العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الفاتحة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 8 ربيع الثاني 1434هـ/18-02-2013م, 06:42 AM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي تفسير البسملة

تفسير البسملة

قال الله تعالى: {بسم الله الرحمن الرحيم}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 9 جمادى الآخرة 1434هـ/19-04-2013م, 06:03 AM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي

تفسير السلف

قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({الرّحمن الرّحيم} [الفاتحة: 1] : اسمان من الرّحمة، الرّحيم والرّاحم بمعنًى واحدٍ، كالعليم والعالم). [صحيح البخاري: 6 /17]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (الرّحمان الرّحيم اسمان من الرّحمة: الرّحيم والرّاحم بمعنى واحدٍ كالعليم والعالم.
قوله: (من الرّحمة) أي: مشتقان من الرّحمة، وهي في اللّغة: الحنو والعطف، وفي حق الله تعالى مجاز عن إنعامه على عباده وعن ابن عبّاس: «الرّحمن الرّحيم إسماه رقيقان أحدهما أرق من الآخر
»، فالرحمن الرّقيق والرحيم العاطف على خلقه بالرزق،
وقيل: الرّحمن لجميع الخلق، والرحيم للمؤمنين،
وقيل: رحمن الدّنيا ورحيم الآخرة،
وعن ابن المبارك: «الرّحمن إذا سئل أعطى، والرحيم إذا لم يسأل يغضب»،
وعن المبرد: الرّحمن عبراني والرحيم عربيّ. قلت: في العبراني بالخاء المعجمة.
قوله: (الرّحيم والراحم بمعنى واحد) ، فيه نظر، لأن الرّحيم إن كان صيغة مبالغة فيزيد معناه على معنى الراحم، وإن كان صفة مشبهة فيدل على الثّبوت، بخلاف الراحم فإنّه يدل على الحدوث، وأجيب بأن ما قاله بالنّظر إلى أصل المعنى دون الزّيادة). [عمدة القاري: 18 /79]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل {بسم اللّه الرّحمن الرّحيم}.
القول في تأويل قوله: {بسم}.
قال أبو جعفرٍ: إنّ اللّه تعالى ذكره وتقدّست أسماؤه، أدّب نبيّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم بتعليمه تقديم ذكر أسمائه الحسنى أمام جميع أفعاله، ومقدّمٌ إليه في وصفه بها قبل جميع مهمّاته، وجعل ما أدّبه به من ذلك وعلّمه إيّاه منه لجميع خلقه سنةً يستنّون بها، وسبيلاً يتّبعونه عليها، في افتتاح أوائل منطقهم وصدور رسائلهم وكتبهم وحاجاتهم؛ حتّى أغنت دلالة ما ظهر من قول القائل {بسم اللّه} على ما بطن من مراده الّذي هو محذوفٌ.
وذلك أنّ الباء من {بسم اللّه} مقتضيةٌ فعلاً يكون لها جالبًا، ولا فعل معها ظاهرٌ، فأغنت سامع القائل {بسم اللّه} معرفته بمراد قائله من إظهار قائل ذلك مراده قولاً، إذ كان كلّ ناطقٍ به عند افتتاحه أمرًا قد أحضر منطقه به، إمّا معه وإمّا قبله بلا فصلٍ، ما قد أغنى سامعه من دلالةٍ شاهدةٍ على الّذي من أجله أفتتح قيله به. فصار استغناء سامع ذلك منه عن إظهار ما حذف منه، نظير استغنائه إذا سمع قائلاً قيل له: ما أكلت اليوم؟ فقال، طعامًا، عن أن يكرّر المسؤول مع قوله طعامًا أكلت؛ لما قد ظهر لديه من الدّلالة على أنّ ذلك معناه بتقدّم مسألة السّائل إيّاه عمّا أكل. فمعقولٌ إذا أنّ القائل إذا قال: {بسم اللّه الرّحمن الرّحيم} ثمّ افتتح تاليًا سورةً، أنّ إتباعه {بسم اللّه الرّحمن الرّحيم} تلاوة السّورة، مبنئ عن معنى قوله: {بسم اللّه الرّحمن الرّحيم} ومفهومٌ به أنّه مريدٌ بذلك أقرأ {بسم اللّه الرّحمن الرّحيم}. وكذلك قوله: {بسم اللّه} عند نهوضه للقيام أو عند قعوده وسائر أفعاله، ينبئ عن معنى مراده بقوله {بسم اللّه}، وأنّه أراد بقيله {بسم اللّه}: أقوم بسم اللّه، وأقعد بسم اللّه؛ وكذلك سائر الأفعال.
وهذا الّذي قلنا في تأويل ذلك هو معنى قول ابن عبّاسٍ الّذي حدّثنا به أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، قال: حدّثنا بشر بن عمارة، قال: حدّثنا أبو روقٍ، عن الضّحّاك، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ، قال:
«إنّ أوّل ما نزل به جبريل على محمّدٍ قال: يا محمّد، قل: أستعيذ بالسّميع العليم من الشّيطان الرّجيم، ثمّ قال: قل: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم»، قال: «قال له جبريل: بسم اللّه يا محمّد، يقول: اقرأ بذكر اللّه ربّك، وقم واقعد بذكر اللّه».
قال أبو جعفرٍ: فإن قال لنا قائلٌ: فإن كان تأويل قوله: {بسم اللّه} ما وصفت، والجالب الباء في {بسم اللّه} ما ذكرت، فكيف قيل: {بسم اللّه} بمعنى أقرأ بسم اللّه أو أقوم بسم اللّه أو أقعد بسم اللّه، وقد علمت أنّ كلّ قارئ كتاب اللّه فبعون اللّه وتوفيقه قراءته، وأنّ كلّ قائمٍ أو قاعدٍ أو فاعلٍ فعلاً، فباللّه قيامه وقعوده وفعله؟ وهلاّ إذا كان ذلك كذلك قيل: {بسم اللّه الرّحمن الرّحيم}، ولم يقل {بسم اللّه}، فإنّ قول القائل: أقوم وأقعد باللّه الرّحمن الرّحيم، أو أقرأ باللّه، أوضح معنًى لسامعه من قوله: {بسم اللّه}، إذ كان قوله: أقوم أوأقعد بسم اللّه، يوهم سامعه أنّ قيامه وقعوده بمعنى غير اللّه.
قيل له: إنّ المقصود إليه من معنى ذلك غير ما توهّمته في نفسك. وإنّما معنى قوله: {بسم اللّه}: أبدأ بتسمية اللّه وذكره قبل كلّ شيءٍ، أو أقرأ بتسمية، أو أقوم وأقعد بتسمية اللّه وذكره؛ لا أنّه يعني بقيله {بسم اللّه}: أقوم باللّه، أو أقرأ باللّه؛ فيكون قول القائل: أقرأ باللّه، وأقوم وأقعد باللّه، أولى بوجه الصّواب في ذلك من قوله: بسم اللّه.
فإن قال: فإن كان الأمر في ذلك على ما وصفت، فكيف قيل: {بسم اللّه}، وقد علمت أنّ الاسم اسمٌ، وأنّ التّسمية مصدرٌ من قولك سمّيت؟
قيل: إنّ العرب قد تخرج المصادر مبهمةً على أسماءٍ مختلفةٍ، كقولهم: أكرمت فلانًا كرامةً، وإنّما بناء مصدر أفعلت إذا أخرج على فعله: الإفعال، وكقولهم: أهنت فلانًا هوانًا، وكلّمته كلامًا. وبناء مصدر فعلت التّفعيل، ومن ذلك قول الشّاعر:

أكفرًا بعد ردّ الموت عنّي.......وبعد عطائك المائة الرّتاعا
يريد: إعطائك.
ومنه قول القائل الآخر:

وإن كان هذا البخل منك سجيّةً......لقد كنت في طولي رجاءك أشعبا
يريد: في إطالتي رجاءك.
ومنه قول الآخر:

أظليم إنّ مصابكم رجلاً......أهدى السّلام تحيّةً ظلم
يريد: إصابتكم.
والشّواهد في هذا المعنى تكثر، وفيما ذكرنا كفايةٌ، لمن وفّق لفهمه.
فإذ كان الأمر على ما وصفنا من إخراج العرب مصادر الأفعال على غير بناء أفعالها كثيرًا، وكان تصديرها إيّاها على مخارج الأسماء موجودًا فاشيًا، فبيّن بذلك صواب ما قلنا من التّأويل في قول القائل: {بسم اللّه}، أنّ معناه في ذلك عند ابتدائه في فعلٍ أو قولٍ: أبدأ بتسمية اللّه، قبل فعلي، أو قبل قولي. وكذلك معنى قول القائل عند ابتدائه بتلاوة القرآن: {بسم اللّه الرّحمن الرّحيم} إنّما معناه: أقرأ مبتدئًا بتسمية اللّه، أو أبتدئ قراءتي بتسمية اللّه فجعل الاسم مكان التّسمية، كما جعل الكلام مكان التّكليم، والعطاء مكان الإعطاء.
وبمثل الّذي قلنا من التّأويل في ذلك، روي الخبر عن عبد اللّه بن عبّاسٍ، حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، قال: حدّثنا بشر بن عمارة، قال: حدّثنا أبو روقٍ، عن الضّحّاك، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ، قال:
«أوّل ما نزل به جبريل على محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: يا محمّد، قل أستعيذ بالسّميع العليم من الشّيطان الرّجيم، ثمّ قال: قل بسم اللّه الرّحمن الرّحيم». قال ابن عبّاسٍ: «{بسم اللّه}، يقول له جبريل: يا محمّد اقرأ بذكر اللّه ربّك، وقم واقعد بذكر اللّه».
وهذا التّأويل من ابن عبّاسٍ ينبئ عن صحّة ما قلنا من أنّه مراد بقول القائل مفتتحًا قراءته: {بسم اللّه الرّحمن الرّحيم}: أقرأ بتسمية اللّه وذكره، وأفتتح القراءة بتسمية اللّه، بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى ويوضح فساد قول من زعم أنّ معنى ذلك من قائله: باللّه الرّحمن الرّحيم أول كلّ شيءٍ، مع أنّ العباد إنّما أمروا أن يبتدئوا عند فواتح أمورهم بتسمية اللّه لا بالخبر عن عظمته وصفاته، كالّذي أمروا به من التّسمية على الذّبائح والصّيد، وعند المطعم والمشرب، وسائر أفعالهم، وكذلك الّذي أمروا به من تسميته عند افتتاح تلاوة تنزيل اللّه وصدور رسائلهم وكتبهم.
ولا خلاف بين الجميع من علماء الأمّة، أنّ قائلاً لو قال عند تذكيته بعض بهائم الأنعام: باللّه، ولم يقل {بسم اللّه}، أنّه مخالفٌ بتركه قيل {بسم اللّه} ما سنّ له عند التّذكية من القول. وقد علم بذلك أنّه لم يردّ بقوله {بسم اللّه}: باللّه، كما قال الزّاعم أنّ اسم اللّه في قول اللّه: {بسم اللّه الرّحمن الرّحيم}، هو اللّه؛ لأنّ ذلك لو كان كما زعم، لوجب أن يكون القائل عند تذكيته ذبيحته باللّه قائلاً ما سنّ له من القول على الذّبيحة.
وفي إجماع الجميع على أنّ قائل ذلك تاركٌ ما سنّ له من القول على ذبيحته، إذ لم يقل بسم اللّه دليلٌ واضحٌ على فساد ما ادّعى من التّأويل في قول القائل {بسم اللّه} وأنّه مرادٌ به باللّه، وأنّ اسم اللّه هو اللّه.
وليس هذا الموضع من مواضع الإكثار في الإبانة عن الاسم، أهو المسمّى أم غيره أم هو صفةٌ له؟ فنطيل الكتاب به، وإنّما هو موضعٌ من مواضع الإبانة عن الاسم المضاف إلى اللّه، أهو اسمٌ أم مصدرٌ بمعنى التّسمية؟
فإن قال قائلٌ: فما أنت قائلٌ في بيت لبيد بن ربيعة:


إلى الحول ثمّ اسم السّلام عليكما.......ومن يبك حولاً كاملاً فقد اعتذر
فقد تأوّله مقدمٌ في العلم بلغة العرب، أنّه معنيٌّ به: ثمّ السّلام عليكما، وأنّ اسم السّلام هو السّلام.
قيل له: لو جاز ذلك وصحّ تأويله فيه على ما تأوّل، لجاز أن يقال: رأيت اسم زيدٍ، وأكلت اسم الطّعام، وشربت اسم الشّراب. وفي إجماع جميع العرب على إحالة ذلك ما ينبئ عن فساد تأويل من تأوّل قول لبيدٍ: (
ثمّ اسم السّلام عليكما) أنّه أراد: ثمّ السّلام عليكما، وادّعائه أنّ إدخال الاسم في ذلك وإضافته إلى السّلام إنّما جاز، إذا كان اسم المسمّى هو المسمّى بعينه.
ويسأل القائلون قول من حكينا قوله هذا، فيقال لهم: أتستجيزون في العربيّة أن يقال: أكلت اسم العسل، يعني بذلك أكلت العسل، كما جاز عندكم اسم السّلام عليك، وأنتم تريدون السّلام عليك؟
فإن قالوا: نعم؛ خرجوا من لسان العرب، وأجازوا في لغتها ما تخطّئه جميع العرب في لغتها. وإنّ قالوا: لا؛ سئلوا الفرق بينهما، فلن يقولوا في أحدهما قولاً إلاّ ألزموا في الآخر مثله.
فإن قال لنا قائلٌ: فما معنى قول لبيدٍ هذا عندك؟
قيل له: يحتمل ذلك وجهين، كلاهما غير الّذي قاله من حكينا قوله.
أحدهما: أنّ السّلام اسمٌ من أسماء اللّه؛ فجائزٌ أن يكون لبيدٌ عنى بقوله: (ثمّ اسم السّلام عليكما): ثمّ الزما اسم اللّه وذكره بعد ذلك، ودعا ذكري والبكاء عليّ؛ على وجه الإغراء. فرفع الاسم، إذ أخّر الحرف الّذي يأتي بمعنى الإغراء. وقد تفعل العرب ذلك إذا أخّرت الإغراء وقدّمت المغرى به، وإن كانت قد تنصب به وهو مؤخّرٌ. ومن ذلك قول الشّاعر:

يا أيّها المائح دلوي دونكا......إنّي رأيت النّاس يحمدونكا
فأغرى بدونك، وهي مؤخرةٌ؛ وإنّما معناه: دونك دلوي فذلك قول لبيدٍ: (إلى الحول ثمّ اسم السّلام عليكما) يعني: ثم عليكما اسم السّلام، أي: الزما ما ذكر اللّه، ودعا ذكري، والوجد بي؛ لأنّ من بكى حولاً على امرئٍ ميّتٍ فقد اعتذر، فهذا أحد وجهيه.
والوجه الآخر منهما: ثمّ تسميتي اللّه عليكما، كما يقول القائل للشّيء يراه فيعجبه: واسم اللّه عليك. يعوذه بذلك من السّوء، فكأنّه قال: ثمّ اسم اللّه عليكما من السّوء. وكأنّ الوجه الأوّل أشبه المعنيين بقول لبيدٍ.
ويقال لمن وجّه بيت لبيدٍ هذا إلى أنّ معناه: ثمّ السّلام عليكما: أترى ما قلنا من هذين الوجهين جائزًا، أو أحدهما، أو غير ما قلت فيه؟
فإن قال: لا؛ أبان مقداره من العلم بتصاريف وجوه كلام العرب، وأغنى خصمه عن مناظرته.
وإنّ قال: بلى؛ قيل له: فما برهانك على صحّة ما ادّعيت من التّأويل أنّه الصّواب دون الّذي ذكرت أنّه محتمله من الوجه الّذي يلزمنا تسليمه لك؟ ولا سبيل إلى ذلك.
- وأمّا الخبر الّذي حدّثنا به، إسماعيل بن الفضل، قال: حدّثنا إبراهيم بن العلاء بن الضّحّاك وهو يقلب بزبريق، قال: حدّثنا إسماعيل بن عيّاشٍ، عن إسماعيل بن يحيى، عن ابن أبي مليكة، عمّن حدّثه، عن ابن مسعودٍ، ومسعر بن كدامٍ، عن عطيّة، عن أبي سعيدٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ عيسى ابن مريم أسلمته أمّه إلى الكتّاب ليعلّمه، فقال له المعلّم: اكتب بسم فقال له عيسى: وما بسم؟ فقال له المعلّم: ما أدري، فقال عيسى: الباء: بهاء اللّه، والسّين: سناؤه، والميم: مملكته».
فأخشى أن يكون غلطًا من المحدّث، وأن يكون أراد: ب س م، على سبيل ما يعلّم المبتدئ من الصّبيان في الكتّاب حروف أبي جادٌ. فغلط بذلك، فوصله فقال: بسم؛ لأنّه لا معنى لهذا التّأويل إذا تلي {بسم اللّه الرّحمن الرّحيم} على ما يتلوه القارئ في كتاب اللّه، لاستحالة معناه على المفهوم به عند جميع العرب وأهل لسانها، إذا حمل تأويله على ذلك.
القول في تأويل قوله تعالى: {اللّه}
قال أبو جعفرٍ: وأمّا تأويل قول اللّه: اللّه، فإنّه على معنى ما روي لنا عن عبد اللّه بن عبّاسٍ: «هو الّذي يألهه كلّ شيءٍ، ويعبده كلّ خلقٍ
». وذلك أنّ أبا كريبٍ حدّثنا قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، قال: حدّثنا بشر بن عمارة، قال: حدّثنا أبو روقٍ، عن الضّحّاك، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ، قال: «اللّه ذو الألوهيّة والمعبوديّة على خلقه أجمعين».
فإن قال لنا قائلٌ: فهل لذلك في فعل ويفعل أصلٌ كان منه بناء هذا الاسم؟
قيل: أمّا سماعًا من العرب فلا، ولكن استدلالاً.
فإن قال: وما دلّ على أنّ الألوهيّة هي العبادة، وأنّ الإله هو المعبود، وأنّ له أصلاً في فعل ويفعل؟
قيل: لا تمانع بين العرب في الحكم لقول القائل يصف رجلاً بعبادةٍ ويطلب مّا عند اللّه جلّ ذكره: تألّه فلانٌ بالصّحّة ولا خلاف. ومن ذلك قول رؤبة بن العجّاج:

للّه درّ الغانيات المدّه.......سبّحن واسترجعن من تألّهي
يعني: من تعبّدي وطلبي اللّه بعملٍى.
ولا شكّ أنّ التّألّه التّفعّل من: أله يأله، وأنّ معنى أله إذا نطق به: عبد اللّه. وقد جاء منه مصدرٌ يدلّ على أنّ العرب قد نطقت منه بفعل يفعل بغير زيادةٍ.
- وذلك ما حدّثنا به، سفيان بن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن نافع بن عمر، عن عمرو بن دينارٍ، عن ابن عبّاسٍ
أنّه قرأ: (ويذرك وإلاهتك) قال: «عبادتك»، ويقال: إنّه كان يعبد ولا يعبد.
- وحدّثنا سفيان، قال: حدّثنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينارٍ، عن محمّد بن عمرو بن الحسن، عن ابن عبّاسٍ: (ويذرك وإلاهتك) قال: «إنّما كان فرعون يعبد ولا يعبد». وكذلك كان ابن عباس يقرؤها ومجاهدٌ.
- وحدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين بن داود، قال: أخبرني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قوله: (ويذرك وإلاهتك) قال: «وعبادتك».
ولا شكّ أنّ الإلاهة على ما فسّره ابن عبّاسٍ ومجاهدٌ مصدرٌ من قول القائل أله اللّه فلانٌ إلاهةً، كما يقال: عبد اللّه فلانٌ عبادةً، وعبر الرّؤيا عبارةً. فقد بيّن قول ابن عبّاسٍ ومجاهدٍ هذا أنّ أله: عبد، وأنّ الإلاهة مصدره.
فإن قال: فإن كان جائزًا أن يقال لمن عبد اللّه: ألهه، على تأويل قول ابن عبّاسٍ ومجاهدٍ، فكيف الواجب في ذلك أن يقال، إذا أراد المخبر الخبر عن استيجاب اللّه ذلك على عبده؟
قيل: أمّا الرّواية فلا رواية به عندنا، ولكنّ الواجب على قياس ما جاء به الخبر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الّذي حدّثنا به إسماعيل بن الفضل، قال: حدّثنا إبراهيم بن العلاء، قال: حدّثنا إسماعيل بن عيّاشٍ، عن إسماعيل بن يحيى، عن ابن أبي مليكة، عمّن حدّثه عن ابن مسعودٍ، ومسعر بن كدامٍ، عن عطيّة العوفيّ، عن أبي سعيدٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ عيسى أسلمته أمّه إلى الكتّاب ليعلّمه، فقال له المعلّم: اكتب اللّه، فقال له عيسى: أتدري ما اللّه؟ اللّه إله الآلهة» أن يقال: اللّه جلّ جلاله أله العبد، والعبد ألهه. وأن يكون قول القائل اللّه من الكلام أصله الإله.
فإن قال: وكيف يجوز أن يكون ذلك كذلك مع اختلاف لفظيهما؟
قال: كما جاز أن يكون قوله: {لكنّا هو اللّه ربّي} أصله: ولكنّ أنا هو اللّه ربّي، كما قال الشّاعر:

وترمينني بالطّرف أي أنت مذنبٌ......وتقلينني لكنّ إيّاك لا أقلي
يريد: لكنّ أنا إيّاك لا أقلي، فحذف الهمزة من أنا، فالتقت نون أنا ونون لكنّ، وهي ساكنةٌ، فأدغمت في نون أنا، فصارتا نونًا مشدّدةً،
فكذلك اللّه، أصله الإله، أسقطت الهمزة، الّتي هي فاء الاسم، فالتقت اللاّم الّتي هي عين الاسم، واللاّم الزّائدة الّتي دخلت مع الألف الزّائدة، وهي ساكنةٌ، فأدغمت في الأخرى الّتي هي عين الاسم، فصارتا في اللّفظ لامًا واحدةً مشدّدةً، كما وصفنا من قول اللّه: {لكنّا هو اللّه ربّي}.
القول في تأويل قوله تعالى: {الرّحمن الرّحيم}
قال أبو جعفرٍ: أمّا الرّحمن، فهو فعلان، من رحم، والرّحيم فعيلٌ منه. والعرب كثيرًا ما تبني الأسماء من فعل يفعل على فعلان، كقولهم من غضب غضبان، ومن سكر سكران، ومن عطش عطشان، فكذلك قولهم رحمن من رحم، لأنّ فعل منه: رحم يرحم.
وقيل: رحيمٌ وإن كانت عين فعل منه مكسورةً، لأنّه مدحٌ. ومن شأن العرب أن يحملوا أبنيه الأسماء إذا كان فيها مدحٌ أو ذمٌّ على فعيلٍ، وإن كانت عين فعل منها مكسورةً أو مفتوحةً، كما قالوا من علم: عالمٌ وعليمٌ، ومن قدر: قادرٌ وقديرٌ. وليس ذلك منها بناءً على أفعالها؛ لأنّ البناء من فعل يفعل وفعل يفعل فاعلٌ. فلو كان الرّحمن والرّحيم خارجين على بناء أفعالهما لكانت صورتهما الرّاحم.
فإن قال قائلٌ: فإذا كان الرّحمن والرّحيم اسمين مشتقّين من الرّحمة، فما وجه تكرير ذلك وأحدهما مؤدٍّ عن معنى الآخر؟
قيل له: ليس الأمر في ذلك كما ظننت، بل لكلّ كلمةٍ منهما معنًى لا تؤدّي الأخرى منهما عنها.
فإن قال: وما المعنى الّذي انفردت به كلّ واحدةٍ منهما، فصارت إحداهما غير مؤدّيةٍ المعنى عن الأخرى؟
قيل: أمّا من جهة العربيّة، فلا تمانع بين أهل المعرفة بلغات العرب أنّ قول القائل الرّحمن عن أبنية الأسماء من فعل يفعل أشدّ عدولاً من قوله الرّحيم. ولا خلاف مع ذلك بينهم أنّ كلّ اسمٍ كان له أصلٌ في فعل ويفعل، ثمّ كان عن أصله من فعل يفعل أشدّ عدولاً، أنّ الموصوف به مفضّلٌ على الموصوف بالاسم المبنيّ على أصله من فعل يفعل إذا كانت التّسمية به مدحًا أو ذمًّا. فهذا ما في قول القائل: (الرّحمن) من زيادة المعنى على قوله: (الرّحيم) في اللّغة.
وأمّا من جهة الأثر والخبر، ففيه بين أهل التّأويل اختلافٌ؛
- فحدّثني السّريّ بن يحيى التّميميّ، قال: حدّثنا عثمان بن زفرٍ، قال: سمعت العرزميّ، يقول:
«{الرّحمن الرّحيم}»، قال: «الرّحمن بجميع الخلق». {الرّحيم} قال: «بالمؤمنين».
- وحدّثنا إسماعيل بن الفضل، قال: حدّثنا إبراهيم بن العلاء، قال: حدّثنا إسماعيل بن عيّاشٍ، عن إسماعيل بن يحيى، عن ابن أبي مليكة، عمّن حدّثه عن ابن مسعودٍ، ومسعر بن كدامٍ، عن عطيّة العوفيّ، عن أبي سعيدٍ -يعني الخدريّ- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ عيسى ابن مريم قال: الرّحمن: رحمن الآخرة والدّنيا، والرّحيم: رحيم الآخرة».
فهذان الخبران قد أنبآ عن فرق ما بين تسمية اللّه جلّ ثناؤه باسمه الّذي هو رحمنٌ، وتسميته باسمه الّذي هو رحيمٌ. واختلاف معنيى الكلمتين، وإن اختلفا في معنى ذلك الفرق، فدلّ أحدهما على أنّ ذلك في الدّنيا، ودلّ الآخر على أنّه في الآخرة.
فإن قال: فأيّ هذين التّأويلين أولى عندك بالصّحّة؟
قيل: لجميعهما عندنا في الصّحّة مخرجٌ، فلا وجه لقول قائلٍ: أيّهما أولى بالصّحّة.
وذلك أنّ المعنى الّذي في تسمية اللّه بالرّحمن، دون الّذي في تسميته بالرّحيم؛ هو أنّه بالتّسمية بالرّحمن موصوفٌ بعموم الرّحمة جميع خلقه، وأنّه بالتّسمية بالرّحيم موصوفٌ بخصوص الرّحمة بعض خلقه، إمّا في كلّ الأحوال، وإمّا في بعض الأحوال. فلا شكّ إذا كان ذلك كذلك، أنّ ذلك الخصوص الّذي في وصفه بالرّحيم لا يستحيل عن معناه في الدّنيا كان ذلك أو في الآخرة، أو فيهما جميعًا.
فإذ كان صحيحًا ما قلنا من ذلك وكان اللّه جلّ ثناؤه قد خصّ عباده المؤمنين في عاجل الدّنيا بما لطف لهم في توفيقه إيّاهم لطاعته، والإيمان به وبرسله، واتّباع أمره واجتناب معاصيه؛ ممّا خذل عنه من أشرك به فكفر، وخالف ما أمره به وركب معاصيه، وكان مع ذلك قد جعل جلّ ثناؤه ما أعدّ في آجل الآخرة في جنّاته من النّعيم المقيم والفوز المبين لمن آمن به وصدّق رسله وعمل بطاعته خالصًا دون من أشرك وكفر به كان بيّنًا أنّ اللّه قد خصّ المؤمنين من رحمته في الدّنيا والآخرة، مع ما قد عمّهم به والكفّار في الدّنيا، من الإفضال والإحسان إلى جميعهم، في البسط في الرّزق، وتسخير السّحاب بالغيث، وإخراج النّبات من الأرض، وصحّة الأجسام والعقول، وسائر النّعم الّتي لا تحصى، الّتي يشترك فيها المؤمنون والكافرون. فربّنا جلّ ثناؤه رحمن جميع خلقه في الدّنيا والآخرة. ورحيم المؤمنين خاصّةً في الدّنيا والآخرة.
فأمّا الّذي عمّ جميعهم به في الدّنيا من رحمته، فكان رحمانًا لهم به، فما ذكرنا مع نظائره الّتي لا سبيل إلى إحصائها لأحدٍ من خلقه، كما قال جلّ ثناؤه: {وإن تعدّوا نعمة اللّه لا تحصوها} وأمّا في الآخرة، فالّذي عمّ جميعهم به فيها من رحمته، فكان لهم رحمانًا فى تسويته بين جميعهم جلّ ذكره في عدله وقضائه، فلا يظلم أحدًا منهم مثقال ذرّةٍ، وإنّ تك حسنةً يضاعفها، ويوفّى كلّ نفسٍ ما كسبت. فذلك معنى عمومه في الآخرة جميعهم برحمته الّذي كان به رحمانًا في الآخرة.
وأمّا ما خصّ به المؤمنين في عاجل الدّنيا من رحمته الّذي كان به رحيمًا لهم فيها، كما قال جلّ ذكره: {وكان بالمؤمنين رحيمًا} فما وصفنا من اللّطف لهم في دينهم، فخصّهم به دون من خذله من أهل الكفر به.
وأمّا ما خصّهم به في الآخرة، فكان به رحيمًا لهم دون الكافرين. فما وصفنا آنفًا ممّا أعدّ لهم دون غيرهم من النّعيم والكرامة الّتي تقصر عنها الأماني.
- وأمّا القول الآخر في تأويله، فهو ما حدّثنا به أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، قال: حدّثنا بشر بن عمارة، قال: حدّثنا أبو روقٍ، عن الضّحّاك، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ، قال: «الرّحمن الفعلان من الرّحمة»، وهو من كلام العرب قال: «{الرّحمن الرّحيم}: الرّقيق الرّفيق بمن أحبّ أن يرحمه، والبعيد الشّديد على من أحبّ أن يعنّف عليه». وكذلك أسماؤه كلّها.
وهذا التّأويل من ابن عبّاسٍ، يدلّ على أنّ الّذي به ربّنا رحمن هو الّذي به رحيمٌ، وإن كان لقوله: الرّحمن من المعنى ما ليس لقوله: الرّحيم؛ لأنّه جعل معنى الرّحمن بمعنى الرّقيق على من رقّ عليه، ومعنى الرّحيم بمعنى الرّقيق بمن رفق به.
والقول الّذي روّيناه في تأويل ذلك عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وذكرناه عن العرزميّ، أشبه بتأويله من هذا القول الّذي روينا عن ابن عبّاس؛ وإن كان هذا القول موافقًا معناه معنى ذلك، في أنّ للرّحمن من المعنى ما ليس للرّحيم، وأنّ للرّحيم تأويلاً غير تأويل الرّحمن.
- والقول الثّالث في تأويل ذلك، ما حدّثني به، عمران بن بكّارٍ الكلاعيّ، قال: حدّثنا يحيى بن صالحٍ، قال: حدّثنا أبو الأزهر نصر بن عمرٍو اللّخميّ من أهل فلسطين، قال: سمعت عطاءً الخراسانيّ، يقول: «كان الرّحمن، فلمّا اختزل الرّحمن من اسمه كان الرّحمن الرّحيم».
والّذي أراد إن شاء اللّه عطاءٌ بقوله هذا: أنّ الرّحمن كان من أسماء اللّه الّتي لا يتسمّى بها أحدٌ من خلقه، فلمّا تسمّى به الكذّاب مسيلمة وهو اختزاله إيّاه، يعني اقتطاعه من أسمائه لنفسه أخبر اللّه جلّ ثناؤه أنّ اسمه الرّحيم الرّحيم، ليفصل بذلك لعباده اسمه من اسم من قد تسمّى بأسمائه، إذ كان لا يسمّى أحدٌ الرّحمن الرّحيم فيجمع له هذان الاسمان غيره جلّ ذكره؛ وإنّما يتسمّى بعض خلقه إمّا رحيمًا، أو يتسمّى رحمنٌ، فأمّا رحمنٌ رحيمٌ، فلم يجتمعا قطّ لأحدٍ سواه، ولا يجمعان لأحدٍ غيره. فكأنّ معنى قول عطاءٍ هذا: أنّ اللّه جلّ ثناؤه إنّما فصل بتكرير الرّحيم على الرّحمن بين اسمه واسم غيره من خلقه، اختلف معناهما أو اتّفقا.
والّذي قال عطاءٌ من ذلك غير فاسد المعنى، بل جائزٌ أن يكون جلّ ثناؤه خصّ نفسه بالتّسمية بهما معًا مجتمعين إبانةً لها من خلقه، ليعرف عباده بذكرهما مجموعين أنّه المقصود بذكرهما دون من سواه من خلقه، مع ما في تأويل كلّ واحدٍ منهما من المعنى الّذي ليس في الآخر منهما.
وقد زعم بعض أهل الغباء أنّ العرب كانت لا تعرف الرّحمن ولم يكن ذلك في لغتها؛ ولذلك قال المشركون للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: {وما الرّحمن أنسجد لما تأمرنا} إنكارًا منهم لهذا الاسم. فكأنّه كان محالاً عنده أن ينكر أهل الشّرك ما كانوا بصحّته عالمين، أو كأنّه لم يتل من كتاب اللّه قول اللّه: {الّذين آتيناهم الكتاب يعرفونه} يعني محمّدًا {كما يعرفون أبناءهم} وهم مع ذلك به مكذّبون، ولنبوّته جاحدون. فيعلم بذلك أنّهم قد كانوا يدافعون حقيقة ما قد ثبت عندهم صحّته واستحكمت لديهم معرفته. وقد أنشد لبعض الجاهليّة الجهلاء:

ألا ضربت تلك الفتاة هجينها......ألا قضب الرّحمن ربّي يمينها
وقال سلامة بن جندلٍ السعدى:

عجلتم علينا عجلتينا عليكم......وما يشأ الرّحمن يعقد ويطلق
وقد زعم أيضًا بعض من ضعفت معرفته بتأويل أهل التّأويل، وقلّت روايته لأقوال السّلف من أهل التّفسير، أنّ الرّحمن مجازه ذو الرّحمة، والرّحيم مجازه الرّاحم. ثمّ قال: قد يقدّرون اللّفظين من لفظٍ والمعنى واحدٌ، وذلك لاتّساع الكلام عندهم. قال: وقد فعلوا مثل ذلك، فقالوا: ندمانٌ ونديمٌ. ثمّ استشهد بيت برج بن مسهرٍ الطّائيّ:

وندمانٍ يزيد الكأس طيبًا......سقيت وقد تغوّرت النّجوم
واستشهد بأبياتٍ نظائر له في النّديم والنّدمان. ففرّق بين معنى الرّحمن والرّحيم في التّأويل، لقوله: الرّحمن ذو الرّحمة، والرّحيم: الرّاحم، وإن كان قد ترك بيان تأويل معنييهما على صحّته. ثمّ مثّل ذلك باللّفظين يأتيان بمعنًى واحدٍ، فعاد إلى ما قد جعله بمعنيين، فجعله مثال ما هو بمعنًى واحدٍ مع اختلاف الألفاظ.
ولا شكّ أنّ ذا الرّحمة هو الّذي قد ثبت أنّ له الرّحمة وصحّ أنّها له صفةٌ، وأنّ الرّاحم هو الموصوف بأنّه سيرحم، أو قد رحم فانقضى ذلك منه، أو هو فيه. ولا دلالة فيه حينئذٍ أنّ الرّحمة له صفةٌ، كالدّلالة على أنّها له صفةٌ إذا وصفه بأنّه ذو الرّحمة. فأين معنى الرّحمن الرّحيم على تأويله من معنى الكلمتين يأتيان مقدّرتين من لفظٍ واحدٍ باختلاف الألفاظ واتّفاق المعاني؟ ولكنّ القول إذا كان غير أصلٍ معتمدٍ عليه كان واضحًا عواره.
وإنّ قال لنا قائلٌ: ولم قدّم اسم اللّه الّذي هو اللّه على اسمه الّذي هو الرّحمن، واسمه الّذي هو الرّحمن على اسمه الّذي هو الرّحيم؟
قيل: لأنّ من شأن العرب إذا أرادوا الخبر عن مخبرٍ عنه أن يقدّموا اسمه، ثمّ يتبعوه صفاته ونعوته. وهذا هو الواجب في الحكم: أن يكون الاسم مقدّمًا قبل نعته وصفته، ليعلم السّامع الخبر عمّن الخبر.
فإذا كان ذلك كذلك، وكان للّه جلّ ذكره أسماءٌ قد حرّم على خلقه أن يتسمّوا بها خصّ بها نفسه دونهم، وذلك مثل اللّه، والرّحمن والخالق؛ وأسماءٍ أباح لهم أن يسمّي بعضهم بعضًا بها، وذلك كالرّحيم، والسّميع، والبصير، والكريم، وما أشبه ذلك من الأسماء؛ كان الواجب أن يقدّم أسماءه الّتي هي له خاصّةً دون جميع خلقه، ليعرف السّامع ذلك من توجّه إليه الحمد والتّمجيد ثمّ يتبع ذلك بأسمائه الّتي قد تسمّى بها غيره، بعد علم المخاطب أو السّامع من توجّه إليه ما يتلو ذلك من المعاني.
فبدأ اللّه جلّ ذكره باسمه الّذي هو اللّه؛ لأنّ الألوهيّة ليست لغيره جلّ ثناؤه بوجهٍ من الوجوه، لا من جهة التّسمّي به، ولا من جهة المعنى. وذلك أنّا قد بيّنّا أنّ معنى اللّه جلّ ثناؤه معنى المعبود، ولا معبود غيره جلّ جلاله، وأنّ التّسمّي به قد حرّمه اللّه جلّ ثناؤه، وإن قصد المتسمّي به ما قصد المتسمّي بسعيدٍ وهو شقيٌّ، وبحسنٍ وهو قبيحٌ.
أو لا ترى أنّ اللّه جلّ جلاله قال في غير آيةٍ من كتابه: {أإلهٌ مع اللّه} فاستكبر ذلك من المقرّ به، وقال تعالى في خصوصة نفسه باللّه وبالرّحمن: {قل ادعوا اللّه أو ادعوا الرّحمن أيًّا ما تدعو فله الأسماء الحسنى} ثمّ ثنّى ذلك باسمه، الّذي هو الرّحمن، إذ كان قد منع أيضًا خلقه التّسمّي به، وإن كان من خلقه من قد يستحقّ تسميته ببعض معانيه؛ وذلك أنّه قد يجوز وصف كثيرٍ ممّن هو دون اللّه من خلقه ببعض صفات الرّحمة، وغير جائزٍ أن يستحقّ بعض الألوهيّة أحدٌ دونه؛ فلذلك جاء الرّحمن ثانيًا لاسمه الّذي هو اللّه.
وأمّا اسمه الّذي هو الرّحيم فقد ذكرنا أنّه ممّا هو جائزٌ وصف غيره به. والرّحمة من صفاته جلّ ذكره، فكان إذ كان الأمر على ما وصفنا واقعًا مواقع نعوت الأسماء اللّواتي هنّ توابعها بعد تقدّم الأسماء عليها.
فهذا وجه تقديم اسم اللّه الّذي هو اللّه على اسمه الّذي هو الرّحمن، واسمه الّذي هو الرّحمن على اسمه الّذي هو الرّحيم.
وقد كان الحسن البصريّ يقول في الرّحمن مثل ما قلنا، أنّه من أسماء اللّه الّتي منع التّسمّي بها لعباده.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا حمّاد بن مسعدة، عن عوفٍ، عن الحسن، قال: «الرّحمن اسمٌ ممنوعٌ».
مع أنّ في إجماع الأمّة من منع التّسمّي به جميع النّاس ما يغني عن الاستشهاد على صحّة ما قلنا في ذلك بقول الحسن وغيره). [جامع البيان: 1/ 111-134]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (تفسير قوله: {بسم الله}
الوجه الأول:
- حدّثنا عليّ بن طاهرٍ، ثنا محمّد بن العلاء- يعني أبا كريبٍ- الهمداني، ثنا عثمان بن سعيدٍ- يعني الزّيّات- الكوفيّ، ثنا بشر بن عمارة عن أبي روقٍ، عن الضحاك، عن ابن عبّاسٍ قال: «أوّل ما نزل جبريل على محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم- قال له جبريل: قل: بسم اللّه يا محمّد. يقول: اقرأ بذكر ربّك، قم واقعد بذكره».
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن عبد الرّحمن بن ابنة عبد الملك بن أبي سليمان، ثنا أبي، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك في قوله: {بسم اللّه} قال: «الباء من بهاء اللّه والسّين من سناء اللّه والميم من ملك اللّه. واللّه: يا إله الخلق».
- حدّثنا عصام بن روّاد بن الجرّاح العسقلانيّ، ثنا آدم، ثنا أبو هلالٍ الرّاسبيّ، ثنا حيّان الأعرج عن أبي الشّعثاء جابر بن زيدٍ في قوله: {بسم اللّه} قال: «اسم اللّه الأعظم هو اللّه. ألا ترى أنّه في جميع القرآن يبدأ به قبل كلّ اسمٍ».
قوله عزّ وجلّ: {الرّحمن}
- حدّثنا عليّ بن طاهرٍ، ثنا محمّد بن العلاء- يعني أبا كريبٍ- الهمدانيّ، ثنا عثمان بن سعيدٍ- يعني الزّيّات- الكوفيّ ثنا بشر بن عمارة عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ قال
: «أوّل ما نزل جبريل على محمّدٍ -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال له جبريل: قل يا محمّد: بسم اللّه. يقول: اقرأ بذكر ربّك وقم واقعد بذكره بسم اللّه الرّحمن»، قال: «يقول: الرّحمن: الفعلان من الرّحمة، وهو من كلام العرب».
- حدّثنا أبي، ثنا جعفر بن مسافرٍ ثنا زيد بن المبارك الصّنعانيّ، ثنا سلام بن وهبٍ الجنديّ ثنا أبي عن طاوسٍ، عن ابن عبّاسٍ أنّ عثمان بن عفّان سأل رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- عن {بسم اللّه الرّحمن الرّحيم} فقال: «هو اسمٌ من أسماء اللّه، وما بينه وبين اسم اللّه إلا كما بين سواد العينين وبياضهما من القرب».
قوله: {الرّحيم}
- حدّثنا ابن طاهرٍ ثنا محمّد بن العلاء -يعني أبا كريبٍ الهمداني-، ثنا عثمان بن سعيدٍ -يعني الزّيّات-، ثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ قال: «أوّل ما نزل جبريل على النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال له جبريل: قل: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم، يقول: الرّحيم: الرّقيق الرّفيق لمن أحبّ أن يرحمه، البعيد الشّديد على من أحبّ أن يعنّف عليه العذاب».
- حدّثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيدٍ القطّان، ثنا زيد بن الحباب حدّثني، أبو الأشهب عن الحسن، قال: «الرّحمن اسمٌ لا يستطيع النّاس أن ينتحلوه، تسمّى به تبارك وتعالى»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 25-26]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، ثنا أحمد بن عبد الجبّار العطارديّ، ثنا حفص بن غياثٍ، عن ابن جريجٍ، عن أبيه، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، {ولقد آتيناك سبعًا من المثاني} [الحجر: 87] قال: «فاتحة الكتاب»، ثمّ قال
: «{بسم اللّه الرّحمن الرّحيم * الحمد للّه ربّ العالمين} [الفاتحة: 1-2]»، فقلت لأبي: لقد أخبرك سعيدٌ، أنّ ابن عبّاسٍ قال: «{بسم اللّه الرّحمن الرّحيم} [الفاتحة: 1] آيةٌ»؟. قال: «نعم» هذا حديثٌ صحيح الإسناد، ولم يخرّجاه، وتمام هذا الباب في كتاب الصّلاة). [المستدرك: 2 /282]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : ([باب ما جاء في {بسم اللّه الرّحمن الرّحيم} وفاتحة الكتاب]
- عن ابن عبّاسٍ قال: «كان النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- لا يعرف خاتمة السّورة حتّى تنزل {بسم اللّه الرّحمن الرّحيم}، فإذا نزل {بسم اللّه الرّحمن الرّحيم} علم أنّ السّورة قد ختمت، واستقبلت وابتدئت سورةٌ أخرى».
قلت: روى أبو داود منه: «لا يعرف خاتمة السّورة حتّى تنزل {بسم اللّه الرّحمن الرّحيم} فقط».
رواه البزّار بإسنادين، ورجال أحدهما رجال الصّحيح. وقد تقدّمت أحاديث هذا الباب في الصّلاة). [مجمع الزوائد: 6/ 310]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (باب ابتداء السّور بـ
{بسم اللّه الرّحمن الرّحيم}
- حدّثنا أبو كريبٍ، ثنا سفيان، عن عمرٍو، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ (ح)، وحدّثنا أحمد بن عبدة، أبنا سفيان، عن عمرٍو، عن سعيدٍ -أشكّ في حديث ابن عبدة قال: عن ابن عبّاسٍ، أو قال: عن سعيدٍ، ولم يقل: عن ابن عبّاسٍ- قال: «كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لا يعرف خاتمة السّورة حتّى ينزل {بسم اللّه الرّحمن الرّحيم}، فإذا نزل {بسم اللّه الرّحمن الرّحيم}، علم أنّ السّورة قد ختمت، واستقبلت أو ابتدئت سورةٌ أخرى».
قلت: اقتصر أبو داود على قوله: «لا يعرف فصل السّورة، حتّى ينزل {بسم اللّه الرّحمن الرّحيم}»). [كشف الأستار عن زوائد البزار: 3/ 40]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {بسم الله الرحمن الرحيم}.
- أخرج أبو عبيد، وابن سعد في الطبقات، وابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود، وابن خزيمة، وابن الأنباري في المصاحف والدارقطني والحاكم وصححه والبيهقي والخطيب، وابن عبد البر كلاهما في كتاب المسألة عن أم سلمة أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يقرأ {بسم الله الرحمن الرحيم * الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} قطعها آية آية،
وعددها عد الاعراب، وعد {بسم الله الرحمن الرحيم} ولم يعد {عليهم}.
- وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني والدارقطني والبيهقي في "سننه" بسند ضعيف عن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
«لا أخرج من المسجد حتى أخبرك بآية أو سورة لم تنزل على نبي بعد سليمان غيري»، قال: فمشى وتبعته حتى انتهى إلى باب المسجد فأخرج إحدى رجليه من أسكفة المسجد وبقيت الأخرى في المسجد، فقلت بيني وبين نفسي: نسي ذلك، فأقبل علي بوجهه فقال: «بأي شيء تفتتح القرآن إذا افتتحت الصلاة؟»، قلت: {بسم الله الرحمن الرحيم} قال: «هي هي»، ثم خرج.
- وأخرج ابن الضريس عن ابن عباس قال: «{بسم الله الرحمن الرحيم} آية».
- وأخرج سعيد بن منصور في "سننه"، وابن خزيمة في كتاب البسملة والبيهقي عن ابن عباس قال: «استرق الشيطان من الناس».
- وأخرج أبو عبيد، وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس قال: «أغفل الناس آية من كتاب الله لم تنزل على أحد سوى النّبيّ صلى الله عليه وسلم إلا أن يكون سليمان بن داود عليهما السلام {بسم الله الرحمن الرحيم}».
- وأخرج الدارقطني بسند ضعيف عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كان جبريل إذا جاءني بالوحي أول ما يلقي علي {بسم الله الرحمن الرحيم}».
- وأخرج الواحدي عن ابن عمر قال: «نزلت {بسم الله الرحمن الرحيم} في كل سورة».
- وأخرج أبو داود والبزار والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في المعرفة عن ابن عباس قال: «كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم لا يعرف فصل السورة -وفي لفظ: خاتمة السورة- حتى ينزل عليه {بسم الله الرحمن الرحيم}»، زاد البزار والطبراني: «فإذا نزلت عرف أن السورة قد ختمت واستقبلت أو ابتدئت سورة أخرى».
- وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس قال: «كان المسلمون لا يعرفون انقضاء السورة حتى تنزل {بسم الله الرحمن الرحيم} فإذا نزلت عرفوا أن السورة قد انقضت».
- وأخرج أبو عبيد عن سعيد بن جبير أنه في عهد النّبيّ صلى الله عليه وسلم « كانوا لا يعرفون انقضاء السورة حتى تنزل {بسم الله الرحمن الرحيم} فإذا نزلت علموا أن قد انقضت سورة ونزلت أخرى»
- وأخرج الطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا جاءه جبريل فقرأ {بسم الله الرحمن الرحيم} علم أنها سورة.
- وأخرج البيهقي في شعب الإيمان والواحدي عن ابن مسعود قال: «كنا لا نعلم فصل ما بين السورتين حتى تنزل {بسم الله الرحمن الرحيم}».
- وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمر أنه كان يقرأ في الصلاة {بسم الله الرحمن الرحيم} فإذا ختم السورة قرأها يقول:
«ما كتبت في المصحف إلا لتقرأ».
- وأخرج الدارقطني عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: «علمني جبريل الصلاة فقام فكبر لنا ثم قرأ {بسم الله الرحمن الرحيم} فيما يجهر به في كل ركعة».
- وأخرج الثعلبي عن علي بن يزيد بن جدعان أن العبادلة كانوا يستفتحون القراءة بـ{بسم الله الرحمن الرحيم} يجهرون بها، عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير.
- وأخرج الثعلبي عن أبي هريرة قال: كنت مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم في المسجد إذ دخل رجل يصلي فافتتح الصلاة وتعوذ ثم قال: {الحمد لله رب العالمين} فسمع النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: «يا رجل قطعت على نفسك الصلاة أما علمت أن {بسم الله الرحمن الرحيم} من الحمد، فمن تركها فقد ترك آية، ومن ترك آية فقد أفسد عليه صلاته».
- وأخرج الثعلبي عن علي أنه كان إذا افتتح السورة في الصلاة يقرأ {بسم الله الرحمن الرحيم} وكان يقول: «من ترك قراءتها فقد نقص»، وكان يقول: «هي تمام السبع المثاني».
- وأخرج الثعلبي عن طلحة بن عبيد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ترك {بسم الله الرحمن الرحيم} فقد ترك آية من كتاب الله».
- وأخرج الشافعي في الأم والدارقطني والحاكم وصححه والبيهقي عن معاوية أنه قدم المدينة فصلى بهم ولم يقرأ {بسم الله الرحمن الرحيم} ولم يكبر إذا خفض وإذا رفع، فناداه المهاجرون والأنصار حين سلم: «يا معاوية أسرقت صلاتك؟ أين {بسم الله الرحمن الرحيم} وأين التكبير؟»، فلما صلى بعد ذلك قرأ {بسم الله الرحمن الرحيم} لأم القرآن وللسورة التي بعدها، وكبر حين يهوي ساجدا.
- وأخرج البيهقي عن الزهري قال: «من سنة الصلاة أن تقرأ {بسم الله الرحمن الرحيم} وإن أول من أسر {بسم الله الرحمن الرحيم} عمرو بن سعيد بن العاص بالمدينة وكان رجلا حييا» .

- أخرج أبو داود والترمذي والدارقطني والبيهقي عن ابن عباس قال: «كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يفتتح صلاته بـ{بسم الله الرحمن الرحيم}».
- وأخرج البزار والدارقطني والبيهقي في شعب الإيمان من طريق أبي الطفيل قال: سمعت علي بن أبي طالب وعمار يقولان: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجهر في المكتوبات بـ{بسم الله الرحمن الرحيم} في فاتحة الكتاب».
- وأخرج الطبراني في الأوسط والدارقطني والبيهقي عن نافع، أن ابن عمر إذا افتتح الصلاة يقرأ بـ{بسم الله الرحمن الرحيم} في أم القرآن وفي السورة التي تليها ويذكر أنه سمع ذلك من رسول الله.

- وأخرج الدارقطني والحاكم والبيهقي عن أبي هريرة قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر بـ{بسم الله الرحمن الرحيم} في الصلاة».
- وأخرج الدارقطني والحاكم والبيهقي وصححه عن نعيم المجمر قال: كنت وراء أبي هريرة فقرأ {بسم الله الرحمن الرحيم} ثم قرأ بأم القرآن حتى بلغ {ولا الضالين} قال: «آمين»، وقال الناس: آمين، ويقول كلما سجد: «الله أكبر»، وإذا قام من الجلوس قال: «الله أكبر»، ويقول إذا سلم: «والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم» .
- وأخرج الدارقطني عن علي بن أبي طالب قال: «كان النّبيّ يجهر بـ{بسم الله الرحمن الرحيم} في السورتين جميعا».
- وأخرج الدارقطني عن علي بن أبي طالب قال: قال النّبيّ: «كيف تقرأ إذا قمت إلى الصلاة؟»، قلت: {الحمد لله رب العالمين}، قال: «قل {بسم الله الرحمن الرحيم}».
- وأخرج الدارقطني والبيهقي في شعب الإيمان، عن جابر قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : «كيف تقرأ إذا قمت إلى الصلاة؟» قلت: أقرأ {الحمد لله رب العالمين} قال: «قل {بسم الله الرحمن الرحيم}».
- وأخرج الدارقطني عن ابن عمر قال: «صليت خلف النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فكانوا يجهرون بـ{بسم الله الرحمن الرحيم}».
- وأخرج الدارقطني عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمني جبريل عليه السلام عند الكعبة فجهر بـ{بسم الله الرحمن الرحيم}».
- وأخرج الدارقطني عن الحكم بن عمير وكان بدريا قال: «صليت خلف النبي صلى الله عيه وسلم فجهر في الصلاة {بسم الله الرحمن الرحيم} في صلاة الليل وصلاة الغداة وصلاة الجمعة».
- وأخرج الدارقطني عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجهر بـ{بسم الله الرحمن الرحيم}.
- وأخرج أبو عبيد عن محمد بن كعب القرظي قال: «فاتحة الكتاب سبع آيات بـ{بسم الله الرحمن الرحيم}».
- وأخرج ابن أبي حاتم في تفسيره والحاكم في المستدرك وصححه والبيهقي في شعب الإيمان وأبو ذر الهروي في فضائله والخطيب البغدادي في تاريخه عن ابن عباس، أن عثمان بن عفان سأل النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن {بسم الله الرحمن الرحيم} فقال: «هو اسم من أسماء الله تعالى وما بينه وبين اسم الله الأكبر إلا كما بين سواد العين وبياضها من القرب».
- وأخرج ابن جرير، وابن عدي في الكامل، وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية، وابن عساكر في تاريخ دمشق والثعلبي بسند ضعيف جدا عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن عيسى بن مريم أسلمته أمه إلى الكتاب ليعلمه فقال له المعلم: اكتب {بسم الله الرحمن الرحيم} قال له عيسى: وما باسم الله؟ قال المعلم: لا أدري، فقال له عيسى: الباء بهاء الله والسين سناؤه والميم مملكته والله إله الآلهة والرحمن رحمان الدنيا والآخرة والرحيم رحيم الآخرة».
- وأخرج ابن أبي حاتم من طريق جويبر عن الضحاك، مثل قوله.
- وأخرج ابن جريج، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: «أول ما نزل جبريل على محمد قال له جبريل: {بسم الله} يا محمد، يقول: اقرأ بذكر الله، والله ذو الألوهية والمعبودية على خلقه أجمعين، والرحمن الفعلان من الرحمة، والرحيم الرفيق الرقيق بمن أحب أن يرحمه والبعيد الشديد على من أحب أن يضعف عليه العذاب».
- وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: «اسم الله الأعظم، هو الله».
- وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري في تاريخه، وابن الضريس في فضائله، وابن أبي حاتم، عن جابر بن يزيد قال: «اسم الله الأعظم، هو الله ألا ترى أنه في جميع القرآن يبدأ به قبل كل اسم».
- وأخرج ابن أبي شيبة، وابن أبي الدنيا في الدعاء الشعبي قال: «اسم الله الأعظم، يا الله».
- وأخرج ابن جرير عن الحسن قال: «{الرحمن} اسم ممنوع».
- وأخرج ابن أبي حاتم قال: «{الرحيم} اسم لا يستطيع الناس أن ينتحلوه».
- وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال: «{الرحمن} لجميع الخلق و{الرحيم} بالمؤمنين خاصة».
- وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس قال: «{الرحمن} وهو الرفيق {الرحيم} وهو العاطف على خلقه بالرزق وهما اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر».
- وأخرج ابن جرير عن عطاء الخراساني قال: «كان الرحمن فلما اختزل الرحمن من اسمه كان {الرحمن الرحيم}».
- وأخرج البزار والحاكم والبيهقي في الدلائل بسند ضعيف عن عائشة قالت: «قال لي أبي: ألا أعلمك دعاء علمنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟، قال: وكان عيسى يعلمه للحواريين، لو كان عليك مثل أحد ذهبا لقضاه الله عنك،
قلت: بلى، قال: قولي: «اللهم فارج الهم كاشف الغم -ولفظ البزار: وكاشف الكرب- مجيب دعوة المضطرين رحمن الدنيا والآخرة ورحيمها أنت ترحمني رحمة تغنني بها عمن سواك».
- وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن سابط قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بهؤلاء الكلمات ويعلمهن: «اللهم فارج الهم وكاشف الكرب ومجيب المضطرين ورحمن الدنيا والآخرة ورحيمها أنت ترحمني فارحمني رحمة تغنني بها عمن سواك».
- وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن سابط قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بهؤلاء الكلمات ويعلمهن: «اللهم فارج الهم وكاشف الكرب ومجيب المضطرين ورحمن الدنيا والآخرة ورحيمها ارحمني اليوم رحمة تغنني بها عن رحمة من سواك».
- وأخرج البيهقي في شعب الإيمان من طريق ابن سليمان عن الضحاك عن ابن عباس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله أنزل علي سورة لم ينزلها على أحد من الأنبياء والرسل من قبلي»، قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «قال الله تعالى: [قسمت هذه السورة بيني وبين عبادي، فاتحة الكتاب جعلت نصفها لي: ونصفها لهم، وآية بيني وبينهم، فإذا قال العبد: {بسم الله الرحمن الرحيم} قال الله: عبدي دعاني باسمين رقيقين، أحدهما أرق من الآخر، فالرحيم أرق من الرحمن، وكلاهما رقيقان، فإذا قال: {الحمد لله} قال الله: شكرني عبدني وحمدني، فإذا قال: {رب العالمين} قال الله: شهد عبدي أني رب العالمين، رب الإنس والجن والملائكة والشياطين ورب الخلق ورب كل شيء، فإذا قال: {الرحمن الرحيم} يقول: مجدني عبدي، وإذا قال: {مالك يوم الدين} -يعني بيوم الدين: يوم الحساب-، قال الله تعالى: شهد عبدي أنه لا مالك ليومه أحد غيري، وإذا قال: {مالك يوم الدين} فقد أثنى علي عبدي، {إياك نعبد} يعني الله أعبد وأوحد {وإياك نستعين} قال الله: هذا بيني وبين عبدي إياي يعبد فهذه لي وإياي نستعين فهذه له ولعبدي بعد ما سأل]» ، بقية السورة {اهدنا}: أرشدنا {الصراط المستقيم} يعني: دين الإسلام، لأن كل دين غير الإسلام فليس بمستقيم الذي ليس فيه التوحيد {صراط الذين أنعمت عليهم} يعني به النبيين والمؤمنين الذين أنعم الله عليهم بالإسلام والنبوة {غير المغضوب عليهم} يقول: أرشدنا غير دين هؤلاء الذين غضبت عليهم وهم اليهود {ولا الضالين} وهم النصارى أضلهم اله بعد الهدى فبمعصيتهم غضب الله عليهم {وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا} [المائدة:60] في الدنيا والآخرة، يعني شر منزلا من النار {وأضل عن سواء السبيل} [المائدة:60] من المؤمنين، يعني أضل عن قصد السبيل المهدى من المسلمين قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «فإذا قال الإمام: {ولا الضالين} فقولوا: آمين يحبكم الله»، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «قال لي: يا محمد هذه نجاتك ونجاة أمتك ومن اتبعك على دينك من النار» قال البيهقي: «قوله: رقيقان، قيل هذا تصحيف وقع في الأصل وإنما هو رفيقان، والرفيق: من أسماء الله تعالى».
- وأخرج ابن مردويه والثعلبي، عن جابر بن عبد الله قال: «لما نزلت {بسم الله الرحمن الرحيم} هرب الغيم إلى المشرق وسكنت الريح وهاج البحر وأصغت البهائم بآذانها ورجمت الشياطين من السماء وحلف الله بعزته وجلاله أن لا يسمى على شيء إلا بارك فيه».
- وأخرج وكيع والثعلبي عن ابن مسعود قال: «من أراد أن ينجيه الله من الزبانية التسعة عشر فليقرأ {بسم الله الرحمن الرحيم} ليجعل الله له بكل حرف منها جنة من كل واحد».
- وأخرج الديلمي في مسند الفردوس عن ابن عباس مرفوعا: «إن المعلم إذا قال للصبي قل: {بسم الله الرحمن الرحيم} كتب للمعلم وللصبي ولأبويه براءة من النار».
- وأخرج ابن السني في عمل اليوم والليلة والديلمي عن علي مرفوعا: «إذا وقعت في ورطة فقل: {بسم الله الرحمن الرحيم} لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فإن الله يصرف بها ما يشاء من أنواع البلاء».
- وأخرج الحافظ عن عبد القادر الرهاوي في الأربعين بسند صحيح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بـ{بسم الله الرحمن الرحيم} أقطع».
- وأخرج عبد الرزاق في المصنف وأبو نعيم في الحلية عن عطاء قال: «إذا تناهقت الحمر من الليل فقولوا: {بسم الله الرحمن الرحيم} أعوذ بالله من الشيطان الرجيم».
- وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن صفوان بن سليم قال: «الجن يستمتعون بمتاع الإنس وثيابهم فمن أخذ منكم أو وضعه فليقل {بسم الله} فإن اسم الله طابع».
- وأخرج أبو نعيم والديلمي عن عائشة قالت: لما نزلت {بسم الله الرحمن الرحيم} ضجت الجبال حتى سمع أهل مكة دويها فقالوا: سحر محمد الجبال فبعث الله دخانا حتى أظل على أهل مكة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ {بسم الله الرحمن الرحيم} موقنا سبحت معه الجبال إلا أنه لا يسمع ذلك منها».
- وأخرج الديلمي عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من قرأ {بسم الله الرحمن الرحيم} كتب له بكل حرف أربعة آلاف حسنة ومحي عنه أربعة آلاف سيئة ورفع له أربعة آلاف درجة».
- وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري والدارقطني والحاكم والبيهقي في "سننه" عن أنس بن مالك أنه سئل عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «كانت مدا ثم قرأ {بسم الله الرحمن الرحيم} يمد {بسم الله} ويمد {الرحمن} ويمد {الرحيم}».
- وأخرج الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي في الجامع عن أبي جعفر محمد بن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «{بسم الله الرحمن الرحيم} مفتاح كل كتاب».
- وأخرج الخطيب في الجامع عن سعيد بن جبير قال: «لا يصلح كتاب إلا أوله {بسم الله الرحمن الرحيم} وإن كان شعرا».
- وأخرج الخطيب عن الزهري قال: «قضت السنة أن لا يكتب في الشعر {بسم الله الرحمن الرحيم}».
- وأخرج ابن أبي شيبة وأبو بكر بن أبي داود والخطيب في الجامع عن الشعبي قال: «كانوا يكرهون أن يكتبوا أمام الشعر {بسم الله الرحمن الرحيم}».
- وأخرج الخطيب عن الشعبي قال: «أجمعوا أن لا يكتبوا أمام الشعر {بسم الله الرحمن الرحيم}».
- وأخرج أبو عبيد، وابن أبي شيبة في المصنف عن مجاهد والشعبي أنهما كرها أن يكتب الجنب {بسم الله الرحمن الرحيم}.
- وأخرج أبو نعيم في تاريخ أصبهان، وابن اشته في المصاحف بسند ضعيف عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من كتب {بسم الله الرحمن الرحيم} مجودة تعظيما لله غفر الله له».
- وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن علي بن أبي طالب قال: «تنوق رجل في {بسم الله الرحمن الرحيم} فغفر له».
- وأخرج السلفي في جزء له عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تمد الباء إلى الميم حتى ترفع السين».
- وأخرج الخطيب في الجامع عن الزهري قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تمد {بسم الله الرحمن الرحيم}».
- وأخرج الخطيب، وابن اشته في المصاحف عن محمد بن سيرين، أنه كان يكره أن يمد الباء إلى الميم حتى يكتب السين.
- وأخرج الديلمي في مسند الفردوس، وابن عساكر في تاريخ دمشق عن يزيد بن ثابت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كتبت {بسم الله الرحمن الرحيم} فبين السين فيه».
- وأخرج الخطيب في الجامع والديلمي عن أنس عن النّبيّ قال: «إذا كتب أحدكم {بسم الله الرحمن الرحيم} فليمد الرحمن».
- وأخرج الديلمي عن معاوية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معاوية ألق الدواة وحرف القلم وانصب الباء وفرق السين ولا تغور الميم وحسن الله ومد الرحمن وجود الرحيم وضع قلمك على أذنك اليسرى فإنه أذكر لك».
- وأخرج الخطيب عن مطر الوراق قال: «كان معاوية بن أبي سفيان كات برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمره أن يجمع بين حروف الباء والسين ثم يمده إلى الميم ثم يجمع حروف الله الرحمن الرحيم ولا يمد شيئا من أسماء الله في كتابه ولا قراءته».
- وأخرج أبو عبيد عن مسلم بن يسار أنه كان يكره أن يكتب (بم) حين يبدأ قيسقط السين.
- وأخرج أبو عبيد عن ابن عون أنه كتب لابن سيرين (بم) فقال: «مه، اكتب سينا، اتقوا أن يأثم أحدكم وهو لا يشعر».
- وأخرج أبو عبيد عن عمران بن عون، أن عمر بن عبد العزيز ضرب كاتبا كتب الميم قبل السين، فقيل له: فيم ضربك أمير المؤمنين فقال: في سين.
- وأخرج ابن سعد في طبقاته عن جويرية بنت أسماء، أن عمر بن عبد العزيز عزل كاتبا له في هذا كتب (بم) ولم يجعل السين.
- وأخرج ابن سعيد عن محمد بن سيرين أنه كان يكره أن يكتب الباء ثم يمدها إلى الميم حتى يكتب السين ويقول فيه قولا شديدا.
- وأخرج الخطيب عن معاذ بن معاذ قال: كتبت عند سوار {بسم الله الرحمن الرحيم} فمددت الباء ولم أكتب السين فأمسك يدي وقال: «كان محمد والحسن يكرهان هذا».
- وأخرج الخطيب عن عبد الله بن صالح قال: كتبت {بسم الله الرحمن الرحيم} ورفعت الباء فطالت فأنكر ذلك الليث وكرهه وقال: «غيرت المعنى يعني لأنها تصير لاما».
- وأخرج أبو داود في مراسيله عن عمر بن عبد العزيز أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم مر على كتاب في الأرض فقال لفتى معه: «ما في هذا؟» قال: {بسم الله} قال: «لعن من فعل هذا، لا تضعوا {بسم الله} إلا في موضعه».
- وأخرج الخطيب في تالي التلخيص عن أنس مرفوعا: «من رفع قرطاسا من الأرض فيه {بسم الله الرحمن الرحيم} إجلالا له أن يداس كتب عند الله من الصديقين وخفف عن والديه وإن كانا كافرين».
- وأخرج ابن أبي داود في البعث عن أم خالد بن خالد بن سعيد بن العاص قال: «إني أول من كتب {بسم الله الرحمن الرحيم}».

- وأخرج الثعلبي من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: قام النّبيّ صلى الله عليه وسلم بمكة، فقال: «{بسم الله الرحمن الرحيم}»، فقالت قريش: دق الله فاك.
- أخرج أبو داود في مراسيله عن سعيد بن جبير قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر {بسم الله الرحمن الرحيم} بمكة وكان أهل مكة يدعون مسيلمة الرحمن، فقالوا: إن محمدا يدعو إلى إله اليمامة، فأمر رسول الله بإخفائها فما جهر بها حتى مات».
- وأخرج الطبراني من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ {بسم الله الرحمن الرحيم} هزأ منه المشركون وقالوا: محمد يذكر إله اليمامة وكان مسيلمة يتسمى الرحمن، فلما نزلت هذه الآية أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يجهر بها».
- وأخرج الطبراني عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسر {بسم الله الرحمن الرحيم} وأبو بكر وعمر.
- وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وحسنه والنسائي، وابن ماجه والبيهقي عن ابن عبد الله بن مغفل قال: سمعني أبي وأنا أقرأ {بسم الله الرحمن الرحيم} فقال: «أي بني محدث صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحدا منهم جهر {بسم الله الرحمن الرحيم}».
- وأخرج عبد الرزاق ابن أبي شيبة عن ابن عباس قال: «الجهر {بسم الله الرحمن الرحيم} قراءة الأعراب».
- وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم قال: «جهر الإمام {بسم الله الرحمن الرحيم} بدعة».
- وأخرج ابن الضريس عن يحيى بن عتيق قال: كان الحسن يقول: «اكتبوا في أول الإمام {بسم الله الرحمن الرحيم} واجعلوا بين كل سورتين خطا» ). [الدر المنثور: 1/ 28-54]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 9 جمادى الآخرة 1434هـ/19-04-2013م, 06:23 AM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (تفسير مشكل إعراب القرآن ومعانيه.
فأوّل ذلك اجتماع القرّاء, وكتّاب المصاحف على حذف الألف من {بسم اللّه الرّحمن الرّحيم} في قوله: {فسبّح باسم ربّك العظيم}؛ لأنها وقعت في موضع معروف لا يجهل القارئ معناه، ولا يحتاج إلى قراءته، فاستخفّ طرحها لأن من شأن العرب الإيجاز وتقليل الكثير إذا عرف معناه, وأثبتت في قوله: {فسبّح باسم ربّك}؛ لأنها لا تلزم هذا الاسم، ولا تكثر معه ككثرتها مع اللّه تبارك وتعالى, ألا ترى أنك تقول: «بسم اللّه» عند ابتداء كلّ فعل تأخذ فيه: من مأكل, أو مشرب, أو ذبيحة, فخفّ عليهم الحذف لمعرفتهم به.
وقد رأيت بعض الكتّاب تدعوه معرفته بهذا الموضع إلى أن يحذف الألف والسين من «اسم» لمعرفته بذلك، ولعلمه بأن القارئ لا يحتاج إلى علم ذلك, فلا تحذفنّ ألف «اسم» إذا أضفته إلى غير اللّه تبارك وتعالى، ولا تحذفنّها مع غير الباء من الصفات, وإن كانت تلك الصفة حرفاً واحداً, مثل اللام والكاف, فتقول: لاسم اللّه حلاوة في القلوب، وليس اسم كاسم اللّه, فتثبت الألف في اللام وفي الكاف؛ لأنهما لم يستعملا كما استعملت الباء في اسم اللّه, ومما كثر في كلام العرب, فحذفوا منه أكثر من ذا قولهم: أيش عندك, فحذفوا إعراب «أيّ», وإحدى ياءيه، وحذفت الهمزة من «شيء»، وكسرت الشين, وكانت مفتوحة في كثير من الكلام لا أحصيه.
فإن قال قائل: إنما حذفنا الألف من «بسم اللّه»؛ لأن الباء لا يسكت عليها، فيجوز ابتداء الاسم بعدها, قيل له: فقد كتبت العرب في المصاحف, واضرب لهم مثلًا بالألف والواو, لا يسكت عليها في كثير من أشباهه, فهذا يبطل ما ادّعى). [معاني القرآن: 1/1-2]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): (فمجاز تفسير قوله {بسم الله} مضمر، مجازه كأنك قلت: بسم الله قبل كل شيء، وأول كل شيء، ونحو ذلك، قال عبد الله بن رواحة:
بسم الإله وبه بدينا.......ولو عبدنا غيره شقينا
يقال: بدأت وبديت، وبعضهم يقول: بدينا لغة.
{الرّحمن} مجازه: ذو الرحمة، و{الرّحيم} مجازه : الراحم، وقد يقدّرون اللفظين من لفظ واحد، والمعنى واحد، وذلك لاتّساع الكلام عندهم، وقد فعلوا مثل ذلك فقالوا: ندمان ونديم، قال برج بن مسهر الطائيّ -جاهلي-:
وندمانٍ يزيد الكأس طيباً.......سقيت وقد تغوّرت النجوم
وقال النعمان بن نضلة -عدويّ من عدي قريش- :
فإن كنت ندماني فبالأكبر اسقني.......ولا تسقني بالأصغر المتثلم
وقال بريق الهذليّ:
رزينا أبا زيدٍ ولا حيّ مثله.......وكان أبو زيد أخي ونديمي
وقال حسّان بن ثابت:
لا أخدش الخدشَ بالجليس ولا.......يخشى نديمي إذا انتشيت يدي
). [مجاز القرآن: 1/ 20-22]

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({بسم الله الرّحمن الرّحيم* الحمد للّه ربّ العالمين * الرّحمن الرّحيم}
{بسم الله الرّحمن الرّحيم}: "اسم" في التسمية، صلة زائدة، زيدت ليخرج بذكرها من حكم القسم إلى قصد التبرّك، لأن أصل الكلام "بالله"، وحذفت الألف من "بسم" من الخط؛ تخفيفاً لكثرة الاستعمال، واستغناء عنها بباء الإلصاق في اللفظ والخط، فلو كتبت "باسم الرحمن"، و"باسم القادر"، أو "باسم القاهر" لم تحذف الألف.
والألف في "اسم" ألف وصل، لأنك تقول: "سميّ"، وحذفت؛ لأنها ليست من اللفظ. اسمٌ، لأنك تقول إذا صغّرته: "سميّ"، فتذهب الألف. وقوله: {وامرأته حمّالة الحطب}، وقوله: {وبعثنا منهم اثني عشر نقيباً}، فهذا موصول؛ لأنك تقول: "مريّة" و"ثنيّا عشر"، وقوله: {فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً} موصول؛ لأنك تقول: "ثنيّتا عشرة"، وقال: {إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذّبوهما}، وقال: {ما كان أبوك امرأ سوءٍ}، لأنك تقول في "اثنين": "ثنيّيّن"، وفي "امْرِئٍ": "مُرَئٌ" فتسقط الألف، وإنما زيدت لسكون الحرف الذي بعدها لما أرادوا استئنافه، فلم يصلوا إلى الابتداء بساكن، فأحدثوا هذه الألف ليصلوا إلى الكلام بها، فإذا اتصل الكلام بشيء قبله استغنى عن هذه الألف، وكذلك كل ألف كانت في أول فعل أو مصدر، وكان "يَفعل" من ذلك الفعل ياؤه مفتوحة، فتلك ألف وصل نحو قوله: {وإيّاك نستعين}،{اهدنا}؛ لأنك تقول: "يَهدي" فالياء مفتوحة، وقوله: {أولئك الّذين اشتروا الضّلالة}، وقوله: {يا هامان ابن لي صرحاً}، وقوله: {عذابٌ * اركض برجلك}، وأشباه هذا في القرآن كثيرة، والعلة فيه كالعلّة في "اسم"، و"اثنين" وما أشبهه، لأنه لما سكن الحرف الذي في أول الفعل جعلوا فيه هذه الألف؛ ليصلوا إلى الكلام به إذا استأنفوا، وكل هذه الألفات اللواتي في الفعل إذا استأنفتهنّ مكسورات، فإذا استأنفت قلت: {اهدنا الصّراط}، {ابن لي}، {اشتروا الضّلالة}، إلا ما كان منه ثالث حروفه مضموماً، فإنك تضم أوله إذا استأنفت، تقول: {اركض برجلك}، وتقول:{اذكروا اللّه كثيراً}، وإنما ضمت هذه الألف إذا كان الحرف الثالث مضموماً؛ لأنهم لم يروا بين الحرفين إلا حرفاً ساكنا، فثقل عليهم أن يكونوا في كسر، ثم يصيروا إلى الضم، فأرادوا أن يكونا جميعاً مضمومين إذا كان ذلك لا يغير المعنى.
وقالوا في بعض الكلام في "المنتن": "مِنـتِن"، وإنما هي من"انتن" فهو "منتن"، مثل "أكرم" فهو "مكرم"؛ فكسروا الميم لكسرة التاء، وقد ضم بعضهم التاء فقال "مُنـتُن" لضمة الميم.
وقد قالوا في "النقد": "النِقِد" فكسروا النون لكسرة القاف، وهذا ليس من كلامهم إلا فيما كان ثانيه أحد الحروف الستة نحو "شعير"، والحروف الستة: الخاء، والحاء، والعين، والغين، والهمزة، والهاء.
وما كان على "فعل" مما في أوله هذه الألف الزائدة، فاستئنافه أيضاً مضموم نحو: {اجتثّت من فوق الأرض}؛ لأن أول "فعل" أبداً مضموم، والثالث من حروفها أيضاً مضموم.
وما كان على "أفعل أنا": فهو مقطوع الألف، وإن كان من الوصل، لأن "أفعل" فيها ألف سوى ألف الوصل، وهي نظيرة الياء في "يفعل"، وفي كتاب الله عز وجل: {ادعوني أستجب لكم}، و{أنا آتيك به}، و{وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي}.
وما كان من نحو الألفات اللواتي ليس معهن اللام في أول اسم، وكانت لا تسقط في التصغير، فهي مقطوعة تكون في الاستئناف على حالها في الاتصال نحو قوله: {هذا أخي له تسعٌ}، وقوله: {يا أبانا}، وقوله: {إنها لإحدى الكبر}، و{قالت إحداهما}، {حتّى إذا جاء أحدهم}، لأنها إذا صغرت ثبتت الألف فيها، تقول في تصغير "إحدى": "أحيدى"، و"أحد": "أحيد"، و"أبانا": "أبيّنا" وكذلك "أبيّان" و"أبيّون".
وكذلك الألف في قوله: {من المهاجرين والأنصار}، و{أخرجنا من ديارنا وأبنائنا}، لأنك تقول في "الأنصار": "أنيصار"، وفي "الأنباء": "أبيناء" و"أبينون".
وما كان من الألفات في أول فعل أو مصدر، وكان "يُفعل" من ذلك الفعل ياؤه مضمومة، فتلك الألف مقطوعة، تكون في الاستئناف على حالها في الاتصال، نحو قوله: {بما أنزل إليك}، لأنك تقول: "يُنزل"، فالياء مضمومة، و{ربّنا آتنا} تقطع لأن الياء مضمومة، لأنك تقول: " يُؤتى"، وقال: {وبالوالدين إحساناً}، و {وإيتاء ذي القربى}؛ لأنك تقول: " يُؤتي"، و" يُحسن"، وقوله: {وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي}، و{وقال فرعون ائتوني بكلّ ساحرٍ عليمٍ}، فهذه موصولة لأنك تقول: "يَأتي"، فالياء مفتوحة، وإنما الهمزة التي في قوله: {وقال الملك ائتوني به} همزة كانت من الأصل في موضع الفاء من الفعل، ألا ترى إنها ثابتة في "أتيت"، وفي "أتى" لا تسقط، وسنفسر لك الهمز في موضعه إن شاء الله. وقوله: {آتنا} يكون من "آتى"، و"آتاه الله"، كما تقول: "ذهب" و"أذهبه الله"، ويكون على "أعطنا"، قال: {فآتهم عذاباً} على "فعل"و "أفعله غيره".
وأما قوله: {الرحمن الرّحيم * الحمد} فوصلت هذه الأسماء التي في أوائلها الألف واللام حتى ذهبت الألف في اللفظ، وذلك لأن كل اسم في أوله ألف ولام زائدتان فالألف تذهب إذا اتصلت بكلام قبلها، وإذا استأنفتها كانت مفتوحة أبداً لتفرق بينها وبين الألف التي تزاد مع غير اللام، ولأن هذه الألف واللام هما جميعاً حرف واحد كـ"قد" و"بل"، وإنما تعرف زيادتهما بأن تروم ألفاً ولاماً أخريين تدخلهما عليهما، فإن لم تصل إلى ذلك عرفت أنهما زائدتان ألا ترى أن قولك "الحمد للّه"، وقولك "العالمين"، وقولك "التي"، و"الذي"، "و الله" لا تستطيع أن تدخل عليهن ألفا ولاما أخريين؟ فهذا يدل على زيادتهما، فكلما اتصلتا بما قبلهما ذهبت الألف، إلا أن توصل بألف الاستفهام، فتترك مخففة، و لا يخفف فيها الهمزة إلا ناس من العرب قليل، وهو قوله: {آللّه أذن لكم}، وقوله: {آللّه خيرٌ أمّا يشركون}، وقوله: {آلأن وقد عصيت قبل}، وإنما مدت في الاستفهام ليفرق بين الاستفهام والخبر، ألا ترى أنك لو قلت وأنت تستفهم: "الرجل قال كذا وكذا" فلم تمددها، صارت مثل قولك: "الرجل قال كذا وكذا" إذا أخبرت.
وليس سائر ألفات الوصل هكذا، قال: {أصطفى البنات على البنين}، وقال: {أفترى على اللّه كذباً أم به جنّةٌ}، فهذه الألفات مفتوحة مقطوعة، لأنها ألف استفهام، وألف الوصل التي كانت في "اصطفى" و "افترى" قد ذهبت، حيث اتصلت الصاد والفاء بهذه الألف التي قبلها للاستفهام، وقال من قرأ هذه الآية: {كنّا نعدّهم مّن الأشرار}، {أتّخذناهم}، فقطع ألف "أتخذناهم" فإنما جعلها ألف استفهام وأذهب ألف الوصل التي كانت بعدها، لأنها إذا اتصلت بحرف قبلها ذهبت، وقد قرئ هذا الحرف موصولًا، وذلك أنهم حملوا قوله: {أم زاغت عنهم الأبصار} على قوله: {ما لنا لا نرى رجالاً كنّا نعدّهم مّن الأشرار}، {أم زاغت عنهم الأبصار}.
وما كان من اسم في أوله ألف ولام تقدر أن تدخل عليهما ألفاً ولاماً أخريين، فالألف من ذلك مقطوعة تكون في الاستئناف على حالها في الاتصال، نحو قوله: {ما لكم مّن إله غيره}؛ لأنك لو قلت "الإله" فأدخلت عليها ألفاً ولاماً: جاز ذلك، وكذلك "ألواح" و"إلهام" و"إلقاء" مقطوع كله، لأنه يجوز إدخال ألف ولام أخريين، فأما "إلى" فمقطوعة، ولا يجوز إدخال الألف واللام عليها لأنها ليست باسم، وإنما تدخل الألف واللام على الاسم، ويدلك على أن الألف واللام في "إلى" ليستا بزائدتين إنك إنما وجدت الألف واللام تزادان في الأسماء، ولا تزادان في غير الأسماء، مثل "إلى" و"ألاّ"، ومع ذلك تكون ألف "إِلى" مكسورة، وألف اللام الزائدة لا تكون مكسورة). [معاني القرآن: 1/1-6]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({بسم اللّه} اختصار، كأنه قال: أبدأ باسم الله، أو بدأت باسم اللّه). [تفسير غريب القرآن: 38]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (بسم اللّه الرّحمن الرّحيم، هذا كتاب مختصر في إعراب القرآن ومعانيه، ونسأل اللّه التّوفيق في كل الأمور.

قوله عزّ وجلّ: {بسم اللّه الرّحمن الرّحيم}:
الجالب للباء معنى الابتداء، كأنّك قلت: بدأت باسم اللّه الرحمن الرحيم، إلا أنّه لم يحتج لذكر " بدأت "؛ لأن الحال تنبئ أنك مبتدئ.
وسقطت الألف من "باسم اللّه" في اللفظ، وكان الأصل " باسم اللّه "؛ لأنها ألف وصل دخلت ليتوصل بها إلى النطق بالسّاكن، والدّليل على ذلك أنّك إذا صغرت الاسم قلت "سميّ"، والعرب تقول: هذا إسم، وهذا أُسم، وهذا سِمٌ.
قال الرّاجز:
باسم الذي في كل سورة سِمُهُ
وسُمه أيضًا ، روى ذلك أبو زيد الأنصاريّ، وغيره من النّحويين، فسقطت الألف لما ذكرنا، وكذلك قولك: " ابن " الألف فيه ألف وصل، تقول في تصغيره " بني".
ومعنى قولنا اسم: إنّه مشتق من السمو، والسمو: الرفعة، والأصل فيه سمو - بالواو - على وزن جمل، وجمعه أسماء، مثل قنو وأقناء، وحنو وأحناء، وإنّما جعل الاسم تنويها باسم اللّه على المعنى؛ لأنّ المعنى تحت الاسم، ومن قال: إنّ اسما مأخوذ من " وسمت " فهو غلط، لأنّا لا نعرف شيئا دخلته ألف الوصل وحذفت فاؤه، أعني فاء الفعل، نحو قولك " عدة " و " زنة "، وأصله " وعدة " و "وزنة"، فلو كان "اسم": "وسمة" لكان تصغيره إذا حذفت منه ألف الوصل "وسيم"، كما أن تصغير "عدة" و"صلة": "وعيدة"، "ووصيلة"! ولا يقدر أحد أن يرى ألف الوصل فيما حذفت فاؤه من الأسماء.
وسقطت الألف في الكتاب من {بسم اللّه الرحمن الرحيم}، ولم تسقط في: {اقرأ باسم ربّك الّذي خلق}؛ لأنه اجتمع فيها مع أنها تسقط في اللفظ كثرة الاستعمال.
وزعم سيبويه أن معنى الباء: الإلصاق، تقول كتبت بالقلم، والمعنى: أن الكتابة ملصقة بالقلم، وهي مكسورة أبدًا؛ لأنه لا معنى لها إلا الخفض، فوجب أن يكون لفظها مكسوراً؛ ليفصل بين ما يجر وهو اسم نحو: "كاف" قولك: كزيد، وما يجر وهو حرف نحو: بزيد، لأن أصل الحروف التي يتكلم بها، وهي على حرف واحد الفتح أبدا إلا أن تجيء علة تزيله؛ لأن الحرف الواحد لا حظ له في الإعراب، ولكن يقع مبتدأ في الكلام ولا يبدأ بساكن فاختير الفتح؛ لأنه أخف الحركات، تقول: "رَأيت زيدًا وعمرًا"، فالواو مفتوحة، وكذلك "فعمرًا" الفاء مفتوحة، وإنما كسرت اللام في قولك: " لزيد "؛ ليفصل بين لام القسم ولام الإضافة.
ألا ترى أنك لو قلت: "إنّ هذا لِزيد"، علم أنه ملكه، ولو قلت: " إن هذا لَزيد "، علم أنّ المشار إليه هو زيد، فلذلك كسرت اللام في قولك "لِزيد"، ولو قلت: "إنّ هذا المال لَك"، "وإن هذا لَأنت" فتحت اللام؛ لأنّ اللبس قد زال.
والذي قلناه في اللام هو مذهب سيبويه ويونس والخليل وأبي عمرو بن العلاء وجميع النحويين الموثوق بعلمهم.
وكذلك تقول: " أَزيد في الدار"؛ فالألف مفتوحة، وليس في الحروف المبتدأة -مما هو على حرف- حرف مكسور إلا الباء ولام الأمر وحدهما، وإنما كسرتا للعلة التي ذكرنا، وكذلك لام الإضافة، والفتح أصلها.
وأما لام (كي) في قولك: "جئت لتقوم يا هذا "، فهي لام الإضافة التي في قولك " المال لزيد"، وإنما نصبت (تقوم) بإضمار "أن" أو "كي" التي في معنى "أن"، فالمعنى: جئت لقيامك.
وما قلناه في اشتقاق " اسم " قول لا نعلم أحدا فسره قبلنا.
وأمّا قولك: " لِيضرب زيد عمرًا "، فإنما كسرت اللام ليفرق بينها وبين لام التوكيد، ولا يبالى بشبهها بلام الجر؛ لأنّ لام الجر لا تقع في الأفعال، وتقع لام التوكيد في الأفعال، ألا ترى أنك لو قلت: " لتضرب" -وأنت تأمر- لأشبه لام التوكيد إذا قلت: "إنك لتضرب"، فهذا جملة ما في الحروف التي على حرف واحد.
فأما اسم اللّه عزّ وجلّ: فالألف فيه ألف وصل، وأكره أن أذكر جميع ما قال النحويون في اسم اللّه أعني قولنا: (اللّه) تنزيهًا للّه عزّ وجلّ.
وقوله عزّ وجلّ: {الرّحمن الرّحيم}
هذه الصفات للّه عزّ وجلّ، معناه فيما ذكر أبو عبيدة: ذو الرحمة، ولا يجوز أن يقال " الرحمن " إلّا للّه، وإنما كان ذلك لأن بناء (فعلان) من أبنية ما يبالغ في وصفه، ألا ترى أنك إذا قلت (غضبان)، فمعناه: الممتلئ غضباً، فـ"رحمن" الّذي وسعت رحمته كل شىء، فلا يجوز أن يقال لغير الله: "رحمن".
وخفضت هذه الصفات لأنها ثناء على اللّه -عزّ وجلّ-، فكان إعرابها إعراب اسمه، ولو قلت في غير القرآن: "بسم اللّه الكريم والكريم"، و"الحمد لله رب العالمين، ورب العالمين" جاز ذلك، فمن نصب (ربّ العالمين) فإنما ينصب: لأنّه ثناء على اللّه، كأنه لمّا قال: الحمد للّه استدل بهذا اللفظ أنه ذاكر اللّه، فقوله: ربّ العالمين كأنه قال : أذكر ربّ العالمين، وإذا قال: ربّ العالمين فهو على قولك: هو ربّ العالمين: قال الشاعر:
وكل قوم أطاعوا أمرَ مُرشدِهم.......إلا نميراً أطاعت أمر غاويها
الظـــاعـــنين ولمّـا يُظــعنوا أحداً.......والقــائلين لـــمن دار نخــلّـــيهـا

فيجوز أن ينصب (الظاعنين) على ضربين:
- على إنّه تابع نميراً.
- وعلى الذم، كأنّه قال: أذكر الظاعنين.
ولك أن ترفع تريد: هم الظاعنون.
وكذلك لك في (القائلين) النصب والرفع، ولك أن ترفعهما جميعاً، ولك أن تنصبهما جميعاً، ولك أن ترفع الأول، وتنصب الثاني، ولك أن تنصب الأول وترفع الثاني، لا خلاف بين النحويين فيما وصفنا).
[معاني القرآن: 1/ 39-44]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (تفسير البسملة:
ومما قصدنا له قوله عز وجل: {بسم الله الرحمن الرحيم}، قال: أكثر البصريين المعنى أول ما افتتح بـ{بسم الله}، وأول كلامي: بسم الله.
قال سيبويه: معنى الباء: الإلصاق.
قال الفراء: موضع الباء نصب، والمعنى : بدأت باسم الله، وأبدأ باسم الله.
وفي اشتقاق "اسم" قولان:
أحدهما: من السمو: وهو العلو والارتفاع، فقيل "اسم"؛ لأن صاحبه بمنزلة المرتفع به.
وقيل: وهو من وسمت، فقيل "اسم"؛ لأنه لصاحبه بمنزلة السمة، أي: يعرف به.
والقول الثاني خطأ؛ لأن الساقط منه لامه، فصح أنه من (سما يسمو).
قال أحمد بن يحيى يقال: سِمٌ وسَمٌ، ويقال: "اسم" بكسر الألف، ويقال: بضمها، فمن ضم الألف أخذه من (سموت أسمو)، ومن كسر أخذه من (سميت أسمي).
قال الكسائي والفراء: معنى {بسم الله}: باسم الإله، وتركوا الهمزة وأدغموا اللام الأولى في الثانية فصارت لاماً مشددة، كما قال جل عز وجل: {لكنا هو الله ربي}، ومعناه: لكن أنا هو الله ربي، كذلك قرأها الحسن.
ولسيبويه في هذا قولان:
أحدهما: أن الأصل "إله" ثم جيء بالألف واللام عوضاً من الهمزة، وكذلك "الناس" عنده، الأصل فيه: "أناس".
والقول الآخر: هو أيضًا قول أصحابه: إن الأصل "لاه" ثم دخلت عليه الألف واللام، وأنشدوا:
لاه ابن عمك لا فضلت في حسب.......عني ولا أنت دياني فتخزوني
ويسأل عن التكرير في قوله عز وجل: {الرحمن الرحيم}
فروي عن ابن عباس أنه قال: «{الرحمن الرحيم} اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر، فالرحمن: الرقيق، والرحيم: العاطف على خلقه بالرزق».
قال محمد بن كعب القرظي: «الرحمن بخلقه، الرحيم بعباده فيما ابتدأهم به من كرامته وحجته».
وقال عطاء الخراساني: «كان الرحمن، فلما اختزل الرحمن من أسمائه صار: الرحمن الرحيم».
وقال العرزمي: «الرحمن بجميع الخلق، الرحيم بالمؤمنين».
وقال أبو عبيدة: «هما من الرحمة، كقولهم: ندمان ونديم».
وقال قطرب: «يجوز أن يكون جمع بينهما للتوكيد».
وهذا قول حسن، وفي التوكيد أعظم الفائدة، وهو كثير في كلام العرب يستغني عن الاستشهاد والفائدة، في ذلك ما قاله محمد بن يزيد: «أنه تفضل بعد تفضل، وإنعام بعد إنعام، وتقوية لمطامع الداعين، ووعد لا يخيب آمله».

وقول العرزمي أيضا حسن؛ لأن (فعلان) فيه معنى المبالغة، فكأنه -والله أعلم- الرحمن بجميع خلقه، ولهذا لم يقع إلا لله تعالى؛ لأن معناه: الذي وسعت رحمته كل شيء، ولهذا قدم قبل الرحيم .
وصار الرحيم أولى من الراحم؛ لأن الرحيم إلزام في المدح؛ لأنه يدل على أن الرحمة لازمة له غير مفارقة، والراحم يقع لمن رحم مرة واحدة.
وقال أحمد بن يحيى: «الرحيم عربي، والرحمن عبراني، فلهذا جمع بينهما». وهذا القول مرغوب عنه.
وروى مطر، عن قتادة في قوله: {بسم الله الرحمن الرحيم} قال: «مدح نفسه». وهذا قول حسن.
قال أبو العباس: «النعت قد يقع للمدح، كما تقول: قال جرير الشاعر» ). [معاني القرآن: 1/ 50-56]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 9 جمادى الآخرة 1434هـ/19-04-2013م, 06:35 AM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) }
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): (قوله تعالى: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قال: أي ابدأ بهذا، وقل هذا). [مجالس ثعلب: 86]


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 21 جمادى الأولى 1435هـ/22-03-2014م, 11:08 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي تفاسير القرن الثالث

تفاسير القرن الثالث


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 21 جمادى الأولى 1435هـ/22-03-2014م, 11:08 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي تفاسير القرن الرابع

تفاسير القرن الرابع


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 21 جمادى الأولى 1435هـ/22-03-2014م, 11:08 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي تفاسير القرن الخامس

تفاسير القرن الخامس


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 21 جمادى الأولى 1435هـ/22-03-2014م, 11:09 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي تفاسير القرن السادس

تفاسير القرن السادس

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (القول في تفسير {بسم الله الرحمن الرحيم}
روي عن جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنه أنه قال: «البسملة تيجان السور».
وروي أن رجلا قال بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم: تعس الشيطان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقل ذلك، فإنه يتعاظم عنده، ولكن قل: {بسم الله الرحمن الرحيم} فإنه يصغر حتى يصير أقل من ذباب».
وقال علي بن الحسين رضي الله عنه في تفسير قوله تعالى: {وإذا ذكرت ربّك في القرآن وحده ولّوا على أدبارهم نفوراً} [الإسراء: 46] قال: «معناه إذا قلت: {بسم الله الرحمن الرحيم}».
وروي عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «كيف تفتتح الصلاة يا جابر؟»، قلت: بـ{الحمد لله رب العالمين}. قال: «قل: {بسم الله الرحمن الرحيم}».
وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أتاني جبريل فعلمني الصلاة فقرأ {بسم الله الرحمن الرحيم} يجهر بها».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذان الحديثان يقتضيان أنها آية من الحمد، ويرد ذلك حديث أبي بن كعب الصحيح إذ قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «هل لك ألا تخرج من المسجد حتى تعلم سورة ما أنزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الفرقان مثلها»، قال: فجعلت أبطئ في المشي رجاء ذلك، فقال لي: «كيف تقرأ إذا افتتحت الصلاة؟» قال: فقرأت {الحمد لله رب العالمين} حتى أتيت على آخرها.
ويرده الحديث الصحيح بقوله عز وجل: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي، يقول العبد: {الحمد لله رب العالمين}».
ويرده أنه لم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أبي بكر، ولا عن عمر، ولا عثمان، رضي الله عنهم أنهم قرؤوا في صلاتهم: {بسم الله الرحمن الرحيم}.
ويرده عدد آيات السورة لأن الإجماع أنها سبع آيات، إلا ما روي عن حسين الجعفي أنها ست آيات، وهذا شاذ لا يعول عليه، وكذلك روي عن عمرو بن عبيد أنه جعل {إيّاك نعبد} [الفاتحة: 5] آية، فهي على عده ثماني آيات، وهذا أيضا شاذ.
وقول الله تعالى: {ولقد آتيناك سبعاً من المثاني} [الحجر: 87] هو الفصل في ذلك.
والشافعي- رحمه الله- يعد {بسم الله الرحمن الرحيم} آية من الحمد، وكثير من قراء مكة والكوفة لا يعدون {أنعمت عليهم} [الفاتحة: 7]. ومالك- رحمه الله-، وأبو حنيفة، وجمهور الفقهاء، والقراء، لا يعدون البسملة آية.
والذي يحتمله عندي حديث جابر، وأبي هريرة- إذا صحّا- أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى قراءة جابر وحكايته أمر الصلاة قراءة في غير صلاة على جهة التعلم فأمره بالبسملة لهذا لا لأنها آية.
وكذلك في حديث أبي هريرة رآها قراءة تعليم، ولم يفعل ذلك مع أبيّ لأنه قصد تخصيص السورة ووسمها من الفضل بما لها، فلم يدخل معها ما ليس منها، وليس هذا القصد في حديث جابر وأبي هريرة، والله أعلم.
وقال ابن المبارك: «إن البسملة آية في كل سورة»، وهذا قول شاذ رد الناس عليه.
وروى الشعبي والأعمش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكتب «باسمك اللهم»، حتى أمر أن يكتب «بسم الله» فكتبها. فلما نزلت {قل ادعوا اللّه أو ادعوا الرّحمن} [الإسراء: 110] كتب: «بسم الله الرحمن». فلما نزلت: {إنّه من سليمان وإنّه بسم اللّه الرّحمن الرّحيم} [النمل: 30] كتبها.
وروى عمرو بن شرحبيل: أن جبريل أول ما جاء النبي عليه السلام قال له: «قل: {بسم الله الرحمن الرحيم}».
وروي عن ابن عباس: أن أول ما نزل به جبريل: «{بسم الله الرحمن الرحيم}».
وفي بعض طرق حديث خديجة وحملها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ورقة، أن جبريل قال للنبي عليهما السلام: «قل: {بسم الله الرحمن الرحيم}» فقالها: فقال: «اقرأ»، قال: «ما أنا بقارئ» = الحديث.
والبسملة تسعة عشر حرفا.
فقال بعض الناس: إن رواية بلغتهم أن ملائكة النار الذين قال الله فيهم {عليها تسعة عشر} [المدثر: 30] إنما ترتب عددهم على حروف بسم الله الرحمن الرحيم، لكل حرف ملك، وهم يقولون في كل أفعالهم: {بسم الله الرحمن الرحيم} فمن هنالك هي قوتهم، وباسم الله استضلعوا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذه من ملح التفسير، وليست من متين العلم، وهي نظير قولهم في ليلة القدر: «إنها ليلة سبع وعشرين»، مراعاة للفظة هي في كلمات سورة {إنّا أنزلناه} [القدر: 1]، ونظير قولهم في عدد الملائكة الذين ابتدروا قول القائل: «ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه»، فإنها بضعة وثلاثون حرفا، قالوا: فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لقد رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها أيهم يكتبها أول».
والباء في: {بسم الله} متعلقة عند نحاة البصرة باسم تقديره: ابتداء مستقر أو ثابت بسم الله، وعند نحاة الكوفة بفعل تقديره: ابتدأت بسم الله، فبسم الله في موضع رفع على مذهب البصريين، وفي موضع نصب على مذهب الكوفيين، كذا أطلق القول قوم،
والظاهر من مذهب سيبويه أن الباء متعلقة باسم كما تقدم، وبسم الله في موضع نصب تعلقا بثابت أو مستقر بمنزلة: في الدار من قولك زيد في الدار، وكسرت باء الجر ليناسب لفظها عملها، أو لكونها لا تدخل إلا على الأسماء فخصت بالخفض الذي لا يكون إلا في الأسماء، أو ليفرق بينها وبين ما قد يكون من الحروف اسما نحو الكاف في قول الأعشى:
أتنتهون ولا ينهى ذوي شطط ....... كالطّعن يذهب فيه الزيت والفتل
وحذفت الألف من بسم الله في الخط اختصارا وتخفيفا لكثرة الاستعمال.
واختلف النحاة إذا كتب «باسم الرحمن وباسم القاهر» فقال الكسائي وسعيد الأخفش: «يحذف الألف». وقال يحيى بن زياد: «لا تحذف إلا مع بسم الله فقط، لأن الاستعمال إنما كثر فيه».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فأما في غير اسم الله تعالى فلا خلاف في ثبوت الألف.
و"اسم" أصله سمو بكسر السين أو سمو بضمها، وهو عند البصريين مشتق من السمو. يقال: سما يسمو، فعلى هذا تضم السين في قولك سمو ويقال: سمي يسمى فعلى هذا تكسر، وحذفت الواو من سمو، وكسرت السين من سم، كما قال الشاعر:
باسم الذي في كلّ سورة سمه ....... ... ... ... ...
وسكنت السين من "بسم" اعتلالا على غير قياس، وإنما استدل على هذا الأصل الذي ذكرناه بقولهم في التصغير سمّي، وفي الجمع أسماء، وفي جمع الجمع أسامي.
وقال الكوفيون: أصل اسم وسم من السمة، وهي العلامة. لأن الاسم علامة لمن وضع له، وحذفت فاؤه اعتلالا على غير قياس، والتصغير والجمع المذكوران يردان هذا المذهب الكوفي. وأما المعنى فيه فجيد لولا ما يلزمهم من أن يقال في التصغير وسيم، وفي الجمع أوسام، لأن التصغير والجمع يردان الأشياء إلى أصولها. وقد ذكر بعض المفسرين في هذا الموضع الاسم والمسمى هل هما واحد؟
فقال الطبري رحمه الله: إنه ليس بموضع للمسألة، وأنحى في خطبته على المتكلمين في هذه المسألة ونحوها، ولكن بحسب ما قد تدوول القول فيها، فلنقل إن الاسم كزيد وأسد وفرس قد يرد في الكلام ويراد به الذات، كقولك زيد قائم والأسد شجاع، وقد يراد به التسمية ذاتها، كقولك أسد ثلاثة أحرف، ففي الأول يقال الاسم هو المسمى بمعنى يراد به المسمى، وفي الثاني لا يراد به المسمى.
ومن الورود الأول قولك: يا رحمن اغفر لي، وقوله تعالى: {الرّحمن * علّم القرآن} [الرحمن: 1-2] .
ومن الورود الثاني قولك: الرحمن وصف لله تعالى.
وأما اسم الذي هو ألف وسين وميم، فقد يجري في لغة العرب مجرى الذات. يقال: ذات، ونفس، واسم، وعين، بمعنى. وعلى هذا حمل أكثر أهل العلم قوله تعالى: {سبّح اسم ربّك الأعلى} [الأعلى: 1]، وقوله تعالى: {تبارك اسم ربّك ذي الجلال والإكرام} [الرحمن: 78]. وقوله تعالى: {ما تعبدون من دونه إلّا أسماءً سمّيتموها أنتم وآباؤكم} [يوسف: 40].
وعضدوا ذلك بقول لبيد:
إلى الحول ثمّ اسم السلام عليكما ....... ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر
وقالوا: إن لبيدا أراد التحية،
وقد يجري «اسم» في اللغة مجرى ذات العبارة، وهو الأكثر من استعمالها، فمنه قوله تعالى: {وعلّم آدم الأسماء كلّها} [البقرة: 31] على أشهر التأويلات فيه.
ومنه قول النبي عليه السلام: «إن لله تسعة وتسعين اسما، مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة»،
وعلى هذا النحو استعمل النحويون الاسم في تصريف أقوالهم فالذي يتنخل من هذا: أن الأسماء قد تجيء يراد بها ذوات المسميات، وفي هذا يقال الاسم هو المسمى، وقد تجيء يراد بها ذواتها نفسها لا مسمياتها.
ومر بي أن مالكا رحمه الله سئل عن الاسم أهو المسمى؟ فقال: «ليس به ولا هو غيره»، يريد دائما في كل موضع، وهذا موافق لما قلناه، والمكتوبة التي لفظها الله أبهر أسماء الله تعالى وأكثرها استعمالا، وهو المتقدم لسائرها في الأغلب، وإنما تجيء الأخر أوصافا، واختلف الناس في اشتقاقه، فقالت فرقة من أهل العلم: «هو اسم مرتجل، لا اشتقاق له من فعل، وإنما هو اسم موضوع له تبارك وتعالى، والألف واللام لازمة له لا لتعريف ولا لغيره، بل هكذا وضع الاسم». وذهب كثير من أهل العلم إلى أنه مشتق من أله الرجل إذا عبد، وتأله إذا تنسك. ومن ذلك قول رؤبة بن العجاج:
لله در الغانيات المدّه ....... سبّحن واسترجعن من تألّهي
ومن ذلك قول الله تعالى: {ويذرك وآلهتك} [الأعراف: 127] على هذه القراءة فإن ابن عباس وغيره قال: «وعبادتك»، قالوا: فاسم الله مشتق من هذا الفعل، لأنه الذي يألهه كل خلق ويعبده، حكاه النقاش في صدر سورة آل عمران فإلاه فعال من هذا.
واختلف كيف تعلل (إله) حتى جاء (الله)، فقيل: حذفت الهمزة حذفا على غير قياس ودخلت الألف واللام للتعظيم على لاه، وقيل بل دخلتا على اله ثم نقلت حركة الهمزة إلى اللام فجاء اللاه ثم أدغمت اللام في اللام. وقيل إن أصل الكلمة لاه، وعليه دخلت الألف واللام، والأول أقوى.
وروي عن الخليل أن أصل إله ولاه وأن الهمزة مبدلة من واو كما هي في إشاح ووشاح وإسادة ووسادة، وقيل إن أصل الكلمة ولاه كما قال الخليل إلا أنها مأخوذة من وله الرجل إذا تحير، لأنه -تعالى- تتحير الألباب في حقائق صفاته، والفكر في المعرفة به، وحذفت الألف الأخيرة من «الله» لئلا يشكل بخط اللات، وقيل طرحت تخفيفا، وقيل هي لغة فاستعملت في الخط ومنها قول الشاعر ابن الأعرابي:
أقبل سيل جاء من أمر الله ....... يحرد حرد الجنّة المغلّة
والرحمن صفة مبالغة من الرحمة، ومعناها أنه انتهى إلى غاية الرحمة كما يدل على الانتهاء سكران وغضبان، وهي صفة تختص بالله ولا تطلق على البشر، وهي أبلغ من فعيل، وفعيل أبلغ من فاعل، لأن راحما يقال لمن رحم ولو مرة واحدة، ورحيما يقال لمن كثر منه ذلك، والرحمن النهاية في الرحمة.
وقال بعض الناس: «الرحمن الرحيم» بمعنى واحد، كالندمان والنديم، وزعم أنهما من فعل واحد، ولكن أحدهما أبلغ من الآخر.
وأما المفسرون فعبروا عن «الرحمن الرحيم» بعبارات، فمنها أن العرزمي قال: «معناه: الرحمن بجميع خلقه في الأمطار، ونعم الحواس، والنعم العامة، الرحيم بالمؤمنين في الهداية لهم، واللطف بهم».
ومنها أن أبا سعيد الخدري وابن مسعود رويا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الرحمن رحمن الدنيا والآخرة، والرحيم رحيم الآخرة».
وقال أبو علي الفارسي: الرحمن اسم عام في جميع أنواع الرحمة يختص به الله تعالى، والرحيم إنما هو في جهة المؤمنين، كما قال تعالى: {وكان بالمؤمنين رحيماً} [الأحزاب: 43] وهذه كلها أقوال تتعاضد.
وقال عطاء الخراساني: «كان الرحمن فلما اختزل وسمي به مسيلمة الكذاب قال الله -سبحانه- لنفسه: «الرحمن الرحيم» فهذا الاقتران بين الصفتين ليس لأحد إلا لله تعالى» وهذا قول ضعيف، لأن {بسم الله الرحمن الرحيم} كان قبل أن ينجم أمر مسيلمة. وأيضا فتسمي مسيلمة بهذا لم يكن مما تأصل وثبت.
وقال قوم: إن العرب كانت لا تعرف لفظة الرحمن، ولا كانت في لغتها، واستدلوا على ذلك بقول العرب: {وما الرحمن؟ أنسجد لما تأمرنا} وهذا القول ضعيف، وإنما وقفت العرب على تعيين الإله الذي أمروا بالسجود له، لا على نفس اللفظة.
واختلف في وصل الرحيم بالحمد، فروي عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم: الرحيم الحمد، تسكن الميم ويوقف عليها ويبتدأ بألف مقطوعة، وقرأ به قوم من الكوفيين،
وقرأ جمهور الناس الرحيم الحمد يعرب الرحيم بالخفض، وتوصل الألف من الحمد،
ومن شاء أن يقدر أنه أسكن الميم ثم لما وصل حركها للالتقاء ولم يعتد بألف الوصل فذلك سائغ، والأول أخصر.
وحكى الكسائي عن بعض العرب أنها تقرأ الرحيم الحمد بفتح الميم وصلة الألف كأنها سكنت الميم وقطعت الألف، ثم ألقيت حركتها على الميم وحذفت، ولم ترو هذه قراءة عن أحد فيما علمت، وهذا هو نظر يحيى بن زياد في قوله تعالى: {الم * اللّه}). [المحرر الوجيز: 1 /59-68]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 21 جمادى الأولى 1435هـ/22-03-2014م, 11:09 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي تفاسير القرن السابع

تفاسير القرن السابع


رد مع اقتباس
  #10  
قديم 21 جمادى الأولى 1435هـ/22-03-2014م, 11:09 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي تفاسير القرن الثامن

تفاسير القرن الثامن

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({بسم اللّه الرّحمن الرّحيم}.
افتتح بها الصحابة كتاب اللّه، واتّفق العلماء على أنّها بعض آيةٍ من سورة النّمل، ثمّ اختلفوا: هل هي آيةٌ مستقلّةٌ في أوّل كلّ سورةٍ، أو من أوّل كلّ سورةٍ كتبت في أوّلها، أو أنّها بعض آيةٍ من أوّل كلّ سورةٍ، أو أنّها كذلك في الفاتحة دون غيرها، أو أنّها [إنّما] كتبت للفصل، لا أنّها آيةٌ؟ على أقوالٍ للعلماء سلفًا وخلفًا، وذلك مبسوطٌ في غير هذا الموضع.
وفي سنن أبي داود بإسنادٍ صحيحٍ، عن ابن عبّاسٍ، رضي اللّه عنهما، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان لا يعرف فصل السّورة حتّى ينزل عليه {بسم اللّه الرّحمن الرّحيم} وأخرجه الحاكم أبو عبد اللّه النّيسابوريّ في مستدركه أيضًا، وروي مرسلًا عن سعيد بن جبير.
وفي صحيح ابن خزيمة، عن أمّ سلمة: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قرأ البسملة في أوّل الفاتحة في الصّلاة وعدّها آيةً، لكنّه من رواية عمر بن هارون البلخيّ، وفيه ضعفٌ، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عنها. وروى له الدّارقطنيّ متابعًا، عن أبي هريرة مرفوعًا. وروى مثله عن عليٍّ وابن عبّاسٍ وغيرهما.
وممّن حكي عنه أنّها آيةٌ من كلّ سورةٍ إلّا براءةٌ: ابن عبّاسٍ، وابن عمر، وابن الزّبير، وأبو هريرة، وعليٌّ. ومن التّابعين: عطاءٌ، وطاوسٌ، وسعيد بن جبيرٍ، ومكحولٌ، والزّهريّ، وبه يقول عبد اللّه بن المبارك، والشّافعيّ، وأحمد بن حنبلٍ، في روايةٍ عنه، وإسحاق بن راهويه، وأبو عبيدٍ القاسم بن سلام، رحمهم الله.
وقال مالكٌ وأبو حنيفة وأصحابهما: ليست آيةٌ من الفاتحة ولا من غيرها من السّور، وقال الشّافعيّ في قولٍ، في بعض طرق مذهبه: هي آيةٌ من الفاتحة وليست من غيرها، وعنه أنّها بعض آيةٍ من أوّل كلّ سورةٍ، وهما غريبان.
وقال داود: هي آيةٌ مستقلّةٌ في أوّل كلّ سورةٍ لا منها، وهذه روايةٌ عن الإمام أحمد بن حنبلٍ. وحكاه أبو بكرٍ الرّازيّ، عن أبي الحسن الكرخيّ، وهما من أكابر أصحاب أبي حنيفة، رحمهم اللّه. هذا ما يتعلّق بكونها من الفاتحة أم لا.
فأمّا ما يتعلّق بالجهر بها، فمفرّعٌ على هذا؛ فمن رأى أنّها ليست من الفاتحة فلا يجهر بها، وكذا من قال: إنّها آيةٌ من أوّلها، وأمّا من قال بأنّها من أوائل السّور فاختلفوا؛ فذهب الشّافعيّ، رحمه اللّه، إلى أنّه يجهر بها مع الفاتحة والسّورة، وهو مذهب طوائفٍ من الصّحابة والتّابعين وأئمّة المسلمين سلفًا وخلفًا،
فجهر بها من الصّحابة أبو هريرة، وابن عمر، وابن عبّاسٍ، ومعاوية، وحكاه ابن عبد البرّ، والبيهقيّ عن عمر وعليٍّ، ونقله الخطيب عن الخلفاء الأربعة، وهم: أبو بكرٍ وعمر وعثمان وعليٌّ، وهو غريبٌ. ومن التّابعين عن سعيد بن جبيرٍ، وعكرمة، وأبي قلابة، والزّهريّ، وعليّ بن الحسين، وابنه محمّدٍ، وسعيد بن المسيّب، وعطاءٍ، وطاوسٍ، ومجاهدٍ، وسالمٍ، ومحمّد بن كعبٍ القرظيّ، وأبي بكر بن محمّد بن عمرو بن حزمٍ، وأبي وائلٍ، وابن سيرين، ومحمّد بن المنكدر، وعليّ بن عبد اللّه بن عبّاسٍ، وابنه محمّدٍ، ونافعٍ مولى ابن عمر، وزيد بن أسلم، وعمر بن عبد العزيز، والأزرق بن قيسٍ، وحبيب بن أبي ثابتٍ، وأبي الشّعثاء، ومكحولٍ، وعبد اللّه بن معقل بن مقرّن. زاد البيهقيّ: وعبد اللّه بن صفوان، ومحمد بن الحنفيّة. زاد ابن عبد البرّ: وعمرو بن دينارٍ.
والحجّة في ذلك أنّها بعض الفاتحة، فيجهر بها كسائر أبعاضها، وأيضًا فقد روى النّسائيّ في سننه وابن خزيمة وابن حبّان في صحيحيهما، والحاكم في مستدركه، عن أبي هريرة أنّه صلّى فجهر في قراءته بالبسملة، وقال بعد أن فرغ: «إنّي لأشبهكم صلاةً برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم». وصحّحه الدّارقطنيّ والخطيب والبيهقيّ وغيرهم.
وروى أبو داود والتّرمذيّ، عن ابن عبّاسٍ: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يفتتح الصّلاة بـ{بسم اللّه الرّحمن الرّحيم}. ثمّ قال التّرمذيّ: وليس إسناده بذاك.
وقد رواه الحاكم في مستدركه، عن ابن عبّاسٍ قال: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يجهر بـ{بسم اللّه الرّحمن الرّحيم}»، ثمّ قال: صحيحٌ وفي صحيح البخاريّ، عن أنس بن مالكٍ أنّه سئل عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «كانت قراءته مدًّا»، ثمّ قرأ {بسم اللّه الرّحمن الرّحيم}، يمدّ {بسم اللّه}، ويمدّ {الرّحمن}، ويمدّ {الرّحيم}.
وفي مسند الإمام أحمد، وسنن أبي داود، وصحيح ابن خزيمة، ومستدرك الحاكم، عن أمّ سلمة، قالت: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقطع قراءته: {بسم اللّه الرّحمن الرّحيم}. {الحمد للّه ربّ العالمين}. {الرّحمن الرّحيم}. {مالك يوم الدّين}». وقال الدّارقطنيّ: إسناده صحيحٌ.
وروى الشّافعيّ، رحمه اللّه، والحاكم في مستدركه، عن أنسٍ: أنّ معاوية صلّى بالمدينة، فترك البسملة، فأنكر عليه من حضره من المهاجرين ذلك، فلمّا صلّى المرّة الثّانية بسمل.
وفي هذه الأحاديث، والآثار الّتي أوردناها كفايةٌ ومقنعٌ في الاحتجاج لهذا القول عمّا عداها، فأمّا المعارضات والرّوايات الغريبة، وتطريقها، وتعليلها وتضعيفها، وتقريرها، فله موضعٌ آخر.
وذهب آخرون إلى أنّه لا يجهر بالبسملة في الصّلاة، وهذا هو الثّابت عن الخلفاء الأربعة وعبد اللّه بن مغفّلٍ، وطوائفٍ من سلف التّابعين والخلف، وهو مذهب أبي حنيفة، والثّوريّ، وأحمد بن حنبلٍ.
وعند الإمام مالكٍ: أنّه لا يقرأ البسملة بالكلّيّة، لا جهرًا ولا سرًّا، واحتجّوا بما في صحيح مسلمٍ، عن عائشة، رضي اللّه عنها، قالت: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يفتتح الصّلاة بالتّكبير، والقراءة بـ{الحمد للّه ربّ العالمين}».
وبما في الصّحيحين، عن أنس بن مالكٍ، قال: «صلّيت خلف النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وأبي بكرٍ وعمر وعثمان، فكانوا يستفتحون بالحمد للّه ربّ العالمين». ولمسلمٍ: «لا يذكرون {بسم اللّه الرّحمن الرّحيم} في أوّل قراءةٍ ولا في آخرها». ونحوه في السّنن عن عبد اللّه بن مغفّل، رضي اللّه عنه.
فهذه مآخذ الأئمّة، رحمهم اللّه، في هذه المسألة وهي قريبةٌ؛ لأنّهم أجمعوا على صحّة صلاة من جهر بالبسملة ومن أسرّ، وللّه الحمد والمنّة.

فصلٌ في فضلها
قال الإمام العالم الحبر العابد أبو محمّدٍ عبد الرّحمن بن أبي حاتمٍ، رحمه الله، في تفسيره: حدّثنا أبي، حدّثنا جعفر بن مسافرٍ، حدّثنا زيد بن المبارك الصّنعانيّ، حدّثنا سلّام بن وهبٍ الجنديّ، حدّثنا أبي، عن طاوسٍ، عن ابن عبّاسٍ؛ أنّ عثمان بن عفّان سأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن {بسم اللّه الرّحمن الرّحيم}. فقال: «هو اسمٌ من أسماء اللّه، وما بينه وبين اسم اللّه الأكبر، إلّا كما بين سواد العينين وبياضهما من القرب».
وهكذا رواه أبو بكر بن مردويه، عن سليمان بن أحمد، عن عليّ بن المبارك، عن زيد بن المبارك، به.
وقد روى الحافظ ابن مردويه من طريقين، عن إسماعيل بن عيّاشٍ، عن إسماعيل بن يحيى، عن مسعر، عن عطيّة، عن أبي سعيدٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ عيسى ابن مريم أسلمته أمّه إلى الكتّاب ليعلّمه، فقال المعلّم: اكتب، قال ما أكتب؟ قال: بسم اللّه، قال له عيسى: وما باسم اللّه؟ قال المعلّم: ما أدري. قال له عيسى: الباء بهاء اللّه، والسّين سناؤه، والميم مملكته، واللّه إله الآلهة، والرّحمن رحمن الدّنيا والآخرة، والرّحيم رحيم الآخرة».
وقد رواه ابن جريرٍ من حديث إبراهيم بن العلاء الملقّب: زبريق، عن إسماعيل بن عيّاشٍ، عن إسماعيل بن يحيى، عن ابن أبي مليكة، عمّن حدّثه، عن ابن مسعودٍ، ومسعرٍ، عن عطيّة، عن أبي سعيدٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فذكره. وهذا غريبٌ جدًّا، وقد يكون صحيحًا إلى من دون رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ويكون من الإسرائيليّات لا من المرفوعات، واللّه أعلم.
وقد روى جويبر، عن الضحّاك، نحوه من قبله.
وقد روى ابن مردويه، من حديث يزيد بن خالدٍ، عن سليمان بن بريدة، وفي روايةٍ عن عبد الكريم أبي أميّة، عن ابن بريدة، عن أبيه؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «أنزلت عليّ آيةٌ لم تنزل على نبيٍّ غير سليمان بن داود وغيري، وهي {بسم الله الرّحمن الرّحيم}».
وروى بإسناده عن عبد الكبير بن المعافى بن عمران، عن أبيه، عن عمر بن ذرّ، عن عطاء بن أبي رباحٍ، عن جابر بن عبد اللّه، قال: «لمّا نزل {بسم الله الرّحمن الرّحيم} هرب الغيم إلى المشرق، وسكنت الرّياح، وهاج البحر، وأصغت البهائم بآذانها، ورجمت الشياطين من السماء، وحلف اللّه تعالى بعزّته وجلاله ألّا يسمّى اسمه على شيءٍ إلّا بارك فيه».
[وقال وكيعٌ عن الأعمش عن أبي وائلٍ عن ابن مسعودٍ قال: «من أراد أن ينجيه اللّه من الزّبانية التّسعة عشر فليقرأ: {بسم اللّه الرّحمن الرّحيم}، ليجعل اللّه له من كلّ حرفٍ منها جنّةً من كلّ واحدٍ»، ذكره ابن عطيّة والقرطبيّ ووجّهه ابن عطيّة ونصره بحديث: «فقد رأيت بضعةً وثلاثين ملكًا يبتدرونها»، لقول الرّجل: «ربّنا ولك الحمد حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه»، من أجل أنّها بضعةٌ وثلاثون حرفًا وغير ذلك].
وقال الإمام أحمد بن حنبلٍ في مسنده: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، حدّثنا شعبة، عن عاصمٍ، قال: سمعت أبا تميمة يحدّث، عن رديف النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: عثر بالنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقلت: تعس الشّيطان. فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا تقل تعس الشّيطان. فإنّك إذا قلت: تعس الشّيطان تعاظم، وقال: بقوّتي صرعته، وإذا قلت: باسم اللّه، تصاغر حتّى يصير مثل الذّباب».
هكذا وقع في رواية الإمام أحمد وقد روى النّسائيّ في اليوم واللّيلة، وابن مردويه في تفسيره، من حديث خالدٍ الحذّاء، عن أبي تميمة هو الهجيميّ، عن أبي المليح بن أسامة بن عميرٍ، عن أبيه، قال: كنت رديف النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فذكره وقال: «لا تقل هكذا، فإنّه يتعاظم حتّى يكون كالبيت، ولكن قل: بسم اللّه، فإنّه يصغر حتّى يكون كالذّبابة».
فهذا من تأثير بركة بسم اللّه؛ ولهذا تستحبّ في أوّل كل عمل وقولٍ. فتستحبّ في أوّل الخطبة لما جاء: «كلّ أمرٍ لا يبدأ فيه بـ{بسم اللّه الرّحمن الرّحيم}، فهو أجذم»،
[وتستحبّ البسملة عند دخول الخلاء ولما ورد من الحديث في ذلك]،
وتستحبّ في أوّل الوضوء لما جاء في مسند الإمام أحمد والسّنن، من رواية أبي هريرة، وسعيد بن زيدٍ، وأبي سعيدٍ مرفوعًا: «لا وضوء لمن لم يذكر اسم اللّه عليه»، وهو حديثٌ حسنٌ. ومن العلماء من أوجبها عند الذّكر هاهنا، ومنهم من قال بوجوبها مطلقًا،
وكذا تستحبّ عند الذّبيحة في مذهب الشّافعيّ وجماعةٍ، وأوجبها آخرون عند الذّكر، ومطلقًا في قول بعضهم، كما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء اللّه،
وقد ذكر الرّازيّ في تفسيره في فضل البسملة أحاديث منها: عن أبي هريرة أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلم قال: «إذا أتيت أهلك فسمّ اللّه؛ فإنّه إن ولد لك ولدٌ كتب لك بعدد أنفاسه وأنفاس ذرّيّته حسناتٌ» وهذا لا أصل له، ولا رأيته في شيءٍ من الكتب المعتمد عليها ولا غيرها.
وهكذا تستحبّ عند الأكل لما في صحيح مسلمٍ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال لربيبه عمر بن أبي سلمة: «قل: باسم اللّه، وكل بيمينك، وكل ممّا يليك». ومن العلماء من أوجبها والحالة هذه،
وكذلك تستحبّ عند الجماع لما في الصّحيحين، عن ابن عبّاسٍ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «لو أنّ أحدكم إذا أتى أهله قال: باسم اللّه، اللّهمّ جنّبنا الشّيطان، وجنّب الشّيطان ما رزقتنا، فإنه إن يقدر بينهما ولدٌ لم يضرّه الشّيطان أبدًا».
ومن هاهنا ينكشف لك أنّ القولين عند النّحاة في تقدير المتعلّق بالباء في قولك: باسم اللّه، هل هو اسمٌ أو فعلٌ متقاربان وكلٌّ قد ورد به القرآن؛
أمّا من قدّره باسمٍ، تقديره: باسم اللّه ابتدائي، فلقوله تعالى: {وقال اركبوا فيها بسم اللّه مجراها ومرساها إنّ ربّي لغفورٌ رحيمٌ} [هود: 41]،
ومن قدّره بالفعل [أمرًا وخبرًا نحو: أبدأ ببسم اللّه أو ابتدأت ببسم اللّه]، فلقوله: {اقرأ باسم ربّك الّذي خلق} [العلق: 1] ،
وكلاهما صحيحٌ، فإنّ الفعل لا بدّ له من مصدرٍ، فلك أن تقدّر الفعل ومصدره، وذلك بحسب الفعل الّذي سمّيت قبله، إن كان قيامًا أو قعودًا أو أكلًا أو شربًا أو قراءةً أو وضوءًا أو صلاةً، فالمشروع ذكر [اسم] اللّه في الشّروع في ذلك كلّه، تبرّكًا وتيمّنًا واستعانةً على الإتمام والتّقبّل، واللّه أعلم؛
ولهذا روى ابن جريرٍ وابن أبي حاتمٍ، من حديث بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، قال: «إنّ أوّل ما نزل به جبريل على محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: يا محمّد قل: أستعيذ بالسّميع العليم من الشّيطان الرّجيم، ثمّ قال: قل: {بسم اللّه الرّحمن الرّحيم}»، قال: «قال له جبريل: قل: باسم اللّه يا محمّد، يقول: اقرأ بذكر اللّه ربّك، وقم، واقعد بذكر اللّه». [هذا] لفظ ابن جريرٍ.
وأمّا مسألة الاسم: هل هو المسمّى أو غيره؟ ففيها للنّاس ثلاثة أقوالٍ:
[أحدها: أنّ الاسم هو المسمّى، وهو قول أبي عبيدة وسيبويه، واختاره الباقلّانيّ وابن فوركٍ، وقال فخر الدّين الرّازيّ -وهو محمّد بن عمر المعروف بابن خطيب الرّيّ- في مقدّمات تفسيره: قالت الحشويّة والكرّاميّة والأشعريّة: الاسم نفس المسمّى وغير التّسمية، وقالت المعتزلة: الاسم غير المسمّى ونفس التّسمية، والمختار عندنا: أنّ الاسم غير المسمّى وغير التّسمية، ثمّ نقول: إن كان المراد بالاسم هذا اللّفظ الّذي هو أصواتٌ مقطّعةٌ وحروفٌ مؤلّفةٌ، فالعلم الضّروريّ حاصلٌ أنّه غير المسمّى، وإن كان المراد بالاسم ذات المسمّى، فهذا يكون من باب إيضاح الواضحات وهو عبثٌ، فثبت أنّ الخوض في هذا البحث على جميع التّقديرات يجري مجرى العبث.
ثمّ شرع يستدلّ على مغايرة الاسم للمسمّى، بأنّه قد يكون الاسم موجودًا والمسمّى مفقودًا كلفظة المعدوم، وبأنّه قد يكون للشّيء أسماءٌ متعدّدةٌ كالمترادفة وقد يكون الاسم واحدًا والمسمّيات متعدّدةٌ كالمشترك، وذلك دالٌّ على تغاير الاسم والمسمّى،
وأيضًا فالاسم لفظٌ وهو عرضٌ والمسمّى قد يكون ذاتًا ممكنةً أو واجبةً بذاتها،
وأيضًا فلفظ النّار والثّلج لو كان هو المسمّى لوجد اللّافظ بذلك حرّ النّار أو برد الثّلج ونحو ذلك، ولا يقوله عاقلٌ،
وأيضًا فقد قال اللّه تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} [الأعراف: 180]، وقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «إن للّه تسعةً وتسعين اسمًا»، فهذه أسماءٌ كثيرةٌ والمسمّى واحدٌ وهو اللّه تعالى،
وأيضًا فقوله: {ولله الأسماء الحسنى} أضافها إليه، كما قال: {فسبّح باسم ربّك العظيم} [الواقعة: 74، 96] ونحو ذلك. والإضافة تقتضي المغايرة وقوله: {فادعوه بها} أي: فادعوا اللّه بأسمائه، وذلك دليلٌ على أنّها غيره،
واحتجّ من قال: الاسم هو المسمّى، بقوله تعالى: {تبارك اسم ربّك} [الرّحمن: 78] والمتبارك هو اللّه.
والجواب: أنّ الاسم معظّمٌ لتعظيم الذّات المقدّسة،
وأيضًا فإذا قال الرّجل: زينب طالقٌ، يعني امرأته طالقٌ، طلّقت، ولو كان الاسم غير المسمّى لما وقع الطّلاق،
والجواب: أنّ المراد أنّ الذّات المسمّاة بهذا الاسم طالقٌ. قال الرّازيّ: وأمّا التّسمية فإنّها جعل الاسم معيّنًا لهذه الذّات فهي غير الاسم أيضًا، واللّه أعلم].
{اللّه} علمٌ على الرّبّ تبارك وتعالى، يقال: إنّه الاسم الأعظم؛ لأنّه يوصف بجميع الصّفات، كما قال تعالى: {هو اللّه الّذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشّهادة هو الرّحمن الرّحيم * هو اللّه الّذي لا إله إلا هو الملك القدّوس السّلام المؤمن المهيمن العزيز الجبّار المتكبّر سبحان اللّه عمّا يشركون * هو اللّه الخالق البارئ المصوّر له الأسماء الحسنى يسبّح له ما في السّماوات والأرض وهو العزيز الحكيم} [الحشر: 22 -24]، فأجرى الأسماء الباقية كلها صفات له، كما قال تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها}، وقال تعالى: {قل ادعوا اللّه أو ادعوا الرّحمن أيًّا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى} [الإسراء: 110] .
وفي الصّحيحين، عن أبي هريرة: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «إنّ للّه تسعةً وتسعين اسمًا، مائةٌ إلّا واحدًا من أحصاها دخل الجنّة»، وجاء تعدادها في رواية الترمذي، [وابن ماجه وبين الرّوايتين اختلاف زياداتٍ ونقصانٍ، وقد ذكر فخر الدّين الرّازيّ في تفسيره عن بعضهم أنّ للّه خمسة آلاف اسمٍ: ألفٌ في الكتاب والسّنّة الصّحيحة، وألفٌ في التّوراة، وألفٌ في الإنجيل، وألفٌ في الزّبور، وألفٌ في اللّوح المحفوظ].
وهو اسمٌ لم يسمّ به غيره تبارك وتعالى؛ ولهذا لا يعرف في كلام العرب له اشتقاقٌ من فعل ويفعل، فذهب من ذهب من النّحاة إلى أنّه اسمٌ جامدٌ لا اشتقاق له.
وقد نقل القرطبيّ عن جماعةٍ من العلماء منهم الشّافعيّ والخطّابيّ وإمام الحرمين والغزاليّ وغيرهم، وروي عن الخليل وسيبويه أنّ الألف واللّام فيه لازمةٌ. قال الخطّابيّ: ألا ترى أنّك تقول: يا اللّه، ولا تقول: يا الرّحمن، فلولا أنّه من أصل الكلمة لما جاز إدخال حرف النّداء على الألف واللّام.
وقيل: إنّه مشتقٌّ، واستدلّوا عليه بقول رؤبة بن العجّاج:

للّه درّ الغانيات المدّه ....... سبّحن واسترجعن من تألّهي
فقد صرّح الشّاعر بلفظ المصدر، وهو التّألّه، من أله يأله إلاهةً وتألّهًا، كما روي أنّ ابن عبّاسٍ قرأ: "ويذرك وإلاهتك" قال: «عبادتك»، أي: أنّه كان يعبد ولا يعبد، وكذا قال مجاهدٌ وغيره.
وقد استدلّ بعضهم على كونه مشتقًّا بقوله: {وهو اللّه في السّماوات وفي الأرض} [الأنعام: 3] أي: المعبود في السّماوات والأرض، كما قال: {وهو الّذي في السّماء إلهٌ وفي الأرض إلهٌ} [الزّخرف: 84]، ونقل سيبويه عن الخليل: أنّ أصله: إلاهٌ، مثل فعالٍ، فأدخلت الألف واللّام بدلًا من الهمزة، قال سيبويه: مثل النّاس، أصله: أناسٌ، وقيل: أصل الكلمة: لاه، فدخلت الألف واللّام للتّعظيم وهذا اختيار سيبويه. قال الشّاعر:
لاه ابن عمّك لا أفضلت في حسبٍ ....... عنّي ولا أنت ديّاني فتخزوني
قال القرطبيّ: بالخاء المعجمة، أي: فتسوسني،
وقال الكسائيّ والفرّاء: أصله: الإله حذفوا الهمزة وأدغموا اللّام الأولى في الثّانية، كما قال: {لكنّا هو اللّه ربّي} [الكهف: 38] أي: لكنّ أنا، وقد قرأها كذلك الحسن، قال القرطبيّ: ثمّ قيل: هو مشتقٌّ من وله: إذا تحيّر، والوله ذهاب العقل؛ يقال: رجلٌ والهٌ، وامرأةٌ ولهى، وماءٌ مولهٌ: إذا أرسل في الصّحاري، فاللّه تعالى تتحيّر أولو الألباب والفكر في حقائق صفاته، فعلى هذا يكون أصله: ولّاه، فأبدلت الواو همزةً، كما قالوا في وشاحٍ: أشاح، ووسادةٍ: أسادةٌ، وقال فخر الدّين الرّازيّ: وقيل: إنّه مشتقٌّ من ألهت إلى فلانٍ، أي: سكنت إليه، فالعقول لا تسكن إلّا إلى ذكره، والأرواح لا تفرح إلّا بمعرفته؛ لأنّه الكامل على الإطلاق دون غيره قال اللّه تعالى: {ألا بذكر اللّه تطمئنّ القلوب} [الرّعد: 28] قال: وقيل: من لاه يلوه: إذا احتجب. وقيل: اشتقاقه من أله الفصيل، إذ ولع بأمّه، والمعنى: أنّ العباد مألوهون مولعون بالتّضرّع إليه في كلّ الأحوال، قال: وقيل: مشتقٌّ من أله الرّجل يأله: إذا فزع من أمرٍ نزل به فألّهه، أي: أجاره، فالمجير لجميع الخلائق من كلّ المضارّ هو اللّه سبحانه؛ لقوله تعالى:{وهو يجير ولا يجار عليه} [المؤمنون: 88]، وهو المنعم لقوله: {وما بكم من نعمةٍ فمن اللّه}[النّحل: 53] وهو المطعم لقوله: {وهو يطعم ولا يطعم} [الأنعام: 14] وهو الموجد لقوله: {قل كلٌّ من عند اللّه} [النّساء: 78].
وقد اختار فخر الدّين أنّه اسم علمٍ غير مشتقٍّ البتّة، قال: وهو قول الخليل وسيبويه وأكثر الأصوليّين والفقهاء، ثمّ أخذ يستدلّ على ذلك بوجوهٍ:
منها: أنّه لو كان مشتقًّا لاشترك في معناه كثيرون،
ومنها: أنّ بقيّة الأسماء تذكر صفات له، فتقول: اللّه الرّحمن الرّحيم الملك القدّوس، فدلّ أنّه ليس بمشتقٍّ، قال: فأمّا قوله تعالى: {العزيز الحميد اللّه} [إبراهيم: 1، 2] على قراءة الجرّ فجعل ذلك من باب عطف البيان،
ومنها: قوله تعالى: {هل تعلم له سميًّا} [مريم: 65]، وفي الاستدلال بهذه على كون هذا الاسم جامدًا غير مشتقٍّ نظرٌ، واللّه أعلم.
وحكى فخر الدّين عن بعضهم أنّه ذهب إلى أنّ اسم اللّه تعالى عبرانيٌّ لا عربيٌّ، ثمّ ضعّفه، وهو حقيقٌ بالتّضعيف كما قال، وقد حكى فخر الدّين هذا القول ثمّ قال: واعلم أنّ الخلق قسمان: واصلون إلى ساحل بحر المعرفة، ومحرومون قد بقوا في ظلمات الحيرة وتيه الجهالة؛ فكأنّهم قد فقدوا عقولهم وأرواحهم، وأمّا الواجدون فقد وصلوا إلى عرصة النّور وفسحة الكبرياء والجلال، فتاهوا في ميادين الصّمديّة، وبادوا في عرصة الفردانيّة، فثبت أنّ الخلق كلّهم والهون في معرفته، وروي عن الخليل بن أحمد أنّه قال: لأنّ الخلق يألهون إليه بنصب اللّام وجرّها لغتان، وقيل: إنّه مشتقٌّ من الارتفاع، فكانت العرب تقول لكلّ شيءٍ مرتفعٍ: لاها، وكانوا يقولون إذا طلعت الشّمس: لاهت.
وأصل ذلك الإله، فحذفت الهمزة الّتي هي فاء الكلمة، فالتقت اللّام الّتي هي عينها مع اللّام الزّائدة في أوّلها للتّعريف فأدغمت إحداهما في الأخرى، فصارتا في اللّفظ لامًا واحدةً مشدّدةً، وفخّمت تعظيمًا، فقيل: اللّه.
{الرّحمن الرّحيم} اسمان مشتقّان من الرّحمة على وجه المبالغة، ورحمن أشدّ مبالغةً من رحيمٍ، وفي كلام ابن جريرٍ ما يفهم حكاية الاتّفاق على هذا، وفي تفسير بعض السّلف ما يدلّ على ذلك، كما تقدّم في الأثر، عن عيسى عليه السّلام، أنّه قال: «والرّحمن رحمن الدّنيا والآخرة، والرّحيم رحيم الآخرة».
وقد زعم بعضهم أنّه غير مشتقٍّ إذ لو كان كذلك لاتّصل بذكر المرحوم وقد قال: {وكان بالمؤمنين رحيمًا} [الأحزاب: 43]، وحكى ابن الأنباريّ في الزّاهر عن المبرّد: أنّ الرّحمن اسمٌ عبرانيٌّ ليس بعربيٍّ، وقال أبو إسحاق الزّجّاج في معاني القرآن: وقال أحمد بن يحيى: الرّحيم عربيٌّ، والرّحمن عبرانيٌّ، فلهذا جمع بينهما. قال أبو إسحاق: وهذا القول مرغوبٌ عنه. وقال القرطبيّ: والدّليل على أنّه مشتقٌّ ما خرّجه التّرمذيّ وصحّحه عن عبد الرّحمن بن عوفٍ، أنّه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «قال اللّه تعالى: [أنا الرّحمن خلقت الرّحم وشققت لها اسمًا من اسمي، فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته]». قال: وهذا نصٌّ في الاشتقاق فلا معنى للمخالفة والشّقاق.
قال: وإنكار العرب لاسم الرّحمن لجهلهم باللّه وبما وجب له، قال القرطبيّ: هما بمعنًى واحدٍ كندمان ونديمٍ قاله أبو عبيدٍ، وقيل: ليس بناء فعلان كفعيلٍ، فإنّ فعلان لا يقع إلّا على مبالغة الفعل نحو قولك: رجلٌ غضبان، وفعيلٌ قد يكون بمعنى الفاعل والمفعول، قال أبو عليٍّ الفارسيّ: الرّحمن: اسمٌ عامٌّ في جميع أنواع الرّحمة يختصّ به اللّه تعالى، والرّحيم إنّما هو من جهة المؤمنين، قال اللّه تعالى: {وكان بالمؤمنين رحيمًا} [الأحزاب: 43]، وقال ابن عبّاسٍ: «هما اسمان رقيقان، أحدهما أرقّ من الآخر»، أي أكثر رحمةً، ثمّ حكي عن الخطّابيّ وغيره: أنّهم استشكلوا هذه الصّفة، وقالوا: لعلّه أرفق كما جاء في الحديث: «إنّ اللّه رفيقٌ يحبّ الرّفق في الأمر كلّه وإنّه يعطي على الرّفق ما لا يعطي على العنف». وقال ابن المبارك: «الرّحمن إذا سئل أعطى، والرّحيم إذا لمّ يسأل يغضب»، وهذا كما جاء في الحديث الّذي رواه التّرمذيّ وابن ماجه من حديث أبي صالحٍ الفارسيّ الخوزيّ عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «من لم يسأل اللّه يغضب عليه»، وقال بعض الشّعراء:

لا تطلبنّ بنيّ آدم حاجةً ....... وسل الّذي أبوابه لا تحجب
اللّه يغضب إن تركت سؤاله ....... وبنيّ آدم حين يسأل يغضب
قال ابن جريرٍ: حدّثنا السّريّ بن يحيى التّميميّ، حدّثنا عثمان بن زفر، سمعت العرزميّ يقول: الرّحمن الرّحيم، قال: «الرّحمن لجميع الخلق»، الرّحيم، قال: «بالمؤمنين».
قالوا: ولهذا قال: {ثمّ استوى على العرش الرّحمن} [الفرقان: 59] وقال: {الرّحمن على العرش استوى} [طه: 5] فذكر الاستواء باسمه الرّحمن ليعمّ جميع خلقه برحمته، وقال: {وكان بالمؤمنين رحيمًا} [الأحزاب: 43] فخصّهم باسمه الرّحيم، قالوا: فدلّ على أنّ الرّحمن أشدّ مبالغةً في الرّحمة لعمومها في الدّارين لجميع خلقه، والرّحيم خاصّةٌ بالمؤمنين، لكن جاء في الدّعاء المأثور: «رحمن الدّنيا والآخرة ورحيمهما».
واسمه تعالى الرّحمن خاصٌّ به لم يسم به غيره، كما قال تعالى: {قل ادعوا اللّه أو ادعوا الرّحمن أيًّا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى}، وقال تعالى: {واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرّحمن آلهةً يعبدون}.
ولمّا تجهرم مسيلمة الكذّاب وتسمّى برحمن اليمامة كساه اللّه جلباب الكذب وشهر به؛ فلا يقال إلّا مسيلمة الكذّاب، فصار يضرب به المثل في الكذب بين أهل الحضر من أهل المدر، وأهل الوبر من أهل البادية والأعراب.
وقد زعم بعضهم أنّ الرّحيم أشدّ مبالغةً من الرّحمن؛ لأنّه أكّد به، والتّأكيد لا يكون إلّا أقوى من المؤكّد، والجواب أنّ هذا ليس من باب التّوكيد، وإنّما هو من باب النّعت [بعد النّعت] ولا يلزم فيه ما ذكروه، وعلى هذا فيكون تقدير اسم اللّه الّذي لم يسمّ به أحدٌ غيره، ووصفه أوّلًا بالرّحمن الّذي منع من التّسمية به لغيره، كما قال تعالى: {قل ادعوا اللّه أو ادعوا الرّحمن أيًّا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى} [الإسراء: 110]. وإنّما تجهرم مسيلمة اليمامة في التّسمّي به ولم يتابعه على ذلك إلّا من كان معه في الضّلالة.
وأمّا الرّحيم فإنّه تعالى وصف به غيره حيث قال: {لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عنتّم حريصٌ عليكم بالمؤمنين رءوفٌ رحيمٌ} [التّوبة: 128]، كما وصف غيره بذلك من أسمائه في قوله: {إنّا خلقنا الإنسان من نطفةٍ أمشاجٍ نبتليه فجعلناه سميعًا بصيرًا} [الإنسان: 2].
والحاصل: أنّ من أسمائه تعالى ما يسمّى به غيره، ومنها ما لا يسمّى به غيره، كاسم اللّه والرّحمن والخالق والرّزّاق ونحو ذلك؛ فلهذا بدأ باسم اللّه، ووصفه بالرّحمن؛ لأنّه أخصّ وأعرف من الرّحيم؛ لأنّ التّسمية أوّلًا إنّما تكون بأشرف الأسماء، فلهذا ابتدأ بالأخصّ فالأخصّ.
فإن قيل: فإذا كان الرّحمن أشدّ مبالغةً؛ فهلّا اكتفي به عن الرّحيم؟
فقد روي عن عطاءٍ الخراسانيّ ما معناه: أنّه لمّا تسمّى غيره تعالى بالرّحمن، جيء بلفظ الرّحيم ليقطع التّوهّم بذلك، فإنّه لا يوصف بالرّحمن الرّحيم إلّا اللّه تعالى. كذا رواه ابن جريرٍ عن عطاءٍ. ووجّهه بذلك، واللّه أعلم.
وقد زعم بعضهم أنّ العرب لا تعرف الرّحمن، حتّى ردّ اللّه عليهم ذلك بقوله: {قل ادعوا اللّه أو ادعوا الرّحمن أيًّا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى} [الإسراء: 110]؛ ولهذا قال كفّار قريشٍ يوم الحديبية لمّا قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لعلي: «اكتب {بسم اللّه الرّحمن الرّحيم}»، فقالوا: لا نعرف الرّحمن ولا الرّحيم. رواه البخاريّ، وفي بعض الرّوايات: لا نعرف الرّحمن إلّا رحمن اليمامة. وقال تعالى: {وإذا قيل لهم اسجدوا للرّحمن قالوا وما الرّحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورًا} [الفرقان: 60].
والظّاهر أنّ إنكارهم هذا إنّما هو جحود وعنادٌ وتعنّتٌ في كفرهم؛ فإنّه قد وجد في أشعارهم في الجاهليّة تسمية اللّه تعالى بالرّحمن، قال ابن جريرٍ -وقد أنشد لبعض الجاهليّة الجهّال-:
ألا ضربت تلك الفتاة هجينها ...... ألا قضب الرحمن ربى يمينها
وقال سلامة بن جندب الطّهويّ:

عجلتم علينا عجلتينا عليكم ...... وما يشأ الرّحمن يعقد ويطلق
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا أبو كريب، حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، حدّثنا بشر بن عمارة، حدّثنا أبو روقٍ، عن الضّحّاك، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ، قال: «الرّحمن: الفعلان من الرّحمة، وهو من كلام العرب»، وقال: «{الرّحمن الرّحيم} [الفاتحة: 3] الرّقيق الرّفيق بمن أحبّ أن يرحمه، والبعيد الشّديد على من أحبّ أن يعنّف عليه، وكذلك أسماؤه كلّها».
وقال ابن جريرٍ أيضًا: حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، حدّثنا حمّاد بن مسعدة، عن عوفٍ، عن الحسن، قال: «الرّحمن اسمٌ ممنوعٌ».
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو سعيدٍ [بن] يحيى بن سعيدٍ القطّان، حدّثنا زيد بن الحباب، حدّثني أبو الأشهب، عن الحسن، قال: «الرّحمن: اسمٌ لا يستطيع النّاس أن ينتحلوه، تسمّى به تبارك وتعالى».
وقد جاء في حديث أمّ سلمة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقطّع قرآنه حرفًا حرفًا {بسم اللّه الرّحمن الرّحيم * الحمد للّه ربّ العالمين * الرّحمن الرّحيم * مالك يوم الدّين}، فقرأ بعضهم كذلك وهم طائفةٌ من الكوفيّين، ومنهم من وصلها بقوله: {الحمد للّه ربّ العالمين} وكسرت الميم لالتقاء السّاكنين وهم الجمهور. وحكى الكسائيّ عن بعض العرب أنّها تقرأ بفتح الميم وصلة الهمزة فيقولون: {بسم اللّه الرّحمن الرّحيم * الحمد للّه ربّ العالمين} فنقلوا حركة الهمزة إلى الميم بعد تسكينها كما قرئ قوله تعالى: {الم * اللّه لا إله إلا هو} قال ابن عطيّة: ولم ترد بهذه قراءةٌ عن أحدٍ فيما علمت).
[تفسير ابن كثير: 1/ 116-127]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:34 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة