العودة   جمهرة العلوم > جمهرة علوم الاعتقاد > كتاب الأسماء والصفات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #26  
قديم 14 رمضان 1438هـ/8-06-2017م, 07:23 PM
جمهرة علوم العقيدة جمهرة علوم العقيدة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 1,193
افتراضي

قوله عند دخول الخلاء

قال أبو سليمان حَمْدُ بن محمد بن إبراهيم الخطابي (ت: 388هـ)
: (بسم الله الرحمن الرحيم
أخبرنا الشيخ الحافظ أبو مسلم عمر بن علي الليثي البخاري بقراءتي عليه، قلت: أخبركم الشيخ أبو القاسم عبد الوهاب بن محمد بن محمد الخطابي قراءة عليه، قال: قال أبو سليمان الخطابي:
[69] [و] قوله: عند دخول الخلاء: «اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث»، الخبث مضمومة الباء جمع الخبيث. والخبائث: جمع الخبيثة، يريد: [به] ذكران الشياطين وإناثهم. وعامة أصحاب الحديث يقولون: الخبث ساكنة الباء وضمها أصوب على ما فسرناه. ورواه أبو عبيد: «من الخبث» - ساكنة الباء وقال: معناه ذو البخث.
[70] قوله عند خروجه من الخلاء: «غفرانك [ربنا وإليك المصير]». [الغفران: مصدر كالمغفرة، ونصبه على إضمار الطلب والمسألة، كأنه يقول: اللهم إني أسألك غفرانك. كما يقول: «عفوك يا رب ورحمتك» أي: هب لي عفوك ورحمتك. والمعنى في تعقيبه الخروج من الخلاء بهذا الدعاء يحتمل وجهين:
أحدهما: أنه إنما استغفر لتركه ذكر الله سبحانه مدة لبثه على الخلاء. وكان صلى الله عليه وسلم: «لا يهجر ذكر الله إلا عند الحاجة والخلاء». فكأنه رأى هجران الذكر في تلك الحال تقصيرًا، وعده على نفسه ذنبًا فتداركه بالاستغفار. وقيل: معناه: التوبة من تقصيره في شكر النعمة التي أنعم بها الله عليه؛ فأطعمه، ثم هضمه، ثم سهل خروج الأذى منه؛ فرأى شكره قاصرًا عن بلوغ حقوق هذه النعمة؛ ففزع إلى الاستغفار] [منه] وكان الحسن البصري يقول إذا بال: «يا لها نعمة، تدخل لذة، وتخرج سرحا».
وأخبرني أبو محمد الكراني، قال: حدثنا عبد الله بن شبيب، قال: حدثنا زكريا بن يحيى المنقري، قال: حدثنا الأصمعي، قال: دخل ابن السماك على هارون، فقال له: «عظني» فقال: «[يا] أمير المؤمنين، أرأيت إن منعت شربة ماء عند العطش أكنت تفديها بنصف ملكك؟ قال: نعم، فقال: أرأيت إن منعت خروجها عند الحاجة، أكنت تفديه بالشطر الآخر؟ قال: نعم، قال: فما فرحك بشيء قيمته شربة وبولة».
[71] [و] قوله: عند الفراغ من وضوئه: «سبحانك اللهم وبحمدك». قال النحويون: «سبحان» مصدر من قولك: سبحت الله تسبيحا وسبحانا، أي: نزهته تنزيها و[برأته] تبرئة. ومنه قول الأعشى:
أقول لما جاءني فخره
سبحان من علقمة الفاخر
يريد: التعجب من فخره، والتبرؤ منه. ويقال: إن التسبيح مأخوذ من قولك: سبح الرجل في الأرض، إذا: ذهب فيها. ومنه قيل للفرس إذا كان جيد الركض -: سابح.
وأما دخول الواو في قوله: «وبحمدك» فإن الحسن بن خلاد أخبرني، قال: سألت عنه الزجاج؛ فقال: سألت عما سألتني [عنه] أبا العباس، محمد بن يزيد، فقال: سألت أبا عثمان المازني عما سألتني [عنه]، فقال: المعنى: سبحتك اللهم بجميع آلائك، وبحمدك سبحتك قال: ومعنى سبحانك: سبحتك.
قال أبو سليمان يريد بقوله: «وبحمدك سبحتك» أي: وبمعونتك التي هي نعمة توجب علي حمدًا سبحتك، لا بحولي وقوتي.
وسمعت أبا عمر يقول: سئل أبو العباس أحمد بن يحيي عن قوله: «وبحمدك» فقال: أراد: «سبحتك بحمدك» كأنه يذهب إلى أن الواو صلة.
[72] [و] قوله: «اللهم اجعل في قلبي نورًا واجعل في لساني نورا واجعل في سمعي نورا، واجعل في بصري نورا، واجعل [من] خلفي نورًا، ومن أمامي نورًا، واجعل من فوقي نورًا، ومن تحتي نورًا».
معنى النور في هذا: ضياء الحق وبيانه، كأنه يقول: اللهم استعمل هذه الأعضاء مني في الحق، واجعل تصرفي وتقلبي في هذه الجهات على سبيل الحق. وكذلك معنى قوله بعد ركعتي السنة:
[73] «اللهم اجعل نورًا في قلبي، ونورًا في سمعي، ونورًا في بصري، ونورًا في شعري، ونورًا في بشري، ونورًا في لحمي، ونورًا في دمي، ونورًا في عظامي». وإنما ذلك لأن القلب أمير البدن، وهو الذي يستعمل سائر الأعضاء، وهي على إرادته تتصرف، فإذا استنار القلب انبث نوره في سائر البدن، وفاض على جميع أجزائه. وقد يكون أيضًا معنى النور: في اللحم، والدم، والعظام، والشعر، والبشر منصرفًا إلى القوت الذي به يغتدي البدن ومنه تستمد هذه الأعضاء قواها. سأل الله بأن يجعل رزقه طيبًا، فإن أكل الحلال يصلح عليه القلب وتحسن معه الأخلاق، وأكل الحرام يفسد عليه القلب وتخبث معه الأخلاق.
وقد ضرب الله سبحانه مثل الحق والباطل بالنور والظلمات، كقوله سبحانه: {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات} [البقرة: 257] وذلك أن أمر الضلالة والباطل مظلم غير بين، وأمر [الهدى و] الحق بين واضح كبيان النور.
[74] [و] قوله: صلى الله عليه وسلم: «أسألك يا قاضي الأمور ويا شافي الصدور كما تجير بين البحور أن تجيرني من عذاب السعير ومن دعوة الثبور ومن فتنة القبور».
أصل الثبور: الهلاك، [يقال]: ثبر الرجل فهو مثبور، إذا: أصابه الهلاك. ومن هذا [قول الله تعالى]: {وإني أظنك يا فرعون مثبورا} [الإسراء: 102] أي: [أظنك] مهلكًا. وقال الفراء في قوله: «مثبورًا» أي: ملعونًا ممنوعًا من الخير. يقال: ما ثبرك عن هذا الأمر؟ أي: ما منعك [منه] وما صدك عنه؟
ودعوة الثبور: دعوة أهل النار، يدعون على أنفسهم بالهلاك وبالموت، ليتخلصوا من العذاب. بالله نستعيذ من عذابه وسخطه.
وفتنة القبور؛ معناها: مسألة القبر،
[75] [و] روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر فتنة القبر فقال: «بي تفتنون وعني تسألون» يريد قول الملك: «من ربك؟ ومن نبيك؟» ومعنى الفتنة: الامتحان.
وأخبرني أبو عمر عن أبي العباس، قال: أصل الفتنة من قولك: فتنت الذهب، إذا أدخلته [في] النار؛ تمتحنه؛ لتعرف جيده من رديئه.
[76] [و] قوله: «اللهم اجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، حربا لأعدائك، سلما لأوليائك». الحرب: المحارب. والسلم: المسالم، أقيم الاسم فيه مقام الفعل. يقال: رجل حرب وقوم حرب، ورجل سلم، وقوم سلم الواحد والجمع فيه سواء ومثله رجل عدو، وقوم عدو، كقوله تعالى: {وهم لكم عدو} [الكهف: 50] ويقال: هو لك صديق، وهم صديق.
وحكى أبو حاتم: أن عجوزا من الأعراب أقبلت من السوق، وكان الطريق غاصا بأصحاب أبي زيد النحوي فقالت:
تنح للعجوز عن طريقها
إذا أقبلت جائية من سوقها
دعها فما النحوي من صديقها
تريد: من أصدقائها.
[77] [و] قوله: «اللهم ذا الحبل الشديد، والأمر الرشيد، أسألك الأمن يوم الوعيد، والجنة يوم الخلود» الحبل: السبب الذي يتمسك به، والحبل: العهد؛ ومنه قوله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعا} [آل عمران: 103] قال الأعشى:
وإذا تجوزها حبال قبيلة
أخذت من الأخرى إليك حبالها
وقيل: حبل الله: القرآن. وفيه عهده، وأمره، ونهيه. ووصف الحبل بالشدة لأن من تعلق به أمن انبتاته وانقطاعه.
[78] [و] قوله: «سبحان من تعطف العز وقال به، سبحان الذي لبس المجد وتكرم به». تعطف مأخوذ من العطاف، وهو الرداء. وإنما هو مثل كما جاء: «أن الكبرياء رداء الله» ومعناه: الاختصاص بالعز والاتصاف به لا يفارقه بمنزلة الرداء للابسه الذي اتخذه زينة ولباسًا، لا يضعه ولا يفارقه. ومعنى «قال به»: حكم به فينفذ حكمه، ولا يرد أمره. يقال منه: قال الرجل، واقتال، إذا: تحكم فمضى حكمه، ومنه سمي «القيل» وهو الملك. وأنشد أبو العباس عن ابن الأعرابي:
نحن ضربناه على نطابه
قلنا به قلنا به قلنا به
قال أبو العباس: معناه: حكمنا به.
وقال علقمة بن عبدة:
فلو أن ميتا يفتدي لفديته
بما اقتال من حكم علي طبييب
وقوله: «لبس المجد» مثله، والقول فيه كما قلنا في «تعطف» سواء.
[79] [و] قوله: «والخير كله في يدك والشر ليس إليك».
معنى هذا الكلام الإرشاد إلى استعمال الأدب في الثناء على الله تعالى والمدح له بأن تضاف إليه محاسن الأمور دون مساوئها ولم يقع القصد إلى إثبات شيء وإدخاله له تحت قدرته ونفي ضده عنها، فإن الخير والشر صادران عن خلقه، وقدرته، لا موجد لشيء من الخلق غيره. وقد تضاف محاسن الأمور ومحامد الأفعال إلى الله تعالى عند الثناء عليه دون مساوئها ومذامها كقوله تعالى: {وإذا مرضت فهو يشفين} [الشعراء: 80] وكقوله تعالى: «وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن» [يوسف: 100] ولم يضف سبب وقوعه في السجن إليه. وكما تضاف معاظم الخليقة إليه عند الثناء والدعاء فيقال: «يا رب السموات والأرضين» كما يقال: «يا رب الأنبياء والمرسلين» ولا يحسن أن يقال: يا رب الكلاب، ويا رب القردة والخنازير، ونحوها من سفل الحيوان، وحشرات الأرض، وإن كانت إضافة جميع المكونات إليه من جهة الخلق لها، والقدرة عليها شاملة لجميع أصنافها.
وسئل الخليل عن قوله: «والشر ليس إليك» فقال: معناه:
ليس مما يتقرب به إليك؛ كأنه يذهب إلى مثل قول القائل لرئيسه: أنا منك وإليك، أي: عدادي منك، وميلي وانقطاعي إليك، في نحو هذا من الكلام).[شأن الدعاء: 140-154]


رد مع اقتباس
  #27  
قديم 14 رمضان 1438هـ/8-06-2017م, 07:25 PM
جمهرة علوم العقيدة جمهرة علوم العقيدة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 1,193
افتراضي

قوله - صلى الله عليه وسلم - في الركوع والسجود

قال أبو سليمان حَمْدُ بن محمد بن إبراهيم الخطابي (ت: 388هـ): ( [80] [و] قوله صلى الله عليه وسلم في الركوع والسجود: «سبوح قدوس رب الملائكة والروح». السبوح: المنزه عن كل عيب. جاء بلفظ: فعول من قولك: سبحت الله؛ أي: نزهته. وقد.
[81] روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه سئل عن تفسير قوله: «سبحان الله» فقال: «إنكاف الله من كل سوء»؛ أي: تنزيهه.
والقدوس: قد فسرناه في الأسماء.
والروح: فيه قولان:
أحدهما: أنه جبريل صلوات الله عليه خص بالذكر تفضيلاً له على سائر الملائكة، ويقال: إن الروح خلق من الملائكة يشبهون في الصور بالإنس وليسوا بإنس.
[82] [و] قوله: «سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض. وملء ما شئت من شيء بعده». قد يحتمل أن يكون قوله: «سمع الله لمن حمده» دعاء من الإمام للمأمومين لأنهم يقولون: «ربنا لك الحمد» وهذا على مذهب من يقول: إن المأموم لا يقولك «سمع الله لمن حمده» وعلى مذهب أكثر العلماء يجمع الإمام والمأموم بين الكلمتين فتشيع الدعوة من كل من الطائفتين لنفسه، ولأصحابه. ومعنى سمع: استجاب. فأما قوله: «ملء السموات وملء الأرض» فإن هذا كلام تمثيل وتقريب، والكلام لا يقدر بالمكاييل ولا تحشى به الظروف، ولا تسعة الأوعية وإنما المراد به تكثير العدد. حتى لو يقدر أن تكون تلك الكلمات أجسامًا تملأ الأماكن لبلغت من كثرتها ما يملأ السموات والأرضين.
وقد يحتمل أيضًا أن يكون المراد به أجرها وثوابها. ويحتمل أن يراد به التعظيم لها والتفخيم لشأنها؛ كما يقول القائل: تكلم فلان اليوم بكلمة كأنها جبل، وحلف بيمين كالسموات والأرضين؛ وكما يقال: هذه كلمة تملأ طباق الأرض، أي: أنها تسير وتنتشر في الأرض، كما قالوا كلمة تملأ الفم وتملأ السمع، ونحوها من الكلام. والملء بكسر الميم الاسم. والملء: المصدر من قولك ملأت الإناء ملئًا.
[83] [و] قوله: «وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال» عوام الناس يولعون بكسر الميم من المسيح، وتثقيل السين ليكون ذلك عندهم فرقا بين عيسى [عليه السلام] وبين مسيح الضلالة. والاختيار في كل واحد [منهما: فتح الميم] وتخفيف السين. وإنما سمي الدجال مسيحا لأنه ممسوح إحدى العينين. وسمي عيسى [صلوات الله عليه] مسيحا لأنه [كان] إذا مسح ذا عاهة برأ. فهو في نعت عيسى عليه السلام فعيل بمعنى فاعل. وفي نعت الدجال فعليل بمعنى معفول.
[84] [و] قوله: «اللهم أنت السلام» إلى قوله: «ولا ينفع ذا الجد منك الجد».
قد فسرنا السلام [في الأسماء]، وذكرنا أن معناه: ذو السلام. وأشبعنا بيانه هناك فأغنى ذلك عن إعادته. وأما قوله: «ولا ينفع ذا الجد منك الجد»، فإن الجد يفسر على وجهين، أحدهما: الغني، ومنه.
[85] قوله صلى الله عليه وسلم في الفقراء: «أنهم يدخلون الجنة وإذا أصحاب الجد محبوسون» يريد أن أصحاب الأموال محبوسون للمحاسبة.
والجد أيضًا بمعنى البخت، يقال: لفلان جد في هذا الأمر، أي: حظ. يقول: إن المال والغنى والبخت لا ينفع أحدًا إنما النفع والضر من قبل الله سبحانه.
وأما قول الله جل وعز: {وأنه تعالى جد ربنا} [الجن: 3]، فمعناه: الجلال والعظمة. وقوله: «منك الجد» من هاهنا بمعنى البدل، كقوله عز وجل: {ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون} [الزخرف: 60] أي: بدلكم.
[86] [و] قوله: «أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بعفوك من نقمتك، وأعوذ بك منك».
قلت: الرضى: ضد السخط، والنقمة: ضد العفو. فلذلك قابل الضد بالضد [في موضع اللغة]، فلما انتهى إلى ذكر ما لا ضد له ولا ند سبحانه أظهر العجز. والانقطاع، وفزع منه إليه، واستعاذ به منه، واستجار بفضله من عدله. وفيه دليل على أن النفع والضر والخير والشر مصدرهما جميعا من قبل الله عز وجل.
[87] [و] قوله: «سبحان الله عدد خلقه، ورضى نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته» المداد: مصدر كالمدد، يقال: مددت الشيء أمده مددًا ومدادًا قال الشاعر:
رأوا بارقات بالأكف كأنها
مصابيح سرج أوقدت بمداد
أي: بزيت يمدها. وروى سلمة عن الفراء، قال: قال الحارثي: يجمعون المد: مدادًا. وأنشدني:
ما يرن في البحر بخير سعر
وخير مد من مداد البحر
فعلى هذا يكون معناه المكيال، والمعيار. وكلمات الله سبحانه لا ينتهي إلى أمد، ولا تحد، ولا تحصى بعدد، ولكنه ضرب بهما المثل ليدل على الكثرة والوفور، ونصب «العدد، والمداد» على المصدر. و«زنة العرش»: ثقله ورزانته. والعرش: خلق عظيم لله عز وجل لا يعلم قدر عظمه ورزانة ثقله أحد غير الله سبحانه وهو مخلوق، ومحدود؛ ألا تراه يقول: {وترى الملائكة حافين من حول العرش} [الزمر: 75] وهو محمول على كواهل الملائكة، والله سبحانه حامل حملته، لا حاجة به إلى العرش، وليس بمكان له، ولا هو متمكن فيه ولا معتمد عليه لأن هذا كله من صفات الحدث، لكنه بائن منه ومن جميع خلقه، وإنما جاء في التنزيل: {الرحمن على العرش استوى} [طه: 5] فنحن نؤمن بما أنزل، ونقول كما قال، ولا نكيفه، ولا نحده، ولا نتأوله. كما فعله نفاة الصفات، وهذا باب من العلم الذي يجب علينا الإيمان بظاهره، ولا يجوز لنا الكشف عن باطنه).[شأن الدعاء: 154-160]


رد مع اقتباس
  #28  
قديم 14 رمضان 1438هـ/8-06-2017م, 07:29 PM
جمهرة علوم العقيدة جمهرة علوم العقيدة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 1,193
افتراضي

قوله - صلى الله عليه وسلم- أفضل الكلام أربع

قال أبو سليمان حَمْدُ بن محمد بن إبراهيم الخطابي (ت: 388هـ): ([88] [و] قوله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الكلام أربع هن من القرآن ولسن بقرآن «سبحان الله» و«الحمد لله» و«لا إله إلا الله» و«الله أكبر».
يريد بقوله: «هن من القرآن» أن هذه الكلمات موجودة في القرآن وليست بقرآن من جهة النظم، فيكون آية متلوة. [وهذا يدل على أن إعجاز القرآن إنما هو في لفظه ونظمه معًا لا في لفظه فحسب].
[89] [و] قوله: «لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة». معنى الكنز في هذا: الأجر الذي يحوزه قائله، والثواب الذي يدخر له ومعنى كلمة «لا حول ولا قوة إلا بالله» إظهار الفقر إلى الله جل وعز وطلب المعونة منه على كل ما يزاوله من الأمور، وهو حقيقة العبودية.
وقال ابن الأنباري: الحول معناه في كلام العرب: الحيلة، يقال: ما للرجل حول، وماله، احتيال، وماله محالة، وماله محال؛ بمعنى واحد. يريد: أنه لا حيلة له في دفع شر، ولا قوة له في درك خير إلا بالله، ومعناه: التبرؤ من حول نفسه وقوته، والانقطاع إلى الله عز وجل في جميع الأمور.
وقال أبو الهيثم الرازي قوله: «لا حول» أصله من حال الشيء إذا تحرك، يقول: لا حركة ولا استطاعة إلا بالله. وقد روي عن ابن مسعود أنه قال في تفسيره: «لا حول عن معصية الله إلا بعصمة الله، ولا قوة على طاعة الله إلا بعون الله».
قال أبو سليمان: وهذا أحسن ما جاء فيه.
[90] [و] قوله: «أسألك النعيم يوم العيلة، والأمن يوم الخوف»، العيلة: الفقر، يقال منه: عال الرجل يعيل عيلة، إذا: افتقر، وعال يعول، إذا: جار. وأعال يعيل [إعالة]، إذا: كثر عياله.
[91] [و] قوله: «اللهم عائذ بك من شر ما أعطيتنا ومن شر ما منعتنا». قال أبو سليمان: من رواه «عائذ» بضم الذال كان معناه: أنا عائذ بك، وأضمر الاسم. ومن رواه: «عائذًا بك» - مفتوحة الذال كان معناه: المصدر. كأنه يقول: «أعوذ بك عياذًا» وقد جاء من المصادر على وزن فاعل «العافية» وفلج الرجل «فالجأ» وما باليت به «بالية وبالة».
[92] [و] قوله: «ألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين» خزايا: جمع خزيان. [و] أصل الخزي [الذل] الذي يستحيا من مثله لما يخاف من الفضيحة [فيه. يقال]: خزي الرجل يخزي خزيًا، إذا: هان وذل. وخزي خزاية، إذا: استحيا.
[93] [و] قوله: «اللهم أعني ولا تعن علي، وامكر لي ولا تمكر علي» معناه: أن ينفذ مكره وحيلته في عدوه، ولا ينفذ مكر عدوه وحيلته فيه. وقد يكون معنى المكر: الاستدراج في الطاعات؛ فيتوهم أنها مقبولة منه وهي مردودة عليه، ويحسب أنه محسن وهو مسيء. كقوله سبحانه: {وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا} [الكهف: 104] وكقوله تعالى: {وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون} [الزمر: 47].
[94] وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنه قال: «إذا رأيت الله يعطي العبد ما يحب، وهو مقيم على معاصيه، فإنما ذلك منه استدراج»، ثم ترجم بهذه الآية: {فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون}» [الأنعام: 44].
حدثناه ابن الأعرابي، قال: أنبأنا أبو إسماعيل الترمذي، قال: أنبأنا أبو صالح [هو] كاتب الليث، قال: حدثني حرملة بن عمران عن [عقبة] بن مسلم عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[95] [و] قوله: «رب اجعلني [لك] شكارًا، لك ذكارًا، مخبتًا لك أواها، رب تقبل توبتي، واغسل حوبتي، واسلل سخيمة قلبي».
المخبت: الخاشع، ويقال: المخلص في خشوعه. والأواه: الموقن. ويقال: البكاء.
وروي في قوله سبحانه: {إن إبراهيم لحليم أواه منيب} [هود: 75]: أنه كان إذا ذكر النار [ضج وتأوه].
والحوبة: كل ما يتحوب منه، أي: يتحرج من فعله؛ والاسم منه: الحوب والحاب، يقال: حاب الرجل يحوب، قال الشاعر:
وإن مهاجرين تكنفاه
غداة ئذ لقد ظلما وحابا
والسخيمة: غل القلب ونغله.
[96] [و] قوله: «اللهم عافني في سمعي وبصري ما أبقيتني، واجعله الوارث مني» معنى الوارث هاهنا- الباقي، وحقيقة الوارث أنه هو الذي يرث ملك الماضي. سأل الله أن يبقي له قوة هاتين الحاستين إذا أدركه الكبر، وضعف منه سائر القوى؛ ليكونا وارثي سائر الأعضاء والباقيين بعدها.
وقيل: إنه دعا بذلك للأعقاب والأولاد. وقوله: «واجعله الوارث مني» بلفظ الواحد، وقد ذكر قبله السمع والبصر، وهما اثنان، فإنه رد الفعل إلى واحد منهما كقول الشاعر:
إن شرخ الشباب والشعر الأســــ
ـود لم يعاص كان جنونا
ولم يقل: ما لم يعاصيا؛ لأنه أراد: ما لم يعاص كل واحد منهما. وفيه وجه آخر، وهو أن كل شيئين تقاربا في معنييهما، فإن الدلالة على أحدهما دلالة على الآخر.
[97] [و] قوله: «اللهم اغفر لي، وارحمني، وألحقني بالرفيق الأعلى».
الرفيق: الخليط المرفق، فعيل بمعنى مفعل. كقولهم: أليم بمعنى مؤلم، يقال للواحد وللجماعة: رفيق. كما يقال للواحد وللجماعة: صديق. يريد الملائكة المقربين، وهم الملأ الأعلى. كقوله تعالى: {لا يسمعون إلى الملأ الأعلى} [الصافات: 8] يريد الملائكة. والله أعلم.
[98] [و] قوله: «يا كائن قبل أن يكون شيء، والمكون لكل شيء، والكائن بعدها لا يكون شيء» الوجه في حركة الأول ضم النون لأنه نداء مفرد، وفي الثاني نصبها لأنه عطف على موضع المنادي. كقوله جل وعز: {يا جبال أوبي معه والطير} [سبأ: 10] [و] كما قال الشاعر:
ألا يا زيد والضحاك سيرا
فقد جاوزتما خمر الطريق
فعطف على موضع المنادي.
[قوله]: «والكائن بعدما لا يكون شيء» مضموم النون على استئناف النداء؛ إذا طال الكلام قطع، واستؤنف ما بعده، وكأنه أضمر فيه أنت.
[99] [و] قوله: «اللهم اغسل خطاياي بماء الثلج والبرد، ونق قلبي من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس، وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب» [قال أبو سليمان]: معنى ذكره الثلج والبرد توكيد للتطهير، ومبالغة فيه، وذلك أن الثلج والبرد ماءان مفطوران على خلقتهما، لم تمترسهما الأيدي، ولم تخضهما الأرجل كسائر المياه التي قد خالطت تربة الأرض، وجرت في الأنهار والحياض ونحوها؛ فكانا أحق بكمال الطهارة، وكذلك هذا المعنى في قوله: «كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس» إشباع في بيان التطهير، وتوكيد له. والله سبحانه مستغن عن أن يضرب له الأمثال، وأن يظاهر له البيان من طريق التشبيه، والتمثيل، ولكنه عادة الكلام، وبه يحسن البيان، ويقرب الشيء من الأفهام. [والله أعلم].
[100] [و] قوله: «اللهم إني أعوذ بك من طمع يهدي إلى طبع». قال أبو عبيد: الطبع: الدنس، والعيب، وكل شين في دين أو دنيا فهو طبع، يقال منه: رجل طبع، وأنشد الأعشى:
له أكاليل بالياقوت فصلها
صواغها لا ترى عيبا ولا طبعا
[101] قوله: «وأعوذ بك من الغرق والحرق» والحرق مفتوحة الراء -.
[102] [و] قوله: «اللهم إني أعوذ بك من جار السوء في دار المقامة» فإن جار البادية يتحول. سأل سائل عن هذا فقال: ما معنى هذا الشرط؟ وما وجه التخصيص فيه؟ والمعنى والله أعلم أن حكم الشيء الخاص النادر خلاف حكم الشيء العام الدائم. واليسير من الأذى والمشقة محتمل فلم يستعذ بالله منه لأن في احتماله، والصبر عليه أجرًا ومثوبة وقد أمرنا بالصبر والرضى في المكروه ما احتمله الإنسان، واستقل به، فأما الكثير الدائم منه فغير محتمل ولا مستطاع وإذا ابتلى به الإنسان افتتن في دينه، وخيف عليه الوقوع في المأثم، فاستعاذ بالله منه، وفزع إليه في صرفه عنه. وجوار البوادي جوار نجعة ومقامهم فيها مقام قلعة؛ لأنهم إنما يبتغون مواقع الغيث، فإذا نفدت تلك المياه انتقلوا، وتباينت بهم المحال. وجوار المقام في البلدان جوار يتصل مدى العمر، ويدون ولا ينقطع، ويقال: هذه دار مقام، ودار مقامة، ونظير هذا.
[103] قوله صلى الله عليه وسلم: «أعوذ بك من الصمم، والبكم، والجنون، والجذام، والبرص، وسيء الأسقام» فيقال كيف لم يستعذ من الحمى، والصداع، والرمد ونحوها من العلل والأمراض؟ والجواب في هذا كالأول أو قريب منه، وذلك أن هذه الأمور آفات وعاهات تفسد الخلقة، وتغير الصورة، وتورث الشين، وتؤثر في العقل، والمحنة بها تعظم، والبلاء فيها يجهد ويشتد.
[104] وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم: «يستعيذ بالله من جهد البلاء». فأما الحمى والصداع والرمد ونحوها من الأوجاع فإنها [- وإن كانت أعراضًا مؤلمة -] تزول ولا تدوم وفيها أجر وتكفير للذنوب، فلم يصرف الاستعاذة إليها لخفة الأمر فيها، وإمكان الصبر عليها.
[105] [و] قوله: [اللهم إني] أعوذ بك من الذلة والمسكنة، وأعوذ بك من الفقر. معنى استعاذته من الفقر والمسكنة، إنما هو فقر النفس وما يعتريها من الحرص والجشع، ولم يرد به قلة المال، وعدم اليسار، فقد كان معلوما من أمره صلى الله عليه وسلم أنه كان يؤثر الإقلال من الدنيا ويكره الاستكثار من حطام أعراضها. وقال بعض العلماء قد جاء في الحديث مدح الفقر، وذمه، والاستعاذة منه، وإنما المذموم من الفقر أن يكرهه خوفًا من الذل والصغار وانحطاط القدر عند الناس، فأما ما كره من ذلك لأجل ما يخاف من فتنته. فليس بمذموم؛ لأن سوء احتمال الفقر ربما دعا إلى التقصير في إقامة الفرائض، والذهاب عن الحقوق الواجبة.
[106] [و] قوله: «واجعلني في النداء الأعلى» وقد يروى: «[في] الندى الأعلى».
النداء مصدر ناديته نداء، ومعناه أن ينادي للتنويه به. والرفع منه، وقد يحتمل [أن] يكون أراد بـ«النداء الأعلى» نداء أهل الجنة أهل النار كقوله تعالى: {ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا} [الأعراف: 44] والنداء الأسفل: نداء أهل النار أهل الجنة: {أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله} [الأعراف: 50]. ولهذا قيل: ليوم القيامة: «يوم التنادي» وقيل إنما سمي يوم التنادي، لأن كل واحد يدعى باسمه فيعطى كتابه. وأما الندي: فأصله المجلس الذي قد اجتمع فيه أهله. يقال منه ندوت القوم أندوهم ندوا: إذا جمعتهم. ومنه سميت «دار الندوة» ويقال: فلان في ندي قومه وناديهم. وقال حاتم الطائي:
ودعيت في أولى الندي ولم
ينظر إلي بأعين خزر
فالندى الأعلى: هم الملائكة صلوات الله عليهم ويقال: لا يكون الندى إلا الجماعة من أهل الندى والكرم.
[107] [و] قوله: «ما من مسلم يبيت طاهرًا على ذكر الله [تعالى] فيتعار من الليل يسأل الله خيرًا من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه».
يتعار: معناه: يستيقظ من نومه. قالوا: ولا يكاد يكون ذلك إلا مع صوت أو كلام ويقال: إنه مأخوذ من عرار الظلم. وهو صوته.
[45 مكرر] [قوله: «أصحبنا على فطرة الإسلام، وكلمة الإخلاص، وعلى دين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم». معنى الفطرة ابتداء الخلقة، وهي إشارة إلى كلمة التوحيد حين أخذ الله العهد من ذرية آدم فقال: {ألست بربكم قالوا بلى} [الأعراف: 172]. وقد تكون الفطرة بمعنى السنة ومن هذا قوله: «عشر من الفطرة فذكر السواك والمضمضة وأخواتها»[.
[آخر كتاب شأن الدعاء وتفسير الأدعية المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وآله أجمعين، التي جمعها محمد بن إسحاق بن خزيمة وفرغ من تسويده في الليلة الخامسة من ذي القعدة من شهور سنة سبع وثمانين وخمسمائة علي بن محمد بن عثمان المؤذن النيسابوري حامدًا لله تعالى ومصليًا على رسوله محمد وعلى آله وسلم]).[شأن الدعاء: 160-177]


رد مع اقتباس
  #29  
قديم 14 رمضان 1438هـ/8-06-2017م, 07:33 PM
جمهرة علوم العقيدة جمهرة علوم العقيدة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 1,193
افتراضي

من لواحق الدعاء الذي لم يذكر في المأثور

قال أبو سليمان حَمْدُ بن محمد بن إبراهيم الخطابي (ت: 388هـ)
: (بسم الله الرحمن الرحيم
ومن لواحق الدعاء الذي لم يذكر في المأثور
[108] قوله صلى الله عليه وسلم عند الخروج إلى السفر: «اللهم بك ابتسرت، وإليك توجهت، وبك اعتصمت». معنى ابتسرت: ابتدأت سفري، وكل شيء أخذته غضا فقد بسرته، وابتسرته، ويقال: بسرت لانبات أبسره بسرًا: إذا رعيته غضًا، وهذا هو الصحيح في الرواية. والعوام ترويه: «اللهم بك انتشرت» وهو صحيح في المعنى أيضًا، إلا أن الرواية ما ذكرته لك أولاً، وقد فسرناه في غريب الحديث.
[109] [و] قوله قوله - صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من السفر: «ثوبا لربنا أوبا لا يغادر علينا حوبا» الثوب: مصدر ثاب يثوب [ثوبا]، ونصبه على المصدر كأنه قال: أثوب ثوبا، وقوله أوبا مصدر آب يؤوب إذا رجع ومعناه: الرجوع عن الذنب. كقوله سبحانه -: {فإن كان للأوابين غفورا} [الإسراء: 25]. وكقوله: {واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب} [ص: 17]. [قالوا] الأواب: الكثير الرجوع إلى الله عز وجل.
والحوب بضم الحاء المأثم، والحوب بفتحها مصدر حاب يحوب: إذا أثم.
[110] [و] قوله: [صلى الله عليه وسلم] إذا سافر: «اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب والحور بعد الكون وسوء المنظر في الأهل والمال».
وعثاء السفر: شدة النصب والمشقة، وأصله من الوعث وهو الدهس، والمشي يشتد فيه على صاحبه فصار مثلاً لكل ما يشاق على فاعله. وقوله: «كآبة المنقلب» يعني أن ينقلب من سفره إلى أهله بأمر يكتئب منه. مثل أن يصيبه في طريقه مرض أو يناله خسران أو يقدم على ألهه فيجدهم مرضى، أو يكون قد هلك بعضهم إلى ما يشبه ذلك من الأمور التي يكتئب لها الإنسان. قوله: الحور بعد الكون [هكذا يروى] بالنون؛ ومعناه، النقصان بعد الزيادة، وذلك أن يكون الإنسان على حالة جميلة، فيحور عن ذلك؛ أي: يرجع. وأخبرني عبد الرحمن بن الأسد عن الدبري عن عبد الرزاق، قال: سئل معمر عن ذلك فقال: هو الكنتي، ومعنى الكنتي أن يكون الإنسان قد بلغ حالة من النقص لا يزال يخبر الراهن منها بالماضي فيقول: كنت موسرًا فأهب، وكنت شابًا فأغزو، ونحو هذا من الأمر. وأنشد أبو زيد:
إذا ما كنت ملتمسا صديقا
فلا تظفر بكنتي كبير
وقد جاء في غير هذا الحديث. الكور، وهو مأخوذ من كور العمامة. يقول: قد تغير وانتقض كما ينقض كور العمامة.
[111] [و] قوله صلى الله عليه وسلم عند دخول الخلاء: «اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث [المخبث] الشيطان الرجيم». الرجس النجس، زعم الفراء أنهم إذا بدؤوا بالنجس ولم يذكروا الرجس فتحوا النون والجيم، وإذا بدؤوا بالرجس ثم أتبعوه النجس كسروا النون. وقوله: «الخبيث المخبث» الخبيث هو ذو الخبث في نفسه، والمخبث: هو الذي أصحابه وأعوانه خبثاء. كقولهم: قوي مقو، وضعيف مضعف، ونحوهما.
[112] [و] قوله صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفثه» فقيل: يا رسول الله ما همزه ونفثه ونفخه؟ قال: «أما همزه فالموتة، وأما نفثه فالشعر؛ وأما نفخه فالكبر». قال أبو عبيد: فهذا تفسير من النبي صلى الله عليه وسلم ولتفسيره تفسير؛ فالموتة: الجنون، وإنما سماه همزًا؛ لأنه جعله من النخس والهمز وكل شيء دفعته فقد همزته، فأما الشعر فإنما سماه نفثًا لأنه كالشيء ينفثه الإنسان من فيه مثل الرقية ونحوها. وأما الكبر. فإنما سمي نفخًا لما يوسوس إليه الشيطان في نفسه فيعظمها عنده ويحقر الناس في عينه حتى يدخله لذلك الكبر والنخوة.
[113] [و] قوله صلى الله عليه وسلم إذا عوذ الحسن والحسين: «أعيذكما بكلمات الله التامة من [شر] كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة». الهامة يعني: الواحدة من هوام الأرض، وهي دوابها المؤذية، كالحية، والعقرب ونحوهما. وقوله: «لامة» ولم يقل ملمة، وأصلها من ألممت إلماما فأنا ملم. يقال: ذلك الشيء يأتيه ويلم به، وذلك لأنه لم يرد طريق الفعل، ولكن أراد أنها ذات لمم. كقول النابغة:
كليني لهم يا أمية ناصب
أي: ذي نصب، ومن هذا قول الله سبحانه: {وأرسلنا الرياح لواقح} [الحجر: 22] واحدتها: لاقح؛ يعني أنها ذات لقح ولو كان على مذهب الفعل لقال: ملقح؛ لأنها تلقح السحاب والشجر. وأما قوله: «كلمات الله التامة» فقد فسرناه فيما تقدم، وبينا معنى التمام فيها؛ فأغنى ذلك عن إعادته هاهنا.
[114] [و] قوله: «إنه صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من خمس العيمة والغيمة والأيمة والكزم والقرم».
العيمة: شهوة اللبن حتى لا يصبر عنه، يقال: عام الرجل يعيم عيمًا، ورجل عيمان. والغيمة: أن يكون الإنسان شديد العطش، كثير الاستسقاء للماء. والأيمة: طول التعزب، من قولك رجل: أيم، وامرأة أيم. إذا كانا عزبين. وأخبرني أبو عمر عن أبي العباس، أحمد بن يحيى، قال: العرب تقول في الدعاء على الإنسان: ما له! عام وغام وآم، فمعنى: عام: أن تهلك إبله وماشيته؛ فلا يجد لبنا يحلبه.
ومعنى غام: أن يشتد عطشه فلا يجد ماء يشربه.
ومعنى آم: أن تطول أيمته؛ فلا يجد نكاحًا. وأما القرم: فهو في اللحم كالعيمة في اللبن؛ يقال: قرمت إلى اللحم فأنا قرم إليه.
وأما الكزم: فشدة الأكل، [من قولك]: كزم الرجل الشيء بفيه يكزمه كزمًا؛ إذا كسره، المصدر ساكن الزاي، والاسم بفتحها. ويقال: كزم، وأزم، وبزم، وكدم، وعذم، كله بمعنى واحد.
[115] [و] قوله صلى الله عليه وسلم إذا نزل من سفره أرضًا: «يا أرض، ربي وربك الله أعوذ بالله من شرك، وشر ما فيك، وشر ما يدب عليك من أسد، وأسود، ومن ساكن البلد، ومن والد وما ولد». يعني بالأسود: الحية، وساكن البلد: الجن؛ وذلك أنهم سكان الأرض. والعرب تسمي الأرض المستوية: بلدًا، وإن لم تكن مسكونة ولا ذات أبنية. قال الشاعر:
وبلد ليس به أنيس
إلا اليعافير وإلا العيس
وقال النابغة:
ها إن تا عذرة إن لم تكن نفعت
فإن صاحبها قد تاه في البلد
يريد متائه الأرض ومجاهلها. والوالد: إبليس، وما ولد: نسله وذريته.
[116] [و] قوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أعوذ بك من الضبنة في السفر، وكآبة الشطة، وسوء المنقلب».
الضبنة: عيال الرجل [ومن يلزمه في نفقته]. وسموا ضبنة؛ لأنهم في ضبن من يعولهم. والضبن: ما بين الكشح والإبط؛ تعوذ بالله من كثرة العيال، وخص به حال السفر، لأنه مظنة الإقواء.
وفيه وجه آخر: وهو أن يكون إنما تعوذ من صحبة من لا غناء فيه، ولا كفاية، وإنما هو كل، وعيال عليه. والشطة: بعد المسافة. يقال: شط المكان: إذا بعد يشط ويشط. ويقال: شطت به النوى إذا بعدت.
[117] [و] قوله صلى الله عليه وسلم حين قنت في صلاة الفجر فقال: «اللهم قاتل كفرة أهل الكتاب، واجعل قلوبهم كقلوب نساء كوافر».
المعنى: كقلوبهن في الاختلاف، وقلة الائتلاف، وأراه عني الضرائر منهن لأن ذلك أشد لاختلافهن ومنافسة بعضهن بعضًا. وفي الكوافر وجهان؛ أحدهما: الكفر بالله جل وعز وذلك أشد لاختلافهن. قال الله تعالى: {وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة} [المائدة: 64]. والقول الآخر: أن يكون ذلك من كفران النعم وهن من أقل الناس شكرًا للعوارف وكذلك.
[118] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير».
وفيه وجه آخر؛ وهو أن الكوافر يرعن أبدًا بالصباح والبيات في عقر دارهن فقلوبهن تجب أبدًا.
[119] [و] قوله حين استأذن عليه رهط من اليهود فقالوا: «السام عليكم يا أبا القاسم، فقالت عائشة [رضي الله عنها]: عليكم السام واللعنة والأفن والذام».
السام: فسره أبو عبيد فقال: هو الموت. وقال قتادة: هو السآم ممدود مهموز؛ أي: تسأمون دينكم. مصدر سئم سآمة وسآما، والأفن: النقص. والذام: العيب. ومثله الذان).[شأن الدعاء: 178-190]


رد مع اقتباس
  #30  
قديم 14 رمضان 1438هـ/8-06-2017م, 07:36 PM
جمهرة علوم العقيدة جمهرة علوم العقيدة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 1,193
افتراضي

إذا هاجت الريح

قال أبو سليمان حَمْدُ بن محمد بن إبراهيم الخطابي (ت: 388هـ)
: ([120] [و] قوله: [كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول]: «إذا هاجت الريح اللهم اجعلها رياحًا ولا تجعلها ريحًا». معنى ذلك والله أعلم أن الرياح إذا كثرت جلبت السحاب وكثر المطر فزكت الزروع والثمار وإذا لم تكثر وكانت ريحًا واحدة؛ فإنها تكون عقيمًا وربما كانت عذابًا. والعرب تقول: لا تلقح السحاب إلا من رياح.
وقال الأصمعي عن بعض الأعراب: إذا كثرت المؤتفكات زكت الأرض.
[121] وقد روي معنى ما ذكرناه عن ابن عباس، حدثناه الأصم، قال: حدثنا الربيع، قال: أخبرنا الشافعي، قال: أخبرنا من لا أتهم، قال: أخبرنا العلاء بن راشد عن عكرمة عن ابن عباس، قال: في كتاب الله يعني آية الرحمة - {وأرسلنا الرياح لواقح} [الحجر: 22] وقال: {وهو الذي يرسل الرياح بشرًا بين يدي رحمته } [الأعراف: 57]. وقال يعني في آية العذاب -: {وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم} [الذاريات: 41]. وقال: {إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرًا} [القمر: 19].
[122] [و] قوله: «اللهم على الآكام والظراب» الآكام: جمع الأكمة، والظراب: الهضاب جمع الظرب. قال الشاعر:
إن جنبي عن الفراش لنابي
كتجافي الأسر فوق الظراب
[123] [و] قوله: «اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها [عليهم] سنين كسني يوسف» معنى الوطأة: العقوبة والمشقة، وأريد به هاهنا: ضيق المعيشة وهو مأخوذ [من وطء الدابة الشيء]، وركضها إياه برجلها، وقد يوصف بعض السلاطين بثقل الوطأة. يراد: سوء السيرة، والعنف في السياسة. قال الشاعر:
ووطئتنا وطئًا على حنق
وطء المقيد يابس الهرم
وسني يوسف: هي المجاعة التي ذكرها الله في قوله تعالى: {قال تزرعون سبع سنين دأبا} الآية [يوسف: 47].
[124] [و] قوله لعلي: «سل الله الهدى وأنت تعني بهداك هداية الطريق وسل الله السداد وأنت تعني بذلك سداد السهم» معنى هذا الكلام: أن الرامي لا يرمي إلا بالسهم الذي قد سوي قدحه وأصلح ريشه وفوقه، حتى يعتدل ويتسدد، وإنه مهما قصر عن شيء [من هذا] لم يتسدد رميه ولم يمض نحو الغرض سهمه. فأمر الداعي إذا سأله الله السداد أن يخطر بباله صفة هذا السهم المسدد، و[أن] يحضرها لذكره؛ ليكون ما يسأل الله جل وعز منه على شكله ومثاله؛ وكذلك هذا المعنى في طلب الهدى، جعل هداية الطريق مثلاً له، إذ كانت الهداة لا يجورون عن القصد، ولا يعدلون عن المحجة، إنما يركبون الجادة فيلزمون نهجها [و] يقول: فليكن ما تؤمه من الهدى، وتسلكه من سبيله كذلك.
[125] [و] قوله: «أعوذ بك من الهم والحزن وضلع الدين» [الهم: لما يستقبل، والحزن: لما مضى] وضلع الدين: ثقله، وغلظه؛ والضليع: الغليظ من كل شيء، ومنه قولهم: أكل الرجل حتى تضلع.
[126] [و] قوله: «اللهم إني أعوذ بك من فقر مرب أو ملب». الملب: المقعد الملزق بالأرض. يقال: أرب بالمكان، وألب به؛ إذا أقام، وهذا كقول الناس قد لزق فلان بالتراب إذا افتقر، قلت: وليس هذا بخلاف.
[127] لقوله: «اللهم أحيني مسكينًا، وأمتني مسكينا، واحشرني في زمرة المساكين» ومعنى المسكنة، هاهنا، التواضع، والإخبات، وإنما سأل الله أن لا يجعله من الجبارين المتكبرين، وأن لا يحشره في زمرتهم، وقال بعضهم: المسكنة حرف مأخوذ من السكون، يقال: تمسكن الرجل: إذا لان، وخشع. قال: والميم فيه زيادة، وهذا كما قيل: تمدرع الرجل، وأصله: تدرع من الدراعة.
قلت: وتعوذه من الفقر في سائر الأخبار إنما هو فقر النفس، وقد يكون إنما تعوذ من سوء احتمال الفقر، وقلة الرضا به.
[128] [و] قوله: «اللهم إني أسألك غناي، وغنى مولاي» المولى: الولي هاهنا. وكل ولي للإنسان فهو مولاه، مثل الأب والأخ وابن الأخ، والعم وابن العم ومن وراءهم من العصبة كلهم؛ ومنه قول الله سبحانه: {وإني خفت الموالي من ورائي} [مريم: 5] ومما يبين لك أن المولى كل ولي.
[129] قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أيما امرأة نكحت بغير إذن مواليها فنكاحها باطل» أراد بالموالي: الأولياء.
[130] [و] قوله لعائشة [رضي الله عنها]: وسمعها تدعو على سارق سرقها: «لا تسبخي عنه بدعائك عليه» قال الأصمعي: يريد لا تخففي عنه بدعائك. ويقال: اللهم سبخ عني الحمى؛ أي: سلها وخففها. ومن هذا قيل لقطع القطن إذا ندف: سبائخ.
وقال أعرابي في كلامه: الحمد لله على تسبيخ العروق، وإساغة الريق.
[131] نهيه أن يقال: «بالرفاء والبنين»، قال الأصمعي: معناه: الاتفاق، وحسن الاجتماع، ومنه أخذ رفؤ الثوب لأنه يرفأ فيضم بعضه إلى بعض، ويكون الرفاء من الهدوء والسكون أيضًا. قال أبو خراش:
رفوني وقالوا يا خويلد لم ترع
فقلت وأنكرت الوجوه: هم هم
[132] [و] قوله: «عطس عند النبي صلى الله عليه وسلم رجلان فشمت أحدهما، ولم يشمت الآخر» قوله: شمت، معناه: دعا له،
[133] كقوله: «يرحمكم الله، أو يهديكم الله ويصلح بالكم». [أخبرني عمر بن أحمد المتوثي، قال: سمعت أبا مسلم الكجي يقول: سمعت أبا زيد] يقول: شمت، وسمت: لغتان، والشين أعلى في كلامهم.
[134] [و] قوله صلى الله عليه وسلم: «إنه ليغان على قلبي حتى استغفر الله كذا [و] كذا مرة» [و] قال أبو عبيدة: يعني أنه يتغشى القلب ما يلبسه، وقال غير أبي عبيدة: كأنه يعني من السهو. وقال الأصمعي: غينت السماء غينا، قال: وهو إطباق الغيم السماء. قلت: وليس هذا على أنه كان يغشى قلبه شك بعد المعرفة، أو ريب بعد اليقين، وإنما ذلك لأنه صلى الله عليه وسلم: كان لا يزال في مزيد م الذكر، والقربة، ودوام المراقبة. فإذا سها عن شيء منها في بعض الأحوال، وغلب عليه النسيان لما فيه من الطبع البشري عده على نفسه ذنبًا، وفزع إلى التوبة والاستغفار.
ومن دعائه صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء
[135] «اللهم ضاحت بلادنا، واغبرت أرضنا، وهامت دوابنا، اللهم ارحم بهائمنا الحائمة، والأنعام السائمة، والأطفال المحثلة».
[و] قوله: «ضاحت بلادنا» [إنما هو «فاعلت»]، من ضحى المكان، وضحى لغتان إذا برز للشمس يضحى. [وضحى الرجل يضحى؛ إذا أصابه حر الشمس]؛ قال الله تعالى: {وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى} [طه: 119] وقوله: «هامت دوابنا» أي: عطشت، والهيمان: العطشان، والحائمة: هي التي تنتاب أماكن الماء فتحوم عليه؛ أي: تطوف، ولا ترد. يريد: أنها لا تجد ماء ترده. والأطفال المحثلة: هم الذين انقطع رضاعهم والحثل: سوء الرضاع. قال ذو الرمة:
عواء فصيل آخر الليل محثل
[136] [و] قوله: إذا مطر: «اللهم سيبًا هنيئًا». [هكذا] قال سفيان بن عيينة في روايته: وربما روي لنا صيبًا، وهو أجود. والسيب: العطاء بفتح السين والسبب: مجرى الماء بكسرها -، يقال: ساب الله سيوبًا: إذا جرى. فأما الصيب فأصله: الصوب، يقال: صاب المطر يصوب صوبًا؛ إذا نزل، ومنه قول الله سبحانه: {أو كصيب من السماء} [البقرة: 19]. ووزنه فيعل، من صاب يصوب: إذا نزل).[شأن الدعاء: 190-201]


رد مع اقتباس
  #31  
قديم 14 رمضان 1438هـ/8-06-2017م, 07:39 PM
جمهرة علوم العقيدة جمهرة علوم العقيدة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 1,193
افتراضي

تعوذوا بالله من الأعميين

قال أبو سليمان حَمْدُ بن محمد بن إبراهيم الخطابي (ت: 388هـ)
: ([137] [و] قوله: «تعوذوا بالله من الأعميين، ومن قترة وما ولد». يريد بالأعميين: السيل والحريق. وقيل لهما الأعميان، لأنه لا هداية لهما، إنما يتعسفان بمنزلة العميان. ويروى أيضًا: الأيهمين ومعناهما واحد. ومن هذا قيل للمفازة التي لا يهتدي فيها للطريق اليهماء.
وقترة: اسم إبليس، ويقال: كنيته أبو قترة. وابن قترة حية خبيثة.
[138] [و] قوله: [صلى الله عليه وسلم] في الاستسقاء: «اللهم اسقنا غيثا مغيثا، وحيا ربيعا، وجدا طبقًا [غدقا]، مغدقًا مونقًا هاميًا، هنيئًا مريئًا مريعًا مربعًا مرتعا وابلا سابلا مسبلا مجللا ديما. دررًا نافعًا غير ضار [و] عاجلاً غير رائث، تحيي به البلاد، وتغيث به العباد، وتجعله بلاغًا للحاضر منا والباد [اللهم أنزل علينا في أرضنا زينتها وأنزل علينا في أرضنا سكنها].
الغيث: هو المحيي بإذن الله، وكذلك الحيا، مقصور، هو الذي تحيا به الأرض، والمال. يقال: فيه إحياء الناس. والجدا: المطر العام، وهو مقصور ومنه أخذ جدي العطية والجدوى. والطبق الذي يطبق وجه الأرض، والمغدق والغدق: الكثير القطر. والمونق: المعجب، يقال: آنقني الشيء، أي: أعجبني. والمريع: ذو المراعة والخصب، يقال: أمرع الوادي: إذا أنبت، فإن قدمت العين فقلت: أمعر الوادي كان ضد ذلك. ويقال: أمعر الرجل: إذا ذهب ماله، ومتاعه، وفي الحديث:
[139] «ما أمعر حاج قط» أي: ما افتقر. والمرتع إذا رويته بالتاء، كان [من] رتعت الإبل إذا رعت؛ يريد أنه ينبت لها ما ترتع فيه، وإن رويته بالباء كان من قولك: ربعت بالمكان إذا أقمت به؛ يريد: أن هذا المطر يربعهم؛ أي: يحبسهم ويغنيهم عن الارتياد والنجعة، ويكون المربع أيضًا بمعنى: المنبت للربيع. والوابل: المطر الشديد الضخم القطر، ومنه يكون السيل. والديمة: المطر يدوم مع سكون، والجود الذي يروي كل شيء. والسابل: من السبل، وهو المطر. يقال: سبل سابل. والمجلل: الذي يجلل الأرض بمائه أو بنباته، كأنه يكسوها ذلك. ودرر: جمع درة، والرائث: البطيء، يقال: راث علينا؛ أي: أبطأ. وزينة الأرض: النبات، كقوله جل وعز: {حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت} [يونس: 24].
وسكنها: قوتها، وهو مأخوذ من سكنت المكان. أسكنه سكونًا. وإنما قيل له: سكن، لأنه المكان الذي يسكن به. وهو مثل قولهم: نزل العسكر؛ لأن النزول إنما يكون به لأهل العسكر.
[140] قوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم لا تطع فينا تاجرًا ولا مسافرًا» معناه لا تستجب فينا دعاءهما في إمساك المطر؛ فإن التاجر يريد الغلاء، والمسافر يكره المطر لئلا يحبسه عن السير.
روي عن قتادة أنه قال: «لو أطاع الله الناس في الناس لم يكن ناس» يريد: أن الناس يدعون الله أن يرزقهم الذكران من الولد، ولو رزقوا كلهم الذكور لم تبق أنثى، وانقطع النسل.
[141] قوله: [صلى الله عليه وسلم]: «أكثر دعائي ودعاء الأنبياء قبلي، بعرفات، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير» معناه: أكثر ما أفتتح به دعائي وأقدمه أمامه من ثنائي على الله عز وجل وذلك أن الداعي يفتتح دعاءه بالثناء على الله سبحانه ويقدمه أمام مسألته، فسمى الثناء دعاءً؛ إذ كان مقدمة له وذريعة إليه على مذهبهم في تسمية الشيء باسم سببه.
وحدثني أحمد بن المظفر، قال محمد بن صالح الكيلاني، قال: حدثنا الحسين بن الحسن المروزي، قال: سألت سفيان بن عيينة عن [هذا؛ فقلت له: هذا ثناء]، وليس بدعاء!.
[142] فقال: أما بلغك حديث منصور عن مالك بن الحارث: «يقول الله سبحانه: إذا شغل عبدي ثناؤه علي عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين» فقلت: حدثني عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان الثوري، عن منصور، وحدثني أنت عن منصور عن مالك بن الحارث فقال: هذا تفسيره. ثم قال: أما بلغك ما قال أمية بن أبي الصلت حين أتى ابن جدعان يطلب فضله ونائله، فقال:
أأطلب حاجتي أم قد كفاني = حياؤك إن شيمتك الحياء
إذا أثنى عليك المرء يومًا = كفاه من تعرضه الثناء
ثم قال: يا حسين هذا مخلوق يكتفي بالثناء عليه دون مسألته فكيف بالخالق جل وعز؟!!
[143] [قوله: عند رفع المائدة: «الحمد لله حمدا كثيرا طيبًا مباركًا فيه غير مكفي ولا مودع ولا مستغني عنه ربنا».
معنى قوله «غير مكفي ولا مودع ولا مستغني عنه ربنا: إن الله تعالى هو المطعم والكافي، وهو غير مطعم ولا مكفي، كما قال عز وجل: {وهو يطعم ولا يطعم} [الأنعام: 14] وقوله «غير مودع» أي: غير متروك الطلب إليه والرغبة مما عنده، ومنه قوله سبحانه: {ما ودعك ربك وما قلى} أي: ما تركك ولا أهانك، ومعنى المتروك: المستغني عنه».

كمل معاني الدعوات وتفسيرها من قبل الشيخ أبي سليمان
أحمد بن محمد الخطابي، رضي الله عنه، والحمد لله أولاً وآخرًا وظاهرًا وباطنًا. وصلى الله على محمد وآله أفضل الصلوات وأزكاها بمنه وفضله والصلاة على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما كثيرًا).[شأن الدعاء: 202-209]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:47 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة