العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الأنفال

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17 ربيع الثاني 1434هـ/27-02-2013م, 11:00 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير سورة الأنفال [ من الآية (5) إلى الآية (8) ]

{كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5) يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (6) وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21 ربيع الثاني 1434هـ/3-03-2013م, 11:49 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ وإنّ فريقًا مّن المؤمنين لكارهون (5) يجادلونك في الحقّ بعدما تبيّن كأنّما يساقون إلى الموت وهم ينظرون}.
اختلف أهل التّأويل في الجالب لهذه الكاف الّتي في قوله: {كما أخرجك} وما الّذي شبّه بإخراج اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم من بيته بالحقّ. فقال بعضهم: شبّه به في الصّلاح للمؤمنين، اتّقاؤهم ربّهم، وإصلاحهم ذات بينهم، وطاعتهم اللّه ورسوله. وقالوا: معنى ذلك: يقول اللّه: وأصلحوا ذات بينكم، فإنّ ذلك خيرٌ لكم، كما أخرج اللّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم من بيته بالحقّ كان خيرًا له.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الوهّاب، قال: حدّثنا داود، عن عكرمة: {فاتّقوا اللّه وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا اللّه ورسوله إن كنتم مؤمنين}، {كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ} الآية: أي: إنّ هذا خيرٌ لكم، كما كان إخراجك من بيتك بالحقّ خيرًا لك.
وقال آخرون: معنى ذلك: كما أخرجك ربّك يا محمّد من بيتك بالحقّ على كرهٍ من فريقٍ من المؤمنين كذلك هم يكرهون القتال، فهم يجادلونك فيه بعد ما تبيّن لهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ} قال: كذلك يجادلونك في الحقّ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ} كذلك يجادلونك في الحقّ: القتال.
- قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ} قال: كذلك أخرجك ربّك.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: أنزل اللّه في خروجه يعني خروج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى بدرٍ ومجادلتهم إيّاه، فقال: {كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ وإنّ فريقًا من المؤمنين لكارهون} لطلب المشركين، {يجادلونك في الحقّ بعد ما تبيّن}.
واختلف أهل العربيّة في ذلك، فقال بعض نحويّي الكوفيّين: ذلك أمرٌ من اللّه لرسوله صلّى اللّه عليه وسلّم أن يمضي لأمره في الغنائم، على كرهٍ من أصحابه، كما مضى لأمره في خروجه من بيته لطلب العير وهم كارهون.
وقال آخرون منهم: معنى ذلك: يسألونك عن الأنفال مجادلةً كما جادلوك يوم بدرٍ، فقالوا: أخرجتنا للعير، ولم تعلمنا قتالاً فنستعدّ له.
وقال بعض نحويّي البصرة: يجوز أن يكون هذا الكاف في: {كما أخرجك} على قوله: {أولئك هم المؤمنون حقًّا} {كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ} وقيل: الكاف بمعنى على.
وقال آخرون منهم: هي بمعنى القسم. قال: ومعنى الكلام: والّذي أخرجك ربّك.
قال أبو جعفرٍ: وأولى هذه الأقوال عندي بالصّواب قول من قال في ذلك بقول مجاهدٍ، وقال معناه: كما أخرجك ربّك بالحقّ على كرهٍ من فريقٍ من المؤمنين، كذلك يجادلونك في الحقّ بعدما تبيّن. لأنّ كلا الأمرين قد كان، أعني خروج بعض من خرج من المدينة كارهًا، وجدالهم في لقاء العدوّ عند دنوّ القوم بعضهم من بعضٍ، فتشبيه بعض ذلك ببعضٍ مع قرب أحدهما من الآخر أولى من تشبيهه بما بعد عنه.
وقال مجاهدٌ في الحقّ الّذي ذكر أنّهم يجادلون فيه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بعد ما تبيّنوه: هو القتال.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {يجادلونك في الحقّ} قال: القتال.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
وأمّا قوله: {من بيتك} فإنّ بعضهم قال: معناه من المدينة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي بزّة: {كما أخرجك ربّك من بيتك} المدينة إلى بدرٍ.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: أخبرني محمّد بن عبّاد بن جعفرٍ، في قوله: {كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ} قال: من المدينة إلى بدرٍ.
وأمّا قوله: {وإنّ فريقًا من المؤمنين لكارهون} فإنّ كراهتهم كانت.
- كما حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن مسلمٍ الزّهريّ، وعاصم بن عمر بن قتادة، وعبد اللّه بن أبي بكرٍ ويزيد بن رومان، عن عروة بن الزّبير، وغيرهم، من علمائنا، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ، قالوا: لمّا سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بأبي سفيان مقبلاً من الشّأم، ندب إليهم المسلمين، وقال: هذه عير قريشٍ فيها أموالهم، فاخرجوا إليها لعلّ اللّه أن ينفّلكموها، فانتدب النّاس، فخفّ بعضهم وثقل بعضهم، وذلك أنّهم لم يظنّوا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يلقى حربًا.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وإنّ فريقًا من المؤمنين لكارهون} لطلب المشركين.
ثمّ اختلف أهل التّأويل في الّذين عنوا بقوله: {يجادلونك في الحقّ بعد ما تبيّن} فقال بعضهم: عني بذلك أهل الإيمان من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الّذين كانوا معه حين توجّه إلى بدرٍ للقاء المشركين.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قال: لمّا شاور النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في لقاء القوم، وقال له سعد بن عبادة ما قال: وذلك يوم بدرٍ، أمر النّاس، فتعبّئوا للقتال، وأمرهم بالشّوكة، وكره ذلك أهل الإيمان، فأنزل اللّه: {كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ وإنّ فريقًا من المؤمنين لكارهون (5) يجادلونك في الحقّ بعد ما تبيّن كأنّما يساقون إلى الموت وهم ينظرون}.
- حدّثني ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ثمّ ذكر القوم، يعني أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ومسيرهم مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، حين عرف القوم أنّ قريشًا قد سارت إليهم، وأنّهم إنّما خرجوا يريدون العير طمعًا في الغنيمة، فقال: {كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ}. إلى قوله: {لكارهون} أي: كراهيةً للقاء القوم، وإنكارًا لمسير قريشٍ حين ذكروا لهم.
وقال آخرون: عني بذلك المشركون.

ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {يجادلونك في الحقّ بعد ما تبيّن كأنّما يساقون إلى الموت وهم ينظرون} قال: هؤلاء المشركون جادلوك في الحقّ كأنّما يساقون إلى الموت حين يدعون إلى الإسلام، {وهم ينظرون} قال: وليس هذا من صفة الآخرين، هذه صفةٌ مبتدأةٌ لأهل الكفر.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا يعقوب بن محمّدٍ، قال: حدّثني عبد العزيز بن محمّدٍ، عن ابن أخي الزّهريّ، عن عمّه، قال: كان رجلٌ من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يفسّر: {كأنّما يساقون إلى الموت وهم ينظرون} خروج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى العير.
قال أبو جعفرٍ: والصّواب من القول في ذلك ما قاله ابن عبّاسٍ وابن إسحاق، من أنّ ذلك خبرٌ من اللّه عن فريقٍ من المؤمنين أنّهم كرهوا لقاء العدوّ، وكان جدالهم نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن قالوا: لم يعلمنا أنّا نلقى العدوّ فنستعدّ لقتالهم، وإنّما خرجنا للعير. وممّا يدلّ على صحّة قوله: {وإذ يعدكم اللّه إحدى الطّائفتين أنّها لكم وتودّون أنّ غير ذات الشّوكة تكون لكم} ففي ذلك الدّليل الواضح لمن فهم عن اللّه أنّ القوم قد كانوا للشّوكة كارهين وأنّ جدالهم كان في القتال كما قال مجاهدٌ، كراهيةً منهم له، وأن لا معنى لمّا قال ابن زيدٍ لأنّ الّذي قبل قوله: {يجادلونك في الحقّ} خبرٌ عن أهل الإيمان، والّذي يتلوه خبرٌ عنهم، فأن يكون خبرًا عنهم أولى منه بأن يكون خبرًا عمّن لم يجر له ذكرٌ.
وأمّا قوله: {بعد ما تبيّن} فإنّ أهل التّأويل اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم: معناه: بعد ما تبيّن لهم أنّك لا تفعل إلاّ ما أمرك اللّه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {بعد ما تبيّن} أنّك لا تصنع إلاّ ما أمرك اللّه به.
وقال آخرون: معناه يجادلونك في القتال بعد ما أمرت به.
ذكر من قال ذلك:
رواه الكلبيّ، عن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ.
- وأمّا قوله {كأنّما يساقون إلى الموت وهم ينظرون} فإنّ معناه: كأنّ هؤلاء الّذين يجادلونك في لقاء العدوّ من كراهتهم للقائهم إذا دعوا إلى لقائهم للقتال يساقون إلى الموت.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: قال ابن إسحاق: {كأنّما يساقون إلى الموت وهم ينظرون} أي: كراهةً للقاء القوم، وإنكارًا لمسير قريشٍ حين ذكروا لهم). [جامع البيان: 11/32-40]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ وإنّ فريقًا من المؤمنين لكارهون (5)
قوله تعالى: كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ كذلك.
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ- فيما كتب إليّ- ثنا أحمد بن المفضّل، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ قال: خروج النّبيّ- صلّى اللّه عليه وسلّم- إلى بدرٍ.
قوله تعالى: وإنّ فريقًا من المؤمنين لكارهون
- حدّثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيدٍ القطّان ثنا زيد بن الحباب ثنا ابن لهيعة ثنا يزيد بن أبي حبيبٍ أنّ أسلم أبا عمران حدّثه قال: سمعت أبا أيّوب الأنصاريّ يقول: قال لنا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم ونحن بالمدينة، وبلغه أنّ غير أبي سفيان قد أقبلت فقال: ما ترون فيها؟ لعلّ اللّه يغنمناها ويسلمنا، فخرجنا فسرنا يومًا أو يومين، فقال: ما ترون فيهم؟ فقلنا: يا رسول اللّه، ما لنا طاقةٌ بقتال القوم، إنّما خرجنا للعير، قال المقداد: لا تقولوا كما قال قوم موسى لموسى: فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون فأنزل اللّه تعالى كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ وإنّ فريقًا من المؤمنين لكارهون
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ- فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن الفضل ثنا أسباط عن السّدّيّ وإنّ فريقًا من المؤمنين لكارهون لطلب المشركين). [تفسير القرآن العظيم: 5/1659]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله كما أخرجك ربك من بيتك بالحق يقول كذلك أخرجك ربك من بيتك بالحق). [تفسير مجاهد: 258]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (وعن عبد الرّحمن بن عوفٍ قال: «نزل الإسلام بالكره والشّدّة، فوجدنا خير الخير في الكراهة، فخرجنا مع رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - من مكّة، فجعل لنا في ذلك العلاء والظّفر، وخرجنا مع رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - إلى بدرٍ على الحال الّتي ذكر اللّه - عزّ وجلّ تبارك وتعالى -: {وإنّ فريقًا من المؤمنين لكارهون} [الأنفال: 5] {يجادلونك في الحقّ بعدما تبيّن كأنّما يساقون إلى الموت وهم ينظرون} [الأنفال: 6] ). [مجمع الزوائد: 7/26]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (حدّثنا بشر بن آدم، ثنا يعقوب بن محمّدٍ الزّهريّ، ثنا عبد العزيز بن عمران، ثنا محمّد بن عبد العزيز، عن أبيه، عن أبي سلمة بن عبد الرّحمن، عن أبيه، قال: نزل الإسلام بالكره والشّدّة، فوجدنا خير الخير في الكراهة، فخرجنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من مكّة.
فجعل لنا في ذلك العلاء والظّفر، وخرجنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى بدرٍ على الحال الّتي ذكر اللّه تبارك وتعالى: {وإنّ فريقًا من المؤمنين لكارهون {5} يجادلونك في الحقّ بعد ما تبيّن كأنّما يساقون إلى الموت وهم ينظرون {6} وإذ يعدكم اللّه إحدى الطّائفتين أنّها لكم وتودّون أنّ غير ذات الشّوكة تكون لكم} [الأنفال: 5-7] والشّوكة: قريشٌ، فجعل اللّه لنا في ذلك العلاء والظّفر، فوجدنا خير الخير في الكره.
قال البزّار: لا نعلمه يروى عن عبد الرّحمن بن عوفٍ إلا بهذا الإسناد). [كشف الأستار عن زوائد البزار: 3/50]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 5 - 6.
أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أبي أيوب الأنصاري قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بالمدينة وبلغه أن عير أبي سفيان قد أقبلت فقال ما ترون فيها لعل الله يغنمناها ويسلمنا فخرجنا فلما سرنا يوما أو يومين أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتعاد ففعلنا فإذا نحن ثلثمائة وثلاثة عشر رجلا فأخبرنا النّبيّ صلى الله عليه وسلم بعدتنا فسر بذلك وحمد الله وقال: عدة أصحاب طالوت، فقال: ما ترون في القوم فإنهم قد أخبروا بمخرجكم فقلنا: يا رسول الله لا والله ما لنا طاقة بقتال القوم إنما خرجنا للعير ثم قال: ما ترون في قتال القوم فقلنا مثل ذلك فقال المقداد: لا تقولوا كما قال أصحاب موسى لموسى (اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون) (المائدة الآية 24) فأنزل الله {كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون} إلى قوله {وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم} فلما وعدنا الله إحدى الطائفتين - إما القوم وإما العير - طابت أنفسنا ثم إنا اجتمعنا مع القوم فصففنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أنشدك وعدك، فقال ابن رواحة: يا رسول الله إني أريد أن أشير عليك - ورسول الله أفضل من أن نشير عليه - إن الله أجل وأعظم من أن تنشده وعده، فقال: يا ابن رواحة لأنشدن الله وعده فإن الله لا يخلف الميعاد فأخذ قبضة من التراب فرمى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجوه القوم فانهزموا فأنزل الله (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) (الأنفال الآية 17) فقتلنا وأسرنا، فقال عمر: يا رسول الله ما أرى أن تكون لك أسرى فإنما نحن داعون مؤلفون فقلنا معشر الأنصار: إنما يحمل عمر على ما قال حسد لنا، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استيقظ ثم قال: ادعو لي عمر فدعي له فقال له: إن الله قد أنزل علي (ما كان لنبي أن تكون له أسرى) (الأنفال الآية 56) الآية.
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف، وابن مردويه عن محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي عن أبيه عن جده قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر حتى إذا كان بالروحاء خطب الناس فقال: كيف ترون فقال أبو بكر: يا رسول الله بلغنا أنهم كذا وكذا ثم خطب الناس فقال: كيف ترون فقال عمر مثل قول أبي بكر ثم خطب الناس فقال: كيف ترون فقال سعد بن معاذ: يا رسول الله إيانا تريد، فوالذي أكرمك وأنزل عليك الكتاب ما سلكتها قط ولا لي بها علم ولئن سرت حتى تأتي برك الغماد من ذي يمن لنسيرن معك ولا نكونن كالذين قالوا لموسى (اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون) (المائدة الآية 24) ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم متبعون ولعلك أن تكون خرجت لأمر وأحدث الله إليك غيره فانظر الذي أحدث الله إليك فامض له فصل حبال من شئت واقطع حبال من شئت وعاد من شئت وسالم من شئت وخذ من أموالنا ما شئت، فنزل القرآن على قول سعد {كما أخرجك ربك من بيتك بالحق} إلى قوله {ويقطع دابر الكافرين} وإنما رسول الله يريد غنيمة مع أبي سفيان فأحدث الله إليه القتال.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو
الشيخ عن مجاهد في قوله {كما أخرجك ربك من بيتك بالحق} قال: كذلك أخرجك ربك إلى قوله {يجادلونك في الحق} قال: القتال.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله {كما أخرجك ربك من بيتك بالحق} قال: خروج النّبيّ صلى الله عليه وسلم إلى بدر {وإن فريقا من المؤمنين لكارهون} قال: لطلب المشركين {يجادلونك في الحق بعد ما تبين} أنك لا تصنع إلا ما أمرك الله به {كأنما يساقون إلى الموت} حين قيل هم المشركون.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: لما شاور النّبيّ صلى الله عليه وسلم في لقاء العدو وقال له سعد بن عبادة ما قال وذلك يوم بدر أمر الناس فتعبوا للقتال وأمرهم بالشوكة فكره ذلك أهل الإيمان فأنزل الله {كما أخرجك ربك من بيتك بالحق} إلى قوله {وهم ينظرون} أي كراهية لقاء المشركين.
وأخرج البزار، وابن المنذر وأبو الشيخ، وابن مردويه، وابن عساكر عن عبد الرحمن بن عوف قال: نزل الإسلام بالكره والشدة فوجدنا خير الخير في الكره خرجنا مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم من مكة فأسكننا سبخة بين ظهراني حرة فجعل الله لنا في ذلك العلا والظفر وخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر على الحال التي ذكر الله {وإن فريقا من المؤمنين لكارهون} إلى قوله {وهم ينظرون} فجعل الله لنا في ذلك العلا والظفر فوجدنا خير الخير في الكره.
وأخرج ابن جرير عن الزبيري قال: كان رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يفسر {كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون} خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العير). [الدر المنثور: 7/25-29]

تفسير قوله تعالى: (يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (6) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ وإنّ فريقًا مّن المؤمنين لكارهون (5) يجادلونك في الحقّ بعدما تبيّن كأنّما يساقون إلى الموت وهم ينظرون}.
اختلف أهل التّأويل في الجالب لهذه الكاف الّتي في قوله: {كما أخرجك} وما الّذي شبّه بإخراج اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم من بيته بالحقّ. فقال بعضهم: شبّه به في الصّلاح للمؤمنين، اتّقاؤهم ربّهم، وإصلاحهم ذات بينهم، وطاعتهم اللّه ورسوله. وقالوا: معنى ذلك: يقول اللّه: وأصلحوا ذات بينكم، فإنّ ذلك خيرٌ لكم، كما أخرج اللّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم من بيته بالحقّ كان خيرًا له.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الوهّاب، قال: حدّثنا داود، عن عكرمة: {فاتّقوا اللّه وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا اللّه ورسوله إن كنتم مؤمنين}، {كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ} الآية: أي: إنّ هذا خيرٌ لكم، كما كان إخراجك من بيتك بالحقّ خيرًا لك.
وقال آخرون: معنى ذلك: كما أخرجك ربّك يا محمّد من بيتك بالحقّ على كرهٍ من فريقٍ من المؤمنين كذلك هم يكرهون القتال، فهم يجادلونك فيه بعد ما تبيّن لهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ} قال: كذلك يجادلونك في الحقّ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ} كذلك يجادلونك في الحقّ: القتال.
- قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ} قال: كذلك أخرجك ربّك.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: أنزل اللّه في خروجه يعني خروج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى بدرٍ ومجادلتهم إيّاه، فقال: {كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ وإنّ فريقًا من المؤمنين لكارهون} لطلب المشركين، {يجادلونك في الحقّ بعد ما تبيّن}.
واختلف أهل العربيّة في ذلك، فقال بعض نحويّي الكوفيّين: ذلك أمرٌ من اللّه لرسوله صلّى اللّه عليه وسلّم أن يمضي لأمره في الغنائم، على كرهٍ من أصحابه، كما مضى لأمره في خروجه من بيته لطلب العير وهم كارهون.
وقال آخرون منهم: معنى ذلك: يسألونك عن الأنفال مجادلةً كما جادلوك يوم بدرٍ، فقالوا: أخرجتنا للعير، ولم تعلمنا قتالاً فنستعدّ له.
وقال بعض نحويّي البصرة: يجوز أن يكون هذا الكاف في: {كما أخرجك} على قوله: {أولئك هم المؤمنون حقًّا} {كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ} وقيل: الكاف بمعنى على.
وقال آخرون منهم: هي بمعنى القسم. قال: ومعنى الكلام: والّذي أخرجك ربّك.
قال أبو جعفرٍ: وأولى هذه الأقوال عندي بالصّواب قول من قال في ذلك بقول مجاهدٍ، وقال معناه: كما أخرجك ربّك بالحقّ على كرهٍ من فريقٍ من المؤمنين، كذلك يجادلونك في الحقّ بعدما تبيّن. لأنّ كلا الأمرين قد كان، أعني خروج بعض من خرج من المدينة كارهًا، وجدالهم في لقاء العدوّ عند دنوّ القوم بعضهم من بعضٍ، فتشبيه بعض ذلك ببعضٍ مع قرب أحدهما من الآخر أولى من تشبيهه بما بعد عنه.
وقال مجاهدٌ في الحقّ الّذي ذكر أنّهم يجادلون فيه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بعد ما تبيّنوه: هو القتال.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {يجادلونك في الحقّ} قال: القتال.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
وأمّا قوله: {من بيتك} فإنّ بعضهم قال: معناه من المدينة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي بزّة: {كما أخرجك ربّك من بيتك} المدينة إلى بدرٍ.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: أخبرني محمّد بن عبّاد بن جعفرٍ، في قوله: {كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ} قال: من المدينة إلى بدرٍ.
وأمّا قوله: {وإنّ فريقًا من المؤمنين لكارهون} فإنّ كراهتهم كانت.
- كما حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن مسلمٍ الزّهريّ، وعاصم بن عمر بن قتادة، وعبد اللّه بن أبي بكرٍ ويزيد بن رومان، عن عروة بن الزّبير، وغيرهم، من علمائنا، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ، قالوا: لمّا سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بأبي سفيان مقبلاً من الشّأم، ندب إليهم المسلمين، وقال: هذه عير قريشٍ فيها أموالهم، فاخرجوا إليها لعلّ اللّه أن ينفّلكموها، فانتدب النّاس، فخفّ بعضهم وثقل بعضهم، وذلك أنّهم لم يظنّوا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يلقى حربًا.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وإنّ فريقًا من المؤمنين لكارهون} لطلب المشركين.
ثمّ اختلف أهل التّأويل في الّذين عنوا بقوله: {يجادلونك في الحقّ بعد ما تبيّن} فقال بعضهم: عني بذلك أهل الإيمان من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الّذين كانوا معه حين توجّه إلى بدرٍ للقاء المشركين.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قال: لمّا شاور النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في لقاء القوم، وقال له سعد بن عبادة ما قال: وذلك يوم بدرٍ، أمر النّاس، فتعبّئوا للقتال، وأمرهم بالشّوكة، وكره ذلك أهل الإيمان، فأنزل اللّه: {كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ وإنّ فريقًا من المؤمنين لكارهون (5) يجادلونك في الحقّ بعد ما تبيّن كأنّما يساقون إلى الموت وهم ينظرون}.
- حدّثني ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ثمّ ذكر القوم، يعني أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ومسيرهم مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، حين عرف القوم أنّ قريشًا قد سارت إليهم، وأنّهم إنّما خرجوا يريدون العير طمعًا في الغنيمة، فقال: {كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ}. إلى قوله: {لكارهون} أي: كراهيةً للقاء القوم، وإنكارًا لمسير قريشٍ حين ذكروا لهم.
وقال آخرون: عني بذلك المشركون.

ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {يجادلونك في الحقّ بعد ما تبيّن كأنّما يساقون إلى الموت وهم ينظرون} قال: هؤلاء المشركون جادلوك في الحقّ كأنّما يساقون إلى الموت حين يدعون إلى الإسلام، {وهم ينظرون} قال: وليس هذا من صفة الآخرين، هذه صفةٌ مبتدأةٌ لأهل الكفر.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا يعقوب بن محمّدٍ، قال: حدّثني عبد العزيز بن محمّدٍ، عن ابن أخي الزّهريّ، عن عمّه، قال: كان رجلٌ من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يفسّر: {كأنّما يساقون إلى الموت وهم ينظرون} خروج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى العير.
قال أبو جعفرٍ: والصّواب من القول في ذلك ما قاله ابن عبّاسٍ وابن إسحاق، من أنّ ذلك خبرٌ من اللّه عن فريقٍ من المؤمنين أنّهم كرهوا لقاء العدوّ، وكان جدالهم نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن قالوا: لم يعلمنا أنّا نلقى العدوّ فنستعدّ لقتالهم، وإنّما خرجنا للعير. وممّا يدلّ على صحّة قوله: {وإذ يعدكم اللّه إحدى الطّائفتين أنّها لكم وتودّون أنّ غير ذات الشّوكة تكون لكم} ففي ذلك الدّليل الواضح لمن فهم عن اللّه أنّ القوم قد كانوا للشّوكة كارهين وأنّ جدالهم كان في القتال كما قال مجاهدٌ، كراهيةً منهم له، وأن لا معنى لمّا قال ابن زيدٍ لأنّ الّذي قبل قوله: {يجادلونك في الحقّ} خبرٌ عن أهل الإيمان، والّذي يتلوه خبرٌ عنهم، فأن يكون خبرًا عنهم أولى منه بأن يكون خبرًا عمّن لم يجر له ذكرٌ.
وأمّا قوله: {بعد ما تبيّن} فإنّ أهل التّأويل اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم: معناه: بعد ما تبيّن لهم أنّك لا تفعل إلاّ ما أمرك اللّه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {بعد ما تبيّن} أنّك لا تصنع إلاّ ما أمرك اللّه به.
وقال آخرون: معناه يجادلونك في القتال بعد ما أمرت به.
ذكر من قال ذلك:
رواه الكلبيّ، عن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ.
- وأمّا قوله {كأنّما يساقون إلى الموت وهم ينظرون} فإنّ معناه: كأنّ هؤلاء الّذين يجادلونك في لقاء العدوّ من كراهتهم للقائهم إذا دعوا إلى لقائهم للقتال يساقون إلى الموت.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: قال ابن إسحاق: {كأنّما يساقون إلى الموت وهم ينظرون} أي: كراهةً للقاء القوم، وإنكارًا لمسير قريشٍ حين ذكروا لهم). [جامع البيان: 11/32-40] (م)
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (يجادلونك في الحقّ بعدما تبيّن كأنّما يساقون إلى الموت وهم ينظرون (6)
قوله تعالى: يجادلونك في الحقّ بعد ما تبيّن
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ
قوله: يجادلونك في الحقّ القتال.
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ- فيما كتب إليّ- ثنا أحمد بن المفضّل ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ يجادلونك في الحقّ بعد ما تبيّن إنّك لا تصنع إلا ما أمرك اللّه به.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ- فيما كتب إليّ- ثنا أصبغ، أنبأ عبد الرحمن ابن زيد بن أسلم في قول اللّه يجادلونك في الحقّ بعد ما تبيّن قال: هؤلاء المشركون يجادلونك في الحقّ.
قوله تعالى: كأنّما يساقون إلى الموت
[الوجه الأول]
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ، فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ ثنا أسباط عن السّدّيّ قوله: كأنّما يساقون إلى الموت حين قيل هم المشركون.
الوجه الثّاني:
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ ثنا أصبغ بن الفرج أنبأ عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قول اللّه كأنّما يساقون إلى الموت حين يدعون إلى الإسلام.
قوله تعالى: وهم ينظرون
- وبه حدّثنا عبد الرّحمن بن زيدٍ كأنّما يساقون إلى الموت: حين يدعون إلى الإسلام، وهم ينظرون وليس هذه من صفة الآخرين، هذه صفةٌ مبتدأةٌ لأهل الكفر). [تفسير القرآن العظيم: 5/1659-1660]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال ثنا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله يجادلونك في الحق يعني في القتال هم الذين قالوا لم نأخذ أهبة القتال). [تفسير مجاهد: 258]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 5 - 6.
أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أبي أيوب الأنصاري قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بالمدينة وبلغه أن عير أبي سفيان قد أقبلت فقال ما ترون فيها لعل الله يغنمناها ويسلمنا فخرجنا فلما سرنا يوما أو يومين أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتعاد ففعلنا فإذا نحن ثلثمائة وثلاثة عشر رجلا فأخبرنا النّبيّ صلى الله عليه وسلم بعدتنا فسر بذلك وحمد الله وقال: عدة أصحاب طالوت، فقال: ما ترون في القوم فإنهم قد أخبروا بمخرجكم فقلنا: يا رسول الله لا والله ما لنا طاقة بقتال القوم إنما خرجنا للعير ثم قال: ما ترون في قتال القوم فقلنا مثل ذلك فقال المقداد: لا تقولوا كما قال أصحاب موسى لموسى (اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون) (المائدة الآية 24) فأنزل الله {كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون} إلى قوله {وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم} فلما وعدنا الله إحدى الطائفتين - إما القوم وإما العير - طابت أنفسنا ثم إنا اجتمعنا مع القوم فصففنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أنشدك وعدك، فقال ابن رواحة: يا رسول الله إني أريد أن أشير عليك - ورسول الله أفضل من أن نشير عليه - إن الله أجل وأعظم من أن تنشده وعده، فقال: يا ابن رواحة لأنشدن الله وعده فإن الله لا يخلف الميعاد فأخذ قبضة من التراب فرمى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجوه القوم فانهزموا فأنزل الله (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) (الأنفال الآية 17) فقتلنا وأسرنا، فقال عمر: يا رسول الله ما أرى أن تكون لك أسرى فإنما نحن داعون مؤلفون فقلنا معشر الأنصار: إنما يحمل عمر على ما قال حسد لنا، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استيقظ ثم قال: ادعو لي عمر فدعي له فقال له: إن الله قد أنزل علي (ما كان لنبي أن تكون له أسرى) (الأنفال الآية 56) الآية.
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف، وابن مردويه عن محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي عن أبيه عن جده قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر حتى إذا كان بالروحاء خطب الناس فقال: كيف ترون فقال أبو بكر: يا رسول الله بلغنا أنهم كذا وكذا ثم خطب الناس فقال: كيف ترون فقال عمر مثل قول أبي بكر ثم خطب الناس فقال: كيف ترون فقال سعد بن معاذ: يا رسول الله إيانا تريد، فوالذي أكرمك وأنزل عليك الكتاب ما سلكتها قط ولا لي بها علم ولئن سرت حتى تأتي برك الغماد من ذي يمن لنسيرن معك ولا نكونن كالذين قالوا لموسى (اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون) (المائدة الآية 24) ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم متبعون ولعلك أن تكون خرجت لأمر وأحدث الله إليك غيره فانظر الذي أحدث الله إليك فامض له فصل حبال من شئت واقطع حبال من شئت وعاد من شئت وسالم من شئت وخذ من أموالنا ما شئت، فنزل القرآن على قول سعد {كما أخرجك ربك من بيتك بالحق} إلى قوله {ويقطع دابر الكافرين} وإنما رسول الله يريد غنيمة مع أبي سفيان فأحدث الله إليه القتال.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو
الشيخ عن مجاهد في قوله {كما أخرجك ربك من بيتك بالحق} قال: كذلك أخرجك ربك إلى قوله {يجادلونك في الحق} قال: القتال.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله {كما أخرجك ربك من بيتك بالحق} قال: خروج النّبيّ صلى الله عليه وسلم إلى بدر {وإن فريقا من المؤمنين لكارهون} قال: لطلب المشركين {يجادلونك في الحق بعد ما تبين} أنك لا تصنع إلا ما أمرك الله به {كأنما يساقون إلى الموت} حين قيل هم المشركون.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: لما شاور النّبيّ صلى الله عليه وسلم في لقاء العدو وقال له سعد بن عبادة ما قال وذلك يوم بدر أمر الناس فتعبوا للقتال وأمرهم بالشوكة فكره ذلك أهل الإيمان فأنزل الله {كما أخرجك ربك من بيتك بالحق} إلى قوله {وهم ينظرون} أي كراهية لقاء المشركين.
وأخرج البزار، وابن المنذر وأبو الشيخ، وابن مردويه، وابن عساكر عن عبد الرحمن بن عوف قال: نزل الإسلام بالكره والشدة فوجدنا خير الخير في الكره خرجنا مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم من مكة فأسكننا سبخة بين ظهراني حرة فجعل الله لنا في ذلك العلا والظفر وخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر على الحال التي ذكر الله {وإن فريقا من المؤمنين لكارهون} إلى قوله {وهم ينظرون} فجعل الله لنا في ذلك العلا والظفر فوجدنا خير الخير في الكره.
وأخرج ابن جرير عن الزبيري قال: كان رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يفسر {كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون} خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العير). [الدر المنثور: 7/25-29] (م)

تفسير قوله تعالى: (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): ({وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم} قال معمر وقال قتادة هي المغانم.
أخبرنا معمر قال أخبرني أيوب عن عكرمة أن أبا سفيان أقبل من الشام في عير قريش وخرج المشركون مغوثين لعيرهم وخرج النبي يريد أبا سفيان وأصحابه فأرسل رسول الله رجلين من أصحابه عينا طليعة ينظران بأي ماء هو فانطلقا حتى إذا علما علمه وأخبرا خبره جاءا سريعين فأخبرا النبي وجاء أبو سفيان حتى نزل على الماء الذي كان به الرجلان فقال لأهل الماء هل أحسستم أحدا من أهل يثرب قالوا لا قال فهل مر بكم أحد قالوا ما رأينا إلا رجلين من أهل كذا وكذا قال أبو سفيان فأين كان مناخهما فدلوه عليه فانطلق حتى أتى بعر إبلهما ففته فإذا فيه نوى فقال أنى لبني فلان النوى هذه نواضح أهل يثرب فترك الطريق وأخذ سيف البحر وجاء الرجلان فأخبرا النبي خبره فقال أيكم أخذ هذه الطريق فقال أبو بكر هم بماء كذا وكذا ونحن بماء كذا وكذا فيرتحل فينزل ماء كذا وكذا وننزل نحن ماء كذا وكذا ثم ينزل ماء كذا وكذا ثم ننزل ماء كذا وكذا ثم نلتقي بماء كذا وكذا فكأنا فرسا رهان فسار النبي حتى نزل بدرا فوجد على ماء بدر بعض رقيق قريش ممن خرج يغيث أبا سفيان فأخذهم أصحابه فجعلوا يسألونهم فإذا صدقوهم ضربوهم وإذا كذبوهم تركوهم فمر بهم النبي وهم يفعلون ذلك فقال إن صدقكم ضربتموه وإن كذبكم تركتموه ثم دعا واحدا منهم فقال من يطعم القوم فقال فلان وفلان فعدد رجالا يطعمهم كل رجل يوما قال فكم ينحر لهم قال عشرة من الجزر فقال النبي الجزور بمائة وهم ما بين الألف والتسع مائة فلما جاء المشركون صافوهم وكان النبي قد استشار قبل ذلك في قتالهم فقام أبو بكر يشير عليه فأجلسه النبي ثم استشارهم فقام عمر يشير عليه فأجلسه النبي ثم استشارهم فقام سعد بن عبادة فقال يا نبي الله والله لكأنك تعرض بنا منذ اليوم لتعلم ما في نفوسنا والذي نفسي بيده لو ضربت أكبادها حتى تبلغ برك الغماد من ذي يمن لكنا معك فوطن النبي وأصحابه على الصبر والقتال وسر بذلك منهم فلما التقوا سار في قريش عتبة بن ربيعة فقال أي قوم أطيعوني اليوم ولا تقاتلوا محمدا وأصحابه فإنكم إن قاتلتموه لم تزل بينكم إحنة ما بقيتم وفساد لا يزال الرجل منكم ينظر إلى قاتل أخيه وقاتل ابن عمه فإن يك ملكا أكلتم في ملك أخيكم وإن يك نبيا فانتم أسعد الناس به وإن يك كاذبا كفكتموه ذؤبان العرب فأبوا أن يسمعوا مقالته وأبوا أن يطيعوه فقال أنشدكم الله في هذه الوجوه التي كأنها المصابيح أن تجعلوها أندادا لهذه الوجوه التي كأنها عيون الحيات فقال أبو جهل لقد ملأت سحرك رعبا ثم سار في قريش فقال إن عتبة بن ربيعة إنما يشير عليكم بهذا لأن ابنه مع محمد ومحمد ابن عمه فهو يكره أن يقتل ابنه وابن عمه فغضب عتبة بن ربيعة فقال أي مصفر استه ستعلم أينا أجبن وألأم وأقتل لقومه اليوم ثم نزل ونزل معه أخوه شيبة بن ربيعة وابنه الوليد بن عتبة فقالوا أبرز إلينا أكفاءنا فثار ناس من الأنصار من بني الخزرج فأجلسهم النبي فقام علي وحمزة وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف فاختلف كل رجل منهم وقرينه ضربتين فقتل كل رجل منهم صاحبه وأعان حمزة عليا على قتل صاحبه فقتله وقطعت رجل عبيدة فمات بعد ذلك وكان أول قتيل قتل يومئذ من المسلمين مهجع مولى عمر بن الخطاب ثم أنزل الله تعالى نصره وهزم عدوه وقتل أبو جهل بن هشام فأخبر بقتله النبي فقال أفعلتم قالوا نعم يا نبي الله فسر بذلك وقال إن عهدي به وفي ركبتيه حور فاذهبوا فانظروا هل ترون ذلك فنظروا فرأوه وأسر يومئذ ناس من قريش ثم أمر النبي بالقتلى فجروا حتى ألقوا في القليب ثم أشرف عليهم النبي فقال أي عتبة بن ربيعة أي أمية بن خلف فجعل يسميهم رجلا رجلا هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا فقالوا يا نبي الله أو يسمعون ما تقول.
قال معمر وقال قتادة قال عمر بن الخطاب كيف يسمع يا نبي الله قوم أموات قال النبي ما أنتم بأعلم بما أقول منهم أي أنهم قد رأوا أعمالهم.
عن معمر عن هشام عن عروة أن النبي بعث يومئذ زيد ابن حارثة بشيرا يبشر أهل المدينة فجعل ناس لا يصدقونه ويقولون والله ما رجع هذا إلا فالا وجعل يخبرهم بالأسرى ويخبرهم بمن قتل فلم يصدقوه حتى جيء بالأسارى مقرنين في قد ثم وافاهم النبي.
عن معمر عن قتادة وعن عثمان الجزري عن مقسم قالا فادى النبي أسارى بدر و كان فداء كل رجل منهم أربعة آلاف وقتل عقبة ابن أبي معيط قبل الفداء قام إليه علي فقتله فقال يا محمد فمن للصبية قال النار). [تفسير عبد الرزاق: 1/251-255]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن إسرائيل بن يونس عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس قال قيل للنبي حين فرغ من بدر عليك العير ليس دونها شيء قال فناداه العباس لا يصلح فقال له النبي لم قال لأن الله وعدك إحدى الطائفتين وقد أعطاك ما وعدك قال صدقت). [تفسير عبد الرزاق: 1/255]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] في قول اللّه: {إحدى الطّائفتين أنها لكم} قال: غير أبي سفيان [الآية: 7]). [تفسير الثوري: 116]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (حدّثني محمّد بن عبد الرّحيم، حدّثنا سعيد بن سليمان، أخبرنا هشيمٌ، أخبرنا أبو بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: قلت لابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما: ... {الشّوكة} [الأنفال: 7] : «الحدّ»). [صحيح البخاري: 6/61]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله الشّوكة الحدّ ثبت لغير أبي ذرٍّ قال أبو عبيدة في قوله وتودّون أنّ غير ذات الشّوكة تكون لكم مجازٌ الشّوكة الحدّ يقال ما أشدّ شوكة بني فلانٍ أي حدّهم). [فتح الباري: 8/307]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (الشّوكة الحدّ
أشار به إلى قوله تعالى: {وإذ يعدكم الله إحدى الطّائفتين أنّها لكم وتودون أن غير ذات الشّوكة تكون لكم} (الأنفال: 7) وفسّر الشّوكة بقوله: (الحد) وفي التّفسير: أي تحبون أن الطّائفة الّتي لا حد لها ولا منعة ولا قتال تكون لكم وهي العير، وهذه اللّفظة أعني قوله: (الشّوكة الحد) لم تثبت لأبي ذر). [عمدة القاري: 18/245]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({الشوكة}) في قوله تعالى: {وتودّون أن غير ذات الشوكة} [الأنفال: 7] (الحد) بالحاء المهملة أي تحبون أن الطائفة التي لا حدّ لها ولا منعة ولا قتال وهي العير تكون لكم وتكرهون ملاقاة النفير لكثرة عددهم وهذا ساقط لأبي ذر). [إرشاد الساري: 7/133]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا عبد بن حميدٍ، قال: حدّثنا عبد الرّزّاق، عن إسرائيل، عن سماكٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: لمّا فرغ رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم من بدرٍ قيل له: عليك العير ليس دونها شيءٌ، قال: فناداه العبّاس وهو في وثاقه: لا يصلح، وقال: لأنّ اللّه وعدك إحدى الطّائفتين وقد أعطاك ما وعدك، قال: صدقت.
هذا حديثٌ حسنٌ). [سنن الترمذي: 5/120]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإذ يعدكم اللّه إحدى الطّائفتين أنّها لكم وتودّون أنّ غير ذات الشّوكة تكون لكم}.
يقول تعالى ذكره: واذكروا أيّها القوم {إذ يعدكم اللّه إحدى الطّائفتين} يعني: إحدى الفرقتين، فرقة أبي سفيان بن حربٍ والعير، وفرقة المشركين الّذين نفروا من مكّة لمنع عيرهم.
وقوله: {أنّها لكم} يقول: إنّ ما معهم غنيمةٌ لكم. {وتودّون أنّ غير ذات الشّوكة تكون لكم} يقول: وتحبّون أن تكون تلك الطّائفة الّتي ليست لها شوكةٌ، يقول: ليس لها حدٌّ ولا فيها قتالٌ أن تكون لكم، يقول: تودّون أن تكون لكم العير الّتي ليس فيها قتالٌ لكم دون جماعة قريشٍ الّذين جاءوا لمنع عيرهم الّذين في لقائهم القتال والحرب. وأصل الشّوكة من الشّوك.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا عليّ بن نصرٍ، وعبد الوارث بن عبد الصّمد، قالا: حدّثنا عبد الصّمد بن عبد الوارث، قال: حدّثنا أبان العطّار، قال: حدّثنا هشام بن عروة، عن عروة: أنّ أبا سفيان، أقبل ومن معه من ركبان قريشٍ مقبلين من الشّأم، فسلكوا طريق السّاحل فلمّا سمع بهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ندب أصحابه، وحدّثهم بما معهم من الأموال وبقلّة عددهم. فخرجوا لا يريدون إلاّ أبا سفيان، والرّكب معه لا يرونها إلاّ غنيمةً لهم، لا يظنّون أن يكون كبير قتالٍ إذا رأوهم. وهي ما أنزل اللّه: {وتودّون أنّ غير ذات الشّوكة تكون لكم}.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق، عن محمّد بن مسلمٍ الزّهريّ، وعاصم بن عمر بن قتادة، وعبد اللّه بن أبي بكرٍ، ويزيد بن رومان، عن عروة بن الزّبير، وغيرهم، من علمائنا، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ، كلٌّ قد حدّثني بعض، هذا الحديث فاجتمع حديثهم فيما سقت من حديث بدرٍ، قالوا: لمّا سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بأبي سفيان مقبلاً من الشّأم ندب المسلمين إليهم، وقال: هذه عير قريشٍ فيها أموالهم، فاخرجوا إليها لعلّ اللّه أن ينفّلكموها، فانتدب النّاس، فخفّ بعضهم وثقل بعضٌ، وذلك أنّهم لم يظنّوا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يلقى حربًا.
وكان أبو سفيان حين دنا من الحجاز يتجسّس الأخبار ويسأل من لقي من الرّكبان تخوّفًا من النّاس، حتّى أصاب خبرًا من بعض الرّكبان أنّ محمّدًا قد استنفر أصحابه لك ولعيرك، فحذر عند ذلك، واستأجر ضمضم بن عمرٍو الغفاريّ، فبعثه إلى مكّة، وأمره أن يأتي قريشًا يستنفرهم إلى أموالهم ويخبرهم أنّ محمّدًا قد عرض لها في أصحابه. فخرج ضمضم بن عمرٍو سريعًا إلى مكّة، وخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في أصحابه، حتّى بلغ واديًا يقال له ذفران، فخرج منه، حتّى إذا كان ببعضه نزل وأتاه الخبر عن قريشٍ بمسيرهم ليمنعوا عيرهم، فاستشار النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم النّاس، وأخبرهم عن قريشٍ، فقام أبو بكرٍ رضي اللّه عنه فقال فأحسن ثمّ قام عمر رضي اللّه عنه فقال فأحسن، ثمّ قام المقداد بن عمرٍو فقال: يا رسول اللّه امض إلى حيث أمرك اللّه فنحن معك، واللّه لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى: {اذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون} ولكن اذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا معكما مقاتلون، فوالّذي بعثك بالحقّ لئن سرت بنا إلى برك الغماد يعني مدينة الحبشة لجالدنا معك من دونه حتّى تبلغه، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خيرًا، ثمّ دعا له بخيرٍ، ثمّ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أشيروا عليّ أيّها النّاس وإنّما يريد الأنصار، وذلك أنّهم كانوا عدد النّاس، وذلك أنّهم حين بايعوه على العقبة، قالوا: يا رسول اللّه إنّا برآء من ذمامك حتّى تصل إلى ديارنا، فإذا وصلت إلينا فأنت في ذمّتنا، نمنعك ممّا نمنع منه أبناءنا ونساءنا. فكأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خاف أن لا تكون الأنصار ترى عليها نصرته إلاّ ممّن دهمه بالمدينة من عدوّه، وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدوٍّ من بلادهم. قال: فلمّا قال ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال له سعد بن معاذٍ: لكأنّك تريدنا يا رسول اللّه؟ قال: أجل. قال: فقد آمنّا بك وصدّقناك، وشهدنا أنّ ما جئت به هو الحقّ، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السّمع والطّاعة فامض يا رسول اللّه لما أردت، فوالّذي بعثك بالحقّ إن استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلّف منّا رجلٌ واحدٌ، وما نكره أن يلقانا عدوّنا غدًا، إنّا لصبرٌ عند الحرب، صدقٌ عند اللّقاء، لعلّ اللّه أن يريك منّا ما تقرّ به عينك، فسر بنا على بركة اللّه، فسرّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بقول سعدٍ ونشّطه ذلك، ثمّ قال: سيروا على بركة اللّه وأبشروا، فإنّ اللّه قد وعدني إحدى الطّائفتين، واللّه لكأنّي أنظر الآن إلى مصارع القوم غدًا.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: أنّ أبا سفيان، أقبل في عيرٍ من الشّأم فيها تجارة قريشٍ، وهي اللّطيمة، فبلغ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّها قد أقبلت فاستنفر النّاس، فخرجوا معه ثلاثمائةٍ وبضعة عشر رجلاً، فبعث عينًا له من جهينة، حليفًا للأنصار يدعى ابن الأريقط، فأتاه بخبر القوم.
وبلغ أبا سفيان خروج محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، فبعث إلى أهل مكّة يستعينهم، فبعث رجلاً من بني غفارٍ يدعى ضمضم بن عمرٍو، فخرج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ولا يشعر بخروج قريشٍ، فأخبره اللّه بخروجهم، فتخوّف من الأنصار أن يخذلوه ويقولوا: إنّا عاهدنا أن نمنعك إن أرادك أحدٌ ببلدنا. فأقبل على أصحابه فاستشارهم في طلب العير، فقال له أبو بكرٍ رضي اللّه عنه: إنّي قد سلكت هذا الطّريق، فأنا أعلم به، وقد فارقهم الرّجل بمكان كذا وكذا، فسكت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، ثمّ عاد فشاورهم، فجعلوا يشيرون عليه بالعير. فلمّا أكثر المشورة، تكلّم سعد بن معاذٍ فقال: يا رسول اللّه، أراك تشاور أصحابك فيشيرون عليك وتعود فتشاورهم، فكأنّك لا ترضى ما يشيرون عليك وكأنّك تتخوّف أن تتخلّف عنك الأنصار، أنت رسول اللّه، وعليك أنزل الكتاب، وقد أمرك اللّه بالقتال ووعدك النّصر، واللّه لا يخلف الميعاد، امض لما أمرت به، فوالّذي بعثك بالحقّ لا يتخلّف عنك رجلٌ من الأنصار، ثمّ قام المقداد بن الأسود الكنديّ، فقال: يا رسول اللّه إنّا لا نقول لك كما قال بنو إسرائيل لموسى: {اذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون} ولكنّا نقول: أقدم فقاتل إنّا معك مقاتلون، ففرح رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بذلك وقال: إنّ ربّي وعدني القوم وقد خرجوا فسيروا إليهم فساروا.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وإذ يعدكم اللّه إحدى الطّائفتين أنّها لكم وتودّون أنّ غير ذات الشّوكة تكون لكم} قال: الطّائفتان إحداهما أبو سفيان بن حربٍ إذ أقبل بالعير من الشّأم، والطّائفة الأخرى أبو جهلٍ معه نفرٌ من قريشٍ. فكره المسلمون الشّوكة والقتال، وأحبّوا أن يلقوا العير، وأراد اللّه ما أراد.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وإذ يعدكم اللّه إحدى الطّائفتين} قال: أقبلت عير أهل مكّة يريد: من الشّام فبلغ أهل المدينة ذلك، فخرجوا ومعهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يريدون العير، فبلغ ذلك أهل مكّة، فسارعوا السّير إليها لا يغلب عليها النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه، فسبقت العير رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وكان اللّه وعدهم إحدى الطّائفتين، فكانوا أن يلقوا العير أحبّ إليهم وأيسر شوكةً وأحضر مغنمًا. فلمّا سبقت العير، وفاتت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، سار رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالمسلمين يريد القوم، فكره القوم مسيرهم لشوكةٍ في القوم.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وإذ يعدكم اللّه إحدى الطّائفتين أنّها لكم وتودّون أنّ غير ذات الشّوكة تكون لكم} قال: أرادوا العير قال: ودخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المدينة في شهر ربيعٍ الأوّل، فأغار كرز بن جابرٍ الفهريّ يريد سرح المدينة حتّى بلغ الصّفراء، فبلغ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فركب في أثره، فسبقه كرز بن جابرٍ، فرجع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فأقام سنته. ثمّ إنّ أبا سفيان أقبل من الشّأم في عيرٍ لقريشٍ، حتّى إذا كان قريبًا من بدرٍ، نزل جبريل على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فأوحى إليه: {وإذ يعدكم اللّه إحدى الطّائفتين أنّها لكم وتودّون أنّ غير ذات الشّوكة تكون لكم} فنفر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بجميع المسلمين، وهم يومئذٍ ثلاثمائةٍ وثلاثة عشر رجلاً، منهم سبعون ومائتان من الأنصار، وسائرهم من المهاجرين. وبلغ أبا سفيان الخبر وهو بالبطم، فبعث إلى جميع قريشٍ وهم بمكّة، فنفرت قريشٌ وغضبت.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: {وإذ يعدكم اللّه إحدى الطّائفتين أنّها لكم وتودّون أنّ غير ذات الشّوكة تكون لكم} قال: كان جبريل عليه السّلام قد نزل، فأخبره بمسير قريشٍ وهي تريد عيرها، ووعده: إمّا العير، وإمّا قريشًا وذلك كان ببدرٍ، وأخذوا السّقاة وسألوهم، فأخبروهم، فذلك قوله: {وتودّون أنّ غير ذات الشّوكة تكون لكم} هم أهل مكّة.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وتودّون أنّ غير ذات الشّوكة تكون لكم} إلى آخر الآية: خرج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى بدرٍ وهم يريدون يعترضون عيرًا لقريشٍ قال: وخرج الشّيطان في صورة سراقة بن جعشمٍ، حتّى أتى أهل مكّة، فاستغواهم وقال: إنّ محمّدًا وأصحابه قد عرضوا لعيركم، وقال: لا غالب لكم اليوم من النّاس من مثلكم؟ وإنّي جارٌ لكم أن تكونوا على ما يكره اللّه. فخرجوا ونادوا أن لا يتخلّف منّا أحدٌ إلاّ هدمنا داره واستبحناه، وأخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه بالرّوحاء عينًا للقوم، فأخبره بهم، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ اللّه قد وعدكم العير أو القوم. فكانت العير أحبّ إلى القوم من القوم، كان القتال في الشّوكة، والعير ليس فيها قتالٌ، وذلك قول اللّه: {وتودّون أنّ غير ذات الشّوكة تكون لكم} قال: الشّوكة: القتال، وغير الشّوكة: العير.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا يعقوب بن محمّدٍ الزّهريّ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن وهبٍ، عن ابن لهيعة، عن ابن أبي حبيبٍ، عن أبي عمران، عن أبي أيّوب، قال: أنزل اللّه جلّ وعزّ: {وإذ يعدكم اللّه إحدى الطّائفتين أنّها لكم} فلمّا وعدنا إحدى الطّائفتين أنّها لنا طابت أنفسنا. والطّائفتان: عير أبي سفيان، أو قريشٌ.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا سويد بن نصرٍ قال: أخبرنا ابن المبارك، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيبٍ، عن أسلم أبي عمران الأنصاريّ، أحسبه قال: قال أبو أيّوب: {وإذ يعدكم اللّه إحدى الطّائفتين أنّها لكم وتودّون أنّ غير ذات الشّوكة تكون لكم} قالوا: الشّوكة: القوم وغير الشّوكة: العير، فلمّا وعدنا اللّه إحدى الطّائفتين: إمّا العير، وإمّا القوم، طابت أنفسنا.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثني يعقوب بن محمّدٍ قال: حدّثني غير واحدٍ، في قوله: {وتودّون أنّ غير ذات الشّوكة تكون لكم} إنّ الشّوكة قريشٌ.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: حدّثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول، في قوله: {وتودّون أنّ غير ذات الشّوكة تكون لكم} هي عير أبي سفيان، ودّ أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّ العير كانت لهم وأنّ القتال صرف عنهم.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {وتودّون أنّ غير ذات الشّوكة تكون لكم} أي: الغنيمة دون الحرب.
وأمّا قوله: {أنّها لكم} ففتحت على تكرير يعد، وذلك أنّ قوله: {يعدكم اللّه} قد عمل في إحدى الطّائفتين.
فتأويل الكلام: {وإذ يعدكم اللّه إحدى الطّائفتين} يعدكم أنّ إحدى الطّائفتين لكم، كما قال: {هل ينظرون إلاّ السّاعة أن تأتيهم بغتةً} قال: {وتودّون أنّ غير ذات الشّوكة تكون لكم} فأنّث ذات لأنّه مرادٌ بها الطّائفة.
ومعنى الكلام: وتودّون أنّ الطّائفة الّتي هي غير ذات الشّوكة تكون لكم، دون الطّائفة ذات الشّوكة.

القول في تأويل قوله تعالى: {ويريد اللّه أن يحقّ الحقّ بكلماته ويقطع دابر الكافرين}.
يقول تعالى ذكره: ويريد اللّه أن يحقّ الإسلام ويعليه بكلماته يقول: بأمره إيّاكم أيّها المؤمنون بقتال الكفّار، وأنتم تريدون الغنيمة والمال.
وقوله: {ويقطع دابر الكافرين} يقول: يريد أن يجبّ أصل الجاحدين توحيد اللّه.
وقد بيّنّا فيما مضى معنى دابرٍ، وأنّه المتأخّر، وأنّ معنى قطعه الإتيان على الجميع منهم.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قول اللّه: {ويريد اللّه أن يحقّ الحقّ بكلماته} أن يقتل هؤلاء الّذين أراد أن يقطع دابرهم، هذا خيرٌ لكم من العير.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {ويريد اللّه أن يحقّ الحقّ بكلماته ويقطع دابر الكافرين} أي: الوقعة الّتي أوقع بصناديد قريشٍ وقادتهم يوم بدرٍ). [جامع البيان: 11/40-49]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وإذ يعدكم اللّه إحدى الطّائفتين أنّها لكم وتودّون أنّ غير ذات الشّوكة تكون لكم ويريد اللّه أن يحقّ الحقّ بكلماته ويقطع دابر الكافرين (7)
قوله تعالى وإذ يعدكم اللّه
- حدّثنا إسماعيل بن إسرائيل ثنا سماك بن حربٍ عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ قال: قيل للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا فرغ من بدرٍ: عليك بالعير ليس دونها شيء، فناداها العبّاس وهو أسيرٌ: لا يصلح لك ذاك، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ولم؟ قال: لأنّ اللّه قد وعدك إحدى الطّائفتين، وقد أعطاك ما وعدك.
قوله تعالى: إحدى الطائفتين
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيدٍ القطّان ثنا زيد بن الحباب، ثنا ابن لهيعة ثنا يزيد بن حبيبٍ أنّ أبا عمران أسلم حدّثه قال: سمعت أبا أيّوب الأنصاري يقول: قال لنا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم: ما ترون فيهم؟ فقلنا: يا رسول اللّه، ما لنا طاقةٌ بقتال القوم، إنّما خرجنا للعير، ثمّ أنزلت وإذ يعدكم اللّه إحدى الطّائفتين أنّها لكم وطابت أنفسنا حين وعد اللّه إحدى الطّائفتين فالطّائفة: العير.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد بن زريعٍ ثنا سعيدٌ بن قتادة قوله: إذ يعدكم اللّه إحدى الطّائفتين أنّها لكم فالطّائفتان: أحدهما أبو سفيان أقبل بالعير من الشّام، والطّائفة الأخرى: أبو جهل بن هشامٍ معه نفير قريشٍ.
قوله تعالى: وتودّون أنّ غير ذات الشّوكة تكون لكم
- حدّثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيدٍ القطّان، ثنا زيد بن الحباب، ثنا ابن لهيعة ثنا يزيد بن أبي حبيبٍ أنّ أسلم أبا عمران حدّثه قال: سمعت أبا أيّوب يقول: قال لنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ونحن بالمدينة وبلغه أنّ عير أبي سفيان قد أقبلت ثمّ نزلت وإذ يعدكم اللّه إحدى الطّائفتين أنّها لكم وتودّون أنّ غير ذات الشّوكة والشّوكة: هم العدوّ.
- حدّثنا أبي ثنا يحيى بن سليمان الجعفيّ حدّثني ابن وهبٍ حدّثني ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيبٍ أنّ أسلم أبا عمران التجيبي حدثني أنّه سمع أبا أيّوب الأنصاريّ يقول: قال لنا رسول اللّه: وإذ يعدكم اللّه إحدى الطّائفتين أنّها لكم وتودّون أنّ غير ذات الشّوكة تكون لكم والشّوكة: القوم، وغير الشّوكة: العير.
- حدّثنا أبي ثنا عبد العزيز بن منيبٍ ثنا أبو معاذٍ النّحويّ ثنا عبيد بن سليمان عن الضّحّاك قوله: وتودّون أنّ غير ذات الشّوكة تكون لكم هي عير أبي سفيان، ودّ أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّ العير كانت لهم وأنّ القتال صرف عنهم.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ ثنا محمّد بن عمرٍو ثنا سلمة عن محمّد بن إسحاق حدّثني محمّد بن جعفر بن الزّبير عن عروة بن الزّبير وتودّون أنّ غير ذات الشّوكة تكون لكم أي الغنيمة دون الحرب.
قوله تعالى: ويريد اللّه أن يحقّ الحقّ بكلماته
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ- فيما كتب إليّ- ثنا أحمد بن المفضّل ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ وتودّون أنّ غير ذات الشّوكة تكون لكم أرادوا العير واللّه يريد أن يحقّ الحقّ بكلماته.
قوله تعالى: ويقطع دابر الكافرين
- حدّثنا أبي ثنا عمرو بن عليٍّ ثنا ابن أبي عديٍّ عن محمّد بن عمرٍو قال: قال صفوان بن سليمٍ ويقطع دابر الكافرين فأوحى اللّه إليه القتال.
- حدّثنا أبو بكر بن أبي موسى حدّثنا هارون بن حاتمٍ حدّثنا عبد الرّحمن بن أبي حمّادٍ عن أسباطٌ عن السّدّيّ عن أبي مالكٍ قوله: دابر يعني: أصل
- حدّثنا أبي حدّثنا الحسن بن الرّبيع حدّثنا ابن إدريس عن ابن إسحاق ويقطع دابر الكافرين الوقعة الّتي أوقع اللّه بقريشٍ يوم بدرٍ). [تفسير القرآن العظيم: 5/1660-1662]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو بكرٍ أحمد بن سلمان الفقيه، ثنا جعفر بن محمّد بن شاكرٍ، ثنا أبو نعيمٍ، ثنا إسرائيل، عن سماكٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: لمّا فرغ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم من القتلى قيل له: عليك العير ليس دونها شيءٌ، فناداه العبّاس وهو في وثاقه، أنّه لا يصلح لك قال: «لم؟» قال: «لأنّ اللّه وعدك إحدى الطّائفتين، وقد أنجز لك ما وعدك» هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه "). [المستدرك: 2/357]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : ({وإذ يعدكم اللّه إحدى الطّائفتين أنّها لكم وتودّون أنّ غير ذات الشّوكة تكون لكم} [الأنفال: 7]، والشّوكة قريشٌ، فجعل اللّه لنا في ذلك العلاء والظّفر، فوجدنا خير الخير في الكره».
رواه البزّار، وفيه عبد العزيز بن عمران، وهو ضعيفٌ). [مجمع الزوائد: 7/26-27]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (حدّثنا بشر بن آدم، ثنا يعقوب بن محمّدٍ الزّهريّ، ثنا عبد العزيز بن عمران، ثنا محمّد بن عبد العزيز، عن أبيه، عن أبي سلمة بن عبد الرّحمن، عن أبيه، قال: نزل الإسلام بالكره والشّدّة، فوجدنا خير الخير في الكراهة، فخرجنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من مكّة.
فجعل لنا في ذلك العلاء والظّفر، وخرجنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى بدرٍ على الحال الّتي ذكر اللّه تبارك وتعالى: {وإنّ فريقًا من المؤمنين لكارهون {5} يجادلونك في الحقّ بعد ما تبيّن كأنّما يساقون إلى الموت وهم ينظرون {6} وإذ يعدكم اللّه إحدى الطّائفتين أنّها لكم وتودّون أنّ غير ذات الشّوكة تكون لكم} [الأنفال: 5-7] والشّوكة: قريشٌ، فجعل اللّه لنا في ذلك العلاء والظّفر، فوجدنا خير الخير في الكره.
قال البزّار: لا نعلمه يروى عن عبد الرّحمن بن عوفٍ إلا بهذا الإسناد). [كشف الأستار عن زوائد البزار: 3/50] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 7 - 8.
أخرج البيهقي في الدلائل عن ابن شهاب وموسى بن عقبة قالا مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قتل ابن الحضرمي شهرين ثم أقبل أبو سفيان بن حرب في عير لقريش من الشام ومعها سبعون راكبا من بطون قريش كلها وفيهم مخرمة بن نوفل وعمرو بن العاص وكانوا تجارا بالشام ومعهم خزائن أهل مكة ويقال: كانت عيرهم ألف بعير ولم يكن لأحد من قريش أوقية فما فوقها إلا بعث بها مع أبي سفيان إلا حويطب بن عبد العزى فلذلك كان تخلف عن بدر فلم يشهده فذكروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وقد كانت الحرب بينهم قبل ذلك وقتل ابن الحضرمي وأسر الرجلين عثمان والحكم فلما ذكرت عير أبي سفيان لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عدي بن أبي الزغباء الأنصاري من بني غنم وأصله من جهينة وبسبس - يعني ابن عمرو - إلى العير عينا له فسارا حتى أتيا حيا من جهينة قريبا من ساحل البحر فسألوهم عن العير وعن تجار قريش فأخبروهما بخبر القوم فرجعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه فاستنفر المسلمين للعير وذلك في رمضان، وقدم أبو سفيان على الجهنيين وهو متخوف من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقال: أحسوا من محمد فأخبروه خبر الراكبين عدي بن أبي الزغباء وبسبس وأشاروا له إلى مناخهما فقال أبو سفيان: خذوا من بعر بعيرهما ففته فوجد فيه النوى فقال: هذه علائف أهل يثرب وهذه عيون محمد وأصحابه فساروا سراعا خائفين للطلب وبعث أبو سفيان رجلا من بني غفار يقال له ضمضم بن عمرو إلى قريش أن انفروا فاحموا عيركم من محمد وأصحابه فإنه قد استنفر أصحابه ليعرضوا لنا وكانت عاتكة بنت عبد المطلب ساكنة بمكة وهي عمة رسول الله وكانت مع أخيها العباس بن عبد المطلب فرأت رؤيا قبل بدر وقبل قدوم ضمضم عليهم ففزعت منها فأرسلت إلى أخيها العباس بن عبد المطلب من ليلتها فجاءها العباس فقالت: رأيت الليلة رؤيا قد أشفقت منها وخشيت على قومك منها الهلكة، قال: وماذا رأيت قالت: لن أحدثك حتى تعاهدني أنك لا تذكرها فإنهم إن سمعوها آذونا وأسمعونا ما لا نحب فلما عاهدها العباس فقالت: رأيت راكبا أقبل من أعلى مكة على راحلته يصيح بأعلى صوته: يا آل غدر اخرجوا في ليلتين أو ثلاث فأقبل يصيح حتى دخل المسجد على راحلته فصاح ثلاث صيحات ومال عليه الرجال والنساء والصبيان وفزع له الناس أشد الفزع قال: ثم أراه مثل على ظهر الكعبة على راحلته فصاح ثلاث صيحات فقال: يا آل غدر ويا آل فجر اخرجوا في ليلتين أو ثلاث ثم أراه مثل على ظهر أبي قبيس كذلك يقول: يا آل غدر ويا آل فجر حتى أسمع من بين الأخشبين من أهل مكة ثم عمد إلى صخرة فنزعها من أصلها ثم أرسلها على أهل مكة فأقبلت الصخرة لها حس شديد حتى إذا كانت عند أصل الجبل ارفضت فلا أعلم بمكة دارا ولا بيتا إلا وقد دخلتها فلقة من تلك الصخرة فقد خشيت على قومك، ففزع العباس من رؤياها ثم خرج من عندها فلقي الوليد بن عتبة بن ربيعة من آخر تلك الليلة - وكان الوليد خليلا للعباس - فقص عليه رؤيا عاتكة وأمره أن لا يذكرها لأحد فذكرها الوليد لأبيه عتبة وذكرها عتبة لأخيه شيبة فارتفع الحديث حتى بلغ أبا جهل بن هشام واستفاض في أهل مكة فلما أصبحوا غدا العباس يطوف بالبيت فوجد في المسجد أبا جهل وعتبة وشيبة بن ربيعة وأمية وأبي بن خلف وزمعة بن الأسود وأبا البختري في نفر من قريش يتحدثون فلما نظروا إلى العباس ناداه أبو جهل: يا أبا الفضل إذا قضيت طوافك فهلم إلينا فلما قضى طوافه جاء فجلس إليهم فقال له أبو جهل: ما رؤيا رأتها عاتكة فقال: ما رأت من شيء، فقال أبو جهل: أما رضيتم يا بني هاشم كذب الرجال حتى جئتمونا بكذب النساء إنا وإياكم كفرسي رهان فاستبقنا المجد منذ حين فلما تحاكت الركب قلتم منا نبي فما بقي إلا أن تقولوا منا نبية فنا أعلم في قريش أهل بيت أكذب امرأة ولا رجل منكم وأذاه أشد الأذى وقال أبو جهل: زعمت عاتكة أن الراكب قال: اخرجوا في ليلتين أو ثلاث فلو قد مضت هذه الثلاث تبينت قريش كذبكم وكتبت سجلا أنكم أكذب أهل بيت في العرب رجلا وامرأة أما رضيتم يا بني قصي إن ذهبتم بالحجابة والندوة والسقاية واللواء والوفادة حتى جئتمونا بنبي منكم فقال العباس: هل أنت منته فإن الكذب منك ومن أهل بيتك فقال من حضرهما: ما كنت يا أبا الفضل جهولا خرقا، ولقي العباس من عاتكة فيما أفشى عليها من رؤياها أذى شديدا، فلما كان مساء الليلة التي رأت عاتكة فيها الرؤيا جاءهم الراكب الذي بعث أبو سفيان وهو ضمضم بن عمرو الغفاري فصاح وقال: يا آل غالب بن فهر انفروا فقد خرج محمد وأهل يثرب يعترضون لأبي سفيان فاحرزوا عيركم ففزعت قريش أشد الفزع وأشفقوا من رؤيا عاتكة وقال العباس: هذا زعمتم كذا وكذب عاتكة فنفروا على كل صعب وذلول وقال أبو جهل: أيظن محمد أن يصيب مثل ما أصاب بنخلة سيعلم أنمنع عيرنا أم لا، فخرجوا بخمسين وتسعمائة مقاتل وساقوا مائة فرس ولم يتركوا كارها للخروج يظنون أنه في قهر محمد وأصحابه ولا مسلما يعلمون إسلامه ولا أحدا من بني هاشم إلا من لا يتهمون إلا أشخصوه معهم فكان ممن أشخصوا العباس بن عبد المطلب ونوفل بن الحارث وطالب بن أبي طالب وعقيل بن أبي طالب في آخرين فهنالك يقول طالب بن أبي طالب:
إما يخرجن طالب * بمقنب من هذه المقانب
في نفر مقاتل يحارب * وليكن المسلوب غير السالب
والراجع المغلوب غير الغالب فساروا حتى نزلوا الجحفة نزلوها عشاء يتزودون من الماء ومنهم رجل من بني عبد المطلب بن عبد مناف يقال له جهيم بن الصلت بن مخرمة فوضع حهيم رأسه فأغفى ثم فزع فقال لأصحابه: هل رأيتم الفارس الذي وقف علي آنفا فقالوا: لا إنك مجنون، فقال: قد وقف علي فارس آنفا فقال: قتل أبو جهل وعتبة وشيبة وزمعة وأبو البختري وأمية بن خلف فعد أشرافا من كفار قريش، فقال له أصحابه: إنما لعب بك الشيطان ورفع حديث جهيم إلى أبي جهل فقال: قد جئتم بكذب بني المطلب مع كذب بني هاشم سيرون غدا من يقتل، ثم ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم عير قريش جاءت من الشام وفيها أبو سفيان بن حري ومخرمة بن نوفل وعمرو بن العاصي وجماعة من قريش فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلك حين خرج إلى بدر على نقب بني دينار ورجع حين رجع من ثنية الوداع فنفر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نفر ومعه ثلثمائة وسبعة عشر رجلا وفي رواية ابن فليح: ثلثمائة وثلاثة عشر رجلا وأبطأ عنه كثير من أصحابه وتربصوا وكانت أول وقعة أعز الله فيها الإسلام فخرج في رمضان على رأس ثمانية عشر شهرا من مقدمه المدينة ومعه المسلمون لا يريدون إلا العير فسلك على نقب بني دينار والمسلمون غير معدين من الظهر إنما خرجوا على النواضح يعتقب الرجل منهم على البعير الواحد وكان زميل رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب ومرثد بن أبي مرثد الغنوي حليف حمزة فهم معه ليس مهعهم إلا بعير واحد فساروا حتى إذا كانوا بعرق الظبية لقيهم راكب من قبل تهامة - والمسلمون يسيرون - فوافقه نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن أبي سفيان فقال: لا علم لي به، فلما يئسوا من خبره فقالوا له: سلم على النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: وفيكم رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: نعم، قال: أيكم هو فأشاروا له إليه فقال الأعرابي: أنت رسول الله كما تقول قال: نعم، قال: إن كنت رسول الله كما تزعم فحدثني بما في بطن ناقتي هذه فغضب رجل من الأنصارمن بني عبد الأشهل يقال له سلمة بن سلامة بن وقش فقال للأعرابي: وقعت على ناقتك فحملت منك، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال سلمة حين سمعه أفحش فأعرض عنه ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يلقاه خبر ولا يعلم بنفرة قريش فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أشيروا علينا في أمرنا ومسيرنا فقال أبو بكر: يا رسول اله أنا أعلم الناس بمسافة الأرض أخبرنا عدي بن أبي الزغباء أن العير كانت بوادي كذا وكذا فكانا وإياهم فرسخان إلى بدر، ثم قال: أشيروا علي فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله إنها قريش وعزها والله ما ذلت منذ عزت ولا آمنت منذ كفرت والله لتقاتلنك فتأهب لذلك أهبته وأعدد له عدته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أشيروا علي فقال المقداد بن عمرو: إنا لا نقول لك كما قال أصحاب موسى (اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون) (المائدة الآية 24) ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم متبعون، فقال رسول الله: أشيروا علي فلما رأى سعد بن معاذ كثرة استشارة النّبيّ أصحابه فيشيرون فيرجع إلى المشورة ظن سعد أنه يستنطق الأنصار شفقا أن لا يستحوذوا معه على ما يريد من أمره فقال سعد بن معاذ لعلك يا رسول الله تخشى أن لا تكون الأنصار يريدون مواساتك ولا يرونها حقا عليهم إلا بأن يروا عدوا في بيوتهم وأولادهم ونسائهم وإني أقول عن الأنصار وأجيب عنهم: يا رسول الله فاظعن حيث شئت وخذ من أموالنا ما شئت ثم أعطنا ما شئت وما أخذته منا أحب إلينا مما تركت وما ائتمرت من أمر فأمرنا بأمرك فيه تبع فوالله لو سرت حتى تبلغ البركة من ذي يمن لسرنا معك، فلما قال ذلك سعد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سيروا على اسم الله فإني قد رأيت مصارع القوم فعمد لبدر، وخفض أبو سفيان فلصق بساحل البحر وكتب إلى قريش حين خالف مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأى أن قد أحرز ما معه وأمرهم أن يرجعوا فإنما أخرجتم لتحرزوا ركبكم فقد أحرز لكم فلقيهم هذا الخبر بالجحفة، فقال أبو جهل: والله لا نرجع حتى نقدم بدرا فنقيم فيها ونطعم من حضرنا من العرب فإنه لن يرانا أحد فيقاتلنا، فكره ذلك الأخنس بن شريق فأحب أن يرجعوا وأشار عليهم بالرجعة فأبوا وعصوا وأخذتهم حمية الجاهلية فلما يئس الأخنس من رجوع قريش أكب على بني زهرة فأطاعوه فرجعوا فلم يشهد أحد منهم بدرا واغتبطوا برأي الأخنس وتبركوا به فلم يزل فيهم مطاعا حتى مات وأرادت بنو هاشم الرجوع فيمن رجع فاشتد عليهم أبو جهل وقال: والله لا تفارقنا هذه العصابة حتى نرجع، وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل أدنى شيء من بدر ثم بعث علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وبسبسا الأنصاري في عصابة من أصحابه فقال لهم: اندفعوا إلى هذه الظراب وهي في ناحية بدر فإني أرجو أن تجدوا الخبر عند القليب الذي يعلى الظراب فانطلقوا متوشحي السيوف فوجدوا وارد قريش عند القليب الذي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذوا غلامين أحدهما لبني الحجاج بن الأسود والآخر لأبي العاصي يقال له أسلم وأفلت أصحابهما قبل قريش فأقبلوا بهما حتى أتوا بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في معرشة دون الماء فجعلوا يسألون العبدين عن أبي سفيان وأصحابه لا يرون إلا أنهم لهم فطفقا يحدثانهم عن قريش ومن خرج منهم وعن رؤوسهم فيكذبونهما وهم أكره شيء للذي يخبرانه وكانوا يطمعون بأبي سفيان وأصحابه ويكرهون قريشا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما يصلي يسمع ويرى الذي يصنعون بالعبدين فجعل العبدان إذا أذلقوهما بالضرب يقولان نعم هذا أبو سفيان (والركب) كما قال الله تعالى (أسفل منكم) قال الله (إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى والركب أسفل منكم ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا) (الأنفال الآية 42) قال فطفقوا إذا قال العبد إن هذه قريش قد جاءتكم كذبوهما وإذا قالا هذا أبو سفيان تركوهما، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم صنيعهم بهما سلم من صلاته وقال: ماذا أخبراكم قالوا: أخبرانا أن قريشا قد جاءت، قال: فإنهما قد صدقا والله إنكم لتضربونهما إذا صدقا وتتركونهما إذا كذبا خرجت قريش لتحرز ركبها وخافوكم عليهم ثم دعا رسول الله العبدين فسألهما فأخبراه بقريش وقالا: لا علم لنا بأبي سفيان.
فسألهما رسول الله صلى الله عليه وسلم كم القوم قالا: لا ندري والله هم كثير، فزعموا أن رسول الله قال: من أطعمهم أمس فسميا رجلا من القوم، قال: كم نحر لهم قالا: عشر جزائر، قال: فمن أطعمهم أول أمس فسميا رجلا آخر من القوم، قال: كم نحر لهم قالا: تسعا، فزعموا أن رسول الله قال: القوم ما بين التسعمائة والألف يعتبر ذلك بتسع جزائر ينحرونها يوما وعشر ينحرونها يوما، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أشيروا علي في المسير فقام الحباب بن المنذر أحد بني سلمة فقال: يا رسول الله أنا عالم بها وبقلبها إن رأيت أن تسير إلى قليب منها قد عرفتها كثيرة الماء عذبة فتنزل إليها ونسبق القوم إليها ونغور ما سواها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سيروا فإن الله قد وعدكم إحدى الطائفتين أنها لكم فوقع في قلوب ناس كثير الخوف وكان فيهم من تخاذل من تخويف الشيطان فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون مسابقين إلى الماء وسار المشركون سراعا يريدون الماء فأنزل الله عليهم في تلك الليلة مطرا واحدا فكان على المشركين بلاء شديدا منعهم أن يسيروا وكان على المسلمين ديمة خفيفة لبد لهم المسير والمنزل وكانت بطحاء فسبق المسلمون إلى الماء فنزلوا عليه شطر الليل فاقتحم القوم في القليب فما حوها حتى كثر ماؤها وصنعوا حوضا عظيما ثم غوروا ما سواه من المياه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذه مصارعهم إن شاء الله بالغداة، وأنزل الله (إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام) (الأنفال الآية 11)، ثم صف رسول الله على الحياض فلما طلع المشركون قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم هذه قريش قد جاءت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك اللهم إني أسألك ما وعدتني - ورسول الله صلى الله عليه وسلم ممسك بعضد أبي بكر يقول: اللهم إني أسألك ما وعدتني - فقال أبو بكر: أبشر فوالذي نفسي بيده لنيجزن الله لك ما وعدك، فاستنصر المسلمون الله واستعانوه فاستجاب الله لنبيه وللمسلمين وأقبل المشكون ومعهم إبليس في صورة سراقة بن جعشم المدلجي يحدثهم أن بني كنانة وراءهم قد أقبلوا لنصرهم وأنه لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم لما أخبرهم من مسير بني كنانة وأنزل الله (ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس) (الأنفال الآية 47) هذه الآية والتي بعدها، وقال رجال من المشركين لما رأوا قلة من مع محمد صلى الله عليه وسلم: غر هؤلاء دينهم، فأنزل الله (ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم) (الطلاق الآية 3)، وأقبل المشركون حتى نزلوا وتعبوا للقتال والشيطان معهم لا يفارقهم فسعى حكيم بن حزام إلى عتبة بن ربيعة فقال له: هل لك أن تكون سيد قريش ما عشت قال عتبة فأفعل ماذا قال: تجير بين الناس وتحمل دم ابن الحضرمي وبما أصاب محمد من تلك العير فإنهم لا يطلبون من محمد غير هذه العير ودم هذا الرجل، قال عتبة: نعم قد فعلت ونعما قلت ونعما دعوت إليه فاسع في عشيرتك فأنا أتحمل بها، فسعى حكيم في أشراف قريش بذلك يدعوهم فيه وركب عتبة جملا له فسار عليه في صفوف المشركين في أصحابه فقال: يا قوم أطيعوني فإنكم لا تطلبون عندهم غير دم ابن الحضرمي وما أصابوا من عيركم تلك وأنا أتحمل بوفاء ذلك ودعوا هذا الرجل فإن كان كاذبا ولي قتله غيركم من العرب فإن فيهم رجالا لكم فيهم قرابة قريبة وإنكم إن تقتلوهم لا يزال الرجل منكم ينظر إلى قاتل أبيه وأخيه أو ابن أخيه أو ابن عمه فيورث ذلك فيهم احنا وضغائن وإن كان هذا الرجل ملكا كنتم في ملك أخيكم وإن كان نبيا لم تقتلون النّبيّ فتيسئوا به ولن تخلصوا إليهم حتى يصيبوا أعدادهم ولا آمن أن يكون لكم الدبرة عليهم فحسده أبو جهل على مقالته وأبى الله إلا أن ينفذ أمره وعمد أبو جهل إلى ابن الحضرمي - وهو أخو المقتول - فقال: هذا عتبة يخذل بين الناس وقد تحمل بدية أخيك يزعم أنك قابلها أفلا تسحيون من ذلك أن تقبلوا الدية فزعموا أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال وهو ينظر إلى عتبة: إن يكن عند أحد من القوم خير فهو عند صاحب الجمل الأحمر وإن يطيعوه يرشدوا، فلما حرض أبو جهل قريشا على القتال أمر النساء يعولن عمر، فقمن يصحن: واعمراه واعمراه، تحريضا على القتال فاجتمعت قريش على القتال فقال عتبة لأبي جهل: سيعلم اليوم أي الأمرين أرشد، وأخذت قريش مصاف هذا القتال وقالوا لعمير بن وهب: اركب فاحذر محمدا وأصحابه، فقعد عمير على فرسه فأطاف برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثم رجع إلى المشركين فقال: حذرتهم بثلثمائة مقاتل زادوا شيئا أو نقصوا شيئا وحذرت سبعين بعيرا ونحو ذلك ولكن أنظروني حتى أنظر هل لهم مدد أو كمين فأطاف حولهم وبعثوا خيلهم معه فأطافوا حولهم ثم رجعوا فقالوا: لا مدد لهم ولا كمين وإنما هم أكلة جزور وقالوا لعمير حرش بين القوم فحمل عمير على الصف بمائة فارس، واضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لأصحابه: لا تقاتلوا حتى أؤذنكم وغشيه نوم فغلبه فلما نظر بعض القوم إلى بعض جعل أبو بكر يقول: يا رسول الله قد دنا القوم ونالوا منا، فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أراه الله إياهم في منامه قليلا وقلل المسلمين في أعين المشركين حتى طمع بعض القوم في بعض ولو أراه عددا كثيرا لفشلوا وتنازعوا في الأمر كما قال الله وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فوعظهم وأخبرهم أن الله قد أوجب الجنة لمن استشهد اليوم، فقام عمير بن الحمام من عجين كان يعجنه لأصحابه حين سمع قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن لي الجنة إن قتلت قال: نعم، فشد على أعداء الله مكانه فاستشهد وكان أول قتيل قتل ثم أقبل الأسود بن عبد الأسد المخزومي يحلف بآلهته ليشربن من الحوض الذي صنع محمد وليهدمنه فلما دنا من الحوض لقيه حمزة بن عبد المطلب فضرب رجله فقطعها فأقبل يحبو حتى وقع في جوف الحوض وأتبعه حمزة حتى قتله ثم نزل عتبة بن ربيعة عن جمله ونادى: هل من مبارز ولحقه أخوه شيبة والوليد ابنه فناديا يسألان المبارزة فقام إليهم ثلاثة من الأنصار فاستحيا النّبيّ صلى الله عليه وسلم من ذلك فناداهم أن ارجعوا إلى مصافكم وليقم إليهم بنو عمهم، فقام حمزة وعلي بن أبي طالب وعبيدة بن الحارث بن المطلب فقتل حمزة عتبة وقتل عبيدة شيبة وقتل علي الوليد وضرب شيبة رجل عبيدة فقطعها فاستنقذه حمزة وعلي فحمل حتى توفي بالصفراء وعند ذلك نذرت هند بنت عتبة لتأكلن من كبد حمزة إن قدرت عليها فكان قتل هؤلاء النفر قبل إلتقاء الجمعين، وعج المسلمون إلى الله يسألونه النصر حين رأوا القتال قد نشب ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه إلى الله يسأله ما وعده ويسأله النصر ويقول: اللهم إن ظهر على هذه العصابة ظهر الشرك ولم يقم لك دين وأبو بكر يقول: يا رسول الله والذي نفسي بيده لينصرنك الله وليبيضن وجهك فأنزل الله جندا في أكناف العدو فقال رسول الله: قد أنزل الله نصره: ونزلت الملائكة عليهم السلام أبشر يا أبا بكر فإني قد رأيت جبريل معتجرا يقود فرسا بين السماء والأرض فلما هبط إلى الأرض جلس عليها فتغيب عني ساعة ثم رأيت على شفته غبارا، وقال أبو جهل: اللهم انصر خير الدينين اللهم ديننا القديم ودين محمد الحديث ونكص الشيطان على عقبيه حين رأى الملائكة عليهم السلام وتبرأ من نصرة أصحابه وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ملء كفه من الحصباء فرمى بها وجوه المشركين فجعل الله تلك الحصباء عظيما شأنها لم يترك من المشركين رجلا إلا ملأت عينيه والملائكة عليهم السلام يقتلونهم ويأسرونهم ويجدون النفر كل رجل منهم مكبا على وجهه لا يدري أن يتوجه يعالج التراب ينزعه من عينيه، ورجعت قريش إلى مكة منهزمين مغلوبين وأذل الله بوقعة بدر رقاب المشركين والمنافقين فلم يبق بالمدينة منافق ولا يهودي إلا وهو خاضع عنقه لوقعة بدر وكان ذلك يوم الفرقان يوم فرق الله بين الشرك والإيمان وقالت اليهود تيقنا: أنه النّبيّ الذي نجد نعته في التوراة والله لا يرفع راية بعد اليوم إلا ظهرت، ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فدخل من ثنية الوداع ونزل القرآن يعرفهم الله نعمته فيما كرهوا من خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر فقال {كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون} هذه الآية وثلاث آيات معها وقال فيما استجاب للرسول للمؤمنين (إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم) (الأنفال الآية 9) الآية، وأخرى معها وأنزل فيما غشيهم من النعاس (إذ يغشيكم النعاس) (الأنفال الآية 11) الآية، ثم أخبرهم بما أوحى إلى الملائكة من نصرهم فقال (إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم) (الأنفال الآية 12) الآية والتي بعدها، وأنزل في قتل المشركين والقبضة التي رمى بها رسول الله (فلم تقلتوهم ولكن الله قتلهم) (الأنفال الآية 17) الآية والتي بعدها، وأنزل في استفتاحهم (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) (الأنفال الآية 19) ثم أنزل يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله في سبع آيات منها وأنزل في منازلهم (إذ أنتم بالعدوة الدنيا) (الأنفال الآية 42) الآية والتي بعدها.
وأنزل فيما تكلم به من رأى قلة المسلمين (غر هؤلاء دينهم) (الأنفال الآية 49) الآية وأنزل في قتلى المشركين ومن اتبعهم (ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا) (الأنفال الآية 50) الآية وثمان آيات معها.
وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما سمع رسول الله بأبي سفيان مقبلا من الشام ندب المسلمين إليهم وقال هذه عير قريش فيها أموالهم فأخرجوا إليها لعل الله يتفلكموها، فانتدب الناس فخف بعضهم وثقل بعضهم وذلك أنهم لم يظنوا أن رسول الله يلقي حربا وكان أبو سفيان حين دنا من الحجاز يتجسس الأخبار ويسأل من لقي من الركبان تخوفا عن أمر الناس حتى أصاب خبرا من بعض الركبان أن محمدا صلى الله عليه وسلم قد استنفر لك أصحابه فحذر من ذلك فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري فبعثه إلى مكة وأمره أن يأتي قريشا فليستنفرهم إلى أموالهم ويخبرهم أن محمدا صلى الله عليه وسلم قد عرض لها في أصحابه فخرج سريعا إلى مكة وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ واديا يقال له وجران فأتاه الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عن عيرهم فاستشار النّبيّ صلى الله عليه وسلم الناس فقام أبو بكر رضي الله عنه فقال فأحسن ثم قام عمر رضي الله عنه فقال فأحسن ثم المقداد بن عمرو رضي الله عنه فقال: يا رسول الله امض لم أمرك الله به فنحن معك والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى عليه السلام (اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون) (المائدة الآية 24) ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم مقاتلون فو الله الذي بعثك لئن سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ودعا له وقال له سعد بن معاذ رضي الله عنه: لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضنا معك ما تخلف منا رجل واحد وما نكره أن يلقي منا عدونا غد إنا لصبر في الحرب صدق في اللقاء لعل الله تعالى يريك منا ما تقر به عينك فسر بنا على بركة الله تعالى، فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعد رضي الله عنه ونشطه ذلك سيروا وأبشروا فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين} قال أقبلت عير أهل مكة من الشام فبلغ أهل المدينة ذلك فخرجوا ومعهم رسول الله يريد العير فبلغ أهل مكة ذلك فخرجوا فأسرعوا السير إليها لكي لا يغلب عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فسبقت العير رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الله عز وجل وعدهم إحدى الطائفتين وكانوا إن يلقوا العير أحب إليهم وأيسر شوكة وأخصر نفرا فلما سبقت العير وفاتت رسول الله صلى الله عليه وسلم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسلمين يريد القوم فكره القوم مسيرهم لشوكة القوم فنزل النّبيّ صلى الله عليه وسلم والمسلمون بينهم وبين الماء رملة دعصة فأصاب المسلمين ضعف شديد وألقى الشيطان في قلوبهم الغيظ فوسوس بينهم يوسوسهم تزعمون أنكم أولياء الله وفيكم رسوله وقد غلبكم المشركون على الماء وأنتم تصلون مجنبين وأمطر الله عليهم مطرا شديدا فشرب المسلمون وتطهروا فأذهب الله عنهم رجز الشيطان وأشف الرمل من إصابة المطر ومشى الناس عليه والدواب فساروا إلى القوم وأمد الله نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بألف من الملائكة عليهم السلام فكان جبريل عليه السلام في خمسمائة من الملائكة مجنبة وميكائيل في خمسمائة من الملائكة مجنبة وجاء إبليس في جند معه راية في صورة رجال من بني مدلج والشيطان في صورة سراقة بن مالك بن جعشم فقال الشيطان للمشركين (لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم) (الأنفال الآية 48) فلما اصطف القوم قال أبو جهل: اللهم أولانا بالحق فانصره، ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه فقال: يا رب إن تهلك هذه العصابة في الأرض فلن تعبد في الأرض أبدا، فقال له جبريل: خذ قبضة من التراب فأرم به وجوههم فما من المشركين من أحد إلا أصاب عينيه ومنخريه وفمه من تلك القبضة فولوا مدبرين وأقبل جبريل عليه السلام فلما رآه إبليس وكانت يده في يد رجل من المشركين انتزع إبليس يده ثم ولى مدبرا وشيعته فقال الرجل: يا يا سراقة أتزعم أنك لنا جار فقال: إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب فذلك حين رأى الملائكة.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله {وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم} قال: الطائفتان إحداهما أبو سفيان أقبل بالعير من الشام والطائفة الأخرى أبو جهل بن
هشام معه نفر من قريش فكره المسلمون الشوكة والقتال وأحبوا أن يلتقوا العير وأراد الله ما أراد.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك رضي الله عنه في قوله {وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم} قال: هي عير أبي سفيان ود أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن العير كانت لهم وأن القتال صرف عنهم.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه {ويقطع دابر الكافرين} أي يستأصلهم.
وأخرج الفريابي، وابن أبي شيبة وأحمد، وعبد بن حميد والترمذي وحسنه وأبو يعلى، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قيل لرسول الله حين فرغ من بدر: عليك العير ليس دونها شيء فناداه العباس رضي الله عنه وهو في وثاقه أسير: إنه لا يصلح لك، قال: ولم قال: لأن الله إنما وعدك إحدى الطائفتين وقد أعطاك ما وعدك، قال: صدقت). [الدر المنثور: 7/29-50]

تفسير قوله تعالى: (لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ليحقّ الحقّ ويبطل الباطل ولو كره المجرمون}.
يقول تعالى ذكره: ويريد اللّه أن يقطع دابر الكافرين كيما يحقّ الحقّ، كيما يعبد اللّه وحده دون الآلهة والأصنام، ويعزّ الإسلام، وذلك هو تحقيق الحقّ {ويبطل الباطل} يقول ويبطل عبادة الآلهة والأوثان والكفر {ولو كره} ذلك الّذين أجرموا، فاكتسبوا المآثم والأوزار من الكفّار.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {ليحقّ الحقّ ويبطل الباطل ولو كره المجرمون} هم المشركون.
وقيل: إنّ الحقّ في هذا الموضع: اللّه عزّ وجلّ). [جامع البيان: 11/50]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ليحقّ الحقّ ويبطل الباطل ولو كره المجرمون (8)
قوله تعالى: ليحقّ الحقّ ويبطل الباطل
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ- فيما كتب إليّ- ثنا أحمد بن مفضّلٍ ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: ليحقّ الحقّ ويبطل الباطل ولو كره المجرمون وهم المشركون). [تفسير القرآن العظيم: 5/1662]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 26 ربيع الثاني 1434هـ/8-03-2013م, 10:28 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي

{كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5) يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (6) وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8)}


*تفسير قوله تعالى: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5)}:

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت:207هـ): (وقوله: {كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ...}
على كره منهم، فامض لأمر الله في الغنائم كما مضيت على مخرجك وهم كارهون. ويقال فيها: يسألونك عن الأنفال كما جادلوك يوم بدر فقالوا: أخرجتنا للغنيمة ولم تعلمنا قتالا فنستعدّ له. فذلك). [معاني القرآن:1/403]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ( {كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ وإنّ فريقاً مّن المؤمنين لكارهون}
وقال: {كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ} فهذه الكاف يجوز أن تكون على قوله: {أولئك هم المؤمنون حقّاً} [4] {كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ}. وقال بعض أهل العلم {كما أخرجك ربك من بيتك بالحق} {فاتّقوا اللّه وأصلحوا ذات بينكم} [1] فأضاف {ذات} إلى "البين" وجعله {ذات} لأن بعض الأشياء يوضع عليه اسم مؤنث وبعضه يذكر نحو "الدار" و"الحائط" أنّثت "الدار" وذكّر "الحائط"). [معاني القرآن:24-2/23]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (قوله {كما أخرجك ربك من بيتك} قال ابن عباس رحمه الله: المعنى: امض على الذي أخرجك ربك من بيتك؛ صيرها في معنى الكاف، فصير معنى "على الذي": "كما".
وقد يجوز أن يكون المعنى لما قال: {وأطيعوا الله كما أخرجك ربك} أي كما فعل ذلك ربك). [معاني القرآن لقطرب: 625]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ( {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} [الأنفال: 5] يزيد: أن كراهتهم لما فعلته في الغنائم ككراهتهم للخروج معك، كأنه قال: هذا من كراهيتهم كما أخرجك وإيّاهم ربّك وهم كارهون.
ومن تتبع هذا من كلام العرب وأشعارها وجده كثيرا.
قال الشاعر:
فلا تدفنوني إنّ دفني محرّم = عليكم، ولكنْ خامِرِي أمَّ عامِر
يريد: لا تدفنوني ولكن دعوني للتي يقال لها إذا صيدت: خامري أمّ عامر، يعني الضّبع، لتأكلني.
وقال عنترة:
هل تبلغنِّي دارَها شَدَنِيَّة = لُعِنَتِ بمحرومِ الشَّرابِ مُصَرَّمِ
يريد: دُعيَ عليها بأن يحرم ضرعها أن يدرَّ فيه لَبَن، فاستجيب للداعي، فلم تحمل ولم ترضع.
ومثله قول الآخر: ملعونة بعقر أو خادج
أي: دعي عليها أن لا تحمل، وإن حملت: أن تلقي ولدها لغير تمام، فإذا لم تحمل الناقة ولم ترضع كان أقوى لها.
ومن أمثال العرب: (عسى الغوير أبؤسا) أي: أن يأتينا من قبل الغوير بأس ومكروه. والغوير: ماء، ويقال: هو تصغير غار). [تأويل مشكل القرآن:221](م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: {كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ وإنّ فريقا من المؤمنين لكارهون}
أي بالحق الواجب، ويكون تأويله: {كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ وإنّ فريقا من المؤمنين لكارهون}.
كذلك ننفل من رأينا وإن كرهوا. لأن بعض الصحابة قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - حين جعل لكل من أتى بأسير شيئا، قال يبقى أكثر الناس بغير شيء.
فموضع الكاف في { كما }" نصب، المعنى الأنفال ثابتة لك مثل إخراج ربّك إياك من بيتك بالحق.
وقوله: {فاتّقوا اللّه وأصلحوا ذات بينكم}.
معنى {ذات بينكم}حقيقة وصلكم، والبين: الوصل، قال تعالى: {لقد تقطّع بينكم}أي وصلكم.
فالمعنى: اتقوا اللّه وكونوا مجتمعين على ما أمر الله ورسوله، وكذلك اللهم أصلح ذات البين، أي أصلح الحال التي بها يجتمع المسلمون.
وقوله: {وأطيعوا اللّه ورسوله}
أي اقبلوا ما أمرتم به في الغنائم وغيرها). [معاني القرآن:400-2/399]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): ( وقوله جل وعز: {كما أخرجك ربك من بيتك بالحق} [آية:5] فيه أقوال
أ- قال الكسائي المعنى يجادلونك في الحق مجادلتهم كما أخرجك ربك من بيتك بالحق
ب- قال أبو عبيدة ما بمعنى الذي، أي والذي أخرجك هذا معنى كلامه
ج- وقول ثالث وهو أن المعنى قل الأنفال لله والرسول كما أخرجك ربك من بيتك بالحق أي كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وهم كارهون قل الأنفال لله والرسول وإن كرهوا
وقيل كما أخرجك ربك من بيتك متعلق بقوله تعالى: {لهم درجات عند ربهم} أي هذا الوعد لهم حق في الآخرة كما أخرجك ربك من بيتك بالحق فأنجز وعدك بالظفر). [معاني القرآن:132-3/131]

*تفسير قوله تعالى: {يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (6)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ(ت:207هـ): (وقوله: {يجادلونك في الحقّ بعدما تبيّن...}
وقوله: {فاتّقوا الله وأصلحوا ذات بينكم} أمر المسلمين أن يتآسوا في الغنائم بعد ما أمضيت لهم، أمرا ليس بواجب.
وقوله: {وإذ يعدكم اللّه إحدى الطّائفتين}، ثم قال {أنّها لكم} فنصب {إحدى الطائفتين}بـ "يعد" ثم كرّها على أن يعدكم أن إحدى الطائفتين لكم كما قال: {فهل ينظرون إلا الساعة} ثم قال: {أن تأتيهم بغتة} فأن في موضع نصب كما نصبت الساعة وقوله: {ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات} رفعهم بـ {لولا}، ثم قال: {أن تطئوهم} فأن في موضع رفع بـ {لولا}). [معاني القرآن:404-1/403]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: {يجادلونك في الحقّ بعدما تبيّن كأنّما يساقون إلى الموت وهم ينظرون}
وعدهم الله جلّ وعزّ في غزاة بدر أنّهم يظفرون بأهل مكة وبالعير وهي الإبل لكراهتهم القتال، فجادلوا النبي - صلى الله عليه وسلم - وقالوا إنما خرجنا إلى العير.
وقوله: {كأنّما يساقون إلى الموت}.
أي وهم كانوا في خروجهم للقتال كأنهم يساقون إلى الموت لقلّة عددهم وأنهم رجّالة، يروى أنهم إنما كان فيهم فارسان فخافوا). [معاني القرآن:2/401]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {يجادلونك في الحق بعد ما تبين} [آية:6]
فكما كان هذا حقا فكذلك كل ما وعدكم به حق يجادلونك في الحق بعد ما تبين، وتبيينه أنه لما خبرهم بخبر بعد خبر من الغيوب حقا وجب أن لا يشكوا في خبره
وأحسنها قول مجاهد أن المعنى كما أخرجك ربك من بيتك أي من المدينة إلى بدر على كره كذلك يجادلونك في الحق لأن كلا الأمرين قد كان مع قرب أحدهما من الآخر فذلك أولى مما بعد عنه). [معاني القرآن:3/132]

*تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7)}:
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {غير ذات الشّوكة} مجاز الشوكة: الحدّ، يقال: ما أشدّ شوكة بني فلان أي حدّهم). [مجاز القرآن:1/241]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ( {وإذ يعدكم اللّه إحدى الطّائفتين أنّها لكم وتودّون أنّ غير ذات الشّوكة تكون لكم ويريد اللّه أن يحقّ الحقّ بكلماته ويقطع دابر الكافرين}
وقال: {وإذ يعدكم اللّه إحدى الطّائفتين أنّها لكم} فقوله: {أنّها} بدل من قوله: {إحدى الطّائفتين} وقال: {غير ذات الشّوكة} فأنث لأنه يعني "الطائفة"). [معاني القرآن:2/24]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {ذات الشوكة} فالشوكة: الحد، يقال: ما أشد شوكتهم؛ كان ابن عباس يقول: {ذات شوكة} ذات القتال). [معاني القرآن لقطرب: 620]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ) : ( {غير ذات الشوكة}: والحج، ومنه شاك السلاح). [غريب القرآن وتفسيره:157]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ( {ذات الشّوكة} ذات السلاح. ومنه قيل: فلان شاكّ السلاح). [تفسير غريب القرآن:177]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وإذ يعدكم اللّه إحدى الطّائفتين أنّها لكم وتودّون أنّ غير ذات الشّوكة تكون لكم ويريد اللّه أن يحقّ الحقّ بكلماته ويقطع دابر الكافرين}
المعنى: واذكروا إذ يعدكم الله أن لكم إحدى الطائفتين.
{أنّها لكم} في موضع نصب على البدل من {إحدى} ومثله قوله:
{ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم}
المعنى: ولولا أن تطؤوهم.
وقوله: {وتودّون أنّ غير ذات الشّوكة تكون لكم}.
أي تودّون أنّ الطائفة التي ليست فيها حرب ولا سلاح، وهي الإبل تكون لكم، وذات الشوكة ذات السلاح، يقال: فلان شاك في السلاح.
وشائك في السلاح وشالّ السلاح بتشديد الكاف من الشكة، ومثل شاكي
قول الشاعر:
فتعرّفوني إنّني أنا ذاكم..=. شاك سلاحي في الحوادث معلم
وقوله: {ويريد اللّه أن يحقّ الحقّ بكلماته ويقطع دابر الكافرين}
أي ظفركم بذات الشوكة أقطع لدابرهم). [معاني القرآن:402-2/401]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم} [آية:7]
قال قتادة الطائفتان أبو سفيان معه العير وأبو جهل معه نفير قريش وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبون أن يظفروا بالعير وأراد الله عز وجل غير ذلك
والشوكة السلاح.
8-ثم قال جل وعز: {ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين} [آية:7] أي كان في ظهورهم على المشركين وإمدادهم بالملائكة ما أحق به الحق وقطع دابر الكافرين). [معاني القرآن:3/133]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ):{الشوكة}: السلاح، وحدة الحرب وخشونتها). [ياقوتة الصراط:236]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ( {ذَاتِ الشَّوْكَةِ} ذات السلاح). [تفسير المشكل من غريب القرآن:91]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ( {الشَّوْكَةِ}: السلاح). [العمدة في غريب القرآن:142]

تفسير قوله تعالى: (لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8) )


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 6 جمادى الأولى 1434هـ/17-03-2013م, 07:05 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5) }


تفسير قوله تعالى: {يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (6) }

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (هذا بابٌ تكون فيه أن بدلا من شيءٍ ليس بالآخر
من ذلك: {وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم} فأن مبدلة من إحدى الطائفتين موضوعةٌ في مكانها كأنك قلت وإذ يعدكم الله أن إحدى الطائفتين لكم كما أنك إذا قلت رأيت متاعك بعضه فوق بعض فقد أبدلت الآخر من الأول وكأنك قلت رأيت بعض متاعك فوق بعض وإنما نصبت بعضاً لأنك أردت معنى رأيت بعض متاعك فوق بعض كما جاء الأول على معنى وإذ يعدكم الله أن إحدى الطائفتين لكم.
ومن ذلك قوله عز وجل: {ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون} فالمعنى والله أعلم ألم يروا أن القرون الذين أهلكناهم إليهم لا يرجعون.
ومما جاء مبدلاً من هذا الباب: {أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون} فكأنه على أيعدكم أنكم مخرجون
إذا متم وذلك أريد بها ولكنه إنما قدمت أن الأولى ليعلم بعد أي شيء الإخراج.
ومثل ذلك قولهم زعم أنه إذا أتاك أنه سيفعل وقد علمت أنه إذا فعل أنه سيمضي.
ولا يستقيم أن تبتدئ إن هاهنا كما تبتدئ الأسماء أو الفعل إذا قلت قد علمت زيداً أبوه خيرٌ منك وقد رأيت زيداً يقول أبوه ذاك لأن إن لا تبتدأ في كل موضع وهذا من تلك المواضع.
وزعم الخليل أن مثل ذلك قوله تبارك وتعالى: {ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم} ولو قال فإن كانت عربيه جيدة.
وسمعناهم يقولون في قول ابن مقبلٍ

وعلمي بأسدام المياه فلم تزل = قلائص تخدى في طريقٍ طلائح
وأنّي إذا ملّت ركابي مناخها = فإنّي على حظّي من الأمر جامح
وإن جاء في الشعر قد علمت أنك إذا فعلت إنك سوف تغتبط به تريد معنى الفاء جاز والوجه والحد ما قلت لك أول مرة.
وبلغنا أن الأعرج قرأ: (أنه من عمل منكم سوأ بجهالةٍ ثم تاب من بعده وأصلح فإنه غفورٌ رحيم) ونظيره ذا البيت الذي أنشدتك). [الكتاب: 3/132-134]

تفسير قوله تعالى: {لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8) }

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 17 شعبان 1435هـ/15-06-2014م, 03:22 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 17 شعبان 1435هـ/15-06-2014م, 03:22 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 17 شعبان 1435هـ/15-06-2014م, 03:22 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 17 شعبان 1435هـ/15-06-2014م, 03:23 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ وإنّ فريقاً من المؤمنين لكارهون (5) يجادلونك في الحقّ بعد ما تبيّن كأنّما يساقون إلى الموت وهم ينظرون (6) وإذ يعدكم اللّه إحدى الطّائفتين أنّها لكم وتودّون أنّ غير ذات الشّوكة تكون لكم ويريد اللّه أن يحقّ الحقّ بكلماته ويقطع دابر الكافرين (7)
اختلف الناس في الشيء الذي تتعلق به الكاف من قوله كما حسبما نبين من الأقوال التي أنا ذاكرها بعد بحول الله، والذي يلتئم به المعنى ويحسن سرد الألفاظ قولان، وأنا أبدأ بهما، قال الفراء: التقدير امض لأمرك في الغنائم ونفل من شئت وإن كرهوا كما أخرجك ربك، هذا نص قوله في هداية مكي رحمه الله، والعبارة بقوله: امض لأمرك ونفل من شئت غير محررة،
وتحرير هذا المعنى عندي أن يقال إن هذه الكاف شبهت هذه القصة التي هي إخراجه من بيته بالقصة المتقدمة التي هي سؤالهم عن الأنفال، كأنهم سألوا عن النفل وتشاجروا فأخرج الله ذلك عنهم، فكانت فيه الخيرة كما كرهوا في هذه القصة انبعاث النبي صلى الله عليه وسلم فأخرجه الله من بيته فكانت في ذلك الخيرة، فتشاجرهم في النفل بمثابة كراهيتهم هاهنا للخروج، وحكم الله في النفل بأنه لله وللرسول دونهم هو بمثابة إخراجه نبيه صلى الله عليه وسلم من بيته، ثم كانت الخيرة في القصتين فيما صنع الله، وعلى هذا التأويل يمكن أن يكون قوله يجادلونك كلاما مستأنفا يراد به الكفار، أي يجادلونك في شريعة الإسلام من بعد ما تبين الحق فيها، كأنما يساقون إلى الموت في الدعاء إلى الإيمان.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا الذي ذكرت من أن يجادلونك في الكفار منصوص والقول الثاني قال مجاهد والكسائي وغيرهما: المعنى في هذه الآية كما أخرجك ربك من بيتك على كراهية من فريق منهم كذلك يجادلونك في قتال كفار مكة ويودون غير ذات الشوكة من بعد ما تبين لهم أنك إنما تفعل ما أمرت به لا ما يريدون هم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والتقدير على هذا التأويل يجادلونك في الحق مجادلة ككراهتهم إخراج ربك إياك من بيتك، فالمجادلة على هذا التأويل بمثابة الكراهية وكذلك وقع التشبيه في المعنى، وقائل هذه المقالة يقول إن المجادلين هم المؤمنون، وقائل المقالة الأولى يقول إن المجادلين هم المشركون، فهذان قولان مطردان يتم بهما المعنى ويحسن رصف اللفظ وقال الأخفش: الكاف نعت ل حقًّا [الأنفال: 4]، والتقدير هم المؤمنون حقا كما أخرجك.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والمعنى على هذا التأويل كما تراه لا يتناسق وقيل الكاف في موضع رفع والتقدير: كما أخرجك ربك فاتقوا الله كأنه ابتداء وخبر.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا المعنى وضعه هذا المفسر وليس من ألفاظ الآية في ورد ولا صدر، وقال أبو عبيدة: هو قسم أي لهم درجات ومغفرة ورزق كريم كما أخرجك بتقدير والذي أخرجك، فالكاف في معنى الواو و «ما» بمعنى الذي،
وقال الزجّاج: الكاف في موضع نصب والتقدير الأنفال ثابتة لك ثباتا كما أخرجك ربك، وقيل: الكاف في موضع رفع والتقدير لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم هذا وعد حق كما أخرجك، وقيل المعنى: وأصلحوا ذات بينكم ذلك خير لكم كما أخرجك، والكاف نعت لخبر ابتداء محذوف، وقيل التقدير: قل الأنفال لله والرسول كما أخرجك، وهذا نحو أول قول ذكرته، وقال عكرمة: التقدير وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين كما أخرجك ربك أي الطاعة خير لكم كما كان إخراجك خيرا لكم، وقوله: من بيتك يريد من المدينة يثرب، قاله جمهور المفسرين وقال ابن بكير: المعنى كما أخرجك من مكة وقت الهجرة). [المحرر الوجيز: 4/ 137-139]

تفسير قوله تعالى: {يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (6) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقرأ عبد الله بن مسعود: «في الحق بعد ما بين» بضم الباء من غير تاء، والضمير في قوله يجادلونك، قيل: هو للمؤمنين وقيل: للمشركين، فمن قال للمؤمنين جعل الحقّ قتال مشركي قريش، ومن قال للمشركين جعل الحقّ شريعة الإسلام،
وقوله إلى الموت أي في سوقهم على أن المجادلين المؤمنون في دعائهم إلى الشرع على أنهم المجادلين المؤمنون في دعائهم إلى الشرع على أنهم المشركون، وقوله وهم ينظرون حال تزيد في فزع السوق وتقتضي شدة حاله). [المحرر الوجيز: 4/ 139]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: وإذ يعدكم اللّه إحدى الطّائفتين أنّها لكم الآية، في هذه الآية قصص حسن أنا أختصره إذ هو مستوعب في كتاب سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن هشام، واختصاره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه وقيل أوحي إليه أن أبا سفيان بن حرب قد أقبل من الشام بالعير التي فيها تجارة قريش وأموالها، قال لأصحابه إن عير قريش قد عنت لكم فاخرجوا إليها لعل الله أن ينفلكموها، قال فانبعث من معه من خف، وثقل قوم وكرهوا الخروج وأسرع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يلوي على من تعذر ولا ينتظر من غاب ظهره، فسار في ثلاثمائة وثلاثة عشر من أصحابه بين مهاجري وأنصاري، وقد ظن الناس بأجمعهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يلقى حربا فلم يكثر استعدادهم، وكان أبو سفيان في خلال ذلك يستقصي ويحذر، فلما بلغه خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث ضمضم بن عمرو الغفاري إلى مكة يستنفر أهلها، ففعل ضمضم، فخرج أهل مكة في ألف رجل أو نحو ذلك، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خروجهم، أوحى الله إليه وحيا غير متلو يعده إحدى الطائفتين، فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك، فسروا وودوا أن تكون لهم العير التي لا قتال معها، فلما علم أبو سفيان بقرب رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ طريق الساحل وأبعد وفات ولم يبق إلا لقاء أهل مكة، وأشار بعض الكفار على بعض بالانصراف وقالوا عيرنا قد نجت فلننصرف، فحرش أبو جهل ولج حتى كان أمر الوقعة، وقال بعض المؤمنين: نحن لم نخرج لقتال ولم نستعد له، فجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه وهو بواد يسمى ذفران، وقال أشيروا علي أيها الناس، فقام أبو بكر فتكلم فأحسن وحرض على لقاء العدو، فأعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم الاستشارة فقام عمر بمثل ذلك، فأعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم الاستشارة فتكلم المقداد الكندي فقال: لا نقول لك يا رسول الله اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون، ولكن نقول إنا معكما مقاتلون. والله لو أردت بنا برك الغماد.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهي مدينة الحبشة لقاتلنا معك من دونها، فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلامه ودعا له بخير، ثم قال أشيروا علي أيها الناس فكلمه سعد بن معاذ وقيل سعد بن عبادة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ويمكن أنهما جميعا تكلما في ذلك اليوم، فقال يا رسول الله كأنك تريدنا معشر الأنصار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أجل، فقال إنا آمنا بك واتبعناك فامض لأمر الله، فو الله لو خضت بنا هذا البحر لخضناه معك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: امضوا على بركة الله فكأني أنظر إلى مصارع القوم، فالتقوا وكانت وقعة بدر،
وقرأ مسلمة بن محارب «وإذ يعدكم» بجزم الدال، قال أبو الفتح ذلك لتوالي الحركات، وقرأ ابن محيصن «وإذ يعدكم الله احدى الطائفتين» بوصل الألف من إحدى وصلة الهاء بالحاء، والشّوكة عبارة عن السلاح والحدة، ومنه قول الأعور: [الرجز] إن العرفج قد أدبى
وقرأ أبو عمرو فيما حكى أبو حاتم الشّوكة تكون بإدغام التاء في التاء، ومعنى الآية وتودون العير وتأبون قتال الكفار، وقوله ويريد اللّه الآية، المعنى ويريد الله أن يظهر الإسلام ويعلي دعوة الشرع، وقرأ أبو جعفر وشيبة ونافع بخلاف عنهم «بكلمته» على الإفراد الذي يراد به الجمع، والمعنى في قوله بكلماته إما أن يريد بأوامره وأمره للملائكة والنصر لجميع ما يظهر الإسلام أن يكون، وإما أن يريد بكلماته التي سبقت في الأزل والمعنى قريب، و «الدابر» الذي يدبر القوم أي يأتي في آخرهم، فإذا قطع فقد أتى على آخرهم بشرط أن يبدأ الإهلاك من أولهم، وهي عبارة في كل من أ؟ ى الهلاك عليه). [المحرر الوجيز: 4/ 139-141]

تفسير قوله تعالى: {لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: ليحقّ الحقّ ويبطل الباطل ولو كره المجرمون (8) إذ تستغيثون ربّكم فاستجاب لكم أنّي ممدّكم بألفٍ من الملائكة مردفين (9) وما جعله اللّه إلاّ بشرى ولتطمئنّ به قلوبكم وما النّصر إلاّ من عند اللّه إنّ اللّه عزيزٌ حكيمٌ (10)
ليحقّ الحقّ أي ليظهر ما يجب إظهاره وهو الإسلام ويبطل الباطل أي الكفر، ولو كره أي وكراهتهم واقعة فهي جملة في موضع الحال). [المحرر الوجيز: 4/ 141-142]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 17 شعبان 1435هـ/15-06-2014م, 03:23 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 17 شعبان 1435هـ/15-06-2014م, 03:23 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5) يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (6) وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ وإنّ فريقًا من المؤمنين لكارهون (5) يجادلونك في الحقّ بعدما تبيّن كأنّما يساقون إلى الموت وهم ينظرون (6) وإذ يعدكم اللّه إحدى الطّائفتين أنّها لكم وتودّون أنّ غير ذات الشّوكة تكون لكم ويريد اللّه أن يحقّ الحقّ بكلماته ويقطع دابر الكافرين (7) ليحقّ الحقّ ويبطل الباطل ولو كره المجرمون (8) }
قال الإمام أبو جعفرٍ الطّبريّ: اختلف المفسّرون في السّبب الجالب لهذه "الكاف" في قوله: {كما أخرجك ربّك} فقال بعضهم: شبّه به في الصّلاح للمؤمنين، اتّقاؤهم ربّهم، وإصلاحهم ذات بينهم، وطاعتهم اللّه ورسوله.
ثمّ روى عن عكرمة نحو هذا.
ومعنى هذا أنّ اللّه تعالى يقول: كما أنّكم لمّا اختلفتم في المغانم وتشاححتم فيها فانتزعها اللّه منكم، وجعلها إلى قسمه وقسم رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم فقسّمها على العدل والتّسوية، فكان هذا هو المصلحة التّامّة لكم، وكذلك لمّا كرهتم الخروج إلى الأعداء من قتال ذات الشوكة -وهم النفير النّفير الّذين خرجوا لنصر دينهم، وإحراز عيرهم -فكان عاقبة، كراهتكم للقتال -بأن قدّره لكم، وجمع به بينكم وبين عدوّكم على غير ميعادٍ -رشدا وهدًى، ونصرًا وفتحًا، كما قال تعالى: {كتب عليكم القتال وهو كرهٌ لكم وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبّوا شيئًا وهو شرٌّ لكم واللّه يعلم وأنتم لا تعلمون} [البقرة: 216]
قال ابن جريرٍ: وقال آخرون: معنى ذلك: {كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ} على كرهٍ من فريقٍ من المؤمنين، كذلك هم كارهون للقتال، فهم يجادلونك فيه بعد ما تبيّن لهم، ثمّ روى نحوه عن مجاهدٍ أنّه قال: {كما أخرجك ربّك} قال: كذلك يجادلونك في الحقّ.
وقال السّدّي: أنزل اللّه في خروجه إلى بدرٍ ومجادلتهم إيّاه فقال: {كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ وإنّ فريقًا من المؤمنين لكارهون} لطلب المشركين {يجادلونك في الحقّ بعدما تبيّن}
وقال بعضهم: يسألونك عن الأنفال مجادلةً، كما جادلوك يوم بدرٍ فقالوا: أخرجتنا للعير، ولم تعلمنا قتالًا فنستعدّ له.
قلت: رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إنّما خرج من المدينة طالبًا لعير أبي سفيان، الّتي بلغه خبرها أنّها صادرةٌ من الشّام، فيها أموالٌ جزيلةٌ لقريشٍ فاستنهض رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المسلمين من خف منهم، فخرج في ثلاثمائةٍ وبضعة عشر رجلًا وطلب نحو السّاحل من على طريق بدرٍ، وعلم أبو سفيان بخروج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في طلبه، فبعث ضمضم بن عمرٍو نذيرًا إلى مكّة، فنهضوا في قريبٍ من ألف مقنّع، ما بين التّسعمائة إلى الألف، وتيامن أبو سفيان بالعير إلى سيف البحر فنجا، وجاء النّفير فوردوا ماء بدرٍ، وجمع اللّه المسلمين والكافرين على غير ميعادٍ، لما يريد اللّه تعالى من إعلاء كلمة المسلمين ونصرهم على عدوّهم، والتّفرقة بين الحقّ والباطل، كما سيأتي بيانه.
والغرض: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا بلغه خروج النّفير، أوحى اللّه إليه يعده إحدى الطّائفتين: إمّا العير وإمّا النّفير، ورغب كثيرٌ من المسلمين إلى العير؛ لأنّه كسبٌ بلا قتالٍ، كما قال تعالى: {وتودّون أنّ غير ذات الشّوكة تكون لكم ويريد اللّه أن يحقّ الحقّ بكلماته ويقطع دابر الكافرين}
قال الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسيره: حدّثنا سليمان بن أحمد الطّبرانيّ، حدّثنا بكر بن سهلٍ، حدّثنا عبد اللّه بن يوسف، حدّثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيبٍ، عن أسلم أبي عمران حدّثه أنّه سمع أبا أيّوب الأنصاريّ يقول: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ونحن بالمدينة: إنّي أخبرت عن عير أبي سفيان أنّها مقبلةٌ فهل لكم أن نخرج قبل هذه العير لعلّ اللّه يغنمناها؟ " فقلنا: نعم، فخرج وخرجنا، فلمّا سرنا يومًا أو يومين قال لنا: " ما ترون في قتال القوم؛ فإنّهم قد أخبروا بمخرجكم؟ " فقلنا: لا واللّه ما لنا طاقةٌ بقتال العدوّ، ولكنّا أردنا العير، ثمّ قال: " ما ترون في قتال القوم؟ " فقلنا مثل ذلك فقال المقداد بن عمرٍو: إذًا لا نقول لك يا رسول اللّه كما قال قوم موسى لموسى: {فاذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون} [المائدة: 24] قال: فتمنّينا -معشر الأنصار-أن لو قلنا كما قال المقداد أحبّ إلينا من أن يكون لنا مالٌ عظيمٌ، قال: فأنزل اللّه على رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم: {كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ وإنّ فريقًا من المؤمنين لكارهون} وذكر تمام الحديث
ورواه ابن أبي حاتمٍ، من حديث ابن لهيعة، بنحوه.
ورواه ابن مردويه أيضًا من حديث محمّد بن عمرو بن علقمة بن وقّاصٍ اللّيثيّ، عن أبيه، عن جدّه قال: خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى بدرٍ، حتّى إذا كان بالرّوحاء، خطب النّاس فقال: " كيف ترون؟ " فقال أبو بكرٍ: يا رسول اللّه، بلغنا أنّهم بمكان كذا وكذا. قال: ثمّ خطب النّاس فقال: " كيف ترون؟ " فقال عمر مثل قول أبي بكرٍ. ثمّ خطب النّاس فقال: " كيف ترون؟ " فقال سعد بن معاذٍ: يا رسول الله إيانا تريد؟ فو الذي أكرمك [بالحقّ] وأنزل عليك الكتاب، ما سلكتها قطّ ولا لي بها علمٌ، ولئن سرت [بنا] حتّى تأتي "برك الغماد" من ذي يمنٍ لنسيرنّ معك، ولا نكون كالّذين قالوا لموسى {فاذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون} ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما متّبعون، ولعلّك أن تكون خرجت لأمرٍ، وأحدث اللّه إليك غيره، فانظر الّذي أحدث اللّه إليك، فامض له، فصل حبال من شئت، واقطع حبال من شئت، وعاد من شئت، وسالم من شئت، وخذ من أموالنا ما شئت، فنزل القرآن على قول سعدٍ: {كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ وإنّ فريقًا من المؤمنين لكارهون} الآيات.
وقال العوفي، عن ابن عبّاسٍ: لمّا شاور النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في لقاء العدوّ، وقال له سعد بن عبادة ما قال وذلك يوم بدرٍ، أمر النّاس فعبّئوا للقتال، وأمرهم بالشّوكة، فكره ذلك أهل الإيمان، فأنزل اللّه: {كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ وإنّ فريقًا من المؤمنين لكارهون يجادلونك في الحقّ بعد ما تبيّن كأنّما يساقون إلى الموت وهم ينظرون}
وقال مجاهدٌ: يجادلونك في الحقّ: في القتال. وقال محمّد بن إسحاق: {يجادلونك في الحقّ [بعد ما تبيّن كأنّما يساقون إلى الموت وهم ينظرون]} أي: كراهيةً للقاء المشركين، وإنكارًا لمسير قريشٍ حين ذكروا لهم.
وقال السّدّي: {يجادلونك في الحقّ بعدما تبيّن} أي: بعد ما تبيّن لهم أنّك لا تفعل إلّا ما أمرك اللّه به.
قال ابن جريرٍ: وقال آخرون: عنى بذلك المشركين.
حدّثني يونس، أنبأنا ابن وهب قال: قال ابن زيدٍ في قوله تعالى: {يجادلونك في الحقّ بعدما تبيّن كأنّما يساقون إلى الموت وهم ينظرون} قال: هؤلاء المشركون، جادلوه في الحقّ {كأنّما يساقون إلى الموت} حين يدعون إلى الإسلام {وهم ينظرون} قال: وليس هذا من صفة الآخرين، هذه صفةٌ مبتدأةٌ لأهل الكفر.
ثمّ قال ابن جريرٍ: ولا معنى لما قاله؛ لأنّ الّذي قبل قوله: {يجادلونك في الحقّ} خبرٌ عن أهل الإيمان، والّذي يتلوه خبرٌ عنهم، والصّواب قول ابن عبّاسٍ وابن إسحاق أنّه خبرٌ عن المؤمنين.
وهذا الّذي نصره ابن جريرٍ هو الحقّ، وهو الّذي يدلّ عليه سياق الكلام، واللّه أعلم..
وقال الإمام أحمد، رحمه اللّه: حدّثنا يحيى بن أبي بكيرٍ وعبد الرّزّاق قالا حدّثنا إسرائيل، عن سمال، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: قيل لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حين فرغ من بدرٍ: عليك بالعير ليس دونها شيءٌ فناداه العبّاس بن عبد المطّلب -قال عبد الرّزّاق: وهو أسيرٌ في وثاقه -ثمّ اتّفقا: إنّه لا يصلح لك، قال: ولم؟ قال: لأنّ اللّه عزّ وجلّ إنّما وعدك إحدى الطّائفتين، وقد أعطاك ما وعدك
إسنادٌ جيّدٌ، ولم يخرجه
ومعنى قوله تعالى {وتودّون أنّ غير ذات الشّوكة تكون لكم} أي: يحبّون أنّ الطّائفة الّتي لا حدّ لها ولا منعة ولا قتال، تكون لهم وهي العير {ويريد اللّه أن يحقّ الحقّ بكلماته} أي: هو يريد أن يجمع بينكم وبين الطّائفة الّتي لها الشّوكة والقتال، ليظفّركم بهم ويظهركم عليهم، ويظهر دينه، ويرفع كلمة الإسلام، ويجعله غالبًا على الأديان، وهو أعلم بعواقب الأمور، وهو الّذي دبركم بحسن تدبيره، وإن كان العباد يحبّون خلاف ذلك فيما يظهر لهم، كما قال تعالى: {كتب عليكم القتال وهو كرهٌ لكم وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبّوا شيئًا وهو شرٌّ لكم [والله يعلم وأنتم لا تعلمون] [البقرة: 216]}
وقال محمّد بن إسحاق، رحمه اللّه: حدّثني محمّد بن مسلمٍ الزّهريّ، وعاصم بن عمر بن قتادة، وعبد اللّه بن أبي بكرٍ، ويزيد بن رومان، عن عروة بن الزّبير وغيرهم من علمائنا، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ -كلٌّ قد حدّثني بعض هذا الحديث، فاجتمع حديثهم فيما سقت من حديث بدرٍ -قالوا: لمّا سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بأبي سفيان مقبلًا من الشّام ندب المسلمين إليهم، وقال: "هذه عير قريشٍ فيها أموالهم فاخرجوا إليها لعلّ اللّه أن ينفلكموها" فانتدب الناس، فخفّ بعضهم وثقل بعضهم، وذلك أنّهم لم يظنّوا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يلقى حربًا، وكان أبو سفيان قد استنفر حين دنا من الحجاز يتجسّس الأخبار، ويسأل من لقي من الرّكبان، تخوّفًا على أمر النّاس، حتّى أصاب خبرًا من بعض الرّكبان: أنّ محمّدًا قد استنفر أصحابه لك ولعيرك، فحذر عند ذلك، فاستأجر ضمضم بن عمرٍو الغفاريّ، فبعثه إلى أهل مكّة، وأمره أن يأتي قريشًا فيستنفرهم إلى أموالهم، ويخبرهم أنّ محمّدًا قد عرض لها في أصحابه، فخرج ضمضم بن عمرٍو سريعًا إلى مكّة، وخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في أصحابه حتّى بلغ واديًا يقال له "ذفران"، فخرج منه حتّى إذا كان ببعضه نزل، وأتاه الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عيرهم فاستشار النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم النّاس، وأخبرهم عن قريشٍ، فقام أبو بكرٍ، رضي اللّه عنه، فقال فأحسن، ثمّ قام عمر، رضي اللّه عنه، فقال فأحسن، ثمّ قام المقداد بن عمرٍو فقال: يا رسول اللّه، امض لما أمرك اللّه به، فنحن معك، واللّه لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: {فاذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون} [المائدة: 24] ولكن اذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا معكما مقاتلون، فوالّذي بعثك بالحقّ، لو سرت بنا إلى "برك الغماد" -يعني مدينة الحبشة -لجالدنا معك من دونه حتّى تبلغه، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خيرًا، ودعا له بخيرٍ، ثمّ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أشيروا عليّ أيّها النّاس" -وإنّما يريد الأنصار -وذلك أنّهم كانوا عدد النّاس، وذلك أنّهم حين بايعوه بالعقبة قالوا: يا رسول اللّه، إنّا برآء من ذمامك حتّى تصل إلى دارنا، فإذا وصلت إلينا فأنت في ذممنا نمنعك ممّا نمنع منه أبناءنا ونساءنا، فكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يتخوّف ألّا تكون الأنصار ترى عليها نصرته إلّا ممّن دهمه بالمدينة، من عدوّه، وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدوٍّ من بلادهم، فلمّا قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ذلك، قال له سعد بن معاذٍ: واللّه لكأنّك تريدنا يا رسول اللّه؟ قال: "أجل" قال: فقال: فقد آمنّا بك، وصدّقناك، وشهدنا أنّ ما جئت به هو الحقّ، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السّمع والطّاعة، فامض يا رسول اللّه لما أردت. فوالّذي بعثك بالحقّ، إن استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما يتخلّف منّا رجلٌ واحدٌ، وما نكره أن تلقى بنا عدوّنا غدًا، إنّا لصبر عند الحرب، صدق عند اللّقاء، ولعلّ اللّه [أن] يريك منّا ما تقرّ به عينك، فسر بنا على بركة اللّه. فسرّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بقول سعدٍ، ونشّطه ذلك، ثمّ قال: " سيروا على بركة اللّه وأبشروا، فإنّ اللّه قد وعدني إحدى الطّائفتين، واللّه لكأنّي الآن أنظر إلى مصارع القوم"
وروى العوفي عن ابن عبّاسٍ نحو هذا، وكذلك قال السّدّيّ، وقتادة، وعبد الرّحمن بن زيد بن أسلم، وغير واحدٍ من علماء السّلف والخلف، اختصرنا أقوالهم اكتفاءً بسياق محمّد بن إسحاق). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 14-18]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:34 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة