العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > التفسير اللغوي > جمهرة التفسير اللغوي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 7 شعبان 1431هـ/18-07-2010م, 03:29 PM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي التفسير اللغوي لسورة محمد

التفسير اللغوي لسورة محمد

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 24 ذو القعدة 1431هـ/31-10-2010م, 11:47 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 1 إلى 14]

({الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (1) وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآَمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ (2) ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ (3) فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (9) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا (10) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (11) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ (12) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ (13) أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (14)} )

تفسير قوله تعالى: (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (1) )
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ}: أبطلها و[أصل «الضلال»: الغيبوبة]. يقال ضل الماء في اللبن، إذا [غاب] وغلب عليه، فلم يتبين). [تفسير غريب القرآن: 409]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( ({الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ(1)}
قوله عزّ وجلّ: ({أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ}) أحبطها فلا يرون في الآخرة لها جزاء، والمعنى أن حبط ما كان من صدقاتهم وصلتهم الرحم وأبواب البر بكفرهم، كما قال عزّ وجلّ: ( {كذلك يُريهمُ اللّهُ أعمالهم حَسَراتٍ عليهم}) وقوله ({كسراب بقيعة})
وهؤلاء هم الذين صدوا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والدليل على ذلك قوله: ( {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآَمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ (2)} ). [معاني القرآن: 5/5]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( من ذلك قوله جل وعز: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ } [آية: 1]
روى أبو يحيى عن مجاهد عن ابن عباس في قوله تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} قال أهل مكة والذين آمنوا وعملوا الصالحات قال الأنصار وأصلح بالهم قال أمرهم
قال أبو جعفر معنى أضلّ أعْمالَهم أبطلها كما قال تعالى: {وقالوا أئذا ضللنا في الأرض} والمعنى لم نثبهم على ما عملوا لكفرهم ومعنى كفر عنهم سيئاتهم غطى عليها ولم يؤاخذهم بما عملوا وقت كفرهم). [معاني القرآن: 6/459-460]

تفسير قوله تعالى: (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآَمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ (2) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ("{وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} " حالهم). [مجاز القرآن: 2/214]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {وأصلح بالهم}: أي حالهم). [غريب القرآن وتفسيره: 339]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) :
( {كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ} أي سترها، وأصلح بالهم أي حالهم). [تفسير غريب القرآن: 409]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (قوله: ({وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآَمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ (2)} أي كفّر عنهم وما اقترفوه وهم كافرون لمّا آمنوا باللّه وبالنبي عليه السلام وسائر الأنبياء أجمعين.
وقوله عزّ وجلّ: {وَأَصْلَحَ بَالَهُم} أي أصلح أمرهم وحالهم). [معاني القرآن: 5/5]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {بَالَهُمْ}: حالهم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 231]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {بَالَهُمْ}: حالهم). [العمدة في غريب القرآن: 274]

تفسير قوله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ (3) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: ( {ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ (3)}
أي الأمر ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل. وجائز أن يكون ذلك الإضلال لاتباعهم الباطل، وتلك الهداية والكفارات باتباع المؤمنين الحق، ثم قال عزّ وجلّ: ({كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ} ).
أي كذلك يبين الله للناس أمثال حسنات المؤمنين وسيئات الكافرين أي كالبيان الذي ذكر، ومعنى قول القائل: ضربت لك مثلا، أي بينت لك ضربا من الأمثال، أي صنفا منها). [معاني القرآن: 5/5-6]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ } [آية: 3]
المعنى كذلك يبين الله أمر الحسنات والسيئات
ومعنى ضربت له مثلا بينت له ضربا من الأمثال أي نوعا منها). [معاني القرآن: 6/460]

تفسير قوله تعالى: (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (قوله عز وجل: {فَضَرْبَ الرِّقَابِ...} نصب على الأمر، والذي نصب به مضمر، وكذلك كل أمر أظهرت فيه الأسماء، وتركت الأفعال فانصب فيه الأسماء، وذكر: أنه أدبٌ من الله وتعليم للمؤمنين للقتال.
وقوله: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً ...} منصوب أيضاً على فعل مضمر، فإمّا أن تمنّوا، وإما أن تفدوا، فالمن: أنت تترك الأسير بغير فداء، والفداء: أن يفدي المأسور نفسه.
وقوله: {حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ...} آثامها وشركها حتى لا يبقى إلاّ مسلم، أو مسالم. والهاء التي في أوزارها تكون للحرب وأنت تعني: أوزار أهلها، وتكون لأهل الشرك خاصةً، كقولك: حتى تنفي الحرب أوزار المشركين.
وقوله: {ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ...} بملائكة غيركم، ويقال: بغير قتال: ولكن ليبلو بعضكم ببعض، المؤمن بالكافر، والكفر بالمؤمن.
وقوله: {والّذينَ قاتلوا في سَبيلِ اللّهِ...}.
قرأها الأعمش وعاصم وزيد بن ثابت ، حدثني بذلك محمد بن الفضل الخراساني عن [عطاء عن أبي] عبد الرحمن عن زيد بن ثابت: {قاتلوا}، وقرأها الحسن: {قتّلوا} مشددة، وقد خففها بعضهم فقال: {قتلوا} مخفف، وكل ذلك صواب). [معاني القرآن: 3/57-58]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ("{فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ}" كقول العرب: يا نفسي صبراً قال حرى بن ضمرة بن ضمرة النهشلي:

يا نفس صبراً على ما كان من مضضٍ = إذ لم أجد لفضول القول أقرانا
ولغة بني تميم يا نفس ويا عين، في موضع يا نفس اصبري.
"{فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً}" نصبهما لأنهما في موضع فعلهما مجازها فإما أن تمنوا وإما تفادوا مثل سقياً ورعياً إنما هو سقيت ورعيت مثل قولك: مهلاً للأنثى والذكر والاثنين والجميع وهي في موضع أمهل وقد فعلوا هذا في غير مصدر أمروا به). [مجاز القرآن: 2/214]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} أي يضع أهل الحرب السلاح.
قال الأعشى:
وأعددت للحرب أوزارها رماحا طوالا، وخيلا ذكورا
ومن نسج داود يحدي بها على أثر الحي، عيرا فعيرا
وأصل «الوزر» ما حملته، فسمي السلاح «أوزارا» لأنه يحمل ). [تفسير غريب القرآن: 409]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه قوله: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ} [الدخان: 29] تقول العرب إذا أرادت تعظيم مهلك رجل عظيم الشأن، رفيع المكان، عامّ النفع، كثير الصنائع: أظلمت الشمس له، وكسف القمر لفقده، وبكته الرّيح والبرق والسماء والأرض.
يريدون المبالغة في وصف المصيبة به، وأنها قد شملت وعمّت. وليس ذلك بكذب، لأنّهم جميعا متواطئون عليه، والسّامع له يعرف مذهب القائل فيه.
وهكذا يفعلون في كل ما أرادوا أن يعظّموه ويستقصوا صفته. ونيّتهم في قولهم: أظلمت الشمس، أي كادت تظلم، وكسف القمر، أي كاد يكسف.
ومعنى كاد: همّ أن يفعل ولم يفعل. وربما أظهروا كاد، قال ابن مفرّغ الحميريّ يرثي رجلا:
الرِّيحُ تبكِي شَجْوَهُ = والبرق يَلْمَعُ في غَمَامَه
وقال آخر:
الشَّمسُ طالعةٌ ليست بكاسفةٍ = تبَكي عليكَ نُجومَ اللَّيلِ والقَمَرا
أراد: الشمس طالعة تبكي عليك، وليست مع طلوعها كاسفة النجوم والقمر، لأنّها مظلمة، وإنما تكسف بضوئها، فنجوم الليل بادية بالنهار.
وهذا كقوله النابغة وذكر يوم حرب:
تبدوا كواكبه والشمس طالعة = لا النّور نورٌ ولا الإظلامُ إظلام
ونحوه قول طرفة في وصف امرأة:
إِنْ تُنَوِّلْهُ فَقَد تَمْنَعُهُ = وُتِرِيهِ النَّجْمَ يَجري بالظُّهُر
يقول: تشقّ عليه حتى يظلم نهاره فيرى الكواكب ظهرا.
والعامة تقول: أراني فلانّ الكواكب بالنّهار، إذا برَّح به.
وقال الأعشى:
رجعت لما رمت مستحسرا = ترى للكواكب ظُهْرًا وَبِيصَا
أي: رجعت كئيبا حسيرا، قد أظلم عليك نهارك، فأنت ترى الكواكب تعالي النّهار بريقا.
وقد اختلف الناس في قول الله عز وجل: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ} [الدخان: 29].
فذهب به قوم مذاهب العرب في قولهم: بكته الريح والبرق. كأنه يريد أنّ الله عز وجل حين أهلك فرعون وقومه وغرّقهم وأورث منازلهم
وجنّاتهم غيرهم- لم يبك عليهم باك، ولم يجزع جازع، ولم يوجد لهم فقد.
وقال آخرون: أراد: فما بكى عليهم أهل السماء ولا أهل الأرض. فأقام السماء والأرض مقام أهلهما، كما قال تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82]، أراد أهل القرية.
وقال: {حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} [محمد: 4]، أي يضع أهل الحرب السّلاح.
وقال ابن عباس: لكل مؤمن باب في السماء يصعد فيه عمله، وينزل منه رزقه، فإذا مات بكى عليه الباب، وبكت عليه آثاره في الأرض ومصلّاه. والكافر لا يصعد له عمل، ولا يبكي له باب في السماء ولا أثره في الأرض). [تأويل مشكل القرآن: 167-170] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الضرب: باليد، كقوله تعالى: {فَضَرْبَ الرِّقَابِ} [محمد: 4] وقوله: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء: 34]). [تأويل مشكل القرآن: 497]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
( وقوله عزّ وجلّ: ({فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4)}
معناه فاضربوا الرقاب ضربا، منصوب على الأمر، وتأويله فإذا لقيتم الذين كفروا فاقتلوهم، ولكن أكثر مواقع القتل ضرب العنق، فأعلمهم اللّه - عزّ وجلّ - كيف القصد، وكيف قال: ({واضرِبوا منهُم كلّ بَنان}) أي فليس يتوهم بهذا أن الضّرب محظور إلّا على الرقبة فقط.
وقوله عزّ وجلّ: ({حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ}).
({أَثْخَنْتُمُوهُمْ}) أكثرتم فيهم القتل، كما قال: {ما كان لنبيّ أن يكون له أسرى حتّى يثخن في الأرض}، فالأسر بعد المبالغة في القتل.
ثم قال: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} أي بعد أن تأسروهم إما مننتم عليهم منّا، وإما أطلقتموهم بفداء.
وقوله: ({حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا}) ({حَتَّى}) موصولة بالقتل والأسر، المعنى فاقتلوهم وأسروهم حتى تضع الحرب أوزارها.
والتفسير حتى يؤمنوا ويسلموا، فلا يجب أن تحاربوهم، فما دام الكفر فالجهاد والحرب قائمة أبدا.
وقوله: ({ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ} ،{ذَلِكَ}) في موضع رفع، المعنى الأمر ذلك، ويجوز أن يكون منصوبا على معنى افعلوا ذلك.
{وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ} أي لو يشاء اللّه لعذّبهم وأهلكهم لأنه قادر على ذلك.
{وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} المعنى ولكن أمركم بالحرب ليبلو بعضكم ببعض، أي ليمحّص اللّه المؤمنين ويمحق الكافرين.
وقوله: {وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ}.
ذكر في أول السورة: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أضلّ أَعْمَالَهُمْ} وأعلم أن الذين قاتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم.
ويقرأ على أربعة أوجه:
قاتلوا في سبيل اللّه، وقتلوا في سبيل اللّه، على ما لم يسمّ فاعله، ويقرأ قتّلوا بتشديد التاء، ويقرأ قتلوا في سبيل اللّه، بفتح القاف). [معاني القرآن: 5/6-7]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ} [آية: 4]
أي فاقتلوهم وذكرت الرقاب لأن القتل أكثر ما يقع بها
ثم قال جل وعز: {حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ} [آية: 4]
قال سعيد بن جبير لا ينبغي أن يقع أسر حتى يثخن بالقتل في العدو كما قال جل وعز: {ما كان النبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض}
[معاني القرآن: 6/461]
ثم قال جل وعز: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} [آية: 4]
قال أبو جعفر في هذه الآية اختلاف
قال ابن جريج كان عطاء يكره قتل الأسير صبرا لقول الله جل وعز: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} وقال امنن أو فاد ولا تقتل وقال قتادة الآية منسوخة نسخها قوله تعالى: {فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم}
وروى شعبة عن الحكم قال سألني مغيرة عن آية غامضة منسوخة وهي قوله تعالى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً}
[معاني القرآن: 6/462]
وقال الضحاك هي ناسخة نسخت قوله تعالى: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} قال أبو جعفر البين في الآية أنها ليست بمنسوخة ولا ناسخة وإنما هذا إباحة وكذلك القتل لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد قتل وفادى وذكر القتل في آية أخرى وهو فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم فاجتزأ بذلك
وقوله جل وعز: {حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} [آية: 4]
قال قتادة أي حتى يسلم أهل الشرك فسماهم حربا قال سعيد بن جبير ومجاهد في قوله تعالى: {حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} حتى ينزل عيسى بن مريم فيكسر الصليب
[معاني القرآن: 6/463]
ويقتل الخنزير وتزول الأديان إلا دين الإسلام وتكون الملة واحدة
قال أبو جعفر فهذا قول في الآية أي حتى يضع أهل الحرب أوزارهم فيسلموا أو يسالموا
وقيل يعني بالأوزار ههنا السلاح كما قال الشاعر:
وأعددت للحرب أوزارها = رماحا طوالا وخيلا ذكورا
والمعنى على هذا فشدوا الوثاق حتى تضع الحرب أوزارها فإما منا بعد وإما فداء
[معاني القرآن: 6/464]
وقوله جل وعز: {وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ }[آية: 4]
أي ليمحص المؤمنين ويمحق الكافرين
ثم قال جل وعز: {وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ} [آية: 4] ويقرأ قتلوا وقتلوا وقتلوا). [معاني القرآن: 6/465]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا) أي: سلاحها). [ياقوتة الصراط: 469]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا}: الأوزار: السلاح وأصل الوزر ما حملته وعنى بذلك أن الحرب للأهل الشرك واجبة حتى ينزل عيسى "عليه السلام" فيصير الدين واحداً وتزول الحروب). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 231]

تفسير قوله تعالى: (سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: ({سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5)}
يصلح لهم أمر معاشهم في الدنيا مع ما يجازيهم به في الآخرة، كما قال - عزّ وجلّ -: {ولو أنّهم أقاموا التّوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربّهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم}
أي لو أنهم قبلوا ما فيها وما في الكتب وعملوا به لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، وكما قال:
{استغفروا ربّكم إنّه كان غفّارا (10) يرسل السّماء عليكم مدرارا (11) ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنّات ويجعل لكم أنهارا (12)}
فوعد الله عزّ وجلّ المؤمنين إصلاح شأنهم وبالهم في الدنيا والآخرة). [معاني القرآن: 5/7]

تفسير قوله تعالى: (وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ...}.
يعرفون منازلهم إذا دخلوها، حتى يكون أحدهم أعرف بمنزله في الجنة منه بمنزله إذا رجع من الجمعة). [معاني القرآن: 3/58]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (" {عَرَّفَهَا لَهُمْ} " بينها لهم وعرفهم منازلهم). [مجاز القرآن: 2/214]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({عرفها لكم}: بينها لهم وعرفهم منازلهم). [غريب القرآن وتفسيره: 339]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) :
( {وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ} يقال في التفسير: «بينها لهم، وعرفهم منازلهم منها».
[تفسير غريب القرآن: 409]
وقال أصحاب اللغة. «عَرَّفَهَا لَهُمْ »: طيبها. يقال: طعام معرف، أي مطيب. قال الشاعر:
فتدخل أيد في حناجر، أقنعت = لعادتها من الخزير المعرف
). [تفسير غريب القرآن: 410]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ } [آية: 6]
في معناه ثلاثة أقوال:
قال مجاهد عرفهم بيوتها ومساكنها وقسمهم منها فلا يغلط أحد منهم فيدخل إلى موضع غيره ولا يحتاج أن يستدل
وقال سلمة بن كهيل عرفها لهم عرفهم طرقها فهذا قول
وقيل عرفها طيبها
وقيل عرفها رفعها
قال أبو جعفر القول الأول وإن كان بعض أهل اللغة قد أنكره وقال لو كان كذا لقال عرفهم بها أحسن الأقوال وأصحها ولا يلزم هذا الرد . والمعنى بينها لهم فتبينوها
والقول الثاني ليس بممتنع لأنه يقال طعام معرف أي مطيب
والقول الثالث مأخوذ من العرف لارتفاعه
وقيل أي عرف المكلفين من عباده بأنها لهم). [معاني القرآن: 6/465-467]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {عَرَّفَهَا لَهُمْ}: طيبها). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 231]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {عَرَّفَهَا}: بينها). [العمدة في غريب القرآن: 274]

تفسير قوله تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ...}.
كأنه قال: فأتعسهم الله وأضل أعمالهم؛ لأنّ الدعاء قد يجري مجرى الأمر والنهي، ألا ترى أنّ أضل فعل، وأنها مردودة على التعس، وهو اسم لأن فيه معنى أتعسهم، وكذلك قوله: {حتّى إذا أثخنتموهم فشدّوا} مردودة على أمر مضمر ناصبٍ لضرب الرقاب). [معاني القرآن: 3/58]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ} من قولك: تعست، أي عثرت وسقطت). [تفسير غريب القرآن: 410]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8)}
{الّذين} في موضع رفع على الابتداء. ويكون {فَتَعْسًا لَهُمْ} الخبر.
ويجوز أن يكون نصبا على معنى أتعسهم اللّه.
والتععحم، في اللغة الانحطاط والعثور). [معاني القرآن: 5/7-8]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} [آية: 8]
أي ممن ينبغي أن يقال لهم أتعسهم الله أي لا جبرهم وهذا يدعى به على العاثر
وقال ثعلب التعس الشر قال وقيل هو البعد وانتكس قلب أمره وأفسد
وقال ابن السكيت التعس أن يخر على رأسه قال والتعس أيضا الهلاك). [معاني القرآن: 6/467-468]

تفسير قوله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (9) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ...} كرهوا القرآن وسخطوه). [معاني القرآن: 3/59]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( ({ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (9)}
كرهوا القرآن ونبوة النبي عليه السلام فأحبط اللّه أعمالهم). [معاني القرآن: 5/8]

تفسير قوله تعالى: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا (10) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا ...}
يقول: لأهل مكة أمثال ما أصاب قوم لوط وعاد وثمود وعيدٌ من الله). [معاني القرآن: 3/59]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: ( {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا (10)}
المعنى فينظروا كيف كان عاقبة الكافرين الذين من قبلهم.
{دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ}، أي أهلكهم اللّه.
{وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا} أي أمثال تلك العاقبة، فأهلك الله عزّ وجل بالسّيف من أهلك ممن صدّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم -). [معاني القرآن: 5/8]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا} [آية: 10]
قال مجاهد وللكافرين التدمير وعيدا من الله
وقال غيره فقتل منهم من قتل بالسيف). [معاني القرآن: 6/468]

تفسير قوله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (11) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا ...}
يريد: ولي الذين آمنوا، وكذلك هي في قراءة عبد الله "ذلك بأن الله ولي الذين آمنوا" وهي مثل التي في المائدة في قراءتنا: {إنما وليّكم الله ورسوله}، ومعناهما واحد، والله أعلم). [معاني القرآن: 3/59]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( " {بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا} " ولي الذين آمنوا). [مجاز القرآن: 2/215]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا} أي وليهم. {وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ}: لا ولي لهم). [تفسير غريب القرآن: 410]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (المولى
المولى: المعتق. والمولى: المعتق. والمولى: عصبة الرّجل. ومنه قول الله عز وجل: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي} [مريم: 5]. أراد: القرابات.
وقال رسول الله، صلّى الله عليه وسلم: ((أيّما امرأة نكحت بغير أمر مولاها فنكاحها باطل))، أي: بغير أمر وليها.
وقد يقال لمن تولّاه الرجل وإن لم يكن قرابة: مولى. قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ} [محمد: 11] أي: وليّ المؤمنين، وأن الكافرين لا ولي لهم.
وقال تعالى: {يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا} [الدخان: 41]. أي: وليّ عن وليّه شيئا، إمّا بالقرابة أو بالتّولّي.
[تأويل مشكل القرآن: 455]
والحليف أيضا: المولى. قال النابغة الجعدي:


موالِيَ حِلْفٍ لا مَوالِي قَرَابَةٍ = وَلَكِنْ قَطِينًا يَسْأَلُونَ الأَتَاوِيَا
وقال الله عز وجل: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6] يريد: إذا دعاهم إلى أمر، ودعتهم أنفسهم إلى خلاف ذلك الأمر- كانت طاعته أولى بهم من طاعتهم لأنفسهم). [تأويل مشكل القرآن: 456] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
( {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (11)}
أي بأن اللّه ولي الذين آمنوا يتولاّهم في جميع أمورهم في هدايتهم والنصر على عدوهم.
{وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ } أي لا وليّ لهم ينصرهم من اللّه في هداية ولا علوّ على المؤمنين). [معاني القرآن: 5/8]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ} [آية: 11]
قال قتادة أي ولي الذين آمنوا
قال أبو جعفر وفي قراءة عبد الله كذلك وقال الشاعر:
فغدت كلا الفرجين تحسب أنه = مولى المخافة خلفها وأمامها
أي ولي المخافة
وروى سماك عن عكرمة عن ابن عباس ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا قال لا مولى لهم غيره
قال قتادة نزلت هذه الآية يوم أحد والنبي صلى الله عليه وسلم في الشعب وقد أثخن في المسلمين بالقتل والجراح فصاح المشركون يوم بيوم بدر لنا العزى ولا عزى لكم فأنزل الله جل وعز: {وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ} إلى قوله: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ}
فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم قولوا الله مولانا ولا مولى لكم وقتلانا أحياء يرزقون في الجنة وقتلاكم في النار
قال أبو جعفر والمعنى الله ولي الذين آمنوا في الهداية والنصرة فلما أخبر بولايته المؤمنين وخذلانه الكافرين أعلم بما أعده للمؤمنين والكافرين فقال إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار أي منزل لهم
{وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ } [آية: 14] ). [معاني القرآن: 6/468-470]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا}: وليهم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 231]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ (12) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ...}.
ترفع النار بالمثوى، ولو نصبت المثوى، ورفعت النار باللام التي في (لهم) كان وجها). [معاني القرآن: 3/59]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ} أي منزل لهم). [تفسير غريب القرآن: 410]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( (ثم أعلم اللّه - عزّ وجلّ - ما أعدّ للمؤمنين مع النصر والتمكين، وما أعدّ للكافرين مع الخذلان والإضلال فقال: ({إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ (12)}.
ثم بين صفات تلك الجنات وقال:
({وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ}).
والمثوى المنزل). [معاني القرآن: 5/8]

تفسير قوله تعالى: (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ (13) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ ...}.
يريد: التي أخرجك أهلها إلى المدينة، ولو كان من قريتك التي أخرجوك كان وجها، كما قال: {فجاءها بأسنا بياتاً أو هم قائلون}، فقال: {قائلون}، وفي أول الكلمة: {فجاءها}.
وقوله: {فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ ...}.
جاء في التفسير: فلم يكن لهم ناصر حين أهلكناهم، فهذا وجه، وقد يجوز إضمار كان،
وإن كنت قد نصبت الناصر بالتبرية، وبكون: أهلكناهم فلا ناصر لهم الآن من عذاب الله). [معاني القرآن: 3/59]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ } أي كم من أهل قرية: {هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ} يريد: أخرجك أهلها). [تفسير غريب القرآن: 410]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقوله: {مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ} [محمد: 13] أي أخرجك أهلها). [تأويل مشكل القرآن: 210]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله - عزّ وجلّ -: ({وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ (13)} المعنى وكم من أهل قرية هي أشدّ قوة من أهل قريتك التي أخرجتك.
أي الذين أخرجوك أهلكناهم بتكذيبهم للرسل فلا ناصر لهم.
ثم أعلم فقال: ({أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (14)} ). [معاني القرآن: 5/8-9]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ} [آية: 13] قال قتادة يعني أهل مكة قال فلا ناصر لهم). [معاني القرآن: 6/470-471]

تفسير قوله تعالى: (أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (14) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ ...} ولم يقل: واتبع هواه، وذلك أنّ من تكون في معنى واحد وجميع، فردّت أهواؤهم على المعنى، ومثله: {ومن الشياطين من يغوصون له}، وفي موضع آخر: {ومنهم من يستمع إليك}، وفي موضع آخر: {ومنهم من يستمعون إليك} ). [معاني القرآن: 3/59]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( ({أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (14)}
وهذه ألف توقيف وتقرير، لأن الجواب معلوم، كما أنك إذا قلت من يفعل السيئات يشق، ومن يفعل الحسنات يسعد، ثم قلت: الشقاء أحب إليك أم السعادة. فقد علم أن الجواب السعادة، فهذا مجرى ألف التوقيف والتقرير). [معاني القرآن: 5/9]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ} [آية: 14]
قال قتادة هو محمد كمن زين له سوء عمله قال هم مشركو العرب
ثم قال {وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ}على معنى من). [معاني القرآن: 6/471]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 24 ذو القعدة 1431هـ/31-10-2010م, 11:52 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 15 إلى 24]

{مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آَسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (15) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آَنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (16) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ (17) فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ (18) فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19) وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ (20) طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ (21) فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23) (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24) }

تفسير قوله تعالى: (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آَسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (15) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ...}.
أخبرني حبّان بن علي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال:
مثل الجنة، أمثال الجنة، صفات الجنة. قال ابن عباس: وكذلك قرأها علي بن أبي طالب: أمثال.
وقوله: {مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آَسِنٍ...} غير متغير، غير آجن.
وقوله: {وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ...} لم يخرج من ضروع الإبل ولا الغنم برغوته.
وقوله: {وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ...} اللذة مخفوضة، وهي الخمر بعينها، وإن شئت جعلتها تابعة للأنهار، وأنهارٌ لذةٌ، وإن شئت نصبتها على يتلذذ بها لذة، كما تقول: هذا لك هبةً وشبهه،
ثم قال: {كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ} لم يقل: أمن كان في هذا كمن هو خالد في النار؟ ولكنه فيه ذلك المعنى فبنى عليه). [معاني القرآن: 3/60]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( "{مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آَسِنٍ}" الآسن المتغير الريح يقال: قد أسن ماء ركيّتك). [مجاز القرآن: 2/215]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {غير آسن}: أي متغير الريح). [غريب القرآن وتفسيره: 339]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) :
( {مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آَسِنٍ} أي غير متغير الريح والطعم و«الآجن» نحوه.
{وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ} أي: لذيذة. يقال: شراب لذّ، إذا كان طبيبا). [تفسير غريب القرآن: 410]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والمثل: الصّورة والصّفة، كقوله: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ}[محمد: 15] أي صفة الجنة). [تأويل مشكل القرآن: 496]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: ({مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آَسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (15)}
({مثل الجنّة}).
تفسير لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}، ففسر تلك الأنهار فقال: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} أي مما عرفتموه من الدنيا من جناتها وأنهارها جنّة {فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آَسِنٍ}.
ويقرأ من ماء غير أسن، ويجوز في العربية أسن، يقال أسن الماء يأسن فهو آسن، ويقال: أسن الماء فهو أسن إذا تغيرت رائحته، فأعلم اللّه - عزّ وجلّ - أن أنهار الجنة لا تتغير رائحة مائها، ولا يأسن.
{وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ} أي لا يدخله ما يدخل ألبان الدنيا من التغير.
{وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ} ليس فيها غول أي لا تسكر ولا تفنى.
{وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى} معناه مصفى لم يخرج من بطون النحل فيخالطه الشمع.
{وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ}.
كما قال: ({إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ})، وصف تلك الجنات فقال: مثل الجنّة جنّة كما وصف.
وقيل إن المعنى صفة الجنّة، وهو نحو مما فسّرنا.
ثم قال: {وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ } أي لهم فيها من كل الثمرات ولهم مغفرة من ربهم، يغفر ذنوبهم ولا يجازون بالسيئات، ولا يوبّخون في الجنّة، فيكون الفوز العظيم والعطاء الجزيل.
ثم قال: {كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ}.
المعنى أفمن كان على بينة من ربّه وأعطى هذه الأشياء، كمن زيّن له سوء عمله وهو خالد في النّار.
(وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ) واحد الأمعاء معى، مثل ضلع وأضلاع). [معاني القرآن: 5/9-10]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آَسِنٍ} [آية: 15]
ولم يأت بالمماثل ، في معناه ثلاثة أقوال :
أ - منها أن مثلا بمعنى صفة قال ذلك النضر بن شميل والفراء
وروي عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قرأ أمثال الجنة التي وعد المتقون
قال أبو جعفر فهذا قول ويكون على هذا مثل على معنى مثل ويكون فيه خلاف معناه كما أن في عدل خلاف معنى عدل
ب - وقيل المعنى مثل الجنة التي وعد المتقون فيما تعرفون في الدنيا جنة فيها أنهار
ج - والقول الثالث أن المعنى على التوبيخ والتقرير أي مثل الجنة التي وعد المتقون كمن هو خالد في النار أي مثل المطيع عندكم كمثل العاصي
وروى معمر عن قتادة من ماء غير آسن قال غير منتن
قال قتادة الآسن المتغير الآجن
قال أبو جعفر قول قتادة أصح لأنه يقال أسن الماء يأسن ويأسن فهو آسن وأسن إذا أنتن فلم يقدر أحد على شربه وأجن يأجن وهو آجن إذا تغير وإن كان شرب على كره
وقوله جل وعز: {وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ} [آية: 15] يقال شراب لذيذ ولذ
{وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى} أي ليس كعسل الدنيا الذي فيه الشمع وغيره
( وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ) أي ولهم مغفرة من ربهم
ثم قال تعالى: {مَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ} قال أبو جعفر قد تقدم القول فيها
وفيه قول آخر وهو أن المعنى أمن يخلد في الجنة وفي هذا النعيم المذكور كمن هو خالد في النار ثم حذف هذا لعلم السامع كما قال تعالى: {أمّن هُو قانِتٌ آناءَ الليلِ ساجدًا وقائماً} وإن كان قد قيل إن المعنى يا من هو قانت). [معاني القرآن: 6/471-475]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {آَسِنٍ} وآجن، أي: متغير). [ياقوتة الصراط: 469]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({غَيْرِ آَسِنٍ}: غير متغير الريح). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 231]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {آَسِنٍ}: متغير). [العمدة في غريب القرآن: 274]

تفسير قوله تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آَنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (16) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ...}.
يعني خطبتك في الجمعة فلا يستمعون ولا يعون [حتى] إذا انصرفوا، وخرج الناس قالوا للمسلمين: ماذا قال آنفا، يعنون النبي صلى الله عليه وسلم استهزاءً منهم.
قال الله عز وجل: {أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} ). [معاني القرآن: 3/60]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( " وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ " من هاهنا في موضع جميع). [مجاز القرآن: 2/215]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: ({وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آَنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (16)}يعني المنافقين.
({حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آَنِفًا}).
كانوا يسمعون خطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا خرجوا سألوا أصحاب رسول الله استهزاء وإعلاما أنهم لم يلتفتوا إلى ما قال، فقالوا: ماذا قال آنفا، أي ماذا قال الساعة، ومعنى آنفا من قولك استأنفت الشيء إذا ابتدأته، وروضة أنف، إذا لم ترع بعد، أي لها أول يرعى، فالمعنى ماذا قال من أول وقت يقرب منّا). [معاني القرآن: 5/10]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ} [آية: 16] قال قتادة هم المنافقون
ثم قال تعالى: {حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آَنِفًا} [آية: 16]
أي إذا سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب ثم خرجوا قالوا للمسلمين استهزاء ماذا قال آنفا أي لم نلتفت إلى ما قال
والمعنى ماذا قال الساعة أي في أقرب الأوقات إلينا من قولهم استأنفت الشيء وروضة أنف لم ترع). [معاني القرآن: 6/475]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( ({مَاذَا قَالَ آَنِفًا}) أي: ماذا قال مذ ساعة ؟). [ياقوتة الصراط: 469]

تفسير قوله تعالى: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ (17) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى...}.
زادهم استهزاؤهم هدى، وآتاهم الله تقواهم، يقال: أثابهم ثواب تقواهم، ويقال: ألهمهم تقواهم، ويقال: آتاهم تقواهم من المنسوخ إذا نزل الناسخ). [معاني القرآن: 3/61]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: ({أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (16) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ (17)} الضمير الذي في {زادَهُم} يجوز أن يكون فيه أحد ثلاثة أوجه:
فأجودها - واللّه أعلم - أن يكون فيه ذكر الله، فيكون المعنى مردودا على قوله: ({أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (16) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} )
ويجوز أن يكون الضمير في {زادَهُم} قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيكون المعنى والّذين اهتدوا زادهم ما قال رسول اللّه هدى.
ويجوز أن يكون زادهم إعراض المنافقين واستهزاؤهم هدى.
قوله: {وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ }يجوز أن يكون وألهمهم تقواهم، كما قال عزّ وجلّ: {وألزمهم كلمة التّقوى وكانوا أحقّ بها وأهلها}.
ويجوز أن يكون - واللّه أعلم - وآتاهم ثواب تقواهم). [معاني القرآن: 5/10-11]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ } [آية: 17]
المعنى زادهم الله هدى فيكون الضمير يعود على قوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ}
ويجوز أن يكون المعنى وزادهم قول النبي صلى الله عليه وسلم هدى
ويجوز أن يكون المعنى وزادهم استهزاء المنافقين هدى
ثم قال تعالى: {وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} أي ألهمهم ، ويجوز أن يكون المعنى ثواب تقواهم). [معاني القرآن: 6/476]

تفسير قوله تعالى: (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ (18) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا...}.
{أن} مفتوحة في القراءة كلها. حدثنا الفراء قال: وحدثني أبو جعفر الرؤاسي قال: قلت لأبي عمرو بن العلاء: ما هذه الفاء التي في قوله: {فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا}؟ قال: جواب للجزاء. قال: قلت: إنها {أَنْ تَأْتِيَهُمْ} مفتوحة؟ قال: فقال: معاذ الله إنما هي (إن تأتهم). قال الفراء: فظننت أنه أخذها عن أهل مكة؛ لأنه عليهم قرأ، وهي أيضاً في بعض مصاحف الكوفيين: تأتهم بسينة واحدة، ولم يقرأ بها أحد منهم، وهو من المكرّر: هل ينظرون إلا الساعة، هل ينظرون إلا أن تأتيهم بغتة. والدليل على ذلك أن التي في الزخرف في قراءة عبد الله: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ}، ومثله: {ولولا رجالٌ مؤمنون ونساءٌ مؤمناتٌ} لولا أن تطئوهم فإن في موضع رفع عند الفتح، وأن في الزخرف ـ وههنا نصب مردودة على الساعة، والجزم جائز تجعل: هل ينظرون إلا الساعة مكتفيا، ثم تبتدئ: إن تأتهم، وتجيئها بالفاء على الجزاء، والجزم جائز.
وقوله: {فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ...}.
"ذكراهم" في موضع رفع بلهم، والمعنى: فأنى لهم ذكراهم إذا جاءتهم الساعة؟ ومثله: {يومئذٍ يتذكّر الإنسان وأنّى له الذّكرى} أي: ليس ينفعه ذكره، ولا ندامته). [معاني القرآن: 3/61]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( "فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا" أعلامها وإنما سمي الشرط فيما نرى لأنهم أعلموا أنفسهم وأشراط المال صغار الغنم وشراره قال جرير:
تساق من المعزى مهور نسائهم... وفي شرط المعزى لهنّ مهور). [مجاز القرآن: 2/215]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ}
قال: {فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ} يقول: فأنى لهم ذكراهم إذا جاءتهم الساعة). [معاني القرآن: 4/17]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({أشراطها} أعلامها، واحدها شرط وإنما هو مقدماتها). [غريب القرآن وتفسيره: 339]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) :
( {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً} أي هل ينظرون؟! {فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا } أي علاماتها.
{فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ}؟ فكيف لهم منفعة الذكرى إذا جاءت، والتوبة - حينئذ - لا تقبل؟!). [تفسير غريب القرآن:410-411]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله - عزّ وجلّ - ({فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ (18)}
ويقرأ " {إلّا السّاعة إن تأتهم} " بغير ياء، والأولى أجود لموافقة المصحف.
وموضع " {أن} " نصب البدل من السّاعة.
المعنى فهل ينظرون إلا أن تأتيهم السّاعة بغتة.
وهذا البدل المشتمل على الأول في المعنى وهو نحو قوله: {ولَوْلا رِجالٌ مؤمِنون ونِساءٌ مُؤمِنات لم تعلَمُوهم أنْ تطئوهُم}
المعنى لولا أن تطؤوا رجالا مؤمنين ونساء مؤمنات.
ومعنى {هَلْ يَنْظُرُونَ} هل ينتظرون واحد.
ومن قرأ: إن تأتهم " { فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} فعلى الشرط والجزاء.
وأشراطها أعلامها.
{فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ} المعنى فمن أين لهم ذكراهم إذا جاءتهم الساعة، و {ذكراهم} في موضع رفع بقوله {فأنّى} ). [معاني القرآن: 5/11]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} [آية: 18]
أي فهل ينتظرون إلا أن تأتيهم الساعة فجأة فقد جاء أشراطها
قال الفراء أي علامتها الواحد شرط
ثم قال جل وعز: {فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ} [آية: 18]
قال قتادة أي فأنى لهم أن يتذكروا
قال أبو جعفر فالمعنى على هذا فمن أين لهم منفعة الذكرى إذا جاءت الساعة وانقطعت التوبة). [معاني القرآن: 6/477]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {أَشْرَاطُهَا}: أعلامها). [العمدة في غريب القرآن: 274]

تفسير قوله تعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)}
هذه الفاء جاءت للجزاء، المعنى قد بيّنا ما يدل على أنّ الله واحد فأعلم اللّه أنه لا إله إلا اللّه، والنبي عليه السلام قد علم ذلك ولكنه خطاب يدخل الناس فيه مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، كما قال اللّه عزّ وجلّ: {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء}، والمعنى من علم فليقم على ذلك العلم، كما قال: {اهدنا الصراط المستقيم} أي ثبتنا على الهداية.
(وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ) أي يعلم متصرفاتكم ويعلم مثواكم، أي يعلم أين مقامكم في الدنيا والآخرة). [معاني القرآن: 5/12]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [آية: 19] والمخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم مخاطبة لأمته ؛ أي اثبتوا على هذا). [معاني القرآن: 6/478]

تفسير قوله تعالى: (وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ (20) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ...}.
وفي قراءة عبد الله: سورةٌ محدثةٌ. كان المسلمون إذا نزلت الآية فيها القتال وذكره شق عليهم وتواقعوا أن تنسخ، فذلك قوله: {"لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ"} أي هلاّ أنزلت سوى هذه، فإذا نزلت وقد أمروا فيها بالقتال كرهوها، قال الله: {فَأَوْلَى لَهُمْ} لمن كرهها، ثم وصف قولهم قبل أن تنزّل: سمع وطاعة، قد يقولون: سمع وطاعة، فإذا نزل الأمر كرهوه، فلو صدقوا الله لكان خيراً لهم، فالطاعة مرفوعة في كلام العرب إذا قيل لهم: افعلوا كذا وكذا، فثقل عليهم أو لم يثقل قالوا: سمع وطاعة.
أخبرني حبان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال:
قال الله عزّ وجل: {فَأَوْلَى} ثم قال لهم للّذين آمنوا منهم طاعةٌ وقولٌ معروف، فصارت: فأولى وعيدا لمن كرهها، واستأنف الطاعة لهم، والأول عندنا كلام العرب، وقول الكلبي هذا غير مردود). [معاني القرآن: 3/62]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ}. هذا مفسر في كتاب «تأويل المشكل».
{فَأَوْلَى لَهُمْ} وعيد وتهدد، تقول للرجل - إذا أردت به سوءا، ففاتك -: أولى لك). [تفسير غريب القرآن: 411]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ (20) طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ (21) فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [محمد: 20، 22].
كان المسلمون إذا بطل الوحي يقولون: هلّا نزل شيء، تأميلا أن تنزل عليهم بشرى من الله وفتح وخير وتخفيف فإذا أنزلت سورةٌ محكمةٌ أي محدثة. وسميت المحدثة: محكمة، لأنها حين تنزل تكون كذلك حتى ينسخ منها شيء. وهي في حرف عبد الله فإذا أنزلت سورة محدثة وذكر فيها القتال، أي فرض فيها الجهاد رأيت الّذين في قلوبهم مرضٌ أي شك ونفاق ينظرون إليك نظر المغشيّ عليه من الموت، يريد أنهم يشخصون نحوك بأبصارهم، وينظرون نظرا شديدا بتحديق، وتحديد، كما ينظر الشّاخص ببصره عند الموت، من شدّة العداوة. والعرب تقول: رأيته لمحا باصرا أي نظرا صلبا بتحديق. ونحوه قوله: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ} [القلم: 51]، أي يسقطونك بشدة نظرهم،
[تأويل مشكل القرآن: 420]
وقد تقدم ذكر هذا.
ثم قال: {فَأَوْلَى لَهُمْ} تهدّد ووعيد. وتمّ الكلام). [تأويل مشكل القرآن: 421]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (أولى
أولى: تهدّد ووعيد، قال الله تعالى: {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (34) ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} [القيامة: 34-35]، وقال: {فَأَوْلَى لَهُمْ} [محمد: 20]. ثم ابتدأ فقال: {طاعةٌ وقولٌ معروفٌ} [محمد: 21].
وقال الشاعر لمنهزم:

أُلْفِيَتَا عَيْنَاكَ عِندَ القَفَا = أَوْلَى فَأَوْلَى لَكَ ذَا وَاقِيَهْ
). [تأويل مشكل القرآن: 549] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
(وقوله عزّ وجلّ: ({وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ (20)}
كان المؤمنون - رحمهم اللّه - يأنسون بالوحي ويستوحشون لإبطائه فلذلك قالوا: (لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ).
{فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ}.
ومعنى {مُحْكَمَةٌ}، غير منسوخة، فإذا ذكر فيها فرض القتال {رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} يعنى المنافقين.
{يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} لأنهم منافقون يكرهون القتال، لأنهم إذا قعدوا عنه ظهر نفاقهم، فخافوا على أنفسهم القتل.
{أَوْلَى لَهُمْ} وعيد وتهدد، المعنى وليهم المكروه). [معاني القرآن: 5/12]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ } [آية: 20]
قال قتادة كل سورة فيها ذكر القتال فهي محكمة
قال أبو جعفر وهذه آية مشكلة وفي قراءة عبد الله {وإذا أنزلت سورة محدثة}
والمعنى واحد أي لم يقع عليها النسخ وذكر فيها القتال وإنما كان المسلمون يقولون هذا لأنهم كانوا يأنسون بنزول الوحي
({رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ}) أي ريب وشك ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت أي نظر مغتاظين مغمومين كما قال تعالى: {وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم} وإنما كانوا يكرهون ذكر القتال لأنهم إذا تأخروا عنه تبين نفاقهم فخافوا القتل
ثم قال تعالى: {فَأَوْلَى لَهُمْ} على التهديد
وحقيقته وليهم المكروه أي أولى لهم المكروه والعرب تقول لكل من قارب الهلكة ثم افلت أولى لك أي كدت تهلك
كما روي أن أعرابيا كان يوالي رمي الصيد فيفلت منه فيقول أولى لك رمى صيدا فقاربه ثم افلت منه فقال:
فلو كان أولى يطعم القوم صدتهم = ولكن أولى تترك الناس جوعا
). [معاني القرآن: 6/478-480]

تفسير قوله تعالى: (طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ (21) )
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (ثم ابتدأ، فقال: {طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ}... قال قتادة: «يقول: لطاعة اللّه، وقول بالمعروف - عند حقائق الأمور - خير لهم»). [تفسير غريب القرآن: 411]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ثم قال: {طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ} وهذا مختصر، يريد قولهم قبل نزول الفرض: سمع لك وطاعة.
فإذا عزم الأمر، أي جاء الجدّ كرهوا ذلك، فحذف الجواب على ما بينت في باب الاختصار.
ثم ابتدأ فقال: {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ}). [تأويل مشكل القرآن: 421]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) :
(وقوله: ({طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ (21)}
[معاني القرآن: 5/12]
قال سيبويه والخليل: المعنى طاعة وقول معروف أمثل، وقيل إنهم كان قولهم أولا طاعة وقول معروف.
ويجوز - واللّه أعلم - أن يكون المعنى فإذا أنزلت سورة ذات طاعة أي يؤمر فيها بالطاعة، وقول معروف، فيكون المعنى فإذا أنزلت سورة ذات طاعة وقول معروف.
{فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ}.
المعنى فإذا جدّ الامر ولزم فرض القتال، فلو صدقوا اللّه فآمنوا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وعملوا بما نزل عليه وما أمروا به من فرض القتال لكان خيرا لهم.
المعنى لكان صدقهم اللّه بإيمانهم خيرا لهم). [معاني القرآن: 5/13]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال تعالى: {طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ} فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم} [آية: 21]
قال قتادة أي طاعة الله وقول بالمعروف في حقائق الأمور أي سمع وطاعة خير لهم
وقال الخليل وسيبويه أي طاعة وقول معروف أمثل وفي المعنى قول آخر وهو انه حكى ما كانوا يقولون قبل نزول القتال وقبل الفرض
فالمعنى على هذا يقولون منا طاعة وقول معروف ، ويدل على صحة هذا القول ( فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ ) قال مجاهد أي جد الأمر
قال أبو جعفر فالتقدير على هذا فإذا جد الأمر بفرض القتال كرهوا ذلك ثم حذف
25 - ثم قال جل وعز: {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} [آية: 21] قال قتادة فلو صدقوا الله في الإيمان والجهاد). [معاني القرآن: 6/480-481]

تفسير قوله تعالى: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ ...}.
قرأها العوام بنصب السين، وقرأها نافع المدني: فهل عسيتم، بكسر السين، ولو كانت كذلك لقال: عسي {في موضع عسى}. ولعلها لغة بادرة، وربما اجترأت العرب على تغيير بعض اللغة إذا كان الفعل لا يناله قد. قالوا: لستم يريدون لستم، ثم يقولون: ليس وليسوا سواء، لأنه فعل لا يتصرف ليس له يفعل وكذلك عسى ليس له يفعل فلعله اجترى عليه كما اجترى على لستم.
وقوله: "هَلْ عَسَيْتُمْ" . . . إن توليتم أمور الناس أن تفسدوا في الأرض، وتقطعوا أرحامكم، ويقال: ولعلكم إن انصرفتم عن محمد صلى الله عليه وسلم، وتوليتم عنه أن تصيروا إلى أمركم الأول من قطيعة الرحم والكفر والفساد). [معاني القرآن: 3/62-63]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ }
وقال: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ} فإن الأول للمجازاة وأوقعت {عَسَيْتُمْ} على {أَنْ تُفْسِدُوا} لأنه اسم، ولا يكون أن تعمل فيه {عَسَيْتُمْ} ولا "عسيت" إلاّ وفيه "أن" لا تقول "عسيتم الفعل" كما أن قولك "لو أن زيدا جاء كان خيرا له" فقولك "أنّ زيداً جاء" اسم وأنت لا تقول "لو ذاك" لأنه ليس كل الأسماء تقع في كل موضع. وليس كل الأفعال يقع على كل الأسماء. ألا ترى أنهم يقولون "يدع" ولا يقولون "ودع" [ويقولون "يذر"] ولا يقولون: "وذر"). [معاني القرآن: 4/18]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ثم قال: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ}، أي انصرفتم عن النبي، صلّى الله عليه وسلم، وما يأمركم به {أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ}، يريد فهل تريدون إذا أنتم تركتم محمدا، صلّى الله عليه وسلم، وما يأمركم به- أن تعودوا إلى مثل ما كنتم عليه من الكفر، والإفساد في الأرض وقطع الأرحام؟). [تأويل مشكل القرآن: 421]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: ( {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22)}
وقرأ نافع " فهل عسيتم " واللغة الجيدة البالغة عسيتم - بفتح السين ولو جاز عسيتم لجاز أن تقول: عسي ربّكم أن يرحمكم.
ويقرأ {إن تولّيتم} و {إن تولّيتم} - بضم التاء وفتحها.
{أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ}.
فمن قرأ {تولّيتم} - بالفتح - ففيها وجهان:
أحدهما أن يكون المعنى لعلكم إن توليتم عما جاءكم به النبي أن تعودوا إلى أمر الجاهلية، فتفسدوا ويقتل بعضكم بعضا.
{وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ}، أي تئدوا البنات، أي تدفنوهن أحياء.
ويجوز أن يكون فلعلكم إن توليتم الأمر أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم، ويقتل قريش بني هاشم، وبنو هاشم قريشا، وكذلك إن توليتم). [معاني القرآن: 5/13]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ } [آية: 22]
قال بكر بن عبد الله المزني هؤلاء الحرورية
قال محمد بن كعب أي فهل عسيتم إن توليتم الأمور أن يقتل بعضكم بعضا كقتل قريش بني هاشم وكقتل بني هاشم قريشا
وفي المعنى قول آخر وهو فهل تريدون إن توليتم عن النبي صلى الله عليه وسلم وكفرتم بما جاءكم به على أن ترجعوا إلى ما كنتم عليه من الكفر فتفسدوا في الأرض بالكفر وتقطعوا أرحامكم بأن تئدوا بناتكم
وقرأ علي بن أبي طالب عليه السلام {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ } أي ولي عليكم). [معاني القرآن: 6/481-483]

تفسير قوله تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23) )

تفسير قوله تعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24) )


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 24 ذو القعدة 1431هـ/31-10-2010م, 11:57 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 25 إلى آخر السورة]

({إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (26) فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (28) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29) وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ (32) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ (33) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (34) فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (35) إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ (36) إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ (37) هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (38)} )

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ...}.
زين لهم وأملى لهم الله، وكذلك قرأها الأعمش وعاصم، وذكر عن علي بن أبي طالب وابن مسعود وزيد بن ثابت (رحمهم الله) أنهم قرءوها كذلك بفتح الألف.
وذكر عن مجاهد أنه قرأها: {وَأَمْلَى لَهُمْ } مرسلة الياء، يخبر الله جل وعز عن نفسه، وقرأ بعض أهل المدينة: وأملي لهم بنصب الياء وضم الألف، يجعله فعلاً لم يسمّ فاعله، والمعنى متقارب). [معاني القرآن: 3/63]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): {" سَوَّلَ لَهُمْ} " زين لهم). [مجاز القرآن: 2/215]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {سول لهم}: زين لهم). [غريب القرآن وتفسيره: 339]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) :
( {سَوَّلَ لَهُمْ}: زين لهم، {وَأَمْلَى لَهُمْ }: أطال لهم الأمل). [تفسير غريب القرآن: 411]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: ({إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25)} المعنى رجعوا - بعد سماع الهدى وتبيّنه - إلى الكفر.
وقوله:{الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ}. معنى (سوّل لهم) زيّن لهم {وَأَمْلَى لَهُمْ }، أملى اللّه لهم كما قال: {إنّما نملي لهم ليزدادوا إثما} معناه إنما نؤخرهم.
وقد قرئت {الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلي لَهُمْ} على الإخبار عن اللّه عزّ وجلّ، المعنى وأنا أملي.
وقرئت {وأملي لهم} بفتح الياء على ما لم يسم فاعله). [معاني القرآن: 5/13-14]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ } [آية: 25]
قال قتادة هؤلاء أهل الكتاب عندهم صفة محمد فأنكروها وكفروا من بعد ما تبين لهم الهدى
وقال الضحاك هم أهل النفاق
{الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ} قال قتادة أي زين لهم
ثم قال تعالى: {وَأَمْلَى لَهُمْ } المعنى وأملى الله لهم أي مد الله لهم في آجالهم ملاوة من الدهر كما قال تعالى: {وأملي لهم إن كيدي متين}
وقرأ مجاهد الشيطان سول لهم "وأملي لهم" وهذه قراءة حسنة والمعنى وأنا أملي لهم
وحكى الفراء أنه قرئ (وأملي لهم) وهي قراءة شيبة وأبي عمرو). [معاني القرآن: 6/483-484]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {سَوَّلَ}: زين). [العمدة في غريب القرآن: 274]

تفسير قوله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (26) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إِسْرَارَهُمْ...}.
قرأها الناس: أسرارهم: جمع سر، وقرأها يحيى بن وثاب وحده: إسرارهم بكسر الألف، واتبعه الأعمش وحمزة والكسائي، وهو مصدر، ومثله: {وإدبار السجود} ). [معاني القرآن: 3/63]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: ({ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (26)}
المعنى - والله أعلم - الأمر ذلك أي ذلك الإضلال بقولهم للذين كرهوا ما نزل اللّه، وجاء في التفسير أنهم اليهود، قالوا سنطيعكم في بعض الأمر، أي سنطيعكم في التظاهر على عداوة النبي - صلى الله عليه وسلم - {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ}.
و{إِسْرَارَهُمْ} قرئ بهما جميعا، فمن قرأ (أسرارهم)- بالفتح - فهو جمع سرّ وأسرار، مثل حمل وأحمال، ومن قرأ {إِسْرَارَهُمْ}فهو مصدر أسررت إسرارا). [معاني القرآن: 5/14]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ } [آية: 26]
أي في التضافر على عداوة محمد
وقال سفيان يعني الفرائض
قال قتادة هم المنافقون). [معاني القرآن: 6/484]

تفسير قوله تعالى: (فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27)}
يفعلون بهم ذلك في نار جهنم - واللّه أعلم - ويكون المعنى فكيف يكون حالهم إذا توفتهم الملائكة وهم يضربون وجوههم وأدبارهم). [معاني القرآن: 5/14]

تفسير قوله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (28) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (قوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (28)}
المعنى - واللّه أعلم - ذلك جزاؤهم بأنهم اتبعوا الشيء الذي أسخط اللّه وكرهوا رضوانه، أي اتبعو من خالف النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن خالف الشريعة وكرهوا الإيمان بالنبي - صلى الله عليه وسلم - واتباع شريعته.
{فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} أي ما كان من عمل خير نحو صلة رحم أو بر أو صدقة، أحبط اللّه ذلك بكفرهم بما أتى به النبي -صلى الله عليه وسلم-). [معاني القرآن: 5/14-15]

تفسير قوله تعالى: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ ...} يقول: أن لن يبدي الله عداوتهم وبغضهم لمحمد صلى الله عليه). [معاني القرآن: 3/63]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29)}
{الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} المنافقون أي لن يبدي اللّه عداوتهم لرسوله عليه السلام ويظهره على نفاقهم). [معاني القرآن: 5/15]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ } [آية: 29] أي عداوتهم أي يظهروا عداوتهم لأهل الإسلام). [معاني القرآن: 6/485]

تفسير قوله تعالى: (وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ ...}.
يريد: لعرفناكهم، تقول للرجل: قد أريتك كذا وكذا، ومعناه عرفتكه وعلمتكه، ومثله: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ}، في نحو القول، وفي معنى القول). [معاني القرآن: 3/63]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ("فِي لَحْنِ الْقَوْلِ" في فحوى القول، يقال: فلان ألحن بحجته من فلان). [مجاز القرآن: 2/215]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {في لحن القول}: أي في فحواه ومعناه، وفلان ألحن
[غرائب القرآن :339]
بحجته من فلان أي أفطن). [غريب القرآن وتفسيره: 340]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) :
( {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ}، في نحو كلامهم ومعناه). [تفسير غريب القرآن: 411]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30)}
معنى {لَأَرَيْنَاكَهُمْ}لعرفناكهم، تقول: قد أريتك هذا الأمر أي قد عرفتك إياه، المعنى لو نشاء لجعلنا على المنافقين علامة وهي السيمياء.
{فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ} أي بتلك العلامة.
{وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ}، أي في فحوى القول.
فدلّ بهذا والله أعلم - على أن قول القائل وفعله يدلّ على نيّته.
وقول الناس: قد لحن فلان، تأويله: قد أخذ في ناحية عن الصواب، وعدل عن الصواب إليها، وقول الشاعر:
منطق صائب وتلحن أحيا... نا وخير الحديث ما كان لحنا
تأويله: خير الحديث من مثل هذه ما كان لا يعرفه كلّ أحد، إنما يعرف قولها في أنحاء قولها). [معاني القرآن: 5/15]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ } [آية: 30] أي لعرفناكهم يقال قد أريتك كذا أي عرفتكه
{فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ} أي بعلامتهم
ثم قال تعالى: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ}[آية: 30]
أي فحواه ومعناه كما قال الشاعر:

منطق صائب وتلحن أحيانا = وخير الحديث ما كان لحنا
أي ما لم يصرح به وما عرف بالمعنى ونحو الكلام
وقولهم لحن فلان في هذا إنما معناه أخذ في ناحية غير الصواب). [معاني القرآن: 6/485-486]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} أي: في معنى القول، ويروى عن ابن عباس: في لحن القول - قال: ببغضهم عليا - عليه السلام). [ياقوتة الصراط: 470]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {لَحْنِ الْقَوْلِ}: ظاهره ويقين القول). [العمدة في غريب القرآن: 274]

تفسير قوله تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( "{حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ}" حتى نميز). [مجاز القرآن: 2/215]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31)}
معنى {لَنَبْلُوَنَّكُمْ} لنختبرنكم بالحرب.
{حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ} وهو عزّ وجلّ قد علم قبل خلقهم المجاهدين منهم والصابرين، ولكنه أراد العلم الذي يقع به الجزاء، لأنه إنما يجازيهم على أعمالهم.
فتأويله حتى يعلم المجاهدين علم شهادة، وقد علم - عزّ وجلّ - الغيب، ولكن الجزاء بالثواب والعقاب يقع على علم شهادة). [معاني القرآن: 5/16]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ (32) )
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والضُّرّ: الشدة والبلاء ... ومنه النقص، كقوله تعالى: {لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ} [محمد: 32] ). [تأويل مشكل القرآن: 483]

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ (33) )

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (34) )

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله - عزّ وجلّ -: ( {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (34) }أعلم - عزّ وجلّ - أنه لا يغفر لمن مات على الكفر). [معاني القرآن: 5/16]

تفسير قوله تعالى: (فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (35) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ...}.
[معاني القرآن: 3/63]
كلاهما مجزومتان بالنهي: لا تهنوا ولا تدعوا، وقد يكون منصوباً على الصرف يقول: لا تدعوا إلى السلم، وهو الصلح، وأنتم الأعلون، أنتم الغالبون آخر الأمر لكم.
وقوله: {وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ...} من وترت الرجل إذا قتلت له قتيلا، أو أخذت له مالا فقد وترته. وجاء في الحديث: (من فاتته العصر فكأنما وتر أهله وماله) قال الفراء، وبعض الفقهاء يقول: أوتر، والصواب وتر). [معاني القرآن: 3/64]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (" {فَلَا تَهِنُوا}" وهن يهن.
" {وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ}" لن ينقصكم لن يظلمكم وترتني حقي ظلمتني). [مجاز القرآن: 2/216]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ}
وقال: { وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} أي: في أعمالكم كما تقول: "دخلت البيت" وأنت تريد "في البيت"). [معاني القرآن: 4/18]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( (ولا تهنوا): أي لا تضعفوا، من وهن بهن.
35- {يتركم أعمالكم}: أي لا ينقصكم ولا يظلمكم وترني حقي أي ظلمني). [غريب القرآن وتفسيره: 340]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) :
({فلا تهنوا} أي لا تضعفوا. من «الوهن». {وتدعوا إلى السّلم} أي الصلح.
{ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} أي لن ينقصكم، ولن يظلمكم. يقال: وثرثني حقي، أي بخستنيه). [تفسير غريب القرآن: 411]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ(35)}
{إلى السّلم} والسّلم، ومعناه الصلح، يقال للصّلح هو السّلم، والسّلم، والسّلم.
ومعنى {لَا تَهِنُوا} لا تضعفوا. يقال: وهن يهن، إذا ضعف، فمنع اللّه المسلمين أن يدعوا الكافرين إلى الصّلح وأمرهم بحربهم حتى يسلموا.
وقوله عزّ وجلّ: (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ) تأويله.. أنتم الأعلون في الحجة ومعكم النبي - صلى الله عليه وسلم - وما أتى به من الآيات التي تدل على نبوته، {وَاللَّهُ مَعَكُمْ} أي ناصركم.
وقوله - عزّ وجلّ - { وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} أي لن ينقصكم شيئا من ثوابكم). [معاني القرآن: 5/16]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [آية: 35]
قال مجاهد لن ينقصكم
قال أبو جعفر من هذا حديث النبي صلى الله عليه وسلم ((من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله)). [معاني القرآن: 6/486]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {تَهِنُوا}: تضعفوا
{وَلَنْ يَتِرَكُمْ}: ينقصكم ويظلمكم به). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 232]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {لَا تَهِنُوا}: لا تضعفوا
35- {يَتِرَكُمْ}: ينقصكم). [العمدة في غريب القرآن:274-275]

تفسير قوله تعالى: (إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ (37) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ ...}.
أي يجهدكم تبخلوا ويخرج أضغانكم، ويخرج ذلك البخل عداوتكم، ويكون يخرج الله أضغناكم أحفيت الرجل: أجهدته). [معاني القرآن: 3/64]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({"فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا}" يقال: أحفاني بالمسألة وألحف على وألح، قال أبو الأسود: لن تمنع السائل الحفي بمثل المنع الخامس). [مجاز القرآن: 2/216]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({فيحفكم تبخلوا}: يقال أحفاني بالمسألة وألحف بمعنى أحفى). [غرائب القرآن 340]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) :
( {إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ } أي أن يلح عليكم بما يوجبه في أموالكم. تبخلوا: يقال: أحفاني بالمسألة وألحف وألح). [تفسير غريب القرآن: 411]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {إنّما الحياة الدّنيا لعب ولهو وإن تؤمنوا وتتّقوا يؤتكم أجوركم ولا يسألكم أموالكم (36)}
وقد عرفهم أنّ أجورهم الجنة.
{ولا يسألكم أموالكم (36)إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ (37)}
أي إن يجهدكم بالمسألة {تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ}.
ونخرج أضغانكم، وقد قرئ بهما جميعا). [معاني القرآن: 5/16-17]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ } [آية: 37]
فيحفكم أي يجهدكم ومنه حفيت الدابة
ويخرج أضغانكم قيل أي عداوتكم
وقال الضحاك غش قلوبكم إذا سئلتم أموالكم). [معاني القرآن: 6/486-487]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {فَيُحْفِكُمْ}: أي فيلح عليكم بالمسألة يقال: أحفاني بالمسألة وألح علي وألحف). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 232]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {فَيُحْفِكُمْ}: يستقصي عليكم). [العمدة في غريب القرآن: 275]

تفسير قوله تعالى: (هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (38) )
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ }
وقال: {هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ} فجعل التنبيه في موضعين للتوكيد وكان التنبيه الذي في "هؤلاء" تنبيها لازما). [معاني القرآن: 4/18]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (38)}
جاء في التفسير: إن تولّى العباد استبدل اللّه بهم الملائكة.
وجاء أيضا: إن تولّى أهل مكة استبدل الله بهم أهل المدينة.
وجاء أيضا - يستبدل قوما غيركم من أهل فارس.
فأما ما جاء أنه يستبدل بهم الملائكة، فهو في اللغة على ما أتوهّم فيه بعد لأنه لا يقال للملائكة قوم، إنما يقال قوم للآدميين.
والمعنى - واللّه أعلم - وإن تتولوا يستبدل قوما أطوع منكم، كما قال - عزّ وجلّ - {عسى ربّه إن طلّقكنّ أن يبدله أزواجا خيرا منكنّ}.
إلى آخر القصة.
فلم يتولّ جميع النّاس - واللّه أعلم). [معاني القرآن: 5/17]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ} [آية: 38]
قال قتادة أي إن تتولوا عن طاعة الله
ثم قال: {يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [آية: 38]
قال مجاهد من شاء
وروى العلاء عن أبيه عن أبي هريرة قال قالوا يا رسول الله من هؤلاء الذين إن تولينا استبدلوا ثم لا يكونوا أمثالنا فضرب بيده على فخذ سلمان رضي الله عنه فقال هم قوم هذا لو كان الدين بالثريا لتناوله رجال من الفرس). [معاني القرآن: 6/487-488]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:30 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة