عَلَى مَا وَجَّهْتُه، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ عَنْ وُهَيْبٍ، وَكَذَا فِي رِوَايَتِه عَنِابْنِ نُمَيْرٍ: " بِئْر أَرْوَان " كَمَا قَالَ البَكْرِيُّ، فَكَأَنَّ رِوَايَةَ الأَصِيلِيِّ كَانَتْ مِثْلَهَا، فَسَقَطَتْ مِنْهَا الرَّاءُ، وَوَقَعَ عِنْدَ الأَصِيلِيِّ فِيمَا حَكَاهُ عِيَاضٌ: (فِي بِئْرِ ذِي أَوَان) بِغَيْرِ رَاءٍ. قَالَ عِيَاضٌ: هُوَ وَهْمٌ؛ فَإِنَّ هَذَا مَوْضِعٌ آخَرُ عَلَى سَاعَةٍ مِنَالمَدِينَةِ، وَهُوَ الَّذِي بُنِيَ فِيهِ مَسْجِدُ الضِّرَارِ.
قَوْلُه: (فَأَتَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِه)
وَقَعَ فِي حَدِيثِابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَابْنِ سَعْدٍ:(فَبَعَثَ إِلَى عَلِيٍّ وَعَمَّارٍ فَأَمَرَهُمَا أَنْ يَأْتِيَا البِئْرَ) وَعِنْدَهُ فِي مُرْسَلِ عُمَرَ بْنِالحَكَمِ:(فَدَعَا جُبَيْرَ بْنَ إِيَاسٍ الزُّرَقِيَّ وَهُوَ مِمَّنْ شَهِدَ عَلَى مَوْضِعه فِي بِئْر ذَرْوَانَ فَاسْتَخْرَجَهُ)
قَالَ: وَيُقَالُ: الَّذِي اسْتَخْرَجَهُ قَيْسُ بْنُ مِحْصَنٍ الزُّرَقِيُّ، وَيُجْمَعُ بِأَنَّهُ أَعَانَ جُبَيْرًا عَلَى ذَلِكَ، وَبَاشَرَهُ بِنَفْسِهِ فَنُسِبَ إِلَيْهِ، وَعِنْدَابْنِ سَعْدٍ أَيْضًا أَنَّ الحَارِثَ بْنَ قَيْسٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلا يَهُوَّرُالبِئْرُ.
فَيُمْكِنُ تَفْسِيرُ مَنْ أُبْهِمَ بِهَؤُلاءِ أَوْ بَعْضِهمْ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَّهَهُمْ أَوَّلاً ثُمَّ تَوَجَّهَ فَشَاهَدَهَا بِنَفْسِهِ.
قَوْلُه: (فَجَاءَ فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ)
فِي رِوَايَةِ وُهَيْبٍ: " فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ: يَا عَائِشَةُ "، وَنَحْوُه فِي رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ وَلَفْظُه " فَذَهَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى البِئْرِ فَنَظَرَ إِلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ إِلَى عَائِشَةَ فَقَالَ "، وَفِي رِوَايَةِ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ: " فَنَزَلَ رَجُلٌ فَاسْتَخْرَجَهُ "، وَفِيهِ مِنَ الزِّيَادَةِ أَنَّهُ " وَجَدَ فِي الطَّلْعَةِ تِمْثَالاً مِنْ شَمْعٍ، تِمْثَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِذَا فِيهِ إِبَرٌ مَغْرُوزَةٌ، وَإِذَا وَتَرٌ فِيهِ إِحْدَى عَشْرَةَ عُقْدَةً، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ بِالمُعَوِّذَتَيْنِ، فَكُلَّمَا قَرَأَ آيَةًانْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، وَكُلَّمَا نَزَعَ إِبْرَةً وَجَدَ لَهَا أَلَمًا، ثُمَّ يَجِدُ بَعْدَهَا رَاحَةً "، وَفِي حَدِيثِابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوُه كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ، وَفِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ الَّذِي أَشَرْتُإِلَيْهِ عِنْدَ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ وَغَيْرِه: " فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَنَزَلَ عَلَيْهِ بِالمُعَوِّذَتَيْنِ "، وَفِيهِ: " فَأَمَرَهُ أَنْ يَحُلَّالعُقَدَ وَيَقْرَأَ آيَةً، فَجَعَلَ يَقْرَأُ وَيَحُلُّ حَتَّى قَامَ كَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ ". وَعِنْدَابْنِ سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ مَوْلَى غُفْرَةَ مُعْضَلاً: " فَاسْتَخْرَجَ السِّحْرَ مِنَالجُفِّ مِنْ تَحْتِالبِئْرِ ثُمَّ نَزَعَهُ فَحَلَّهُ فَكُشِفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ".
قَوْلُه: (كَأَنَّ مَاءَهَا) فِي رِوَايَةِابْنِ نُمَيْرٍ: " وَاللَّهِ لَكَأَنَّ مَاءَهَا " أَيِالبِئْرَ(نُقَاعَةُالحِنَّاءِ) بِضَمِّ النُّونِ وَتَخْفِيفِالقَافِ، وَالحِنَّاءُ مَعْرُوفٌ، وَهُوَ بِالمَدِّ، أَيْ أَنَّ لَوْنَ مَاءِالبِئْرِ لَوْنُالمَاءِ الَّذِي يُنْقَعُ فِيهِ الحِنَّاءُ.
قَالَ ابْنُ التِّينِ: يَعْنِي أَحْمَرَ. وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: المُرَادُالمَاءُ الَّذِي يَكُونُ مِنْ غُسَالَةِالإِنَاءِ الَّذِي تُعْجَنُ فِيهِ الحِنَّاءُ.
قُلْتُ: وَوَقَعَ فِي حَدِيث زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ عِنْدَابْنِ سَعْدٍ وَصَحَّحَهُ الحَاكِمُ: " فَوَجَدَ المَاءَ وَقَدِاخْضَرَّ "، وَهَذَا يُقَوِّي قَوْلَ الدَّاوُدِيِّ. قَالَ القُرْطُبِيُّ: كَأَنَّ مَاءَالبِئْرِ قَدْ تَغَيَّرَ إِمَّا لِرَدَاءَتِهِ بِطُولِ إِقَامَتِه، وَإِمَّا لِمَا خَالَطَهُ مِنَ الأشْيَاءِ الَّتِي أُلْقِيَتْ فِي البِئْرِ.
قُلْتُ: وَيَرُدُّ الأوَّلَ أَنَّ عِنْدَابْنِ سَعْدٍ فِي مُرْسَلِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ الحَارِثَ بْنَ قَيْسٍ هَوَّرَ البِئْرَالمَذْكُورَةَ، وَكَانَ يَسْتَعْذِبُ مِنْهَا، وَحَفَرَ بِئْرًا أُخْرَى، فَأَعَانَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَفْرِهَا.
قَوْلُه: (وَكَأَنَّ رُءُوسَ نَخْلِهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ)
كَذَا هُنَا، وَفِي الرِّوَايَةِ الَّتِي فِي بَدْءِالخَلْقِ " نَخْلُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ "، وَفِي رِوَايَةِابْنِ عُيَيْنَةَ وَأَكْثَرِ الرُّوَاةِ عَنْ هِشَامٍ: " كَأَنَّ نَخْلَهَا " بِغَيْرِ ذِكْرِ " رُءُوس " أَوَّلاً، وَالتَّشْبِيهُ إِنَّمَا وَقَعَ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ، فَلِذَلِكَ أَفْصَحَ بِهِ فِي رِوَايَةِالبَابِ، وَهُوَ مُقَدَّرٌ فِي غَيْرِهَا. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ: " فَإِذَا نَخْلُهَا الَّذِي يَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا قَدِ الْتَوَى سَعَفُه كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ "، وَقَدْ وَقَعَ تَشْبِيهُ طَلْعِ شَجَرَةِ الزَّقُّومِ فِي القُرْآنِ بِرُءُوسِ الشَّيَاطِينِ، قَالَ الفَرَّاءُ وَغَيْرُه: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ شَبَّهَ طَلْعَهَا فِي قُبْحِه بِرُءُوسِ الشَّيَاطِينِلأنَّهَا مَوْصُوفَةٌ بِالقُبْحِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي اللِّسَانِ أَنَّ مَنْ قَالَ. فُلانٌ شَيْطَانٌ أَرَادَ أَنَّهُ خَبِيثٌ أَوْ قَبِيحٌ، وَإِذَا قَبَّحُوا مُذَكَّرًا قَالُوا: شَيْطَانٌ، أَوْ مُؤَنَّثًا قَالُوا: غُولٌ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَالمُرَادُ بِالشَّيَاطِينِ الحَيَّاتِ، وَالعَرَبُ تُسَمِّي بَعْضَالحَيَّاتِ شَيْطَانًا وَهُوَ ثُعْبَانٌ قَبِيحُالوَجْهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَالمُرَادُ: نَبَاتٌ قَبِيحٌ، قِيلَ: إِنَّهُ يُوجَدُ بِاليَمَنِ). [فتح الباري: 10/239-241 ]
قالَ أحمدُ بنُ عَلِيٍّ ابنُ حَجَرٍ العَسْقَلانِيُّ (ت:852هـ): ( تَنْبِيهٌ: ذَكَرَ السُّهَيْلِيُّ: أَنَّ عُقَدَ السِّحْرِ كَانَتْ إحْدَى عَشْرَةَ عُقْدَةً، فَنَاسَبَ أَنْ يَكُونَ عَدَدُ المُعَوِّذَتَيْنِ إحْدَى عَشْرَةَ آيَةً، فَانْحَلَّتْ بِكُلِّ آيَةٍ عُقْدَةٌ.
قُلْتُ: أَخْرَجَ البَيْهَقِيُّ فِي الدَّلائِلِ مَعْنَى ذَلِكَ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ فِي القِصَّةِ الَّتِي ذَكَرَ فيها أن النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُحِرَ، وَفِي آخِرِ الحَدِيثِ: (أَنَّهُمْ وَجَدُوا وَتَرًا فِيهِ إحْدَى عَشْرَةَ عُقْدَةً، وَأُنْزِلَتْ سُورَةُ الفَلَقِ وَالنَّاسِ، فَجَعَلَ كُلَّمَا قَرَأَ آيَةً انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ).
وَعِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ بِسَنَدٍ مُنْقَطِعٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ عَلِيًّا وَعَمَّارًا فَوَجَدَا طَلْعَةً فِيهَا إحْدَى عَشْرَةَ عُقْدَةً"، فَذَكَرَ نَحْوَهُ). [التلخيص الحبير:4/110]
قَالَ المُؤَذِّنُ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ سَلامَةَ الإِدْكَاوِيُّ (ت: 1184هـ): (والإِشَارَةُ بالنَّفَّاثَاتِ في العُقَدِ: إلى بَنَاتِ لَبِيدِ بْنِ الأَعْصَمِ اليَهُودِيِّ، وهُنَّ اللَّوَاتِي سَحَرْنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وَعَقَدْنَ لَهُ إِحْدَى عَشْرَةَ عُقْدَةً، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالى إِحْدَى عَشْرَةَ آيَةً، وهِيَ المُعَوِّذَتَانِ، فَشُفِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ). [ترويح أولي الدماثة: 2/278]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:27 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة