العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة البقرة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 9 ربيع الثاني 1434هـ/19-02-2013م, 07:04 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي تفسير سورة البقرة [من الآية (174) إلى الآية (176) ]

تفسير سورة البقرة
[من الآية (174) إلى الآية (176) ]


{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (176)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 17 ربيع الثاني 1434هـ/27-02-2013م, 09:57 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف

جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174) }
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ الّذين يكتمون ما أنزل اللّه من الكتاب ويشترون به ثمنًا قليلاً}:
يعني تعالى ذكره بقوله: {إنّ الّذين يكتمون ما أنزل اللّه من الكتاب} أحبار اليهود الّذين كتموا النّاس أمر محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم ونبوّته، وهم يجدونه مكتوبًا عندهم في التّوراة برشًا كانوا أعطوها على ذلك.
- كما حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: «{إنّ الّذين يكتمون ما أنزل اللّه من الكتاب} الآية كلّها هم أهل الكتاب كتموا ما أنزل اللّه عليهم وبيّن لهم من الحقّ والهدى من نعت محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وأمره».
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، في قوله: {إنّ الّذين يكتمون ما أنزل اللّه من الكتاب ويشترون به ثمنًا قليلاً} قال: «هم أهل الكتاب كتموا ما أنزل اللّه عليهم من الحقّ والإسلام وشأن محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم».
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: «{إنّ الّذين يكتمون ما أنزل اللّه من الكتاب} فهؤلاء اليهود كتموا اسم محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عكرمة، قوله: «{إنّ الّذين يكتمون ما أنزل اللّه من الكتاب} والّتي في آل عمران: {إنّ الّذين يشترون بعهد اللّه وأيمانهم ثمنًا قليلاً} نزلتا جميعًا في يهود».
وأمّا تأويل قوله: {ويشترون به ثمنًا قليلاً} فإنّه يعني: يبتاعون به. والهاء الّتي في به من ذكر الكتمان، فمعناه: ويبتاعون بكتمانهم ما كتموا النّاس من أمر محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وأمر نبوّته ثمنًا قليلاً. وذلك أنّ الّذي كانوا يعطون على تحريفهم كتاب اللّه وتأويلهموه على غير وجهه وكتمانهم الحقّ في ذلك اليسير من عرض الدّنيا.
- كما حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ويشترون به ثمنًا قليلاً} قال: «كتموا اسم محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، وأخذوا عليه طمعًا قليلاً، فهو الثّمن القليل».
وقد بيّنت فيما مضى معنى اشترائهم ذلك بما أغنى عن إعادته). [جامع البيان: 3/ 64-65]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أولئك ما يأكلون في بطونهم إلاّ النّار ولا يكلّمهم الله يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذابٌ أليمٌ}:
يعني تعالى ذكره بقوله: {أولئك} هؤلاء الّذين يكتمون ما أنزل اللّه من الكتاب في شأن محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم بالخسيس من الرّشوة يعطونها، فيحرّفون لذلك آيات اللّه ويغيّرون معانيها {ما يأكلون في بطونهم} بأكلهم ما أكلوا من الرّشا على ذلك والجعالة وما أخذوا عليه من الأجر {إلاّ النّار} يعني إلاّ ما يوردهم النّار ويصليهموها، كما قال تعالى ذكره: {إنّ الّذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا إنّما يأكلون في بطونهم نارًا وسيصلون سعيرًا} معناه: ما يأكلون في بطونهم إلاّ ما يوردهم النّار بأكلهم. فاستغنى بذكر النّار وفهم السّامعين معنى الكلام من ذكر ما يوردهم أو يدخلهم.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال جماعةٌ من أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، {أولئك ما يأكلون في بطونهم إلاّ النّار} يقول: «ما أخذوا عليه من الأجر».
فإن قال قائلٌ: فهل يكون الأكل في غير البطن فيقال: ما يأكلون في بطونهم؟
قيل له: قد تقول العرب جعت في غير بطني، وشبعت في غير بطني، فقيل في بطونهم لذلك كما يقال: فعل فلانٌ هذا نفسه وقد بيّنّا ذلك في غير هذا الموضع فيما مضى.
وأمّا قوله: {ولا يكلّمهم اللّه يوم القيامة} يقول: ولا يكلّمهم بما يحبّون، ويشتهون، فأمّا بما يسوءهم، ويكرهون فإنّه سيكلّمهم؛ لأنّه قد أخبر تعالى ذكره أنّه يقول لهم إذا قالوا: {ربّنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنّا ظالمون} {اخسئوا فيها ولا تكلّمون} الآيتين..
وأمّا قوله: {ولا يزكّيهم} فإنّه يعني: ولا يطهّرهم من دنس ذنوبهم، وكفرهم، {ولهم عذابٌ أليمٌ} يعني موجعٌ). [جامع البيان: 3/ 66-67]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ( {إنّ الّذين يكتمون ما أنزل اللّه من الكتاب ويشترون به ثمنًا قليلًا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلّا النّار ولا يكلّمهم اللّه يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذابٌ أليمٌ (174)}:
قوله: {إنّ الّذين يكتمون ما أنزل اللّه من الكتاب}:
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية، قوله: «{إنّ الّذين يكتمون ما أنزل اللّه قال: هم أهل الكتاب كتموا ما أنزل اللّه} عليهم في كتابهم من الحقّ والهدى والإسلام وشأن محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم ونعته». وروي عن الحسن وقتادة والسّدّيّ، والرّبيع بن أنسٍ، نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 285]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {ويشترون به ثمنًا قليلا}:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: «{ويشترون به ثمنًا قليلا} هؤلاء هم اليهود كتموا اسم محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، وأخذوا عليه طمعًا قليلا، فهو الثّمن القليل». وروي عن الحسن نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 285]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ( {أولئك الّذين اشتروا الضّلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النّار (175) ذلك بأنّ اللّه نزّل الكتاب بالحقّ وإنّ الّذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاقٍ بعيدٍ (176)
قوله: أولئك ما يأكلون في بطونهم إلّا النّار}:
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع عن أبي العالية قوله: {أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النّار} يقول: «ما أخذوا عليه من الأجر فهو نارٌ في بطونهم»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 286]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {ولا يكلّمهم اللّه يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذابٌ أليمٌ}:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ وعمرٌو الأوديّ، قالا، ثنا وكيعٌ، ثنا الأعمش، عن أبي حازمٍ، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ثلاثةٌ لا يكلّمهم اللّه ولا يزكّيهم: شيخٌ زانٍ، وملكٌ كذّابٌ، وعائلٌ مستكبرٌ»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 286]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم}:

أخرج ابن جرير عن عكرمة في قوله: «{إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب} والتي في آل عمران {إن الذين يشترون بعهد الله وإيمانهم ثمنا قليلا} [آل عمران الآية 77] نزلتا جميعا في يهود».
وأخرج ابن جرير عن السدي في الآية قال: «كتموا اسم محمد صلى الله عليه وسلم وأخذوا عليه طمعا قليلا».
وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله: {إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب} قال: «أهل الكتاب كتموا ما أنزل الله عليهم في كتابهم من الحق والهدى والإسلام وشأن محمد ونعته {أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار} يقول: ما أخذوا عليه من الأجر فهو نار في بطونهم».
وأخرج الثعلبي بسند ضعيف عن ابن عباس قال: «سألت الملوك اليهود قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم ما الذي يجدون في التوراة؟ قالوا: إنا نجد في التوراة أن الله يبعث نبيا من بعد المسيح يقال له محمد بتحريم الزنا والخمر والملاهي وسفك الدماء. فلما بعث الله محمدا ونزل المدينة قالت الملوك لليهود: هذا الذي تجدون في كتابكم؟ فقالت: اليهود طمعا في أموال الملوك: ليس هذا بذلك النّبيّ، فأعطاهم الملوك الأموال فأنزل الله هذه الآية إكذابا لليهود».
وأخرج الثعلبي بسند ضعيف عن ابن عباس قال: «نزلت هذه الآية في رؤساء اليهود وعلمائهم كانوا يصيبون من سفلتهم الهدايا والفضل وكانوا يرجون أن يكون النّبيّ المبعوث منهم فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم من غيرهم خافوا ذهاب مأكلتهم وزوال رياستهم فعمدوا إلى صفة محمد فغيروها ثم أخرجوها إليهم فقالوا: هذا نعت النّبيّ الذي يخرج في آخر الزمان لا يشبه نعت هذا النّبيّ فإذ نظرت السفلة إلى النعت وجدوه مخالفا لصفة محمد فلم يتبعوه فأنزل الله {إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب}»). [الدر المنثور: 2/ 135-136]

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175) }
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أنه سئل عن قول الله: {فما أصبرهم على النار} قال: «ما أجرأهم على النار
»). [الجامع في علوم القرآن: 1/ 113]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله تعالى: {فما أصبرهم على النار} قال: «ما أجرأهم عليها»). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 66]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان الثوري عن عبد الملك بن أبي سليامن عن مجاهدٍ في قوله جلّ وعزّ: {فما أصبرهم على النّار} قال: «ما أجرأهم على النّار، قال: ما أحملهم على عمل أهل النار»).
[تفسير الثوري: 55]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( قوله تعالى: {فما أصبرهم على النّار}:
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {فما أصبرهم على النّار} قال: «ما أعملهم بأعمال أهل النار»). [سنن سعيد بن منصور: 2/ 647]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أولئك الّذين اشتروا الضّلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النّار}:
يعني تعالى ذكره بقوله: {أولئك الّذين اشتروا الضّلالة بالهدى} أولئك الّذين أخذوا الضّلالة وتركوا الهدى، وأخذوا ما يوجب لهم عذاب اللّه يوم القيامة وتركوا ما يوجب لهم غفرانه ورضوانه. فاستغنى بذكر العذاب والمغفرة من ذكر السّبب الّذي يوجبهما لفهم سامعي ذلك لمعناه والمراد منه. وقد بيّنّا نظائر ذلك فيما مضى، وكذلك بيّنّا وجه: {اشتروا الضّلالة بالهدى} باختلاف المختلفين والأدّلة الشّاهدة لما اخترنا من القول فيما مضى قبل فكرهنا إعادته). [جامع البيان: 3/ 67]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فما أصبرهم على النّار}:
اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: فما أجرأهم على العمل الّذي يقرّبهم إلى النّار.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {فما أصبرهم على النّار} يقول: «فما أجرأهم على العمل الّذي يقرّبهم إلى النّار».
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة في قوله: {فما أصبرهم على النّار} يقول: «فما أجرأهم عليها».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عمرو بن عونٍ، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن يونس، عن الحسن، في قوله: {فما أصبرهم على النّار} قال: «واللّه ما لهم عليها من صبرٍ، ولكن ما أجرأهم على النّار».
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد الزّبيريّ، قال: حدّثنا مسعرٌ، وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبن دكين، قال: حدّثنا مسعرٌ، عن حمّادٍ، عن مجاهدٍ أو سعيد بن جبيرٍ، أو بعض أصحابه: «{فما أصبرهم على النّار} ما أجرأهم».
- حدّثت عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قوله: {فما أصبرهم على النّار} يقول: «ما أجرأهم وأصبرهم على النّار».
وقال آخرون: بل معنى ذلك: فما أعملهم بأعمال أهل النّار.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {فما أصبرهم على النّار} قال: «ما أعملهم بالباطل».
- حدّثني المثنّى، قالا: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثله.
واختلفوا في تأويل ما الّتي في قوله: {فما أصبرهم على النّار} فقال بعضهم: هي بمعنى الاستفهام وكأنّه قال: فما الّذي صبّرهم؟ أيّ شيءٍ صبّرهم؟
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: «{فما أصبرهم على النّار} هذا على وجه الاستفهام، يقول: ما الّذي أصبرهم على النّار».
- حدّثني عبّاس بن محمّدٍ، قال: حدّثنا حجّاج الأعور، قال: أخبرنا ابن جريجٍ، قال: قال لي عطاءٌ: {فما أصبرهم على النّار} قال: «ما يصبّرهم على النّار حين تركوا الحقّ واتّبعوا الباطل».
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: سئل أبو بكر بن عيّاشٍ: {فما أصبرهم على النّار} قال: «هذا استفهامٌ، ولو كانت من الصّبر قال: فما أصبرهم رفعًا، قال: يقال للرّجل: ما أصبرك، ما الّذي فعل بك هذا؟».
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {فما أصبرهم على النّار} قال: «هذا استفهامٌ يقول: ما هذا الّذي صبّرهم على النّار حتّى جرّأهم فعملوا بهذا؟»
وقال آخرون: هو تعجّبٌ، يعني: فما أشدّ جرأتهم على النّار بعملهم أعمال أهل النّار.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا سفيان بن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن ابن عيينة، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {فما أصبرهم على النّار} قال: «ما أعملهم بأعمال أهل النّار؟»، وهو قول الحسن، وقتادة، وقد ذكرناه قبل.
فمن قال هو تعجّبٌ، وجه تأويل الكلام إلى: أولئك الّذين اشتروا الضّلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أشدّ جرأتهم بفعلهم ما فعلوا من ذلك على ما يوجب لهم النّار، كما قال تعالى ذكره: {قتل الإنسان ما أكفره} تعجّبًا من كفره بالّذي خلقه وسوّى خلقه.
فأمّا الّذين وجّهوا تأويله إلى الاستفهام فمعناهم: هؤلاء الّذين اشتروا الضّلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما الذى أصبرهم على النّار والنّار لا صبر عليها لأحدٍ حتّى استبدلوها بمغفرة اللّه فاعتاضوها منها بدلاً؟.
وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية قول من قال: ما أجرأهم على النّار، بمعنى: ما أجرأهم على عذاب النّار، وأعملهم بأعمال أهلها؛ وذلك أنّه مسموعٌ من العرب: ما أصبر فلانًا على اللّه، بمعنى: ما أجرأ فلانًا على اللّه؛ وإنّما يعجب اللّه خلقه بإظهار الخبر عن القوم الّذين يكتمون ما أنزل اللّه تبارك وتعالى من أمر محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم ونبوّته، باشترائهم بكتمان ذلك ثمنًا قليلاً من السّحت، والرّشا الّتي أعطوها على وجه التّعجّب من تقدّمهم على ذلك مع علمهم بأنّ ذلك موجبٌ لهم سخط اللّه وأليم عقابه.
وإنّما معنى ذلك: فما أجرأهم على عذاب النّار ولكن اجتزئ بذكر النّار من ذكر عذابها كما يقال: ما أشبه سخاءك بحاتمٍ، بمعنى: ما أشبه سخاءك بسخاء حاتمٍ، وما أشبه شجاعتك بعنترة). [جامع البيان: 3/ 67-71]

قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {أولئك الّذين اشتروا الضّلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة}:
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، عن أبي جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية، في قوله: {أولئك الّذين اشتروا الضّلالة بالهدى} يقول: «اختاروا الضّلالة على الهدى، والعذاب على المغفرة». وروي عن قتادة، والرّبيع بن أنسٍ، نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 286]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {فما أصبرهم على النّار}:
وبه عن أبي العالية، قوله: {فما أصبرهم على النّار} قال: «ما أصبرهم وأجرأهم على عمل أهل النّار». وروي عن الحسن، وسعيد بن جبيرٍ، وعكرمة وعطاءٍ، وإبراهيم وقتادة والرّبيع بن أنسٍ، ويزيد بن أبي حبيبٍ، نحو ذلك.
وقال مجاهدٌ: «ما أعلمهم بأعمال أهل النّار»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 286]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: «{فما أصبرهم على النار} ما أعملهم بالباطل»). [تفسير مجاهد: 94]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار * ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد}:
أخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله: {أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى} الآية، قال: «اختاروا الضلالة على الهدى والعذاب عبى المغفرة {فما أصبرهم على النار} قال: ما أجرأهم على عمل النار».
وأخرج سفيان بن عينية وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية في قوله: {فما أصبرهم على النار} قال: «والله ما لهم عليها من صبر ولكن يقول: ما أجرأهم على النار».
وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله: {فما أصبرهم} قال: «ما أجرأهم على العمل الذي يقربهم إلى النار».
وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله: {فما أصبرهم على النار} قال: «هذا على وجه الاستفهام يقول: ما الذي أصبرهم على النار وفي قوله: {وإن الذين اختلفوا في الكتاب} قال: هم اليهود والنصارى {لفي شقاق بعيد} قال: في عداوة بعيدة»). [الدر المنثور: 2/ 136-137]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (176) }

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ذلك بأنّ اللّه نزّل الكتاب بالحقّ وإنّ الّذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاقٍ بعيدٍ}:
أما قوله: {ذلك بأنّ اللّه نزّل الكتاب بالحقّ} فإنّه اختلف في المعنيّ بـ ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك فعلهم هذا الّذي يفعلون من جراءتهم على عذاب النّار في مخالفتهم أمر اللّه وكتمانهم النّاس ما أنزل اللّه في كتابه وأمرهم ببيانه لهم من أمر محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وأمر دينه، من أجل أنّ اللّه تبارك وتعالى نزّل الكتاب بالحقّ، وتنزيله الكتاب بالحقّ هو خبره عنهم في قوله لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: {إنّ الّذين كفروا سواءٌ عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ختم اللّه على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوةً ولهم عذابٌ عظيمٌ} فهم مع ما أخبر اللّه عنهم من أنّهم لا يؤمنون لا يكون منهم غير اشتراء الضّلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة.
وقال آخرون: معناه ذلك معلومٌ لهم بأنّ اللّه نزّل الكتاب بالحقّ؛ لأنّا قد أخبرنا في الكتاب أنّ ذلك لهم، والكتاب حقٌّ.
كأنّ قائلي هذا القول كان تأويل الآية عندهم ذلك العذاب الّذي قال اللّه تعالى ذكره: فما أصبرهم عليه، معلومٌ أنّه لهم، لأنّ اللّه قد أخبر في مواضع من تنزيله أنّ النّار للكافرين، وتنزيله حقٌّ، فالخبر عن ذلك عندهم مضمرٌ.
وقال آخرون: معنى ذلك أنّ اللّه وصف أهل النّار فقال: {فما أصبرهم على النّار} ثمّ قال: هذا العذاب بكفرهم، وهذا هاهنا عندهم هي الّتي يجوز مكانها ذلك كأنّه قال: فعلنا ذلك بأنّ اللّه نزّل الكتاب بالحقّ فكفروا به، قالوا: فيكون ذلك إذا كان ذلك معناه نصبًا ويكون رفعًا بالباء.
وأولى الأقوال بتأويل الآية عندي: أنّ اللّه تعالى ذكره أشار بقوله ذلك إلى جميع ما حواه قوله: {إنّ الّذين يكتمون ما أنزل اللّه من الكتاب} إلى قوله: {ذلك بأنّ اللّه نزّل الكتاب بالحقّ} من خبره عن أفعال أحبار اليهود وذكره ما أعدّ لهم تعالى ذكره من العقاب عليه على ذلك، فقال: هذا الّذي فعلته هؤلاء الأحبار من اليهود بكتمانهم النّاس ما كتموا من أمر محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم ونبوّته مع علمهم به طلبًا منهم لعرضٍ من الدّنيا خسيسٍ، وبخلافهم أمري وطاعتي وذلك من تركي تطهيرهم وتزكيتهم وتكليمهم، وإعدادي لهم العذاب الأليم بأنّي أنزلت كتابي بالحقّ فكفروا به واختلفوا فيه.
فيكون في ذلك حينئذٍ وجهان من الإعراب: رفعٌ ونصبٌ، والرّفع بالباء، والنّصب بمعنى: فعلت ذلك بأنّي أنزلت كتابي بالحقّ فكفروا به واختلفوا فيه وترك ذكر: فكفروا به واختلفوا اجتزاءً بدلالة ما ذكر من الكلام عليه.
وأمّا قوله: {وإنّ الّذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاقٍ بعيدٍ} يعني بذلك اليهود، والنّصارى، اختلفوا في كتاب اللّه؛ فكفرت اليهود بما قصّ اللّه فيه من قصص عيسى ابن مريم، وأمّه، وصدّقت النّصارى ببعض ذلك وكفروا ببعضه، وكفروا جميعًا بما أنزل اللّه فيه من الأمر بتصديق محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم. فقال لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ هؤلاء الّذين اختلفوا فيما أنزلت عليك يا محمّد لفي منازعةٍ ومفارقةٍ للحقّ بعيدةٍ من الرّشد والصّواب، كما قال اللّه تعالى ذكره: {فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولّوا فإنّما هم في شقاقٍ}.
- كما حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وإنّ الّذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاقٍ بعيدٍ} يقول: «هم اليهود، والنّصارى، يقول: هم في عداوةٍ بعيدةٍ.»
وقد بيّنت معنى الشّقاق فيما مضى). [جامع البيان: 3/ 71-73]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {ذلك بأنّ اللّه نزّل الكتاب بالحقّ وإنّ الذين اختلفوا في الكتاب}:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ بن طلحة، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وإنّ الّذين اختلفوا في الكتاب} يقول: «هم اليهود والنصارى»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 286]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {لفي شقاقٍ بعيدٍ}:
به عن السّدّيّ: {لفي شقاقٍ بعيدٍ} يقول: «في عداوةٍ بعيدةٍ»). [تفسير القرآن العظيم: 1/ 286]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله: {فما أصبرهم على النار} قال: «هذا على وجه الاستفهام يقول: ما الذي أصبرهم على النار وفي قوله: {وإن الذين اختلفوا في الكتاب} قال: هم اليهود والنصارى {لفي شقاق بعيد} قال: في عداوة بعيدة».
وأخرج عبد بن حميد عن أبي العالية قال: «اثنان ما أشدهما علي من يجادل في القرآن {ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا} [غافر الآية 4] {وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد}»). [الدر المنثور: 2/ 137-138]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 3 جمادى الأولى 1434هـ/14-03-2013م, 11:22 AM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {إنّ الّذين يكتمون ما أنزل اللّه من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلّا النّار ولا يكلّمهم اللّه يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم}
يعني: علماء اليهود الذين كتموا أمر النبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله:{ويشترون به ثمناً قليلاً} , أي: كتموه ؛ لأنهم أخذوا على كتمانه الرّشى.
{أولئك ما يأكلون في بطونهم إلّا النّار}: المعنى: أن الذين يأكلونه , يعذبون به، فكأنهم: إنما أكلوا النار, وكذلك قوله عزّ وجلّ:{الّذين يأكلون الرّبا لا يقومون إلّا كما يقوم الّذي يتخبّطه الشّيطان من المسّ}
أي: يصيرهم أكله في الآخرة إلى مثل هذه الحالة.
و (الّذين) نصب ب (إنّ)، وخبر (إنّ) جملة الكلام , وهي {أولئك ما يأكلون في بطونهم إلّا النّار}, و (أولئك) رفع بالابتداء , وخبر (أولئك}: {ما يأكلون في بطونهم إلّا النار}.
وقوله عزّ وجلّ:{ولا يكلمهم اللّه يوم القيامة}
فيه غير قول:
1-
قال بعضهم معناه يغضب عليهم، كما تقول: فلان لا يكلم فلاناً, تريد هو غضبان عليه.
2- وقال بعضهم معنى {لا يكلمهم اللّه يوم القيامة}: لا يرسل إليهم الملائكة بالتحية،
3- وجائز إن يكون: {لا يكلمهم الله}: لا يسمعهم الله كلامه، ويكون الأبرار , وأهل المنزلة الذين رضي اللّه عنهم يسمعون كلامه.
وقوله عزّ وجلّ: {ولا يزكّيهم}
أي: لا يثنى عليهم، ومن لا يثني اللّه عليه , فهو معذب.
وقوله عزّ وجلّ: {ولهم عذاب أليم}
معنى {أليم}: مؤلم , ومعنى مؤلم : مبالغ في الوجع). [معاني القرآن: 1/ 245]

تفسير قوله تعالى:{أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (قوله: {فما أصبرهم على النّار...}
فيه وجهان:
أحدهما معناه: فما الذي صبّرهم على النار؟,
والوجه الآخر: فما أجرأهم على النار! .
قال الكسائيّ: سألني قاضى اليمن وهو بمكّة، فقال: اختصم إليّ رجلان من العرب، فحلف أحدهما على حقّ صاحبه، فقال له: ما أصبرك على الله! , وفي هذه أن يراد بها: ما أصبرك على عذاب الله، ثم تلقى العذاب فيكون كلامً, كما تقول: ما أشبه سخاءك بحاتم). [معاني القرآن: 1/ 103]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({فما أصبرهم على النّار}: (ما) في هذا الموضع في معنى الذي، فمجازها: ما الذي صبّرهم على النار، ودعاهم إليها، وليس بتعجب). [مجاز القرآن: 1/ 64]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({أولئك الّذين اشتروا الضّلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النّار}
قال: {فما أصبرهم على النّار}, فزعم بعضهم أنه تعجب منهم كما قال: {قتل الإنسان ما أكفره} تعجباً من كفره,وقال بعضهم {فما أصبرهم}, أي: ما أصبرهم، و: ما الذي أصبرهم). [معاني القرآن: 1/ 122]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {فما أصبرهم على النار} قال ابن عباس: ما الذي جرأهم على النار؛ كأنه صير {أصبرهم} على معنى "صبرهم" يريد التعجب؛ كأنه قال: ما الذي أصبرهم؛ فيكون مثل: أكرمته وكرمته.
وقد يجوز أن يكون المعنى على {ما أصبرهم على النار} على كلام العرب؛ أي أقدموا على أعمال أهل النار، فاستخفوا بها، ولم يجزعوا منها). [معاني القرآن لقطرب: 345]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({فما أصبرهم على النار}: ما أجرأهم عليها.
قالوا في التفسير ما أعملهم بأعمال أهل النار، وقالوا معناها: فما الذي صبرهم على النار. ويقال اختصم رجلان من العرب فحلف أحدهما على حق صاحبه فقال له الآخر: ما أصبرك على الله أي ما أصبرك على عذاب الله كما يقال ما أشبه سخاك بحاتم). [غريب القرآن وتفسيره: 87]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فما أصبرهم على النّار}: ما أجرأهم,
وحكى الفراء عن الكسائي أنه قال: أخبرني قاضي المين: أنه اختصم إليه رجلان، فحلف أحدهما على حق صاحبه, فقال له الآخر: ما أصبرك على اللّه, ويقال منه قوله: {اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا} .
قال مجاهد: «ما أصبرهم على النار، وما أعملهم بعمل أهل النار, وهو وجه حسن, يريد ما أدومهم على أعمال النار, وتحذف الأعمال».
قال أبو عبيدة: «ما أصبرهم على النار، بمعنى : ما الذي أصبرهم على ذلك , ودعاهم إليه,وليس بتعجب»). [تفسير غريب القرآن: 69-70]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {أولئك الّذين اشتروا الضّلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النّار}
{فما أصبرهم على النّار}: وفيه غير وجه:
1- قال بعضهم: أيّ شيء أصبرهم على النار؟.
2- وقال بعضهم: فما أصبرهم على عمل يؤدي إلى النار ؛ لأن هؤلاء كانوا علماء بأن من عاند النبي صلى الله عليه وسلم صار إلى النار.
كما تقول: ما أصبر فلاناً على الجنس ,أي: ما أبقاه منه). [معاني القرآن: 1/ 245]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فما أصبرهم على النار} , أي:
1-
أجرأهم,
2-وقيل: ما أعملهم بعمل أهل النار,
3-وقيل: المعنى ما الذي يصبرهم على ذلك، وهو تقرير بلفظ الاستفهام). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 35]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (176)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ذلك بأنّ اللّه نزّل الكتاب بالحقّ وإنّ الّذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاقٍ بعيدٍ}:
قال: {ذلك بأنّ اللّه نزّل الكتاب بالحقّ} , فالخبر مضمر , كأنه يقول: "ذلك معلوم لهم : بأن الله نزل الكتاب؛ لأنه قد أخبرنا في الكتاب أن ذلك قد قيل لهم , فالكتاب حق). [معاني القرآن: 1/ 122-123]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ذلك بأنّ اللّه نزّل الكتاب بالحقّ وإنّ الّذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد}:
المعنى: الأمر ذلك، أو ذلك الأمر , فذلك مرفوع بالابتداء, أو بخبر الابتداء.
وقوله عزّ وجلّ: {وإنّ الّذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد}
بتباعد بعضهم في مشاقّة بعض؛ لأن اليهود والنصارى هم الّذين اختلفوا في الكتاب, ومشاقتهم بعيدة). [معاني القرآن: 1/ 246]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 1 جمادى الآخرة 1434هـ/11-04-2013م, 10:00 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]


تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174) }
[لا يوجد]

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175) }

قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (واعلم أن ما جاوز الثلاثة بغير زيادة لم يجز أن يقال فيه: ما أفعله. وذلك لأنك إن بنيته هذا البناء حذفت من الأصل حرفاً. وهذا مما لا يجوز؛ لأن معناه إنما كمل بحروفه؛ إذ كن كلهن أصولا، وإنما يستعمل فيما كان من هذا القبيل ما يدل عليه من فعل غيره وذلك انك إذا قلت: دحرج، واحرنجم، وما أشبه ذلك من الأفعال من غير هذا الجنس قلت: ما أشد دحرجته، وما أشد احرنجامه. لأنك لو أدخلت على هذا الهمزة لخرج من بناء الأفعال، ولا يجوز الحذف لما وصفت لك.
وكذلك ما كان من الألوان والعيوب، نحو: الأعور والأحمر، لا يقال: ما أحمره، ولا ما أعوره. وإنما امتنع هذا لشيئين: أحدهما: أن أصل فعله أن يكون أفعل، وافعال. نحو: احمر واحمار. ودخول الهمزة على هذا محال.
والقول الآخر قول الخليل: وهو أن هذا شيء قد ثبت واستقر، فليس يجوز فيه الزيادة والنقصان. فهو وإن كان مشتقاً من الفعل بمنزلة اليد، والرجل لا تقوله؛ كما لا تقول: ما أيداه، ولا ما أرجله. وإنما أقول: ما أشد يده. فعلى هذا: ما أشد حمرته، وما أشد عوره، وكذلك جميع بابها.
ومثل هذا قوله: هذا أحسن من هذا، وهذا أضرب من ذا، وهذا أشد عوراً من ذا، وأشد حولاً من ذا؛ لأن هذا والتعجب من باب واحد.
فإن قال قائل: فقد جاء في القرآن: {ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلاً}.
قيل له: في هذا جوابان، كلاهما مقنع: أحدهما: أن يكون من عمى القلب، وإليه ينسب أكثر الضلال؛ لأنه حقيقته كما قال: {فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور}. فعلى هذا تقول: ما أعماه؛ كما تقول: ما أحمقه.
والوجه الآخر: أن يكون من عمى العين، فيكون {فهو في الآخرة أعمى} لا تريد به أعمى من كذا، ولكنه في الآخرة أعمى، كما كان في الدنيا، وهو في الآخرة أضل سبيلا.
وتقول: يا هند أحسن بزيد، ويا رجلان أحسن بزيد؛ لأنك لست تأمرهم أن يصنعوا شيئاً، وإنما المعنى: ما أحسنه فإذا كان من الألوان، والعيوب قلت يا هند، أشدد بحمرة زيد، ويا رجال، أشدد بحمرة زيد. ومن هذا الباب قول الله عز وجل: {أسمع بهم وأبصر}.
ولا يقال لله عز وجل تعجب. ولكنه خرج على كلام العباد. أي هؤلاء ممن يجب أن يقال لهم: ما أسمعهم، وأبصرهم في ذلك الوقت.
ومثل هذا قوله: {فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى} ولعل إنما هي للترجي. ولا يقال ذلك لله ولكن المعنى والله أعلم، إذهبا أنتما على رجائكما، وقولا القول الذي ترجوان به. ويرجو به المخلوقون تذكر من طالبوه.
وأما قوله: {فما أصبرهم على النار} فليس من هذا. ولكنه والله أعلم التقرير والتوبيخ. وتقديره: أي شيء أصبرهم على النار? . أي دعاهم إليها، واضطرهم إليها؛ كما تقول: صبرت زيداً على القتل. ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصبر الروح). [المقتضب: 4/ 180-183] (م)

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (176) }
[لا يوجد]


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 05:59 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 06:00 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 06:00 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 06:00 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {إنّ الّذين يكتمون} الآية، قال ابن عباس وقتادة والربيع والسدي: «المراد أحبار اليهود الذين كتموا أمر محمد صلى الله عليه وسلم، والكتاب: التوراة والإنجيل»، والضمير في به عائد على الكتاب، ويحتمل أن يعود على ما وهو جزء من الكتاب، فيه أمر محمد صلى الله عليه وسلم، وفيه وقع الكتم لا في جميع الكتاب، ويحتمل أن يعود على الكتمان، والثمن القليل: الدنيا والمكاسب، ووصف بالقلة لانقضائه ونفاده، وهذه الآية وإن كانت نزلت في الأحبار فإنها تتناول من علماء المسلمين من كتم الحق مختارا لذلك لسبب دنيا يصيبها.
وذكرت البطون في أكلهم المؤدي إلى النار دلالة على حقيقة الأكل، إذ قد يستعمل مجازا في مثل أكل فلان أرضي ونحوه، وفي ذكر البطن أيضا تنبيه على مذمتهم بأنهم باعوا آخرتهم بحظهم من المطعم الذي لا خطر له، وعلى هجنتهم بطاعة بطونهم، وقال الربيع وغيره:«سمي مأكولهم نارا لأنه يؤول بهم إلى النار»، وقيل: معنى الآية: أن الله تعالى يعاقبهم على كتمانهم بأكل النار في جهنم حقيقة، وقوله تعالى: {ولا يكلّمهم} قيل: هي عبارة عن الغضب عليهم وإزالة الرضى عنهم، إذ في غير موضع من القرآن ما ظاهره أن الله تعالى يكلم الكافرين، كقوله: {اخسؤا فيها} [المؤمنون: 108]، ونحوه، فتكون هذه الآية بمنزلة قولك: «فلان لا يكلمه السلطان ولا يلتفت إليه» وأنت إنما تعبر عن انحطاط منزلته لديه، وقال الطبري وغيره: «المعنى ولا يكلمهم بما يحبون»، وقيل: «المعنى لا يرسل إليهم الملائكة بالتحية»، {ولا يزكّيهم} معناه: لا يطهرهم من موجبات العذاب، وقيل: المعنى لا يسميهم أزكياء، وأليمٌ اسم فاعل بمعنى مؤلم). [المحرر الوجيز: 1/ 415-416]


تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {أولئك الّذين اشتروا الضّلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النّار (175) ذلك بأنّ اللّه نزّل الكتاب بالحقّ وإنّ الّذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاقٍ بعيدٍ (176) ليس البرّ أن تولّوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكنّ البرّ من آمن باللّه واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنّبيّين وآتى المال على حبّه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السّبيل والسّائلين وفي الرّقاب وأقام الصّلاة وآتى الزّكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصّابرين في البأساء والضّرّاء وحين البأس أولئك الّذين صدقوا وأولئك هم المتّقون (177)}
لما تركوا الهدى وأعرضوا عنه ولازموا الضلالة وتكسبوها مع أن الهدى ممكن لهم ميسر كان ذلك كبيع وشراء، وقد تقدم إيعاب هذا المعنى، ولما كان العذاب تابعا للضلالة التي اشتروها وكانت المغفرة تابعة للهدى الذي اطرحوه أدخلا في تجوز الشراء.
وقوله تعالى: {فما أصبرهم على النّار}، قال جمهور المفسرين: «ما» تعجب، وهو في حيز المخاطبين، أي هم أهل أن تعجبوا منهم، ومما يطول مكثهم في النار، وفي التنزيل: {قتل الإنسان ما أكفره} [عبس: 17]،{وأسمع بهم وأبصر} [مريم: 38]، وبهذا المعنى صدر أبو علي، وقال قتادة والحسن وابن جبير والربيع: «أظهر التعجب من صبرهم على النار لما عملوا عمل من وطن نفسه عليها»، وتقديره: ما أجرأهم على النار إذ يعملون عملا يودي إليها، وقيل: «ما» استفهام معناه أي شيء أصبرهم على النار، ذهب إلى ذلك معمر بن المثنى، والأول أظهر، ومعنى أصبرهم في اللغة أمرهم بالصبر، ومعناه أيضا جعلهم ذوي صبر، وكلا المعنيين متجه في الآية على القول بالاستفهام، وذهب المبرد في باب التعجب من المقتضب إلى أن هذه الآية تقرير واستفهام لا تعجب، وأن لفظة «أصبر» بمعنى اضطر وحبس، كما تقول أصبرت زيدا على القتل، ومنه نهي النبي عليه السلام أن يصبر الروح، قال: ومثله قول الشاعر:
قلت لها أصبرها دائبا ....... أمثال بسطام بن قيس قليل
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «الضبط عند المبرد بضم الهمزة وكسر الباء»، ورد عليه في ذلك كله بأنه لا يعرف في اللغة أصبر بمعنى صبر وإنما البيت أصبرها بفتح الهمزة وضم الباء ماضيه صبر، ومنه المصبورة، وإنما يرد قول أبي العباس على معنى اجعلها ذات صبر). [المحرر الوجيز: 1/ 416-418]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (176) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ذلك بأنّ اللّه نزّل الكتاب بالحقّ} الآية، المعنى ذلك الأمر أو الأمر ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق فكفروا به، والإشارة على هذا إلى وجوب النار لهم، ويحتمل أن يقدر فعلنا ذلك، ويحتمل أن يقدر وجب ذلك، ويكون الكتاب جملة القرآن على هذه التقديرات: وقيل: إن الإشارة ب الكتاب إلى قوله تعالى: {إنّ الّذين كفروا سواءٌ عليهم أأنذرتهم} [البقرة: 6]، أي وجبت لهم النار بما قد نزله الله في الكتاب من الخبر به، والإشارة بذلك على هذا إلى اشترائهم الضلالة بالهدى، أي ذلك بما سبق لهم في علم الله وورود إخباره به، و «الحق» معناه بالواجب، ويحتمل أن يراد بالأخبار الحق: أي الصادقة.
{والّذين اختلفوا في الكتاب}، قال السدي: «هم اليهود والنصارى لأن هؤلاء في شق وهؤلاء في شق».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «ويظهر أن الشقاق سميت به المشارّة والمقاتلة ونحوه، لأن كل واحد يشق الوصل الذي بينه وبين مشاقّه».، وقيل: إن المراد ب الّذين اختلفوا كفار العرب لقول بعضهم هو سحر، وبعضهم هو أساطير، وبعضهم هو مفترى، إلى غير ذلك، وشقاق هذه الطوائف إنما هو مع الإسلام وأهله، وبعيدٍ هنا معناه من الحق والاستقامة). [المحرر الوجيز: 1/ 418-419]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 06:00 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 29 جمادى الأولى 1435هـ/30-03-2014م, 06:00 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {إنّ الّذين يكتمون ما أنزل اللّه من الكتاب ويشترون به ثمنًا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النّار ولا يكلّمهم اللّه يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذابٌ أليمٌ (174) أولئك الّذين اشتروا الضّلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النّار (175) ذلك بأنّ اللّه نزل الكتاب بالحقّ وإنّ الّذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاقٍ بعيدٍ (176)}
يقول تعالى: {إنّ الّذين يكتمون} ممّا يشهد له بالرّسالة {ما أنزل اللّه من الكتاب} يعني اليهود الّذين كتموا صفة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم في كتبهم التي بأيديهم، ممّا تشهد له بالرّسالة والنّبوّة، فكتموا ذلك لئلّا تذهب رياستهم وما كانوا يأخذونه من العرب من الهدايا والتّحف على تعظيمهم إيّاهم، فخشوا -لعنهم اللّه -إن أظهروا ذلك أن يتّبعه النّاس ويتركوهم، فكتموا ذلك إبقاءً على ما كان يحصل لهم من ذلك، وهو نزرٌ يسيرٌ، فباعوا أنفسهم بذلك، واعتاضوا عن الهدى واتّباع الحقّ وتصديق الرّسول والإيمان بما جاء عن اللّه بذلك النّزر اليسير، فخابوا وخسروا في الدّنيا والآخرة؛ أمّا في الدّنيا فإنّ اللّه أظهر لعباده صدق رسوله، بما نصبه وجعله معه من الآيات الظّاهرات والدّلائل القاطعات، فصدّقه الّذين كانوا يخافون أن يتّبعوه، وصاروا عونًا له على قتالهم، وباؤوا بغضبٍ على غضبٍ، وذمّهم اللّه في كتابه في غير موضعٍ. من ذلك هذه الآية الكريمة: {إنّ الّذين يكتمون ما أنزل اللّه من الكتاب ويشترون به ثمنًا قليلا} وهو عرض الحياة الدّنيا {أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النّار} أي: إنّما يأكلون ما يأكلونه في مقابلة كتمان الحقّ نارًا تأجّج في بطونهم يوم القيامة. كما قال تعالى: {إنّ الّذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا إنّما يأكلون في بطونهم نارًا وسيصلون سعيرًا} [النّساء: 10] وفي الحديث الصّحيح عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: «الّذي يأكل أو يشرب في آنية الذهب والفضّة، إنّما يجرجر في بطنه نار جهنّم»
وقوله: {ولا يكلّمهم اللّه يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذابٌ أليمٌ} وذلك لأنّه غضبان عليهم، لأنّهم كتموا وقد علموا، فاستحقّوا الغضب، فلا ينظر إليهم ولا يزكّيهم، أي يثني عليهم ويمدحهم بل يعذّبهم عذابًا أليمًا.
وقد ذكر ابن أبي حاتمٍ وابن مردويه هاهنا الحديث الذي رواه مسلمٌ أيضًا من حديث الأعمش، عن أبي حازمٍ، عن أبي هريرة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ثلاثةٌ لا يكلّمهم اللّه، ولا ينظر إليهم ولا يزكّيهم ولهم عذابٌ أليمٌ شيخٌ زانٍ، وملكٌ كذّابٌ، وعائلٌ مستكبرٌ»). [تفسير ابن كثير: 1/ 483-484]


تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى مخبرًا عنهم: {أولئك الّذين اشتروا الضّلالة بالهدى} أي: اعتاضوا عن الهدى، وهو نشر ما في كتبهم من صفة الرّسول وذكر مبعثه والبشارة به من كتب الأنبياء واتّباعه وتصديقه، استبدلوا عن ذلك واعتاضوا عنه بالضّلالة، وهو تكذيبه والكفر به وكتمان صفاته في كتبهم {والعذاب بالمغفرة} أي: اعتاضوا عن المغفرة بالعذاب وهو ما تعاطوه من أسبابه المذكورة.
وقوله تعالى: {فما أصبرهم على النّار} يخبر تعالى أنّهم في عذابٍ شديدٍ عظيمٍ هائلٍ، يتعجّب من رآهم فيها من صبرهم على ذلك، مع شدّة ما هم فيه من العذاب، والنّكال، والأغلال عياذًا باللّه من ذلك.
وقيل معنى قوله: {فما أصبرهم على النّار} أي: ما أدومهم لعمل المعاصي التي تفضي بهم إلى النّار ). [تفسير ابن كثير: 1/ 484]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (176) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ذلك بأنّ اللّه نزل الكتاب بالحقّ} أي: إنّما استحقّوا هذا العذاب الشّديد لأنّ اللّه تعالى أنزل على رسوله محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وعلى الأنبياء قبله كتبه بتحقيق الحقّ وإبطال الباطل، وهؤلاء اتّخذوا آيات اللّه هزوًا، فكتابهم يأمرهم بإظهار العلم ونشره، فخالفوه وكذّبوه. وهذا الرّسول الخاتم يدعوهم إلى اللّه تعالى، ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، وهم يكذّبونه ويخالفونه ويجحدونه، ويكتمون صفته، فاستهزؤوا بآيات اللّه المنزّلة على رسله؛ فلهذا استحقّوا العذاب والنّكال؛ ولهذا قال: {ذلك بأنّ الله نزل الكتاب بالحقّ وإنّ الّذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاقٍ بعيدٍ} ). [تفسير ابن كثير: 1/ 484]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:22 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة