العودة   جمهرة العلوم > جمهرة علوم الاعتقاد > كتاب الأسماء والصفات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12 ربيع الثاني 1434هـ/22-02-2013م, 12:23 AM
جمهرة علوم العقيدة جمهرة علوم العقيدة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 1,193
افتراضي مقدمات شرّاح الأسماء الحسنى

مقدمات شراح الأسماء الحسنى

تدرج في هذا الموضوع مقدمات كتب شرح أسماء الله الحسنى

العناصر:

- الأحاديث والآثار
- شرح ابن القيم (ت:751هـ)
- شرح أبي إسحاق الزجاج (ت: 311هـ)
- شرح أبي القاسم الزجاجي (ت:337هـ)
- شرح أبي سليمان الخطابي (ت:388هـ)
- شرح ابن عثيمين (ت:1421هـ)


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 12 ربيع الثاني 1434هـ/22-02-2013م, 12:23 AM
جمهرة علوم العقيدة جمهرة علوم العقيدة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 1,193
افتراضي

الأحاديث والآثار


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 13 رمضان 1438هـ/7-06-2017م, 10:32 AM
جمهرة علوم العقيدة جمهرة علوم العقيدة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 1,193
افتراضي

قال أبو عمر عبد العزيز بن داخل المطيري: (
مُقَدّمَةُ الْكِتَابِ:
الحمدُ للهِ الذي لا إلهَ إلاَّ هوَ، لهُ الأسماءُ الحسنَى، المتفردِ بالكمالِ المطلقِ في ذاتِهِ وأسمائِهِ وصفاتِهِ العليا، المُتَنَزِّهِ عن النقائِصِ، والشرور، والمعايِبِ، وسائرِ ما لا يليقُ بكمالِهِ الأعلَى، المتعالي بعظمته عنْ أنْ يكونَ لهُ شريكٌ، أوْ نظيرٌ، أوْ شبيهٌ يُسَامِيهِ في المقامِ الأَسمَى، المستحقِّ لكمالِ الحُبِّ، والحمدِ، والتعظيمِ، على الوجهِ الأوفَى.
فلهُ الحمدُ كلُّهُ وبيَدِهِ الخيرُ كلُّهُ، وإليهِ يُرجَعُ الأمرُ كلُّهُ، لا إلهَ إلاَّ هوَ وَحدَهُ لا شريكَ لهُ في الآخرةِ والأُولَى.
خلقَ الخلقَ من العدَمِ، وأسبغَ عليهمُ النِّعَمَ، وتعرَّفَ إليهم بأسمائِهِ وصفاتِهِ، وأظهرَ آثارَها في أوامرِهِ ومخلوقاتِهِ؛ ليستدِلَّ بها الموفَّقُونَ على وَحدانيَّتِهِ وصِدْقِ رُسُلِهِ وآياتِهِ، ويعرِفوا بها كمالَ ربِّهِم وجلالَهُ وجمالَهُ.
والصلاةُ والسلامُ على خاتم أنبيائه، وصفوة أوليائه، نبيِّنَا محمَّدِ بنِ عبدِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ.

أمَّا بعْدُ:
فإنَّ أشرفَ العلومِ وأفضَلَها، وأجَلَّهَا وأَنْبَلَها: عِلْمُ العبدِ برَبِّهِ تعالى وأسمائِهِ وصفاتِهِ وأحكامِهِ، فهوَ قُطْبُ رَحَى السعادَةِ، ومِفتاحُ الفضلِ والزيادةِ، مَنْ رُزِقَ فيهِ مَقامَ صدْقٍ لمْ يُخطِئْهُ مغنَمٌ، ولمْ يأسَفْ على فائتٍ؛ فقدْ حازَ القِدْحَ المُعَلَّى، والفوزَ المُجَلَّى، ومَنْ أعرضَ عنهُ فهوَ البائسُ المحرومُ، والشقيُّ المذمومُ، لا تُسْتَقَالُ ندامَتُهُ، ولا تُفارِقُهُ ملامَتُهُ.
فهوَ العِلمُ الجديرُ بأنْ تُصْرَفَ نفائسُ الأوقاتِ في تحصيلِهِ، وتُقَدَّمَ أعظمُ التضحياتِ في سبيلِ بلوغِهِ؛ فإنَّ ثمْرَتَهُ لا تعدِلُها ثمْرَةٌ، وحَسْرةَ حرمانِها لا تعدِلُها حسْرةٌ، والحاجةَ إليهِ لا تعدِلُها حاجةٌ.
بلْ كلُّ علمٍ لا يُوصِلُ إليهِ ولا يُعِينُ عليهِ مَضْيَعةُ وقْتٍ، ومَجْلَبَةُ مَقْتٍ.
وهلْ أشرفُ مِنْ عِلْمٍ: معلومُهُ بارئُ البَرِيَّاتِ، ومُبدعُ الكائناتِ، الذي لهُ الخلقُ والأمْرُ، بَهَرَ العقولَ ببديعِ خلقِهِ، وحارَتِ الألبابُ في حِكَمِ شَرْعِهِ، وأَنِسَتِ القلوبُ بلذيذِ مُناجاتِهِ، واستنارتْ بمعرفةِ أسمائِهِ وصفاتِهِ، وشَرُفَتْ بعِلمِ أحكامِهِ وتشريعاتِهِ، مَنْ ذِكْرُهُ أُنْسٌ، وطاعتُهُ غُنْمٌ، والزُّلْفَى لديهِ أغلى الأمنيَّاتِ.
وهلْ أفضلُ مِنْ علْمٍ: منْ ثمَراتِهِ رؤيَةُ الملكِ العلاَّمِ، ومرافقةُ خِيرةِ الأنامِ، في جَنَّةٍ قدْ زُيِّنَتْ بما تشتهيهِ الأنفُسُ وتَلَذُّ الأعينُ، لا يخالطُ نعيمَها بؤْسٌ، ولا يُكَدِّرُ صفوَها شائبةُ كَدَرٍ، موضعُ سَوْطٍ فيها خيرٌ من الدنيا وما فيها من الحُطامِ.
وهلْ أجَلُّ مِنْ علْمٍ: هوَ أساسُ الإيمانِ، ومَعقِدُ الامتحانِ، ومِضْمارُ تسابُقِ الفُرْسانِ، السابقُ فيهِ هوَ السَّبَّاقُ ((مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا))، والحائدُ عنهُ هوَ المُعَذَّبُ الملهوفُ، المنقطِعُ الموقوفُ، قدْ خسِرَ خَسارةَ مَنْ لا يُسْتَصْلَحُ أمرُهُ، ولا يَنْجَبِرُ كسرُهُ، نعوذُ باللهِ العظيمِ من الخسرانِ.
وهلْ أَنْبَلُ مِنْ عِلْمٍ: يحملُ النفسَ على مكارمِ الأخلاقِ، ومحاسنِ الآدابِ، ويُخَلِّصُها منْ شَبَهِ الأنعامِ، وأخلاقِ سَفِلَةِ الأنامِ، يُهَذِّبُ النفسَ فَتَزْكُو، ويُطَهِّرُ القلبَ فيسْمُو، ويُنَقِّي السَّريرةَ فتصْفُو، ويُنِيرُ البصيرةَ، ويُعلي الهِمَّةَ، بهِ يَسْلَمُ القلبُ، ويَصِحُّ العِلْمُ، ويَصلُحُ العملُ، و تُحمَدُ السيرةُ، وتَحسُنُ العاقبةُ، ويَجْمُلُ الذكرُ.
فلا جَرَمَ كانَ الاشتغالُ بهِ عُنوانَ السعادةِ والفلاحِ، والاشتغالُ عنهُ آيَةَ الشَّقاوةِ والهلاكِ.
قالَ ابنُ القيِّمِ رحمهُ اللهُ تعالى في نُونِيَّتِهِ المُباركةِ:
والعلْمُ أقسامٌ ثلاثٌ ما لها = مِنْ رابعٍ والحقُّ ذُو تبيانِ
عِلمٌ بأوصافِ الإلهِ وفعلِهِ = وكذلكَ الأسماءُ للرَّحْمَنِ
والأمرُ والنهيُ الذي هوَ دِينُهُ = وجزاؤُهُ يومَ المَعادِ الثانِي
والكلُّ في القرآنِ والسُّنَنِ التي = جاءَتْ عن المبعوثِ بالفُرْقَانِ
فعلى قَدْرِ عِلمِ العبدِ بربِّهِ وعملِهِ بما يقتضيهِ ذلكَ العلمُ ترتفعُ درجتُهُ، وتسْمُو هِمَّتُهُ، وتزْكُو نفسُهُ، ويُثْمِرُ غرسُهُ؛ فإنَّ الدنيا مَزرَعةُ الآخرةِ، وإنَّما صلاحُ العبادةِ بصلاحِ العلْمِ؛ فالعلمُ باللهِ أصلُ الدينِ كلِّهِ.
ومنْ هنا يتبيَّنُ خَطَرُ الضلالِ في هذا البابِ؛ فإنَّهُ مَوْرِدُ هَلَكَةٍ، وَشَرَكُ شَبَكةٍ نصَبها الشيطانُ فاصطادَ بها مَنْ سبقَتْ لهم الشَّقاوَةُ، وحَقَّتْ عليهم الكلمَةُ؛ فاجْتالَهم عن الصراطِ المستقيمِ فَتَنَكَّبُوهُ، وأعْمَاهُم ـ بما زَيَّنَ لهُمْ ـ عن الحقِّ فلمْ يُبْصِرُوهُ:
ـ فهذا تائِهٌ حائرٌ؛ لا يعرفُ رَبَّهُ، ولا يدري في أيِّ مكانٍ هوَ، لا هوَ خارجَ العالمِ ولا داخِلَهُ، ولا مُتَّصِلٌ بهِ ولا منفصلٌ عنْهُ، ولا فوقُ ولا تحْتُ، ولا أمامُ ولا خلفُ، ولا يُشَارُ إليْهِ، ولا يُنعَتُ بصفَةٍ. ‍‍‍‍‍
- وهذا حُلُولِيٌّ ممقوتٌ؛ يزعمُ أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ حالٌّ في كلِّ مكانٍ بذاتِهِ، وأنَّهُ الوجودُ كلُّهُ.
- وهذا اتِّحَادِيٌّ ضالٌّ؛ يزعمُ أنَّهُ اتَّحدَ ببعضِ مخلوقاتِهِ.
- وهذا مُفَوِّضٌ جاهلٌ؛ شرعَ الأبوابَ للزائغينَ في قالَبِ التنزيهِ لربِّ العالمينَ.
- وهذا مشركٌ مُبْطِلٌ ؛ يدْعُو منْ دونِ اللهِ ما لا ينفعُهُ و لا يضرُّهُ.
- وهذا مُلْحِدٌ مُعَطِّلٌ مُسْتَنْكِفٌ مستكبرٌ؛ يزعمُ أنْ لا إلَهَ.
تعالى اللهُ عمَّا يقولُ الظالمونَ عُلُوًّا كبيرًا.
بلْ إذا تأمَّلْتَ جميعَ أبوابِ الدينِ التي ضلَّ فيها الضَّالُّونَ ـ منْ هذهِ الأُمَّةِ وغيرِها ـ وجَدْتَ أصلَ ضلالِهم الجهلَ باللهِ تعالى وأسمائِهِ وصفاتِهِ وأحكامِهِ، وما يجبُ لهُ ويمتنعُ عليْهِ.
وإيضاحُ هذهِ الجملةِ يستدعي أسْفَارًا؛ وحَسْبُكَ في هذا المقامِ مِثالٌ مُخْتَصَرٌ في بابٍ واحدٍ تَستجْلِي فيهِ هذهِ الحقيقةَ، وتقيسُ عليهِ بقِيَّةَ الأبوابِ:
فمِمَّا حدثَ فيهِ الاختلافُ: أفعالُ العبادِ وما يترتَّبُ عليهَا:
فالقَدَرِيَّةُ يقولونَ: إنَّ العبدَ خالقُ فِعلِ نفسِهِ، وهوَ الذي يجعلُ نفسَهُ مهتديًا أوْ ضالاًّ، ويجبُ على اللهِ ـ تعالى اللهُ عمَّا يقولونَ ـ أنْ يُثِيبَ العبدَ إذا أطاعَهُ كما يُثَابُ الأجيرُ، وأنْ يُخْلِدَهُ في النارِ إذا ارتكبَ كبيرةً من الكبائرِ.
والجَبْرِيَّةُ يقولونَ: إنَّ العبدَ مجبورٌ على فعلِهِ؛ ليسَ لهُ مَشيئةٌ ولا اختيارٌ؛ كالسِّكِّينِ في يدِ القاطِعِ. وغُلاتُهُمْ يقولونَ: كالرِّيشَةِ في مهبِّ الريحِ. ويجوزُ على اللهِ أنْ يُعَذِّبَ المؤمنَ الطائعَ بأشدِّ العذابِ ويُخْلِدَهُ في النارِ بغيرِ جُرْمٍ ارتكَبَهُ ولوْ قضى عُمُرَهُ كلَّهُ في طاعةِ اللهِ؛ كما يجوزُ عليهِ أنْ يُثِيبَ الكافرَ المُعَانِدَ بأعظمِ أنواعِ الثوابِ.
وكلا الطائفتَيْنِ جاهلتانِ باللهِ تعالى جهلاً عظيمًا، لمْ تعْرِفَاهُ المعرفةَ الصحيحة التي تُنْجِي من الضلالَةِ، وتُنَالُ بها السعادةُ.
فأَمَّا ضَلالُ القَدَرِيَّةِ فمنْشَؤُهُ الجهلُ بعمومِ خلقِ اللهِ تعالى، ونُفوذِ مشيئتِهِ، وعُمومِ تصرُّفِهِ الذي هوَ مُقتضى مُلْكِهِ؛ فهوَ الذي يخلُقُ ويرزُقُ، ويُعَافِي ويبتَلِي، ويَهدِي ويُثِيبُ فضلاً، ويُضِلُّ ويُعاقبُ عدْلاً، ويَخْفِضُ ويرفَعُ، ويُعطِي ويمنَعُ، ويَصِلُ ويقطَعُ، ويقبِضُ ويبسُطُ، ويفعَلُ ما يريدُ.
فإذا علِمَ العبدُ معنى اسمِ ((الخالِقِ)) واسمِ ((المالِكِ)) و((العليمِ)) و((القديرِ)) و((المُعْطِي المانِعِ))، ونحْوِها من الأسماءِ التي تدلُّ على عُمومِ تصرُّفِ اللهِ عزَّ وجلَّ في خلقِهِ، وتأمَّلَ آثارَها ولوازِمَها وفَقِهَ ذلكَ حقَّ الفقْهِ: تبيَّنَ لهُ ضلالُ القدَرِيَّةِ في هذا البابِ، وأنكرَ قلْبُهُ ما سَطَّرُوهُ، ولمْ يَغُرُّهُ ما شَبَّهُوا بهِ عَلَى مَنْ لا عِلمَ عندَهُ.
فكيفَ يكونُ خالقًا لكلِّ شيءٍ مَنْ أفعالُ العبادِ كلِّهِم ليستْ منْ خلقِهِ؟!
وكيفَ يكونُ قادرًا على كلِّ شيءٍ مَنْ لا يستطيعُ هدايَةَ عبدٍ منْ عبادِهِ أوْ إضلالَهُ؟!
وكيفَ يكونُ فعَّالاً لما يُرِيدُ مَنْ إذا شاءَ مِنْ عبدِهِ أنْ يعمَلَ عملاً وشاءَ العبدُ خِلافَهُ نفَذَتْ مشيئةُ العبدِ ولمْ تنْفُذْ مشيئةُ ربِّهِ؟!
وكيفَ يكونُ مَلِكًا حقًّا مَنْ لا يقدِرُ أنْ يَهْدِيَ ولا يُضِلَّ حقيقةً، ويخلُقُ عبادُهُ خلقًا بغيرِ إذنِهِ ومشيئتِهِ، بلْ يجعلونَ لهُ شريعةً يُوجِبُونَها عليْهِ؛ فيوجبونَ عليهِ أنْ يُثِيبَ الطائعَ ويُخْلِدَ صاحبَ الكبيرةِ المُوَحِّدَ في العذابِ الشديدِ كالمشركينَ؟!
إلى غيرِ هذهِ الأسماءِ التي يَسْتَدِلُّ بها المؤمنُ المُوَفَّقُ على ضلالِ هذهِ الطائفةِ وبُطْلانِ قولِهِم.
وأمَّا ضلالُ الجبْرِيَّةِ فمَنشؤُهُ الجهلُ بحكمةِ اللهِ عزَّ وجلَّ وحمْدِهِ وعدْلِهِ ورحمَتِهِ وإحسانِهِ:
فكيفَ يكونُ حكيمًا مَنْ يُنْزِّلُ الشرائعَ المُحكمَةَ المُتَضَمِّنَةَ للأوامرِ والنواهِي المُفَصَّلةِ على عبادٍ لا يستطيعونَ امتثالَها، بلْ همْ مجْبُورونَ على مُخالفَتِها، لا اختيارَ لهم ولا مشيئةَ، فسَوَاءٌ أنزلَ الشريعةَ أمْ لمْ يُنْزِلْهَا ليسَ لهمْ إلاَّ فعلُ ما أُجْبِرُوا عليْهِ؟!
وما هيَ فائدةُ إرسالِ الرُّسُلِ وإنزالِ الكُتُبِ وتصريفِ الآياتِ؟!
وكيفَ يكونُ عَدْلاً حَمِيدًا مَنْ يأْمُرُ العبدَ بأَمْرٍ ويُجْبِرُهُ على مخالفتِهِ، ثمَّ يُعاقِبُهُ على تلكَ المخالَفةِ أشدَّ العقابِ؟!
وكيفَ يكونُ رحْمَانًا رحيمًا مَنْ يُخْرِجُ عبدَهُ المؤمنَ المُخْبِتَ منْ قَرَارَةِ مُتَعَبَّدِهِ ومَحَلِّ سُجُودِهِ فَيُخْلِدُهُ في النارِ بلا جُرْمٍ ارتكَبَهُ ولا ذَنْبٍ اقترفَهُ؟!
وكيفَ يكونُ إلهًا وَدُودًا حميدًا يستحقُّ الحُبَّ والودَّ والحمدَ كلَّهُ مَنْ هذا شَأْنُهُ؟!
وهكذا سائرُ الأسماءِ الدالَّةِ على ضلالِ هذهِ الطائفَةِ؛ يَسْتَدِلُّ بها مَنْ نَوَّرَ اللهُ قلْبَهُ على بُطْلانِ قولِهِم.
والمقصودُ أنَّ العبدَ إذا تأمَّلَ أسماءَ اللهِ الحُسنَى وفَقِهَ معانِيَها ولوَازِمَها وآثارَها، واستقرَّ ذلكَ في قلْبِهِ وجدَ أسماءَ اللهِ عزَّ وجلَّ تُنَادِي أَبْيَنَ النداءِ: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (182)} [الصَّافَّات: 180-182].
وكانَ مُجَرَّدُ تصوُّرِهِ لأقوالِ أهلِ الضلالِ كافيًا في ردِّهِ ومعرفةِ بُطلانِهِ؛ لِمَا ترسَّخَ في قلْبِهِ منْ معْرِفَتِهِ بمُنَافَاتِهَا لحقائقِ أسماءِ اللهِ عزَّ وجلَّ وصفاتِهِ وما يليقُ بهِ تعالى ذِكْرُهُ.
ولسانُ حالِهِ يقولُ كُلَّمَا بلَغَتْهُ مَقالةٌ ضالَّةٌ منْ مَقَالاتِهِم: سُبْحَانَكَ هذا بهتانٌ عظيمٌ!.
وقدْ أشارَ اللهُ عزَّ وجلَّ إلى هذا المنهجِ؛ الذي هوَ الاستدلالُ بأسماءِ اللهِ الحسنى وصفاتِهِ العُلَى على بُطلانِ أقوالِ الضَّالِّينَ.
وهوَ منْ أعظمِ المناهجِ نفعًا، وأحسَنِها وَقْعًا، وأسْلَمِها وألْصَقِها بالإيمانِ واليقينِ لمَنْ كانتْ لهُ بصيرةٌ ومعرفةٌ بأسماءِ اللهِ الحسنَى:
قالَ اللهُ تعالى: {قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ} [يونُس: 68-69].
فكونُه هو الغنيَّ يَنفِي أن يكونَ له ولدٌ، فإنَّ الاحتياجَ إلى الولدِ يُنافِي كَمالَ الغِنَى، واللهُ عزَّ وجلَّ هو الغنيُّ الذي له الغِنَى الكَامِلُ المُطلَقُ من جميعِ الوجوهِ عن كلِّ أحدٍ بكُلِّ اعتبارٍ، فلا يُمكِنُ أن يَحتاجَ إلى غيرهِ أبدًا.
فهو الغَنيُّ المُستغنِي عن كُلِّ أحدٍ.
وهو الغنيُّ الذي له كُلُّ ما في السماواتِ مِن خَلائِقَ لا يُحْصِيهِمْ إلا هو، ومِنْ خَزائِنَ لا يَعْلَمُ قَدْرَهَا غَيْرُه، وله كُلُّ ما في الأرضِ من خَلائِقَ وخَزائِنَ.
وكُلُّ شيءٍ تَحْتَ مُلْكِهِ وتَصرُّفِهِ وتَدبيرِهِ، ولو شاءَ أن يَخْلُقَ أضعافَها وأَضعافََ أضعافِها لم يُعْجِزْهُ ذلك وهو العليمُ القديرُ.
وتَأَمَّلْ قولَهُ تعالَى: {هُوَ الْغَنِيُّ}؛ فهذا الأسلوبُ يُسمَّى أُسلوبَ الحَصْرِ في لسانِ العَربِ، أي: هو وَحْدَهُ الغنيُّ الذي له كَمالُ الغِنَى المُطلقِ عَنْ كُلِّ أَحدٍ مِن جَميعِ الوُجوهِ.
وفي ضِمْنِ ذلك غِنَاهُ تَعالَى عَنِ الصَّاحِبَةِ إِذْ لا يُوجَدُ وَلَدٌ بِلا صَاحِبَةٍ وإلا كانَ خَلْقًا مِن سائرِ الخَلْقِ كمَا قَالَ تعَالَى: {أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ}.
فمَنْ آمَنَ بهذَا الاسمِ وعَرَفَ مَعْناهُ حَقَّ المعرفةِ عِلِمَ أنَّ ادِّعاءَ أولئكَ المدَّعينَ مِنْ أَعظمِ الزُّورِ والبُهتانِ، تَعالَى اللهُ عمَّا يَفتَرُونَ عُلوًّا عظيمًا، واستَنْكَرَها كلُّ عُضوٍ من أعْضائِهِ فيَقِفُ شَعْرُ رأسِهِ، ويَقْشَعِرُّ جِلدُهُ، ويَتَمَعَّرُ وَجْهُهُ، ويَشْمَئِزُّ قَلْبُه، ويَنْبُو سَمْعُهُ، وتُحَمْلِقُ عَيناهُ مِن هَوْلِ هذه الدَّعْوَى الشَّنِيعَةِ.
وهذا الإنكارُ في قَلْبِ المؤمنِ وجَسَدِهِ مُتلازِمٌ معَ قُوَّةِ المعرفةِ باللهِ تعالَى وبأَسْمائِهِ وصِفاتِه، وشِدَّةِ النَّفْرَةِ مِن هذه الدَّعوَى الباطلةِ الظالِمَةِ.
وهذا نظيرُ ما بَيَّنَهُ اللهُ لنا -في تصويرٍ عَظيمٍ تَرْتَجِفُ له القُلوبُ- مِن أَثَرِ هذا الافتراءِ على السَّماواتِ والأَرْضِ والجبالِ حتَّى كادَتْ مَعالِمُ الكَوْنِ تَتَغَيَّرُ لَوْلاَ لُطْفُ اللهِ عزَّ وجَلَّ وحِلمُهُ، ورَأْفَتُهُ بعِبادِهِ المُؤمنِينَ الَّذينَ يَسْتَنْكِرُونَ هذِهِ المقالَةَ الجَائِرَةَ.
قال اللهُ تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95)} [مريم: ٨٨ - ٩٥]
وقالَ: {لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (4)} [الزُّمَر: 4].
فكونُهُ تعالى الواحدَ ينفِي أنْ يكونَ لهُ مثيلٌ، ولو كانَ لهُ وَلَدٌ لَمْ يكنْ واحِدًا، فإنَّ الولدَ من جنسِ أبيهِ.
وكونُه القهَّارَ يدلُّ على اتِّصَافِهِ جلَّ وعَلا بالقهرِ المطلقِ، وهذَا ينفِي كذلكَ أن يكونَ لهُ ولدٌ، إذِ الأبوةُ مانعةٌ من القهرِ المطلَقِ، تعالى اللهُ عما يقولُ الظالمونَ علوًّا كبيرًا.
وهذانِ الاسمانِ الجليلانِ متلازمانِ؛ فإنَّ القهَّارَ لا بدَّ أنْ يكونَ واحدًا، إذْ لو شَارَكَهُ أحدٌ في صِفَةِ القهرِ لَمْ يكنْ قاهِرًا لَهُ، والواحدُ لا بدَّ أن يكونَ قهارًا، إذ لا شريكَ لهُ في ملكِهِ، ولا سَمِيَّ له، ولا نِدَّ له.
فتأملْ أثَرَ الإيمانِ بهذِهِ الأسماءِ الحسنَى فِي ردِّ هذَا القولِ الباطلِ الضالِّ، ثمَّ تأمَّلْ أثرَهُ في زيادةِ الإيمانِ واليقينِ والمعرفةِ باللهِ في قلبِ عبدِهِ المؤمنِ.
وقالَ: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ} [المائدَة: 18]. فبَيَّنَ بُطلانَ زعْمِهِم بفِعْلٍ منْ أفعالِهِ ـ جلَّ وعَلا ـ وهوَ منْ آثارِ اسْمِهِ ((المَلِكِ)).
وقالَ في قارونَ: {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا} [القَصَص: 78].
وقالَ: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (52) وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53)} [النَّحْل: 52-53]؛ فأنكرَ عليهم عبادةَ غيرِهِ مُحتجًّا على ذلكَ بكونِهِ المُنْعِمَ المُغِيثَ؛ فهوَ الذي يَجْلُبُ لهم النعمَ، ويكشِفُ عنهم الضُّرَّ، وغيرُهُ لا يملِكُ لهم ضَرًّا ولا نَفعًا.
وقبلَ هذا قولُهُ تعالى: {وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (51) وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (52)} [النحل: 51-52].
وقالَ: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (38) لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ (39) إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (40)} [النحل: 38-40]؛ فأنكرَ عليهم مَقالَتَهُم مُبَيِّنًا لهم أنَّ حكمتَهُ تأْبَى أنْ يترُكَ بَيانَ الحقِّ الذي اختلفوا فيهِ وبَيانَ كذِبِ الكفارِ عليهِ؛ وهذا منْ آثارِ اسْمِهِ ((الحكيمِ))، وأرْدَفَ ذلكَ ببَيانِ قُدْرَتِهِ تعالى على بَعْثِهِم، وأنَّ ذلكَ لا يُعْجِزُهُ.
وقالَ: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116)} [المؤمنون: 115-116]. وفي هذا المعنى قولُهُ تعالى: {إِنَّ هَؤُلَاءِ لَيَقُولُونَ (34) إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (35)} [الدخان: 34-35] إلى قوْلِهِ تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (38) مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (39)} [الدخان: 38-39]. وهذا منْ آثارِ اسْمِهِ ((الحكيمِ)).
وكذلكَ قولُـهُ تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27) أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28)} [ص: 27-28].
وقالَ تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6)}[الحجِّ: 5-6].
فانظُرْ كيفَ اقتلعَ جُذورَ الرَّيْبِ من القلبِ بهذا البيانِ الذي أساسُهُ أسماؤُهُ الحسنى وآثارُها.
ونظيرُ هذا قولُـهُ تعالَى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83)} [يس: 78-83].
والآياتُ في هذا البابِ كثيرةٌ، والمقصودُ التنبيهُ عليها.

***
بلْ ما ارتكَبَ عبدٌ معصيَةً ولا قَصَّرَ في طاعةٍ إلاَّ بسببِ جهلِهِ باللهِ تعالى وبما يستحِقُّهُ من التعَبُّدِ بمُقتضَى أسمائِهِ الحسنى وصفاتِهِ العُلَى، والناسُ في هذا العلمِ على مراتبَ كثيرةٍ لا يُحْصِيهم إلاَّ مَنْ خلقَهُم:
فَمَنْ عَلِمَ أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ عليمٌ سميعٌ بصيرٌ، وأنَّهُ شديدُ العقابِ والبطْشِ، يَغَارُ إذا انْتُهِكَتْ محارِمُهُ، ولا يُعْجِزُهُ شيءٌ في الأرضِ ولا في السماءِ، ولا يخافُ عاقبةَ فعلِهِ، واستقرَّ ذلكَ في قلبِهِ ارتعَدَتْ فرائِصُهُ قبلَ أنْ يُفَكِّرَ في الإقدامِ على المعصيَةِ، فكانَ في هذا العلمِ خيرُ زاجرٍ لهُ عنْ فعلِ المعاصِي.
فلا يُقْدِمُ على المعصيَةِ إلاَّ حينَ يَغِيبُ عنهُ ذلكَ النورُ الإيمانيُّ أوْ يَضْعُفُ، وقدْ ذكرَ اللهُ عزَّ وجلَّ هذا المعنى في الكتابِ العزيزِ في غيرِ ما آيَةٍ:
فقالَ تعالى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10) أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (12) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14)} [العلق: 9-14].
وقالَ: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9)} [البروج: 4-9].
وقالَ: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آَتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (78)} [التوبة: 75-78].
وقالَ: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (108)} [النساء: 108].
وقال: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (76) أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (77)} [البقرة: 76-77].
وقالَ: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (80)} [الزخرف: 80].
وقالَ: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30)} [النور: 30].
وقالَ: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة: 67].
وقالَ: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50)} [الحجر: 49-50].
وقالَ: {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28)} [المائدة: 28].
ومِنْ ألطَفِ ما وردَ في ذلكَ قولُهُ تعالى: {تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ} [الممتحنة: 1].
والآياتُ في هذا المعنى كثيرةٌ.
ومَنْ عَلِمَ أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يَرَى مكانَهُ، ويَسمَعُ كلامَهُ، ويَعلَمُ سِرَّه وجهرَهُ، وعَلِمَ أنَّهُ ذو الفضلِ العظيمِ، والإحسانِ العميمِ، والكرمِ الجزيلِ، وأنَّهُ قريبٌ مجيبٌ، رحيمٌ ودودٌ، شاكرٌ عليمٌ، حفيظٌ لأعمالِ عبادِهِ، وأنه معَ مَن ذَكَرَه، وآمنَ بهِ واتَّقَاهُ، وصبرَ ابتغاءَ وجهِهِ وطَلَبِ رِضَاهُ، وأنه يُحِبُّ المحسنينَ، ويُحِبُّ المتوكلينَ، ويُحبُّ التوابينَ، ويُحبُّ المتطهِّرينَ، وأنَّهُ قريبٌ مجيبٌ لا يُضيعُ عملَ عاملٍ منْ ذكرٍ أوْ أُنْثَى وهوَ مؤمنٌ، بلْ يَقْبَلُهُ ويُنَمِّيهِ، ويُباركُ لعاملِهِ فيهِ؛ واستقرَّ هذا العلمُ في قلْبِهِ، وضربَ بجُذُورِهِ فيهِ، آتَى أُكُلَهُ كلَّ حينٍ بإذنِ ربِّهِ عملاً صالحًا وحالاً مَرْضِيًّا؛ ذلكَ فضلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يشاءُ واللهُ واسعٌ عليمٌ.
فيبذُلُ العبدُ جُهْدَهُ، ويستفرِغُ وُسْعَهُ في التقرُّبِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ بأنواعِ القُرُباتِ، وتخليصِ العملِ من الشوائبِ والمُحْبِطَاتِ.
وإنَّما يضْعُفُ عزمُهُ، وتفْتُرُ هِمَّتُهُ إذا ضَعُفَ عندَهُ هذا النورُ الإيمانيُّ.
وهذا المعنى كثيرٌ جدًّا في القرآنِ العظيمِ:
قالَ اللهُ تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (220)} [الشعراء: 217-220].
وقالَ: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)} [البقرة: 186].
وقالَ: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110)} [البقرة: 110].
وقالَ: {وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18)} [الحشر: 18].
وقالَ: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215)} [سورة البقرة: 215].
وقالَ: {وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (115)} [سورة آل عمران: 115].
وقالَ: {إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30)} [الكهف: 30].
وقالَ: {وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (35)} [سورة محمَّد: 35].
وقالَ: {كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3)} [مريم: 1-3].
ومِنْ ألطفِ ما وردَ في ذلكَ قولُهُ تعالى:{هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ} [آل عمرانَ: 38]. وذلكَ بعدَ قولِهِ جلَّ وعلا في سِياقِ قِصَّةِ مريمَ الصِّدِّيقَةِ: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37)} [آل عمرانَ: 37].
وقالَ تعالى: {وَآَخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآَخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102) خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104) وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ} [التوبة: 102-105].
وقالَ: {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54)} [الأنعام: 54].
وقالَ: {وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ} الآيَةَ [آل عمرانَ: 15-17].
وقالَ:{فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18)} [الفتح: 18].
وممَّا لا يكادُ ينقضي منهُ العَجَبُ قولُهُ تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74) مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآَيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75) قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (76)} [المائدة: 73-76].
فانظُرْ إلى جلالةِ هذهِ الآياتِ وما تضمَّنَتْهُ من الحُجَجِ البليغةِ والآياتِ البَيِّنَاتِ، ثمَّ تأمَّلْ سَعَةَ رحمةِ اللهِ عزَّ وجلَّ وعظيمَ حِلْمِهِ كيفَ دعَاهُم - وقدْ قالُوا هذهِ المقالةَ الشنيعةَ - إلى التوبةِ بأجملِ عَرْضٍ وألطفِهِ: {أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ} ثمَّ ذكرَ ما يُرَغِّبُهُمْ في ذلكَ ويُزِيلُ اليَأْسَ والقنوطَ منْ قلُوبِهِم فقال: {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74)} كثيرُ المغفرَةِ، واسعُ المغفرَةِ، لا يستعظِمُهُ ذَنْبٌ أنْ يَغفِرَهُ، ورَحْمَتُهُ وَسِعَتْ كلَّ شيءٍ، وعَمَّتْ كلَّ حَيٍّ.
وفي ضِمْنِ ذلكَ وَعْدَهُم بالمغفرةِ والرحمةِ والعفوِ عمَّا بَدَرَ منهم إنْ همْ تابوا إليهِ واستغفَرُوهُ.
فإذا عَلِمَ العبدُ ذلكَ تحرَّكَتْ دَواعِي الرُّجوعِ إلى اللهِ في قلْبِهِ , ولمْ يقْنَطْ منْ رحمةِ ربِّهِ عزَّ وجلَّ.
ثمَّ دَعَاهُم إلى عبادتِهِ وتوحيدِهِ، وبيَّنَ لهُم الأدلَّةَ القاطعةَ على بُطْلانِ زَعْمِهِمْ إِلَهِيَّةَ عِيسَى وأُمِّهِ دُونَ أنْ يُنْقِصَ قدْرَهُما، أو يهْضِمَهُما منْزِلَتَهُما، بلْ أَثْبَتَ لعِيسى الرسالةَ ولأُمِّهِ الصِّدِّيقِيَّةَ في بيانٍ مُوجَزٍ مُعجِزٍ، يأخُذُ بالألبابِ، فيُوقِنُ أولو الألبابِ أنَّهُ الحقُّ منْ ربِّهِمْ.
وبيانُ ذلكَ مِن وُجُوهٍ:
أوَّلُها: قولـُهُ تعالى: {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ}؛ فإنَّ الإلهَ الحقَّ لا يكونُ إلاَّ واحدًا، وَ{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا}، وهذا يُبْطِلُ التثليثَ.
الثانِي: قولـُهُ تعالى: {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ}، فهوَ رسولٌ منْ جُمْلَةِ رُسُلٍ ماتُوا وهوَ على إثْرِهِم، والإلهُ الحقُّ إنَّما هوَ الحيُّ الذي لا يموتُ.
الثالثُ: قولُهُ: {وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ}، وفي هذا عِدَّةُ أدلَّةٍ:
أوَّلُها: أنَّهُ مخلوقٌ كائنٌ بعدَ أنْ لمْ يكُنْ، فلمْ يُوجَدْ إلاَّ بعدَ وِلادَةِ أُمِّهِ لهُ؛ ومثلُ هذا لا يَصلُحُ أنْ يكونَ إلهًا؛ فإنَّ الإلهَ الحقَّ إنَّما هوَ الأَوَّلُ والآخِرُ والظاهرُ والباطِنُ.
الثاني: أنَّهُ محتاجٌ في أصلِ حياتِهِ إلى غيرِهِ فوُجُودُهُ إنَّما كانَ بواسطةِ أُمِّهِ؛ والإلهُ الحقُّ إنَّما هوَ الحيُّ القَيُّومُ الذي قيامُ كلِّ شيءٍ بهِ، الغنيُّ الحميدُ الذي لا يحتاجُ إلى أحدٍ سواهُ طَرْفَةَ عيْنٍ.
الثالثُ: أنَّهُ مولودٌ؛ والإلهُ الحقُّ إنَّما هوَ الصَّمَدُ الذي لمْ يلِدْ ولمْ يُولَدْ.
الرابِعُ: أنَّهُ خارجٌ من المكانِ الذي قدْ علِمُوا؛ ومثلُ هذا لا يصلُحُ أنْ يكونَ إلهًا؛ فالإلهُ الحقُّ إنَّما هوَ القُدُّوسُ السلامُ المُتَنَزِّهُ عمَّا لا يَليقُ بجلالِهِ وعَظمتِهِ.
الخامِسُ: أنَّ أُمَّهُ صِدِّيقَةٌ؛ فهيَ أَمَةٌ عابدةٌ فقيرةٌ إلى مَنْ تعبُدُهُ، والفقيرُ لا يُنْتِجُ إلاَّ فقيرًا.
الوجهُ الرابِعُ: قولُهُ: {كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ}. وفي هذا عِدَّةُ أدلَّةٍ:
الأوَّلُ: أنَّ كونَهُما يأْكُلانِ الطعامَ دليلٌ على حاجَتِهما وفقْرِهما إليهِ، والفقيرُ المحتاجُ لا يصلحُ أنْ يكونَ إلهًا، فالإلهُ الحقُّ إنَّما هو الغنيُّ العزيزُ والحيُّ القيومُ الَّذي لا يَحتاجُ إلى غيرِهِ، ولا نقصَ يعترِي حياتَهُ.
الثانِي: أنَّ العقلاءَ قدْ علِموا أنَّ الذي يأكلُ الطعامَ لهُ جوفٌ وآلاتٌ تهضِمُ الطعامَ، وقنوَاتٌ يسيرُ فيها الطعامُ، والإلهُ الحقُّ إنَّما هوَ الصمَدُ الذي لا جوفَ لهُ، ولا يحتاجُ إلى ما يحتاجُ إليهِ البشَرُ.
الثالثُ: أنَّ الذي لا يستطيعُ تصريفَ الطعامِ داخلَ جسدِهِ وتسْيِيرَهُ في قنوَاتِهِ، وإيصالَ كلِّ عضوٍ منْ بَدَنِِهِ ما يحتاجُ إليهِ من الغِذاءِ؛ وإنَّما الذي يُسَيِّرُهُ ويُصَرِّفُهُ فيهِ غيرُهُ كيفَ يَستطيعُ أنْ يُدَبِّرَ شُؤُونَ الخلائقِ، ويجيبَ دعَوَاتِهِم، ويعْلَمَ سرائرَهُم وأحوالَهُم؟!!
إنَّما إلَهُهُمُ المَلِكُ القُدُّوسُ الذي قامَ بشُؤُونِهِم وَوَسِعَهُم عِلْمُهُ وحِفْظُهُ ورَحْمَتُهُ.
الرابعُ: أنَّ العقلاءَ قدْ علِمُوا أنَّ الذي يأكلُ الطعامَ لا بُدَّ لهُ منْ إخراجِهِ بعدَ هضْمِهِ، والذي تخرُجُ منهُ هذهِ الفَضَلاتُ المُسْتَقْذَرَةُ لا يصلُحُ أنْ يكونَ إلهًا؛ بل الإلهُ الحقُّ إنَّما هوَ القُدُّوسُ السلامُ المُتَنَزِّهُ عنْ مثلِ هذا وسائرِ ما لا يليقُ بجلالِهِ وقُدْسِيَّتِهِ.
الخامِسُ: أنَّ الذي يأكلُ الطعامَ عُرْضَةٌ لأنْ يأكلَ ما يضُرُّهُ، أوْ يُسِيءَ أكلَ ما فيه نفعٌ فيَمْرَضَ ويَسْقَمَ؛ ومثلُ هذا لا يَصلُحُ أنْ يكونَ إلهًا.
ثمَّ قالَ تعالى بعدَ هذا البيانِ: {انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآَيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75)}
-الوَجْهُ الخامِسُ: قولُهُ تعالى: {قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا}؛ فإنَّ العبدَ العاقلَ إنَّما يَعْبُدُ مَنْ يَجْلُبُ لهُ النفعَ ويدْفَعُ عنهُ الضُّرَّ، وليسَ هذا لغيرِ اللهِ تعالى؛ فهوَ النافعُ الضارُّ، وغيرُهُ إنَّما ضرَرُهُ ونفعُهُ بمشيئةِ اللهِ تعالى، وهوَ مَرْبُوبٌ مُدَبَّرٌ، ناصِيَتُهُ بيدِ ربِّهِ لا يستقلُّ بنَفعٍ ولا ضَرٍّ؛ فَمِنَ الحماقةِ عِبَادَةُ مَنْ هذا شأْنُهُ!!
-الوجهُ السادسُ: قولُهُ تعالى: {وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (76)}، يسمَعُ دُعاءَهُم ويعلَمُ أحوالَهُم، ولا يخفَى عليهِ شيءٌ منْ أمْرِهِم؛ وهذا هوَ الإلهُ الحقُّ، ليسَ الذي لا يسمَعُ دُعَاءَ عابدِيهِ ولا يعْلَمُ أحوَالَهُم.
فاستبدالُ عبادةِ اللهِ تعالى الذي بيَدِهِ النفعُ والضرُّ وهوَ السميعُ العليمُ بعبادةِ مَنْ لا يَمْلِكُ لهُمْ ضَرًّا ولا نَفعًا، ولا يسمَعُ دُعاءَهُم ولا يَعْلَمُ أحوالَهُم منْ أعظمِ الجهلِ والسفَهِ.
فانْظُرْ كيفَ اجتذبَ القلوبَ إلى عبادَتِهِ وتوحيدِهِ بما لَهُ من الأسماءِ الحسنى والصفاتِ العُلَى.
والمقصودُ أنَّ العبدَ إذا عَلِمَ معانيَ أسماءِ اللهِ الحسنى وَفَقِهَ لَوَازِمَها وآثارَها دَعَاهُ ذلكَ إلى التعَبُّدِ للهِ تعالى بمُقْتَضَاهَا، فيجتنبُ المُنْكَرَاتِ، ويُسَارِعُ في الخيْراتِ.
ولا يزالُ بهِ الأمرُ حتَّى يتَزَكَّى في ضوءِ الأسماءِ الحسنى تزكيَةً إيمانيَّةً كريمةً؛ ويترقَّى في مراقِي العبوديةِ للهِ تعالى، حتى يبلُغَ الدرَجَاتِ العُلى نَسألُ اللهَ مِن فضلِه.
ويتجلَّى أثرُ هذا الإيمانِ في نفسِهِ، فيتحلَّى بمكارمِ الأخلاقِ ومحاسنِ الآدابِ، ويتركُ ما لا يليقُ بأمثالِهِ منْ مَعَائبِ القولِ والعملِ.
وكُلَّمَا عَلِمَ أنَّ اللهَ يُحِبُّ أمرًا سارعَ في أنْ يكونَ منْ أهلِ ذلكَ الأمْرِ، وإذا علمَ أنَّ اللهَ يكرهُ أمرًا سارعَ في اجتنابِهِ والتحَرُّزِ منْهُ، وهذا هوَ اتِّبَاعُ رِضوانِ اللهِ تعالى، نسألُ اللهَ الكريمَ أنْ نكونَ ممَّنِ اتَّبَعَ رِضوانَه.

* * *

إنَّ أسماءَ اللهِ الحسنى وصفاتِهِ العُلَى لَهِي قُرَّةُ عينِ العابدِ المستقيمِ، وسَلْوَةُ خاطرِ المُحْزَنِ المُسْتَضِيمِ، ونُصْرَةُ المسلِمِ المظلومِ، وفرَجُ المهمومِ والمغمومِ، ومُتَنَفَّسُ البائسِ المكروبِ، إذا تكَالَبَتْ عليهِ الكُروبُ، وتَعَاوَرَتْهُ الخُطوبُ، وضاقتْ عليهِ الأرضُ بما رَحُبَتْ، والنفسُ بما اسْتَجْلَبَتْ؛ عَلِمَ أنَّ لهُ رَبًّا يرَى مكَانَهُ ويسمَعُ كلامَهُ، ويعلَمُ حالَهُ؛ يُحبِيبُ دعوةَ المُضْطَرِّ، ويكشِفُ الضُّرَّ، وينصُرُ المظلومَ.
وهوَ المستعانُ يُعِينُ مَن استعانَ بهِ، وهوَ المُغِيثُ يُغِيثُ مَنِ استغاثَ بهِ، وهوَ الرحمنُ الرحيمُ، والوهَّابُ الكريمُ، و الغنيُّ الحميدُ.
وعلمَ أنَّهُ عزيزٌ ذُو انتقامٍ ينتقمُ لعبدِهِ المؤمنِ ممَّنْ كادَهُ وآذَاهُ.
وأنه ولِيُّ المؤمنينَ، وخيرُ الناصرينَ، وخيرُ الحافظينَ، وأرحَمُ الراحمينَ.
وأنه معَ مَن ذكَرَه، وآمنَ به وشكَرَه، وتابَ إليهِ واستغفرَه.
فزِع قلبُهُ إلى مَوْلاهُ، ولاذَ بجَنَابِهِ واعتصمَ بهِ واستمْسَكَ بحَبْلِهِ المتينِ؛ وعلمَ أنَّ ما هوَ فيهِ من الكَرْبِ والضِّيقِ إنَّما هوَ بعِلْمِهِ ومَشيئتِهِ، وأنَّهُ لمْ يُقَدِّرْهُ عليهِ إلاَّ لما لهُ في ذلكَ مِن الحكمةِ البالغةِ، والنِّعمةِ السابغةِ التي يَستحِقُّ عليها الحمدَ والحبَّ كُلَّهُ:
- فإمَّا مذنبٌ آبِقٌ يريدُ أنْ يَرْجِعَهُ إلى روضةِ الطاعةِ، ويُذِيقَهُ مرارةَ العصيانِ، وعاقبةَ الطغيانِ؛ فيَرْجعُ و يَسْتَعْتِبُ.
- وإمَّا مؤمنٌ صالحٌ يريدُ أنْ يرفعَ درَجاتِهِ، ويُكَفِّرَ سيئاتِهِ، ويُعْلِيَ منزلتَهُ، ويبتلِيَ في الإيمانِ والصبرِ قُوَّتَهُ، ويُبَاهِيَ بهِ ملائكتَهُ.
فتهدأُ بذلكَ نفسُهُ، وتَقَرُّ عينُهُ، ويَسْكُنُ جأْشُهُ، ويطْمَئِنُّ قلْبُهُ {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)} [الرعد: 28]. وهذا من السكينةِ التي يُنْزِلُها اللهُ تعالى على قلوبِ عبادِهِ المؤمنينَ.
انظرْ إلى قولِ اللهِ تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)} [الحجر: 97-99].
وتأمَّلْ أثرَهَا على قلبِ نبيِّنَا الكريمِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وقدْ آذاهُ المشركونَ بأنواعِ
الكلام السيِّئِ، والاتهاماتِ الباطلةِ المتناقضةِ التي لا غايةَ منهَا إلا الإيذاءَ والصدَّ عنهُ بأيِّ وسيلةٍ كانت.
فقالوا عنه: ساحرٌ!، وقالوا: {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا}.
فاعجَبْ: كيف يجتَمِعُ الاتهامانِ؟!!
وقالوا: هو كاهنٌ، وقالوا: {إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ}.
فاعجَبْ أيضًا: كيف يَجْتَمِعانِ؟!!.
وقالوا عنه: مجنونٌ، وقالوا: يريدُ المُلْكَ والرِّئاسةَ.
فاعجَبْ: كيفَ يُمْكِنُ لمجنونٍ أن يكونَ أهلاً لطلبِ المُلكِ والرِّياسةِ؟!!
حتى إنَّهم من فَرْطِ ولَعِهِم بالاتهاماتِ الباطلةِ قالوا عنهُ: شاعرٌ!!
وهم يَعرِفونَ الشِّعرَ وبحورَه وهزَجَهُ ورَجَزَهُ، ويعرفونَ أنَّ القرآنَ لا يَلتئِمُ معَ الشِّعرِ ولا يُشبِههُ أيُّ شِعْرٍ.
ويعرفون أنهُ لم يَقُلْ قصيدةً قطُّ، وقدْ لَبِثَ فيهمْ عُمُرًا قبلَ بَعثتِهِ.
فانظُرْ إلى اتهاماتِهِمُ الباطلةِ المُتناقِضَةِ التي تَدُلُّ علَى أنَّهمْ إنما يُريدونَ أذيَّتَهُ والصَّدَّ عَنْهُ، ويَعرِفُون أنهم مُبطِلونَ أفَّاكُونَ فيما يَقُولُونَ.
وتأمَّلْ كونَ هذا الأذَى العظيمَ صادِراً مِن قومِه وذَوِي رَحمِهِ وقرابتِهِ الذينَ نَشَأَ بينَهُم فعرَفَهُ صغيرُهُم وكبيرُهُم، وذكَرُهُم وأُنثاهُم، بصدقِهِ وأمانَتِهِ، وحُسْنِ خُلُقِهِ وسيرَتِهِ، وإحسانِهِ إليهِمْ وصِلَتِهِ لَهُمْ.
ثمَّ هوَ يدْعُوهُم إلى ما فيهِ عزُّهُمْ ومَجدُهُم ونجاتُهُم في الدنيا والآخرةِ فيقابلونَهُ بهذا الأذَى والظلمِ العظيمِ..
وظُلْمُ ذَوِي القُربَى أشدُّ مضَاضَةً عَلَى المرءِ منْ وَقْعِ الحُسامِ المُهنَّدِ
فانتقِلْ بذِهنِكَ إلى تلكَ البِقاعِ، وإلى ذلكَ الزمانِ، وتَفَكَّرْ في نفسِكَ كيفَ أثَرُ تلكَ الاتهاماتِ الباطلةِ، والحربِ النفسيَّةِ، وذلكَ التآمُرِ البَغيضِ مِنْ كُبراءِ القومِ وسُفهائِهِم على نَفْسِ الرسولِ الكريمِ الَّذي جَاءَ لِيُخرِجَهم منَ الظُّلُماتِ إلى النورِ، ولِيأخُذَ بحُجَزِهِم عنِ النارِ؟!.
بل تعدَّى الأمرُ إلى السخريَةِ بهِ والاستهزاءِ المَقِيتِ بشَخْصِه وَرسَالتِهِ.
{وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا (41)} [الفرقان: 41].
يقولُ له أحدُ المستهزئينَ: أَمْرُطْ ثيابَ الكعبةِ إن كانَ اللهُ أَرسَلَكَ !
ويقولُ له آخَرُ: أمَا وَجدَ اللهُ أحَدًا يُرسِلُه غيرَكْ؟!
وَالْحَظْ مَعْنَى الاستِهْزاءِ وَالاحتِقارِ والاستِخْفافِ بشَخْصِ النبيِّ الكَرِيمِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، في قَوْلِهِم: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءانُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}.
إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَقْوَالِهِمُ السَّيِّئَةِ الْمُشِينَةِ، الَّتِي تَنمُّ عَمَّا تَنمُّ عنهُ.
ثُمَّ تَأَمَّلْ تَثْبِيتَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ ورَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ}؛ تَجِدْ فِيهِ مِنَ التَّسْلِيَةِ وَالتَّثْبِيتِ مَا يُطَمْئِنُ الْقَلْبَ، ويُذْهِبُ الْهَمَّ وَالْغَمَّ، ويُجْلِي الْخَوْفَ والْحُزْنَ، ويُسَلِّي النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ تَسْلِيَةً عَظِيمَةً لا مَثِيلَ لَهَا.
وتَأَمَّلَ مَا وَرَاءَ هَذِه ِالنُّونِ العَظِيمَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {نَعْلَمُ} مِنَ الأَسْرَارِ الَّتِي تَحَارُ لَهَا الأَلْبَابُ، فتَقِفُ مُنْبَهِرَةً مِنْ عَظَمَةِ دَلائِلِهَا، حَيْثُ تَجِدُهَا تُشْعِرُ بِأَنَّ المَلَكُوتَ الأَعْلَى عَلَى عِلْمٍ بِمَا أَعْلَمَهُمُ اللهُ بِهِ مِنْ أَذِيَّةِ قَوْمِهِ لَهُ.
وهو علَى هذَا الكَوْكَبِ الصَّغِيرِ الَّذِي إِذَا نَسَبْتَهُ إِلَى عَظَمَةِ مَلَكُوتِ اللهِ تَعَالَى وَجَدْتَهُ ضَئِيلَ النِّسْبَةِ جِدًّا.
وأِنَّ الْمَلائِكَةَ جُنْدٌ مِنْ جُنْدِ اللهِ النَّاصِرِينَ لَهُ، وللهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزًا.
فقُوَّتُهُ لاَ تُضَاهِيهَا وَلاَ تُدَانِيهَا قُوَّةٌ، وعِزَّتُهُ لا يُمْكِنُ أَنْ تَنْخَرِمَ أَوْ تَشُوبَهَا أَيَّةُ شَائِبَةٍ، وأَنَّهُ قَدْ كَتَبَ العِزَّةَ لِنَفْسِهِ ولِرَسُولِهِ وللمُؤْمِنِينَ.
فتَضْمَحِلُّ أَمَامَ عَظَمَةِ مَدْلُولاتِ هذهِ الآيةِ العَظِيمَةِ جَمِيعُ مَعانِي الخَوْفِ والحَُزَنِ والضِّيقِ، ويَتَضَاءَلُ أَمَامَهَا كَيْدُ أُولَئِكَ الكَافِرِينَ الحَاقِدِينَ، حَيْثُ بَدَوْا فِي مَعَايِيرِ الإيمانِ واليَقِينِ لا يُسَاوُونَ شَيْئًا يُذْكَرُ أَمَامَ عَظَمَةِ مَلَكُوتِ اللهِ تَعالَى وقُدْرَتِهِ.
فَيَخِفُّ مَا كَانَ علَى النَّفْسِ ثَقِيلاً، وتَتَبَدَّدُ المَخاوِفُ، ويَذْهَبُ الهَمُّ والغَمُّ، ويَنْجَلِي الحَزَنُ، وتَنْزِلُ السَّكِينَةُ، ويَحِلُّ الأَمْنُ، وتَغْمُرُ القَلْبَ مشَاعِرُ الأُنْسِ باللهِ، والثِّقَةِ بِحِفْظِهِ ونَصْرِهِ، والطُّمَأْنِينَةِ بذِكْرِهِ، والتَّصْدِيقِ بِوَعْدِهِ، فيَنْشَغِلُ بِالأُنْسِ بِهِ تعَالَى عَنِ الوَحْشَةِ مِنْهُمْ، والفَرَحِ به جَلَّ وعَلا عَنِ الخَوْفِ مِنْهُمْ.
حَتَّى تَنْدَفِعَ مَعَ هَذَا اليَقِينِ العَظِيمِ رَغْبَةُ الانتقامِ مِنْهُمْ بمُعَاجَلَتُهُمْ بالعِقابِ معَ شِدَّةِ أَذَاهُمْ له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ.
في الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ؟
فقَالَ: (لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ، وَكَانَ أَشَدُّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ، إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كلاَلٍ فلم يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ؛ فَانْطَلَقْتُ وأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلاَّ بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ؛ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي!
فنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْريلُ؛ فَنَادَانِي فَقَالَ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ.
قَالَ: فَنادَانِي مَلَكُ الجِبَالِ، وسَلَّمَ عَلَيَّ؛ ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ!
إِنَّ اللهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَأَنَا مَلَكُ الْجِبَالِ، وَقَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إِلَيكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ.
فَمَا شِئْتَ؟ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ.
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللهُ مِنْ أَصْلابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ وَحْدَهُ، لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا).
***
وتَأَمَّلْ أَيْضًا: مَا تُفِيدُهُ حروفُ اللامِ و (قَدْ) فِي قَوْلِهِ تَعالَى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ} الَّتِي تُؤَكِّدُ تَحَقُّقَ عِلْمِ اللهِ بِمَا يَقُولُونَ، وَهُوَ عِلْمٌ لَهُ لَوَازِمُهُ ومُقْتَضَيَاتُهُ وآثَارُهُ، لَيْسَ مُجَرَّدَ عِلْمٍ، ولَيْسَ عِلْمُهُ كَأَيِّ عِلْمٍ، بَلْ هُوَ عِلْمُ الَّذِي لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَلا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ، وَلاَ يُمْكِنُ أَنْ يُقِرَّ الظُلْمَ عَلَى رَسُولِهِ ووَلِيِّهِ، ولاَ يُمْكِنُ أَنْ يُهْمِلَهُ ويَتَخَلَّى عَنْهُ، سُبْحَانَهُ وبِحَمْدِهِ، فَهُوَ يَتَعَالَى ويَتَنَزَّهُ عَنْ أَنْ يَخْذُلَ رَسُولَهُ وَوَلِيَّهُ الَّذِي يَسْعَى فِي مَرْضَاتِهِ، ويُبَلِّغَ رِسَالاتِهِ.
وَهَذا مِنْ أَسْرَارِ الأَمْرِ بالتَّسْبِيحِ بِحَمْدِهِ جَلَّ وعَلا فِي الآيَةِ الَّتِي تَلِيهَا قَالَ تعَالَى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)}[الحجر: 97-99].
فَأَرْشَدَهُ إِلَى الإِعْرَاضِ عَنْهُمْ، والاستئناسِ بعِبادةِ اللهِ وَحدَهُ، ومُلازمةِ عبادَتِه والسُّجودِ له.
وكُلَّمَا كَانَ العَبْدُ أَكْثَرَ ذُلاً وخُضوعًا وانقِيادًا للهِ جَلَّ وعَلا كانَ نَصِيبُهُ مِن العِزَّةِ والرِّفْعَةِ والحِفْظِ أَكْمَلَ وأَعْظَمَ، وفَتَحَتْ لَهُ تِلْكَ العِبَادَةُ أَنْوَاعًا مِن العِلْمِ والمَعرفَةِ والإيمانِ واليَقينِ، الذي يَجِدُ مِن حَلاوتِهِ وبَرْدِهِ، وحُسنِ أثَرِهِ عليه وفَائِدَتِهِ، ما هو مِن أَعظمِ الأَدِلَّةِ على عِنايةِ اللهِ تعالى بعبدِهِ، وحُسنِ كِفايتِهِ ووِقايَتِهِ وحِفظِهِ له.
فيَكْتَسِبُ القلبُ ثِقَةً وطُمَأْنِينةً ويَقِينًا تَضْمَحِلُّ معه جميعُ أنواعِ الأذَى، وتَتلاشَى معه صُوَرُ الرَّهْبَةِ والخوفِ مما يَقُولونَ.
وتأمَّلْ على هذا النحوِ قولَهُ: {فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (76)} [يس: 76].
وقولَهُ: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور: 48].
وقولَهُ: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83)} [الأنبياء: 83].
وقـولَهُ: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89)} [الأنبياء: 87-89].
وقولَهُ: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)} [الشعراء: 61-62].
وقولَهُ: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174)} [آل عمرانَ: 173-174].
وقولَهُ لموسَى وهَارُونَ: {لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46)} [طه: 46].
وقولـَه في محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)}[التوبة: 40]. والآياتُ في هذا المعنى كثيرةٌ.
وتأمَّلْ قولَ اللهِ تعالَى في أواخرِ سُورةِ الحَجِّ: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58)} [الحجِّ: 58] والآياتِ التي بعْدَها؛ فإنَّ لها شأنًا عظيمًا، ومعانيَ جليلةً يَحسُنُ الوقوفُ عليها وبيانُها.
وذلكَ أنَّ المهاجرينَ لمَّا كانوا قدْ تعرَّضُوا للفقرِ بتركِ أموالِهِم وأوطانِهِم، ومِنهم مَنْ خَرجَ لا يملِكُ إلاَّ ثوْبَهُ الذي عليهِ، ولَحِقَهُمْ منْ ذلكَ ما يَلحَقُ الفقيرَ من الهمِّ والغمِّ، وكانوا بعدَ ذلكَ على صِنفَينِ:
الصِّنفُ الأولُ: مَنْ يموتُ أوْ يُقْتَلُ والحالةُ هذهِ؛ فوعدَهُم اللهُ عزَّ وجلَّ أنْ يرزُقَهُم رِزقًا حسنًا أحسنَ من الذي خلَّفُوهُ، ثمَّ بيَّنَ لهم مِنْ أسمائِهِ وصفاتِهِ ما هوَ كفيلٌ بذلكَ، وأنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ هوَ خيرُ الرازقينَ.
وتأمَّلْ كيفَ ذكرَ هذا الاسمَ في سِياقِ جوابِ القَسَمِ تقريرًا لهذا المعنى ومُبالغةً في رَفعِ الهمِّ والغمِّ منْ قلوبِهم ؛ لئَلاَّ يأْسَوْا على ما أُخِذَ منهم في سبيلِ اللهِ عزَّ وجلَّ.
ثمَّ قالَ: {لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (59)} [الحجِّ: 59] عليمٌ بصِدْقِ وعدِهِ، عليمٌ بما يُرْضِي عبادَهُ المؤمنينَ، حليمٌ يتجاوزُ عنْ سَيِّئَاتِهِم وتقصيرِهِم.
والصِّنفُ الآخَرُ: الذينَ يَبْقَوْنَ فيُقاتِلُونَ الكُفَّارَ منْ بعدِما أصابَهُم البغيُ والظلمُ؛ فقالَ تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60)} [الحجِّ: 60].
فتكَفَّلَ اللهُ بنَصْرِهِمْ وتمكِينِهِم وجَعْلِ العاقبةِ لهم في الدُّنْيا والآخرةِ، وأخبَرَهُم بعدْلِهِ وفضْلِهِ، فقالَ: {لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ}، وهذا مُقْتَضَى عدْلِـهِ عزَّ وجلَّ، فينتصِرُ لعبدِهِ المؤمنِ وينتقمُ لهُ ممَّنْ ظلمَهُ، وفي هذا رفعٌ للضررِ الدنيويِّ اللاحقِ بهِ.
وقولُهُ تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60)} فيهِ البِشارَةُ لهُ بالعفوِ والمغفرةِ؛ وهذا منْ فضْلِهِ سُبحانهُ وبحمدِهِ، وذلكَ يَتضمَّنُ إزالةَ الضررِ اللاحقِ بهِ منْ جِهةِ الذنوبِ والمعاصِي.
فرفعَ اللهُ عزَّ وجلَّ عنهُ ما يَضُرُّ بدِينِهِ ودُنياهُ، وجَعَلَ لهُ العاقِبةَ في الدنيا بالنصرِ والتمكينِ، وفي الآخرةِ بالعفوِ والمغفرةِ.
ثمَّ لمَّا كانَ الظلمُ ثقيلاً على نفوسِ المظلومينَ، يسْتَبْطِئُونَ النصرَ والفرَجَ، وقدْ يَعْرِضُ لقلوبِهم من الوساوسِ والخَطَرَاتِ ما يغُمُّهُم بهِ الشيطانُ منْ كَوْنِ هذا الظلمِ مُسْتَحْكِمًا لا يُمْكِنُ ارتفاعُهُ، أوْ أنَّ أسبابَ النصرِ بعيدةٌ عسيرةُ المنالِ؛ لِيُقَنِّطَهُم منْ رحمةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، أرْشَدَهُم اللهُ عزَّ وجلَّ إلى التفكُّرِ في آلائِهِ وأسمائِهِ وآياتِهِ؛ فإنَّ التفكُّرَ فيها يُسَكِّنُ النفسَ، ويُطَمْئِنُ القلبَ، ويُسَلِّي المحزونَ.
فقالَ تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (61)}[الحجِّ: 61] فكما أنَّهُ قادرٌ على تصريفِ الليلِ والنهارِ، فيَذْهَبُ بالنهارِ ويأتِي بالليلِ، ويَذهَبُ بالليلِ ويأتِي بالنهارِ، فهوَ قادرٌ على إزالةِ هذا الظلمِ والانتقامِ من الظالمينَ وإِدَالَةِ عبادِهِ المؤمنينَ عليهِمْ؛ فكما أنَّ الليلَ إذا اشتدَّ ظلامُهُ فهوَ أمارةُ قُرْبِ الفجْرِ، فكذلكَ الظلمُ إذا اشتدَّ فهوَ أمارةُ قُرْبِ الفرَجِ، وإنَّما هيَ آجالٌ مضروبةٌ، وأوقاتٌ محدودةٌ يبتلي اللهُ فيها عبادَهُ؛ فيَرضَى عنِ المؤمنينَ ويَمْحَقُ الكافرينَ.
ثمَّ ذكرَ لهم أمرًا آخرَ يُطَمْئِنُ قلوبَهُم بهِ، فقالَ: {وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (61)} يسمَعُ ويُبْصِرُ ما يقعُ من الظلمِ، وهذا يستلزِمُ عنايتَهُ عزَّ وجلَّ بعبادِهِ، وأنَّهُ لا يُقِرُّ الظلمَ عليهم، وأنَّ هذا الإمهالَ إنَّما هوَ لحِكَمٍ يعلَمُها اللهُ عزَّ وجلَّ، وأنَّهُ لا يُهْمِلُ عبادَهُ ولا يخْذُلُهُم ولا يتْرُكُهُم عُرْضَةً لأعدائِهِ.
ثمَّ قالَ تعالى مُقَرِّرًا هذا المعنَى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (62)} [الحجِّ: 62].
فبيَّنَ لعبادِهِ المؤمنينَ أمرًا آخَرَ يُطَمْئِنُ قُلوبَهُم، وهوَ أنَّهم يَعبُدونَ اللهَ عزَّ وجلَّ ((الحقَّ)) الذي لا أحدَ أَحقُّ بالعبادةِ منهُ، بلْ لا يَستحِقُّ العبادةَ أحدٌ سِوَاهُ، وأنَّ الظالمينَ المشركينَ إنَّما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الباطلَ؛ والإلهُ الحقُّ لا بُدَّ أنْ يغلِبَ الآلهةَ الباطلةَ ويَنْصُرَ أتباعَهُ على أتباعِها.
فكونُهُ الحقَّ يَقتضِي عَدمَ إقرارِ الباطلِ والظلمِ وهَضْمِ الحقِّ، بلْ لا بدَّ أنْ يَنصُرَ الحقَّ ويُعْلِيَهُ على الباطلِ.
ثمَّ ذكرَ مِنْ أسمائِهِ ما يَقتضِي نُصْـرَةَ أوليائِهِ وتمكِينَهُم ورَفْعَ الظُّـلمِ عنهُمْ، وهوَ أنَّهُ سبحـانَهُ ((العليُّ الكبيرُ))، فهوَ العليُّ بذاتِهِ وأسمائِهِ وصفاتِهِ، ودينُهُ هوَ أعلى الأديانِ، وعبادُهُ المؤمنونَ هم الأعْلَوْنَ، ومَنْ سِوَاهُم فهم الأذلُّونَ الأرْذَلُونَ، ولا يُمْكِنُ أنْ يَغلِبَ الأذلُّ الأعلَى.
وكذلكَ كونُهُ ((الكبيرَ)) أكبرُ منْ كلِّ شيءٍ بذاتِهِ وصفاتِهِ؛ وهذهِ الصفةُ تستلزمُ صفاتٍ عظيمةً جليلةً كالقُوَّةِ والقدرةِ والقَهرِ والجبَروتِ وشدَّةِ البطْشِ، وغيرِها من الصفاتِ التي تَقَرُّ بها عيونُ أوليائِهِ بأنَّ ربَّهُم الذي يعبدونَهُ ـ وهذهِ صفاتُهُ ـ لا يمكنُ أنْ يخْذُلَهُم، ولا يَعْجَزُ عنْ نُصْرَتِهِم.
فكونُهُ العليَّ يقتضي عدمَ خِذْلانِهِم.
وكونُهُ الكبيرَ يقتضي عدمَ عَجْزِهِ عنْ نُصْرَتِهم.
ثمَّ لمَّا كانت النفسُ البشريَّةُ مجبولةً على الاستعجالِ، وكأنَّ قائلاً قالَ: ما دامَ الأمرُ كذلكَ فَلِمَ لا يُعَجِّلُ النصرَ؟!، قالَ اللهُ عزَّ وجلَّ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (63)} [الحجِّ: 63]، فوجَّهَ أنظارَهُم إلى التفَكُّرِ في آيَةٍ منْ آياتِهِ المُشَاهَدَةِ ليَسْتَدِلُّوا بها على حِكمتِهِ تعالى فيما غابَ عنهم علمُهُ، وذلكَ أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ قادرٌ على أنْ يُنْبِتَ النباتَ بغيرِ ماءٍ أصلاً، ولكِنَّهُ لطيفٌ خبيرٌ يُوصِلُ الخيرَ إلى عبادِهِ بأسبابٍ خَفِيَّةٍ وجليَّةٍ على ما تقتضيهِ حِكمتُهُ ورحمتُهُ؛ فكما أنَّهُ يُنْزِلُ الماءَ من السحابِ وهوَ سببٌ مُشَاهَدٌ، ثمَّ يأخذُ الماءُ دَوْرَتَهُ معَ بُذورِ النباتِ تحتَ الأرضِ الصالحةِ للنباتِ وهوَ سببٌ خفِيٌّ، ثمَّ ما تَلْبَثُ الأرضُ أنْ تَخْضَرَّ ويَعُمَّها الربيعُ فيَستبشرُ بهِ أهلُ الأرضِ ويُسَرُّونَ مِنْ بعدِ ما كادُوا يُبْلِسونَ منْ شدَّةِ الجدْبِ والإمحالِ؛ فكذلكَ ما أنزلَ اللهُ إلى عبادِهِ منْ أوامرِهِ وأوْحَى إليهم منْ كلامِهِ هوَ كالغيثِ إذا خالطَ القلوبَ المستقيمةَ أخذَ دَوْرَتَهُ معَ بَذْرةِ الفطرةِ السليمةِ، فأينعَتْ ثمارُهُ، ورَبَعَتْ أقطارُهُ، وانجلَتْ عنهُ القسوَةُ، وعمَّتْهُ الصحوَةُ، فانطَلَقَت التباشيرُ بطُلوعِ الفجرِ وإدبارِ الليْلِ، وانقِشاعِ سَحابةِ الظلامِ الدامسِ.
وفي هذا إشارةٌ إلى أنَّ المسلمينَ إنَّما يُنْصَرُونَ بتمَسُّكِهِم بما أُوحِيَ إليهم واستِقَامَتِهِمْ على طاعةِ ربِّهِم، فلا تَلْبَثُ الآثارُ والنتائجُ حتَّى تَبْدُوَ ظاهرةً جليَّةً بإذنِ اللطيفِ الخبيرِ، فعليهمْ الاِشتغالُ بإصلاحِ قلوبِهم وأعمَالِهِم، واتِّباع هَدْيِ ربِّهم، وتَرْكِ الاستعجالِ، والحذَرِ من اليأسِ والقنوطِ؛ ولا يزَالونَ كذلكَ حتى يأتيَ نصرُ اللهِ.
وهكذا بَقِيَّةُ الآياتِ.
فانظُرْ إلى عَظمةِ هذا الكتابِ العزيزِ كيفَ يُجَلِّي الحَزَنَ، ويُذْهِبُ الهمَّ والغمَّ عنْ قلوبِ أولياءِ اللهِ المؤمنينَ الذينَ يتلونَهُ حقَّ تلاوتِهِ.
* * *
إنَّ الإيمانَ بأسماءِ اللهِ الحُسْنَى وصِفاتِهِ العُلَى لَيَهْدِي المُؤْمِنَ إلى عبادةِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ كأنَّهُ يَرَاهُ، وهذه هي مَرْتَبَةُ الإحسانِ العظيمةِ التي هي أَعْلَى مَراتبِ الدِّينِ -نَسْأَلُ اللهَ عزَّ وجَلَّ بُلوغَها والثَّباتَ عَلَيْهَا حتَّى المماتِ-؛ فيَجْتَهِدُ العَبْدُ في التَّقَرُّبِ إلى ربِّهِ جَلَّ وعَلا بمَا يُحِبُّ، واجتنابِ مَا يَكْرَهُهُ ويُبْغِضُهُ، حتَّى يُحِبَّ ما يُحِبُّهُ اللهُ، ويُبْغِضَ مَا يُبْغِضُهُ اللهُ، ويُعَظِّمَ مَا يُعَظِّمُهُ اللهُ، ويُحَقِّرَ ما يُحَقِّرُهُ اللهُ، فيَكُونَ مِنْ أَولِيَاءِ اللهِ المُخْبِتينَ الَّذِينَ يُحِبُّهُم ويُحِبُّونَهُ، ويَقْذِفُ اللهُ في قَلْبِه نُورًا عظيمًا، وفُرقانًا مُبينًا، ويَجِدُ مِن حَلاوةِ الإيمانِ وبَرْدِ اليَقينِ وطُمَأْنِينةِ القلبِ وانشِراحِ الصَّدرِ والحياةِ الطيبةِ ما يُعتبرُ بحقٍّ أَعْظَمَ نَعِيمٍ يُمْكِنُ أنْ يَنالَهُ أَحَدٌ في هذه الحياةِ الدُّنْيَا.
والأمرُ ـ واللهِ ـ أجَلُّ ممَّا ذَكرْتُ، وأعظَمُ ممَّا وَصفْتُ، وحاجةُ الناسِ إلى معرفَتِهِ والعملِ بهِ ماسَّةٌ، وصِلَتُهُ بأبوابِ الدينِ معلومةٌ بالضرورةِ.
وكانَ منْ توفيقِ اللهِ عزَّ وجلَّ أنِّي كُنْتُ أتَصَفَّحُ الكتابَ المُبَاركَ الذي صنَّفَهُ فضيلةُ الشيْخِ/ بكرِ بنِ عبدِ اللهِ أبو زيدٍ حَفِظَهُ اللهُ في تقريبِ علومِ ابنِ القيِّمِ رحمهُ اللهُ تعالى؛ ذلكَ الإمامُ الجليلُ الذي اشتُهِرَ بسَعَةِ علمِهِ، وصِحَّةِ منهجِهِ، وجَودةِ تآليفِهِ، وحُسْنِ أُسْلُوبِهِ، وكانَ كثيرًا ما يَرْبِطُ مسائلَ العلمِ والعملِ بالإيمانِ باللهِ عزَّ وجلَّ وأسمائِهِ وصفاتِهِ، وهوَ في المكانةِ والشهرةِ عندَ العامَّةِ والخاصَّةِ بمنزلةٍ تُغْنِي عن التعريفِ بهِ.
وكانَ منْ جُمْلَةِ ما تصفَّحْتُهُ ما جمَعَهُ فضيلةُ الشيخِ من الإشاراتِ إلى مباحِثَ تتعَلَّقُ بشرحِ أسماءِ اللهِ الحسنى منْ كُتُبِ ابنِ القيِّمِ رحمهُ اللهُ.
وكأنَّ الشيخَ حفِظهُ اللهُ آنَسَ أنَّ الأمرَ يحتاجُ إلى مَزيدِ بحثٍ، فقالَ (ص 81): (لابنِ القَيِّمِ رحمهُ اللهُ تعالى في هذا المبحَثِ العظيمِ مَباحِثُ مَنثُورةٌ في كُتُبِهِ، فيها منْ إبداءِ كُنوزِ العلمِ، ولطائفِ الأسرارِ، ما يفتَحُ للمسلمِ بابَيِ العلمِ واليقينِ؛ فها أنا ذا أجمَعُ لكَ مَظَانَّها في مكانٍ واحدٍ لعلَّ اللهَ سبحانهُ أنْ يُهَيِّئَ مَنْ يُفْرِدُهَا بكتابٍ مُستقِلٍّ دونَ أيِّ تعليقٍ أوْ تحشيَةٍ). اهـ.
فوافق كلامُهُ رغبةً كامِنةً في النَّفس، فاستَخَرْتُ اللهَ عزَّ وجلَّ واستَعَنْتُهُ ـ ونِعْمَ المُعِينُ ـ على جَمْعِ هذا البَحثِ وإعدَادِهِ.
فقُمْتُ باستقراءِ مَا وَقَفْتُ عليهِ منْ كُتُبِ ابنِ القيِّمِ رحمهُ اللهُ تعالى، وكنتُ إذا ما مَرَرْتُ بكلامٍ يتعَلَّقُ بالأسماءِ الحُسنى أشَرْتُ إلى موضعِهِ في آخرِ ذلكَ الكتابِ، حتَّى اجتمَعَ لي قدرٌ كبيرٌ والحمدُ للهِ تعالى.
ثمَّ قُمْتُ بتصنِيفِهِ على قسمَيْنِ:
القسمُ الأوَّلُ: يتعَلَّقُ بكلامٍ عامٍّ عن الأسماءِ الحسنَى.
والقسمُ الثانِي: يتعَلَّقُ بشرحٍ خاصٍّ لكلِّ اسمٍ من الأسماءِ الحسنى؛ إمَّا تصريحًا بأنْ يذكرَ الشيخُ ذلكَ الاسمَ، ثمَّ يأخذَ في شرْحِهِ، وإمَّا أنْ أُدْرِكَ مِنْ معنى كلامِهِ أنَّ هذا الكلامَ يُنَاسِبُ شرحَ اسمٍ من الأسماءِ الحسنَى، كالكلامِ في الحمدِ وسَعَتِهِ وشُمُولِهِ وبيانِ طُرُقِ حمدِ اللهِ عزَّ وجلَّ، كلُّ ذلكَ يُنَاسِبُ شرحَ اسمِ ((الحميدِ))، وهكذا بَقِيَّةُ الأسماءِ.
ثمَّ قُمْتُ بتصنيفِ القسمِ الأوَّلِ حَسَبَ ما تيَسَّرَ لي جمعُهُ إلى سبعةٍ وعشرينَ بابًا. وهذا بيانُها:
البابُ الأوَّلُ: في بيانِ أنَّ أفضلَ العلمِ: العلمُ بأسماءِ اللهِ الحسنى وصفاتِهِ العُلْيَا.
البابُ الثانِي: في بيانِ ما يُفْضِي إليهِ العلمُ بأسماءِ اللهِ الحسنى وصفاتِهِ العُلْيَا من المراتبِ العاليَةِ والمعارفِ الجليلَةِ.
البابُ الثالِثُ: في بيانِ أنَّ التفَكُّرَ في آياتِ اللهِ عزَّ وجلَّ دليلٌ إلى معرفةِ اللهِ بأسمائِهِ وصفاتِهِ.
البابُ الرابِعُ: في ذكرِ بعضِ ما تضمَّنَتْهُ سورةُ الفاتحةِ من المعارفِ الجليلةِ في بابِ الأسماءِ والصفاتِ.
البابُ الخامِسُ: في بيانِ دَلالةِ قولِ اللهِ تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} على ثبوتِ صفاتِ الكمالِ للهِ عزَّ وجلَّ.
البابُ السادِسُ: في بيانِ دَلالةِ قولِ اللَّهِ تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} على تفرُّدِ اللهِ عزَّ وجلَّ بصفاتِ الكمالِ.
البابُ السابِعُ: في بيانِ ما تضمَّنَهُ حديثُ: ((اللهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ ابْنُ عَبْدِكَ...)) منْ فوائدَ جليلةٍ ولطائفَ بديعةٍ في بابِ الأسماءِ والصفاتِ.
البابُ الثامِنُ: فيما دلَّ عليهِ قولُـهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ... )) من الفوائدِ الجليلةِ في بابِ الأسماءِ والصفاتِ.
البابُ التاسِعُ: في بيانِ دَلالةِ الشريعةِ المُحْكَمَةِ على أسماءِ اللهِ الحسنى وصفاتهِ العُلَى.
البابُ العاشِرُ: في بيانِ دلالةِ العقلِ على ثبوتِ الأسماءِ والصفاتِ.
البابُ الحاديَ عشَرَ: في بيانِ أنَّ أسماءَ اللهِ الحسنى وصفاتِهِ العُلَى تقتضي كمالَ الربِّ جلَّ جلالُهُ، وتستلزِمُ توحيدَهُ وتفَرُّدَهُ بها.
البابُ الثانيَ عشَرَ: في بيانِ دَلالةِ أسماءِ اللهِ الحسنى وصفاتِهِ العُلَى وكمالِهِ المُقَدَّسِ على معنى شهادةِ: أنْ لا إلهَ إلاَّ اللهُ، وأنَّ مُحَمَّدًا رسولُ اللهِ.
البابُ الثالثَ عشَرَ: في بيانِ أنَّ أسماءَ اللهِ الحسنى وصفاتِهِ العُلَى تقْتَضِي تنزيهَهُ سُبحانهُ وتعالى عن الشرورِ والنقائصِ والعيوبِ.
البابُ الرابعَ عشَرَ: في بيانِ أنَّ أسماءَ اللهِ الحسنى وصفاتِهِ العُلَى منْ مُوجِبَاتِ حَمْدِهِ ومُقْتَضِياتِ محبَّتِهِ.
البابُ الخامسَ عشَرَ: في بيانِ أضرارِ ومساوئِ الجهلِ باللهِ تعالى وأسمائِهِ الحسنى وصفاتِهِ العُلَى.
البابُ السادسَ عشَرَ: في بيانِ بعضِ ما يقتضيهِ العلمُ بأسماءِ اللهِ الحسنى وصفاتِهِ العُلَى منْ أنواعِ العبودِيَّةِ للهِ تعالى.
البابُ السابعَ عشَرَ: في بيانِ بعضِ ما تضمَّنَتْهُ فريضةُ الصلاةِ منْ لطَائفِ التعَبُّدِ للهِ تعالى بأسمائِهِ الحسنى وصفاتِهِ العُلَى.
البابُ الثامنَ عشَرَ: في بيانِ ما تضَمَّنَهُ خَتْمُ الآياتِ بالأسماءِ والصفاتِ من الفوائدِ الجليلةِ واللطائفِ البديعةِ.
البابُ التاسعَ عشَرَ: في بيانِ ما تضَمَّنَهُ العطفُ بينَ الأسماءِ الحسنى وتَرْكُهُ من اللطائفِ والأسرارِ.
البابُ العشرونَ: في بيانِ بعضِ ما تضَمَّنَهُ اقترانُ بعضِ الأسماءِ الحسنى ببعضٍ من اللطائفِ العجيبةِ والفوائدِ البديعَةِ.
البابُ الحادي والعشرونَ: في ذكرِ قواعدَ مُهِمَّةٍ في بابِ الأسماءِ والصفاتِ.
البابُ الثاني والعشرونَ: في بيانِ معنى كلمةِ (الذَّاتِ).
البابُ الثالثُ والعشرونَ: في بيانِ مسألةِ الاسمِ والمُسَمَّى.
البابُ الرابعُ والعشرونَ: في بيانِ الاشتراكِ والاختصاصِ في بعضِ ما يُطْلَقُ على الرَّبِّ جلَّ وعَلا وعلى العبدِ من الألفاظِ.
البابُ الخامسُ والعشرونَ: في بيانِ معنى الإلحادِ في أسماءِ اللهِ الحسنَى.
البابُ السادسُ والعشرونَ: في بيانِ أنَّ أسماءَ اللهِ الحسنى وصفاتِهِ العُلَى تستلزمُ آثارَها.
البابُ السابعُ والعشرونَ: في بيانِ دَلالةِ أسماءِ اللهِ الحسنى وصفاتِهِ العُلَى على خلقِ أفعالِ العبادِ، وأنَّ الطاعاتِ والمعاصيَ كُلَّها بتقديرِ اللهِ تعالى.
فهذا هوَ القِسْمُ الأوَّلُ، وأمَّا ما اجتمعَ لي منْ كلامِهِ رحمهُ اللهُ في القِسمِ الثاني فَمُتَفَاوِتٌ تفَاوُتًا كبيرًا منْ حيثُ القدرُ والأسلوبُ، فبعْضُهُ مبسوطٌ مُطَوَّلٌ قدْ يَزِيدُ على عشْرِ صَفَحاتٍ في بعضِ الأسماءِ، وبعْضُهُ مُتَوَسِّطٌ، وبعْضُهُ مُخْتَصَرٌ لا يزيدُ على سطرٍ أوْ سطريْنِ أوْ بيتٍ أوْ بيتَيْنِ من القصيدةِ النونيَّةِ، فكانَ أمامِي ثلاثُ خياراتٍ لتنسيقِ هذهِ النصوصِ:
- الخِيارُ الأوَّلُ: أنْ أجْعَلَها في بابٍ واحِدٍ؛ فأذكُرَ الشروحَ المُطَوَّلَةَ، ثُمَّ أُتْبِعَها بالشُّروحِ المختصَرَةِ. وعيبُ هذا الخِيارِ أنَّهُ يُخِلُّ بالترتيبِ المُسْتَحْسَنِ في شرحِ الأسماءِ الحسنَى، وهوَ أنْ تكونَ الأسماءُ المُتَعَلِّقَةُ بالأُلُوهِيَّةِ والرُّبُوبِيَّةِ وسَعَةِ المُلْكِ متواليَةً، وأسماءُ الرحمةِ والجمالِ والإحسانِ متواليَةً، وأسماءُ العظمةِ والجلالِ متواليَةً، وهكذا بَقِيَّةُ الأسماءِ الحسنَى.
فصَرَفْتُ النظرَ عنْ هذا الخِيارِ، والْتَفَتُّ إلى الخِيارِ الثانِي: وهوَ أنْ نُرَاعِيَ الترتيبَ المذكورَ معَ كونِ شروحِ الأسماءِ كُلِّها في بابٍ واحدٍ؛ إلاَّ أنَّ ظهورَ التفاوتِ في مقدارِ شروحِ الأسماءِ الحسنى حَالَ دونَ اختيارِ هذا الخِيارِ، ذلكَ أنَّهُ منْ غيرِ المناسبِ أنْ أذْكُرَ شرحًا مُطَوَّلاً لاسمٍ من الأسماءِ الحسنى قدْ يَستغرِقُ بضعَ عَشْرةَ صفحَةً، ثمَّ أُتْبِعَهُ بنصفِ سطرٍ في شرحِ اسمٍ غيرِهِ من الأسماءِ الحسنى، ثُمَّ أُعْقِبَهُ بشرحٍ مُطَوَّلٍ لاسْمٍ ثالثٍ.
- فالْتَمَسْتُ خِيارًا ثالثًا: أَخْلُصُ بهِ منْ هاتيْنِ المَنْقَصَتَيْنِ ؛ يُرَاعَى فيهِ الترتيبُ المذكورُ، وتَتَنَاسَبُ شروحُهُ فلا تَتفاوَتُ؛ فوَجَدْتُ أنَّهُ من المناسبِ أنْ أجعَلَ للشروحِ المُطَوَّلَةِ بابًا مستقِلاً، وأُعَنْوِنَ لهُ بما يدلُّ على بسْطِهِ ويُهَيِّئُ النفسَ للاسترسالِ فيهِ، ويكونُ منهجُ ابنِ القيِّمِ فيهِ متقاربًا، ذلكَ أنَّ غالِبَ هذهِ الشروحِ يترَكَّزُ على نقاطٍ مُهِمَّةٍ:
• أوَّلُها: بيانُ معنى الاسمِ في اللغَةِ.
• والثانيَةُ: بيانُ سَعَةِ معنى الاسمِ وعظمَتِهِ باعتبارِ إضافَتِهِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ.
• والثالثَةُ: بيانُ آثارِ الاسمِ في الخلقِ والأمْرِ؛ والآثارُ بحرٌ لا ساحلَ لَهُ.
• والرابعَةُ: بيانُ لوازمِ هذا الاسمِ منْ بَقِيَّةِ الأسماءِ الحسنَى.
فإذا قرأَ طالبُ العلمِ هذا البابَ وفَهِمَهُ كما ينبغي حَصَلَتْ لهُ مَلَكَةٌ ودُرْبَةٌ في معرفةِ سَعَةِ معاني أسماءِ اللهِ عزَّ وجلَّ وعظيمِ آثارِها وتَعَلُّقِها بالخلقِ والأمْرِ؛ فإذا ما تَأَمَّلَ اسمًا من الأسماءِ الحسنى التي لمْ تُذْكَرْ في هذا البابِ، واتَّبَعَ هذا المنهجَ الجليلَ في شرحِ أسماءِ اللهِ الحسنى تَبَيَّنَ لهُ بفضلِ اللهِ عزَّ وجلَّ من العلومِ والفوائدِ البديعةِ والمعاني الجليلةِ ما لمْ يكُنْ يخْطُرُ لهُ على بالٍ.
والمقصودُ أنْ يكونَ هذا البابُ على مَنْهَجِيَّةٍ واحدةٍ وأسلوبٍ مُتَقَارِبٍ؛ فإنَّ ذلكَ أدْعَى لحُسْنِ الفَهمِ ورُسُوخِهِ، فلذلكَ عَقَدْتُ البابَ الثامنَ والعشرينَ، وهُوَ: في بيانِ ما تضَمَّنَتْهُ بعضُ الأسماءِ الحسنى من المعاني الجليلَةِ، واللطائفِ والأسرارِ البديعَةِ.
وأمَّا البابُ الذي يليهِ، وهوَ البابُ التاسعُ والعشرونَ: في ذِكْرِ شرحٍ مُخْتَصَرٍ لبعضِ الأسماءِ الحسنَى؛ فالمقصودُ منهُ الاختصارُ والاقتصارُ في شروحِ الأسماءِ الحسنى على كلماتٍ يسيرةٍ يسهُلُ حِفْظُهَا واسْتِذْكَارُهَا.
ولمَّا كانَ الاقتصارُ على الشُّرُوحِ المختصرةِ التي لمْ تُذْكَرْ في البابِ السابقِ - وهيَ شروحُ خمسةٍ وعشرينَ اسمًا فقطْ - لا يُنْتِجُ وَحْدَةً موضُوعِيَّةً حَرَصْتُ على إتمامِ الفائدةِ فقُمْتُ بانتزاعِ شروحٍ مختصرةٍ من الشروحِ المُطَوَّلَةِ المذكورةِ في البابِ السابقِ تكونُ كالتلخيصِ لها بحيثُ تتوافقُ معَ الشروحِ المختصرَةِ، ويَنْتُجُ من المجموعِ شرحٌ مختصرٌ لأكثرَ منْ سبعينَ اسمًا من الأسماءِ الحسنى هيَ حصيلةُ ما جمَعْنَاهُ منْ كتُبِ ابنِ القيِّمِ رحمهُ اللهُ تعالى.
أمَّا إذا اعْتُبِرَت الأسماءُ المُتَقارِبَةُ كالعَلِيِّ والأَعْلَى والمُتَعَالِي، وكالقديرِ والقادرِ والمقتدِرِ، ونحْوِها معَ مراعاةِ الفَرْقِ في الصيغةِ وتأثيرِهِ على المعْنَى، فيكونُ في هذا الكتابِ شرحٌ لأكثرَ منْ خمسةٍ وثمانينَ اسمًا من الأسماءِ الحسنَى.
ثمَّ ختَمْتُ الكتابَ بمُلْحَقٍ يتعَلَّقُ بأبْياتٍ مُختارَةٍ من القصيدةِ النُّونيَّةِ , وثيقةِ الصلةِ بالبحثِ لا ينبغي إغفالُها، وعقَدْتُ لها البابَ الثلاثينَ، وهُوَ: في بيانِ أنَّ أقسامَ التوحيدِ الذي بعثَ اللهُ بهِ المرسَلينَ ترجِعُ إلى معاني أسماءِ اللهِ الحسنى، وقصَدْتُ بذلكَ أنْ يُمْعِنَ القارئُ النظرَ في هذا البابِ حتَّى يَصِلَ إلى هذهِ النتيجَةِ.
ولمَّا كانَ الجمعُ والتصنيفُ لا بُدَّ لهُ منْ تنسيقٍ حتَّى يبْدُوَ الكلامُ مُتَّسِقًا مُتَآلِفًا وَضَعْتُ أحْرُفًا - ورُبَّمَا كَلِماتٍ - تَرْبِطُ بينَ النصوصِ المنْقُولَةِ؛ وحتَّى لا يختلِطَ هذا بكلامِ ابنِ القيِّمِ رحمهُ اللهُ تعالى وضَعْتُهُ بينَ قوسَيْنِ ؛ معكوفَيْنِ [ ]، وجعَلْتُ كلامَ ابنِ القيِّمِ بينَ هلالَيْنِ ( )، وأشَرْتُ في نهايَتِهِ إلى موضعِ هذا الكلامِ منْ كُتُبِهِ باسمِ الكتابِ ورَقْمِ الصفحةِ لِمَنْ أرادَ الرجوعَ إليْهِ. ولمَّا كانَ سِياقُ الكلامِ يضْطَرُّنِي إلى حذفِ بعضِ الكلماتِ أوْ أَرَى حذْفَها لعدمِ تعلُّقِها بالبحثِ أشَرْتُ إلى موضعِ الحذفِ بثلاثِ نُقَطٍ ( … ) وهوَ يشمَلُ حذفَ حرفٍ فصَاعِدًا.
وإذا أَدْرَجْتُ كلامًا لابنِ القَيِّمِ في كلامٍ لهُ في كتابٍ آخرَ جَعَلْتُ النَّصَّ المُدْرَجَ بينَ أربعةِ أهِلَّةٍ هكذا (( ))، وأَشَرْتُ إلى موضعِ النصِّ المُدْرَجِ في كُتُبِهِ.
وقدْ أُشِيرُ إلى الأخطاءِ المطبَعِيَّةِ في الكتبِ التي نَقَلْتُ منها إذا رَأَيْتُ الأمرَ يسْتَدْعِي ذلِكَ.
ثمَّ إنِّي حَرَصْتُ على أنْ لا أَحْذِفَ من المادَّةِ العلمِيَّةِ المُودَعَةِ في البحثِ شيئًا ولوْ تكَرَّرَتْ؛ لأنَّ هذهِ النصوصَ يُوَضِّحُ بعْضُها بعْضًا، ورُبَّما فَهِمَ القارئُ منْ كلامِ ابنِ القَيِّمِ في موضعٍ ما لمْ يفْهَمْهُ في موضعٍ آخَرَ، ورُبَّما كانَ القارئُ باحثًا في مسألةٍ مُعيَّنَةٍ فَتَعْنيهِ كثرَةُ النقولِ، لا سِيَّما وهذهِ المواضيعُ المُهِمَّةُ يُرَسِّخُها في الذهنِ تَكْرَارُها وعَرْضُها بعِدَّةِ أساليبَ.
ولمَّا كانَ في النصوصِ المنقولةِ منْ كتبِ ابنِ القيِّمِ رحمهُ اللهُ تعالى ما ذَكَرْتُ من التفاوتِ اتَّبَعْتُ في تنسيقِها طريقةَ الأصلِ والحواشِي؛ وذلكَ لاعتبارَاتٍ:
الاعتبارُ الأوَّلُ: كثرةُ التَّكرارِ في النصوصِ المنقولةِ منْ كُتُبِ ابنِ القَيِّمِ رحمهُ اللهُ تعالى، فبعدَ أنْ صَنَّفْتُ النصوصَ على الأبوابِ والمسائلِ وجَدْتُ فيها تَكرارًا كثيرًا، على اختلافِ درَجاتِ التَّكرارِ:
فبعْضُها يكونُ تَكرارًا بنفسِ الألفاظِ.
وبعْضُها يكونُ التَّكرارُ فيها للمَعنَى على اختلافٍ يسيرٍ في الألفاظِ.
وبعْضُها يكونُ فيها تَكرارٌ ظاهرٌ معَ زيادةِ بعْضِها على بعضٍ في المعاني والألفاظِ.
فحَرَصْتُ على اختيارِ أجمعِ هذهِ النصوصِ ليكونَ في الأصْلِ، ثمَّ زِدْتُهُ بإدراجِ ما يُمْكِنُ إدْرَاجُهُ فيهِ من النصوصِ الأُخْرَى.
وما تبَقَّى من النصوصِ رَأَيْتُ أنَّهُ من التَّفْرِيطِ أنْ يُلْغَى ويُهْمَلَ فَجَعَلْتُهُ في الحاشيَةِ لمَنْ أرادَ الاستزادَةَ، ومَن اكتفى بالأصلِ فإنَّهُ لا يَحْتَاجُهُ.
الاعتبارُ الثانِي: تنَوُّعُ تلكَ النصوصِ في تعلُّقِها بالبابِ المُدْرَجَةِ فيهِ:
فبعْضُها وثيقُ الصلةِ بالبابِ كَقُطْبِ رَحَاهُ.
وبعْضُها لها تَعَلُّقٌ ما بالبابِ.
وبعْضُها يجرِي مَجْرَى التعليقِ والبيانِ لبعضِ النُّكتِ والفوائدِ المُودَعَةِ في البابِ.
فما كانَ منْ هذهِ النصوصِ وثيقَ الصلةِ بالبابِ جَعَلْتُهُ في الأصْلِ، وأمَّا القسمانِ الآخرانِ فما أمْكَنَ منها أنْ يُجْعَلَ في الأصلِ بحيثُ يَتَنَاسَبُ معَ السِّياقِ والسِّباقِ جَعَلْتُهُ في الأصْلِ، وإلاَّ اجْتَهَدْتُ في اختيارِ الموضعِ الذي يَصْلُحُ أنْ يكونَ حاشيَةً لهُ من الأصْلِ.
الاعتبارُ الثالِثُ: اختلافُ أساليبِ الكلامِ لاختلافِ السياقِ:
- فبعضُ النصوصِ منْ كلامِ ابنِ القيِّمِ رحمهُ اللهُ تعالى يكونُ في مَقامِ البيانِ والتفصيلِ لغرضِ التعليمِ والإرشادِ.
- وبعضُها يكونُ في مَقامِ الاستطرادِ والاستشهادِ بحيثُ يَعْرِضُ لهُ أثناءَ حديثِهِ عنْ مسألةٍ ما، ولا يكونُ هوَ المقصودَ بالكلامِ.
- وبعْضُها يكونُ في مَقامِ الردِّ على المخالفينَ والتشنيعِ عليهم، وبيانِ بُطْلانِ أقوالِهِم.
فيأتي كلامُهُ أحيانًا طويلاً مُسْتَرْسَلاً فيهِ، وأحيانًا مُقْتَضَبًا مختصرًا، وتارَةً هَيِّنًا ليِّنًا، وتارَةً قاسيًا شديدًا، ويَذْكُرُ أحيانًا بعضَ المعاني فلا يُتِمُّها اكتِفاءً بما عَرَضَ لهُ منها ممَّا يُتِمُّ مقصودَهُ فيما هوَ بصدَدِهِ، وأحيانًا يذْكُرُهُ مُفَصَّلاً مبسوطًا يستكمِلُ أجزاءَهُ ومبانِيَهُ.
فكانَ في دَمجِ هذهِ النصوصِ وتنسيقِها صُعوبةٌ، أمَّا جَمعُها في مَوضِعٍ واحدٍ في الأصلِ فظاهرُ التفاوُتِ، مُشَتِّتٌ للذِّهْنِ، مُشَوِّشٌ على الفكْرِ، وما مَثَلِي؛ إذْ أفعلُ ذلكَ إلاَّ كَمَنْ أرادَ أنْ يجمَعَ قصيدةً مِنْ قَصائدَ مُتَفَرِّقَةٍ في ديوانِ شاعرٍ فجاءَ كلُّ شَطرٍ فيها منْ بحْرٍ.
فرَأَيْتُ أنْ أُدْرِجَ في الأصلِ ما كانَ ألْيَقَ بالمقصودِ من الكتابِ، وأسْتَخْرِجَ من النصوصِ الأخرى ما يمكنُ إدراجُهُ في الأصلِ، وما تبَقَّى جَعَلْتُهُ في أنسبِ موضعٍ لهُ في الحاشيَةِ.
وتظهرُ فائدةُ هذا الأُسلُوبِ جلِيًّا في بابِ القواعدِ؛ حيثُ تُذْكَرُ القاعدةُ في الأصلِ بأسلوبِ البيانِ والتعليمِ؛ لأنَّهُ الأليقُ بها، ويُذْكَرُ في الحاشيَةِ استخدامُ ابنِ القَيِّمِ رحمهُ اللهُ تعالى لهذهِ القاعدةِ في رَدِّهِ على المخالفينَ، وكيفَ ينطلقُ منها ويَبْنِي عليها من الكلامِ العظيمِ والفوائدِ الجليلةِ ما يَشْفِي بهِ النفْسَ، ويُفْحِمُ بهِ الخصْمَ، فيكونُ في هذا دُرْبَةٌ عَمَلِيَّةٌ لطالبِ العلمِ على كيفِيَّةِ الاستفادةِ من القواعِدِ.
الاعتبارُ الرابعُ: مراعاةُ الوَحدةِ الموضُوعيَّةِ وجَوْدَةِ التأليفِ بينَ النصوصِ وحُسْنِ سَبْكِهَا واتِّسَاقِهَا؛ بحيثُ يكونُ المجموعُ من النُّقولِ المُنَسَّقَةِ كأنَّهُ مُؤَلَّفٌ مُسْتَقِلٌّ لابنِ القيِّمِ رحمهُ اللهُ تعالى لا يُشْعِرُ القارئَ بأنَّهُ يَقْرَأُ في كُتُبٍ مُتفرِّقَةٍ؛ فلا يتَشَتَّتُ ذهْنُهُ، ولا يتَشَعَّبُ فكرُهُ.
وهذا مَطلَبٌ مُهِمٌّ ؛ إذْ تَنْبَنِي عليهِ ثمْرةُ الكتابِ وما أُرِيدَ منْهُ، وجَعْلُ جميعِ النصوصِ في الأصلِ مُنْهِكٌ للكتابِ مُذْهِبٌ لتنَاسُقِهِ وتَتَابُعِ أفكارِهِ.
الاعتبارُ الخامِسُ: مراعاةُ تفاوُتِ طَبَقاتِ القُرَّاءِ.
فحَرَصْتُ على أنْ يكونَ الكتابُ ملائمًا لأكبرِ عدَدٍ ممكِنٍ من القُرَّاءِ؛ فَيُلائِمُ عُلَمَاءَنا ومشايخَنَا، ويُلائِمُ طلبةَ العلمِ على اختلافِ درَجاتِهِم، ويُلائِمُ الباحثينَ والمتخصِّصِينَ في هذا العلْمِ، وكذلكَ مُحِبِّو القراءةِ والمثقَّفُونَ، بحيثُ يجِدُ كلٌّ منهم بُغْيَتَهُ منْ هذا الكتابِ ولا يفُوتُهُ شيءٌ ممَّا جَمَعْتُهُ إنْ شاءَ اللهُ تعالى.

* * *
وسَمَّيْتُ الكتابَ بِـ ( المُرْتَبَعِ الأَسْنَى في رِيَاضِ الأَسْمَاءِ الحُسْنَى ).
والمُرْتَبَعُ في اللُّغَةِ: هوَ المكانُ الذي يُقَامُ فيهِ زَمَنَ الربيعِ، يُقَالُ لَهُ: المَرْبَعُ والمُرْتَبَعُ والمُتَرَبَّعُ، قالَ طَرَفَةُ بنُ العَبْدِ:

تَرَبَّعَتِ القُفَّيْن في الشَّوْلِ تَرْتَعِي ... حَدَائِقَ مَوْلِيِّ الأَسِرَّةِ أَغْيَدِ

وقالَ عَنْتَرَةُ العبْسِيُّ:
كيفَ المَزَارُ وقدْ تَرَبَّعَ أهلُها ... بعُنَيْزَتَيْنِ وأهلُنا بالغَيْلَمِ
وقالَ الحَرِيريُّ في مَقاماتِهِ، وهوَ منْ أهلِ العلمِ باللغةِ والأدَبِ:
خلِّ ادِّكارَ الأرْبُعِ ... والمعهَدِ المُرْتَبَعِِ ... والظَّاعِنِ المودِّعِِ ... وعَدِّ عَنْهُ وَدَعِِ
ومأخذُ التشبيهِ أنَّ المُرْتَبِعَ في أماكنِ الربيعِ يتَنَقَّلُ بينَ رياضِها ومُرُوجِها، ويَرَى منْ خُضْرَتِها وزَهرَتِها، ويجدُ منْ رَوْحِها وطِيبِها ما تنشرحُ لهُ نفسُهُ، وتَقَرُّ بهِ عينُهُ.
فكذلكَ الحالُ المرْجُوَّةُ لقارئِ هذا الكتابِ حينَ يتَنَقَّلُ بينَ أبوابِهِ وفُصُولِهِ يجدُ منْ فوائدِهِ ولطائِفِهِ ما ينشرحُ لهُ صدْرُهُ وتقَرُّ بهِ عينُهُ، بلْ لهذا الكتابِ مَزيدُ مَزِيَّةٍ عظيمةٍ, وهيَ سنَاؤُهُ ورِفعَتُهُ لتعَلُّقِهِ بأسماءِ اللهِ الحسنَى.
وقدْ شَرَعْتُ في إعدادِ هذَا الكتابِ في أوائلِ سنةِ 1417هـ وفرغتُ منهُ في شهرِ اللهِ المحرمِ من سنةِ 1419هـ.
وممَّا ينبغي أنْ يعْلَمَهُ قارئُ هذا الكتابِ أنَّ ابنَ القيِّمِ رحمهُ اللهُ تعالى قدْ سأَلَ اللهَ عزَّ وجلَّ أنْ يُعِينَهُ على كتابةِ شرحٍ للأسماءِ الحسنى في غيرِ مَوضِعٍ منْ كُتُبِهِ، وقدْ ذكرَ بَعضُ مَنْ تَرْجَمَ لهُ من العلماءِ أنَّ لهُ كتابًا في شرحِ الأسماءِ الحُسنَى، إلاَّ أنَّي لا أعْلَمُهُ في المطبوعاتِ ولا في المخطوطاتِ، فأَسْأَلُ اللهَ عزَّ وجلَّ بمَنِّهِ وكرَمِهِ إنْ كانَ لهذا الإمامِ كتابٌ في شرحِ أسمَائِهِ الحسنى أنْ يُهَيِّئَ منْ عبادِهِ مَنْ يجِدُهُ ويُخْرِجُهُ حتَّى يَعْظُمَ النفعُ بِهِ، واللهُ على ذلكَ قدِيرٌ، وهوَ أَكْرَمُ مَسْؤُولٍ.
كما نسْأَلُهُ عزَّ وجلَّ أنْ يُبَارِكَ في أوْقَاتِنا وأعْمَالِنا، وأنْ يُوَفِّقَنا لاتِّبَاعِ رِضْوَانِهِ واجتنابِ مَسَاخِطِهِ، وأنْ يُيَسِّرَ لنا العِلمَ النافعَ والعَمَلَ الصالحَ والدَّعوةَ إليهِ على بَصيرةٍ إيمانًا واحتسابًا.
اللَّهُمَّ علِّمْنا ما ينْفَعُنا، وانْفَعْنَا بما علَّمْتَنَا، وزِدْنَا علمًا وهُدًى وصلاحًا، إنَّكَ قريبٌ مُجِيبٌ.
اللَّهُمَّ تقَبَّلْ منَّا إنَّكَ أنتَ السميعُ العليمُ، واغفِرْ لنا وارْحَمْنَا إنَّكَ أنتَ الغفورُ الرحيمُ.
اللَّهُمَّ هَيِّئْ لنا منْ أمْرِنا رَشَدًا، ووفِّقْنا لصالحِ الأقوالِ والأعْمَالِ، والأخلاقِ والأحوالِ، يا حيُّ يا قَيُّومُ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ.
اللَّهُمَّ صلِّ على مُحَمَّدٍ وعلى آلِ مُحَمَّدٍ كما صلَّيْتَ على آلِ إبراهيمَ، وَبَارِكْ على محمَّدٍ وعلى آلِ محمَّدٍ كما بارَكْتَ على آلِ إبراهيمَ في العالمينَ، إنَّكَ حميدٌ مجيدٌ.


وكتبَهُ


عبد العزيز بن داخل المطيري). [المرتبع الأسنى: ؟؟]

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 13 رمضان 1438هـ/7-06-2017م, 10:35 AM
جمهرة علوم العقيدة جمهرة علوم العقيدة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 1,193
افتراضي

قالَ أبو إسحاق إِبراهيمُ بنُ السَّرِيِّ الزجَّاجُ (ت:311هـ): (تفاسير الأسامي التي رويت عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في قوله: ((إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدة)) وقد كان القاضي إسماعيل بن إسحاق رحمه الله طلبها منا فأمليناها عليه ثم نسخت لنا بعد.
قال أبو علي وقرأتها عليه في مجلس واحد.
- حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا صفوان بن صالح الثقفي قال حدثنا الوليد بن مسلم قال حدثنا شعيب بن أبي حمزة قال حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدة إنه وتر يحب الوتر من أحصاها دخل الجنة)).
فأول ما نفسره من ذلك قوله: ((من أحصاها)): اعلم أن العرب تعبر عن كثرة الشيء وسعته بالحصى يقال عنده حصى من الناس أي جماعة.
وقال الشاعر:
ولسنا إذا عد الحصى بأقلة
وقال الكميت:
لكم مسجدا الله المزوران والحصى ... لكم قبصه من بين أثرى وأقترا
ويقال حصيت الحصى إذا عددته وأحصيته إذا ميزته بعضه من بعض.
وقال الشاعر:
ويربي على عد الرمال عديدنا ...ونحصى الحصاة بل تزيد على العد
وإحصاء العد من هذا.
والحصاة العقل أيضا
قال الشاعر:
وإن لسان المرء ما لم تكن له ... حصاة على عوراته لدليل
ويقال أحصيت الشيء إذا أطقته واتسعت له
وقال الله عز اسمه: {علم أن لن تحصوه فتاب عليكم} أراد والله أعلم لن تطيقوه.
وقال الشاعر:
فأقع إنك لا تحصي بني جشم ... ولا تطيق علاهم أية وقفوا
يريد لا تطيق بني جشم.
فيحتمل أن يكون معنى قوله: {من أحصاها} من أكثر عددها حتى صارت حصاته لكثرة عده إياها.
ويجوز أن يكون معناه من أطاقها أي من أطاق تمييزها وتفهمها فحذف المضاف من قوله تعالى: {علم أن لن تحصوه}.....الآية.
ويجوز أن يكون معناه من عقلها وتدبر معانيها من الحصاة التي هي العقل وقد تقدم ذكره.
وقال محمد بن يزيد معناه عندي من عدها من القرآن لأن هذه الأسامي كلها مفرقة في القرآن فكأنه أراد من تتبع جمعها وتأليفها من القرآن وعانى في جمعها منه الكلفة والمشقة دخل الجنة.
قال أبو إسحاق ويجوز أن يكون معنى قوله دخل الجنة الأمن من العذاب وتحصيل الثواب بمنزلة من قد دخل الجنة
). [تفسير أسماء الله الحسنى: ؟؟]

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 13 رمضان 1438هـ/7-06-2017م, 10:37 AM
جمهرة علوم العقيدة جمهرة علوم العقيدة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 1,193
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

قال أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي، وقرأه عليه:

قال أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي (ت: 337هـ) : (
الحمد لله الملك الحق، المبين، ذي القدرة والجلال، والبهاء، والعزة، والعظمة، والسلطان الحكيم القديم، الأحد، الفرد الصمد، العليم، ذي الأسماء الحسنى، والصفات العلا، الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولدًا، خالق الخلق بقدرته، ومصرفه على إرادته ومفنيه عند انقضاء مدته. أحمده على ما أبلى وأنعم وأولى، وأسأله العون على طاعته، والتوفيق لما يحب ويرضى. وصلى الله على سيد المرسلين وأفضل النبيين محمد وآله الطيبين الطاهرين وسلم تسليما.
هذا كتاب أفردته لشرح اشتقاق أسماء الله تعالى عز وجل، وصفاته المذكورة في الأثر، أن من أحصاها دخل الجنة. حسب ما رواها تأهل العلم، واستنبطوها بعد الرواية بشواهد من كتاب الله عز وجل، فاستخرجوها منه لئلا يعارض فيها شك، ولا يختلج في الصدور زيغ في التصديق بها، على مذاهب، [أهل] العربية العلماء باللغة، العارفين بأساليب كلام العرب واشتقاقه وتصاريفه، غير عادل عن مذاهب العرب في ذلك خاصة. وأختم الكتاب بالفرق بين الاسم والنعت. ووجوه النعت في كلام العرب، ومجاري صفات الله عز وجل، وموقعها من ذلك وذكر من قال بالاشتقاق ومن أبى ذلك والرد عليه، وبالله التوفيق فهو حسبنا ونعم الوكيل.
حدثني أبو عبد الله الحسين بن محمد الرازي الفقيه قال: حدثني أبو بكر محمد بن عمير الرازي قال: حدثني أبو الفضل عبد الرحمن بن معاوية العتبي بمصر قال: حدثني حبان بن نافع بن صخر بن جويرية قال: حدثني سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن لله تسعة وتسعين اسمًا مائة إلا واحدًا من أحصاها دخل الجنة».
قال حبان: فحدثني داود بن عمرو بن قنبل المكي قال: سألنا سفيان أن يملي علينا التسعة والتسعين اسمًا التي لله عز وجل من القرآن فوعدنا أن يخرجها لنا، لما أبطأ علينا اتينا أبا زيد فأملى علينا هذه الأسماء، فأتينا سفيان فعرضناها عليه فنظر فيها أربع مرات فقال: هي هذه فقلنا له: اقرأها علينا، فقرأها علينا سفيان: في فاتحة الكتاب: يا الله، يا رب، يا رحمن، يا رحيم، يا ملك، وفي البقرة ستة وعشرون اسمًا: يا محيط يا قدير، يا عليم، يا تواب، يا حكيم، يا بصير، يا واسع، يا بديع، يا سميع، يا كافي، يا رؤوف، يا شاكر، يا إله، يا واحد، يا غفور، يا حليم، يا قابض، يا باسط، يا لا إله إلا هو، يا حي، يا قيوم، يا علي، يا عظيم، يا ولي، يا غني، يا حميد. وفي آل عمران أربعة أسماء: يا قائم، يا وهاب، يا سريع، يا خبير. وفي النساء ستة أسماء: يا رقيب، يا حسيب، يا شهيد، يا عفو، يا مقيت، يا وكيل. وفي الأنعام خمسة أسماء: يا باطن، يا ظاهر، يا قدير، يا لطيف، يا خبير. وفي الأعراف اسمان: يا محيي، يا مميت، وفي الأنفال اسمان: يا نعم المولى، ويا نعم النصير. وفي «هود» سبعة أسماء: يا حفيظ، يا قريب، يا مجيب، يا قوي، يا مجيد، يا ودود، يا فعال. وفي الرعد اسمان: يا كبير، يا متعال. وفي «إبراهيم» اسم: يا منان. وفي «الحجر» اسم: يا خلاق. وفي «النحل» اسم: يا باعث. وفي «مريم» اسمان: يا صادق، يا وارث. وفي «المؤمنون» اسم: يا كريم. وفي «النور» ثلاثة أسماء: يا حق، يا مبين، يا نور. وفي «الفرقان» اسم: يا هادي. وفي «سبأ» اسم: يا فتاح. وفي «المؤمن» أربعة أسماء: يا غافر، يا قابل، يا شديد، يا ذا الطول. وفي «الذاريات» ثلاثة أسماء: يا رزاق، يا ذا القوة، يا متين. وفي «الطور» اسم: يا بار. وفي «اقتربت» اسم: يا مقتدر. وفي «الرحمن» ثلاثة أسماء: يا باقي، يا ذا الجلال، يا ذا الإكرام. وفي «الحديد» ثلاثة أسماء: يا أول، يا آخر، يا باطن. وفي «الحشر» عشرة أسماء: يا قدوس، يا سلام، يا مؤمن، يا مهيمن، يا عزيز، يا جبار، يا متكبر، يا خالق، يا بارئ، يا مصور. وفي «البروج» اسمان: يا مبدئ، يا معيد. وفي «قل هو الله أحد» اسمان: يا أحد، يا صمد). [اشتقاق أسماء الله: 19-21]

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 13 رمضان 1438هـ/7-06-2017م, 10:39 AM
جمهرة علوم العقيدة جمهرة علوم العقيدة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 1,193
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم


قال أبو سليمان حَمْدُ بن محمد بن إبراهيم الخطابي (ت: 388هـ):
الحمد لله المستحمد إلى خلقه بلطيف صنعه، البر بعباده، العاطف عليهم بفضله، موئل المؤمنين ومولاهم، وكهف الآيبين به وملجئهم، الذي أمر بالدعاء، وجعله وسيلة الرجاء، فكل من خلقه يفزع في حاجته إليه، ويعول عند الحوادث والكوارث عليه، سبحانه، من لطيف لم تخف عليه مضمرات القلوب، فيفصح له عنها بنطق بيان، ولم تستتر دونه مضمنات الغيوب، فيعبر له عنها بحركة لسان، لكنه أنطق الألسن بذكره، لتستمر على وله العبودية وتظهر به شواهد أعلام الربوبية، أحمده حمد الشاكرين، وأومن به إثمان العارفين، وأسأله أن يصلي على نبيه محمد، شاهد الصدق لدين الحق، دليل العباد إلى سبيل الرشاد، وعلى آله الطيبين وأصحابه المنتخبين وأن يسلم عليه وعليهم تسليمًا، وبعد:
فإنكم سألتم – إخواني، أكرمكم الله – عن الدعاء، وما معناه؟ وفائدته؟ وما محله في الدين؟ وموضعه من العبادة؟ وما حكمه في باب الاعتقاد؟ وما الذي يجب أن ينوي الداعي بدعائه؟ وما يصح أن يدعا به من الكلام مما لا يصح منه؟ إلى سائر ما يتصل به من علومه وأحكامه، ويستعمل فيه من سننه، وآدابه، وطلبتم إلى ذلك: أن أفسر لكم ما يشكل من ألفاظ الأدعية لمأثورة، - عن النبي صلى الله عليه وسلم التي جمعها إمام أهل الحديث، محمد بن إسحاق بن خزيمة – رحمه الله – ورضي عنه إذ كان أولى ما يدعا به، ويستعمل منه ما صحت به الرواية، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثبت عنه بالأسانيد الصحيحة؛ فإن الغلط يعرض كثيرًا في الأدعية التي يختارها الناس؛ لاختلاف معارفهم، وتباين
مذاهبهم في الاعتقاد، والانتحال.
وباب الدعاء مَطِيَّةٌ مَظِنَّةٌ للخطر، وما تحت قدم الداعي دَحْضٌ؛ فليحذر فيه الزلل، وليسلُكَ منه الجَدَد* الذي يؤمن معه العِثَار، وما التوفيق إلا بالله [عز وجل].
وقد فعلت – أكرمكم الله – من ذلك ما تيسر لي، وبلغه علمي، وتوخيت فيه الإيجاز، والاختصار، نفعنا الله وإياكم بمنه وكرمه). [شأن الدعاء: 1-2]


* الجَدَد: هو الطريق الواضح.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 13 رمضان 1438هـ/7-06-2017م, 10:41 AM
جمهرة علوم العقيدة جمهرة علوم العقيدة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 1,193
افتراضي

تقديم
لسماحة الشيخ
عبد العزيز بن عبد الله بن باز

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فقد أطلعت على المؤلف القيم الذي كتبه صاحب الفضيلة العلامة أخونا الشيخ محمد بن صالح العثيمين، في الأسماء والصفات وسماه: "القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى". وسمعته من أوله إلى آخره، فألفيته كتاباً جليلاً، قد اشتمل على بيان عقيدة السلف الصالح في أسماء الله وصفاته، كما اشتمل على قواعد عظيمة, وفوائد جمة في باب الأسماء والصفات، وأوضح معنى المعية الواردة في كتاب الله - عز وجل - الخاصة والعامة عند أهل السنة والجماعة، وأنها حق على حقيقتها، لا تقتضي امتزاجاً واختلاطاً بالمخلوقين، بل هو - سبحانه - فوق عرشه كما أخبر عن نفسه، وكما يليق بجلاله - سبحانه - وإنما تقتضي علمه واطلاعه وإحاطته بهم، وسماعه لأقوالهم وحركاتهم، وبصره بأحوالهم وضمائرهم، وحفظه وكلاءته لرسله وأوليائه المؤمنين، ونصره لهم، وتوفيقه لهم إلى غير ذلك مما تقتضيه المعية العامة والخاصة من المعاني الجليلة، والحقائق الثابتة لله - سبحانه - كما اشتمل على إنكار قول أهل التعطيل، والتشبيه، والتمثيل، وأهل الحلول والاتحاد، فجزاه الله خيراً، وضاعف مثوبته، وزادنا وإياه علماً وهدىً وتوفيقاً، ونفع بكتابه القراء وسائر المسلمين، إنه ولي ذلك، والقادر عليه.
قاله ممليه الفقير إلى الله تعالى، عبد العزيز بن عبد الله بن باز سامحه الله، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه.

عبد العزيز بن عبد الله بن باز
الرئيس العام
لإدارات البحوث العلمية والإفتاء
والدعوة والإرشاد


قال محمد بن صالح بن محمد العثيمين (ت: 1421هـ) : (المقدمة

الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان، وسلم تسليماً.
وبعد:
فإن الإيمان بأسماء الله وصفاته أحد أركان الإيمان بالله تعالى، وهي الإيمان بوجود الله تعالى، والإيمان بربو بيته، والإيمان بألوهيته، والإيمان بأسمائه وصفاته.
وتوحيد الله به أحد أقسام التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.
فمنزلته في الدين عالية، وأهميته عظيمة، ولا يمكن أحداً أن يعبد الله على الوجه الأكمل حتى يكون على علم بأسماء الله تعالى وصفاته، ليعبده على بصيرة، قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) (الأعراف: 180). وهذا يشمل دعاء المسألة، ودعاء العبادة.
فدعاء المسألة: أن تقدم بين يدي مطلوبك من أسماء الله تعالى ما يكون مناسباً مثل أن تقول: يا غفور اغفر لي. ويا رحيم ارحمني. ويا حفيظ احفظني. ونحو ذلك.
ودعاء العبادة: أن تتعبد لله تعالى بمقتضى هذه الأسماء، فتقوم بالتوبة إليه؛ لأنه التواب، وتذكره بلسانك لأنه السميع، وتتعبد له بجوارحك لأنه البصير، وتخشاه في السر لأنه اللطيف الخبير، وهكذا.
ومن أجل منزلته هذه، ومن أجل كلام الناس فيه بالحق تارة وبالباطل الناشئ عن الجهل أو التعصب تارة أخرى، أحببت أن أكتب فيه ما تيسر من القواعد، راجياً من الله تعالى أن يجعل عملي خالصاً لوجهه، موافقاً لمرضاته، نافعاً لعباده.
وسميته: "القواعد المثلى في صفات الله تعالى وأسمائه الحسنى"). [القواعد المثلى: ؟؟]

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 13 رمضان 1438هـ/7-06-2017م, 10:42 AM
جمهرة علوم العقيدة جمهرة علوم العقيدة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 1,193
افتراضي

قال محمد بن صالح بن محمد العثيمين (ت: 1421هـ) : (الخاتمة

إذا قال قائل قد عرفنا بطلان مذهب أهل التأويل في باب الصفات، ومن المعلوم أن الأشاعرة من أهل التأويل فكيف يكون مذهبهم باطلاً وقد قيل: إنهم يمثلون اليوم خمسة وتسعين بالمائة من المسلمين؟!
وكيف يكون باطلاً وقدوتهم في ذلك أبو الحسن الأشعري؟
وكيف يكون باطلاً وفيهم فلان وفلان من العلماء المعروفين بالنصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم؟
قلنا: الجواب عن السؤال الأول: أننا لا نسلم أن تكون نسبة الأشاعرة بهذا القدر بالنسبة لسائر فرق المسلمين، فإن هذه دعوى تحتاج إلى إثبات عن طريق الإحصاء الدقيق.
ثم لو سلمنا أنهم بهذا القدر أو أكثر فإنه لا يقتضي عصمتهم من الخطأ؛ لأن العصمة في إجماع المسلمين لا في الأكثر.
ثم نقول: إن إجماع المسلمين قديماً ثابت على خلاف ما كان عليه أهل التأويل، فإن السلف الصالح من صدر هذه الأمة "وهم الصحابة" الذين هم خير القرون والتابعون لهم بإحسان وأئمة الهدى من بعدهم كانوا مجمعين على إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله من الأسماء والصفات، وإجراء النصوص على ظاهرها اللائق بالله تعالى من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل.
وهم خير القرون بنص الرسول صلى الله عليه وسلم، وإجماعهم حجة ملزمة؛ [لأنه مقتضى الكتاب والسنة، وقد سبق نقل الإجماع عنهم في القاعدة الرابعة من قواعد نصوص الصفات.
والجواب عن السؤال الثاني: أن أبا الحسن الأشعري وغيره من أئمة المسلمين لا يدعون لأنفسهم العصمة من الخطأ، بل لم ينالوا الإمامة في الدين إلا حين عرفوا قدر أنفسهم ونزلوها منزلتها وكان في قلوبهم من تعظيم الكتاب والسنة ما استحقوا به أن يكونوا أئمة، قال الله تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ)(210). وقال عن إبراهيم: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* شَاكِراً لَأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)(211).
ثم إن هؤلاء المتأخرين الذين ينتسبون إليه لم يقتدوا به الاقتداء الذي ينبغي أن يكونوا عليه، وذلك أن أبا الحسن كان له مراحل ثلاث في العقيدة:
المرحلة الأولى: مرحلة الاعتزال: اعتنق مذهب المعتزلة أربعين عاماً يقرره ويناظر عليه، ثم رجع عنه وصرح بتضليل المعتزلة وبالغ في الرد عليهم(212).
المرحلة الثانية: مرحلة بين الاعتزال المحض والسنة المحضة سلك فيها طريق أبي محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب(213). قال شيخ الإسلام ابن تيميه ص471 من المجلد السادس عشر من مجموع الفتاوى] لابن قاسم: "والأشعري وأمثاله برزخ بين السلف والجهمية أخذوا من هؤلاء كلاماً صحيحاً ومن هؤلاء أصولاً عقلية ظنوها صحيحة وهي فاسدة". أهـ.
المرحلة الثالثة: مرحلة اعتناق مذهب أهل السنة والحديث مقتدياً بالإمام أحمد بن حنبل رحمه الله كما قرره في كتابه: (الإبانة عن أصول الديانة) وهو من آخر كتبه أو آخرها.
قال في مقدمته: (جاءنا - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - بكتاب عزيز، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، جمع فيه علم الأولين، وأكمل به الفرائض والدين، فهو صراط الله المستقيم، وحبله المتين، من تمسك به نجا، ومن خالفه ضل وغوى وفي الجهل تردى، وحث الله في كتابه على التمسك بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. فقال عز وجل: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)(214). إلى أن قال: فأمرهم بطاعة رسوله كما أمرهم بطاعته، ودعاهم إلى التمسك بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم كما أمرهم بالعمل بكتابه، فنبذ كثير ممن غلبت شقوته، واستحوذ عليهم الشيطان، سنن نبي الله صلى الله عليه وسلم وراء ظهورهم، وعدلوا إلى أسلاف لهم قلدوهم بدينهم ودانوا بديانتهم، وأبطلوا سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفضوها وأنكروها وجحدوها افتراءً منهم على الله (قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ).
ثم ذكر - رحمه الله - أصولاً من أصول المبتدعة، وأشار إلى بطلانها ثم قال: "فإن قال قائل: قد أنكرتم قول المعتزلة، والجهمية، والحرورية، والرافضة والمرجئة فعرفونا قولكم الذي به تقولون، وديانتكم التي بها تدينون؟
قيل له: قولنا الذي نقول به وديانتنا التي ندين بها التمسك بكتاب ربنا - عز وجل - وبسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون، وبما كان يقول به أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل - نضر الله وجهه ورفع درجته، وأجزل مثوبته - قائلون، ولمن خالف قوله مجانبون، لأنه الإمام الفاضل والرئيس الكامل" ثم أثنى عليه بما أظهر الله على يده من الحق وذكر ثبوت الصفات، ومسائل في القدر، والشفاعة، وبعض السمعيات، وقرر ذلك بالأدلة النقلية والعقلية.
والمتأخرون الذين ينتسبون إليه أخذوا بالمرحلة الثانية من مراحل عقيدته، والتزموا طريق التأويل في عامة الصفات، ولم يثبتوا إلا الصفات السبع المذكورة في هذا البيت:
حي عليم قدير والكلام له إرادة وكذاك السمع والبصر
على خلاف بينهم وبين أهل السنة في كيفية إثباتها.ولما ذكر شيخ الإسلام ابن تيميه ما قيل في شأن الأشعرية ص359 من المجلد السادس من مجموع الفتاوى لابن قاسم قال:
"ومرادهم الأشعرية الذين ينفون الصفات الخبرية، وأما من قال منهم بكتاب (الإبانة) الذي صنفه الأشعري في آخر عمره ولم يظهر مقالة تناقض ذلك فهذا يعد من أهل السنة. وقال قبل ذلك في ص310: وأما الأشعرية فعكس هؤلاء وقولهم يستلزم التعطيل، وأنه لا داخل العالم ولا خارجه، وكلامه معنى واحد، ومعنى آية الكرسي وآية الدين، والتوراة، والإنجيل واحد، وهذا معلوم الفساد بالضرورة". أهـ.
وقال تلميذه ابن القيم في النونية ص312 من شرح الهراس ط الإمام:
واعلم بأن طريقهم عكس الطريق المستقيم لمن له عينان
إلى أن قال:
فاعجب لعميان البصائر أبصروا كون المقلد صاحب البرهان
ورأوه بالتقليد أولى من سواه بغير ما بصر ولا برهان
وعموا عن الوحيين إذ لم يفهموا معناهما عجباً لذي الحرمان

وقال الشيخ محمد أمين الشنقيطي في تفسيره "أضواء البيان" ص319 جـ2 على تفسير آية استواء الله تعالى على عرشه التي في سورة الأعراف: "اعلم أنه غلط في هذا خلق لا يحصى كثرة من المتأخرين، فزعموا أن الظاهر المتبادر السابق إلى الفهم من معنى الاستواء واليد مثلاً في الآيات القرآنية هو مشابهة صفات الحوادث وقالوا: يجب علينا أن نصرفه عن ظاهره إجماعاً. قال: ولا يخفى على أدنى عاقل أن حقيقة معنى هذا القول أن الله وصف نفسه في كتابه بما ظاهره المتبادر منه السابق إلى الفهم الكفر بالله تعالى والقول فيه بما لا يليق به - جل وعلا-. والنبي صلى الله عليه وسلم الذي قيل له: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ). لم يبين حرفاً واحداً من ذلك مع إجماع من يعتد به من العلماء على أنه صلى الله عليه وسلم لا يجوز في حقه تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه، وأحرى في العقائد لاسيما ما ظاهره المتبادر منه الكفر والضلال المبين حتى جاء هؤلاء الجهلة من المتأخرين فزعموا أن الله أطلق على الظاهر المتبادر كفر وضلال يجب صرف اللفظ، عنه، وكل هذا من تلقاء أنفسهم من غير اعتماد على كتاب أو سنة، سبحانك هذا بهتان عظيم. ولا يخفى أن هذا القول من أكبر الضلال ومن أعظم الافتراء على الله - جل وعلا - ورسوله صلى الله عليه وسلم.
والحق الذي لا يشك فيه أدنى عاقل أن كل وصف وصف الله به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم فالظاهر المتبادر منه السابق إلى فهم من في قلبه شيء من الإيمان هو التنزيه التام عن مشابهة شيء من صفات الحوادث. قال: وهل ينكر عاقل أن السابق إلى الفهم المتبادر لكل عاقل هو منافاة الخالق للمخلوق في ذاته وجميع صفاته؟ والله لا ينكر ذلك إلا مكابر.
والجاهل المفتري الذي يزعم أن ظاهر آيات الصفات لا يليق بالله، لأنه كفر وتشبيه، إنما جر إليه ذلك تنجيس قلبه بقذر التشبيه بين الخالق والمخلوق، فأداة شؤم التشبيه إلى نفي صفات الله - جل وعلا - وعدم الإيمان بها مع أنه - جل وعلا - هو الذي وصف بها نفسه، فكان هذا الجاهل مشبهاً أولاً، ومعطلاً ثانياً، فارتكب ما لا يليق بالله ابتداءً وانتهاءً، ولو كان قلبه عارفاً بالله كما ينبغي، معظماً لله كما ينبغي، طاهراً من أقذار التشبيه لكان المتبادر عنده السابق إلى فهمه أن وصف الله تعالى بالغ من الكمال والجلال ما يقطع أوهام علائق المشابهة بينه وبين صفات المخلوقين، فيكون قلبه مستعداً للإيمان بصفات الكمال والجلال الثابتة لله في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، مع التنزيه التام عن مشابهة صفات الخلق على نحو قوله: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(215). أهـ. كلامه رحمه الله.
والأشعري أبو الحسن - رحمه الله - كان في آخر عمره على مذهب أهل السنة والحديث، وهو إثبات ما أثبته الله تعالى لنفسه في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل. ومذهب الإنسان ما قاله أخيراً إذا صرح بحصر قوله فيه كما هي الحال في أبي الحسن كما يعلم من كلامه في "الإبانة". وعلى هذا فتمام تقليده إتباع ما كان عليه أخيراً وهو التزام مذهب أهل الحديث والسنة؛ لأنه المذهب الصحيح الواجب الإتباع الذي التزم به أبو الحسن نفسه.
والجواب عن السؤال الثالث من وجهين:
الأول: أن الحق لا يوزن بالرجال، وإنما يوزن الرجال بالحق، هذا هو الميزان الصحيح وإن كان لمقام الرجال ومراتبهم أثر في قبول أقوالهم كما نقبل خبر العدل ونتوقف في خبر الفاسق، لكن ليس هذا هو الميزان في كل حال، فإن الإنسان بشر يفوته من كمال العلم وقوة الفهم ما يفوته، فقد يكون الرجل ديناً وذا خلق ولكن يكون ناقص العلم أو ضعيف الفهم، فيفوته من الصواب بقدر ما حصل له من النقص والضعف، أو يكون قد نشأ على طريق معين أو مذهب معين لا يكاد يعرف غيره فيظن أن الصواب منحصر فيه ونحو ذلك.
الثاني: أننا إذا قابلنا الرجال الذين على طريق الأشاعرة بالرجال الذين هم على طريق السلف وجدنا في هذه الطريق من هم أجل وأعظم وأهدى وأقوم من الذين على طريق الأشاعرة، فالأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المتبوعة ليسوا على طريق الأشاعرة.
وإذا ارتقيت إلى من فوقهم من التابعين لم تجدهم على طريق الأشاعرة.
وإذا علوت إلى عصر الصحابة والخلفاء الأربعة الراشدين لم تجد فيهم من حذا حذو الأشاعرة في أسماء الله تعالى وصفاته وغيرهما مما خرج به الأشاعرة عن طريق السلف.
ونحن لا ننكر أن لبعض العلماء المنتسبين إلى الأشعري قدم صدق في الإسلام والذب عنه، والعناية بكتاب الله تعالى وبسنة رسوله صلى الله عليه وسلم رواية ودراية، والحرص على نفع المسلمين وهدايتهم،ولكن هذا لا يستلزم عصمتهم من الخطأ فيما أخطئوا فيه، ولا قبول قولهم في كل ما قالوه، ولا يمنع من بيان خطئهم ورده لما في ذلك من بيان الحق وهداية الخلق.ولا ننكر أيضاً أن لبعضهم قصداً حسناً فيما ذهب إليه وخفي عليه الحق فيه، ولكن لا يكفي لقبول القول حسن قصد قائله، بل لابد أن يكون موافقاً لشريعة الله - عز وجل - فإن كان مخالفاً لها وجب رده على قائله كائناً من كان؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"(216).
ثم إن كان قائله معروفاً بالنصيحة والصدق في طلب الحق اعتذر عنه في هذه المخالفة وإلا عومل بما يستحقه بسوء قصده ومخالفته.
فإن قال قائل: هل تكفرون أهل التأويل أو تفسقونهم؟
قلنا: الحكم بالتكفير والتفسيق ليس إلينا بل هو إلى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، فهو من الأحكام الشرعية التي مردها إلى الكتاب والسنة، فيجب التثبت فيه غاية التثبت، فلا يكفر ولا يفسق إلا من دل الكتاب والسنة على كفره أو فسقه.
والأصل في المسلم الظاهر العدالة بقاء إسلامه وبقاء عدالته حتى يتحقق زوال ذلك عنه بمقتضى الدليل الشرعي. ولا يجوز التساهل في تكفيره أو تفسيقه؛ لأن في ذلك محذورين عظيمين:
أحدهما: افتراء الكذب على الله تعالى في الحكم، وعلى المحكوم عليه في الوصف الذي نبزه به.
الثاني: الوقوع فيما نبز به أخاه إن كان سالماً منه. ففي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كفر الرجل أخاه فقد باء بها أحدهما". وفي رواية: "إن كان كما قال وإلا رجعت عليه". وفيه عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ومن دعا رجلاً بالكفر أو قال عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه"(217).
وعلى هذا فيجب قبل الحكم على المسلم بكفر أو فسق أن ينظر في أمرين:
أحدهما: دلالة الكتاب أو السنة على أن هذا القول أو الفعل موجب للكفر أو الفسق.
الثاني: انطباق هذا الحكم على القائل المعين أو الفاعل المعين بحيث تتم شروط التكفير أو التفسيق في حقه وتنتفي الموانع.
ومن أهم الشروط أن يكون عالماً بمخالفته التي أوجبت أن يكون كافراً أو فاسقاً؛ لقوله تعالى: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً)(218). وقوله: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ* إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ)(219).
ولهذا قال أهل العلم: لا يكفر جاحد الفرائض إذا كان حديث عهد بإسلام حتى يبين له.
ومن الموانع أن يقع ما يوجب الكفر أو الفسق بغير إرادة منه ولذلك صور:
منها: أن يكره على ذلك فيفعله لداعي الإكراه لا اطمئناناً به، فلا يكفر حينئذ؛ لقوله تعالى: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)(220).
ومنها: أن يغلق عليه فكره، فلا يدري ما يقول لشدة فرح أو حزن أو خوف أو نحو ذلك.
ودليله ما ثبت في صحيح مسلم عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك! أخطأ من شدة الفرح"(221).
قال شيخ الإسلام ابن تيميه - رحمه الله - ص180 جـ12 مجموع الفتاوى لابن قاسم: "وأما التكفير فالصواب أن من اجتهد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم وقصد الحق فأخطأ لم يكفر بل يغفر له خطؤه، ومن تبين له ما جاء به الرسول فشاق الرسول من بعد ما تبين له الهدى واتبع غير سبيل المؤمنين فهو كافر، ومن اتبع هواه وقصر في طلب الحق وتكلم بلا علم فهو عاص مذنب ثم قد يكون فاسقاً. وقد يكون له حسنات ترجح على سيئاته".أهـ.
وقال في ص229 جـ3 من المجموع المذكور في كلام له: "هذا مع أني دائماً ومن جالسني يعلم ذلك مني أني من أعظم الناس نهياً عن أن ينسب معين إلى تكفير وتفسيق ومعصية، إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافراً تارة وفاسقاً أخرى وعاصياً أخرى، وإني أقرر أن الله قد غفر لهذه الأمة خطأها وذلك يعم الخطأ في المسائل الخبرية القولية والمسائل العملية. وما زال السلف يتنازعون في كثير من هذه المسائل ولم يشهد أحد منهم على أحد لا بكفر ولا بفسق ولا بمعصية. وذكر أمثلة ثم قال:
"وكنت أبين أن ما نقل عن السلف والأئمة من إطلاق القول بتكفير من يقول كذا وكذا فهو أيضاً حق لكن يجب التفريق بين الإطلاق والتعيين، إلى أن قال:
والتكفير هو من الوعيد؛ فإنه وإن كان القول تكذيباً لما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن قد يكون الرجل حديث عهد بإسلام أو نشأ ببادية بعيدة، ومثل هذا لا يكفر بجحد ما يجحده حتى تقوم عليه الحجة، وقد يكون الرجل لم يسمع تلك النصوص، أو سمعها ولم تثبت عنده أو عارضها عنده معارض آخر، أوجب تأويلها وإن كان مخطئاً.
وكنت دائماً أذكر الحديث الذي في الصحيحين في الرجل الذي قال: "إذا أنا مت فأحرقوني، ثم اسحقوني، ثم ذروني في اليم، فوالله لئن قدر الله عليَّ ليعذبني عذاباً ما عذبه أحداً من العالمين. ففعلوا به ذلك فقال الله: ما حملك على ما فعلت؟ قال: خشيتك. فغفر له"(222).
فهذا رجل شك في قدرة الله وفي إعادته إذا ذرى بل اعتقد أنه لا يعاد، وهذا كفر باتفاق المسلمين، لكن كان جاهلاً لا يعلم ذلك، وكان مؤمناً يخاف الله أن يعاقبه فغفر له بذلك.
والمتأول من أهل الاجتهاد الحريص على متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم أولى بالمغفرة من مثل هذا".أهـ.
وبهذا علم الفرق بين القول والقائل، وبين الفعل والفاعل، فليس كل قول أو فعل يكون فسقاً أو كفراً يحكم على قائله أو فاعله بذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله ص165 جـ35 من مجموع الفتاوى: "وأصل ذلك أن المقالة التي هي كفر بالكتاب والسنة والإجماع، يقال هي كفر قولاً يطلق كما دلت على ذلك الدلائل الشرعية، فإن الإيمان من الأحكام المتلقاة عن الله ورسوله، ليس ذلك مما يحكم فيه الناس بظنونهم وأهوائهم، ولا يجب أن يحكم في كل شخص قال ذلك بأنه كافر حتى يثبت في حقه شروط التكفير وتنتفي موانعه، مثل من قال: إن الخمر أو الربا حلال لقرب عهده بالإسلام أو لنشوئه في بادية بعيدة، أو سمع كلاماً أنكره ولم يعتقد أنه من القرآن الكريم ولا أنه من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان بعض السلف ينكر أشياء حتى يثبت عنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قالها. إلى أن قال: فإن هؤلاء لا يكفرون حتى تقوم عليهم الحجة بالرسالة كما قال الله تعالى: (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ )(223). وقد عفا الله لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان.أهـ.
وبهذا علم أن المقالة أو الفعلة قد تكون كفراً أو فسقاً، ولا يلزم من ذلك أن يكون القائم بها كافراً أو فاسقاً إما لانتفاء شرط التكفير أو التفسيق أو وجود مانع شرعي يمنع منه. لكن من انتسب إلى غير الإسلام أعطي أحكام الكفار في الدنيا، ومن تبين له الحق فأصر على مخالفته تبعاً لاعتقاد كان يعتقده أو متبوع كان يعظمه أو دنيا كان يؤثرها فإنه يستحق ما تقتضيه تلك المخالفة من كفر أو فسوق. فعلى المؤمن أن يبني معتقده وعمله على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فيجعلهما إماماً له يستضيء بنورهما، ويسير على منهاجهما؛ فإن ذلك هو الصراط المستقيم الذي أمر الله تعالى به في قوله: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)(224).
وليحذر ما يسلكه بعض الناس من كونه يبني معتقده أو عمله على مذهب معين، فإذا رأى نصوص الكتاب والسنة على خلافه حاول صرف هذه النصوص إلى ما يوافق ذلك المذهب على وجوه متعسفة، فيجعل الكتاب والسنة تابعين لا متبوعين، وما سواهما إماماً لا تابعاً! وهذه طريق من طرق أصحاب الهوى؛ لا أتباع الهدى، وقد ذم الله هذه الطريق في قوله: (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ)(225).
والناظر في مسالك الناس في هذا الباب يرى العجب العجاب، ويعرف شدة افتقاره إلى ربه فهو حري أن يستجيب الله تعالى له سؤله، يقول الله تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)(226).
فنسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن رأى الحق حقاً واتبعه، ورأى الباطل باطلاً واجتنبه. وأن يجعلنا هداة مهتدين، وصلحاء مصلحين وألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، ويهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب. والحمد لله رب العالمين الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على نبي الرحمة وهادي الأمة إلى صراط العزيز الحميد بإذن ربهم وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

تم في اليوم الخامس عشر من شهر شوال سنة 1404هـ
بقلم مؤلفه الفقير إلى الله
محمد الصالح العثيمين



بسم الله الرحمن الرحيم

نص الكلمة التي نشرناها في "مجلة الدعوة" السعودية
في عدد (911) الصادر يوم الاثنين الموافق 4/1/1404هـ

الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليماً.
أما بعد:
فقد كنا تكلمنا في بعض مجالسنا على معنى معية الله تعالى لخلقه، ففهم بعض الناس من ذلك ما ليس بمقصود لنا ولا معتقد لنا، فكثر سؤال الناس وتساؤلهم ماذا يقال في معية الله لخلقه؟
وإننا:
(أ) لئلا يعتقد مخطئ أو خاطئ في معية الله ما لا يليق به.
(ب) ولئلا يتقول علينا متقول ما لم نقله أو يتوهم واهم فيما نقوله ما لم نقصده.
(جـ) ولبيان معنى هذه الصفة العظيمة التي وصف الله بها نفسه في عدة آيات من القرآن الكريم ووصفه بها نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
نقرر ما يأتي:
أولاً: معية الله تعالى لخلقه ثابتة بالكتاب والسنة، وإجماع السلف، قال الله تعالى: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ)(227). وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ)(228). وقال تعالى لموسى وهارون حين أرسلهما إلى فرعون: (لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى)(229). وقال عن رسوله محمد صلى الله عليه وسلم: (إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)(230). وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أفضل الإيمان أن تعلم أن الله معك حيثما كنت"(231). حسنه شيخ الإسلام ابن تيميه في العقيدة الواسطية، وضعفه بعض أهل العلم، وسبق قريباً ما قاله الله تعالى عن نبيه من إثبات المعية له.
وقد أجمع السلف على إثبات معية الله تعالى لخلقه.
ثانياً: هذه المعية حق على حقيقتها، لكنها معية تليق بالله تعالى ولا تشبه معية أي مخلوق لمخلوق؛ لقوله تعالى عن نفسه: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(232). وقوله: (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً). وقوله: (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ)(233). وكسائر صفاته الثابتة له حقيقة على وجه يليق به ولا تشبه صفات المخلوقين.
قال ابن عبد البر: "أهل السنة مجمعون على الصفات الواردة كلها في القرآن والسنة والإيمان بها وحملها على الحقيقة لا على المجاز إلا أنهم لا يكيفون شيئاً من ذلك، ولا يحدون فيه صفة محدودة". أ.هـ. نقله عنه شيخ الإسلام ابن تيميه في الفتوى الحموية ص87 من المجلد الخامس من مجموع الفتاوى لابن قاسم.
وقال شيخ الإسلام في هذه الفتوى ص102 من المجلد المذكور: "ولا يحسب الحاسب أن شيئاً من ذلك - يعني مما جاء في الكتاب والسنة - يناقض بعضه بعضاً ألبته مثل أن يقول القائل: ما في الكتاب والسنة من أن الله فوق العرش يخالفه الظاهر من قوله: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ)(234). وقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإن الله قبل وجهه"(235). ونحو ذلك، فإن هذا غلط وذلك أن الله معنا حقيقة، وهو فوق العرش حقيقة كما جمع الله بينهما في قوله: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)(236). فأخبر أنه فوق العرش يعلم كل شيء وهو معنا أينما كنا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الأوعال: "والله فوق العرش، وهو يعلم ما أنتم عليه"(237).
وذلك أن كلمة - مع - في اللغة إذا أطلقت فليس ظاهرها في اللغة إلا المقارنة المطلقة من غير وجوب مماسة أو محاذاة عن يمين أو شمال، فإذا قيدت بمعنى من المعاني دلت على المقارنة في ذلك المعنى فإنه يقال: مازلنا نسير والقمر معنا أو والنجم معنا. ويقال: هذا المتاع معي لمجامعته لك، وإن كان فوق رأسك فالله مع خلقه حقيقة وهو فوق عرشه حقيقة. أ.هـ. كلامه.
ثالثاً: هذه المعية تقتضي الإحاطة بالخلق علماً وقدرة، وسمعاً وبصراً وسلطاناً وتدبيراً وغير ذلك من معاني ربوبيته إن كانت المعية عامة لم تخص بشخص أو وصف كقوله تعالى: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ)(238). وقوله: (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا)(239).
فإن خصت بشخص أو وصف اقتضت مع ذلك النصر والتأييد والتوفيق والتسديد.
مثال المخصوصة بشخص: قوله تعالى لموسى وهارون: (إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى)(240). وقوله عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)(241).
ومثال المخصوصة بوصف: قوله تعالى: (وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)(242). وأمثاله في القرآن الكريم كثيرة.
قال شيخ الإسلام ابن تيميه في الفتوى الحموية ص103 من المجلد الخامس من مجموع الفتاوى لابن قاسم قال: "ثم هذه المعية تختلف أحكامها بحسب الموارد. فلما قال: (يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا). إلى قوله: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ)(243). دل ظاهر الخطاب على أن حكم هذه المعية ومقتضاها أنه مطلع عليكم، شهيد عليكم، ومهيمن عالم بكم، وهذا معنى قول السلف: إنه معهم بعلمه، وهذا ظاهر الخطاب وحقيقته. قال: ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم لصاحبه في الغار لا تحزن إن الله معنا، كان هذا أيضاً حقاً على ظاهره، ودلت الحال على أن حكم هذه المعية هنا معية الاطلاع والنصر والتأييد، وكذلك قوله: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ)(244). وكذلك قوله لموسى وهارون: (إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى). هنا المعية على ظاهرها وحكمها في هذه المواطن النصر والتأييد.
إلى أن قال: "ففرق بين معنى المعية ومقتضاها وربما صار مقتضاها من معناها فيختلف باختلاف المواضع".أهـ.
وقال محمد بن الموصلي في كتاب (استعجال الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة) لابن القيم في المثال التاسع ص409 ط الإمام: "وغاية ما تدل عليه - مع - المصاحبة والموافقة والمقارنة في أمر من الأمور، وذا الاقتران في كل موضع بحسبه ويلزمه لوازم بحسب متعلقه، فإذا قيل: الله مع خلقه بطريق العموم كان من لوازم ذلك علمه بهم وتدبيره لهم وقدرته عليهم، وإذا كان ذلك خاصاً كقوله: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ). كان من لوازم ذلك معيته لهم بالنصرة والتأييد والمعونة.
فمعية الله تعالى مع عبده نوعان: عامة وخاصة، وقد اشتمل القرآن الكريم على النوعين، وليس ذلك بطريق الاشتراك اللفظي بل حقيقتها ما تقدم من الصحبة اللائقة. أهـ.
وذكر ابن رجب في شرح الحديث التاسع عشر من الأربعين النووية: "أن المعية الخاصة تقتضي النصر والتأييد والحفظ والإعانة، وأن العامة تقتضي علمه واطلاعه ومراقبته لأعمالهم".
وقال ابن كثير في تفسير آية المعية في سورة المجادلة: ولهذا حكي غير واحد الإجماع على أن المراد بهذه المعية معية علمه، قال: ولا شك في إرادة ذلك ولكن سمعه أيضاً مع علمه بهم وبصره نافذ فيهم فهو - سبحانه - مطلع على خلقه لا يغيب عنه من أمورهم شيء". أهـ.
رابعاً: هذه المعية لا تقتضي أن يكون الله تعالى مختلطاً بالخلق أو حالاً في أمكنتهم، ولا تدل على ذلك بوجه من الوجوه؛ لأن هذا معنى باطل مستحيل على الله عز وجل، ولا يمكن أن يكون معنى كلام الله ورسوله شيئاً مستحيلاً باطلاً.
قال شيخ الإسلام ابن تيميه في "العقيدة الواسطية" ص115 ط ثالثة من شرح محمد خليل الهراس: "وليس معنى قوله: (وَهُوَ مَعَكُمْ) أنه مختلط بالخلق فإن هذا لا توجبه اللغة، بل القمر آية من آيات الله تعالى من أصغر مخلوقاته، وهو موضوع في السماء، وهو مع المسافر وغير المسافر أينما كان". أهـ.
ولم يذهب إلى هذا المعنى الباطل إلا الحلولية من قدماء الجهمية وغيرهم الذين قالوا: إن الله بذاته في كل مكان. تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً. و (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً).
وقد أنكر قولهم هذا من أدركه من السلف والأئمة، لما يلزم عليه من اللوازم الباطلة المتضمنة لوصفه تعالى بالنقائص وإنكار علوه على خلقه.
وكيف يمكن أن يقول قائل: إن الله تعالى بذاته في كل مكان أو إنه مختلط بالخلق وهو - سبحانه - قد (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ)(245)، (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ)(246).
خامساً: هذه المعية لا تناقض ما ثبت لله تعالى من علوه على خلقه، واستوائه على عرشه، فإن الله تعالى قـد ثبت له العلو المطلق علو الذات، وعلو الصفة، قال الله تعالى: (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ)(247). وقال (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى)(248). وقال تعالى: (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(249).
وقد تضافرت الأدلة من الكتاب والسنة، والإجماع والعقل، والفطرة على علو الله تعالى.
أما أدلة الكتاب والسنة فلا تكاد تحصر.مثل قوله تعالى: (فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ)(250) وقوله تعالى: (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِه)(251). وقوله: (أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً)(252).وقوله:(تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ)(253).وقوله:(قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّك)(254). إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة.
ومثل قوله صلى الله عليه وسلم: "ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء"(255). وقوله: "والعرش فوق الماء والله فوق العرش"(256). وقوله: "ولا يصعد إلى الله إلا الطيب"(257).
ومثل إشارته إلى السماء يوم عرفة. يقول: "اللهم اشهد"(258)، يعني على الصحابة حين أقروا أنه بلغ.
ومثل إقراره الجارية حين سألها: "أين الله؟" قالت: في السماء. قال: "أعتقها فإنها مؤمنة"(259).
إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة.
وأما الإجماع: فقد نقل إجماع السلف على علو الله تعالى غير واحد من أهل العلم.
وأما دلالة العقل على علو الله تعالى: فلأن العلو صفة كمال والسفول صفة نقص، والله تعالى موصوف بالكمال منزه عن النقص.
وأما دلالة الفطرة على علو الله تعالى: فإنه ما من داع يدعو ربه إلا وجد من قلبه ضرورة بالاتجاه إلى العلو من غير دراسة كتاب ولا تعليم معلم.
وهذا العلو الثابت لله تعالى بهذه الأدلة القطعية لا يناقض حقيقة المعية وذلك من وجوه:
الأول: أن الله تعالى جمع بينهما لنفسه في كتابه المبين المنزه عن التناقض؛ ولو كانا متناقضين لم يجمع القرآن الكريم بينهما.
وكل شيء في كتاب الله تعالى تظن فيه التعارض فيما يبدو لك فأعد النظر فيه مرة بعد أخرى حتى يتبين لك. قال الله تعالى: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً)(260).
الثاني: أن اجتماع المعية والعلو ممكن في حق المخلوق. فإنه يقال: مازلنا نسير والقمر معنا، ولا يعد ذلك تناقضاً، ومن المعلوم أن السائرين في الأرض والقمر في السماء، فإذا كان هذا ممكناً في حق المخلوق فما بالك بالخالق المحيط بكل شيء.
قال الشيخ محمد خليل الهراس ص115 في شرحه "العقيدة الواسطية" عند قول المؤلف: بل القمر آية من آيات الله تعالى، من أصغر مخلوقاته وهو مع المسافر وغير المسافر أينما كان. قال: وضرب لذلك مثلاً بالقمر الذي هو موضوع في السماء، وهو مع المسافر وغيره أينما كان، قال: فإذا جاز هذا في القمر وهو من أصغر مخلوقات الله تعالى؛ أفلا يجوز بالنسبة إلى اللطيف الخبير الذي أحاط بعباده علماً وقدرة والذي هو شهيد مطلع عليهم يسمعهم ويراهم ويعلم سرهم ونجواهم، بل العالم كله سمواته وأرضه من العرش إلى الفرش بين يديه كأنه بندقة في يد أحدنا، أفلا يجوز لمن هذا شأنه، أن يقال: إنه مع خلقه مع كونه عالياً عليهم بائناً منهم فوق عرشه؟!. أهـ.
الوجه الثالث: أن اجتماع العلو والمعية لو فرض أنه ممتنع في حق المخلوق لم يلزم أن يكون ممتنعاً في حق الخالق، فإن الله لا يماثله شيء من خلقه: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(261).
قال شيخ الإسلام ابن تيميه في "العقيدة الواسطية" ص116 ط ثالثة من شرح الهراس: "وما ذكر في الكتاب والسنة من قربه وفوقيته لا ينافي ما ذكره من علوه وفوقيته، فإنه سبحانه ليس كمثله شيء في جميع نعوته وهو عليِّ في دنوه قريب في علوه". أهـ.
وخلاصة القول في هذا الموضوع كما يلي:
1- أن معية الله تعالى لخلقه ثابتة بالكتاب والسنة وإجماع السلف.
2- أنها حق على حقيقتها على ما يليق بالله تعالى من غير أن تشبه معية المخلوق للمخلوق.
3- أنها تقتضي إحاطة الله تعالى بالخلق علماً وقدرة، وسمعاً وبصراً وسلطاناً وتدبيراً، وغير ذلك من معاني ربوبيته إن كانت المعية عامة، وتقتضي مع ذلك نصراً وتأييداً وتوفيقاً وتسديداً إن كانت خاصة.
4- أنها لا تقتضي أن يكون الله تعالى مختلطاً بالخلق، أو حالاً في أمكنتهم، ولا تدل على ذلك بوجه من الوجوه.
5- إذا تدبرنا ما سبق علمنا أنه لا منافاة بين كون الله تعالى مع خلقه حقيقة، وكونه في السماء على عرشه حقيقة. سبحانه وبحمده لا نحصي ثناء عليه، هو كما أثنى على نفسه. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

حرره الفقير إلى الله تعالى
محمد الصالح العثيمين
في 27/11/1403هـ). [القواعد المثلى: ؟؟]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:20 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة