العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة البقرة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 9 ربيع الثاني 1434هـ/19-02-2013م, 09:45 AM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي تفسير سورة البقرة [من الآية (23) إلى الآية (25) ]

تفسير سورة البقرة
[من الآية (23) إلى الآية (25) ]

{وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24) وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25)}

روابط مهمة:


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 17 ربيع الثاني 1434هـ/27-02-2013م, 02:20 AM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أخبرنا معمر عن قتادة في قوله: {فأتوا بسورة من مثله} يقول: «بسورة مثل هذا القرآن».). [تفسير عبد الرزاق: 1 / 40]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإن كنتم في ريبٍ ممّا نزّلنا على عبدنا فأتوا بسورةٍ من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين}
قال أبو جعفرٍ: وهذا من اللّه عزّ وجلّ احتجاجٌ لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم على مشركي قومه من العرب ومنافقيهم وكفّار أهل الكتاب وضلاّلهم الّذين افتتح بقصصهم قوله جلّ ثناؤه: {إنّ الّذين كفروا سواءٌ عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم} وإيّاهم يخاطب بهذه الآيات، وضرباءهم يعني بها، قال اللّه جلّ ثناؤه: وإن كنتم أيّها المشركون من العرب والكفّار من أهل الكتابين في شكٍّ، وهو الرّيب، ممّا نزّلنا على عبدنا محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم من النّور والبرهان وآيات الفرقان أنّه من عندي، وأنّي الّذي أنزلته إليه، فلم تؤمنوا به ولم تصدّقوه فيما يقول، فأتوا بحجّةٍ تدفع حجّته؛ لأنّكم تعلمون أنّ حجّة كلّ ذي نبوّةٍ على صدقه في دعواه النّبوّة أن يأتي ببرهانٍ يعجز عن أن يأتي بمثله جميع الخلق، ومن حجّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم على صدقه وبرهانه على نبوّته، وأنّ ما جاء به من عندي، عجز جميعكم وجميع من تستعينون به من أعوانكم وأنصاركم عن أن تأتوا بسورةٍ من مثله. وإذا عجزتم عن ذلك، وأنتم أهل البراعة في الفصاحة والبلاغة والذرابة، فقد علمتم أنّ غيركم عمّا عجزتم عنه من ذلك أعجز. كما كان برهان من سلف من رسلي وأنبيائي على صدقه وحجّته على نبوّته من الآيات ما يعجز عن الإتيان بمثله جميع خلقي. فيتقرّر حينئذٍ عندكم أنّ محمّدًا لم يتقوّله ولم يختلقه، لأنّ ذلك لو كان منه اختلافًا وتقوّلاً لم تعجزوا وجميع خلقى عن الإتيان بمثله، لأنّ محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم لم يعد أن يكون بشرًا مثلكم، وفي مثل حالكم في الجسم وبسطة الخلق وذرابة اللّسان، فيمكن أن يظنّ به اقتدارٌ على ما عجزتم عنه، أو يتوهّم منكم عجزٌ عمّا اقتدر عليه.
ثمّ اختلف أهل التّأويل في تأويل قوله: {فأتوا بسورةٍ من مثله}.
- فحدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، عن سعيدٍ، عن قتادة: {فأتوا بسورةٍ من مثله} «يعني من مثل هذا القرآن حقًّا وصدقًا لا باطل فيه ولا كذب».
- وحدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أنبأنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {فأتوا بسورةٍ من مثله} يقول: «بسورةٍ مثل هذا القرآن».
- وحدّثني محمّد بن عمرٍو الباهليّ، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى بن ميمونٍ، عن عبد اللّه بن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {فأتوا بسورةٍ من مثله} «مثل القرآن».
- وحدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثله.
- وحدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: {فأتوا بسورةٍ من مثله} قال: «مثله، مثل القرآن».
فمعنى قول مجاهدٍ وقتادة اللّذين ذكرنا عنهما، أنّ اللّه جلّ ذكره قال لمن حاجّه لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم من الكفّار: فأتوا بسورةٍ من مثل هذا القرآن من كلامكم أيّتها العرب، كما أتى به محمّدٌ بلغاتكم ومعاني منطقكم.
وقد قال قومٌ آخرون: إنّ معنى قوله: {فأتوا بسورةٍ من مثله} من مثل محمّدٍ من البشر، لأنّ محمّدًا بشرٌ مثلكم.
والتّأويل الأوّل الّذي قاله مجاهدٌ وقتادة هو التّأويل الصّحيح؛ لأنّ اللّه جلّ ثناؤه قال في سورةٍ أخرى: {أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورةٍ مثله} ومعلومٌ أنّ السّورة ليست لمحمّدٍ بنظيرٍ ولا شبيهٍ، فيجوز أن يقال: فأتوا بسورةٍ مثل محمّدٍ.
فإن قال قائلٌ: إنّك ذكرت أنّ اللّه عنى بقوله: {فأتوا بسورةٍ من مثله} من مثل هذا القرآن، فهل للقرآن من مثلٍ فيقال: ائتوا بسورةٍ من مثله؟
قيل: إنّه لم يعن به: ائتوا بسورةٍ من مثله في التّأليف والمعاني الّتي باين بها سائر الكلام غيره، وإنّما عنى: ائتوا بسورةٍ من مثله في البيان؛ لأنّ القرآن أنزله اللّه بلسانٍ عربيٍّ، فكلام العرب لا شكّ له مثلٌ في معنى العربيّة؛ فأمّا في المعنى الّذي باين به القرآن سائر كلام المخلوقين، فلا مثل له من ذلك الوجه ولا نظير ولا شبيه.
وإنّما احتجّ اللّه جلّ ثناؤه عليهم لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم بما احتجّ به له عليهم من القرآن، إذ ظهر القوم عن أن يأتوا بسورةٍ من مثله في البيان، إذ كان القرآن بيانًا مثل بيانهم، وكلامًا نزل بلسانهم، فقال لهم جلّ ثناؤه: وإن كنتم في ريبٍ من أنّ ما أنزلت على عبدي من القرآن من عندي، فأتوا بسورةٍ من كلامكم الّذي هو مثله في العربيّة، إذ كنتم عربًا، وهو بيانٌ نظير بيانكم، وكلامٌ شبيه كلامكم. فلم يكلّفهم جلّ ثناؤه أن يأتوا بسورةٍ من غير اللّسان الّذي هو نظير اللّسان الّذي نزل به القرآن، فيقدروا أن يقولوا: كلّفتنا ما لو أحسنّاه أتينا به، وإنّا لا نقدر على الإتيان به، لأنّا لسنا من أهل اللّسان الّذي كلّفتنا الإتيان به، فليس لك علينا حجّةٌ بهذا؛ لأنّا وإن عجزنا عن أن نأتي بمثله من غير ألسنتنا لأنّا لسنا بأهله، ففي النّاس خلقٌ كثيرٌ من غير أهل لساننا يقدر على أن يأتي بمثله من اللّسان الّذي كلّفتنا الإتيان به ولكنّه جلّ ثناؤه قال لهم: ائتوا بسورةٍ مثله، لأنّ مثله من الألسن ألسنتكم، وأنتم إن كان محمّدٌ اختلقه وافتراه، إذا اجتمعتم وتظاهرتم على الإتيان بمثل سورةٍ منه من لسانكم وبيانكم، أقدر على اختلاقه ورصفه وتأليفه من محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، وإن لم تكونوا أقدر عليه منه فلن تعجزوا وأنتم جميعٌ عمّا قدر عليه محمّدٌ من ذلك وهو وحيد، إن كنتم صادقين في دعواكم وزعمكم أنّ محمّدًا افتراه واختلقه وأنّه من عند غيري.
القول فى تأويل قوله جل وعز: {وادعوا شهداءكم من دون اللّه إن كنتم صادقين}.
واختلف أهل التّأويل في تأويل قوله: {وادعوا شهداءكم من دون اللّه إن كنتم صادقين}.
- فقال ابن عبّاسٍ بما حدّثنا به، محمّد بن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمّد بن أبي محمّدٍ، مولى زيد بن ثابتٍ، عن عكرمة أو عن سعيدٍ، عن ابن عبّاسٍ: {وادعوا شهداءكم من دون اللّه} «يعني أعوانكم على ما أنتم عليه {إن كنتم صادقين}».
- وحدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {وادعوا شهداءكم} «ناسٌ يشهدون لكم».
- وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثله.
- وحدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن رجلٍ، عن مجاهدٍ، قال: «قومٌ يشهدون لكم».
- وحدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: {وادعوا شهداءكم} قال: «ناسٌ يشهدون».
قال ابن جريجٍ: «شهداءكم عليها إذا أتيتم بها أنّها مثله مثل القرآن وذلك قول اللّه لمن شكّ من الكفّار فيما جاء به محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم».
وقوله: {وادعوا} يعني استنصروا واستعينوا. كما قال الشّاعر:

فلمّا التقت فرساننا ورجالهم ....... دعوا يا لكعبٍ واعتزينا لعامر

يعني بقوله: دعوا يا لكعبٍ: استنصروا كعبًا واستغاثوا بهم.
وأمّا الشّهداء فإنّها جمع شهيدٍ، كالشّركاء جمع شريكٍ، والخطباء جمع خطيبٍ. والشّهيد يسمّى به الشّاهد على الشّيء لغيره بما يحقّق دعواه، وقد يسمّى به المشاهد للشّيء كما يقال فلانٌ جليس فلانٍ، يعني به مجالسه، ونديمه يعني به منادمه، وكذلك يقال: شهيده يعني به مشاهده.
فإذا كانت الشّهداء محتملةً أن تكون جمع الشّهيد الّذي هو منصرفٌ للمعنيين اللّذين وصفت، فأولى وجهيه بتأويل الآية ما قاله ابن عبّاسٍ، وهو أن يكون معناه: واستنصروا على أن تأتوا بسورةٍ من مثله أعوانكم وشهداءكم الّذين يشاهدونكم ويعاونونكم على تكذيبكم اللّه ورسوله ويظاهرونكم على كفركم ونفاقكم إن كنتم محقّين في جحودكم أنّ ما جاءكم به محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم اختلاقٌ وافتراءٌ، لتمتحنوا أنفسكم وغيركم: هل تقدرون على أن تأتوا بسورةٍ من مثله فيقدر محمّدٌ على أن يأتي بجميعه من قبل نفسه اختلاقًا؟
وأمّا ما قاله مجاهدٌ وابن جريجٍ في تأويل ذلك فلا وجه له؛ لأنّ القوم كانوا على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أصنافًا ثلاثةً: أهل إيمانٍ صحيحٍ، وأهل كفرٍ صحيحٍ، وأهل نفاقٍ بين ذلك. فأهل الإيمان كانوا باللّه وبرسوله مؤمنين، فكان من المحال أن يدّعي الكفّار أنّ لهم شهداء، على حقيقة ما كانوا يأتون به لو أتوا باختلاقٍ من الرّسالة، ثمّ ادّعوا أنّه للقرآن نظيرٌ، من المؤمنين. فأمّا أهل النّفاق والكفر فلا شكّ أنّهم لو دعوا إلى تحقيق الباطل وإبطال الحقّ لسارعوا إليه مع كفرهم وضلالهم، فمن أيّ الفريق كانت تكون شهداؤكم لو ادّعوا أنّهم قد أتوا بسورةٍ من مثل القرآن؟
ولكنّ ذلك كما قال جلّ ثناؤه: {قل لئن اجتمعت الإنس والجنّ على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعضٍ ظهيرًا} فأخبر جلّ ثناؤه في هذه الآية أنّ مثل القرآن لا يأتي به الجنّ والإنس ولو تظاهروا وتعاونوا على الإتيان به؛ وتحدّاهم بمعنى التّوبيخ لهم في سورة البقرة، فقال تعالى: {وإن كنتم في ريبٍ ممّا نزّلنا على عبدنا فأتوا بسورةٍ من مثله وادعوا شهداءكم من دون اللّه إن كنتم صادقين} يعني بذلك: إن كنتم في شكٍّ في صدق محمّدٍ فيما جاءكم به من عندي أنّه من عندي، فأتوا بسورةٍ من مثله، وليستنصر بعضكم بعضًا على ذلك إن كنتم صادقين في زعمكم؛ حتّى تعلموا أنّكم إذا عجزتم عن ذلك أنّه لا يقدر على أن يأتي به محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم ولا من البشر أحدٌ، ويصحّ عندكم أنّه تنزيلي ووحيي إلى عبدي). [جامع البيان: 1 / 395 - 402]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وإن كنتم في ريبٍ ممّا نزّلنا على عبدنا فأتوا بسورةٍ من مثله وادعوا شهداءكم من دون اللّه إن كنتم صادقين (23)}
قوله تعالى: {وإن كنتم في ريبٍ}
- حدّثنا محمّد بن يحيى، ثنا أبو غسّان، ثنا سلمة بن الفضل عن محمّد بن إسحاق قال: فيما حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ عن عكرمة أو سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {وإن كنتم في ريبٍ ممّا نزّلنا على عبدنا} «أي في شكٍّ ممّا جاءكم به».
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم ثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع عن أبي العالية، في قوله: {وإن كنتم في ريبٍ} قال: «في شكٍّ». وكذلك فسّره الحسن وقتادة والرّبيع بن أنسٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 63]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {ممّا نزّلنا على عبدنا}
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا إبراهيم بن عبد اللّه بن بشّارٍ، ثنا سرور بن المغيرة، عن عبّاد بن منصورٍ، عن الحسن في قوله: {وإن كنتم في ريبٍ ممّا نزّلنا على عبدنا} «فهذا قول اللّه لمن شكّ من الكفّار فيما جاء به محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم».). [تفسير القرآن العظيم: 1 /63]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: {فأتوا بسورةٍ من مثله}
- حدّثنا الحسن بن محمّدٍ الصّبّاح ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ {فأتوا بسورةٍ من مثله} قال: «مثل القرآن».
- حدّثنا أبو زرعة ثنا العبّاس بن الوليد النّرسيّ ثنا يزيد بن زريعٍ ثنا سعيدٌ عن قتادة قوله: {فأتوا بسورةٍ من مثله} قال: « من مثل هذا القرآن حقًّا وصدقًا لا باطل فيه ولا كذب».
- حدّثنا الحسن بن أحمد أبو فاطمة: ثنا إبراهيم بن عبد اللّه بن بشّارٍ الواسطيّ ثنا سرور بن المغيرة عن عبّاد بن منصورٍ، عن الحسن في قوله: {فأتوا بسورةٍ من مثله} قال: «فلا يستطيعون واللّه أن يأتوا بسورةٍ من مثله ولو حرصوا».). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 63]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وادعوا شهداءكم من دون اللّه إن كنتم صادقين}
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ أبو غسّان ثنا سلمة بن الفضل عن محمّد بن إسحاق فيما حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ عن عكرمة أو سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ: {وادعوا شهداءكم} «من استطعتم من أعوانكم على ما أنتم عليه إن كنتم صادقين».
- حدّثنا أبو بكر عن أبي موسى ثنا هارون بن حاتمٍ ثنا عبد الرّحمن بن أبي حمّادٍ عن أسباط عن السّدّيّ عن أبي مالكٍ: {وادعوا شهداءكم من دون اللّه} «يعني شركاءكم».
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهد {وادعوا شهداءكم} قال: «ناسٌ يشهدون به».). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 63 - 64]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: {وادعوا شهداءكم من دون الله} « يعني ناسا يشهدون».). [تفسير مجاهد: 71]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين * فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين}
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والنسائي والبيهقي في الدلائل عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة».
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله: {وإن كنتم في ريب} الآية قال: «هذا قول الله لمن شك من الكفار في ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم».
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وإن كنتم في ريب} قال: «في شك»، {مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله} قال: «من مثل هذا القرآن حقا وصدقا لا باطل فيه ولا كذب».
وأخرج وكيع، وعبد بن حميد، وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {فأتوا بسورة من مثله} قال: «مثل القرآن»، {وادعوا شهداءكم من دون الله} قال: «ناس يشهدون لكم إذا أتيتم بها أنه مثله».
وأخرج ابن جرير، وابن إسحاق، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وادعوا شهداءكم} قال: «أعوانكم على ما أنتم عليه {فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا} فقد بين لكم الحق».). [الدر المنثور: 1 / 188 - 190]

تفسير قوله تعالى: (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24) )

قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (أخبرنا مسعر، عن عبد الملك بن ميسرة، عن ابن سابط، عن عمرو ابن ميمون، عن عبد الله بن مسعود، قال: إن الحجارة التي سمى الله في القرآن، أو ذكر في القرآن: {وقودها الناس والحجارة} [سورة البقرة: 24]، حجارة من كبريت، خلقها الله عنده كيف شاء، أو كما شاء). [الزهد لابن المبارك: 2/ 584]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ):
(أنبأنا ابن عيينة عن مسعر عن عبد الملك الزراد عن عمرو بن ميمون عن ابن مسعود في قوله: {وقودها الناس والحجارة} قال: «حجارة الكبريت جعلها الله كما شاء».).
[تفسير عبد الرزاق: 1 / 40]

قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] في قول الله وجل وعز: {وقودوها الناس والحجارة} قال:«حجارةٌ من كبريتٍ»، وقال ابن مسعود: «كبريت أحمر ». ). [تفسير الثوري: 42]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتّقوا النّار الّتي وقودها النّاس والحجارة أعدّت للكافرين}
ويعني تعالى بقوله: {فإن لم تفعلوا} إن لم تأتوا بسورةٍ من مثله، وقد تظاهرتم أنتم وشركاؤكم عليه وأعوانكم فتبيّن لكم بامتحانكم واختباركم عجزكم وعجز جميع خلقي عنه، وعلمتم أنّه من عندي، ثمّ أقمتم على التّكذيب به.
وقوله: {ولن تفعلوا} أي لن تأتوا بسورةٍ من مثله أبدًا.
- كما حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: {فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا} «أي: لا تقدرون على ذلك ولا تطيقونه».
- وحدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمّد بن أبي محمّدٍ، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا} «فقد تبيّن لكم الحقّ».). [جامع البيان: 1 / 402]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فاتّقوا النّار الّتي وقودها النّاس والحجارة}.
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {فاتّقوا النّار} يقول: فاتّقوا أن تصلوا النّار بتكذيبكم رسولي بما جاءكم به من عندي أنّه من وحيي وتنزيلي، بعد تبيّنكم أنّه كتابي ومن عندي، وقيام الحجّة عليكم بأنّه كلامي ووحيي، بعجزكم وعجز جميع خلقي عن أن يأتوا بمثله.
ثمّ وصف جلّ ثناؤه النّار الّتي حذّرهم صليّها، فأخبرهم أنّ النّاس وقودها، وأنّ الحجارة وقودها، فقال: {الّتي وقودها النّاس والحجارة} يعني بقوله وقودها: حطبها، والعرب تجعله مصدرًا، وهو اسمٌ إذا فتحت الواو بمنزلة الحطب، فإذا ضمّت الواو من الوقود كان مصدرًا من قول القائل: وقدت النّار فهي تقد وقودًا وقدةً ووقدانًا ووقدًا، يراد بذلك أنّها التهبت.
قال أبو جعفرٍ: فإن قال قائلٌ: وكيف خصّت الحجارة فقرنت بالنّاس حتّى جعلت لنار جهنّم حطبًا؟ قيل: إنّها حجارة الكبريت، وهي أشدّ الحجارة فيما بلغنا حرًّا إذا أحميت.
- كما حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن مسعرٍ، عن عبد الملك بن ميسرة الزّرّاد، عن عبد الرّحمن بن سابطٍ، عن عمرو بن ميمونٍ، عن عبد اللّه، في قوله: {وقودها النّاس والحجارة} قال: «هي حجارةٌ من كبريتٍ خلقها اللّه يوم خلق السّموات والأرض في السّماء الدّنيا يعدّها للكافرين».
- وحدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أنبأنا عبد الرّزّاق، قال: أنبأنا ابن عيينة، عن مسعرٍ، عن عبد الملك الزّرّاد، عن عمرو بن ميمونٍ، عن ابن مسعودٍ، في قوله: {وقودها النّاس والحجارة} قال: «حجارة الكبريت جعلها اللّه كما شاء».
- وحدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، في خبرٍ ذكره عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، وعن مرّة، عن ابن مسعودٍ، وعن ناسٍ، من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: {فاتّقوا النّار الّتي وقودها النّاس والحجارة}«أمّا الحجارة فهي حجارةٌ في النّار من كبريتٍ أسود يعذّبون به مع النّار».
- وحدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، في قوله: {وقودها النّاس والحجارة} قال: «حجارةٌ من كبريتٍ أسود في النّار»، قال: وقال لي عمرو بن دينارٍ: «حجارةٌ أصلب من هذه وأعظم».
- حدّثنا سفيان بن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن مسعرٍ، عن عبد الملك بن ميسرة، عن عبد الرّحمن بن سابطٍ، عن عمرو بن ميمونٍ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ، قال: «حجارةٌ الكبريت قال خلقها اللّه عنده كيف شاء وكما شاء». ). [جامع البيان: 1 / 403 - 404]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أعدّت للكافرين}.
قد دلّلنا فيما مضى من كتابنا هذا على أنّ الكافر في كلام العرب هو السّاتر شيئًا بغطاءٍ، وأنّ اللّه جلّ ثناؤه إنّما سمّى الكافر كافرًا لجحوده آلاءه عنده، وتغطيته نعماءه قبله.
فمعنى قوله إذًا: {أعدّت للكافرين} أعدّت النّار للجاحدين أنّ اللّه ربّهم المتوحّد بخلقهم وخلق الّذين من قبلهم، الّذي جعل لهم الأرض فراشًا، والسّماء بناءً، وأنزل من السّماء ماءً، فأخرج به من الثّمرات رزقًا لهم، المشركين معه في عبادته الأنداد والآلهة، وهو المتفرّد لهم بالإنشاء والمتوحّد بالأقوات والأرزاق.
- كما حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق، عن محمّد بن أبي محمّدٍ، مولى زيد بن ثابتٍ، عن عكرمة أو عن سعيدٍ، عن ابن عبّاسٍ: {أعدّت للكافرين} «أي لمن كان على مثل ما أنتم عليه من الكفر». ). [جامع البيان: 1 / 405]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ( {فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتّقوا النّار الّتي وقودها النّاس والحجارة أعدّت للكافرين (24)}
قوله: {فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا}
- حدّثنا أبو زرعة ثنا صفوان ثنا الوليد ثنا سعيد بن بشيرٍ عن قتادة: {فإن لم تفعلوا} «فإن لم تطيقوه ولن تطيقوه فاتّقوا النّار».). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 64]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {فاتّقوا النّار الّتي وقودها النّاس والحجارة}
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا أبو أسامة عن مسعرٍ عن عبد الملك بن ميسرة عن ابن سابطٍ عن عمرو بن ميمونٍ عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: «إنّ الحجارة الّتي سمّاها اللّه في القرآن وقودها النّاس والحجارة حجارةٌ من كبريتٍ خلقها اللّه تعالى عنده كيف يشاء».
- حدّثنا أبو زرعة ثنا عمرو بن حمّادٍ ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ: {فاتّقوا النّار الّتي وقودها النّاس والحجارة} «فأمّا الحجارة فهي حجارةٌ في النّار من كبريتٍ أسود يعذّبون به مع النّار».
- حدّثنا أبي ثنا محمّد بن عبد الرّحمن بن ابنة عبد الملك بن أبي سليمان العرزميّ ثنا أبي عن جدّي عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ: {فاتّقوا النّار الّتي وقودها النّاس والحجارة} قال: «حجارةٌ أنتن من الجيفة- من كبريتٍ».
قال أبو محمّدٍ: وروي عن أبي جعفرٍ محمّد بن عليٍّ قال: «حجارةٌ من كبريتٍ».
- أخبرنا عليّ بن المبارك فيما كتب إليّ ثنا زيد بن المبارك ثنا ابن ثورٍ عن ابن جريجٍ عن عمرو بن دينارٍ {فاتّقوا النّار الّتي وقودها النّاس والحجارة} قال: «حجارةٌ أصلب من هذه الحجارة وأعظم».). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 64 - 65]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: {أعدّت للكافرين}
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ أبو غسّان ثنا سلمة عن محمّد بن إسحاق قال فيما حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ عن عكرمة أو سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ:{أعدّت للكافرين} «أي لمن كان على مثل ما أنتم عليه من الكفر». ). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 65]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، ثنا الحسن بن عليّ بن عفّان، ثنا محمّد بن عبيدٍ، ثنا مسعرٌ، عن عبد الملك بن ميسرة، عن عبد الرّحمن بن سابطٍ، عن عمرو بن ميمونٍ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ رضي اللّه عنه، قال: «إنّ الحجارة الّتي سمّى اللّه في القرآن وقودها النّاس والحجارة، حجارةٌ من كبريتٍ، خلقها اللّه تعالى عنده كيف شاء أو كما شاء» هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين، ولم يخرّجاه "). [المستدرك: 2 / 287]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن إسحاق، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وادعوا شهداءكم} قال: «أعوانكم على ما أنتم عليه {فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا} فقد بين لكم الحق».
وأخرج عبد بن حميد، وابن جريج عن قتادة {فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا} يقول: «لن تقدروا على ذلك ولن تطيقوه».). [الدر المنثور: 1 / 190]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أما قوله تعالى: {فاتقوا النار}.
أخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن ابن مسعود قال: «إذا مر أحدكم في الصلاة بذكر النار فليستعذ بالله من النار وإذا مر أحدكم بذكر الجنة فليسأل الله الجنة».
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود، وابن ماجه عن أبي ليلى قال صليت إلى جنب النّبيّ صلى الله عليه وسلم فمر بآية فقال: «أعوذ بالله من النار ويل لأهل النار».
وأخرج ابن أبي شيبة عن النعمان بن بشير قال سمعت النّبيّ صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول: «أنذركم النار أنذركم النار حتى سقط أحد عطفي ردائه على منكبيه».). [الدر المنثور: 1 / 190 - 191]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأمّا قوله تعالى {التي وقودها الناس والحجارة}.
أخرج عبد بن حميد من طريق طلحة عن مجاهد، أنه كان يقرأ كل شيء في القرآن {وقودها} برفع الواو الأولى إلا التي في والسماء ذات البروج {النار ذات الوقود} [البروج الآية 5] بنصب الواو.
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور والفريابي وهناد بن السري في كتاب الزهد، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والطبراني في الكبير والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود قال: «إن الحجارة التي ذكرها الله في القرآن في قوله {وقودها الناس والحجارة} حجارة من كبريت خلقها الله عنده كيف شاء».
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال: «هي حجارة في النار من كبريت أسود يعذبون به مع النار».
وأخرج ابن جرير عن عمرو بن ميمون قال: «هي حجارة من كبريت خلقها الله يوم خلق السموات والأرض في السماء الدنيا فأعدها للكافرين».
وأخرج ابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن أنس قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية {وقودها الناس والحجارة} فقال: «أوقد عليها ألف عام حتى احمرت وألف عام حتى ابيضت وألف عام حتى اسودت فهي سوداء مظلمة لا يطفأ لهبها».
وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي، وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أوقدت النار ألف سنة حتى احمرت ثم أوقد عليها ألف سنة حتى ابيضت ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودت فهي سوداء مظلمة».
وأخرج أحمد ومالك والبخاري ومسلم والبيهقي في البعث عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «نار بني آدم التي توقدون جزء من سبعين جزء من نار جهنم».
فقالوا: يا رسول الله إن كانت لكافية قال: «فإنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءا كلهن مثل حرها».
وأخرج مالك في الموطأ والبيهقي في البعث عن أبي هريرة قال: «أترونها حمراء مثل ناركم هذه التي توقدون إنها لأشد سوادا من القار».
وأخرج الترمذي وحسنه عن أبي سعيد عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «ناركم هذه جزء من سبعين جزءا من نار جهنم لكل جزء منها حرها».
وأخرج ابن ماجه والحاكم وصححه عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن ناركم هذه جزء من سبعين جزءا من نار جهنم لولا أنها أطفئت بالماء مرتين ما انتفعتم منها بشيء وإنها لتدعو الله أن لا يعيدها فيها».
وأخرج البيهقي في البعث عن ابن مسعود قال: «إن ناركم هذه جزء من سبعين جزءا من تلك النار ولولا أنها ضربت في البحر مرتين ما انتفعتم منها بشيء».
وأخرج البيهقي عن أبي هريرة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إن ناركم هذه جزء من سبعين جزءا من نار جهنم ضربت بماء البحر مرتين ولولا ذلك ما جعل الله فيها منفعة لأحد».
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال: «إن ناركم هذه تعوذ من نار جهنم».). [الدر المنثور: 1 / 191 - 194]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأمّا قوله تعالى: {أعدت للكافرين}
أخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {أعدت للكافرين} قال: «أي لمن كان على مثل ما أنتم عليه من الكفر». ). [الدر المنثور: 1 / 194 - 195]

تفسير قوله تعالى: (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25) )

قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (أخبرنا ابن جريج، عن مجاهد في قوله: {فيها أزواجٌ مطهرةٌ} [سورة البقرة: 25، وسورة النساء: 57]، قال: مطهرة من الحيض، والغائط، والبول، والمخاط، والنخام، والبصاق، والمني، والولد).[الزهد لابن المبارك: 2/ 558]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ):
(أخبرنا معمر قال: قال الحسن: {وأتوا به متشبها} قال: « يشبه بعضه بعضا ليس فيه مرذول».).
[تفسير عبد الرزاق: 1 / 40]

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنبأنا الثوري عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: {متشابها} قال: « مشتبها في اللون ومختلفا في الطعم».). [تفسير عبد الرزاق: 1 / 41]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن الثوري عن أبي نجيح عن مجاهد ويحيى بن سعيد {متشابها} قالا: «في اللون والطعم». ). [تفسير عبد الرزاق: 1 / 41]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أخبرنا معمر عن قتادة {وأتوا به متشابها} قال: «يشبه ثمر الدنيا غير أن ثمر الجنة أطيب». ). [تفسير عبد الرزاق: 1 / 41]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أخبرنا الثوري عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: «لا يبلن ولا يتغوطن ولا يحضن ولا يلدن ولا يمنين ولا يبزقن». ). [تفسير عبد الرزاق: 1 / 41]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أخبرنا معمر عن قتادة في قوله: {ولهم فيها أزوج مطهرة} قال: «طهرهن الله من كل بول وغائط وقذر ومن كل مأثم». ). [تفسير عبد الرزاق: 1 / 41]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] في قوله: {وأتوا به متشابهًا} قال: «متشابها لونه واحد مختلف طعمه».). [تفسير الثوري: 42]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (قال سفيان [الثوري] في قول اللّه جلّ وعزّ: {لهم فيها أزواج مطهرة} قال: «لا يمنين ولا يتغوّطن ولا يمتخطن ولا يتطهرن».). [تفسير الثوري: 43]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وبشّر الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات أنّ لهم جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار}.
قال أبو جعفرٍ: أمّا قوله تعالى: {وبشّر} فإنّه يعني: أخبرهم. والبشارة أصلها الخبر بما يسرّ المخبر به إذا كان سابقًا به كلّ مخبرٌ سواه.
وهذا أمرٌ من اللّه نبيّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم بإبلاغ بشارته خلقه الّذين آمنوا به وبمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وبما جاء به من عند ربّه، وصدّقوا إيمانهم ذلك وإقرارهم بأعمالهم الصّالحة، فقال له: يا محمّد بشّر من صدّقك أنّك رسولي وأنّ ما جئت به من الهدى والنّور فمن عندي، وحقّق تصديقه ذلك قولاً بأداء الصّالح من الأعمال الّتي افترضتها عليه وأوجبتها في كتابي على لسانك عليه، أنّ له جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار خاصّةً، دون من كذّب بك وأنكر ما جئت به من الهدى من عندي وعاندك، ودون من أظهر تصديقك وأقرّ بأنّ ما جئته به فمن عندي قولاً، وجحده اعتقادًا ولم يحقّقه عملاً. فإنّ لأولئك النّار الّتي وقودها النّاس والحجارة معدّةٌ عندي.
والجنّات جمع جنّةٍ، والجنّة: البستان.
وإنّما عنى جلّ ذكره بذكر الجنّة ما في الجنّة من أشجارها وثمارها وغروسها دون أرضها، فلذلك قال عزّ ذكره: {تجري من تحتها الأنهار} لأنّه معلومٌ أنّه إنّما أراد جلّ ثناؤه الخبر عن ماء أنهارها أنّه جارٍ تحت أشجارها وغروسها وثمارها، لا أنّه جارٍ تحت أرضها؛ لأنّ الماء إذا كان جاريًا تحت الأرض، فلا حظّ فيها لعيونٍ من فوقها إلاّ بكشف السّاتر بينها وبينه. على أنّ الّذي توصف به أنهار الجنّة أنّها جاريةٌ في غير أخاديد.
- كما حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا الأشجعيّ، عن سفيان، عن عمرو بن مرّة، عن أبي عبيدة، عن مسروقٍ، قال: «نخل الجنّة نضيدٌ من أصلها إلى فرعها، وثمرها أمثال القلال، كلّما نزعت ثمرةٌ عادت مكانها أخرى، وماؤها يجري في غير أخدودٍ».
- وحدّثنا مجاهدٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: أخبرنا مسعر بن كدامٍ، عن عمرو بن مرّة، عن أبي عبيدة بنحوه.
- وحدّثنا محمّد بن بشّارٍ قال: حدّثنا ابن مهديٍّ، قال: حدّثنا سفيان، قال: سمعت عمرو بن مرّة يحدّث عن أبي عبيدة، فذكر مثله قال: فقلت لأبي عبيدة: من حدّثك، فغضب وقال: مسروقٌ.
فإذا كان الأمر كذلك في أنّ أنهارها جاريةٌ في غير أخاديد، فلا شكّ أنّ الّذي أريد بالجنّات أشجار الجنّات وغروسها وثمارها دون أرضها، إذ كانت أنهارها تجري فوق أرضها وتحت غروسها وأشجارها، على ما ذكره مسروقٌ. وذلك أولى بصفة الجنّة من أن تكون أنهارها جاريةً تحت أرضها.
وإنّما رغّب اللّه جلّ ثناؤه بهذه الآية عباده في الإيمان وحضّهم على عبادته، بما أخبرهم أنّه أعدّه لأهل طاعته والإيمان به عنده، كما حذّرهم في الآية الّتي قبلها بما أخبر من إعداده ما أعدّ لأهل الكفر به الجاعلين معه الآلهة والأنداد من عقابه عن إشراك غيره معه، والتّعرّض لعقوبته بركوب معصيته وترك طاعته). [جامع البيان: 1 / 405 - 407]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {كلّما رزقوا منها من ثمرةٍ رزقًا قالوا هذا الّذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابهًا}.
يعني بقوله: {كلّما رزقوا منها} من الجنّات، والهاء راجعةٌ على الجنّات، وإنّما المعنيّ أشجارها، فكأنّه قال: كلّما رزقوا من أشجار البساتين الّتي أعدّها اللّه للّذين آمنوا وعملوا الصّالحات في جنّاته من ثمرةٍ من ثمارها رزقًا قالوا: هذا الّذي رزقنا من قبل.
ثمّ اختلف أهل التّأويل في تأويل قوله: {هذا الّذي رزقنا من قبل} فقال بعضهم: تأويل ذلك هذا الّذي رزقنا من قبل في الدّنيا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، في خبرٍ ذكره عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، وعن مرّة، عن ابن مسعودٍ، وعن ناسٍ، من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قالوا: {هذا الّذي رزقنا من قبل} قال: «إنّهم أتوا بالثّمرة في الجنّة، فلمّا نظروا إليها قالوا: هذا الّذي رزقنا من قبل في الدّنيا».
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، عن سعيدٍ، عن قتادة، قالوا: {هذا الّذي رزقنا من قبل}: «أي في الدّنيا».
- وحدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى بن ميمونٍ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: «قالوا: {هذا الّذي رزقنا من قبل} يقولون: ما أشبهه به».
- وحدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ مثله.
- وحدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، «قالوا: {هذا الّذي رزقنا من قبل} في الدّنيا، قال: {وأتوا به متشابهًا} يعرفونه».
وقال آخرون: بل تأويل ذلك: هذا الّذي رزقنا من قبل من ثمار الجنّة من قبل هذا، لشدّة مشابهة بعض ذلك في اللّون والطّعم بعضًا. ومن علّة قائل هذا القول أنّ ثمار الجنّة كلّما نزع منها شيءٌ عاد مكانه آخر مثله.
- كما حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا ابن مهديٍّ، قال: حدّثنا سفيان، قال: سمعت عمرو بن مرّة، يحدّث عن أبي عبيدة، قال: «نخل الجنّة نضيدٌ من أصلها إلى فرعها، وثمرها مثل القلال، كلّما نزعت منها ثمرةٌ عادت مكانها أخرى».
قالوا: فإنّما اشتبهت عند أهل الجنّة، لأنّ الّتي عادت نظيرة الّتي نزعت فأكلت في كلّ معانيها. قالوا: ولذلك قال اللّه جلّ ثناؤه: {وأتوا به متشابهًا} لاشتباه جميعه في كلّ معانيه.
وقال بعضهم: بل قالوا: {هذا الّذي رزقنا من قبل} لمشابهته الّذي قبله في اللّون وإن خالفه في الطّعم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم بن الحسين، قال: حدّثنا الحسين بن داود، قال: حدّثنا شيخٌ من المصّيصة عن الأوزاعيّ، عن يحيى بن أبي كثيرٍ، قال: يؤتى أحدهم بالصّحفة فيأكل منها، ثمّ يؤتى بأخرى فيقول: هذا الّذي أتينا به من قبل، فيقول الملك: كل فاللّون واحدٌ والطّعم مختلفٌ.
قال أبو جعفرٍ: وهذا التّأويل مذهب من تأوّيل الآية. غير أنّه يدفع صحّته ظاهر التّلاوة والّذي يدلّ على صحّته ظاهر الآية ويحقّق صحّته قول القائلين إنّ معنى ذلك: هذا الّذي رزقنا من قبل في الدّنيا. وذلك أنّ اللّه جلّ ثناؤه قال: {كلّما رزقوا منها من ثمرةٍ رزقًا} فأخبر جلّ ثناؤه أنّ من قيل أهل الجنّة كلّما رزقوا من ثمر الجنّة رزقًا أن يقولوا: {هذا الّذي رزقنا من قبل}. ولم يخصّص بأنّ ذلك من قيلهم في بعض ذلك دون بعضٍ فإذ كان قد أخبر جلّ ذكره عنهم أنّ ذلك من قيلهم في كلّ ما رزقوا من ثمرها، فلا شكّ أنّ ذلك من قيلهم في أوّل رزقٍ رزقوه من ثمارها أتوا به بعد دخولهم الجنّة واستقرارهم فيها، الّذي لم يتقدّمه عندهم من ثمارها ثمرةٌ.
فإذ كان لا شكّ أنّ ذلك من قيلهم في أوّله، كما هو من قيلهم في وسطه وما يتلوه، فمعلومٌ أنّه محالٌ أن يكون من قيلهم لأوّل رزقٍ رزقوه من ثمار الجنّة: {هذا الّذي رزقنا من قبل} هذا من ثمار الجنّة. وكيف يجوز أن يقولوا لأوّل رزقٍ رزقوه من ثمارها ولمّا يتقدّمه عندهم غيره: هذا هو الّذي رزقناه من قبل؛ إلاّ أن ينسبهم ذو عته وضلالٍ إلى قيل الكذب الّذي قد طهّرهم اللّه منه، أو يدفع دافعٌ أن يكون ذلك من قيلهم لأوّل رزقٍ رزقوه منها من ثمارها، فيدفع صحّة ما أوجب اللّه صحّته بقوله: {كلّما رزقوا منها من ثمرةٍ رزقًا} من غير نصب دلالةٍ على أنّه معنيٌّ به حالٌ من أحوالٍ دون حالٍ. فقد تبيّن بما بيّنّا أنّ معنى الآية: كلّما رزق الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات من ثمرةٍ من ثمار الجنّة في الجنّة رزقًا، قالوا: هذا الّذي رزقنا من قبل هذا في الدّنيا.
فإن سألنا سائلٌ فقال: وكيف قال القوم: {هذا الّذي رزقنا من قبل} والّذي رزقوه من قبل قد عدم بأكلهم إيّاه؟ وكيف يجوز أن يقول أهل الجنّة قولاً لا حقيقة له؟
قيل: إنّ الأمر على غير ما ذهبت إليه في ذلك، وإنّما معناه: هذا من النّوع الّذي رزقناه من قبل هذا من الثّمار والرّزق، كالرّجل يقول لآخر: قد أعدّ لك فلانٌ من الطّعام كذا وكذا من ألوان الطّبيخ والشّواء والحلوى، فيقول المقول له ذاك: هذا طعامي في منزلي. يعني بذلك أنّ النّوع الّذي ذكر له صاحبه أنّه أعدّه له من الطّعام هو طعامه، لاأنّ أعيان ما أخبره صاحبه أنّه قد أعدّه له هو طعامه. بل ذلك ممّا لا يجوز لسامعٍ سمعه يقول ذلك أن يتوهّم أنّه أراده أو قصده؛ لأنّ ذلك خلاف مخرج كلام المتكلّم؛ وإنّما يوجّه كلام كلّ متكلّمٍ إلى المعروف في النّاس من مخارجه دون المجهول من معانيه. فكذلك ذلك في قوله: {قالوا هذا الّذي رزقنا من قبل} إذ كان ما كانوا رزقوه من قبل قد فني وعدم؛ فمعلومٌ أنّهم عنوا بذلك هذا من النّوع الّذي رزقناه من قبل، ومن جنسه في التسّميات والألوان على ما قد بيّنّا من القول في ذلك في كتابنا هذا). [جامع البيان: 1 / 407 - 412]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله: {وأتوا به متشابهًا}.
والهاء في قوله: {وأتوا به متشابهًا} عائدةٌ على الرّزق، فتأويله: وأتوا بالّذي رزقوا من ثمارها متشابهًا.
وقد اختلف أهل التّأويل في تأويل التشابه في ذلك، فقال بعضهم: تشابهه أنّ كلّه خيارٌ لا رذل فيه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا خلاّد بن أسلم، قال: أخبرنا النّضر بن شميلٍ، قال: أخبرنا أبو عامرٍ، عن الحسن في قوله: {متشابهًا} قال: «خيارًا كلّها لا رذل فيها».
- وحدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن أبي رجاءٍ: قرأ الحسن آياتٍ من البقرة، فأتى على هذه الآية: {وأتوا به متشابهًا} قال: «ألم تروا إلى ثمار الدّنيا كيف ترذلون بعضه؟ وإنّ ذلك ليس فيه رذلٌ».
- وحدّثنا الحسن بن يحيى، قال: حدّثنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، قال: قال الحسن: {وأتوا به متشابهًا} قال: «يشبه بعضه بعضًا ليس فيه مرذولٍ».
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، عن سعيدٍ، عن قتادة: {وأتوا به متشابهًا} «أي خيار لا رذل فيه، وإنّ ثمار الدّنيا ينقّى منها ويرذل منها، وثمار الجنّة خيارٌ كلّه لا يرذل منه شيءٌ».
- وحدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: «ثمر الدّنيا منه ما يرذل ومنه نقاوةٌ، وثمر الجنّة نقاوةٌ كلّه يشبه بعضه بعضًا في الطّيب ليس منه مرذولٌ».
وقال بعضهم: تشابهه في اللّون وهو مختلفٌ في الطّعم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، في خبرٍ ذكره، عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، وعن مرّة، عن ابن مسعودٍ، وعن ناسٍ، من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: {وأتوا به متشابهًا} «في اللّون والمرأى، وليس يشبه الطّعم».
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {وأتوا به متشابهًا} «مثل الخيار».
- وحدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {وأتوا به متشابهًا}«لونه، مختلفًا طعمه، مثل الخيار من القثّاء».
- وحدّثت عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع بن أنسٍ: {وأتوا به متشابهًا} «يشبه بعضه بعضًا ويختلف الطّعم».
- وحدّثنا الحسن بن يحيى، قال: حدّثنا عبد الرّزّاق، قال: أنبأنا الثّوريّ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {متشابهًا} قال: «مشتبهًا في اللّون ومختلفًا في الطّعم».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: {وأتوا به متشابهًا} «مثل الخيار».
وقال بعضهم: تشابه في اللّون والطّعم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا سفيان ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن رجلٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {متشابهًا} قال: «اللّون والطّعم».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد الرّزّاق، عن الثّوريّ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، ويحيى بن سعيدٍ: {متشابهًا} قالا: «في اللّون والطّعم».
وقال بعضهم: تشابهه تشابه ثمر الجنّة وثمر الدّنيا في اللّون وإن اختلف طعومهما.
ذكر من قال ذلك.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أنبأنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة: {وأتوا به متشابهًا} قال: « يشبه ثمر الدّنيا غير أنّ ثمر الجنّة أطيب».
- وحدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: قال حفص بن عمر، قال: حدّثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة، في قوله: {وأتوا به متشابهًا} قال: «يشبه ثمر الدّنيا، غير أنّ ثمر الجنّة أطيب».
وقال بعضهم: لا يشبه شيءٌ ممّا في الجنّة ما في الدّنيا إلاّ الأسماء.
ذكر من قال ذلك
- حدّثني أبو كريبٍ، قال: حدّثنا الأشجعيّ، ح وحدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا مؤمّلٌ، قالا جميعًا: حدّثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عبّاسٍ، قال أبو كريبٍ في حديثه عن الأشجعيّ: «لا يشبه شيءٌ ممّا في الجنّة ما في الدّنيا إلاّ الأسماء»، وقال ابن بشّارٍ في حديثه عن مؤمّلٍ قال: «ليس في الدّنيا ممّا في الجنّة إلاّ الأسماء».
- حدّثنا عبّاس بن محمّدٍ، قال: حدّثنا محمّد بن عبيدٍ، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عبّاسٍ، قال: «ليس في الدّنيا من الجنّة شيءٌ إلاّ الأسماء».
- وحدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أنبأنا ابن وهبٍ، قال: قال عبد الرّحمن بن زيدٍ في قوله: {وأتوا به متشابهًا} قال: « يعرفون أسماءه كما كانوا في الدّنيا، التّفّاح بالتّفّاح، والرّمّان بالرّمّان، قالوا في الجنّة: {هذا الّذي رزقنا من قبل} في الدّنيا {وأتوا به متشابهًا} يعرفونه، وليس هو مثله في الطّعم».
قال أبو جعفرٍ: وأولى هذه التّأويلات بتأويل الآية، تأويل من قال: {وأتوا به متشابهًا} في اللّون والمنظر، والطّعم مختلفٌ. يعني بذلك اشتباه ثمر الجنّة وثمر الدّنيا في المنظر واللّون، مختلفًا في الطّعم والذّوق؛ لما قدّمنا من العلّة في تأويل قوله: {كلّما رزقوا منها من ثمرةٍ رزقًا قالوا هذا الّذي رزقنا من قبل} وأنّ معناه: كلّما رزقوا من الجنّان من ثمرةٍ من ثمارها رزقًا قالوا: هذا الّذي رزقنا من قبل هذا في الدّنيا. فأخبر اللّه جلّ ثناؤه عنهم أنّهم قالوا ذلك من أجل أنّهم أتوا بما أتوا به من ذلك في الجنّة متشابهًا، يعني بذلك تشابه ما أتوا به في الجنّة منه والّذي كانوا رزقوه في الدّنيا في اللّون والمرأى والمنظر وإن اختلفا في الطّعم والذّوق فتباينا، فلم يكن لشيءٍ ممّا في الجنّة من ذلك نظيرٌ في الدّنيا.
وقد دلّلنا على فساد قول من زعم أنّ معنى قوله: {قالوا هذا الّذي رزقنا من قبل} إنّما هو قولٌ من أهل الجنّة في تشبيههم بعض ثمرات الجنّة ببعضٍ، وتلك الدّلالة على فساد ذلك القول هي الدّلالة على فساد قول من خالف قولنا في تأويل قوله: {وأتوا به متشابهًا} لأنّ اللّه جلّ ثناؤه إنّما أخبر عن المعنى الّذي من أجله قال القوم: {هذا الّذي رزقنا من قبل} بقوله: {وأتوا به متشابهًا}.
ويسأل من أنكر ذلك فيزعم أنّه غير جائزٍ أن يكون شيءٌ ممّا في الجنّة نظير الشّيء ممّا في الدّنيا بوجهٍ من الوجوه، فيقال له: أيجوز أن يكون أسماء ما في الجنّة من ثمارها وأطعمتها وأشربتها نظائر أسماء ما في الدّنيا منها؟
فإن أنكر ذلك خالف نصّ كتاب اللّه، لأنّ اللّه جلّ ثناؤه إنّما عرّف عباده في الدّنيا ما هو عتيد في الجنّة بالأسماء الّتي يسمّي بها ما في الدّنيا من ذلك.
وإن قال: ذلك جائزٌ، بل هو كذلك.
قيل: فما أنكرت أن يكون ألوان ما فيها من ذلك نظائر ألوان ما في الدّنيا منه بمعنى البياض والحمرة والصّفرة وسائر صنوف الألوان وإن تباينت فتفاضلت بفضل حسن المرآة والمنظر، فكان لما في الجنّة من ذلك من البهاء والجمال وحسن المرآة والمنظر خلاف الّذي لما في الدّنيا منه كما كان جائزًا ذلك في الأسماء مع اختلاف المسمّيات بالفضل في أجسامها؟ ثمّ يعكس عليه القول في ذلك، فلن يقول في أحدهما شيئًا إلاّ ألزم في الآخر مثله.
وكان أبو موسى الأشعريّ يقول في ذلك بما؛ حدّثني به ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، وعبد الوهّاب، ومحمّد بن جعفرٍ، عن عوفٍ، عن قسامة، عن الأشعريّ، قال: «إنّ اللّه لمّا أخرج آدم من الجنّة زوّده من ثمار الجنّة، وعلّمه صنعة كلّ شيءٍ، فثماركم هذه من ثمار الجنّة، غير أنّ هذه تغيّر وتلك لا تتغيّر».
وقد زعم بعض أهل العربيّة أنّ معنى قوله: {وأتوا به متشابهًا} أنّه متشابهٌ في الفضل: أي كلّ واحدٍ منه له من الفضل في نحوه مثل الّذي للآخر في نحوه.
وليس هذا قولاً نستجيز التّشاغل بالدّلالة على فساده لخروجه عن قول جميع علماء أهل التّأويل، وحسب قولٍ بخروجه عن قول أهل العلم دلالةً على خطئه). [جامع البيان: 1 / 412 - 418]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولهم فيها أزواجٌ مطهّرةٌ}.
قال أبو جعفرٍ: والهاء والميم اللّتان في لهم عائدتان على الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات، والهاء والألف اللّتان في فيها عائدتان على الجنّات. وتأويل ذلك: وبشّر الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات أنّ لهم جنّاتٍ فيها أزواجٌ مطهّرةٌ.
والأزواج جمع زوجٍ، وهي امرأة الرّجل يقال: فلانةٌ زوج فلانٍ وزوجته.
وأمّا قوله: {مطهّرةٌ} فإنّ تأويله أنّهنّ طهرن من كلّ أذًى وقذًى وريبةٍ، ممّا يكون في نساء أهل الدّنيا من الحيض والنّفاس والغائط والبول والمخاط والبصاق والمنيّ، وما أشبه ذلك من الأذى والأدناس والرّيب والمكاره.
- كما حدّثنا به، موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، في خبرٍ ذكره عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، وعن مرّة، عن ابن مسعودٍ، وعن ناسٍ، من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «أمّا {أزواجٌ مطهّرةٌ} فإنّهنّ لا يحضن ولا يحدثن ولا يتنخّمن».
- وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثنا معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {أزواجٌ مطهّرةٌ} يقول: «مطهّرةٌ من القذر والأذى».
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا يحيى القطّان، عن سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {ولهم فيها أزواجٌ مطهّرةٌ} قال: «لا يبلن ولا يتغوّطن ولا يمذين».
- وحدّثنا أحمد بن إسحاق الأهوازيّ، قال: حدّثنا أبو أحمد الزّبيريّ، قال: حدّثنا سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، نحوه، إلاّ أنّه زاد فيه: «ولا يمنين ولا يحضن».
- وحدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: في قول اللّه: {ولهم فيها أزواجٌ مطهّرةٌ} قال: «مطهّرةٌ من الحيض والغائط والبول والنّخام والبزاق والمنيّ والولد».
- حدّثنا المثنّى بن إبراهيم، قال: حدّثنا سويد بن نصرٍ، قال: حدّثنا ابن المبارك، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ مثله.
- وحدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، نحو حديث أحمد بن إسحاق، عن الزبيري، غير أنه زاد فيه: «ولا يلدن، ولا يبزقن».
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ نحو حديث محمّد بن عمرٍو، عن أبي عاصمٍ.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، عن سعيدٍ، عن قتادة: {ولهم فيها أزواجٌ مطهّرةٌ} «إي واللّه من الإثم والأذى».
- وحدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة في قوله: {ولهم فيها أزواجٌ مطهّرةٌ} قال: «طهّرهنّ اللّه من كلّ بولٍ وغائطٍ وقذرٍ، ومن كلّ مأثمٍ».
- حدّثت عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن قتادة، قال: «مطهّرةٌ من الحيض والحبل، والأذى».
- وحدّثت عن عمّار بن الحسن، قال: حدّثني ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، قال: «المطهّرة من الحيض والحبل».
- وحدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، عن عبد الرّحمن بن زيدٍ: {ولهم فيها أزواجٌ مطهّرةٌ} قال: «المطهّرة: الّتي لا تحيض؛ قال: وأزواج الدّنيا ليست بمطهّرةٍ، ألا تراهنّ يدمين ويتركن الصّلاة والصّيام؟»، قال ابن زيدٍ: «وكذلك خلقت حوّاء حتّى عصت، فلمّا عصت قال اللّه: إنّي خلقتك مطهّرةً وسآدميك كما آدميت هذه الشّجرة».
- وحدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، عن الحسن: في قوله: {ولهم فيها أزواجٌ مطهّرةٌ} قال: «يقول: مطهّرةٌ من الحيض».
- حدّثنا عمرو بن عليٍّ، قال: حدّثنا خالد بن يزيد، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن الحسن: في قوله: {ولهم فيها أزواجٌ مطهّرةٌ} قال: «من الحيض».
- وحدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أبو معاوية، قال: حدّثنا ابن جريجٍ، عن عطاءٍ: قوله: {لهم فيها أزواجٌ مطهّرةٌ} قال: «من الولد والحيض والغائط والبول». وذكر أشياء من هذا النّحو). [جامع البيان: 1 / 419 - 422]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وهم فيها خالدون}.
يعني تعالى ذكره بذلك: والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات في الجنّات خالدون، فالهاء والميم من قوله {وهم} عائدةٌ على الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات، والهاء والألف في فيها على الجنّات، وخلودهم فيها: دوام بقائهم فيها على ما أعطاهم اللّه فيها من الحبرة والنّعيم المقيم). [جامع البيان: 1 / 422]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ( {وبشّر الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات أنّ لهم جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار كلّما رزقوا منها من ثمرةٍ رزقًا قالوا هذا الّذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابهًا ولهم فيها أزواجٌ مطهّرةٌ وهم فيها خالدون (25) }
قوله تعالى: {وبشّر الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات أنّ لهم جنّاتٌ تجري من تحتها الأنهار}
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ حدّثني عبد اللّه بن لهيعة حدّثني عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه: {وبشّر الّذين آمنوا} يقول: «بشّرهم بالنّصر في الدّنيا، والجنّة في الآخرة».). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 65]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {الّذين آمنوا}
- حدّثنا أبي ثنا نصر بن عليٍّ، أخبرني أبي عن خالد بن قيسٍ عن قتادة في قوله: (المؤمن) قال:« يعني الّذي آمن بكتابه». ). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 65]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وعملوا الصّالحات}
- حدّثنا أبي ثنا إبراهيم بن موسى ثنا هشام بن يوسف عن ابن جريجٍ قال: وقال عطاءٌ: عن ابن عبّاسٍ قال: «أعمال الصّالحة: سبحان اللّه، والحمد للّه، ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر».). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 65]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {لهم جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار}
- قرئ على الرّبيع بن سليمان: ثنا أسد بن موسى ثنا ابن ثوبان عن عطاء بن قرّة عن عبد اللّه بن ضمرة عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أنهار الجنّة تفجر من تحت تلالٍ، أو من تحت جبال المسك».
- حدّثنا أبو بكر بن أبي موسى الأنصاريّ ثنا هارون بن حاتمٍ ثنا عبد الرّحمن ابن أبي حمّادٍ عن أسباطٍ عن السّدّيّ عن أبي مالكٍ: قوله: {تجري من تحتها الأنهار} «يعني المساكن تجري أسفلها أنهارها».
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا وكيعٌ عن الأعمش عن عبد اللّه بن مرّة عن مسروقٍ قال: قال عبد اللّه: «أنهار الجنّة تفجّر من جبل المسك». ). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 65 - 66]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {كلّما رزقوا منها من ثمرةٍ رزقًا}
[الوجه الأوّل]
- حدّثنا عصام بن روّادٍ ثنا آدم ثنا أبو جعفرٍ عن الرّبيع عن أبي العالية- يعني {كلّما رزقوا منها من ثمرةٍ رزقا} قال: «كلما أتوا منه بشيء، ثم أتوا بآخر قالوا هذا الّذي أوتينا من قبل».
الوجه الثّاني:
- حدّثنا المنذر بن شاذان ثنا هوذة ثنا عوفٌ عن عليّ بن زيدٍ قال: {كلّما رزقوا منها من ثمرةٍ رزقًا} قال:« يعني به ما رزقوا به من فاكهة الدّنيا قبل الجنّة». ). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 66]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: {قالوا هذا الّذي رزقنا من قبل}
- حدّثنا أبو زرعة ثنا عمرو بن حمّادٍ ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ: «أمّا قوله: {هذا الّذي رزقنا من قبل} فإنّهم أتوا بالتّمرة في الجنّة فلمّا نظروا إليها قالوا هذا الّذي رزقنا من قبل من الدّنيا».
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ: {كلّما رزقوا منها من ثمرةٍ رزقًا قالوا هذا الّذي رزقنا من قبل} «يقولون ما أشبهه به، يقول من كلّ صنفٍ مثلٌ».
- حدّثني أبو عبد اللّه الطّهرانيّ أنبأ حفص بن عمر العدنيّ ثنا الحكم بن أبان عن عكرمة في قوله: {هذا الّذي رزقنا من قبل} قال:«معناه مثل الّذي كان بالأمس».
وروي عن قتادة والرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 66]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وأتوا به متشابهًا}
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ الواسطيّ ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عبّاسٍ قال: «ليس في الجنّة شيءٌ يشبه ما في الدّنيا إلا الأسماء».
- حدّثنا أبي ثنا سعيد بن سليمان ثنا عامر بن يسافٍ عن يحيى بن أبي كثيرٍ قال: «عشب الجنّة الزّعفران، وكثبانها المسك، ويطوف عليهم الولدان بالفواكه فيأكلونها ثمّ يؤتون بمثلها فيقول لهم أهل الجنّة: هذا الّذي آتيتمونا به آنفًا. فيقول لهم الولدان: كلوا فإنّ اللّون واحدٌ، والطّعم مختلفٌ. وهو قول اللّه: {وأتوا به متشابهًا}».
- حدّثنا عصام بن روّادٍ ثنا آدم ثنا أبو جعفرٍ عن الرّبيع عن أبي العالية: {وأتوا به متشابهًا} «يشبه بعضه بعضًا»، ويختلف في الطّعم. وروي عن مجاهدٍ والضّحّاك والرّبيع بن أنسٍ والسّدّيّ نحو ما حكينا عن أبي العالية.
- أخبرنا العبّاس بن الوليد بن مزيدٍ قراءةً أخبرنا ابن شعيبٍ- يعني محمّد بن شعيب بن شابور- أخبرني سعيد بن بشيرٍ عن قتادة
أنّه حدّثهم عن قول اللّه: {وأتوا به متشابهًا}يقول: «شبه ثمار الدّنيا، وهي خيارٌ كلّها ليس يرذل منها شيءٌ».- وروي عن عكرمة نحو قول ابن عبّاسٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 66 - 67]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {ولهم فيها أزواجٌ مطهّرةٌ}
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ {أزواجٌ مطهّرةٌ} يقول: «مطهّرةٌ من القذر والأذى».
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ في قوله: {أزواجٌ مطهّرةٌ} قال: «مطهّرةٌ من الحيض والغائط والبول والنّخام والبزاق والمنيّ والولد».
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح ثنا عبد الوهّاب بن عطاءٍ عن سعيدٍ وأبان عن قتادة: {لهم فيها أزواجٌ مطهّرةٌ} قال: «مطهّرةٌ من الأذى والمأثم».
- حدّثنا أبي ثنا ابن نفيل خليدٌ عن قتادة: {أزواجٌ مطهّرةٌ} قال: «لا حيض، ولا كلف»، قال أبو محمّدٍ: وروي عن عطاءٍ والحسن والضّحّاك وأبي صالحٍ وعطيّة والسّدّيّ نحو ما تقدّم من التفسير). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 67]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وهم فيها خالدون}
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ أبو غسّان ثنا سلمة بن الفضل عن محمّدٍ- يعني ابن إسحاق- قال فيما حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ عن عكرمة أو سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ: {وهم فيها خالدون} «أي خالدون أبدًا، يخبرهم أنّ الثّواب بالخير والشّرّ مقيمٌ على أهله أبدًا لا انقطاع له».
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ حدّثني عبد اللّه بن لهيعة حدّثني عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه: {وهم فيها خالدون} « يعني: لا يموتون».). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 68]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: {الذي رزقنا من قبل} يقول: «ما أشبهه به يقول من كل صنف مثل».). [تفسير مجاهد: 71]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: {وأتوا به متشابها} قال:«خيار أيضا»، وفي قوله: {ولهم فيها أزواج مطهرة} قال:«طهرن من الحيض والغائط والبول والبزاق والنخامة والمني والولد».). [تفسير مجاهد: 71 - 72]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: {وأتوا به متشابها} قال: «خيار أيضا».). [تفسير مجاهد: 73]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {وبشر الذين أمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون}
أخرج ابن ماجه، وابن أبي الدنيا في صفة الجنة ة البزار، وابن أبي حاتم، وابن حبان، وابن أبي داود والبيهقي كلاهما في البعث وأبو الشيخ في العظمة، وابن مردويه عن أسامة ابن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا هل مشمر للجنة فإن للجنة لا خطر لها هي ورب الكعبة نور يتلألأ وريحانة تزهر وقصر مشيد ونهر مطرد وثمرة نضيجة وزوجة حسناء جميلة وحلل كثيرة ومقام في أبد في فاكهة دار سليمة وفاكهة خضرة وخيرة ونعمة في محلة عالية بهية»، قالوا: نعم يا رسول الله قال: «قولوا إن شاء الله»، قال القوم: إن شاء الله.
وأخرج أحمد، وعبد بن حميد في مسنده والترمذي، وابن حبان في صحيحه والبيهقي في البعث عن أبي هريرة قال: قلنا يا رسول الله حدثنا عن الجنة ما بناؤها، قال: «لبنة من ذهب ولبنة من فضة وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت وملاطها المسك وترابها الزعفران من يدخلها ينعم لا ييأس ويخلد لا يموت، لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه».
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن أبي الدنيا والطبراني، وابن مردويه عن ابن عمر قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجنة كيف هي؟ قال: «من يدخل الجنة يحيا لا يموت وينعم لا ييأس، لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه»، قيل يا رسول الله كيف بناؤها؟ قال: «لبنة من ذهب ولبنة من فضة وملاطها مسك أذفر وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت وترابها الزعفران».
أخرج البزار والبيهقي في البعث عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن حائط الجنة لبنة من ذهب ولبنة من فضة ومجامرهم الألوه وأمشاطهم الذهب ترابها زعفران وطيبها مسك».
وأخرج ابن المبارك في الزهد، وابن أبي الدنيا في صفة الجنة عن أبي هريرة قال: «حائط الجنة لبنة من ذهب ولبنة من فضة ودرمها اللؤلؤ والياقوت ورضاضها اللؤلؤ وترابها الزعفران».
وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي هريرة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «أرض الجنة بيضاء عرصتها صخور الكافور وقد أحاط به المسك مثل كثبان الرمل فيها أنهار مطردة، فيجتمع أهل الجنة أولهم وآخرهم يتعارفون فيبعث الله عليهم ريح الرحمة فتهيج عليهم المسك فيرجع الرجل إلى زوجه وقد ازداد حسنا وطيبا فتقول: لقد خرجت من عندي وأنا بك معجبة وأنا بك الآن أشد إعجابا».
وأخرج أبو نعيم عن سعيد بن جبير قال: «أرض الجنة فضة».
وأخرج البزار والطبراني، وابن مردويه والبيهقي في البعث عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله أحاط حائط الجنة لبنة من ذهب ولبنة من فضة ثم شقق فيها الأنهار وغرس فيها الأشجار فلما نظرت الملائكة إلى حسنها وزهرتها قالت: طوباك منازل الملوك».
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم عن أبي سعيد، أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم سأله ابن صائد عن تربة الجنة، فقال: «درمكة بيضاء مسك خالص».
وأخرج ابن أبي الدنيا في صفة الجنة وأبو الشيخ في العظمة عن أبي زميل، أنه سأل ابن عباس ما أرض الجنة؟ قال: «مرمرة بيضاء من فضة كأنها مرآة»، قال: ما نورها؟ قال: «ما رأيت الساعة التي يكون فيها طلوع الشمس فذلك نورها إلا أنه ليس فيها شمس ولا زمهرير»، قال: فما أنهارها أفي أخدود؟ قال: «لا ولكنها نقيض على وجه الأرض لا تفيض ههنا ولا ههنا »، قال: فمن حللها؟ قال: «فيها الشجر الثمر كأنه الرمان فإذا أراد ولي الله منها كسوة انحدرت إليه من أغصانها فانفلقت له من سبعين حلة ألوانا بعد ألوان ثم لتطبق فترجع كما كانت».
وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خلق الله جنة عدن بيده وذلل فيها ثمارها وشق فيها أنهارها ثم نظر إليها فقال لها تكلمي فقالت {قد أفلح المؤمنون} [المؤمنون الآية 1] فقال وعزتي وجلالي لا يجاورني فيك بخيل».
وأخرج البزار عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله خلق جنة عدن بيضاء.
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي، وابن ماجه عن سهل بن سعد الساعدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها».
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: «الله لقاب قوس أحدكم في الجنة خير مما طلعت عليه الشمس أو تغرب».
وأخرج ابن أبي شيبة وهناد بن السري في الزهد، وابن ماجه عن أبي سعيد عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «الشبر في الجنة خير من الدنيا وما فيها».
وأخرج الترمذي، وابن أبي الدنيا عن سعد بن أبي وقاص عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم: « لو أن ما يقل ظفر مما في الجنة بدا لتزخرفت له مابين خوافق السموات والأرض ولو أن رجلا من أهل الجنة اطلع فبدا أساوره لطمس ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم».
وأخرج البخاري عن أنس قال: أصيب حارثة يوم بدر فجاءت أمه فقالت: يا رسول الله قد علمت منزلة حارثة مني فإن يكن في الجنة صبرت وإن يكن غير ذلك ترى ما أصنع، فقال: «إنها ليست بجنة واحدة إنها جنان كثيرة وإنه في الفردوس الأعلى».
وأخرج الترمذي وحسنه والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل إلا إن سلعة الله غالية».
وأخرج الحاكم عن أبي كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من خاف ادلج ومن ادلج بلغ المنزل، إلا إن سلعة الله غالية إلا أن سلعة الله الجنة، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة جاء الموت بما فيه».
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي هريرة قال: «والذي أنزل الكتاب على محمد صلى الله عليه وسلم إن أهل الجنة ليزدادون حسنا وجمالا كما يزدادون في الدنيا قباحة وهرما».). [الدر المنثور: 1 / 195 - 202]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أما قوله تعالى: {تجري من تحتها الأنهار}.
أخرج ابن أبي حاتم، وابن حبان والطبراني والحاكم، وابن مردويه والبيهقي في البعث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنهار الجنة تفجر من تحت جبال مسك».
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ بن حبان في التفسير والبيهقي في البعث وصححه عن ابن مسعود قال: «إن أنهار الجنة تفجر من جبل مسك».
وأخرج أحمد مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيحان وجيحان والفرات والنيل كل من أنهار الجنة».
وأخرج ابن أبي الدنيا في صفة الجنة عن ابن عباس قال: «إن في الجنة نهرا يقال له البيدخ عليه قباب من ياقوت تحته جوار نابتات يقول: أهل الجنة انطلقوا بنا إلى البيدخ فيجيئون فيتصفحون تلك الجواري فإذا أعجب رجل منهم بجارية مس معصمها فتبعته وتنبت مكانها أخرى».
وأخرج أحمد، وعبد بن حميد في مسنده والنسائي وأبو يعلى والبيهقي في الدلائل والضياء المقدسي في صفة الجنة وصححه عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجبه الرؤيا الحسنة فجاءت امرأة فقالت: يا رسول الله رأيت في المنام كأني أخرجت فأدخلت الجنة فسمعت وجبة التجت لها الجنة فإذا أنا بفلان وفلان حتى عدت اثني عشر رجلا وقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية قبل ذلك فجيء بهم عليهم ثياب طلس تشخب أوداجهم فقيل: اذهبوا بهم إلى نهر البيدخ فغمسوا فيه فخرجوا ووجوههم كالقمر ليلة البدر وأتوا بكراسي من ذهب فقعدوا عليها وجيء بصحفة من ذهب فيها بسرة فأكلوا من بسره ما شاؤا فما يقبلونها لوجهة إلا أكلوا من فاكهة ما شاؤا فجاء البشير فقال: يا رسول الله كان كذا وكذا، وأصيب فلان وفلان حتى عد اثني عشر رجلا فقال: «علي بالمرأة»، فجاءت فقال: «قصي رؤياك على هذا»، فقال الرجل: هو كما قالت أصيب فلان وفلان.
وأخرج البيهقي في البعث عن أبي هريرة قال: «إن في الجنة نهرا طول الجنة حافتاه العذارى قيام متقابلات يغنين بأحسن أصوات يسمعها الخلائق حتى ما يرون أن في الجنة لذة مثلها»، قلنا: يا أبا هريرة وما ذاك الغناء قال: «إن شاء الله التسبيح والتحميد والتقديس وثناء على الرب».
وأخرج أحمد بن حنبل في الزهد والدارقطني في المديح عن المعتمر بن سليمان قال: «إن في الجنة نهرا ينبت الحواري الأبكار».
وأخرج ابن عساكر في تاريخه عن أنس مرفوعا: «في الجنة نهر يقال له الريان عليه مدينة من مرجان لها سبعون ألف باب من ذهب وفضة لحامل القرآن».
وأخرج ابن المبارك، وابن أبي شيبة وهناد، وابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في البعث عن مسروق قال: «أنهار الجنة تجري في غير أخدود ونخل الجنة نضيد من أصلها إلى فرعها، وثمرها أمثال القلال كلما نزعت ثمرة عادت مكانها أخرى والعنقود اثنا عشر ذراعا».
وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم والضياء المقدسي كلاهما في صفة الجنة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لعلكم تظنون أن أنهار الجنة أخدود في الأرض لا، والله إنها لسائحة على وجه الأرض افتاه خيام اللؤلؤ وطينها المسك الأذفر»، قلت: يا رسول الله ما الأذفر؟ قال: «الذي لا خلط معه».
وأخرج ابن أبي الدنيا، وابن مردويه والضياء عن أبي موسى عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: « إن أنهار الجنة تشخب من جنة عدن في حوبة ثم تصدع بعد أنهارا».). [الدر المنثور: 1 / 202 - 206]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأما قوله تعالى {كلما رزقوا منها} الآية.
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله {كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا} قال: «أتوا بالثمرة في الجنة فينظروا إليها فقالوا {هذا الذي رزقنا من قبل} في الدنيا وأتوا به متشابها اللون والمرأى وليس يشبه الطعم».
وأخرج عبد بن حميد عن علي بن زيد {كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل} «يعني به ما رزقوا به من فاكهة الدنيا قبل الجنة».
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن جرير، وابن الأنباري في كتاب الأضداد عن قتادة في قوله: {هذا الذي رزقنا من قبل} «أي في الدنيا»، {وأتوا به متشابها} قال: « يشبه ثمار الدنيا غير أن ثمر الجنة أطيب».
وأخرج مسدد وهناد في الزهد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث عن ابن عباس قال: «ليس في الدنيا مما في الجنة شيء إلا الأسماء».
وأخرج الديلمي عن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «في طعام العرس مثقال من ريح الجنة».
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة في قوله: {هذا الذي رزقنا من قبل} قال: «قولهم من قبل معناه، مثل الذي كان بالأمس».
وأخرج ابن جرير عن يحيى بن كثير قال: «يؤتى أحدهم بالصحفة فيأكل منها ثم يؤتى بأخرى فيقول: هذا الذي أتينا به من قبل فيقول الملك: كل اللون واحد والطعم مختلف».
وأخرج وكيع وعبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد في قوله: {وأتوا به متشابها} قال: «متشابها في اللون مختلفا في الطعم، مثل الخيار من القثاء».
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة في قوله: {وأتوا به متشابها} قال: ».«خيارا كله لا رذل فيه».«.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن الحسن في قوله: {وأتوا به متشابها} قال: «خيار كله يشبه بعضه بعضا لا رذل فيه ألم تر إلى ثمار الدنيا كيف ترذلون بعضه».
وأخرج البزار والطبراني عن ثوبان، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا ينزع رجل من أهل الجنة من ثمره إلا أعيد في مكانها مثلاها».
وأخرج ابن عساكر في تاريخه من طريق ابن حيوة عن خالد بن يزيد بن معاوية ابن أبي سفيان قال: بينا أسير في أرض الجزيرة إذ مررت برهبان وقسيسين وأساقفة فسلمت فردوا السلام فقلت: أين تريدون فقالوا: نريد راهبا في هذا الدير نأتيه في كل عام فيخبرنا بما يكون في ذلك العام لمثله من قابل فقلت: لآتين هذا الراهب فلأنظرن ما عنده - وكنت معنيا بالكتب - فأتيته وهو على باب ديره فسلمت فرد السلام ثم قال: ممن أنت فقلت: من المسلمين قال: أمن أمة محمد فقلت: نعم، فقال: من علمائهم أنت أم من جهالهم قلت: ما أنا من علمائهم ولا من
جهالهم قال: فإنكم تزعمون أنكم تدخلون الجنة فتأكلون من طعامها وتشربون من شرابها ولا تبولوا ولا تتغوطون قلت: نحن نقول ذلك وهو كذلك قال: فإن له مثلا في الدنيا فأخبرني ما هو قلت: مثله كمثل الجنين في بطن أمه إنه يأتيه رزق الله ولا يبول ولا يتغوط، قال: فتربد وجهه ثم قال لي: أما أخبرتني أنك لست من علمائهم قلت: ما كذبتك قال: فإنكم تزعمون أنكم تدخلون الجنة فتأكلون من طعامها وتشربون من شرابها ولا ينقص ذلك منها شيئا قلت: نحن نقول ذلك وهو كذلك قال: فإن له مثلا في الدنيا فأخبرني ما هو قلت: مثله في الدنيا كمثل الحكمة لو تعلم منها الخلق أجمعون لم ينقص ذلك منها شيئا فتربد وجهه ثم قال: أما أخبرتني أنك لست من علمائهم قلت: وما كذبتك ما أنا من علمائهم ولا من جهالهم.
وأخرج الحاكم، وابن مردويه وصححه عن أبي سعيد الخدري عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله: {ولهم فيها أزواج مطهرة} قال: «من الحيض والغائط والنخامة والبزاق».
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {ولهم فيها أزواج مطهرة} قال: «من القذر والأذى».
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله: {ولهم فيها أزواج مطهرة} قال: «لا يحضن ولا يحدثن ولا يتنخمن».
وأخرج وكيع وعبد الرزاق وهناد في الزهد، وعبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد في قوله: {ولهم فيها أزواج مطهرة} قال: «من الحيض والغائط والبول والمخاط والنخامة والبزاق والمني والولد».
وأخرج وكيع وهناد عن عطاء في قوله: {ولهم فيها أزواج مطهرة} قال: «لا يحضن ولا يمنين ولا يلدن ولا يتغوطن ولا يبلن ولا يبزقن».
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة في قوله: {ولهم فيها أزواج مطهرة} قال: «طهرهن الله من كل بول وغائط وقذر ومآثم».
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم، وابن ماجه والبيهقي في البعث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أول زمرة تلج الجنة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر لا يبصقون فيها ولا يتمخطون ولا يتغوطون آنيتهم وأمشاطهم من الذهب والفضة ومجامرهم من الألوة ورضخهم المسك ولكل واحد مهم زوجتان يرى مخ ساقها من وراء اللحم من الحسن لا اختلاف بينهم ولا تباغض قلوبهم على قلب رجل واحد يسبحون الله بكرة وعشيا».
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وصححه والبيهقي في البعث عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول زمرة تدخل الجنة وجوههم كالقمر ليلة البدر، والزمرة الثانية أحسن كوكب دري في السماء لكل امرئ زوجتان على كل زوجة سبعون حلة يرى مخ ساقهن من وراء الحلل».
وأخرج أحمد والترمذي عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن أدنى أهل الجنة منزلة الذي له ثمانون ألف خادم واثنتان وسبعون زوجة ومنصب له قبة من لؤلؤ وياقوت وزبرجد كما بين الجابية وصنعاء».
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والبيقهي في النعت عن أبي هريرة أنهم تذاكروا الرجال أكثر في الجنة أم النساء فقال: «ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما في الجنة أحد إلا له زوجتان، إنه ليرى مخ ساقهما من وراء سبعين حلة ما فيها عزب».
وأخرج الترمذي وصححه والبزار عن أنس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «يزوج العبد في الجنة سبعين زوجة فقيل: يا رسول الله يطيقها قال: يعطى قوة مائة».
وأخرج ابن السكن في المعرفة، وابن عساكر في تاريخه عن حاطب بن أبي بلتعة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « يزوج المؤمن في الجنة اثنتين وسبعين زوجة من نساء الآخرة واثنتين من نساء الدنيا».
وأخرج ابن ماجه، وابن عدي في الكامل والبيهقي في البعث عن أبي أمامة الباهلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من أحد يدخله الله الجنة إلا زوجه اثنتين وسبعين زوجة، اثنتين من الحور العين وسبعين من ميراثه من أهل الجنة ما منهن واحدة إلا ولها قبل شهي وله ذكر لا ينثني».
وأخرج أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أدنى أهل الجنة منزلة من له سبع درجات وهو على السادسة وفوقه السابعة وإن له لثلاثمائة خادم ويغدى عليه كل يوم ويراح بثلاثمائة صحفة من ذهب في كل صحفة لون ليس في الأخرى وأنه ليلذ أوله كما يلذ آخره وأنه ليقول: يا رب لو أذنت لي لأطعمت أهل الجنة وسقيتهم لم ينقص مما عندي شيء وإن له من الحور العين لاثنتين وسبعين زوجة وإن الواحدة منهن لتأخذ مقعدتها قدر ميل من الأرض».
وأخرج البيهقي في البعث عن أبي عبد الله بن أبي أوفى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يزوج كل رجل من أهل الجنة بأربعة آلاف بكر وثمانية آلاف أيم ومائة حوراء، فيجتمعن في كل سبعة أيام فيقلن بأصوات حسان لم يسمع الخلائق بمثلهن: نحن الخالدات فلا نبيد ونحن الناعمات فلا نبأس ونحن الراضيات فلا نسخط ونحن المقيمات فلا نظعن طوبى لمن كان لنا وكنا له».
وأخرج أحمد والبخاري عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «غدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها ولقاب قوس أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها ولو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت إلى الأرض لأضاءت ما بينهما ولملأت ما بينهما ريحا ولنصيفها على رأسها - يعني الخمار - خير من الدنيا وما فيها».
وأخرج ابن أبي الدنيا في صفة الجنة عن ابن عباس، «لو أن امرأة من نساء أهل الجنة بصقت في سبعة أبحر كانت تلك الأبحر أحلى من العسل».
وأخرج أحمد في الزهد عن عمر بن الخطاب، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لو اطلعت امرأة من نساء أهل الجنة إلى الأرض لملأت الأرض ريح مسك».
وأخرج ابن أبي شيبة وهناد بن السري عن كعب قال: «لو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت كفها لأضاء ما بين السماء والأرض».
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وهناد بن السري في الزهد والنسائي، وعبد بن حميد في مسنده، وابن المنذر، وابن أبي حاتم قال: جاء رجل من أهل الكتاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا أبا القاسم تزعم أن أهل الجنة يأكلون ويشربون فقال: «والذي نفسي بيده إن الرجل ليؤتى قوة مائة رجل منكم، في الأكل والشرب والجماع والشهوة»، قال: فإن الذي يأكل ويشرب يكون له الحاجة والجنة طاهرة ليس فيها قذر ولا أذى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حاجتهم عرق يفيض مثل ريح مسك فإذا كان ذلك ضمر له بطنه».
وأخرج أبو يعلى والطبراني، وابن عدي في الكامل والبيهقي في البعث عن أبي أمامة إن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل تتناكح أهل الجنة فقال: «دحاما دحاما، لا مني ولا منية».
وأخرج البزار والطبراني والخطيب والبغدادي في تاريخه عن أبي هريرة قال: قيل يا رسول الله هل نصل إلى نسائنا في الجنة فقال: « إن الرجل ليصل في اليوم إلى مائة عذراء».
وأخرج أبو يعلى والبيهقي في البعث عن ابن عباس قال: قيل يا رسول الله أنفضي إلى نسائنا في الجنة كما نفضي إليهن في الدنيا، قال: «والذي نفس محمد بيده إن الرجل ليفضي في الغداة الواحدة إلى مائة عذراء».
وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني عن أبي أمامة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتناكح أهل الجنة فقال: «نعم، بفرج لا يمل وذكر لا ينثني وشهوة لا تنقطع دحما دحما».
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي الدنيا والبزار عن أبي هريرة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تمس أهل الجنة أزواجهم، قال: « نعم، بذكر لا يمل وفرج لا يحفى وشهوة لا تنقطع».
وأخرج الحرث بن أبي أسامة، وابن أبي حاتم عن سليم بن عامر والهيثم الطائي أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم سئل عن البضع في الجنة، قال: «نعم بقبل شهي وذكر لا يمل وإن الرجل ليتكئ فيها المتكأ مقدار أربعين سنة لا يتحول عنه ولا يمله يأتيه فيه ما اشتهت نفسه ولذت عينه».
وأخرج البيهقي في البعث، وابن عساكر في تاريخه عن خارجة العذري قال: سمعت رجلا بتبوك قال: يا رسول الله أيباضع أهل الجنة، قال: «يعطى الرجل منهم من القوة في اليوم الواحد أفضل من سبعين منكم».
وأخرج الطبراني عن زيد بن أرقم، أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إن البول والجنابة عرق يسيل من تحت ذوائبهم إلى أقدامهم مسك».
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد والأصبهاني في الترغيب عن أبي الدرداء قال: «ليس في الجنة مني ولا منية إنما يدحمونهن دحما».
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، عن طاووس قال: «أهل الجنة ينكحون النساء ولا يلدن ليس فيها مني ولا منية».
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد عن عطاء الخراساني، مثله.
وأخرج وكيع وعبد الرزاق وهناد، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد عن إبراهيم النخعي قال: «في الجنة جماع ما شئت ولا ولد قال: فيلتفت فينظر النظرة فتنشأ له الشهوة ثم ينظر النظرة فتنشأ له شهوة أخرى.».
وأخرج الضياء المقدسي في صفة الجنة عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل أنطأ في الجنة، قال: «نعم، والذي نفسي بيده دحما دحما، فإذا قام عنها رجعت مطهرة بكرا».
وأخرج البزار والطبراني في الصغير وأبو الشيخ في العظمة عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أهل الجنة إذا جامعوا نساءهم عادوا أبكارا».
وأخرج عبد بن حميد وأحمد بن حنبل في زوائد الزهد، وابن المنذر عن عبد الله ابن عمرو قال: «إن المؤمن كلما أراد زوجته وجدها بكرا».
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير قال: «طول الرجل من أهل الجنة تسعون ميلا، وطول المرأة ثلاثون ميلا، ومقعدتها جريب وإن شهوته لتجري في جسدها سبعين عاما تجد اللذة».
وأخرج أحمد والترمذي وحسنه، وابن ماجه، وابن أبي داود في البعث عن معاذ ابن جبل عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين: قاتلك الله فإنما هو عندك دخيل يوشك أن يفارقك إلينا».). [الدر المنثور: 1 / 206 - 221]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أما قوله تعالى: {وهم فيها خالدون}
أخرج ابن إسحاق، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وهم فيها خالدون} «أي خالدون أبدا، يخبرهم أن الثواب بالخير والشر مقيم على أهله لا انقطاع له».
وأخرج أحمد، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {وهم فيها خالدون} «يعني لا يموتون».
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل: {وهم فيها خالدون} قال: «ماكثون لا يخرجون منها أبدا»، قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: «نعم، أما سمعت قول عدي بن زيد:

فهل من خالد إما هلكنا ....... وهل بالموت يا للناس عار».

وأخرج عبد بن حميد والبخاري ومسلم، وابن مردويه عن عمر عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، ثم يقول مؤذن بينهم: يا أهل النار لا موت ويا أهل الجنة لا موت كل خالد فيما هو فيه».
وأخرج البخاري عن أبي هريرة قال: قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «يقال لأهل الجنة خلود ولا موت ولأهل النار خلود ولا موت».
وأخرج عبد بن حميد، وابن ماجه والحاكم وصححه، وابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يؤتى بالموت في هيئة كبش أملح فيوقف على الصراط فيقال: يا أهل الجنة، فيطلعون خائفين وجلين مخافة أن يخرجوا مما هم فيه فيقال: تعرفون هذا فيقولون: نعم هذا الموت فيقال: يا أهل النار، فيطلعون مستبشرين فرحين أن يخرجوا مما هم فيه، فيقال: أتعرفون هذا فيقولون: نعم، هذا الموت، فيؤمر به فيذبح على الصراط فيقال للفريقين: خلود فيما تجدون لا موت فيها أبدا».
وأخرج الطبراني والحاكم وصححه عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن فلما قدم عليهم قال: «يا أيها الناس إني رسول الله إليكم إن المرد إلى الله إلى جنة أو نار خلود بلا موت وإقامة بلا ظعن وأجساد لا تموت».
وأخرج الطبراني، وابن مردويه وأبو نعيم عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو قيل لأهل النار ماكثون في النار عدد كل حصاة في الدنيا لفرحوا بها ولو قيل لأهل الجنة إنكم ماكثون عدد كل حصاة لحزنوا ولكن جعل لهم الأبد».). [الدر المنثور: 1 / 221 - 223]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 26 ربيع الثاني 1434هـ/8-03-2013م, 02:48 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {فأتوا بسورةٍ مّن مّثله...}: الهاء كناية عن القرآن؛ فأتوا بسورة من مثل القرآن.
{وادعوا شهداءكم} يريد: آلهتكم، يقول: استغيثوا بهم؛ وهو كقولك للرجل: إذا لقيت العدوّ خالياً فادع المسلمين، ومعناه: فاستغث واستعن بالمسلمين). [معاني القرآن: 1 / 19]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({فأتوا بسورةٍ من مثله} أي: من مثل القرآن.
وإنما سمّيت سورة؛ لأنها مقطوعة من الأخرى، وسمّى القرآن قرآناً؛ لجماعة السور). [مجاز القرآن: 1 / 34]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وادعوا شهداءكم} أي: ادعوهم؛ ليعاونوكم على سورة مثله.
ومعنى الدعاء هاهنا: الاستغاثة، ومنه دعاء الجاهلية ودعوى الجاهلية، وهو قولهم: يا آل فلان، إنما هو استغاثتهم.
وشهداؤهم من دون اللّه: آلهتهم، سموا بذلك؛ لأنهم يشهدونهم ويحضرونهم). [تفسير غريب القرآن: 43]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({وإن كنتم في ريب ممّا نزّلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون اللّه إن كنتم صادقين (23)}
{في ريب} معناه: في شك.
وقوله: {فأتوا بسورة من مثله} للعلماء فيه قولان:
أحدهما: قال بعضهم: {من مثله} من مثل القرآن، كما قال عزّ وجلّ: {فأتوا بعشر سور مثله مفتريات}.
وقال بعضهم: {من مثله} من بشر مثله.
وقوله عزّ وجلّ: {وادعوا شهداءكم من دون اللّه إن كنتم صادقين} أي: ادعوا من استدعيتم طاعته، ورجوتم معونته في الإتيان بسورة من مثله). [معاني القرآن: 1 / 100]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وادعوا شهداءكم} أي: استعينوا بهم، و"الشهداء" هنا: الآلهة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 25]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {النّار الّتي وقودها النّاس والحجارة...}
الناس وقودها، والحجارة وقودها، وزعموا أنه كبريت يُحمى، وأنه أشدّ الحجارة حرّا إذا أحميت، ثم قال: {أعدّت للكافرين} يعني: النار).
[معاني القرآن: 1 / 20]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({وقودها النّاس والحجارة}:حطبها الناس، و"الوُقود" مضموم الأول: التلهب).
[مجاز القرآن: 1 / 34]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({فإن لّم تفعلوا ولن تفعلوا فاتّقوا النّار الّتي وقودها النّاس والحجارة أعدّت للكافرين}
قوله: {الّتي وقودها النّاس والحجارة} فـ"الوَقُود": الحطب، و"الوُقُود": الاتقاد، وهو الفعل، يقرأ: (الوَقُود) و(الوُقُود) ويكون أن يعني بها الحطب، ويكون أن يعني بها الفعل.
ومثل ذلك "الوَضُوء" وهو: الماء، و"الوُضُوء" وهو الفعل، وزعموا إنهما لغتان في معنى واحد). [معاني القرآن: 1 / 40]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (قراءة الحسن والأعرج {وقودها}، بفتح الواو، ومثله الولوع، والقبول، والوضوء.
[معاني القرآن لقطرب: 242]
قراءة طلحة بن مصرف "وقودها"، بالضم في كل القرآن إلا {النار ذات الوقود}، فإنه يفتحه، يقال: وقدت النار، تقد وقودا). [معاني القرآن لقطرب: 243]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {وقودها الناس} وقدت النار، تقد، وقودا ووقدا وقدة ووقدانا.
أنشد
إذا سهيل لاح كالوقود = ...........
والفتح أحب إلينا). [معاني القرآن لقطرب: 294]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({وقودها}: حطبها. "الوُقود" بالضم هو: اللهب). [غريب القرآن وتفسيره: 66]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ)
: ({فاتّقوا النّار الّتي وقودها النّاس} أي: حطبها، و"الوَقود": الحطب بفتح الواو، و"الوُقود" بضمها: توقدها.
{والحجارة} قال المفسرون: حجارة الكبريت). [تفسير غريب القرآن: 43]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتّقوا النّار الّتي وقودها النّاس والحجارة أعدّت للكافرين (24)}
قيل لهم هذا بعد أن ثبت عليهم أمر التوحيد وأمر النبي صلى الله عليه وسلم، فوعدوا بالعذاب إن لم يؤمنوا بعد ثبوت الحجة عليهم.
وجزم {لم تفعلوا}؛ لأن "لم" أحدثت في الفعل المستقبل معنى المضي فجزمته، وكل حرف لزم الفعل فأحدث فيه معنى: فله فيه من الإعراب على قسط معناه: فإن كان ذلك الحرف "أن" وأخواتها نحو "لن تفعلوا" و {يريدون أن يطفئوا} فهو نصب؛ لأن "أن" وما بعده بمنزلة الاسم، فقد ضارعت "أن" الخفيفة "أنّ" المشدّدة وما بعدها؛ لأنّك إذا قلت: ظننت أنك قائم، فمعناه: ظننت قيامك، وإذا قلت: أرجو أن تقوم، فمعناه: أرجو قيامك، فمعنى "أن" وما عملت فيه كمعنى "أنّ" المشددة وما عملت فيه، فلذلك نصبت "أن" وجزمت "لم"؛ لأن ما بعدها خرج من تأويل الاسم، وكذلك هي وما بعدها يخرجان من تأويل الاسم.
وقوله عزّ وجلّ: {التي وقودها النّاس والحجارة} عرفوا عذاب اللّه عزّ وجلّ بأشد الأشياء التي يعرفونها؛ لأنه لا شيء في الدنيا أبلغ فيما يؤلم من النار، فقيل لهم: إن عذاب اللّه من أشد الأجناس التي يعرفونها، إلا أنه من هذا الشديد الذي يعرفونه، ويقال: إن "الحجارة" هنا تفسيرها: حجارة الكبريت.
وقوله {وقودها} الوقود هو: الحطب، وكل ما أوقد به فهو: وقود، ويقال: هذا وقودك، ويقال: قد وقدت النار وقُوداً، فالمصدر مضموم ويجوز فيه الفتح. وقد روي: وقدت النار وَقوداً، وقبلت الشيء قَبُولاً، فقد جاء في المصدر (فَعُول) والباب الضم). [معاني القرآن: 1 / 100-101]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وقودها} بالفتح: الحطب، وبالضم: التوقد. {والحجارة} قيل: حجارة الكبريت).
[تفسير المشكل من غريب القرآن: 25]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ("الوَقُودُ": الحطب. "الوُقُودُ": المصدر). [العمدة في غريب القرآن: 71]

تفسير قوله تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وأتوا به متشابهاً} اشتبه عليهم، فيما ذكر في لونه، فإذا ذاقوه عرفوا أنه غير الذي كان قبله). [معاني القرآن: 1 / 20]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({وأتوا به متشابهاً} أي: يشبه بعضه بعضاً، وليس من الاشتباه عليك، ولا مما يشكل عليك.
{ولهم فيها أزواجٌ مطهّرةٌ}: واحدها "زوج"، الذكر والأنثى فيه سواء، {وقلنا يا آدم أسكن أنت وزوجك الجنّة}). [مجاز القرآن: 1 / 34]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وبشّر الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات أن لهم جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار كلّما رزقوا منها من ثمرةٍ رّزقاً قالوا هذا الّذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابهاً ولهم فيها أزواجٌ مّطهّرةٌ وهم فيها خالدون}
قوله: {أن لهم جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار} فجرّ "جناتٍ" وقد وقعت عليها "أن" لأن كلّ جماعة في آخرها تاء زائدة تذهب في الواحد وفي تصغيره فنصبها جرّ، ألا ترى أنك تقول: "جنّه" فتذهب التاء، وقال: {خلق السّماوات والأرض} و"السماوات" جرّ، و"الأرض" نصب لأن التاء زائدة، ألا ترى أنك تقول: "سماء"، و{قالوا ربّنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا}؛ لأن هذه ليست تاء، إنما هي هاء صارت تاءً بالاتصال، وإنما تكون تلك في السكوت، ألا ترى أنك تقول: "رأيت ساده" فلا يكون فيها تاء، ومن قرأ (أطعنا ساداتنا) جرّ لأنك إذا قلت: "ساده" ذهبت التاء، وتكون في السكت فيها تاء، تقول: "رأيت ساداتٍ"، وإنما جرّوا هذا في النصب ليجعل جرّه ونصبه واحداً، كما جعل تذكيره في الجر والنصب واحدا، تقول: "مسلمين و"صالحين" نصبه وجره بالياء. وقوله: {بيوتاً غير بيوتكم} و{لا ترفعوا أصواتكم} فإن التاء من أصل الكلمة، تقول: "صوت" و"صويت" فلا تذهب التاء، و"بيت" و "بويت" فلا تذهب التاء، وتقول: "رأيت بويتات العرب" فتجرّ، لأن التاء الآخرة زائدة لأنك تقول: "بيوت" فتسقط التاء الآخرة، وتقول: "رأيت ذوات مال" لأن التاء زائدة، وذلك لأنك لو سكت على الواحدة لقلت: "ذاه" ولكنها وصلت بالمال، فصارت تاء لا يتكلم بها إلا مع المضاف إليه.
وقوله: {هذا الّذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابهاً}؛ لأنه في معنى "جيئوا به" وليس في معنى "أعطوه".
فأما قوله: {متشابهاً} فليس أنه أشبه بعضه بعضاً، ولكنه متشابه في الفضل، أي: كل واحد له من الفضل في نحوه مثل الذي للآخر في نحوه.
قوله: {إن اللّه لا يستحيي أن} فـ"يستحيي" لغة أهل الحجاز بياءين، وبنو تميم يقولون "يستحي" بياء واحدة، والأولى هي الأصل لأن ما كان من موضع لامه معتلا لم يعلّوا عينه، ألا ترى أنهم قالوا: "حييت" و"حويت" فلم تُعَلَّ العين، ويقولون: "قلت" و"بعت" فيعلّون العين لما لم تعتلّ اللام، وإنما حذفوا لكثرة استعمالهم هذه الكلمة كما قالوا "لم يك" و"لم يكن" و"لا أدر" و"لا أدري".
وقال: {مثلاً مّا بعوضةً} لأن "ما" زائدة في الكلام، وإنما هو: "إن الله لا يستحي أن يضرب بعوضةً مثلاً". وناس من بني تميم يقولون (مثلاً مّا بعوضةً) يجعلون (ما) بمنزلة "الذي" ويضمرون "هو"، كأنهم قالوا: "لا يستحي أن يضرب مثلاً الذي هو بعوضةٌ"، يقول: "لا يستحيي أن يضرب الذي هو بعوضةٌ مثلاً".
وقوله: {فما فوقها} قال بعضهم: "أعظم منها"، وقال بعضهم: كما تقول: "فلان صغير" فيقول: "وفوق ذلك"، يريد: "وأصغر من ذلك".
وقوله: {ماذا أراد اللّه بهذا مثلاً} فيكون "ذا" بمنزلة "الذي". ويكون "ماذا" اسما واحدا إن شئت بمنزلة "ما" كما قال: {ماذا أنزل ربّكم قالوا خيراً} فلو كانت "ذا" بمنزلة "الذي" لقالوا "خيرٌ" ولكان الرفع وجه الكلام، وقد يجوز فيه النصب؛ لأنه لو قال "ما الذي قلت"؟ فقلت: "خيراً"، أي: "قلت خيراً" لجاز، ولو قلت: "ما قلت؟" فقلت: "خيرٌ"، أي: "الذي قلت خيرٌ" لجاز، غير أنه ليس على اللفظ الأول، كما يقول بعض العرب إذا قيل له: "كيف أصبحت؟" قال: "صالحٌ" أي: "أنا صالحٌ"، ويدلك على أن "ماذا" اسم واحد قول الشاعر:


دعي ماذا علمت سأتّقيه ولـكــن بالمـغـيّـب نبّئـيـنـي


فلو كانت "ذا" ههنا بمعنى (الذي) لم يكن كلاماً). [معاني القرآن: 1 / 41-43]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {أزواج مطهرة} والواحد: زوج وزوجة جميعًا، هذه زوج وزوجة). [معاني القرآن لقطرب: 293]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({مشابها}: يشبه بعضه بعضا في اللون والطعم.
{أزواج مطهرة}: واحدها "زوج". الذكر والأنثى فيه سواء). [غريب القرآن وتفسيره: 66]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ)
: ({جنّاتٍ}: بساتين.
{تجري من تحتها الأنهار} ذهب إلى شجرها، لا إلى أرضها؛ لأن الأنهار تجري تحت الشجر.
{كلّما رزقوا منها من ثمرةٍ رزقاً قالوا هذا الّذي رزقنا من قبل} أي: كأنّه ذلك، لشبهه به.
{وأتوا به متشابهاً} أي: يشبه بعضه بعضاً، في المناظر دون الطعوم.
{ولهم فيها أزواجٌ مطهّرةٌ}: من الحيض والغائط والبول وأقذار بني آدم). [تفسير غريب القرآن: 44]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ:{وبشّر الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات أنّ لهم جنّات تجري من تحتها الأنهار كلّما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الّذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها ولهم فيها أزواج مطهّرة وهم فيها خالدون (25)}
ذكر ذلك للمؤمنين، وما أعد لهم جزاء لتصديقهم، بعد أن ذكر لهم جزاء الكافرين، وموضع (أنّ) نصب معناه: بشرهم بأن لهم جنات. فلما سقطت الباء أفضى الفعل إلى " أن " فنصبت،
وقد قال بعض النحويين: إنه يجوز أن يكون موضع مثل هذا خفضًا، وإن سقطت الباء من (أن)، و(جنات) في موضع نصب بأنّ، إلا أن التاء تاء جماعة المؤنث هي في الخفض والنصب على صورة واحدة، كما أن ياء الجمع في النصب والخفض على صورة واحدة، تقول: رأيت الزيدين، ومررت بالزيدين، ورأيت الهندات، ورغبت في الهندات.
و"الجنة" في لغة العرب: البستان، والجنات: البساتين، وهي التي وعد الله بها المتقين، وفيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين.
قوله عزّ وجلّ: {كلّما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الّذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابهاً}
قال أهل اللغة: معنى (متشابه) يشبه بعضه بعضاً في الجودة والحسن.
وقال أهل التفسير وبعض أهل اللغة: {متشابهاً} يشبه بعضه بعضا في الصورة ويختلف في الطعم، ودليل المفسرين قوله: {هذا الّذي رزقنا من قبل}؛ لأن صورته الصورة الأولى، ولكن اختلاف الطعوم على اتفاق الصورة أبلغ وأعرف عند الخلق، لو رأيت تفاحا فيه طعم كل الفاكهة لكان غاية في العجب والدلالة على الحكمة.
وقوله عزّ وجلّ: {ولهم فيها أزواج مطهّرة}
أي: أنهن لا يحتجن إلى ما يحتاج إليه نساء أهل الدنيا من الأكل والشرب ولا يحضن، ولا يحتجن إلى ما يتطهر منه، وهن على هذا طاهرات طهارة الأخلاق والعفة، فـ"مطهرة" تجمع الطهارة كلها؛ لأن "مطهرة" أبلغ في الكلام من "طاهرة"، ولأن "مطهرة" إنما يكون للكثير.
وإعراب {أزواج} الرفع بـ {ولهم} وإن شئت بالابتداء.
ويجوز في {أزواج} أن يكون واحدتهن زوجاً وزوجة، قال الله تبارك وتعالى: {اسكن أنت وزوجك الجنّة}، وقال الشاعر:


فبكى بناتي شجوهن وزوجتي والطامعـون إلـيّ ثـم تصدّعـوا).


[معاني القرآن: 1 / 101-103]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وأتوا به متشابها} أي: يشبه بعضه بعضًا في المناظر دون الطعوم، وقيل: يشبه فاكهة الدنيا في المناظر دون الطعوم، وقيل: يشبه بعضه بعضًا في الفضل والحسن، ليس فيه رذل.
{أزواج} واحدها زوج، والمذكر والأنثى سواء.
{مطهرة} أي: من البول والغائط والحيض وأقذار بني آدم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 25]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مُتَشَابِهاً}: في اللون والطعم). [العمدة في غريب القرآن: 71]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 11 جمادى الأولى 1434هـ/22-03-2013م, 01:59 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) }

[لا يوجد]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24) )
قال أبو زكريا يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (و«النار» أنثى). [المذكور والمؤنث: 75]
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (والوقود الحطب). [الغريب المصنف: 2 / 543]
قالَ يعقوبُ بنُ إسحاقَ ابنِ السِّكِّيتِ البَغْدَادِيُّ (ت: 244هـ) : (وتقول ما أجود هذا الوقود للحطب قال الله عز وجل: {وأولئك هم وقود النار} وقال أيضا: {النار ذات الوقود} وقرئ (الوُقُود) فالوقود بالضم الاتقاد وتقول وقدت النار تقد وقودا ووقدانا ووقدا وقدة وقال: {فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة} والوقود: الحطب). [إصلاح المنطق: 332] (م)

تفسير قوله تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25) }
قال أبو زيد سعيد بن أوس الأنصاري (ت:215هـ): (أسماء المياه: النَّهْر والنَّهَر وجماعة الأنهار وهو نَهْر إن صغر أو عظم). [كتاب المطر: 16] (م)
قال أبو زيد سعيد بن أوس الأنصاري (ت:215هـ): (وقالوا الأنهار كلها بحار والنَّهْر بحر، ويقال للماء إذا غلظ بعد عذوبة قد استبحر واستبحرت بئركم إذا غلظ ماؤها). [كتاب المطر: 20]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): ( ومما يفسر من كتاب الله جل وعز تفسيرين متضادين قوله تعالى ذكره: {وأتوا به متشابها}، يقال: يشبه الطعام الذي يؤتون به على مقدار العشي من الدنيا الطعام الذي يؤتون به على مقدار الغداة من الدنيا، فإذا طعموه وجدوا له خلاف طعم الذي كان قبله، وفي هذا أدل دليل على حكمة الله جل وعز، ونفاذ قدرته أن يوجد بطيخ يجمع طعم التفاح والكمثرى والرمان. ويقال: متشابها، يشبه ثمر الدنيا.

حدثنا يوسف بن يعقوب، قال: حدثنا محمد بن عبيد، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة في قوله جل وعز: {وأتوا به متشابها}، قال: «يشبه ثمر الدنيا، غير أن ثمر الجنة أطيب».
قال معمر: وقال الحسن: «يشبه بعضه بعضا، ليس فيه مرذول».
وقال بعض اللغويين: هذا كما يقول الرجل للرجل:
قد اشتبهت علي أثوابك، فما أدري ما آخذ منها؟ أي كلها خيار فلا أقف على أفضلها، فأفضله منها وآخذه، قال الشاعر:


من تلـق منهـم تقـل لاقيـت سيدهـم مثل النجوم التي يسري بها الساري


أي كلهم سادة يتشابهون في الفضائل). [كتاب الأضداد: 386-387]


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 27 جمادى الأولى 1435هـ/28-03-2014م, 07:05 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 27 جمادى الأولى 1435هـ/28-03-2014م, 07:05 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 27 جمادى الأولى 1435هـ/28-03-2014م, 07:05 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 27 جمادى الأولى 1435هـ/28-03-2014م, 07:05 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وإن كنتم في ريبٍ ممّا نزّلنا على عبدنا فأتوا بسورةٍ من مثله وادعوا شهداءكم من دون اللّه إن كنتم صادقين (23) فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتّقوا النّار الّتي وقودها النّاس والحجارة أعدّت للكافرين (24)}
الريب: الشك، وهذه الآية تقتضي أن الخطاب المتقدم إنما هو لجماعة المشركين الذين تحدوا، وتقدم تفسير لفظ سورة في صدر هذا التعليق. وقرأ يزيد بن قطيب: «أنزلنا» بألف.
واختلف المتأولون على من يعود الضمير في قوله: {مثله}: فقال جمهور العلماء: هو عائد على القرآن ثم اختلفوا. فقال الأكثر من مثل نظمه ورصفه وفصاحة معانيه التي يعرفونها ولا يعجزهم إلا التأليف الذي خصّ به القرآن، وبه وقع الإعجاز على قول حذاق أهل النظر.
وقال بعضهم: من مثله في غيوبه وصدقه وقدمه، فالتحدي عند هؤلاء وقع بالقدم، والأول أبين ومن على هذا القول زائدة، أو لبيان الجنس، وعلى القول الأول هي للتبعيض، أو لبيان الجنس.
وقالت فرقة: الضمير في قوله من مثله عائد على محمد صلى الله عليه وسلم، ثم اختلفوا.
فقالت طائفة: من أمي صادق مثله.
وقالت طائفة: من ساحر أو كاهن أو شاعر مثله. على زعمكم أيها المشركون.
وقالت طائفة: الضمير في مثله عائد على الكتب القديمة التوراة والإنجيل والزبور.
وقوله تعالى: {وادعوا شهداءكم} معناه دعاء استصراخ، والشهداء من شهدهم وحضرهم من عون ونصير، قاله ابن عباس. وقيل عن مجاهد: إن المعنى دعاء استحضار.
والشهداء جمع شاهد، أي من يشهد لكم أنكم عارضتم، وهذا قول ضعيف.
وقال الفراء: شهداؤهم يراد بهم آلهتهم.
وقوله تعالى: {إن كنتم صادقين} أي فيما قلتم من الريب. هذا قول بعض المفسرين.
وقال غيره: فيما قلتم من أنكم تقدرون على المعارضة. ويؤيد هذا القول أنه قد حكى عنهم في آية أخرى: {لو نشاء لقلنا مثل هذا} [الأنفال: 31] ). [المحرر الوجيز: 1 / 146 - 148]


تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {فإن لم تفعلوا}، دخلت «إن» على لم لأن لم تفعلوا معناه تركتم الفعل، فــ «إن» لا تؤثر كما لا تؤثر في الماضي من الأفعال، وتفعلوا جزم ب لم، وجزمت ب لم لأنها أشبهت «لا» في التبرية في أنهما ينفيان، فكما تحذف لا تنوين الاسم كذلك تحذف لم الحركة أو العلامة من الفعل.
وقوله: {ولن تفعلوا} نصبت لن، ومن العرب من تجزم بها، ذكره أبو عبيدة، ومنه بيت النابغة على بعض الروايات:

فلن أعرّض أبيت اللعن بالصفد

وفي الحديث في منامة عبد الله بن عمر فقيل لي: «لن ترع» هذا على تلك اللغة، وفي قوله: لن تفعلوا إثارة لهممهم وتحريك لنفوسهم، ليكون عجزهم بعد ذلك أبدع، وهو أيضا من الغيوب التي أخبر بها القرآن قبل وقوعها.
وقوله تعالى: {فاتّقوا النّار}، أمر بالإيمان وطاعة الله خرج في هذه الألفاظ المحذرة.
وقرأ الجمهور: «وقودها» بفتح الواو. وقرأ الحسن بن أبي الحسن ومجاهد وطلحة بن مصرف وأبو حيوة: «وقودها» بضم الواو في كل القرآن، إلا أن طلحة استثنى الحرف الذي في البروج، وبفتح الواو هو الحطب وبضمها هو المصدر، وقد حكيا جميعا في الحطب وقد حكيا في المصدر.
قال ابن جني: «من قرأ بضم الواو فهو على حذف مضاف تقديره ذو وقودها، لأن الوقود بالضم مصدر، وليس بالناس، وقد جاء عنهم الوقود بالفتح في المصدر، ومثله ولعت به «ولوعا» بفتح الواو، وكله شاذ، والباب هو الضم».
وقوله: {النّاس} عموم معناه الخصوص فيمن سبق عليه القضاء بدخولها.
وروي عن ابن مسعود في الحجارة أنها حجارة الكبريت وخصت بذلك لأنها تزيد على جميع الأحجار بخمسة أنواع من العذاب: سرعة الاتقاد، ونتن الرائحة، وكثرة الدخان، وشدة الالتصاق بالأبدان، وقوة حرها إذا حميت.
وفي قوله تعالى: {أعدّت} رد على من قال: إن النار لم تخلق حتى الآن، وهو القول الذي سقط فيه منذر بن سعيد البلوطي الأندلسي، وذهب بعض المتأولين إلى أن هذه النار المخصصة بالحجارة هي نار الكافرين خاصة، وأن غيرها هي للعصاة.
وقال الجمهور: بل الإشارة إلى جميع النار لا إلى نار مخصوصة، وإنما ذكر الكافرين ليحصل المخاطبون في الوعيد، إذ فعلهم كفر، فكأنه قال أعدت لمن فعل فعلكم، وليس يقتضي ذلك أنه لا يدخلها غيرهم.
وقرأ ابن أبي عبلة: «أعدّها الله للكافرين»). [المحرر الوجيز: 1 / 148 - 150]

تفسير قوله تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وبشّر الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات أنّ لهم جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار كلّما رزقوا منها من ثمرةٍ رزقاً قالوا هذا الّذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابهاً ولهم فيها أزواجٌ مطهّرةٌ وهم فيها خالدون (25)}
بشّر: مأخوذ من البشرة لأن ما يبشر به الإنسان من خير أو شر يظهر عنه أثر في بشرة الوجه، والأغلب استعمال البشارة في الخير، وقد تستعمل في الشر مقيدة به منصوصا على الشر المبشر به، كما قال تعالى: {فبشّرهم بعذابٍ أليمٍ} [آل عمران: 21، التوبة: 34، الانشقاق: 24] ومتى أطلق لفظ البشارة فإنما يحمل على الخير، وفي قوله تعالى: {وعملوا الصّالحات} رد على من يقول إن لفظة الإيمان بمجردها تقتضي الطاعات لأنه لو كان ذلك ما أعادها.
وأنّ في موضع نصب ب بشّر وقيل في موضع خفض على تقدير باء الجر وجنّاتٍ جمع جنة، وهي بستان الشجر والنخيل، وبستان الكرم يقال له الفردوس، وسميت جنة لأنها تجن من دخلها أي تستره، ومنه المجن والجنن وجن الليل. و{من تحتها}: معناه من تحت الأشجار التي يتضمنها ذكر الجنة وقيل قوله: {من تحتها} معناه بإزائها كما تقول داري تحت دار فلان وهذا ضعيف، والأنهار المياه في مجاريها المتطاولة الواسعة، لأنها لفظة مأخوذة من أنهرت أي وسعت، ومنه قول قيس بن الخطيم:

ملكت بها كفي فأنهرت فتقها ....... يرى قائم من دونها ما وراءها

ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه» معناه ما وسع الذبح حتى جرى الدم كالنهر ونسب الجري إلى النهر وإنما يجري الماء وحده تجوزا، كما قال: {وسئل القرية} [يوسف: 82] وكما قال الشاعر: [مهلهل أخو كليب]

نبّئت أن النار بعدك أوقدت ....... واستبّ بعدك يا كليب المجلس

وروي أن أنهار الجنة ليست في أخاديد، إنما تجري على سطح أرض الجنة منضبطة.
وقوله: {كلّما} ظرف يقتضي الحصر.
وفي هذه الآية رد على من يقول: إن الرزق من شروطه التملك. ذكر هذا بعض الأصوليين وليس عندي ببين، وقولهم هذا إشارة إلى الجنس أي: هذا من الجنس الذي رزقنا منه من قبل، والكلام يحتمل أن يكون تعجبا وهو قول ابن عباس، ويحتمل أن يكون خبرا من بعضهم لبعض، قاله جماعة من المفسرين.
وقال الحسن ومجاهد: «يرزقون الثمرة ثم يرزقون بعدها مثل صورتها والطعم مختلف فهم يتعجبون لذلك ويخبر بعضهم بعضا».
وقال ابن عباس: «ليس في الجنة شيء مما في الدنيا سوى الأسماء، وأما الذوات فمتباينة».
وقال بعض المتأولين: «المعنى أنهم يرون الثمر فيميزون أجناسه حين أشبه منظره ما كان في الدنيا، فيقولون: هذا الّذي رزقنا من قبل في الدنيا».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقول ابن عباس الذي قبل هذا يرد على هذا القول بعض الرد.
وقال بعض المفسرين: «المعنى هذا الذي وعدنا به في الدنيا فكأنهم قد رزقوه في الدنيا إذ وعد الله منتجز».
وقال قوم: إن ثمر الجنة إذا قطف منه شيء خرج في الحين في موضعه مثله فهذا إشارة إلى الخارج في موضع المجني.
وقرأ جمهور الناس: «وأتوا» بضم الهمزة وضم التاء.
وقرأ هارون الأعور: «وأتوا» بفتح الهمزة والتاء والفاعل على هذه القراءة الولدان والخدام، و «أتوا» على قراءة الجماعة أصله أتيوا نقلت حركة الياء إلى التاء ثم حذفت الياء للالتقاء.
وقوله تعالى: {متشابهاً} قال ابن عباس ومجاهد والحسن وغيرهم: «معناه يشبه بعضه بعضا في المنظر ويختلف في الطعم».
وقال عكرمة: «معناه يشبه ثمر الدنيا في المنظر ويباينه في جل الصفات».
وقوله تعالى: {متشابهاً} معناه خيار لا رذل فيه، كقوله تعالى: {كتاباً متشابهاً} [الزمر: 23].
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: كأنه يريد متناسبا في أن كل صنف هو أعلى جنسه فهذا تشابه ما، وقيل متشابهاً أي مع ثمر الدنيا في الأسماء لا في غير ذلك من هيئة وطعم، وأزواجٌ جمع زوج والمرأة زوج الرجل والرجل زوج المرأة ويقال في المرأة زوجة ومنه قول الفرزدق:

وإن الذي يسعى ليفسد زوجتي ....... كساع إلى أسد الشرى يستبيلها

وقال عمار بن ياسر في شأن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: «والله إني لأعلم أنها زوجته في الدنيا والآخرة، ولكن الله ابتلاكم». ذكر البخاري وغيره الحديث بطوله. ومطهّرةٌ أبلغ من طاهرة، ومعنى هذه الطهارة من الحيض والبزاق وسائر أقذار الآدميات، وقيل من الآثام. والخلود الدوام في الحياة أو الملك ونحوه وخلد بالمكان إذا استمرت إقامته فيه، وقد يستعمل الخلود مجازا فيما يطول، وأما هذا الذي في الآية فهو أبدي حقيقة). [المحرر الوجيز: 1 / 150 - 153]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 27 جمادى الأولى 1435هـ/28-03-2014م, 07:06 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري


.....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 27 جمادى الأولى 1435هـ/28-03-2014م, 07:06 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {وإن كنتم في ريبٍ ممّا نزّلنا على عبدنا فأتوا بسورةٍ من مثله وادعوا شهداءكم من دون اللّه إن كنتم صادقين (23) فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتّقوا النّار الّتي وقودها النّاس والحجارة أعدّت للكافرين (24) }
ثمّ شرع تعالى في تقرير النّبوّة بعد أن قرّر أنّه لا إله إلّا هو، فقال مخاطبًا للكافرين: {وإن كنتم في ريبٍ ممّا نزلنا على عبدنا} يعني: محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم {فأتوا بسورةٍ} من مثل ما جاء به إن زعمتم أنّه من عند غير اللّه، فعارضوه بمثل ما جاء به، واستعينوا على ذلك بمن شئتم من دون اللّه، فإنكم لا تستطيعون ذلك.
قال ابن عبّاسٍ: {شهداءكم} «أعوانكم [أي: قومًا آخرين يساعدونكم على ذلك]».
وقال السّدّيّ، عن أبي مالك: «شركاءكم [أي استعينوا بآلهتكم في ذلك يمدّونكم وينصرونكم]».
وقال مجاهدٌ: {وادعوا شهداءكم} قال: «ناسٌ يشهدون به [يعني: حكّام الفصحاء]».
وقد تحدّاهم اللّه تعالى بهذا في غير موضعٍ من القرآن، فقال في سورة القصص: {قل فأتوا بكتابٍ من عند اللّه هو أهدى منهما أتّبعه إن كنتم صادقين} [القصص: 49] وقال في سورة سبحان: {قل لئن اجتمعت الإنس والجنّ على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعضٍ ظهيرًا} [الإسراء: 88] وقال في سورة هودٍ: {أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سورٍ مثله مفترياتٍ وادعوا من استطعتم من دون اللّه إن كنتم صادقين} [هودٍ: 13]، وقال في سورة يونس: {وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون اللّه ولكن تصديق الّذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من ربّ العالمين * أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورةٍ مثله وادعوا من استطعتم من دون اللّه إن كنتم صادقين} [يونس: 37، 38] وكلّ هذه الآيات مكّيّةٌ.
ثمّ تحدّاهم [اللّه تعالى] بذلك -أيضًا-في المدينة، فقال في هذه الآية: {وإن كنتم في ريبٍ} أي: [في] شكٍّ {ممّا نزلنا على عبدنا} يعني: محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم. {فأتوا بسورةٍ من مثله} يعني: من مثل [هذا] القرآن؛ قاله مجاهدٌ وقتادة، واختاره ابن جريرٍ. بدليل قوله: {فأتوا بعشر سورٍ مثله} [هودٍ: 13] وقوله: {لا يأتون بمثله} [الإسراء: 88] وقال بعضهم: من مثل محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، يعني: من رجلٍ أمّيٍّ مثله. والصّحيح الأوّل؛ لأنّ التّحدّي عامٌّ لهم كلّهم، مع أنّهم أفصح الأمم، وقد تحدّاهم بهذا في مكّة والمدينة مرّاتٍ عديدةٍ، مع شدّة عداوتهم له وبغضهم لدينه، ومع هذا عجزوا عن ذلك؛ ولهذا قال تعالى: {فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا} "ولن": لنفي التّأبيد أي: ولن تفعلوا ذلك أبدًا. وهذه -أيضًا-معجزةٌ أخرى، وهو أنّه أخبر أنّ هذا القرآن لا يعارض بمثله أبدًا وكذلك وقع الأمر، لم يعارض من لدنه إلى زماننا هذا ولا يمكن، وأنّى يتأتّى ذلك لأحدٍ، والقرآن كلام اللّه خالق كلّ شيءٍ؟ وكيف يشبه كلام الخالق كلام المخلوقين؟!
ومن تدبّر القرآن وجد فيه من وجوه الإعجاز فنونًا ظاهرةً وخفيّةً من حيث اللّفظ ومن جهة المعنى، قال اللّه تعالى: {الر كتابٌ أحكمت آياته ثمّ فصّلت من لدن حكيمٍ خبيرٍ} [هودٍ: 1]، فأحكمت ألفاظه وفصّلت معانيه أو بالعكس على الخلاف، فكلٌّ من لفظه ومعناه فصيحٌ لا يجارى ولا يدانى، فقد أخبر عن مغيباتٍ ماضيةٍ وآتيةٍ كانت ووقعت طبق ما أخبر سواءً بسواءٍ، وأمر بكلّ خيرٍ، ونهى عن كلّ شرٍّ كما قال: {وتمّت كلمة ربّك صدقًا وعدلا} [الأنعام: 115] أي: صدقًا في الأخبار وعدلًا في الأحكام، فكلّه حقٌّ وصدقٌ وعدلٌ وهدًى ليس فيه مجازفةٌ ولا كذبٌ ولا افتراء، كما يوجد في أشعار العرب وغيرهم من الأكاذيب والمجازفات الّتي لا يحسن شعرهم إلّا بها، كما قيل في الشّعر: إنّ أعذبه أكذبه، وتجد القصيدة الطّويلة المديدة قد استعمل غالبها في وصف النّساء أو الخيل أو الخمر، أو في مدح شخصٍ معيّنٍ أو فرسٍ أو ناقةٍ أو حربٍ أو كائنةٍ أو مخافةٍ أو سبعٍ، أو شيءٍ من المشاهدات المتعيّنة الّتي لا تفيد شيئًا إلّا قدرة المتكلّم المعبّر على التّعبير على الشّيء الخفيّ أو الدّقيق أو إبرازه إلى الشّيء الواضح، ثمّ تجد له فيها بيتًا أو بيتين أو أكثر هي بيوت القصيد وسائرها هذرٌ لا طائل تحته.
وأمّا القرآن فجميعه فصيحٌ في غاية نهايات البلاغة عند من يعرف ذلك تفصيلًا وإجمالًا ممّن فهم كلام العرب وتصاريف التّعبير، فإنّه إن تأمّلت أخباره وجدتها في غاية الحلاوة، سواءٌ كانت مبسوطةً أو وجيزةً، وسواءٌ تكرّرت أم لا وكلّما تكرّر حلا وعلا لا يخلق عن كثرة الرّدّ، ولا يملّ منه العلماء، وإن أخذ في الوعيد والتّهديد جاء منه ما تقشعرّ منه الجبال الصّمّ الرّاسيات، فما ظنّك بالقلوب الفاهمات، وإن وعد أتى بما يفتح القلوب والآذان، ويشوّق إلى دار السّلام ومجاورة عرش الرّحمن، كما قال في التّرغيب: {فلا تعلم نفسٌ ما أخفي لهم من قرّة أعينٍ جزاءً بما كانوا يعملون} [السّجدة: 17] وقال: {وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذّ الأعين وأنتم فيها خالدون} [الزّخرف: 71]، وقال في التّرهيب: {أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البرّ} [الإسراء: 68]، {أأمنتم من في السّماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور * أم أمنتم من في السّماء أن يرسل عليكم حاصبًا فستعلمون كيف نذير} [الملك: 16، 17] وقال في الزّجر: {فكلا أخذنا بذنبه} [العنكبوت: 40]، وقال في الوعظ: {أفرأيت إن متّعناهم سنين * ثمّ جاءهم ما كانوا يوعدون * ما أغنى عنهم ما كانوا يمتّعون} [الشّعراء: 205 -207] إلى غير ذلك من أنواع الفصاحة والبلاغة والحلاوة، وإن جاءت الآيات في الأحكام والأوامر والنّواهي، اشتملت على الأمر بكلّ معروفٍ حسنٍ نافعٍ طيّبٍ محبوبٍ، والنّهي عن كلّ قبيحٍ رذيلٍ دنيءٍ؛ كما قال ابن مسعودٍ وغيره من السّلف: إذا سمعت اللّه تعالى يقول في القرآن: {يا أيّها الّذين آمنوا} فأوعها سمعك فإنّه خيرٌ ما يأمر به أو شرٌّ ينهى عنه. ولهذا قال تعالى: {يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحلّ لهم الطّيّبات ويحرّم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال الّتي كانت عليهم} الآية [الأعراف: 157]، وإن جاءت الآيات في وصف المعاد وما فيه من الأهوال وفي وصف الجنّة والنّار وما أعدّ اللّه فيهما لأوليائه وأعدائه من النّعيم والجحيم والملاذ والعذاب الأليم، بشّرت به وحذّرت وأنذرت؛ ودعت إلى فعل الخيرات واجتناب المنكرات، وزهّدت في الدّنيا ورغّبت في الأخرى، وثبّتت على الطّريقة المثلى، وهدت إلى صراط اللّه المستقيم وشرعه القويم، ونفت عن القلوب رجس الشّيطان الرّجيم.
ولهذا ثبت في الصّحيحين عن أبي هريرة رضي اللّه عنه: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: «ما من نبيٍّ من الأنبياء إلّا قد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنّما كان الّذي أوتيته وحيًا أوحاه اللّه إليّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة». لفظ مسلمٍ. وقوله: «وإنّما كان الّذي أوتيته وحيًا»أي: الّذي اختصصت به من بينهم هذا القرآن المعجز للبشر أن يعارضوه، بخلاف غيره من الكتب الإلهيّة، فإنّها ليست معجزةً [عند كثيرٍ من العلماء] واللّه أعلم. وله عليه الصّلاة والسّلام من الآيات الدّالّة على نبوّته، وصدقه فيما جاء به ما لا يدخل تحت حصرٍ، وللّه الحمد والمنّة.
[وقد قرّر بعض المتكلّمين الإعجاز بطريقٍ يشمل قول أهل السّنّة وقول المعتزلة في الصّوفيّة، فقال: إن كان هذا القرآن معجزًا في نفسه لا يستطيع البشر الإتيان بمثله ولا في قواهم معارضته، فقد حصل المدّعى وهو المطلوب، وإن كان في إمكانهم معارضته بمثله ولم يفعلوا ذلك مع شدّة عداوتهم له، كان ذلك دليلًا على أنّه من عند اللّه؛ لصرفه إيّاهم عن معارضته مع قدرتهم على ذلك، وهذه الطّريقة وإن لم تكن مرضيّةً لأنّ القرآن في نفسه معجزٌ لا يستطيع البشر معارضته، كما قرّرنا، إلّا أنّها تصلح على سبيل التّنزّل والمجادلة والمنافحة عن الحقّ وبهذه الطّريقة أجاب فخر الدّين في تفسيره عن سؤاله في السّور القصار كالعصر و {إنّا أعطيناك الكوثر}]). [تفسير ابن كثير: 1 / 198 -201]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {وإن كنتم في ريبٍ ممّا نزّلنا على عبدنا فأتوا بسورةٍ من مثله وادعوا شهداءكم من دون اللّه إن كنتم صادقين (23) فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتّقوا النّار الّتي وقودها النّاس والحجارة أعدّت للكافرين (24) }
...
{فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا} "ولن": لنفي التّأبيد أي: ولن تفعلوا ذلك أبدًا. وهذه -أيضًا-معجزةٌ أخرى، وهو أنّه أخبر أنّ هذا القرآن لا يعارض بمثله أبدًا وكذلك وقع الأمر، لم يعارض من لدنه إلى زماننا هذا ولا يمكن، وأنّى يتأتّى ذلك لأحدٍ، والقرآن كلام اللّه خالق كلّ شيءٍ؟ وكيف يشبه كلام الخالق كلام المخلوقين؟!). [تفسير ابن كثير: 1 / 199]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى: {فاتّقوا النّار الّتي وقودها النّاس والحجارة أعدّت للكافرين} أمّا الوقود، بفتح الواو، فهو ما يلقى في النّار لإضرامها كالحطب ونحوه، كما قال: {وأمّا القاسطون فكانوا لجهنّم حطبًا} [الجنّ: 15] وقال تعالى: {إنّكم وما تعبدون من دون اللّه حصب جهنّم أنتم لها واردون} [الأنبياء: 98].
والمراد بالحجارة هاهنا: هي حجارة الكبريت العظيمة السّوداء الصّلبة المنتنة، وهي أشدّ الأحجار حرًّا إذا حميت، أجارنا اللّه منها.
قال عبد الملك بن ميسرة الزّرّاد عن عبد الرّحمن بن سابطٍ، عن عمرو بن ميمونٍ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ، في قوله تعالى: {وقودها النّاس والحجارة} قال: «هي حجارةٌ من كبريتٍ، خلقها اللّه يوم خلق السّماوات والأرض في السّماء الدّنيا، يعدّها للكافرين». رواه ابن جريرٍ، وهذا لفظه. وابن أبي حاتمٍ، والحاكم في مستدركه وقال: على شرط الشّيخين.
وقال السّدّيّ في تفسيره، عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، وعن مرّة عن ابن مسعودٍ، وعن ناسٍ من الصّحابة: {فاتّقوا النّار الّتي وقودها النّاس والحجارة} «أمّا الحجارة فهي حجارةٌ في النّار من كبريتٍ أسود، يعذّبون به مع النّار».
وقال مجاهدٌ: «حجارةٌ من كبريتٍ أنتن من الجيفة». وقال أبو جعفرٍ محمّد بن عليٍّ: «[هي] حجارةٌ من كبريتٍ». وقال ابن جريجٍ: «حجارةٌ من كبريتٍ أسود في النّار»، وقال لي عمرو بن دينار: «أصلب من هذه الحجارة وأعظم».
[وقيل: المراد بها: حجارة الأصنام والأنداد الّتي كانت تعبد من دون اللّه كما قال: {إنّكم وما تعبدون من دون اللّه حصب جهنّم} الآية [الأنبياء: 98]، حكاه القرطبيّ وفخر الدّين ورجّحه على الأوّل؛ قال: لأنّ أخذ النّار في حجارة الكبريت ليس بمنكرٍ فجعلها هذه الحجارة أولى، وهذا الّذي قاله ليس بقويٍّ،؛ وذلك أنّ النّار إذا أضرمت بحجارة الكبريت كان ذلك أشدّ لحرّها وأقوى لسعيرها، ولا سيّما على ما ذكره السّلف من أنّها حجارةٌ من كبريتٍ معدّةٌ لذلك، ثمّ إنّ أخذ النّار في هذه الحجارة -أيضًا-مشاهدٌ، وهذا الجصّ يكون أحجارًا فتعمل فيه بالنّار حتّى يصير كذلك. وكذلك سائر الأحجار تفخرها النّار وتحرقها. وإنّما سيق هذا في حرّ هذه النّار الّتي وعدوا بها، وشدّة ضرامها وقوّة لهبها كما قال: {كلّما خبت زدناهم سعيرًا} [الإسراء: 97]. وهكذا رجّح القرطبيّ أنّ المراد بها الحجارة الّتي تسعّر بها النّار لتحمى ويشتدّ لهبها قال: ليكون ذلك أشدّ عذابًا لأهلها، قال: وقد جاء في الحديث عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: «كلّ مؤذٍ في النّار». وهذا الحديث ليس بمحفوظٍ ولا معروفٍ ثمّ قال القرطبيّ: وقد فسّر بمعنيين، أحدهما: أنّ كلّ من آذى النّاس دخل النّار، والآخر: كلّ ما يؤذي فهو في النّار يتأذّى به أهلها من السّباع والهوامّ وغير ذلك].
وقوله تعالى: {أعدّت للكافرين} الأظهر أنّ الضّمير في {أعدّت} عائدٌ إلى النّار الّتي وقودها النّاس والحجارة، ويحتمل عوده على الحجارة، كما قال ابن مسعودٍ، ولا منافاة بين القولين في المعنى؛ لأنّهما متلازمان.
و {أعدّت} أي: أرصدت وحصلت للكافرين باللّه ورسوله، كما قال [محمد] بن إسحاق، عن محمّدٍ، عن عكرمة، أو سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {أعدّت للكافرين} «أي: لمن كان على مثل ما أنتم عليه من الكفر».
وقد استدلّ كثيرٌ من أئمّة السّنّة بهذه الآية على أنّ النّار موجودةٌ الآن لقوله: {أعدّت} أي: أرصدت وهيّئت وقد وردت أحاديث كثيرةٌ في ذلك منها: «تحاجّت الجنّة والنّار». ومنها: «استأذنت النّار ربّها فقالت: ربّ أكل بعضي بعضًا فأذن لها بنفسين نفسٌ في الشّتاء ونفسٌ في الصّيف»، وحديث ابن مسعودٍ سمعنا وجبةً فقلنا ما هذه؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «هذا حجرٌ ألقي به من شفير جهنّم منذ سبعين سنةً الآن وصل إلى قعرها». وهو عند مسلمٍ وحديث صلاة الكسوف وليلة الإسراء وغير ذلك من الأحاديث المتواترة في هذا المعنى وقد خالفت المعتزلة بجهلهم في هذا ووافقهم القاضي منذر بن سعيدٍ البلّوطيّ قاضي الأندلس.
تنبيهٌ ينبغي الوقوف عليه:
قوله: {فأتوا بسورةٍ من مثله} وقوله في سورة يونس: {بسورةٍ مثله} [يونس: 38] يعمّ كلّ سورةٍ في القرآن طويلةً كانت أو قصيرةً؛ لأنّها نكرةٌ في سياق الشّرط فتعمّ كما هي في سياق النّفي عند المحقّقين من الأصوليّين كما هو مقرّرٌ في موضعه، فالإعجاز حاصلٌ في طوال السّور وقصارها، وهذا ما أعلم فيه نزاعًا بين النّاس سلفًا وخلفًا، وقد قال الإمام العلّامة فخر الدّين الرّازيّ في تفسيره: فإن قيل: قوله: {فأتوا بسورةٍ من مثله} يتناول سورة الكوثر وسورة العصر، و {قل يا أيّها الكافرون} ونحن نعلم بالضّرورة أنّ الإتيان بمثله أو بما يقرب منه ممكنٌ. فإن قلتم: إنّ الإتيان بمثل هذه السّور خارجٌ عن مقدور البشر كان مكابرةً، والإقدام على هذه المكابرات ممّا يطرق بالتّهمة إلى الدّين: قلنا: فلهذا السّبب اخترنا الطّريق الثّاني، وقلنا: إن بلغت هذه السّورة في الفصاحة حدّ الإعجاز فقد حصل المقصود، وإن لم يكن كذلك، كان امتناعهم من المعارضة مع شدّة دواعيهم إلى تهوين أمره معجزًا، فعلى التّقديرين يحصل المعجز، هذا لفظه بحروفه. والصّواب: أنّ كلّ سورةٍ من القرآن معجزةٌ لا يستطيع البشر معارضتها طويلةً كانت أو قصيرةً.
قال الشّافعيّ، رحمه اللّه: لو تدبّر النّاس هذه السّورة لكفتهم: {والعصر * إنّ الإنسان لفي خسرٍ * إلا الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات وتواصوا بالحقّ وتواصوا بالصّبر} [سورة العصر]. وقد روينا عن عمرو بن العاص أنّه وفد على مسيلمة الكذّاب قبل أن يسلم، فقال له مسيلمة: ماذا أنزل على صاحبكم بمكّة في هذا الحين؟ فقال له عمرٌو: «لقد أنزل عليه سورةٌ وجيزةٌ بليغةٌ».فقال: وما هي؟ فقال: {والعصر * إنّ الإنسان لفي خسرٍ} ففكّر ساعةً ثمّ رفع رأسه فقال: ولقد أنزل عليّ مثلها، فقال: «وما هو؟».فقال: يا وبر يا وبر، إنّما أنت أذنان وصدرٌ، وسائرك حقرٌ فقرٌ، ثمّ قال: كيف ترى يا عمرو؟ فقال له عمرٌو: «واللّه إنّك لتعلم أني لأعلم إنك تكذب».). [تفسير ابن كثير: 1 / 201 -203]

تفسير قوله تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {وبشّر الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات أنّ لهم جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار كلّما رزقوا منها من ثمرةٍ رزقًا قالوا هذا الّذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابهًا ولهم فيها أزواجٌ مطهّرةٌ وهم فيها خالدون (25) }
لمّا ذكر تعالى ما أعدّه لأعدائه من الأشقياء الكافرين به وبرسله من العذاب والنّكال، عطف بذكر حال أوليائه من السّعداء المؤمنين به وبرسله، الّذين صدّقوا إيمانهم بأعمالهم الصّالحة، وهذا معنى تسمية القرآن "مثاني" على أصحّ أقوال العلماء، كما سنبسطه في موضعه، وهو أن يذكر الإيمان ويتبعه بذكر الكفر، أو عكسه، أو حال السّعداء ثمّ الأشقياء، أو عكسه. وحاصله ذكر الشّيء ومقابله. وأمّا ذكر الشّيء ونظيره فذاك التّشابه، كما سنوضّحه إن شاء اللّه؛ فلهذا قال تعالى: {وبشّر الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات أنّ لهم جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار} فوصفها بأنّها تجري من تحتها الأنهار، كما وصف النّار بأنّ وقودها النّاس والحجارة، ومعنى {تجري من تحتها الأنهار} أي: من تحت أشجارها وغرفها، وقد جاء في الحديث: أنّ أنهارها تجري من غير أخدودٍ، وجاء في الكوثر أنّ حافّتيه قباب اللّؤلؤ المجوّف، ولا منافاة بينهما، وطينها المسك الأذفر، وحصباؤها اللّؤلؤ والجوهر، نسأل اللّه من فضله [وكرمه] إنّه هو البرّ الرّحيم.
وقال ابن أبي حاتمٍ: قرئ على الرّبيع بن سليمان: حدّثنا أسد بن موسى، حدّثنا ابن ثوبان، عن عطاء بن قرّة، عن عبد اللّه بن ضمرة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أنهار الجنّة تفجّر من تحت تلال -أو من تحت جبال-المسك».
وقال أيضًا: حدّثنا أبو سعيدٍ، حدّثنا وكيعٌ، عن الأعمش، عن عبد اللّه بن مرّة، عن مسروقٍ، قال: قال عبد اللّه: «أنهار الجنّة تفجر من جبل مسكٍ».
وقوله تعالى: {كلّما رزقوا منها من ثمرةٍ رزقًا قالوا هذا الّذي رزقنا من قبل} قال السّدّيّ في تفسيره، عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ وعن مرّة عن ابن مسعودٍ، وعن ناسٍ من الصّحابة: {قالوا هذا الّذي رزقنا من قبل} قال: «إنّهم أتوا بالثّمرة في الجنّة، فلمّا نظروا إليها قالوا: هذا الّذي رزقنا من قبل في [دار] الدّنيا».
وهكذا قال قتادة، وعبد الرّحمن بن زيد بن أسلم، ونصره ابن جريرٍ.
وقال عكرمة: {قالوا هذا الّذي رزقنا من قبل} قال: «معناه: مثل الّذي كان بالأمس»، وكذا قال الرّبيع بن أنسٍ. وقال مجاهدٌ: «يقولون: ما أشبهه به».
قال ابن جريرٍ: وقال آخرون: بل تأويل ذلك هذا الّذي رزقنا من ثمار الجنّة من قبل هذا لشدّةٍ مشابهة بعضه بعضًا، لقوله تعالى: {وأتوا به متشابهًا} قال سنيد بن داود: حدّثنا شيخٌ من أهل المصّيصة، عن الأوزاعيّ، عن يحيى بن أبي كثيرٍ، قال: «يؤتى أحدهم بالصّحفة من الشّيء، فيأكل منها ثمّ يؤتى بأخرى فيقول: هذا الّذي أوتينا به من قبل. فتقول الملائكة: كل، فاللّون واحدٌ، والطّعم مختلفٌ».
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا سعيد بن سليمان، حدّثنا عامر بن يساف، عن يحيى بن أبي كثيرٍ قال: «عشب الجنّة الزّعفران، وكثبانها المسك، ويطوف عليهم الولدان بالفواكه فيأكلونها ثمّ يؤتون بمثلها، فيقول لهم أهل الجنّة: هذا الّذي أتيتمونا آنفًا به، فيقول لهم الولدان: كلوا، فإنّ اللّون واحدٌ، والطّعم مختلفٌ. وهو قول اللّه تعالى: {وأتوا به متشابهًا}».
وقال أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية: {وأتوا به متشابهًا} قال: «يشبه بعضه بعضًا، ويختلف في الطّعم».
وقال ابن أبي حاتمٍ: وروي عن مجاهدٍ، والرّبيع بن أنسٍ، والسّدّيّ نحو ذلك.
وقال ابن جريرٍ بإسناده عن السّدّيّ في تفسيره، عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ وعن مرّة، عن ابن مسعودٍ، وعن ناسٍ من الصّحابة، في قوله تعالى: {وأتوا به متشابهًا} يعني: «في اللّون والمرأى، وليس يشتبه في الطّعم».
وهذا اختيار ابن جريرٍ.
وقال عكرمة: {وأتوا به متشابهًا} قال: «يشبه ثمر الدّنيا، غير أنّ ثمر الجنّة أطيب».
وقال سفيان الثّوريّ، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عبّاسٍ، «لا يشبه شيءٌ ممّا في الجنّة ما في الدّنيا إلّا في الأسماء»، وفي روايةٍ: «ليس في الدّنيا ممّا في الجنّة إلّا الأسماء». رواه ابن جريرٍ، من رواية الثّوريّ، وابن أبي حاتمٍ من حديث أبي معاوية كلاهما عن الأعمش، به.
وقال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قوله: {وأتوا به متشابهًا} قال: «يعرفون أسماءه كما كانوا في الدّنيا: التّفّاح بالتّفّاح، والرّمّان بالرّمّان، قالوا في الجنّة: هذا الّذي رزقنا من قبل في الدّنيا، وأتوا به متشابهًا، يعرفونه وليس هو مثله في الطّعم».
وقوله تعالى: {ولهم فيها أزواجٌ مطهّرةٌ} قال ابن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: «مطهّرةٌ من القذر والأذى».
وقال مجاهدٌ: «من الحيض والغائط والبول والنّخام والبزاق والمنيّ والولد».
وقال قتادة: «مطهّرةٌ من الأذى والمأثم». وفي روايةٍ عنه: «لا حيض ولا كلف». وروي عن عطاءٍ والحسن والضّحّاك وأبي صالحٍ وعطيّة والسّدّيّ نحو ذلك.
وقال ابن جريرٍ: حدّثني يونس بن عبد الأعلى، أنبأنا ابن وهبٍ، عن عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم، قال: «المطهّرة الّتي لا تحيض». قال: «وكذلك خلقت حوّاء، عليها السّلام، حتّى عصت، فلمّا عصت قال اللّه تعالى: إنّي خلقتك مطهّرةً وسأدميك كما أدميت هذه الشّجرة». وهذا غريبٌ.
وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه: حدّثنا إبراهيم بن محمّدٍ، حدّثني جعفر بن محمّد بن حربٍ، وأحمد بن محمّدٍ الجوري قالا حدّثنا محمّد بن عبيدٍ الكنديّ، حدّثنا عبد الرّزّاق بن عمر البزيعيّ، حدّثنا عبد اللّه بن المبارك عن شعبة، عن قتادة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيدٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في قوله تعالى: {ولهم فيها أزواجٌ مطهّرةٌ} قال: «من الحيض والغائط والنّخاعة والبزاق».
هذا حديثٌ غريبٌ. وقد رواه الحاكم في مستدركه، عن محمّد بن يعقوب، عن الحسن بن عليّ بن عفّان، عن محمّد بن عبيدٍ، به، وقال: صحيحٌ على شرط الشيخين.
وهذا الّذي ادّعاه فيه نظرٌ؛ فإنّ عبد الرّزّاق بن عمر البزيعيّ هذا قال فيه أبو حاتم بن حبّان البستي: لا يجوز الاحتجاج به.
قلت: والأظهر أنّ هذا من كلام قتادة، كما تقدّم، واللّه أعلم.
وقوله تعالى: {وهم فيها خالدون} هذا هو تمام السّعادة، فإنّهم مع هذا النّعيم في مقامٍ أمينٍ من الموت والانقطاع فلا آخر له ولا انقضاء، بل في نعيمٍ سرمديٍّ أبديٍّ على الدوام، والله المسؤول أن يحشرنا في زمرتهم، إنّه جوادٌ كريمٌ، بر رحيم). [تفسير ابن كثير: 1 / 203 -206]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:10 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة