العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الأعراف

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17 ربيع الثاني 1434هـ/27-02-2013م, 10:48 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير سورة الأعراف [ من الآية (179) إلى الآية (183) ]

{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179) وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180) وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21 ربيع الثاني 1434هـ/3-03-2013م, 11:43 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولقد ذرأنا لجهنّم كثيرًا من الجنّ والإنس لهم قلوبٌ لاّ يفقهون بها ولهم أعينٌ لاّ يبصرون بها ولهم آذانٌ لاّ يسمعون بها}؛
يقول تعالى ذكره: ولقد خلقنا لجهنّم كثيرًا من الجنّ والإنس، يقال منه: ذرأ اللّه خلقه يذرؤهم ذرءًا.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليّ بن الحسين الأزديّ، قال: حدّثنا يحيى بن يمانٍ، عن مبارك بن فضالة، عن الحسن، في قوله: {ولقد ذرأنا لجهنّم كثيرًا من الجنّ والإنس}؛ قال: ممّا خلقنا.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن أبي زائدة، عن مباركٍ، عن الحسن، في قوله: {ولقد ذرأنا لجهنّم}؛ قال: خلقنا.
- قال: حدّثنا زكريّا، عن عتّاب بن بشيرٍ، عن عليّ بن بذيمة، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: أولاد الزّنا ممّا ذرأ اللّه لجهنّم.
- قال: حدّثنا زكريّا بن عديٍّ، وعثمان الأحول، عن مروان بن معاوية، عن الحسن بن عمرٍو، عن معاوية بن إسحاق، عن جليسٍ له بالطّائف، عن عبد اللّه بن عمرٍو، عن النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم-، قال: «إنّ اللّه لمّا ذرأ لجهنّم ما ذرأ، كان ولد الزّنا ممّن ذرأ لجهنّم
».
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ولقد ذرأنا لجهنّم} يقول: خلقنا.
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا أبو سعدٍ، قال: سمعت مجاهدًا، يقول في قوله: {ولقد ذرأنا لجهنّم} قال: لقد خلقنا لجهنّم كثيرًا من الجنّ والإنس.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ: {ولقد ذرأنا لجهنّم} خلقنا.
وقال جلّ ثناؤه: {ولقد ذرأنا لجهنّم كثيرًا من الجنّ والإنس}؛ لنفاذ علمه فيهم بأنّهم يصيرون إليها بكفرهم بربّهم.
وأمّا قوله: {لهم قلوبٌ لا يفقهون بها}؛ فإنّ معناه: لهؤلاء الّذين ذرأهم اللّه لجهنّم من خلقه قلوبٌ لا يتفكّرون بها في آيات اللّه، ولا يتدبّرون بها أدلّته على وحدانيّته، ولا يعتبرون بها حججه لرسله، فيعلموا توحيد ربّهم، ويعرفوا حقيقة نبوّة أنبيائهم، فوصفهم ربّنا جلّ ثناؤه بأنّهم لا يفقهون بها؛ لإعراضهم عن الحقّ وتركهم تدبّر صحّة الرّشد وبطول الكفر.
وكذلك قوله: {ولهم أعينٌ لا يبصرون بها}؛ معناه: ولهم أعينٌ لا ينظرون بها إلى آيات اللّه وأدلّته، فيتأمّلوها ويتفكّروا فيها، فيعلموا بها صحّة ما تدعوهم إليه رسلهم، وفساد ما هم عليه مقيمون من الشّرك باللّه وتكذيب رسله، فوصفهم اللّه بتركهم إعمالها في الحقّ بأنّهم لا يبصرون بها. وكذلك قوله: {ولهم آذانٌ لا يسمعون بها}؛ آيات كتاب اللّه فيعتبروها ويتفكّروا فيها، ولكنّهم يعرضون عنها، ويقولون: {لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلّكم تغلبون}؛ وذلك نظير وصف اللّه إيّاهم في موضعٍ آخر بقوله: {صمٌّ بكمٌ عميٌ فهم لا يعقلون}؛ والعرب تقول ذلك للتّارك استعمال بعض جوارحه فيما يصلح له، ومنه قول مسكينٍ الدّارميّ:
أعمى إذا ما جارتي خرجت ....... حتّى يواري جارتي السّتر
وأصمّ عمّا كان بينهما ....... سمعي وما بالسّمع من وقر

فوصف نفسه لتركه النّظر والاستماع بالعمى والصّمم.
ومنه قول الآخر:
وعوراء اللّئام صممت عنها ....... وإنّي لو أشاء بها سميع.
وبادرةٍ وزعت النّفس عنها ....... ولو بينت من العصب الضّلوع

وذلك كثيرٌ في كلام العرب وأشعارها.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا أبو سعدٍ، قال: سمعت مجاهدًا، يقول في قوله: {لهم قلوبٌ لا يفقهون بها} قال: لا يفقهون بها شيئًا من أمر الآخرة. {ولهم أعينٌ لا يبصرون بها} الهدى. {ولهم آذانٌ لا يسمعون بها} الحقّ، ثمّ جعلهم كالأنعام، ثمّ جعلهم شرًّا من الأنعام، فقال: {بل هم أضلّ} ثمّ أخبر أنّهم هم الغافلون وهي كما قال ابن عبّاسٍ.
القول في تأويل قوله تعالى: {أولئك كالأنعام بل هم أضلّ أولئك هم الغافلون}.
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {أولئك كالأنعام} هؤلاء الّذين ذرأهم لجهنّم هم كالأنعام، وهي البهائم الّتي لا تفقه ما يقال لها ولا تفهم ما أبصرته ممّا يصلح وما لا يصلح ولا تعقل بقلوبها الخير من الشّرّ فتميّز بينهما، فشبّههم اللّه بها؛ إذ كانوا لا يتذكّرون ما يرون بأبصارهم من حججه، ولا يتفكّرون فيما يسمعون من آي كتابه. ثمّ قال: {بل هم أضلّ} يقول: هؤلاء الكفرة الّذين ذرأهم لجهنّم أشدّ ذهابًا عن الحقّ وألزم لطريق الباطل من البهائم؛ لأنّ البهائم لا اختيار لها ولا تمييز فتختار وتميّز، وإنّما هي مسخّرةٌ ومع ذلك تهرب من المضارّ وتطلب لأنفسها من الغذاء الأصلح. والّذين وصف اللّه صفتهم في هذه الآية، مع ما أعطوا من الأفهام والعقول المميّزة بين المصالح والمضارّ، تترك ما فيه صلاح دنياها وآخرتها وتطلب ما فيه مضارّها، فالبهائم منها أسدّ وهي منها أضلّ، كما وصفها به ربّنا جلّ ثناؤه.
وقوله: {أولئك هم الغافلون} يقول تعالى ذكره: هؤلاء الّذين وصفت صفتهم، القوم الّذين غفلوا، يعني سهوا عن آياتي وحججي، وتركوا تدبّرها والاعتبار بها والاستدلال على ما دلّت عليه من توحيد ربّها، لا البهائم الّتي قد عرّفها ربّها ما سخّرها له). [جامع البيان: 10/ 591-595]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({ولقد ذرأنا لجهنّم كثيرًا من الجنّ والإنس لهم قلوبٌ لا يفقهون بها ولهم أعينٌ لا يبصرون بها ولهم آذانٌ لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضلّ أولئك هم الغافلون (179)}
قوله تعالى: {ولقد ذرأنا}؛
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: {ولقد ذرأنا لجهنّم}؛ يقول: خلقنا لجهنّم كثيرًا من الجنّ والإنس.
- حدّثنا عمّار بن خالدٍ، ثنا يزيد، عن المبارك بن فضالة، عن الحسن في قوله: {ولقد ذرأنا لجهنّم}؛ قال: خلقنا لجهنّم، وروي عن عمر مولى عمرة مثل ذلك
قوله تعالى: {ذرأنا لجهنّم كثيرًا من الجنّ والإنس}؛
- حدّثنا أبي، ثنا سويد بن سعيدٍ، ثنا مروان بن معاوية، عن الحسن بن عمرٍو، عن معاوية بن إسحاق، عن جليسٍ له بالطّائف، عن عبد اللّه بن عمرٍو قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:
«إنّ اللّه لمّا ذرأ لجهنّم من ذرأ قال: ولد الزّنا من ذرأ لجهنّم».
- حدّثنا أبي، ثنا إبراهيم بن موسى بن عتّاب بن بشيرٍ، عن عليّ بن بذيمة عن سعيد بن جبيرٍ قال: ممّا ذرأ لجهنّم أولاد الزّنا.
قوله تعالى: {لهم قلوبٌ لا يفقهون ... الآية}؛
- وحدّثنا أبي، ثنا حسين بن الأسود العجليّ، ثنا أبو أسامة، ثنا يزيد بن سنانٍ أبو فروة، عن أبي منيبٍ الحمصيّ، عن يحيى بن أبي كثيرٍ، عن أبي سلمة، عن أبي الدّرداء قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:
«خلق اللّه الإنس ثلاثة أصناف، صنفا كالبهائم قال تعالى: {لهم قلوبٌ لا يفقهون بها ولهم أعينٌ لا يبصرون بها ولهم آذانٌ لا يسمعون بها}»). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1621-1622]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا المبارك بن فضالة عن الحسن قوله: {ولقد ذرأنا لجهنم} يقول: خلقنا لجهنم). [تفسير مجاهد: 251]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {ولقد ذرأنا} قال: خلقنا.
- وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن الحسن {ولقد ذرأنا لجهنم} قال: خلقنا لجهنم.
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
«إن الله لما ذرأ لجهنم من ذرأ كان ولد الزنا ممن ذرأ لجهنم».
- وأخرج الحكيم الترمذي، وابن أبي الدنيا في مكايد الشيطان وأبو يعلى، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
«خلق الله الجن ثلاثة أصناف، صنف حيات وعقارب وخشاش الأرض وصنف كالريح في الهواء وصنف عليهم الحساب والعقاب، وخلق الله الإنس ثلاثة أصناف، صنف كالبهائم قال الله: {لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل} وجنس أجسادهم أجساد بني آدم وأرواحهم أرواح الشياطين وصنف في ضل الله يوم لا ظل إلا ظله».
- وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله: {ولقد ذرأنا لجهنم} قال: لقد خلقنا لجهنم، {لهم قلوب لا يفقهون بها} قال: لا يفقهون شيئا من أمر الآخرة {ولهم أعين لا يبصرون بها} الهدى {ولهم آذان لا يسمعون بها} الحق ثم جعلهم كالأنعام ثم جعلهم شرا من الأنعام فقال: {بل هم أضل} ثم أخبر أنهم الغافلون، والله أعلم). [الدر المنثور: 6/ 682-683]

تفسير قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)}
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى: {وذروا الذين يلحدون في أسمائه} يقول في آياته قال: يشركون). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 244]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وللّه الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الّذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون}.
يقول تعالى ذكره: {وللّه الأسماء الحسنى}، وهي كما قال ابن عبّاسٍ.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {وللّه الأسماء الحسنى فادعوه بها} ومن أسمائه: العزيز الجبّار، وكلّ أسماء اللّه حسنٌ.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن هشام بن حسّان، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-، قال: «إنّ للّه تسعةً وتسعين اسمًا، مائةً إلاّ واحدًا، من أحصاها كلّها دخل الجنّة
».
وأمّا قوله: {وذروا الّذين يلحدون في أسمائه} فإنّه يعني به المشركين. وكان إلحادهم في أسماء اللّه أنّهم عدلوا بها عمّا هي عليه، فسمّوا بها آلهتهم وأوثانهم، وزادوا فيها ونقصوا منها، فسمّوا بعضها اللاّت اشتقاقًا منهم لها من اسم اللّه الّذي هو اللّه، وسمّوا بعضها العزّى اشتقاقًا لها من اسم اللّه الّذي هو العزيز.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {وذروا الّذين يلحدون في أسمائه}؛ قال: إلحاد الملحدين أن دعوا اللاّت في أسماء اللّه.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: {وذروا الّذين يلحدون في أسمائه}؛ قال: اشتقّوا العزّى من العزيز، واشتقّوا اللاّت من اللّه.
واختلف أهل التّأويل في تأويل قوله: {يلحدون} فقال بعضهم: يكذّبون.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وذروا الّذين يلحدون في أسمائه} قال: الإلحاد: التّكذيب.
وقال آخرون: معنى ذلك: يشركون.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {يلحدون} قال: يشركون.
وأصل الإلحاد في كلام العرب: العدول عن القصد، والجور عنه، والإعراض، ثمّ يستعمل في كلّ معوجٍّ غير مستقيمٍ، ولذلك قيل للحد القبر لحدٌ؛ لأنّه في ناحيةٍ منه وليس في وسطه، يقال منه: ألحد فلانٌ يلحد إلحادًا، ولحد يلحد لحدًا ولحودًا وقد ذكر عن الكسائيّ أنّه كان يفرّق بين الإلحاد واللّحد، فيقول في الإلحاد: إنّه العدول عن القصد، وفي اللّحد إنّه الرّكون إلى الشّيء، وكان يقرأ جميع ما في القرآن يلحدون بضمّ الياء وكسر الحاء، إلاّ الّتي في النّحل، فإنّه كان يقرؤها: (يلحدون) بفتح الياء والحاء، ويزعم أنّه بمعنى الرّكون. وأمّا سائر أل المعرفة بكلام العرب فيرون أنّ معناهما واحدٌ، وأنّهما لغتان جاءتا في حرفٍ واحدٍ بمعنًى واحدٍ.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء أهل المدينة وبعض البصريّين والكوفيّين: {يلحدون} بضمّ الياء وكسر الحاء من ألحد يلحد في جميع القرآن. وقرأ ذلك عامّة قرّاء أهل الكوفة: (يلحدون) بفتح الياء والحاء من لحد يلحد.
والصّواب من القول في ذلك أنّهما لغتان بمعنًى واحدٍ فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيبٌ الصّواب في ذلك. غير أنّي أختار القراءة بضمّ الياء على لغة من قال: ألحد؛ لأنّها أشهر اللّغتين وأفصحهما. وكان ابن زيدٍ يقول في قوله: {وذروا الّذين يلحدون في أسمائه}: إنّه منسوخٌ.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وذروا الّذين يلحدون في أسمائه} قال: هؤلاء أهل الكفر، وقد نسخ، نسخه القتال.
ولا معنى لما قال ابن زيدٍ في ذلك من أنّه منسوخٌ؛ لأنّ قوله: {وذروا الّذين يلحدون في أسمائه} ليس بأمرٍ من اللّه لنبيّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- بترك المشركين أن يقولوا ذلك حتّى يأذن له في قتالهم، وإنّما هو تهديدٌ من اللّه للملحدين في أسمائه ووعيدٌ منه لهم، كما قال في موضعٍ آخر: {ذرهم يأكلوا ويتمتّعوا ويلههم الأمل} الآية، وكقوله: {ليكفروا بما آتيناهم وليتمتّعوا فسوف يعلمون} وهو كلامٌ خرج مخرج الأمر بمعنى الوعيد والتّهديد، ومعناه: إن تمهل الّذين يلحدون يا محمّد في أسماء اللّه إلى أجلٍ هم بالغوه، فسوف يجزون إذا جاءهم أجل اللّه الّذي أجّله إليهم جزاء أعمالهم الّتي كانوا يعملونها قبل ذلك من الكفر باللّه والإلحاد في أسمائه وتكذيب رسوله). [جامع البيان: 10/ 595-599]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وللّه الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الّذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون (180)}
قوله تعالى: {وللّه الأسماء الحسنى فادعوه بها}
- حدثنا أبي، ثنا محمد وبن غيلان، ثنا عليّ بن الحسين بن واقدٍ، حدّثني أبي، عن مطرٍ، وهشام، عن محمّد بن سيرين، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم:
«وللّه الأسماء الحسنى فادعوه بها قال: إنّ للّه مائةٌ غير اسمٍ واحدٍ من أحصاها دخل الجنّة».
- حدّثنا عمّار بن خالدٍ الواسطيّ، ثنا إسحاق الأزرق، عن ابن عونٍ، عن محمّد بن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:
«إنّ للّه تسعةٌ وتسعين اسمًا مائةٌ غير واحدٍ من أحصاها دخل الجنّة».
- أخبرنا محمّد بن سعد بن عطيّة العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي حدّثني عمّي الحسين، عن أبيه، عن جدّه، عن ابن عبّاسٍ قوله: وللّه الأسماء الحسنى فادعوه بها قال: ومن أسمائه العزيز والجبار وكلّ أسماء اللّه حسنٌ.
قوله تعالى: {وذروا الّذين يلحدون في أسمائه}؛
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: قوله: {الّذين يلحدون في أسمائه} التّكذيب.
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، حدّثني عمّي الحسين، عن أبيه، عن جدّه، عن ابن عبّاسٍ قوله: {وذروا الّذين يلحدون في أسمائه}؛ قال: الإلحاد، الملحدين أن دعوا اللات والعزّى في أسماء اللّه عزّ وجلّ.
- أخبرنا العبّاس بن الوليد بن مزيدٍ قراءةً عليه، أخبرني محمّد بن شعيب بن شابور، أخبرني عثمان بن عطاءٍ، عن أبيه، وأمّا يلحدون في آياتنا قال: الإلحاد المضاهاة.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى ثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة قوله: {يلحدون} قال: يشركون.
- حدّثنا أبو عامرٍ سعيد بن عمرو بن سعيدٍ الحمصيّ السّكونيّ، ثنا إبراهيم ابن العلا الزّبيديّ، ثنا أبو عبد الملك عبد الواحد بن ميسرة القرشيّ الزّيتونيّ حدّثني مبشّر بن عبيدٍ القرشيّ قال: قال الأعمش: يلحدون بنصب الياء والحاء من اللّحد قال: وسألته عن تفسيرها فقال: يدخلون فيها ما ليس منها). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1622-1623]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج البخاري ومسلم وأحمد والترمذي والنسائي، وابن ماجه، وابن خزيمة وأبو عوانة، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن حبان والطبراني وأبو عبد الله بن منده في التوحيد، وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي في كتاب الأسماء والصفات عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
«إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة إنه وتر يحب الوتر»
- وأخرج أبو نعيم، وابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
«لله مائة اسم غير اسم من دعا بها استجاب الله له دعاءه».
- وأخرج الدار قطني في الغرائب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:
«قال الله عز وجل: لي تسعة وتسعون اسما من أحصاها دخل الجنة».
- وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم عن ابن عباس، وابن عمر قالا: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
«إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة».
- وأخرج الترمذي، وابن المنذر، وابن حبان، وابن منده والطبراني والحاكم، وابن مردويه والبيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
«إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة إنه وتر يحب الوتر هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور الغفار القهار الوهاب الرزاق الفتاح العليم القابض الباسط الخافض الرافع المعز المذل السميع البصير الحكم العدل اللطيف الخبير الحليم العظيم الغفور الشكور العلي الكبير الحفيظ المقيت الحسيب الجليل الكريم الرقيب المجيب الواسع الحكيم الودود المجيد الباعث الشهيد الحق الوكيل القوي المتين الولي الحميد المحصي المبدئ المعيد المحيي المميت الحي القيوم الواجد الماجد الواحد الأحد الصمد القادر المقتدر المقدم المؤخر الأول الآخر الظاهر الباطن البر التواب المنتقم العفو الرؤوف المالك الملك ذو الجلال والإكرام الوالي المتعال المقسط الجامع الغني المغني المانع الضار النافع النور الهادي البديع الباقي الوارث الرشيد الصبور».
- وأخرج ابن أبي الدنيا في الدعاء والطبراني كلاهما وأبو الشيخ والحاكم، وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
«إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة اسأل الله الرحمن الرحيم الإله الرب الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور الحليم العليم السميع البصير الحي القيوم الواسع اللطيف الخبير الحنان المنان البديع الغفور الودود الشكور المجيد المبدئ المعيد النور البادئ وفي لفظ: القائم الأول الآخر الظاهر الباطن العفو الغفار الوهاب الفرد وفي لفظ: القادر الأحد الصمد الوكيل الكافي الباقي المغيث الدائم المتعالي ذا الجلال والإكرام المولى النصير الحق المبين الوارث المنير الباعث القدير وفي لفظ: المجيب المحيي المميت الحميد وفي لفظ: الجميل الصادق الحفيظ المحيط الكبير القريب الرقيب الفتاح التواب القديم الوتر الفاطر الرزاق العلام العلي العظيم الغني المليك المقتدر الأكرم الرؤوف المدبر المالك القاهر الهادي الشاكر الكريم الرفيع الشهيد الواحد ذا الطول ذا المعارج ذا الفضل الكفيل الجليل».
- وأخرج أبو نعيم عن ابن عباس، وابن عمر قالا: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
«إن لله تسعة وتسعون اسما من أحصاها دخل الجنة وهي في القرآن».
- وأخرج أبو نعيم عن محمد بن جعفر قال: سألت أبي جعفر بن محمد الصادق عن الأسماء التسعة والتسعين التي من أحصاها دخل الجنة فقال: هي في القرآن ففي الفاتحة خمسة أسماء، يا ألله يا رب يا رحمن يا رحيم يا مالك، وفي البقرة ثلاثة وثلاثون اسما: يا محيط يا قدير يا عليم يا حكيم يا علي يا عظيم يا تواب يا بصير يا ولي يا واسع يا كافي يا رؤوف يا بديع يا شاكر يا واحد يا سميع يا قابض يا باسط يا حي يا قيوم يا غني يا حميد يا غفور يا حليم يا إله يا قريب يا مجيب يا عزيز يا نصير يا قوي يا شديد يا سريع يا خبير، وفي آل عمران: يا وهاب يا قائم يا صادق يا باعث يا منعم يا متفضل، وفي النساء: يا رقيب يا حسيب يا شهيد يا مقيت يا وكيل يا علي يا كبير، وفي الأنعام: يا فاطر يا قاهر يا لطيف يا برهان، وفي الأعراف: يا محيي يا مميت، وفي الأنفال: يا نعم المولى يا نعم النصير، وفي هود: يا حفيظ يا مجيد يا ودود يا فعال لما يريد، وفي الرعد: يا كبير يا متعال، وفي إبراهيم: يا منان يا وارث، وفي الحجر: يا خلاق، وفي مريم: يا فرد، وفي طه: يا غفار، وفي قد أفلح: يا كريم، وفي النور: يا حق يا مبين، وفي الفرقان: يا هادي، وفي سبأ: يا فتاح، وفي الزمر: يا عالم، وفي غافر: يا غافر يا قابل التوبة يا ذا الطول يا رفيع، وفي الذاريات: يا رزاق يا ذا القوة يا متين، وفي الطور: يا بر، وفي اقتربت: يا مليك يا مقتدر، وفي الرحمن: ياذا الجلال والإكرام يا رب المشرقين يا رب المغربين يا باقي يا مهيمن، وفي الحديد: يا أول يا آخر يا ظاهر يا باطن، وفي الحشر: يا ملك يا قدوس يا سلام يا مؤمن يا مهيمن يا عزيز يا جبار يا متكبر يا خالق يا بارئ يا مصور، وفي البروج: يا مبدئ يا معيد، وفي الفجر: يا وتر، وفي الإخلاص: يا أحد يا صمد.
- وأخرج البيهقي في كتاب الأسماء والصفات عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
«من أصابه هم أو حزن فليقل: اللهم إني عبدك، وابن عبدك، وابن أمتك ناصيتي في يدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك أسالك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور بصري وذهاب همي وجلاء حزني قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما قالهن مهموم قط إلا أذهب الله همه وأبدله بهمه فرجا، قالوا: يا رسول الله افلا نتعلم هذه الكلمات قال: بلى فتعلموهن وعلموهن».
- وأخرج البيهقي عن عائشة، أنها قالت: يا رسول الله علمني اسم الله الذي إذا دعى به أجاب، قال لها:
«قومي فتوضئي وادخلي المسجد فصلي ركعتين ثم ادعي حتى أسمع»، ففعلت فلما جلست للدعاء قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «اللهم وفقها»، فقالت: اللهم إني أسالك بجميع أسمائك الحسنى كلها ما علمنا منها وما لم نعلم واسألك بإسمك العظيم الأعظم الكبير الأكبر الذي من دعاك به أجبته ومن سألك به أعطيته، قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم:«أصبته أصبته، قوله تعالى: {وذروا الذين يلحدون في أسمائه}».
- أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: الإلحاد التكذيب.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وذروا الذين يلحدون في أسمائه} قال: اشتقوا العزى من العزيز واشتقوا اللات من الله.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء في الآية قال: الإلحاد الضاهاة.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن الأعمش أنه قرأ (يلحدون) بنصب الياء والحاء من اللحد وقال تفسيرها يدخلون فيها ما ليس منها.
- وأخرج عبد الرزاق وعبد حميد، وابن جرير عن قتادة: {وذروا الذين يلحدون في أسمائه} قال: يشركون، واخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة {يلحدون في أسمائه} قال: يكذبون في أسمائه). [الدر المنثور: 6/ 683-689]

تفسير قوله تعالى: {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181)}
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن قتادةـ، في قوله تعالى: {وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون}؛ قال: هذه الأمة يهدون بالحق وبه يعدلون). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 244]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وممّن خلقنا أمّةٌ يهدون بالحقّ وبه يعدلون}.
يقول تعالى ذكره: ومن الخلق الّذين خلقنا أمّةٌ، يعني جماعةً، يهدون يقول: يهتدون بالحقّ، {وبه يعدلون}؛ يقول: وبالحقّ يقضون وينصفون النّاس، كما قال ابن جريجٍ.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قوله: {أمّةٌ يهدون بالحقّ وبه يعدلون} قال ابن جريجٍ: ذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: هذه أمّتي قال: وبالحقّ يأخذون ويعطون ويقضون.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {وممّن خلقنا أمّةٌ يهدون بالحقّ وبه يعدلون}.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وممّن خلقنا أمّةٌ يهدون بالحقّ وبه يعدلون} بلغنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول إذا قرأها:
«هذه لكم، وقد أعطي القوم بين أيديكم مثلها، {ومن قوم موسى أمّةٌ يهدون بالحقّ وبه يعدلون}»). [جامع البيان: 10/ 599-600]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وممّن خلقنا أمّةٌ يهدون بالحقّ وبه يعدلون (181)}
قوله تعالى: {وممّن خلقنا أمّةٌ يهدون بالحقّ وبه يعدلون}؛
- حدّثنا أبي، ثنا محمد بن عبدا لأعلى الصّنعانيّ، ثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة قوله: {وممّن خلقنا أمّةٌ يهدون بالحقّ وبه يعدلون}؛ قال: يعني هذه الأمّة يهدون بالحقّ وبه يعدلون.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن أبي حمّادٍ، ثنا مهران، عن أبي جعفرٍ، عن الرّبيع بن أنسٍ في قوله: {وممّن خلقنا أمّةٌ يهدون بالحقّ وبه يعدلون}؛ قال: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم:
«إنّ من أمّتي قومًا على الحقّ حتّى ينزل عيسى ابن مريم متى أنزل»). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1623]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن جرير، وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج في قوله: {وممن خلقنا أمة يهدون بالحق}؛ قال: ذكر لنا النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال هذه أمتي بالحق يحكمون ويقضون ويأخذون ويعطون.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة في قوله: {وممن خلقنا أمة يهدون بالحق}؛ قال: بلغنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا قرأها هذه لكم وقد أعطى القوم بين أيديكم مثلها {ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون}.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع في قوله: {وممن خلقنا أمة يهدون بالحق} قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
«إن من أمتي قوما على الحق حتى ينزل عيسى بن مريم متى ما نزل».
- وأخرج أبو الشيخ عن علي بن أبي طالب قال: لتفترقن هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة يقول الله: {وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون} فهذه هي التي تنجو من هذه الأمة). [الدر المنثور: 6/ 690]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182)}
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (قال ابن عبّاسٍ: ... {سنستدرجهم} : «أي نأتيهم من مأمنهم» ، كقوله تعالى: {فأتاهم اللّه من حيث لم يحتسبوا} [الحشر: 2] ). [صحيح البخاري: 6/ 59]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله: {سنستدرجهم}: نأتيهم من مأمنهم، كقوله تعالى: {فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا}.
قال أبو عبيدة في قوله تعالى: {سنستدرجهم} الاستدراج أن يأتيه من حيث لا يعلم ومن حيث يتلطّف به حتّى يغيّره انتهى وأصل الاستدراج التّقريب منزلةً منزلةً من الدّرج لأنّ الصّاعد يرقى درجةً درجةً). [فتح الباري: 8/ 301]

- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( {سنستدرجهم} أي نأتيهم من مأمنهم كقوله تعالى: {فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا} أشار به إلى قوله تعالى: {والّذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون} وفسّر قوله: {سنستدرجهم}، بقوله: نأتيهم من ما منهم، أي: من موضع أمنهم، وأصل الاستدراج التّقريب منزلة من الدرج لأن الصاعد يترقى درجة درجة. قوله: كقوله تعالى: {فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا} [الحشر: 2] وجه التّشبيه فيه هو أخذ الله إيّاهم بغتة، كما قال في آية أخرى: {حتّى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة} [الأنعام: 44] ). [عمدة القاري: 18/ 237]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وقوله: ({سنستدرجهم} أي نأتيهم من مأمنهم) أي من موضع أمنهم وثبت قوله أي للأبوين كقوله تعالى: {فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا} [الحشر: 2] وجه التشبيه أخذ الله إياهم بغتة، وأصل الاستدراج الاستصعاد أو الاستنزال درجة بعد درجة أي نأخذهم قليلًا إلى أن تدركهم العقوبة وذلك أنهم كلما جدّدوا خطيئة لهم نعمة فظنوا ذلك تقريبًا من الله تعالى وأنساهم الاستغفار). [إرشاد الساري: 7/ 126]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {والّذين كذّبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون}.
يقول تعالى ذكره: والّذين كذّبوا بأدلّتنا وأعلامنا، فجحدوها ولم يتذكّروا بها، سنمهله بغرّته ونزيّن له سوء عمله، حتّى يحسب أنّه هو فيما عليه من تكذيبه بآيات اللّه إلى نفسه محسنٌ، وحتّى يبلغ الغاية الّتي كتب له من المهل، ثمّ يأخذه بأعماله السّيّئة، فيجازيه بها من العقوبة ما قد أعدّ له. وذلك استدراج اللّه إيّاه. وأصل الاستدراج اغترار المستدرج بلطفٍ من حيث يرى المستدرج أنّ المستدرج إليه محسنٌ حتّى يورّطه مكروهًا.
وقد بيّنّا وجه فعل اللّه ذلك بأهل الكفر به فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع). [جامع البيان: 10/ 600]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({والّذين كذّبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون (182)}
قوله تعالى: {سنستدرجهم}؛
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ {سنستدرجهم من حيث لا يعلمون}؛ يقول: سنأخذهم من حيث لا يعلمون.
قوله تعالى: {من حيث لا يعلمون}؛
- وبه عن السّدّيّ قوله: {من حيث لا يعلمون}؛ يقول: سنأخذهم من حيث لا يعلمون، يقول عذاب بدرٍ). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1624]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي: {سنستدرجهم} يقول: سنأخذهم {من حيث لا يعلمون} قال: عذاب بدر.
- وأخرج أبو الشيخ عن يحيى بن المثنى {سنستدرجهم من حيث لا يعلمون}؛ قال: كلما أحدثوا ذنبا جددنا لهم نعمة تنسيهم الاستغفار.
- وأخرج ابن أبي الدنيا وأبو الشيخ والبيهقي في الأسماء والصفات عن سفيان في قوله: {سنستدرجهم من حيث لا يعلمون}؛ قال: نسبغ عليهم النعم ونمنعهم شكرها). [الدر المنثور: 6/ 690-691]

تفسير قوله تعالى: {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وأملي لهم إنّ كيدي متينٌ}.
يقول تعالى ذكره: وأؤخّر هؤلاء الّذين كذّبوا بآياتنا ملاءةً بالكسر والضّمّ والفتح من الدّهر، وهي الحين، ومنه قيل: انتظرتك مليًّا، ليبلغوا بمعصيتهم ربّهم المقدار الّذي قد كتبه لهم من العقاب والعذاب ثمّ يقبضهم إليه. {إنّ كيدي} والكيد: هو المكر. وقوله: {متينٌ} يعني: قويّ شديدٌ، ومنه قول الشّاعر:
عدلن عدول النّاس واقبح يبتلى ....... أفاسٌ من الهرّاب شدّ مماتن
يعني: سيرًا شديدًا باقيًا لا ينقطع). [جامع البيان: 10/ 601]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو الشيخ عن السدي {وأملي لهم إن كيدي متين} يقول: كف عنهم وأخرجهم على رسلهم أن مكري شديد ثم نسخها الله فأنزل الله: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} الآية.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كيد الله العذاب والنقمة). [الدر المنثور: 6/ 691]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 26 ربيع الثاني 1434هـ/8-03-2013م, 10:00 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي

{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179) وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180) وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183)}


تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ولقد ذرأنا لجنهّم}؛ أي خلقنا). [مجاز القرآن: 1/ 233]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({ولقد ذرأنا لجهنّم كثيراً مّن الجنّ والإنس لهم قلوبٌ لاّ يفقهون بها ولهم أعينٌ لاّ يبصرون بها ولهم آذان لاّ يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضلّ أولئك هم الغافلون}
وقال: {ولقد ذرأنا لجهنّم} تقول: "ذرأ" "يذرأ" "ذرءاً"). [معاني القرآن: 2/ 21-22]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {ولقد ذرأنا لجهنم} ذرءًا مثل: ذرعًا، و{يذرؤكم} من ذلك؛ يريد: يخلقكم). [معاني القرآن لقطرب: 601]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : (179- {ذرأنا}: خلقنا). [غريب القرآن وتفسيره: 153]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (179 - {ولقد ذرأنا لجهنّم} أي خلقنا لجهنم. ومنه ذرّيّة الرجل: إنما هي الخلق. ولكن همزها يتركه أكثر العرب). [تفسير غريب القرآن: 175]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقوله: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، يريد المؤمنين منهم. يدلك على ذلك قوله في موضع آخر: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ} ، أي خلقنا). [تأويل مشكل القرآن: 282]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ولقد ذرأنا لجهنّم كثيرا من الجنّ والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضلّ أولئك هم الغافلون (179)}
{أولئك كالأنعام بل هم أضلّ}؛
وصفهم بأنهم لا يبصرون بعيونهم ولا يعقلون بقلوبهم. جعلهم في تركهم الحق وإعراضهم عنه، بمنزلة من لا يبصر ولا يعقل.
ثم قال جلّ وعزّ: {بل هم أضلّ}؛
وذلك أن الأنعام تبصر منافعها ومضارّها فتلزم بعض ما لا تبصره.
وهؤلاء يعلم أكثرهم أنّه معاند فيقدم على النار.
وقال جلّ وعزّ: {فما أصبرهم على النّار}؛
أي على عمل أهل النار).
[معاني القرآن: 2/ 391-392]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (162 - وقوله جل وعز: {ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس}؛
أي خلقنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس.
يقال: ذرا الله خلقه يذرؤهم ذرءا أي خلقهم.
وقوله تعالى: {أولئك كالنعام}: وصفهم بأنهم بمنزلة من لا يعقل.
163 - ثم قال جل وعز: {بل هم أضل} لأن الأنعام إذا أبصرت مضارها اجتنبتها أو أكثرها ولا تكفر معاندة). [معاني القرآن: 3/ 107]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (179- {ذَرَأْنَا}: خلقنا). [العمدة في غريب القرآن: 139]

تفسير قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وذروا الذّين يلحدون في أسمائه}؛ يجورون ولا يستقيمون ومنه سمّى اللحد لأنه في ناحية القبر). [مجاز القرآن: 1/ 233]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({وللّه الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الّذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون}
وقال: {وذروا الّذين يلحدون في أسمائه} وقال بعضهم: {يلحدون} جعله من "لحد" "يلحد" وهي لغة. وقال في موضع آخر {لّسان الّذي يلحدون} و{يلحدون} وهما لغتان و{يلحدون} أكثر وبها نقرأ ويقوّيها {ومن يرد فيه بإلحادٍ بظلمٍ}). [معاني القرآن: 2/ 22]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : (180- {يلحدون ويلحدون}: لغتان، يجورون. والإلحاد الجور عن القصد والملحد المائل عن الحق وإنما سمي اللحد لأنهفي ناحية من القبر وإذا كان في وسطه سمي ضريحا). [غريب القرآن وتفسيره: 153-154]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (180 - {وللّه الأسماء الحسنى فادعوه بها} أي الرحمن والرحيم والعزيز. وأشباه ذلك.
{وذروا الّذين يلحدون في أسمائه} أي يجورون عن الحق ويعدلون.
فيقولون: اللات والعزى مناة، وأشباه ذلك. ومنه قيل: لحد القبر. لأنه في جانب). [تفسير غريب القرآن: 175]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وللّه الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الّذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون (180)}؛
لا ينبغي أن يدعوه أحد بما لم يصف نفسه به، أو لم يسم به نفسه.
فيقول في الدعاء. يا الله يا رحمن يا جواد، ولا ينبغي أن يقول: " يا سبحان " لأنه لم يصف نفسه بهذه اللفظة. وتقول يا رحيم، ولا يقول: يا رفيق، وتقول يا قوي، ولا تقول يا جلد). [معاني القرآن: 2/ 392]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (164 - وقوله جل وعز: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها}
روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
«أن لله تسعة وتسعين اسما مائة غير واحد من أحصاها دخل الجنة».
وقال بعض أهل اللغة: يجب على هذا أن لا يدعى الله عز وجل إلا بما وصف به نفسه فيقال يأجواد ولا يقال يا سخي.
165 - وقوله جل وعز: {وذروا الذين يلحدون في أسمائه}؛
قال ابن جريج: اشتقوا العزى من العزيز واللات من الله.
قال أبو جعفر: والإلحاد في اللغة الجور والميل ومنه لحد القبر لأنه ليس في الوسط إنما هو مائل في ناحيته.
قال أبو جعفر: وفرق الكسائي بين ألحد ولحد فقال ألحد عدل عن القصد ولحد ركن إلى الشيء.
وعلى هذا قرأ في النحل (يلحدون) بفتح الياء بمعنى الركون). [معاني القرآن: 3/ 107-109]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (180- {يُلْحِدُونَ} أي يجورون عن الحق ويعدلون عنه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 88]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (180- {يُلْحِدُونَ ْ}: يحورون). [العمدة في غريب القرآن: 139]

تفسير قوله تعالى: {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181)}

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182)}

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {سنستدرجهم}؛ والاستدراج أن تأتيه من حيث لا يعلم ومن حيث تلطف له حتى تغترّه.
(وأملى لهم) أي أؤخرهم، ومنه قوله: مضى ملىٌّ من الدهر عليه؛ وملاوة وملاوة وملاوة فيها ثلاث لغات: ضمة وكسرة وفتحة. ويقال: ملاّك الله ولدك، وتمليت حبيباً، أي مدّ الله لك في عمره. (واهجرني مليّاً) (19/46) منها قال العجّاج:
ملاوةً ملّيتها كأني... صاحب صنج نشوةٍ مغنّى
{إنّ كيدي متينٌ} أي شديد). [مجاز القرآن: 1/ 233-234]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : (182- {سنستدرجهم}: والاستدراج أن يأتيه من حيث لا يعلم). [غريب القرآن وتفسيره: 154]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه قوله سبحانه: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ}؛
والاستدراج: أن يدنيهم من بأسه قليلا قليلا من حيث لا يعلمون، ولا يباغتهم ولا يجاهرهم. ومنه يقال: درجت فلانا إلى كذا وكذا، واستدرج فلانا حتى تعرف ما عنده وما صنع. يراد لا تجاهره ولا تهجم عليه بالسؤال، ولكن استخرج ما عنده قليلا قليلا.
وأصل هذا من الدّرجة، وذلك أن الراقي فيها النازل منها ينزل مرقاة مرقاة، فاستعير هذا منها). [تأويل مشكل القرآن: 166]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (166 - وقوله جل وعز: {والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون}
يقال استدرج فلان فلانا إذا أتى بأمر يريد ليلقيه في هلكة.
ولا يكون الاستدراج إلا حالا بعد حال ومنه فلان يدرج فلانا ومنه أدرجت الثوب). [معاني القرآن: 3/ 109]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (182- {الاستدراج}: أن تأتيه من حيث لا يعلم). [العمدة في غريب القرآن: 140]

تفسير قوله تعالى: {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : (183- {أملي لهم}: أوخرهم وهو من قولهم أتى عليه ملي من الدهر.
183- {كيدي متين}: المتين الشديد).[غريب القرآن وتفسيره: 154]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (183 - {وأملي لهم} أي أؤخرهم. {إنّ كيدي متينٌ} أي شديد). [تفسير غريب القرآن: 175]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (167 - وقوله جل وعز: {وأملي لهم إن كيدي متين}
ومعنى أملي أؤخر والملاوة القطعة من الدهر ويقال بالضم والكسر ومنه تمل حبيبك والمتين الشديد). [معاني القرآن: 3/ 109]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (183- {وَأُمْلِي لَهُمْ} أُؤخرهم.
{إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} أي شديد). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 88]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (183- {أُمْلِي لَهُمْ}: أؤخرهم
183- (المَتِينٌ): شاهد). [العمدة في غريب القرآن: 140]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 1 جمادى الأولى 1434هـ/12-03-2013م, 05:46 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179) }


تفسير قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180) }

قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): (وقال في قوله عز وجل: {فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً} قال: أخرج الجبال في لفظ الواحد مع الأرض، لقوله هذه أرض وهذه جبال، فأخرجها على هاتين، كقوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} ولم يقل الحسن ولا الحسنيات، ولو قال دككن لجمعه، تخرج لفظ الجمع بلفظ الواحد). [مجالس ثعلب: 226] (م)
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (
وأكفيها معاشر قد رأتهم ....... من الجرباء فوقهم طبابا
قال الضبي: أي أكفي هذه الخلة وهذه الأفعال معاشر قد أعيتهم وأرتهم ما يكرهون. والجرباء: السماء والطباب جمع طبابة وأصله الخرز الذي يكون في أسفل القربة طولاً. وأنشد لذي الرمة في الجرباء:
بعشرين من صغرى النجوم كأنها ....... وإياه في الجرباء لو كان ينطق
وصغرى ههنا جمع ولا يجوز أن تكون واحدةً كقول الله عز وجل: {ولي فيها مآرب أخرى}، فقال مآرب ونعتها بأخرى. ومثله قوله عز وجل: {ولله الأسماء الحسنى} فالحسنى نعت للأسماء). [شرح المفضليات: 702] (م)

تفسير قوله تعالى: {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181) }

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وحيث فيمن ضم وهي اللغة الفاشية. والقراءة المختارة {سنستدرجهم من حيث لا يعلمون}. فهي غاية، والذي يعرفها ما وقعت عليه من الابتداء والخبر). [المقتضب: 3/ 175] (م)

تفسير قوله تعالى: {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (قوله: " متين "، المتين الشديد، قال الله عز وجل: {وأملي لهم إن كيدي متين} ). [الكامل: 1/ 318]


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 16 شعبان 1435هـ/14-06-2014م, 09:15 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 16 شعبان 1435هـ/14-06-2014م, 09:16 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 16 شعبان 1435هـ/14-06-2014م, 09:17 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 16 شعبان 1435هـ/14-06-2014م, 09:17 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ولقد ذرأنا لجهنّم كثيراً من الجنّ والإنس}؛ خبر من الله تعالى أنه خلق لسكنى جهنم والاحتراق فيها كثيرا، وفي ضمنه وعيد للكفار، و «ذرأ» معناه خلق وأوجد مع بث ونشر، وقالت فرقة اللام في قوله: لجهنّم هي لام العاقبة أي ليكون أمرهم ومئالهم لجهنم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا ليس بصحيح ولام العاقبة إنما يتصور إذا كان فعل الفاعل لم يقصد به ما يصير الأمر إليه، وهذه اللام مثل التي في قول الشاعر:
يا أم فرو كفي اللوم واعترفي ....... فكل والدة للموت تلد
وأما هنا فالفعل قصد به ما يصير الأمر إليه من سكناهم جهنم، وحكى الطبري عن سعيد بن جبير أنه قال أولاد الزنا مما ذرأ الله لجهنم ثم أسند فيه حديثا من طريق عبد الله بن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقوله كثيراً وإن كان ليس بنص في أن الكفار أكثر من المؤمنين فهو ناظر إلى ذلك في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «قال الله لآدم أخرج بعث النار فأخرج من كل ألف تسعة وتسعين وتسعمائة»).[المحرر الوجيز: 4/ 92-93]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {لهم قلوبٌ لا يفقهون بها ولهم أعينٌ لا يبصرون بها ولهم آذانٌ لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضلّ أولئك هم الغافلون (179) وللّه الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الّذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون (180)}
وصفت هذه الصنيفة الكافرة المعرضة عن النظر في آيات الله بأن قلوبهم لا تفقه، وأعينهم لا تبصر، وآذانهم لا تسمع، وليس الغرض من ذلك نفي هذه الإدراكات عن حواسهم جملة وإنما الغرض نفيها في جهة ما كما تقول: فلان أصم عن الخنا.
ومنه قول مسكين الدارمي: [الكامل أحذ مضمر]
أعمى إذا ما جارتي خرجت ....... حتى يواري جارتي الستر
وأصم عمّا كان بينهما ....... عمدا وما بالسمع من وقر
ومنه قول الآخر: [الوافر]
وعوراء الكلام صممت عنها ....... ولو أني أشاء بها سميع
وبادرة وزعت النفس عنها ....... وقد بقيت من الغضب الضلوع
ومنه قول الآخر في وصاة من يدخل إلى دار ملك: [مخلع البسيط]
وادخل إذا ما دخلت أعمى ....... واخرج إذا ما خرجت أخرس
فكأن هؤلاء القوم لما لم ينفعهم النظر بالقلب ولا بالعين ولا ما سمعوه من الآيات والمواعظ استوجبوا الوصف بأنهم لا يفقهون ولا يبصرون ولا يسمعون وفسر مجاهد هذا بأن قال: لهم قلوب لا يفقهون بها شيئا من أمر الآخرة وأعين لا يبصرون بها الهدى وآذان لا يسمعون بها الحق، وأولئك إشارة إلى من تقدم ذكره من الكفرة وشبههم بالأنعام في أن الأنعام لا تفقه قلوبهم الأشياء ولا تعقل المقاييس، وكذلك ما تبصره لا يتحصل لها كما يجب، فكذلك هؤلاء ما يبصرونه ويسمعونه لا يتحصل لهم منه علم على ما هو به حين أبصر وسمع، ثم حكم عليهم بأنهم أضلّ، لأن الأنعام تلك هي بنيتها وخلقتها لا تقصر في شيء ولا لها سبيل إلى غير ذلك، وهؤلاء معدون للفهم وقد خلقت لهم قوى يصرفونها وأعطوا طرقا في النظر فهم بغفلتهم وإعراضهم يلحقون أنفسهم بالأنعام فهم أضل على هذا، ثم بين بقوله: أولئك هم الغافلون الطريق الذي به صاروا أضل من الأنعام وهو الغفلة والتقصير). [المحرر الوجيز: 4/ 93-95]

تفسير قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وللّه الأسماء الحسنى ... الآيات}، السبب في هذه الآية على ما روي، أن أبا جهل سمع بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ فيذكر الله في قراءته ومرة يقرأ فيذكر الرحمن ونحو هذا فقال: محمد يزعم أن الإله واحد وهو إنما يعبد آلهة كثيرة فنزلت هذه والأسماء هنا بمعنى التسميات إجماعا من المتأولين لا يمكن غيره، والحسنى: مصدر وصف به، ويجوز أن تقدر الحسنى فعلى مؤنثه أحسن، فأفرد وصف جميع ما لا يعقل كما قال: {مآرب أخرى} [طه: 18] وكما قال: {يا جبال أوّبي معه} [سبأ: 10] وهذا كثير، وحسن الأسماء إنما يتوجه بتحسين الشرع لإطلاقها، والنص عليها، وانضاف إلى ذلك أيضا أنها إنما تضمنت معاني حسانا شريفة.
واختلف الناس في الاسم الذي يقتضي مدحا خالصا ولا يتعلق به شبهة ولا اشتراك، إلا أنه لم ير منصوصا هل يطلق ويسمى الله به؟ فنص ابن الباقلاني على جواز ذلك ونص أبو الحسن الأشعري على منع ذلك، والفقهاء والجمهور على المنع، وهو الصواب أن لا يسمى الله تعالى إلا باسم قد أطلقته الشريعة ووقفت عليه أيضا، فإن هذه الشريطة التي في جواز إطلاقه من أن تكون مدحا خالصا لا شبهة فيه ولا اشتراك أمر لا يحسنه إلا الأقل من أهل العلوم فإذا أبيح ذلك تسور عليه من يظن بنفسه الإحسان وهو لا يحسن فأدخل في أسماء الله ما لا يجوز إجماعا، واختلف أيضا في الأفعال التي في القرآن مثل قوله: {اللّه يستهزئ بهم} [البقرة: 15]، {ومكر اللّه} [آل عمران: 54] ونحو ذلك هل يطلق منها اسم الفاعل؟
فقالت فرقة: لا يطلق ذلك بوجه، وجوزت فرقة أن يقال ذلك مقيدا بسببه فيقال: الله مستهزئ بالكافرين وماكر بالذين يمكرون بالدين، وأما إطلاق ذلك دون تقييد فممنوع إجماعا، والقول الأول أقوى ولا ضرورة تدفع إلى القول الثاني لأن صيغة الفعل الواردة في كتاب الله تغني، ومن أسماء الله تعالى: ما ورد في القرآن ومنها ما ورد في الحديث وتواتر، وهذا هو الذي ينبغي أن يعتمد عليه، وقد ورد في الترمذي حديث عن أبي هريرة ونص فيه تسعة وتسعين اسما، وفي بعضها شذوذ وذلك الحديث ليس بالمتواتر وإنما المتواتر منه قول النبي صلى الله عليه وسلم «إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة»، ومعنى أحصاها عدها وحفظها وتضمن ذلك الإيمان بها والتعظيم لها والرغبة فيها والعبرة في معانيها، وهذا حديث البخاري، والمتحصل منه أن لله تعالى هذه الأسماء مباحا إطلاقها وورد في بعض دعاء النبي صلى الله عليه وسلم «يا حنان يا منان» ولم يقع هذان الاسمان في تسمية الترمذي.
وقوله: {فادعوه بها}؛ إباحة بإطلاقها، وقوله تعالى:{وذروا الّذين}؛ قال ابن زيد: معناه اتركوهم ولا تحاجوهم ولا تعرضوا لهم، فالآية على هذا منسوخة بالقتال، وقيل معناه الوعيد كقوله تعالى: {ذرني ومن خلقت وحيداً} [المدثر: 11] وقوله: {ذرهم يأكلوا ويتمتّعوا} [الحجر: 3] ويقال ألحد ولحد بمعنى جار ومال وانحرف، وألحد أشهر، ومنه قول الشاعر: [الرجز]
... ... ... ... ....... ليس الإمام بالشحيح الملحد
قال أبو علي: ولا يكاد يسمع لأحد وفي القرآن: {ومن يرد فيه بإلحادٍ} [الحج: 25] ومنه لحد القبر المائل إلى أحد شقيه،
وقرأ أبو عمرو وابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر «يلحدون» بضم الياء وكسر الحاء، وكذلك في النحل والسجدة، وقرأ حمزة الأحرف الثلاثة «يلحدون» بفتح الياء والحاء، وكذلك ابن وثاب وطلحة وعيسى والأعمش، ومعنى الإلحاد في أسماء الله -عز وجل- أن يسموا اللات نظيرا إلى اسم الله تعالى قاله ابن عباس، والعزى نظيرا إلى العزيز، قاله مجاهد، ويسمون الله ربا ويسمون أوثانهم أربابا ونحو هذا، وقوله: سيجزون ما كانوا يعملون وعيد محض بعذاب الآخرة، وذهب الكسائي إلى الفرق بين ألحد ولحد وزعم أن ألحد بمعنى مال وانحرف ولحد بمعنى ركن وانضوى، قال الطبري: وكان الكسائي يقرأ جميع ما في القرآن بضم الياء وكسر الحاء إلا التي في النحل فإنه كان يقرؤها بفتح الياء والحاء ويزعم أنها بمعنى الركون وكذلك ذكر عنه أبو علي). [المحرر الوجيز: 4/ 95-98]

تفسير قوله تعالى: {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وممّن خلقنا أمّةٌ يهدون بالحقّ وبه يعدلون (181) والّذين كذّبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون (182) وأملي لهم إنّ كيدي متينٌ (183) أولم يتفكّروا ما بصاحبهم من جنّةٍ إن هو إلاّ نذيرٌ مبينٌ (184) أولم ينظروا في ملكوت السّماوات والأرض وما خلق اللّه من شيءٍ وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأيّ حديثٍ بعده يؤمنون (185)}
هذه آية تتضمن الخبر عن قوم مخالفين لمن تقدم ذكرهم في أنهم أهل إيمان واستقامة وهداية، وظاهر لفظ هذه الآية يقتضي كل مؤمن كان من لدن آدم عليه السلام إلى قيام الساعة، قال النحاس: فلا تخلو الدنيا في وقت من الأوقات من داع يدعو إلى الحق.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: سواء بعد صوته أو كان خاملا، وروي عن كثير من المفسرين أنها في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وروي في ذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هذه الآية لكم، وقد تقدم مثلها لقوم موسى). [المحرر الوجيز: 4/ 98-99]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {والّذين كذّبوا بآياتنا ...الآية}؛ وعيد، والإشارة إلى الكفار وسنستدرجهم معناه سنسوقهم شيئا بعد شيء ودرجة بعد درجة بالنعم عليهم والإمهال لهم حتى يغتروا ويظنوا أنهم لا ينالهم عقاب، وقوله: من حيث لا يعلمون معناه من حيث لا يعلمون أنه استدراج لهم، وهذه عقوبة من الله على التكذيب بالآيات، لما حتم عليهم بالعذاب أملى لهم ليزدادوا إثما وقرأ ابن وثاب والنخعي «سيستدرجهم» بالياء). [المحرر الوجيز: 4/ 99]

تفسير قوله تعالى: {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله: {أملي}؛ معناه أؤخر ملاءة من الدهر أي مدة وفيها ثلاث لغات فتح الميم وضمها وكسرها، وقرأ عبد الحميد عن ابن عامر «أن كيدي» على معنى لأجل أن كيدي، وقرأ جمهور الناس وسائر السبعة «إن كيدي» على القطع والاستئناف،
ومتينٌ معناه قوي، قال الشاعر: [الطويل]
لإلّ علينا واجب لا نضيعه ....... متين قواه غير منتكث الحبل
وروى ابن إسحاق في هذا البيت أمين قواه، وهو من المتن الذي يحمل عليه لقوته، ومنه قول الشاعر وهو امرؤ القيس: [المتقارب]
لها متنتان حظاتا كما ....... أكبّ على ساعديه النمر
وهما جنبتا الظهر، ومنه قول الآخر:
عدلي عدول اليأس وافتج يبتلى ....... أفانين من الهوب شد مماتن
ومنه قول امرئ القيس: [الطويل]
ويخدي على صم صلاب ملاطس ....... شديدات عقد لينات متان
ومنه الحديث في غزوة بني المصطلق فمتن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالناس أي سار بهم سيرا شديدا لينقطع الحديث بقول ابن أبي بن سلول لئن رجعنا إلى المدينة). [المحرر الوجيز: 4/ 99-101]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 16 شعبان 1435هـ/14-06-2014م, 09:17 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....


رد مع اقتباس
  #10  
قديم 16 شعبان 1435هـ/14-06-2014م, 09:17 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ولقد ذرأنا لجهنّم كثيرًا من الجنّ والإنس لهم قلوبٌ لا يفقهون بها ولهم أعينٌ لا يبصرون بها ولهم آذانٌ لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضلّ أولئك هم الغافلون (179)}
يقول تعالى: {ولقد ذرأنا}؛ أي: خلقنا وجعلنا، {لجهنّم كثيرًا من الجنّ والإنس} أي: هيّأناهم لها، وبعمل أهلها يعملون، فإنّه تعالى لمّا أراد أن يخلق الخلائق، علم ما هم عاملون قبل كونهم، فكتب ذلك عنده في كتابٍ قبل أن يخلق السّماوات والأرض بخمسين ألف سنةٍ، كما ورد في صحيح مسلمٍ، عن عبد اللّه بن عمرٍو أنّ رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال: «إنّ اللّه قدّر مقادير الخلق قبل أن يخلق السّماوات والأرض بخمسين ألف سنةٍ، وكان عرشه على الماء
»
وفي صحيح مسلمٍ أيضًا، من حديث عائشة بنت طلحة، عن خالتها عائشة أمّ المؤمنين، رضي اللّه عنها، أنّها قالت: دعي رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- إلى جنازة صبيٍّ من الأنصار، فقلت: يا رسول اللّه طوبى له، عصفورٌ من عصافير الجنّة، لم يعمل السّوء ولم يدركه. فقال [رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم]:
«أو غير ذلك يا عائشة؟ إنّ اللّه خلق الجنّة، وخلق لها أهلًا وهم في أصلاب آبائهم، وخلق النّار، وخلق لها أهلًا وهم في أصلاب آبائهم»
وفي الصّحيحين من حديث ابن مسعودٍ [رضي اللّه عنه] ثمّ يبعث إليه الملك، فيؤمر بأربع كلماتٍ، فيكتب: رزقه، وأجله، وعمله، وشقيٌّ أم سعيدٌ".
وتقدّم أنّ اللّه [تعالى] لمّا استخرج ذرّيّة آدم من صلبه وجعلهم فريقين: أصحاب اليمين وأصحاب الشّمال، قال: "هؤلاء للجنّة ولا أبالي، وهؤلاء للنّار ولا أبالي".
والأحاديث في هذا كثيرةٌ، ومسألة القدر كبيرةٌ ليس هذا موضع بسطها.
وقوله تعالى: {لهم قلوبٌ لا يفقهون بها ولهم أعينٌ لا يبصرون بها ولهم آذانٌ لا يسمعون بها} يعني: ليس ينتفعون بشيءٍ من هذه الجوارح الّتي جعلها اللّه [سببًا للهداية] كما قال تعالى: {وجعلنا لهم سمعًا وأبصارًا وأفئدةً فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيءٍ إذ كانوا يجحدون بآيات اللّه وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون} [الأحقاف: 26]، وقال تعالى: {صمٌّ بكمٌ عميٌ فهم لا يرجعون} [البقرة: 18] هذا في حقّ المنافقين، وقال في حقّ الكافرين: {صمٌّ بكمٌ عميٌ فهم لا يعقلون} [البقرة: 171] ولم يكونوا صمًّا بكمًا عميًا إلّا عن الهدى، كما قال تعالى: {ولو علم اللّه فيهم خيرًا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولّوا وهم معرضون} [الأنفال: 23]، وقال: {فإنّها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب الّتي في الصّدور} [الحجّ: 46]، وقال: {ومن يعش عن ذكر الرّحمن نقيّض له شيطانًا فهو له قرينٌ * وإنّهم ليصدّونهم عن السّبيل ويحسبون أنّهم مهتدون} [الزّخرف: 36، 37].
وقوله تعالى: {أولئك كالأنعام} أي: هؤلاء الّذين لا يسمعون الحقّ ولا يعونه ولا يبصرون الهدى، كالأنعام السّارحة الّتي لا تنتفع بهذه الحواسّ منها إلّا في الّذي يعيشها من ظاهر الحياة الدّنيا كما قال تعالى: {ومثل الّذين كفروا كمثل الّذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاءً ونداءً صمٌّ بكمٌ عميٌ} [البقرة: 171]؛ أي: ومثلهم -في حال دعائهم إلى الإيمان -كمثل الأنعام إذا دعاها راعيها لا تسمع إلّا صوته، ولا تفقه ما يقول؛ ولهذا قال في هؤلاء: {بل هم أضلّ}؛ أي: من الدّوابّ؛ لأنّ الدّوابّ قد تستجيب مع ذلك لراعيها إذا أبسّ بها، وإن لم تفقه كلامه، بخلاف هؤلاء؛ ولأنّ الدّوابّ تفقه ما خلقت له إمّا بطبعها وإمّا بتسخيرها، بخلاف الكافر فإنّه إنّما خلق ليعبد اللّه ويوحّده، فكفر باللّه وأشرك به؛ ولهذا من أطاع اللّه من البشر كان أشرف من مثله من الملائكة في معاده، ومن كفر به من البشر، كانت الدّوابّ أتمّ منه؛ ولهذا قال تعالى: {أولئك كالأنعام بل هم أضلّ أولئك هم الغافلون}). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 513-514]

تفسير قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وللّه الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الّذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون (180)}
عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-:
«إنّ للّه تسعًا وتسعين اسمًا مائةٌ إلّا واحدًا، من أحصاها دخل الجنّة، وهو وترٌ يحبّ الوتر».
أخرجاه في الصّحيحين من حديث سفيان بن عيينة، عن أبي الزّناد، عن الأعرج، عنه رواه البخاريّ، عن أبي اليمان، عن شعيب بن أبي حمزة، عن أبي الزّناد به وأخرجه التّرمذيّ، عن الجوزجانيّ، عن صفوان بن صالحٍ، عن الوليد بن مسلمٍ، عن شعيبٍ فذكر بسنده مثله، وزاد بعد قوله: "يحبّ الوتر": هو اللّه الّذي لا إله إلّا هو الرّحمن الرّحيم، الملك، القدّوس، السّلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبّار، المتكبّر، الخالق، البارئ، المصوّر، الغفّار، القهّار، الوهّاب، الرّزّاق، الفتّاح، العليم، القابض، الباسط، الخافض، الرّافع، المعزّ، المذلّ، السّميع، البصير، الحكم، العدل، اللّطيف، الخبير، الحليم، العظيم، الغفور، الشّكور، العليّ، الكبير، الحفيظ، المقيت، الحسيب، الجليل، الكريم، الرّقيب، المجيب، الواسع، الحكيم، الودود، المجيد، الباعث، الشّهيد، الحقّ، الوكيل، القويّ، المتين، الوليّ، الحميد، المحصي، المبدئ، المعيد، المحيي، المميت، الحيّ، القيّوم، الواجد، الماجد، الواحد، الأحد، الفرد، الصّمد، القادر، المقتدر، المقدّم، المؤخّر، الأوّل، الآخر، الظاهر، الباطن، الوالي، المتعالي، البرّ، التّوّاب، المنتقم، العفوّ، الرّءوف، مالك الملك، ذو الجلال والإكرام، المقسط، الجامع، الغنيّ، المغني، المانع، الضّارّ، النّافع، النّور، الهادي، البديع، الباقي، الوارث، الرّشيد، الصّبور
ثمّ قال التّرمذيّ: هذا حديثٌ غريبٌ وقد روي من غير وجهٍ عن أبي هريرة [رضي اللّه عنه]: ولا نعلم في كثيرٍ من الرّوايات ذكر الأسماء إلّا في هذا الحديث.
ورواه ابن حبّان في صحيحه، من طريق صفوان، به وقد رواه ابن ماجه في سننه، من طريقٍ آخر عن موسى بن عقبة، عن الأعرج، عن أبي هريرة مرفوعًا فسرد الأسماء كنحو ما تقدّم بزيادةٍ ونقصانٍ.
والّذي عوّل عليه جماعةٌ من الحفّاظ أنّ سرد الأسماء في هذا الحديث مدرجٌ فيه، وإنّما ذلك كما رواه الوليد بن مسلمٍ وعبد الملك بن محمّدٍ الصّنعانيّ، عن زهير بن محمّدٍ: أنّه بلغه عن غير واحدٍ من أهل العلم أنّهم قالوا ذلك، أي: أنهم جمعوها من القرآن كما رود عن جعفر بن محمّدٍ وسفيان بن عيينة وأبي زيدٍ اللّغويّ، واللّه أعلم.
ثمّ ليعلم أنّ الأسماء الحسنى ليست منحصرةً في التّسعة والتّسعين بدليل ما رواه الإمام أحمد في مسنده، عن يزيد بن هارون، عن فضيل بن مرزوقٍ، عن أبي سلمة الجهنيّ، عن القاسم بن عبد الرّحمن، عن أبيه، عن عبد اللّه بن مسعودٍ، رضي اللّه عنه، عن رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- أنّه قال:
«ما أصاب أحدًا قطّ همٌّ ولا حزنٌ فقال: اللّهمّ إنّي عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيّ حكمك، عدلٌ فيّ قضاؤك، أسألك بكلّ اسمٍ هو لك سمّيت به نفسك، أو أعلمته أحدًا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همّي، إلّا أذهب اللّه همّه وحزنه وأبدله مكانه فرحًا». فقيل: يا رسول اللّه، أفلا نتعلّمها؟ فقال: «بلى، ينبغي لكلٍّ من سمعها أن يتعلّمها».
وقد أخرجه الإمام أبو حاتم بن حبّان البستيّ في صحيحه بمثله
وذكر الفقيه الإمام أبو بكر بن العربيّ أحد أئمّة المالكيّة في كتابه: "الأحوذيّ في شرح التّرمذيّ"؛ أنّ بعضهم جمع من الكتاب والسّنّة من أسماء اللّه ألف اسمٍ، فاللّه أعلم.
وقال العوفيّ عن ابن عبّاسٍ في قوله تعالى: {وذروا الّذين يلحدون في أسمائه}؛ قال: إلحاد الملحدين: أن دعوا "اللات في أسماء الله.
وقال ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: {وذروا الّذين يلحدون في أسمائه}؛ قال: اشتقّوا "اللّات" من اللّه، واشتقّوا "العزّى" من العزيز.
وقال قتادة: {يلحدون} يشركون. وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: الإلحاد: التّكذيب. وأصل الإلحاد في كلام العرب: العدل عن القصد، والميل والجور والانحراف، ومنه اللّحد في القبر، لانحرافه إلى جهة القبلة عن سمت الحفر).[تفسير القرآن العظيم: 3/ 514-516]

تفسير قوله تعالى: {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وممّن خلقنا أمّةٌ يهدون بالحقّ وبه يعدلون (181)}
يقول تعالى: {وممّن خلقنا} أي: ومن الأمم {أمًّةٌ} قائمةٌ بالحقّ، قولًا وعملًا {يهدون بالحقّ} يقولونه ويدعون إليه، {وبه يعدلون} يعملون ويقضون.
وقد جاء في الآثار: أنّ المراد بهذه الأمّة المذكورة في الآية، هي هذه الأمّة المحمّديّة.
قال سعيدٌ، عن قتادة في تفسير هذه الآية: بلغنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقول إذا قرأ هذه الآية:
«هذه لكم، وقد أعطي القوم بين أيديكم مثلها: {ومن قوم موسى أمّةٌ يهدون بالحقّ وبه يعدلون}»
وقال أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ في قوله تعالى: {وممّن خلقنا أمّةٌ يهدون بالحقّ وبه يعدلون} قال: قال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-:
«إنّ من أمّتي قومًا على الحقّ، حتّى ينزل عيسى ابن مريم متّى ما نزل».
وفي الصّحيحين، عن معاوية بن أبي سفيان قال: قال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-:
«لا تزال طائفةٌ من أمّتي ظاهرين على الحقّ، لا يضرّهم من خذلهم، ولا من خالفهم، حتّى تقوم السّاعة -وفي روايةٍ -: حتّى يأتي أمر اللّه وهم على ذلك -وفي روايةٍ -: وهم بالشّام »). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 516]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({والّذين كذّبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون (182) وأملي لهم إنّ كيدي متينٌ (183)}
يقول تعالى: {والّذين كذّبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون} ومعناه: أنّه يفتح لهم أبواب الرّزق ووجوه المعاش في الدّنيا، حتّى يغترّوا بما هم فيه ويعتقدوا أنّهم على شيءٍ، كما قال تعالى: {فلمّا نسوا ما ذكّروا به فتحنا عليهم أبواب كلّ شيءٍ حتّى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتةً فإذا هم مبلسون * فقطع دابر القوم الّذين ظلموا والحمد للّه ربّ العالمين} [الأنعام: 44، 45]؛ ولهذا قال تعالى: {وأملي لهم}؛ أي: وسأملي لهم، أطوّل لهم ما هم فيه {إنّ كيدي متينٌ}؛ أي: قوي شديد). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 516]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:58 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة