العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة سبأ

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 7 جمادى الأولى 1434هـ/18-03-2013م, 12:23 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير سورة سبأ [ من الآية (10) إلى الآية (14) ]

تفسير سورة سبأ
[ من الآية (10) إلى الآية (14) ]

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11) وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12) يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13) فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ (14)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 14 جمادى الأولى 1434هـ/25-03-2013م, 08:34 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله يا جبال أوبي معه قال سبحي معه). [تفسير عبد الرزاق: 2/127]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله وألنا له الحديد قال لينه الله له يعمله بغير نار وقوله أن اعمل سابغات يقول دروع سابغات). [تفسير عبد الرزاق: 2/127]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا يوسف بن عديٍّ، قال: ثنا رشدين بن سعدٍ، عن يونس بن يزيد، عن عطاءٍ الخراساني في قوله: {يا جبال أوبي معه} قال: سبّحي معه). [جزء تفسير عطاء الخراساني: 89]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولقد آتينا داود منّا فضلاً يا جبال أوّبي معه والطّير وألنّا له الحديد (10) أن اعمل سابغاتٍ وقدّر في السّرد واعملوا صالحًا إنّي بما تعملون بصيرٌ}.
يقول تعالى ذكره: ولقد أعطينا داود منّا فضلاً، وقلنا للجبال: {أوّبي معه} سبّحي معه إذا سبّح والتّأويب عند العرب: الرّجوع، ومبيت الرّجل في منزله وأهله؛ ومنه قول الشّاعر:
يومان يوم مقاماتٍ وأنديةٍ = ويوم سيرٍ إلى الأعداء تأويب
أي رجوعٍ. وقد كان بعضهم يقرؤه: أوّبي معه من آب يؤوب، بمعنى: تصرّفي معه؛ وتلك قراءةٌ لا أستجيز القراءة بها لخلافها قراءة الحجّة.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني سليمان بن عبد الجبّار، قال: حدّثني محمّد بن الصّلت، قال: حدّثنا أبو كدينة وحدّثنا محمّد بن سنانٍ القزّاز، قال: حدّثنا الحسين بن الحسن الأشقر، قال: حدّثنا أبو كدينة، عن عطاءٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ {أوّبي معه} قال: سبّحي معه.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله {يا جبال أوّبي معه} يقول: سبّحي معه.
- حدّثنا أبو عبد الرّحمن العلائيّ، قال: حدّثنا مسعرٌ، عن أبي حصينٍ، عن أبي عبد الرّحمن {يا جبال أوّبي معه} يقول: سبّحي.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عنبسة، عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة {يا جبال أوّبي معه} قال: سبّحي، بلسان الحبشة.
- حدّثني يحيى بن طلحة اليربوعيّ، قال: حدّثنا فضيلٌ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {يا جبال أوّبي معه} قال: سبّحي معه.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى؛ وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {يا جبال أوّبي معه} قال: سبّحي معه.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة {يا جبال أوّبي معه} أي سبّحي معه إذا سبّح.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {يا جبال أوّبي معه} قال: سبّحي معه؛ قال: والطّير أيضًا.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: أخبرنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {يا جبال أوّبي معه} قال: سبّحي معه.
- حدّثنا عمرو بن عبد الحميد، قال: حدّثنا مروان بن معاوية، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، قوله: {يا جبال أوّبي معه} سبّحي معه.
وقوله: {والطّير} وفي نصب الطّير وجهان: أحدهما على ما قاله ابن زيدٍ من أنّ الطّير نوديت كما نوديت الجبال، فتكون منصوبةً من أجل أنّها معطوفةٌ على مرفوعٍ، بما لا يحسن إعادة رافعه عليه، فيكون كالمصروف عن جهته، والآخر: على ضميرٍ متروكٍ استغني بدلالة الكلام عليه، فيكون معنى الكلام: فقلنا: يا جبال أوّبي معه، وسخّرنا له الطّير وإن رفع ردًّا على ما في قوله سبّحي من ذكر الجبال كان جائزًا وقد يجوز رفع الطّير وهو معطوفٌ على الجبال، وإن لم يحسن نداؤها بالّذي نوديت به الجبال، فيكون ذلك كما قال الشّاعر:
ألا يا عمرو والضّحّاك سيرا = فقد جاوزتما خمر الطّريق
وقوله: {وألنّا له الحديد} ذكر أنّ الحديد كان في يده كالطّين المبلول يصرفه في يده كيف يشاء بغير إدخال نارٍ، ولا ضربٍ بحديد.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة {وألنّا له الحديد} سخّر اللّه له الحديد بغير نارٍ.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا ابن عثمة، قال: حدّثنا سعيد بن بشيرٍ، عن قتادة، في قوله: {وألنّا له الحديد} كان يسوّيها بيده، ولا يدخلها نارًا، ولا يضربها بحديدةٍ). [جامع البيان: 19/219-222]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيمنا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد يا جبال أوبي معه يقول سبحي معه). [تفسير مجاهد: 523]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد * أن اعمل سابغات وقدر في السرد واعملوا صالحا إني بما تعملون بصير.
أخرج ابن أبي شيبه في المصنف، وابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {أوبي معه} قال: سبحي معه). [الدر المنثور: 12/166]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن أبي ميسرة رضي الله عنه {أوبي معه} قال: سبحي معه بلسان الحبشة). [الدر المنثور: 12/166]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه {أوبي معه} قال: سبحي.
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة وأبي عبد الرحمن مثله). [الدر المنثور: 12/166-167]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله {يا جبال أوبي معه والطير} أيضا يعني يسبح معه الطير). [الدر المنثور: 12/167]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن وهب رضي الله عنه قال: أمر الله الجبال والطير أن تسبح مع داود عليه السلام اذا سبح). [الدر المنثور: 12/167]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن وهب رضي الله عنه قال: أمر الله الجبال والطير أن تسبح مع داود عليه السلام اذا سبح). [الدر المنثور: 12/167]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه انه قرأ (الطير) بالنصب بجملة قال: سخرنا له الطير). [الدر المنثور: 12/167-168]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {وألنا له الحديد} قال: كالعجين). [الدر المنثور: 12/168]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنهما في قوله {وألنا له الحديد} قال: لين الله له الحديد فكان يسرده حلقا بيده يعمل به كما يعمل بالطين من غير ان يدخله النار ولا يضربه بمطرقة وكان داود عليه السلام أول من صنعها وانما كانت قبل ذلك صفائح من حديد يتحصنون بها من عدوهم). [الدر المنثور: 12/168]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه في قوله {وألنا له الحديد} فيصير في يده مثل العجين فيصنع منه الدروع). [الدر المنثور: 12/168]

تفسير قوله تعالى: (أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله وقدر في السرد قال السرد المسامير التي في حلق الدرع). [تفسير عبد الرزاق: 2/127]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا ابن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس في قوله تعالى وقدر في السرد قال لا تدق في المسامير وتوسع الحلقة فتسلس ولا تغلظ المسامير وتضيق الحلقة فتنفصم واجعله قدرا). [تفسير عبد الرزاق: 2/127]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (السّابغات: الدّروع). [صحيح البخاري: 6/121]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله السّابغات الدّروع قال أبو عبيدة في قوله أن أعمل سابغات أي دروعًا واسعةً طويلةً). [فتح الباري: 8/537]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (السّابغات الدّروع
أشار به إلى قوله تعالى: {وألنّا له الحديد (10) أن اعمل سابغات} (سبإ: 11) وفسرها (بالدروع) ، وكذا فسره أبو عبيدة، وزادوا: واسعة طويلة.
وفي التّفسير: دروعا كوامل واسعات وأن داود، عليه الصّلاة والسّلام، أول من عملها). [عمدة القاري: 19/129-130]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (السابغات) في قوله تعالى: {أن اعمل سابغات} [سبأ: 11] هي (الدروع) الكوامل واسعات طوالًا تسحب في الأرض. ذكر الصفة ويعلم منها الموصوف). [إرشاد الساري: 7/309]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {أن اعمل سابغاتٍ} يقول: وعهدنا إليه أن اعمل سابغاتٍ، وهي التّوام الكوامل من الدّروع.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك، قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة {أن اعمل سابغاتٍ}: دروعٌ، وكان أوّل من صنعها داود، إنّما كان قبل ذلك صفائح.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {أن اعمل سابغاتٍ} قال: السّابغات: دروع الحديد.
وقوله: {وقدّر في السّرد} اختلف أهل التّأويل في السّرد، فقال بعضهم: السّرد: هو مسمار حلق الدّرع.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة {وقدّر في السّرد} قال: كان يجعلها بغير نارٍ، ولا يقرعها بحديدٍ، ثمّ يسردها والسّرد: المسامير الّتي في الحلق.
وقال آخرون: هو الحلق بعينها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وقدّر في السّرد} قال: السّرد: حلقةٌ؛ أي قدّر تلك الحلق قال: وقال الشّاعر:
أجاد المسدّي سردها وأذالها
قال: يقول: وسّعها، وأجاد حلقها.
- حدّثني عليٍّ، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وقدّر في السّرد} يقول: حلق الحديد.
وقال بعض أهل العلم بكلام العرب: يقال درعٌ مسرودةٌ: إذا كانت مسمورة الحلق؛ واستشهد لقيله ذلك بقول الشّاعر:
وعليهما مسرودتان قضاهما = داود أو صنع السّوابغ تبّع
وقيل: إنّما قال اللّه لداود: {وقدّر في السّرد} لأنّها كانت قبل صفائح.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا نصر بن عليٍّ، قال: حدّثنا أبي، قال، حدّثنا خالد بن قيسٍ، عن قتادة {وقدّر في السّرد} قال: كانت صفائح، فأمر أن يسردها حلقًا.
وعنى بقوله {وقدّر في السّرد} وقدّر المسامير في حلق الدّروع حتّى يكون بمقدارٍ لا تغلظ المسمار، وتضيق الحلقة، فتفصم الحلقة، ولا توسّع الحلقة، وتصغّر المسامير وتدقّها، فيسلس في الحلقة.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ {وقدّر في السّرد} يعني بالسّرد: ثقب الدّروع فيسدّ قتيرها، وعنى بقوله: {وقدّر في السّرد} قدّر المسامير.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {وقدّر في السّرد} قال: قدّر المسامير والحلق، لا تدقّ المسامير فتسلس، ولا تجلها.
قال محمّد بن عمرٍو: فتفصم، وقال الحارث: فتفصم.
- حدّثني عليّ بن سهلٍ، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {وقدّر في السّرد} قال: لا تصغّر المسمار، وتعظّم الحلقة فتسلس، ولا تعظّم المسمار وتصغّر الحلقة فتفصم الحلقة.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عيينة، قال: حدّثنا أبي، عن الحكم، في قوله: {وقدّر في السّرد} قال: لا تغلظ المسمار فيفصم الحلقة، ولا تدقّه فيفلق.
وقوله: {واعملوا صالحًا} يقول تعالى ذكره: واعمل يا داود أنت وآلك بطاعة اللّه {إنّي بما تعملون بصيرٌ} يقول جلّ ثناؤه: إنّي بما تعمل أنت وأتباعك ذو بصرٍ لا يخفى عليّ منه شيءٌ، وأنا مجازيك وإيّاهم على جميع ذلك). [جامع البيان: 19/222-226]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيمنا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وقدر في السرد يقول قدر المسمار والحلق لا تدق المسامير فتسلسل ولا تجلها فتفصم). [تفسير مجاهد: 523]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثني أبو بكرٍ محمّد بن أحمد بن بالويه، ثنا إسحاق بن الحسن بن ميمونٍ، ثنا عفّان، ثنا حمّاد بن سلمة، أنبأ ثابتٌ، عن أنسٍ رضي اللّه عنه، عند قوله عزّ وجلّ: {وألنّا له الحديد (10) أن اعمل سابغاتٍ} [سبأ: 11] قال أنسٌ: " إنّ لقمان كان عند داود وهو يسرد الدّرع فجعل يفتله هكذا بيده فجعل لقمان يتعجّب ويريد أن يسأله ويمنعه حكمته أن يسأله، فلمّا فرغ منها صبّها على نفسه فقال: نعم درع الحرب هذه، فقال لقمان: الصّمت من الحكمة، وقليلٌ فاعله كنت أردت أن أسألك فسكتّ حتّى كفيتني «صحيحٌ على شرط مسلمٍ ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/458]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو محمّدٍ المزنيّ، أنبأ أحمد بن نجدة القرشيّ، ثنا سعيد بن منصورٍ، ثنا عبد الرّزّاق، أخبرني عبد الوهّاب بن مجاهدٍ، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، في قوله عزّ وجلّ: {وقدّر في السّرد} [سبأ: 11] قال: «لا تدقّ المسامير وتوسّع فتسلس، ولا تغلظ المسامير وتضيّق الحلق فتنفصم واجعله قدرًا» هذا حرفٌ غريبٌ في التّفسير وعبد الوهّاب ممّن لم يخرجاه "). [المستدرك: 2/459]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {وقدر في السرد} قال: حلق الحديد). [الدر المنثور: 12/169]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله {وقدر في السرد} قال: السرد المسامير التي في الحلق). [الدر المنثور: 12/169]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق والحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {وقدر في السرد} قال: لا تدق المسامير، وتوسع الحلق فتسلسل ولا تغلظ المسامير وتضيق الحلق فتنقصم واجعله قدرا). [الدر المنثور: 12/169]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه {وقدر في السرد} قال: قدر المسامير والحلق لا تدق المسمار فيسلسل ولا تحلها فينقصم). [الدر المنثور: 12/169]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول، وابن أبي حاتم عن ابن شوذب رضي الله عنه قال: كان داود عليه السلام يرفع في كل يوم درعا فيبيعها بستة آلاف درهم، ألفين له ولأهله وأربعة آلاف يطعم بها بني اسرائيل الخبز الحواري). [الدر المنثور: 12/169-170]

تفسير قوله تعالى: (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن الحسن في قوله تعالى غدوها شهر ورواحها شهر قال يغدو من دمشق فيقيل باصطخر ويروح من اصطخر فيبيت بكابل وما بين اصطخر ودمشق مسيرة شهر للمسرع ومن اصطخر إلى كابل مسيرة شهر للمسرع). [تفسير عبد الرزاق: 2/127]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى وأسلنا له عين القطر قال أسال الله له عينا من نحاس). [تفسير عبد الرزاق: 2/127]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا يوسف بن عديٍّ، قال: ثنا رشدين بن سعدٍ، عن يونس بن يزيد، عن عطاءٍ الخراساني في قوله: {عين القطر} قال: عين الصّفر). [جزء تفسير عطاء الخراساني: 89]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولسليمان الرّيح غدوّها شهرٌ ورواحها شهرٌ وأسلنا له عين القطر ومن الجنّ من يعمل بين يديه بإذن ربّه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السّعير}.
قال أبو جعفرٍ رحمه اللّه: اختلفت القرّاء في قراءة قوله: {ولسليمان الرّيح} فقرأته عامّة قرّاء الأمصار {ولسليمان الرّيح} بنصب (الرّيح)، بمعنى: ولقد آتينا داود منّا فضلاً، وسخّرنا لسليمان الرّيح وقرأ ذلك عاصمٌ: (ولسليمان الرّيح) رفعًا بحرف الصّفة، إذ لم يظهر النّاصب.
والصّواب من القراءة في ذلك عندنا النّصب لإجماع الحجّة من القرّاء عليه
وقوله: {غدوّها شهرٌ} يقول تعالى ذكره: وسخّرنا لسليمان الرّيح، غدوّها إلى انتصاف النّهار مسيرة شهرٍ، ورواحها من انتصاف النّهار إلى اللّيل مسيرة شهرٍ.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ولسليمان الرّيح غدوّها شهرٌ ورواحها شهرٌ} قال: تغدو مسيرة شهرٍ، وتروح مسيرة شهرٍ، قال: مسيرة شهرين في يومٍ.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن بعض أهل العلم، عن وهب بن منبّهٍ: {ولسليمان الرّيح غدوّها شهرٌ ورواحها شهرٌ} قال: ذكر لي أنّ منزلاً بناحية دجلة مكتوبٌ فيه كتابٌ كتبه بعض صحابة سليمان، إمّا من الجنّ، وإمّا من الإنس: نحن نزلناه وما بنيناه، ومبنيًّا وجدناه، غدونا من إصطخر فقلناه، ونحن رائحون منه إن شاء اللّه فبائتون بالشّام.
- حدّثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ولسليمان الرّيح غدوّها شهرٌ ورواحها شهرٌ} قال: كان له مركبٌ من خشبٍ، وكان فيه ألف ركنٍ، في كلّ ركنٍ ألف بيتٍ تركب فيه الجنّ والإنس، تحت كلّ ركنٍ ألف شيطان، يرفعون ذلك المركب هم والعصار؛ فإذا ارتفع أتت الرّيح رخاءً، فسارت به، وساروا معه، يقيل عند قومٍ بينه وبينهم شهرٌ، ويمسي عند قومٍ بينه وبينهم شهرٌ، ولا يدري القوم إلاّ وقد أظلّهم معه الجيوش والجنود، والعصًار: الريح العاصفة.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا أبو عامرٍ، قال: حدّثنا قرّة، عن الحسن، في قوله {غدوّها شهرٌ ورواحها شهرٌ} قال: كان يغدو فيقيل في إصطخر، ثمّ يروح منها، فيكون رواحها بكابل.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا حمّادٌ، قال: حدّثنا قرّة، عن الحسن بمثله.
وقوله: {وأسلنا له عين القطر} يقول: وأذبنا له عين النّحّاس، وأجريناها له.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {وأسلنا له عين القطر} عين النّحّاس، كانت بأرض اليمن، وإنّما ينتفع اليوم بما أخرج اللّه لسليمان.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وأسلنا له عين القطر} قال: الصّفر سال كما يسيل الماء، يعمل به كما كان يعمل العجين في اللّبن.
- حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وأسلنا له عين القطر} يقول: النّحّاس.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله {وأسلنا له عين القطر} يعني: عين النّحّاس أسيلت.
وقوله: {ومن الجنّ من يعمل بين يديه بإذن ربّه} يقول تعالى ذكره: ومن الجنّ من يطيعه، ويأتمر بأمره، وينتهي لنهيه، فيعمل بين يديه ما يأمره طاعةً له {بإذن ربّه} يقول: بأمر اللّه بذلك، وتسخيره إيّاه له {ومن يزغ منهم عن أمرنا} يقول: ومن يزل ويعدل من الجنّ عن أمرنا الّذي أمرناه من طاعة سليمان {نذقه من عذاب السّعير} في الآخرة، وذلك عذاب نار جهنّم الموقدة.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ومن يزغ منهم عن أمرنا} أي يعدل منهم عن أمرنا عمّا أمره به سليمان {نذقه من عذاب السّعير} ). [جامع البيان: 19/226-229]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثني أبو عمرٍو إسماعيل بن نجيدٍ السّلميّ، ثنا محمّد بن أيّوب، أنبأ أبو غسّان محمّد بن عمرٍو الطّيالسيّ، ثنا جريرٌ، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، قال: " مات سليمان بن داود عليهما السّلام وهو قائمٌ يصلّي ولم تعلم الشّياطين بذلك حتّى أكلت الأرضة عصاه فخرّ، وكان إذا نبتت شجرةٌ سألها لأيّ داءٍ أنت؟ قال: فتخبره كما أخبر اللّه عزّ وجلّ {ولسليمان الرّيح غدوّها شهرٌ ورواحها شهرٌ وأسلنا له عين القطر} [سبأ: 12] الآيات كلّها، فلمّا نبتت الخرنوب سألها لأيّ شيءٍ نبتّ؟ فقالت لخراب هذا المسجد. فقال: إنّ خراب هذا المسجد لا يكون إلّا عند موتي، فقام يصلّي «هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/459]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير.
أخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن عاصم رضي الله عنه انه قرأ (ولسليمان الريح) رفع الحاء). [الدر المنثور: 12/170]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في قوله {ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر} قال: تغدو مسيرة شهر وتروح مسيرة شهر في يوم). [الدر المنثور: 12/170]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد رضي الله عنه قال: الريح مسيرها شهران في يوم). [الدر المنثور: 12/170]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبه، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه قال: ان سليمان عليه السلام لما شغلته الخيل فاتته صلاة العصر غضب لله فعقر الخيل فأبدله الله مكانها خيرا منها وأسرع الريح تجري بأمره كيف شاء فكان غدوها شهرا ورواحها شهرا وكان يغدو من ايليا فيقيل بقريرا ويروح من قريرا فيبيت بكابل). [الدر المنثور: 12/170-171]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الخطيب في رواية مالك عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه قال: كان سليمان عليه السلام يركب الريح من اصطخر فيتغدى ببيت المقدس ثم يعود فيتعشى باصطخر). [الدر المنثور: 12/171]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد في الزهد عن الحسن رضي الله عنه في قوله {غدوها شهر ورواحها شهر} قال: كان سليمان عليه السلام يغدو من بيت المقدس فيقيل باصطخر ثم يروح من اصطخر فيقيل بقلعة خراسان). [الدر المنثور: 12/171]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبه، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {وأسلنا له عين القطر} قال: النحاس). [الدر المنثور: 12/171]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطستي عن ابن عباس رضي الله عنهما ان نافع بن الازرق قال له: أخبرني عن قوله {وأسلنا له عين القطر} قال: أعطاه الله عينا من صفر تسيل كما يسيل الماء قال: وهل تعرف العرف ذلك قال: نعم، أما سمعت قول الشاعر:
فالقى في مراجل من حديد * قدور القطر ليس من البرام). [الدر المنثور: 12/171-172]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه {وأسلنا له عين القطر} قال: عين النحاس كانت باليمنوان ما يصنع الناس اليوم مما أخرج الله لسليمان عليه السلام). [الدر المنثور: 12/172]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن عكرمة رضي الله عنه في قوله {وأسلنا له عين القطر} قال: أسال الله تعالى له القطر ثلاثة أيام يسيل كما يسيل الماء قيل: إلى أين قال: لا أدري). [الدر المنثور: 12/172]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه قال: سيلت له عين من نحاس ثلاثة أيام). [الدر المنثور: 12/172]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر من طريق ابن جريج عن ابن عباس رضي الله عنهما قال {القطر} النحاس، لم يقدر عليها أحد بعد سليمان عليه السلام وإنما يعمل الناس بعد فيما كان أعطى سليمان). [الدر المنثور: 12/172]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد رضي الله عنه {عين القطر} قال: الصفر). [الدر المنثور: 12/172]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه قال: ليس كل الجن صخر له كما تسمعون {ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا} قال: يعدل عما يأمره سليمان عليه السلام). [الدر المنثور: 12/172-173]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن مجاهد {ومن يزغ منهم عن أمرنا} قال: من الجن). [الدر المنثور: 12/173]

تفسير قوله تعالى: (يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني حيوة بن شريح، عن زهرة بن معبد أنّه سمع أبا عبد الرّحمن الحبليّ يقول: {اعملوا آل داود شكرًا}، فالصلاة شكرٌ، والصيام شكرٌ، وكل خيرٍ يعمل لله شكرٌ؛ وأفضل الشكر الحمد). [الجامع في علوم القرآن: 1/142]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (حدّثني عبد اللّه بن سعد بن أبي الصعبة عن عبد الجليل بن حميد حدثه أنه سمع ابن شهاب يقول في قول الله: {اعملوا آل داود شكرا وقليلٌ من عبادي الشكور}، قال: قولوا الحمد لله). [الجامع في علوم القرآن: 2/90]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى من محاريب قال قصور ومساجد وجفان كالجواب قال كالحياض وقدور راسيات قال ثابتات). [تفسير عبد الرزاق: 2/127]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا عفّان، قال: حدّثنا جعفر بن سليمان الضّبعيّ، عن ثابتٍ البنانيّ، قال: بلغنا، أنّ داود النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان جزّأ الصّلاة على بيوته: على نسائه وولده، فلم تكن تأتي ساعةٌ من اللّيل والنّهار إلاّ وإنسانٌ من آل داود قائمٌ يصلّي، فعمّتهنّ هذه الآية: {اعملوا آل داود شكرًا وقليلٌ من عبادي الشّكور}). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/39]

قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (وقال ابن عبّاسٍ: {كالجواب} [سبأ: 13] : " كالجوبة من الأرض). [صحيح البخاري: 6/121]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله وقال بن عبّاس كالجوابي كالجوبة من الأرض تقدّم هذا في أحاديث الأنبياء قيل الجوابي في اللّغة جمع جابيةٍ وهو الحوض الّذي يجبى فيه الشّيء أي يجمع وأمّا الجوبة من الأرض فهي الموضع المطمئن فلا يستقيم تفسير الجوابي بها وأجيب باحتمال أن يكون فسّر الجابية بالجوبة ولم يرد أنّ اشتقاقهما واحدٌ). [فتح الباري: 8/537]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله فيه
وقال مجاهد {نجازي} نعاقب {أعظكم بواحدة} بطاعة الله {مثنى وفرادى} واحد واثنين {التناوش} الرّد من الآخرة إلى الدّنيا وبين ما يشتهون من مال أو ولد أو زهرة {بأشياعهم} بأمثالهم وقال ابن عبّاس كالجوابي وكالجوبة من الأرض الخمط الأراك والأثل الطرفاء والعرم الشّديد
أما قول مجاهد فقال الفريابيّ ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله 17 سبأ {وهل نجازي إلّا الكفور} قال هل نعاقب
وفي قوله 46 سبأ {إنّما أعظكم بواحدة} قال بطاعة الله
وفي قوله 46 سبأ {أن تقوموا لله مثنى وفرادى} قال اثنين وواحد
وبه في قوله 52 سبأ {وأنى لهم التناوش من مكان بعيد} قال الرّد من مكان بعيد قال من الآخرة إلى الدّنيا
وفي قوله 54 سبأ {وحيل بينهم وبين ما يشتهون} قال من مال أو ولد كما فعل بأشياعهم من قبل قال الكفّار من قبلهم
وأما قول ابن عبّاس فتقدم ذكر الجوبة في أحاديث الأنبياء). [تغليق التعليق: 4/288-289] (م)
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (وقال ابن عبّاسٍ: كالجواب: كالجوبة من الأرض
أي: قال ابن عبّاس في قوله: {وجفان كالجواب} (سبأ: 13) وفسرها بقوله: (كالجوبة من الأرض) وأسند هذا التّعليق ابن أبي حاتم عن أبيه عن أبي صالح عن معاوية عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاس، وقال مجاهد: الجواب حياض الإبل، وأصله في اللّغة من الجابية وهي الحوض الّذي يجيء فيه الشّيء أي يجمع، ويقال: إنّه كان يجتمع على كل جفنة واحدة ألف رجل، والجفان جمع جفنة وهي القصعة، والجواب جمع جابية كما مر). [عمدة القاري: 19/130]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (وقال ابن عباس): مما تقدم في أحاديث الأنبياء (كالجواب) بغير تحتية ولأبي ذر كالجوابي بإثباتها أي (كالجوبة من الأرض) بفتح الجيم وسكون الواو أي الموضع المطمئن منها هذا لا يستقيم لأن الجوابي جمع جابية كضاربة وضوارب فعينه موحدة فهو مخالف للجوبة من حيث إن عينه واو فلم يرد أن اشتقاقهما واحد والجابية الحوض العظيم سميت بذلك لأنه يجبى إليها الماء أي يجتمع قيل كان يقعد على الجفنة الواحدة ألف رجل يأكلون منها). [إرشاد الساري: 7/309-310]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ( {راسياتٌ} [سبأ: 13] : «ثابتاتٌ»). [صحيح البخاري: 6/74] (م)
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (الراسيات ثابتات) ذكر هذا استطرادًا لذكر مرساها لأنّه ليس في سورة هود وقال أبو عبيدة في قوله تعالى {وقدور راسيات} أي ثابتات عظام). [عمدة القاري: 18/293]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا يوسف بن عديٍّ، قال: ثنا رشدين بن سعدٍ، عن يونس بن يزيد، عن عطاءٍ الخراساني في قوله جل وعلا: {جفانٍ كالجواب} قال: الجفان العظام). [جزء تفسير عطاء الخراساني: 89]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفانٍ كالجواب وقدورٍ راسياتٍ اعملوا آل داود شكرًا وقليلٌ من عبادي الشّكور}.
قال أبو جعفرٍ رحمه اللّه: يعني تعالى ذكره: يعمل الجنّ لسليمان ما يشاء من محاريب، وهي جمع محرابٍ، والمحراب: مقدّم كلّ مسجدٍ وبيتٍ ومصلّى، ومنه قول عديّ بن زيدٍ:
كدمى العاج في المحاريب أو كالـ = بيض في الرّوض زهره مستنير
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {ما يشاء من محاريب} قال: بنيانٌ دون القصور.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة {يعملون له ما يشاء من محاريب} وقصورٍ ومساجد.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {يعملون له ما يشاء من محاريب} قال: المحاريب: المساكن وقرأ قول اللّه: {فنادته الملائكة وهو قائمٌ يصلّي في المحراب}.
- حدّثني عمرو بن عبد الحميد الآمليّ، قال: حدّثنا مروان بن معاوية، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك: {يعملون له ما يشاء من محاريب} قال: المحاريب: المساجد.
وقوله: {وتماثيل} يعني أنّهم يعملون له تماثيل من نحاسٍ وزجاجٍ.
- كما حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {وتماثيل} قال: من نحاسٍ.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة {وتماثيل} قال: من زجاجٍ وشبه.
- حدّثنا عمرو بن عبد الحميد، قال: حدّثنا مروان، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، في قول اللّه {وتماثيل} قال: الصور.
وقوله: {وجفانٍ كالجواب} يقول: وينحتون له ما يشاء من جفانٍ كالجواب؛ وهي جمع جابيةٍ، والجابية: الحوض الّذي يجبى فيه الماء، كما قال الأعشى ميمون بن قيسٍ:
تروح على آل المحلّق جفنةٌ = كجابية السّيح العراقيّ تفهق
وكما قال الآخر:
فصبّحت جابيةً صهارجًا = كأنّه جلد السّماء خارجا
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وجفانٍ كالجواب} يقول: كالجوبة من الأرض.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: ثنّى أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله {وجفانٍ كالجواب} يعني بالجواب: الحياض.
- وحدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن أبي رجاءٍ، عن الحسن {وجفانٍ كالجواب} قال: كالحياض.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {وجفانٍ كالجواب} قال: حياض الإبل.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {وجفانٍ كالجواب} أي: كالحياض.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وجفانٍ كالجواب} قال: جفانٌ كجوبة الأرض من العظم، والجوبة من الأرض: يستنقع فيها الماء.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: أخبرنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {وجفانٍ كالجواب} كالحياض.
- حدّثنا عمرٌو بن عبد الحميد، قال: حدّثنا مروان بن معاوية، قال: حدّثنا جويبرٌ، عن الضّحّاك: وجفانٍ كالجواب قال: كحياض الإبل من العظم.
وقوله: {وقدورٍ راسياتٍ} يقول: وقدورٍ ثابتاتٍ لا يحرّكن عن أماكنهنّ، ولا يحوّلن لعظمهنّ.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {وقدورٍ راسياتٍ} قال: عظامٌ.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة {وقدورٍ راسياتٍ} أي: ثابتاتٍ لا يزلن عن أماكنهنّ، كنّ يرين بأرض اليمن.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: أخبرنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك يقول في قوله: {وقدورٍ راسياتٍ} قدورٍ عظامٍ ثابتاتٍ في الأرض لا يزلن عن أمكنتهنّ.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وقدورٍ راسياتٍ} قال: مثال الجبال من عظمها، يعمل فيها الطّعام من الكبر والعظم، لا تحرّك، ولا تنقل، كما قال للجبال: راسياتٍ.
وقوله: {اعملوا آل داود شكرًا} يقول تعالى ذكره: وقلنا لهم اعملوا بطاعة اللّه يا آل داود شكرًا له على ما أنعم عليكم من النّعم الّتي خصّكم بها عن سائر خلقه مع الشّكر له على سائر نعمه الّتي عمّكم بها مع سائر خلقه؛ وترك ذكر (وقلنا لهم) اكتفاءً بدلالة الكلام عليه، كما ترك ذكر: (وسخّرنا) في قوله: {ولسليمان الرّيح} استغناءً بدلالة ما ذكر من الكلام على ما ترك منه، وأخرج قوله: {شكرًا} مصدرًا من قوله {اعملوا آل داود} لأنّ معنى قوله {اعملوا} اشكروا ربّكم بطاعتكم إيّاه، وأنّ العمل بالّذي رضي اللّه، للّه شكرٌ.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك، قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، قال: حدّثنا موسى بن عبيدة، عن محمّد بن كعبٍ، قوله: {اعملوا آل داود شكرًا} قال: الشّكر: تقوى اللّه، والعمل بطاعته.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني حيوة، عن زهرة بن معبدٍ، أنّه سمع أبا عبد الرّحمن الحبليّ، يقول: {اعملوا آل داود شكرًا}: الصّلاة شكرٌ، والصيام شكرٌ، وكلّ خيرٍ تعمله للّه شكرٌ، وأفضل الشّكر الحمد.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله {اعملوا آل داود شكرًا} قال: فيما أعطاكم وعلّمكم وسخّر لكم ما لم يسخّر لغيركم، وعلّمكم منطق الطّير، اشكروا له يا آل داود، قال: الحمد طرفٌ من الشّكر.
وقوله: {وقليلٌ من عبادي الشّكور} يقول تعالى ذكره: وقليلٌ من عبادي المخلصو توحيدي، والمفردو طاعتي وشكري على نعمتي عليهم.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وقليلٌ من عبادي الشّكور} يقول: قليلٌ من عبادي الموحّدون توحيدهم). [جامع البيان: 19/230-236]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيمنا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد يعملون له ما يشاء من محاريب قال المحاريب بنيان دون القصور والتماثيل من النحاس وجفان كالجواب يعني كحياض الإبل وقدور راسيات يعني العظام). [تفسير مجاهد: 524]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور.
أخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله {يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل} قال: من شبه ورخام). [الدر المنثور: 12/173]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {من محاريب} قال: بنيان دون القصور {وتماثيل} قال: من نحاس {وجفان} قال: صحاف كالجوابي قال: الجفنة مثل الجوبة من الأرض {وقدور راسيات} قال: عظام). [الدر المنثور: 12/173]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن عطية رضي الله عنه في الآية قال المحاريب القصور، والتماثيل الصور {وجفان كالجواب} قال: كالجوبة من الأرض). [الدر المنثور: 12/173]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله {من محاريب} قال: قصور ومساجد {وتماثيل} قال: من رخام وشبه {وجفان كالجواب} كالحياض {وقدور راسيات} قال: ثابتات لا يزلن عن مكانهن كن يرين بأرض اليمن). [الدر المنثور: 12/174]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {وتماثيل} قال: اتخذ سليمان عليه السلام تماثيل من نحاس فقال: يا رب انفخ فيها الروح فانها أقوى على الخدمة فنفخ الله فيها الروح فكانت تخدمه وكان اسفيديار من بقاياهم فقيل لداود عليه السلام {اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور} ). [الدر المنثور: 12/174]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي شيبه، وابن المنذر عن الضحاك رضي الله عنه في قوله {من محاريب} قال: المساجد {وتماثيل} قال: الصور {وجفان كالجواب} قال: كحياض الإبل العظام {وقدور راسيات} قال: قدرو عظام كانوا ينحتونها من الجبال). [الدر المنثور: 12/174]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {وجفان كالجواب} قال: كالجوبة من الأرض {وقدور راسيات} قال: أثافيها منها). [الدر المنثور: 12/175]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطستي عن ابن عباس رضي الله عنهما ان نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله {وجفان كالجواب} قال: كالحياض الواسعة تسع الجفنة الجزور قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم، أما سمعت طرفة بن العبد وهو يقول:
كالجوابي لا هي مترعة * لقرى الأضياف أو للمحتضر
وقال أيضا:
يجبر المجروب فينا ماله * بقباب وجفان وخدم). [الدر المنثور: 12/175]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن الحسن رضي الله عنه {وجفان كالجواب} قال: كالحياض {وقدور راسيات} قال: القدور العظام التي لا تحول من مكانها). [الدر المنثور: 12/175-176]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد عن سعيد بن جبير رضي الله عنه {وقدور راسيات} قال: عظام تفرغ افراغا). [الدر المنثور: 12/176]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {اعملوا آل داود شكرا} قال: إعملوا شكرا لله على ما أنعم به عليكم). [الدر المنثور: 12/176]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البيهقي في شعب الايمان عن ابن شهاب في قوله {اعملوا آل داود شكرا} قال: قولوا الحمد لله). [الدر المنثور: 12/176]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبه وأحمد في الزهد، وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الايمان عن ثابت البناني رضي الله عنه قال: بلغنا ان داود عليه السلام جزأ الصلاة على بيوته على نسائه وولده فلم تكن تأتي ساعة من الليل والنهار إلا وانسان قائم من آل داود يصلي فعمتهم هذه الآية {اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور} ). [الدر المنثور: 12/176]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه قال: قال داود لسليمان عليهما السلام: قد ذكر الله الشكر فاكفني قيام النهار أكفك قيام الليل، قال: لا أستطيع قال: فاكفني صلاة النهار، فكفاه). [الدر المنثور: 12/176]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي رضي الله عنه قال: الشكر تقوى الله والعمل بطاعته). [الدر المنثور: 12/177]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن الفضيل رضي الله عنه قال: قال داود عليه السلام: يا رب كيف أشكرك والشكر نعمة منك قال: الآن شكرتني حين علمت أن النعم مني). [الدر المنثور: 12/177]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد بن حنبل في الزهد، وابن المنذر والبيهقي في شعب الايمان عن المغيرة بن عتبة قال: قال داود عليه السلام: يا رب هل بات أحد من خلقك الليلة أطول ذكرا لك مني فأوحى الله اليه: نعم، الضفدع وأنزل الله تعالى على داود عليه السلام: يا رب كيف أطيق شكرك وأنت الذي تنعم علي ثم ترزقني على النعمة الشكر، فالنعمة منك والشكر منك فكيف أطيق شكرك قال: يا داود الآن عرفتني حق معرفتي). [الدر المنثور: 12/177]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد في الزهد، وابن أبي حاتم في كتاب الشكر والبيهقي في شعب الايمان عن أبي الجلد رضي الله عنه قال: قرأت في مساءلة داود عليه السلام انه قال: اي رب كيف لي أن أشكرك وأنا لا أصل إلى شكرك إلا بنعمتك قال: فأتاه الوحي: ان يا داود أليس تعلم ان الذي بك من النعم مني قال: بلى يا رب . قال: فإني أرضى بذلك منك شكرا). [الدر المنثور: 12/177-178]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن الحسن قال: قال داود عليه السلام: الهي لو أن لكل شعرة مني لسانين يسبحانك الليل والنهار والدهر كله ما قضيت حق نعمة واحدة من نعمك علي). [الدر المنثور: 12/178]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن السدي رضي الله عنه في قوله {اعملوا آل داود شكرا} قال: لم ينفك منهم مصل). [الدر المنثور: 12/178]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي في شعب الايمان عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: لما قيل لهم {اعملوا آل داود شكرا} لم يأت على القوم ساعة إلا ومنهم يصلي). [الدر المنثور: 12/178]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن عطاء بن يسار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب الناس على المنبر وقرأ هذه الآية {اعملوا آل داود شكرا} قال: ثلاث من أوتيهن فقد أوتي ما أوتي آل داود قيل: وما هن يا رسول الله قال: العدل في الغضب والرضا والقصد في الفقر والغنى وذكر الله في السر والعلانية، وأخرجه ابن مردويه من طريق عطاء بن يسار عن حفصة رضي الله عنها مرفوعا به وأخرجه الحكيم الترمذي من طريق عطاء بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه.
مرفوعا به، وأخرجه ابن النجار في تاريخه من طريق عطاء بن يسار عن أبي ذر رضي الله عنه، مرفوعا به، وقال خشية الله في السر والعلانية والله أعلم). [الدر المنثور: 12/178-179]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {وقليل من عبادي الشكور} يقول: قليل من عبادي الموحدين توحيدهم). [الدر المنثور: 12/179]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبه، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن إبراهيم التيمي رضي الله عنه قال: قال رجل عند عمر رضي الله عنه: اللهم اجعلني من القليل، فقال عمر رضي الله عنه: ما هذا الدعاء الذي تدعو به قال: اني سمعت الله يقول {وقليل من عبادي الشكور} فأنا أدعوا الله أن يجعلني من ذلك القليل فقال عمر رضي الله عنه: كل الناس أعلم من عمر). [الدر المنثور: 12/179]

تفسير قوله تعالى: (فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ (14) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تأكل منسأته قال هي العصا). [تفسير عبد الرزاق: 2/128]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (معمر عن أيوب عن عكرمة أنها كانت تنبت في مسجد سليمان بن داود كل يوم شجرة فيسألها لأي شيء تصلحين فتقول لكذا وكذا فيأخذ بها لذلك قال فنبتت يوما في مسجده شجرة فقال ما أنت قالت أنا الخروبة قال ما أراك تنبت إلا على خراب بيت المقدس وما كان الله ليخربه وأنا حي ثم لبس ثيابه وسأل الله أن يعمي موته على الجن حولا فاعتمد على عصاه فقبض وهو كذلك فأكلت دابة الأرض وهي الأرضة عصاه بعد حول فخر فـ{تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين} قال وفي بعض الحروف (تبينت الإنس أن لو كان الجن يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين)). [تفسير عبد الرزاق: 2/128]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة قال كانت الجن تخبر الإنس أنهم يعلمون الغيب فذلك قول الله عز و جل تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين). [تفسير عبد الرزاق: 2/128]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا يوسف بن عديٍّ، قال: ثنا رشدين بن سعدٍ، عن يونس بن يزيد، عن عطاءٍ الخراساني في قوله: {منسأته} قال: عصاه). [جزء تفسير عطاء الخراساني: 89]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فلمّا قضينا عليه الموت ما دلّهم على موته إلاّ دابّة الأرض تأكل منسأته فلمّا خرّ تبيّنت الجنّ أن لّو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين}.
قال أبو جعفرٍ رحمه اللّه: يقول تعالى ذكره: فلمّا أمضينا قضاءنا على سليمان بالموت فمات {ما دلّهم على موته} يقول: لم يدلّ الجنّ على موت سليمان {إلاّ دابّة الأرض} وهي الأرضة وقعت في عصاه، الّتي كان متّكئًا عليها فأكلتها، فذلك قول اللّه عزّ وجلّ {تأكل منسأته}.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني ابن المثنّى، وعليٌّ، قالا: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {إلاّ دابّة الأرض تأكل منسأته} يقول: الأرضة تأكل عصاه.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله {تأكل منسأته} قال: عصاه.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثني أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {إلاّ دابّة الأرض} قال: الأرضة {تأكل منسأته} قال: عصاه.
- حدّثني محمّد بن عمارة، قال: حدّثنا عبيد اللّه بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ {تأكل منسأته} قال: عصاه.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا ابن عثمة، قال: حدّثنا سعيد بن بشيرٍ، عن قتادة، في قوله: {تأكل منسأته} قال: عصاه.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {تأكل منسأته} قال: أكلت عصاه حتّى خرّ.
- حدّثنا موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: المنسأة: العصا بلسان الحبشة.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: المنسأة: العصا.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {منسأته} فقرأ ذلك عامّة قرّاء أهل المدينة وبعض أهل البصرة: (منساته) غير مهموزةٍ؛ وزعم من اعتلّ لقارئ ذلك كذلك من أهل البصرة أنّ المنساة: العصا، وأنّ أصلها من نسأت بها الغنم، قال: وهي من الهمز الّذي تركته العرب، كما تركوا همز النّبيّ والبريّة والخابية، وأنشد لترك الهمز في ذلك بيتًا لبعض الشّعراء:
إذا دببت على المنساة من كبرٍ = فقد تباعد عنك اللّهو والغزل
وذكر الفرّاء عن أبي جعفرٍ الرّواسيّ، أنّه سأل عنها أبا عمرٍو، فقال: (منسأته) بغير همزٍ.
وقرأ ذلك عامّة قرّاء الكوفة: {منسأته} بالهمز، وكأنّهم وجّهوا ذلك إلى أنّها مفعلةٌ، من نسأت البعير: إذا زجرته ليزداد سيره، كما يقال: نسأت اللّبن: إذا صببت عليه الماء، وهو النّسيء. وكما يقال: نسأ اللّه في أجلك أي زاد اللّه في أيّام حياتك.
قال أبو جعفرٍ: وهما قراءتان قد قرأ بكلّ واحدةٍ منهما علماء من القرّاء بمعنًى واحدٍ، فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيبٌ، وإن كنت أختار الهمز فيها؛ لأنّه الأصل.
وقوله: {فلمّا خرّ تبيّنت الجنّ} يقول عزّ وجلّ: فلمّا خرّ سليمان ساقطًا بانكسار منسأته تبيّنت الجنّ {أن لو كانوا يعلمون الغيب} الّذي يدّعون علمه {ما لبثوا في العذاب المهين} يعني: المذلّ من عذّب به، وكان العذاب الّذين عذّبوا به مكثهم في الخدمة حولاً كاملاً بعد موت سليمان، وهم يحسبون أنّ سليمان حيٌّ.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أحمد بن منصورٍ، قال: حدّثنا موسى بن مسعودٍ أبو حذيفة، قال: حدّثنا إبراهيم بن طهمان، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: وكان سليمان نبيّ اللّه إذا صلّى رأى شجرةً نابتةً بين يديه، فيقول لها: ما اسمك؟ فتقول: كذا وكذا، فيقول: لأيّ شيءٍ أنت؟ فإن كانت لغرسٍ غرست، وإن كانت لدواءٍ كتبت، فبينما هو يصلّي ذات يومٍ، إذ رأى شجرةً بين يديه، فقال لها: ما اسمك؟ قالت: الخرّوب، قال: لأيّ شيءٍ أنت؟ قالت: لخراب هذا البيت، فقال سليمان: اللّهمّ عمّ على الجنّ موتي حتّى يعلم الإنس أنّ الجنّ لا يعلمون الغيب، فنحتها عصا فتوكّأ عليها حولاً ميّتًا، والجنّ تعمل، فأكلتها الأرضة، فسقط، فتبيّنت الإنس أنّ الجنّ لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا حولاً في العذاب المهين قال: وكان ابن عبّاسٍ يقرؤها كذلك، قال: فشكرت الجنّ للأرضة، فكانت تأتيها.
- حدّثنا موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، في خبرٍ ذكره عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، وعن مرّة الهمدانيّ، عن ابن مسعودٍ، وعن أناسٍ، من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: كان سليمان يتجرّد في بيت المقدس السّنّة والسّنتين، والشّهر والشّهرين، وأقلّ من ذلك وأكثر، يدخل طعامه وشرابه، فدخله في المرّة الّتي مات فيها، فكان بدء ذلك أنّه لم يكن يومٌ يصبح فيه، إلاّ تنبت في بيت المقدس شجرةٌ، فيأتيها فيسألها ما اسمك؟ فتقول الشّجرة: اسمي كذا وكذا، فيقول لها: لأيّ شيءٍ نبتّ؟ فتقول: نبتّ لكذا وكذا، فيأمر بها فتقطع، فإن كانت نبتت لغرسٍ غرسها، وإن كانت نبتت لدواءٍ، قالت: نبتّ دواءً لكذا وكذا، فيجعلها كذلك، حتّى نبتت شجرةٌ يقال لها الخرّوبة، فسألها: ما اسمك؟ فقالت له: أنا الخرّوبة، فقال: لأيّ شيءٍ نبتّ؟ قالت: لخراب هذا المسجد؛ قال سليمان: ما كان اللّه ليخربه وأنا حيٌّ، أنت الّتي على وجهك هلاكي وخراب بيت المقدس، فنزعها وغرسها في حائطٍ له، ثمّ دخل المحراب، فقام يصلّي متّكئًا على عصاه، فمات ولا تعلم به الشّياطين في ذلك، وهم يعملون له يخافون أن يخرج فيعاقبهم؛ وكانت الشّياطين تجتمع حول المحراب، وكان المحراب له كوًى بين يديه وخلفه، وكان الشّيطان الّذي يريد أن يخلع يقول: ألست جليدًا إن دخلت فخرجت من الجانب الآخر؛ فيدخل حتّى يخرج من الجانب الآخر فدخل شيطان من أولئك فمرّ، ولم يكن شيطان ينظر إلى سليمان في المحراب إلاّ احترق، فمرّ ولم يسمع صوت سليمان عليه السّلام، ثمّ رجع فلم يسمع، ثمّ رجع فوقع في البيت فلم يحترق، ونظر إلى سليمان قد سقط فخرج فأخبر النّاس أنّ سليمان قد مات، ففتحوا عنه فأخرجوه ووجدوا منسأته، وهي العصا بلسان الحبشة، قد أكلتها الأرضة، ولم يعلموا منذ كم مات، فوضعوا الأرضة على العصا، فأكلت منها يومًا وليلةً، ثمّ حسبوا على ذلك النّحو، فوجدوه قد مات منذ سنةٍ وهي في قراءة ابن مسعودٍ: (فمكثوا يدأبون له من بعد موته حولاً كاملاً) فأيقن النّاس عند ذلك أنّ الجنّ كانوا يكذبونهم، ولو أنّهم علموا الغيب لعلموا بموت سليمان، ولم يلبثوا في العذاب سنةً يعملون له، وذلك قول اللّه: {ما دلّهم على موته إلاّ دابّة الأرض تأكل منسأته فلمّا خرّ تبيّنت الجنّ أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين} يقول: تبيّن أمرهم للنّاس أنّهم كانوا يكذّبونهم، ثمّ إنّ الشّياطين قالوا للأرضة: لو كنت تأكلين الطّعام أتيناك بأطيب الطّعام، ولو كنت تشربين الشّراب سقيناك أطيب الشّراب، ولكنّا سننقل إليك الماء والطّين، فالّذي يكون في جوف الخشب، فهو ما تأتيها به الشّياطين شكرًا لها.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: كانت الجنّ تخبر الإنس أنّهم كانوا يعلمون من الغيب أشياء، وأنّهم يعلمون ما في غدٍ، فابتلوا بموت سليمان، فمات، فلبث سنةً على عصاه وهم لا يشعرون بموته، وهم مسخّرون تلك السّنة يعملون دائبين {فلمّا خرّ تبيّنت الجنّ} وفي بعض القراءة: (فلمّا خرّ تبيّنت الإنس أنّ الجنّ لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين) ولقد لبثوا يدأبون، ويعملون له حولاً.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ما دلّهم على موته إلاّ دابّة الأرض تأكل منسأته} قال: قال سليمان لملك الموت: يا ملك الموت، إذا أمرت بي فأعلمني؛ قال: فأتاه فقال: يا سليمان، قد أمرت بك، قد بقيت لك سويعةٌ، فدعا الشّياطين فبنوا عليه صرحًا من قوارير، ليس له بابٌ، فقام يصلّي، واتّكأ على عصاه؛ قال: فدخل عليه ملك الموت فقبض روحه وهو متّكئٌ على عصاه؛ ولم يصنع ذلك فرارًا من ملك الموت، قال: والجنّ تعمل بين يديه، وينظرون إليه، يحسبون أنّه حيٌّ، قال: فبعث اللّه دابّة الأرض، قال: دابّةٌ تأكل العيدان يقال لها القادح، فدخلت فيها فأكلتها، حتّى إذا أكلت جوف العصا، ضعفت وثقل عليها، فخر ميّتًا، قال: فلمّا رأت الجنّ ذلك، انفضّوا وذهبوا، قال: فذلك قوله: {ما دلّهم على موته إلاّ دابّة الأرض تأكل منسأته} قال: والمنسأة: العصا.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن عطاءٍ، قال: كان سليمان بن داود يصلّي، فمات وهو قائمٌ يصلّي والجنّ يعملون لا يعلمون بموته، حتّى أكلت الأرضة عصاه، فخرّ.
و(أن) في قوله: {أن لو كانوا} في موضع رفعٍ بتبيّن، لأنّ معنى الكلام: فلمّا خرّ تبيّن وانكشف أن لو كان الجنّ يعلمون الغيب، ما لبثوا في العذاب المهين.
وأمّا على التّأويل الّذي تأوّله ابن عبّاسٍ من أنّ معناه: تبيّنت الإنس الجنّ، فإنّه ينبغي أن يكون في موضع نصبٍ بتكريرها على الجنّ، وكذلك يجب على هذه القراءة أن تكون الجنّ منصوبةً، غير أنّي لا أعلم أحدًا من قرّاء الأمصار يقرأ ذلك بنصب الجنّ، ولو نصب كان في قوله {تبيّنت} ضميرٌ من ذكر الإنس). [جامع البيان: 19/237-244]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيمنا آدم ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله دآبة الأرض قال هي الأرضة تأكل منسأته يعني عصاه). [تفسير مجاهد: 524]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: فلما قضينا عليه بالموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين.
أخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه قال: كان سليمان عليه السلام يخلو في بيت المقدس السنة والسنتين والشهر والشهرين وأقل من ذلك وأكثر ويدخل طعامه وشرابه فأدخله في المرة التي مات فيها وكان بدء ذلك انه لم يكن يوما يصبح فيه إلا نبتت في بيت المقدس شجرة فيأتيها فيسالها ما اسمك فتقول: الشجرة اسمي كذا وكذا، فيقول لها: لأي شيء نبت فتقول: نبت لكذا وكذا، فيأمر بها فتقطع، فان كانت نبتت لغرس غرسها وان كانت نبتت دواء قالت: نبت دواء لكذا وكذا، فيجعلها لذلك حتى نبتت شجرة يقال لها الخرنوبة قال لها: لأي شيء نبت قالت: نبت لخراب هذا المسجد فقال سليمان عليه السلام: ما كان الله ليخربه وأنا حي أنت الذي على وجهك هلاكي وخراب بيت المقدس فنزعها فغرسها في حائط له ثم دخل المحراب فقام يصلي متكئا على عصا فمات ولا تعلم به الشياطين في ذلك وهم يعملون له مخافة أن يخرج فيعاقبهم، وكانت الشياطين حول المحراب يجتمعون وكان المحراب له كوا من بين يديه ومن خلفه وكان الشيطان المريد الذي يريد ان يخلع يقول: ألست جليدا ان دخلت فخرجت من ذلك الجانب فيدخل حتى يخرج من الجانب الآخر فدخل شيطان من أولئك فمر ولم يكن شيطان ينظر إلى سليمان إلا احترق فمر ولم يسمع صوت سليمان ثم رجع فلم يسمع صوته ثم عاد فلم يسمع ثم رجع فوقع في البيت ولم يحترق ونظر إلى سليمان قد سقط ميتا فخرج فأخبر الناس: ان سليمان قد مات ففتحوا عنه فأخرجوه فوجدوا منسأته - وهي العصا بلسان الحبشة - قد أكلتها الارضة ولم يعلموا منذ كم مات فوضعوا الارضة على العصا فأكلت منها يوم وليلة ثم حسبوا على نحو ذلك فوجدوه قد مات منذ سنة، وهي في قراءة ابن مسعود (فمكثوا يدينون له من بعد موته حولا كاملا) فأيقن الناس عند ذلك ان الجن كانوا يكذبون ولو انهم علموا الغيب لعلموا بموت سليمان عليه السلام ولما لبثوا في العذاب سنة يعملون له ولو كنت تشربين أتيناك بأطيب الشراب ولكننا ننقل اليك الطين والماء فهم ينقلون اليها حيث كانت ألم تر إلى الطين الذي يكون في جوف الخشب فهو مما يأتيها الشياطين شكرا لها). [الدر المنثور: 12/180-181]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس {دابة الأرض تأكل منسأته} عصاه). [الدر المنثور: 12/182]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: لبث سليمان عليه السلام على عصاه حولا بعدما مات ثم خر على رأس الحول فأخذت الأنس عصا مثل عصاه ودابة مثل دابته فأرسلوها عليها فأكلتها في سنة، وكان ابن عباس يقرأ (فلما خر تبينت الأنس ان لو كان الجن يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين سنة) قال سفيان: وفي قراءة ابن مسعود (وهم يدأبون له حولا) ). [الدر المنثور: 12/182]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البزار، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والطبراني، وابن السنى في الطب النبوي، وابن مردويه عن ابن عباس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: كان سليمان عليه السلام اذا صلى رأى شجرة نابتة بين يديه فيقول لها: ما أسمك فتقول: كذا وكذا، فان كانت لغرس غرست وان كانت لدواء نبتت، فصلى ذات يوم فاذا شجرة نابتة بين يديه فقال: لها: ما أسمك قالت: الخرنوب، قال: لأي شيء أنت قالت: لخراب هذا البيت فقال سليمان عليه السلام: اللهم عم عن الجن موتي حتى يعلم الأنس، ان الجن لا يعلمون الغيب فأخذ عصا فتوكأ عليها وقبضه الله وهو متكيء فمكث حينا ميتا والجن تعمل فأكلتها الارضة فسقطت فعلموا عند ذلك بموته فتبينت الأنس، ان الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا حولا في العذاب المهين، وكان ابن عباس يقرأها كذلك فشكرت الجن الأرضة فأينما كانت يأتونها بالماء.
وأخرج البزار والحاكم وصححه، وابن مردويه عن ابن عباس، موقوفا). [الدر المنثور: 12/182-183]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الديلمي عن زيد بن أرقم، مرفوعا، يقول الله أني تفضلت على عبادي بثلاث، ألقيت الدابة على الحبة ولولا ذلك لكنزتها الملوك كما يكنزون الذهب والفضة، وألقيت النتن على الجسد ولولا ذلك لم يدفن حبيب حبيبه وأسليت الحزين ولولا ذلك لذهب التسلي). [الدر المنثور: 12/183]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال: كانت الجن تخبر الأنس انهم يعلمون من الغيب أشياء وانهم يعلمون ما في غد فابتلوا بموت سليمان عليه الصلاة والسلام فمات فلبث سنة على عصاه وهم لا يشعرون بموته وهم مسخرون تلك السنة ويعملون دائبين {فلما خر تبينت الجن} وفي بعض القراءة (فلما خر تبينت الأنس أن لو كان الجن يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين) وقد لبثوا يدأبون ويعملون له حولا بعد موته). [الدر المنثور: 12/184]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد من طريق قيس بن سعد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانت الأنس تقول في زمن سليمان عليه السلام: ان الجن تعلم الغيب فلما مات سليمان عليه السلام مكث قائما على عصاه ميتا حولا والجن تعمل بقيامه (فلما خر تبينت الأنس أن لو كان الجن يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين) كان ابن عباس رضي الله عنهما كذلك يقرأها قال قيس بن سعد رضي الله عنه: وهي قراءة أبي بن كعب رضي الله عنه كذلك). [الدر المنثور: 12/184]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه قال: قال سليمان عليه السلام لملك الموت: اذا أمرت بي فاعلمني فأتاه فقال: يا سليمان قد أمرت بك قد بقيت لك سويعة فدعا الشياطين فبنوا عليه صرحا من قوارير ليس عليه باب فقام يصلي فاتكأ على عصاه فدخل عليه ملك الموت عليه السلام فقبض روحه وهو متكيء على عصاه ولم يصنع ذلك فرارا من الموت قال: والجن تعمل بين يديه وينظرون يحسبون انه حي فبعث الله {دابة الأرض} دابة تأكل العيدان يقال لها: القادح فدخلت فيها فأكلتها حتى اذا أكلت جوف العصا ضعفت وثقل عليها فخر ميتا فلما رأت ذلك الجن انفضوا وذهبوا، فذلك قوله {ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته} ). [الدر المنثور: 12/184-185]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن عكرمة رضي الله عنه قال: لما رد الله الخاتم اليه لم يصل صلاة الصبح يوما إلا نظر وراءه فاذا هو بشجرة خضراء تهتز فيقول: يا شجرة أما يأكلنك جن ولا أنس ولا طير ولا هوام ولا بهائم فتقول: اني لم أجعل رزقا لشيء ولكن دواء من كذا، ودواء من كذا، فقام الأنس والجن يقطعونها ويجعلونها في الدواء فصلى الصبح ذات يوم والتفت فاذا بشجرة وراءه قال: ما أنت يا شجرة قالت: أنا الخرنوبة قال: والله ما الخرنوبة إلا خراب بيت المقدس والله لا يخرب ما كنت حيا ولكني أموت فدعا بحنوط فتحنط وتكفن ثم جلس على كرسيه ثم جمع كفيه على طرف عصاه ثم جعلها تحت ذقنه ومات فمكث الجن سنة يحسبون أنه حي وكانت لا ترفع أبصارها اليه وبعث الله الارضة فأكلت طرف العصا فخر منكبا على وجهه فعلمت الجن أنه قد مات، فذلك قوله {تبينت الجن} ولقد كانت الجن تعلم أنها لا تعلم الغيب ولكن في القراءة الأولى (تبينت الأنس أن لو كانت الجن يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين) ). [الدر المنثور: 12/185]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بلغت نصف العصا فتركوها في النصف الباقي فأكلتها في حول فقالوا: مات عام أول). [الدر المنثور: 12/186]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: مكث سليمان بن داود عليه السلام حولا على عصاه متكئا حتى أكلتها الأرضة فخر). [الدر المنثور: 12/186]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {إلا دابة الأرض تأكل منسأته} قال: عصاه). [الدر المنثور: 12/186]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه قال: الارضة أكلت عصاه حتى خر). [الدر المنثور: 12/186]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير رضي الله عنه {تأكل منسأته} قال: العصا). [الدر المنثور: 12/186]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن عكرمة رضي الله عنه أنه سئل عن المنسأة قال: هي العصا وأنشد فيها شعرا قاله عبد المطلب:
أمن أجل حبل لا أبالك صدته * بمنسأة قد جر حبلك أحبلا). [الدر المنثور: 12/186]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن السدي رضي الله عنه قال: المنسأة العصا بلسان الحبشة). [الدر المنثور: 12/186]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 24 جمادى الأولى 1434هـ/4-04-2013م, 09:56 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {ولقد آتينا داود منّا فضلا} [سبأ: 10] النّبوّة.
{يا جبال} [سبأ: 10] قلنا يا جبال.
{أوّبي معه} [سبأ: 10] المعلّى، عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ، قال: سبّحي معه.
{والطّير} [سبأ: 10] وهو قوله: {وسخّرنا مع داود الجبال يسبّحن والطّير} [الأنبياء: 79].
قال: {وألنّا له الحديد} [سبأ: 10] ألانه اللّه له فكان يعمله بلا نارٍ ولا مطرقةٍ، بأصابعه الثّلاث كهيئة الطّين بيده). [تفسير القرآن العظيم: 2/747]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {يا جبال أوّبي معه والطّير...}

اجتمعت القراء الذين يعرفون على تشديد : {أوّبي}, ومعناه: سبّحي, وقرأ بعضهم : {أوبي معه}: من آب يؤوب , أي: تصرّفي معه, و{والطّير}: منصوبة على جهتين: إحداهما أن تنصبها بالفعل بقوله: {ولقد آتينا داوود منّا فضلاً}, وسخّرنا له الطير, فيكون مثل قولك: أطعمته طعاماً وماء، تريد: وسقيته ماءً, فيجوز ذلك, والوجه الآخر بالنداء؛ لأنك إذا قلت: يا عمرو والصلت أقبلا، نصبت الصّلت لأنه إنما يدعى بيا أيّها، فإذا فقدتها كان كالمعدول عن جهته فنصب, وقد يجوز رفعه على أن تيبع ما قبله,.
ويجوز رفعه على: أوّبي أنت والطير, وأنشدني بعض العرب في النداء إذا نصب لفقده يأيّها:
ألا يا عمرو والضحّاك سيرا = فقد جاوزتما خمر الطريق
الخمر: ما سترك من الشجر , وغيرها , وقد يجوز نصب , الضحّاك , ورفعه, وقال الآخر:
= يا طلحة الكامل وابن الكامل =
والنعت يجري في الحرف المنادى، كما يجرى المعطوف: ينصب ويرفع، ألا ترى أنك تقول: إن أخاك قائم وزيد، وإن أخاك قائم وزيدا , فيجرى المعطوف في إنّ بعد الفعل مجرى النعت بعد الفعل.
وقوله: {وألنّا له الحديد}: أسيل له الحديد، فكان يعمل به ما شاء كما يعمل بالطين.). [معاني القرآن: 2/355]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ولقد آتينا داود منّا فضلاً }:أي: أعطينا.
{يا جبال أوّبي معه }: مجازه مجاز المختصر الذي فيه ضمير: وقلنا جبال أوّبى معه، والتأويب أن يبيت في أهله , قال سلامة بن جندل:
يومان يوم مقاماتٍ وأنديةٍ= ويوم سير إلى الأعداء تأويب
أي: رجوع.
{والطّير } نصب من مكانين أحدهما فيما زعم يونس عن أبي عمرو على قوله: {وسخّرنا له الطير }, والآخر على قول النحويين: يا زيد أقبل والصلت، نصب لأنه لا يحسن النداء فيما فيه ألف ولام , فنصب على إعمال ضمير فعل , كأنه قال: وأعنى الصلت.). [مجاز القرآن: 2/143]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({أوبي معه}: سبحي معه وأصله من الرجوع). [غريب القرآن وتفسيره: 305]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {يا جبال أوّبي معه}: أي :سبحي, وأصله: التأويب في السير، وهو: أن تسير النهار كله، وتنزل ليلا, قال ابن مقبل:
لحقنا بحي أوبوا السير بعد ما دفعنا شعاع الشمس، والطرف يجنح

كأنه أراد: أوبي النهار كله بالتسبيح إلى الليل). [تفسير غريب القرآن: 353]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقال: {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} [سبأ: 10] أي سبّحن معه). [تأويل مشكل القرآن: 113] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله تعالى: {ولقد آتينا داوود منّا فضلا يا جبال أوّبي معه والطّير وألنّا له الحديد (10)}


المعنى : فقلنا : يا جبال أوّبي معه، وتقرأ: أوبي معه، على معنى : عودي في التسبيح معه كلما عاد فيه.

ومن قرأ : {أوّبي معه}, فمعناه رجعي معه، يقال: آب , يؤوب إذا رجع، وكل: ومعنى: رجّعي معه سبّحي معه , ورجّعي التسبيح معه.
والطير , والطّير، فالرفع من جهتين.
إحداهما : أن يكون نسقا على ما في: {أوّبي}, المعنى : يا جبال رجّعي التسبيح أنت , والطير، ويجوز : أن يكون مرفوعا عل البدل.
المعنى: يا جبال , ويا أيها الطير : {أوّبي معه}
والنصب من ثلاث جهات:
أن يكون عطفا على قوله: { ولقد آتينا داود منا فضلا والطير }:أي : وسخرنا له الطي, حكى ذلك أبو عبيدة , عن أبي عمرو بن العلاء، ويجوز أن يكون نصبا على النداء.
المعنى: يا جبال أوّبي معه , والطير، كأنّه قال دعونا الجبال والطير، فالطير معطوف على موضع الجبال في الأصل، وكل منادى - عند البصريين كلهم - في موضع نصب.
وقد شرحنا حال المضموم في النداء، وأن المعرفة مبني على الضم.
ويجوز أن يكون " والطير " نصب على معنى " مع " كما تقول: قمت وزيدا، أي قمت مع زيد، فالمعنى : (أوّبي معه) , ومع الطير.
وقوله عز وجل: {وألنّا له الحديد (10) أن اعمل سابغات وقدّر في السّرد واعملوا صالحا إنّي بما تعملون بصير (11)}
أي: جعلناه ليّن.).[معاني القرآن: 4/243]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال أوبي معه}
{يا جبال أوبي معه}: أي: قلنا .
قال سعيد بن جبير , ومجاهد , وقتادة , والضحاك , وأبو ميسرة : (أوبي : أي: سبحي) .
وقرأ الحسن , وابن أبي إسحاق: (أولي معه) .
والمعروف في اللغة : أنه يقال آب يئوب إذا رجع , وعاد , فيكون معنى : أوبي , أي : عودي معه في التسبيح .
و أوبي في كلام العرب على معنيين
أحدهما : على التكثير من أوبي , فيكون معنى : أوبي على هذا : رجعي معه في التسبيح .
الثاني: ويقال أوب إذا سار نهارا , فيكون معنى : أوبي على هذا : سيري معه.
وقوله جل وعز: {وألنا له الحديد}
قال قتادة : ألان الله جل وعز له الحديد , فكان يعمله بغير نار
وقال الأعمش : ألين له الحديد حتى صار مثل الخيوط.).[معاني القرآن: 5/396]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {أوببي}: أي: سبحي.). [ياقوتة الصراط: 413]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {أَوِّبِي}: أي سبحي، وأصله أن يسير بالنهار , وينزل الليل , فكأنها أمرت بالتسبيح بالنهار.). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 195]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {أَوِّبِي}: سبحي.). [العمدة في غريب القرآن: 245]


تفسير قوله تعالى: {أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11)}

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {أن اعمل سابغاتٍ} [سبأ: 11] وهي الدّروع.
{وقدّر في السّرد} [سبأ: 11] تفسير مجاهدٍ: لا تصغّر المسمار، وتعظّم الحلقة فيسلس , ولا تعظّمه وتصغّر الحلقة، فتنقسم الحلقة.
قال يحيى: وبلغنا أنّ لقمان حضر داود عند أوّل درعٍ عملها، فجعل يتفكّر فيما يريد بها، ولا يدري ما يريد بها، فلم يسأله حتّى إذا فرغ منها داود قام فلبسها فقال لقمان: الصّمت حكمةٌ وقليلٌ فاعله.
قال: {واعملوا صالحًا إنّي بما تعملون بصيرٌ {11}). [تفسير القرآن العظيم: 2/748]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله عزّ وجلّ : {أن اعمل سابغاتٍ...}

الدروع .
{وقدّر في السّرد} يقول: لا تجعل مسمار الدرع دقيقاً , فيقلق، ولا غليظاً , فيقصم الحلق.). [معاني القرآن: 2/356]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ أن أعمل سابغات}
أي : دروعاً واسعة طويلة.
{وقدّر في السرد }: يقال: درعٌ مسرودة , أي: مسمورة الحلق، قال أبو ذؤيب:
وعليهما مسرودتان قضاهما= داود أو صنع السوابغ تبّع
مثل: دسار السفينة , ةوهو ما خرز به من كنبارٍ أو ليفٍ, ويقال: دسره بالرمح , إذا طعنه.). [مجاز القرآن: 2/143]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ((السابغات): الدروع الواسعة.
{والسرد}: الثقب). [غريب القرآن وتفسيره: 305]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( (السابغات): الدروع الواسعة.



{وقدّر في السّرد}: أي : في النسج، أي: لا تجعل المسامير دقاقا , فتقلق، ولا غلاظا , فتكسر الحلق. ومنه قيل لصانع حلق الدروع: سراد , وزراد.

تبدل من السين : الزاي، كما يقال: سراط , وزراط.
والسّرد: الخرز أيضا, قال الشماخ:
= كما تابعت سرد العنان الخوارز =
ويقال للإثفي: مسرد , وسراد.). [تفسير غريب القرآن: 353-354]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عز وجل: {وألنّا له الحديد (10) أن اعمل سابغات وقدّر في السّرد واعملوا صالحا إنّي بما تعملون بصير (11)}
أي: جعلناه ليّنا.
وأوّل من عمل الدروع : داود، وكان ما يستجنّ به من الحديد إنما كان قطع حديد نحو هذه الجواشن.
و" أن " ههنا، في تأويل التفسير كأنّه قيل: وألنا له الحديد , أن أعمل سابغات، بمعنى قلنا له: اعمل سابغات، ويكون في معنى لأن يعمل سابغات.
وتصل إن بلفظ الأمر، ومثل هذا من الكلام أرسل إليه أن قم إليّ، أي: قال قم إلى فلان، ويكون بمعنى : أرسل إليه بأن يقوم إلى فلان.
ومعنى {سابغات}: دروع سابغات , فذكر الصفة لأنها تدل على الموصوف، ومعنى السابغ :الذي يغطي كل شيء يكون عليه حتى يفضل.
{وقدّر في السّرد}:السّرد في اللغة تقدمة شيء إلى شيء تأتي به منسّقا بعضه في إثر بعض , متتابعا , فمنه سرد فلان الحديث، وقيل في التفسير: السّرد السّمر , السّتر , والخلق , وقيل : هو أن لا يجعل المسمار غليظاً, والثقب دقيقاً، ولا يجعل المسمار دقيقاً، والثقب واسعاً, فيتقلقل , وينخلع , وينقصف.
قدّر في ذلك : أي:أجعله على القصد , وقدر الحاجة.
والذي جاء في التفسير : غير خارج عن اللغة لأن السّمر تقديمك طرف الحلقة إلى طرفها الآخر، وزعم سيبويه أن قول العرب: رجل سرنديّ : مشتق من السّرد، وذلك أن معناه : الجريء. قال: والجريء الذي يمضي قدما.
وتفسير: {وألنّا له الحديد}: جعلناه ليّنا كالخيوط يطاوعه حتى عمل الدروع). [معاني القرآن: 4/243-245]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {أن اعمل سابغات وقدر في السرد}
قال قتادة : أي: دروعا سابغات .
قال أبو جعفر : يقال : سبغ الثوب , والدرع, وغيرهما إذا غطى كل ما هو عليه, وفضل منه .
ثم قال: {وقدر في السرد}
قال قتادة: السرد المسمار الذي في حلق الدرع
قال أبو جعفر : وقال ابن زيد : السرد: الحلق .
والسرد في اللغة : كل ما عمل متسقا متتابعا , يقرب بعضه من بعض , ومنه سرد الكلام.
قال سيبويه: ومنه : رجل سرندي , أي: جرئ , قال: لأنه يمضي قدماً.
قال أبو جعفر : ومنه قيل للذي يصنع الدروع : زراد, وسراد .
فالمعنى , وهو قول مجاهد : وقدر المسامير في حلق الدرع حتى تكون بمقدار لا يغلظ المسمار , وتضيق الحلقة , فتفصم الحلقة , ولا توسع الحلقة , وتصغر المسمار , وتدقه , فتسلس الحلقة.). [معاني القرآن: 5/396-398]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {السَابِغَاتٍ}: الدروع الواسعات , {السَّرْدِ}: الثقب.). [العمدة في غريب القرآن: 245]


تفسير قوله تعالى: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12) }

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({ولسليمان الرّيح} [سبأ: 12]، أي: وسخّرنا لسليمان الرّيح.
{غدوّها شهرٌ ورواحها شهرٌ} [سبأ: 12] أبو أميّة، عن الحسن، قال: كانت تحمل سليمان الرّيح من إصطخر إلى كابل، ومن الشّام إلى إصطخر.
وحدّثني قرّة بن خالدٍ، عن الحسن، قال: كان يغدو من بيت المقدس، فيقيل إصطخر، فيروح منها فتكون روحته إلى كابل.
وفي تفسير عمرٍو، عن الحسن، قال: كان سليمان إذا أراد أن يركب جاءت الرّيح فوضع سرير مملكته عليها، ووضعت الكراسيّ والمجالس على الرّيح، وجلس على سريره، وجلس وجوه أصحابه على منازلهم في الدّين عنده من الجنّ والإنس، والجنّ يومئذٍ ظاهرةٌ للإنس، رجالٌ أمثال الإنس إلا إنّهم أدمٌ، يحجّون جميعًا ويصلّون جميعًا، ويعتمرون جميعًا، والطّير ترفرف على رأسه ورءوسهم، والشّياطين حرسه لا يتركون أحدًا يتقدّم بين يديه، وهو قوله:
[تفسير القرآن العظيم: 2/748]
{وحشر لسليمان جنوده من الجنّ والإنس والطّير فهم يوزعون} [النمل: 17] فهم يدفعون ألا يتقدّمه منهم أحدٌ.
وقال قتادة: وزعةٌ يرد أولاهم على أخراهم، وهو واحدٌ.
{وأسلنا له عين القطر} [سبأ: 12] المعلّى، عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ، قال: الصّفر سالت له مثل الماء.
قال: {ومن الجنّ من يعمل بين يديه} [سبأ: 12] له تفسير ابن مجاهدٍ، عن أبيه.
{بإذن ربّه} [سبأ: 12] بالسّخرة الّتي سخّرها اللّه له.
قال: {ومن يزغ منهم عن أمرنا} [سبأ: 12] عن طاعة اللّه وعن عبادته.
{نذقه من عذاب السّعير} [سبأ: 12] في الآخرة، ولم يكن يتسخّر منهم، ويستعمل في هذه الأشياء، ولا يصفّد في الأصفاد، أي: ولا يسلسل في السّلاسل منهم إلا الكافر فإذا تابوا فآمنوا حلّهم من تلك الأصفاد.
وقال بعضهم: {نذقه من عذاب السّعير} [سبأ: 12] جعل معه ملكٌ بيده سوطٌ من عذاب السّعير، فإذا خالف سليمان أحدٌ منهم ضربه الملك بذلك السّوط). [تفسير القرآن العظيم: 2/749]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {ولسليمان الرّيح...}

منصوبة على: وسخّرنا لسليمان الريح, وهي منصوبة في الأنبياء : {ولسليمان الرّيح عاصفةً} : أضمر: وسخّرنا - والله أعلم - , وقد رفع عاصم - فيما أعلم -{ولسليمان الرّيح} لمّا لم يظهر التسخير , أنشدني بعض العرب:
ورأيتم لمجاشعٍ نعماً= وبني أبيه جاملٌ رغب
يريد: ورأيتم لبني أبيه، فلمّا لم يظهر الفعل رفع باللام.
وقوله: {غدوّها شهرٌ ورواحها شهرٌ}: يقول: غدوّها إلى انتصاف النهار مسيرة شهر , وروحتها كذلك.
وقوله: {وأسلنا له عين القطر}:مثل : {وألنّا له الحديد}, والقطر: النحاس). [معاني القرآن: 2/356]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ولسليمان الرّيح}: منصوبة، عمل فيها :{ وسخّرنا لسليمان الريح }
{ غدوّها شهرٌ ورواحها شهرٌ }: مجازه مجاز المختصر , المضمر فيه: غدوها , كأنه غدوها مسيرة شهرٍ , ورواحها مسيرة شهر.
{ وأسلنا له عين القطر}: أي : أجرينا , وأذنبنا , أسلنا.). [مجاز القرآن: 2/143]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({وأسلنا له}: أذبنا له). [غريب القرآن وتفسيره: 306]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وأسلنا له}: أذبنا له, يقال: سال الشيء وأسلته, والقطر: النحاس.). [تفسير غريب القرآن: 354]


قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله تعالى: {ولسليمان الرّيح غدوّها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر ومن الجنّ من يعمل بين يديه بإذن ربّه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السّعير (12)}

النصب في الريح هو الوجه , وقراءة أكثر القراء، على معنى : وسخّرنا لسليمان الريح، ويجوز الرفع ,ولسليمان الريح غدوها شهر.
والرفع على معنى ثبتت له الريح، وهو يؤول في المعنى إلى معنى سخرنا الريح، كما أنك إذا قلت: للّه الحمد , فتأويله : استقر لله الحمد، وهو يرجع إلى معنى : أحمد اللّه الحمد.
وقوله: {غدوّها شهر ورواحها شهر}
أي: غدوها مسيرة شهر، وكذلك: رواحها.
وكان سليمان يجلس على سريره هو, وأصحابه فتسير بهم الريح بالغداة : مسيرة شهر، وتسير بالعشي : مسيرة شهر.
{وأسلنا له عين القطر}:القطر : النحاس، وهو الصّفر، فأذيب مذ ذاك , وكان قبل سليمان لا يذوب.
{ومن الجنّ من يعمل بين يديه}:موضع " من " نصب، المعنى : سخرنا له من الجن من يعمل.
ويجوز أن يكون موضع " من " رفعا.
ويكون المعنى فيما أعطيناه : من الجنّ {من يعمل بين يديه بإذن ربه}: أي : بأمر ربّه.
{ومن يزغ منهم عن أمرنا}: أي : من يعدل.).[معاني القرآن: 4/245-246]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وأسلنا له عين القطر}
قال قتادة : أسال الله جل وعز له عينا من نحاس , أي : حتى سالت , وظهرت , فكان يستعملها فيما يريد .
قال الأعمش : سيلت له كما يسيل الماء , وقيل : لم يذب النحاس لأحد قبله.). [معاني القرآن: 5/398]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الْقِطْر}: النحاس.{أَسَلْنَا}: أذبنا.). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 195]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وأَسَلْنَا}: أذبنا , {الْقِطْرِ}: النحاس.). [العمدة في غريب القرآن: 246]


تفسير قوله تعالى: {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13) }

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {يعملون له ما يشاء من محاريب} [سبأ: 13] والمحاريب في تفسير الحسن: المساجد، وفي تفسير مجاهدٍ: دون القصور، وفي تفسير الكلبيّ: المساجد والقصور.
{وتماثيل} [سبأ: 13] الصّور في تفسير الحسن، قال: ولم تكن يومئذٍ محرّمةً، وتفسير مجاهدٍ: أنّها تماثيل من نحاسٍ.
قال: {وجفانٍ} [سبأ: 13] وصحافٍ، في تفسير مجاهدٍ.
{كالجواب} [سبأ: 13]
[تفسير القرآن العظيم: 2/749]
المعلّى، عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ، قال: كالحياض، وهو تفسير الحسن.
قال: {وقدورٍ راسياتٍ} [سبأ: 13] عظامٍ، تفسير مجاهدٍ.
وتفسير السّدّيّ: {راسياتٍ} [سبأ: 13]، يعني: ثابتاتٍ في الأرض، عظامٍ تنقر من الجبال بأثافيّها لا تحوّل عن أماكنها.
حدّثني قرّة بن خالدٍ، عن عطيّة العوفيّ قال: أمر سليمان ببناء بيت المقدس، فقالوا له: زوبعة الشّيطان له عينٌ في جزيرةٍ من البحر يردها كلّ سبعة أيّامٍ يومًا، فأتوها فنزحوها ثمّ صبّوا فيها خمرًا، فجاء لورده، فلمّا أبصر الخمر قال في كلامٍ له: ما علمت أنّك إذا شربك صاحبك لممًا تظهرين عليه عدوّه، في أساجيع له، لا أذوقك اليوم، فذهب ثمّ رجع لظمإٍ آخر، فلمّا
رآها قال كما قال أوّل مرّةٍ، ثمّ ذهب فلم يشرب، حتّى جاء لظمئه لإحدى وعشرين ليلةً، فقال: ما علمت أنّك لتذهبين الهمّ في سجعٍ له، فشرب منها، فسكر فجاءوا إليه فأروه خاتم السّخرة، فانطلق معهم إلى سليمان،
[تفسير القرآن العظيم: 2/750]
فأمرهم بالبناء، فقال زوبعة: دلّوني على بيض الهدهد، فدلّ على عشّه، فأكبّ عليه جمجمةً، يعني: زجاجةً فجاء الهدهد فجعل لا يصل إليه، فانطلق فجاء
بالماس الّذي يثقب به الياقوت، فوضعه عليها فقطّ الزّجاجة نصفين، ثمّ ذهب ليأخذه، فأزعجوه فجاء بالماس إلى سليمان، فجعلوا يستعرضون الجبال كأنّما يخطّون، أي: في نواحيها، في نواحي الجبل في طينٍ.
قال: {اعملوا آل داود شكرًا} [سبأ: 13] قال بعضهم: توحيدًا.
وقال بعضهم: لمّا نزلت لم يزل إنسانٌ منهم قائمًا يصلّي.
قال: {وقليلٌ من عبادي الشّكور} [سبأ: 13]، أي: أقلّ النّاس المؤمن). [تفسير القرآن العظيم: 2/751]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {يعملون له ما يشاء من مّحاريب وتماثيل...}

ذكر : أنها صور الملائكة والأنبياء، كانت تصوّر في المساجد , ليراها الناس , فيزدادوا عبادةً, والمحاريب: المساجد.
وقوله: {وجفانٍ}: وهي القصاع الكبار , {كالجواب}: الحياض التي للإبل .
{وقدورٍ رّاسيات} يقول: عظام لا تنزل عن مواضعها.). [معاني القرآن: 2/356]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ محاريب "} : واحدها: محراب , وهو مقدم : كل مسجد , ومصلى , وبيتٍ , قال وضاح اليمن:
ربّة محرابٍ إذا جئتها= لم ألقها أو أرتقي سلمّا
{ وجفانٍ كالجواب }: واحدتها جابية , وهي الحوض الذي يجيء فيه الماء , قال:
فصبّحت جابيةً صهارجا= كأنه جلد السماء خارجا
{وقدورٍ راسياتٍ}: عظام, ويقال: ثابتات دائمات، قال زهير:
وأين الذين يحضرون جفانه= إذا قدّمت ألقوا عليها المراسيا
أي : أثبتوا عليها.). [مجاز القرآن: 2/144]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ((كالجوابي): الجابية الحوض يجبى فيه أي يجمع فيه.
{راسيات}: ثابتات). [غريب القرآن وتفسيره: 306]
قَالَ عَبْدُاللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنُ قُتَيْبَةَ الدِّينَورِيُّ(ت: 276هـ): ({محاريب}: مساجد.
و{الجوابابي}: الحياض, جمع جابية , قال الشاعر:


تروح على آل المحلق جفنة =كجابية الشيخ العراقي تفهق

{وقدورٍ راسياتٍ}: ثوابت في أماكنها تترك لعظمها , ولا تنقل.
يقال: رسا الشيء - إذا ثبت - فهو يرسو, ومنه قيل : للجبال: رواس.). [تفسير غريب القرآن: 354]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :( ثم بيّن ما كانوا يعملون بين يديه , فقال:{يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داوود شكرا وقليل من عبادي الشّكور (13)}
المحراب: الذي يصلّى فيه، وأشرف موضع في الدار , وفي البيت , يقال له: المحراب.
{وجفان كالجواب}: أكثر القرّاء على الوقف بغير يا , وكان الأصل الوقف بالياء، إلا أن الكسرة تنوب عنها، وكانت بغير ألف ولام الوقف عليها بغير ياء.
تقول: هذه جواب، فأدخلت الألف واللام وترك الكلام على ما كان عليه قبل دخولهما.
والجوابي : جمع جابية، والجابية: الحوض الكبير.
قال الأعشى:
= كجابية السيج العراقي تفهق=
أن يعملوا له جفانه كالحياض العظام التي يجمع فيها الماء.
{وقدور راسيات}: ثابتات.
{اعملوا آل داوود شكرا}
{ شكرا } منتصب على وجهين:
أحدهما : اعملوا للشكر، أي : اشكرواالله على ما آتاكم. ويكون {اعملوا آل داوود شكرا} على معنى : اشكروا شكرا.). [معاني القرآن: 4/246-247]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل}
روى أبو هلال , عن قتادة قال : {محاريب}: (مساجد) , وكذلك قال : الضحاك .
قال مجاهد : (المحاريب دون القصور) .
والمحاريب في اللغة : كل موضع مشرف , أو شريف .
ثم قال جل وعز: {وتماثيل} , قال الضحاك : (أي: صوراً).
قال مجاهد : (تماثيل , أي: من نحاس , ثم قال جل وعز: {وجفان كالجواب وقدور راسيات}).
قال مجاهد : (الجوابي حياض الإبل).
قال أبو جعفر : الجابية في اللغة : الحوض الذي يجبى فيه الشيء , أي: يجمع .
ومنه قول الأعشى:
نفى الذم عن آل المحلق جفنة = كجابية الشيخ العراقي تفهق
ويروي : كجابية الشيح
قال مجاهد : {راسيات }: (أي: عظام) .
وقال سعيد بن جبير : (راسيات تفرغ إفراغا , ولا تحمل).
وقال قتادة :{راسيات} , (أي: ثابتات ).
ثم قال جل وعز: {اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور}
قال عطاء بن يسار : (صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما المنبر فتلا :{اعملوا آل داود شكرا }, فقال :((ثلاث من أوتيهن فقد أوتي مثل ما أوتي آل داود , العدل في الغضب والرضى , والقصد في الفقر والغنى , وخشية الله جل وعز في السر والعلانية .))).
قال مجاهد لما قال الله جل وعز: {اعملوا آل داود شكرا} . (قال داود لسليمان صلى الله عليهما : إن الله جل وعز قد ذكر الشكر , فاكفني صلاة النهار , أكفك صلاة الليل .
قال : لا أقدر
قال : فاكفني )
قال الفاريابي : أراه قال : (إلى صلاة الظهر , قال: نعم ), فكفاه
وقال الزهري:{ اعملوا آل داود شكرا }, (أي: قولوا : الحمد لله) .
وروي , عن عبد الله بن عباس قال: (شكراً على ما أنعم به عليكم).). [معاني القرآن: 2/398-402]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ({من محاريب}: أي: من غرف, {اعملوا آل داود شكرا}: أي: قولوا: لا إله إلا الله.). [ياقوتة الصراط: 414]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مَّحَارِيبَ}: مساجد, {الْجَوَابِي}: الحياض، جمع جابية, {رَّاسِيَاتٍ}: أي : ثوابت , لا تتحرك لعظمها.). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 196]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( (الْجَوَابِي): الحياض.). [العمدة في غريب القرآن: 246]


تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ (14) }َ

قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {فلمّا قضينا عليه الموت} [سبأ: 14] تفسير السّدّيّ: يعني: فلمّا أنزلنا عليه الموت.
قال: {ما دلّهم على موته إلا دابّة الأرض} [سبأ: 14] وهي الأرضة في تفسير مجاهدٍ.
{تأكل منسأته} [سبأ: 14] والمنسأة العصا، في تفسير مجاهدٍ.
ذكره عاصم بن حكيمٍ، والمعلّى بن هلالٍ، وهي بالحبشة.
مكث حولا وهو متوكّئٌ على عصاه، لا يرى الجنّ والإنس إلا أنّه حيٌّ على حاله الأوّل، لتعظم الآية بمنزلة ما أذهب اللّه من عملهم تلك الأربعين اللّيلة الّتي غاب عنها سليمان عن ملكه حيث خلفه ذلك الشّيطان في ملكه، وكان موته فجأةً وهو متوكّئٌ على عصاه حولا لا يعلمون أنّه مات، وذلك أنّ الشّياطين كانت
[تفسير القرآن العظيم: 2/751]
تزعم للإنس أنّهم يعلمون الغيب، فكانوا يعملون له حولا لا
يعلمون أنّه مات.
قال عزّ وجلّ: {فلمّا خرّ} [سبأ: 14] سقط لمّا أكلت الأرضة العصا خرّ سليمان فقال: {فلمّا خرّ تبيّنت الجنّ} [سبأ: 14] للإنس.
{أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين} [سبأ: 14] في تلك السّخرة، في تلك الأعمال في السّلاسل تبيّن للإنس أنّ الجنّ لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين). [تفسير القرآن العظيم: 2/752]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {تأكل منسأته...}

همزها عاصم والأعمش, وهي العصا العظيمة التي تكون مع الراعي: أخذت من نسأت البعير: زجرته , ليزداد سيره؛ كما يقال: نسأت اللبن إذا صببت عليه الماء , وهو النّسيء, ونسئت المرأة إذا حبلت, ونسأ الله في أجلك , أي : زاد الله فيه، ولم يهمزها أهل الحجاز , ولا الحسن, ولعّلهم أرادوا لغة قريش؛ فإنهم يتركون الهمز.
وزعم لي أبو جعفر الرؤاسيّ: أنه سأل عنها أبا عمرٍو , فقال: {منساته} بغير همزٍ، فقال أبو عمرو: لأني لا أعرفها فتركت همزها, ولو جاء في القراءة: من ساته فتجعل (ساةً) حرفاً واحداً فتخفضه بمن.
قال الفراء: وكذلك حدثني حبّان , عن الكلبيّ , عن أبي صالح , عن ابن عبّاس أنه قال: (تأكل من عصاه).
والعرب تسمّي رأس القوس السّية، فيكون من ذلك، يجوز فتحها وكسرها، يعني : فتح السين، كما يقال: إنّ به لضعةً وضعة، وقحة وقحة من الوقاحة , ولم يقرأ بها أحد علمناه.
وقوله: {دابّة الأرض}: الأرضة.
وقوله: {فلمّا خرّ} : سليمان, فيما ذكر أكلت العصا فخرّ, وقد كان الناس يرون أنّ الشياطين تعلم السرّ يكون بين اثنين , فلمّا خرّ تبيّن أمر الجن للإنس أنهم لا يعلمون الغيب، ولو علموه : ما عملوا بين يديه , وهو ميّت. و(أن) في موضع رفعٍ: {تبيّن}.
{أن لو كانوا}, وذكر عن ابن عبّاس أنه قال: (بيّنت الإنس الجن)ّ، ويكون المعنى: تبيّنت الإنس أمر الجن؛ لأن الجن، إذا تبيّن أمرها للإنس , فقد تبيّنها الإنس، ويكون (أن) حينئذٍ في موضع نصب بتبيّنت. فلو قرأ قارئ : تبّينت الجنّ أن لو كانوا بجعل الفعل للإنس , ويضمر هم في فعلهم , فينصب الجنّ يفعل الإنس , وتكون (أن) مكرورة على الجنّ , فتنصبها.). [معاني القرآن: 2/356-357]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({تأكل منسأته }: وهي العصا أوصلها من نسأت بها الغنم وهي من الهمز الذي تركت العرب الهمزة من أسمائها. ينسأ بها الغنم أي يسوقها، قال طرفة بن العبد:
وعنس كألواح الإران نسأتها= على لاحبٍ كأنه ظهر برجد
نسأتها: نسقتها ويهمزون الفعل منها كما تركوا همزة النبي والبرية والخابية وهي من أنبأت ومن برأت وخبأت قال:
إذا دببت على المنساة من كبرٍ= فقد تباعد عنك اللّهو والغزل
وبعضهم يهمزها فيقول منسأة، قال:
أمن أجل حبلٍ لا أباك ضربته= بمنسأةٍ قد جرّ حبلك أحبلا.
{ فلمّا خرّ تبيّنت الجنّ أن لّو كانوا يعلمون الغيب }: مجازه مجاز المختصر الذي فيه ضمير لأن { تبينت } في موضع ": أبانت الجن للناس أن لو كانوا يعلمون الغيب لما كانوا في العذاب , وقد مات سليمان صلى الله عليه ".). [مجاز القرآن: 2/145-146]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({منسأته}: عصاه التي ينسأ بها الغنم. يقال نسأت الغنم إذا سقتها. تهمز ولا تهمز في القراءة). [غريب القرآن وتفسيره: 306]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( (المنسأة): العصا. وهي مفعلة، من نسأت الدابة: إذا سقتها , قال الشاعر:



إذا دببت على المنسأة من كبر= فقد تباعد عنك اللهو والعزل

وقال الآخر:
وعنس كألواح الإران نسأت= ها إذا قيل للمشبوبتين هماهما
{فلمّا خرّ}: سقط، {تبيّنت الجنّ أن لو كانوا يعلمون الغيب}: كان الناس يرون الشياطين تعلم كثيرا من الغيب والسر، فلما خر سليمان , تبينت الجن، أي: ظهر أمرها.
ثم قال: {أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين}.
وقد يجوز أن يكون {تبيّنت الجنّ}: أي : علمت , وظهر لها العجز, وكانت تسترق السمع، وتلبس بذلك على الناس أنها تعلم الغيب، فلما خرّ سليمان زال الشك في أمرها، كأنها أقرت بالعجز.
وفي مصحف عبد اللّه: {تبينت الإنس أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب}.). [تفسير غريب القرآن: 354-355]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله تعالى: {فلمّا قضينا عليه الموت ما دلّهم على موته إلّا دابّة الأرض تأكل منسأته فلمّا خرّ تبيّنت الجنّ أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين (14)}
المنسأة : العصا، وإنما سمّيت منسأة لأنها ينسأ بها , ومعنى : ينسأ بها : يطرد بها, ويؤخر بها، فلما توفي سليمان توفي , وهو متكئ عليها - على عصاه - , فلم يعلم الجنّ بموته حتى أكلت الأرضة العصا حتّى خرّ.
{فلمّا خرّ تبيّنت الجنّ}:موته، المعنى : {أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين}
المعنى : لأنهم لو كانوا يعلمون ما غاب عنهم ما عملوا مسخرين, إنّما عملوا , وهم يظنون أنه حيّ يقف على عملهم.
وقال بعضهم : تبينت الإنس الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب.
ويجوز أن يكون تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب، والجن تتبيّن أنها لا تعلم الغيب، فكانت توهم أنها تعلم الغيب , فتبيّنت أنه قد بأن للناس أنّها لا تعلم، كما تقول للذي يدعي عندك الباطل , إذا تبينت له: قد بينت أن الذي يقول باطل، وهو لم يزل يعلم ذلك , ولكنك أردت أن توبخه , وأن تعلمه أنك قد علمت بطلان قوله.). [معاني القرآن: 4/247]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته}
قال عبد الله بن مسعود : (أقام حولا حتى أكلت الأرضة عصاه , فسقط, فعلم أنه قد مات) .
وقال علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس : (المنسأة: العصا).
قال أبو جعفر : قيل للعصا : منسأة , لأنه يؤخر بها الشيء , ويساق بها , قال طرفة:
أمون كألواح الإران نسأتها = على لاحب كأنه ظهر برجد
وقوله جل وعز: {فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين}
قال قتادة : (كانت الجن تخبر الإنس : أنهم يعلمون الغيب , فلما مات سليمان صلى الله عليه وسلم , ولم تعلم به الجن , تبينت الجن للإنس أنهم لا يعلمون الغيب , وهذا أحسن ما قيل في الآية ).
والمعنى : تبين أمر الجن , ويدل على صحته الحديث المرفوع.
روى إبراهيم بن طهمان , عن عطاء , عن السائب , عن سعيد بن جبير ,عن ابن عباس , عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((كان سليمان نبي الله إذا صلى , رأى شجرة نابتة بين يديه فيسألها: ما اسمك ؟ , فإن كانت لغرس غرست , وإن كانت لدواء كتبت ,.
فبينما هو يصلي ذات يوم , إذا شجرة نابتة بين يديه , فقال : ما اسمك ؟.
فقالت : الخرنوب.
قال : لأي شيء أنت ؟.
قالت: لخراب أهل هذا البيت .
قال : اللهم عم على الجن موتي حتى يعلم الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب , فنحتها عصا , فتوكأ عليها حولا لا يعلمون , فسقطت , فعلمت الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب , فنظروا مقدار ذلك , فوجدوه سنة , فشكرت الجن للأرضة .)).
قال قتادة : وفي مصحف عبد الله بن مسعود :{تبينت الإنس أن لو كان الجن يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين}
ومن قرأ : {تبينت الجن }: أراد: تبينت الإنس الجن.). [معاني القرآن: 5/402-405]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {منسأته}: أي: عصاه, {فلما خر}: أي: سقط.). [ياقوتة الصراط: 414]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {المِنسَأَة}:العصا.
{تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ}: أي: علمت الإنس عجز الجن , وأنها لا تعلم شيئاً، إذ بقيت في السخرة مدة , وسليمان عليه السلام ميت, قيل: معناه تبين الجن في أن لا علم لهم، فظهر للناس قلة علمهم، إذ لم يعلموا بموت سليمان عليه السلام حتى خر, وفي حرف عبد الله بن مسعود رضي الله عنه :{تبينت الأنس أن الجن} .). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 196]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مِنسَأَتَهُ}: عصاه.). [العمدة في غريب القرآن: 246]

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 24 جمادى الأولى 1434هـ/4-04-2013م, 10:03 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (وقال الخليل رحمه الله من قال يا زيد والنضر فنصب فإنما نصب لأن هذا كان من المواضع التي يرد فيها الشيء إلى أصله. فأما العرب فأكثر
ما رأيناهم يقولون يا زيد والنضر. وقرأ الأعرج: (يا جبال أوبي معه والطيرُ) فرفع). [الكتاب: 2/186-187]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (فإن عطفت اسماً فيه ألف ولام على مضاف أو منفرد فإن فيه اختلافاً: أما الخليل، وسيبويه، والمازني فيختارون الرفع، فيقولون: يا زيد، والحارث أقبلا. وقرأ الأعرج: (يا جبال أوبي معه والطيرُ).
وأما أبو عمرو، وعيسى بن عمر، ويونس، وأبو عمر الجرمي فيختارون النصب، وهي قراءة العامة. وحجة من اختار الرفع أن يقول إذا قلت: يا زيد والحارث: فإنما أريد: يا زيد، ويا حارث). [المقتضب: 4/212]

تفسير قوله تعالى: {أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11) }
قالَ يعقوبُ بنُ إسحاقَ ابنِ السِّكِّيتِ البَغْدَادِيُّ (ت: 244هـ) : (ويقال لبس فلان درعه من الحديد فهذه تجمع السابغة والقصيرة فإذا قيل لبس بدنه أو شليله فهي القصيرة التي ليست بسابغة). [إصلاح المنطق: 425]

تفسير قوله تعالى: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12) }
قالَ يعقوبُ بنُ إسحاقَ ابنِ السِّكِّيتِ البَغْدَادِيُّ (ت: 244هـ) : (والقطر النحاس والقطر ضرب من البرود يقال لها القطرية). [إصلاح المنطق: 26] (م)
قالَ يعقوبُ بنُ إسحاقَ ابنِ السِّكِّيتِ البَغْدَادِيُّ (ت: 244هـ) : (والقطر ضرب من البرود والقطر النحاس). [إصلاح المنطق: 34] (م)

تفسير قوله تعالى: {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (هذا باب الجمع المزيد فيه وغير المزيد
أما ما كان من الجمع على مثال مفاعل، ومفاعيل؛ نحو: مصاحف، ومحاريب، وما كان على هذا الوزن؛ نحو: فعالل، وفواعل، وأفاعل، وأفاعيل وكل ما كان مما لم نذكره على سكون هذا وحركته وعدده، فغير منصرف في معرفة ولا نكرة. وإنما امتنع من الصرف فيهما؛ لأنه على مثال لا يكون عليه الواحد، والواحد هو الأصل، فلما باينه هذه المباينة، وتباعد هذا التباعد في النكرة، امتنع من الصرف فيها، وإذا امتنع من الصرف فيها فهو من الصرف في المعرفة أبعد، ويدلك على ذلك قول الله عز وجل: {من محاريب وتماثيل} وقوله: {لهدمت صوامع وبيع وصلواتٌ ومساجد} ). [المقتضب: 3/327]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (
وجفان كالجوابي ملئت = من سمينات الذرى فيها ترع
الجوابي: الحياض الكبار التي يجبى فيها الماء الواحدة جابية والجفان تشبه بالجوابي، قال الله تعالى: (وجفان كالجوابي) وقال الشاعر:
قومي بنو السيد الذين جفانهم = ترع إذا يشتون كالأنضاح
والأنضاح جمع نضح وهو الحوض). [شرح المفضليات: 393]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (
أثافي من خزيمة راسياتٍ = لنا حل المناقب والحرام
ورواها الطوسي: أثافٍ من خزيمة راسيات، قال: وقال أبو عبيدة: يقول نحن إخوة قريش. قال أبو الحسن: وأنشدنا ابن الأعرابي في نحو من هذا:
ونحن خزيمة لم ننتسب = سواه ونحن ولدنا الرسولا
قال: وقوله أثافي أي مجتمعون كالأثافي، والراسيات: الثابتات وقد رست ترسو رسوًا). [شرح المفضليات: 659]
قال أبو عليًّ إسماعيلُ بنُ القاسمِ القَالِي (ت: 356هـ) : (قال الأعشى:
تروح على آل المحلّق جفنةٌ = كجابية الشيخ العراقي تفهق
وكان أبو محرز خلفٌ يروي: كجابية السيح، ويقول: الشيخ تصحيف، والسيح: الماء الذي يسيح على وجه الأرض أي يذهب ويجري، والجابية: الحوض الذي يجبي فيه الماء أي يجمع وجمعها جواب، قال الله عز وجل: {وجفانٍ كالجواب} [سبأ: 13] ). [الأمالي: 2/296]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ (14) }
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (
وعنس كألواج الإران نصأتها = على لاحب كالبرد ذي الحبرات
ورواها الأصمعي: نسأتها
...
نسأتها: زجرتها وسقتها حتى بعدت.
وقال غير الأصمعي: نسأتها: ضربتها بالمنسأة؛ وهي العصا). [شرح ديوان امرئ القيس:588- 589]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (ومما يستحسن لفظه ويستغرب معناه، ويحمد اختصاره قول أعرابي من بني كلاب:

فمن يك لم يغرض فإني ونلقتي = بحجرٍ إلى أهل الحمى غرضان
تحن فتبدي ما بها من صبابة = وأخفي الذي لولا الأسى لقضاني
يريد: لقضى علي، فأخرجه لفصاحة وعلمه بجوهر الكلام أحسن مخرج، قال الله عز وجل: {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} والمعنى إذا كالوا لهم أو وزنوا لهم، ألا ترى" أن" أول الآية {الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ} فهؤلاء أخذوا منهم ثم أعطوهم، وقال الله عز وجل: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً} أي من قومه، وقال الشاعر:
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به = فقد تركت ذا مال وذا نشب
أي أمرتك بالخير، ومن ذلك قول الفرزدق:
ومنا الذي اختير الرجال سماحةً = وجودًا إذا هب الرياح الزعازع
أي من الرجال. فهذا الكلام الفصيح.
وتقول العرب: أقمت ثلاثًا ما أذوقهن طعامًا ولا شرابًا، أي ما أذوق فيهن، وقال الشاعر:
ويومًا شهدناه سليمًا وعامرًا = قليلاً سوى الطعن النهال نوافله
قال أبو الحسن: قوله: "لم يغرض"، أي لم يشتق، يقال: غرضت إلى لقائك، وحننت إلى لقائك، وعطشت إلى لقائك، وجعت إلى لقائك أي اشتقت، أخبرنا بذلك أبو العباس أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي، وأنشدنا عنه:

من ذا رسولٌ ناصحٌ فمبلغٌ = عني علية غير قول الكاذب
أني غرضت إلى تناصف وجهها = غرض المحب إلى الحبيب الغائب
التناصف: الحسن.
وأما قوله: "لقضاني" فإنما يريد: لقضى علي الموت، كما قال الله عز وجل: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ}، فالموت في النية، وهو معلوم بمنزلة ما نطقت به، فلهذا ناسب قوله عز وجل: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ}، وكذلك قوله: {كَالُوهُمْ} فالشيء المكيل معلوم، فهو بمنزلة ما ذكر في اللفظ، ولا يجوز: مررت زيدًا وأنت تريد: مررت بزيد، لأنه لا يتعدى إلا بحرف جر، وذلك أن فعل الفاعل في نفسه، وليس فيه د ليل على المفعول نفسه، وليس هذا بمنزلة ما يتعدى إلى مفعولين، فيتعدى إلى أحدهما بحرف جر، وإلى الآخر بنفسه، لأن قولك: اخترت الرجال زيدًا، قد علم بذكرك "زيدًا" أن حرف الجر محذوف من الأول. فأما قول الشاعر وهو جرير وإنشاد أهل الكوفة له، وهو قوله:
تمرون الديار ولم تعوجوا = كلامكم علي إذًا حرام
ورواية بعضهم له: "أتمضون الديار" فليس بشيء لما ذكرت لك، والسماع الصحيح والقياس المطرد لا تعترض عليه الرواية الشاذة. أخبرنا أبو العباس محمد بن يزيد قال: قرأت على عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير:
مررتم بالديار ولم تعوجوا
فهذا يدلك على أن الرواية مغيرةٌ
فأما قولهم: أقمت ثلاثًا ما أذوقهن طعامًا ولا شرابًا، وقول الراجز:
قد صبحت صبحها السلام = بكبد خالطها سنام
في ساعة يحبها الطعام
يريد في ساعة يحب فيها الطعام، وكذلك الأول، معناه: ما أذوق فيهن، فليس هذا عندي من.باب قوله جل وعلا: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ} إلا في الحذف فقط، وذلك أن ضمير الظرف تجعله العرب مفعولاً على السعه، كقولهم: يوم الجمعة سرته، ومكانكم قمته، وشهر رمضان صمته، فهذا يشبه في السعة في السعة بقوله: زيد ضربته وما أشبه، فهذا بينٌ). [الكامل: 1/46-50] (م)

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 03:08 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 03:09 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري
...

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 03:11 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم ذكر تعالى نعمته على داود وسليمان عليهما السلام احتجاجا على ما منح محمدا صلى الله عليه وسلم، أي: لا تستبعدوا هذا فقد تفضلنا على عبدنا قديما بكذا، فلما فرغ التمثيل لمحمد عليه الصلاة والسلام رجع التمثيل لهم بسبإ وما كان من هلاكهم بالكفر والعتو، والمعنى: قلنا:يا جبال، و"أوبي" معناه: ارجعي معه; لأنه مضاعف آب يؤوب، فقال ابن عباس، وقتادة، وابن زيد، وغيرهم: معناه: سبحي معه، أي: يسبح هو وترجع هي معه التسبيح، أي: ترده بالذكر، ثم ضوعف الفعل للمبالغة، وقيل: معناه: سيري معه; لأن التأويب سير النهار، كان الإنسان يسير بالليل ثم يرجع السير بالنهار، أي يردده، فكأنه يؤوبه، فقيل له: التأويب، ومنه قول الشاعر:
يومان يوم مقامات وأندية ... ويوم سير إلى الأعداء تأويب
ومنه قول ابن مقبل:
لحقنا بحي أوبوا السير بعدما ... دفعنا شعاع الشمس والطرف يجنح
وقال مؤرج: "أوبي": سبحي بلغة الحبشة. وهذا ضعيف غير معروف، وقال وهب بن منبه: المعنى: نوحي معه والطير تساعدك على ذلك، قال: فكان داود عليه السلام إذا نادى بالنياحة والحنين أجابته الجبال وعكفت الطير عليه من فوقه، قال: فمن حينئذ سمع صدى الجبال، وقرأ الحسن، وقتادة، وابن أبي إسحاق: "أوبي" بضم الهمزة وسكون الواو، أي" ارجعي معه، أي في السير أو في التسبيح، وأمر الجبال كما تؤمر الواحدة المؤنثة لأن جميع ما لا يعقل كذلك يؤمر، وكذلك يكنى عنه ويوصف، ومنه المثل "يا خيل الله اركبي"، ومنه مآرب أخرى، وهذا كثير.
وقرأ الأعرج، وعاصم - بخلاف - وجماعة من أهل المدينة: "والطير" بالرفع عطفا على لفظ قوله: "يا جبال"، وقرأ نافع، وابن كثير، والحسن، وابن أبي إسحاق، وأبو جعفر: "والطير" بالنصب، فقيل: ذلك عطف على "فضلا"، وهو مذهب الكسائي، وقال سيبويه: هو على موضع قوله: "يا جبال" لأن موضع المنادى المفرد نصب، وقال أبو عمرو: نصبها بإضمار فعل تقديره: وسخرنا الطير. وقوله: {وألنا له الحديد} معناه: جعلناه لينا، وروى قتادة وغيره أن الحديد كان له كالشمع لا يحتاج في عمله إلى نار، وقيل: أعطاه قوة يثني بها الحديد، وروي أنه لقي ملكا - وداود عليه السلام يظنه إنسانا - وداود متنكر خرج ليسأل الناس عن نفسه في خفاء، فقال داود لذلك الشخص الذي تمثل فيه الملك: ما قولك في هذا الملك داود؟ فقال له الملك: نعم العبد لولا خلة فيه، قال داود: وما هي؟ قال: يرتزق من بيت المال، ولو أكل من عمل يديه لتمت فضائله، فرجع فدعا الله في أن يعلمه صنعة ويسهلها عليه، فعلمه تعالى صنعة اللبوس، وألان له الحديد، فكان - فيما روي - يصنع ما بين يومه وليلته درعا تساوي ألف درهم، حتى ادخر منها كثيرا وتوسعت معيشته، وكان ينفق بيت المال في مصالح المسلمين). [المحرر الوجيز: 7/ 160-162]

تفسير قوله تعالى: {أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {أن اعمل سابغات}، قيل إن "أن" مفسرة لا موضع لها من الإعراب، وقيل: هي في موضع نصب بإسقاط حرف الجر، و"السابغات": الدروع الكاسيات ذوات القفول، قال قتادة: داود عليه السلام أول من صنعها، ودرع الحديد مؤنثة، ودرع المرأة مذكر.
وقوله تعالى: {وقدر في السرد}، اختلف المتأولون، في أي شيء هو التقدير من أشياء السرد؟ إذ السرد هو اتباع الشيء بالشيء من جنسه، قال الشماخ:
كما تابعت سرد العنان الخوارز
ومنه: سرد الحديث، وقيل للدرع: مسرودة لأنها توبعت فيها الحلق بالحلق، ومنه قول الشاعر:
وعليهما مسرودتان قضاهما ... داود أو صنع السوابغ تبع
وقول دريد: في الفارسي المسرد
فقال ابن زيد: التقدير الذي أمر به هو في قدر الحلقة، أي: لا تعملها صغيرة فتضعف ولا تقوى الدرع على الدفاع، ولا كبيرة فينال لابسها من خلالها، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: التقدير الذي أمر به هو المسمار، يريد: قدر المسامير والحلق، حتى لا تدق المسمار فتسلس، ويروى فيسلسل، ولا تغلظه فينقصم، بالقاف - وبالفاء أيضا رواية -، وروى قتادة أن الدروع كانت قبله صفائح فكانت ثقالا، فلذلك أمر هو بالتقدير فيما يجمع بين الخفة والحصانة، أي: قدر ما يأخذ من هذين المعنيين بقسطه، أي: لا تقصد الحصانة فتثقل، ولا الخفة وحدها فيزيل المنعة.
وقوله: {واعملوا صالحا}، لما كان الأمر لداود وآله حكي وإن كان لم يجر لهم ذكر لدلالة المعنى عليهم، ثم توعدهم بقوله: {إني بما تعملون بصير}، أي: لا يخفى علي حسنه من قبيحه، وبحسب ذلك يكون جزائي لكم). [المحرر الوجيز: 7/ 162-164]

تفسير قوله تعالى: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير}
قال الحسن: عقر سليمان عليه السلام الخيل أسفا على ما فوتته من فضل وقت صلاة العصر، فأبدله الله تعالى خيرا منها وأسرع، قرأ الجمهور: "الريح" تجري بالنصب على معنى: ولسليمان سخرنا الريح، وقرأ عاصم - في رواية أبي بكر - والأعرج: "الريح" بالرفع على تقدير: تسخرت الريح، أو على الابتداء، والخبر في المجرور، وذلك على حذف مضاف تقديره: ولسليمان تسخير الريح. وقرأ الحسن: "ولسليمان الرياح"، وكذلك جمع في كل القرآن.
وقوله تعالى: {غدوها شهر ورواحها شهر}، قال قتادة: إنها كانت تقطع به في الغدو إلى قرب الزوال مسيرة شهر، وروي عن الحسن البصري أنه قال: كان يخرج من الشام من مستقره بتدمر التي بنتها له الجن بالصفاح والعمد فيقيل في إصطخر، ويروح منها فيبيت في كابل من أرض خراسان، ونحو هذا، وكانت الأعاصير تقل بساطه وتحمله بعد ذلك الرخاء، وكان هذا البساط يحمل - فيما روي - أربعة آلاف فارس وما يشبهها من الرجال والعدد ويتسع لهم، وروي أكثر من هذا بكثير، ولكن عدم صحته مع بعد شبهه أوجب اختصاره، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ["خير الجيوش أربعة آلاف"] وما كان سليمان ليعدو الخير.
وقرأ ابن أبي عبلة: ["غدوتها شهر وروحتها شهر"]، وكان سليمان عليه السلام إذا أراد قوما لم يشعر به حتى يظلهم في جو السماء.
وقوله تعالى: {وأسلنا له عين القطر}، روي عن ابن عباس، وقتادة أنه كانت تسيل له باليمن عين جارية من نحاس يصنع له منها جميع ما أحب، والقطر: النحاس، وقالت فرقة: القطر: الفلز كله، النحاس والحديد وما جرى مجراه، كان يسيل له منه عيون، وقالت فرقة: بل معنى "وأسلنا له عين القطر": أذبنا له النحاس، على نحو ما كان الحديد يلين لداود، قالوا: وكانت الأعمال تتأتى منه لسليمان وهو بارد دون نار، و"عين" - على هذا التأويل - بمعنى المذاب، وقالوا: لم يلن النحاس ولا ذاب لأحد قبله.
وقوله: {ومن الجن من يعمل} يحتمل أن "من" تكون في موضع نصب على الإتباع لما تقدم بإضمار فعل تقديره: وسخرنا من الجن من يعمل، ويحتمل أن تكون في موضع رفع على الابتداء، والخبر في المجرور، و"يزغ" معناه: يمل، أي ينحرف عاصيا، وقال: عن أمرنا ولم يقل: "عن إرادتنا" لأنه لا يقع في العالم شيء يخالف الإرادة، ويقع ما يخالف الأمر. قال الضحاك: وفي مصحف عبد الله: "ومن يزغ عن أمرنا" بغير "منهم". وقوله: {من عذاب السعير} قيل: عذاب الآخرة، وقيل: بل كان قد وكل بهم ملك وبيده سوط من نار السعير، فمن عصى ضربه فأحرقه). [المحرر الوجيز: 7/ 164-166]

تفسير قوله تعالى: {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور}
المحاريب: الأبنية العالية الشريفة، قال قتادة: القصور والمساجد، وقال ابن زيد: المساكن، والمحراب أشرف موضع في البيت، والمحراب موضع العبادة أشرف ما يكون منه، وغلب عرف الاستعمال في موضع وقوف الإمام لشرفه، ومن هذه اللفظة قول عدي بن زيد:
كدمى العاج في المحاريب أو كال ... بيض في الروض زهره مستنير
والتماثيل، قيل: كانت من زجاج ونحاس، تماثيل أشياء ليست بحيوان، وقال الضحاك: كانت تماثيل حيوان، وكان هذا من الجائز في ذلك الشرع.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ونسخ بشرع محمد صلى الله عليه وسلم.
وقال قوم: حرم التصوير لأن الصور كانت تعبد، وحكى في الهداية أن فرقة كانت تجوز التصوير وتحتج بهذه الآية، وذلك خطأ، وما أحفظ من أئمة العلم من يجوزه.
والجوابي جمع جابية، وهي البركة التي يجيء إليها الماء الذي يجتمع، قال الراجز:
فصبحت جابية صهارجا ... كأنه جلد السماء خارجا
وقال مجاهد: هي جمع جوبة، وهي الحفرة العظيمة في الأرض، وفي هذا نظر، ومنه قول الأعشى:
نفى الذم عن آل المحلق جفنة ... كجابية الشيخ العراقي تفهق
وأنشده الطبري: "تروح على آل المحلق"، ويروى: "السيح" بالسين المهملة، وهو الماء الجاري على وجه الأرض ويروى بالشين والخاء منقوطتين فيقال أراد كسرى ويقال أراد شيخا من فلاحي سواد العراق غير معين وذلك أنه لضعفه يدخر الماء في جابية فهي تفهق أبدا فشبهت الجفنة بها لعظمها وقال مجاهد وقتادة والضحاك وابن زيد: الجوابي الحياض وقرأ نافع وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي كالجواب بغير ياء في الوصل والوقف، وقرأ أبو عمرو، وعيسى بغير ياء في الوقف وياء في الوصل، وقرأ ابن كثير بياء فيهما. ووجه حذف الياء التخفيف والإيجاز، وهذا كحذفهم ذلك من "القاض، والغاز، والهاد"، وأيضا فلما كانت الألف واللام تعاقب التنوين وكانت الياء تحذف مع التنوين وجب أن تحذف مع ما عاقبته، كما يعملون الشيء أبدا عمل نقيضه.
و"راسيات" معناه: ثابتات لكبرها، ليست مما ينقل ولا يحمل، ولا يستطيع عمله إلا الجن، وبالثبوت فسرها الناس. ثم أمروا مع هذه النعم بأن يعملوا بالطاعات.
وقوله: "شكرا" يحتمل أن يكون نصبه على الحال، أي: اعملوا بالطاعات في حال شكر منكم لله على هذه النعم، ويحتمل أن يكون نصبه على جهة المفعول، أي: اعملوا عملا هو الشكر، كأن الصلاة والصيام والعبادات كلها هي نفسها الشكر إذ سدت مسده، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد المنبر فتلا هذه الآية، ثم قال: "ثلاث من أوتيهن فقد أوتي العمل شكرا: العدل في الغضب والرضى، والقصد في الفقر والغنى، وخشية الله في السر والعلانية"، وروي أن داود عليه السلام قال: يا رب كيف أطيق شكرك على نعمك وإلهامي وقدرتي على شكرك نعمة لك؟ فقال: الآن يا داود عرفتني حق معرفتي، وقال ثابت: روي أن مصلى آل داود لم يخل قط من قائم يصلي ليلا ونهارا، كانوا يتناوبونه دائما، وكان سليمان عليه السلام - فيما روي يأكل الشعير، ويطعم أهله الخشكار، ويطعم المساكين الدرمك. وروي أنه ما شبع قط، فقيل له في ذلك فقال: أخاف أن أنسى الجياع.
وقوله تعالى: {وقليل من عبادي الشكور} يحتمل أن تكون مخاطبة لآل داود، ويحتمل أن تكون مخاطبة لآل محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى كل حال ففيها تنبيه وتحريض، وسمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلا يقول: اللهم اجعلني من القليل، فقال له: ما هذا الدعاء؟ فقال: أردت قوله تعالى: {وقليل من عبادي الشكور}، فقال عمر: كل الناس أعلم من عمر.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وقد قال تعالى: {وقليل ما هم}، والقلة أيضا بمعنى الخمول منحة من الله تبارك وتعالى، فلهذا الدعاء محاسن).[المحرر الوجيز: 7/ 166-168]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ (14) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين}
الضمير عائد على سليمان عليه السلام، و"قضينا" بمعنى: أنفذنا وأخرجناه إلى حيز الوجود، وإلا فالقضاء الأخير به متقدم في الأزل، وروي عن ابن عباس، وابن مسعود رضي الله عنهما في قصصهما أن سليمان عليه السلام كان يتعبد في بيت المقدس، وكان ينبت في محرابه كل سنة شجرة، فكان يسألها عن منافعها ومضارها وسائر شأنها فتخبره، ويأمر بها فتقلع فتصرف في منافعها، أو تغرس لتتناسل، فلما كان عند موته خرجت شجرة فقال لها: ما أنت؟ فقالت: أنا الخروب، خرجت لخراب ملكك هذا، فقال: ما كان الله ليخربه وأنا حي، ولكنه لا شك حضور أجلي، فاستعد عليه السلام وغرسها، وصنع منها عصا لنفسه، وجد في عبادته، وجاءه بعد ذلك ملك الموت، فأخبره أنه قد أمر بقبض روحه، وأنه لم يبق له إلا مدة يسيرة، فروي أنه أمر الجن حينئذ فصنعت له قبة من زجاج تشف، وحصل فيها يتعبد، ولم يجعل لها بابا، وتوكأ على عصاه على وضع يتماسك معه وإن مات، ثم توفي صلى الله عليه وسلم على تلك الحالة، وروي أنه استعد في تلك القبة بزاد سنة، وكان الجن يتوهمون أنه يتغذى بالليل، وكانوا لا يقربون من القبة، ولا يدخلون من كوى كانت في أعاليها، ومن رام ذلك منهم احترق قبل الوصول إليها، هذا في المدة التي كان سليمان عليه السلام في القبة، فلما مات بقيت تلك الهيبة على الجن، وروي أن القبة كان لها باب، وأن سليمان أمر بعض أهله بكتمان موته على الجن والإنس، وأن يترك على حاله تلك سنة، وكان غرضه في هذه السنة أن يعمل الجن عملا كان قد بدئ في زمن داود عليه السلام وقدر أنه بقي منه عمل سنة، فأحب الفراغ منه، فلما مضى لموته سنة خر عن عصاه، والعصا قد أكلته الأرض، وهي الدودة التي تأكل العود، فرأت الجن انحداره، فتوهمت موته، فجاء جسور منهم فقرب فلم يحترق، ثم خطر فعاد فقرب أكثر، ثم قرب حتى دخل من بعض تلك الكوى فوجد سليمان ميتا فأخبر بموته، فنظر ذلك الأجل فقدر أنه سنة، وقال بعض الناس: جعلت الأرضة فأكلت يوما وليلة، ثم قيس ذلك بأكلها في العصا فعلم أنها أكلت منذ سنة، فهكذا كانت دلالة دابة الأرض على موته. وللمفسرين: في هذه القصص إكثار عمدته ما ذكرناه. وقال كثير من المفسرين دابة الأرض: سوسة العود، وهي الأرضة. وقرأ ابن عباس، والعباس بن الفضل: "الأرض" بفتح الراء، جمع أرضة، فهذا يقوي ذلك التأويل. وقالت فرقة: دابة الأرض: حيوان من الأرض، شأنه أن يأكل العود، وذلك موجود، وليست السوسة من دواب الأرض. وقالت فرقة منها أبو حاتم اللغوي: "الأرض" هنا مصدر "أرضت الأثواب والخشب" إذا أكلتها الأرضة، كأنه قال: دابة الأكل الذي هو بتلك الصورة، على جهة التسوس.
وفي مصحف عبد الله: "أكلت منسأته"، والمنسأة هي العصا، ومنه قول الشاعر:
إذا دببت على المنساة من كبر ... فقد تباعد عنك اللهو والغزل
وكذا قرأت جماعة من القراء بغير همز، منها أبو عمرو، ونافع، قال أبو عمرو: لا أعرف لها اشتقاقا، فأنا لا أهمزها; لأنها إن كانت مما يهمز فقد احتطت; لأنه لا يجوز لي همز ما لا يهمز، وقال غيره: أصلها الهمز، وهي من المنسأة بهمزة مفتوحة، من: "نسأت الإبل والغنم والناقة" إذا سقتها، ومنه قول طرفة:
أمون كعيدان الإران نسأتها ... على لاحب كأنه ظهر برجد
ويروى: "وعنس" كألواح وخففت همزتها جملة، وكان القياس أن تخفف بين بين، وقرأ باقي السبعة على الأصل بالهمز. وقرأ حمزة: "منساته" بفتح الميم وبغير همز، وقرأت فرقة: "منسأته" بهمزة ساكنة وهذا لا وجه له إلا التخفيف في تسكين المتحرك لغير علة، كما قال امرؤ القيس:
فاليوم أشرب غير مستحقب ... إثما من الله ولا واغل
وقرأت فرقة: "من سأته" بفصل "من" وكسر التاء في " سأته"، وهذه تنحو إلى: سية القوس; لأنه يقال: سية وساة، فكأنه قال: "من سأته" ثم سكن الهمزة، ومعناها: من طرف عصاه، أنزل العصا منزلة القوس.
وقال بعض الناس: إن سليمان عليه السلام لم يمت إلا في سفر مضطجعا، ولكنه كان في بيت مبني عليه، وأكلت الأرضة عتبة الباب حتى خر البيت فعلم موته، وهذا ضعيف.
وقرأ الجمهور: "تبينت الجن" بإسناد الفعل إليها، أي: بان أمرها، كأنه قال: افتضحت الجن، أي للإنس، هذا تأويل ويحتمل أن يكون قوله: {تبينت الجن} بمعنى: علمت الجن وتحققت، ويريد بالجن: جمهورهم والفعلة منهم والخدمة، ويريد بالضمير في "كانوا" رؤساءهم وكبارهم; لأنهم هم الذين يدعون علم الغيب لأتباعهم من الجن والإنس ويوهمونهم ذلك، قاله قتادة، فيتبين الأتباع أن الرؤوس لو كانوا عالمين الغيب ما لبثوا. و"أن" - على التأويل الأول - بدل من "الجن"، وعلى التأويل الثاني مفعولة محضة، وقرأ يعقوب: "تبينت الجن" على الفعل للمجهول، أي: تبينها الناس، و"أن" - على هذه القراءة - بدل، ويجوز أن تكون في موضع نصب بإسقاط حرف الجر، أي: بأن، على هذه القراءة، وعلى التأويل الأول من القراءة الأولى.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
مذهب سيبويه أن "أن" في هذه الآية لا موضع لها من الإعراب، وإنما هي مؤذنة بجواب ما تنزل منزلة القسم من الفعل الذي معناه التحقق واليقين; لأن هذه الأفعال التي هي: تبينت وتحققت وعلمت وتيقنت ونحوها تحل محل القسم في قولك: علمت أن لو قام زيد ما قام عمرو، فكأنك قلت: والله لو قام زيد ما قام عمرو، فقوله: "ما لبثوا" - على هذا القول - جواب ما تنزل منزلة القسم لا جواب "لو"، وعلى الأقوال الأول جواب "لو"، وفي كتاب النحاس إشارة إلى أنه يقرأ بنصب [الجن] أي: تبينت الإنس الجن، والعذاب المهين هو العمل في تلك السخرة، والمعنى أن الجن لو كانت تعلم الغيب لما خفي عليها أمر موت سليمان عليه السلام، وقد ظهر أنه خفي عليها بدوامها في الخدمة الصعبة وهو ميت، فالمهين: المذل، من الهوان. قال الطبري: وفي بعض القراءات ["فلما خر تبينت الإنس أن الجن لو كانوا"]، وحكاها أبو الفتح عن ابن عباس، والضحاك، وعلي بن الحسين، وذكر أبو حاتم أنها كذلك في مصحف ابن مسعود، وأكثر المفسرون في قصص هذه الآية بما لا صحة له، ولا تقتضيه ألفاظ القرآن، وفي معانيه بعد، فاختصرته لذلك).[المحرر الوجيز: 7/ 169-172]

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 04:01 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 04:03 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {ولقد آتينا داوود منّا فضلًا يا جبال أوّبي معه والطّير وألنّا له الحديد (10) أن اعمل سابغاتٍ وقدّر في السّرد واعملوا صالحًا إنّي بما تعملون بصيرٌ (11) }
يخبر تعالى عمّا أنعم به على عبده ورسوله داود، صلوات اللّه وسلامه عليه، ممّا آتاه من الفضل المبين، وجمع له بين النّبوّة والملك المتمكّن، والجنود ذوي العدد والعدد، وما أعطاه ومنحه من الصّوت العظيم، الّذي كان إذا سبح به تسبح معه الجبال الرّاسيات، الصّمّ الشّامخات، وتقف له الطّيور السّارحات، والغاديات والرّائحات، وتجاوبه بأنواع اللّغات. وفي الصّحيح أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سمع صوت أبي موسى الأشعريّ يقرأ من اللّيل، فوقف فاستمع لقراءته، ثمّ قال " لقد أوتي هذا مزمارًا من مزامير آل داود".
وقال أبو عثمان النّهديّ: ما سمعت صوت صنج ولا بربط ولا وتر أحسن من صوت أبي موسى الأشعريّ، رضي اللّه عنه.
ومعنى قوله: {أوّبي} أي: سبّحي. قاله ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، وغير واحدٍ.
وزعم أبو ميسرة أنّه بمعنى سبّحي بلسان الحبشة. وفي هذا نظرٌ، فإنّ التّأويب في اللّغة هو التّرجيع، فأمرت الجبال والطّير أن ترجّع معه بأصواتها.
وقال أبو القاسم عبد الرّحمن بن إسحاق الزّجّاجيّ في كتابه "الجمل" في باب النّداء منه: {يا جبال أوّبي معه} أي: سيري معه بالنّهار كلّه، والتّأويب: سير النّهار كلّه، والإسآد: سير اللّيل كلّه. وهذا لفظه، وهو غريبٌ جدًّا لم أجده لغيره، وإن كان له مساعدةٌ من حيث اللّفظ في اللّغة، لكنّه بعيدٌ في معنى الآية هاهنا. والصّواب أنّ المعنى في قوله تعالى: {أوّبي معه} أي: رجّعي معه مسبّحة معه، كما تقدّم، واللّه أعلم.
وقوله: {وألنّا له الحديد}: قال الحسن البصريّ، وقتادة، والأعمش وغيرهم: كان لا يحتاج أن يدخله نارًا ولا يضربه بمطرقةٍ، بل كان يفتله بيده مثل الخيوط؛ ولهذا قال: {أن اعمل سابغاتٍ} وهي: الدّروع. قال قتادة: وهو أوّل من عملها من الخلق، وإنّما كانت قبل ذلك صفائح.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا عليّ بن الحسين، حدّثنا ابن سماعة، حدّثنا ابن ضمرة، عن ابن شوذب قال: كان داود، عليه السّلام، يرفع في كلّ يومٍ درعًا فيبيعها بستّة آلاف درهمٍ: ألفين له ولأهله، وأربعة آلاف درهمٍ يطعم بها بني إسرائيل خبز الحوّاري.
{وقدّر في السّرد}: هذا إرشادٌ من اللّه لنبيّه داود، عليه السّلام، في تعليمه صنعة الدّروع.
قال مجاهدٌ في قوله: {وقدّر في السّرد}: لا تدقّ المسمار فيقلق في الحلقة، ولا تغلّظه فيفصمها، واجعله بقدرٍ.
وقال الحكم بن عتيبة: لا تغلظه فيفصم، ولا تدقّه فيقلق. وهكذا روي عن قتادة، وغير واحدٍ.
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: السّرد: حلق الحديد. وقال بعضهم: يقال: درعٌ مسرودةٌ: إذا كانت مسمورة الحلق، واستشهد بقول الشّاعر:
وعليهما مسرودتان قضاهما = داود أو صنع السّوابغ تبّع...
وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة داود، عليه والسّلام، من طريق إسحاق بن بشرٍ -وفيه كلامٌ-عن أبي إلياس، عن وهب بن منبه ما مضمونه: أنّ داود، عليه السّلام، كان يخرج متنكّرًا، فيسأل الرّكبان عنه وعن سيرته، فلا يسأل أحدًا إلّا أثنى عليه خيرًا في عبادته وسيرته ومعدلته، صلوات اللّه وسلامه عليه. قال وهبٌ: حتّى بعث اللّه ملكًا في صورة رجلٍ، فلقيه داود فسأله كما كان يسأل غيره، فقال: هو خير النّاس لنفسه ولأمّته، إلّا أنّ فيه خصلةً لو لم تكن فيه كان كاملًا قال: ما هي؟ قال: يأكل ويطعم عياله من مال المسلمين، يعني: بيت المال، فعند ذلك نصب داود، عليه السّلام، إلى ربّه في الدّعاء أن يعلّمه عملًا بيده يستغني به ويغني به عياله، فألان له الحديد، وعلّمه صنعة الدّروع، فعمل الدّرع، وهو أوّل من عملها، فقال اللّه: {أن اعمل سابغاتٍ وقدّر في السّرد} يعني: مسامير الحلق، قال: وكان يعمل الدّرع، فإذا ارتفع من عمله درعٌ باعها، فتصدّق بثلثها، واشترى بثلثها ما يكفيه وعياله، وأمسك الثّلث يتصدّق به يومًا بيومٍ إلى أن يعمل غيرها. وقال: إنّ اللّه أعطى داود شيئًا لم يعطه غيره من حسن الصّوت، إنّه كان إذا قرأ الزّبور تسمع الوحش حتّى يؤخذ بأعناقها وما تنفر، وما صنعت الشّياطين المزامير والبرابط والصّنوج إلّا على أصناف صوته. وكان شديد الاجتهاد، وكان إذا افتتح الزّبور بالقراءة كأنّما ينفخ في المزامير، وكأن قد أعطي سبعين مزمارًا في حلقه.
وقوله: {واعملوا صالحًا} أي: في الّذي أعطاكم اللّه من النّعم، {إنّي بما تعملون بصيرٌ} أي: مراقبٌ لكم، بصيرٌ بأعمالكم وأقوالكم، لا يخفى عليّ من ذلك شيءٌ). [تفسير ابن كثير: 6/ 497-498]

تفسير قوله تعالى: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {ولسليمان الرّيح غدوّها شهرٌ ورواحها شهرٌ وأسلنا له عين القطر ومن الجنّ من يعمل بين يديه بإذن ربّه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السّعير (12) يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفانٍ كالجواب وقدورٍ راسياتٍ اعملوا آل داوود شكرًا وقليلٌ من عبادي الشّكور (13) }
لـمّا ذكر تعالى ما أنعم به على داود، عطف بذكر ما أعطى ابنه سليمان، من تسخير الرّيح له تحمل بساطه، غدوّها شهرٌ ورواحها شهرٌ.
قال الحسن البصريّ: كان يغدو على بساطه من دمشق فينزل بإصطخر يتغذّى بها، ويذهب رائحًا من إصطخر فيبيت بكابل، وبين دمشق وإصطخر شهرٌ كاملٌ للمسرع، وبين إصطخر وكابل شهرٌ كاملٌ للمسرع.
وقوله: {وأسلنا له عين القطر} قال ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، وعكرمة، وعطاءٌ الخراسانيّ، وقتادة، والسّدّيّ، ومالكٌ عن زيد بن أسلم، و عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم، وغير واحدٍ: القطر: النّحاس. قال قتادة: وكانت باليمن، فكلّ ما يصنع النّاس ممّا أخرج اللّه تعالى لسليمان، عليه السّلام.
قال السّدّيّ: وإنّما أسيلت له ثلاثة أيّامٍ.
وقوله: {ومن الجنّ من يعمل بين يديه بإذن ربّه} أي: وسخّرنا له الجنّ يعملون بين يديه بإذن اللّه، أي: بقدره، وتسخيره لهم بمشيئته ما يشاء من البنايات وغير ذلك. {ومن يزغ منهم عن أمرنا} أي: ومن يعدل ويخرج منهم عن الطّاعة {نذقه من عذاب السّعير} وهو الحريق.
وقد ذكر ابن أبي حاتمٍ هاهنا حديثًا غريبًا فقال: حدّثنا أبي، حدّثنا أبو صالحٍ، حدّثنا معاوية بن صالحٍ، عن أبي الزّاهريّة، عن جبير بن نفير، عن أبي ثعلبة الخشنيّ؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "الجنّ على ثلاثة أصنافٍ: صنفٌ لهم أجنحةٌ يطيرون في الهواء، وصنفٌ حيّاتٌ وكلابٌ، وصنفٌ يحلّون ويظعنون". رفعه غريبٌ جدًّا.
وقال أيضًا: حدّثنا أبي، حدّثنا حرملة، حدّثنا ابن وهبٍ، أخبرني بكر بن مضر، عن محمّدٍ، عن ابن أنعم أنّه قال: الجنّ ثلاثةٌ: صنفٌ لهم الثّواب وعليهم العقاب، وصنفٌ طيّارون فيما بين السّماء والأرض، وصنفٌ حيّاتٌ وكلابٌ.
قال بكر بن مضر: ولا أعلم إلّا أنّه قال: حدّثني أنّ الإنس ثلاثةٌ: صنفٌ يظلّهم اللّه بظلّ عرشه يوم القيامة. وصنفٌ كالأنعام بل هم أضلّ سبيلًا. وصنفٌ في صور النّاس على قلوب الشّياطين.
وقال أيضًا: حدّثنا أبي: حدّثنا عليّ بن هاشم بن مرزوقٍ حدّثنا سلمة -يعني ابن الفضل-عن إسماعيل، عن الحسن قال: الجنّ ولد إبليس، والإنس ولد آدم، ومن هؤلاء مؤمنون ومن هؤلاء مؤمنون، وهم شركاؤهم في الثّواب والعقاب، ومن كان من هؤلاء وهؤلاء مؤمنًا فهو وليّ اللّه، ومن كان من هؤلاء وهؤلاء كافرًا فهو شيطانٌ). [تفسير ابن كثير: 6/ 498-500]

تفسير قوله تعالى: {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل}: أمّا المحاريب فهي البناء الحسن، وهو أشرف شيءٍ في المسكن وصدره.
وقال مجاهدٌ: المحاريب بنيانٌ دون القصور. وقال الضّحّاك: هي المساجد. وقال قتادة: هي المساجد والقصور، وقال ابن زيدٍ: هي المساكن. وأمّا التّماثيل فقال عطيّة العوفيّ، والضّحّاك والسّدّيّ: التّماثيل: الصّور. قال مجاهدٌ: وكانت من نحاسٍ. وقال قتادة: من طينٍ وزجاجٍ.
وقوله: {وجفانٍ كالجواب وقدورٍ راسياتٍ} الجواب: جمع جابيةٍ، وهي الحوض الّذي يجبى فيه الماء، كما قال الأعشى ميمون بن قيسٍ:
تروح على آل المحلّق جفنةٌ = كجابية الشّيخ العراقي تفهق
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {كالجواب} أي: كالجوبة من الأرض.
وقال العوفيّ، عنه: كالحياض. وكذا قال مجاهدٌ، والحسن، وقتادة، والضّحّاك وغيرهم.
والقدور الرّاسيات: أي الثّابتات، في أماكنها لا تتحوّل ولا تتحرّك عن أماكنها لعظمها. كذا قال مجاهدٌ، والضّحّاك، وغيرهما.
وقال عكرمة: أثافيّها منها.
وقوله: {اعملوا آل داود شكرًا} أي: وقلنا لهم اعملوا شكرًا على ما أنعم به عليكم في الدّنيا والدّين.
وشكرًا: مصدرٌ من غير الفعل، أو أنّه مفعولٌ له، وعلى التّقديرين فيه دلالةٌ على أنّ الشّكر يكون بالفعل كما يكون بالقول وبالنّيّة، كما قال:
أفادتكم النّعماء منّي ثلاثةً: = يدي، ولساني، والضّمير المحجّبا...
قال أبو عبد الرّحمن الحبلي: الصّلاة شكرٌ، والصّيام شكرٌ، وكلّ خيرٍ تعمله للّه شكرٌ. وأفضل الشّكر الحمد. رواه ابن جريرٍ.
وروى هو وابن أبي حاتمٍ، عن محمّد بن كعبٍ القرظي قال: الشّكر تقوى اللّه والعمل الصّالح.
وهذا يقال لمن هو متلبّسٌ بالفعل، وقد كان آل داود، عليه السّلام، كذلك قائمين بشكر اللّه قولًا وعملًا.
قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا عبد اللّه بن أبي بكرٍ، حدّثنا جعفرٌ -يعني: ابن سليمان-عن ثابتٍ البناني قال: كان داود، عليه السّلام، قد جزّأ على أهله وولده ونسائه الصّلاة، فكان لا تأتي عليهم ساعةٌ من اللّيل والنّهار إلّا وإنسانٌ من آل داود قائمٌ يصلّي، فغمرتهم هذه الآية: {اعملوا آل داود شكرًا وقليلٌ من عبادي الشّكور}.
وفي الصّحيحين عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: "إن أحبّ الصّلاة إلى اللّه صلاة داود، كان ينام نصف اللّيل ويقوم ثلثه وينام سدسه، وأحبّ الصّيام إلى اللّه صيام داود، كان يصوم يومًا ويفطر يومًا. ولا يفر إذا لاقى".
وقد روى أبو عبد اللّه بن ماجه من حديث سنيد بن داود، حدّثنا يوسف بن محمّد بن المنكدر، عن أبيه، عن جابرٍ قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلم: "قالت أمّ سليمان بن داود لسليمان: يا بنيّ، لا تكثر النّوم باللّيل، فإنّ كثرة النّوم باللّيل تترك الرّجل فقيرًا يوم القيامة".
وروى ابن أبي حاتمٍ عن داود، عليه السّلام، هاهنا أثرًا غريبًا مطوّلًا جدًّا، وقال أيضًا:
حدّثنا أبي، حدّثنا عمران بن موسى، حدّثنا أبو يزيد فيض بن إسحاق الرّقّيّ قال: قال فضيلٌ في قوله تعالى: {اعملوا آل داود شكرًا}. فقال داود: يا ربّ، كيف أشكرك، والشّكر نعمةٌ منك؟ قال: "الآن شكرتني حين علمت أنّ النّعمة منّي".
وقوله: {وقليلٌ من عبادي الشّكور} إخبارٌ عن الواقع). [تفسير ابن كثير: 6/ 500-501]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ (14) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {فلمّا قضينا عليه الموت ما دلّهم على موته إلّا دابّة الأرض تأكل منسأته فلمّا خرّ تبيّنت الجنّ أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين (14) }
يذكر تعالى كيفيّة موت سليمان، عليه السّلام، وكيف عمّى اللّه موته على الجانّ المسخّرين له في الأعمال الشّاقّة، فإنّه مكث متوكّئًا على عصاه -وهي منسأته-كما قال ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، والحسن، وقتادة وغير واحدٍ -مدّةً طويلةً نحوًا من سنةٍ، فلمّا أكلتها دابة الأرض، وهي الأرضة، ضعفت وسقط إلى الأرض، وعلم أنّه قد مات قبل ذلك بمدّةٍ طويلةٍ-تبيّنت الجنّ والإنس أيضًا أنّ الجنّ لا يعلمون الغيب، كما كانوا يتوهّمون ويوهمون النّاس ذلك.
قد ورد في ذلك حديثٌ مرفوعٌ غريبٌ، وفي صحّته نظرٌ، قال ابن جريرٍ:
حدّثنا أحمد بن منصورٍ، حدّثنا موسى بن مسعودٍ أبو حذيفة، حدّثنا إبراهيم بن طهمان، عن عطاءٍ، عن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "كان سليمان نبيّ اللّه، عليه السّلام، إذا صلّى رأى شجرةً نابتةً بين يديه فيقول لها: ما اسمك؟ فتقول: كذا. فيقول: لأيّ شيءٍ أنت؟ فإن كانت لغرسٍ غرست، وإن كانت لدواءٍ كتبت. فبينما هو يصلّي ذات يومٍ إذ رأى شجرةً بين يديه، فقال لها: ما اسمك؟ قالت: الخرّوب. قال: لأيّ شيءٍ أنت؟ قالت: لخراب هذا البيت. فقال سليمان: اللّهمّ، عمّ على الجنّ موتتي حتّى يعلم الإنس أنّ الجنّ لا يعلمون الغيب. فنحتها عصًا، فتوكّأ عليها حولًا ميّتًا، والجنّ تعمل. فأكلتها الأرضة، فتبيّنت الإنس أنّ الجنّ لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا [حولًا] في العذاب المهين".
قال: وكان ابن عبّاسٍ يقرؤها كذلك قال: "فشكرت الجنّ الأرضة، فكانت تأتيها بالماء".
وهكذا رواه ابن أبي حاتمٍ، من حديث إبراهيم بن طهمان، به. وفي رفعه غرابةٌ ونكارةٌ، والأقرب أن يكون موقوفًا، وعطاء بن أبي مسلمٍ الخراسانيّ له غراباتٌ، وفي بعض حديثه نكارةٌ.
وقال السّدّي، في حديثٍ ذكره عن أبي مالكٍ عن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ -وعن مرة الهمدانيّ، عن ابن مسعودٍ، وعن ناسٍ من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: كان سليمان يتحرّر في بيت المقدس السّنة والسّنتين والشّهر والشّهرين، وأقلّ من ذلك وأكثر، يدخل طعامه وشرابه، فأدخله في المرّة الّتي توفّي فيها، وكان بدء ذلك أنّه لم يكن يومٌ يصبح فيه إلّا نبتت في بيت المقدس شجرةٌ، فيأتيها فيسألها، فيقول: ما اسمك؟ فتقول: اسمي كذا وكذا. فإن كانت لغرسٍ غرسها، وإن كانت نبت دواءٍ قالت: نبتّ دواءٍ لكذا وكذا. فيجعلها كذلك، حتّى نبتت شجرةٌ يقال لها: الخرّوبة، فسألها: ما اسمك؟ فقالت: أنا الخرّوبة. قال: ولأيّ شيءٍ نبتّ؟ قالت: نبتّ لخراب هذا المسجد. قال سليمان: ما كان اللّه ليخرّبه وأنا حيٌّ؟ أنت الّتي على وجهك هلاكي وخراب بيت المقدس. فنزعها وغرسها في حائطٍ له، ثمّ دخل المحراب فقام يصلّي متّكئًا على عصاه، فمات ولم تعلم به الشّياطين، وهم في ذلك يعملون له، يخافون أن يخرج فيعاقبهم. وكانت الشّياطين تجتمع حول المحراب، وكان المحراب له كوى بين يديه وخلفه، فكان الشّيطان الّذي يريد أن يخلع يقول: ألست جلدًا إن دخلت فخرجت من ذلك الجانب؟ فيدخل حتّى يخرج من الجانب الآخر، فدخل شيطانٌ من أولئك فمرّ، ولم يكن شيطانٌ ينظر إلى سليمان في المحراب إلّا احترق. فمرّ ولم يسمع صوت سليمان، ثمّ رجع فلم يسمع، ثمّ رجع فوقع في البيت ولم يحترق. ونظر إلى سليمان، عليه السّلام، قد سقط ميّتًا. فخرج فأخبر النّاس أنّ سليمان قد مات. ففتحوا عنه فأخرجوه. ووجدوا منسأته -وهي: العصا بلسان الحبشة-قد أكلتها الأرضة، ولم يعلموا منذ كم مات؟ فوضعوا الأرضة على العصا، فأكلت منها يومًا وليلةً، ثمّ حسبوا على ذلك النّحو، فوجدوه قد مات منذ سنةٍ. وهي في قراءة ابن مسعودٍ: فمكثوا يدأبون له من بعد موته حولًا، فأيقن النّاس عند ذلك أنّ الجنّ كانوا يكذبونهم ولو أنّهم علموا الغيب، لعلموا بموت سليمان ولم يلبثوا في العذاب يعملون له سنةً، وذلك قول اللّه عزّ وجلّ: {ما دلّهم على موته إلا دابّة الأرض تأكل منسأته فلمّا خرّ تبيّنت الجنّ أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين}. يقول: تبيّن أمرهم للنّاس أنّهم كانوا يكذبونهم، ثمّ إنّ الشّياطين قالوا للأرضة: لو كنت تأكلين الطّعام أتيناك بأطيب الطّعام، ولو كنت تشربين الشّراب سقيناك أطيب الشّراب، ولكنّا سننقل إليك الماء والطّين -قال: فهم ينقلون إليها ذلك حيث كانت-قال: ألم تر إلى الطّين الّذي يكون في جوف الخشب؟ فهو ما تأتيها به الشّياطين، شكرًا لها.
وهذا الأثر -واللّه أعلم-إنّما هو ممّا تلقّي من علماء أهل الكتاب، وهي وقفٌ، لا يصدّق منها إلّا ما وافق الحقّ، ولا يكذب منها إلّا ما خالف الحقّ، والباقي لا يصدّق ولا يكذّب.
وقال ابن وهبٍ وأصبغ بن الفرج، عن عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قوله: {ما دلّهم على موته إلا دابّة الأرض تأكل منسأته} قال: قال سليمان عليه السّلام لملك الموت: إذا أمرت بي فأعلمني. فأتاه فقال: يا سليمان، قد أمرت بك، قد بقيت لك سويعةٌ. فدعا الشّياطين فبنوا عليه صرحًا من قوارير، وليس له بابٌ، فقام يصلّي فاتّكأ على عصاه، قال: فدخل عليه ملك الموت، فقبض روحه وهو متّكئٌ على عصاه، ولم يصنع ذلك فرارًا من ملك الموت. قال: والجنّ يعملون بين يديه وينظرون إليه، يحسبون أنّه حيٌّ. قال: فبعث اللّه، عزّ وجلّ، دابّة الأرض. قال: والدّابّة تأكل العيدان -يقال لها: القادح-فدخلت فيها فأكلتها، حتّى إذا أكلت جوف العصا ضعفت، وثقل عليها فخرّ ميّتًا، فلمّا رأت ذلك الجنّ انفضّوا وذهبوا. قال: فذلك قوله: {ما دلّهم على موته إلا دابّة الأرض تأكل منسأته}. قال أصبغ: بلغني عن غيره أنّها قامت سنةً تأكل منها قبل أن يخرّ. وقد ذكر غير واحدٍ من السّلف نحوًا من هذا، والله أعلم). [تفسير ابن كثير: 6/ 501-503]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:59 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة